المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مرض الضعف والوهن - دروس للشيخ ياسر برهامي - جـ ٦٧

[ياسر برهامي]

فهرس الكتاب

- ‌إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين

- ‌أمراض الشعوب المهزومة التي حذرنا الشرع منها

- ‌مرض الضعف والوهن

- ‌مرض الاستكانة لغير الله تعالى

- ‌صور لأصحاب العزة

- ‌الدعاء من أقوى الأسلحة

- ‌الخسران المطلق لمن أطاع أعداء الله

- ‌الرعب للكافرين بما أشركوا مقابل الأمن للمؤمنين

- ‌النصر لزيم الطاعة

- ‌عفو الله عن المؤمنين يتمثل في صرف عدوهم عنهم

- ‌الموت لا يأتي إلا بعد استيفاء الأجل

- ‌الأعمال بالنيات

- ‌معنى قوله تعالى: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير)

- ‌شجاعة رغم الإشاعة

- ‌الأسئلة

- ‌ذكر أن هدف أعداء الله اجتثاث الإسلام

- ‌جواز الدعاء في السجود بآيات من القرآن

- ‌وجوب الإعلام بالزواج

- ‌المفرط في المال ضامن

- ‌إقامة الحجة شرط قبل تكفير أحداً من الناس

- ‌معنى كلمة (العابدين) في قوله تعالى: (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)

- ‌حكم شراء البضاعة المستعملة المشكوك في أنها مسروقة

- ‌نفي تعارض الشرع مع قول علماء الفلك: بأن القمر جسم معتم يستمد ضوءه من الشمس

- ‌تحريم العمل في تصنيع أمواس الحلاقة

- ‌حكم الهدية التي قُدمت للمخطوبة من خاطبها قبل الفسخ

- ‌علاج الوسوسة في الوضوء والصلاة وغيرها

- ‌الصدفة لا تنافي أنها من القدر

- ‌إثبات صفة الغيرة لله تعالى

- ‌وجوب القضاء على من أفطر في رمضان عامداً

- ‌كفارة الغش في الامتحان

- ‌بيان متى يكون الإنسان متألياً على الله

- ‌من أدرك من الصلاة الركوع فلا ركعة له

- ‌جواز صلاة ركعتي المسجد والإمام يخطب

- ‌العلاج من مرض العجب والرياء

- ‌حكم صيام من دخل البلغم فمه

- ‌جواز قضاء الرواتب للمداوم عليها

- ‌حكم استعمال السبحة

- ‌وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية

- ‌حكم عملية إصلاح غشاء البكارة

الفصل: ‌مرض الضعف والوهن

‌مرض الضعف والوهن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فيقول الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ * وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139 - 152].

قال ابن القيم رحمه الله في فوائد هذه الآيات والدروس المستفادة من قصة غزوة أحد: لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم، وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها، وأنها نوعان: تقصير في حق، أو تجاوز لحد، وأن النصرة منوطة بالطاعة ((قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا))، ثم علموا أن ربهم تبارك وتعالى إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم، ولم ينتصروا، فوفوا المقامين حقهما، مقام المقتضي وهو التوحيد والالتجاء إلى الله عز وجل، ومقام إزالة المانع من النصرة وهي: الذنوب والإسراف.

ثم حذرهم سبحانه من طاعة عدوهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} ! فحذرهم سبحانه من طاعة عدوهم، وأخبر أنهم إن أطاعوهم خسروا الدنيا والآخرة، وفي ذلك تعريض بالمنافقين الذين أطاعوا المشركين لما انتصروا يوم أحد.

وهنا قضية عظيمة الأهمية في هذه المواقف وفي أمثالها عبر العصور؛ وذلك أن الأمراض التي تصيب الأمم المهزومة في معاركها العسكرية، هي أمراض خطيرة مدمرة، بها تزول حضارات الأمم، وبها تضمحل مناهلهم.

ومن هذه الأمراض: مرض الضعف، وهو أن يضعفوا في القيام بالحق الذي معهم نتيجة الهزيمة، ويتركوا القيام بما أوجبه الله عز وجل عليهم.

وكذلك مرض الوهن، وهو التعلق بالأرض وحب الدنيا وكراهية الموت، وهذا يسلط العدو أكثر حين ينشغل الناس بدنياهم، وحين تكون قضيتهم في الحياة هي الرواتب التي لم تصرف، والأطعمة التي توزع، والملابس التي يكتسون بها ويكسون أولادهم، حين تصبح قضيتهم هي قضية الصراع على الدنيا يزداد العدو تسلطاً، ويأكل الثروات ويلقي بالفتات ولا حول ولا قوة إلا بالله، والشعوب المغلوبة المقهورة حين تضيع قضيتها تصبح كذلك فيصيبها الضعف والوهن.

ص: 3