الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الذي يبحث عما دُوِّنَ في رحلات العلماء في طلب العلم يرى أمامه بحراً زاخراً لا ساحل له؛ كيف لا؟
وتراجم العلماء التي دُوِّنَتْ خيرُ شاهد فضلاً عما لم يُدَوَّن.
بل في بطون كتب الحديث تجد في سياق الأحاديث كثيراً من رحلات أسلافنا.
بل وفي كتب الفقه والأصول والعقيدة والسيرة وغيرِ ذلك شيئاً كثيراً.
بل ما تُرِكَ ولم يُدَوَّن من رحلات العلماء لا يحصيه إلا الله تعالى.
فوقف القلم متعجباً من زمان تيسرت فيه سُبُل الرحلة، وقلَّ فيه الراحلون لماذا؟
هل لعدم العلم بفضل العلم!
أم لأنهم ولدوا علماء!
أم لأنهم ركنوا إلى الدنيا!
أم لأنهم لم يبالوا بأمر دينهم أم أم أم
…
!!!!
فقطفت هذه الزهور من كتابي الأصل لعلَّ مدكراً أن يتذكرَ وساهياً أن يتنبه، ومأتسياً أن يأتسي.
وكسرتها على خمسة أبواب:
الباب الأول:
1 -
فضل العلم.
2 -
الرحلة في طلب العلم والعلماء.
3 -
الرحلة في الشباب.
4 -
الرحلة من أجل التفقه في الدين.
الباب الثاني:
مِنْ رحلات مَنْ قبلنا.
الباب الثالث:
مِنْ رحلات الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم.
الباب الرابع:
مِنْ رحلات
(1)
التابعين للصحابة رضي الله عنهم.
الباب الخامس:
نماذج من رحلات التابعين وغيرهم.
ووسمته: ب «رفقة الفضلاء كما وردت بها الأنباء» وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفع به كاتبه وقارئه وسامعه وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
كتبه/
أبو أويس الكردي
15/ من المحرم/ عام 1432 هجرية
(1)
فائدة: رحلات بكسر الراء مع سكون الحاء وفتحها وكسرها ك «خدمات» .
الباب الأول: فَضْلُ العلمِ
قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
وقال تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].
عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عز وجل، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»
(1)
.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِى الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا»
(2)
.
(1)
أخرجه مسلم (817)«يَرْفَعُ» يعني: يُشرف، ويكرم في الدنيا والآخرة، وذلك بسبب الاعتناء به، والعلم به، والعمل بما فيه. «وَيَضَعُ»: يعني: يُحقَّر ويُصغَّر في الدنيا والآخرة، وذلك بسبب تركه، والجهل به، وترك العمل به.
(2)
إسناده حسن: سبق تخريجه.
وقد قال الشافعي رحمه الله
(1)
:
تَعَلَّمْ، فَلَيْسَ المَرْءُ يُولَدُ عالِماً
…
ولَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كمَنْ هو جاهِلُ
وإنَّ كَبِيَر القومِ لا عِلْمَ عِنْدَهُ
…
صَغِيرٌ إذا الْتَفَّتْ عليه المَحافِلُ
وإِن صغيرَ القومِ إِنْ كانَ عالماً
…
كبيرٌ إِذا رُدَّت إِليه المحافلُ
• ثانيًا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ»
(2)
.
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا يُعَلِّمْنَا السُّنَّةَ وَالْإِسْلَامَ قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ: «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ»
(3)
.
• ثالثًا:
عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا
(1)
في ديوانه (ص/ 24).
(2)
إسناده صحيح: رواه الخلق عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به. ومن هؤلاء أبو أسامة قال الأعمش: حدثنا أبو صالح، أخرجه مسلم (2699) وغيره، وخالفهم أَسْبَاط بن مُحَمَّد عَنْ الْأَعْمَش حدِّثتُ عَنْ أبي صَالح به.
ووجهة الإمام مسلم قوية لأمرين؛ تصريح الأعمش بالسماع في رواية أبي أسامة والأعمش من المكثرين عن أبي صالح كما أفاده الذهبي.
ورجح أبو زرعة الثاني؛ لأن الأعمش مدلس وقد أثبت الواسطة بينه وبين أبي صالح. انظر: «العلل» (5/ 275) لابن أبي حاتم.
(3)
أخرجه مسلم (2419).
أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ:«ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»
(1)
.
• رابعًا:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، قَالَ: إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ:«اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» ، قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، فَقَالَ:«اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أَهْلَ اليَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» ، قَالُوا: قَبِلْنَا، جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ، قَالَ:«كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ» ، ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا، وَايْمُ اللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (631)، ومسلم (674) واللفظ له.
(2)
أخرجه البخاري (7418)، واللفظ له، ومسلم (2419).
الباب الثاني: من رحلات من قبلنا
•
أولاً: رحلة موسى عليه السلام:
عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّهُ بَيْنَمَا مُوسَى عليه السلام، فِي قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ، وَأَيَّامُ اللهِ نَعْمَاؤُهُ وَبَلَاؤُهُ، إِذْ قَالَ: مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا خَيْرًا وَأَعْلَمَ مِنِّي.
قَالَ: فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ، إِنِّي أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ مِنْهُ، أَوْ عِنْدَ مَنْ هُوَ، إِنَّ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ: يَا رَبِّ فَدُلَّنِي عَلَيْهِ.
قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا، فَإِنَّهُ حَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَعُمِّيَ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ وَتَرَكَ فَتَاهُ، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلَ لَا يَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، صَارَ مِثْلَ الْكُوَّةِ.
قَالَ: فَقَالَ فَتَاهُ: أَلَا أَلْحَقُ نَبِيَّ اللهِ فَأُخْبِرَهُ؟ قَالَ: فَنُسِّيَ، فَلَمَّا تَجَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، قَالَ: وَلَمْ يُصِبْهُمْ نَصَبٌ حَتَّى تَجَاوَزَا، قَالَ: فَتَذَكَّرَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، قَالَ: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَأَرَاهُ مَكَانَ الْحُوتِ، قَالَ: هَا هُنَا وُصِفَ لِي.
قَالَ: فَذَهَبَ يَلْتَمِسُ فَإِذَا هُوَ بِالْخَضِرِ مُسَجًّى ثَوْبًا، مُسْتَلْقِيًا عَلَى الْقَفَا، أَوْ قَالَ عَلَى حَلَاوَةِ الْقَفَا. قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ قَالَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى؟ قَالَ: وَمَنْ مُوسَى؟ قَالَ: مُوسَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: مَجِيءٌ مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا، شَيْءٌ أُمِرْتُ بِهِ أَنْ أَفْعَلَهُ إِذَا رَأَيْتَهُ لَمْ تَصْبِرْ، قَالَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا.
قَالَ: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا، قَالَ: انْتَحَى عَلَيْهَا، قَالَ لَهُ مُوسَى عليه السلام: أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا؟ قَالَ: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ، فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى عليه السلام، ذَعْرَةً مُنْكَرَةً، قَالَ: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ هَذَا الْمَكَانِ: «رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى، لَوْلَا أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ، {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76] وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ» - قَالَ: وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا.
«فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا فَطَافَا فِي الْمَجَالِسِ فَاسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ، قَالَ: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ وَأَخَذَ بِثَوْبِهِ، قَالَ:{سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
فَإِذَا جَاءَ الَّذِي يُسَخِّرُهَا وَجَدَهَا مُنْخَرِقَةً فَتَجَاوَزَهَا فَأَصْلَحُوهَا بِخَشَبَةٍ، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ، فَلَوْ أَنَّهُ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبَدِّلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا. {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
(1)
.
•
ثانيًا: رحلة رجل من بني إسرائيل:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ» ، قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الْحَسَنُ ذُكِرَ لَنَا، أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (74) مختصرًا، ومسلم (2380) واللفظ له.
(2)
أخرجه البخاري (3191).
الباب الثالث
من رحلات الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم
-
•
أولًا: رحلة أهل البادية والأعراب:
1 -
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ رضي الله عنه، أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لِأَبِي إِهَابِ بْنِ عُزَيْزٍ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي، وَلَا أَخْبَرْتِنِي، فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ» فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ، وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ
(1)
.
2 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَكَ، قَالَ:«صَدَقَ» ، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: «اللهُ» ، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ: «اللهُ» ، قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ:«اللهُ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ، وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، اللهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ:«نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا، وَلَيْلَتِنَا، قَالَ:«صَدَقَ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، اللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ:«نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا، قَالَ:«صَدَقَ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، اللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ:«نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا، قَالَ:«صَدَقَ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، اللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ:
(1)
أخرجه البخاري (88).
«نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ:«صَدَقَ» ، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ»
(1)
.
3 -
عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ، وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ» فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ» ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» ، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» ، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ»
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري (63)، ومسلم (12) واللفظ له. تنبيه: ليس عند البخاري فِقْرة «الحج» .
(2)
أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11). قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 73):«وهذا الرجل جزم ابن بطال وآخرون بأنه ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر، والحامل لهم على ذلك إيراد مسلم لقصته عقب حديث طلحة؛ ولأن في كل منهما أنه بدوي، وأن كلا منهما قال في آخر حديثه: «لا أزيد على هذا ولا أنقص» . لكن تعقبه القرطبي بأن سياقهما مختلف، وأسئلتهما متباينة، قال: ودعوى أنهما قصة واحدة دعوى فرط، وتكلف شطط، من غير ضرورة. والله أعلم. وقواه بعضهم بأن ابن سعد وابن عبد البر وجماعة لم يذكروا لضمام إلا الأول، وهذا غير لازم».
4 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟» قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ:«فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ
(1)
.
5 -
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ:«لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ، لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ، أَعْتِقِ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ» . فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَيْسَتَا بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ:«لَا، إِنَّ عِتْقَ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكَّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا، وَالْمِنْحَةُ الْوَكُوفُ، وَالْفَيْءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ، فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ، وَاسْقِ الظَّمْآنَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ، فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلَّا مِنَ الْخَيْرِ»
(2)
.
6 -
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ، فَقَالَ:«عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا، وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَضَالَّةُ الغَنَمِ؟ قَالَ:«لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» ، قَالَ: ضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ المَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ»
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم (2639).
(2)
إسناده صحيح: أخرجه أحمد (4/ 229)، وابن حبان (374)، وغيرهما من طريق عيسى بن عبد الرحمن البجلي، ثنا طلحة بن مصرف، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء به. وعيسى وطلحة، وعبد الرحمن ثقات.
(3)
أخرجه البخاري (2295)، ومسلم (1722).
7 -
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ {أَنَّهُمَا قَالَا: إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ وَائْذَنْ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قُلْ» . قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» . قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَتْ
(1)
.
8 -
عن عَبْد اللهِ بْن بُسْرٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ:«مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ» وَقَالَ الْآخَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَمُرْنِي بِأَمْرٍ أَتَثَبَّتُ بِهِ، فَقَالَ:«لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنَ ذكر اللهِ»
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (2314) مختصرًا، ومسلم (1697) واللفظ له.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه أحمد (4/ 190)، وغيره من طريقين عن عمرو بن قيس السكوني عن عبد الله بن بسر به.
•
ثانيًا: رحلة سفراء الأقوام والبلاد:
1 -
عن ابْنِ عَبَّاسٍ {قال: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنِ الْوَفْدُ؟ أَوْ مَنِ الْقَوْمُ؟» ، قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَالَ:«مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ، أَوْ بِالْوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا، وَلَا النَّدَامَى» ، قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلَّا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، قَالَ:«أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ» ، وَقَالَ:«هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللهِ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنَّ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ» ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ - قَالَ شُعْبَةُ: وَرُبَّمَا قَالَ: - النَّقِيرِ، قَالَ شُعْبَةُ: وَرُبَّمَا قَالَ: الْمُقَيَّرِ، وَقَالَ:«احْفَظُوهُ، وَأَخْبِرُوا بِهِ مَنْ وَرَاءكُمْ» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: «مَنْ وَرَاءَكُمْ»
(1)
.
2 -
عن لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا، قَالَ: وَأُتِينَا بِقِنَاعٍ - وَلَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: الْقِنَاعَ، وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ.
ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَىْءٍ» .
قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ إِذْ دَفَعَ الرَّاعِى غَنَمَهُ إِلَى الْمُرَاحِ وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقَالَ:«مَا وَلَّدْتَ يَا فُلَانُ» .
قَالَ: بَهْمَةً. قَالَ: «فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً» . ثُمَّ قَالَ: لَا تَحْسِبَنَّ - وَلَمْ يَقُلْ لَا تَحْسَبَنَّ - أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِى
(1)
أخرجه البخاري (53)، ومسلم (17).
بَهْمَةً ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ فِى لِسَانِهَا شَيْئًا - يَعْنِي الْبَذَاءَ. قَالَ: «فَطَلِّقْهَا إِذًا» .
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً وَلِى مِنْهَا وَلَدٌ. قَالَ: «فَمُرْهَا - يَقُولُ عِظْهَا - فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلُ وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ» . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ. قَالَ «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِى الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا»
(1)
.
3 -
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضٌ بَارِدَةٌ فَكَيْفَ بِالْغُسْلِ؟ فَقَالَ: «أَمَّا أَنَا فَأُفْرِغُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا»
(2)
.
4 -
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِى وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا» . قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ» . قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا. قَالَ: «فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ» . قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: «وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ»
(3)
.
(1)
إسناده حسن: أخرجه أبو داود (142)، والشافعي كما في «مسنده» (48) وغيرهما من طريق يحيي بن سليم الطائفي عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط عن أبيه به. ويحيي بن سليم مختلف فيه وهو إلى الحسن أقرب مالم يكن عن عبيد الله بن عمر.
وصححه ابن خزيمة وابن الجارود والترمذى وابن حبان والحاكم والعلامة الألباني وغيرهم.
(2)
أخرجه مسلم (328).
(3)
أخرجه البخاري (6847)، ومسلم (1500) واللفظ له.
5 -
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ، وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عز وجل عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ:«عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» أَوْ «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ»
(1)
.
6 -
عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ وفي رواية: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَلَى نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي بَيْتِي، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي
كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ، فَتَزَوَّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى، فَزَعَمَتِ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتِي الْحُدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ»
(2)
.
7 -
عَنْ وَائِل بن حجر رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحَضْرَمِيِّ:«أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» قَالَ: لَا، قَالَ:«فَلَكَ يَمِينُهُ» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ:«لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ» ، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَدْبَرَ:«أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ»
(3)
.
* * *
(1)
أخرجه مسلم (2002).
(2)
أخرجه مسلم (1451).
(3)
أخرجه مسلم (139).
•
ثالثًا: رحلة بعض الصحابة في البحث عن الإسلام:
1 - رحلة سلمان الفارسي رضي الله عنه
-:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ {قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا: جَيٌّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، واَجْتهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً، قَالَ: وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ.
قَالَ: فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ، وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ، دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ.
قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ، وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ، وَقُلْتُ: هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟
قَالُوا: بِالشَّامِ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، قَالَ: فَلَمَّا جِئْتُهُ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، فَوَاللهِ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ.
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: كَلَّا وَاللهِ إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا، قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا، ثُمَّ
حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، قَالَ: وَبَعَثَتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ، قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى، قَالَ: فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا، قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: الْأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ، قَالَ: فَجِئْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ، قَالَ: فَادْخُلْ فَدَخَلْتُ مَعَهُ، قَالَ: فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاءَ، اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ.
قَالَ: وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمَّ مَاتَ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالُوا: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ، قَالُوا: فَدُلَّنَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، قَالَ: فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا، فَصَلَبُوهُ، ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ، فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ.
قَالَ: يَقُولُ سَلْمَانُ رضي الله عنه: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ، أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَرْغَبُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا أَدْأَبُ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ، قَالَ: فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ، فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ
أَمْرِ اللهِ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، إِلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ، لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ، قَالَ: فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ، وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنَ اللهِ عز وجل مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَمَا تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلَّا بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ، فَجِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي، قَالَ: فَأَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ، فَوَاللهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمَّا حَضَرَ، قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلَّا رَجُلًا بِعَمُّورِيَّةَ، فَإِنَّهُ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ، قَالَ: فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا.
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ، وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ، قَالَ: وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ.
قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللهِ، فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ، فَأَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي، وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا
عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ، بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ.
قَالَ: ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ، فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا، فَكُنْتُ عِنْدَهُ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، وَلَمْ يَحِقْ لِي فِي نَفْسِي، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ، قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ.
ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ، وَسَيِّدِي جَالِسٌ، إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: فُلَانُ، قَاتَلَ اللهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاللهِ إِنَّهُمُ الْآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ، حَتَّى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي.
قَالَ: وَنَزَلْتُ عَنِ النَّخْلَةِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ: مَاذَا تَقُولُ؟ مَاذَا تَقُولُ؟ قَالَ: فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ، قَالَ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَهُ عَمَّا قَالَ: وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِقُبَاءَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ
غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالَ: فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ:«كُلُوا» وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ.
قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا، قَالَ: فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَاتَانِ اثْنَتَانِ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَالَ: وَقَدْ تَبِعَ جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ لَهُ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ، هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي؟ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَدَبَرْتُهُ، عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي.
قَالَ: فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ، فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«تَحَوَّلْ» فَتَحَوَّلْتُ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ» فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ، وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ:«أَعِينُوا أَخَاكُمْ» فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ: الرَّجُلُ بِثَلَاثِينَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ، يَعْنِي: الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلَاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ» .
قَالَ: فَفَقَّرْتُ لَهَا، وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعِي إِلَيْهَا فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
بِيَدِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ، مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ، وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الْمَغَازِي، فَقَالَ:«مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ؟» قَالَ: فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ:«خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ» فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: «خُذْهَا، فَإِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ» قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا، وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ، أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ، وَعَتَقْتُ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ
(1)
.
2 - رحلة زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه
-:
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: «أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي، فَقَالَ: لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ زَيْدٌ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا
(1)
حسن: أخرجه أحمد (5/ 441)، وابن سعد في «الطبقات» (4/ 75) من طريق ابن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن عبد الله بن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي، به. وابن إسحاق يحسن حديثه مالم يخالف أو يستنكر عليه.
نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ»
(1)
.
3 - رحلة أبي ذر رضي الله عنه
-:
عن ابن عباس {قَالَ: قال أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ، فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقُلْتُ لِأَخِي
(2)
: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ كَلِّمْهُ وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ، فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَأْمُرُ بِالخَيْرِ وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ، فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَشْفِنِي مِنَ الخَبَرِ، فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لَا أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِي المَسْجِدِ، قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ؟
قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، لَا يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ وَلَا أُخْبِرُهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى المَسْجِدِ لِأَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ، قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي، قَالَ: فَقَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ البَلْدَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ.
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَشْفِنِي مِنَ الخَبَرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْقَاهُ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ، هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ فَاتَّبِعْنِي، ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَافُهُ عَلَيْكَ، قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي وَامْضِ أَنْتَ، فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلَامَ،
(1)
أخرجه البخاري (3827).
(2)
هو (أنيس).
فَعَرَضَهُ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي:«يَا أَبَا ذَرٍّ، اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ»
…
الحديث
(1)
.
4 - رحلة أبي رفاعة العدوي رضي الله عنه
-:
(2)
.
5 - رحلة عمرو بن عبسة رضي الله عنه
-:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ: كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِيًا جُرَآءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟
قَالَ: «أَنَا نَبِيٌّ» ، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «أَرْسَلَنِي اللهُ» ، فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ، قَالَ:«أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ» ، قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: «حُرٌّ، وَعَبْدٌ» ، قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ، قَالَ: «إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي
(1)
أخرجه البخاري (3522)، ومسلم (2473).
(2)
أخرجه مسلم (876).
قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي»، قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَكُنْتُ فِي أَهْلِي فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الْأَخْبَارَ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ؟
فَقَالُوا: النَّاسُ إِلَيْهِ سِرَاعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ» ، قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى
فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُهُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ.
فَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا أُمَامَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ:«يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ، انْظُرْ مَا تَقُولُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ» ، فَقَالَ عَمْرٌو:«يَا أَبَا أُمَامَةَ، لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ وَلَا عَلَى رَسُولِ اللهِ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه مسلم (832).
الباب الرابع
من رحلات التابعين للصحابة
1 - الرحلة لأبي بن كعب رضي الله عنه
-:
عن زِرِّ بن حُبَيْشٍ، قَالَ: وَفَدْتُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَإِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَى الْوِفَادَةِ لُقْيُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: أتيت المدينة ابتغاء العلم فدخلت مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا الناس فيه حلق يتحدثون، فجعلت أمضي الحلق حتى أتيت حلقة فيها رجل شاحب عليه ثوبان كأنما قدم من سفر، قال: فسمعته يقول: هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة ولا آسى عليهم، أحسبه قال مرارا. قال: فجلست إليه فتحدث بما قضي له، ثم قام، قال: فسألت عنه بعدما قام، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا سيد المسلمين أبي بن كعب. قال فتبعته حتى أتى منزله، فإذا هو رث المنزل رث الهيئة، فإذا رجل زاهد منقطع يشبه أمره بعضه بعضًا، فسلمت عليه فرد علي السلام، ثم سألني: ممن أنت؟ قلت: من أهل العراق، قال: أكثر مني سؤالا، قال: لما قال ذلك غضبت، قال: فجثوت على ركبتي ورفعت يدي - هكذا وصف - حيال وجهه، فاستقبلت القبلة، قال: قلت: اللهم نشكوهم إليك إنا ننفق نفقاتنا وننصب أبداننا ونرحل مطايانا ابتغاء العلم فإذا لقيناهم تجهموا لنا. وقالوا لنا.
(1)
حسن: سبق تخريجه (ص/ 24).
قال: فبكى أبي وجعل يترضاني ويقول: ويحك لم أذهب هناك، لم أذهب هناك. قال: ثم قال: اللهم إني أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمن بما سمعت من رسول الله لا أخاف فيه لومة لائم. قال: لما قال ذلك انصرفت عنه وجعلت أنتظر الجمعة، فلما كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجتي فإذا السكك عاصة من الناس لا أجد سكة إلا يلقاني فيها الناس. قال: قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: إنا نحسبك غريبا، قال: قلت: أجل، قالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب. قال جندب: فلقيت أبا موسى بالعراق فحدثته حديث أبي قال: والهفاه! لو بقي حتى تبلغنا مقالته
(1)
.
2 - صفوان بن عسال رضي الله عنه
-:
عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ، أَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا زِرُّ؟ فَقُلْتُ: ابْتِغَاءَ العِلْمِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ حَكَّ فِي صَدْرِي الْمَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ بَعْدَ الغَائِطِ وَالبَوْلِ، وَكُنْتَ امْرَأً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ أَسْأَلُكَ هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفرًا أَوْ مُسَافِرِينَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ
(2)
.
(1)
إسناده حسن: أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (3/ 501)، قال: أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا جعفر بن سليمان، أخبرنا أبو عمران الجوني، عن جندب به. وجعفر مختلف فيه، وباقي الإسناد ثقات.
(2)
حسن: أخرجه أحمد (4/ 239)، والترمذي (96، 3878)، والنسائي (127)، وابن ماجه (478)، وابن خزيمة (17)، وابن حبان (1100) وغيرهم من طرق عن عاصم عن زر عن صفون به. وعاصم حسن الحديث.
3 - الرحلة لزيد بن ثابت رضي الله عنه
-:
عن مسروق قَال: أتيت المدينة فسألت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا زيد من الراسخين في العلم
(1)
.
عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ، أَنَّهُ كَانَ جَالِساً عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَجَاءَهُ ابْنُ فهْدٍ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ - فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّ عِنْدِي جَوَارِيَ لِي، لَيْسَ نِسَائِي اللاَّتِي أُكِنُّ بِأَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهُنَّ، وَلَيْسَ كُلُّهُنَّ يُعْجِبُنِي أَنْ تَحْمِلَ مِنِّي، أَفَأَعْزِلُ؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللهُ لَكَ، إِنَّمَا نَجْلِسُ عِنْدَكَ لِنَتَعَلَّمَ مِنْكَ. قَالَ: أَفْتِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هُوَ حَرْثُكَ، إِنْ شِئْتَ سَقَيْتَهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَشْتَهُ. قَالَ: وَكُنْتُ أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ زَيْدٌ: صَدَقَ
(2)
.
4 - الرحلة لا بن عمر رضي الله عنه
-:
عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ - أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ - فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ
(1)
إسناده صحيح: أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 484) قال: حَدَّثَنَا سليمان بن حرب، قَال: حَدَّثَنَا شُعبة، عن أبي إسحاق، عن مسروق به.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (1243) عن ضمرة بن سعيد المازني عن الحجاج بن عمرو به.
شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ، قَالَ:«فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي» ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ «لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ» .
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ:«فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ» ، قَالَ:«أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» ، قَالَ:«صَدَقْتَ» ، قَالَ:«فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ» ، قَالَ:«أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» ، قَالَ:«فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ» ، قَالَ:«مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» قَالَ: «فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا» ، قَالَ:«أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ» ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي:«يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»
(1)
.
عبد العزيز بن حكيم يقول: شهدت ابن عمر وأتاه رجل من أهل البصرة فقال: إني جئت من عند قوم يصرفون الدراهم الصغار فيأخذون بها كبارًا،
(1)
أخرجه مسلم (8).
قال: أيزدادون؟ قال: نعم، قال: لا إلا وزناً بوزن
(1)
.
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى المَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ، فَقَالَ:«إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً، مَثَلُهَا كَمَثَلِ المُسْلِمِ» ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ القَوْمِ، فَسَكَتُّ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هِيَ النَّخْلَةُ»
(2)
.
5 - الرحلة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه
-:
عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: «لَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ» قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حِلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَا يَعِيبُهُ
(3)
.
عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ؟ أَلِفًا تَجِدُهُ أَمْ يَاءً {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} ، أَوْ «مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ»؟ قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَكُلَّ الْقُرْآنِ قَدْ أَحْصَيْتَ غَيْرَ هَذَا، قَالَ: إِنِّي لَأَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: «هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ، إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (22949)، حدثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عبد العزيز بن حكيم به. ومعتمر ثقة، وعبد العزيز روى عنه جماعة، ووثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بقوي يكتب حديثه.
(2)
أخرجه البخاري (72)، واللفظ له، ومسلم (2811).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (5000)، ومسلم (2462).
يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ»، ثُمَّ قَامَ عَبْدُ اللهِ، فَدَخَلَ عَلْقَمَةُ فِي إِثْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرَنِي بِهَا.
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَجِيلَةَ إِلَى عَبْدِ اللهِ، وَلَمْ يَقُلْ نَهِيكُ ابْنُ سِنَانٍ
(1)
.
6 - الرحلة لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه
-:
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ - الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ - أَنَّهُ رَكِبَ فِي طَلَبِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: قَدْ سَارَ إِلَى مَكَّةَ، فَاتَّبَعَهُ فَوَجَدَهُ فِي زَرْعِهِ الَّذِي يُسَمَّى الْوَهْطُ، قَالَ ابْنُ الدَّيْلَمِيِّ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي بَلَغَنَا عَنْكَ؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: إِنَّكَ تَقُولُ: صَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهَا إِلَّا الْكَعْبَةَ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، إِنَّ سُلَيْمَانَ حِينَ فَرَغَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَرَّبَ قُرْبَانًا، فَتُقُبِّلَ مِنْهُ، فَدَعَا اللَّهَ بِدَعَوَاتٍ مِنْهُنَّ: اللَّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ مُؤْمِنٍ زَارَكَ فِي هَذَا الْبَيْتِ تَائِبًا إِلَيْكَ إِنَّمَا جَاءَ يَتَنَصَّلُ عَنْ خَطَايَاهُ وَذُنُوبِهِ أَنْ تَتَقَبَّلَ مِنْهُ، وَتَتْرُكَهُ مِنْ خَطَايَاهُ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
(2)
.
7 - الرحلة لزياد بن جارية رضي الله عنه
-:
عن عبيد الله بن عبيد أبي وهب قال: سَمِعْتُ مَكْحُولاً يَقُولُ: كُنْتُ عَبْدًا بِمِصْرَ لاِمْرَأَةٍ مِنْ بَنِي هُذَيْلٍ فَأَعْتَقَتْنِي، فَمَا خَرَجْتُ مِنْ مِصْرَ وَبِهَا عِلْمٌ إِلاَّ حَوَيْتُ عَلَيْهِ فِيمَا أُرَى، ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِجَازَ، فَمَا خَرَجْتُ مِنْهَا وَبِهَا عِلْمٌ إِلاَّ حَوَيْتُ
(1)
أخرجه مسلم (822).
(2)
إسناده صحيح: سبق تخريجه (ص/ 51).
عَلَيْهِ فِيمَا أُرَى، ثُمَّ أَتَيْتُ الْعِرَاقَ، فَمَا خَرَجْتُ مِنْهَا وَبِهَا عِلْمٌ إِلاَّ حَوَيْتُ عَلَيْهِ فِيمَا أُرَى، ثُمَّ أَتَيْتُ الشَّامَ فَغَرْبَلْتُهَا، كُلُّ ذَلِكَ أَسْأَلُ عَنِ النَّفْلِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرُنِي فِيهِ بِشَىْءٍ، حَتَّى أَتَيْتُ شَيْخًا يُقَالُ لَهُ: زِيَادُ بْنُ جَارِيَةَ التَّمِيمِيُّ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ سَمِعْتَ فِى النَّفْلِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيَّ يَقُولُ: شَهِدْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ الرُّبُعَ فِى الْبَدْأَةِ وَالثُّلُثَ فِى الرَّجْعَةِ
(1)
.
عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ نَاساً مِنْ أَهْلِ الْجَارِ قَدِمُوا، فَسَأَلُوا مَرْوَانَ ابْنَ الْحَكَمِ (أمير المدينة) عَمَّا لَفَظَ الْبَحْرُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأبِي هُرَيْرَةَ فَاسْأَلُوهُمَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ائْتُونِي فَأَخْبِرُونِي مَاذَا يَقُولَانِ، فَأَتَوْهُمَا فَسَأَلُوهُمَا، فَقَالَا: لَا بَأْسَ بِهِ. فَأَتَوْا مَرْوَانَ فَأَخْبَرُوهُ. فَقَالَ مَرْوَانُ: قَدْ قُلْتُ لَكُمْ
(2)
.
* * *
(1)
إسناده حسن إلى مكحول، وزياد وحبيب مختلف فيهما: أخرجه أبو داود (2750)، والبيهقي (6/ 313)، والحاكم (6/ 204)، من طريق يحيى بن حمزة - وهو ثقة - عن أبي وهب، به. وأبو هب: قال فيه ابن معين: لا بأس به، ووثقه دحيم.
وزياد روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه النسائي، وقال أبو حاتم: مجهول، ووافقه ابن القطان الفاسي، وَهُوَ كَمَا ذكر لَا تعرف حَاله، وَإِنْ كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة. وحبيب بن مسلمة: مختلف في صحبته، وقال ابن معين: أهل المدينة يقولون: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل الشام يقولون: قد سمع.
(2)
صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (1430)، ومن طريقه البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 184) عن أبي الزناد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، به.
الباب الخامس
نماذج من رحلات التابعين ومن بعدهم
1 - مسروق بن الأجدع (ت: 63):
عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ فِي أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ مِنْ مَسْرُوقٍ
(1)
.
عن الشَّعْبِيّ: قال: رَحَلَ مسروقٌ في آيةٍ إلى البصرة فسأل عن الذي يجمعُها، فأُخْبِر أنه بالشام، فَقَدِمَ الكوفةَ فتجهَّزَ وخرج إلى الشام حتى سأل عنها
(2)
.
(1)
إسناده صحيح: أخرجه أبو خيثمة في «العلم» (32)، وعبد الرزاق في «المصنف» (8/ 462)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 561)، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا أيوب الطائي قال: سمعت الشعبي به. وأيوب - هو ابن عائذ - ثقة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (26652) عن ابن عيينة، عن أيوب، عن مجالد، عن الشعبي. وهذا من المزيد في متصل الأسانيد، ومجالد ضعيف.
(2)
في إسناده ضعف: أخرجه ابن أبي خيثمة في «التاريخ» (4040)، حَدَّثَنا مُحَمَّد بن سعيد بن الأَصْبَهَانِيّ، قال: أخبرنا عَبْد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدّالاني، عن الشَّعْبِيّ به.
ومحمد وعبد السلام ثقتان، وأبو خالد مختلف فيه، وقيل: إنه مدلس.
2 - عُبَيد بن عمير المكي (ت: 68):
عن أبي راشد قَال: جاء قوم من أهل البصرة إلى عُبَيد بن عمير، فقَال: ما جاء بكم؟ قالوا: بعثنا إخوانك نسألك عن علي وعثمان
(1)
.
3 - قيس بن عباد (ت: بعد 80):
عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: خَرَجْت إلَى الْمَدِينَةِ أَطْلُبُ الْعِلْمَ وَالشَّرَفَ
(2)
.
4 - أبو العالية (ت: 93):
عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ:«كُنَّا نَسْمَعُ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِ، رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ بِالْبَصْرَةِ، فَمَا نَرْضَى حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فَسَمِعْنَا مِنْهُمْ»
(3)
.
5 - قيس بن الربيع (ت: 100):
قال شعبة: قدمت الكوفة فما أتيت شيخاً إلا وجدت قيسًا قد سبقني إليه، وإن كنا لنسميه قيسًا الجوال
(4)
.
(1)
إسناده صحيح إلى أبي راشد: أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 42) حَدَّثَنَا ابن نمير، حَدَّثَنَا ابن أدريس وحفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي راشد به. ولعل أبا راشد هو الربيع بن أبي راشد، وسقط الربيع، وهو ثقة ثقة. قاله الفسوي.
(2)
إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (26656) حدثنا زيد بن الحباب، عن شعبة، عن عمارة، عن أبي مجلز، عن قيس به.
زيد صدوق يخطئ، وعمارة هو ابن أبي حفصة ثقة، وأبو مجلز لاحق بن حميد ثقة، وقيس ثقة.
(3)
حسن: سبق تخريجه.
(4)
إسناده حسن: أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/ 150) نا أبي ثنا محمد بن عبد الله بن أبي الثلج نا عبد الرحمن بن غزوان قراد قال: سمعت شعبة به.
قال أبو حاتم في محمد: صدوق، وعبد الرحمن ثقة له أفراد، قاله الحافظ.
6 - الشعبي (ت: 103):
عن صَالِح بن صَالِحٍ الهَمْدَانِيُّ قال: حدثنا الشعبي بحديث، ثم قال لي: أعطيتكه بغير شيء، وإن كان الراكب ليركب إلى المدينة فيما دونه
(1)
.
7 - أبو قلابة (ت: 104):
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ:«أَقَمْتُ فِي الْمَدِينَةِ ثَلَاثًا مَا لِي بِهَا حَاجَةٌ إِلَّا قَدُومُ رَجُلٍ بَلَغَنِي عَنْهُ حَدِيثٌ، فَبَلَغَنِي أَنَّهَ يَقْدَمُ فَأَقَمْتُ حَتَّى قَدِمَ فَحَدَّثَنِي بِهِ»
(2)
.
8 - مكحول الشامي (ت: 112):
وعن مكحول قال: قدمت الكوفة، فاختلفت إلى شريح ستة أشهر ما أسأله عن شَيء أكتفي بما يقضي به
(3)
.
(1)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (26654) حدثنا علي بن صالح، عن أبيه، قال: حدثنا الشعبي
…
فذكره. وعلي هو ابن صالح بن حي، وهو وأبوه ثقتان.
(2)
صحيح: سبق تخريجه.
(3)
إسناده حسن: أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 603) حَدَّثَنَا هشام ابن عمار، حَدَّثَنَا الوليد بن مسلم حدثني تميم بن عطية، سَمِعْتُ مكحولاً به. وتميم وثقه غير واحد. وهشام مختلف فيه.
9 - ميمون بن مهران (ت: 117):
عن ميمون بن مهران قال: قدمت المدينة فسألت عن أفقه أهلها، فدفعت إلى سعيد بن المسيب فقلت له: إني مقتبس ولست بمتعنت! فجعلت أسأله وجعل يجيبني رجل عنده، فقلت له: كف عني فإني أريد أن أحفظ عن هذا الشيخ، فقال: انظروا إلى هذا الذي يريد أن لا يحفظ، وقد جالست أبا هريرة
(1)
.
10 - أيوب السختياني (ت: 131):
عن أيوب، قال: أردت أن أرحل إلى عِكْرِمَة إلى أفق من الآفاق فإنِّي لفي سوق بالبصرة إذا رجل على حمارٍ فقيل لي: عِكْرِمَة، فاجتمع الناس عليه، قال: فقمت إليه فما قدرت على شيءٍ أسأله عنه، ذهبت المسائل مني، فقمت إلى جنب حماره وجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ
(2)
.
11 - ابن طاوس (ت: 132):
عن ابن طاوس قال: قال أبي: إذا قدمت مكة فعليك بعمرو بن دينار فإن أذنيه كانتا قمعاً للعلماء
(3)
.
(1)
إسناده صحيح: أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (2/ 379) أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي، أخبرنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران، به.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي خيثمة في «التاريخ» (4/ 197)، حَدَّثَنا خالد بن خِدَاش، حدثنا حَمَّاد بن زيد.
والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 9)، وغيره من طريق معمر كلاهما عن أيوب به.
(3)
إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (5/ 479) أخبرت عن سفيان
ابن عيينة عن زمعة بن صالح عن ابن طاووس به. وزمعة ضعيف ولا يدرى من حدث ابن سعد.
12 - إبراهيم بن طهمان (ت: 168):
عن إبراهيم بن طهمان قال: أتيت المدينة فكتبت بها، ثم قدمت الكوفة فأتيت أبا حنيفة في بيته فسلمت عليه.
فقال لي: عمن كتبت هناك؟ فسميت له.
فقال: هل كتبت عن مالك بن أنس شيئا؟
فقلت: نعم.
فقال: جئني بما كتبت عنه، فأتيته به فدعا بقرطاس ودواة فجعلت أملي عليه، وهو يكتب
(1)
.
13 - حماد بن سلمة (ت: 167):
(2)
.
(1)
إسناده حسن: أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/ 3) نا أبو بكر الجارودي محمد بن النضر النيسابوري، قال: سمعت أحمد بن حفص يقول: سمعت أبي يقول: سمعت إبراهيم بن طهمان به. ومحمد وشيخه ثقتان وحفص ابن عبد الله صدوق.
(2)
صحيح: سبق تخريجه.
14 - حماد بن زيد (179):
قال حماد بن زيد: قدمت المدينة وزيد بن أسلم حيٌّ فسألت عبيد الله بن عمر فقلت: إن الناس يتكلمون فيه. فقال: ما أعلم به بأسًا إلا أنه يفسر القرآن برأيه
(1)
.
15 - ابن المبارك (ت: 181):
(2)
.
16 - يزيد بن زريع (ت: 182):
عن يزيد بن زريع قَال: جاءني عُبَيد الله بن الحسن وإسماعيل بن علية فقال إسماعيل: جئناك يا أبا معاوية نسلم عليك. فقال عُبَيد الله: ما جئنا لذلك ولكن بلغنا عنك حديث فجئناك نسمع منك
(3)
.
(1)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 555) نا أبي، نا ابن الطباع، نا حماد بن زيد، به.
وابن الطباع اثنان: أحدهما: إسحاق بن عيسى صدوق.
والثاني: محمد بن عيسى وهو ثقة. والغالب أنه الثاني.
(2)
صحيح: سبق تخريجه في أصل «الرحلة» .
(3)
إسناده صحيح: أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» حَدَّثَنَا أبو بشر بكر بن خلف، عن يزيد به.
17 - هارون الرشيد وأولاده (ت: 193):
قال السيوطي
(1)
: قال القاضي الفاضل في بعض رسائله: ما أعلم أن لملك رحلة قط في طلب العلم إلا للرشيد فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ على مالك -.
18 - أبو حاتم الرازي (ت: 195):
قال أبو حاتم: داود بن إبراهيم هذا متروك الحديث كان يكذب، قدمت قزوين مع خالي فحمل إلي خالي مسنده فنظرت في أول مسند أبي بكر رضي الله
عنه فإذا حديث كذب عن شعبة فتركته وجهد بي خالي أن أكتب منه شيئاً فلم تطاوعني نفسي ورددت الكتب عليه
(2)
.
وقال أبو حاتم: كتبت عن سليمان بن أحمد الدمشقي الجرشي قديماً وكان حلوًا قدم بغداد فكتب عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قديماً وتغير بأَخرةٍ اختلط بقاض كان على واسط، فلما كان في رحلتي الثانية قدمت واسطاً فسألت عنه فقيل لي: قد أخذ في الشرب والمعازف والملاهي فلم أكتب عنه
(3)
.
وقال أبو حاتم: قدمت مصر فلقيت أبا طاهر أحمد بن عمرو بن السرح فقال لي: منذ كم قدمت مصر قلت: منذ شهر.
قال: أتيت أبا موسى يونس بن عبد الأعلى.
(1)
«تاريخ الخلفاء» (ص/ 217).
(2)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/ 407) سمعت أبي به.
(3)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/ 101) سمعت أبي به.
قلت: لا.
قال: قدمت مصر منذ شهر ولم تلق يونس، وجعل يعظم شأنه ويحث عليه
(1)
.
19 - سفيان بن عيينة (ت: 198):
سُفْيَان عن يَزيدَ بن أبي زيادٍ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلى، عن البَرَاء بن عازب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذَا افتتَح الصلاةَ رفع يديه.
قال سفيان: ثُم قَدِمتُ الكُوفَةَ فَلَقِيتُ يزيد فسمعته يحدِّثُ هكذا بها وزَادَ فِيه ثُم لا يعُودُ، فظننتُ أنهُمْ لَقّنُوه قال سفيان: هكذا سمعت يزيد يحدث، ثم سَمعتُهُ بعد يُحدثُهُ هكذا ويزيدُ فِيه: ثُم لا يعُودُ
(2)
.
20 - يحيى بن سعيد القطان (ت: 198):
قال يحيى: قدمت الكوفة مرة وقد حلف الأعمش لا يحدث فقلت لو مررت به، فمررت وهو قاعد على باب الزقاق، فقلت: من يجترئ أن يكلم هذا، فجئت فجاء أبو معاوية فجلس، ولم أر أحدًا يسأله غير أبي معاوية، فجلس إليه، فقَال: من أين جئت؟ قَال: جئت من عند إسماعيل بن أبي خالد. قَال: أي شَيء حدثكم؟ قَال: فجعل يحدثه عن أبي صالح في التفسير. فقال له: أي شَيء حدثكم أيضًا؟ فقَال: فجعل يحدثه. فقَال: أما إنه كان يطلب المشيخة.
(1)
صحيح: أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/ 243) عن أبيه، به.
(2)
ضعيف، ومسألة الرحلة ثابتة لسفيان: أخرجه الشافعي في «مسنده» (853)، والحميدي (724)، وغيرهما. وهذا الحديث معل متناً وسنداً: أما السند: فلأن يزيد تلقنه كما قاله سفيان وأقره الشافعي، وأما المتن: فلمخالفته لحديث ابن عمر ومالك بن الحويرث، أخرجهما مسلم (390، 391).
قال الأعمش: إنها تنفذ في صدري. ثم قال يحيى لابنه: أما كنت استثبتك؟ قَال: بلى. حَدَّثَنَا شقيق عن عبد الله. فحدث يومئذ بحديثين فكتبتهما
(1)
.
21 - عثمان بن زائدة الرازي (ت: 200):
عن موسى بن داود قال: سمعت عثمان بن زائدة الرازي - وكان رجلاً صالحًا قال: قدمت الكوفة فقلت لسفيان الثوري: مَنْ ترى أن أسمع منه؟
قال: عليك بزائدة بن قدامة وسفيان بن عيينة
(2)
.
22 - الإمام مسلم بن الحجاج (ت: 204):
قال الخطيب البغدادي: رحل إلى العراق والحجاز والشام ومصر
(3)
.
23 - الحميدي عبد الله بن الزبير (ت: 219):
قال الحُمَيديّ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَبَدَأْتُ بِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدراوَرْديّ فَجَاءَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَلُومُونَنِي، يَقُولُونَ: تَرَكْتَ شَيْخَنَا أَنْ تَبْدَأَ بِهِ وَتَأْتِيَهُ.
قَالَ: يَلُومُونَنِي فِيمَا فَعَلْتُ إِنَّمَا أَتَيْتُ الدراوَرْديّ لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَأَكْتُبُ عَنْهُ شَيْئًا، وَيَكُونُ اعْتِمَادِي عَلَى ابْنِ أَبِي حَازِمٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
(1)
إسناده صحيح: أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 144) سمعت عليًّا عن يحيى به.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/ 33)، نا أحمد بن سنان الواسطي، نا موسى بن داود، به. وأحمد بن سنان ثقة، إمام أهل زمانه، وموسى بن داود وثقه غير واحد، وقال أبو حاتم: شيخ، في حديثه اضطراب.
(3)
«تاريخ بغداد» (13/ 100).
وَبَلَغَ الدراوَرْديّ اجْتِمَاعُ مَنِ اجْتَمَعَ إِلَيَّ فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَيْهِ قَالَ: يَا قُرَشِيُّ قَدْ بَلَغَنِي الَّذِي كَانَ وَقَدْ عَزَمْتُ أَنْ أُخْرِجَ إِلَيْكَ كُتُبِي وَأُصُولِي لِتَكْتُبَهَا وَأَقْرَأُهَا عَلَيْكَ.
قَالَ: فَأَخْرَجَ إِلَيَّ أُصُولَهُ وَإِذَا هو كُتُبٌ صِحَاحٌ وَأَحَادِيثُ مُسْتَقِيمَةٌ
(1)
.
24 - إبراهيم بن المنذر الحزامي (ت: 236):
قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: قدمت البصرة، فجاءني علي بن المديني، فقال: أول شيء أطلب أن تخرج إلي حديث الوليد بن مسلم.
فقلت: يا ابن أم! سبحان الله! وأين سماعي من سماعك؟ فجعلت آبى، ويلح، فقلت له: أخبرني عن إلحاحك ما هو؟
قال: أخبرك: إن الوليد رجل أهل الشام، وعنده علم كثير، ولم أستمكن منه، وقد حدثكم بالمدينة في المواسم، وتقع عندكم الفوائد؛ لأن الحُجَّاج يجتمعون بالمدينة من الآفاق، فيكون مع هذا بعض فوائده، ومع هذا شيء.
قال: فأخرجت إليه، فتعجب من كتابه، كاد أن يكتبه على الوجه.
(2)
25 - الليث بن سعد المصري (ت: 175):
عن الليث قَال: جئت أبا الزبير فأخرج إلي كتبًا، فقلت: سماعك من جابر؟ قَال: ومن غيره. قلت: سماعك من جابر؟ قَال: فأخرج إلي هذه الصحيفة.
(1)
إسناده صحيح: أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 428) سمعت الحميدي، به.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 422) سمعت إبراهيم بن المنذر، به.
قلت لابن بكير: والليث يومئذ ابن عشرين سنة؟ قَال: ابن عشرين سنة.
قال الليث: ودخلت على نافع فسألني، فقلت: أنا رجل من أهل مصر. قَال: ممن؟ قال قلت: من قيس. قَال: ابن رفاعة؟ فقلت: أنا ابن رجل من قومه. وقال لي: ابن كم؟ قلت: ابن عشرين سنة. قَال: أما لحيتك فلحية ابن أربعين
(1)
.
26 - الإمام أحمد (ت: 241):
قال أحمد بن حنبل: مات هشيم سنة ثلاث وثمانين ومئة، وخرجت إلى الكوفة في تلك الأيام، ودخلت البصرة في أول رجب سنة ست وثمانين ومئة، ومات معتمر في سنة سبع و ثمانين فى أولها، ودخلت الثانية سنة تسعين، والثالثة سنة أربع وتسعين، وخرجت في سنة خمس وتسعين، أقمت على يحيى بن سعيد ستة أشهر، ودخلت سنة مائتين ولم أدخلها بعد ذلك
(2)
.
27 - أحمد بن صالح المصري (ت: 248):
قال ابن عدي
(3)
: أحمد بن صالح المصري رحل إلى عفان من مصر، فلحقه ببغداد في سنة اثنتي عشرة وكتب عنه ببغداد وكانت رحلته إليه خاصة دون غيره.
(1)
أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 443) قال ابن بُكَير: وأخبرني مبشر بن سَعِيد، عن الليث، به.
(2)
«تهذيب الكمال» (1/ 446).
(3)
في «الكامل» (7/ 105).
28 - الإمام البخاري (ت: 256):
عن أبي جعفر محمد بن أبي حاتم الورّاق النحوي قال: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟
قال: أُلْهِمت حفظ الحديث وأنا في الكُتّاب.
قال: وكم أتى عليك إذ ذاك؟
قال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتّاب بعد الشعر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره.
وقال يوماً فيما كان يقرأ للناس: «سفيان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم» فقلت له: يا أبا فلان إنَّ أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم.
فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل ونظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم.
فأخذ القلم مني وأحكم كتابه فقال: صدقت.
فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ فقال: ابن إحدى عشرة، فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء.
ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت رجع أخي وتخلفت بها في طلب الحديث، فلما طعنتُ في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى.
وصنفتُ كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة.
وقال: قلّ اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب
(1)
.
عن قتيبة بن سعيد أنه قال: رحل إلي من شرق الأرض وغربها، فما رحل إلي مثل محمد بن إسماعيل
(2)
.
29 - أبو زرعة الرازي (ت: 264):
قال أبو زرعة: خرجت من الري المرة الثانية سنة سبع وعشرين ومائتين ورجعت سنة اثنتين وثلاثين في أولها، بدأت فحججت، ثم خرجت إلى مصر فأقمت بمصر خمسة عشر شهراً وكنت عزمت في بدر قدومي مصر أني أقِلُّ المقام بها، فلما رأيت كثرة العلم بها وكثرة الاستفادة عزمت على المقام، ولم أكن عزمت على سماع كتب الشافعي فلما عزمت على المقام وجهت إلى أعرف رجل بمصر بكتب الشافعي فقبلتها منه بثمانين درهماً أن يكتبها كلها، وأعطيته الكاغد وكنت حملت معي ثوبين ديبقيين لأقطعهما لنفسي فلما عزمت على كتابتها أمرت ببيعها فبيعا بستين درهماً، واشتريت مائة ورقة كاغد بعشرة دراهم كتبت فيها كتب الشافعي، ثم خرجت إلى الشام فأقمت بها ما أقمت، ثم خرجت إلى الجزيرة وأقمت ما أقمت ثم رجعت إلى بغداد سنة ثلاثين في آخرها، ورجعت إلى الكوفة وأقمت بها ما أقمت، وقدمت البصرة فكتبت بها عن شيبان وعبد الأعلى
(3)
.
(1)
أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (2/ 5 - 6) وعنه اقتبسه غير واحد، وفيه من لم أقف له على موثق.
(2)
«سير أعلام النبلاء» (12/ 429).
(3)
إسناه صحيح: أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/ 340) سمعت أبا زرعة به.
30 - محمد بن يوسف القطان:
قال محمد بن يوسف القطان: يحكي أن أبا الحسين الطّرائفي لَمَّا رحل إلى عثمان بن سعيد الدّارمي، فدخل عليه، قال له عثمان: متى قدمت هذا البلد؟ فأراد أن يقول: أمس، فقال: قدمت غداً. فقال له عثمان: فأنت بَعْدُ في الطريق
(1)
.
31 - والد أبي عبد الله ابن منده:
قال الذهبي: قال والد أبي عبد الله بن منده رحل إلى أبي يعلى، وقال له: إنما رحلت إليك لإجماع أهل العصر على ثقتك وإتقانك
(2)
.
32 - قصة المحمدين (ت: 310):
قال أبو العباس البكري: جمعت الرحلة بين محمد بن جرير، وابن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني بمصر، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضر بهم الجوع، فاجتمعوا في منزل كانوا يأوون إليه، فاتفق رأيهم على أن يسهموا، فمن خرجت عليه القرعة سأل. فخرجت القرعة على ابن خزيمة فقال: أمهلوني حتى أصلي. فاندفع في الصلاة، وإذا هم بالشموع، وخصي، من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا فقال: أيكم محمد بن نصر فقيل: هو ذا. فأخرج صرة فيها خمسون ديناراً، فدفعها إليه.
ثم قال: أيكم ابن جرير؟ فأعطاه خمسين ديناراً، ثم فعل كذلك بابن خزيمة وبالروياني. ثم حدثهم فقال: إن الأمير كان قائلاً بالأمس، فرأى في المنام أن
المحامد جياع قد طووا، فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم إذا نَفِذَت فعرفوني
(1)
.
33 - ابن خزيمة (ت: 311):
قال ابن خزيمة: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة، فقال: اقرأ القرآن أولا حتى آذن لك.
فاستظهرت القرآن، فقال لي: امكث حتى تصلي بالختمة، ففعلت، فلما عيدنا، أذن لي، فخرجت إلى مرو، وسمعت بمروالروذ من محمد بن هشام - صاحب هشيم - فنعي إلينا قتيبة
(2)
.
34 - عبد الرحمن بن أبي حاتم (ت: 327):
قال الذهبي: كان لعبد الرحمن ثلاث رحلات: الأولى: مع أبيه سنة خمس، وسنة ست، ثم حج وسمع: محمد بن حماد في سنة ثنتين، ثم رحل بنفسه إلى السواحل والشام ومصر، سنة اثنتين وستين ومائتين، ثم رحل إلى أصبهان، في سنة أربع وستين، فلقي يونس بن حبيب
(3)
.
35 - ابن عدي صاحب الكامل (ت: 365):
قال تاج الدين السبكي
(4)
: أحد الجهابذة الَّذين طافوا الْبِلَاد، وهجروا الوساد، وواصلوا السهاد، وَقَطعُوا الْمُعْتَاد؛ طَالِبين للْعلم لَا يعتري همتهم قُصُور، وَلَا يثني عزمهم عوارض الْأُمُور، وَلَا يدع سيرهم فِي ليالي الرحلة
(1)
«تاريخ الإسلام» (23/ 222).
(2)
«سير أعلام النبلاء» (14/ 371).
(3)
«سير أعلام النبلاء» (13/ 266).
(4)
«طبقات الشافعية» (3/ 315).
مدلهم الديجور، وَكتابه الْكَامِل طابق اسْمه مَعْنَاهُ، وَوَافَقَ لَفظه فحواه، من عينه انتجع المنتجعون، وبشهادته حكم المحكمون، وَإِلَى مَا يَقُول رَجَعَ المتقدمون والمتأخرون.
رَحل إِلَى الشَّام ومصر رحلتين أَولهمَا سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ.
36 - الخطيب البغدادي (ت: 463):
قال الخطيب: استشرت البرقاني في الرحلة إلى أبي محمد بن النحاس بمصر، أو إلى نيسابور إلى أصحاب الأصم، فقال: إنك إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى واحد، إن فاتك، ضاعت رحلتك، وإن خرجت إلى نيسابور، ففيها جماعة، إن فاتك واحد، أدركت من بقي، فخرجت إلى نيسابور
(1)
.
* * *
وبهذا القدر أكتفي هنا، وأسأل الله أن يتمم لي بحثي الشامل ومتعلقاته في هذا الموضوع، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
والحمد لله أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
وكان الانتهاء منه في ضحوة التاسع عشر من شهر المحرم عام 1432 هجرية.
أبو أويس الكردي
أشرف بن نصر بن صابر الكردي
نزيل منية سمنود/ أجا/ دقهلية
(1)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 275).