المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام - الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة - ت الأفغاني

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام

‌مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث بالهدى ودين الحق وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والأصحاب والتابعين.

أما بعد فقد سلخت سنين في دراسة السيدة عائشة، كنت فيها حيال معجزة لا يجد القلم إلى وصفها سبيلا، وأخص ما يبهرك فيها علم زاخر كالبحر بعد غور، وتلاطم أمواج، وسعة آفاق، واختلاف ألوان، فما شئت إذ ذاك من تمكن في فقه أو حديث أو تفسير أو علم بشريعة أو آداب أو شعر أو أخبار أو أنساب أو مفاخر أو طب أو تاريخ. . . إلا أنت واجد منه ما يروعك عند هذه السيدة، ولن تقضي عجبًا من اضطلاعها بكل أولئك وهي لا تتجاوز الثامنة عشرة.

ولست بسبيل بيان ذلك الآن، وإنما أخبرك أني وقعت وأنا أنقب في كنوز المكتبة الظاهرية بدمشق، على مجموعة خطية في آخرها رسالة نفيسة للإمام بدر الدين الزركشي الشافعي بخط المؤلف نفسه؛ قصرها على موضوع واحد: هو استدراكات السيدة عائشة على الصحابة، ولم

ص: 3

أنته من قراءتها حتى عزمت على نشرها للناس، بل اعتقدت أني أُسأل عن إهمال هذه الذخيرة لأمرين.

أحدهما: توفري على دراسة السيدة عائشة تلك السنوات الطوال.

والثاني: أن أحدًا لن يستطيع حل كتابتها وهي بخط سقيم غامض جدًّا إلا إذا حفظ أكثر أخبار عائشة وأحاديثها، بحيث إذا استطاع قراءة كلمة في سطر عرف من حفظه ما قبلها وما بعدها. لذلك لم تكد الأحوال السياسية تجر إلى إغلاق المدارس في الربع الأول من سنة 1939 حتى شغلت وقتي كله بالعكوف على إنجاز هذا العمل. وإلى القارئ الآن كلمة عن الموضوع والمؤلف والنسخة:

‌أ - الموضوع:

"من خصائص المرء ذي الطبيعة العلمية؛ أن يكون طُلعَة كثير السؤال، لا يهدأ له بال حتى يرضي طمأنينته ويجلو لنفسه كل خفي مما يحيط به. وكانت السيدة عائشة بهذه الصفة، ساعدها على بلوغ ما بلغت من المعرفة: أنها ربيت في حجر أبي بكر الصديق أعلم الناس بأنساب العرب وأخبار قبائلها وميزات بطونها، فحازت من ذلك علمًا كثيرًا، ثم انتقلت إلى بيت الرسول ومهبط الوحي، فكانت أقرب الناس من معين العلم، فغرفت منه ما لم يتيسر لأحد غيرها، لمكانها منه زوجةً، ولما تفردت به من ذكاء نادر وفكر واسع. وكلما عظم حظ الإنسان من المعرفة، كثر تطلعه إلى ما فوقه. أما الجاهل فليس بمعنى أن يبحث أو يسأل، فإذا أصاب من المعرفة حظًا ما بطريق العرض، كان أبعد الناس عن أن تطلب نفسه مزيدًا أو تثير له شكوكًا أو تحدثه بسؤال يسأله. وقد أوردت السيدة على الرسول صلى الله عليه وسلم من الأسئلة في كل ما يمر بها من موضوعات: في الفقه والقرآن والأخبار والمغيبات وأمور الآخرة؛ وفيما يعرض له من أحداث وخطوب، وما يفد عليه من وفود".

ص: 4

"وبعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم، كان علم عائشة قد بلغ ذروة الإحاطة والنضج، في كل ما اتصل بالدين من قرآن وحديث وتفسير وفقه. . . ومع حمل الأصحاب إلى الأمصار طائفة صالحة من الأحاديث والأحكام حتى كانوا ثمة مرجع طلاب العلم ورواة الحديث، بقيت المدينة - لأسباب أهمها وجود عائشة - دار الحديث ومنبع العلم. فحين يُشكل على أهل الأمصار أمر من الأمور، يكتبون إلى أصحاب رسول الله في الحجاز يسألونهم عن حكم الله فيه، فكان هؤلاء إذا فاتهم علم شيء، رجعوا إلى علماء بينهم اشتهروا بحمل العلم وفقهه كعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعروة وعبد الله ابني الزبير. . . تروى عنهم الأحاديث وتنشر الأحكام، حتى صاروا مقصد الرواد. ومقام السيدة بينهم مقام الأستاذ من تلاميذه، فكان عمر بن الخطاب يحيل عليها كل ما تعلق بأحكام النساء أو بأحوال النبي البيتية، لا يضارعها في هذا الاختصاص أحد من الرجال ولا النساء.

ويصل إلى مسمع السيدة عن أولئك العلماء روايات وأحكام على غير وجهها، فتصحح لهم ما أخطؤوا فيه أو خفي عليهم، حتى عرف ذلك عنها فصار من شك في رواية أتى عائشة سائلا، وإن كان بعيدًا كتب إليها يسألها

(1)

. ومن هنا طار لها ذلك الصيت في التمكن من العلم، ورجع إلى قولها كبار الصحابة كأبيها أبي بكر وعمر وابنه وأبي هريرة وابن عباس وابن الزبير. . . وصار معاوية في خلافته يكتب إليها سائلا عن حكم أو حديث أو شيء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يطمئن إلى يقين مما يسمع من غيرها حتى يرد عليه جوابها فيبرد صدره

(2)

وستجد أن خطأ الصحابة كثيرًا ما يرجع إلى أنهم حضروا آخر الحديث وفاتهم أوله. وسترى في كل ما تستدرك: صحة النظر وصواب النقد وحضور الحفظ وجودة النقاش. وأغلب الأسباب في تخبط الروايات أن الرواة يستنبطون الحكم من

(1)

انظر مسند أحمد ج 6

(2)

مسند أحمد ج 6 ص 87

ص: 5

الجملة التي حضروها وكثيرًا ما يكون الرسول ذكرها في معرض الإنكار، وترى ذلك في مرويات أبي هريرة بصورة خاصة.

وكما استدركت على أبي هريرة ضياع أول الكلام عليه أو آخره، استدركت على كثيرين فهمهم لحديث، أو خطأ استنباط حكم من آية، أو ضلالًا في معرفة أسباب النزول، أو اجتهادًا فيه مشقة على الناس. وكان الناس يقعون منها في كل ذلك على علم غزير وفهم حصيف، ورأي صائب. ولا غرو فقد كانت السيدة عائشة الملجأ الأخير الذي ترفع إليه مسائل الخلاف والروايات وأحكام الشريعة لتمحيصها والقضاء فيها بالقول الفصل".

ومن هنا توقن أن حياة السيدة بنت مجدًا باذخًا لتاريخ المرأة العلمي في الإسلام، بل إن عبقريتها وحدها كفيلة بملء تاريخ كامل، فلست أعلم في عبقريات الرجال والنساء في تواريخ الأمم ما يداني مكانة السيدة التي تناسيناها حتى أنه لم يؤلف - فيما علمنا - في سيرتها إلى اليوم كتاب وهذا أول ما كان يجب أن نعنى به.

ولتعلم بعد هذا سيداتنا، أن امرأة منهن في صدر الإسلام تتلمَذ عليها مشيخة المهاجرين والأنصار من كل حبر وعالم وفقيه وقارئ وراوية. وعنها وحدها نقل ربع الشريعة كما قال الحاكم في المستدرك.

ليس مؤلفنا الزركشي أول من صنف في هذا الموضوع، بل إن السابق إليه هو أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي المحدث التاجر السفار عاش في القرن الخامس الهجري ولد سنة 411 هـ ومات سنة 489 هـ تلقى الحديث في دمشق ومصر والرحبة وروى عن ابن غيلان والعتيقي وطبقتهما وكتب وحصل في الأصول

(1)

. وجملة ما استدرك في مصنفه خمسة وعشرون حديثًا.

وقد نقل الزركشي عن كتاب البغدادي هذا في مواضع متعددة وفي

(1)

شذرات الذهب 3: 392.

ص: 6

بعضها سمى كتابه قائلا: "قال أبو منصور البغدادي في استدراكه". ونراه أحيانًا ينقل عنه ثم يشطب نقله ويثبت الحديث من طريق آخر غير طريقه كما سيمر بك.

وأهدى الزركشي مصنفه هذا على ما ترى في خطبة الكتاب إلى القاضي برهان الدين بن جماعة.

ثم جاء الإمام السيوطي فاختصره - على عادته في كثير من مؤلفاته - في رسالة سماها (عين الإجابة في استدراك عائشة عَلى الصحابة)

(1)

.

‌ب - المؤلف:

أما الزركشي فهو محمد بن عبد الله بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله بدر الدين؛ مصري المولد والوفاة، تركي الأصل، شافعي المذهب كان إمامًا علامة مصنفًا محررًا ولد سنة 745 هـ. وأخذ عن الشيخين جمال الدين الأسنوي وسراج الدين البلقيني ورحل إلى حلب فأخذ عن الشيخ شهاب الدين الأذرعي. وسمع الحديث بدمشق وغيرها وكان فقيهًا أصوليًا أديبًا فاضلا في جميع ذلك. ودرّس وأفتى وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى. قال البرماوي:"كان منقطعًا إلى الاشتغال، لا يشتغل عنه بشيء وله أقارب يكفونه أمر دنياه".

وكان خطه ضعيفًا جدًّا، قل من يحسن استخراجه

(2)

توفي بمصر ثالث رجب سنة 794 هـ ودفن بالقرافة الصغرى بالقرب من تربة بكتمر الساقي

(3)

.

(1)

كشف الظنون.

(2)

إي والله فقد لقينا منه الألاقي وكان يمر علينا النهار بكامله فلا نحل من مشاكله أكثر من أربع كلمات بعد الرجوع إلى الأمات من كتب الحديث والرجال، وإذا كان قل من يحسن استخراج خطه من أكثر من خمسة قرون، فقدر بنفسك أي عنت يلقى من يتعرض لذلك في عصرنا الحاضر.

(3)

عن شذرات الذهب، وحسن المحاضرة للسيوطي، وقاموس الأعلام للزركلي بتصرف يسير.

ص: 7

مؤلفاته: أكثر اشتغال الزركشي بالفقه وأصوله وعلوم الحديث والقرآن والتفسير وقد ترك فيها أكثر من ثلاثين مصنفًا؛ منها ما عرفنا أنه له بطريق العرض ونحن على رغم ما بذلنا من وقت وجهد في سبيل جمعها لا نقطع بالإحاطة بها جميعًا. وإنما نقطع بأننا بذلنا الطاقة كلها حتى لم يبق منها شيء. وإليك أسماءها وشيئًا عنها

(1)

مرتبة على الحروف:

1 -

رسالتنا هذه: الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة.

2 -

إعلام الساجد في أحكام المساجد

(2)

.

3 -

البحر المحيط في أصول الفقه

(3)

.

قال في شذرات الذهب هو "في ثلاثة أجزاء جمع فيه جمعًا كثيرًا يسبق إليه".

4 -

البرهان في علوم القرآن

(4)

:

كتاب جليل ضمنه سبعة وأربعين نوعًا، ثم اطلع عليه السيوطي فأدرجه في كتابه الكبير (الإتقان في علوم القرآن) وله الفضل في تعريفنا بمحتوياته قال في مقدمة الإتقان في صدد كلامه على تأليفه في هذا الموضوع:

(1)

رجعنا في جمعها إلى مظان كثيرة أهمها شذرات الذهب وحسن المحاضرة وكشف الظنون وبرو كلمان وذيله، والإجابة نفسها ورسالة أخرى.

(2)

حسن المحاضرة، برو كلمان.

(3)

حسن المحاضرة، شذرات الذهب، برو كلمان.

(4)

كشف الظنون، حسن المحاضرة، برو كلمان "الذيل".

ص: 8

". . . وأنا أظن أني متفرد بذلك، غير مسبوق بالخوض في هذه المسالك، فبينما أنا أجيل في ذلك فكري أقدم رجلا وأؤخر أخرى، إذ بلغني أن الشيخ الإمام بدر الدين بن محمد بن عبد الله الزركشي أحد متأخري أصحابنا الشافعيين، ألف كتابًا في ذلك حافلا يسمى (البرهان في علوم القرآن) فتطلبته حتى وقفت عليه فوجدته قال في خطبته: "لما كانت علوم القرآن لا تحصى، ومعانيه لا تستقصى، وجبت العناية بالقدر الممكن. ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث، فاستخرت الله تعالى وله الحمد في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه، وخاضوا في نكته وعيونه، وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة، ما بهر القلوب عجبًا ليكون مفتاحًا لأبوابه، وعنوانًا على كتابه، معينًا للمفسر على حقائقه، مطلعًا على بعض أسراره ودقائقه، وسميته (البرهان في علوم القرآن)، وهذه فهرست أنواعه: النوع الأول

(1)

. . . الخ واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع؛ إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره ثم لم يحكم أمره؛ ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله والرمز إلى بعض فصوله؛ فإن الصناعة طويلة والعمر قصير؛ وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير" ا هـ. كلام الزركشي. ثم قال السيوطي: ولما وقفت على هذا الكتاب ازددت به سرورًا، وحمدت الله كثيرًا، وقوي العزم على إبراز ما أضمرته. . الخ".

5 -

تخريج أحاديث الرافعي

(2)

6 -

التذكرة في الأحاديث المشتهرة

(3)

(1)

انظرها كاملة في مقدمة الإتقان في علوم القرآن. وقد طبع كتاب البرهان في القاهرة بعد صدور الطبعة الأولى من الإجابة بسنوات.

(2)

كشف الظنون، حسن المحاضرة.

(3)

تدريب الراوي للسيوطي ص 188

ص: 9

7 -

تفسير القرآن

(1)

ذكر في كشف الظنون أنه وصل في التفسير حتى سورة مريم.

8 -

تكملة شرح المنهاج

(2)

كتاب منهاج الطالبين هو للإمام النووي، وقد شرحه الأسنوي وبلغ فيه إلى (المساقاة) وتوفي ولم يكمله، فأكمله الزركشي. وفي دار الكتب الظاهرية منه الجزء الثالث رقم (345 فقه الشافعي).

9 -

التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح

(3)

جاء في كشف الظنون عند الكلام على الجامع الصحيح للبخاري وشروحه: "وشرحه الزركشي وهو شرح مختصر في مجلد أوله (الحمد لله ما عم بالإنعام. . الخ) قصد فيه إيضاح غريبه وإعراب غامضه، وضبط نسب أو اسم يخشى فيه التصحيف، منتخبًا من الأقوال أصحها ومن المعاني أوضحها مع إيجاز العبارة، والرمز بالإشارة، وإلحاق فوائد يكاد يستغني [بها] اللبيب عن الشروح، لأن أكثر الحديث ظاهر لا يحتاج إلى بيان. . . وعليه نكت للحافظ ابن حجر وهي تعليقة بالقول ولم تكمل، وللقاضي محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 844 هـ نكت أيضًا على تنقيح الزركشي" وفي المكتبة الظاهرية نسخة مخطوطة منه رقمها (848 حديث).

10 -

خادم الرافعي والروضة

(4)

في الفروع أو خادم الشرح والروضة:

جاء في كشف الظنون: "ذكر في بغية المستفيد أنه أربعة عشر مجلدًا،

(1)

كشف الظنون، حسن المحاضرة.

(2)

كشف الظنون، شذرات الذهب، برو كلمان "الذيل"

(3)

حسن المحاضرة، كشف الظنون، بروكلمان.

(4)

شذرات الذهب، حسن المحاضرة، كشف الظنون، برو كلمان. . ومنه مخطوطة في الظاهرية برقم 2375، 2376 حديث. ويقوم بنشر الروضة الآن المكتب الإسلامي حيث صدر منه سبعة أجزاء.

ص: 10

كل منها خمسة وعشرون كراسة. ثم إني رأيت المجلد الأول منها افتتح بقوله أوله: (الحمد لله الذي أمدنا بنعمائه الخ) وذكر أنه شرح فيه مشكلات (الروضة) وفتح مغلقات (فتح العزيز) وهو على أسلوب التوسط للأذرعي. وأخذ جلال الدين السيوطي يختصر من (الزكاة) إلى آخر (الحج) ولم يتم وسماه: (تحسين الخادم) واسمه في (شذرات الذهب): خادم الشرح والروضة. وقال عنه: "وهو كتاب كبير فيه فوائد جليلة".

11 -

خبايا الزوايا في الفروع

(1)

قال في كشف الظنون: "أوله الحمد لله الذي لم تزل نعمته تتجدد الخ" ذكر فيه ما ذكره الرافعي والنووي في غير مظنته من الأبواب فرد كل شكل إلى شكله، وكل فرع إلى أصله، واستدرك عليه الشريف عز الدين حمزة بن أحمد الحسيني الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 874 هـ وسماه (بقايا الخبايا). ولبدر الدين أبي السعادات محمد بن محمد البلقيني المتوفى سنة 890 هـ حاشية عليه".

12 -

خلاصة الفنون الأربعة

(2)

13 -

الديباج في توضيح المنهاج

(3)

ذكر صاحب كشف الظنون أن له شرحًا للمنهاج اسمه (الديباج) غير تكملة شرح المنهاج الذي مر آنفًا. وفي دار الكتب الظاهرية منه مجلد (رقم 68 فقه شافعي).

14 -

الذهب الإبريز في تخريج أحاديث (فتح العزيز)

لم يذكر هذا المصنف أحد وإنما ذكره المؤلف نفسه في رسالته (الإجابة)

(1)

كشف الظنون، برو كلمان.

(2)

برو كلمان.

(3)

حسن المحاضرة، الأعلام للزركلي، برو كلمان "الذيل"، كشف الظنون.

ص: 11

هذه فقال: قلت في الذهب الإبريز في تخريج أحاديث (فتح العزيز).

15 -

زهر العريش في أحكام الحشيش

(1)

أوله: (الحمد لله على نعمائه).

16 -

سلاسل الذهب في الأصول

(2)

17 -

شرح التنبيه للشيرازي

(3)

18 -

شرح جامع الصحيح

(4)

، أو شرح البخاري:

19 -

شرح جمع الجوامع للسبكي

(5)

(في أصول الفقه)

ذكر صاحب شذرات الذهب أنه: "في مجلدين" وفي كشف الظنون أن اسمه (تشنيف المسامع) واختصر شرح الزركشي هذا أبو زرعة العراقي المتوفي سنة 826 هـ بكتاب سماه (الغيث الهامع).

20 -

شرح (المعتبر للأسنوي) ذكره في كشف الظنون

21 -

شرح الوجيز

مخطوط في الظاهرية برقم 2392

(1)

كشف الظنون، برو كلمان، ونظن أن هذا الاسم مقتبس من كتاب أبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري الشاطبي المسمى:"زهر العريش في تحريم الحشيش" كما يرى في ترجمة الشاطبي التي في كتاب "الزهر المضبي في مناقب الشاطبي" والشاطبي توفي سنة 672 قبل الزركشي بقرن ونيف فلا يبعد أن يكون اطلع على كتاب الشاطبي واستفاد منه - انظر مقال الدكتور عبد الوهاب عزام "في مزارات الإسكندرية" - مجلة الرسالة العدد (338).

(2)

حسن المحاضرة، كشف الظنون

(3)

حسن المحاضرة، برو كلمان.

(4)

حسن المحاضرة.

(5)

شذرات الذهب، حسن المحاضرة، كشف الظنون، برو كلمان.

ص: 12

22 -

عمل من طب لمن حبَّ

(1)

23 -

الغرر السوافر فيما يحتاج إليه المسافر

(2)

مختصر على ثلاثة أبواب، أوله:"الحمد لله الذي جعل الأرض ذلولا نمشي الخ"، الأول: في مدلول السفر، الثاني فيما يتعلق عند السفر، الثالث: في الآداب المتعلقة بالسفر

(3)

- كشف الظنون.

24 -

غنية المحتاج في شرح المنهاج

(4)

لم يذكر في كشف الظنون. إلا أن السيوطي في حسن المحاضرة عد في كتبه (شرح المنهاج) غير (الديباج) الذي مر ذكره، فلعل هذا الشرح أوفى.

25 -

في أحكام التمني

تفرد بذكره برو كلمان.

26 -

القواعد في الفقه

(5)

(أو في الفروع)

من مخطوطات دمشق واسمه (القواعد والزوائد). أما صاحب كشف الظنون فذكر أن اسمه (القواعد في الفروع) وأنه: "رتبها على حروف المعجم. وشرحها سراج الدين العبادي في مجلدين واختصر الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني المتوفى سنة 973 هـ الأصل كما ذكره في متنه".

(1)

نقل عنه السيوطي في المزهر 2: 366 وقال: كراسة، وانظر شرح شواهد المغني له ص 157

(2)

برو كلمان.

(3)

بياض في الأصل بعد (الثالث) فملأناه من مخطوطة "الغرر" التي يملكها السادة أصحاب المكتبة العربية بدمشق (عبيد إخوان).

(4)

كشف الظنون، برو كلمان "الذيل".

(5)

حسن المحاضرة، الأعلام للزركلي، كشف الظنون، برو كلمان "الذيل" وفي التكية الإخلاصية بحلب نسخة منه نفيسة جدًّا - مجلة المجمع العلمي العربي 8/ 370

ص: 13

27 -

اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة

تفرد بذكره للمؤلف (برو كلمان) في الذيل. أما صاحب كشف الظنون فقد ذكره مغفلا من التعريف واسم المؤلف.

28 -

لقطة العجلان وبلة الظمآن

(1)

.

وقد طبع في دمشق مؤخرًا.

29 -

ما لا يسع المكلف جهله:

بهذا العنوان عد صاحب كشف الظنون مؤلفين متعددين، ليس فيهم الزركشي وقد تفرد بذكره (برو كلمان).

30 -

مجْلى الأفراح شرح تلخيص المفتاح

قال العاملي صاحب الكشكول: "كتاب ضخم يزيد على المطول وقفت عليه في القدس الشريف سنة 992 هـ" - الكشكول 1: 8 (مطبعة الشيخ شرف موسى بمصر)، لا تاريخ.

31 -

مجموعة فقه

(2)

32 -

المختصر (في الحديث)

لم يذكره أحد ممن رجعت إليهم، وإنما وجدته في حاشية الأجهوري على شرح البيقونية للزرقاني، قال في ص (15) (طبع مصر):"قال الزركشي في مختصره يدخل القلب والشذوذ والاضطراب في قسم الصحيح والحسن".

33 -

المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر:

مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق (رقمه 1115 حديث) لم يذكره غير (برو كلمان) في "الذيل"

(1)

شذرات الذهب، برو كلمان.

(2)

الأعلام.

ص: 14

34 -

المنثور

(1)

في ترتيب القواعد الفقهية

في قاموس الأعلام للزركلي: أنه هو المعروف بقواعد الزركشي، إلا أن برو كلمان ذكر المنثور في كتابه ثم ذكر في (الذيل) القواعد والزوائد.

35 -

النكت على البخاري

(2)

36 -

النكت على ابن الصلاح

(3)

هذا وسنتمثل مكانته في العلم وبُعد غوره؛ عند قراءة هذه الرسالة (الإجابة)؛ ولا حرج علي إذا دللتك منذ الآن على مثال من دقته وتحريه؛ لتعلم مبلغ تنقيره واطلاعه؛ فانظر بصورة خاصة استدراكه على أوهام وقعت في صحيح البخاري والترمذي وكيف أقام الأدلة على ما ذهب إليه ثم كيف اعتذر الاعتذار اللطيف الذي سوغ درج هذه الأوهام في الصحيح، لتستأنس بذلك في معرفة فضله، والنسق الذي عليه تحقيقاته في مصنفاته الجليلة، التي لم يبق من الكثير منها إلا الأسماء وبعضها ذهبت هي وأسماؤها.

‌ج - النسخة

لم يرد لهذه الرسالة ذكر في فهارس المكتبات المطبوعة. ولم نسمع أنها في مكتبة خاصة، ولم يذكرها برو كلمان، حتى فهرس المكتبة الظاهرية القديم خال من ذكرها، فهي على هذا ولما سيأتي، فريدة في العالم ذات قيمة ممتازة، تشغل كما تقدم الجزء الأخير من المجموعة ذات الرقم (32 مجاميع) في القبة الظاهرية، وهي بحجم صغير 14 × 19 س. م. وعدد أوراقها (44). والظاهر أنها مسودة كتبها المؤلف وهو ينوي أن يعود إليها بالتنقيح بدليل الشطب الكثير الذي فيها والحواشي الدقيقة التي ألحقت ببعض صحفها، وبياض ترك في صحف متعددة بين الفقرة والفقرة أو بين الفصل والفصل، ثم لم يسعفه الوقت فأبقاها على حالها. وصحفها لا تتشابه فبينما تجد

(1)

حسن المحاضرة، برو كلمان، الأعلام.

(2)

شذرات الذهب.

(3)

حسن المحاضرة وكشف الظنون.

ص: 15

الصفحة (16) مثلا مكتظة السطور والحواشي حتى لا تتبين فيها بياضًا، إذا بك في بعضها الآخر إزاء سطرين أو ثلاثة، وهي في أكثرها غير منقوطة. وقد قرأها على المؤلف نفسه ولده محمد الزركشي وإخوته حتى الصغار منهم وسنثبت السماع في آخر الكتاب كما هو في الأصل. وكان الفراغ من قراءته سنة أربع وتسعين وسبعمائة وهي السنة التي مات فيها المؤلف رحمه الله. أما تاريخ كتابتها فقبل سنة 790 لأنها أُهديت إلى القاضي برهان الدين بن جماعة المتوفي سنة 790 هـ.

أما خط المؤلف فإنا إذا استثنينا خطبة الكتاب التي تخف فيها صعوبة القراءة فإن ما بقي منها أشبه بالرموز والطلاسم. ويبلغ فن التعمية نهايته في الصفحة السادسة عشرة فقد لزت حواشيها لزًا بخط دقيق يشبه في بعضها ما يكتبه الأطباء إلى الصيادلة باللاتينية، وإن كان خط صاحبنا أدق وأغمض. وبعض الكلمات يكتفي منها بأول حرف إذا وافقت حرف الصفحة، وجرى على كتابة العناوين بالحبر الأحمر. وقد صورنا هذه الصفحة ليطلع القارئ على أسلوب المؤلف في تهيئة تصانيفه.

أما الصفحة الأولى فقد أثبت فيها إلى جانب اسم الكتاب نحو اليسار (فرغه قراءة ونسخًا العبد محمد بن محمد بن الزركشي عامله الله تعالى بلطفه الخفي) وهي بخط ولده المذكور الذي كتب الإجازة في آخر الكتاب بالخط نفسه وليس المراد بالنسخ أن الرسالة من خطه، بل هي من خط والده، أما خط الولد فجيد مقروء. وتحت عنوان الكتاب والمؤلف أسطر بخط ابن طولون الصالحي

(1)

هذا نصها:

(1)

أفادنا ذلك الأستاذ الفاضل السيد أحمد عبيد أحد أصحاب المكتبة العربية بدمشق وزاد قائلا: "إن خط ابن طولون الصالحي لا يخفى على أحد ويتميز بسهولة من سائر الخطوط فلا خط يشابهه أصلا". ثم اطلعنا في العدد 325 من مجلة الثقافة المصرية الصادرة في 6 ربيع الثاني سنة 1364 هـ 20/ 3 / 1945 م على قول السخاوي: قرأت بخط الحافظ ابن حجر العسقلاني ما نصه:

فصل فيمن أخذ تصنيف غيره فادعاه لنفسه وزاد فيه ونقص. . . الخ وكذا قرأت بخطه على (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي: أصل هذا التصنيف. . . الخ)

ص: 16

"قال أبو الفضل بن حجر: أصل هذا التصنيف للأستاذ الجليل أبي منصور عبد المحسن بن محمد بن علي بن طاهر البغدادي الفقيه المحدث المشهور رأيته في مجلدة لطيفة، وجملة ما فيه من الأحاديث 25 حديثًا، وكان الكتاب المذكور عند القاضي برهان الدين بن جماعة، فما أدري هلى خفي عليه وقت تقديم هذا له أو أعلمه به؟ نعم، لمصنف الإجابة حسن الترتيب والزيادات البينة والعزو إلى التصانيف الكبار والأول على عادة من تقدم يقتصر على سوق الأحاديث بأسانيده إلى شيوخه، وجملة من أخرج ذلك عنه من شيوخه نحو من ثلاثين شيخًا من شيوخ بغداد ومصر وغيرها ولا يعزو التخريج إلى أحد. وقد نقل هذا المصنف عن أبي منصور في هذا الكتاب، فعلم أنه وقف عليه، وكان ينبغي له أن ينبه على ذلك وهذا التصنيف القديم أخبرنا به غير واحد من شيوخنا إجازة عن عبد القادر بن أبي البركات بن القريشي: أنا المسلم بن علان سماعًا عن الخشوعي عن أبي عبد الله الحسين بن محمد بن خسرو أخبرنا المصنف سماعًا."

وتحت هذا الكلام بخط آخر ما نصه:

"نقلت من كتاب أبي بكر محمد بن عبد الملك التاريخي الذي وضعه في أخبار النحاة: حدثنا سوادة بن علي: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير: ثنا أبو معاوية: ثنا المنهال بن خليفة عن سلمة بن هشام قال: كانت حفصة وعائشة متآخيتين، وكانت سودة وأم سلمة متآخيتين، فكانت سودة تنشد:

"عدي وتيم تبتغي من تحالف"

فقالت عائشة: "ما تعرّض إلا بي وبك يا حفصة، فإذا رأيتني قد قمت فأخذت برأسها فأعينيني" فقامت فأخذت برأسها وخافت حفصة فأعانتها، وجاءت أم سلمة فأعانت سودة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر وقيل له:"أدرك نساءك يقتتلن" فقال: "ويحكن ما لكن؟ " فقالت عائشة

ص: 17

"يا رسول الله ألا تسمعها تقول: (عدي وتيم تبتغي من تحالف)؟ فقال: "ويحكن ليس عديكن ولا تيمكن، إنما هو عدي تميم وتيم تميم."

قال الكلبي: "تيم تميم هو الرباب وقيل: إن عدي

(1)

وتيم أخوان قال جرير:

يا تيم تيم عدي لا أبا لكم

لا يوقعنكم في سوْءة عمر

روى أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء في ترجمتها: "حدثنا سليمان بن أحمد (ثنا أحمد)

(2)

بن يحيى بن خالد (بن حيان)

(2)

الرقي ثنا محمد بن بشر المصري ثنا عثمان بن عبد الله ثنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: "قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف حبك لي؟ " قال: "كعقدة الحبل" فكنت أقول: "كيف العقدة يا رسول الله؟ " قالت فيقول: "هي على حالها" ا هـ.

هذا ما على أول الرسالة ومن هنا نعرف قيمة هذا المخطوط النفيس فهو بخط مؤلفه أحد أئمة المذهب الشافعي المشهورين؛ وهو أشبه بمسودة تطلعنا على طريقته في التأليف من حذف وإثبات وإلحاق، وعلى غلافها ثلاثة خطوط غير خط المؤلف: خط ولده؛ وخط ابن طولون الصالحي وخط لآخر لا يعرف؛ ونحن مدينون لهذا الآخر بإطلاعنا على فقرة من كتاب مفقود هو الذي صنفه أبو بكر التاريخي في أخبار النحاة، وقد قرأها على المؤلف أولاده وبناته حتى الطفل الذي في الثانية من عمره في عشرة مجالس آخرها في يوم الأحد لثمان خلون من صفر عام أربع وتسعين وسبعمائة، وأجاز لهم جميع مؤلفاته كما ترى في آخر الرسالة. وأمر آخر ذو شأن أيضًا؛ وهو أن هذه النسخة وقعت في ملك العلامة الفضيه الشافعي أحمد بن عبد الرحمن الرملي المشهور بأبي الأسباط، فألحق فيها استدراك السيدة عائشة على مروان بن

(1)

كذا في الأصل على الرفع والوجه النصب.

(2)

ما بين القوسين عن حلية الأولياء.

ص: 18

الحكم ولم يكن هذا في الأصل وإنما أثبته الرملي بخطه أيضًا، كما ترى كلامه في موضعه من الرسالة. فأنت ترى أنها إلى قيمتها العلمية ذات قيمة أثرية لاشتمالها على خطوط أئمة في القرن الثامن وبعده: الزركشي وولده وابن طولون الصالحي والرملي وآخر.

هذا وقد رجعت في حل ما أشكل علي من الخط:

أولًا: إلى كتب الرجال وخاصة الإصابة وأسد الغابة وتهذيب التهذيب والاستيعاب ولسان الميزان والكنى والأسماء ثم ابن خلكان ومعجم البلدان وغيرها.

ثانيًا: إلى كتب الحديث وشروحها: صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد وسنن أبي داوود والترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرها.

ثالثًا: إلى كتب المعاجم وخاصة النهاية لابن الأثير والفائق للزمخشري ولسان العرب.

واقتصرت من التعليق على ما تمس إليه الحاجة ولم أغير إلا ما يقتضيه الرسم الحديث؛ وماسها فيه المؤلف في سرعة كتابته فرفع في محل نصب أو نصب في محل رفع؛ فأشرت إلى ذلك كما أشرت إلى الكلام الذي شطب عليه؛ حرصًا على الإخراج الأمين للرسالة.

أما ما لقيت من عناء وبذلت من جهد ووقت فما يفيد القارئ بيانه، إلا أني كنت بعد أن نسخ الرسالة ناسخ متقن متمرن، حيال مئة وعشرين مشكلا، فما زلت أرجع إلى الأمات التي أشرت إليها، وأستعين بمذكراتي عن السيدة عائشة حتى لم يبق منها إلا دون المواضع الخمسة وهي إما من كلام المؤلف نفسه، أو من نص منقول عن كتاب مفقود فلا سبيل إلى حله ولم أشأ التصرف من عندي بشيء. وبقي كذلك نقص في ثلاث جمل ذهبت بعض كلماتها مع حرف الصفحة، فلم يكن سبيل إلى معرفته. وأكبر ظني أن المؤلف رحمه الله لو أراد تبييض هذه النسخة لما استطاع حل رموز هو عقدها. ولا أريد أن أكتم القارئ اغتباطي من نزول العدد من مئة وعشرين

ص: 19

إلى ما دون العشرة، فقد نعمت بلذة لا يستطاع وصفها.

وإن أختم بشيء فهو الإعجاب الذي لا يحد بالمحدثين الذين جاهدوا لعلمهم وأخلصوا له أكبر جهاد وأتم إخلاص، وأشهد لقد كانوا في دقتهم وتحريهم وإحاطتهم وإتقانهم معجزة الله في المؤلفين. وما أزعم أني أدركت مدى تعبهم واجتهادهم، وإنما استطعت - وأنا أُخرج هذه الرسالة - أن أكون في نفسي فكرة عن جهادهم في سبيل السنة. لقد آمنت بعظمتهم وعظمة عملهم وأنهم الشهداء الصامتون وأن مدادهم أثمن من دم شهداء المعركة، وإني لم أر ولم أسمع ولم أتخيل أن أناسًا لهم مثل تلك الهمم والعزائم والصبر والأمانة. وإني لأخجل حين أقرر أني - على كثرة من أعرف من ذوي الجلادة والهمة والانقطاع لخدمة العلم - عجزت أن أعد واحدًا بذل معشار ما كان يبذل أصغر أولئك المحدثين. وما لي أخجل؟ وقد أيقنت أن ما قدموا هو شيء فوق طوق البشر الذين نعرف، فرحمهم الله وأثابهم ونفع بهم وقيض لهذا العلم الجليل من يعنى به على غرارهم.

سعيد الافغاني

15 صفر سنة 1358 هـ

5 نيسان سنة 1939 م

تنبيه 1 - الأرقام التي على الهامش تشير إلى صحف الأصل المخطوط ابتداء من خطبة الكتاب. وما داخل [] زيادة ليست في الأصل.

تنبيه 2 - أخطأ مجلد هذه المجموعة فوضع ثماني أوراق من الأصل في آخر الرسالة بعد السماع، وتبدأ بالحديث السادس من استدراكاتها على عمر بن الخطاب، ثم باستدراكاتها على علي بن أبي طالب، ثم باستدراكاتها على عبد الله بن عباس، وتنتهي بآخرها وهو الحديث الثامن، لننتقل بعده إلى استدراكاتها على عبد الله بن عمر، وقد وضعناها في طبعتنا في موضعها الصحيح.

ص: 20

شكل (1) صورة ما على الورقة الأولى من النسخة الخطية

ص: 21

شكل (2) صورة الصفحة الأولى في الأصل

ص: 23

شكل (3)

صورة الصفحة الأخيرة في الأصل ويظهر فيها سماع أسرة المؤلف بخط ولده

ص: 25

شكل (4) صورة الصفحة 16 من الأصل

ص: 27

‌مقدمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وأَعلى أَعلام فتواها بين الأَعلام، وأَلبسها حلة الشرف حيث جاءَ إلى سيد الخلق الملك بها في سرقةٍ

(1)

من حرير في المنام، وأَشهد أَن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنظمنا في أَبناء أُمهات المؤمنين، وتهدينا إلى سنن السنة آمنين، وأشهد أَن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي أَرشد إلى الشريعة البيضاء، وأَعلن بفضل عائشة حتى قيل: خذوا شطر دينكم عن الحميراء، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صباح مساء، وعلى أَزواجه اللواتي قيل في حقهن:{لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ}

(2)

صلاة باقية في كل أَوان دائمة ما اختلف الملوان.

وبعد، فهذا كتاب أجمعُ فيه ما تفردتْ به الصدِّيقة رضي الله عنها

(1)

قطعة من جيد الحرير - لسان العرب.

(2)

سورة الأحزاب، الآية 32.

ص: 31

أَو خالفت فيه سواها برأَي منها أَو كان عندها فيه سنة بينة، أَو زيادة علم متقنة، أَو أَنكرت فيه على علماءِ زمانها، أَو رجع فيه إليها أَجلة من أَعيان أَوانها، أَو حررته من فتوى، أَو اجتهدت فيه من رأَي رأَته أَقوى. موردًا ما وقع إليَّ من اختياراتها، ذاكرًا من الأَخبار في ذلك ما وصل إليَّ عن رواتها. غير مدَّعٍ في تمهيدها للاستيعاب، وأَن الطاقة أَحاطت بجميع ما في هذا الباب. على أَني حررت ما وقع لي من ذلك تحريرًا ونمقت بروده رقمًا وتحبيرا. مع فوائد أَضمها إليه وفرائد أَنثرها عليه، ليكنَّ عقدًا ثمينة جواهره، وفلكًا منيرة زواهره، ولقد وفقت لجمعها في زمن قريب، وأَصبح مأْهول ربعها مأْوىً لكل غريب. وما هذا إلا ببركة هذا البيت العظيم الفخر، وما هي بأَول بركتكم يا آل أبي بكر. وسميته (الإجابة: لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة). والله أَسأَل أَن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، موصلًا إلى جنان النعيم وأَهديته إلى بحر علم ثمين جوهره، وأُفق فضل أَضاءَ شمسه وقمره، وروض آداب يانعة ثماره، ساطعة أَزهاره، سيدي

(1)

قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة

(2)

(1)

هنا في الأصل كلمتان محكوكتان، الأولى ظاهرة وهي سيدي، ولعل الثانية: ومولاي.

(2)

القاضي برهان الدين بن جماعة: (725 - 790) هـ. جاء في شذرات الذهب 6: 311 سنة تسعين وسبعمائة ما يأتي:

هو برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن الخطيب زين الدين أبي محمد عبد الرحيم ابن قاضي مصر والشام بدر الدين محمد بن جماعة الكناني الحموي الأصل المقدسي الشافعي قاضي مصر والشام وخطيب الخطباء وشيخ الشيوخ وكبير طائفة الفقهاء وبقية رؤساء الزمان. ولد بمصر في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وقدم دمشق صغيرًا فنشأ عند أقاربه بالمزة وأحضر على جده وسمع من أبيه وعمه وطلب الحديث بنفسه =

ص: 32

الشافعي أَدام الله علوه وكبت عدوه إذ لمذهب الشافعي من ثماره أَي روضات، وهو لمحرابه إِمام يتلو فيه من معجز القول آيات. قد أَظهر عرايس فضله المجلوة، وأَبرز نفائس نقله المحبوة، وبهر العقول بدقائقه التي بهرت، وزاد المباحث رونقًا بعبارته التي سحرت الأَلباب وما شعرت، تهدى العلوم إِليه وهو حقيقة أَدرى من المهدي بهن وأَعلم. وكنت في إِهدائه إلى مقامه كمن يهدي إلى البستان أَزهاره؛ وإلى الفلك شموسه وأَقماره، وإلى البحر جدولًا، وإلى السيل وشلًا، ولكن عرضت هذا المصنف على ملك الكلام؛ بل أَمير المؤمنين في الحديث والإِمام،

= وهو صغير في حدود الأربعين وسمع من شيوخ مصر والشام. ولازم المزي والذهبي وأثنى على فضائله وحصل الأجزاء، وتخرج على الشيوخ واشتغل في فنون العلم وتوفي والده سنة تسع وثلاثين وهو صغير فكتبت خطابة القدس باسمه واستنيب له ثم باشر بنفسه وهو صغير وانقطع ببيت المقدس ثم أضيف إليه تدريس الصالحية بعد وفاة العلائي، ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية بعد عزل أبي البقاء في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وباشره بنزاهة وعفة ومهابة وحرمة. وعزل نفسه فسأله السلطان وترضاه حتى عاد واستمر إلى أن عزل نفسه ثانيًا في شعبان سنة سبع وسبعين وعاد إلى القدس على وظائفه، ثم سئل في العود إلى القضاء فأعيد في صفر سنة إحدى وثمانين فباشرها ثلاث سنين إلى أن عزل نفسه في صفر سنة أربع وثمانين وعاد إلى القدس. ثم خطب إلى قضاء دمشق والخطابة بعد موت القاضي ولي الدين في ذي القعدة سنة خمس وثمانين، ثم أضيف إلى مشيخة الشيوخ بعد سنة من ولايته وقام في أمور كبار تمت له. قال الحافظ ابن حجر:"عزل نفسه في أثناء ولايته غير مرة ثم يسأل ويعاد وكان محببًا إلى أُناس، وإليه انتهت رياسة العلماء في زمانه، فلم يكن أحد يدانيه في سعة الصدر وكثرة البذل وقيامة الحرمة والصدع بالحق وقمع أهل الفساد مع المشاركة الجيدة في العلوم. واقتنى من الكتب النفيسة بخطوط مصنفيها وغيرهم ما لم يتهيأ لغيره" ا هـ. وجمع تفسيرًا =

ص: 33

لأثقفه باطلاعه عليه والسلام. والله تعالى يجعل أَيامه كلها مواسم، ويطرز التصانيف بفوائده حتى تصير كالثغور البواسم.

= في عشر مجلدات وفيه غرائب وفوائد. وتوفي شبه الفجأة في شعبان ودفن بتربة أقاربه بني الرحبي بالمزة.

ص: 34

‌البابُ الأول في ترجمتهَا وخصَائصهَا

ص: 35

‌الفصل 1

(1)

- في ذكر شيءٍ من حالها

هي أُم المؤمنين وأُم عبد الله عائشة بنت أَبي بكر الصديقة بنت الصديق رضي الله عنه وعنها -، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقيهة الربانية. كنيتها أُم عبد الله كناها به النبي صلى الله عليه وسلم، بابن أُختها عبد الله بن الزبير رواه أَبو داوود، وقال الحاكم: صحيح الإِسناد.

وجاءَ في معجم ابن الاعرابي: أَنها جاءَت بسقط فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله و كناها به. وفي إسناده نظر لأَن مداره على داوود بن المحَبَّر

(2)

صاحب كتاب العقل. وعائشة مأَخوذة من العيش، ويقال أيضًا عَيْشة، لغة حكاها ابن الأَعرابي وعلي بن حمزة ولا التفات لإِسناد أَبي عبيدة في الغريب المصنف ذلك.

وذكر أَبو الفضل الفلكي في الأَلقاب: النبي صلى الله عليه وسلم صغَّر اسمها وقال

(1)

في الأصل: فصل في ذكر. . .، فآثرنا الترقيم.

(2)

في الخلاصة للخزرجي: قال الدارقطني: إنه متروك، وقال الذهبي: حديثه في فضل (قزوين) موضوع. قال البخاري توفي سنة 206.

ص: 37

يا عُويْش. وذكر صاحب مسند الفردوس أَن الإِمام أَحمد في مسنده رواه من حديث أُم سلمة: قالت عائشة " (يا) رسول الله علمني دعوة أَدعو بها" فقال: "يا عُوَيْش قولي اللهم رب محمد الأُمِّي أَذهب عني غيظ قلبي وأَجرني من مضلات الفتن." واستغربه ابن الصلاح في طبقاته، وفي الصحيحين "ياعايش" على الترخيم وفي الأَول دليل على جواز التصغير كقوله:"يا أَبا عُمَيْر" تصغير تحبيب. وجعل صاحب البسيط من النحويين مثل قوله: "يا حميرا" تصغير تقريب ما يتوهم أَنه بعيد، كقولهم بُعَيْدَ الْعَصْر وقُبيْلَ الفجر. قال: لأَن المراد بها البيضاءَ فكأَنها غير كاملة البياض، قال: وكذلك قوله: "كُنيْف ملئَ علمًا" اهـ.

وقال أَبو القاسم الثمانيني في شرح اللمع: "قول عمر رضي الله عنه في ابن مسعود: "كنيف ملئَ علمًا" قالوا إنه أَراد بهذا التحقير تعظيمه، كما قالوا في داهية: دويهية وخُوَيخِيَة

(1)

" قال: والصحيح أَن ابن مسعود كان صغير الجسم قصيرًا فقال: (كُنَيْف) مصغرة ليدل على تصغير جسمه لأَن كنيْفًا تكبيره كِنْف وهو شيءُ يكون فيه أَداة الراعي فأَراد أَنه حافظ لما فيه" اهـ.

وأُمها أُم رومان بفتح الراء وضمها بنت عامر بن عوَيمِر بن عبد شمس بن كنانة. روى البخاري لأُم رومان حديثًا واحدًا من حديث الإِفك من رواية مسروق عنها ولم يلقها وقيل: "عن مسروق حدثتني أُم رومان" وهو وهم. ونقل النووي أَن ابن إسحاق سماها في السيرة زينب. وفي

(1)

الخويخية: الداهية.

ص: 38

(الروض للسهيلي): "اسمها دعدة" وذكر محمد بن سعد وغيره: أَن أُم رومان ماتت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ست من الهجرة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها" وهذا يقوي الإِشكال في إِخراج البخاري رواية مسروق عنها. لكن أَنكر قوم موتها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أَبو نعيم الأَصفهاني، ولا عمدة لمن أَنكره إلا رواية مسروق وقال الخطيب: لم يسمع مسروق من أُم رومان شيئًا. والعجب كيف خفي ذلك على البخاري وقد فطن مسلم له.

تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بسنتين، وقيل بثلاث بعد موت خديجة وقبل سودة بنت زمعة، وقيل:"بعدها" وهذا هو الأَشهر. والأَول حكاه ابن عبد البر عن غير واحد ويشهد له ما أَخرجه مسلم في صحيحه من حديث هشام عن أَبيه عن عائشة أَنها قالت: "ما رأَيت امرأَة أَحب إلي أَن أَكون في مسلاخها

(1)

من سودة بنت زمعة. . الحديث". وقالت في آخره في بعض طرقه: "وكانت أَول امرأَة تزوجها بعدي".

وتزوجها وهي بنت ست أَو سبع، والأَول أَصح. وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع في شوال منصرفه صلى الله عليه وسلم من بدر في السنة الثانية من مقدمه. وقال الواقدي:"في الأُولى" وصححه الدمياطي. وأَما ابن دحية فوهاه الواقدي.

وأَقامت في صحبته ثمانية أَعوام وخمسة أَشهر وتوفي عليه الصلاة

(1)

في جلدها.

ص: 39

والسلام وهي ابنة ثماني عشرة

(1)

سنة، وعاشت خمسًا وستين وولدت سنة أَربع من النبوة، وتوفيت بالمدينة زمن معاوية ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان سنة سبع وخمسين، وقيل ثمان وخمسين، وأَوصت أَن يصلي عليها أَبو هريرة. وذكر الواقدي:"أَنها ماتت بعد الوتر وأَمرت أَن تدفن من ليلتها فاجتمع الأَنصار وحضروا فلم نر ليلة أَكثر ناسًا منها، نزل أَهل العوالي فدفنت بالبقيع" قال الواقدي: "فحدثني ابن جريج عن نافع قال: شهدت أَبا هريرة صلى على عائشة بالبقيع وابن عمر في الناس لا ينكره. وكان مروان اعتمر في تلك السنة واستخلف أَبا هريرة".

رُوي لها عن النبي صلى الله عليه وسلم أَلفا حديث ومائتا حديث وعشرة أَحاديث اتفق البخاري ومسلم منها على مائة وأَربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأَربعة وخمسين، ومسلم بثمانية وستين.

روى عنها خلق من الصحابة والتابعين من متأَخريهم: مسروق والأَسود وسعيد بن المسيب وعروة ابن أُختها والقاسم ابن أَخيها وأَبو سلمة بن عبد الرحمن والشعبي ومجاهد وعطاء وعكرمة وعمرة بنت عبد الرحمن ونافع مولى ابن عمر وآخرون

(2)

.

(1)

في الأصل ثمانية عشر.

(2)

الذين رووا عنها الحديث طبقات:

1 -

فمن الصحابة أبوها أبو بكر، عمر بن الخطاب، عبد الله بن عمر، أبو هريرة، أبو موسى الأشعري، عبد الله بن عباس، ربيعة بن عمرو الجرشي، السائب بن يزيد، عمرو بن العاص، زيد بن خالد الجهني، عبد الله بن عامر بن ربيعة، عبد الله بن الحارث =

ص: 40

وكان مسروق إِذا حدث عنها قال: "حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرَّأَة من السماء" وروي بسند حسن عن علي - رضي

= ابن نوفل، صفية بنت شيبة "عد صاحب (تهذيب التهذيب) صفية وعبد الله بن عامر من التابعين".

2 -

ومن آل بيتها ممن لم يذكرهم المؤلف: أختها أم كلثوم، أخوها من الرضاعة عوف بن الحارث بنتا أخيها عبد الرحمن: حفصة وأسماء، حفيد أخيها عبد الرحمن: عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، ابنا أختها أسماء: عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام، حفيدا أسماء: عباد وحبيب ولدا عبد الله بن الزبير، عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير بنت أختها أم كلثوم: عائشة بنت طلحة.

3 -

ومن مواليها:

أبو عمرو، ذكوان، أبو يونس، فروخ.

4 -

ومن كبار التابعين ممن لم يذكروا:

علقمة بن قيس، عبد الله بن حكيم، أبو وائل، ابن أبي مليكة، معاذة العدوية، زر بن حبيش الأسدي، مطرف بن الشخير، همام بن الحارث، أبو عطية الوادعي، أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عبد الله بن شداد بن الهاد، عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ابناه أبو بكر ومحمد، أيمن المكي، ثمامة بن حزن القشيري، الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، حمزة بن عبد الله بن عمر، خباب صاحب المقصورة، سالم بن سبلان، سعد بن هشام بن عامر، سليمان بن يسار، شريح بن هانئ، أبو صالح السمان، عابس بن ربيعة، عامر بن سعد بن أبي وقاص، طلحة بن عبد الله بن عثمان، طاووس، أبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري، عبد الله بن شقيق العقيلي، عبد الله بن شهاب الخولاني عبد الرحمن بن شماسة، عبيد الله بن عمير الليثي، عراك بن مالك، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، علقمة بن وقاص، علي بن الحسين بن علي، عمران بن حطان، كريب، مالك بن أبي عامر الأصبحي، فروة بن نوفل الأشجعي، محمد بن قيس بن مخرمة، محمد بن المنتشر، نافع بن جبير بن مطعم، يحيى بن يعمر، أبو بردة بن أبي موسى، أبو الجوزاء الربعي، أبو الزبير المكي، خيرة أم الحسن، صفية بنت أبي عبيد وخلق كثير. . =

ص: 41

الله عنه -: أَنه ذكر عائشة فقال: "خليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكذلك قال عمار بن ياسر لرجل نال منها: "اعزب مقبوحًا منبوحًا أُتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

‌ومن مواليها رضي الله عنها

-:

1 -

(بريرة): وهي التي كان فيها ثلاث سنن وحديثها مشهور في الصحيح روت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أَن ينظر إِليها على محجمة من دم يريقه من مسلم" يعني بغير حق. روته لعبد الملك بن مروان، رواه عنها زيد بن واقد: وهو من ثقات الشاميين لقي واثلة بن الأَسقع.

2 -

ومنهن: (سايبة): روى عنها نافع مولى ابن عمر عن سايبة: "أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت إلا ذا الطُفْيَتَين

(1)

والأَبتر فإِنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء". رواه مالك

= وممن أرسل الحديث عنها عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل رضي الله عنه.

هذا يزيد قليلا على ما أحصته كتب طبقات المحدثين في ترجمتها، ولو تتبع باحث في هذه الكتب نفسها تراجم الرواة من الصحابة والتابعين، لاستطاع أن يضم إلى هؤلاء الرواة التسعين الذين ذكرنا، أضعافهم. وليس ذلك بكثير على من غبرت نحو خمسين عامًا تروي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنشر أحكام الشريعة المطهرة، حتى أخذ عنها الرجل وابنه وحفيده وابن حفيده.

(1)

ذو الطفيتين من الحيات: ما على ظهره خطان أسودان كالخوصتين. والأبتر: مقطوع الذنب، والحية الخبيثة (المصباح والقاموس).

ص: 42

في الموطَّأْ عن نافع به. وقد وصله ثقات من أَصحاب نافع عن سايبة عن عائشة.

3 -

ومنهن: (مرجانة) وهي أُم علقمة بن أَبي علقمة أَحد شيوخ مالك.

4 -

ومنهم: (أَبو يونس) روى عنه القعقاع بن حكيم، أَخرج مالك عن زيد بن أَسلم عن القعقاع بن حكيم عن أَبي يونس مولى عائشة أُم المؤمنين أَنه قال:"أَمرتني عائشة أَن أَكتب لها مصحفًا ثم قالت: "إذا بلغت هذه الآية فآذِنِّي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فلما بلغتها قالت: "وصلاة العصر، سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

5 -

ومنهم (أَبو عمرو)

(1)

كما رواه الشافعي في مسنده عن عبد الله بن أَبي مليكة: "أَنه كان يأَتي عائشة بأَعلى الوادي هو وعبيد بن عمير، والمسور بن مخرمة وناس كثير فيعرفهم أَبو عمرو مولى عائشة وهو غلامها يومئذ لم يعتق" وفي رواية لابن أَبي شيبة في مصنفه: "أَنها كانت دبَّرته"

(2)

وقوله بأَعلى الوادي: يريد وادي مكة كانوا

(1)

هو ذكوان أبو عمرو المدني مولى عائشة، روى عنها. وروى عنه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو أكبر منه، وابن أبي مليكة وعلي بن الحسين ومحمد بن عمرو بن عطاء وغيرهم. وعدوه في الثقات. قال الواقدي:"كانت عائشة قد دبرته وله أحاديث قليلة ومات ليالي الحرة. وكان يؤم عائشة إذا غاب عبد الرحمن بن أبي بكر. وقال البخاري في صحيحه: "كانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان في المصحف" اهـ. تهذيب التهذيب.

(2)

التدبير هنا: إعتاق العبد بعد موت صاحبه - الصحاح.

ص: 43

يأْتونها للزيارة والاستفتاء وذلك عندما تحج. ولما خرجت إلى مكة مغاضبة لعثمان في السنة التي قتل فيها، قاله ابن الأَثير في شرح المسند

(1)

.

ولها خصائص كثيرة لم يشركها أَحد من أَزواجه فيها.

(1)

وممن لم يذكر من مواليها: ليلى، وقد روت حديث دفن الأرض فضلات الأنبياء - انظر المستدرك للحاكم 4:72.

وأم ذرة، جاء في تهذيب التهذيب: أم ذرة المدنية مولاة عائشة، روت عن عائشة وأم سلمة. و (روى) عنها: ابن المنكدر وأبو اليمان الرحال وعائشة بنت سعد. قلت: وذكرها ابن حبان في الثقات. وقال العجلي: تابعية مدنية ثقة" ا هـ. وانظر أيضًا المشتبه في أسماء الرجال للذهبي ولسان الميزان.

ص: 44

[الفصل 2 - في خصائصها الأربعين]

الأَولى: أَنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرًا غيرها، فإن قلت:"كيف حث على نكاح الأَبكار وتزوج من الثيَّاب أَكثر؟ " فيه أَربعة أَجوبة: قلت: تقليلًا للاستلذاذ لأَن الأَبكار أَعذب أَفواهًا، ولذلك قال:"فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك"، وتكثيرًا لتوسعة الأَحكام إِذ هنَّ بالفهم والتبليغ أَعلق، وجبرًا لما فاتهن من البكارة كما قدمن

(1)

في قوله تعالى: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}

(2)

، أَو للإِشارة إلى تعظيم عائشة وتمييزها بهذه الفضيلة وحدها دونهن لئلا تشارك

(3)

فيها، فكأَنها في كفة وهنَّ في كفة أُخرى.

الثانية: - أَنها خيّرت واختارت الله ورسوله على الفور، وكن تبعًا لها في ذلك.

(1)

في الأصل: قدموا، وهو سبق قلم.

(2)

سورة التحريم، الآية:5.

(3)

في الأصل، يشارك.

ص: 45

(الثالثة): - أَنها حيث خيرت كان خيارها على التراخي بلا خلاف، وأَما الخلاف في أَن جوابهن: هل كان مشروطًا بالفور أَم لا؟ ففي غيرها. هكذا قاله القاضي أَبو الطيب الطبري في تعليقه، فإِنه حكى الخلاف وصحح الفورية ثم قال:"والخلاف في التخيير المطلق فأَما إِذا قال لها: "اختاري أَي وقت شئت، كان على التراخي بالإجماع". قال: وعائشة من هذا القبيل لقوله: "ولا عليك ألَّا تعجلي حتى تستأْمري أَبويك" اهـ.

وهو تقييد مرتبط به إِطلاق (الشرح) و (الروضة)، ولم يقف ابن الرفعة على هذا النقل فقال في شرح الوسيط:"وفي طرد ذلك في بقية أَزواجه صلى الله عليه وسلم كلهن نظر، من جهة أَن المهل في التخيير إِنما قيل لعائشة فقط، وسببه والله أَعلم أَنها كانت أَحدث نسائه سنًا وأَحب نسائه إِليه فكان قوله لها: "لا تبادريني بالجواب" خوفًا من أَن تبتدره باختيار الدنيا. ومغبته أَلا يطرد الحكم في غيرها لاسيما إذا نظرنا إلى ما جاء في الصحيح من تخصيص ذلك بها كان ذلك ينزل منزلة ما لو قال الواحد منا لبعض نسائه "اختاري متى شئت" وقال لأُخرى: "اختاري" فإِن خيار الأُولى يكون على التراخي والأُخرى على الفور.

(الرابعة): - نزول آية التيمم بسبب عقدها حين حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وقال لها أُسيد بن حضير "ما هي بأَول بركتكم يا آل أَبي بكر".

ص: 46

(الخامسة): - نزول براءَتها من السماء بما نسبه إليها أَهل الإِفك في ست عشرة

(1)

آية متوالية، وشهد الله لها بأَنها من الطيبات، ووعدها بالمغفرة والرزق الكريم. وانظر تواضعها وقولها:"ولشأْني في نفسي كان أَحقر من أَن يتكلم الله فيَّ بوحي يتلى" قال الزمخشري: "ولو فلَّيت القرآن وفتشت عما أُوعِد به العصاة، لم تر الله عز وجل قد غلَّظ في شيء تغليظه في إِفك عائشة. وعن ابن عباس أَنه قال بالبصرة يوم عرفة وقد سئل عن هذه الآيات: "من أَذنب ذنبًا ثم تاب منه قبلت توبته، إِلا مَن خاض في إِفك عائشة" ثم قال:"برأَ الله تعالى أَربعة بأَربعة: يوسف بالوليد، وموسى بالحجر، ومريم بإِنطاق ولدها: "إني عبد الله" وبرأَ عائشة بهذه الآيات العظيمة. فإِن قلت: فإِن كانت عائشة هي المرادة فكيف قال: المحصنات؟ قلت: "فيه وجهان: أَحدهما أَن المراد أَزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليكون

(2)

الحكم شاملًا للكل. والثاني أَنها أُم المؤمنين فجُمعت إرِادة لها ولبناتها من نساء الأُمة.

(السادسة): - جعله قرآنًا يتلى إِلى يوم القيامة.

(السابعة)

(3)

: - شرع جلد القاذف وصار باب القذف وحده بابًا عظيمًا من أَبواب الشريعة وكان سببه قصتها رضي الله عنها، فإِنه ما نزل بها

(1)

في الأصل: ستة عشر.

(2)

في الأصل: وليكن.

(3)

ألحق المؤلف هذه الفقرة بحاشية الكتاب بعد تأليفه على ما يظهر، لأن الفقرة التي بعدها بدئت بهذه الكلمة:

السابعة وفوقها كتب بقلم مخالف رقم (8) تصحيحًا له وكذلك الفقرات التي بعدها فأثبتنا التصحيح مباشرة فيهن جميعًا.

ص: 47

أَمر تكرهه إِلا جعل الله فيه للمؤمنين فرجًا ومخرجًا كما سبق نظيره في التيمم.

تنبيه جليل: على وهمين وقعا في حديث الإِفك في صحيح البخاري:

أَحدهما قول علي رضي الله عنه: "وسل الجارية تصدقك" قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة. ." وبريرة إنما اشترتها عائشة وأَعتقتها بعد ذلك. ويدل عليه أَنها لما أُعتقت واختارت نفسها، جعل زوجها يطوف وراءَها في سكك المدينة ودموعه تتحادر على لحيته. فقال لها: صلى الله عليه وسلم "لو راجعتيه" فقالت: "أَتأْمرني؟ " فقال: "إِنما أَنا شافع". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عباس أَلا تعجب من حب مغيث لبريرة وبغضها له" والعباس إِنما قدم المدينة بعد الفتح. والمخلص من هذا الإِشكال: أَن تفسير الجارية ببريرة مدرج في الحديث من بعض الرواة، ظنًا منه أَنها هي. وهذا كثير [اً] ما يقع في الحديث من تفسير بعض الرواة، فيظن أَنه من الحديث وهو نوع غامض لا ينتبه له إِلا الحذاق.

ومن نظائره ما وقع في الترمذي وغيره من حديث يونس بن أَبي إِسحاق عن أَبي بكر بن أَبي موسى عن أَبيه قال: "خرج أَبو طالب إِلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أَشياخ من قريش (فذكر الراهب وقال في آخرها:) فرده أَبو طالب، وبعث معه أَبو بكر بلالًا وزودَّه الراهب من الكعك والزبيب". فهذا من الأَوهام الظاهرة لأَن بلالًا إنما اشتراه أَبو بكر بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد أَن أَسلم بلال وعذبه

ص: 48

قومه، ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمه أَبي طالب كان له من العمر اثنتا عشرة

(1)

سنة وشهران وأَيام. ولعل بلالًا لم يكن بعد ولد. ولما خرج المرة الثانية، كان له قريب من خمس وعشرين سنة ولم يكن مع أَبي طالب إنما كان مع ميسرة.

الثاني: ما ذكره من تحاور سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، وقصة الإِفك كانت بعد الخندق عند البخاري وجماعة. قال البخاري في صحيحه:"قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أَربع" واحتج البخاري لهذا القول بحديث ابن عمر: "عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد وأَنا ابن أَربع عشرة فردني، ثم عرضت عليه الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأَجازني".

وأُحُد بلا شك سنة ثلاث، فدل على أَن الخندق سنة أَربع. ثم قال في الصحيح:"إنها غزوة المريْسيع" قال ابن إِسحاق: "سنة ست" وقال النعمان بن راشد عن الزهري: "كان الإِفك في غزوة المريسيع" وأَما موسى بن عقبة فقال: سنة أَربع. ولا ريب أَن قصة الإِفك كانت بعد نزول آية الحجاب، والحجاب نزل في شأْن زينب بنت جحش أُم المؤمنين، وهي في قصة الإِفك كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تتكلم في عائشة، ونكاح زينب رضي الله عنها كان في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة في قول ابن سعد. وقال قتادة والواقدي:"تزوجها في سنة خمس من الهجرة" وبه قال غيرهم من علماءِ أَهل المدينة. فدلّ

(2)

تأَخر

(1)

في الأصل: اثني عشر.

(2)

هنا كلمة صغيرة محكوكة.

ص: 49

آية الحجاب على أَنها كانت بعد الخندق، وقد ثبت بلا ريب أَن سعد بن معاذ توفي عقب الخندق وعقب حكمه في بني قريظة، ولم يكن بين الخندق وقريظة غزاة. ولهذا يعدل البخاري في أَكثر رواياته لحديث الإِفك عن نسبة سعد إلى أَبيه فيقول:"فقام سعد أَخو بني عبد الأَشهل". وهذه روايته في المغازي، وقال:"سنة أَربع" فالظاهر أَنها على قوله قبل الخندق، لأَن الخندق كانت في آخر السنة في شوال واتصلت بغزوة قريظة. وعلى هذا فيصح أَن يكون المراد على سعد بن عبادة هو سعد بن معاذ.

وقد تقدم وهم آخر: وهو رواية مسروق عن أُم رومان. وأَجاب القاضي أَبو بكر بن العربي عن هذا: بأَنه جاءَ في طريق: حدثتني أُم رومان، وفي أُخرى: عن مسروق عن أُم رومان معنعنًا. قال رحمه الله: "والعنعنة أَصح فيه، وإذا كان الحديث معنعنًا كان محتملًا ولم يلزم فيه ما يلزم في حدثني، لأَن للراوي أَن يقول: عن فلان وإِن لم يدركه". حكاه عن الشافعي.

فهذه ثلاثة أَوهام ادُّعيتْ في حديث الإِفك: وهمٌ في بريرة، ووهم في سعد بن معاذ، ووهم في أُم رومان. والثلاثة ثابتة في الصحيح فلا ينبغي الإِقدام على التوهيم إِلا بأَمر بيِّن. وقد تقدم ما يدفع الكل.

(الثامنة): لم ينزل بها أَمر إِلا جعل الله لها منه مخرجًا وللمسلمين بركة.

(التاسعة): أَن جبريل أَتى بها النبي صلى الله عليه وسلم في سرَقة

(1)

من حرير

(1)

شرح المؤلف على حاشية هذه الصفحة معنى السرَقَة فقال: السرَقَة بفتح السين والراء جمعها سرق وهي شقق الحرير البيض قاله أبو عبيد. قال: وأصلها بالفارسية سرّة، أي: جيدة فعرّبوه كما قالوا: الإِستبرق للغليظ من الديباج.

ص: 50

فقال: "هذه زوجتك" فقلت: "إن يكن من عند الله يُمْضه" وقد أدخله البخاري في باب النظر إلى المرأة إذا أراد تزويجها. قال بعضهم: "وهو استدلال صحيح، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في النوم واليقظة سواءٌ وقد كشف عن وجهها.

وفي رواية الترمذي: "في خرقة حرير خضراء" وقال: حسن غريب. وجاء في رواية غريبة: "أن طول تلك الخرقة ذراعان وعرضها شبر." ذكره الخطيب في تاريخ بغداد من رواية أبي هريرة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم "إن يكن من عند الله يمضه" فقال السهيلي: ليس بشك لأن رؤيا الأنبياء وحي، ولكن لما كانت الرؤيا تارة تكون على ظاهرها وتارة تزهو

(1)

نظير المرئي أو شبهه فيطرق الشك من هاهنا. ويبقى سؤال: لماذا أتى بـ "إن" والمناسب للمقام "إذا" لأنها للمحقق و "إن" للمشكوك فيه؟ وجوابه يعلم مما قبله. وذكر الحاكم في المستدرك عن الواقدي: حدثني عبد الواحد بن ميمون مولى عروة عن حبيب مولى عروة قال: لما ماتت خديجة حزن عليها النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه [جبريل]

(2)

بعائشة في مهد فقال: "هذه تذهب ببعض حزنك وإن فيها لخلفًا من خديجة" الحديث اهـ. فيحتمل أنها عرضت عليه مرتين لما يدل عليه اختلاف الحال ويشهد له رواية البخاري مرتين

(1)

رسم الكلمة في الأصل هكذا مر هو فرجحنا زيادة السن قبل الراء، من زها السراج إذا أضاءه كما في القاموس. والمراد تجلو.

(2)

بياض في الأصل، وفي كتب الحديث والسيرة أن جبريل عرض صورتها في سرقة من حرير.

ص: 51

(العاشرة): أنها كانت أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه: قال له عمرو بن العاص: " يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ " قال: "عائشة" قال: "ومن الرجال؟ " قال: "أبوها".

أخرجه الشيخان وصححه الترمذي

(الحادية عشرة): وجوب محبتها على كل أحد ففي الصحيح:

لما جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "ألست تحبين ما أحب؟ " قالت "بلى" قال: "فأحبي هذه". يعني عائشة، وهذا الأمر ظاهر الوجوب. وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم لما حاضت عائشة:"إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم" وقوله لما حاضت صفية: "عقرى حلقى

(1)

أحابستنا هي؟ " وفرق عظيم بين المقامين. ولعل من جملة أسباب المحبة كثرة ما بلغته عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من النساء الصحابيات كما قيل بمثل ذلك في قوله: "وحُبِّب إليَّ من دنياكم النساء".

(الثانية عشرة): أن من قذفها فقد كفر لتصريح القرآن الكريم ببراءتها. قال الخوارزمي في الكافي، من أصحابنا، في كتاب الردة:"لو قذف عائشة بالزنى صار كافرًا بخلاف غيرها من الزوجات لأن القرآن نزل ببراءتها" اهـ.

وعند مالك: "أن من سبها قتل" قال أَبو الخطاب بن دحية

(1)

قال الزمخشري في الفائق: هما صفتان للمرأة إذا وصفت بالشؤم، يعني أنها تحلق قومها وتعقرهم أي تستأصلهم من شومها عليهم.

ص: 52

في أجوبة المسائل: "ويشهد لقول مالك كتاب الله، فإن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه. قال تعالى: "وقالوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحانَهُ" والله تعالى ذكر عائشة فقال: "لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بهذا سُبْحَانَكَ هذا بهتان عظيم" فسبح نفسه في تنزيه عائشة كما سبح نفسه لنفسه في تنزيهه" حكاه القاضي أبو بكر بن الطيب.

(الثالثة عشرة): من أنكر كون أبيها أبي بكر الصديق رضي الله الله عنه صحابيًا كان كافرًا، نص عليه الشافعي فإن الله تعالى يقول:"إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" ذكره صاحب الكافي. ومقتضاه: أنه لا يجري ذلك في إنكار [صحبة] غيره، وليس كذلك. نعم: يدرك تكفير منكر صحبة الصديق تكذيب [النصوص] وصحبة غيره التواتر

(1)

.

(الرابعة عشرة): أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه الشيخان.

(الخامسة عشرة): أن سودة وهبت يومًا لها بخصوصها.

(1)

المعنى مفهوم وإن كانت الجملة غير جلية تمامًا. وكلمة [النصوص] هي في الأصل قريبة من [القص] وهي في آخر الحاشية، وقد ذهب آخر ما ظنناه واوًا منها مع حرف الصفحة فرجحنا ما أثبتناه. والمعنى ان منكر صحبة الصديق يكفر لتكذيبه النصوص، ومنكر صحبة غيره يكفر لتكذيبه التواتر.

ص: 53

(السادسة عشرة): اختياره صلى الله عليه وسلم أن يمرض في بيتها. قال أبو الوفا عقيل رحمه الله: "انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة، عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلا عن الناطق".

(السابعة عشرة): وفاته صلى الله عليه وسلم بين سحرها ونحرها قال الصاغاني: "السَحْر بفتح السين وضمها ما تعلق بالحلقوم وبالمري من أعلى البطن من الرئة وغيرها" وعن الفراء فيه: "سَحَر بالتحريك" وكان عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقول: "إنما هو بين شجري" بشين معجمة وجيم، فسئل عن ذلك، فشبك بين أصابعه وقدمها عن صدره كأنه يضم شيئًا، يريد أنه عليه السلام قبض وقد ضمته بيديها إلى نحرها وصدرها وخالفت بين أصابعها. وكأنه عنده مأخوذ من قولهم اشتجرت الرماح إذا اشتبكت بعضها ببعض.

(الثامنة عشرة): وفاته صلى الله عليه وسلم في يومها

(التاسعة عشرة): دفنه في بيتها ببقعة هي أفضل بقاع الأرض بإجماع الأمة؟

(العشرون): أنها رأت جبريل صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي وسلم عليها. ثبت في الصحيحين، زاد الحاكم في مستدركه عن مسروق عنها:"قلت: يا رسول الله من هذا؟ قال: يمن شبهته؟ قلت: بدحية. قال: لقد رأيتِ جبريل" وفي رواية له عن عبد الله بن صفوان عنها: "ورأيتُ جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري".

ص: 54

فأخرج من جهة مالك بن سُعَيْر عن إسماعيل بن أبي خالد أنا عبد الرحمن بن الضحاك: أن عبد الله بن صفوان أتى عائشة وآخر معه، فقالت عائشة لأحدهما:" أسمعت حديث حفصة يا فلان؟ فقال": "نعم يا أم المؤمنين" فقال لها عبد الله بن صفوان: "وما ذاك يا أم المؤمنين"؟ قالت: " خلال تسع لم تك لاحد النساء قبلي إلا ما آتى الله مريم بنت عمران، والله ما أقول هذا أني أفخر على أحد من صواحباتي." فقال لها عبد الله بن صفوان: "وما هن يا أم المؤمنين؟ " قالت: "جاء الملك بصورتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع سنين، وأهديت إليه وأنا ابنة تسع سنين، وتزوجني بكرا لم يشركه في أحد من الناس، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس إليه ونزل في آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيها، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري، وقبض في بيتي ولم يله أحد غير الملك وأنا". وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. اهـ.

ومالك بن سعير من رجال مسلم وقال أبو حاتم: "صدوق" وضعفه أبو داوود وهذه الزيادة فيها نظر لما في كتاب مسلم: أن أم سلمة رأته في صورة دحية أيضًا. قال أبو الفرج: "وإنما سلم عليها ولم يواجهها لحرمة زوجها، وواجه مريم لأنه لم يكن لها بعل؛ فمن نزهت لحرمة بعلها عن خطاب جبريل كيف يسلط عليها أكف أهل الخطايا؟ "

"متمم العشرين": اجتماع ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وريقها في آخر أنفاسه. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.

ص: 55

(الحادية والعشرون): لم ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في لحاف امرأة من نسائه غيرها. أخرجه البخاري في المناقب ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك بلفظ: "ما نزل الوحي علي وأنا في بيت امرأة من نسائي غير عائشة" وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". والأول أصح فقد كان ينزل عليه في بيت خديجة.

(الثانية والعشرون): كانت أكثرهن علمًا. قال الزهري: "لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل" وقال عطاء: "كانت عائشة أفقه الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة" وذكر أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: "أنها كانت وحيدة عصرها في ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر. "وقال أبو بكر البزار في مسنده: "حدثنا عمرو بن علي ثنا خلاد بن يزيد ثنا محمد بن عبد الرحمن أبو غرازة زوج خيرة

(1)

قال حدثني عروة بن الزبير قال: "قلت لعائشة: إني لأتفكر في أمرك فأعجب: أجدك من أفقه الناس فقلت ما يمنعها؟ زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر، وأجدك عالمة بأيام العرب وأنسابها وأشعارها فقلت وما يمنعها وأبوها علامة قريش؟ ولكن إنما أعجب أن أن وجدتك عالمة بالطب فمن أين؟ " فأخذت بيدي وقالت: "يا عرية

(1)

خيرة هذه هي بنت محمد بن ثابت، ممن حمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وممن روى عنها: زوجها هذا محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مليكة التيمي الجدعاني في (تهذيب التهذيب): أنه روى عن أبيه وعم أبيه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة وزوجته خيرة. الخ.

ص: 56

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر من أسقامه فكان أطباء العرب والعجم ينعتون له فتعلمت ذلك". قال: "وهذا الحديث لا نعلمه مرويًا

(1)

عن عائشة إلا بهذا الإسناد". اهـ. ومحمد بن عبد الرحمن مختلف فيه، لكن رواه أبو نعيم في الحلية عنه من جهة أحمد بن حنبل: ثنا عبد الله بن معاوية الزبيري ثنا هشام بن عروة عن أبيه به. ورد في الحاكم نحوه من جهة إسرائيل عن هشام وقال "صحيح الإسناد" قال الذهبي في مختصره "على شرط الشيخين".

(الثالثة والعشرون): كانت أفصحهن لسانًا. عن موسى بن طلحة قال: "ما رأيت أحدًا أفصح من عائشة" أخرجه الترمذي وقال: "حسن صحيح غريب". وروى محمد بن سيرين عن الأحنف بن قيس قال: "سمعت خطبة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والخلفاء كلهم هلم جرا إلى يومي هذا، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من في عائشة"، أخرجه الحاكم في مستدركه. وساق أبو الفرج في التبصرة لها كلامًا طويلا موشحًا بغرائب اللغة والفصاحة. وقال صاحب زهر الآداب: "لما توفي الصديق رضي الله عنه وقفت عائشة على قبره فقالت:

"نضر الله وجهك يا أبت وشكر لك صالح سعيك، فلقد كنت للدنيا مذلًا بإدبارك عنها، وللآخرة معزا بإقبالك عليها، ولئن كان أجل الحوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزؤُك، وأعظم المصائب بعده فقدك، إن كتاب الله

(1)

في الأصل: مروي.

ص: 57

ليعد بحسن الصبر عنك حسن العوض منك، وأنا أستنجز موعود الله فيك بالصبر، وأستقضيه بالاستغفار لك. أما لئن كانوا قاموا بأمر الدنيا لقد قمت بأمر الدين لما وهى شعبه، وتفاقم صدعه، ورجفت جوانبه، فعليك سلام الله توديع غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك".

(الرابعة والعشرون): أن الأكابر من الصحابة كان إذا أشكل عليهم الأمر في الدين استفتوها فيجدون علمه عندها. قال أَبو موسى الأشعري: "ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا" أخرجه الترمذي وقال: "حسن صحيح" وقال مسروق: "رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرايض".

(الخامسة والعشرون): جاءَ في حقها: "خذوا شطر دينكم عن الحميراء" وسألت شيخنا الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه الله عن ذلك فقال: "كان شيخنا حافظ الدنيا أبو الحجاج المزي رحمه الله يقول "كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل إلا حديثًا

(1)

في الصوم في سنن النسائي." قلت: وحديث آخر في النسائي أيضًا عن أبي سلمة قال: قالت عائشة: دخل الحبشة المسجد يلعبون فقال لي: "يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم "الحديث، وإسناده صحيح. وروى الحاكم في مستدركه حديث: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال: "انظري يا حميراء ألا تكوني أنت" ثم التفت إلى علي فقال:

(1)

في الأصل: حديث.

ص: 58

"إن وليت من أمرها شيئًا فارفق بها" وقال: صحيح الإسناد

(1)

وذكرها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقاته في جملة فقهاء الصحابة. ولما ذكر ابن حزم أسماء الصحابة الذين رويت عنهم الفتاوى في الأحكام على مزية كثرة ما نقل عنهم، قدم عائشة على سائر الصحابة. وقال الحافظ أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي الميانشي في كتاب (إيضاح ما لا يسع المحدث جهله"

(2)

: "اشتمل كتاب البخاري ومسلم على ألف حديث ومائتي حديث من الأحكام فروت عائشة من جملة الكتابين مائتين ونيفًا

(3)

وتسعين حديثًا لم يخرج عن الأحكام منها إلا يسير

(4)

.

قال الحاكم أبو عبد الله: "فحمل عنها ربع الشريع". قال أبو حفص: "وروينا بسندنا عن بقي بن مخلد رضي الله عنه: "أَن عائشة روت ألفين ومائتي

(5)

حديث وعشرة أحاديث، والذين رووا الألوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: أبو هريرة وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهم. اهـ.

(السادسة والعشرون): لم ينكح النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبواها مهاجران بلا خلاف، سواها.

(1)

كذا والله أعلم بصحته.

(2)

لم نجده في كشف الظنون [ك: منه عدة نسخ في لندن و استانبول وبانكي بور ورامبور من بلاد الهند، (انظر بروكلمان 1 / وتكملته 1/ 633) والمؤلف هو الميانشي بالياء المثناة نسبة إلى قرية في إفريقية]

(3)

في الأصل: ونيف.

(4)

في الأصل: يسيرا.

(5)

في الأصل: مائتين.

ص: 59

(السابعة والعشرون): أن أباها وجدها صحابيان، وشاركها في ذلك جماعة قليلون. قال موسى بن عقبة:"لا نعرف أربعة أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم هم وأبناؤهم إلا هؤلاء الأربعة. فذكر أبا بكر الصديق وأباه وابنه عبد الرحمن وابنه محمدًا أبا عتيق" حكاه عنه ابن الصلاح في النوع الرابع والأربعين من علومه، وكذا صاحب مسند الفردوس وقال:"ولا نعلم من العشرة أحدًا أسلم أبوه على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر" قلت: "وقد أفرد ابن مندة جزءًا فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هو وولده وولد ولده واشتركوا في رؤيته وصحبته والسماع منه، وبدأ بوالد الصديق أبي قحافة وروى له حديثًا، ثم بالصديق، ثم بولده عبد الرحمن. ومنهم حارثة بن شراحيل وابنه زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى أبو القاسم البغوي في معجمه من جهة محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن عبد الله بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا بلغ المرء المسلم أربعين سنة صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون والجذام والبرص .. الحديث" ثم قال: لا أعلم لعبد الله بن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وفي إسناده ضعف وإرسال. وقال الدارقطني: ثنا عبد الله بن أبي بكر فأسند عنه حديثًا

(1)

في إسناده نظر، يرويه عثمان بن الهيثم المؤذن عن رجال ضعفاء. قال المنذري: "وقد وقع لنا من حديث عبد الله بن أبي بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان آخران

(1)

في الأصل: حديث.

ص: 60

غير هذا الحديث، أحدهما:"أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين جارية بكر وزوجها، زوجها أبوها وهي كارهة .. الحديث" الثاني: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله".

وهذان الحديثان يرويهما عنه المهاجر بن عكرمة المخزومي. وعندي في سماع المهاجر هذا من عبد الله بن أبي بكر نظر: فإن عبد الله قديم الوفاة فإنه توفي في شوال سنة إحدى عشرة من الهجرة وهي السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: سنة اثنتي عشرة، والأول أشهر. وكانت وفاته بالمدينة ونزل حفرته عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم.

(الثامنة والعشرون): كان أبوها أحب الرجال إليه وأعزهم عليه.

(التاسعة والعشرون): أن أباها أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد سئل عن ذلك مالك فقال: "وهل في ذلك شك؟ " وقد صح عن علي بن أبي طالب ذلك أيضًا. أخرجه أبو ذر في كتاب السنة له. وأخرج البخاري في صحيحه عن محمد بن الحنفية قال: " قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " قال: "أبو بكر" قلت: "ثم من؟ " قال: "عمر" وخشيت أن يقول: عثمان؛ قلت: "ثم أنت" قال: "ما أنا إلا رجل من المسلمين" وإنما وقع الخلاف في التفضيل بين علي وعثمان، وذهب قوم إلى تساويهما في الفضيلة، وحكي عن مالك ويحيى بن سعيد القطان. وأما ما ذكره ابن عبد البر في كتاب الصحابة: "أن السلف اختلفوا

ص: 61

في تفضيل أبي بكر وعلي" فقد غُلِّطَ في ذلك ووهِّم، لا سيما

(1)

وثبت بأن من كان يعتقد ذلك من السلف أبو سعيد الخدري وهذا بعيد. وقد أخرج البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر قال: "كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم". وقد أنكر ابن عبد البر صحة هذا الخبر وقال: إنه غلط لوجهين أحدهما: أنه حكى عن هارون بن إسحاق قال: سمعت يحيى بن معين يقول: "من قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة، ومن قال: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة". فذكرت له هؤلاء الذين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ. وهذا عجيب لأن ابن معين إنما أنكر على رأي قوم لا على نقلهم. وهؤلاء القوم العثمانية المغلون في عثمان وذم علي. ومن قال ذلك واقتصر على عثمان فلا شك أنه مذموم. وليس في الخبر ما يدل على أن عليًا ليس بخير الناس بعدهم.

الثاني: أنه خلاف قول أهل السنة: إن عليًا أفضل الناس بعد عثمان هذا لا خلاف فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان؛ قال: واختلف السلف أيضًا في تفضيل علي وأبي بكر. وفي إجماع الجماعة التي ذكرنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط اهـ. وهذا أعجب من الأول فإن الحديث صحيح أورده الأئمة البخاري فمن دونه في كتبهم الصحاح. والحامل له

(1)

كذا ولا لزوم للواو هنا.

ص: 62

على ذلك اعتقاده أن حديث ابن عمر يقتضي أن عليًا ليس بأفضل الناس بعد عثمان، وليس كذلك بل هو مسكوت عنه.

(الثلاثون): كان لها يومان وليلتان في القسم دونهن لما وهبتها

(1)

سودة يومها وليلتها.

(الحادية والثلاثون): أَنها كانت تغضب فيترضاها ولم يثبت ذلك لغيرها.

(الثانية والثلاثون): لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أكثر منها. ونقل الماوردي في الأقضية من الحاوي عن أبي حنيفة: أنه لا ينقل من أحاديث النساء إلا ماروته عائشة وأم سلمة. وهو غريب.

(الثالثة والثلاثون): كان يتبع رضاها كلعبها باللعب ووقوفه في وجهها لتنظر إلى الحبشة يلعبون، واستنبط العلماء من ذلك أحكامًا كثيرة. فما أعظم بركتها.

(الرابعة والثلاثون): أنها أفضل امرأة مات عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا خلاف. واختلفوا في التفضيل بينها وبين خديجة على وجهين: حكاهما المتولي في التتمة. وقال الآمدي في أبكار الافكار: مذهب أهل السنة أن عائشة أفضل نساء العالمين: وقالت الشيعة: "أفضل زوجاته خديجة وأفضل نساء العالمين فاطمة ومريم وآسية." اهـ.

ومنهم من توقف في ذلك وهو ما مال إليه

(2)

؟ الطبري في تعليقه في

(1)

كذا والعرب تعدي وهب باللام فتقول: وهبت لها سودة يومها.

(2)

هنا كلمة لم نستطع حلها ولم نجد في تراجم الملقبين بالطبري اسمًا أو نعتًا قريبًا من رسمها في الأصل.

ص: 63

الأصول. واحتج من فضَّل خديجة بأنها أول الناس إسلامًا كما نقل الثعلبي الإجماع عليه، وبأن لها تأثيرًا في أول الإسلام وكانت تسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبذل دونه مالها، فأدركت غرة الإسلام، واحتملت الأذى في الله ورسوله، وكانت نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة فلها من ذلك ما ليس لغيرها. قال أبو بكر بن داوود:"ولأن عائشة أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل، وخديجة أقرأها جبريل السلام من ربها على لسان محمد فهي أفضل".

واحتج من فضل عائشة بأن تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى الأمة وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ماليس لغيرها" قال السهيلي:"وأصح ماروي في فضلها على النساء حديث "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام "يعني كما أخرجه الشيخان من حديث أنس قال: "وأراد بالثريد اللحم". كذلك رواه معمر في جامعه مفسرا عن قتادة - وأبان يرفعه - فقال فيه: "كفضل الثريد باللحم" ووجه التفضيل من هذا الحديث أنه قال في حديث آخر: "سيد أدم الدنيا والآخرة اللحم" مع أن الثريد إذا أطلق لفظه فهو ثريد اللحم، أنشد سيبويه:

إذا ما الخبز تأدمه بلحم

فذاك أمانة الله الثريد

قال: "ولولا قوله في خديجة: "والله ما أبدلني الله خيرا منها" لقلنا بتفضيلها على خديجة وعلى نساء العالمين. اهـ. وهذا الحديث الذي أشار إليه أخرجه ابن ماجه في سننه: حدثنا العباس بن الوليد الخلال الدمشقي

ص: 64

ثنا الحسن بن صالح، حدثني سليمان بن عطاء الجزري، حدثني مسلمة الجهني، عن عمه أبي مشجعة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم" وقال ابن الجوزي في مشكله: "العرب تفضل الثريد لأنه أسهل في تناوله، ولأنه يأخذ جوهر المرق" اهـ. فلم يقف على هذا المعنى الحسن. وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في طبقاته: "روينا عن الإمام أبي الطيب سهل الصعلوكي أنه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" أراد فضل ثريد عمرو

(1)

الْعُلى الذي عظم نفعه وقدره، وعم خيره وبره، وبقي له ولعقبه ذكر حتى قال فيه القائل:

عمرو العلى هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

ثم قال ابن الصلاح: "أبعد سهلٌ في تأويل الحديث والذي أراه: أن معناه ثريد كل طعام على باقي ذلك الطعام. وسائر بمعنى باقي .. وهو كذلك، فإن خير اللحم قد حصل فيه فهو أفضل منه" ا هـ.

وسئل ابن الحاجب في أماليه عن قوله صلى الله عليه وسلم: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" هل الألف واللام لاستغراق الجنس أولا؟ فأجاب: "بأن النساء في الأول لمن عدا عائشة. وفي الثاني لمن عدا مريم وآسية" فلا دلالة فيها على تفضيل أحد القبيلين على الآخر، كقولك زيد أفضل القوم وعمرو أفضل القوم: فيه دليل على أنهما أفضل القوم ولا تفضيل لمجرد ذلك لأحدهما على الآخر.

(1)

هو هاشم الأب الثالث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: وهو أول من فعل ذلك.

ص: 65

‌فائدة:

وذكر الأستاذ أبو منصور البغدادي أحد أئمة أصحابنا في (كتاب الأصول الخمسة عشر) كلامًا في فضل عائشة وفاطمة قال: "فكان شيخنا بو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي وابنه سهل يفضلان فاطمة على عائشة وبه قال الشافعي، وللحسين بن الفضل رسالة في ذلك" ا هـ. وهذا مما لا شك فيه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "فاطمة بضعة مني" ولا نعدل ببضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا كما قاله ابن داوود.

‌فائدة:

أما زوجاته صلى الله عليه وسلم فهن أفضل النساء لقوله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} قالوا: "ويجب الوقف هنا ثم يبتدأ بالشرط وهو قوله {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} وجوابه {فَلَا تَخْضَعْنَ} دون ما قبله. بل حكم الله بتفضيلهن على النساء مطلقًا من غير شرط وهو أبلغ في مدحهن وجواب الشرط ما بعده.

فإن قيل فقد روي: "كل مع صاحبه في الدرجة" فإذا كانت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم في درجته وفاطمة مع علي في درجته فتفاوت ما بينهما كتفاوت ما بين الدرجتين، قيل: قال الإمام في الشامل هذا لا يترى

(1)

لأنه معلوم أن عائشة لا تكون في درجتها كدرجة النبوة فإن قلت: هي في منازل الأتباع قلت هذا لا يعطي فضيلة متأصلة ولو كانت الفضيلة بهذا القدر لكان يتعدى هذا إلى كل من خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه وليس الأمر كذلك

(1)

لا يطّرد.

ص: 66

(الخامسة والثلاثون): أن عمر فضلها في العطاء عليهن. كما أخرجه الحاكم في مستدركه من جهة مصعب بن سعد قال: "فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف وزاد عائشة ألفين وقال: "إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم أخرج عن مصعب بن سعد نحوه. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لإرسال مطرف بن طريف.

‌حاشية:

سئل الدارقطني في علله عن حديث مصعب بن سعد عن عمر أنه فرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف عشرة آلاف؟ فقال: يرويه أبو إسحاق واختلف عنه فرواه مطرف عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد عن عمر. وتابعه إسرائيل، ورواه الأعمش عن أبي إسحاق عن بعض أصحابه عن عمر ولم يسم أحدا، وقول مطرف وإسرائيل صحيح.

(السادسة والثلاثون): فضل عبادتها: قال القاسم: "كانت عائشة تصوم الدهر" وقال عروة: "بعث معاوية مرة إلى عائشة بمائة ألف درهم فقسمتها لم تترك منها شيئًا، فقالت بريرة: "أنتِ صائمة فهلا ابتعت لنا منها بدرهم لحمًا؟ " قالت: "لو ذكرتني لفعلت" رواه الحاكم. وعنه أيضًا قال: "وإن عائشة تصدقت بسبعين ألف درهم وإنها لترقع جانب درعها." وقد اشتمل هذا على ثلاث فضائل: فضل عبادتها وجودها وزهدها.

(السابعة والثلاثون): شدة ورعها: في صحيح مسلم: أن شريحًا لما سألها عن المسح على الخفين فقالت: "إيت عليًا فإنه أعلم بذلك مني"

ص: 67

[و] ذكر أهل المغازي منهم سعيد بن يحيى بن سعيد الأُموي: أن عائشة رضي الله عنها. لما دفن عمر بن الخطاب في حجرتها صارت تحتجب من القبر فرضي الله عنها وأسند الحاكم في مستدركه [ثنا أبو أسامة] عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: " [كنت] أدخل البيت الذي دفن معهما عمر، والله ما دخلت إلا وأنا مشدود عليَّ ثيابي حياءً من عمر" وقال [صحيح] على شرط الشيخين [ولم يخرجاه]

(1)

.

قال شيخنا الحافظ عماد الدين بن كثير: ووجه هذا ما قاله شيخنا الإمام أبو حجاج المزي: "أن الشهداء كالأحياء في قبورهم وهذه أرفع درجة فيهم".

قال شيخنا وأيضًا فإن حجابهن كثيف غليظ رضي الله عنهن. فإن قيل: فقد روى الترمذي عنها رضي الله عنها قالت: "قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا"، قال بعض الرواة (يعني قصيرة) فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" قال الترمذي حسن صحيح أي

(2)

يتغير بها طعمه أو ريحه لشدة نتنها؛ فالجواب إنما صدر هذا القول عن عائشة مع وفور فضلها وكمال عقلها لفرط الغيرة الغريزية التي جبلت عليها القلوب البشرية. وقد حكى القاضي عياض في الإكمال عن مالك وغيره: أن المرأة إذا رمت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة لا يجب عليها الحد قال: واحتج لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "وما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله".

(1)

ما بين الزاويتين ليس في الأصل، والتكملة عن المستدرك للحاكم ج 4 ص 7.

(2)

كلمتان أو ثلاث كلمات لم تحل.

ص: 68

وقد روى البخاري في مناقب عمر أنه أرسل في مرض موته ابنه عبد الله إلى عائشة: "أن عمر يقرئك السلام ويستأذنك أن يدفن مع صاحبيه""فقالت عائشة: "لقد كنت أردته لنفسي ولأوثرنَّه اليوم على نفسي" وقد استشكل ذلك بأن الإيثار بالقبر من خلاف شيم الصالحين كمن يؤثر بالصف الأول ويتأخر هو. وأجاب بعضهم بأن الميت ينقطع عمله بموته فلا

(1)

الإيثار بما بعد الموت ولا يقرب ما هو

(1)

إنما هذا إيثار

(1)

فيه بالإيثار به قربة إلى الله

(1)

فهمت بقرينة الحال أن الحديث المشهور أنها رأت أن

(1)

.

(الثامنة والثلاثون): أنها سمعته يقول في يوم من الأيام فقدها: "واعروساه" فجمعها الله عليه. ذكره ابن شاهين في كتاب السنة. ووجعت يومًا فقالت: "وا رأساه" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل أنا وا رأساه" ففيه إشارة للغاية في الموافقة، حتى تألم بألمها فكأنه أخبرها بصدق محبتها حتى واساها في الألم وفهم من

(2)

له على الأمر بالصبر

(2)

بي من الوجع مثل مابك فتأسِّي بي في الصبر وعدم الشكوى. والظاهر الأول. وروى الإمام أحمد في مسنده (حدثني عبد الله حدثني أبي)

(3)

عن وكيع عن إسماعيل عن

(1)

رموز لم تحل أصلا وقد ذهب بعض حروفها مع حرف الصفحة وأكمل المؤلف رحمه الله هذه الحاشية فوق المتن فصرت ترى خطوطا متداخلة بعضها فوق بعض. انظر صورة الصفحة السادسة عشرة من الأصل شكل (4).

(2)

كلمة ذهبت مع طرف الصفحة المقصوص.

(3)

التكملة من مسند أحمد وهذا الحديث ذهبت أكثر كلماته في حرف الصفحة فأتممناها من المسند ج 6 ص 138.

ص: 69

مصعب بن إسحاق بن طلحة عن عائشة قالت

(1)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليهوِّن عليَّ أني رأيتُ بياض كف عائشة في الجنة" أخرجه الطبراني في معجمه

(2)

عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يهون علي منيَّتي أَنْ أُرِيتُ عائشة زوجتي في الجنة".

(التاسعة والثلاثون): تسابق النبي صلى الله عليه وسلم معها. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان وفيه فائدة جليلة وهي جواز السبق من النساء خلافًا لما قاله الصيمري في الإفصاح "أنه لا يجوز السبق والرمي من النساء لأنهن لسن من أهل الحرب". وقد نقله الرافعي وابن الرفعة عنه وأقرَّاه وهو مشكل بما ذكرنا إلا أن يخصص المنع بمسابقة المرأة المرأة.

(الأربعون): أن الله تعالى اختارها لرسوله؛ قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب فتوح الفتوح: "افتخرت زينب على نساء النبي فقالت: "كلكنَّ زوجها أبوها وأنا زوجني رَبِّي" تشير إلى قوله: "زَوَّجْنَاكَها" وأنا أتوب فقال: "يا زينب لقد صدقت ولقد شاركتكِ عائشة في أن الله تعالى بعث صورتها في سرقة من حرير مع جبريل فجلاها فقال: "هذه زوجتك" - فهذا تزويج مطوي في سرّ القدر ظهر أثره يوم عقد العقد غير أن عائشة كانت من اختيار الله لرسوله - وكنت يا زينب من اختيار الرسول لنفسه".

(1)

الذي في المسند: عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

(2)

نقص لم نستطع تداركه لفقدان المعجم الأوسط.

ص: 70

‌الباب الثاني في استدراكاتها على أعلام الصحابة

ص: 71

‌الفصل 1 - رجوع الصدِّيق إلى رأيها

روي

(1)

البخاري عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: "دخلت على أبي بكر فقال: "في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: "في ثلاثة

(1)

هنا شطب المؤلف على ما يلي:

(ساق ابن حزم في كتاب الاستقصاء بإسناده إلى الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال:

سأل أبو بكر عائشة رضي الله عنها: "فيم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم" فقالت: "في ثلاثة أثواب" فقال: "وأنا فكفنوني في ثلاثة أثواب": ثوبي هذا وبه مِشْق، مع ثوبين آخرين واغسلوه (لثوبه الذي كان يلبس) فقالت عائشة رضي الله عنها:"ألا نشتري لك جديدًا؟ " فقال: "لا، الحي أحوج إلى الجديد، إنما هو للمهلة، أي يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قالت: "يوم الإثنين

الحديث" وأخرجه مالك في الموطأ عن يحي بن سعيد أنه قال: "بلغني أن أبا بكر الصديق قال لعائشة وهو مريض .. فذكر نحوه".

قال ابن عبد البر: ورواه سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: "أن أبا بكر سألها: "في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " فقالت: "في ثلاثة أثواب" قال سفيان وأنا عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي مليكة أن أبا بكر الصديق .. فذكر نحوه.".

المشق: مِزق الثوب. والثوب المشيق: اللبيس.

ص: 73

أثواب بيض سحولية

(1)

ليس فيها قميص ولا عمامة." وقال لها: "في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم "؟ قالت: "يوم الاثنين" قال: "فأي يوم هذا؟ " قالت: "يوم الإثنين" قال: "أرجو فيما بيني وبين الليل" ينظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه، به ردع

(2)

من زعفران فقال: "اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني بها "قلت: "إن هذا خلق" قال: "إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة" فلم يتوفَّ حتى أمسى ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح". ورواه عبد الرزاق.

قال: وقوله (إنما هو للمهلة): من كسر الميم فإنه أراد الصديد، ومن ضمها شبهه بعكر الزيت وهو المُهل. والرواية بكسر الميم. وقال ابن السيد في المقتبس: قوله: (إنما هو للمهلة) كذا رواه يحيى؛ والمعروف المهلة أو المهلة يعني بالفتح أو بالكسر، فإذا حذفت تاء التأنيث قلت: المهل لا غير. ورواه أبو عبيدة: إنما هو للمُهل وقال: المهل في هذا الحديث الصديد والقيح، وهو في غيره كل شيء أُذيب من جواهر الأرض، كالذهب والفضة والنحاس. والمهل عكر الزيت قال: وأكثر رواة الموطأ على الكسر.

وقال الزمخشري في الفائق: روي للمُهلة وللمَهلة والمِهلة بكسر، ثلاثتها: الصديد والقيح الذي يذوب ويسيل من الجسد ومنه قيل للنحاس الذائب: المهل.

(1)

السحول جمع سَحْل وهو ثوب أبيض أو من القطن.

(2)

الردع (بالفتح) الزعفران، أو لطخ منه، وأثر الطيب في الجسد.

ص: 74

قال البيهقي في شعب الإيمان - وقد روى حديث أبي قتادة "من ولي أخاه فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون فيها"

(1)

-: هذا إن صح لم يخالف قول الصديق رضي الله عنه، إنما هو للمهل يعني الصديد لأنه كذلك في روايتنا ويكون ما شاء الله في علم الله، كما قال في الشهداء:{بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}

(2)

يتشحطون في الدماء، وهم في الغيب كما أخبر الله عنهم ولو كانوا في رؤيتنا كما أخبر عنهم لارتفع الإيمان بالغيب

(3)

.

وقد روى عنها أحاديث منها ما أخرجه الطبراني في معجمه الوسط من جهة منصور عن مجاهد عن خالد بن سعد بن غالب بن أبجر عن أبي بكر الصديق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الجبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام." وقال: لا يروى عن أبي بكر عن عائشة إلا بهذا الإسناد وذكر ابن الصلاح في النوع الرابع والأربعين من علومه: أن هذا غلط ممن رواه عن أبي بكر الصديق عن عائشة إنما هو عن أبي بكر بن أبي عتيق عن عائشة وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق اهـ. وفي التنقيح لابن الجوزي في باب من روى عن ابنه: روى أبو بكر الصديق عن ابنته عائشة حديثين وكذلك روت أم رومان عن ابنتها عائشة حديثًا

(4)

.

(1)

في رواية عن جابر: إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يبعثون في أكفانهم ويتزاورون في أكفانهم. من مسند عائشة في الجامع الكبير للسيوطي (قسم الأفعال) مخطوط.

(2)

كلمة غير مفهومة.

(3)

أتى القص على نهاية هذه الكلمة فذهبت إحدى نقطتي الياء مع الباء.

(4)

في الأصل، حديث.

ص: 75

‌الفصل 2 - استدراكها على عمر بن الخطاب رضي الله عنه

فيه أحاديث:

(الحديث الأول): أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة (قال) فجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمر وابن عباس وإني لجالس بينهما (قال) جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان وهو مواجهه: ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فقال ابن عباس: " قد كان عمر يقول بعض ذلك" ثم حدث قال: حدرت مع عمر من مكة حتى إذا كان بالبيداء وإذا هو بركب تحت ظل شجرة فقال: "اذهب فانظر من هؤلاء الركب" قال: فنظرت فإذا هو صُهَيب قال: فأخبرته فقال: "ادعه لي" قال: فرجعت إلى صهيب فقلت: "ارتحل فالحق أمير المؤمنين" قال: فلما أُصيب عمر جعل

(1)

صهيب يبكي يقول: وا أَخاه، وا صاحباه، فقال عمر: "يا صهيب

(1)

في الأصل: وجعل، وزيادة الواو سبق قلم.

ص: 76

أتبكي عليَّ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه". قال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرتُ ذلك لعائشة فقالت: "رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال مسلم: "يرحم الله عمر، لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد، ولكن قال:"إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه" قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(1)

قال ابن أبي مليكة: "فوالله ما قال ابن عمر شيئًا." ووقع في الوسيط وشرح الوجيز للرافعي: أنها قالت:

"رحم الله عمر ما كذب؛ ولكنه أخطأ أو نسي" وهذا مردود، ولم تقل ذلك إلا لابن عمر على ما سيأتي. قال النووي في تهذيبه: "ولا شك في غلط الغزالي في هذا ولا عذر له ولا تأويل

(2)

. قلت: بلى له العذر في التأويل أخرج مسلم عن ابن أبي مليكة: فذكر ذلك لعائشة فقالت: أما والله ما عرفوني هذا الحديث عن كاذبين مكذبين ولكن السمع يخطئ

(3)

. وهل ذكره أبو منصور البغدادي في كتابه؟

(1)

سورة النجم، الآية 38. وبزيادة الواو (ولا تزر .. ) في سورة الأنعام 6/ 164 وفي سورة الإسراء 17/ 15 وفي سورة فاطر 35/ 18 وفي سورة الزمر 39/ 7.

(2)

هنا شطب المؤلف على ما يلي:

قلت وجاء عنها في حق عمر، وهل (إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن) أخرجه أبو منصور البغدادي من جهة عبد الرحمن بن سلام قال: ثنا أبو أسامة قال ثنا هشام عن أبيه قال ذكر عند عائشة أن عمر يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فذكره.

(3)

الذي في صحيح مسلم: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: "إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطئ" 42:3.

ص: 77

(الحديث الثاني): قال الطحاوي في مشكل الآثار: حدثنا صالح بن عبد الرحمن، ثنا أبو عبد الرحمن المصري: قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن معمر بن أبي حية. قال: سمعت عبيد بن رفاعة الأنصاري يقول: كنا في مجلس فيه زيد بن ثابت فتذا كروا الغسل من الإنزال فقال زيد: "ما على أحدكم إذا جامع فلم ينزل إلا أن يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة" فقام رجل من أهل المجلس فأتى عمر فأخبره بذلك فقال عمر للرجل "اذهب أنت بنفسك فأتني به حتى تكون أنت الشاهد عليه" فذهب فجاءه به وعند عمر ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل فقال له عمر: أي

(1)

عُدي نفسه تفتي الناس بهذا؟ " فقال زيد: "أما والله ما ابتدعته ولكن سمعته من أعمامي رفاعة بن رافع ومن أبي أيوب الأنصاري الأنصاري" فقال عمر لمن عنده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقولون"؟ فاختلفوا عليه فقال عمر: "يا عباد الله قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار" فقال له علي: "فأرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنه إن كان شيء من ذلك ظهرن عليه" فأرسل إلى حفصة فسألها فقالت: "لا علم لي بذلك" ثم أرسل إلى عائشة فقالت: "إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل." فقال عمر عند ذلك: "لا أعلم أحدًا فعله ثم لم يغتسل إلا جعلته نكالا"

(2)

أخرجه مسلم في الصحيح لكن لم يذكر أن عمر هو السائل بل ذكر عن

(1)

في الأصل: أم.

(2)

قلت: الوجه أن يذكر هذا الحديث في استدراكها على زيد بن ثابت لأن عمر ليس إلا مستثبتًا، والسيدة صححت فتوى زيد لا عمر.

ص: 78

أبي موسى الأشعري قال: اختلف رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون: "لا يجب الغسل إلا في الدفق أو من الماء." وقال المهاجرون: "بل إذا خالط فقد وجب الغسل." فقال أبو موسى: "أنا أشفيكم من ذلك" فقمت فاستأذنت على عائشة .. الحديث نحو ما سبق وقالت: "إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل" فقال أبو: "لا أسال عن هذا أحدا بعدك". قال أبو عمر بن عبد البر: هذا وإن لم يكن مسندا بظاهره فإنه يدخل في المسند. ثم قال: وقد روى حديثها هذا عنها مسندًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكره إلى أبي موسى عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا التقى الختانان وجب الغسل."

وقد نازعه الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام رحمه الله فيما وجدته بخط بعض تلامذته وقال: "ليس ما ذكره أبو عمر عنه أولًا وهو قوله "إذا جاوز" هو ما ذكره. ثانيًا من قوله: "إذا التقى الختانان" فكيف يصح منه أن يقول وقد روى حديثها هذا ويشير إلى ما اشترطت فيه المجاوزة ولم يذكر ما لم يشترط فيه المجاوزة. فيجب أن يحمل قول عائشة "إذا جاوز" على حكاية فعلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على قول النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل قولها لما سمعت قضاء علي للمهاجرين بإيجاب الغسل من التقاء الختانين: "ولما فعلنا ذلك بإذن رسول الله تيممنا واغتسلنا" ولا يحمل فعلها إلا على الجماع الكامل لا على مجرد التقاء الختانين لبُعد ذلك. ولعل جميع ما ذكره عن المهاجرين من الصحابة كابن عمر وعلي وغيرهم في

ص: 79

قول كل واحد منهم: "إذا جاوز الختان الختان" نقلًا من كل منهم لما ذكرته عائشة حاكية عن الفعل المذكور لا عن القول. وكذلك قولها لأبي سلمة لما سألها: ما يوجب الغسل؟ فقالت: "يا أبا سلمة مثلك مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها، إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" وإن لم يحمل قولها على حكاية الفعل وقول الصحابة على حكاية قولها، أدى إلى إلغائه بالكلية لثبوت الروايات الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم في قوله:"إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل" ولمخالفة اشتراط المجاوزة لإجماع العلماء. اهـ. وقد تكلمت على علل هذا الحديث ومتابعة غير عائشة على رواية هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غيرها من الصحابة: في الثالث من باب الغسل من (الذهب الإبريز في تخريج أحاديث فتح العزيز).

(الحديث الثالث): قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا عمرو بن علي ثنا أبو داوود قال ثنا محمد بن أبي حميد: قال عبد الله بن عمرو بن أمية عن أبيه: "أن عن عمر أتى عليه في السوق وهو يسوم بمرطٍ فقال: "ما هذا يا عمرو؟ " قال: "مرط أشتريه فأتصدق به" فقال له عمر: "فأنت أنت إذا" ثم أتى عليه بعد فقال: "يا عمرو ما صنع المرط؟ " قال: "تصدقت به" قال: "على من؟ " قال: "على رقيقة مُزنية" قال: "أليس زعمت أنك تصدق به؟ " قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أعطيتموهن من شيء فهو لكم صدقة". فقال عمر: "يا عمرو لا تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم" فقال: والله لا أفارقك حتى نأتي أم المؤمنين عائشة" فقال يا عمرو: " لا تكذب

ص: 80

على رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فاستأذنوا

(1)

على عائشة فقال عمرو: "أنشدكِ الله أسمعتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أعطيتموهن فهو لكم صدقة" فقالت: "اللهم نعم، اللهم نعم" فقال عمر: "أَين كنت عن هذا؟ ألهاني الصفق بالأسواق" ومحمد بن أبي حميد ضعيف.

(الحديث الرابع): أخرجه البيهقي في سننه عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر: سمعت عمر يقول: "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء والطيب" قال سالم: وقالت عائشة: "كل شيء إلا النساء، أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله"، ثم أخرج عن ابن عيينة عن عمرو عن سالم قال: قالت عائشة: "أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله وإحرامه" قال سالم: "وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع". وقد أخرج الشيخان عن القاسم عنها قالت: "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله حين حل قبل أن يطوف بالبيت" وقد تابعها على ذلك ابن عباس فيما أخرجه البيهقي أيضًا من جهة الثوري عن سلمة عن الحسن العرني عن ابن عباس قال: "إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيءٍ إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت" فقال رجل: "والطيب يا أبا العباس" فقال له: "إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك، أو طيب هو أم لا؟ ".

(الحديث الخامس): قال البزار في مسنده: حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال حدثني عبد الرحيم بن مطرف قال حدثني عيسى بن يونس

(1)

كذا بواو الجماعة وهما اثنان ولعله صحبهما ثالث.

ص: 81

عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر قال: "أقبلنا مع عمر حتى إذا كنا بذي الحليفة أهل وأهللنا فمر بنا راكب ينفح عنه ريح الطيب، فقال عمر: "مَن هذا؟ " قالوا: "معاوية" فقال: "ما هذا يا معاوية؟ " قال: "مررت بأم حبيبة بنت أبي سفيان ففعلت بي هذا" قال: "ارجع فاغسله عنك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحاج الشعث التفل" قال البزار: "لا نعلم له إسنادا عن عمر إلا هذا، وإبراهيم بن يزيد ليس بالقوي، وقد حدث عنه سفيان الثوري وجماعة كثيرة" اهـ. قلت: ورواه في الموطإِ عن نافع عن أسلم مولى عمر: أن عمر به

(1)

وأخرجه البيهقي في سننه عن شعيب عن الزهري قال: "وكان ابن عمر يحدث عن عمر: أنه وجد من معاوية ريح طيب وهو بذي الحليفة وهم حجاج فقال عمر: "ممَّن ريح هذا الطيب؟ " قال: "مني، طيبتني أم حبيبة" فقال:"لعمري أُقسم بالله لترجعن إليها حتى تغسله، فوالله لأن أجد من المحرم ريح القطران أحب إلي من أن أجد منه ريح الطيب". قال البيهقي: "يحتمل أنه لم يبلغه حديث عائشة، أو كره ذلك لئلا يغتر به الجاهل فيتوهم أن انتداء الطيب يجوز للمحرم كما قال طلحة في الثوب الممشق" ا هـ. وذكره الحازمي في ناسخه ثم قال: "ولم يبلغ عمر حديث عائشة يعني (طيبت النبي صلى الله عليه وسلم فأصبح وإن وبيص المسك في مفارقه) قال: "ولو بلغه لرجع إليه وإذا لم يبلغه فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع" اهـ. ولهذا ذكرت هذا في المستدركات وحديث عائشة

(1)

أي: حدث بهذا الحديث.

ص: 82

مقدم لا محالة لأنها نقلت النص، وعمر رضي الله عنه إنما منع استدامة التطيب بالاستنباط من قوله صلى الله عليه وسلم:"الحاج الشعث التفل"وسيأتي

(1)

إنكارها على ابن عمر مثل ذلك.

(الحديث السادس)

(2)

: قال البزار أيضًا حدثنا علي بن نصر ومحمد بن معمر واللفظ له قالا: ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي بكر: أن عمر كبر على زينب بنت جحش أربعًا ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: "من يدخل هذه قبرها؟ " فقلن: "من كان يدخل عليها في حياتها" ثم قال عمر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أسرعكن بي لحوقًا أطولكن يدًا" فكن يتطاولن بأيديهن [وإنما عنى] أنها كانت صناعًا تعين بما تصنع في سبيل الله. قال البزار: "وهذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ولا نعلم رواه عنه أَجلُّ من عمر. ورواه غير واحد عن إسماعيل عن الشعبي مرسلًا وأسنده شعبة" وقوله: ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأصله في العموم

(3)

فلهذا ذكرناه في هذا الباب ا. هـ.

(الحديث السابع):

(4)

روى مسلم عن أنس قال: "كان عمر

(1)

في استدراكاتها على ابن عمر: الحديث الثاني ص 41 من المخطوط.

(2)

من هنا حتى آخر الحديث الثامن في استدراك السيدة عائشة على ابن عباس أثبت في الأصل المخطوط آخر الكتاب بعد السماع، وهو في ثماني أوراق بعضها أنصاف، وضعها مجلد المجموعة خطأ في غير موضعها.

(3)

يريد أن كون عائشة من الأزواج اللائي أجبن عمر يسوغ درجه في مستدركاتها عليه.

(4)

قبل هذا شطب المؤلف على ما يلي: الحديث السابع: قال الإمام أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن =

ص: 83

يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر" وأخرج أيضًا عن طاووس عن عائشة قالت: "وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها". قال ابن عبد البر: وبقول عائشة قال ابن عمر وغيره، وهو مذهب زيد بن خالد الجهني أيضًا لأنه رآه عمر بن الخطاب يركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه وضربه بالدرة فقال له زيد:"يا أمير المؤمنين اضرب فوالله لا أدعهما بعد أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما" فقال له عمر: "يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلمًا إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما".

(الحديث الثامن): قال البيهقي في شعب الإيمان: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا يحيى بن نصر، ثنا ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر أن عمر بن الخطاب قال: "لا يحل للمؤمن أن يدخل الحمام إلا بمنديل ولا مؤمنة إلا من سقم، فإني سمعت عائشة تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما امرأة وضعت خمارها في غير بيتها فقد هتكت الحجاب فيما بينها وبين ربها" قال: وهو منقطع.

= علي البغدادي في استدراكه: ثنا الشريف أبو الغنائم عبد الصمد بن علي الأموي قال: ثنا عيسى بن علي بن عيسى ثنا عبد الله بن محمد البغوي قال ثنا داوود بن عمرو قال ثنا خالد بن زيد عن أبي هرون العبدي قال: قال أبو سعيد الخدري: "كان عمر يضرب عليها رؤوس الرجال"(يعني الصلاة بعد الفجر حتى مطلع الشمس، وبعد العصر حتى مغرب الشمس)، فرأى أبو سعيد بن الزبير يصليها (يعني الصلاة بعد الفجر وبعد العصر)، يعني "فنهيته، فأخذ بيدي فذهبنا إلى عائشة رضي الله عنها فقال لها: "يا أم المؤمنين، إن هذا ينهاني." فقالت:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها."

ص: 84

‌الفصل - 3 استدراكها على علي بن أبي طالب رضي الله عنه

روى أبو منصور البغدادي في كفايته، ثنا الحسن بن محمد بن الحسن الخلال إجازة قال: ثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: ثنا عبد الغافر بن سلامة الحمصي قال: ثنا يحيى بن عثمان بن كثير قال: ثنا محمد بن خير قال: حدثني ابن أبي مريم عن عبدة بن أبي لبابة عن محمد الخزاعي: أن أُبيّ بن كعب أتى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: إن علي بن أبي طالب يقول: "ما أُبالي على ظهر حمار مسحت أم على التساخين" قالت عائشة: "ارجع إليه فقل له: إن عائشة تنشدك هل علمت ما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تنزيل سورة المائدة"؟ فأتاه فسأله عن ذلك فقال: "إن عائشة أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت سورة المائدة لم يزد على المسح على التساخين." فلما أخبره ذلك انتهي إلى قول عائشة وعمل به. اهـ. في إسناده من يجهل، والتساخين التجفاف

(1)

قال ثعلب: "لا واحد لها" وهذا الحديث لا يصح، فإن مسلمًا روى في صحيحه عن

(1)

التجفاف: الدرع يترك على الفرس يقيه الأذى، وقد يلبسه الإنسان.

ص: 85

شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: "عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" فسألناه فقال: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويومًا وليلة للمقيم". ورواه النسائي من حديث عائشة عن شريح قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين فقالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن يمسح المقيم يومًا وليلة والمسافر ثلاثًا".

‌فائدة:

روى الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل في كتاب الوصايا من المسند: حدثنا ابن علية عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود قال: ذكر عند عائشة أن عليًا كان وصيًا فقالت: "متى أوصى إليه؟ لقد كنت مسندته في حجري فانخنث فمات، فمتى أوصي إليه؟ " وأخرج من جهة مسروق عنها قالت: "ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء". وعن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس مثله.

ص: 86

‌الفصل 4 - استدراكها على عبد الله بن عباس

(الحديث الأول): أخرج البخاري ومسلم كلاهما من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة: "أَن عبد الله بن عباس قال: "من أهدى هديًا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي". وقد بعثت بهديي فاكتبي لي بأمرك". قالت عمرة: قالت عائشة: "ليس كما قال ابن عباس، أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي". وترجم عليه البخاري (باب من قلد القلائد بيده) ولم يذكر فيه (وقد بعثت بهديي فاكتبي إليَّ بأمرك). قال الحافظ أبو الحجاج المياسي ومن خطه نقلت: "هكذا وقع في كتاب مسلم (أن ابن زياد) ووقع في جميع الموطآت: (أن زياد بن أبي سفيان) كما وقع في البخاري". وأخرج البيهقي في سننه عن شعيب قال: قال الزهري: أول من كشف الغمّى عن الناس و بين لهم السنة في ذلك عائشة رضي الله عنها: فأخبرني عروة وعمرة أن

ص: 87

عائشة قالت: "إني كنت لأفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث بهديه مقلدًا وهو مقيم بالمدينة، ثم لا يجتنب شيئًا حتى ينحر هديه" فلما بلغ الناس قول عائشة هذا أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس. قال البيهقي: وروى في هذا المعنى مسروق والأسود عن عائشة. فإن قيل: فقد روي عن جابر خلاف ذلك، قال الطحاوي في معاني الآثار: ثنا ربيع المؤذن: ثنا أسد بن موسى ثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء بن

(1)

أبي لبيبة عن عبد الملك بن جابر عن جابر بن عبد الله قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه، فنظر القوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا وكذا، فلبست قميصي ونسيت، فلم أكن لأخرج قميصي من ورائي". وكان بعث ببدنه وأقام بالمدينة. فالجواب أن هذا حديث ضعيف لا يقاوم هذا الصحيح. قال البخاري: "عبد الرحمن بن عطاء فيه نظر" وقال الطحاوي: "قد تواترت الآثار عن عائشة بما لم تتواتر عن غيرها بما يخالف حديث جابر، وحديث عائشة إسناده صحيح بلا خلاف بين أهل العلم، ومعه النظر والمعنى.

قلت: ومما يضعف حديث جابر حديث يعلى بن مرة أَن

(2)

النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

في تهذيب التهذيب: أنه: ابن بنت أبي لبيبة.

(2)

في الأصل: فإن.

ص: 88

لم يأمر صاحب الجبة إلا بنزعها. وروى الطحاوي عن يونس ثنا ابن وهب أن مالكًا حدثه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهُدَيْر أَنه رأى رجلا متجردًا بالعراق قال فسألت الناس عنه فقالوا: "أَمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد" قال ربيعة: "فلقيت عبد الله بن الزبير فقال: "بدعة ورب الكعبة" قال: ولا يجوز عندنا أن يكون ابن الزبير يحلف على ذلك أنه بدعة إلا وقد علم السنة خلاف ذلك.

(الحديث الثاني): أخرج مسلم عن ابن جريج أخبرني عطاء قال: كان ابن عباس يقول: "لا يطوف بالبيت حاج ولا عن حاج إلا حلّ" فقلت لعطاء: "من أين تقول ذلك؟ " قال: من قوله: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}

(1)

قلت: "فإن ذلك بعد الوقوف" قال: كان ابن عباس يقول: "من بعد الوقوف وقبله" وكان يأخذ ذلك من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين أمرهم أن يحلوا من حجة الوداع. قال البيهقي: قد قررنا إن صح الحج كان خاصًّا بهم فلا يقوى الاستدلال، وقد أنكرت عائشة ذلك، وحكت فعل النبي صلى الله عليه وسلم أخرجاه في الصحيحين عن عروة عن عائشة، وأنكره عليه

(2)

ابن عمر أيضًا. أخرجه مسلم عن وبرة قال: كنت

(1)

سورة الحج 22 الآية 33.

(2)

أي علي ابن عباس.

ص: 89

جالسًا عند ابن عمر فجاءه رجل فقال: "أيصلح أن أطوف بالبيت قبل أن آتي

(1)

الموقف؟ "فقال: "نعم" قال: فإن ابن عباس يقول: "لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف." فقال ابن عمر: "قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف، فبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تأخذ أو بقول ابن عباس إن كنت صادقًا؟ ".

(الحديث الثالث): أخرجه البيهقي في سننه من جهة عبد الله بن الوليد العدني: ثنا سفيان عن جابر الجعفي عن أبي الضحى: أن عبد الملك أو غيره بعث إلى ابن عباس الأطباء على البرد وقد وقع الماء في عينيه، فقالوا:"تصلي سبعة أيام مستلقيًا" فسال أُم سلمة وعائشة عن ذلك فنهتاه. قال الذهبي في مختصره: "الجعفي ليس بشيء وابن عباس

(2)

كرهه تورعًا، والتداوي مشروع". وقال صاحب الدر النقي: في ذكر عبد الملك هنا نظر، لأنه ولي الخلافة سنة خمس وستين، و كانت وفاة عائشة وأم سلمة قبل ذلك بسنين، اللهم إلا أن يحمل على أن عبد الملك أرسلهم إليها قبل خلافته وفيه بعد، إذ لا يعلم لعبد الملك في زمن عائشة وأم سلمة ولاية تقتضي الإرسال على البرد، قال:"والعدني متكلم فيه" قال أحمد: لم يكن صاحب حديث وكان ربما أخطأ في الأسماء ولا يحتج به. وقال ابن معين: لا أعرفه، لم أكتب عنه شيئًا. وجابر المذكور في

(1)

في الأصل: آت.

(2)

كأنها في الأصل: تكرّهه.

ص: 90

مسنده أظنه الجعفي وقد قال البيهقي في موضع: لا يحتج به. وقال الدارقطني: متروك

(1)

.

وقد روى هذه القصة عن سفيان الثوري من لا نسبة بينه وبين العدني حفظًا وجلالة وهو عبد الرحمن بن مهدي ولم يذكر فيه عبد الملك. قال ابن أبي شيبة في مصنفه: قال ابن مهدي: ثنا سفيان عن جابر عن أبي الضحى أن ابن عباس وقع في عينه الماء فقيل له: "تستلقي سبعًا ولا تصلي إلا مستلقيًا" فبعث إلى عائشة وأُم سلمة يسألهما فنهتاه. وأخرج الحاكم في المناقب من جهة أبي معاوية: ثنا الأعمش عن المسيب بن رافع قال: لما كف بصر ابن عباس أتاه رجل فقال له: "إنك إن صبرت لي سبعًا لم تصل إلا مستلقيًا تومئ إيماء داويتك [و] برأت إن شاء الله فأرسل إلى عائشة وأبي هريرة وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(الحديث الرابع): قال الطبراني في معجمه الوسط: حدثنا علي بن سعيد الرازي: ثنا الهيثم بن مروان الدمشقي: ثنا يزيد بن يحيى بن عبيد: ثنا سعيد بن بشير عن قتادة: حدثني عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس: "أن معاوية صلى صلاة العصر ثم قام ابن الزبير فصلى بعدها

(1)

شطب المؤلف بعد هذه الكلمة على السطر الآتي:

ولكى للأثر طريق صحيحة أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثني ابن مهدي: ثنا سفيان عن جابر عن أبي الضحى

(2)

تتمة الرواية: وكلّ يقول: "أرأيت إن مت في هذا السبع كيف تصنع بالصلاة؟ " فترك عينه ولم يداوها. عن المستدرك للحاكم 3: 546 طبع الهند.

ص: 91

فقال معاوية: "يا بن عباس ما هاتان الركعتان؟ "فقال: "بدعة وصاحبها صاحب بدعة" فلما انفتل قال: "ما قلتما؟ " قال: "قلنا: كيت وكيت" قال: "ما ابتدعت ولكن حدثتني خالتي عائشة" فأرسل معاوية إلى عائشة فقالت: "صدق، حدثتني أم سلمة" فأرسل إلى أم سلمة: "أن عائشة حدثتنا عنك بكذا" فقالت: "صدقت، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فصلى بعد العصر فقمت وراءه فصليت، فلما انفتل قال: ما شأنك؟ قلت: رأيتك يا نبي الله صليت فصليت معك. فقال: إن عاملا لي على الصدقات قدم علي فخفت

(1)

عليه"؟ وفي الصحيحين عن كريب مولى ابن عباس أن بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: "اقرأ عليها السلام منا جميعًا، وسَلْها عن الركعتين بعد العصر وقل: إنا أخبرنا أنك تصلينها، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها" قال ابن عباس:"وكنت أضرِب مع عمر بن الخطاب الناس عنها" قال كريب: فدخلت عليها وبلغتها فقالت "سل أم

(1)

هي في الأصل بغير نقط، وقد رجعنا إلى جميع المظان ووجدنا أحاديث كثيرة في شأن الركعتين بعد العصر، في مسند أحمد أكثر من عشرة مواضع مثلًا (6/ 300،126) وفي البخاري مثلا في الكتاب 64 الباب 69 وفي مسلم وغيرها وليس في الظاهرية والمكتبات التي في دمشق نسخة عن المعجم الأوسط فنصحح عنها. ومن حديث مسند أحمد ج 6 ص 300: "

ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر فشغلني قسم هذا المال حتى جاءني المؤذن بالعصر فكرهت أن أدعهما" ثم وجدت مسند ابن عباس في المجلد الثالث من المعجم الكبير للطبراني (مخطوط في الظاهرية رقمه 283 - حديث) فسردته كله متحريًا فلم أجد عبد الله بن الحارث يروي عن ابن عباس إلا عشرة أحاديث ليس حديثنا هذا بينها. وفي الأصل بعد قوله (فخفت عليه) إشارة إلى هامش، فالظاهر أن المؤلف كان ينوي أن يشرح أو يكمل ثم نسي.

ص: 92

سلمة" فذكر نحو ما سبق إلا أنه قال: إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان.

وأخرج الترمذي من جهة عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إنما صلى النبي علم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد لهما" وقال: حديث حسن. ويعارضها في الصحيحين عن عروة: قالت عائشة: "يا ابن أختي ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجدتين

(1)

بعد العصر عندي قط".

(الحديث الخامس): أخرج أبو داوود وابن ماجه في سننهما من طريق يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس قال: "كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية، الحلة ثوبان وقميصه الذي مات فيه". قال الذهبي في مختصر سنن البيهقي: "يزيد فيه لين، ومقسم صدوق ضعفه ابن حزم" ا هـ.

أعله المنذري بيزيد قال: وقد أخرج له مسلم في المتابعات، وقال غير واحد من الأئمة: إنه لا يحتج بحديثه. قلت: وقد خالفه ابن أبي ليلى. فأخرج البيهقي في سننه من جهة قبيصة: ثنا سفيان عن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: "كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبُرد حِبَرة" قال البيهقي: "كذا رواه محمد بن عبد

(1)

البخاري 1: 76 باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر .. وفي تيسير الوصول 3: 295 عن عائشة رضي رضي الله عنها قالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني في يومي بعد العصر إلا صلى ركعتين" وفي رواية: "ما ترك ركعتين بعد العصر عندي قط" أخرجه الخمسة إلا الترمذي.

ص: 93

الرحمن بن أبي ليلى". قال الذهبي: "وليس بقوي" وقد روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة" أخرجه الأئمة: الستة في كتبهم. قال البيهقي وقد بينت عائشة رضي الله عنها أن الاشتباه في ذلك على غيرها: فأخرج مسلم من جهة هشام عن أبيه عن عائشة قالت: "كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسُف ليس فيها قميص ولا عمامة، فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها أنها اشتريت له حلة ليكفن فيها فتركت الحلة فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: "لأحبسنَّها لنفسي حتى أُكفَّن فيها" ثم قال: "لو رضيها الله لنبيه لكفنه فيها" فباعها وتصدق بثمنها". وفي رواية: "أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب سحولية يمانية". وأخرج مسلم أيضًا عن هشام عن أبيه قال: فقيل لعائشة: "إنهم يزعمون أنه قد كان عليه السلام كفن في برد حِبَرة" قالت: قد جاؤوا ببُرد حِبَرة ولم يكفنوه" وأخرجه البيهقي عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي: حدثني الزهري عن القاسم عن عائشة قالت: "أُدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في برد حبَرة، ثم أُخذ عنه" قال القاسم:"إن بقايا ذلك الثوب عندنا بعد" قال البيهقي: هذا الثوب الثالث وأما الحلة فتصدق بثمنها عبد الله وهي ثوبان. اهـ.

(الحديث السادس): إنكارها عليه الرؤية: أخرج الترمذي في التفسير من جهة مسلم بن جعفر هو البغدادي عن الحكم بن أبان عن

ص: 94

عكرمة: قال ابن عباس: "رأَى محمد ربه" فقلت "أليس الله يقول: (لا تُدْرِكهُ الأَبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَار"

(1)

؟ فقال: "ويحك، ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، قد رأى ربه مرتين" وقال: حسن غريب. قال شيخنا عماد الدين بن كثير: "مسلم بن جعفر ليس بذاك المشهور، والحكم بن أبان وثقه جماعة" وقال ابن المبارك: "ارم به" اهـ.

قلت: وأخرج الحاكم في مستدركه من جهة معاذ بن هشام: حدثني أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: "أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم؟ " ثم قال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وله شاهد صحيح عن ابن عباس في الرؤية. ثم ساقه من جهة إسماعيل بن زكريا عن عاصم عن الشعبي عن عكرمة عن ابن عباس قال "رأي محمد ربه" وله شاهد آخر صحيح الإسناد ثم ساقه عن يزيد بن هارون: أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس قال: "قد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه" وعن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: "رآه مرتين" ثم قال الحاكم: قد اعتمد الشيخان في هذا الباب أخبار عائشة بنت الصديق وأبي بن كعب وابن مسعود وأبي ذر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام" وهذه الأخبار التي ذكرتها صحيحة. اهـ. وقد أخرج البخاري من حديث القاسم عن عائشة قالت: "من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادًّا ما بين الأفق". وفي الصحيحين من حديث مسروق

(1)

سورة الأنعام 6، الآية 103.

ص: 95

قلت لعائشة: "يا أمتاه هل رأى محمد ربه؟ " فقالت: "لقد قفَّ شعري

مما قلت، من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب ثم قرأت:

{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}

(1)

ولكنه

رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين" وفي رواية:

"مَن زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية" فقلت:

"يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل:{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}

(2)

، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}

(3)

فقالت: أنا أول هذه

الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطًا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض" وقالت: "أولم تسمع أن الله عز وجل يقول: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِك الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخبير} (1) أولم تسمع أن الله عز وجل يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}

(4)

قلت: وهذا قاطع في هذه المسألة إذ صرحت فيه بالدفع. ونقل عن ابن خزيمة أنه قال في كتاب التوحيد له: "إنه صلى الله عليه وسلم إنما خاطب عائشة على قدر عقلها" ثم أخذ يحاول تخطئتها وليس كما قال، فقد جاء عن غيرها ذلك مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن مسعود، رواه محمد بن جرير الطبري في تفسيره: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي

(1)

سورة الانعام 6، الآية 103

(2)

سورة التكوير 81، الآية 23

(3)

سورة النجم 53، الآية 13

(4)

سورة الشورى 42، الآية 51

ص: 96

الشوارب، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا سليمان الشيباني، ثنا زر بن حبيش قال: "قال عبد الله بن مسعود في هذه الآية: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدنى}

(1)

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت جبريل له ستمائة جناح"، وأخرجه ابن حبان في صحيحه. وفي كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي: قال أبو مسعود في الأطراف في حديث عبد الواحد {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}

(2)

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت جبريل في صورته له ستمائة جناح" قال الحميدي: وليس ذلك كما رأيناه من النسخ ولا ذكره البرقاني فيما خرجه على الكتابين. ومنهم أبو ذر؛ قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا عفان ثنا هشام عن قتادة عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: "لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته"، قال

(3)

: "وما كنت تسأله؟ " قلت: "كنت أسأله: هل رأى ربه عز وجل؟ "فقال: "إني سألته فقال: قد رأيته نورًا أَنَّى أراه" وأخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ "رأيت نورًا" ثم قال: "معناه أنه لم ير ربه، ولكن رأى نورا علويًا من الأنوار المخلوقة". اهـ.

هكذا وقع في رواية الإمام أحمد. وقد أخرجه مسلم من طريقين بلفظين: أحدهما قال: "رأيت نورًا أنى أراه" والثاني قال: "رأيت نورا". وهو مصرح بنفي الرؤية إذ لو أراد الإثبات لقال "نعم" أو

(1)

سورة النجم 53، الآية 9

(2)

سورة النجم 53 الآية 13

(3)

في الأصل: قلت. والتي بعدها: قال. وهو سهو محْل بسياق الحديث.

ص: 97

"رأيته" ونحو ذلك وهو يردُّ قول ابن خزيمة: (أن الخطاب وقع لعائشة على قدر عقلها) ولهذا لم يجد ابن خزيمة عنه ملجأ إلا أنه كان يدعي انقطاعه بين عبد الله بن شقيق وأبي ذر

(1)

فقال: "في القلب من صحة مسند هذا الخبر شيء" لم أر أحدا من علماء الأثر نظر لعلة في إسناده قال: عبد الله بن شقيق راوي الحديث كأنه لم يكن يثبت أبا ذر ولا يعرفه بعينه واسمه ونسبه، قال: لان أبا موسى محمد بن المثنى حدثنا عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد الله بن شقيق. قال: "أتيت المدينة فإذا رجل قائم على غرائر سود يقول: ألا ليبشر أصحاب الكنوز بِكَي في الحياة والممات، فقالوا: هذا أبو ذر" فكأنه لا يثبته ولا يعلم أنه أبو ذر. وقال بعض العلماء في هذا الحديث: قد أجمعنا على أنه ليس بنور، وخطأنا المجوس في قولهم: هو نور، والأنوار أجسام والباري سبحانه ليس بجسم. والمراد بهذا الحديث أن حجابه النور، وكذلك روي في حديث أبي موسى، فالمعنى: كيف أراه وحجابه النور؟ ومن أثبت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه فإنما يثبت ليلة المعراج، وأسلم أبو ذر بمكة

(2)

قادمًا قبل المعراج ثم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأُحُد والخندق ثم قدم المدينة بعد ذلك، فيحتمل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقت إسلامه:

(1)

هنا شطب المؤلف على ما يلي:

وأنى له ذلك وأما ابن الجوزي فأوله على أن أبا ذر لعله سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء فأجابه بما أجابه، ولو سأله بعد الإسراء لأجابه بالإثبات. وهذا ضعيف فإن عائشة أم المؤمنين قد سألت عن ذلك بعد الإسراء ولم يُثبت لها الرؤية.

(2)

قادمًا، أقرب الكلمات إلى صورة الأصل.

ص: 98

"هل رأيت ربك؟ " وما كان عُرج به بعد فقال: "نور، أَنَّى أَراه؟ ". أي النور يمنع من رؤيته. وقد قال بعد المعراج في رواية ابن عباس: "رأيت ربي" ا هـ. وهذا ضعيف، فإن عائشة أم المؤمنين قد سألت عن ذلك بعد الإسراء ولم يثبت لها الرؤية. وأما قول الإمام أحمد:"ما زلت منكرًا لهذا الحديث وما أدري ما وجهه" فقال بعض الأئمة: لا نعرف معنى هذا الإنكار وقد صح ذلك عن أبي ذر وغيره. وللكلام على الحديث موضع آخر قد بسطته فيه، ورددت ما حرَّفه بعض النقَلَة في لفظه والله سبحانه وتعالى أعلم.

(الحديث السابع): إحالته معرفة الوتر عليها. أخرجه مسلم في صحيحه عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفي عن سعد بن هشام: أنه طلق امرأته فأتى المدينة ليبيع بها عقارًا له، فيجعله في السلاح والكراع، فذكر الحديث وأنه لقي ابن عباس فسأله عن الوتر فقال:"ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال: "نعم" قال "عائشة"، إيتها فسلها ثم ارجع إليَّ فأخبرني بردها عليك" قال: فأتيت

(1)

حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال: "ما أنا بقاربها، إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا فأبت فيهما إلا مضيًا فيه" فأقسمت عليه فجاءَ معي فدخل عليها فقال: "يا أُم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كنا نُعِدُّ له سواكه وظهوره فيبعثه الله بما شاء أن يبعثه من

(1)

في الأصل: علي بن حكيم بن أفلح، ولم نجد في كتب رجال الحديث أحدًا بهذا الاسم وإنما هو حكيم بن أفلح كما في (تهذيب التهذيب) و (لسان الميزان). والحديث مذكور في مسند أحمد واسم الرجل فيه كما أثبتناه.

ص: 99

الليل فيتسوك ويتوضأُ، ثم يصلي ثماني ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة فيجلس ويذكر الله ويدعو، ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة فيقعد فيحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس بعدما سلم، فتلك تسع ركعات يا بني" وفي رواية له "وسلم تسليمًا يسمعنا". وقد اختلفت الأحاديث ولا سيما الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها في عدد الوتر وفي صحيح مسلم عنها:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل ثلاث عشرة يوتر من ذلك بخمس" وروى أبو داوود: "لم يكن يوتر بأكثر من ثلاث عشرة "فقيل: الاختلاف منها، وقيل: هو من الرواة عنها. ووجه الاختلاف فيها بحسب اختلاف أحواله صلى الله عليه وسلم من اتساع الوقت أو ضيقه وبحسب طول القراءة كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود. أو عذره بمرض أو غيره، أو في بعض الأوقات عند كبر السن كما روته ورواه أيضًا خالد بن زيد. أو وجه الثلاث عشرة أنها عدت معها

(1)

ركعتي الفجر كما بين أبو داوود ذلك في رواية له عنها.

(الحديث الثامن): ردت على ابن عباس قراءته قوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنهم قَدْ كذبوا}

(2)

بالتخفيف

(3)

. فأخرج البخاري في

(1)

في الأصل: معه

(2)

سورة يوسف 12، الآية 110

(3)

هنا شطب المؤلف على ما يلي:

قاله أبو الفرج بن الجوزي: ففي البخاري: قالت عائشة رضي الله عنها: "لم يزل =

ص: 100

التفسير عن ابن أبي مليكة قال ابن عباس: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ (2) وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} خفيفة ذهب بها هنالك وتلا {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}

(1)

فلقيت عروة بن الزبير فذكرت له ذلك فقال: "قالت عائشة: معاذ الله، والله ما وعد الله رسوله في شيء قط إلا علم أَنه كائن قبل أن يموت ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم فكانت تقرؤُها {كُذِّبُوا} مثقلة

(2)

.

= البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم" وكانت تقرؤها مثقلة، وذكر لها أن ابن عباس قرأها مخففة وتلا (متى نصر الله .. الآية) فقالت:(معاذ الله، ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت ولكن لم يزل .. إلى آخره).

(1)

سورة البقرة 2 الآية 214.

(2)

آخر الأوراق الثماني المنزوعة من موضعها إلى آخر الرسالة.

ص: 101

(1)

‌ الفصل 5 - [استدراكها] على عبد الله بن عمر

(الحديث الأول): أخرج البخاري ومسلم، واللفظ له، عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة وذكر لها أن الله عبد بن عمر يقول:"إن الميت ليعذب ببكاء الحي" - فقالت عائشة: يغفر الله لأَبي عبد الرحمن أَما إنه لم يكذب ولكنه نسي أَو أخطأَ، إنما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال:"إنهم يبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها" ورواه مسلم أيضًا عن هشام بن عروة عن أبيه نحوه بلفظ: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، سمع شيئًا ولم يحفظ، إنما مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي وهم يبكون عليه فقال: "أنتم تبكون وإنه ليعذب".

واعلم أن تعذيب الميت ببكاء أهله عليه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم عمر وابن عمر وأنكرته عليهما عائشة وحديثها موافق لظاهر القرآن وهو قوله سبحانه: {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(2)

وموافق

(1)

ص 39 فارغة في الأصل.

(2)

سورة النجم 53، الآية 38.

ص: 102

للأَحاديث الأُخَر في بكاء النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة من الموتى وإقراره على البكاء عليهم. وكان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين فمحال أَن يفعل ما يكون سببًا

لعذابهم أَو يقر عليه. وهذا مرجح آخر لرواية عائشة. وعائشة جزمت

بالوهم. واللائق لنا في هذا المقام التأْويل، وهل حمل الأَحاديث المخالفة لها إما على من أوصى بذلك فعليه إثم الوصية بذلك لأَنه قد تسبب إلى وجوده، وإما غير ذلك مما ذكره العلماء في كتبهم. والذي يؤكد قول عائشة في "وَهِم" قولها:"إنه عليه السلام قال لرجل مات يهوديًا: "إن الميت ليعذب". بلام العهد فالظاهر أَن ابن عمر خفي عله موت اليهودي فحملها

(1)

على الاستغراق. ونظير هذا ما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم رأَى تاجرا يبخس الناس في البيع فقال: "التاجر فاجر" يعني ذلك الرجل، فرواه بعضهم على أَنه للاستغراق. ذكر هذا فخر الدين الرازي في بعض كتبه الأُصولية وجعله من أَسباب الغلط في الرواية. ولا شك أَنه من أَسبابه، لكن هذا الحديث ليس من هذا الباب فإن في السنن:"التاجر فاجر إِلا مَن برَّ وصدق" وهذا يدل على إرادة الاستغراق لوجود الاستثناء فيه

(الحديث الثاني): أخرجا أَيضًا عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أَبيه قال: سمعت ابن عمر يقول: "لأَن أُصبحَ مطليًا بقطران أَحب إلي من أَن أصبح محرمًا أنضخ طيبًا" قال: فدخلت على عائشة فأَخبرتها بقوله، فقالت:"طيَّبْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه ثم أَصبح محرمًا" وفي لفظ البخاري: ذكرته لعائشة فقالت: "يرحم الله أبا عبد

(1)

أي ال التعريف.

ص: 103

الرحمن، كنت أُطيِّب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرمًا ينضخ طيبًا" ورواه النسائي بلفظ: سأَلت ابن عمر عن الطيب عند الإحرام فقال: "لأَن أُطلى بالقطران أَحبُّ إليَّ من ذلك" فذكرت ذلك لعائشة فقالت: "يرحم الله أَبا عبد الرحمن، قد كنت أُطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف في نسائه ثم يصبح ينضخ طيبًا" وفي لفظ لهما: سأَلت عائشة وذكرت لها قول ابن عمر: "ما أُحب أَن أُصبح محرمًا أَنضخ طيبًا" فقالت عائشة: "أَنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف في نسائه ثم أَصبح محرمًا" والنضخ بالخاء المعجمة كاللطخ فيما يبقى له أَثر؛ يقال نضخ ثوبه بالطيب والنضح بالمهملة فيما كان رقيقًا مثل الماء.

(الحديث الثالث): أَخرجا أَيضًا عن منصور عن مجاهد قال:

"دخلت أَنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن بن عمر جالس إلى حجرة عائشة والناس يصلون الضحى في المسجد فسأَلناه عن صلاتهم، فقال: "بدعة" فقال له عروة: "يا أَبا عبد الرحمن [كم]

(1)

اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال: "أربع عمر إحداهن في رجب" فكرهنا أَن نكذبه ونرد عليه، وسمعنا استنان عائشة في الحجرة فقال عروة: "أَلا تسمعين

(2)

يا أُم المؤمنين إلى ما يقول أَبو عبد الرحمن "؟ فقالت: "وما يقول؟ " قال: يقول: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أَربع عمر إحداهن في رجب" فقالت:

(1)

الزيادة عن البخاري (الكتاب 26 الباب 3) وبها يتم المعنى.

(2)

في الأصل: تسمعي.

ص: 104

"يرحم الله أَبا عبد الرحمن، ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو معه، وما اعتمر في رجب قط". قال ابن الجوزي في مشكله: "سكوت ابن عمر لا يخلو من حالين: إما أَن يكون قد شك فسكت، أَو أَن يكون ذكر بعد النسيان فرجع بسكوته إلى قولها. وعائشة قد ضبطت هذا ضبطًا جيدًا وقال أَنس: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أَربع عمر كلها في ذي القعدة" وهذا الحديث يدل على حفظ عائشة وحسن فهمها.

وقد جاءَ الإنكار عليه منها على وجه آخر أَخرجه أَبو داوود والنسائي وابن ماجه من جهة مجاهد قال: سئل ابن عمر: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مرتين" فقالت عائشة: "لقد علم ابن عمر أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتمر ثلاثًا سوى التي قرنها بحجة الوداع". وقد سبق أَن البخاري ومسلمًا

(1)

رويا حديث مجاهد عن عائشة، وهو منها تصريح منها تصريح بأَنه سمع منها لا سيما على شرط البخاري. لكن قال يحيى بن سعيد القطان: لم يسمع مجاهد من عائشة، وكان شعبة بن الحجاج ينكره. وهو قول يحيى بن معين وأَبي حاتم الرازي أَيضًا. وفي هذا الحديث أَمر آخر غير مخالفة ما سبق، وهو أَن عائشة روت الإفراد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قال الطحاوي في معاني الآثار: "هذا لا ينافيه فيجوز أَن تكون قد علمت أَنه صلى الله عليه وسلم ابتدأَ فأَحرم بعمرة لم يقرنها حينئذ بحجة، فمضي فيها على أَن يحج في وقت الحج، فكان في ذلك متمتعًا بها، ثم أَحرم بحجة منفردة في إحرامه بها لم يبتدئ معها إحرامًا بعمرة، فصار بذلك قارنًا لها إلى

(1)

في الأصل: ومسلم.

ص: 105

عمرته المتقدمة، فقد كان في إحرامه على أَشياءَ مختلفة: كان في أَوله متمتعًا ثم محرمًا بحجة أَفردها في إحرامه تلزمه مع العمرة التي كان قدمها، فصار في معني القارن والمتمتع. وأَرادت عائشة بالإفراد خلافًا للذين رووا أَنه عليه السلام أَهلَّ بهما جميعًا". اهـ.

(الحديث الرابع): وأَخرجا أَيضًا من جهة نافع قال: قيل لابن عمر: إن أَبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تبع جنازة فله قيراط من الأَجر" فقال ابن عمر؛ "أَكثر علينا أَبو هريرة" فبعث إلى عائشة فسأَلها فصدَّقت أَبا هريرة، فقال ابن عمر:"لقد فرطنا في قراريط كثيرة" وأَخرجه مسلم أَيضًا عن داوود بن عامر بن سعد بن أَبي وقاص عن أَبيه: أَنه كان قاعدًا عند عبد الله بن عمر، إذ طلع خبَّاب صاحب المقصورة فقال: يا عبد الله بن عمر، أَلا تسمع ما يقول أَبو هريرة؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أَجر، كل قيراط مثل أُحُد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له الأَجر مثل أُحد" فأَرسل ابن عمر خبَّابًا إلى عائشة يسأَلها عن قول أَبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت، وأَخذ ابن عمر قبضةً من حصى المسجد يقلِّبها في يده، حتى رجع إليه الرسول فقال: قالت عائشة: "صدق أَبو هريرة" فضرب ابن عمر بالحصي الذي كان في يده الأَرض وقال: "لقد فرطنا في قراريط كثيرة".

(الحديث الخامس): أَخرج أَبو داوود في سننه عن محمد بن

ص: 106

إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله: أَن عبد الله بن عمر كان يصنع ذلك "يعني يقطع الخفين للمرأَة المحرمة" ثم حدثته صفية "بنت أَبي عبيد: أَن عائشة رضي الله عنها حدثتها "أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخَّص للنساء في الخفين" فترك ذلك. أَخرجه ابن خزيمة في صحيحه وقال فيه: قال محمد بن إسحاق: حدثني الزهري، فزالت علة التدليس. وقال الشافعي: أَنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أَبيه أَنه كان يفتي النساءَ إذا أحر من أَن يقطعن الخفين حتى أَخبرته صفية عن عائشة: "أَنها تفتي النساءَ إذا أَحر من الَّا يقطعن" فانتهى عنه. أَخرجه البيهقي في السنن الكبير من طريق الشافعي. وأَخرج البيهقي أَيضًا عن أبي النضر ثنا محمد بن راشد عن عبدة بن أَبي لبابة عن ابن باباه المكي: أَن امرأَة سأَلت عائشة: "ما تلبس المرأَة في إحرامها؟ " قالت: "تلبس من خزها وبزها وأَصباغها وحليها" قال بعضهم: أَجمعوا على أَن المراد بالخطاب المذكور في اللباس الرجال دون النساء وأَنه لا بأْس بلباس المخيط والخفاف للنساء.

(الحديث السادس): أَخرج الدارقطني في سننه: عن علي بن عبد العزيز الوراق عن عاصم بن علي عن أبي أُويس أبي أويس: حدثني هشام بن عروة عن أَبيه عن عائشة: أَنه بلغها قول ابن عمر: "في القُبلة الوضوءُ" فقالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ثم لا يتوضأُ" قال الدارقطني: لا أَعلم حدَّث به عن عاصم هكذا غير علي بن عبد العزيز.

ص: 107

(الحديث السابع): قال الطبراني في معجمه الوسط: حدثنا بكر بن سهل ثنا سعيد بن منصور ثنا صالح بن موسى الطلحي عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة قال: "بلغ عائشة أن ابن عمر يقول: "إن موت الفجأَة سخطة على المؤمنين" فقالت: "يغفر الله لابن عمر، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: موت الفجأَة تخفيف على المؤمنين وسخطة على الكافرين" قال الطبراني لم يروه عن عبد الملك إلا صالح. قلت: وهو ضعيف عندهم.

(الحديث الثامن): روى البخاري من حديث ابن عمر أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالًا يؤذِّن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أُم مكتوم" وأَخرج البيهقي في سننه من جهة يعقوب بن محمد الزهري: ثنا الدراوردي ثنا هشام عن أَبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ابن أُم مكتوم رجل أَعمي، فإذا أَذن فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال" قالت: وكان بلال يبصر الفجر. وكانت عائشة تقول: "غلط ابن عمر" قال البيهقي: كذا قال، وحديث عبيد الله عن القاسم عن عائشة أَصح. يشير إلى ما أَخرجه البخاري كذلك عنها موافقًا لحديث ابن عمر. واعلم أَن حديث عائشة هذا الذي أَخرجه إسناده صحيح وقد رواه أَحمد ومسدد، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، لكن لم يذكرا فيه تغليط ابن عمر. وحمله ابن حبان وابن حزم على أَن الأَذان كان بينهما دُولا: تارة يقدم هذا وتارة يتأَخر. وقد روي ابن أَبي شيبة حديثًا شهد لذلك فقال: حدثنا عثمان ثنا شعبة عن حبيب قال: سمعت عمتي وكانت قد حجت مع

ص: 108

رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ابن أُم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال" كذا أَو "إن بلالًا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أُم مكتوم" قالت: "وكان يصعد هذا وينزل هذا. قالت فكنا نعلق به

(1)

فنقول: "كما أنت حتّى نتسحّر" وكذا رواه أَبو داوود عن شعبة عن خبيب.

(التاسع): روى أَبو منصور البغدادي بإسناده إلى ابن جريج قال ثنا ابن أَبي مليكة عن رجل لا يكذبه: أُخبرَت عائشة رضي الله عنها بقول ابن عمر رضي الله عنه: "إن الشهر تسع وعشرون" فأَنكرت ذلك عليه وقالت: "يغفر الله لأَبي عبد الرحمن، ما هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن قال: "إن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين" قال الإمام أَحمد في مسنده: حدثنا يحيى عن محمد بن عمرو قال: حدثني يحيى بن عبد الرحمن عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الشهر تسع وعشرون" فذكروا ذلك لعائشة فقالت: "يرحم الله أَبا عبد الرحمن، إنما قال:"الشهر قد يكون تسعًا وعشرين".

(العاشر): أَخرج البخاري عن ابن عمر قال: "وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} ثم قال "إنهم الآن يسمعون ما أَقول" فذكر لعائشة فقالت: "إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنهم ليعلمون الآن أَن ما كنت أَقول لهم حق" قال السهيلي

(1)

هذا الحديث في مسند أَبي داوود مرويا عن أنيسة بنت خبيب عمة خبيب المذكور في الأصل، ولفظه: فكنا نحبس ابن أم مكتوم فنقول .. الخ

ص: 109

في الروض: "وعائشة لم تحضر، وغيرها ممن حضر أَحفظ للفظه صلى الله عليه وسلم وقد قالوا له يا رسول الله: "أَتخاطب قومًا قد جيفوا أَو أُجيفوا"؟ فقال "ما أَنتم بأَسمع لما أَقول منهم" وإذا جاز أَن يكونوا في تلك الحال عالمين جاز أَن يكونوا سامعين، إما بآذان رؤُوسهم إذا قلنا إن الروح تعاد إلى الجسد أَو إلى بعضه عند المسأَلة وهو قول جمهور أَهل السنة، وإما بأُذن القلب أَو الروح على مذهب من يقول بتوجه السؤال إلى الروح من غير رجوع منه إلى الجسد أَو إلى بعضه. قال: "وقد روي أَن عائشة احتجت بقوله تعالى {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}

(1)

وهذه الآية كقوله {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ}

(2)

أَي إِن الله هو الذي يهدي ويوفق ويدخل الموعظة إلى آذان القلوب لا أَنت، وجعل الكفار أمواتًا وصمًا على جهة التشبيه بالأَموات وبالصم فالله هو الذي يسمعهم على الحقيقة إذا شاءَ، فلا تعلق لها في الآية لوجهين: أَحدهما أنها إنما نزلت في دعاء الكفار إلى الإيمان، الثاني أَنه إنما نفى عن نبيه أَن يكون هو المسمع لهم، وصدق الله فإنه لا يسمعهم إذا شاءَ إلا هو

(1)

سورة فاطر 35، الآية 22.

(2)

سورة الزخرف 43، الآية 40.

ص: 110

‌الفصل 6 - استدراكها على عبد الله بن عمرو بن العاص

(الأول): أَخرج مسلم في صحيحه عن عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أَن ابن عمرو يأْمر النساءَ إذا اغتسلن أَن ينقضن رؤُوسهن، فقالت:"يا عجبًا لابن عمرو يأْمر النساءَ إذا اغتسلن أَن ينقضن، رؤُوسهن، أَفلا يأَمرهن أَن يحلقن رؤُوسهن! لقد كنت أَغتسل أَنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وما أَزيد أَن أفرغ على رأَسي ثلاث إفراغات." ورواه النسائي وقال "وما أَنقض لي شعرًا" ورواه ابن خزيمة في صحيحه أَتم من ذلك، وقد تابع عائشة على رواية ذلك أَم سلمة فروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن رافع مولى أُم سلمة عن أُم سلمة قالت: قلت: "يا رسول الله إني امرأَة أشد ضَفْر رأَسي، أَفأَنقضه لغسل الجنابة"؟ فقال: "لا إنما يكفيك أَن تحثي على رأَسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماءَ فتطهرين" قال الماوردي في الحاوي: "ويحتمل أَن يكون ابن عمرو أَمر بذلك احتياطًا لا واجبًا، وعائشة إنما أَنكرت وجوب الحل".

ص: 111

‌الفصل 7 - استدراكها على أَبي هريرة

(الحديث الأول): إنكارها عليه بطلان الصوم بالجنابة: أَخرج مسلم عن ابن جريج عن عبد الملك بن أَبي بكر بن عبد الرحمن عن أَبي بكر بن عبد الرحمن قال: سمعت أَبا هريرة يقص [و] يقول في قصصه: "من أدركه الفجر جنبًا فلا يصم" قال فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث، فذكره لأَبيه فأَنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأُم سلمة، فسأَلها عبد الرحمن عن ذلك فقال: فكلمناها

(1)

قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا من غير طهر ثم يصوم" فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبد الرحمن فقال مروان:"عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أَبي هريرة فرددت عليه ما يقول" قال: فجئنا أَبا هريرة وأَبو بكر حاضر ذلك كله، فذكر له عبد الرحمن فقال أَبو هريرة: (أَهما قالتاه لك؟ " قال: "نعم"، قال: "هما أَعلم" ثم رد أَبو هريرة ما

(1)

كذا بلا حرف عطف.

ص: 112

كان يقول في ذلك إلى الفضل بن عباس، قال أَبو هريرة:"سمعت ذلك من الفضل ولم أَسمع من النبي صلى الله عليه وسلم " قال: فرجع أَبو هريرة عما كان يقول من ذلك؟ قال البزار في مسنده: "ولا ولا نعلم روى أَبو هريرة عن الفضل بن العباس إلا هذا الحديث الواحد" ا هـ. وفي لفظ: فقال أَبو هريرة: "لا علم لي بذلك، إنما أَخبرني مخبر.".

قال البيهقي: ورواه البخاري مدْرجًا في روايته عن أَبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أَبي بكر بن عبد الرحمن، إلا أَنه قال في حديثه:"فقال: كذلك حدثني الفضل بن عباس وهو أَعلم، وروى أَنه قال: "أَخبرني بذلك أُسامة بن زيد" أَخرجه النسائي في سننه وقد صح رجوعه عن ذلك صريحًا كما سبق. وأَخرج البيهقي في سننه عن ابن أَبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب: "أَن أَبا هريرة رجع عن قوله قبل موته" وروى مثله عن عطاء ثم قال: قال ابن المنذر: أَحسن ما سمعت في هذا أَن يكون ذلك محمولا على النسخ، وذلك أَن الجماع كان في أَول الإسلام محرمًا على الصائم في الليل بعد النوم كالطعام والشراب، فلما أَباح الله الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أَصبح قبل أَن يغتسل، أَن يصوم ذلك اليوم لارتفاع الحظر، وكان أَبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل على الأَمر الأَول، ولم يعلم بالنسخ فلما سمع من عائشة وأُم سلمة صار إليه ا هـ.

وجواب ثان: وهو حمله على من طلع الفجر [عليه] هو يجامع فاستدام.

ص: 113

و [جواب] ثالث: أَنه إرشاد إلى الأَفضل وهو الاغتسال قبل الفجر، وتركه عليه السلام لذلك في حديث عائشة وأُم سلمة، لبيان الجواز.

واعلم أَنه وقع خلاف في ذلك للسلف أَيضًا، ثم استقر الإجماع على صحة صومه كما نقله ابن المنذر وكذلك الماوردي في الاحتلام، فعن طاووس وعروة النخعي: التفصيل بين أَن يعلم فإنه مبطل، وإلا فلا. وعن الحسن البصري: الفصل بين صوم التطوع، محرم دون الفرض. وقيل: يصوم ويقضيه وحكي عن سالم بن عبد الله. وفي معجم الإمام أَبي بكر الإسماعيلي: قال سفيان: كان إبراهيم النخعي يقول: "من يدركه الصبح وهو جنب يفطر"، قال يحيى بن آدم: ثم جعل سفيان يتعجب من قول إبراهيم، فقال له حفص بن غياث:"لعل إبراهيم لم يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أَنه كان يدركه الصبح وهو جنب" يعني (ثم يصوم) قال سفيان: "بلى ثنا حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة به" ا هـ.

(الحديث الثاني): قال أَبو داوود الطيالسي في مسنده حدثنا محمد بن راشد عن مكحول قال: قيل لعائشة: إن أَبا هريره يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الشؤم في ثلاثة: في الدار والمرأَة والفرس" فقالت عائشة: "لم يحفظ أَبو هريرة، إنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل الله اليهود يقولون: الشؤم في ثلاثة في الدار والمرأَة والفرس. فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله" ومحمد بن راشد وثقه أحمد وغيره، ولكن الشك في الواسطة بين مكحول وعائشة

ص: 114

وقد قال ابن أَبي حاتم في المراسيل: "ثنا أَبي قال سأَلت أَبا مسهر: "سمع مكحول من أَحد أَصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟) قال "ما صح عندنا إلا أَنس بن مالك" قلت: "واثلة؟ " فأَنكره ا هـ.

وقد جاءَ الإنكار على وجه آخر: قال الإمام أَحمد في مسنده: حدثنا روح ثنا سعيد عن قتادة عن أَبي حسان: رجلين دخلا على عائشة فقالا: " إن أَبا هريرة يحدث أَن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنما الطيرة في المرأَة والدابة والدار " قال: فطارت شِقّة منها في السماء وشِقّة منها في الأَرض

(1)

وقالت: "والذي أَنزل القرآن على أَبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان أَهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأَة والدابة والدار. ثم قرأَت عائشة {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} الآية)

(2)

وأَبو حسان اسمه مسلم الأَجرد يروي عن ابن عباس وعائشة. قال بعض الأَئمة: ورواية عائشة في هذا أَشبه بالصواب إن شاءَ الله لموافقته نهيه عليه الصلاة والسلام عن الطيرة نهيًا عامًا، وكراهتها وترغيبه في تركها بقوله:"يدخل الجنة سبعون يدخل الجنة سبعون أَلفًا بغير حساب وهم الذين لا يكتوون ولا يسترْقُون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" واستدراكها على أَبي هريرة في هذا من جنس استدراكها على ابن عمر في

(1)

الشقة: القطعة المشقوقة، وهذا مبالغة في التعبير عن الغضب والغيظ (يقال: قد انشق فلان من الغضب كأنه امتلأ باطنه به حتى انشق) - لسان العرب.

(2)

سورة الحديد 57، الآية 22.

ص: 115

البكاء على الميت، بمعنى أَن ذلك كان في واقعة خاصة لا على العموم فإن قيل: فإن غيرها من الصحابة يروي الإثبات وعائشة نافية، والإثبات مقدم على النفي، ولهذا قال ابن عبد البر بعد هذا:"وأَهل العلم لا يرون الإنكار علمًا ولا النفي شهادة ولا خبرا" وقد أَخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر بأَلفاظ، ومنها: أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأَة والفرس والدار" وأَخرجاه أَيضًا من حديث سهل بن سعد وأَخرجه مسلم عن جابر. وقال الترمذي بعد أَن أَخرج حديث ابن عمر، وفي الثاني عن سهل بن سعد وعائشة وأَنس: قلنا: ليس هذا من باب تعارض النفي والإثبات، بل من باب الزيادة المفيدة في الحكم فتقبل باتفاق. لكن كلام الترمذي يقتضي أَن عائشة روته أَيضًا، فعلى هذا روايتها مع الجماعة أَولى من روايتها على الانفراد كما رجحوا بذلك في مواضع. على أَنه قد جاءَ عن أَبي هريرة خلاف ما سبق، قال أَحمد في مسنده: حدثنا خلف بن الوليد ثنا أَبو معشر عن محمد بن قيس قال: سئل أَبو هريرة: "هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطيرة في ثلاث في المسكن والفرس والمرأَة؟ " قال: "فكنت إذن أَقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَصدق الطيرة الفأْل، والعين حق.

وأَما ابن الجوزي في المشكل فأَنكر على عائشة هذا الرد وقال: "الخبر رواه جماعة ثقات فلا يعتمد على ردها." والصحيح أَن المعنى:

ص: 116

إن خيف من شيء أَن يكون سببًا لما يخاف شره ويتشاءَم به، فهذه الأَشياءُ لا على السبيل التي تظنها الجاهلية من العدوى والطيرة، وإنما القدر يجعل للأَسباب تأْثيرا. وقال الخطابي:"لما كان الإنسان في غالب أَحواله لا يستغني عن دار يسكنها، وزوجة يعاشرها، وفرس يرتبطه، وكان لا يخلو من عارض مكروه، أُضيف اليمن والشؤم إلى هذه الأَشياء إضافة محل وظرف، وإن كانا صادرين عن قضاء الله." قال: وقد قيل: "إن شؤم المرأَة أَلَّا تلد وشؤم الفرس أَلَّا يحمل عليها في سبيل الله وشؤم الدار سوءُ الجوار."

(1)

(الحديث الثالث): قال أَبو بكر البزار في مسنده: حدثنا هلال بن بشر: ثنا سهل بن حماد قال: ثنا أَبو عامر الجزار، وثناه محمد بن معمر قال: ثنا عثمان بن عمر قال: ثنا أَبو عامر الجزار عن سيّار عن الشعبي عن علقمة قال: قيل لعائشة رحمة الله عليها: "إن أَبا هريرة يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَن امرأَة عذبت في هرة" قال: فقالت عائشة: "إن المرأَة كانت كافرة" قال: "ولا نعلم روى علقمة عن أَبي هريرة إلا هذا الحديث"، وأبو عامر الجزار صالح بن رستم قال فيه أَحمد بن حنبل:"صالح الحديث."

ورواه أَبو محمد قاسم بن ثابت السرْقسطي في كتاب غريب الحديث:

(1)

ص 53 فيها: السابع - قال ابن خيثمة في تاريخه الكبير: حدثنا العدوي: قال: ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عبد الله يعني ابن عمر أَنه أرسل إلى عائشة فسألها (أيقبل الصائم؟) فقالت: كان. . ثم ترك المؤلف الصفحة فارغة، عادلًا عما كتب. لتقدم مثله في ص 45 من الأصل المخطوط: الحديث السادس.

ص: 117

نا محمد بن جعفر قال: نا أَبو أَحمد محمود بن غيلان المروزي: نا أَبو داوود الطيالسي قال: نا أَبو عامر صالح بن رستم قال: نا سيّار أَبو الحكم عن الشعبي عن علقمة بن قيس قال: "كنا عند عائشة ومعنا أَبو هريرة فقالت: "يا أَبا هريرة أَنت الذي تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَن امرأة عذبت بالنار من جرى

(1)

هوة لا هي أَطعمتها ولا سقتها ولا هي تركتها تأْكل من خشاش الأَرض شيئًا حتى ماتت؟ " قال أَبو هريرة: "سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قالت عائشة: المؤمن أَكرم عند الله من أَن يعذبه من جرّى هرة، أَي إن المرأَة مع ذلك كانت كافرة؛ يا أَبا هريرة إذا حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر كيف تحدث" قولها من جرّى هرة تعني من أجلها. اهـ

(الحديث الرابع): قال الحاكم في مستدركه في كتاب العتق: أَخبرنا أَبو بكر أَحمد بن إسحاق: أَنا محمد بن غالب: ثنا الحسن بن عمر بن شفيق: ثنا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة قال: بلغ عائشة أَن أَبا هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأَن أُقنَّع بسوط في سبيل الله أَحب إليَّ من أَن أُعتق ولد الزنى" وأَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولد الزنى شر الثلاثة" و "إن الميت يعذب ببكاء الحي" فقالت عائشة: رحم الله أَبا هريرة أَساءَ سمعًا فأَساءَ إجابة: أَما قوله: "لأَن أُقنَّع بسوط في سبيل الله أَحب إليَّ من أَن أُعتق ولد الزنى" فإنها

(2)

لما نزلت

(3)

{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ

(1)

من جرى: من أجْل

(2)

في الأصل: أنها.

(3)

سورة البلد 90/ 11 - 13.

ص: 118

رَقَبَةٍ} قيل: "يا رسول الله ما عندنا ما نعتق، إلا أَن أَحدنا له الجارية السوداءُ تخدمه وتسعى عليه، فلو أَمرناهُن فزنين فجئن بأَولاد فأَعتقناهم." فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأَن أُقنَّع بسوط في سبيل الله أَحب إليَّ من أَن آمر بالزنى ثم أُعتق الولد"، وأَما قوله:"ولد الزنى شر الثلاثة" فلم يكن الحديث على هذا، إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"من يعذرني من فلان؟ " قيل: "يا رسول الله إنه مع ما ما به ولد زني" فقال: "هو شر الثلاثة" والله تعالى يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، وأَما قوله:"إن الميت يعذب ببكاء الحي" فلم يكن الحديث على هذا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بدار رجل من اليهود قد مات وأَهله يبكون عليه، فقال:"إنهم ليبكون عليه وإنه ليعذب" والله يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

(1)

. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وعن الحاكم: أَخرجه البيهقي في سننه في كتاب الأَيمان في باب عتق ولد الزنى، ثم قال:"وسلمة الأَبرش يروي مناكير". قال الذهبي في مختصره: هو مختلف فيه، وقد وثقه أَبو داوود. قال البيهقي: وروي عن أَبي سليمان الشامي برد بن سنان عن الزهري عن عائشة في إعتاق ولد الزنى. وأَخرج عن سفيان عن هشام عن أَبيه عن عائشة قالت في ولد الزنى: "ليس عليه من وزر أبويه شيء، لَا تَزِرُ وازِرةٌ وزر أُخْرى"، قال: وروي مرفوعًا ولم يصح. ثم أَخرج عن إسحاق السلولي: ثنا إسرائيل عن إبراهيم عن محمد بن قيس عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولد

(1)

سورة البقرة 2/ 286.

ص: 119

الزنى شر الثلاثة إذا عمل بعمل أَبويه" وقال: ليس بالقوي. وقد روي مثله بإسناد ضعيف من حديث ابن عباس. وقال صاحب الاستذكار: قد أَنكر ابن عباس على من روى في ولد الزنى "أَنه شر الثلاثة" وقال: "لو كان شر الثلاثة ما استؤني بأُمه أَن ترجم حتى تضعه" رواه ابن وهب عن معاوية بن صالح عن علي بن أَبي طلحة عن ابن عباس، وقد ذكرناه في التمهيد بإسناده. وقال في باب حد الزنى: وقول أُم سلمة: "يا رسول الله أَنهلك وفينا الصالحون؟ " قال: "نعم إذا كثر الخبث" الخبث في هذا الحديث عند أَهل العلم أولاد الزنى وإن كانت اللفظة محتملة لذلك ولغيره. هذا لفظه وهو غريب.

وأَخرج النسائي من حديث شعبة عن منصور عن سالم عن نبيط بن شريط عن جابان عن عبد الله بن مسعود: أَن رسول الله د: أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة ولد زنية". وأَخرجه ابن حبان في صحيحه. قال الحافظ أَبو الحجاج المزي في الأَطراف: قال البخاري: لا يعرف لجابان سماع من عبد الله ولا لسالم من جابان ولا نبيط قال: وقد روى عن عبد الله بن عمرو قوله.

(الحديث الخامس): قال الطبراني في الأَوسط: حدثنا علي بن سعيد الرازي، ثنا عبد الله بن أَبي رومان الإسكندراني، ثنا عيسى بن واقد، نا محمد بن عمرو عن أَبي سلمة عن أَبي هريرة: أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لم يوتر فلا صلاة له" فبلغ ذلك عائشة فقالت: "مَنْ سَمع هذا من أَبي القاسم صلى الله عليه وسلم؟ ما بَعُدَ الْعَهْد وما نسينا، إنما قال أَبو القاسم صلى الله عليه وسلم:

ص: 120

"من جاءَ بصلوات الخمس يوم القيامة حافَظ على وُضوئها ومواقيتِها وركوعها وسجودها لم ينتقص منهن شيئًا، كان له عند الله عهد أَلَّا شاء يعذبه، ومن جاءَ وقد أَنقص منهن شيئًا، فليس له عهد عند الله، إن رحمه وإن شاءَ عذَّبه" ثم قال: لم يروه عن محمد بن عمرو إلا عيسى، تفرد به عبد الله بن أَبي رومان.

(الحديث السادس): قال الحافظ أَبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه في النوع التاسع والمئة من القسم الثاني: أَخبرنا عمر بن محمد الهمداني، ثنا أَبو الطاهر بن السرح، ثنا ابن وهب قال: أَخبرني يونس عن ابن شهاب أَن عروة بن الزبير حدثه أَن عائشة قالت: "ألا يعجبك أَبو هريرة جاءَ فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسمعني ذلك وكنت أُسبِّح فقام قبل أَن أَقضي سبحتي، ولو أَدركته لرددت عليه: أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم". قال أَبو حاتم: قول عائشة: "لرددت عليه " أَرادت به سرد الحديث لا الحديث نفسه، وترجم عليه ما يستحب للمرء من ترك سرد الأَحاديث حذر قلة التعظيم والتوقير لها. أَخرجه مسلم في الصحيح في الفضائل عن حرملة بن يحيى: ثنا ابن وهب به سندًا ومَتنًا.

(الحديث السابع): ذكر أَبو منصور البغدادي بإسناده إلى أَبي عروبة الحسين بن محمد الحراني قال: ثنا جدي عمرو بن أَبي عمرو قال: ثنا أَبو يوسف يعقوب بن إبراهيم مولى الأَنصار قال: ثنا محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أَبي هريرة:

ص: 121

أَنه قال: "مَنْ غَسَّلَ ميتًا اغتسل، ومن حمله توضأَ" فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: "أَو نجس موتى المسلمين؟ وما على رجل لو حمل عودًا؟)، واعلم أَن جماعة من الصحابة رووا هذا الحديث ولم يذكروا فيه الوضوء من حمله، منهم عائشة. أَخرجه أَبو داوود، ومنهم حذيفة: أَخرجه البيهقي، وهو يقوي إنكار عائشة. لكن قال البيهقي: "الروايات المرفوعة في هذا الباب عن أَبي هريرة غير قوية، لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم" والصحيح أَنه موقوف على أَبي هريرة.

(الثامن): قال أَبو عروبة أَيضًا: حدثنا جدي عمرو بن أَبي عمرو قال، ثنا أَبو يوسف يعقوب بن إبراهيم قال، ثنا الكلبي عن أَبي صالح عن أَبي هريرة قال:"لأنْ يمتلئَ جوف أَحدكم قيْحًا ودمًا خير له من أَن يمتلئَ شعرًا) فقالت عائشة رضي الله عنها: "لم يحفظ الحديث، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لأَن يمتلئَ جوف أَحدكم قيحًا ودمًا خير له من أن يمتلئ شعرًا هجيتُ به" وقد أَخرج الشيخان حديث أَبي هريرة من جهة الأَعمش عن أَبي صالح عنه. وأَخرجه مسلم من حديث سعد بن أَبي وقاص، وأَخرجه البزار من حديث عمر.

قلت: وقد تابع عائشة على رواية هذه الزيادة جابر بن عبد الله، أَخرجه أَبو يعلى الموصلي في مسنده من جهة أَحمد بن محرز الأَزدي عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعًا بلفظ:"خير له من أَن ممتلئَ شعرًا هجيت به" قال السهيلي في الروض: وذكر ابن وهب في جامعه: "أَن عائشة رضي الله عنها تأَولت هذا الحديث في الأَشعار التي هُجِي بها النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 122

وأَنكرت قول مَن حمله على العموم في جميع الشعر" قال السهيلي: "وإذا قلنا بذلك فليس في الحديث إلا عيب: "امتلأَ الجوف منه" وأَما رواية اليسير على جهة الحكاية والاستشهاد على اللغة فلم يدخل في النهي. " قال: وقد رد أَبو عبيدة على من تأَول الحديث في الشعر الذي هُجي به النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "رواية نصف بيت من ذلك الشعر حرام فكيف يخص امتلاء الجوف منه بالدم؟ قال السهيلي: "وعائشة أعلم منه، فإن البيت والبيتين والأَبيات من تلك الأَشعار على جهة الحكاية، بمنزلة الكلام المنثور الذي ذموا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا فرق" وجعل ذلك عذرا لابن إسحاق في ذكر بعض أَشعار الكَفَرة من الهجو. انتهى. والصواب: تحريم حكاية هجو النبي صلى الله عليه وسلم قليله وكثيره، والحديث لعله خرج على من امتلأَ بذلك، فلا يكون له مفهوم في عدم ذم القليل. وأيضًا فالمحذور في الكثير موجود في القليل بعينه، فتاويل عائشة مستقيم إن شاءَ الله ولا يرد ما فهمه أَبو عبيدة ولا السهيلي.

(التاسع): أَخرج مسلم والنسائي عن شريح بن هاني عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءَه، ومن كره لقاءَ الله كره الله لقاءه" قال شريح: فأَتيت عائشة فقلت: "يا أُم المؤمنين سمعت أَبا هريرة يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا إن كان كذلك فقد هلكنا "فقالت: إن الهالك من هلك، وما ذاك؟ [قلت] قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أَحبَّ لقاءَ اللهُ أَحبَّ الله لقاءَه، ومن كره لقاءَ اللهِ كره الله لقاءَه. وليس منا أَحد إلا وهو يكره الموت فقالت: "قد

ص: 123

قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس بالذي تذهب إليه، ولكن إذا شخص البصر وحشرج الصدر واقشعر الجلد ونشنجت الأَصابع، فعند ذلك من أَحبَّ لقاءَ اللهِ أَحب اللهُ لقاءَه ومن كره لقاءَ اللهِ كرهَ اللهُ لقاءَه" وأَخرجه الدارقطني من جهة محمد بن فضيل قال: ثنا عطاءُ بن السائب عن مجاهد عن أَبي هريرَة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أَحبَّ العبدُ لقاءَ اللهِ أَحبَّ اللهُ لقاءَه، وإذا كرهَ العبدُ لقاءَ وإذا كره الله لقاءَه" فذكر ذلك لعائشة فقالت:"يرحمه الله حدثكم بآخر الحديث ولم يحدثكم بأَوله" قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أَراد الله بعبدٍ خيرًا بعث إليه ملكًا في عامه الذي يموت فيه فيسدده ويبشره، فإذا كان عند موته أَتى ملك الموت فقعد عند رأَسه فقال: أَيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان وتتهوع

(1)

نفسه رجاءَ أَن تخرج، فذلك حين يحب لقاءَ الله الله لقاءَه. وإذا أراد بعبد شرًا بعث إليه شيطانًا في عامه الذي يموت فيه فأَغواه فإذا كان عند موته أَتاه ملك الموت فقعد عند رأَسه فقال: أَيتها النفس اخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده فيسترطه

(1)

، فذاك حين يبغض لقاءَ الله ويبغض الله لقاءَه" غريب من حديث مجاهد عن أَبي هريرة وعائشة، تفرد به عطاء بن السائب عنه قال الدارقطني ولا أعلم حدث به عنه غير ابن فضيل. قلت: وقد احتج به الشيخان.

(العاشر): روى أَبو القاسم عبد الله بن محمد بن علي البغوي حدثنا عبيد الله بن عمر قال: ثنا خالد بن الحارث قال: ثنا عبيد الله بن

(1)

تهوّع القيء: تكلفه - القاموس. وهاع قاء بلا تكلف. ويسترطه: يبتلعه.

ص: 124

عمر عن القاسم بن محمد قال: بلغ عائشة رضي الله عنها أَن أَبا هريرة يقول: "إن المرأَة تقطع الصلاة" فقالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فتقع رجلي بين يديه أَو بحذائه فيصرفها فأَقبضها".

(الحادي عشر): روى الشيخان عن أَبي هريرة أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمشين أَحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعًا أَو ليخلعهما" وروى مسلم عن جابر نحوه. قال ابن عبد البر في الاستذكار: حديث أَبي هريرة وحديث جابر صحيحان ثابتان، وقد روى عن عائشة رحمها الله معارضة لحديث أَبي هريرة في هذا الباب [و] لم يلتفت أَهل العلم إلى ذلك، لأَن السنن لا تعارض بالرأي. فإن قيل لم تعارض أَبا هريرة برأيها، وإنما ذكرت: أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما انقطع شسع نعله فمشى في نعل واحدة، قيل: لم يرو هذا والله أعلم إلا مندل بن علي عن ليث بن أَبي سليم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أَبيه عن عائشة. ومندل وليث ضعيفان لاحجة فيما نقلا منفردين

(1)

، فكيف إذا عارض نقلهما نقل الثقات الأَئمة؟. ذكر أَبو بكر يعني ابن أَبي شيبة: ثنا ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أَبيه أَن عائشة كانت تمشي في خف واحد وتقول: "لأخشن

(2)

أَبا هريرة" وهذا هو الصحيح، لا حديث مندل عن ليث والله أَعلم. وقد روي عن علي أَنه مشى في النعل الواحدة، وهذا يحتمل أَن يكون مسيرًا وهو يصلح الأُخرى أَو يكون لم يبلغه

(1)

في الأصل: منفردان.

(2)

خششْت فلانًا: شنأته ولمته في خفاء - القاموس.

ص: 125

ما رواه أَبو هريرة وجابر مع أَن حديث علي لا يثبت

(1)

وعن رجل من مزينة عن علي: أَنه كان يمشي في نعل واحدة وهو يصلح شسعه.

‌فائدة:

(2)

روى الشيخان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أَطعمت المرأَة من بيت زوجها غير مفسدة فلها أَجرها وله مثله وللخازن مثل ذلك". وأخرجا أَيضًا عن هشام عن أَبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أَنفقت المرأَة من كسبه عن غير أمره فإن نصف أَجره له". وهذا لا ينافي رواية أَبي هريرة. ثم إنه قد جاءَ عن أَبي هريرة ما يخالف ظاهر روايته: فروى أَبو داوود في سننه من جهة عبد الملك عن عطاء عن أَبي هريرة في المرأَة تصدّق من بيت زوجها قال: "لا، إلا من قوتها والأَجر بينهما، ولا يحل لها أَن تصدّق من مال زوجها إلا بإذنه". ولأجل هذا حمل البيهقي وغيره الحديث السابق على أنها تعطيه من الطعام الذي أَعطاها زوجها وجعله بحكمها دون سائر أَمواله. والأَصل تحريم مال الغير إلا بإذنه. قال: والحامل على ذلك أَن أَبا هريرة قال ذلك وهو أحد رواة تلك الأَخبار ونازعه الحافظ شمس الدين الذهبي وقال: بل الظاهر أَنه أراد الإذن لها في الصدقة مما يقتاتونه من

(1)

ثلاث كلمات لم تحل.

(2)

ورقة 62 من الأصل ليست للمؤلف، انظر ص 129.

ص: 126

المطبوخ والمخبوز وهو الطعام الرطب، دون ما في البيت من مثل العسل والزيت والجبن مما يدخر، فإن ذلك مال؛ فإِن أَبا هريرة قال: والأَجر بينهما. فأَما قولها "التي تأْخذه من زوجها بالفرض ثم تؤثر منه"

(1)

فإن الأَجر لها وحدها. اهـ. وقال صاحب الدر النقي: هذا الأَثر المروي عن أَبي هريرة لا يصح فإن في سنده عبد الملك العرزمي وهو متكلم فيه. قال البيهقي في موضع: "لا يقبل منه ما خالف فيه الثقات". ثم لو صح فالعبرة عند الشافعي (بما) روى لا بما رأَى. وكيف يحمل ذلك على الطعام الذي أَعطاها وفي حديث أَبي هريرة "وما أَنفقت من كسبه عن غير أمره"، بل يحمل ذلك على كل ما هو مأْذون فيه إما صريحًا أَو عرفًا أَو عادة.

وقد أَخرج البيهقي أَيضًا عن يحيى القطان عن زياد بن لاحق: حدثتني تميمة بنت سلمة أَنها أَتت عائشة في نسوة من أَهل الكوفة فسأَلتها امرأة منا فقالت: "المرأَة تصيب من بيت زوجها شيئًا بغير إذنه؟ فغضبت وقطَّبت، وساءَها ما قالت، وقالت: "لا تسرقي منه ذهبًا ولا فضة ولا تأْخذي منه شيئًا قلت وكأَنها شيئًا قلت وكأنها رضي الله عنها قالت لها ذلك، لما فهمت من قرينة الحال أَنها تستطيل في ماله لموافقتها بالجواز، كما اتفق مثل ذلك لابن عباس لما أفتى السائل عن توبة القاتل: أَنه لا توبة له.

وفي الباب حديث أَخرجه الترمذي وابن ماجه عن إسماعيل بن

(1)

لم يرد لهذه الجملة ذكر فيما سبق.

ص: 127

عياش: نا شرحبيل بن سلمة [أَنه] أَبا أُمامة يقول: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فسمعته يقول: "لا يحل لامرأة أَن تعطي من مال زوجها شيئًا إلا بإذنه فقال رجل: "يا رسول الله ولا الطعام؟ " قال: "ذاك أَفضل أَموالنا" قال الذهبي: هذا إسناد حسن.

ص: 128

(1)

‌ فصل 8 - استدراكها على مروان بن الحكم

نقل أَهل التفسير في قوله تعالى {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ}

(2)

أَن معاوية كتب إلى مروان بأَن يبايع الناس ليزيد، قال عبد الرحمن بن أَبي بكر:"لقد جئتم بها هرقلية، أَتبايعون لأَبنائكم" فقال مروان: يا أَيها الناس هذا الذي قال الله فيه {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا

}

(2)

فسمعت عائشة فغضبت وقالت: "والله ما هو به، ولو شئت أَن أُسميه لسميته، ولكن الله لعن أَباك وأَنت في صلبه فأَنت قضض

(3)

من لعنة الله." لفظ رواية النسائي ورواه الحاكم وابن أَبي خيثمة وابن مردويه من رواية محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه قال مروان: "سنة أَبي بكر وعمر" فقال عبد الرحمن بن أَبي بكر: "سنة هرقل وقيصر" قال مروان: "هذا الذي أَنزل الله. فذكر الآية" فبلغ ذلك عائشة فقالت: "كذب والله ما هو به فيذكره

(4)

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أَبا مروان

(1)

ص 62 فارغة. وهذا الاستدراك كما سترى لغير المؤلف وانظر المقدمة ص: 19.

(2)

سورة الأحقاف 46/ 17 وتمامها. {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} .

(3)

القَضَض ضبطه القاموس بفتحتين وبضمتين وهو القطعة كما سيأتي.

(4)

في الأصل: مدكره.

ص: 129

ومروان في صلبه إلى آخره" ولفظ ابن أَبي خيثمة: أَن معاوية كتب إلى مروان أَن يبايع الناس ليزيد، فقال عبد الرحمن: لقد جئتم بها هرقلية

إلى آخره. وأَصله في البخاري من رواية يوسف بن ماهك عن عائشة دون ما في آخره، وأما الذي أرادته عائشة ولم تسمِّه فلم يوقف له على اسم. وأَنكر الزجاج نزولها في عبد الرحمن لأَنه أَسلم وحسن إسلامه، وقال: الصحيح أَنها نزلت في الكافر العاق. وهذا مروي عن الحسن البصري وعن قتادة أَنه: نعت عبد سوء عاق لوالديه. وقال الزمخشري في الكشاف: نزولها في عبد الرحمن باطل: "ويشهد له أَن المراد بالذي قال: جنس القائلين ذلك أَيضًا. وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} إلى آخرها لا يناسب ذلك عبد الرحمن، إلا أَن المهدوي قال: يحتمل أَن يكون هو، وذلك قبل إسلامه وأن الإشارة بـ {أُولَئِكَ .. } للقوم الذين أَشار إليهم المذكور بقوله {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} فلا أَن يمتنع يقع ذلك له قبل إسلامه. قال شيخنا شيخ الإسلام شهاب الدين بن حجر: ولكن نفي عائشة أَن تكون نزلت في عبد الرحمن وآل بيته، أصح إسنادًا وَأَولى بالقبول" فإنَّه نقل أَيضًا أنها نزلت في أَخيه عبد الله وقول عائشة رضي الله عنها "فأَنت قضض من لعنة الله" أَي قطعة منها.

قال ذلك وحرر النقل فيه مستدركًا به على المؤلف في إهماله، كاتبه ومالكه أَحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي أحمد الرملي الشافعي الشهير بأبي الأسباط غفر الله له ولوالديه آمين.

ص: 130

‌فصل 9 - استدراكها على أَبي سعيد الخدري

(الأول): قال أَبو حاتم بن حبان في صحيحه: أَخبرنا محمد بن الحسن: ثنا قتيبة: ثنا حرملة بن يحيى قال: ثنا ابن وهب: ثنا يونس عن ابن شهاب: حدثتني عمرة بنت عبد الرحمن: أَن عائشة أَخبرت أَن أَبا سعيد الخدري قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأَة أَن تسافر إلا ومعها ذو محرم، قالت عمرة: فالتفتت عائشة إلى بعض النساء [وقالت]: "ما لكلّكن ذو

(1)

محرم". وأَخرجه البيهقي في سننه ثم قال أَبو حاتم: "لم تكن عائشة بالمتهمة أَبا سعيد لعدالته، وإنما أرادت بقولها:"ما لكلكن ذو محرم" تريد أَنه ليس لكلكن ذو محرم تسافر معه، فاتقين الله ولا تسافر واحدة منكن إلا بذي محرم يكون معها." قلت: ينافي هذا رواية البيهقي "ما كلهن ذوات محرم" وقد أدخله في باب لزومها الحج مع النساء الثقات. وقال الطحاوي في معاني الآثار: "احتج بخبر عائشة هذا من لم يشترط المحرم في وجوب الحج، ولا حجة في قول أحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة أن تسافر

(1)

في الأصل هنا فقط: ذوو.

ص: 131

مسيرة ثلاثة أَيام إلا ومعها محرم" قال: وقد قيل لأَبي حنيفة: "فإن عائشة كانت تسافر بلا محرم" فقال أَبو حنيفة: "كان الناس لعائشة محرمًا، مع أَيهم سافرت فقد سافرت مع محرم، وليس الناس لغيرها من النساء كذلك." اهـ.

(الثاني): أَخرج أَبو داوود في سننه عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أَبي سلمة عن أَبي سعيد الخدري: انه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها". وأَخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه البزار في مسنده وقال: "لا يروى إلا من حديث أَبي سعيد ولا نعلم له طريقًا عنه إلا هذه." ا هـ. ورأَيت في كتاب أَصول الفقه لأَبي الحسين أَحمد بن القطان قدماء أصحابنا من أَصحاب ابن سريج في الكلام على الرواية بالمعنى: أَن أَبا سعيد رضي الله عنه فهم من الحديث أَن النبي صلى الله عليه وسلم أَراد بالثياب الكفن، وأَن عائشة رضي الله عنها أَنكرت عليه ذلك وقالت: يرحم الله أَبا سعيد إنما أَراد النبي صلى الله عليه وسلم عمله الذي مات عليه، قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس حفاةً عراة غُرْلًا

(1)

. اهـ.

(1)

غير مختونين.

ص: 132

‌فصل 10 - استدراكها على ابن مسعود

روى أَبو منصور البغدادي من جهة محمد بن عبيد الطنافسي قال: ثنا الأَعمش عن خيثمة عن أَبي عطية قال: دخلت أَنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها فقال مسروق: قال عبد الله بن مسعود: "من أحب لقاءَ الله أَحب الله لقاءَه ومن كره لقاءَ الله كره الله لقاءَه" فقالت عائشة: "يرحم الله أَبا عبد الرحمن حدث بأَول الحديث ولم تسأَلوه عن آخره، إن الله تعالى إذا أَراد بعبد خيرًا قيض له قبل موته بعام ملكًا يوفقه ويسدده حتى يقول الناس مات فلان على خير ما كان، فإذا حضر ورأَى ثوابه من الجنة تهوع بنفسه أَو قال تهوعت نفسه، فذلك حين أحب لقاءَ الله وأَحب الله لقاءَه. وإذا أَراد الله بعبد سوءًا قيّض له قبل موته بعام شيطانًا فأَفتنه حتى يقول الناس مات فلان أَشر ما كان، فإذا حضر رأَى ما نزل عليه من العذاب [فتهلع]

(1)

نفسه، وذلك حين كره لقاءَ وكره الله لقاءَه."

(1)

في الأصل: بلع، والذي في فتح الباري لابن حجر: فجزعت نفسه.

ص: 133

‌فصل 11 - استدراكها على أَبي موسى الأَشعري

عن أَبي عطية مالك بن عامر قال: دخلت أَنا ومسروق على عائشة فقلت لها: "يا أُم المؤمنين رجلان من أَصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أَحدهما يعجل الصلاة ويعجل الإفطار، والآخر يؤخر الصلاة ويؤخر الإفطار" قالت: "أيهما الذي يعجل" قال "عبد الله" قالت: "هكذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر أَبو موسى أَخرجه مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حسن.

ص: 134

‌فصل 12 - استدراكها على زيد بن ثابت

قال البزار في مسنده حدثنا محمد بن المثنى: قال ثنا ابن أَبي عدي عن سعيد بن أَبي عروبة عن قتادة عن عكرمة: أَن ابن عباس وزيد بن ثابت اختلفا في التي تطوف يوم النحر الطواف الواجب ثم تحيض؛ فقال زيد: "تقيم حتى يكون آخر عهدها بالبيت" وقال ابن عباس: "تنفر إذا طافت يوم النحر" فقالت الأَنصار: "يا بن عباس إنك إذا خالفت زيدًا لم نتابعك، فقال ابن عباس: "سلوا عن ذلك صاحبتكم أُم سليم

(1)

، فسأَلوها فأَخبرت كان من حال صفية بنت حيي قال: فقالت عائشة: "إنها لحابستنا" فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأَمرها أَن تنفر".

وذكره ابن عبد البر من جهة عبد الرزاق ثنا معمر عن ابن طاووس عن أَبيه أَن زيد بن ثابت وابن عباس تماريا في صدَر الحائض قبل أَن يكون آخر عهدها الطواف بالبيت؛ فقال ابن عباس: "تنفر" وقال

(1)

بنت ملحان أخت أم حرام الأنصارية لها صحبة وهي والدة أنس بن مالك وزوج أبي طلحة الأنصاري.

ص: 135

زيد: "لا تنفر" فدخل زيد على عائشة فسأَلها فقالت: "تنفر" فخرج زيد وهو يبتسم ويقول "ما الكلام إلا ما قلتَ" قال أَبو عمر: "هكذا يكون الإنصاف وزيد يعلِّم ابن عباس فما لنا لا نقتدي بهم".

ص: 136

‌فصل 13 - استدراكها على زيد بن أَرقم

قال عبد الرزاق في مصنفه: أخبرنا معمر والثوري عن أَبي إسحاق السبيعي عن امرأَته: أَنها دخلت على عائشة في نسوة فسأَلتها امرأَة فقالت: يا أُم المؤمنين كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أَرقم بثمانمائة إلى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته الستمائة وكتبت عليه ثمانمائة" فقالت عائشة: "بئس ما اشتريت وبئس ما اشترى زيد بن أرقم، إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أَن يتوب" فقالت المرأَة لعائشة:"أَرأَيت إن أَخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ " فقالت: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}

(1)

وأَخرجه الدارقطني والبيهقي في سننهما عن يونس بن أَبي إسحاق الهمداني عن أُمه العالية قالت: "كنت قاعدة عند عائشة، فأَتتها أُم مُحِبّة فقالت: "إني بعت زيد بن أَرقم جارية إلى عطائه فذكر نحوه" قال الدارقطني: أُم محبة والعالية مجهولتان لا يحتج بهما، وهذا الحديث لا يثبت عن عائشة قاله الإمام الشافعي، قال: ولو ثبت

(1)

سورة البقرة 2، الآية 275.

ص: 137

فإنها عابت بيعًا إلى العطاء لأَنه أَجل غير معلوم، لا أَنها عابت عليه ما اشترت بنقد وقد باعته إلى أَجَل. ولو اختلف بعض الصحابة في شيء أَخذنا بقول من معه القياس، والذي معه القياس زيد بن أَرقم فعمل ما يراه حلالًا، فلا نزعم أَن الله يحبط عمله اهـ.

وقد ذهب إلى حديث عائشة جماعة منهم الثوري والأَوزاعي وأَبو حنيفة ومالك وأَحمد بن حنبل والحسن بن صالح وصححوا حديثها. والعالية روى عنها زوجها وابنها وهما إمامان، وذكرها ابن حبان في الثقات. وقال أَبو بكر الرازي:"إن قيل كيف أَنكرت الأَول وهو صحيح عندها يعني الشراء إلى العطاء لأَنه روي عنها فعله؟ قلنا: لأَنها علمت أَنها قصدت به اتباع البيع الثاني كما يفعل الناس. وفي قولها "أَرأَيت إن لم آخذ إلا رأْس مالي" وتلاوة عائشة دليل على إثباتها العقد الأَول، وأَن المنكرَ هو الثاني؛ ولو كانت إنما أَنكرته لكونه بيعًا إلى العطاء كما يقول الخصم لما أَبقت الأول. اهـ.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار: هذا الخبر لا يثبته أَهل العلم بالحديث ولا هو مما يحتج به عندهم: فامرأَة أَبي إسحاق وامرأَة أَبي السفر وأُم زيد بن أَرقم كلهن غير معروفات بحمل العلم. وفي مثل هؤلاء روى شعبة عن أَبي هاشم أَنه قال: "كانوا يكرهون الرواية عن إلا عن النساءِ إلا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم " والحديث منكر اللفظ لا أَصل له لأَن الأَعمال الصالحة لا يحبطها الاجتهاد، وإنما يحبطها الارتداد؛ ومحال أَن تلزم عائشة زيدًا التوبة برأْيها وتكفره باجتهادها، هذا ما لا ينبغي

ص: 138

أَن يظن بها ولا يقبل عليها. وقد رد عمر خبر فاطمة بنت قيس في السكنى دون النفقة للمبتوتة وقال: "ما كنا نجيز في

(1)

ديننا شهادة امرأة" قال أَبو عمر: فكيف بامرأَة مجهولة.

(سؤال) ما الحكمة في تخصيصها الإبطال بالجهاد ولم تقل أَبطل صلاته ولا صيامه؟ والجواب: أَن في كلام أَبي الحسن بن بطال في شرح البخاري ما يؤخذ منه ذلك وهو أَن السيئات لا تحبط الحسنات، فلهذا لم تذكر الصلاة. ولكن خصت الجهاد بالإبطال لأَنه حرب لأَعداء الله، وآكل الربا قد أذن الله بحرب من فهو ضده ولا يجتمع الضدان.

(1)

في فتح الباري ج 9 ص 424 (طبعة ميرية) عند شرح ابن حجر لخبر فاطمة بنت قيس أن عمر قال: "لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة لعلها حفظت أو نسيت" وقد أفاض الشارح في بيان الاختلاف في هذا. وفي شرح مسلم للنووي نحو من هذا في (باب: المطلقة البائن لا نفقة لها) وانظر مسند أحمد ج 6 ص 415.

ص: 139

‌فصل 14 - استدراكها على البراء بن عازب

قال البيهقي في سننه: أَخبرنا ابن بشران: أَنا علي بن محمد المصري: ثنا مالك بن يحيى: ثنا يزيد بن هارون: أَنا زكريا بن أَبي زائدة عن أَبي إسحاق عن البراء قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة" فقالت عائشة: "لقد علم أَنه اعتمر أَربع عمر بعمرته التي حج معها". قال البيهقي: وهذا ليس بمحفوظ. قال الذهبي في مختصره: ومالك ليّنه ابن حبان.

ص: 140

‌فصل 15 - استدراكها على عبد الله بن الزبير

(الأول): قال أَبو بكر بن أَبي شيبة في مصنفه حدثنا ابن فضيل عن يزيد عن مجاهد قال: قال عبد الله بن الزبير: "أَفردوا الحج ودعوا قول أَعماكم هذا، فقال: فقال عبد الله بن عباس: "إن الذي أَعمى الله قلبه أَنت، أَلا تسأَل أُمك عن ذلك؟ " فأَرسل إليها فقالت:"صدق ابن عباس، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجًا فجعلناها عمرة فحللنا الإحلال كله حتى سطعت المجامر بين الرجال والنساء."

(الثاني)

(1)

قال: الإمام أَحمد بن حنبل في كتاب المناسك الكبير: حدثنا عبد الله بن يزيد: ثنا سعيد يعني ابن أَبي أَيوب قال: حدثني سليمان بن كيسان عن أَبي الزبير عن مجاهد: أَن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: "أَلا تعجبون من ابن الزبير يفتي المرأَة

(1)

هنا شطب المؤلف على ما يلي: روى أبو منصور البغدادي من جهة محمد بن صالح ثنا حرملة ثنا ابن وهب قال حدثني سعيد عن سليمان بن كيسان عن أبي الزبير عن مجاهد أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: ألا تعجبون من ابن الزبير يفتي المرأة المحرمة أن تأخذ من شعرها أربع أصابع وإنما يكفيها من ذلك التطريف.

ص: 141

المحرمة أَن تأخذ من شعرها أَربع أَصابع، وإنما يكفيها من ذلك التطريف".

ثنا يزيد: أَنا هشام عن كيفيته في المحرمة: أَما الشابة [فتأْخذ] قدر أُنملة، والتي قد دخلت في السن تأْخذ ما بينها وبين أَربع.

ص: 142

‌فصل 16 - استدراكها على عروة بن الزبير

أَخرج البخاري ومسلم واللفظ له عن عروة بن الزبير قال: قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أرى على أَحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئًا، وما أَبالي أَلَّا أطوف بينهما" قالت: بئس ما قلت يا بن اختي، طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون فكانت سنة، وإنما كان من أَهَلَّ لمناةَ الطاغية التي بالمشلَّل لا يطوفون بين الصفا والمروة، فلما كان الإسلام سأَلنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأَنزل الله عز وجل:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}

(1)

ولو كانت كما تقول لكانت: (فلا جناح عليه أَلَّا يطَّوَّف بهما) قال الزهري: فذكرت ذلك لأَبي

(2)

بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأَعجبه ذلك وقال: "إن هذا لَلْعلمُ" ولقد سمعت رجالًا من أَهل العلم يقولون: إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من

(1)

سورة البقرة 2، الآية 158.

(2)

في الأصل: إلى أَبي، والتصحيح عن صحيح مسلم 4/ 69.

ص: 143

أَمر الجاهلية. وقال آخرون من الأَنصار: إِنَّما أُمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بين الصفا والمروة، فأَنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}. قال أَبو بكر بن عبد الرحمن:"فأَراها نزلت في هؤلاء وهؤلاء" ولفظ مسلم: فقالت عائشة: "قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأَحد أَن يترك الطواف فيهما".

قال بعض علماء التفسير: إذا كان الحرج في الفعل، قيل: لا جناح أَن تفعل، وإن كان في الترك، قيل: لا جناح أَلَّا تفعل. والحرج هنا كان في الفعل لإرادة مخالفة المشركين فيما كانوا يفعلونه من التطواف بهما لإساف ونائلة. فاستدل ابن الزبير على عدم الوجوب بأَن الحرج كان في الفعل لا في الترك، فقالت له عائشة رضي الله عنها:"لو كان الحرج في الترك وأَريد نفيه كان: لا جناح أَلا يطوف، لكن الحرج كان في الفعل فقيل: (لا جناح أَن يطوف) واستفيد الوجوب من "ابدؤوا بما بدأ الله به" ونحوه من الأَدلة عَلَى الوجوب. وقيل إن ابن الزبير أَخذ بظاهر الاستعمال، وإن السعي غير واجب ودققت عائشة النظر بأَن نفي الجناح يشمل الواجب والمباح والمندوب والمكروه فلا يستدل به على أحدها بعينه، بل ذلك لو قال (أَلا يطَّوّف) فيكون فيه نفي الجناح عن تركه فيختص بالحرام.

ص: 144

‌الفصل 17 - استدراكها على جابر

(الأَول): روى يعقوب بن سفيان الفسوي

(1)

: حدثنا محمد بن مصفى قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان الأَنصاري قال: ثنا عثمان بن عطاء بن أَبي حماد عن أَبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أُماه إن جابر بن عبد الله يقول: "الماءُ من الماءِ" فقالت: "أخطأَ، جابر أَعلم مني برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقول: "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" أيوجب الرجم ولا يوجب الغسل؟ "

(الثاني): قال الطبراني في معجمه الوسط: حدثنا محمد بن نصر الهمداني قال: ثنا مسلم بن يحيى الطائي قال: ثنا سويد بن عبد العزيز قال: ثنا نوح بن ذكوان عن يحيى بن أَبي كثير عن أَبي الزناد عن غالب عن جابر بن عبد الله قال: دخلت على عائشة وعليها سمل ثوب مرقوع فقلت: "لو أَلقيتِ عنك هذا الثوب" فقالت:

(1)

الفسوي نسبة إلى فسا بلدة بفارس - تهذيب التهذيب.

ص: 145

"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن سرَّكِ أَن تلقيني فلا تلقين

(1)

ثوبًا حتى ترقعيه ولا تدخرين

(1)

طعامًا لشهر" فما أَنا بمغيرة ما أَمرني به حتى أَلحق به إن شاءَ الله، وقال: لا يروى عن جابر عن عائشة إلا بهذا الإسناد يرويه سويد.

(1)

كذا في الأصل، والمعروف أَن يقال: فلا تلقِنّ، فلا تدخرِنّ"، ولعل ذلك من سهو القلم.

ص: 146

‌الفصل 18 - [استدراكها] على أَبي طلحة

قال النسائي في سننه الكبير: أَخبرنا إسحاق بن إبراهيم: أَنا جرير عن سهيل عن سعيد بن يسار أَبي الحباب عن زيد بن خالد عن أَبي طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب أَو تمثال" فقلت: "انطلق إلى عائشة فاسأَلها عن ذلك"، فأَتيناها فقلت:"يا أُمَّهْ، إن هذا أَخبرني أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تمثال " فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك؟ قالت: "لا ولكن سأُحدثكم بما رأَيته فعل: خرج من بعض غزواته وكنت أَتحين قفوله فأَخذت نمطًا

(1)

فسترته، فلما جاءَ استقبلته على الباب فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله الحمد لله الذي أعزك ونصرك وأَكرمك" وساق الحديث. هذا لفظ النسائي.

(1)

ثوب صوف يطرح على الهودج، وظهارة فراشٍ ما، وضرب من البسط - القاموس.

ص: 147

‌الفصل 19 - [استدراكها] على أَبي الدرداء

روى ابن جريج عن زياد أَن أَبا نهيك أخبره عن أَبي الدرداء: أَنه خطب فقال: "من أَدرك الصبح فلا وتر له" فذكر ذلك لعائشة فقالت: "كذب أَبو الدرداء، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر" أَخرجه البيهقي في سننه هكذا ثم قال: هو زياد بن سعد. ثم أَخرج عن خالد الحذاء عن أَبي قلابة عن أُم الدرداء عن أَبي الدرداء قال: "ربما رأَيت النبي صلى الله عليه وسلم يوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح" قال: وهذا واه بمقام

(1)

ثنا حاتم بن سالم البصري: ثنا عبد الوارث عنه. وحديث ابن جريج أَصح، وأَقره الذهبي في مختصره على ذلك. وأَخرجه الطبراني في الأَوسط وقال: لم يروه عن ابن جريج إلا أَبو عاصم.

(1)

كذا في الأصل ولم نتبين لها وجها إلا أن يريد أن السند الذي قبلها واه (بمقام) السند الذي بعدها.

ص: 148

‌الفصل 20 - رجوع شيبة بن عثمان إليها

أَخرج البيهقي في سننه عن علي بن المديني: حدثني أَبي أَخبرني علقمة بن أَبي علقمة عن أُمه قالت: "دخل شيبة بن عثمان على عائشة فقال: "يا أُم المؤمنين إن ثياب الكعبة تجتمع علينا فتكثر، فنعمد إلى آبار فنحفرها فنعمقها ثم ندفن ثياب الكعبة فيها كيلا يلبسها الجنب والحائض" فقالت عائشة:"ما أَحسنت وبئس ما صنعت، إن ثياب الكعبة إذا نزعت منها لم يضرها أَن يلبسها الجنب والحائض، ولكن بعها واجعل ثمنها في المساكين وفي سبيل الله وابن السبيل" وهذا الإسناد معلول بوالد علي ابن المديني فإنه ضعيف عندهم. لكن تابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي: نعم رواه عنه خالد بن يوسف السحتي

(1)

وهو ضعيف. وشيبة بن عثمان هذا صحابي، ذكره أَبو عمر في الاستيعاب وقال: أَسلم يوم فتح مكة وشهد حنينا. وقيل: بل أَسلم بحنين وكان من خيار المسلمين، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

في الأصل: السحيتي والتصحيح من لسان الميزان لابن حجر.

ص: 149

مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة وإلى ابن عمته شيبة بن عثمان بن أَبي طلحة وقال: "خذوها خالدة تالدة إلى يوم القيامة يا بني أَبي طلحة، لا يأْخذها منكم إلا ظالم" قال: "فبنو أَبي طلحة هم الذين يلون سدانة الكعبة دون بني عبد الدار." قال: وشيبة هذا هو جد بني شيبة حجبة الكعبة إلى اليوم، وهو أَبو صفية بنت شيبة توفي في آخر خلافة معاوية سنة تسع وخمسين وقيل بل في أَيام يزيد". وكثير من الناس يتوهم أَن بني شيبة من عقب عثمان بن طلحة، قال شيخنا عماد الدين بن كثير في تفسيره: "وليس كذلك، فإن عثمان بن طلحة بن أَبي طلحة -واسم أَبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدي- حاجب الكعبة المعظمة وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم، أَسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص. وأَما عمه عثمان بن أَبي طلحة فكان معه لواء المشركين يوم أَحد وقتل يومئذ كافرًا. وإنما نبهنا على هذا لأَن كثيرًا من الناس قد يشتبه عليهم هذا. قلت: وكذا ذكره أَبو عبيدة في الأَنساب عن ابن الكلبي فذكر بني عبد الدار ثم قال: ومنهم عثمان بن طلحة بن أَبي طلحة الذي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم منه المفتاح يوم الفتح ثم رده عليه. ثم قال: "بنو شيبة" وشيبة بن عثمان ابن أَبي طلحة ولي الحجابة بعد عثمان بن أَبي طلحة اهـ. وذكر ابن العربي في الفتوحات المكية أَن قوله

ص: 150

تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا

(1)

} ليس فيها إشارة إلا لدفع المفتاح له لا لجعل أمانة البيت معه حتى جعل ذلك في عقبه بني شيبة. وهذه الآية مكية وحدها من بين سائر آي هذه السورة فهي مدنية.

(1)

سورة النساء 4، الآية 58.

ص: 151

‌الفصل 21 - استدراكها على عبد الرحمن عوف

قال البزار في مسنده: أخبرنا بشير بن آدم: ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس قال: جاءَت سبعمائة بعير لعبد الرحمن بن عوف عليها من كل شيء، فتعجب أهل المدينة فقالت عائشة:"ما هذا؟ " قالوا: "عير لعبد الرحمن بن عوف تحمل كل شيء" فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قد رأيت عبد الرحمن وإنه يدخل الجنة حبوًا" فبلغه ذلك فقال: "يا عائشة ما حديث بلغني؟ " فذكرته فقال: "أشهدك أنها بأقتابها وأحلاسها وأحمالها في سبيل الله." قال: وهذا الحديث لا أعلم أحدا رواه إلا عمارة عن ثابت اهـ. وعمارة قال فيه أبو داوود وغيره: ليس بذاك.

وقال البزار أيضًا في مسند ابن عوف: حدثنا عبد الله بن شبيب: ثنا محمد بن عبد الله بن زيد المدني: ثنا محمد بن طلحة: ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف قال: "أُريت الجنة فإذا هي لا يدخلها إلا المساكين، فدخلت

ص: 152

معهم حبوًا، فلما استيقظت قلت: "إبلي التي

(1)

أنتظرها بالشام وأحمالها في سبيل الله حتى أدخلها معهم ماشيًا"، قال: ولا نعلم رواه عن محمد بن عمرو إلا محمد بن طلحة. اهـ.

(1)

في الأصل: الذي.

ص: 153

‌الفصل 22 - استداركها على أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر

أخرج الحافظ أبو بكر الإسماعيلي فيما جمعه من حديث يحيى بن أنه أبي كثير بطرق عن يحيى عن سالم مولى دوس سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لعبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق وأساء الوضوء: "يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويل للأعقاب من النار

(1)

".

(1)

ورواية الإمام أحمد في مسنده (6: 112) أتم وهذه هي بعد السند: خرجنا مع عائشة إلى مكة (قال) وكانت تخرج بأبي يحيى التيمي يصلي بها (قال) فأدركنا عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق، فأساء عبد الرحمن الوضوء، فقالت عائشة: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويل للأعقاب من النار يوم القيامة."

وفي رواية أخرى له (ص 40): حدثنا عبد الله: حدثني أبي: ثنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة: توضأ عبد الرحمن عند عائشة فقالت: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ويل للعراقيب من النار".

ص: 154

‌الفصل 23 - استدراكها على فاطمة بنت قيس "تعميمها: أن لا سكنى للمبتوتة"

أخرج مسلم والأربعة عن الشعبي قال: دخلت على فاطمة بنت قيس فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فقالت: "طلقها زوجها البتة، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة، قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة": وأخرج البخاري في صحيحه تعليقًا فقال: وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه قال: لقد عابت ذلك عائشة أشد العيب يعني حديث فاطمة وقالت: "إنها كانت في منزل وحشي فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأَخرجه أبو داوود متصلًا عن سليمان بن داود: أنا ابن وهب: أخبرني عبد الرحمن، فذكره. وأخرج مسلم عن عروة قال: تزوج يحيى بن سعيد بن العاص ابنة عبد الرحمن بن الحكم فطلقها فأخرجها من عنده، فعاب ذلك عليهم عروة وقالوا: إن فاطمة قد خرجت. قال عروة: فأتيت عائشة فأخبرتها بذلك فقالت: "ما لفاطمة بنت قيس خير في أن تذكر هذا الحديث".

ص: 155

قال أصحابنا: وفي هذا الحديث جواز إنكار المفتي على مفتٍ آخر خالف النص أو عمّم ما هو خاص، لأن عائشة أنكرت على فاطمة بنت قيس تعميمها (أن لا سكنى للمبتوتة) وإنما كان انتقال فاطمة من مسكنها لعذر من خوف اقتحامه عليها أو لبذاءتها أو نحو ذلك. اهـ.

ص: 156

‌الفصل 24 - [استدراكها] على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

أخرج البخاري ومسلم عن عروة عن عائشة أنها قالت: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة لهن: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث، ما تركناه صدقة".

ص: 157

‌الباب الثالث في الاستدراكات العامة

ص: 159

(1)

‌ الفصل 1 - استدراكها أن المرأة لا تقطع الصلاة

أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل." وقد روى قطع المرأة الصلاة غيره من الصحابة منهم أبو ذر، أخرجه مسلم أيضًا، ومنهم ابن عباس أخرجه أبو داوود وزاد الحائض، قال: وأوقفه جماعة،، ومنهم عبد الله بن معقل أخرجه قاسم بن أصبغ في مصنفه.

وقد استدركت عائشة رضي الله عنها ذلك فأخرج الشيخان في صحيحيهما عن مسروق عن عائشة وذكر عندها ما يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة، فقالت عائشة:"شبهتمونا بالحمير والكلاب، والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا على السرير بينه وبين القبلة، مضطجعة، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنسلّ من عند رجليه" ذكره البخاري في باب: من قال لا يقطع الصلاة شيء. وأخرجا نحوه عن الأسود عن عائشة، عائشة، وأخرج جه مسلم عن عروة عنها أيضًا.

(1)

ص 83 بيضاء.

ص: 161

‌الفصل 2 - استدراكها الصلاة على الجنازة في المسجد

أخرج مسلم عن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلّي عليه، فأنكر الناس عليها ذلك، فقالت: فقالت: "ما أسرع (تعني ما نسي الناس)، ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد." وفي لفظ له: "أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن

(1)

أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه، ففعلوا، فوقف به على حجرهن يصلين عليه" أخرج

(2)

به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد

(3)

فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا: "ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد" فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: "ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يُمر بجنازة في المسجد، وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على

(1)

في الأصل: أرسلوا، والذي في مسلم: أرسل أزواج النبي .. الخ.

(2)

هكذا في الأصل بلا رابط.

(3)

قال ياقوت: المقاعد جمع مقعد: عند باب الأقر بالمدينة، وقيل: مساقف حولها، وقيل: دكاكين عند دار عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقال الدارودي: هي الدرج. اهـ.

ص: 162

سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد" ووقع في مسلم ما صلى [على] بني البيضاء

(1)

، وهو وهم، وإنما هو سهيل لا غير، وسهل أُسر يوم بدر فشهد له ابن مسعود أنه رآه يصلي بمكة، فخلي سبيله، وشهد أخواه سهيل وصفوان بدرًا.

(1)

كذا في الأصل، والذي في صحيح مسلم أحاديث ثلاثة صرح بالاثنين الأولين منها باسمه (سهيل)، أما الثالث ففيه: "لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد؛ سهيل وأخيه (قال مسلم): سهيل بن دعد وهو ابن البيضاء، أمه بيضاء ا هـ. وهذا الحديث الثالث هو الذي وهمه الزركشي هنا. انظر صحيح مسلم 3/ 62، 63 (دار الطباعة العامرة) 1330 هـ.

ص: 163

‌الفصل 3 - استدراكها القيام للجنازة

جاء الأمر بالقيام للجنازة في الصحيحين من حديث عامر بن ربيعة العدوي وأبي سعيد وأبي هريرة وجابر بن عبد الله، وأخرجه البيهقي بإسناد حسن من حديث عبد الله بن عمرو. وجمهور العلماء على نسخ ذلك، وعمدتهم في النسخ حديث عليّ الثابت في الصحيحين:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ثم قعد" وقد أخرج البيهقي في سننه عن عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم: أن القاسم كان يمشي بين يدي الجنازة ويجلس قبل أن توضع ولا يقوم لها، ويخبر عن عائشة أنها قالت:"كان أهل الجاهلية يقومون لها إذا رأوها ويقولون: "في أهلك ما أنتِ! في أَهلكِ ما أَنتِ! ".

ص: 164

‌الفصل 4 - استدراكها تحريم المتعة

قال الحاكم في مستدركه: أخبرنا المحبوبي: ثنا الفضل بن عبد الجبار: ثنا علي بن الحسين بن شقيق: ثنا نافع بن عمر الجمحي قال: سمعت عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة يقول: سئلت عائشة عن متعة النساء فقالت: "بيني وبينكم كتاب الله، قال - وقرأت هذه الآية {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}

(1)

فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا." ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

(1)

سورة المؤمنون 23، الآيتان 5 و 6.

ص: 165

‌الفصل 5 - استدراكها البول قائمًا

أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه من جهة شريك بن عبد الله عن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن عائشة قالت: "من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا." هذا لفظ الترمذي وقال: "هو أحسن شيء في هذا الباب وأصح." انتهى. وإسناده على شرط مسلم.

واعلم أنه قد حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبول قائمًا، حذيفة: أخرجاه في الصحيحين. وجمع بعضهم بين الروايتين، لأن النفي في حديث عائشة ورد على صيغة (كان) بمعنى الاستمرار في الأغلب، وحديث حذيفة ليس فيه (كان) فلا يدل إلا على مطلق الفعل ولو مرة.

ويدل لذلك ما رواه الحاكم في مستدركه من جهة أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائمًا من جرح كان بمأبضه

(1)

وقال: رواته ثقات. وحكى الخطابي عن الشافعي أنه قال: كانت العرب تستشفي

(1)

المأبض (كمسجد) باطن الركبة.

ص: 166

لوجع الصلب بالبول قائمًا، فيرى أنه صلى الله عليه وسلم لعله كان به إذ ذاك وجع الصلب.

والحمل على هذا متعين لا على الجمع بين الروايتين. وأما رواية ابن ماجه: "من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائمًا فلا تصدقه." ففيها مخالفة، فإن كانت محفوظة فمحمولة على تلك، لأن مخرجهما واحد، والمعنى الإخبار عن الحالة المستمرة. ولم تطلع على ما اطلع عليه حذيفة. ولهذا علقت مستند إنكارها برؤيتها حيث قالت:"أنا رأيته يبول قاعدًا". وأيضًا القاعدة الأصولية تقضي لحديث حذيفة من حيث أنه مُثبت فيقدم على من روى النفي، ويدل على حمل الحديث على حال: ما روى سفيان الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: "ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا منذ أنزل عليه القرآن" أخرجه الحاكم ثم أخرجه عن إسرائيل عن المقدام به يلفظ "سمعت عائشة تقسم بالله: ما رأى أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول قائمًا منذ أنزل عليه القرآن" وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

والذي عندي أنهما ما اتفقا على حديث منصور عن أبي وائل عن حذيفة: "أن رسول صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائمًا." ولكن حديث المقدام عن أبيه عن عائشة ثقات رجاله، فتركاه والله أعلم. وقد روى النهي عن البول قائمًا عمر بن الخطاب وابن عمر، أخرجهما ابن ماجه وإسنادهما لا يثبت. ومن جهة بريدة أخرجه البزار في مسنده،

ص: 167

قال الترمذي: "إنه غير محفوظ." وقال ابن ماجه: سمعت أحمد بن عبد الرحمن المخزومي يقول: قال سفيان الثوري في حديث عائشة: "أنا رأيته يبول قاعدًا"، قال: الرجل أعلم بهذا منها. قال أحمد بن عبد الرحمن: وكان من شأن العرب البول قائمًا. ألا تراه في حديث عبد الرحمن بن حسنة: قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول كما تبول المرأة.

ص: 168

‌الفصل 6 - صلاة الضحى

أخرج البخاري عن ابن أبي ذيب ومعمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى؛ وإني لأسبحها" زاد فيه معمر قالت: "وما أحدث الناس شيئًا أحب إلي منهما". قال البيهقي في سننه: مرادها رضي الله عنها والله أعلم: ما رأيته داوم عليها، وكذا قولها (وما أحدث الناس) تريد: مداومتهم. ونازعه الذهبي وقال: "اللفظ لا يحتمل هذا التأويل" وأخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق

(1)

قلت لعائشة: "هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ " قالت: "لا؛ إلا أنه كان يجيء من مغيبه".

قال البيهقي وروى في ذلك عن جابر وكعب بن مالك عن عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومر

(2)

لمعاذة عن عائشة أنه عليه السلام كان يصليها أربعًا ويزيد ما شاءَ الله. ومجموع الأحاديث يدل على أنه كان لا يداوم عليها.

(1)

في الأصل عبد الله بن سعد، والتصحيح عن مسلم 2: 156 دار الطباعة العامرة 1329.

(2)

كذا ولعلها: ومرسل، يعني (الحديث المرسل) فكتب نصف الكلمة ساهيًا.

ص: 169

‌الفصل 7 - غسل الجمعة

أخرج البخاري ومسلم عن عروة عن عائشة أنها قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي فيأتون في الغبار ويصيبهم الغبار والعرق؛ فيخرج منهم الريح، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنسانٌ منهم وهو عندي فقال:"لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا."

(1)

وهذا يقضي أَن الغسل ليس بواجب؛ لأن التقدير: لو اغتسلم لكان أفضل أو أكمل. وقد أخرج الطبراني في معجمه الوسط من حديث الفضل بن العلاء ثنا إسماعيل بن رافع: سمعت عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري يحدث أنه سمع القاسم بن محمد يحدث: أن عائشة قالت: "أكثر الناس في الغسل يوم الجمعة، وإنما كان ذلك في بيتي؛ دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من أهل العالية في يوم حار، قد عملوا في نخلهم وعليهم ثيابهم الصوف، فدخلوا ولهم أرواح منكرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا." وقال: لم يروه عن القاسم إلا عمرو بن يحيى، ولا عنه إلا إسماعيل ولا عنه إلا الفضل بن العلاء؛ تفرد به محمد بن هشام السدوسي.

(1)

شطب المؤلف بعد هذا الجملة الآتية (وروي عن ابن عباس مثل ذلك).

ص: 170

‌الفصل 8 - الاستنجاء بالماء

قال أبو عمر بن عبد البر: ثنا أحمد بن بن قاسم: ثنا قاسم بن أصبغ: ثنا الحارث بن أبي أمامة: ثنا يزيد بن هارون: ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن معاذة عن عائشة أنها قالت لنسوة عندها: "مُرْنَ أَزواجكن أن يغسلوا عنهم أثر الغائط والبول فإني أستحييهم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله." قال أبو عمر: "وكانت عادة المهاجرين الاقتصار على الأحجار وعادة الأنصار استعمال الماء." وروى ابن أبي شيبة عن حذيفة: أنه أنكر الاستنجاء بالماء وقال: "لو فعلته لأنتنت يدي" وقال سعيد بن المسيب "إنما ذلك وضوء النساء". وقد صحت الأحاديث باستنجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء وإنما الأحجار رخصة وتوسعة في طهارة المخرج.

ص: 171

‌الفصل 9 - استدراكها الوصية إلى علي

(1)

أخرج مسلم عن الأسود بن يزيد قال ذكروا عند عائشة أن عليًا كان وصيًا فقالت: "متى أوصى إليه؟ فقد كنت مسندته إلى صدري (أو قالت حجري) فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري وما شعرت أنه مات، فمتى أوصى إليه؟ ".

(1)

هذا العنوان ليس في الأصل وطريقة المؤلف تقتضيه. وقد مر سابقًا في آخر استدراكها على علي بخلاف في اللفظ يسير. وقبله حديث عن عائشة شطبه المؤلف هذا نصه: قال النسوي أخبرنا عمرو بن علي: أنبأنا أزهر (قال) أنبأنا ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة. قالت: "يقولون: ان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي، لقد دعا بالطست ليبول فيها فانخنثت نفسه وما أشعر، فإلى من أوصى؟ " فأما السند فمشطوب شطبًا لم نستطع معه أن نتبينه إلا بالرجوع إلى سنن النسائي: كتاب الوصايا. وفيه (قال حدثنا أزهر) ويبدأ التوافق في السندين رواية النسائي ورواية البخاري اعتبارًا من (ابن عون الخ) انظر الكتاب 55 باب 1.

ص: 172

‌الفصل 10 - استدراكها صيام النبي صلى الله عليه وسلم لعشر ذي الحجة

أخرج أبو داوود والنسائي عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، وأول اثنين من الشهر والخميس" وقد اختلف فيه على هنيدة فروي عنه كذلك وروي عنه عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه عن أمه عن أم سلمة مختصرًا. وقد أخرج مسلم والأربعة من حديث الأسود عن عائشة قالت:"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا العشر قط" وفي لفظ لمسلم؛ "لم يُر رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا العشر قط". قال بعض الحفاظ: يحتمل أن تكون عائشة لم تعلم بصيامه عليه السلام فإنه كان يقسم لتسع نسوة، فلعله لم يتفق صيامه في يومها؛ وينبغي أن تقرأ (لم نر) مبنيًا للفاعل لتتفق الروايتان

(1)

على أن حديث المثبت أولى من حديث النافي. وقيل: إذا تساويا في الصحة يؤخذ بحديث هنيدة، لكنه لا يقاوم إسناد حديث عائشة.

(1)

في الأصل: الروايتين.

ص: 173

‌الفصل 11 - استدراكها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره

أخرَج الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ " فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا" قالت عائشة:"فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ " قال: "يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي." وفي لفظ لها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل عشر ركعات، ويوتر بسجدة ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة ركعة فيها ركعتا الفجر" ووقع في رواية للبخاري عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمي سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين" قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: هكذا في هذه الرواية، وبقية الروايات عند البخاري ومسلم: أن الجملة ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر

(1)

اهـ.

(1)

بعد هذا حديث استدراكها على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في ميراثهن منه وقد مر آنفًا في ص 157 فلم نر لزومًا لإعادته هنا.

ص: 174

‌صورة السماع في الأصل

الحمد لله وكفى

بلغ السماع لجميع هذا الكتاب على مؤلفه شيخي ووالدي الفقير إلى الله تعالى بدر الدين أبي عبد الله محمد ابن الفقير إلى ربه جمال الدين عبد الله الشهير بالزركشي الشافعي عامله الله تعالى بلطفه. فسمعته ابنته عائشة وفاطمة، وسمع من باب الاستدراكات العامة ولده أبو الحسن علي. وحضر المجلس المذكور ولده أحمد ويدعي عبد الوهاب في الثانية من عمره، وذلك بقراءة مثبته فقير رحمة ربه محمد بن محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي عامله الله بلطفه وصح ذلك ومدته عشرة مجالس آخرها يوم الأحد لثمان خلون من صفر عام أربع وتسعين وسبعمائة، وأجاز لنا جميع مؤلفاته متلفظًا بذلك بسؤالي له اهـ.

ص: 175

‌ذيل

وقعت لنا ونحن نطالع أحاديث عائشه في مسند أحمد هذه الأحاديث فألحقناها بالكتاب لأنها من استدراكاتها على غير الصحابة واختصرنا من الأسانيد.

‌1 - استدراكها على قاص أهل المدينة

قالت عائشة لابن أبي السائب قاص أهل المدينة: "ثلاثًا لتبايعني عليها أو لأناجزنَّك" فقال: "ما هن؟ بل أنا أبايعك يا أم المؤمنين" قالت: "اجتنب السجع من الدعاء فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون ذلك، وقص على الناس في كل جمعة مرة فإن أبيت فثنتين فإن أبيت فثلاثًا، ولا تمل الناس هذا الكتاب، ولا ألقينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقطع عليهم حديثهم، ولكن اتركهم فإن جرؤوك عليه وأمروك به فحدثهم."

(مسند أحمد 6: 217)

ص: 176

‌2 - ردها على من وقع في عمار

حدثنا عبد الله: حدثني أبي: ثنا أبو أحمد قال: ثنا عبد الله بن حبيب عن حبيب عن عطاء بن يسار قال:

جاء رجل فوقع في علي وفي عمار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة فقالت: "أما علي فلست قائلة لك فيه شيئًا، وأما عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يخيّر بين أمرين إلا اختار أرشدهما."

(مسند أحمد 6: 113)

‌3 - استدراكها على امرأة مستفتية

عن معاذة قالت:

سألت عائشة: "أتقضي الحائض الصلاة؟ " فقالت: "أحروررية أنت؟ " قد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي ولا نؤمر بقضاء".

(مسند أحمد 32:6)

‌4 - استدراكها النزول بالأبطح

ثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت:

"إن نزول الأبطح ليس بسنة، إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه".

(مسند أحمد 46:6)

ص: 177

‌5 - نقدها حديث ذي الثدية

اشتهر حديث ذو الثدية من الخوارج وأن النبي كان أمر بقتله فقصد له أبو بكر فرآه يصلي فرجع، وكذلك عمر، فلما ذهب في الثالثة علي لم يجده

فطلب علي أن يتحروه في القتلى يوم حروراء .. والقصة مشهورة انظرها في أخبار الخوارج في الكامل (3/ 955) بتحقيق أحمد شاكر سنة 1356 هـ) وكان الناس توهموا أخبارًا بذلك من الرسول عليه الصلاة والسلام، فإليك استدراك عائشة هذا التوهم في مسند أحمد 1: 87

قالت لعبد الله بن شداد في حوار بينهما .... : فما شيءٌ بلغني عن أهل الذمة يتحدثونه يقولون: ذو الثدي وذو الثدي؟ قال عبد الله:

"قد رأيته وقمت مع علي رضي الله عنه عليه في القتلى، فدعا الناس فقال: أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول: قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي، ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذلك".

قالت: فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟

قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله.

قالت: "هل سمعت منه أنه قال غير ذلك؟ " قال: "اللهم لا." قالت: أجل صدق الله ورسوله، يرحم الله عليًا، إنه كان من كلامه لا يرى شيئًا يعجبه إلا قال:"صدق الله ورسوله" فيذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه في الحديث".

ص: 178