المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الطريقة النبوية في رد الانفعالات إلى الوسطية - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ٢٢٣

[محمد صالح المنجد]

الفصل: ‌الطريقة النبوية في رد الانفعالات إلى الوسطية

‌الطريقة النبوية في رد الانفعالات إلى الوسطية

أيها الإخوة! إن هذا هو ما نريد أن نلقي عليه الضوء في بقية الحديث في هذه الليلة.

إن المفتاح لمعرفة الجواب عن هذه الأمور يكمن في: أولاً: معرفة المرحلة التي نمر بها، والتقويم الصحيح لهذا الوضع الذي نعيش فيه، هل نحن في مكانٍ أو في مرحلة لا نستطيع فيها قول الشهادة على الإطلاق؟ أو أننا في وقتٍ فيه عزة للإسلام تستطيع فيه أن تغير ما شئت من المنكرات كيف شئت؟ الصواب: لا هذا ولا ذاك، وإننا نعيش اليوم مرحلة من مراحل الاستضعاف ولا شك، وإن الهيمنة للكفرة ولا شك، ولكننا نوقن بأن الله ناصرٌ دينه، ومعزٌ أولياءه، ومظهرٌ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فعلينا إذاً لضبط انفعالاتنا في مواجهة هذه الانحرافات والمنكرات وهذا الطغيان والظلم أن نعود بأذهاننا إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف كان حاله وحال أصحابه عندما كانوا في وضعٍ يشابه الوضع الذي نعيش فيه الآن، من جهة غربة الدين ووقوع الظلم عليهم؛ كما هو واقع على كثير من المسلمين اليوم، ماذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم عندما كان يظلم وهو بـ مكة؟ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يصلي عند الكعبة وجمعٌ من قريشٌ في مجالسهم إذ قال قائلٌ منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك، الآن الرسول عليه الصلاة والسلام في أسوء الحالات، وضعوا على ظهره سلى الجزور وهو ساجد عند الكعبة وهو رسول الله وأفضل الخلق صلى الله عليه وسلم، ثم أخذوا يتضاحكون حتى كاد بعضهم يسقط من الضحك، ماذا يمكن للإنسان أن يفعل في هذه الحالة؟ لا بد أن نسائل أنفسنا ونقوم الموقف ماذا يمكن للإنسان أن يفعل في هذه الحالة؟ هل يأخذ أقرب سيف ويتجه إلى أقرب مشرك ويضرب رأسه بالسيف؟! لم يكن المسلمون الذين شاهدوا الحادثة بعاجزين أن يتجه واحدٌ منهم إلى أقرب مشرك ويضربه بالسيف، أو يقطع رقبة الذي وضع سلى الجزور على ظهر الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنهم لم يفعلوا ذلك، فانطلق منطلقٌ إلى فاطمة وهو جويرية صغيرة فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً حتى ألقته عنه وأقبلت عليهم تسبهم، إذاً الإنكار كان من فاطمة الصغيرة بالقول هذا الذي تستطيعه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: اللهم عليك بقريش، فأنكرت عليهم فاطمة ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا كل ما حصل، تحمل الأذى صلى الله عليه وسلم.

قال له أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ ما قال: اسكت يا كذا، الوضع لا يسمح بذلك، جاء في بعض الأحاديث: أن أصحاب بيعة العقبة الثانية رأوا أنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه في مكة، فتحمسوا وأخذتهم الحمية قالوا:(إن أردت أن نغير على أهل منىً غداً، قال عليه الصلاة والسلام: إنا لم نؤمر بذلك) وهذا الحديث فيه كلام، وهو من رواية ابن إسحاق عن معبد بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك، لكن فيه معنىً مفيد ومهم للوضع الذي تعايشه الدعوة اليوم، تحمل عليه الصلاة والسلام الأذى لما كان مستضعفاً، وحتى لما صار في المدينة وهي القاعدة ما دام أن الرد ليس في مصلحة الإسلام لم يرد، كم مرةٍ آذاه عبد الله بن سلول؟ وكم بلغ شر هذا الرجل؟ أوقع بين فئتين من المسلمين حتى اقتتلوا، وقذف عائشة حتى انتشر خبر الإفك في المدينة، وأوذي عليه الصلاة والسلام في ذاته، ماذا فعل عندما انخذل في أحد؛ ربما انخذل بعددٍ كبير من الجيش، فعل طامات كبيرة لكن ما كانت المصلحة في قتله، لو قتلوه لقال الناس: إن محمداً يقتل أصحابه، فصار ذلك سداً ومانعاً من الدخول في الدين بالنسبة للناس البعداء الذين لا يعرفون حقائق الأمور وإنما يظهر لهم أن عبد الله بن أبي رجل من المسلمين ثم يقتله صلى الله عليه وسلم قال:(لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) لما كانت الأفضلية في عدم قتل الرجل ما قتله عليه الصلاة والسلام مع أن الرجل كان له شرٌ كبير مستطير.

المسلمون في مكة اضطهدوا اضطهاداً شديداً، أخذهم المشركون وألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس، لا شك أنه كان يمكن اغتيال بعض الكفار في مكة لكن ما هي الفائدة؟ كانوا يضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالساً من شدة الضر الذي نزل به، فكيف واجه عليه الصلاة والسلام هذه القضية مع أصحابه؟ بثلاثة أشياء: 1 - كان يذكرهم بالأجر الذي ينتظرهم ويقول: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة).

2 -

كان يقص عليهم من أنباء ما قد سبق ما هو مشابه لمرحلتهم وظروفهم التي يعيشون فيها، فكان يقول لهم:(إن الرجل كان فيمن كان قبلكم يؤتى وينشر بالمنشار الحديد ما بين اللحم والعظم ما يصده ذلك عن دينه) وقصة أصحاب الأخدود من أروع الأمثلة الدالة على هذا المبدأ.

3 -

كان يذكرهم أن المستقبل للإسلام ويقول: (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه).

ص: 11