الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة التحقيق
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا كتاب "الأنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة" للشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه الله. وواضح من عنوانه أنه نقضٌ لكتاب "أضواء على السنة المحمّدية" لمحمود أبو رية.
وخلاصة كتاب أبي رية: توجيه جملة من الطعون والشبهات إلى السنة النبوية والعمل بها، وإلى علم الحديث وعلمائه، وإلى رواة الحديث وحَمَلته، بل وإلى طائفة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين! وخصّ منهم بالطعن راويةَ الإسلام وحافظَ سنة النبي عليه السلام: أبا هريرة رضي الله عنه، ولم يكتفِ بالطعن بل زاد إليه السفاهةَ والتهكّمَ والتجنّي
(1)
.
(1)
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في حاشية "المسند": (6/ 522): "وقد لهج أعداء الإسلام في عصرنا وشغفوا بالطعن في أبي هريرة، وتشكيك الناس في صدقه وفي روايته، وما إلى ذلك أرادوا، وإنما أرادوا أن يصلوا - زعموا - إلى تشكيك الناس في الإسلام تبعًا لسادتهم المبشرين، وإن تظاهروا بالقصد إلى الاقتصار على الأخذ بالقرآن أو الأخذ بما صح من الحديث - في رأيهم - وما صح من الحديث في رأيهم إلا ما وافق أهواءهم، وما يتبعون من شعائر أوربا وشرائعها".
ولن أكشف سِرًّا إذا قلت: إن أبا رية لم يُضف جديدًا إلى البحث العلمي، ولا إلى أصل الشُّبَه والطعون التي يذكرها الطاعنون في السنة النبوية وحَمَلَتها، بل كان في حقيقة أمره مِن مستنقع المستشرقين وأضرابهم يمتح، وعن مائهم الآسن يصدر! ولولا ما مَهَدوه له لَما راح أبو ريّة ولا جاء!
= مع ذلك فقد امتاز كتابه بأمور فاق بها مَن تقدّمه من الطاعنين، يجمعها:"ضعف الوازع الديني والأخلاقي والعلمي"! وتفصيلها: السفاهة والتجنّي، والتهوّر والمجازفة. مقدّمًا تلك النقائص في ثوب أدبيّ جميل!
هذا هو جديد أبي رية في كتابه ــ وبئس ما جدّد ــ، فما كان غرضه منه وما هو الدافع لانتهاجه؟ أقول: أما السفاهة
…
وأخواتها فلِغَرَضِ أنه قد انتهى من إضعاف السنة وضعضعتها ــ زعم ــ فما بقي إلا التهكّم بها وبحَمَلتها؛ فيجرؤ من يقف على كتابه على نقد السنة مهما كانت قوّةُ ثبوتها. وأما الأسلوب الأدبي فلتغرير القارئ وصرفه عن ملاحظة سوء كتابه، فهو كمن يسقيك سمًّا في زجاجة فاخرة!
وقد عَلِم الناسُ ــ بحمد الله ــ منذ أن صدر كتاب أبي رية أن غرضه منه أمر واحد هو (الطعن في السنة النبوية وحَمَلتها)! وقد جهد في حجب هذه النتيجة المكشوفة تارة في المقدمة، وتارة في الخاتمة، وأخيرًا بأن كتب على غلاف كتابه:(دفاع عن الحديث)
(1)
! فما أغنته محاولاته تلك وما صدّقه أحد
(2)
؟
(1)
كتب ذلك في الطبعات اللاحقة، وكان قد كتب على لوح الطبعة الأولى:"دراسة"! فما صدّقه أحد في عبارته الأولى، فغيّرها، ولن يصدّقه أحد في الثانية.
(2)
إلا الرافضة فقد صدقوه وأثنوا عليه ثناءً بالغًا وعلى كتابه! فهنيئًا له تصديق الكذوب!
فَعلَ أبو رية تلك الشناعات إرضاء لرَغَبات مَن وَجَّه إليهم عملَه هذا؟ فقد قال في ختام مقدمته: "وإني لأتوجّه بعملي هذا
…
إلى المثقفين من المسلمين خاصة، وإلى المهتمين بالدراسات الدينية عامة"
(1)
.
وانظر بمَ علل توجيهه إليهم قال: "ذلك بأن هؤلاء وهؤلاء الذين يعرفون قدرَه. واللهَ أدعو أن يجدوا فيه جميعًا ما يرضيهم ويرضي العلم والحق معهم". فالمستشرقون وأتباعهم هم فقط من سيَقْدُر كتاب أبي رية قدرَه
…
وهم فقط من يحرص أبو ريّة أن ترضيهم نتائجُ كتابه
…
! ولن ترضى اليهودُ ولا النصارى عن أحدٍ حتى يتّبع مِلّتهم كما أخبر الله في كتابه
(2)
.
ولئن غابت عنّا أمور عن أبي رية ودوافعه
…
فلن تغيب عنّا علاقاته الحميمة، وصِلاته المريبة بالرافضة، الذين وجدوا فيه مطيّة طيّعةً لخدمة مآربهم وأغراضهم؛ من الطعن في الصحابة نَقَلَة الشريعة؛ للتوصل إلى الطعن في الدين نفسه، كما سيأتي شرح ذلك في ترجمة أبي رية. وهو ما فَطَن له الشيخ المعلمي فأشار إليه بقوله:"وطائفة لا يرضاها ولكنه رأى أنّ في كلامه ما يعجبها فراح يتملّقها في مواضع؛ رجاء أن يروج لديها كتابه كما راج لديها كتاب فلان"
(3)
.
(1)
علق الشيخ المعلمي على هذا بقوله: "يعني المستشرقين من اليهود والنصارى والملحدين". ولأجل أن هذا كان قصده اضطرّ لتغييره في الطبعات اللاحقة إلى "بالدراسات الإسلامية".
(2)
سورة البقرة آية 120.
(3)
"الأنوار الكاشفة"(ص 18).
أقول: لعل الشيخ يقصد بـ (فلان) طه حسين في كتابه "الفتنة الكبرى" فقد أساء الأدب إلى بعض الصحابة، وأنكر وجود عبد الله بن سبأ اليهودي. وله آراء أخرى ذكرها بعض الرافضة عنه ــ إن صدقوا ــ. انظر "مع رجال الفكر في القاهرة":(1/ 276 - 278) للرضوي.
قلت: وقول المؤلف: "لا يرضاها" إحسان للظن بأبي رية، وقد ثبت أنه يرضاها وترضاه، وبينه وبين شيوخها صلات حميمة وعلائق وشيجة ــ كما سيأتي شرحه ــ.
وليس وصف أبي ريّة بكونه تابعًا ذليلًا لهؤلاء وأولئك من الطاعنين في السنة= تجنّيًا عليه أو تقويلًا له ما لم يقله، بل هو الذي ألْمَحَ إلى ذلك في أول كتابه كما مرّ
(1)
، وصرّح به في أثنائه، فأحال لاستكمال مباحثه إلى كتب اليهوديّ جولد زيهر وأشباهه
(2)
! وقد حاول أن يغطّي تلك العلاقة، ويلبس ثوبَ النصيحة والغيرة على الحديث النبوي، لكن هيهات! فها هو قد أفصح عما كان يخفيه، وكل إناء ينضح بالذي فيه، وصَدَق المؤلف إذ ضرب لصنيعه مثلًا:"صَدَقني سِنَّ بَكْرِه"
(3)
.
كَتَب أبو رية كتابه هذا على حين فترةٍ من علماء الحديث ونُقّاده، وهجمة مَهُولة على علوم الدين وثوابت الشريعة
(4)
، وما علم أن في الزوايا
(1)
(ص 7)، كما في مقدمة الطبعة الأولى، واضطر لتغيير العبارة في الطبعات اللاحقة، لتضليل الناس وتنفيق كتابه، لكن هيهات!
(2)
انظر ص 193 من كتابنا هذا.
(3)
الموضع السالف.
(4)
فكتَبَ مصطفى عبد الرّازق "الإسلام وأصول الحكم" في نفي وجوب التحاكم إلى الشريعة، وكتب قاسم أمين "المرأة الجديدة" و"تحرير المرأة" في تشريع التبرّج والسفور، وكتب طه حسين "في الشعر الجاهلي" وإنكار القصص القرآني
…
وكتب أبو رية كتابه هذا وكتابه "شيخ المضيرة
…
" في الطعن في السنة وأهلها.
خبايا، وأن الله تعالى قد أبقى للسنة والحديث خُدّامًا وحُرّاسًا، فقد نَهَض للردّ على أبي رية في كتابه هذا جمعٌ من أهل العلم بُعيد صدور كتابه بقليل، فكتب الشيخ محمد محمد أبو شهبة مقالات في "مجلة الأزهر"، ثم أصدر كتابًا سماه:"دفاع عن السنة والردّ على شبهات المستشرقين والكُتَّاب المعاصرين"، وكتب الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة كتابًا سماه:"ظلمات أبي رية أمام أضواء السنة المحمدية"، وكتب الدكتور مصطفى السباعي ردًّا ضمن كتابه "السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي". وكتب الشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني "الأنوار الكاشفة
…
" فكان ردّه واسطة العقد، ونهاية التحقيق.
وقد طبع كتابنا هذا "الأنوار الكاشفة
…
" في حياة مؤلِّفه سنة 1378 هـ في المطبعة السلفية ومكتبتها لمحبّ الدين الخطيب، وأعيد تصويره مرارًا. وها هو اليوم يظهر ضمن هذا المشروع المبارك في حلة قشيبة تليق به وبمكانة مؤلفه.
وقد قدمت بين يدي الكتاب عدة مباحث تتعلق بالتعريف بالكتاب وهي:
- اسم الكتاب.
- تاريخ تأليفه.
- سبب تأليفه.
- أهم الموضوعات التي ناقشها الكتاب.
- منهج المؤلّف وطريقته في المناقشة والتقرير.
- ترجمة محمود أبو رية (المردود عليه).
- طبعات الكتاب.
- مخطوطات الكتاب.
- منهج التحقيق.
ثم ختمناه بفهارس كاشفة متنوّعة، والحمد لله رب العالمين.
وكتب
aliomran@hotmail.com
a-alemran تويتر