الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تميمة
الحراني الدمشقي المتوفى 728 هـ
ولد الإمام العلامة ابن تميمة (1) سنة 661 هـ في أيام الملك الظاهر بيبرس والذي كان حاكما على مصر والشام آنذاك، وقد كان من أقوى الملوك المسلمين بعد صلاح الدين الأيوبي.
وقد ولد ابن تيمية بعد تدمير بغداد بخمس سنوات، ودخل التتار حلب ودمشق قبل مولده بثلاث سنوات فلما شب وكبر وحكى له معاصر وهذه الحملات الضارية الوحشية من التتار، حتى أن مسقط رأسه (حران) لم تسلم من أذى هؤلاء القوم المجرمين الذين لم يراعوا الله ولا الإنسانية في هذه البلاد الآمنة.
وسمع ابن تيمية ورأى وهو صبي أنهار الدماء المسفوك المسفوح تجري حوله من كل مكان وهو ابن سبع سنين تقريبا في بلدته حران التي نشأت فيها أسرته وبيته.
وفي هذا الجو المشحون بالكمد والإحن نهض لفيف من العلماء والأئمة الكبار والفقهاء أمثال ابن الصلاح والنووي والعز بن عبد السلام والمزي والذهبي، كما نبغ في عصر ابن تيمية أيضا قاضي القضاة كمال الدين
(1) راجع ترجمة شيخ الأسلام ابن تيمية في فوات الوفيات (1 / 35 - 45) والدرر الكامنة (1 / 144) والبداية والنهاية (14 / 135) وابن الوردي (2 / 284) وآداب اللغة (3 / 234) والنجوم الزاهرة (9 / 271) وتهذيب ابن عساكر (2 / 28) ودائرة المعارف الإسلامية (1 / 109)(*)
الزملكاني، والقزويني والسبكي وابن حيان التوحيدي.
ورغم وجود هؤلاء العلماء الأفذاذ إلا أن العلماء كان مقسما بالبساطة والسطحية وقلة التعمق في المسائل الفقهية والشرعية.
واتسم الفقه آنئذ بالجمود والتحجر وليس ثمة أضر على الإسلام والمسلمين من تحجر الفكر وجمود القرائح وهذا ما حدث إبان الحروب التترية والصليبية في عصر ابن تيمية.
وإذا احتدمت الحروب لجأ الناس إلى الدين، وما أضر الناس ولا أضر المسلمين مثل القضايا الجدلية والمسائل الكلامية والفلسفة السفسطائيه التي تظهر فصاحة وبيانا وتضمر جهلا مشينا بحقائق الدين وفطرته الجميلة.
وقد كانت أسرة العلامة الفقيه الحافظ ابن تيمية أسرة علم وفضل على مذهب الإمام أحمد بن حنبل بل كانت زعيمة للمذهب الحنبلي في تلك الديار إذ كان جده إماما للمذهب الحنبلي في عصره قال الذهبي: - (قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية بنفسه أن الشيخ ابن مالك كان يقول: لقد ألان الله الفقه لممجد الدين بن تيمية كما ألان الحديد لداود عليه السلام ا.
هـ.
وقد درس ابن تيمية العلوم المعروفة في عصره وعني عناية خاصة باللغة العربية والنحو والصرف كما اهتم بدراسة الحساب والرياضية والحظ وأبدي اهتماما خاصا بالفقه وعلم الأصول والحديث والتفسير وعلم الفرائض، ولعل علم التفسير كان من أحب العلوم وآثرها عند ابن تيمية حتى قيل إنه كان يقرأ
في الآية الواحدة نحو مائة تفسير، تأمل قوله في ذلك: - (ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم وأقول يا معلم آدم وابراهيم علمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها، وأمرغ وجهي في التراب وأسأل الله وأقول: يا معلم إبراهيم فهمني) ا.
هـ.
وقد كان ابن تيمية رحمه الله متوقد الذكاء كثير الزكانة والفطنة سريع الفهم والاستيعاب فقد كان يفتي في أمور الدين وهو ابن الثانية والعشرين من عمره.
ومصنفاف ابن تيمية ومؤلفاته تدل على سعة اطلاعه وعمق ثقافته وقوة شخصية فهو عند ما يعرض لمسائلة من المسائل أو قضية من القضايا يحشد لك كل البراهين والأدلة العقلية والعلمية ليقوى بها حجته ويؤكد بها رأيه وهو لا ينفك يستشهد بآيات القران الكريم في كل ما يتعرض له من أدلة وأثباتات فقهية أو شرعية وهو بذلك لا يترك القارئ حتى يقنعه تماما بوجهة نظره وصلابة رأيه.
ولا يخفى على أحد أن ابن تيمية حمل لواء بعث الفكر الأسلامي وتجديد العلوم الشرعية ورفع لواء التوحيد ومحاربة البدع والأهواء والردود العنيفة القوية على الفرق الهالكة التي كادت للإسلام ونقده العنيف المر للفلسفة والميتا فيزيقا وعلم الكلام وترجيح منهج الكتاب والسنة وأسلوبهما على كل أسلوب ومنهج.
لقد كان ابن تيمية حربا حامية الوطيس لم يخمد لظاها وما أخبى سعيرها على رعونة المبتدعين في عصرة إنما كان سيفا مصلتا على رقاب الخارجين والمارقين المرجفين.
وقد أورد الحافظ ابن كثير في كتابه التاريخي المشهور (البداية والنهاية)
كثيرا من مناظرات ابن تيمية مع فقهاء عصره.
وقد كانت ثمة صراعات شتى بين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية من ناحية وبين الصوفية من ناحية أخرى وقد شدد على أقطابهم ولا سيما الذين قالوا بالحلول وبالوحدة أمثال محيى الدين بن عربي والحلاج ورماهم بالزندقة والكفر والإلحاد.
ولقاء إخلاصه في دعوته كابد ابن تيمية رحمه الله وعانى من البطش والتعذيب فقد كادله خصومه وأعداؤه ودخل السجن مرات عديدة، وقد توفي وهو في السجن رحمه الله وجزاه عن الإسلام خيرا وألحقنا به في دار كرامته.
آمين.
السيد الجميلي