المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهمية الشهادة بالنسبة لما بعدها من الأعمال - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ٦٩

[محمد صالح المنجد]

الفصل: ‌أهمية الشهادة بالنسبة لما بعدها من الأعمال

‌أهمية الشهادة بالنسبة لما بعدها من الأعمال

قال: وقال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: " ما أعددت لهذا اليوم؟ -يذكر الفرزدق - قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: نِعْمَ العدة، لكن للا إله إلا الله شروطاً، فإياك وقذف المحصنة ".

لأن الشعراء قد يقعون في القذف بسهولة ويحصل في شعره قذف، يهجو فيقذف، فيقول الفرزدق: أنا أعددت شهادة أن لا إله إلا الله لأجل يوم القيامة والحساب، قال: نِعْم العدة، ولكن للا إلا إله إلا الله شروطاً، فإياك وقذف المحصنة.

إذاً معناها أنه إذا قذف المحصنة، لا يكون قد قام بشروط لا إله إلا الله، فعدته ناقصة.

قال: وقيل للحسن: " إن أناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قال -مفسراً- من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها، دخل الجنة ".

وقال وهب بن منبه لمن سأله: " أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان، فتح لك وإلا لم يُفتح لك ".

وأسنان مفتاح لا إله إلا الله تحقيق شروطها، وانتفاء موانعها، والقيام بحقها، وقد جاء في الصحيحين عن أبي أيوب:(أن رجلاً قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة (أن رجلاً قال: يا رسول الله! دلني على عملٍ إذا عملته، دخلت الجنة قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان فقال الرجل: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا).

وفي المسند عن بشير بن الخصاصية وفي السند مجهول، قال:(أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه، فاشترط عليَّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن أقيم الصلاة، وأن أوتي الزكاة، وأن أحج حجة في الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله، فقلت: يا رسول الله! أما اثنتين فوالله لا أطيقهما: الجهاد والصدقة -أي: أضحي بنفسي ومالي! - فإنهم زعموا أن من ولى الدبر، فقد باء بغضبٍ من الله -أي: ولى الأدبار في المعركة، باء بغضبٍ من الله- فأخاف إن حضرت تلك جشعت نفسي وكرهت الموت والصدقة، فوالله ما لي إلا غُنيمة وعشر ذودٍ، أي: من الإبل هنَّ رُسُلُ أهلي وحمولتهُن -أي: هذه عزيزة عليَّ وقليلة- قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم حركها، ثم قال: فلا جهاد، ولا صدقة، فبمَ تدخل الجنة إذاً؟ قلت: يا رسول الله أبايعك، فبايعته عليهن كلهن).

ففي هذا الحديث أن الجهاد والصدقة شرطٌ في دخول الجنة مع حصول التوحيد والصلاة والصيام والحج.

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) ففهم الصديق أن من امتنع عن الزكاة يُقاتل، لأنه ما أدى حق لا إله إلا الله، قالوا: فسر معنى الحديث: (فإذا منعوا ذلك، منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله) قال أبو بكر: [الزكاة حق المال] فهذا فهم الصديق الصريح الذي فاء إليه الصحابة ووافقوه عليه وساروا وراءه فيه: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5]{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11].

إذاً: لابد من أداء الفرائض مع التوحيد، أي: إذا قال لا إله إلا الله، ولا صلاة، ولا زكاة، يكون من إخواننا في الدين؟ نخلي سبيله؟ لا نقاتله؟ بل نقاتله إذا امتنع عن هذه الفرائض.

فإذا عُلم يا إخواني أن عقوبة الدنيا لا تُرفع عمن أدى الشهادتين مطلقاً: لو زنا، يجلد أو يرجم، ولو سرق، تُقطع يده، بل يُعاقب عليها، وإن أدى الشهادتين يعاقب في الدنيا، وتقام عليه الحدود، فكذلك عقوبة الآخرة لا تمتنع على من خالف، بعض العلماء ذكروا شيئاً، قالوا: إن هذه النصوص (من قال لا إله إلا الله، دخل الجنة)(من قال لا إله إلا الله، حرم من النار) قيلت قبل نزول الحدود، وقبل نزول تحريم الأشياء، وقبل نزول الفرائض، ولكن هذا القول استبعده الحافظ ابن رجب رحمه الله.

وبعضهم قال: تلك الأحاديث التي سبق تصدير الرسالة منسوخة، ولكن الأرجح أن يُقال: أحاديث محكمة وقيلت في الفرائض وبعد الفرائض ونزول تحريم الأشياء، لكن لا إله إلا الله لها شروط إذا توفرت وانتفت الموانع، حصلت النتيجة وهي الفوز بالجنة والنجاة من العذاب.

ثم يلفت النظر إلى أن بعض النصوص المطلقة قد جاءت مقيدة، ففي أحاديث:(من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قبله)(من قال: لا إله إلا الله مستيقناً بها)(من قال: لا إله إلا الله يصدق لسانه قلبه)(يقولها حقاً من قلبه) وفي رواية: (قد ذل بها لسانه، واطمأن بها قلبه) هذا الذي ينجو، تخيل رجل لا يؤدي الصلاة ولا الزكاة ولا يحج ولا يصوم ويزني ويشرب الخمر ويكذب ويسرق ويفعل ويفعل ثم يكون مستيقناً بلا إله إلا الله، وقال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه، ممكن؟ لا يمكن أن يكون ذلك.

فإذاً لا بد من هذا المفهوم أن يتضح، وهذه المسألة مهمة، لأن الناس العامة يناقشون في هذه القضية، فلابد من تفهيمهم هذه المسألة، وأن تُعقد الخطب والدروس لشرحها، وأن تكون المواعظ من أجلها والمناقشات في المجالس عليها.

ص: 10