المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رفع الاشتباه عن عبارة الأشباه للعلامة خاتمة المحققين عين الأشراف المنتسبين مولانا - رفع الاشتباه عن عبارة الأشباه - ط إسطنبول

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

رفع الاشتباه عن عبارة الأشباه

للعلامة خاتمة المحققين

عين الأشراف المنتسبين مولانا السيد محمد

عابدين عليه رحمة رب

العالمين

ص: 305

الرسالة الرابعة عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله على ما انعم به وأولاه. واشكره على ما من به واعطاه. واصلى واسلم على نبيه ومصطفاه. وعلى اصحابه العادمين النظائر والاشباه وعلى آله واتباعه ومن والاه (وبعد) فيقول العبد الفقير. والمذنب الحقير المفتقر. الى رحمة رب العالمين. محمد امين بن عمر الشهير بابن عابدين. محا الله ذنوبه. وملأ من الغفران ذنوبه. آمين. هذه رسالة عملتها على عبارة وقعت في كتاب الاشباه والنظائر * موهمة خلاف المراد للمتأمل الناظر. وذلك برسم شيخى حفظ الله تعالى وجوده واوفر خيره وجوده * حين سئل عنها فى شعبان من سنة الف وماتين وثمانية عشر. من هجرة خير البشر. صلى الله تعالى عليه وسلم فامرنى ان احر رهنا ما تيسر جمعه من كلام من كتب على ذلك الكتاب ومن كلام غيرهم على وجه الصواب * فامتثلت امره حين لم يسعنى الهرب. ولعلمى بان الامتثال خير من الادب * والله العظيم اسال وبنبيه اتوسل * ان يجعلها خالصة لوجهه الكريم * موجبة للفوز العظيم * انه على ذلك قدير * وبالاجابة جدير (وسميتها) رفع الاشتباه. عن عبارة الاشباه * ورتبتها على مقصد وخاتمة * فالمقصد في بيان تلك العبارة وتنقيتها * والخاتمة فى بيان اشياء تتوقف على معرفتها * فابتدئ واقول * وعلى الله نيل المسؤل (المقصد) قال الامام العلامه * والحبر البحر الفهامه * افضل المتأخرين * نخبة العلماء الراسخين * الامام زين الدين بن نجيم رحمه الله تعالى في كتابه الاشباه والنظائر فى اخر باب المرتد * ولو قال لم يعصوا اى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حال النبوة ولا قبلها كفر لانه رد النصوص انتهى قال العلامة مفتى الثقلين خير الدين الرملى رحمه الله تعالى في حاشيته على هذا الكتاب ولقد سئلت عن مسئلة من قال لم يعصوا حال النبوة ولا قبلها كفر لانه رد النصوص فقيل لى يلزم من ذلك كفر من يقول لم يعصوا او كفر من يقول عصوا فاجبت بان مرادهم يكفر من قال لم يعصوا المعصية الثابتة بقوله تعالى (وعصى ادم ربه) لانه تكذيب للنص ويكفر من اراد بالمعصية الكبيرة تامل والله تعالى اعلم انتهى * ورد هذا الجواب العلامة السيد احمد الحموى فى حاشيته واجاب بغيره فقال قوله ولو قال لم يعصوا حال النبوة الخ اقول هذا مشكل بما ذهب اليه القاضي عياض وغيره

ص: 306

من أنهم معصومون عن الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها عمدا او سهوا والنصوص الدالة على ذلك مذكورة في علم الكلام * واجيب يحمل القول بكفره على ما اذا كان القائل من العوام الذين لا يعرفون الا ظواهر النصوص واما اذا كان يعلم انها مؤولة وليس ظواهرها بمرادة فلا يكفر انتهى * اقول فيه نظر لان الفتوى انه يعذر بالجهل في باب المكفرات * والله الهادى الى سبيل الخيرات * واجاب بعضهم

(1)

بما يؤول الى هذا الجواب مع قصور فقال مرادهم بقولهم يكفر من قال لم يعصوا المعصية الثابتة بقوله تعالى (وعصى ادم ربه) لانه تكذيب للنص ويكفر من اراد بالمعصية الكبيرة اهـ * واقول انما يكون تكذيبا للنص اذا كان القائل من العوام الذين لا يعرفون الا ظواهر النصوص وقد قدمنا ان الجهل عذر في باب المكفرات على ما عليه الفتوى * والله يعلم السر والنجوى * فلم يتم الجواب * والله الهادى للصواب * والذى قام فى نفسى وادى اليه حدسى * ان هذا الفرع دخيل على اهل المذهب * اذ لا يظن ان احدا منهم اليه يذهب * وقد يقال ان الميم سقطت من ثنايا الاقلام * فاوجبت فساد الكلام * فان الاصل كان ولو قال الأنبياء لم يعصموا حال النبوة وقبلها كفر لانه رد النصوص والمراد بالنصوص حينئذ الادلة الدالة على عصمتهم المذكورة في علم الكلام والله الهادى الى بلوغ المرام انتهى كلام السيد الحموى رحمه الله تعالى واقول وبالله التوفيق وبيده سبحانه ازمة التحقيق * اما ما اجاب به الشيخ خير الدين الرملي رحمه الله تعالى فيمكن ان يجاب عنه بأن المص رحمه الله تعالى بني هذا الفرع على خلاف المفتى به من انه لا يعذر بالجهل في باب المكفرات فح يتم هذا الجواب * وقوله في اخر عبارته ويكفر من اراد بالمعصية الكبيرة اى بان قال ان المعصية التي صدرت من آدم كبيرة فانه يكفر لأنه قد خالف الاجماع وهو ان الانبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر بعد الوحى والاتصاف بالنبوة واما الجواب الاول الذى اختاره العلامة الحموى من ان هذا الفرع دخيل على اهل المذهب فلا يخلو عن بعد اذ قد نقله المصه ايضا فى البحر ونقله فى الحاوى الزاهدى كما قاله العلامة الرملى ونقله فى الفنية ايضا عن جمع العلوم فقد تعدد النقل الا ان يقال انه دخيل على صاحب جمع العلوم وتابعه الزاهدى وتابعه المصه هنا وفي البحر * واما الجواب الثانى وهوان اصل الكلام لم يعصموا فغير صحيح على اطلاقه اذ يمكن ان يحمل كلام القائل على أنهم لم يعصموا من الصغائر الا ان يصرح بان مراده من الكبائر

(1)

هو العلامة خير الدين الرملي منه.

ص: 307

او كان ذلك القائل ممن يعتقد ان كل معصية كفر فح يكفر بلاشك ولا ارتياب لانه نسبهم عليهم الصلاة والسلام الى شئ هم مبرؤن عنه باجماع اهل الاسلام (فالحاصل) ان احسن ما يجاب به عن هذه العبارة هو الجواب الأول من هذين الجوابين وهو انه دخيل على اهل المذهب فتامل ذلك واياك ان تظن ان ظاهر هذا الفرع صحيح فضلا عن ان يكون معتمدا فى المذهب واما الجواب الثاني والجواب الذى اجاب به خير الدين فلا * كيف وقد نصوا على انه اذا كان في المسئلة وجه في عدم التكفير لا يفتى بالتكفير ولو كان ذلك الوجه ضعيفا وقد نقله المصه نفسه في البحر * قال العلامة خير الدين الرملى وفى البحر للمصه الذى تحررانه لا يفتى بتكفير مسلم امكن حمل كلامه على محمل حسن او كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفه فعلى هذا فاكثر الفاظ التكفير المذكوره لا يفتى بالتكفير بها وقد الزمت نفسى ان لا افتى بشئ منها انتهى * فانظر كلامه * وتامل مرامه * يظهر لك ان ذكر هذا الفرع سهو من القلم * وذهول منه عما رقم * فجل من لا تاخذه سنة ولا نوم مع ان القول بعصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام مما يجب اعتقاده على كل مسلم ركب جواد الانصاف * وعقر مطية الميل والاعتساف * لكن على البيان الآتي من اوجه الاختلاف * والاذعان الى القول المختار منها والاعتراف * الذي رجحه الأئمة الاعلام * والجهابذة العظام فقد نقل السيد احد الحموى رحمه الله تعالى في رسالة له سماها اتحاف الاذكياء بتحقيق عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام ما نصه وفي شرح العمدة للامام حافظ الدين النسفى الحنفى رحمه الله تعالى ان النبي لابد وان يكون معصوما فى اقواله وأفعاله عما يشينه ويسقط قدره وان جرى عليه شيء ينبهه ربه ولا يهمله والعصمة هى الحفظ بالمنع والامساك عن الكفر بالله تعالى خلافا للفضلية من الخوارج حيث جوزوا منهم الكفر بناء على اصلهم ان كل معصية كفر وعن المعاصى بعد الوحى خلافا للحشوية واما تشبثهم يعنى الحشوية بقصة ادم وابراهيم ويوسف وداود وموسى ويونس ولوط وسليمان صلوات الله تعالى وسلامه عليهم اجمعين فقد ذكرنا في مدارك التنزيل وجهها انتهى * وفي الرسالة القشيريه في باب الكرامات ويجب القول بعصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام قال شيخ الاسلام في شرحها حتى لا يقع منهم كبيرة اجماعا ولا صغيرة على الاصح وما قيل في حقهم مما يخالف هذا كقوله تعالى وعصى ادم ربه فغوى يؤول عصى يخالف وغوى يتغير حاله عما كان عليه انتهى * الى هنا كلام الحموي رحمه الله تعالى فانظر كيف قال امام مذهب الحنفية رحمه الله تعالى وكيف عبر بقوله لابد الدال على

ص: 308

التحتم والوجوب وكذلك قول الامام القشيرى وشيخ الاسلام رحمهما الله تعالى وسيأتي في الخاتمة زيادة ايضاح لهذا ان شاء الله تعالى ونقل ايضا عن القرطبي انه لا يقال عصى ادم ربه الا فى القرآن وقال سيدى عبد الوهاب الشعراني في كتابه لطائف المنن في اواخر الباب السابع وقد حرم المحققون على الواعظ ذكر شيء من مسمى معصية للأنبياء عليهم الصلاة والسلام لان ذنوب الانبياء انما هي بالنظر لمقامهم كوقوعهم في خلاف الاولى او المباح مثلا فيسمى مثل ذلك معصية وليس المراد بمعاصيهم ارتكابهم شيئا من المحرمات لانهم لو ارتكبوه لم يكونوا معصومين وقد ثبتت عصمتهم انتهى فاعلم ذلك * وقال الحموي رحمه الله تعالى في رسالته المذكورة ايضا بعدما تعرض لهذا الفرع ونقله عن صاحب القنية * وما قيل ان هذا الفرع مبنى على مذهب المعتزلة القائلين بجواز وقوع المعصية من الانبياء عليهم الصلاة والسلام وصاحب القنية معتزلى هو باطل من وجهين * احدهما انه ناقل للفرع المذكور لا مخرج له * وثانيهما ان المعتزلة لا يجوزون وقوع المعصية من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولو صغيرة واختلفوا فى الصغيرة سهوا وقد بالغ صاحب الكشاف في سورة يوسف عليه السلام في الرد على الحشوية وغيرهم قالوا وانما بالغ فى الرد عليهم لانه معتزلى ومن قواعدهم التحسين والتقبيح وصدور الصفائر من النبي قبيح عندهم عقلا وعندنا جائز لولا ان الشرع اخبر بعدم وقوع ذلك انتهى كلامه رحمه الله تعالى * ثم قال بعده وقد نقل صاحب القنية هذا الفرع عن جمع العلوم وما كان يجوز له نقله وليته اخلى كتابه عنه * هذا وقد قال السرى عبد البر ابن الشحنه في شرح الوهبانيه ان ما ينفرد بنفله صاحب القنية لا يلتفت اليه * ولا يعول عليه * ولأكاد اقضى العجب من سيد فضلاء المتأخرين العلامة زين الدين بن نجيم حيث نقل هذا الفرع في كل من كتابيه البحر والأشباه والنظائر ولم ينبه عليه * ولم يشر باكف الرد اليه * مع تيقظه وتثبته انتهى * فتح ظهر الحال * واتضح الجواب عن هذا السؤال * والله سبحانه وتعالى اعلم (الخاتمة) في ذكر اشياء تتوقف معرفة هذه المسئلة * عليها من بيان الاقوال المختلفة في عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام وبيان المعتمد منها وبيان تفسير بعض ايات وردت في كتاب رب العباد * يتبادر منها الى الفهم خلاف المراد * من انه صدر منهم عليهم الصلاة والسلام بعض مخالفات والحال انهم عليهم الصلاة والسلام مبرؤن عن جميع الزلات * فاقول وبالله التوفيق * وهو الهادى الى سواء الطريق (اعلم) ان الاقوال قد اختلفت في عصمة الانبياء

ص: 309

عليهم الصلاة والسلام من الكبائر او الصغائر عمدا او سهوا والكلام الآن في موضعين احدهما في العصمة قبل النبوة والثاني بعدها (أما حكمهم) قبل النبوة فهم معصومون من الكفر بالاجماع * واما غيره فنقل عن اكثر الاشاعرة وطائفة من المعتزلة انه لا يمتنع عقلا على الانبياء عليهم الصلاة والسلام قبل البعثة معصية كبيرة كانت او صغيرة * وذهب بعض الاشاعرة الى انه يمتنع ذلك وهو مختار القاضي عياض لأن المعادى انما تكون بعد تقرير الشرع اذ لا يعلم كون الفعل معصية الا من الشرع * وذهب الروافض واكثر المعتزلة الى امتناع ذلك كله منهم عقلا وهذا مبنى منهم على التقبيح العقلى لانها تؤدى الى النفرة عن اتباعهم وهو خلاف ما اقتضت الحكمة من بعثهم عليهم الصلاة والسلام * نعم لو استدل على عصمتهم من وقوع شيء من ذلك منهم عليهم الصلاة والسلام قبل النبوة بعدم النقل بانه لم ينقل الينا شيء من ذلك مع اعتناء الناس في البحث عن احوالهم والنقل لافعالهم ولو وقع شيء من ذلك لبرزوا به يوما ما عند ما سمع منهم بعد النبوة المنهى عنه لكان

(1)

سديدا كذا قال السنوسى رحمه الله تعالى * واقول لعل فيما ذكره بحثا لان المعتزلة والروافض انما منعوا بالعقل جواز وقوع المعصية منهم عليهم الصلاة والسلام وما استدل به السنوسى رحمه الله تعالى من عدم النقل انما هو فى الوقوع نفسه وليس الكلام فيه فليتأمل ومنهم من منع كل ما ينفر الطبائع عن متابعتهم وان لم يكن ذنبا لهم كعهر الامهات وكونهن زانيات وفجور الآباء والصغائر الخسيسة دون غيرها من الصغائر ومشى عليه السعد (واما حكمهم) بعد النبوة فقد وقع الاجماع ايضا على عصمتهم عليهم الصلاة والسلام من الكفر وكذلك اجموا على عصمتهم من تعمد الكذب فى الاحكام لان المعجزة دلت على صدقهم فيما يبلغونه عن الله سبحانه وتعالى فلو جاز تعمد الكذب عليهم عليهم الصلاة والسلام لبطلت دلالة المعجزة على الصدق واما بيان صدوره منهم عليهم الصلاة والسلام فى الاحكام غلطا او نسيانا فمنعه الاستاذ وطائفة كثيرة من الاشاعرة لما فيه من مناقضة دلالة المعجزة القاطعة وجوزه القاضى وقل انما دلت على صدقهم فيما يصدر عنهم قصدا واعتقادا وقال القاضي عياض لا خلاف في امتناعه سهوا وغلطا واما غير الكذب المذكور من المعاصى القولية والفعلية فالاجماع على عصمتهم من تعمد الكبائر والصغائر الدالة على الخسة خلافا للحشوية فانهم جوزوا على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تعمد الكبائر واما اتيان ذلك نسيانا او غلظا فقد اتفقوا

(1)

جواب لو في قوله لو استدل منه.

ص: 310

على امتناعه. واما الصغائر التي لا تدل على الخسة فجوزها عمدا وسهوا الاكثرون ومنعه طائفة من المحققين من الفقهاء والمتكلمين عمدا وسهوا قالوا لاختلاف الناس فى الصغائر فإن جماعة ذهبوا الى انها كفر ولان الله تعالى امر باتباعهم فلو جاز وقوعها منهم للزمنا اتباعهم بها والله سبحانه وتعالى لا يامر بالفحشاء * وبهذا التعليل يعرف عدم جواز وقوع المكروه منهم. وذهبت اخرى الى الوقف في صدور الصغائر منهم وقالوا العقل لا يحيل وقوعها منهم ولم يأت في الشرع قاطع باحد الوجهين. قال بعض ويجب على جميع الاقوال ان لا يختلف في انهم معصومون عن تكرار الصغائر وكثرتها بحيث تصل الى حد لحوقها بالكبائر كما ان محل الخلاف غير صغيرة ادت الى ازالة الحشمة واسقاط المروة او دلت على الخسة والذي ينبغى ان يرجح. ويعتمد ويصحح * ما ذهب اليه القاضي عياض وغيره من انهم معصومون عن الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها عمدا او سهوا هذا خلاصة ما ذكره السنوسى في شرحه على الجزائرية والشيخ ابراهيم اللقانى فى كتابه اتحاف المريد والله تعالى اعلم (واما) ما ورد فى الكتاب العزيز مما يوهم ظاهره خلاف هذا فمؤول من ذلك قوله تعالى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} فان ظاهره يقتضى عظم زلته * وكبر خطيئته حيث وصفه تعالى بالعصيان والغوايه * الذى هو ضد بالطاعة والهدايه فليس مرادا منه ظاهره بل هو تعظيم للزلة وزجر بليغ لاولاده عنها بدليل قوله تعالى قبله {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} فقد اخبر تعالى بانه نسى العهد وهو امره تعالى له بان لا يقرب الشجرة ومن معلوم ان النسيان لا مؤاخذة عليه ولا عذاب. ولا توبيخ ولاعتاب بدليل الحديث الوارد عن سيد الاحباب. صلى الله تعالى عليه وسلم وانما نسب اليه العصيان حيث لم يتثبت على ما امر به ولم يتصلب عليه حتى وجد الشيطان الفرصة فوسوس اليه. قال تعالى {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} اى تثبتا وتصميما على الأمر فعاقبه الله تعالى على ترك ذلك وان كان بالنسبة الينا ليس بمعصية توجب مثل هذا الجزاء فهو من باب حسنات الابرار سيئات المقربين واذا كان الأولياء العارفون يؤاخدون على كل شئ حتى لو غفلوا لحظة عن المراقبة والمشاهدة او غيرها يعاتبون على ذلك ويؤاخذون ما بالك بالانبياء عليهم الصلاة والسلام قال فى الكشاف في تفسير هذه الاية فان قلت ما المراد بالنسيان. قلت يجوز ان يراد النسيان الذي هو نقيض الذكر وانه لم يعن بالوصية العناية الصادقة ولم يستوثق منها بعقد القلب عليها وضبط النفس حتى تولد من ذلك النسيان * وان يراد الترك وانه ترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة واكل ثمرتها وقرئ

ص: 311

فنسي اي نساه الشيطان * والعزم التصميم والمضى على ترك الاكل وان يتصلب في ذلك تصلبا يوئس الشيطان من التسويل له انتهى * وتابعه القاضي البيضاوي في تقرير الاحتمالين. لكن يؤيد الاحتمال الاول ويقويه القرأة الثانية فح يتأيد ما قلنا فتأمل (ومن) ذلك قوله تعالى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} فان طاهره ايضا موهم وليس بمراد بل هو استفسار عن العلة وقدم قوله عفا الله عنك لئلا يوهم التوبيخ * كما قال العارف الربانى سيدى عبد الوهاب الشعراني في كتابه الجواهر والدرر نقلا عن الشيخ الأكبر قدس سره فانه قال فيه قلت لشيخنا يعنى الشيخ على الخواص رضى الله تعالى عنه رايت فى كلام الشيخ محيى الدين رحمه الله تعالى في قوله تعالى عفا الله عنك لم اذنت لهم كلاما حسنا فقال اذكره فقلت له قال انما قدم الله تعالى العفو ليعلمنا ان قوله تعالى لم اذنت لهم سؤال عن العلة لا سؤال توبيح فان العفو والتوبيخ لا يجتمعان فمن وبخ فما عفا مطلقا اذ التوبيخ مؤاخذة بلاشك فما قدم تعالى العفو وجاء به ابتداء الا ليزيل ما فى الاوهام من ان المراد به التوبيخ كما فهمه بعض من لا علم عنده بحقائق الخطاب وقوله تعالى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} فاما ان يقول عند ذلك نعم او يقول لا انتهى فما تقول في هذا الكلام فقال رضى الله تعالى عنه كلام فى غاية التحقيق فاعلم ذلك انتهى (ومن ذلك) قوله تعالى {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} قال القاضى فى تفسير هذه الاية ان المراد بهمه ميل الطبع ومنازعة الشهوة لا القصد الاختيارى وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والاجر الجزيل لمن يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم او مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم اخف الله انتهى * لكن يؤيد الاحتمال الاول ما ورد عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام لما قال ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب قال له جبريل عليه الصلاة والسلام ولا حين هممت فقال ان النفس لامارة بالسوء اى من حيث انها بالطبع مائلة إلى الشهوات ذكره القاضى ايضا فعلم ان ذلك الهم ليس بمعصية وأنه عليه الصلاة والسلام مبرء منها لوصفه له تعالى بالاخلاص في قوله تعالى (انه من عبادنا المخلصين ولو كان ذلك الهم معصية لحصلت المنافات ولما كان من المخلصين لان المذنب قد اغواه الشيطان والمخلص ليس كذلك لقوله تعالى حكاية عن ابليس {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} واللازم منتف بالاجماع * فظهر مما ذكرنا أن الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام لم تقع منهم معصية قط لا قبل النبوة ولا بعدها وان ساحتهم منزهة عنها كيف ولو صدر منهم ذلك للزم استحقاقهم العذاب واللعن واللوم والدم لدخولهم تحت قوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

ص: 312

وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} وقوله تعالى {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وقوله تعالى {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وقوله تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} وكل ذلك منتف باجماع الثقات * لكونه من اعظم المنفرات * وعلم ايضا ان هذه الاختلافات المارة انما هي في جواز الوقوع وعدمه لا فى الوقوع نفسه فتامل. فاتضح ح ان القول الصريح * والوجه الصحيح * ان شاء الله تعالى تنزههم عن كل عيب * وعصمتهم عن كل ما يوجب الريب * فهو الذى ليس عنه اعتياض * كما ذهب اليه القاضي عياض والاستاذ ابو اسحق الاسفراينى وابو الفتح الشهرستاني والامام السبكى رحمهم الله تعالى لأنهم اكرم على الله سبحانه وتعالى من ان تصدر منهم صورة ذنب وقد عزى هذا الراى ابن برهان لاتفاق المحققين قاله الشيخ ابراهيم اللقاني في اتحاف المريد فهذا الذي يعتقد * ولا ينبغى ان يجحد * وتحصل به السلامة دينا ودنيا * وتنال به المراتب العليا * ويبلغ معتقده به المرام ويحصل له ان شاء الله تعالى حسن الختام * وصلى الله تعالى على سيدنا محمد خير الانام * وعلى اله واصحابه السادة الاعلام * ماكر عسكر الصبح عسكر الظلام * أو ما تحلى جيد القراطيس بفرائد الكلام * صلاة وسلاما متلازمين في كل وقت وحين * دائمين مدى الاوقات الى يوم الدين امين * إلى هنا انتهى اخر الكلام ووقفت بناء مطية الاقلام * وخلعت برودها السود * ورفعت رؤسها من الركوع والسجود * وذلك ليلة النصف من شهر رمضان المكرم من سنة ثمانية عشر ومائتين والف * من هجرة من له العز والشرف * صلى الله تعالى عليه وسلم * ما همى الغمام * ونفح البشام * والحمد لله ختام * على يد جامعها محمد امين بن عمر عابد بن غفر الله تعالى له ولوالديه والمشايخه وللمسلمين اجمعين

ص: 313