المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لم تطبق الأمة على هجر الكتاب والسنة - رسالة في التعصب المذهبي - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٩

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌لم تطبق الأمة على هجر الكتاب والسنة

وأصحابُ أصحابهم، ثم أخذت الهممُ تضعف والعلماء يقلُّون وأسباب الهوى تشرى، فنشأ التقيُّد بالمذاهب، ثم استحكم وصار المتفقِّهة يتنافسون؛ كلٌّ يحاول الزيادة في أتباع مذهبه، وأوقع ذلك في إحَن ومِحَن وفتن معروفة.

وأخذ متفقّهة كل مذهب يحاولون أن يجعلوه كافيًا بأن يُوجدوا فيه أحكامًا للفروع الكثيرة التي لم يذكرها الإمام، فأخذوا في الاجتهاد جاعلين أقوال الإمام أصولًا يُلحقون بها ما لم يذكره بالمقايسة والتشبيه والرأي المحض مع التفنُّن في فَرْض صور نادرة بل مستحيلةٍ.

ثم تتَّخذ الطبقة الثانية أقوال مَن قبلها أصولًا يُلحقون بها ما لم يُذكر من الفروع، وهلمَّ جرًّا.

حتى في عصرنا هذا ــ رغمًا عن تضخُّم المذهب ــ فما أكثر الوقائع التي تقع فلا يجدها المتفقِّه في كتب مذهبه، فيشمِّر للاجتهاد متَّخذًا أقوال من قبله ــ ولو عن قربٍ ــ أصولًا [ص 3] يستنبط منها ويقيس ويشبِّه ويتكلَّف. ومن شأن تلك الاجتهادات أن تؤدِّي كثيرًا إلى ما يخالف نصوص الشرع ومقاصده، وإلى ما يخالف كلام الأئمة وقدماء أصحابهم، وهذا هو الواقع.

فأما كثرة الاختلاف في كل مذهب وتعارض التصحيح والترجيح فحدِّثْ عنه ولا حرج، وإن حاول المتأخرون التخفيف من ذلك! ومع هذا كله، ف‌

‌لم تُطبِق الأمة على هجر الكتاب والسنة

، بل بقي النظر في التفسير وجمع السنة وترتيبها والكلام في الروايات وجمع الأدلة واستنباطها من الكتاب والسنة مستمرًّا وإن تفاوتت المقاصد؛ فمِنْ عالم مستقلٍّ وإن انتسب إلى مذهب فنسبة اسمية فقط، وثانٍ منتسب ملتزم، غير أنه إذا بان له في مسألة رجحانُ خلاف مذهبه دليلًا أخذ بالدليل، وثالث متقيد بمذهب لا يستطيع التخلُّص من شيء منه. والملتزمون كثيرون، ولا يكاد يخلو واحد منهم عن الرغبة في الانتصار

ص: 317

للمذهب، ولكنهم متفاوتون في هذه الرغبة وفي مراتبها، وبحسب التفاوت في ذلك يكون التفاوت في إنصاف الأدلة والحَيْف عليها.

[ص 4] وأما المتقيِّد فقد أعلن عن نفسه بأنه "محامي"

(1)

. وقد كان عمل المحامي الألدِّ قاصرًا على ما ذكره إياس بن معاوية، عن صالح السدوسي أنه يقول لموكله:"اجحدْ ما عليك، وادَّعِ ما ليس لك، واستشهد الغُيَّب"

(2)

. فزاد بعد ذلك باستشهاد شهود الزور ومحاولة جرح شهود المخالف العدول؛ وقع هذا وأكثر منه من هؤلاء المحامين عن المذاهب.

نعم، إنهم متفاوتون ولكن أحسَبُهم

(3)

إلى أصحاب مذهبه أَلَدُّهم وأَلَجُّهم؛ يُطرونه بقوة العارضة، والصلابة في المذهب، وشدّة الوطأة على المخالفين، مع أنهم يرمون من خالفهم ــ وإن كان مستقلًّا أو ملتزمًا غير متقيِّد ــ بالتعصب واتباع الهوى والتعامي عن الحق وأشباه ذلك.

ومَن وطَّن نفسه على الإنصاف وتحرِّي الحقِّ على كل حال، عَلِمَ ــ وإن كان متقيِّدًا ــ بأن الملتزمين والمتقيدين من علماء مذهبه كغيرهم في أنه يقع منهم في كثير من المواطن ميلٌ عن الإنصاف وحيف على الأدلة؛ يوقعهم في ذلك حرصُهم على الانتصار للمذهب. وإذ كان كل مذهب من المذاهب غيرَ معصوم، فلا بُدَّ أن يكون وقع في كل منها فروع مخالفة للحق، يقع محاولُ الانتصار لها في الميل والحيف ولا بد

(4)

.

(1)

كذا في الأصل بإثبات الياء، وهو جائز في الوقف.

(2)

انظر "أخبار القضاة"(1/ 350) و"تاريخ بغداد"(6/ 12).

(3)

كذا في الأصل، وله وجه. ويمكن أن يُقرأ "أحسنهم" بالنون.

(4)

هنا ينتهي ما وجد من كلام الشيخ بخطه.

ص: 318