المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطالبة بني إسرائيل نبيهم بالجهاد واختباره لهم - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ٢٧٧

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌قصة طالوت وجالوت

- ‌بنو إسرائيل مع نبيهم وملكهم طالوت

- ‌بنو إسرائيل في حالة الاستضعاف

- ‌مطالبة بني إسرائيل نبيهم بالجهاد واختباره لهم

- ‌خروج طالوت بقومه للقتال واختباره لهم

- ‌الاختبار الثاني لأصحاب طالوت

- ‌فوائد قصة طالوت مع قومه في قتال جالوت

- ‌مرحلة الاستضعاف تولد التحدي وقوة الإيمان

- ‌الاعتداد في الملك والقيادة بالعلم والقدرة

- ‌الله خالق أعمال العباد

- ‌أخذهم الجلال والهيبة والوقار من التابوت

- ‌النصر يكون ببذل الأسباب الشرعية

- ‌العبرة ليست بكثرة العدد

- ‌قيمة اللجوء إلى الله ودعائه

- ‌الصبر واتخاذ الأسباب المادية عند لقاء العدو

- ‌فضل داود عليه السلام

- ‌في هذه الآيات تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ما ورد من الإسرائيليات لا يُستند إليه

- ‌فوائد للقصة ذكرها محمد رشيد رضا

- ‌القائد قد يكون مغموراً فتظهره الأحداث

- ‌البلاء إذا نزل أدركه الناس كلهم

- ‌القائد ينتخبه أهل الحل والعقد

- ‌الجهل سبب في فقد الموازين الشرعية

- ‌طاعة القائد سبب في النصر

- ‌أن التوجه إلى الله مهم جداً حال القتال

- ‌سنة التدافع بين الناس

- ‌الحنكة والحكمة في القيادة الصالحة

- ‌عدم ضعف طالوت عند تخاذل قومه

- ‌أهمية وجود الأمير والقائد في الجيش

- ‌إذا عظم الأمر عظمت الإمرة

- ‌في هذه القصة عزاء للصحوة الإسلامية

- ‌الابتلاء للمؤمنين حاصل

- ‌لا ينبغي الاغترار بالحماسة

- ‌اختلاف الناس في التقليد

- ‌الأيام دول بين الناس

- ‌لو بقيت الأرض تحت سلطان الكافرين ما عُبِد الله سبحانه

- ‌مضاعفة الأجر للقابض على دينه

- ‌تعليم الخبرات في مواجهة المواقف الجديدة

- ‌فراسة نبي بني إسرائيل

- ‌الأمة المنعمة تنهزم حال الحرب

- ‌الإمامة ليست موروثة

- ‌المظهر ليس دليلاً على الجوهر

- ‌إثبات قاعدة: إذا أردت أن تطاع فمر بما يستطاع

- ‌الشراب يقوم مقام الطعام إذا عدم

- ‌عدم الهجوم على الماء حال العطش

- ‌شدة يقين الذين بقوا في النهاية

- ‌المواهب تنبع من ميادين القتال

- ‌الأسئلة

- ‌المراد بالنصارى الأقرب مودة للمؤمنين

- ‌حكم تحليل الدم في نهار رمضان

- ‌المقصود بعلم طالوت في الآية

- ‌حكم استنشاق رائحة ملطف الجو

- ‌الخلوة بالمرأة للقراءة عليها

- ‌حكم التسمي بـ (عُلا)

- ‌حكم نصارى اليوم في تعازيهم

- ‌جواز صلاة الفريضة وراء المتنفل

- ‌بطلان دعاء: اللهم إني صائم على رضاك عند الإفطار

- ‌حكم من أسلم في رمضان

- ‌معنى الحجامة وحكمها في رمضان

- ‌حكم الاشتراك في بطاقة الفيزا

- ‌حكم من ينتظر في التراويح حتى إذا ركع الإمام ركع معه

- ‌حكم صبغ الشعر بغير الأسود

- ‌حكم المرأة تشم النساء

- ‌حكم تعلم المواد غير الشرعية

- ‌بيان بطلان أحقية اليهود لبيت المقدس

- ‌حكم شراء أوراق أسئلة المسابقة

- ‌حكم من نوى الإفطار ثم لم يفطر

- ‌بيان أقل مدة للاعتكاف

- ‌حكم المحرم إذا تعطر ناسياً

- ‌حكم وضوء النائم

- ‌حكم من صلى العصر بغير وضوء

- ‌حكم من نوى صلاة الفجر ثم نام عنها

- ‌حال حديث (لا تظهر الشماتة بأخيك)

- ‌حكم الجلوس مع مشاهدي المسلسلات المحرمة

- ‌حكم رفع اليدين في الدعاء

الفصل: ‌مطالبة بني إسرائيل نبيهم بالجهاد واختباره لهم

‌مطالبة بني إسرائيل نبيهم بالجهاد واختباره لهم

هذه إذاً قصة بداية الصحوة في هذه الفترة، استيقظت العقيدة في نفوس وجهائهم، وكانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما مات نبي خلفه نبي، ولا شك أن شدة الذل والاستضعاف يولد في النهاية التحدي، وإرادة التغلب والإنقاذ من هذه الورطة التي يعيش فيها المستضعفون، وهذا النبي الذي لا نعلم اسمه كان معهم في فترة الاستضعاف، وليس من المهم معرفة اسمه ولذلك أبهم في الكتاب العزيز فقال الله:{إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ} [البقرة:246] ليس المهم ما هو اسم النبي، المهم أنهم قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، أرادوا أن يقاتلوا مع ملك ولم يريدوا أن يقاتلوا مع النبي.

ولما كان النبي فيهم -هذا- يعلم طبيعتهم المائعة، وهمتهم الرخوة، وأنهم لو أمروا بالقتال فسوف يرتدون عنه، وينكصون ويقعدون، قال لهم يريد التأكد منهم:{هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا} [البقرة:246]؟ يريد التأكد من هذه الهمة وهذه الروح الجهادية التي استيقظت الآن؛ لأنهم قالوا: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:246] يعني: القوم يريدون الجهاد، وهذا النبي الكريم يريد أن يتأكد من حالهم، فقال:{هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا} [البقرة:246]؟ فأظهروا الإيمان، وحب الجهاد، وإرادة الخلاص من الذل والصغار، ولكنهم في أول اختبار ظهرت طبائع نفوسهم التي امتلأت بحب الدنيا والظهور فيها، وعدم التسليم لأمر الله تعالى.

هم طمأنوا نبيهم أنهم سوف يقاتلون ولا يتخلفون، وإنما فقط الذي يمنعهم من عدم الجهاد هو عدم وجود ملك، فلو وجد ملك سيسارعون للقتال، وبينوا له الباعث القوي للقتال وقالوا: إنه الذل الذي يعيشونه: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة:246].

فلما سمع نبيهم بذلك، ولاحظ حماستهم، واندفاعهم، جاء الوحي من الله تعالى بأن الملك الذي عينه الله لقيادتهم في الجهاد هو طالوت، وأنه هو الذي سيقودهم إلى النصر والعزة وتحرير أرضهم من المغتصبين، لكن هؤلاء القوم لم يتخلصوا من حب الدنيا أبداً، ولذلك في أول اختبار بمجرد أن أعلمهم باسم الملك الذي سيقودهم قالوا: أنى يكون له الملك علينا؟ اعتراض أولي وفوري، اعتراض على اسم القائد، لماذا فلان؟ بدلاً من أن يسلموا لأمر الله جاءت الطبيعة اليهودية -كما مر معنا في قصة البقرة- لتعترض:{أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ} [البقرة:247].

بعد أن استعدوا قبل قليل للقتال إذا بهم يعترضون على القائد الذي عين من عند الله تعالى لأنه قال: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً} [البقرة:247] فلم يكن منتخباً منهم أو معيناً من نبيهم فقط وإنما كان من الله، وهذا الاعتراض ولا شك كان دليلاً واضحاً على تلكؤ القوم في تنفيذ الأوامر.

وتمضي القصة لتبين بأنهم فوجئوا إذ كانوا يتوقعونه ملكاً قادماً من بيت الملك، وأن طالوت ليس من بيت الملك، ثم إنه فقير، وبين القوم تعلقهم بالدنيا بقولهم:{وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} [البقرة:247] فعجب النبي لموقف القوم الذين كانوا يريدون ملكاً يقاتلون وراءه، فبين لهم نبيهم المواصفات التي تؤهله للملك، وأنه أنسب الناس حسب الميزان الرباني:((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ)) تمكناً منه ((وَالْجِسْمِ)) يعني: قدرة على القيادة وتحمل أعباء القتال: {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:247] وأراد نبيهم أن يبين لهم بالتأكيد آية وعلامة على صحة تولي هذا الملك عليهم فقال لهم: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ} [البقرة:248] يأتيهم التابوت بدون قتال ولا حرب، ستحمله الملائكة وتأتي به إليهم، وهذا دليل على أن طالوت هو الملك من عند الله، والسكينة: هي الراحة والرضا واليقين، وفي هذا التابوت أشياء مادية ورثوها عن آل موسى وآل هارون.

ص: 4