الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
24_
تعترف بالعواطف الإنسانية، وتوجهها الوجهة الصحيحة: فالعواطف أمر غريزي، ولا يتجرد منه أي إنسان سوي، والعقيدة الإسلامية ليست عقيدة هامدة جامدة، بل هي عقيدة حيَّة، تعترف بالعواطف الإنسانية، وتقدرها حق قدرها، وفي الوقت نفسه لا تطلق العنان لها، بل تُقوِّمها، وتسمو بها، وتوجهها الوجهة الصحيحة، التي تجعل منها أداة خير وتعمير، بدلاً من أن تكون معولَ هدمٍ وتدمير.
25_
العقيدة الإسلامية كفيلة بحل جميع المشكلات: سواء مشكلات الفرقة والشتات، أو مشكلات السياسة والاقتصاد، أو مشكلات الجهل والمرض والفقر، أو غير ذلك.
فلقد جمع الله بها القلوب المشتتة، والأهواء المتفرقة، وأغنى بها المسلمين بعد العَيْلَة، وعلّمهم بها بعد الجهل، وبصّرهم بعد العمى، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف.
خصائص أهل السنة والجماعة
كما أن لعقيدة أهل السنة والجماعة ميزات تمتاز بها عن غيرها من العقائد_فكذلك لأهل السنة خصائص وميزات يمتازون بها عن غيرهم من أهل الملل والنحل، ويجدر بكل من انتسب إليهم أن يأخذ بها، ويأطر نفسه عليها، حتى ينال ما نالوه من خير وفضل.
فمن تلك الخصائص التي تميز بها أهل السنة والجماعة ما يلي:
1_
الاقتصار في التلقي على الكتاب والسنة: فهم ينهلون من هذا المنهل العذب عقائدَهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم، وسلوكَهم، وأخلاقهم، فكل ما وافق الكتاب والسنة قبلوه وأثبتوه، وكل ما خالفهما ردوه على قائله كائناً من كان.
2_
التسليم لنصوص الشرع، وفهمها على مقتضى منهج السلف: فهم يسلِّمون لنصوص الشرع، سواء فهموا الحكمة منها أم لا، ولا يعرضون النصوص على عقولهم، بل يعرضون عقولهم على النصوص، ويفهمونها كما فهمها السلف الصالح.
3_
الاتباع وترك الابتداع: فهم لا يقدمون بين يدي الله ورسوله، ولا يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي"ولا يرضون لأحد كائناً من كان أن يرفع صوته فوق صوت النبي".
بخلاف المبتدعة الضالين، الذين ابتدعوا في الدين، مستدركين على وحي رب العالمين، ألا ساء ما يعملون.
4_
الاهتمام بالكتاب والسنة: فهم يهتمون بالقرآن حفظاً وتلاوة، وتفسيراً، وبالحديث دراية ورواية.
بخلاف غيرهم من المبتدعة الذي يهتمون بكلام شيوخهم أكثر من اهتمامهم بالكتاب والسنة.
5_
احتجاجهم بالسنة الصحيحة وترك التفريق بين المتواتر والآحاد: سواء في الأحكام أو العقائد، فهم يرون حجية الحديث إذا صح عن رسول الله"ولو كان آحاداً.
6_
ليس لهم إمام معظم يأخذون كلامه كله، ويدعون ما خالفه إلا الرسول": أما غير الرسول"فإنهم يعرضون كلامه على الكتاب والسنة، فما وافقهما قُبِل، وما لا فلا، فهم يعتقدون أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول".
أما غيرهم من الفرق الأخرى، ومن متعصبة المذاهب_ فإنهم يأخذون كلام أئمتهم كله حتى ولو خالف الدليل.
7_
هم أعلم الناس بالرسول": فهم يعلمون هديه، وأعماله، وأقواله، وتقريراته؛ لذلك فهم أشد الناس حباً له، واتباعاً لسنته.
بخلاف غيرهم من أهل البدع الذي يعرفون عن أئمتهم ما لا يعرفونه عن رسول الله".
8_
الدخول في الدين كله: فهم يدخلون في الدين كله، ويؤمنون بالكتاب كله؛ امتثالاً لقوله_تعالى_:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً](البقرة: 208) .
بخلاف الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون.
وبخلاف الذين نسوا حظاً مما ذكروا به، والذين جعلوا القرآن عضين؛ فآمنوا ببعض الكتاب، وكفروا ببعض.
9_
تعظيم السلف الصالح: فأهل السنة يعظمون السلف الصالح، ويقتدون بهم، ويهتدون بهديهم، ويرون أن طريقتهم هي الأسلم، والأعلم، والأحكم.
10_
الجمع بين النصوص في المسألة الواحدة، ورد المتشابه إلى المحكم: فهم يجمعون بين النصوص الشرعية في المسألة الواحدة، ويردون المتشابه إلى المحكم؛ حتى يصلوا إلى الحق في المسألة.
11_
الجمع بين العلم والعبادة: بخلاف غيرهم، فإما أن يشتغل بالعبادة عن العلم، أو بالعلم عن العبادة، أما أهل السنة والجماعة فيجمعون بين الأمرين.
12_
الجمع بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب: فهم لا ينكرون الأسباب، ولا تأثيرها إذا ثبتت شرعاً أو قدراً، ولا يَدَعُون الأخذ بالأسباب، وفي الوقت نفسه لا يلتفتون إليها.
ولا يرون أن هناك تنافياً بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب؛ لأن نصوص الشرع حافلة بالأمر بالتوكل على الله، والأخذ بالأسباب المشروعة أو المباحة في مختلف شؤون الحياة، فقد أمرت بالعمل، والسعي في طلب الرزق، والتزود للأسفار، واتخاذ العدد في مواجهة العدو.
قال_تعالى_: [إِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ](الجمعة: 10) . وقال: [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا](الملك: 15) . وقال: تعالى_: [وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى](البقرة: 197) . وقال_تعالى_: [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ](الأنفال: 60) .
وقال النبي": =احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان+. (1)
13_
الجمع بين التوسع في الدنيا والزهد بها: فأهل السنة والجماعة لا ينكرون على من يتوسع في الدنيا، ويسعى في كسب الرزق، بل يرون أنه ينبغي للإنسان أن يكفي نفسه ومن يعول، ويستغني عن الناس، ويقطع الطمع مما في أيديهم، على ألا تكون الدنيا أكبر همه، ولا مبلغ علمه، وعلى ألا يكتسب المال من غير حله، كما لا يعيبون على من آثر الكفاف، ورضي بالقليل من متاع الدنيا، لأنهم يرون أن الزهد إنما هو زهد القلب، وهو أن يترك الإنسان ما لا ينفع في الآخرة.
(1) رواه مسلم (2664) .
أما إذا توسع العبد في الدنيا، وجعلها في يده لا في قلبه، يرفد بها الإخوان، ويتصدق على الفقراء والمساكين، ويعين بها على نوائب الحق_فذلك من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء.
كما هو حال الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهم من أثرياء الصحابة من المهاجرين والأنصار_رضي الله عنهم_.
وكحال ابن المبارك ×فلقد كان من أغنى أهل زمانه، وهو في الوقت نفسه من أزهدهم إن لم يكن أزهدهم.
14_
الجمع بين الخوف والرجاء والحب: فأهل السنة والجماعة يجمعون بين هذه الأمور، ويرون أنه لا تنافي ولا تعارض بينها.
قال_سبحانه وتعالى_في وصف عباده الأنبياء والمرسلين: [إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ](الأنبياء: 90) .
وقال في معرض الثناء على سائر عباده المؤمنين: [تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ](السجدة: 16) .
وهناك مقولة مشهورة عند السلف، وهي قولهم: =من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف فهو حروري (1) ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجيء، ومن عبده بالخوف، والحب، والرجاء فهو مؤمن موحِّد+.
15_
الجمع بين الرحمة واللين والشدة والغلظة: بخلاف غيرهم ممن يأخذ جانباً من هدي السلف ويدع الجانب الآخر، فيأخذون بالشدة في جميع أحوالهم أو باللين في جميع أحوالهم.
أما أهل السنة فيجمعون بين هذا وهذا، وكل في موضعه، حسب ما تقتضيه المصلحة، ومقتضيات الأحوال.
(1) نسبة إلى حروراء مدينة في العراق وهي موطن الخوارج الأوائل.
16_
الجمع بين العقل والعاطفة: فعقولهم راجحة، وعواطفهم صادقة، ومعاييرهم منضبطة، فلم يغلِّبوا جانب العقل على العاطفة، ولا جانب العاطفة على العقل، وإنما جمعوا بينهما على أكمل وجه وأتمه، فمع أن عواطفهم قوية مشبوبة إلا أن تلك العواطف تضبط بالعقل، وذلك العقل يضبط بالشرع.
[نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ](النور: 35) .
17_
العدل: فالعدل من أعظم المميزات لأهل السنة والجماعة، فهم أعدل الناس، وأولاهم بامتثال قول الله_عز وجل_:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ](النساء: 135) .
وقوله: [وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى](الأنعام: 152) .
حتى إن الطوائف الأخرى إذا تنازعت احتكمت إلى أهل السنة.
18_
الأمانة العلمية: فالأمانة زينة العلم، وروحه الذي يجعله زاكي الثمر، لذيذ المطعم، وأهل السنة لهم القِدحُ المعلى في ذلك الشأن.
ومن مظاهر الأمانة العلمية عندهم_الأمانة في النقل، والبعد عن التزوير، وقلب الحقائق، وبتر النصوص، وتحريفها، فإذا نقلوا عن مخالف لهم نقلوا كلامه تامّاً، فلا يأخذون منه ما يوافق ما يذهبون إليه، ويدعون ما سواه؛ كي يدينوا المنقول عنه، وإنما ينقلون كلامه تامّاً، فإن كان حقاً أقرّوه، وإن كان باطلاً ردّوه، وإن كان فيه وفيه، قبلوا الحق وردّوا الباطل، كل ذلك بالدليل القاطع، والبرهان الساطع.
ومن مظاهر الأمانة العلمية عندهم أنهم لا يحمّلون الكلام ما لا يحتمل، وأنهم يذكرون ما لهم وما عليهم، وأنهم يرجعون للحق إذا تبيّن، ولا يفتون ولا يقضون إلا بما يعلمون.
كما أنهم أحرص الناس على نسبة الكلام إلى قائله، وأبعدهم من نسبته إلى غير قائله.
19_
الوسطية: قال_تعالى_: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً](البقرة: 143) .
فالوسطية من أعظم ما يتميز به أهل السنة والجماعة.
فكما أن أمة الإسلام وسط بين الأمم التي تجنح إلى الغلو الضار، والأمم التي تميل إلى التفريط المهلك_فكذلك أهل السنة والجماعة؛ فهم متوسطون بين فرق الأمة المبتدعة التي انحرفت عن الصراط المستقيم.
وتتجلى وسطية أهل السنة والجماعة في شتى الأمور؛ سواء في باب العقيدة، أو الأحكام، أو السلوك، أو الأخلاق، أو غير ذلك.
20_
عدم الاختلاف في أصول الاعتقاد: فالسلف الصالح لا يختلفون_بحمد الله_في أصل من أصول الدين، وقواعد الاعتقاد؛ فقولهم في أسماء الله وصفاته وأفعاله واحد، وقولهم في الإيمان وتعريفه ومسائله واحد، وقولهم في القدر واحد، وهكذا في باقي الأصول.
21_
ترك الخصومات في الدين، ومجانبة أهل الخصومات: لأن الخصومات مدعاةٌ للفرقة والفتنة، ومجلبةٌ للتعصب واتباع الهوى، ومطيةٌ للانتصار للنفس، والتشفي من الآخرين، وذريعة للقول على الله بغير علم.
أخرج الآجري بسنده عن مسلم بن يسار أنه قال: =إياكم والمراءَ؛ فإنه ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته+.
وأخرج أن عمر بن عبد العزيز ×: =من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل+.
وقال جعفر بن محمد ×: =إياكم والخصومات؛ فإنه تشغل القلب وتورث النفاق+.
22_
الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحق: فهم حريصون كل الحرص على وحدة المسلمين، ولمِّ شعثهم، وجمع كلمتهم على الحق، وإزالة أسباب النزاع والفرقة بينهم؛ لعلمهم أن الاجتماع رحمة، وأن الفرقة عذاب؛ ولأن الله_عز وجل_أمر بالائتلاف، ونهى عن الاختلاف كما في قوله_تعالى_:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا](آل عمران:102، 103) .
بخلاف الذين يسعون للفرقة بين المسلمين، ويبذرون بذور الشقاق في صفوفهم، فيفرقونهم عند أدنى نازلة، ويحزبونهم ويؤلبون بعضهم على بعض، ويُغرون بعضهم ببعض.
23_
سعة الأفق: فهم أوسع الناس أفقاً، وأبعدهم نظراً، وأرحبهم بالخلاف صدراً، وأكثرهم للمعاذير التماساً.
وهم لا يأنفون من سماع الحق، ولا تحرج صدورهم من قبوله، ولا يستنكفون من الرجوع إليه، والأخذ به.
ثم إنهم لا يُلزمون الناس باجتهاداتهم، ولا يضللون كل من خالفهم، ولا تضيق أعطانهم في الأمور الاجتهادية، التي تختلف فيها أفهام الناس.
ومن مظاهر سعة الأفق عندهم بعدهم عن التعصب المقيت، والتقليد الأعمى، والحزبية الضيقة.
24_
حسن الخلق: فأهل السنة أحسن الناس خلقاً، وأكثرهم حلماً وسماحة وتواضعاً، وأحرصهم دعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال.
25_
هم أهل الدعوة إلى الله: فهم يدعون إلى دين الإسلام، بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ويسلكون في ذلك شتى الطرق المشروعة والمباحة؛ حتى يعرف الناس ربهم، ويعبدوه حق عبادته.
فلا أحد أحرص منهم على هداية الخلق، ولا أحد أرحم منهم بالناس.
26_
هم الغرباء: الذين يُصْلحُونَ ما أفسد الناس، ويَصلُحون إذا فسد الناس.
27_
هم الفرقة الناجية: التي تنجو من البدع والضلالات في هذه الدنيا، وتنجو من عذاب الله يوم القيامة.
28_
وهم الطائفة المنصورة: لأن الله معهم، وهو مؤيدهم وناصرهم.
29_
لا يوالون ولا يعادون إلا على أساس الدين: فلا ينتصرون لأنفسهم، ولا يغضبون لها، ولا يوالون لِعُبِّيَّة جاهلية، أو عصبية مذهبية، أو راية حزبية، وإنما يوالون على الدين، فولاؤُهم لله، وبراؤهم لله، ومواقفهم ثابتة، لا تتبدل ولا تتغير.
30_
سلامتهم من تكفير بعضهم لبعض: فأهل السنة سالمون من ذلك، فهم يردون على المخالف منهم، ويوضحون الحق للناس، فهم يُخطِّئون، ولا يكفرون، ولا يبدعون، ولا يفسقون إلا من استحق ذلك.
بخلاف غيرهم من الطوائف الأخرى كالخوارج الذي يكثر فيهم الاختلاف والتضليل والتكفير؛ ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضاً عند أقل نازلة تنزل بهم من دقائق الفتيا وصغارها.
31_
سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب الرسول": فقلوبهم عامرة بحبهم، وألسنتهم تلهج بالثناء عليهم، فأهل السنة يرون أن الصحابة خير القرون؛ لأن الله_عز وجل_زكاهم وكذلك رسوله".
32_
سلامتهم من الحيرة والاضطراب، والتخبط والتناقض: فأهل السنة والجماعة أكثر الناس رضاً ويقيناً، وطمأنينة، وإيماناً، وأبعدهم عن الحيرة والاضطراب، والتخبط والتناقض.
حتى إنه ليوجد عند عوام أهل السنة من بَرْدِ اليقين، وحسن المعتقد، والبعد عن الحيرة_ما لا يوجد عند علماء الطوائف الأخرى، وحُذَّاقهم من أهل الكلام وغيرهم، ممن اضطربوا في تقرير عقائدهم فحاروا وحيروا، وتعبوا وأتعبوا.
ومما يدل على حيرتهم ما جاء على ألسنة حُذَّاق أهل الكلام الذي بلغوا الغاية فيه فلم يرجعوا بفائدة، ولم يعودوا بعائدة، فهذا الرازي أحد أكابر علم الكلام ينوح على نفسه ويبكي عليها قائلاً:
نهايةُ إقدام العقول عِقالُ **** وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا **** وغايةُ دنيانا أذىً ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا **** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وكم قد رأينا من رجال ودولة **** فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها **** رجال فزالوا والجبال جبال
ومنهم الشهرستاني الذي قال:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها **** وقلَّبت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كفَّ حائرٍ **** على ذَقَنٍ أو قارعاً سنَّ نادم
ومن الذين خاضوا في علم الكلام وندموا على ذلك: الجويني، والغزالي، والخسر وشاهي، وغيرهم.
هذا هو شأن من ضل من أهل الفرق الإسلامية.
أما الكفار الذين تنكبوا الصراط المستقيم من الملاحدة وغيرهم_فلا تسل عن بؤسهم وشقائهم فهم يعيشون أدنى دركات الشقاء والنكد، فلقد سلبوا الأمن، وشاعت فيهم الأمراض النفسية والعصبية، وكثر فيهم الرعب، وانتشر فيهم الانتحار والرغبة في التخلص من الحياة.
فها هو الفيلسوف الألماني المشهور =فريدريك نيتشه+ بعد أن ألغى من فكره عقيدة الإيمان بالله، ها هو يعرب عن دخيلة نفسه، وما يعانيه من عذاب وشقاء فيقول: =إنني أعلم جيد العلم لماذا كان الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يضحك؛ لأنه هو الذي يعاني أشد العناء، فاضطره ذلك أن يخترع الضحك+.
وهذا الفيلسوف الفرنسي الملحد الوجودي اليهودي =جان بول سارتر+ عندما كفر بالله، واليوم الآخر أصبح ينظر إلى الحياة من منظوره الوجودي، فلا يرى الوجود كله إلا من دوائر القلق، والمتاعب، والغثيان، والآلام.
وكتب في ذلك جملة قصص ومسرحيات ضمنها آراءه الفلسفية الوجودية.
وحين حضره الموت سأله من كان عنده: تُرى إلى أين قادك مذهبك؟ فأجاب في أسىً عميقٍ ملؤه الندم: =إلى هزيمة كاملة+.
أين هؤلاء من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز_رحمه الله تعالى_إذ يقول: =أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر+.
وأين هم من شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله تعالى_عندما اقتيد إلى السجن فقال كلمته المشهورة =ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني؛ أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة+.
33_
التثبت في الأخبار، وعدم التسرع في إطلاق الأحكام: بخلاف الذين يسارعون في إطلاق الأحكام، ويتهافتون على إلصاق التهم بالأبرياء، فَيُفَسِّقُون، ويبدعون، ويكفرون بالتهمة والظنة، من غير ما برهان أو بينة.
34_
حصول البشرى عند الممات: وذلك لإيمانهم بالله، واستقامتهم على أمره، قال_تعالى_:[إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ](فصلت: 30) .
35_
مضاعفة الحسنات، ورفعة الدرجات: فمن أسباب مضاعفة الحسنات، ورفعة الدرجات_بل هو أساسها وأصلها_صحةُ العقيدة، وقوة الإيمان.
وأهل السنة والجماعة أصح الناس عقيدةً، وأقواهم إيماناً؛ ولذلك فأعمالهم تضاعف مضاعفة كبيرة، ودرجاتهم ترفع وتعلو عُلواً لا يدانيه أحد، ولا يشاركهم فيه إلا من كان على مثل ما هم عليه من العقيدة والإيمان.
ولهذا كان السلف يقولون: =أهل السنة والجماعة إن قعدت بهم أعمالهم_قامت بهم عقائدهم، وأهل البدع إن كثرت أعمالهم قعدت بهم عقائدهم+.
هذه مآثر أهل السنة والجماعة، وهذه بعض خصائصهم التي تميزوا بها على غيرهم، وتلك هي الخصال التي طبقها سلفنا الصالح_رحمهم الله ورضي عنهم_فنالوا الخيرات، وحصلوا على البركات.
وليس معنى ذلك أن أهل السنة معصومون؟ لا، بل إن منهجهم هو المعصوم، وجماعتهم هي المعصومة.
أما آحادهم فقد يقع منه الظلم والبغي، والعدوان، وارتكاب المخالفات.
ولكن ذلك قليل بالنسبة إلى غيرهم، ولا يُقَرُّ من فعل ذلك منهم، بل يبتعد عن السنة بقدر مخالفته.
ثم إن ما عند أهل السنة من مخالفات وأخطاء فعند غيرهم أكثر مما عندهم، وما عند غيرهم من فضل وعلم وكمال فعند أهل السنة أكمله وأتمه.
فما أجدرنا_معاشر المسلمين_أن نأخذ بمنهج أهل السنة، وأن نوطن أنفسنا على ذلك، وما أحرانا_نحن أهل السنة_أن نقوم بالسنة حق القيام، وأن نقتدي بسلفنا الصالح في كل أمورنا؛ لنرضي ربنا_جل وعلا_ولنعطي صورة مشرقة عن الإسلام الصحيح النقي؛ ليقبل الناس عليه، ويحرصوا على الدخول فيه، ولئلا نصبح فتنة لغيرنا من الكفار والمبتدعة، فإذا رأوا ما عليه بعض أهل السنة من بعد عن المنهج_قالوا: إذا كان خاصة المؤمنين بهذه المثابة فلا لوم علينا ولا تثريب، وبذلك تندرس معالم الحق، وتنطمس أنوار الهدى.
وأخيراً: نحمد الله أن جعلنا من أهل السنة، ونسأله أن يتم علينا النعمة والمنة، وأن يرزقنا لزوم السنة، والعمل بالسنة، وأن يتوفانا على السنة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.