الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
امرأة وحكم اللواطة التعزير والحبس في السجن حتى يتوب وعندهما يحد حد الزنى فيجلد ان لم يكن محصنا ويرجم ان كان محصنا وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ من الأعمال الصالحة ما يكون الثواب الموعود له ذخيرة محفوظة لكم عند الله ليوم احتياجكم اليه ولا تكونوا في قربانهن على قيد قضاء الشهوة بل كونوا في قيد تقديم الطاعة مع ملاحظة الحكم المقصود من شرع النكاح وهو
فصل للولد وَاتَّقُوا اللَّهَ بالاجتناب عن معاصيه التي من جملتها ما عد من الأمور وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ
الهاء راجع الى الله تعالى فلا بد من حذف مضاف اى ملاقوا جزائه فتزودوا ما لا تفضحون به وَبَشِّرِ يا محمد الْمُؤْمِنِينَ الذين تلقوا ما خوطبوا به من الأوامر والنواهي بحسن القبول والامتثال بما يقصر عنه البيان من الكرامة والنعيم المقيم
در أمان خانه ايمان بنشين ايمن باش
…
كرامان بايدت البته مرو زين مأمن
فالعلامة في ذلك ان الذي يكون إيمانه عطاء يمنعه إيمانه من الذنوب ويرغبه في الطاعات والذي هو عارية لا يمنعه من الذنوب ولا يرغبه في الطاعات اى لا يحثه على الطاعات لانه لا تدبير له في مكان هو فيه عارية اى لا يسققر الايمان في مكان هو فيه عارية وفي قوله تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ اشارة الى ان على المرء ان يتذكر مرجعه ومصيره ويتدارك ما ينتفع به في معاده من الأعمال الصالحة واقل المرتبة العمل للآخرة. واما أعلى المراتب وأفضل المقاصد والمطالب فالله تعالى كما قال تعالى قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ وذلك لان العمل لله تعالى لا لطلب الجنة ولا لخوف النار وفي التأويلات النجمية كما ان للنساء محيضا في الظاهر وهو سبب نقصان ايمانهن لمنعهن عن الصلاة والصوم فكذلك للرجال محيض في الباطن هو سبب نقصان ايمانهم لمنعهم عن حقيقة الصلاة وهي المناجاة وعن حقيقة الصوم وهي الإمساك عن مشتهيات النفس وكما ان المحيض هو سيلان الدم من الفرج فكذلك الهوى هو غلبات دواعى الصفات البشرية والحاجات الانسانية فكلما غلب الهوى تكدر الصفا وحصل الأذى وقد قيل قطرة من الهوى تكدر بحرا من الصفا فحينئذ منعت النفس عن الصلاة والصوم في الحقيقة وان كانت مشغولة بهما. وطبقات المؤمنين ثلاث العوام والخواص وخاص الخاص. اما العوام فلما كانوا اهل الغيبة عن الحقيقة أبيح لهم السكون الى اشكالهم إذا كان على وصف الاذن وقيل لهم نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ انى شئتم واما الخواص فلما كانوا بوصف الحضور يلزم عليهم المساكنة الى أمثالهم وقيل لهم قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فهم سلكوا مسالك التفريد حتى وصلوا الى كعبة التوحيد. واما خاص الخاص فهم الرجال البالغون الواصلون الى عالم الحقيقة المتصرفون فيما سوى الله بخلافة الحق فهم رجال الله وما دون الله نساؤهم فقيل لهم نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ فهم الأنبياء وخواص الأولياء فكما ان الدنيا مزرعة الآخرة لقوم فالدنيا والآخرة مزرعتهم ومحرثهم يحرثون فيها انى شاؤا وكيف شاؤا وما يشاؤن الا ان يشاء الله فقد فنيت مشيئتهم في مشيئة الله وبقيت قدرة تصرفهم بتقويته فيقدمون لانفسهم لا بانفسهم بل هو المقدم لما يقدمون وهو المؤخر لما يؤخرون ثم قال وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ يعنى يا خواص الأولياء المتصرفين في حرث الدنيا والآخرة اتقوا الله بالله فانكم ملاقوا الله لا يحجبكم عنه شىء وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بأنهم ملاقوا الله ايضا ان اتقوا الله بالله يعنى مرتبة خواص
الأولياء ميسرة للمؤمنين إذا سعوا في طلبها حق سعيها: قال الحافظ
جمال يار ندارد نقاب و پرده ولى
…
غبار ره بنشان تا نظر توانى كرد
وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ روى ان بشير ابن نعمان الأنصاري كان قد طلق زوجته التي هي اخت عبد الله بن رواحة وأراد ان يتزوجها بعد ذلك وكان عبد الله قد حلف على ان لا يدخل على بشير ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين أخته فاذا قيل له في ذلك قال قد حلفت بالله ان لا افعل ولا يحل لى الا ان لا احفظ يمينى وابر فيه فانزل الله تعالى هذه الآية. والعرضة فعلة بمعنى المعروض جعل اسما لما يعرض دون الشيء اى يجعل قدامه بحيث يصير حاجزا ومانعا منه من عرض العود على الإناء اى جعل العود على الإناء وستره به بحيث يكون حاجزا وحائلا بين الإناء وما يتوجه اليه والمغني لا تجعلوا ذكر الله والحلف به مانعا لما حلفتم عليه من انواع الخير كالبر والاتقاء والإصلاح فان الحلف بالله لا يمنع ذلك فيكون لفظ الايمان مجازا مرسلا عن الخيرات المحلوف عليها سمى المحلوف عليه يمينا لتعلق اليمين به واللام في لأيمانكم متعلق بقوله عرضة تعلق المفعولية لا تعلق العلية لان العرضة ما عرضته دون الشيء فاعترضه اى ما تجعله أنت قدام شىء آخر فيقع قدامه فيكون المعنى لا تجعلوا الحلف بالله شيأ عرض او وقع قدام المحلوف عليه الذي هو البر والخير ويصير مانعا من الإتيان به وان تبروا عطف بيان لايمانكم اى للامور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح وَاللَّهُ سَمِيعٌ لايمانكم عَلِيمٌ بنياتكم حتى ان تركتم الحلف تعظيما لله وإجلالا له من ان تستشهدوا باسمه الكريم في الأغراض العاجلة يعلم ما في قلوبكم ونيتكم فحافظوا على ما كلفتموه وفي المثنوى
از پى آن گفت حق خود را سميع
…
تا ببندى لب ز گفتار شنيع
از پى آن گفت حق خود را بصير
…
كه بود ديدويت هر دم نذير
از پى آن گفت حق خود را عليم
…
تا نينديشى فسادى تو ز بيم
والآية عامة في كل من كان يحلف بالله ان لا يحسن لاحد ولا يتقى من العصيان فيعمل ما اشتهت نفسه وان لا يصلح بين الناس إذا وقع فيهم العداوة والبغضاء فكانه قال تعالى كل ذلك خير وطاعة لا يمنعها حلفكم فان حلفتم عليها فلتكفروا عن حلفكم ولتفعلوا تلك الخيرات من البر والتقوى والإصلاح بين الناس ولا تقولوا نحن حلفنا بالله فنخاف من اليمين به ان نفعله فنحنث فى يميننا فالحنث اولى من البر فيما يتعلق بالبر والتقوى والإصلاح قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير) والكفارة قبل اليمين غير جائزة وبعد الحنث واجبة اتفاقا. ولا تجوز قبل الحنث بعين اليمين عند اسحق رحمه الله وفي الشرعة ولا يروج سلعته اى متاعه بالحلف لا صادقا ولا كاذبا لانه ان كان كاذبا فقد جاء باليمين الغموس وهي من الكبائر التي تزر الديار بلاقع وان كان صادقا قد جعل الله عرضة لايمانه وأساء فيه إذ الدنيا اخس من ان يقصد ترويجها بذكر الله من غير ضرورة ومن حلف بالله في كل قليل وكثير انطلق لسانه بذلك ولا يبقى اليمين في قلبه فلا يؤمن اقدامه على الايمان
الكاذبة فيختل ما هو الغرض الأصلي من اليمين وفي الخبر ويل للتاجر من بلى والله ولا والله وفي بستان العارفين ويكره ان يصل على النبي عليه السلام في عرص السلعة فيقول صلى الله على محمد ما أجود هذا وقال عليه السلام (التجار هم الفجار) قيل ولم يا رسول الله وقد أحل الله البيع فقال (لانهم يحلفون ويأثمون ويتحدثون فيكذبون) ولا يحلف على الله بشئ نحوان يقول والله ليفعلن الله كذا ولو اقسم ولى الله مثل القسم المذكور لابره الله وصدقه في يمينه كرامة له وكان ابو حفص رحمه الله يمشى ذات يوم فاستقبله رستاقى مدهوش فقال له ابو حفص ما أصابك قال ضل حمارى ولا املك غيره فوقف ابو حفص وقال وعزتك لا اخطو خطوة ما لم ترد حماره فظهر الحمار في الوقت كذا في شرح المشارق لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ اللغو ما سقط من الكلام عن درجة الاعتبار يقال لغا لغوا إذا قال باطلا فِي أَيْمانِكُمْ جمع يمين وهو الحلف وسميت بها لمعنيين. أحدهما انها من اليمين التي هي اليد اليمنى وكانوا إذا تحالفوا في العهود تصافحوا بالايمان فسميت بذلك. والثاني ان اليمين هي القوة قال تعالى لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ وسميت به لان الحالف يتقوى بيمينه على حفظ ما حلف عليه من فعل او ترك والمراد باللغو في الايمان ما لا عقد معه ولا قصد وهو ان يحلف الرجل بالله على شىء يظن انه صادق فيه وليس كذلك سواء كان الذي يحلف عليه ماضيا او غيره فليس له اثم ولا كفارة هذا عند ابى حنيفة واما عند الشافعي فلغوا ليمين ما سبق اليه اللسان بلا قصد الحلف نحو لا والله وبلى والله مما يوكدون به كلامهم من غير اخطار الحلف بالبال ولو قيل لواحد منهم سمعتك تحلف في المسجد الحرام لانكر ذلك ولعله قال لا والله الف مرة. وفي الآية معنيان أحدهما لا يعاقبكم الله باللغو في ايمانكم ظنا انكم صادقون فيه وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ المؤاخذة مفاعلة من الاخذ وهي المعاقبة هاهنا بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ انطوت عليه واقترفت قلوبكم من قصد الإثم بالكذب في اليمين وهو ان يحلف الرجل على ما يعلم انه خلاف ما يقوله وهي اليمين الغموس وسميت بالغموس لانغماس صاحبها في الإثم بها. وثانيهما لا تلزمكم الكفارة بلغو اليمين الذي لا قصد معه ولكن تلزمكم الكفارة بما نوت قلوبكم وقصدت من اليمين لا بكسب اللسان وحده وفي التيسير ان هذه الآية فى مؤاخذة الآخرة فاما المؤاخذة المذكورة في قوله تعالى وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فهى المؤاخذة بالكفارة لكنها في اليمين المعقودة فالآيتان في مؤاخذتين مختلفتين وَاللَّهُ غَفُورٌ حيث لم يؤاخذكم باللغو مع كونه ناشئا عن قلة المبالاة حَلِيمٌ حيث لم يعجل بالمؤاخذة وفيه إيذان بان المؤاخذة المعاقبة لا إيجاب الكفارة إذ هي التي تتعلق بها المغفرة والحلم دونه والفرق بين الحليم والصبور انه الذي لا يشمئز من الأمر ثم لا يستفزه غضب ولا يعتر به غيظ ولا يحمله على المسارعة الى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش كما قال الله تعالى وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وحظ العبد من وصف الحليم ظاهر فالحلم من محاسن خصال العباد وفي الحديث (ان الرجل المسلم ليدرك بالحلم مرتبة الصائم القائم) : قال الحسين الواعظ الكاشفى
علم با حلم حال روى بود
…
علم بي حلم خاك كوى بود
بردبارى چوزينت خردست
…
هر كرا حلم نيست زيور نيست
ثم انه قال قال العلماء إذا حلف بشئ فحنث ان كان مستقبلا فعليه كفارة وهو اليمين المنعقدة وان كان ماضيا فان كان الحالف عالما بالواقع وحلف على خلافه فاليمين كبيرة ولا كفارة عند ابى حنيفة في الكبائر وعند الشافعي تجب الكفارة فيه وهو اليمين الغموس وان كان الحالف جاهلا بالواقع ويرى انه صادق فيه وليس كذلك فلا كفارة فيه وهو يمين اللغو عند ابى حنيفة واليمين الغموس عند الشافعي ويحكم فيه بالكفارة واليمين بالله او باسم من أسمائه او بصفة من صفاته فاليمين بالله ان يقول والذين أصلي له والذي نفسى بيده واليمين بأسمائه كقوله والله والرحمن ونحوه واليمين بصفته كقوله وعزة الله وعظمته وجلال الله
وقدرته ونحوها ومن حلف بغير الله مثل ان قال والكعبة وبيت الله ونبى الله او حلف بابيه ونحوه فلا يكون يمينا ولا تجب به الكفارة إذا خالف وهي يمين مكروهة قال الشافعي وأخشى ان تكون معصية وفي الحديث (من حلف بغير الله فقد أشرك بالله) معناه من حلف بغير الله تعالى معتقدا تعظيم ذلك الغير فقد أشرك المحلوف به مع الله في التعظيم المختص به ولو لم يكن على قصد التعظيم والاعتقاد به فلا بأس به كقوله لا وابى ونحو ذلك كما جرت به العادة قال على الرازي أخاف الكفر على من قال بحياتي وبحياتك وما أشبهه ولولا ان العامة يقولونه ولا يعلمونه لقلت انه الشرك لانه لا يمين الا بالله ولا يحلف بالبراءة من الإسلام فمن فعل ذلك صادقا لن يرجع الى الإسلام سالما وان كان كاذبا خيف عليه الكفر وفي الحديث (من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال) وظاهر الحديث يدل على ان المسلم ان قال ان افعل كذا فانا يهودى ففعل يكفر وبه عمل الشافعي وقال الحنفية لا يكفر فحملوا الحديث على التهديد واما ان علقه بالماضي كقوله ان فعلت كذا فانا يهودى وقد فعل فقد اختلفت الحنفية والصحيح انه لا يكفر ان كان يعلم انه يمين وان كان عنده انه يكفر بالحلف يكفر لانه رضى بالكفر وهو محمل الحديث عند الأكثر وفي الفتاوى البزازية والفتوى على انه يمين يلزم عليه الكفارة والاشارة في الآية ان ما يجرى على الظواهر من غير قصد ونية في البواطن ليس له كثير خطر في الخير والشر ولا زيادة اثر ولو كان له اثر في الخير لما عاب على قوم يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وكذا ما يجرى على اللسان بنية القلب بلا فعل الجوارح لو كان مؤثرا في القبول لما عاب قوما بقوله كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ولو كان له اثر في البر لما وسع على قوم بقوله لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وما عفا عن قوم بقوله إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وذلك لان القلب كالارض للزراعة والجوارح كالآلات للحراثة والأعمال والأقوال كالبذر فالبذر ما لم يقع في الأرض المربية للزراعة لا ينبت وان كان في آلة من آلات الحراثة فافهم جدا واما ان كان لما يجرى على الظواهر من الخير ادنى آثار في القلب ولو كان مثقال ذرة فان الله من كمال فضله وكرمه لا يضيعه حتى يكون القليل كثيرا والصغير عظيما وان كان لما يجرى على الظواهر من الشر ادنى اثر في القلب فان الله تعالى من غاية لطفه وإحسانه لا يؤاخذ العبد به بل يحلم عنه ويتوب عليه
ويغفر له كما قال وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ كذا في التأويلات النجمية لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ الإيلاء الحلف وحقه ان يسعمل بعلى لكن لما ضمن هذا القسم معنى البعد عدى بمن اى للذين يبعدون من نسائهم مؤلين تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ اى انتظار هذه المدة وإضافته الى الظرف على الاتساع في الظرف بجريه مجرى المفعول به كما يقال بينهما مسيرة يوم اى مسيرة في يوم اى لهم ان ينتظروا في هذه المدة من غير مطالبة بفيئ او طلاق. والإيلاء من الزوجة ان يقول الرجل والله لا أقربك اربعة أشهر فصاعدا على التقييد بالأشهر او لا أقربك على الإطلاق ولو حلف على ان لا يطأها اقل من اربعة أشهر لا يكون مؤليا بل هو حالف إذا وطئها قبل مضى تلك المدة يجب عليه كفارة يمين على الأصح. وللايلاء حكمان حكم الحنث وحكم البر. فحكم الحنث وجوب الكفارة بالوطئ في مدة الإيلاء ان كان اليمين بالله ولزوم الجزاء من نحو الطلاق او العتاق او النذر المسمى ان كان القسم بذلك وحكم البر وقوع طلقة بائنة عند مضى مدة الإيلاء وهي اربعة أشهر ان كانت المنكوحة حرة وان كانت المنكوحة امة الغير تبين بمضى شهرين قال قتادة كان الإيلاء طلاقا لاهل الجاهلية وقال سعيد بن المسيب كان ذلك من ضرار اهل الجاهلية كان الرجل لا يحب امرأته ولا يحب ان يتزوجها غيره فيحلف ان لا يقربها ابدا فيتركها لا أيما ولا ذات بعل وكانوا في ابتداء الإسلام يفعلون ذلك ايضا فازال الله ذلك الضرر عنهن وضرب للزوج مدة يتروى فيها ويتأمل فان رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعله وان رأى المصلحة في المفارقة فارقها فَإِنْ فاؤُ اى ان رجعوا عما حلفوا عليه من ترك الجماع فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر للمولى بفيئته التي هي كتوبته اثم حنثه عند تكفيره او ما قصد بالإيلاء من ضرار المرأة وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ اصل العزم او العزيمة عقد القلب على إمضاء شىء تريد فعله اى حققوه وأكدوه بان ثبتوا في المدة على ترك القربان حتى مضت المدة فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لطلاقهم عَلِيمٌ بغرضهم فيه والاشارة في تحقيق الآيتين ان يعلم العبد ان الله لا يضيع حق أحد من عباده لا على نفسه ولا على غيره فلما تقاصر لسان الزوجة لكونها اسيرة فى يد الزوج فالله تعالى تولى الأمر بمراعاة حقها فامر الزوج بالرجوع إليها او تسريحها فاذا كان حق صحبة الاشكال محفوظا عليك حتى لو أخللت به أخذك بحكمه فحق الحق أحق بان يجب مراعاته وفي تعيين تربص اربعة أشهر في الفيء اشارة عجيبة وهي انها مدة تعلق الروح بالجنين كما قال عليه السلام (ان أحدكم يجمع خلقه) اى يحرز ويقر مادة خلقه (فى بطن امه) اى في رحمها من قبيل ذكر الكل وارادة الجزء (أربعين يوما) وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان النطفة إذا وقعت في الرحم فاراد الله ان يخلق منها تنشر في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعرة فتمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم فذاك جمعها (ثم تكون علقة) وهي قطعة دم غليظ جامد (مثل ذلك) أربعين يوما (ثم تكون مضغة) وهي قطعة لحم قدر ما تمضغ (مثل ذلك ثم يرسل الله اليه الملك فينفخ فيه الروح) وهذا يدل على ان التصوير يكون في الأربعين الثالثة (ويؤمر بأربع كلمات) يعنى يؤمر الملك بكتابة اربع قضاها وهو معطوف على قوله تكون علقة لان الكتابة في الأربعين الثانية (يكتب رزقه) روى على صيغة المجهول والمعلوم (واجله) وهو يطلق على مدة الحياة كلها
وهو المراد هنا وعلى منتهاها ومنه قوله تعالى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ وعمله وشقى وهو من وجبت له النار او سعيد وهو من وجبت له الجنة قدم ذكر الشقي لانه اكثر الناس كذا قال القاضي المراد بكتبه هذه الأشياء إظهارها للملك والا فقضاؤه تعالى سابق على ذلك. فاذا تمهد هذا فمن وقع له من اهل القصد وقفة او فترة في أثناء السلوك من ملالة النفس او نفرة الطبع فعلى الشيخ وعلى الاصحاب ان لا يفارقوه في الحقيقة وان يتعاونوا بالهمم العلية لاستجلابه ويتربصوا اربعة أشهر الرجوع فان فاء الى صدق الطلب ورعاية حق الصحبة واستغفر مما جرى منه ونفخ فيه روح الارادة مرة اخرى اقبلوا عليه وعفوا عما لديه فان هذا ربيع لا يرعاه الا المهزولون وربع لا يسكنه الا المعزولون ومنهل لا يرده الا اللاهون وباب لا يقرعه الا الماكثون بل هذا شراب لا يذوقه الا العارفون وغناء لا يطرب عليه الا العاشقون وان عزموا بعد مضى اربعة أشهر طلاق منكوحة المواصلة وأصروا على ذنب المفارقة فلهم التمسك بعروة هذا فراق بينى وبينك فان الله سميع بمقالتهم عليم بحالتهم: قال السعدي قدس سره
نه ما را در ميان عهد ووفا بود
…
جفا كردى وبد عهدى نمودى
هنوزت گر سر صلحست باز آي
…
كزان محبوبتر باشى كه بودى
قال أوحد المشايخ في وقته ابو عبد الله الشيرازي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول من عرف طريقا الى الله فسلكه ثم رجع عنه عذبه الله بعذاب لم يعذب به أحدا من العالمين كذا في لواقح الأنوار القدسية في مناقب العلماء والصوفية وَالْمُطَلَّقاتُ المراد بها ذوات الأقراء من الحرائر المدخول بهن لانه لا عدة على غير المدخول بها وان عدة من لا تحيض لصغر او كبر او حمل بالأشهر ووضع الحمل وان عدة الامة قرءان او شهران واصل التطليق رفع القيد اى المخليات من حبال أزواجهن يَتَرَبَّصْنَ خبر في معنى الأمر اى ليتربصن وينتظرن بِأَنْفُسِهِنَّ الباء للتعدية اى يحملن انفسهن على التربص ويجعلنها متربصة ثَلاثَةَ قُرُوءٍ نصب على الظرفية اى مدة ثلاثة قروء فلا تتزوجن الى انقضائها. والقروء جمع قرء وهو من الاضداد في كلام العرب يقع على الطهر والحيض والمشهور انه حقيقة فيهما كالشفق اسم للحمرة والبياض جميعا. ذهب ابو حنيفة وأصحابه الى ان القروء هي الحيض لان الله تعالى جعل الاعتداد بالأشهر بدلا من الاعتداد بالقرء كما قال وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ فلما شرع ذلك عند ارتفاع الحيض دل على ان الأصل كان هو الحيض وتمسك الشافعي بقوله تعالى فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ على ان المراد بالقروء الاطهار لان اللام في لعدتهن للوقت ووقت العدة لا يجوز ان يكون وقت الحيض لانه تعالى امر بالطلاق والطلاق في وقت الحيض منهى عنه. وجوابه ان معناه فطلقوهن مستقلات لعدتهن وهي الحيض الثلاث فالطلاق يقع ثم تأخذ المرأة وتشرع في العدة وليس معنى الآية ان الطلاق واقع في العدة وفائدة الخلاف بين الشافعي وابى حنيفة ان مدة العدة عند الشافعي اقصر وعند ابى حنيفة أطول حتى لو طلقها فى حال الطهر يحسب بقية الطهر قرأ وان حاضت عقيبه في الحال فاذا شرعت في الحيضة الثالثة انقضت عدتها وعند ابى حنيفة ما لم تطهر من الحيضة الثالثة ان كان الطلاق في حال الطهر
او من الحيضة الرابعة ان كان الطلاق في حال الحيض لا يحكم بانقضاء عدتها وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ اى يخفين ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ من الحبل والحيض بان تقول المرأة لست بحامل او لست بحائض وهي حائض لتبطيل حق الزوج من الولد والرجعة وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها ان تضع وربما أسقطت الحمل خوفا ان يعود ولئلا يشفق على الولد فيترك تسريحها او كتمت حيضها استعجالا للطلاق لان الطلاق السنى انما يكون في الطهر. وفيه دليل على قبول قولهن في ذلك نفيا واثباتا إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ اى فلا يجترئن على ذلك فان قضية الايمان بالله واليوم الآخر الذي يقع فيه الجزاء والعقوبة منافية له قطعا. وفيه تهديد شديد على النساء وليس المراد ان ذلك النهى مشروط بكونها مؤمنة لان المؤمنة والكافرة في هذا الحكم سواء وَبُعُولَتُهُنَّ جمع بعل والبعلة المرأة واصل البعل السيد والمالك سمى الزوج بعلا لقيامه بامر زوجته كانه مالك لها ورب والتاء في البعولة لتأنيث الجمع فان الجمع لكونه بمعنى الجماعة في حكم المؤنث والتاء زائدة لتأكيد التأنيث ودلت تسمية الزوج بعلا بعد طلاقها الصريح على ان النكاح قائم والحل ثابت والضمير لبعض افراد المطلقات لان هن عام شامل للمطلقة بالطلاق الرجعى والبائن ولا حق لازواج المطلقات البوائن في النكاح والرجعة أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ الى النكاح والرجعة إليهن فِي ذلِكَ اى في زمان التربص فان حق الرجعة انما يثبت للزوج ما دامت فى العدة وإذا انقضى وقت العدة بطل حق الرد والرجعة. وافعل هنا بمعنى الفاعل والمعنى ان أزواجهن حقيقون بردهن إذ لا معنى للتفضيل هنا فان غير الأزواج لا حق لهم فيهن البتة ولا حق ايضا للنساء في ذلك حتى لوابت من الرجعة لم يعتد بذلك إِنْ أَرادُوا اى الأزواج بالرجعة إِصْلاحاً لما بينهم وبينهن وإحسانا إليهن ولم يريدوا مضارتهن كما كانوا يفعلونه في الجاهلية كان الرجل يطلق امرأته فاذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم بعد مدة طلقها يقصد بذلك تطويل العدة عليها وليس المراد به شرطية قصد الإصلاح بصحة فان الرجعة صحيحة وان راجعها مضارا بها بل
هو الحث عليه والزجر عن قصد الضرار ثم انه تعالى لما بين ان المقصود من الرجعة إصلاح حالها لا إيصال الضرر إليها بين ان لكل واحد من الزوجين حقا على الآخر فقال وَلَهُنَّ عليهم من الحقوق مِثْلُ الَّذِي لهم عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ قوله بالمعروف متعلق بما تعلق به لهن من الاستقرار اى استقر لهن بالمعروف اى بالوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس فلا يكلفهن ما ليس لهم ولا يعنف أحد الزوجين صاحبه ووجه المماثلة بين الحقين هو الوجوب واستحقاق المطالبة لا الاتحاد في جنس الحقوق مثلا إذا استحقت المرأة على الزوج المهر والنفقة والمسكن لا يستحق هو عليها ايضا جنس هذه الحقوق وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ اى زيادة في الحق وفضل فيه وفضل الرجل على المرأة في العقل والدين وما يتفرع عليهما مما لا شك فيه وفضله المناسب بهذا المقام أمران. الاول كون ما يستحق هو عليها أفضل وأزيد مما تستحق هي عليه فانه مالك لها مستحق لنفسها لا تصوم تطوعا الا باذنه ولا تخرج من بيتها الا باذنه وقادر على الطلاق فاذا طلقها فهو قادر على مراجعتها شاءت المرأة او أبت. واما المرأة
فلا تملك شيأ من هذه الأمور وانما حقها فيه المهر والكفاف وترك الضرار. والثاني ما أشار اليه الزجاج بقوله معناه ان المرأة تنال من الرجل من اللذات المتفرعة على النكاح مثل ما ينال الرجل منها وله الفضيلة عليها بنفقته والقيام عليها فالفضيلة على هذا فضيلة ما التزمه في حقها مما يتعلق بالرحمة والإحسان كالتزام المهر والنفقة والمسكن والذب عنها والقيام بمصالحها ومنعها عن مواقع الآفات عن ابى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كنت آمرا لاحد ان يسجد لاحد غير الله لا مرت المرأة ان تسجد لزوجها) لما عظم الله من حقه عليها قال تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فكان قيام المرأة بخدمة الرجل آكد وجوبا لهذه الحقوق الزائدة وَاللَّهُ عَزِيزٌ يقدر على الانتقام ممن يخالف أحكامه حَكِيمٌ تنطوى شرائعه على الحكم والمصالح واعلم ان مقاصد الزوجية لا تتم الا إذا كان كل واحد من الزوجين مراعيا حق الآخر مصلحا لاحواله مثل طلب النسل وتربية الولد ومعاشرة كل واحد منهما الآخر بالمعروف وحفظ المنزل وتدبير ما فيه وسياسة ما تحت أيديهما الى غير ذلك مما يستحسن شرعا ويليق عادة وفي الحديث (جهاد المرأة حسن التبعل) يقال امرأة حسنة التبعل إذا كانت تحسن عشرة زوجها والقيام بما عليها فى بيت الزوج وفي الحديث (أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة) كما في رياض الصالحين. ومن الحقوق التزين قال ابن عباس رضي الله عنهما انى لا تزين لامرأتى كما تتزين لقوله تعالى وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ويقال ان المرأة مثل الحمامة إذا نبت لها جناح طارت كذا الرجل إذا زين امرأته بالثياب فلا تجلس بالبيت. وقال رجل ما دخل دارى شر قط فقال حكيم ومن اين دخلت امرأتك: قال السعدي قدس سره
دلارام باشد زن نيك خواه
…
ولى از زن بد خدايا پناه
وقال بعضهم
عصمت زن را بمقام جمال
…
جلوه حرامست مگر با حلال
- حكى- انه كان في بنى إسرائيل رجل صالح وكان له امرأة يحبها حبا شديدا فبعث الله اليه ان يسأله ثلاث حوائج فقال لامرأته حوائجى كثيرة لا أدرى ما اعمل فقالت امرأته اسأل حاجة لى وحاجتين لك قال ما تريدين قالت اسأل ربك ان يصيرنى في صورة ما كانت صورة احسن منها وأجمل فسأل ربه فاضاء البيت من حسنها وجمالها فقامت لتخرج من بيتها فقال زوجها الى اين تذهبين قالت الى بعض السلاطين انا لا أضيع حسنى وجمالى بمثلك ومنع الزوج خروجها ثم بلغ الخبر الى بعض السلاطين فجاء أعوانه وأخذوها من زوجها جبرا فقال الرجل اللهم بقي لى عندك حاجتان اجعلها قردة فمسخها الله تعالى قردة فردها الملك من عنده فجاءت الى زوجها ثم قال الرجل اللهم ردها كما كانت اولا فذهبت الحوائج كلها عبثا لا هي افلحت ولا هو والاشارة ان المطلقات لما امرن بالعدة وفاء لحق الصحبة وان كان الانقطاع من الزوج لا من الزوجة امرن ان لا يقين غير مقامه بالسرعة ويصبرون حتى يمضى مقدار من المدة الى آخر
العدة وكلها دلالات على وفاء الربوبية في رعاية العبودية فان الله تعالى من كمال كرمه يرخى زمام الفضل
بالاصطناع وان كان من العبد الفصل والانقطاع ويمهل العبد الى انقضاء عدة الجفاء ولا يعرض عنه سريعا لاقامة شرط الوفاء لعل العبد في مدة العدة يتنبه من نوم الغفلة وتتحرك داعيته فى ضمير قلبه من نتائج محبة ربه وان ابتلاه بمحنة الفرقة فيقرع بإصبع الندامة باب التوبة ويقوم على قدم الغرامة في طلب الرجعة والاوبة فيقال من كمال الفضل والنوال يا قارع الباب دع نفسك وتعال من طلب منا فلاحا فليلزم عتبتنا مساء وصباحا الطَّلاقُ اى التطليق الرجعى المتقدم ذكره الذي قال تعالى فيه وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ مَرَّتانِ اى دفعتان وذلك لا يكون الا على سبيل التفريق فان من اعطى الى آخر درهمين لم يجز أن يقال أعطاه مرتين حتى يعطيه إياهما دفعتين فالجمع بين الطلقتين والثلاث في الإيقاع حرام عند ابى حنيفة رحمه الله الا انه سنى الوقوع لا سنى الإيقاع فالطلاق الذي يثبت فيه للزوج حق المراجعة هو ان يوجد طلقتان فقط واما بعد الطلقتين بان طلق ثلاثا فلا يثبت للزوج حق الرجعة البتة ولا تحل له المرأة الا بعد زوج آخر ثم قوله الطَّلاقُ مَرَّتانِ وان كان ظاهره الخبر فان معناه الأمر لان حمله على ظاهره يؤدى الى وقوع الخلف في خبر الله تعالى لانه قد يوجد إيقاع الطلاق على وجه الجمع ولا يجوز الخلف في خبر الله فكان المراد منه الأمر كأنه قيل طلقوهن مرتين اى دفعتين فَإِمْساكٌ اى فالحكم بعد هاتين الطلقتين إمساك لهن بِمَعْرُوفٍ وهو ان يراجعها لا على قصد المضارة بل على قصد الإصلاح وحسن المعاشرة أَوْ تَسْرِيحٌ اى تخلية بِإِحْسانٍ بان يترك المراجعة حين تبين بانقضاء العدة. ومعنى الإحسان في التسريح انه إذا تركها ادى إليها حقوقها المالية ولا يذكرها بعد المفارقة بسوء ولا ينفر الناس عنها وجملة الحكم في هذا الباب ان الحر إذا طلق زوجته طلقة او طلقتين بعد الدخول بها يجوز له ان يراجعها من غير رضاها ما دامت في العدة وان لم يراجعها حتى تنقضى عدتها او طلقها قبل الدخول بها او خالعها فلا تحل له الا بنكاح جديد بإذنها واذن وليها فان طلقها ثلاثا فلا تحل له ما لم تنكح زوجا غيره واما العبد إذا كانت تحته امة فطلقها طلقتين فانها لا تحل له الا بعد نكاح زوج آخر والاعتبار بالمرأة في عدد الطلاق عند ابى حنيفة رحمه الله فيملك العبد على زوجته الحرة ثلاث طلقات ولا يملك الحر على زوجته الامة إلا طلقتين وَلا يَحِلُّ لَكُمْ- روى- ان جميلة بنت عبد الله بن ابى بن سلول كانت تبغض زوجها ثابت بن قيس فاتت رسول الله عليه السلام وقالت لا انا ولا ثابت ولا يجمع رأسى ورأسه شىء والله ما اعيبه في دين ولا خلق ولكنى اكره الكفر فى الإسلام ما أطيقه بعضا انى رفعت جانب الخباء فرأيته اقبل في عدة فاذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها فنزلت فاختلعت منه بحديقة أصدقها اى سماها ثابت صداقا لها يعنى لما قالت جميلة ما قالت قال ثابت يا رسول الله مرها فلترد على الحديقة التي أعطيتها فقال عليه السلام لها (ما تقولين) قالت نعم وأزيده فقال عليه السلام (لا حديقته فقط) ثم قال لثابت (خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها) ففعل وكان ذلك أول خلع في الإسلام. والخطاب في لكم مع الاحكام ليطابق قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فانه خطاب مع الحكام والحكام وان لم يكونوا آخذين ومؤتين حقيقة الا انهم هم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم فكأنهم هم الذين يأخذون
ويؤتون أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ اى تأخذوا منهن بمقابلة الطلاق ما أعطيتموهن من المهور شَيْئاً اى نزرا يسيرا فضلا عن استرداد الكثير إِلَّا أَنْ يَخافا اى الزوجان أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ اى ان لا يراعيا مواجب الزوجية. قوله إِلَّا أَنْ يَخافا استثناء مفرغ وان يخافا محله النصب على انه مفعول من اجله مستثنى من العام المحذوف تقديره ولا يحل لكم ان تأخذوا بسبب من الأسباب شيأ الا بسبب خوف عدم اقامة حدود الله فَإِنْ خِفْتُمْ ايها الحكام أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ اى الحقوق التي أثبتها النكاح وذلك بمشاهدة بعض الأمارات والمخايل فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ اى فيما أعطته المرأة من بدل الخلع لا على الزوج في أخذ ما فدت به نفسها ولا عليها في إعطائه إياه هذا إذا كان النشوز
من قبل المرأة لانها ممنوعة عن إتلاف المال بغير حق اما إذا كان النشوز من قبل الزوج فلا يحل له ان يأخذ شيأ مما آتاها لقوله تعالى فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ولا يضيق عليها ليلجئها الى الافتداء فان ذلك منهى عنه قال تعالى في سورة النساء وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ وعموم قوله تعالى فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ يشعر بجواز المخالعة على قدر المقبوض من الزوج وعلى الأزيد والأقل وعليه جمهور الفقهاء ثم ان ظاهر الآية انه لا يباح الخلع الا عند الغضب والخوف وجمهور المجتهدين على جوازه في حالة الخوف وفي غير حالة الخوف فلا بد حينئذ ان يجعل قوله إِلَّا أَنْ يَخافا استثناء منقطعا كما في قوله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً اى لكن ان قتل خطأ فدية مسلمة الى اهله قال البغوي ويجوز الخلع في غير حال النشوز غير انه يكره لما فيه من قطع الوصلة بلا سبب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان من ابغض الحلال الى الله الطلاق) تِلْكَ اى الاحكام المذكورة حُدُودَ اللَّهِ أوامره ونواهيه فَلا تَعْتَدُوها اى لا تتجاوزوا عنها بالمخالفة والرفض وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ المتعدون هُمُ الظَّالِمُونَ اى لانفسهم بتعريضها لسخط الله وعقابه اعلم ان المرأة إذا برئت من مواقع الخلل واتصفت بالعفة فعلى الزوج ان يعاشرها بالمعروف ويصبر على سائر أوضاعها وسوء خلقها ويتأدب بآداب النبي صلى الله عليه وسلم وكان عليه السلام يحسن المعاشرة مع أزواجه المطهرة فحسن معاشرتهن والصبر عليهن مما يحسن الأخلاق فلا جرم يعد الصابر من المجاهدين في سبيل الله- روى- ان بعض المتعبدين كان يحسن القيام على زوجته الى ان ماتت وعرض عليه التزويج فامتنع وقال الوحدة أروح لقلبى قال فرأيت في المنام بعد جمعة من وفاتها كأن أبواب السماء قد فتحت وكأن رجالا ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضا فكلما نظر الى واحد منهم يقول لمن وراءه هذا هو المشئوم فيقول الآخر نعم ويقول الثالث كذلك فخفت ان اسألهم الى ان مر بي آخرهم فقلت له من هذا المشئوم فقال أنت قلت ولم قال كنا نرفع عملك مع اعمال المجاهدين في سبيل الله تعالى فمنذ جمعة أمرنا ان نضع عملك مع المخالفين فلا ندرى ما أحدثت فقال لاخوانه زوجونى فلم يكن يفارقه زوجتان او ثلاث: قال الكاشفى
مردى گمان مبر كه بزورست و پر دلى
…
با نفس اگر جهاد كنى مرد كاملى
ولا يتيسر هذا الا لواحد بعد واحد كما قيل وللحروب رجال وان أنت تريد الطلاق فطلق نفسك: كما قيل
هر كه زن نفس شوم را داد طلاق
…
جفتش نبود بزير اين نيلى طاق
از مزبله نفس قدم بيرون نه
…
تا روحت كند نسيم وصل استنشاق
ومادام عجوز نفسك تشوش باطنك وتخرب بيت قلبك فالعروس التي هي تجلي الروح لا تتراءى من وراء نقاب السر ولا تجيئ بيت مشاهدتك رحم الله امرأ عرف قدره ولم يتعد طوره والاشارة في الآية ان اهل الصحبة لا يفارقون بجريمة واحدة صدرت من الرفيق الشفيق والصديق الصدوق ولا بجريمتين بل يتجاوزون مرة او مرتين. وفي الثالثة فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ اما صحبة جميلة او فرقة جميلة كما تجاوز الخضر عن موسى عليهما السلام مرتين وفي الثالثة قال هذا (فراق بينى وبينك) واما الصحبة من غير تعظيم وحرمة وذهاب لذة العمر بالأخلاق الذميمة واضاعة الوقت في تحصيل المقت فغير مرضية في الطريقة ولا محمودة في الشريعة بل قاطعة طريقة الحق وليس لاهل الصحبة إذا اتفقت المفارقة ان يستردوا خواطرهم من الرفقاء بالكلية ويقطعوا رحم الاخوة في الدين ويأخذوا منهم قلوبهم بعد ما آتوهم الهمم العلية فان العائد في هبته كالعائد في قيئه إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فى رعاية حقوق الصحبة فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ بان تؤدى الى مداهنة او إهمال في حق حقوق الدين فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ من الحظوظ لرعاية الحقوق تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ من الحظوظ والحقوق فَلا تَعْتَدُوها بترك الحقوق لنيل الحظوظ كذا في التأويلات النجمية قدس الله تعالى نفسه الزاكية القدسية فَإِنْ طَلَّقَها اى بعد الطلقتين السابقتين فَلا تَحِلُّ تلك المرأة لَهُ لزوجها مِنْ بَعْدُ اى من بعد الطلقة الثالثة لا بطريق الرجعة ولا بتجديد العقد حَتَّى تَنْكِحَ تتزوج تلك المرأة زَوْجاً غَيْرَهُ اى غير المطلق ويسمى الأجنبي زوجا لانه بالعقد يصير زوجا فسماه باسم العاقبة والنكاح هنا العقد دون الوطئ وبه أخذ سعيد بن المسيب واللفظ يشهد له لا يقال حتى تطأ المرأة الزوج فان المرأة موطوءة لا واطئة فالآية وان كانت مطلقة لانها انما تدل على ان عدم حلها له يمتد الى ان تتزوج بزوج آخر وينعقد بينهما عقد النكاح من غير تقييد ذلك العقد بكونه مؤديا الى جماع الزوج الثاني لكنها مقيدة بالسنة فالاجماع على اشتراط الاصابة لما روى ان امرأة رفاعة جاءت النبي عليه الصلاة والسلام فقالت ان رفاعة طلقنى فبت طلاقى اى قطعه حيث طلقنى ثلاثا وان عبد الرحمن بن الزبير تزوجنى وان ما معه اى ذكره ليس باغنى عنى من هذه اى الهدبة وأخذت من جلبابها فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال (أتريدين ان ترجعى الى رفاعة) قالت نعم فقال (لا حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك) والمراد بالعسيلة الجماع شبه لذة الجماع بالعسل فَإِنْ طَلَّقَها اى الزوج الثاني بعد الدخول بها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما اى لا اثم على الزوج الاول والمرأة أَنْ يَتَراجَعا اى يرجع كل منهما الى صاحبه بعقد جديد إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ اى ان كان في ظنهما انهما يقيمان حدود الله اى ما حده الله وشرعه من حقوق الزوجية ولم يقل ان علما لان العواقب غير معلومة والإنسان لا يعلم ما في الغد وانما يظن ظنا وَتِلْكَ اشارة الى الاحكام المذكورة
الى هنا حُدُودَ اللَّهِ اى أحكامه المعينة المحمية من التعرض لها بالتغيير والمخالفة يُبَيِّنُها بهذا البيان لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اى يفهمون ويعملون بمقتضى العلم وتخصيصم بالذكر مع عموم الدعوة والتبليغ لما انهم المنتفعون بالبيان والجاهل إذا بين له لا يحفظ ولا يتعاهد
نكته گفتن پيش كز فهمان ز حكمت بيگمان
…
جوهرى چند از جواهر ريختن پيش خرست
ثم ان الحكمة في اشتراط إصابة الزوج الثاني في التحليل وعدم كفاية مجرد العقد فيه الردع عن المسارعة الى الطلاق فان الغالب ان يستنكر الزوج ان يستفرش زوجته رجل آخر وهذا الردع انما يحصل بتوقف الحل على الدخول واما مجرد العقد فليس منه زيادة نفرة وتهييج غيرة فلا يصلح توقف الحل عليه رادعا وزاجرا عن التسرع الى الطلاق والنكاح المعقود بشرط التحليل وهو ان يشترط في النكاح ان يقتصر على قدر التحليل ولا يستديم زوجيتها فاسد عند الأكثر وجائز عند ابى حنيفة مع الكراهة وعنه انهما ان أضمرا التحليل ولم يصرحا به فلا كراهة وفي شرح الزيلعى لو خافت المرأة المطلقة ثلاثا ان لا يطلقها المحلل فقالت زوجتك نفسى على ان امرى بيدي اطلق نفسى كلما أردت فقبل جاز النكاح وصار الأمر بيدها وفيه ايضا ومن لطائف الحيل فيه ان تزوج المطلقة من عبد صغير تتحرك آلته ثم تملكه بسبب من الأسباب بعد ما وطئها فيفسخ النكاح بينهما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) المحلل بكسر اللام والمراد به الزوج الثاني والمحلل له بفتح اللام والمراد به الزوج الاول فان قلت ما معنى لعنهما قلت معنى اللعن على المحلل لانه نكح على قصد الفراق والنكاح شرع للدوام وصار كالتيس المستعار والتيس هو الذكر من الغنم وقد يستعيره الناس لاستيلاد الغنم واللعن على المحلل له لانه صار سببا لمثل هذا النكاح والمتسبب شريك المباشر فى الإثم والثواب. او المراد من اللعن اظهار خساستهما اما خساسة المحلل فلمباشرته مثل هذا النكاح بدليل قوله عليه السلام (الا أنبئكم بالتيس المستعار) واما خساسة المحلل له فلمباشرة ما ينفر عنه الطبع السليم من عودها اليه بعد مضاجعة غيره إياها واستمتاعه بها لا حقيقة اللعن إذ هو لا يليق بمنصب الرسالة في حق الامة لانه عليه الصلاة والسلام لم يبعث لعانا والاشارة في الآية ان اهل الصحبة لما تجاوزوا عن زلة الاخوان مرة ومرتين ثم في الثالثة ان سلكوا طريق الهجران وخرجوا عن مصاحبة الاخوان فلا يحل للاخوان ان يواصلوا الخوان حتى يصاحب الخائن صديقا مثله فان ندم بعد ذلك على أفعاله وسئم من ذلك الصديق وأمثاله وترك صحبته وخرج عن خصاله ورجع الى صحبة إخوانه واشكاله فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما شرائط العبودية والصحبة في الله وتلك طرق قربات الله والسائرين الى الله يبينها بالتصريح والتعريض والعبارات والإشارات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ المعاريض ويفهمون الإشارات كذا فى التأويلات النجمية قال احمد بن حضرويه الطريق واضح والدليل لائح والداعي قد اسمع فما التحير بعد هذا الا من العمى: قال الحافظ
وصف رخساره خورشيد ز خفاش مپرس
…
كه درين آينه صاحب نظران حيرانند
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ اى نساءكم فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ اى آخر عدتهن وشارفن منتهاها
ولم يرد حقيقة انقضاء العدة لان العدة إذا انقضت لم يكن للزوج إمساكها بالمعروف نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى إذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها بقصد مضارتها فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اى راجعوهن من غير طلب إضرار لهن بالرجعة. والمعروف ما ألفته العقول واستحسنته النفوس شرعا وعرفا وعادة والمراد به هنا حسن المعاشر أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ او خلوهن حتى تنقضى عدتهن من غير تطويل وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً اى ولا تراجعوهن ارادة الإضرار بهن بتطويل العدة والحبس على ان يكون انتصاب ضرارا على العلة او مضارين على الحال فان قلت لا فرق بين قوله فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وبين قوله لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لان الأمر بالشيء نهى عن ضده فما الفائدة في التكرار قلت ان الأمر لا يفيد التكرار ولا يدل على كون امتثال المأمور به مطلوبا فى كل الأوقات فدل لا تمسكوهن على المبالغة في التوصية بالإمساك بالمعروف لدلالته على ان الإمساك المذكور مطلوب منه في جميع الأوقات لِتَعْتَدُوا متعلق بضرارا إذ المراد تقييده اى لتظلموهن
بالإلجاء الى الافتداء وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى ما ذكر من الإمساك المؤدى الى الظلم فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فى ضمن ظلمه لهن بتعريضها للعقاب وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ المنطوية على الاحكام المذكورة او جميع آياته وهي داخلة فيها دخولا أوليا هُزُواً اى مهزوا بها بالاعراض عنها والتهاون في العمل بما فيها والنهى كناية عن الأمر بضده لان المخاطبين مؤمنون ليس من شأنهم الهزؤ بآيات الله اى جدوا في الاخذ بها والعمل بما فيها وارعوها حق رعايتها: قال الحكيم السنائي قدس سره
دانشت هست وكار بستن كو
…
خنجرت هست وصف شكستن كو
ولما رغبهم في رعاية التكاليف والعمل بها بالتهديد على التهاون بها أكد ذلك الأمر بذكر نعم الله عليهم بان يشكروها ويقوموا بحقوقها فقال وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كائنة عَلَيْكُمْ حيث هداكم الى ما فيه سعادتكم الدينية والدنيوية اى قابلوها بالشكر والقيام بحقوقها وقيل واذكروا انعام الله عليكم بان خلقكم رجالا وجعل لكم أزواجا تسكنون إليها وجعل النكاح والطلاق والرجعة بايديكم ولم يضيق عليكم كما ضيق على الأولين حين أحل لهم امرأة واحدة ولم يجوز لهم بعد موت المرأة نكاح اخرى وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ عطف على نعمة الله اى وما أنزله الله عليكم مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ اى القرآن والسنة أفردهما بالذكر إظهارا لشرفهما يَعِظُكُمْ بِهِ اى بما انزل عليكم حال من فاعل انزل وهو ضمير انزل اى اذكروا نعمة الله وما أنزله عليكم واعظا به لكم ومخوفا وَاتَّقُوا اللَّهَ فى شأن المحافظة عليه والقيام بحقوقه الواجبة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فلا يخفى عليه شىء مما تأتون وما تذرون فيؤاخذكم بافانين العذاب والاشارة في الآية ان الاذية والمضارة ليست من الإسلام ولا من آثار الايمان ولا من شعار المسلمين عموما كما قال عليه السلام (المؤمن من امنه الناس) وقال (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ويتضمن حسن المعاشرة مع الخلق جميعا. فاما الزوجان ففيهما خصوصية بالأمر بحسن المعاشرة معهن وترك اذيتهن والمغايظة معهن على وجه اللجاج فاما
تخلية سبيل من غير جفاء او قيام بحق الصحبة على شرائط الوفاء بلا اعتداء وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى من الاذية والمضارة والاعتداء بالجفاء فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لان الله تعالى يجازى الظالم والمظلوم يوم القيامة بان يكافئ المظلوم من حسنات الظالم ويجازى الظالم من سيآت المظلوم والظالم إذا أساء الى غيره صارت نفسه مسيئة وإذا احسن صارت نفسه محسنة فترجع اساءة الظالم الى نفسه لا الى نفس غيره حقيقة فانه ظلم نفسه لا غيره ولهذا قال تعالى إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها: قال السعدي قدس سره
مكن تا توانى دل خلق ريش
…
وگر ميكنى ميكنى بيخ خويش
وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً اى بتلاوة ظاهرها من غير تدبر معانيها وتفهم إشاراتها وتحقق اسرارها وتتبع حقائقها والتنور بانوارها والاتعاظ بمواعظها وحكمها يقال ان الوعظ كالشاهين فانما يقع على الحي لا على الميت فمن مات قلبه ونعوذ بالله من ذلك لم يتأثر بالمواعظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (أنتم اليوم على بينة من ربكم) يعنى على بيان قد بين لكم طريقكم (ما لم تظهر فيكم السكرتان سكرة العيش وسكرة الجهل) - روى- انه ضلت راحلة الحسن البصري في طريق الحج فلقيه صبى فسأله فعرفها فلما وجد الراحلة سأله الصبى يا شيخ ما تأكل وما تلبس قال آكل خبز الشعير والبس الصوف لا كسر شهوتى بهما قال الصبى كل ما شئت والبس كذلك بعد ان يكونا حلالين قال واين تبيت قال في الخص وهو بيت من القصب قال لا تظلم وبت حيث شئت فقال الحسن لولا صباك لكسبت منك ما تكلمت به فتبسم الصبى وقال أراك غافلا أخبرتك بالدنيا فقبلت وأخبرك بالدين فتأنف من كلامى ارجع الى منزلك فلا حج لك: قال السعدي قدس سره
مرد بايد كه گيرد اندر گوش
…
ور نوشته است پند بر ديوار
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ اى استوفين عدتهن فالبلوغ هنا عبارة عن حقيقة الانتهاء لان المذكور بعده النكاح ولا يكون ذلك الا بعد الانقضاء العدة فَلا تَعْضُلُوهُنَّ العضل المنع والحبس والتضييق. والمخاطب بالخطاب الاول هو الأزواج. وبالثاني هو الأولياء لما روى ان الآية نزلت في معقل ابن يسار حين منع أخته جميلة ان ترجع الى زوجها الاول البداح عبيد الله بن عاصم فانه جاء يخطبها بعد انقضاء العدة وأرادت المرأة الرجوع فلما سمع مقل الآية قال ارغم أنفي وأزوج أختي واطيع ربى فالمعنى إذا طلقتم النساء ايها الأزواج فلا تعضلوهن ايها الأولياء وهذا وان كان مما لا يخفى ركاكته الا ان جملة الخلائق من حيث حضورهم في علمه تعالى لما كانت بمثابة جماعة واحدة صح توجيه أحد الخطابين الواقعين في كلام واحد الى بعض وتوجيه الخطاب الآخر الى البعض الآخر ولعل التعريض لبلوغ الاجل مع جواز تزوج الاول قبله ايضا لدفع العضل المذكور حينئذ وليس فيه دلالة على ان ليس للمرأة ان تزوج نفسها والا لاحتيج الى نهى الأولياء عن العضل لما ان النهى لدفع الضرر عنهن فانهن وان قدرن على تزويج انفسهن لكنهن يحترزن عن ذلك مخافة اللوم والقطيعة. وقيل الخطابان للازواج حيث كانوا يعضلون مطلقاتهم ولا يدعونهن يتزوجن من شئن من الأزواج
ظلما وقسرا واتباعا لحمية الجاهلية أَنْ يَنْكِحْنَ اى لا تمنعوهن من ان يتزوجن وفيه دلالة على صحة النكاح بعبارتهن أَزْواجَهُنَّ ان أريد بهم المطلقون فالزوجية اما باعتبار ما كان واما باعتبار ما يكون والا فبالاعتبار الأخير على معنى ان ينكحن انفسهن ممن شئن ان يكونوا أزواجا لهن إِذا تَراضَوْا اى الخطاب والنساء ظرف لقوله ان ينكحن اى ان ينكحن وقت التراضي بَيْنَهُمْ ظرف للتراضى مفيد لرسوخه واستحكامه بِالْمَعْرُوفِ حال من فاعل تراضوا اى إذا تراضوا ملتبسين بالمعروف من العقد الصحيح والمهر الجائز والتزام حسن المعاشرة وشهود عدول. والمعروف ما يعرفه الشرع وتستحسنه المروءة وفيه اشعار بان المنع من التزوج بغير كفؤ وبما دون مهر المثل ليس من باب العضل ذلِكَ اشارة الى ما مضى ذكره اى الأمر الذي تلى عليكم من ترك العضل ايها الأولياء او الأزواج وتوحيد كاف الخطاب مع كون المخاطب جمعا اما على تأويل القبيل او كل واحد او لكون الكاف لمجرد توجيه الكلام الى الحاضر مع قطع النظر عن كونه واحدا او جمعا يُوعَظُ بِهِ اى ينهى ويؤمر به مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لانه
المتعظ به والمنتفع ذلِكُمْ اى الاتعاظ به والعمل بمقتضاه أَزْكى لَكُمْ أنمى لكم وانفع من زكا الزرع إذا نما فيكون اشارة الى استحقاق الثواب وَأَطْهَرُ من ادناس الآثام واوضار الذنوب والمفضل عليه محذوف للعلم اى من العضل وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فيه من النفع والصلاح والتفصيل وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ لقصور علمكم فان المكلف وان كان يعلم وجه الصلاح في هذه التكاليف على سبيل الإجمال الا ان التفصيل غير معلوم له واما الله تعالى فانه العالم بتفاصيل الحكم في كل ما امر به ونهى عنه وبينه لعباده
برو علم يك ذره پوشيده نيست
…
كه پنهان و پيدا بنزدش يكيست
فدعوا رأيكم وامتثلوا امره تعالى ونهيه في كل ما تأتون وما تذرون وذلك كما ان الوالد يحمى ولده عن بعض الاطعمة صونا له عن انحراف مزاجه فذلك محض إصلاح له لما انه يعلم ما لا يعلمه فقد وعظنا الله تعالى في الكتاب بكل ما هو خير وصواب ونهانا عن كل ما يؤدى الى هلاك وتباب ولكن سماع النصيحة لا يتيسر الا لاولى الألباب كما قال الامام الغزالي قدس سره العالي النصيحة سهل والمشكل قبولها لانها في مذاق متبع الهوى مر إذ المناهي محبوبة في قلوبهم فالواعظ انما ينفع المؤمن الحقيقي وهو ما وصفه الله في كتابه فقال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وعن ابن مسعود رضي الله عنه السعيد من وعظ بغيره ومثالكم فى استماعكم ما قيل ان رجلا اصطاد طيرا فقال له لا تذبحنى فأى فائدة لك بل خلنى وأعلمك ثلاث حكم تنفعك كلها. الاولى لا تترك الفائدة المعلومة بالمظنونة. والثانية لا تصدق الشيء المستحيل. والثالثة لا تمدن يدك الى ما لم تبلغه فلما خلاه وطار قال ان في حوصلتى جوهرة كبيرة لو استخرجتها لفزت فأخذ يدنو منه والطير يتباعد عنه فقال يا أحمق ما اسرع ما نسيت الحكم تركت الفائدة المعلومة بالمظنونة حيث خليتنى والآن تمديدك الى ما لم تنل وصدقتنى في المستحيل فان حوصلتى لا تسع إلا حبة أو حبتين فكيف يحتمل فيها الجوهرة الكبيرة فكذلك أنتم
فى استماعكم- روى- ان شقيق البلخي قدس سره كان تاجرا في أول امره يتجر في بلاد النصارى فقال له امير النصارى في أي مدة تجئ وتذهب فقال أجيء في ثلاثة أشهر واشترى السلع في ثلاثة واذهب في ثلاثة وأبيع السلع في ثلاثة فقال الملك فهذه الشهور السنة فما تعبد ربك فتأثر قلبه من هذا الكلام فقام عن التجارة واشتغل بالعبادة فان كان التوفيق رفيق عبد لا يزال يقطع المسافات وان مسه الآفات الى ان يصل الى المقصود وإذا وكل الى نفسه لا يفيده ملام ولا يؤثر فيه كلام. ومن النصائح التي نصح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته قوله عليه الصلاة والسلام (علامة اعراض الله عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه وان امرأ دهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير ان تطول عليه حسرته ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز الى النار) وفي هذه النصيحة كفاية لاهل العلم: قال السعدي قدس سره
بگوى آنچهـ دانى سخن سودمند
…
وگر هيچ كس را نيايد پسند
كه فردا پشيمان بر آرد خروش
…
كه آوخ چرا حق نكردم بكوش
اللهم اجعلنا من المتعظين بمواعظ كلمك وَالْوالِداتُ اى جميع الوالدات مطلقات كن او مزوجات لان اللفظ عام وما قام دليل التخصيص فوجب تركه على عمومه يُرْضِعْنَ خبر فى معنى الأمر اى ليرصعن والرضع مص الثدي للبن أَوْلادَهُنَّ جمع ولد وهو المولود ذكرا كان او أنثى ومعنى الأمر الندب ووجه الندب ان تربية الطفل بلبن الام أصلح له من سائر الألبان وان شفقة الام أتم من شفقة غيرها ثم ان حكم الندب انما هو على تقدير ان لا يضطر الولد الى لبن امه اما إذا بلغ حالة الاضطرار بان لا يوجد غير الام او لا يرضع الطفل الا منها او عجز الوالد عن الاستئجار فحينئذ يجب عليها الإرضاع عند ذلك كما يجب على كل أحد مواساة المضطر في الطعام واعلم ان حق الإرضاع لهن الى ان يتزوجن بغير آباء الأولاد ان كانت مطلقات لانهن يشتغلن بخدمة الأزواج فلا يتفرغن لحضانتهم على الوجه الأليق ولان الربيب يتضرر بالراب فانه ينظر اليه شزرا وينفق عليه نزرا حَوْلَيْنِ سنتين أصله من حال الشيء يحول إذا انقلب والحول منقلب من الوقت الاول الى الثاني كامِلَيْنِ تامين أكده بصفة الكمال لانه مما يتسامح فيه فيقال أقمت عند فلان حولين بمكان كذا وانما اقام فيه حولا وبعض الحول لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بيان للذى توجه اليه حكم الإرضاع كأنه قيل هذا الحكم لمن فقيل لمن أراد ان يتم الرضاعة ومن يحتمل ان يراد بها الوالدات فقط او هن والآباء معا واعلم ان مدة الرضاع عند ابى حنيفة حولان ونصف وعندهما حولان فقط استدلالا بهذه الآية ولا يباح إرضاع بعد هذا الوقت المخصوص على الخلاف لان اباحته ضرورية لانه جزء الآدمي فيتقدر بقدر الضرورة وقال ابو حنيفة هذه الآية محمولة على مدة استحقاق الاجرة فان الإجماع على ان مدت الرضاع في استحقاق اجر الرضاع على الأب مقدرة بحولين حتى ان الأب لا يجبر على إعطاء اجرة بعد الحولين قال تعالى فان أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ الآية ولو حرم الرضاع بعد الحولين لم يكن لقوله عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فائدة فالرضاع الذي ثبت به الحرمة هو ما يكون في ثلاثين شهرا عنده ولا يحرم ما يكون بعدها وعندهما هو ما يكون في الحولين ولا يحرم ما يكون بعد الحولين وهو مذهب الشافعي
ايضا ثم ان إتمام الحولين غير مشروط عند ابى حنيفة للآية اى لان في قوله تعالى لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ دلالة على جواز النقص ولو أرادت التكميل لها مطالبة النفقة وإذا نقصت من غير إضرار لا تجبر على الكمال يعنى إذا فطم قبل مضى العدة واستغنى بالطعام لم تكن رضاعا وان لم يستغن يثبت به الحرمة وهو رواية عن ابى حنيفة وعليه الفتوى ذكره الزيلعى ثم انه تعالى كما وصى الام برعاية جانب الطفل في قوله والولدات إلخ وصى الأب برعاية جانب الام حتى تتقوى على رعاية مصلحة الطفل فامره بان يرزقها ويكسوها بالمعروف سواء كان ذلك المعروف محدودا بشرط وعقد أم لا وقد يكون غير محدود الا من جهة العرف لانه إذا قام بما يكفيها من طعامها وكسوتها فقد استغنى عن تقدير الاجرة فقال وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ اى وعلى الذي يولد له وهو الوالد وانما لم يقل على الوالد ليعلم ان الأولاد للآباء لان الزوجة انما تلد الولد للزوج ولذلك ينسبون إليهم لا الى الأمهات- روى- ان المأمون بن الرشيد لما طلب الخلافة عابه حشام ابن على فقال بلغني انك تريد الخلافة وكيف تصلح لها وأنت ابن امة فقال كان إسماعيل عليه السلام ابن امة واسحق ابن حرة فاخرج الله من صلب إسماعيل خير ولد آدم صلى الله عليه وسلم وانشد
لا تزرين بفتى من ان يكون له
…
أم من الروم او سوداء دعجاء
فانما أمهات الناس اوعية
…
مستودعات وللابناء آباء
مكن زنهار اصل عود چوبست
…
به بين دودش چومستثنى وخوبست
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ اى رزق الأمهات إذا أرضعن أولادهم ولباسهن وكذا اجر الرضاع للاظئار لانهن يحتجن الى ما يقمن به أبدانهن لان الولد انما يغتذى باللبن وانما يحصل لها ذلك بالاغتذاء ونحتاج هي الى التستر فكان هذا من الحوائج الضرورية بِالْمَعْرُوفِ حسبما يراه الحاكم ويفى به وسعه فان قيل إذا كانت الزوجية باقية فهى مستحقة للنفقة والكسوة بسبب النكاح سواء أرضعت الولد أو لم ترضعه فما وجه تعلق هذا الاستحقاق بالإرضاع قلنا النفقة والكسوة تجبان في مقابلة التمكين فاذا اشتغلت بالحضانة والإرضاع لم تتفرغ لخدمة الزوج فربما يتوهم متوهم ان نفقتها وكسوتها تسقطان بالخلل الواقع في خدمة الزوج فقطع الله ذلك الوهم بايجاب الرزق والكسوة وان اشتغلت المرأة بالإرضاع هذا ما قال الواحدي في البسيط لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها التكليف الإلزام ومعنى تكلف الأمر اظهار اثره وقوله وسعها مفعول ثان لان كلف يتعدى الى اثنين كأنه قيل لم لم تجب مؤونة الأمهات على انفسهن ولم قيدت تلك المؤون بكونها بالمعروف فاجيب بانهن غير قادرات على الكسب لضعف بنيتهن واحتباسهن لمنفعة الأزواج فلو أوجب مؤنهن على انفسهن لزم تكليف العاجز وكذا لو أوجب تلك المؤن على الأزواج على خلاف المعروف لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها نهى أصله لا تضارر بكسر الراء الاولى فتكون المرأة هي الفاعلة او بفتح الراء الاولى فتكون المرأة هي المفعول بها الضرار وعلى الاول يكون المعنى لا تفعل المرأة الضرار بالأب بولدها اى بسبب إيصال الضرر الى الولد وذلك بان تمتنع المرأة من ارضاعه مع ان الأب يوسع عليها في النفقة والكسوة فتلقى
الولد عليه وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ اى لا يفعل الأب الضرار بالأم بان ينزع الولد منها مع رغبتها في إمساكه وشدة محبتها له وعلى الوجه الثاني لا يفعل الأب الضرار بالأم بان ينزع الولد منها ولا مولود له بولده اى ولا تفعل الام الضرار بالأب بان تلقى الولد عليه والمعنيان يرجعان الى شىء واحد وهو ان يغيظ أحدهما صاحبه بسبب الولد واضافة الولد الى كل منهما لاستعطافهما اليه لانه ليس بأجنبي من كل واحد منهما فالحق ان يشفق عليه كل منهما وللتنبيه على انه جدير بان يتفقا على استصلاحه ولا ينبغى ان يضرا به او يتضارا بسببه وَعَلَى الْوارِثِ وهو الذي لو مات الصبى ورثه اى وارث الصبى عند عدم الأب ممن كان ذا رحم محرم منه بحيث لا يجوز النكاح على تقدير ان يكون أحدهما ذكرا والآخر أنثى لا كل وارث سوآء كان ذا رحم محرم منه او لم يكن وسوآء كان من الرجال او النساء مِثْلُ ذلِكَ اى مثل ما وجب على الأب من الرزق والكسوة واجر الرضاع ونفقة المحارم تجب عندنا بهذه الآية فَإِنْ أَرادا اى الولدان فِصالًا وهو الفطام سمى فصالا لانه انما يكون بفصل الطفل عن الاغتذاء بلبن امه الى غيره من الأقوات اى فطاما للصغير عن الرضاع قبل تمام الحولين صادرا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما اى من الوالدين لا من أحدهما فقط لاحتمال اقدامه على ما يضر بالولد بان تمل المرأة الإرضاع ويبخل الأب بإعطاء الاجرة وربما يضر الفطام بجسمه بقطع غذائه قبل وقت فصاله وَتَشاوُرٍ فى شأن الولد وتفحص عن أحواله واجماع منهما على استحقاقه للفطام. والتشاور من المشورة وهي استخراج الرأى من المستشار وانما اعتبر اتفاق الوالدين لما في الأب من الولاية وفي الام من الشفقة وهي اعلم بحال الصبى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فى ذلك ولا حرج لما ان تراضيهما انما يكون بعد استقرار رأيهما واجتهادهما في ان صلاح الولد فى الفطام وقلما يتفقان على الخطأ فالحاصل سواء زادا على الحولين الى ثلاثين شهرا او نقصا فلا جناح عليهما في ذلك بعد استقرار رأيهما الى ما هو خير للصبى وَإِنْ أَرَدْتُمْ ايها الآباء أَنْ تَسْتَرْضِعُوا المراضع أَوْلادَكُمْ فالمفعول الاول محذوف واسترضع يتعدى الى اثنين بنفسه يقال رضع الولد امه وأرضعت المرأة ولدها واسترضعتها الولد وقيل يتعدى الى الثاني بحرف الجر والتقدير لاولادكم اى إذا طلبتم ان تأخذوا ظئر الإرضاع أولادكم فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ اى لا اثم عليكم في الاسترضاع. وفيه دلالة على ان للاب ان يسترضع الولد ويمنع الام من الإرضاع إِذا سَلَّمْتُمْ اى الى المراضع ما آتَيْتُمْ اى ما أردتم ايتاءه كما في قوله تعالى فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ بِالْمَعْرُوفِ متعلق
بسلمتم اى بالوجه المتعارف المستحسن شرعا وليس التسليم بشرط للصحة والجواز بل هو ندب الى ما هو الأليق والاولى فان المراضع إذا أعطين ما قدر لهن ناجزا يدا بيد كان ذلك ادخل في إصلاح شؤون الأطفال. وقيل المراد من المعروف ان يكون الاجر من الحلان لان المرضع إذا أكلت الحلال كان اللبن انفع للصبى واقرب الى صلاحه قالوا العادة جارية ان من ارتضع امرأة فالغالب عليه أخلاقها من خير وشر ولذا قيل انه ترضعه امرأة صالحة كريمة الأصل فان لبن المرأة الحمقاء يسرى واثر حمقها يظهر يوما ما وفي الحديث (الرضاع يغير الطباع)
ومن ثمه لما دخل الشيخ ابن محمد الجويني بيته ووجد ابنه الامام أبا المعالي يرتضع ثدى غير امه اختطفه منها ثم نكس رأسه ومسح بطنه وادخل إصبعه في فيه ولم يزل يفعل ذلك حتى خرج ذلك اللبن قائلا يسهل على موته ولا تفسد طباعه بشرب لبن غير امه ثم لما كبر الامام كان إذا حصلت له كبوة في المناظرة يقول هذه من بقايا تلك الرضعة وَاتَّقُوا اللَّهَ فى شأن مراعاة الاحكام المذكورة في امر الأطفال والمراضع وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم بذلك. وفيه من الوعيد والتهديد ما لا يخفى: قال الحسين الكاشي
گر برهنه بره برون آيى
…
زود در تهمت جنون آيى
جامه ظاهرى كه نيست ببر
…
تو فضيحت شوى ميان بشر
فكر آن كن كه بي لباس ورع
…
چهـ كنى در مقام هول وفزع
خويشتن در لباس تقوى دار
…
تا شوى در دو كون برخوردار
والآية مشتملة على تمهيد قواعد الصحبة وتعظيم محاسن الأخلاق في احكام العشرة بل انها اشتملت على شيوع الرحمة والشفقة على البرية فان من لا يرحم لا يرحم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لمن ذكر انه لمن يقبل أولاده (ان الله لا ينزع الرحمة الا من قلب شقى وفي الحديث (حب الأولاد ستر من النار وكراماتهم جواز على الصراط والاكل معهم براءة من النار) وفي الحديث (اربع نفقات لا يحسب العبد بهن يوم القيامة نفقة على أبويه ونفقة على إفطاره ونفقة على سحوره ونفقة على عياله) واللطف والمرحمة ممدوح جدا عموما وخصوصا وفي الحديث (ان امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد ادلع لسانه من العطش فنزعت له فغفر لها) قال البخاري فنزعت خفها فاوثقته اى أحكمته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك والحديث يدل على غفران الكبيرة من غير توبة وهو مذهب اهل السنة وعلى ان من اطعم محتاجا الى الغذاء يستحق المثوبة والجزاء. فعلى العاقل العمل بالكتاب والسنة وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ اى يموتون ويقبض أرواحهم بالموت. وقرئ بفتح الياء اى يستوفون آجالهم وأعمارهم. واصل التوفى أخذ الشيء وافيا كاملا يقال توفى الشيء واستوفاه فمن مات فقد أخذ عمره وافيا كاملا واستوفاه وَيَذَرُونَ أَزْواجاً اى يتركون نساء من بعدهم وهو جمع زوج والمنكوحة تسمى زوجا وزوجة والتذكير اغلب قال تعالى اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ويجمع أزواجا على لغة التذكير وزوجات على لغة التأنيث يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ الباء للتعدية اى يجعلنها متربصة منتظرة بعد موتهم لئلا يبقى المبتدأ بلا عائد أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً اى في تلك المدة فلا يتزوجن الى انقضاء العدة قوله عشرا اى عشرة ايام وتأنيث العشر باعتبار الليالى لان التاريخ عند العرب بالليلة بناء على انها أول الشهر واليوم تبع لها ولعل الحكمة في تقدير عدة الوفاة باربعة أشهر وعشر ان الجنين إذا كان ذكرا يتحرك غالبا لثلاثة أشهر وان كان أنثى يتحرك لاربعة فاعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشر استظهارا اى استعانة بتلك الزيادة على العلم بفراغ الرحم إذ ربما تضعف الحركة في المبادي فلا يحس بها وكانت عدة الوفاة في أول الإسلام سنة فنسخت بهذه الا الحوامل فان عدتها بوضع الحمل قال تعالى وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ
والا الإماء فان عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت امة شهران وخمسة ايام نصف عدة الحرة بإجماع السلف وقوله تعالى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ خطاب مع المؤمنين فدل على ان الخطاب بهذه الفروع مختص بالمؤمنين فقط فلا وجه لا يجاب العدة المذكورة على الكتابية فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ اى انقضت عدتهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ الخطاب للحكام وصلحاء المسلمين لانهن ان تزوجن في مدة العدة وجب على كل واحد منعهن عن ذلك ان قدر عليه وان عجز وجب عليه ان يستعين بالسلطان فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من التزين والتعرض للخطاب وسائر ما حرم على المعتدة بِالْمَعْرُوفِ حال من فاعل فعلن اى فعلن ملتبسات بالوجه الذي لا ينكره الشرع وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فيجازيكم عليه فلا تعملون خلاف ما أمرتم به
هر كه عاصى شود بامر خدا
…
بيخ او را بكند قهر خدا
واعلم ان المراد بالتربص هنا الامتناع عن النكاح والامتناع عن الخروج من المنزل الذي توفى عنها زوجها فيه والامتناع عن التزين وهذا اللفظ كالمجمل لانه ليس فيه بيان انها تتربص في أي شىء الا انا نقول الامتناع عن النكاح مجمع عليه واما الامتناع عن الخروج من المنزل فواجب الا عند الضرورة والحاجة واما ترك التزين فهو واجب لما روى عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تحد على ميت فوق ثلاث ليال الا على زوجها اربعة أشهر وعشرا) وانما وجب الحداد لانه لما حرم عليها النكاح في العدة أمرت بتجنب الزينة حتى لا تكون بصفة الملتمسة للازواج ولاظهار التأسف على فوت نعمة النكاح الذي كان سبب مؤونتها وكفايتها من النفقة والسكنى وغير ذلك. والحداد على الميت ثلاثة ايام وتمس المرأة الطيب في الثالث لئلا يزيد الحداد على ثلاثة ايام فانها لو مسته في
الرابع لازداد الحداد من اليوم الرابع. وهو حرام ومن السنة ان يتوقى رسوم الجاهلية من شق الجيوب وضرب الخدود وحلق الشعر كما كان عادة العرب وكذا قطعه كما كان عادة العجم وكذا رفع الصوت بالبكاء والنوح وقد برئ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ممن يفعل شيأ من ذلك لانها عادات الجاهلية واكثر اهالى هذا الزمان في اكثر البلدان مبتلون بامثال هذه العادات لا سيما النساء فانهن يلبسن الالبسة السود الى ان تمضى ايام بل شهور كثيرة وربما ترى رجلا لا يلبس لباس الجمع والأعياد فلو سئل فيه لاجاب بقوله مات ابى او أمي او غيرهما وذلك بعد ما مضى من زمان الوفاة شهور. وكذا الرافضة قد تغالت في الحزن لمصيبة الحسين رضي الله عنه واحدت عليها حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لقتله رضي الله عنه فيقيمون في مثل هذا اليوم العزاء ويطيلون النوح والبكاء ويظهرون الحزن والكآبة ويفعلون فعل غير اهل الاصابة ويتعدون الى سب بعض الصحابة وهذا عمل اهل الضلال المستوجبين من الله الخزي والنكال كأنهم لم يسمعوا ما ورد في النهى عن الحداد ومن الله الرشاد والاشارة في الآية ان موت المسلم لم يكن فراقا اختياريا للزوج فكانت مدة وفاته أطول فكذا العبد الطالب فان حال الموت بينه وبين مطلوبه من غير اختياره فالوفاء بحصول مطلوبه في مدة كرم محبوبه كما قال تعالى وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ففى هذا تسلية قلوب
المؤمنين لئلا يقطع عليهم طريق الطلب وساوس الشيطان وهو رجس النفس بان طلب الحق امر عظيم وشأن خطير وأنت ضعيف والعمر قصير فان منادى الكرم من سرادقات الفضل ينادى ألا من طلبنى وجدنى فان الطلاب في طلبى كذا في التأويلات النجمية قدس الله تعالى نفسه الزاكية القدسية المرضية وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ علم الله تعالى ان المرأة إذا مات زوجها قد يكون لها مال او جمال او معنى يرغب الناس فيها فاطلق للراغب ان يعرض بالخطبة في العدة فقال تعالى ولا جناح عليكم فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ التعريض إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ الخطبة بالكسر التماس النكاح وبالضم الكلام المشتمل على الوعظ والزجر من الخطاب الذي هو الكلام يقال خطب المرأة اى خاطبها في امر النكاح والمراد بالنساء المعتدات للوفاة واما النساء اللاتي لا تكون منكوحة الغير ولا معتدته من طلاق رجعى فان خطبتهن جائزة تصريحا وتعريضا الا ان يخطبها رجل فيجاب بالرضى صريحا فههنا لا يجوز لغيره ان يخطبها لقوله عليه السلام (لا يخطبن أحدكم على خطبة أخيه) وان أجيب بالرد صريحا فههنا يحل لغيره ان يخطبها وان لم يوجد صريح الاجابة ولا صريح الرد ففيه خلاف والتي هي معتدة عن الطلاق الثلاث والبائن باللعان والرضاع ففى جواز التعريض بخطبتها خلاف واما البائن التي يحل لزوجها نكاحها في عدتها كالمختلعة والتي انفسخ نكاحها بعيب او عنة او إعسار نفقة فههنا يجوز لزوجها التعريض والتصريح واما غير الزوج فلا يحل له التصريح والتعريض لانها معتدة يحل للزوج ان يستبيحها في عدتها فلا يحل له التعريض بخطبتها كالرجعية ثم التعريض بالخطبة ان يقول لها في العدة انك لجميلة صالحة ومن غرضى ان أتزوج او اشتهى امرأة مثلك او انا محتاج الى امرأة صفتها كذا أو يقول انى حسن الخلق كثير الانفاق جميل العشرة محسن الى النساء فيصف نفسه ليرغب فيه او يقول رب راغب فيك وحريص عليك ونحو ذلك مما يوهم انه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه ان رغبت فيه ولا يصرح بالنكاح بان يقول انى أريد ان أنكحك او أتزوجك او أخطبك او غير ذلك فانه كما لا يجوز ان ينكحها في عدتها لا يجوز له ان يخطبها صريحا فيها أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مفعول أكننتم محذوف وهو الضمير الراجع الى ما الموصولة في قوله فيما عرضتم اى او أكننتموه فى أنفسكم اى أضمرتم في قلوبكم من نكاحهن فلم تذكروه صريحا ولا تعريضا. الآية الاولى لاباحة التعريض في الحال وتحريم التصريح في الحال وهذه الآية اباحة لان يعقد قلبه على انه سيصرح بذلك بعد انقضاء زمان العدة ثم انه تعالى ذكر الوجه الذي لاجله أباح ذلك فقال عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ لا محالة ولا تنفكون عن النطق برغبتكم فيهن فالمقصود بيان وجه اباحة الخطبة بطريق التعريض وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا نصب على انه مفعول ثان لتواعدوهن وهو استدراك عن محذوف دل عليه ستذكرونهن اى فاذكروهن وأظهروا لهن رغبتكم ولكن لا تواعدوهن نكاحا بل اكتفوا بما رخص لكم من التعريض والتعبير عن النكاح بالسر لان مسببه الذي هو الوطئ مما يسر به إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً استثناء مفرغ مما يدل عليه النهى اى لا تواعدوهن مواعدة ما الا مواعدة معروفة غير منكرة
شرعا وهي ما تكون بطريق التعريض والتلويح وَلا تَعْزِمُوا العزم عبارة عن عقد القلب على فعل من الافعال يتعدى بنفسه وبعلى قال الراغب ودواعى الإنسان الى الفعل على مراتب السانح ثم الخاطر ثم التفكر فيه ثم الارادة ثم الهمة ثم العزم فالهمة اجماع من النفس على الأمر والعزم هو العقد على إمضائه عُقْدَةَ النِّكاحِ اى لا تعزموا عقد عقدة النكاح لان العزم عبارة عن عقد القلب على فعل فلا يتعلق الا بالفعل والاضافة في قوله عقدة النكاح بيانية فلا تكون العقدة بمعنى ربط المكلف اجراء التصرف بل المراد به الحاصل بالمصدر وهو الارتباط الشرعي الحاصل بعقد العاقدين والمقصود النهى عن تزوج المعتدة في زمان عدتها الا انه نهى عن العزم على عقد النكاح للمبالغة في النهى عن النكاح في زمان العدة فان العزم على الشيء متقدم عليه والنهى عن مقدمات الشيء يستلزم النهى عن ذلك الشيء بطريق الاولى حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ الكتاب بمعنى المكتوب وهو المفروض والمعنى حتى تبلغ العدة المفروضة آخرها وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ من العزم على ما
لا يجوز فَاحْذَرُوهُ بالاجتناب عن العزم ابتداء وإقلاعا عنه بعد تحققه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن عزم ولم يفعل خشية من الله تعالى حَلِيمٌ لا يعاجلكم بالعقوبة فلا تستدلوا بتأخيرها على ان ما نهيتم عنه من العزم ليس مما يستتبع المؤاخذة فاجتنبوا اسباب العقوبة واعملوا بما أمركم به ربكم واغتنموا زمان الحياة حتى لا تتأسفوا كما قال المفرطون المتحسرون
چون توانستم ندانستم چهـ سود
…
چون بدانستم توانستم نبود
وقد وبخ الله تعالى من مال الى شهواته وهوى نفسه في هذه الآيات من غير ان يكون له رخصة شرعية فلا بد للعاقل ان يختار رضي الله تعالى على رضى نفسه ولا يكون له مطلب أعلى من مال او امرأة او غيرهما الا الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام (من كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه) فتأمل كيف جعل جزاء كل مؤمّل ما أمله وثواب كل قاصد ما قصده واعتبر كيف لم يكرر ذكر الدنيا اشعارا بعدم اعتبارها لخساستها ولان وجودها لعب ولهو فكأنه كلا وجود وانظر الى قوله عليه السلام (فهجرته الى ما هاجر اليه) وما تضمن من ابعاد ما سواه تعالى وتدبر هذا الأمر إذ ذكر الدنيا والمرأة مع انها منها يشعر بان المراد كل شىء في الدنيا من شهوة او مال وان المراد بالحديث الخروج عن الدنيا بل وعن كل شىء لله قال ابو سليمان الدار انى قدس سره ثلاث من طلبهن فقد ركن الى الدنيا طلب معاش او تزوج امرأة او كتب الحديث واعلم انه ينبغى لطالب الحق ان يحصل من العلوم الشرعية ما يفرق به بين الحق والباطل ويشتغل بالعلوم الرسمية والقوانين المتداولة قدر ما يقدر على استخراج الحديث والتفسير من غير تعمق فى الفلسفيات وغوامض العلوم فانه زائد على قدر الكفاية منهى عنه على اصول اهل الشريعة والطريقة فهذا أول الأمر في هذا الباب. واما امر النهاية وهو ما بعد التحصيل والتكميل فان السالك بقدر اشتغاله بالعلوم الظاهرة زاد بعدا عن درك الحق لان السلوك يبتنى على التخلي والانقطاع وترك الكلام والاستماع وتفريغ الباطن من العلائق ولو كانت علوما وطرح المشاغل
الخارجية والداخلية من البين خصوصا وعموما فقول بعضهم بنفي الاشتغال لاهل السلوك يبتنى على هذا المعنى لا على الترك من الأصل كما يزعمه جهلة الصوفية نعوذ بالله من هذا فان العلم مطلقا هو النور وبه يهتدى السالك الى مسالكه. واما ارباب النهاية من اهل السلوك فلا يمكن حصر أحوالهم فانهم لا يحتجبون لا بالكثرة عن الوحدة ولا بعكسها إذ هم تجاوزوا عن مقام الأغيار بل شاهدوا أينما قلبوا الاحداق الأنوار بل حققوا بالحقيقة فلا اغيار عندهم لا حقيقة ولا اعتبارا ولذا حبب الى النبي عليه السلام النساء وذلك لان محبته عليه السلام ليست كما يعرفها الناس بل سرها مستور لا يطلع عليه الا من فاز بالوراثة الكبرى يقول الفقير جامع هذه المجالس النفيسة انما بسطت الكلام في هذا المقام لئلا يظن أحد ان قوله فيما سبق او كتب من خرافات الصوفية بل له محمل على ما أشرت اليه ومن لم يسلك هذا الطريق لم يعرف قدر خطوات اهل التحقيق والتدقيق لا جُناحَ عَلَيْكُمْ المراد من الجناح في هذه الآية وجوب المهر اى لا تبعة من مهر إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ اى غير ماسين لهن ومجامعين قال ابن الشيخ الظاهر ان كلمة ما مصدرية ظرفية والزمان محذوف تقديره مدة عدم المسيس أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً كلمة او بمعنى الا ان كقولك لالزمنك او تعطينى حقى اى الا ان تفرضوا لهن عند العقد مهرا والمعنى انه لا تبعة على المطلق بمطالبة المهر أصلا إذا كان الطلاق قبل المسيس على كل حال الا في تسمية المهر فان عليه حينئذ نصف المسمى وفي حال عدم تسميته عليه المتعة لا نصف مثل المهر واما إذا كان بعد المساس فعليه في صورة التسمية تمام المسمى وفي صورة عدمها تمام مهر المثل وَمَتِّعُوهُنَّ عطف على مقدر اى فطلقوهن ومتعوهن اى أعطوهن ما يتبلغن وينتفعن به والحكمة في إيجاب المتعة جبر لما أوحشها الزوج بالطلاق وهو درع وهو ما يستر البدن وملحفة وهو ما يستر المرأة عند خروجها من البيت وخمار وهو ما يستر الرأس على حسب الحال كما يفصح عنه قوله تعالى عَلَى الْمُوسِعِ يقال أوسع الرجل إذا اتسع حاله فصار ذا سعة وغنى اى الذي له سعة قَدَرُهُ إمكانه وطاقته وَعَلَى الْمُقْتِرِ يقال اقتر الرجل إذا افتقر وصار ذا قترة. والقترة الغبار وهو قليل من التراب اى على المقل الضيق الحال قَدَرُهُ فالمتعة معتبرة بحاله لا بحالها لا تنقص عن خمسة دراهم ولا تزاد على نصف مهر المثل لان المسمى أقوى من مهر المثل والمتعة لا تزاد على نصف المسمى فلان لا تزيد على نصف مهر المثل اولى. والقدر والقدر لغتان وذهب جماعة الى ان الساكن مصدر والمتحرك اسم كالعد والعدد والمد والمدد والقدر بالتسكين الوسع يقال هو ينفق على قدره اى على وسعه وبالتحريك المقدار مَتاعاً اسم لمصدر الفعل المذكور من قبيل قوله تعالى أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً اى تمتيعا ملتبسا بِالْمَعْرُوفِ اى بالوجه الذي يستحسنه الشرع والمروءة حَقًّا صفة متاعا اى متاعا واجبا عَلَى الْمُحْسِنِينَ اى الذين يحسنون الى أنفسهم بالمسارعة الى الامتثال قال ابن التمجيد اعلم ان للمطلقة اربع حالات. الاولى ان تكون غير ممسوسة ولم يسم لها مهر. والثانية ان تكون ممسوسة وسمى لها. والثالثة ان تكون ممسوسة ولم يسم لها. والرابعة ان تكون غير
ممسوسة وسمى لها ورفع الجناح بمعنى نفى المهر انما هو في الصورة الاولى لا في البواقي من الصور الثلاث فان فيها وجوب المهر ولم يجب في الصورة الاولى مهر لا بعضا ولا كلا اما عدم وجوب البعض فلان مهر المثل لا ينصف واما عدم وجوب الكل فلكونها غير مدخول بها ولكن لها المتعة لقوله تعالى وَمَتِّعُوهُنَّ فانه في حق من جرى ذكرهن وهي المطلقات الغير الممسوسة التي لم يفرض لهن فريضة إذ لو فرضت لكان لهن تمام المهر لا المتعة وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً اى وان طلقتموهن من قبل المسيس حال كونكم مسمين لهن عند النكاح مهرا فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ اى فلهن نصف ما سميتم لهن من المهر وان مات أحدهما قبل الدخول فيجب عليه كله لان الموت كالدخول في تقرير المسمى كذلك فى إيجاب مهر المثل إذا لم يكن في العقد مسمى إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ استثناء من أعم الأحوال اى فلهن نصف المفروض معينا في كل حال الا في حال عفوهن اى المطلقات فانه يسقط ذلك حينئذ بعد وجوبه أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ اى يترك الزوج المالك لعقده وحله ما يعود اليه من نصف المهر الذي ساقه إليها كملا على ما هو المعتاد تكرما فان ترك حقه عليها عفو بلا شبهة فالمراد بقوله الذي بيده عقدة النكاح الزوج لا الولي والمراد بعفوه ان يعطيها الصداق كاملا النصف الواجب عليه والنصف الساقط العائد اليه بالتنصيف وتسمية الزيادة على الحق عفوا لما كان الغالب عندهم ان يسوق الزوج إليها كل المهر عند التزوج فاذا طلقها قبل الدخول فقد استحق ان يطالبها بنصف ما ساق إليها فاذا ترك المطالبة فقد عفا عنها وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى واللام في التقوى تدل على علة قرب العفو تقديره العفو اقرب من أجل التقوى إذ الاخذ كأنه عوض من غير معوض عنه او ترك المروءة عند ذلك ترك للتقوى وفي الحديث (كفى بالمرء من الشح ان يقول آخذ حقى لا اترك منه شيأ) وفي حديث الأصمعي اتى أعرابي قوما فقال لهم هذا في الحق او فيما هو خير منه قالوا وما خير من الحق قال التفضل والتغافل أفضل من أخذ الحق كله كذا في المقاصد الحسنة للسخاوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ليس المراد منه النهى عن النسيان لان ذلك ليس في الوسع بل المراد منه الترك والمعنى لا تتركوا الفضل والإفضال فيما بينكم بإعطاء الرجل تمام الصداق وترك المرأة نصيبها حثهما جميعا على الإحسان والإفضال وقوله بينكم منصوب بلا تنسوا: قال السعدي قدس سره
كسى نيك بيند بهر دو سراى
…
كه نيكى رساند بخلق خداى
إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فلا يكاد يضيع ما عملتم من التفضل والإحسان. والبصر في حقه تعالى عبارة عن الوصف الذي به ينكشف كمال نعوت المبصرات وذلك أوضح واجلى مما يفهم من ادراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات. والحظ الديني للعبد من البصر أمران. أحدهما ان يعلم انه خلق له البصر لينظر الى الآيات وعجائب الملكوت والسموات فلا يكون نظره الا عبرة قيل لعيسى عليه السلام هل أحد من الخلق مثلك فقال من كان نظره عبرة وصمته فكرة وكلامه ذكرا فهو مثلى. والثاني ان يعلم انه بمرأى من الله ومسمع فلا يستهين بنظره اليه واطلاعه عليه ومن أخفى عن غير الله ما لا يخفيه عن الله فقد استهان بنظر الله والمراقبة احدى ثمرات الايمان
بهذه الصفة فمن قارف معصية وهو يعلم ان الله يراه فما اجسره واخسره ومن ظن انه لا يراه فما اكفره كذا في شرح الأسماء الحسنى للامام الغزالي ثم الاشارة في الآيات ان مفارقة الاشكال من الأصدقاء والعيال لمصلحة دنيوية لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فيها فكيف يكون جناح ان فارقتموهم لمصلحة دينية بل أنتم مأمورون بمفارقتهم لزيارة بيت الله فكيف لزيارة الله فان الواجب في زيارة بيت الله مفارقة الاهالى والأوطان وفي زيارة الله مفارفة الأرواح والأبدان دع نفسك وتعال قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وقوله تعالى وَمَتِّعُوهُنَّ اشارة الى ان من له من الطلاب واهل الارادة مال فليمتع به أقرباءه وأحباءه حين فارقهم في طلب الحق سبحانه ليزيل عنهم بحلاوة المال مرارة الفراق فان الفطام عن المألوف شديد ولا ينفق المال عليهم بقدر قربهم في القرابة وبعدهم بل يقسم بينهم على فرائض الله كالميراث فانه قد مات عنهم بالحقيقة وفي قوله تعالى وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى اشارة الى ان الوصول الى تقوى الله حق تقاته انما هو بترك ما سوى الله والتجاوز عنه فان المواصلة الى الخالق على قدر المفارقة عن المخلوق والتقرب الى الله بقدر التبعد عما سواه وفي قوله تعالى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ هاهنا في الدنيا فان حلول الجنة ودخولهاهناك لا يكون الا من فضله كقوله تعالى الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ فى وجدان الفضل وفقدانه بَصِيرٌ كذا في التأويلات النجمية وانما يوجب للعبد الالتفات للخلائق فقدان النور الكاشف للخلائق والا فلو أشرق نور اليقين الهادي الى العلم بان الآخرة خير من الدنيا وان ما عند الله خير وأبقى لرأيت الآخرة اقرب من ان يرحل إليها ولرأيت محاسن الدنيا وقد ظهرت كسفة الفناء عليها لان الآتي قطعا كالموجود في الحال لا سيما ومباديه ظاهرة من تغير الأحوال وانتقال الأهلين والأموال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان النور إذا دخل القلب انفسح وانشرح) قيل يا رسول الله وهل له من علامة يعرف بها قال (التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله) انتهى اللهم اجعلنا ممن استعد للقائك وتهيأ لنوال وصالك حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ بالأداء لوقتها والمداومة عليها والمراد بالصلوات المكتوبات الخمس في كل يوم وليلة ثبت عددها بغيرها من الآيات والأحاديث المتواترة وباشارة في هذه الآية وهو ذكر الوسطى وهي ما اكتنفه عددان متساويان واقل ذلك خمسة لا يقال ان الثلاث بهذه الصفة لانا نقول الثلاث لا يكتنفها عددان فان الذي قبلها واحد والذي بعدها واحد وهو ليس بعدد فان العدد ما إذا اجتمع طرفاه صارا ضعفه وليس له طرفا فانه ليس قبله شىء وَحافظوا على الصَّلاةِ الْوُسْطى اى المتوسطة بينها على ان تكون الوسطى صفة مشبهة او الفضلى منها على ان تكون افعل تفضيل تأنيث الأوسط واوسط الشيء خيره واعدله وهي صلاة العصر لانها بين صلاتى ليل وصلاتى نها (ولقوله عليه الصلاة والسلام يوم الأحزاب (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا) وفضلها لكثرة اشتغال الناس في وقتها بتجاراتهم ومكاسبهم واجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله) اى ليكن من فوتها حذرا كما يحذر من ذهاب اهله وماله ثم في حديث يوم الأحزاب
حجة على من قال الصلاة الوسطى غير العصر وعلى من قال انها مبهمة ابهمها الله تعالى تحريضا للخلق على محافظتها كساعة الاجابة يوم الجمعة فان قيل ما روت عائشة رضي الله عنها انه عليه الصلاة والسلام قال (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) يدل على ان الوسطى غير العصر قلت يحتمل ان يكون الوسطى لقبا والعصر اسما فذكرها باسمها كذا فى شرح المشارق لابن الملك وَقُومُوا لِلَّهِ اى في الصلاة قانِتِينَ حال من فاعل قوموا اى ذاكرين له في القيام لان القنوت هو الذكر فيه او خاشعين- روى- انهم كانوا إذا قام أحدهم الى الصلاة هاب الرحمن ان يمد بصره او يلتفت او يقلب الحصى او يحدث نفسه بشئ من امور الدنيا الا ناسيا حتى ينصرف فَإِنْ خِفْتُمْ اى ان كان بكم خوف من عدو او غيره فَرِجالًا منصوب على الحال وعامله محذوف تقديره فصلوا راجلين والرجال جمع راجل مثل صحاب وصاحب أَوْ رُكْباناً اى راكبين وهو جمع راكب مثل فرسان وفارس.
ومذهب ابى حنيفة انهم لا يصلون في حال المشي والمسايفة ما لم يمكن الوقوف وعند إمكان الوقوف يصلى واقفا والدليل عليه قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ الآية فَإِذا أَمِنْتُمْ وزال خوفكم فَاذْكُرُوا اللَّهَ اى فصلوا صلاة الا من عبر عنها بالذكر لانه معظم أركانها كَما عَلَّمَكُمْ اى ذكرا كائنا كتعليمه إياكم ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ من كيفية الصلاة والمراد بالتشبيه ان تكون الصلاة المؤداة موافقة لما علمه الله وإيرادها بذلك العنوان لتذكير النعمة او اشكروا لله شكرا يوازى تعليمه إياكم ما لم تكونوا تعلمونه من الشرائع والاحكام التي من جملتها كيفية اقامة الصلاة حالتى الخوف والامن واعلم ان الصلاة بمنزلة الضيافة قد هيأها الله للموحدين فى كل يوم خمس مرات فكما في الضيافة تجتمع الألوان من الاطعمة ولكل طعام لذة ولون فكذلك فيها اركان وافعال مختلفة لكل فعل لذة وتكفير للذنوب وعن كعب الأحبار انه قال قال الله لموسى في مناجاته [يا موسى اربع ركعات يصليها احمد وأمته وهي صلاة الظهر أعطيهم فى أول ركعة منها المغفرة وفي الثانية أثقل موازينهم وفي الثالثة او كل بهم الملائكة يسبحون ويستغفرون لهم لا يبقى ملك في السماء ولا في الأرض الا ويستغفر لهم ومن استغفرت له الملائكة لم أعذبه ابدا وفي الرابعة افتح لهم أبواب السماء وتنظر إليهم الحور العين. يا موسى اربع ركعات يصليها احمد وأمته وهي صلاة العصر ما يسألون منى حاجة الا قضيت لهم. يا موسى ثلاث ركعات يصليها احمد وأمته وهي صلاة المغرب افتح لهم أبواب السماء. يا موسى اربع ركعات يصليها احمد وأمته وهي صلاة العشاء خير لهم من الدنيا وما فيها ويخرجون من الدنيا كيوم ولدتهم أمهاتهم] ثم اعلم انه لا يرخص لمن سمع الاذان ترك الجماعة فانها سنة مؤكدة غاية التأكيد بحيث لو تركها اهل ناحية وجب قتالهم بالسلاح لانها من شعائر الإسلام ولو تركها أحد منهم بغير عذر شرعى يجب عليه التعزير ولا تقبل شهادته ويأثم الجيران والامام والمؤذن بالسكوت عنه وفي غنية الفتاوى من حضر المسجد الجامع لكثرة جماعة في الصلاة فمسجد محلته أفضل قل اهل مسجده او كثر لان لمسجده حقا عليه لا يعارضه كثرة الجماعة ولا زيادة تقوى غيره او علمه ويبادر الصف الاول على محاذاة الامام وروى عن النبي عليه السلام انه قال (يكتب للذى خلف
الامام بحذائه مائة صلاة وللذى في الجانب الايمن خمس وسبعون صلاة وللذى في جانب الأيسر خمسون صلاة وللذى في سائر الصفوف خمس وعشرون صلاة) كذا في القنية ولا يتخطى رقاب الناس الى الصف الاول إذا وجد فيه فرجة ويتلاصقون بحيث يكونون محاذين بالأعناق والمناكب قال عليه السلام (رصوا صفوفكم وقاربوا بينها تقارب أشباحكم وحاذوا بالأعناق فو الذي نفسى بيده انى لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كانه الحذف) الخلل بفتح الخاء المعجمة الفرجة والحذف بفتحى الحاء المهملة والذال المعجمة الغنم السود الصغار الحجازية كذا في التنوير والكلام في أداء الصلاة بالحضور والتوجه التام: قال بعضهم
محراب ابروى تو اگر قبله ام نبود
…
كى بر فلك برند ملائك نماز من
- يحكى- ان الشيخ أبا العباس الجواليقي كان في بداية حاله يعمل الجوالق ويبيع فباع يوما جوالقا بنسيئة ونسى المشترى فلما قام الى الصلاة تفكر في ذلك ثم لما سلم قال لتلميذه وقعت لى خاطرة فى الصلاة انى الى أي شخص بعت الجوالق الفلاني فقال تلميذه يا أستاذ أنت في أداء الصلاة او في تحصيل الجوالق فأثر هذا القول في الشيخ فلبس جوالقا وترك الدنيا واشتغل بالرياضة الى ان وصل الى ما وصل
مردان بسعى ورنج بجايى رسيده اند
…
تو بى هنر كجا رسى از نفس پرورى
والاشارة ان الله تعالى أشار في حفظ الصلاة بصيغة المبالغة التي بين الاثنين وقال حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ يعنى محافظة الصلاة بينى وبينكم كما قال (قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين فنصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سأل) فمعناه انى حافظكم بقدرة التوفيق والاجابة والقبول والاثابة عليها فحافظوا أنتم على الصلاة بالصدق والإخلاص والحضور والخضوع والمناجاة بالتذلل والانكسار والاستعانة والاستهداء والسكون والوقار والهيبة والتعظيم وحفظ القلوب بدوام الشهود فانما هي الصلاة الوسطى لان القلب الذي في وسط الإنسان هو واسطة بين الروح والجسد ولهذا يسمى القلب فالاشارة في تخصيص المحافظة على الصلاة هي صلاة القلب بدوام الشهود فان البدن ساعة يحفظ صورة اركان الصلاة وهيئتها وساعة يخرج منها فلا سبيل الى حفظ صورتها بنعت الدوام ولا الى حفظ معانيها بوصف الحضور والشهود وانما هو من شأن القلب كقوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ وانه من نعت ارباب القلوب انهم في صلاتهم دائمون كذا في التأويلات النجمية فليسارع السالكون الى حرم الحضور قبل الموت والقبور فان الصلاة بالفتور غير مقبولة عند الله الغيور ولا بد من الاعراض عن الكائنات ليتجلى نور الذات والا فمن يستحضر عمرا وينادى زيدا فلا اجابة له ابدا: قال الشيخ سعدى الشيرازي قدس سره
آنكه چون پسته ديديش همه مغز
…
پوست بر پوست بود همچو پياز
پارسايان روى در مخلوق
…
پشت بر قبله ميكنند نماز
ومن الله التوفيق وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ اى يموتون يسمى المشارف الى الوفاة متوفيا تسمية للشئ باسم ما يؤول اليه وقرينة المجاز امتناع الوصية بعد الوفاة وَيَذَرُونَ أَزْواجاً
اى يدعون نساء من بعدهم وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ اى يوصون وصية لهن والجملة خبر الذين مَتاعاً اى يوصون متاعا إِلَى الْحَوْلِ او متعوهن تمتيعا الى الحول غَيْرَ إِخْراجٍ بدل من قوله متاعا بدل اشتمال لتحقق الملابسة بين تمتيعهن حولا وبين عدم اخراجهن من بيوتهن كأنه قيل يوصون لازواجهم متاعا اى لا يخرجن من مساكنهن حولا او حال من أزواجهم اى غير مخرجات والمعنى يجب على الذين يتوفون ان يوصوا قبل الاحتضار لازواجهم بان يمتعن بعدهم حولا بالنفقة والسكنى نزلت الآية في رجل من الطائف يقال له حكيم بن الحارث هاجر الى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته ومات فانزل الله هذه الآية فاعطى النبي عليه السلام والديه وأولاده من ميراثه ولم يعط امرأته شيأ وأمرهم ان ينفقوا عليها من تركة زوجها حولا وكان عدة الوفاة في ابتداء الإسلام حولا وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحلول وكان نفقتها وسكناها واجبة في مال زوجها ما لم تخرج ولم يكن لها الميراث فان خرجت من بيت زوجها سقطت نفقتها وكان على الرجل ان يوصى بها فكان كذلك حتى نزلت آية الميراث فنسخ الله تعالى نفقة الحول بالربع عند عدم الولد وولد الابن والثمن عند وجودهما وسقطت السكنى ايضا عند ابى حنيفة ونسخ عدة الحول باربعة أشهر وعشر فانه وان كان متقدما في التلاوة متأخر في النزول فَإِنْ خَرَجْنَ من منزل الأزواج باختيارهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ايها الائمة والحكام فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ لا ينكره الشرع كالتزين والتطيب وترك الحداد والتعرض للخطاب وهذا يدل على انه لم يكن يجب عليها ملازمة مسكن الزوج والحداد عليه وانما كانت مخيرة بين الملازمة وأخذ النفقة وبين الخروج وتركه وَاللَّهُ عَزِيزٌ غالب على امره يعاقب من خالفه حَكِيمٌ يراعى في أحكامه مصالح عباده وَلِلْمُطَلَّقاتِ سواء كن مدخولا بهن أم لا مَتاعٌ اى مطلق المتعة الشاملة للمستحبة والواجبة فان كانت المطلقة مفوضة غير مدخول بها وجبت لها المتعة وان كانت غيرها يستحب لها فلفظ التمتع المدلول عليه بمتعوهن في الآية السالفة يحمل على الواجب فلا منافاة بين الآيتين بِالْمَعْرُوفِ اى متاع ملتبس بالمعروف شرعا وعادة حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ اى مما ينبغى على من كان متقيا فليس بواجب ولكن من شروط التقوى التبرع بهذا تطييبا لقلبها وازالة للضغن كَذلِكَ اشارة الى ما سبق من احكام الطلاق والعدة اى مثل ذلك البيان الواضح يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ الدالة على أحكامه التي شرعها لعباده قال القاضي وعد بانه سيبين لعباده من الدلائل والاحكام ما يحتاجون اليه معاشا ومعادا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ لكى تفهموا ما فيها فتستعملوا العقل فيها وتعملوا بموجبها:
وفي المثنوى
كشتى بي لنگر آمد مرد شر
…
كه زياد كژ نيابد او حذر
لنگر عقلست عاقل را أمان
…
لنگرى دريوزه كن از عاقلان
والاشارة ان المطلقة لما ابتليت بالفراق جبرا لله تعالى كسر قلبها بالمتعة يشير بهذا الى ان المريد الصادق لو ابتلى في أوان طلبه بفراق الاعزة والأقرباء وهجران الاحبة والأصدقاء والخروج
من مال الدنيا وجاهها والهجرة من الأوطان وسكانها والتنقل في البلاد لصحبة خواص العباد ومقاساة الشدائد في طلب الفوائد فالله تعالى يبذل له إحسانه ويزيل عنه احزانه ويجبر كسر قلبه بمتعة (انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلى) فيكون للطالب الملهوف متاع بالمعروف من نيل المعروف كذلك يظهر الله لكم آياته اصناف الطافه وأوصاف أعطافه لعلكم تعقلون بانوار الطافه كمالات أوصافه كذا في التأويلات النجمية فالعاقل لا ينظر الى الدنيا واعراضها بل يعبر عن منافعها وأغراضها ويقاسى الشدائد في طريق الحق الى ان يصل الى الذات المطلق- يحكى- عن شقيقى البلخي انه لم يجد طعاما ثلاثة ايام وكان مشتغلا بالعبادة فلما ضعف عن العبادة رفع يده الى السماء وقال يا رب أطعمني فلما فرغ من الدعاء التفت فرأى شخصا ينظر اليه فلما التفت اليه سلم عليه وقال يا شيخ تعال معى فقام شقيق وذهب معه فادخله ذلك الرحل في بيت فرأى فيه ألواحا موضوعة عليها ألوان الاطعمة وعند الخوان غلمان وجوارى فاكل والرجل قائم فلما فرغ أراد ان يخرج شقيق من ذلك البيت فقال له الرجل الى اين يا شيخ فقال الى المسجد فقال ما اسمك قال شقيق فقال يا شقيق اعلم ان هذه الدار دارك والعبيد عبيدك وانا عبدك كنت عبدا لابيك بعثني الى التجارة فرجعت الآن وقد توفى أبوك فالدار وما فيها لك قال شقيق ان كان العبيد لى فهم أحرار لوجه الله وان كانت الأموال لى وهبتها لكم فاقتسموها بينكم فانى لا أريد شيأ يمنعنى عن العبادة: قال السعدي
تعلق حجابست وبي حاصلى
…
چو پيوندها بكسلى وأصلي
والدنيا علاقة خصوصا هذا الزمان زمان الفتنة والشرور فالراقد فيه خير من اليقظان- حكى- ان سليمان عليه السلام اتى بشراب الجنة فقيل له لو شربت هذا لا تموت فتشاور مع حشمه الا القنفذ قالوا بأجمعهم اشرب ثم أرسل الفرس والبازي الى القنفذ يدعوانه فلم يجبهما ثم أرسل اليه الكلب فاجابه فقال له سليمان لم لم تجب الفرس والبازي قال انهما جافيان لان الفرس يعدو بالعدو كما يعدو بصاحبه والبازي يطيع غير صاحبه كما يطيع صاحبه واما الكلب فانه ذو وفاء حتى انه لو طرده صاحبه من الدار يرجع اليه ثانيا فقال لهء أشرب هذا الشراب قال لا تشرب لانه يطول عمرك في السجن فالموت في العز خير من العيش في السجن
بهمه حال اسيرى كه ز بندى برهد
…
بهترش دان ز اميرى كه كرفتار آيد
فقال له سليمان أحسنت وامر باهراقة في البحر فعذب ماء ذلك البحر
نزود من الدنيا فانك راحل
…
وبادر فان الموت لا شك نازل
وان امرأ قد عاش سبعين حجة
…
ولم يتزود للمعاد لجاهل
ودنياك ظل فاترك الحرص بعد ما
…
علمت فان الظل لا بد زائل
قال السعدي قدس سره
كه اندر نعمتى مغرور غافل
…
كهى از تنك دستى خسته وريش
چودر سرا وضرا حالت اينست
…
ندانم كى بحق پروازى از خويش
اللهم احفظنا من الموانع أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ جمع دار اى منازلهم وهذا
الخطاب وان كان بحسب الظاهر متوجها الى النبي عليه السلام الا انه من حيث المعنى متوجه الى جميع من سمع بقصتهم من اهل الكتاب وارباب التواريخ فمقتضى الظاهر ان يقال ألم تسمع قصتهم الا انه نزل سماعهم إياها منزلة رؤيتهم تنبيها على ظهورها واشتهارها عندهم فخوطبوا بألم تر وهو تعجيب من حال هؤلاء وتقرير اى حمل على الإقرار بما دخله النفي قال الامام الواحدي ومعنى الرؤية هاهنا رؤية القلب وهي بمعنى العلم انتهى فتعدية الرؤية بالى مع انها ادراك قلبى لتضمين معنى الوصول والانتهاء على معنى ألم ينته علمك إليهم قال العلماء كل ما وقع في القرآن ألم تر ولم يعاينه النبي عليه السلام فهو بهذا المعنى وفي التيسير وتحقيقه اعلم ذلك وفي الكواشي معناه الوجوب لان همزة الاستفهام إذا دخلت على النفي او على الاستفهام صار تقريرا او إيجابا والمعنى قد علمت خبر الذين خرجوا الآية قال ابن التمجيد في حواشيه لفظ ألم تر قد يخاطب به من تقدم علمه بالقصة وقد يخاطب به من لم يتقدم علمه بها فانه قد يقول الرجل لآخر ألم تر الى فلان أي شىء قال يريد تعريفه ابتداء فالمخاطبون به هاهنا اما من سمعها وعلمها قبل الخطاب به من اهل التواريخ فذكرهم وعجبهم واما من لم يسمعها فعرفهم وعجبهم وقيل الخطاب عام لكل من يتأتى منه الرؤية دلالة على شيوع القصة وشهرتها بحيث ينبغى لكل أحد ان يعلمها او يبصرها ويتعجب منها وَهُمْ أُلُوفٌ جمع الف الذي هو من جملة اسماء العدد واختلفوا في عدد مبلغهم والوجه من حيث اللفظ ان يكون عددهم أزيد من عشرة آلاف لان الألوف جمع الكثرة فلا يقال في عشرة آلاف فما دونها ألوف حَذَرَ الْمَوْتِ مفعول له اى خرجوا من ديارهم خوفا من الموت فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ على لسان ملك وانما أسند اليه تعالى تخويفا وتهويلا لان قول القادر القهار والملك الجبار له شأن مُوتُوا التقدير فماتوا لاقتضاء قوله ثم أحياهم ذلك التقدير لان الاحياء يستدعى سبق الموت ثُمَّ أَحْياهُمْ اى أعادهم احياء ليستوفوا بقية أعمارهم وليعلموا ان لا فرار من القدر قال ابن العربي عقوبة لهم ثم أحياهم وميتة العقوبة بعدها حياة للاعتبار وميتة الاجل لا حياة بعدها وعن الحسن ايضا أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة لهم ثم بعثهم الى بقية آجالهم وقصة هؤلاء ما ذكره اكثر اهل التفسير انهم كانوا قوما من بنى إسرائيل بقرية من قرى واسط يقال لها داوردان وقع بها الطاعون فذهب اشرافهم واغنياؤهم واقام سفلتهم وفقراءهم فهلك اكثر من بقي في القرية وسلم الذين خرجوا فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين فقال الذين بقوا أصحابنا كانوا احزم منا لو صنعنا كما صنعوا لبقينا كما بقوا ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن الى ارض لا وباء بها فوقع الطاعون من العام القابل فهرب عامة أهلها فخرجوا حتى نزلوا واديا افيح بين جبلين فلما نزلوا المكان الذي يبتغون فيه النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي وملك آخر من أعلاه ان موتوا فماتوا جميعا من غير علة بامر الله ومشيئته وماتت دوابهم كموت رجل واحد فاتت عليهم ثمانية ايام حتى انتفخوا وأروحت أجسادهم اى أنتنت فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فاحدقوا حولهم حظيرة دون السباع وتركوهم فيها فاتت على ذلك مدة وقد بليت أجسادهم وعريت عظامهم فمر عليهم نبى يقال له حزقيل بن يوزى ثالث خلفاء بنى إسرائيل بعد موسى عليه السلام وذلك
ان القيم بعد موسى بامر بنى إسرائيل كان يوشع بن نون ثم كالب بن يوحنا ثم حزقيل وكان يقال له ابن العجوز لان امه كانت عجوزا فسألت الله الولد بعد ما كبرت وعقمت فوهبه الله لها وقال الحسن هو ذو الكفل وسمى حزقيل ذا الكفل لانه كفل سبعين نبيا وأنجاهم من القتل وقال لهم اذهبوا فانى ان قتلت كان خيرا لكم من ان تقتلوا جميعا فلما جاء اليهود وسألوا ذا الكفل عن الأنبياء السبعين قال انهم ذهبوا ولا أدرى اين هم ومنع الله تعالى ذا الكفل من اليهود بفضله وكرمه فلما مر حزقيل على أولئك الموتى وقف عليهم لكثرة ما يرى فجعل يتفكر فيهم متعجبا فاوحى الله اليه أتريد ان أريك آية قال نعم فقال الله نادايتها العظام ان الله يأمرك ان تجتمعى فاجتمعت من أعلى الوادي وأدناه حتى التزق بعضها ببعض فصارت أجسادا من عظام لا لحم ولا دم ثم اوحى الله اليه نادايتها الأرواح ان الله يأمرك ان تقومى فقاموا وبعثوا احياء يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا أنت فبقيت فيهم بقايا من ريح النتن حتى انه بقي في أولاد ذلك السبط من اليهود الى اليوم ثم انهم رجعوا الى بلادهم وقومهم وعاشوا دهرا سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن حتى ماتوا لآجالهم التي ثبتت لهم وفائدة القصة تشجيع المسلمين على الجهاد والتعرض لاسباب الشهادة وحثهم على التوكل والاستسلام وان الموت حيث لم يكن منه بد ولم ينفع منه المفر فاولى ان يكون في سبيل الله إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عظيم عَلَى النَّاسِ قاطبة اما أولئك فقد أحياهم ليعتبروا بما جرى عليهم فيفوزوا بالسعادة العظمى واما الذين سمعوا قصتهم فقد هداهم الى مسلك الاعتبار والاستبصار وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ فضله كما ينبغى لعجز بعضهم وكفر بعضهم وَقاتِلُوا الخطاب لهذه الامة وهو معطوف على مقدر تقديره فاطيعوا وقاتلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاعلاء دينه متيقنين ان الفرار من الموت غير مخلص وان القدر واقع فلا تحرموا من أحد الحظين اما النصر والثواب واما الموت في سبيل الله الملك الوهاب وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يسمع مقالة السابقين الى الجهاد من ترغيب الغير فيه ومقالة المتخلفين عنه من تنفير الغير عَلِيمٌ بما يضمرونه في أنفسهم يعلم ان خلف المتخلف لأى غرض وان جهاد المجاهد لأى سبب وانه لاجل الدين او الدنيا وهو من وراء الجزاء ثم ان قوله تعالى أَلَمْ تَرَ رد لتقبيح حال هؤلاء الذين خرجوا وقد جعل الله جزاء خروجهم الموت والخيبة في رجائهم الخلاص وكل ذلك يدل على كراهية الفرار فثبت بهذه الآية فضيلة الفرار وفائدته وفي الحديث (الفار من الطاعون كالفار من الزحف) وهذا الحديث يدل على ان النهى عن الخروج للتحريم وانه من الكبائر قيل ان عبد الملك هرب من الطاعون فركب ليلا واخرج غلاما معه فكان ينام على دابته فقال للغلام حدثنى فقال من انا حتى أحدثك فقال على كل حال حدث حديثا سمعته فقال بلغني ان ثعلبا كان يخدم أسدا ليحميه ويمنعه مما يريده فكان يحميه فرأى الثعلب عقابا فلجأ الى الأسد فاقعده على ظهره فانقض العقاب واختلسه فصاح الثعلب يا أبا الحارث أغثني واذكر عهدك لى فقال انما اقدر على منعك من اهل الأرض فاما اهل السماء فلا سبيل إليهم فقال عبد الملك وعظتني وأحسنت وانصرف ورضى بالقضاء
قال السعدي قدس سره
قضا كشتى آنجا كه خواهد برد
…
وكر ناخدا جامه بر تن درد
در آبى كه پيدا نباشد كنار
…
غرور شناور نيايد بكار
واعلم ان ما كان من القضاء حتما مقضيا لا ينفعه شىء كما قال عليه السلام (الحذر لا ينفع من القدر) واما المعلق فتنفعه الصدقة وأمثالها كما قال عليه السلام (الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الأعمار) قال بعض المحققين ان المقدرات على ضربين ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكليات المختصة بالإنسان ما اخبر النبي عليه الصلاة والسلام انها محصورة في اربعة أشياء العمر والرزق والاجل والسعادة او الشقاوة وهي لا تقبل التغير فالدعاء فيها لا يفيد كصلة الرحم الا بطريق الفرض بمعنى ان لصلة الرحم مثلا من الأثر في الخير ما لو أمكن ان يبسط في رزق الواصل ويؤخر في اجله بها لكان ذلك ويجوز فرض المحال إذا تعلق بذلك حكمة قال تعالى قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ واما الجزئيات ولوازمها التفصيلية فقد يكون ظهور بعضها وحصوله للانسان متوقفا على اسباب وشروط ربما كان الدعاء او الكسب والسعى والتعمد من جملتها بمعنى انه لم يقدر حصوله بدون ذلك الشرط- حكى- ان قصارا مر على عيسى عليه السلام مع جماعة من الحواريين فقال لهم عيسى احضروا جنازة هذا الرجل وقت الظهر فلم يمت فنزل جبريل فقال ألم تخبرني بموت هذا القصار فقال نعم ولكن تصدق بعد ذلك بثلاثة ارغفة فنجا من الموت وقد سبق منا في الجزء الاول عند قوله تعالى فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ما يتعلق بالطاعون والفرار منه فليرجع اليه قال الامام القشيري في قوله تعالى وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية يعنى ان مسكم ألم فتصاعد منكم أنين فاعلموا ان الله سميع بأنينكم عليم بأحوالكم والآية توجب عليهم تسهيل ما يقاسونه من الألم قال قائلهم
إذا ما تمنى الناس روحا وراحة
…
تمنيت ان أشكو إليك وتسمع
انتهى كلامه قدس سره اللهم اجعلنا من الذين يفرون الى جنابك ويميلون مَنْ استفهام للتحريض على التصدق مبتدأ ذَا اشارة الى المقرض خبر المبتدأ اى من هذا الَّذِي صفة ذا او بدل منه يُقْرِضُ اللَّهَ اصل القرض القطع سمى به لان المعطى يقرضه اى يقطعه من ماله فيدفعه اليه ليرجع اليه مثله من الثواب واقراض الله مثل لتقديم العمل الذي يطلب به ثوابه قَرْضاً مصدر ليقرض بمعنى اقراض كقوله تعالى أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً اى اقراضا حَسَناً اى مقرونا بالإخلاص وطيب النفس ويجوز ان يكون القرض بمعنى المقرض اى بمعنى المفعول على انه مفعول ثان ليقرض وحسنه ان يكون حلالا صافيا عن شوب حق الغير به وقيل القرض الحسن المجاهدة والانفاق في سبيل الله ومن انواع القرض قول الرجل سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فَيُضاعِفَهُ لَهُ منصوب بإضمار ان عطفا على المصدر المفهوم من يقرض الله في المعنى فيكون مصدرا معطوفا على مصدر تقديره من ذا الذي يكون منه اقراض فمضاعفة من الله او منصوب على جواب الاستفهام في المعنى لان الاستفهام
وان وقع عن المقرض لفظا فهو عن الاقراض معنى كأنه قال أيقرض الله أحد فيضاعفه واصل التضعيف ان يزاد على الشيء مثله او أمثاله أَضْعافاً جمع ضعف حال من الهاء في يضاعفه كَثِيرَةً هذا قطع للاوهام عن مبلغ الحساب اى لا يعلم قدرها الا الله وقيل الواحد سبعمائة وحكمة تضعيف الحسنات لئلا يفلس العبد إذا اجتمع الخصماء فمظالم العباد توفى من التضعيفات لا من اصل حسناته لان التضعيف فضل من الله تعالى واصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة وذكر الامام البيهقي ان التضعيفات فضل من الله تعالى لا يتعلق بها العباد كما لا يتعلق بالصوم بل يدخرها الحق للعبد فضلا منه سبحانه فاذا دخل الجنة أثابه بها: قال السعدي
نكوكارى از مردم نيك رأى
…
يكى را بده مى نويسد خداى
كرم كن كه فردا كه ديوان نهند
…
منازل بمقدار احسان تهند
ولما حثهم على الإخراج سهل عليهم الاقراض واخبر انهم لا يمكنهم ذلك الا بتوفيقه فقال وَاللَّهُ يَقْبِضُ يقتر على بعض وَيَبْصُطُ يوسع على بعض او يقتر تارة ويوسع اخرى حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح وإذا علم العبد ذلك هان عليه الإعطاء لان الله تعالى هو الرزاق وهو الذي وسع عليه فهو يسأل منه ما أعطاه ولانه يخلفه عليه في الدنيا ويثيبه عليه في العقبى فكأن الله تعالى يقول إذا علمتم ان الله هو القابض والباسط وان ما عندكم انما هو من بسطه وإعطائه فلا تبخلوا عليه فاقرضوه وأنفقوا مما وسع عليكم واعطاكم ولا تعكسوا بان تبخلوا لئلا يعاملكم. مثل معاملتكم في التعكيس بان يقبض بعد ما بسط. ولعل تأخير البسط عن القبض في الذكر للايماء الى انه يعقبه في الوجود تسلية للفقراء قال الامام الغزالي في شرح الأسماء الحسنى القابض الباسط هو الذي يقبض الأرواح من الأشباح عند الممات ويبسط الأرواح فى الأجساد عند الحياة ويقبض الصدقات من الأغنياء ويبسط الأرزاق للضعفاء يبسط الرزق على الأغنياء حتى لا تبقى فاقة ويقبضه من الفقراء حتى لا تبقى طاقة ويقبض القلوب فيضيقها مما يكشف لها من قلة مبالاته وتعاليه وجلاله ويبسطها لما يقرب إليها من بره ولطفه وجماله والقابض الباسط من العباد من ألهم بدائع الحكم واوتى جوامع الكلم فتارة يبسط قلوب العباد بما يذكرهم من آلاء الله ونعمائه وتارة يقبضها بما ينذرهم به من جلال الله وكبريائه وفنون عذابه وبلائه وانتقامه من أعدائه كما فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث قبض قلوب الصحابة عن الحرص على العبادة حيث ذكرهم ان الله يقول لآدم يوم القيامة ابعث بعث النار فيقول كم فيقول من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين فانكسرت قلوبهم حتى فتروا عن العبادة فلما أصبح ورآهم على ما هم عليه من القبض والفتور روح قلوبهم وبسطها فذكر انهم في سائر الأمم كشامة سوداء في مسك ثور ابيض انتهى قال القشيري في رسالته القبض والبسط حالتان بقدر ترقى العبد عن حال الخوف والرجاء والقبض للعارف بمنزلة الخوف للمستأنف والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فيجازيكم على ما قدمتم من الأعمال خيرا وشرا على الجود بالجنة وعلى البخل بالنار وهو وعد ووعيد او هو تنبيه على ان الغنى لمفارق ماله بالموت فليبادر الى الانفاق قبل الفوت واجتمع جماعة من الأغنياء والفقراء فقال غنى ان الله تعالى
رفع درجاتنا حتى استقرض منا وقال فقير بل رفع درجاتنا حتى استقرض لنا والواحد قد يستقرض من غير الحبيب ولك ان لا تستقرض الا لاجل الحبيب وقبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ودرعه عند يهوى بشعير اخذه لقوت عياله. انظر ممن استدان ولمن استدان وفي الحديث (يقول الله تعالى يوم القيامة ابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى قال رب كيف أطعمك وأنت رب العزة قال استطعمك عبدى فلان فلم تطعمه أما علمت انك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى) فالقرض لا يقع عند المحتاج فكأنه ذكر نفسه ونزل وصفه منزلة المحتاج كقوله مرضت فلم تعدنى جعت فلم تطعمنى شفقة وتلطيفا للفقير والمريض وهذا من باب التنزلات الرحمانية عند المحققين لتكميل محبة العبد وجذبه الى حظرة اهل الشهود من عباده إذ جذبة من جذبات الحق توازى عمل الثقلين وذلك إذا شاهد العبد الفقير جلوة جمال الرحمن في أطوار تنزلاته في المشاهد الاعيانية: وفي المثنوى
روى خوبان زانيه زيبا شود
…
روى احسان از كدا پيدا شود
چون گدا آيينه جودست هان
…
دم بود بر روى آيينه زبان
پس ازين فرمود حق در والضحى
…
بانك كم زن اى محمد بر كدا
فالله تعالى من كمال فضله وكرمه مع عباده خلق أنفسهم وملكهم الأموال ثم اشترى منهم أنفسهم وأموالهم ثم ردها إليهم بالعارية ثم أكرمهم فيها بالاستقراض منهم ثم بشر بأضعاف كثيرة عليها فالعبد الصادق لا يطلب الا على قدر همته ولا يريد العوض مما أعطاه الا ذاته تعالى فيعطيه الله ما هو مطلوبه على قدر همته ويضاعف له مع مطلوبه ما أخفى لهم من قرة أعين أضعافا كثيرة على قدر كرمه فمن يكون له متاع الدنيا باسره قليلا فانظر ما يكون له كثيرا اللهم متعنا بما ألهمت قلوب أوليائك واجعلنا من الذين قصروا أعينهم على استطلاع أنوار لقائك أَلَمْ تَرَ اى ألم ينته علمك إِلَى قصة الْمَلَإِ اى قد علمت خبرهم باعلامى إياك فتعجب. الملأ جماعة يجتمعون للتشاور سموا بذلك لانهم اشراف يملأون العيون مهابة والمجالس بهاءة لا واحد له من لفظه كالقوم مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ من للتبعيض حال من الملأ اى كائنين بعض بنى إسرائيل وهم أولاد يعقوب مِنْ ابتدائية متعلقة بما تعلق به الجار الاول بَعْدِ وفاة مُوسى إِذْ قالُوا منصوب بالمضاف المقدر في الملأ اى ألم تر الى قصة الملأ او حديثهم حين قالوا الان الذوات لا يتعجب منها وانما يتعجب من أحوالها لِنَبِيٍّ لَهُمُ اشمويل وهو الأشهر الأظهر ابْعَثْ لَنا مَلِكاً اى أقم وانصب لنا سلطانا يتقدمنا ويحكم علينا في تدبير الحرب ونطيع لامره نُقاتِلْ معه وهو بالجزم على الجواب فِي سَبِيلِ اللَّهِ طلبوا من نبيهم ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من التأمير على الجيوش التي كان يجهزها ومن أمرهم بطاعته وامتثال أوامره- وروى- انه امر الناس إذا سافروا ان يجعلوا أحدهم أميرا عليهم قالَ كأنه قيل فماذا قال لهم النبي حينئذ فقيل قال هَلْ عَسَيْتُمْ قاربتم إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ مع الملك شرط معترض بين عسى وخبره وهو قوله أَلَّا تُقاتِلُوا معه قال فى الكشاف والمعنى هل قاربتم ان لا تقاتلوا يعنى هل الأمر كما أتوقعه انكم لا تقاتلون أراد ان يقول
عسيتم ان لا تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال فادخل هل مستفهما عما هو متوقع عنده وانه صائب في توقعه كقوله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ معناه التقرير قالُوا وَما مبتدأ وهو استفهام إنكاري خبره قوله لَنا فى أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى أي سبب وغرض لنا في ترك القتال وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا اى والحال انه قد عرض لنا ما يوجب القتال إيجابا قويا من الإخراج من الديار والأوطان والاغتراب عن الأهل والأولاد وافراد الأبناء بالذكر لمزيد تقوية اسباب القتال قال بعضهم وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا جلاء واسرا ومثله يذكر اتباعا نحو وزججن الحواجب والعيونا وكان سبب مسألتهم نبيهم ذلك انه لما مات موسى عليه السلام خلف بعده في بنى إسرائيل يوشع يقيم فيهم التوراة وامر الله حتى قبضه الله ثم خلف فيهم كالب كذلك حتى قبضه الله ثم عظمت الأحداث في بنى إسرائيل ونسوا عهد الله حتى عبدوا الأوثان فبعث الله إليهم ألياس نبيا فدعاهم الى الله وكانت الأنبياء من بنى إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة ثم خلف بعد ألياس أليسع وكان فيهم ما شاء الله حتى قبضه الله وخلف فيهم الخلوف وعظمت الخطايا وظهر لهم عدو يقال له البلنانا وهم قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وهم العمالقة أولاد عمليق بن عاد فظهروا على بنى إسرائيل وغلبوا على كثير من ارضهم وسبوا كثيرا من ذراريهم وأسروا من أبناء ملوكهم اربعمائة وأربعين غلاما وضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم ولقى بنوا إسرائيل منهم بلاء شديدا ولم يكن لهم بنى يدبر أمرهم وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم الا امرأة حبلى فحبسوها في بيت رهبة ان تلد جارية فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بنى إسرائيل في ولدها وجعلت المرأة تدعو الله ان يرزقها غلاما فولدت غلاما فسمته اشمويل تقول سمع الله دعائى وهو بالعبرانية إسماعيل والسين تصير شينا في لغة عبران فكبر الغلام فاسلموه لتعلم التوراة في بيت المقدس وكفله شيخ من علمائهم وتبناه فلما بلغ الغلام أتاه جبريل عليه السلام وهو نائم الى جنب الشيخ
وكان لا يأتمن عليه أحدا فدعاه بلحن الشيخ يا اشمويل فقام الغلام مسرعا الى الشيخ فقال يا أبتاه دعوتنى فكره الشيخ ان يقول لا لئلا يتفزع الغلام فقال يا بنى ارجع فنم فرجع الغلام فنام ثم دعاه الثانية فقال الغلام دعوتنى فقال ارجع فنم فان دعوتك الثالثة فلا تجبنى فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل فقال له اذهب الى قومك فبلغهم رسالة ربك فان الله قد بعثك فيهم نبيا فلما أتاهم كذبوه وقالوا له استعجلت بالنبوة ولم تأن لك وقالوا ان كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية نبوتك وانما كان قوام امر بنى إسرائيل بالاجتماع على الملوك وطاعة الملوك لانبيائهم فكان الملك هو الذي يشير بالجموع والنبي يقيم امره ويشير عليه برشده ويأتيه بالخبر من عند ربه فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ بعد سؤال النبي ذلك وبعث الملك تَوَلَّوْا اى اعرضوا وتخلفوا عن الجهاد وضيعوا امر الله ولكن لا في ابتداء الأمر بل بعد مشاهدة كثرة العدو وشوكته وانما ذكر الله هاهنا مآل أمرهم اجمالا إظهارا لما بين قولهم وفعلهم من التنافي والتباين إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهم الذين عبروا النهر مع طالوت واقتصروا على الغرفة وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر بعدد اهل بدر وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وعيد لهم على ظلمهم بالتولى عن القتال وترك الجهاد وتنافى أقوالهم
وأفعالهم والاشارة ان القوم لما أظهروا خلاف ما اضمروا وزعموا غير ما كتموا عرض نقد دعواهم على محك معناهم فما أفلحوا عند الامتحان إذ عجزوا عن البرهان وعند الامتحان يكرم الرجل او يهان: قال الحافظ خود بود كر محك تجربه آمد بميان تا سيه روى شود هر كه دروغش باشد وهذه حال المدعين من اهل السلوك وغيرهم قال اهل الحقيقة عللوا القتال بما يرجع الى حظوظهم فخذلوا ولو قالوا كيف لا نقاتل وقد عصوا الله وخربوا بلاد الله وقهروا عباد الله واطفأوا نور الله لنصروا. وأفادت الآية ان خواص الله فيهم قليلة قال تعالى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وهذا فى كل زمان لكن الشيء العزيز القليل أعلى بهاء من الكثير الذليل: قال السعدي قدس سره
خاك مشرق شنيده ام كه كنند
…
بچهل سال كاسه چينى
صد بروزى كنند در بغداد
…
لاجرم قيمتش همى بينى
وانما كان اهل الحق اقل مع ان الجن والانس انما خلقوا لاجل العبادة كما قال تعالى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ لان المقصود الأعظم هو الإنسان الكامل وقد حصل أو لأن المهديين وان قلوا بالعدد لكنهم كثيرون بالفضل والشرف كما قيل قليل إذا عدوا كثير إذا شدوا اى أظهروا الشدة. وقد روى عن ابن مسعود رضى الله عنه السواد الأعظم هو الواحد على الحق والحكمة لا تقتضى اتفاق الكل على الإخلاص والإقبال الكلى على الله فان ذلك مما يخل بامر المعاش ولذلك قيل لولا الحمقى لخربت الدنيا بل تقتضى ظهور ما أضيف اليه كل من اليدين فللواحدة المضاف إليها عموم السعداء الرحمة والجنان وللاخرى القهر والغضب ولوازمهما فلا بد من الغضب لتكميل مرتبة قبضة الشمال فانه وان كان كلتا يديه يمينا مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الاخرى فعلى العاقل ان يحترز من اسباب الغضب ويجتهد في نيل كرم الرب قال على كرم الله وجهه [من ظن انه بدون الجهد يصل فهو متمن ومن ظن انه بذل الجهد فهو متعن] اللهم أفض علينا من سجال فضلك وكرمك وأوصلنا إليك بك يا ارحم الراحمين وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ وذلك ان اشمويل لما سأل الله تعالى ان يبعث لهم ملكا اتى بعصا وقرن فيه دهن القدس وقيل له ان صاحبكم الذي يكون ملكا طوله طول هذه العصا وانظر القرن الذي فيه الدهن فاذا دخل عليك رجل ونش الدهن الذي في القرن فهو ملك بنى إسرائيل فدهن به رأسه وملك عليهم قال وهب ضلت حمر لابى طالوت فارسله وغلاما له في طلبها فمرا ببيت اشمويل فقال الغلام لو دخلنا على هذا النبي فسألنا عن الحمر ليرشدنا ويدعو لنا بحاجتنا فدخلا عليه فبينماهما عنده يذكر ان له شأن الحمر إذ نش الدهن الذي في القرن فقام اشمويل فقاس طالوت بالعصا فكان على طولها فقال لطالوت قرب رأسك فقربه فدهنه بدهن القدس ثم قال له أنت ملك بنى إسرائيل الذي أمرني الله ان أملكه عليهم قال بأى آية قال بآية انك ترجع وقد وجد أبوك حمره فكان كذلك ثم قال اشمويل لبنى إسرائيل إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ اسم أعجمي ممتنع من الصرف لتعريفه وعجمته مَلِكاً حال منه اى فاطيعوه وقاتلوا عدوكم معه قالُوا متعجبين من ذلك ومنكرين قيل انهم كفروا بتكذيبهم نبيهم وقيل كانوا مؤمنين لكن تعجبوا وتعرفوا وجه الحكمة
فى تمليكه كما قال الملائكة أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا من أين يكون له ذلك ويستأهل وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ اولى بالرياسة عليه منه بالرياسة علينا وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ اى لم يعط تروه وكثرة من المال فيشرف بالمال إذا فاته الحسب يعنى كيف يتملك علينا والحال انه لا يستحق التملك لوجود من هو أحق منه ولعدم ما يتوقف عليه الملك من المال ولا بد للملك من مال يقتصد به. وسبب هذا الاستبعاد ان النبوة كانت مخصوصة بسبط معين من أسباط بنى إسرائيل وهو سبط لاود بن يعقوب ومنه كان موسى وهارون وسبط المملكة سبط يهودا بن يعقوب ومنه كان داود وسليمان ولم يكن طالوت من أحد هذين السبطين بل هو من ولد بنيامين بن يعقوب وكانوا عملوا ذنبا عظيما ينكحون النساء على ظهر الطريق نهارا فغضب الله عليهم ونزع الملك والثروة منهم وكانوا يسمونه سبط الإثم وكان طالوت يتحرف بحرفة دنية كان رجلا دباغا يعمل الادم فقيرا او سقاء او مكاريا قالَ لهم نبيهم ردا عليهم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ اى اختاره فان لم يكن له نسب ومال فله فضيلة اخرى وهو قوله وَزادَهُ بَسْطَةً اى سعة وامتدادا فِي الْعِلْمِ المتعلق بالملك او به وبالديانات ايضا وَالْجِسْمِ بطول القامة وعظم التركيب لان الإنسان يكون أعظم في النفوس بالعلم وأهيب في القلوب بالجسم وكان أطول من غيره برأسه ومنكبيه حتى ان الرجل القائم كان يمد يده فينال رأسه لما استبعدوا تملكه بسقوط نسبه وبفقره رد عليهم ذلك اولا بان ملاك الأمر هو اصطفاء الله وقد اختاره عليكم وهو اعلم بالمصالح منكم وثانيا بان العمدة فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة امور السياسة وجسامة البدن ليعظم
خطره في القلوب ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الحروب وقد خصه الله تعالى منهما بحظ وافر وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ لما انه مالك الملك والملكوت فعال لما يريد فله ان يؤتيه من يشاء من عباده وَاللَّهُ واسِعٌ يوسع على الفقير ويغنيه عَلِيمٌ بمن يليق بالملك ممن لا يليق به وفي التأويلات النجمية انما حرم بنوا إسرائيل من الملك لانهم كانوا معجبين بانفسهم متكبرين على طالوت ناظرين اليه بنظر الحقارة من عجبهم قالوا ونحن أحق بالملك منه ومن تكبرهم عليه قالوا أنى يكون له الملك علينا ومن تحقيرهم إياه قالوا ولم يؤت سعة من المال فلما تكبروا وضعهم الله وحرموا من الملك: قال السعدي قدس سره
يكى قطره باران ز ابرى چكيد
…
خجل شد چو پهناى دريا بديد
كه جايى كه درياست من كيستم
…
كر او هست حقا كه من نيستم
چوخود را بچشم حقارت بديد
…
صدف در كنارش بجان پروريد
سپهرش بجايى رسانيد كار
…
كه شد نامور لؤلوى شاهوار
بلندى از ان يافت كو پست شد
…
در نيستى كوفت تا هست شد
ومن بلاغات الزمخشري كم يحدث بين الخبيثين ابن لا يعابن والفرث والدم يخرج من بينهما اللبن يعنى حدوثا كثيرا يحدث بين الزوجين الخبيثين ابن طيب لا يعاب بين الناس ولا يذكر بقبيح وهذا غير مستبعد لان اللبن يخرج من بين السرجين والدم وهما مع كونهما مستقذرين لا يؤثران في اللبن بشئ من طعمهما ولونهما بل يحدث اللبن من بينهما لطيفا نظيفا سائغا
للشاربين. قالوا يخلق الله اللبن وسيطابين الفرث والدم يكتنفانه وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله لا ينبغى أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله. قيل إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها وهو من الحيوان بمنزلة المعدة من الإنسان طبخته فكان أسفله فرثا وأوسطه مادة اللبن وأعلاه مادة الدم والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجرى الدم في العروق واللبن في الضروع وتبقى الفرث في الكرش فسبحان الله ما أعظم قدرته وألطف حكمته لمن تأمل والإنسان له استعداد الصلاح والفساد فتارة يظهر في الأولاد الصلاح المبطون في الآباء وتارة يكون الأمر بالعكس وامر الإيجاد يدور على الإظهار والإبطان فانظر الى آدم وابنيه قابيل وهابيل ثم وثم الى انتهاء الزمان. والحاصل ان طالوت ولو كان اخس الناس عند بنى إسرائيل لكنه عظيم شريف عند الله لما ان النظر الإلهي إذا تعلق بحجر يجعله جوهرا وبشوك يجعله وردا وريحانا فلا معترض لحكمه ولاراد لقضائه فالوضيع من وضعه الله وان كان قد رفعه الناس والرفيع من رفعه الله وان كان قد وضعه الناس. والعاقل إذا تأمل أمثال هذا يجد من نفسه الانصاف والسكوت وتفويض الأمر الى الحي الذي لا يموت والله يقول الحق وهو يهدى السبيل وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ طلبوا علامة من نبيهم على كون طالوت ملكا عليهم فقالوا ما آية ملكه فقال إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ اى علامة سلطنته أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ من التوب وهو الرجوع وسمى تابوتا لانه ظرف توضع فيه الأشياء وتودع فلا يزال يرجع اليه ما يخرج منه وصاحبه يرجع اليه فيما يحتاج اليه من مودعاته والمراد به صندوق التوراة وكان قد رفعه الله بعد وفاة موسى عليه السلام سخطا على بنى إسرائيل لما عصوا واعتدوا فلما طلب القوم من نبيهم آية تدله على ملك طالوت قال لهم ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت من السماء والملائكة يحفظونه فاتاهم كما وصف والقوم ينظرون اليه حتى نزل عند طالوت وهذا قول ابن عباس رضى الله عنهما. وقال ارباب الاخبار ان الله تعالى انزل على آدم عليه السلام تابوتا فيه تماثيل الأنبياء عليهم السلام من أولاده وكان من عود الشمشار ونحوا من ثلاثة اذرع في ذراعين فكان عند آدم عليه السلام الى ان توفى فتوارثه أولاده واحد بعد واحد الى ان وصل الى يعقوب عليه السلام ثم بقي في أيدي بنى إسرائيل الى ان وصل الى موسى عليه السلام فكان يضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه وكان إذا قاتل قدمه فكانت تسكن اليه نفوس بنى إسرائيل وكان عنده الى ان توفى ثم تداولته أيدي بنى إسرائيل وكانوا إذا اختلفوا في شىء تحاكموا اليه فيكلمهم ويحكم بينهم وكانوا إذا حضروا القتال يقدمونه بين أيديهم ويستفتحون به على عدوهم وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر ثم يقاتلون العدو فاذا سمعوا في التابوت صيحة استيقنوا النصر فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وسلبوه وجعلوه في موضع البول والغائط فلما أراد الله ان يملك طالوت سلط الله عليهم البلاء حتى ان كل من بال عنده ابتلى بالبواسير وهلكت من بلادهم خمس مدائن فعلم الكفار ان ذلك سبب استهانتهم بالتابوت فاخرجوه وجعلوه على عجلة وعقلوها على ثورين فاقبل الثوران يسيران وقد وكل الله بهما اربعة من الملائكة يسوقونهما حتى أتيا
منزل طالوت فلما سألوا نبيهم البينة على ملك طالوت قال لهم النبي ان آية ملكه انكم تجدون التابوت في داره فلما وجدوه عنده أيقنوا بملكه فالاتيان على هذا مجاز لانه اتى به ولم يأت هو بنفسه فنسب الإتيان اليه توسعا كما يقال ربحت التجارة وعلى الوجه الاول حقيقة فِيهِ اى في إتيان التابوت سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ اى سكون لكم وطمأنينة كائنة من ربكم او الضمير للتابوت قال بعض المحققين السكينة تطلق على ثلاثة أشياء بالاشتراك اللفظي. أولها ما اعطى بنوا إسرائيل في التابوت كما قال تعالى إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ قال المفسرون هي ريح ساكنة طيبة تخلع قلب العدو بصوتها رعبا إذا التقى الصفان وهي معجزة لانبيائهم وكرامة لملوكهم. والثانية شىء من لطائف صنع الحق يلقى على لسان المحدث الحكمة كما يلقى الملك الوحى على قلوب الأنبياء مع ترويح الاسرار
وكشف السر. والثالثة هي التي أنزلت على قلب النبي عليه السلام وقلوب المؤمنين وهي شىء يجمع نورا وقوة وروحا يسكن اليه الخائف ويتسلى به الحزين كما قال تعالى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وقال بعضهم التابوت هو القلب والسكينة ما فيه من العلم والإخلاص وذكر الله الذي تطمئن اليه القلوب وإتيانه تصيير قلبه مقر العلم والوقار بعد ان لم يكن كذلك وَبَقِيَّةٌ كائنة مِمَّا من للتبعيض تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ هما رضاض الألواح وعصا موسى من آس الجنة وثيابه ونعلاه وعمامة هارون وشىء من التوراة وخاتم سليمان وقفيز من المن وهو الترنجبين الذي كان ينزل على بنى إسرائيل ويأكلونه في ارض التيه. وآلهما أنفسهما والآل مقحم او انباؤهما او اتباعهما تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ حال من التابوت اى ان آية ملكه إتيانه حال كونه محمولا للملائكة او استئناف كأنه قيل كيف يأتى فقيل تحمله الملائكة ثم ان التابوت لم تحمله الملائكة في الروايتين بل نزل من السماء الى الأرض بنفسه والملائكة كانوا يحفظونه في الرواية الاولى واتى به على العجلة وعلى الثورين بسوق الملائكة على الرواية الاخيرة وانما أضيف الحمل في القولين جميعا الى الملائكة لان من حفظ شيأ في الطريق جاز ان يوصف بانه حمل ذلك الشيء وان لم يحمله بل كان الحامل غيره كما يقول القائل حملت الامتعة الى زيد إذا حفظها في الطريق وان كان الحامل غيره إِنَّ فِي ذلِكَ يحتمل ان يكون من تمام كلام النبي وان يكون ابتداء خطاب من الله اى في رد التابوت ايها الفريق لَآيَةً عظيمة لَكُمْ دالة على ملك طالوت وصدق قول نبيكم في ان الله جعله ملكا فانه امر مناقض للعادة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مصدقين بالله فصدقوا بتمليكه عليكم وفي الآية اشارة الى ان آية ملك الخلافة للعبد ان يظفر بتابوت قلب فيه سكينة من ربه وهي الطمأنينة بالايمان والانس مع الله وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون وهي عصا الذكر كلمة لا اله الا الله وهي كلمة التقوى وهي الحية التي إذا فتحت فاها تلقف سحرة صفات فرعون النفس فعصا ذكر الله في تابوت القلوب وقد أودعها الله بين إصبعي جماله وجلاله كما قال عليه السلام (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) فبصفة الجلال يلهمها فجورها وبصفة الإكرام يلهمها تقواها كما قال تعالى فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ولم يستودعها ملكا مقربا ولانبيا مرسلا فشتان بين امة سكينتهم فيما للاعداء عليه تسلط وبين امة
سكينتهم فيما ليس للاولياء ولا للانبياء عليه ولاية وان كان في ذلك التابوت بعض التوراة موضوعا ففى تابوت قلوب هذه الامة جميع القرآن محفوظ وان كان في تابوتهم بيوت فيها صور الأنبياء ففى تابوت قلوبهم خلوات ليس فيها معهم غير الله كما قال (لا يسعنى ارضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن) فاذا تيسر لطالوت روح الإنسان ان يؤتى تابوت القلب الرباني فسلم ملك الخلافة وسرير السلطنة واستوثق عليه جميع أسباط الصفات الإنساني فلا يركن الى الدنيا الغدارة المكارة بل يتهجر منها ويتبرز لقتال جالوت النفس الامارة وهذا لا يتيسر الا بفضل الله وأخذ الطريقة والتمسك بالحقيقة
ره اينست روى از طريقت متاب
…
إ كام وكامى كه خواهى بياب
ومن أراد ان يزداد سكينة فليصل الى المعرفة فان المعرفة الإلهية توجب السكينة في القلب كما ان القلب يوجب السكون وسئل ابو يزيد عن المعرفة فقال إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً اى غيروا حالها عما هي عليه وكذلك إذا وردت الواردات الربانية على القلوب الممتلئة أخرجت منها كل صفة رديئة. وقيل لابى يزيد بم وجدت هذه المعرفة فقال ببطن جائع وبدن عار: قال السعدي قدس سره
باندازه خور زاد اگر مردمى
…
چنين پر شكم آدمي يا خمى
ندارند تن پروران آگهى
…
كه پر معده باشد ز حكمت تهى
اللهم احفظنا من الموانع في طريق الوصول إليك آمين آمين فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ الأصل فصل نفسه ولما اتحد فاعله ومفعوله شاع استعماله محذوف المفعول حتى نزل منزلة اللازم كانفصل والمعنى انفصل عن بلده مصاحبا لهم لقتال العمالقة. والجنود جمع جند وهو الجيش الأشداء مأخوذ من الجند وهي الأرض الشديدة وكل صنف من الخلق جند على حدة- روى- انهم لما رأوا التابوت لم يشكوا في النصر فتسارعوا الى الجهاد فقال طالوت لا يخرج معى شيخ ولا مريض ولا رجل بنى بناء لم يفرغ منه ولا صاحب تجارة مشتغل بها ولا رجل عليه دين ولا رجل تزوج امرأة ولم يبن بها ولا ابتغى الا الشاب النشيط الفارغ فاجتمع اليه ممن اختاره ثمانون الفا وكان الوقت قيظا اى شديد الحر وسلكوا مفازة فشكوا قلة الماء وسألوا ان يجرى الله لهم نهرا قالَ اى طالوت بأخبار من النبي اشمويل إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ اى معاملكم معاملة المختبر بما اقترحتموه وذلك الاختبار ليظهره عند طالوت من كان مخلصا في نيته من غيره ليميزهم من العسكر لان من لا يريد القتال إذا خالط عسكرا يدخل الضعف في العسكر فينهزمون بشؤمه
آنكه جنك آرد بخون خويش بازي ميكند
…
روز ميدان آنكه بگريزد بخون لشكرى
فميز بينهما كالذهب والفضة فيهما الخبث فميز الخالص من غيره بالنار فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ اى ابتدأ شربه من ماء النهر بان كرع وهو تناول الماء بفيه من موضعه من غير ان يشرب بكفيه ولا بآناء فَلَيْسَ مِنِّي اى من جملتى وأشياعي المؤمنين فمن للتبعيض دخلت على نفس المتكلم للاشعار بان أصحابه لقوة اختصاصهم واتصالهم به كأنهم بعضه او ليس
بمتحد معى فمن اتصالية كما في قوله تعالى الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ اى بعضهم متصل بالبعض الآخر ومتحد معه وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ الطعم هنا بمعنى الذوق وهو التناول من الشيء تناولا قليلا يقال طعم الشيء إذا ذاقه مأكولا او مشروبا فَإِنَّهُ مِنِّي اى من اهل دينى إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ استثناء من قوله فمن شرب منه واعتراض الجملة الثانية وهو ومن لم يطعمه للعناية بها لان عدم الذوق منه رأسا عزيمة والاغتراف رخصة وبيان حال الاخذ بالعزيمة أهم من بيان الاخذ بالرخصة. والغرفة بالضم اسم للقدر الحاصل فى الكف بالاغتراف والغرف أخذ ماء بآلة كالكف وهو في الأصل القطع والغرفة التي هى العلية قطعة من البناء والباء متعلقة باغترف قال ابن عباس رضى الله عنهما كانت الغرفة الواحدة يشرب منها هو ودوابه وخدمه ويحمل منها قال الامام وهذا يحتمل وجهين. أحدهما انه كان مأذونا له ان يأخذ من الماء ما شاء مرة واحدة بقربة أو جرة بحيث كان المأخوذ في المرة الواحدة يكيفه ودوابه وخدمه ويحمل باقيه. وثانيهما انه كان يأخذ القليل فيجعل الله فيه البركة حتى يكفى كل هؤلاء فيكون معجزة لنبى ذلك الزمان كما انه تعالى يروى الخلق الكثير من الماء القليل في زمن محمد صلى الله عليه وسلم فَشَرِبُوا مِنْهُ اى فانتهوا الى النهر وابتلوا به وكرعوا فيه كروعا مثل الدواب ولم يقنعوا بالاغتراف فضلا عن ان لا يذوقوا منه شيأ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدد اهل بدر فانهم اعترفوا فشربوا بالاكف ورووا واما الذين خالفوا فشربوا كرعا فازدادوا عطشا واسودت شفاههم وبقوا على شط النهر فعرف طالوت الموافق من المخالف فخلف الأشداء
نه بي حكم شرع آب خوردن خطاست
…
وكر خون بفتوى بريزى رواست
ولما ردوا بالخلاف في صفة شرب ماء أصله حلال لكن على صفة مخصوصة وهلكوا بعد الرد فما حال من تناول الحرام المحض في الطعام والشراب كيف يقبل ويسلم. ثم انه لا خلاف بين المفسرين في ان الذين عصوا رجعوا الى بلدهم والصحيح انهم لم يجاوزوا النهر وانما رجعوا قبل المجاوزة لقوله تعالى فَلَمَّا جاوَزَهُ اى النهر هُوَ اى طالوت وَالَّذِينَ آمَنُوا وهم القليل الذين أطاعوه ولم يخالفوه فيما ندبهم اليه. وفيه اشارة الى ان من عداهم بمعزل من الايمان مَعَهُ اى مع طالوت متعلق بجاوز لا بآمنوا قالُوا اى بعض من معه من المؤمنين القليلين لبعض آخر منهم وهم الذين يظنون الآية فالمؤمنون الذين جاوز النهر صاروا فريقين فريقا يحب الحياة
ويكره الموت وكان الخوف والجزع غالبا على طبعه وفريقا كان شجاعا قوى القلب لا يبالى بالموت في طاعة الله تعالى. والقسم الاول هم الذين قالوا لا طاقَةَ قوة لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ اى بمحاربتهم ومقاومتهم فضلا عن ان يكون لنا غلبة عليهم وذلك لما شاهدوا منهم من الكثرة والقوة وكانوا مائة الف مقاتل شاكى السلاح. والقسم الثاني هم الذين أجابوهم بقولهم كم من فئة الآية قالَ كأنه قيل فماذا قال لهم مخاطبهم فقيل قال الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا نصر اللَّهَ العزيز وتأييده كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً اى كثير من
الفئات القليلة غلبت الفئات الكثيرة. والفئة اسم للجماعة من الناس قلت او كثرت بِإِذْنِ اللَّهِ اى بحكمه وتيسيره فان دوران كافة الأمور على مشيئته تعالى فلا يذل من نصره وان فل عدده ولا يعز من خذله وان كثر أسبابه وعدده فنحن ايضا نغلب جالوت وجنوده وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصرة على العدو وبتوفيق الصبر عند الملاقاة قال الراغب في القصة ايماء ومثال للدنيا وابنائها وان من يتناول قدر ما يتبلغ به اكتفى واستغنى وسلم منها ونجا ومن تناول منها فوق ذلك ازداد عطشا ولهذا قيل الدنيا كالملح من ازداد منها عطش وفي الحديث (لو ان لابن آدم واديين من ذهب لابتغى إليهما ثالثا فلا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب) يعنى لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره الا من تاب فان الله يقبل التوبة من التائب عن حرصه المذموم وعن غيره من المذمات وهاهنا نكتة وهي ان في ذكر ابن آدم دون الإنسان تلويحا الى انه مخلوق من تراب ومن طبيعته القبض واليبس وإزالته ممكنة بان يمطر الله عليه من غمام توفيقه فللعاقل ان لا يتعب نفسه في جمع حطام الدنيا فان الرزق مقسوم اوحى الله الى داود [يا داود تريد وأريد فان رضيت بما أريد كفيتك ما تريد وان لم ترض بما أريد أتعبك ثم لا يكون الا ما أريد] فالناس مبتلون بنهر هو منهل الطبيعة الجسمانية فمن شرب منه مفرطا في الري منه بالحرص فليس من اهل الحقيقة لانه من اهل الطبيعة وعبدة الشهوات المشتغل بها عن الله الا من قنع من متاع الدنيا على ما لا بد منه من المأكول والمشروب والملبوس والمسكن ومحبة الخلق على الاضطرار بمقدار القوام فانه من اولياء الله. والحاصل ان النهر هو الدنيا وزينتها ومن بقي على شطها واطمأن بها كثير ممن جاوزها ولم يلتفت إليها فان اهل الله اقل من القليل واهل الدنيا لا يحصى عددهم رزقنا الله وإياكم القوة والقناعة ولم يفصلنا عن اهل السنة والجماعة- روى- انه عليه السلام قال في وصيته لابى هريرة رضى الله عنه (عليك يا أبا هريرة بطريق أقوام إذا فزع الناس لم يفزعوا وإذا طلب الناس الامان من النار لم يخافوا) قال ابو هريرة من هم يا رسول الله قال (قوم من أمتي في آخر الزمان يحشرون يوم القيامة محشر الأنبياء إذا نظر إليهم الناس ظنوهم أنبياء مما يرون من حالهم حتى أعرفهم انا فاقول أمتي أمتي فيعرف الخلائق انهم ليسوا أنبياء فيمرون مثل البرق او الريح تغشى أبصار اهل الجمع من أنوارهم) فقلت يا رسول الله مرنى بمثل عملهم لعلى الحق بهم فقال (يا أبا هريرة ركب القوم طريقا صعبا آثروا الجوع بعد ما أشبعهم الله والعرى بعد ما كساهم الله والعطش بعد ما ارواهم الله تركوا ذلك رجاء ما عند الله تركوا الحلال مخافة حسابه صحبوا الدنيا بأبدانهم ولم يشتغلوا بشئ منها عجبت الملائكة والأنبياء من طاعتهم لربهم طوبى لهم وددت ان الله جمع بينى وبينهم) ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليهم ثم قال عليه السلام (إذا أراد الله باهل الأرض عذابا فنظر إليهم صرف العذاب عنهم فعليك يا أبا هريرة بطريقهم) : قال الشيخ العطار قدس سره
در راه تو مردانند از خويش نهان مانده
…
بي جسم وجهت كشته بي نام ونشان مانده
تنشان بشريعت هم دلشان بحقيقت هم
…
هم دل شده وهم جان نه اين ونه آن مانده
عليهم سلام الله ورحمته وبركاته اللهم اجعلنا من اللاحقين بهم آمين آمين وَلَمَّا بَرَزُوا اى ظهر طالوت ومن معه من المؤمنين وصاروا الى براز اى فضاء من الأرض في موطن الحرب لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ وشاهدوا ما عليهم من العدد والعدد وأيقنوا انهم غير مطيقين لهم عادة قالُوا اى جميعا عند تقوى قلوب الفريق الاول منهم بقول الفريق الثاني متضرعين الى الله تعالى مستعينين به رَبَّنا فى ندائهم بقولهم ربنا اعتراف منهم بالعبودية وطلب لاصلاحهم لان لفظ الرب يشعر بذلك دون غيره أَفْرِغْ عَلَيْنا إفراغ الإناء اخلاؤه مما فيه اى صب علينا وهو استعارة عن الإكمال والإكثار أتوا بلفظة على طلبا لان يكون الصبر مستعليا عليهم وشاملا لهم كالظرف للمظروف صَبْراً على مقاساة شدائد الحرب واقتحام موارده الضيقة وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وهب لنا ما تثبت به في مداحض القتال ومزال النزال من قوة القلوب وإلقاء الرعب في قلوب العدو ونحو ذلك من الأسباب فالمراد بثبات القدم كمال القوة والرسوخ عند المقارنة وعدم التزلزل وقت المقاومة لا مجرد التقرر في حيز واحد وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ بقهرهم وهزمهم ولقد راعوا في الدعاء ترتيبا بليغا حيث قدموا سؤال إفراغ الصبر على قلوبهم الذي هو ملاك الأمر ثم سؤال تثبيت القدم المتفرع عليه ثم سؤال النصر على العدو الذي هو الغاية القصوى فَهَزَمُوهُمْ اى كسروهم بلا مكث بِإِذْنِ اللَّهِ اى بنصره وتأييده اجابة لدعائهم وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ كان جالوت الجبار رأس العمالقة وملكهم وكان من أولاد عمليق بن عاد وكان من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده وكان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد وكان ظله ميلا لطول قامته وكان ايشى ابو داود عليه السلام في جملة من عبر النهر مع طالوت وكان معه سبعة من ابنائه وكان داود أصغرهم يرعى الغنم فاوحى الى نبى العسكر وهو اشمويل ان داود بن ايشى هو الذي يقتل جالوت فطلبه من الله فجاء به فقال النبي اشمويل لقد جعل الله تعالى قتل جالوت على يدك فاخرج معنا الى محاربته فخرج معهم فمر داود عليه السلام في الطريق بحجر فناداه يا داود احملني فانى حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا فحمله في مخلاته ثم مر بحجر آخر فقال له احملني فانى حجر موسى الذي قتل بي كذا وكذا فحمله في مخلاته ثم مر بحجر آخر فقال له احملني فانى حجر الذي تقتل بي جالوت فوضعه في مخلاته وكان من عادته رمى القذافة وكان لا يرمى بقذافته شيأ من الذئب والأسد والنمر إلا صرعه وأهلكه فلما تصاف العسكران للقتال برز جالوت الجبار الى البراز وسأل من يخرج اليه فلم يخرج اليه أحد فقال يا بنى إسرائيل لو كنتم على حق لبارزنى بعضكم فقال داود لاخوته من يخرج الى هذا الا قلف فسكتوا فالتمس منه طالوت ان يخرج اليه ووعده ان يزوجه ابنته ويعطيه نصف ملكه ويجرى له خاتمه فيه فلما توجه داود نحوه أعطاه طالوت فرسا ودرعا وسلاحا فلبس السلاح وركب الفرس فسار قريبا ثم انصرف الى الملك فقال من حوله جبن الغلام فجاء فوقف على الملك فقال ما شأنك فقال ان الله تعالى ان لم ينصرنى لم يغن عنى هذا السلاح شيأ فدعنى أقاتل كما أريد قال نعم فاخذ داود مخلاته فتقلدها وأخذ المقلاع ومضى نحو جالوت- روى- انه لما نظر جالوت الى داود قذف في قلبه الرعب فقال يا فتى ارجع فانى أرحمك ان أقتلك قال داود بل
انا أقتلك قال ائتنى بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب قال نعم أنت شر من الكلب قال جالوت لا جرم لاقسمن لحمك بين سباع الأرض وطير السماء قال داود بل يقسم الله لحمك فقال باسم اله ابراهيم واخرج حجرا ثم اخرج الآخر وقال باسم اله اسحق ثم اخرج الثالث وقال باسم اله يعقوب فوضع الأحجار الثلاثة في مقلاعه فصارت كلها حجرا واحدا ودور المقلاع ورمى به فسخر الله له الريح حتى أصاب الحجر انف البيضة وخالط دماغه وخرج من قفاه وقتل من ورائه ثلاثين رجلا وهزم الله الجيش وخرّ جالوت قتيلا فاخذ داود يجره حتى ألقاه بين يدى طالوت ففرح المسلمون فرحا شديدا وانصرفوا الى المدينة سالمين فزوجه طالوت ابنته واجرى خاتمه في نصف مملكته فمال الناس الى داود واحبوه وأكثروا ذكره
فحسده طالوت وأراد قتله فتنبه له داود وهرب منه فسلط طالوت عليه العيون وطلبه أشد الطلب فلم يقدر عليه وانطلق داود الى الجبل مع المتعبدين فتعبد فيه دهرا طويلا فاخذ العلماء والعباد ينهون طالوت فى شأن داود فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود الا قتله فاكثر في قتل العلماء الناصحين فلم يكن يقدر على عالم في بنى إسرائيل يطيق قتله الا قتله ثم ندم على ما فعله من المعاصي والمنكرات واقبل على البكاء ليلا ونهارا حتى رحمه الناس وكان كل ليلة يخرج الى القبور فيبكى وينادى حم الله عبدا يعلم ان لى توبة الا أخبرني بها فلما اكثر التضرع والإلحاح عليهم رق له بعض خواصه فقال له ان دللتك ايها الملك لعلك ان تقتله فقال لا والله بل أكرمه أتم الإكرام وانقاد الى حكمه وأخذ مواثيق الملك وعهوده على ذلك فذهب به الى باب امرأة تعلم اسم الله الأعظم فلما لقيها قبل الأرض بين يديها وسألها هل له من توبة فقالت لا والله لا اعلم لك توبة ولكن هل تعلم مكان قبر نبى فانطلق بها الى قبر اشمويل فصلت ودعت ثم نادت صاحب القبر فخرج اشمويل من القبر ينفض رأسه من التراب فلما نظر إليهم سألهم وقال ما لكم أقامت القيامة قالت لا ولكن طالوت يسأل هل له من توبة قال اشمويل يا طالوت ما فعلت بعدي قال لم ادع من الشر شيأ الا فعلته وجئت لطلب التوبة قال كم لك من الولد قال عشرة رجال قال لا اعلم لك من التوبة الا ان تتخلى من ملكك وتخرج أنت وولدك في سبيل الله ثم تقدم ولدك حتى يقتلوا بين يديك ثم تقاتل أنت فتقتل آخرهم ثم رجع اشمويل الى القبر وسقط ميتا ورجع طالوت ففعل ما امر به حتى قتل فجاء قاتله الى داود ليبشره وقال قتلت عدوك فقال داود ما أنت بالذي تحيى بعده فضرب عنقه فكان ملك طالوت الى ان قتل أربعين سنة واتى بنوا إسرائيل بداود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه على أنفسهم وملك داود بعد قتل طالوت سبعين سنة وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ اى ملك بنى إسرائيل في مشارق الأرض المقدسة ومغاربها ولم يجتمعوا قبل داود على ملك وَالْحِكْمَةَ اى النبوة ولم يجتمع في بنى إسرائيل الملك والنبوة قبله إلا له بل كان الملك في سبط والنبوة في سبط آخر وانزل عليه الزبور اربعمائة وعشرين سورة وهو أول من تكلم باما بعد وهو فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ اى مما يشاء الله تعليمه إياه من صنعة الدروع بإلانة الحديد وكان يصنعها ويبيعها وكان لا يأكل الا من عمل يده ومنطق الطير وتسبيح الجبال وكلام الحكل والنمل والصوت الطيب والالحان
الطيبة فلم يعط الله أحدا مثل صوته وكان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها وتطلبه الطير مصيخة له ويركد الماء الجاري وتسكن الريح وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ المصدر مضاف الى فاعله اى صرفه النَّاسَ مفعول الدفع بَعْضَهُمْ الذين يباشرون الشر والفساد وهو بدل من الناس بدل بعض من كل بِبَعْضٍ آخر منهم بردهم عماهم عليه بما قدر الله من القتل كما في القصة المحكية وغيره وهو متعلق بالمصدر لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وبطلت منافعها وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل وسائر ما يعمر الأرض ويصلحها وقيل لولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لهلكت الأرض ومن فيها ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر وبالصالح عن الفاجر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة اهل بيت جيرانه البلاء) ثم قرأ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ثم ان فيه تنبيها على فضيلة الملك وانه لو لاه لما انتظم امر العالم. ولهذا قيل الدين والملك توأمان ففى ارتفاع أحدهما ارتفاع الآخر لان الدين أساس والملك حارس ومالا أس له فمهدوم ومالا حارس له فضائع والناس قد لا ينقادون للرسل تحت الرياسة مع ظهور الحجج فاحتيج الى المجاهدة باللسان والسيف وذلك يكون من الأنبياء ومن يتابعهم ثم لهم آجال مضروبة عندها فوجب ان يكون لهم خلفاء بعدهم من كل عصر في اقامة الدين والجهاد فهذا دفع الله الناس بعضهم ببعض. وتفصيله ان دفع الله الناس بعضهم ببعض على وجهين دفع ظاهر ودفع خفى. فالظاهر ما كان بالسواس الاربعة الأنبياء والملوك والحكماء المعنيين بقوله (ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا) والوعاظ. فسلطان الأنبياء عليه السلام على الكافة خاصهم وعامهم ظاهرهم وباطنهم وسلطان الملوك على ظواهر الكافة دون البواطن كما قيل نحن ملوك أبدانهم لا ملوك اديانهم وسلطان الحكماء على الخاصة دون العامة وسلطان الوعاظ بواطن العامة. واما الدفع الخفي فسلطان العقل يدفع عن كثير من القبائح وهو السبب في التزام سلطان الظاهر وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عظيم لا يقادر قدره عَلَى الْعالَمِينَ كافة يعنى لكنه تعالى يدفع فساد بعضهم ببعض فلا تفسد الأرض وتنتظم به مصالح العالم وتنصلح احوال الأمم. ففضله تعالى يعم العوالم كلها اما في عالم الدنيا فبهداية طريق الرشد والصلاح واما في الآخرة فبالجنات والدرجات والنجاة والفلاح ومن جملة فضله تعالى على العالمين دفع البليات عن بعض عباده بلا واسطة كالانبياء وكمل الأولياء ومن اقتفى اثرهم من اهل اليقين تِلْكَ اشارة الى ما سلف من حديث الألوف وتمليك طالوت وإتيان التابوت وانهزام الجبابرة وقتل داود جالوت آياتُ اللَّهِ المنزلة من عنده نَتْلُوها عَلَيْكَ اى بواسطة جبريل بِالْحَقِّ حال من مفعول نتلوها اى ملتبسة بالوجه المطابق الذي لا يشك فيه اهل الكتاب وارباب التواريخ لما يجدونها موافقة لما في كتبهم وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ اى من جملة الذين أرسلوا الى الأمم لتبليغ رسالتنا واجراء أوامرنا وأحكامنا عليهم والا لما أخبرت بتلك الآيات من غير تعرف ولا استماع والتأكيد لرد قول الكفار لست رسولا قال بعضهم
ألا اى احمد مرسل شود هر مشكل از تو حل
…
كنم وصف ترا مجمل تويى سلطان هر مولى
شريعت از تو روشن شد طريقت هم مبرهن شد
…
حقيقت خود معين شد زهى سلطان بي همتا
والاشارة ان المجاهد مع جالوت النفس الامارة لا يقوم بحوله وقوته حتى يرجع الى ربه مستعينا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً على الائتمار بطاعتك والانزجار عن معاصيك وَثَبِّتْ أَقْدامَنا فى التسليم عند الشدة والرخاء وهجوم احكام القضاء في السراء والضراء وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ وهم أعداؤنا في الدين عموما والنفس الامارة التي هي أعدى عدونا بين جنبينا خصوصا إذا كان الالتجاء عن صدق الرجاء برب الأرض والسماء يكون مقرونا بإجابة الدعاء والظفر على الأعداء فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ بنصرة الله فانه الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وَقَتَلَ داوُدُ القلب جالُوتَ النفس إذ أخذ حجر الحرص على الدنيا وحجر الركون الى العقبى وحجر تعلقه الى نفسه بالهوى حتى صارت الثلاثة حجرا واحدا وهو الالتفات الى غير المولى فوضعه في مقلاع التسليم والرضى فرمى به جالوت النفس وسخر الله له ريح العناية حتى أصاب انف بيضة هواها فاخرج منه الفضول وخرج من قفاها وقتل من ورائها ثلاثين من صفاتها وأخلاقها وهزم الله باقى جيشها وهو الشياطين وأحزابها وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ يعنى آتى داود القلب ملك الخلافة وحكمة الإلهامات الربانية وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ من حقائق القرآن وأسراره وإشاراته وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يعنى ارباب الطلب بالمشايخ الواصلين لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ارض استعدادهم المخلوقة في احسن التقويم لتشمير كمالات الدين القويم عن استيلاء جالوت النفس وجنود صفاتها في تخريب بلاد الأرواح بتبديل أخلاقها وتكدير صفاء ذواتها وترديدها الى جحيم صفات البهائم والانعام وأسفل دركاتها وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ يعنى من كمال فضله ورحمته يحرك سلسلة طلب الطالبين ويلهم أسرارهم بارادة المشايخ الكاملين ويوفقهم للتمسك بذيول تربيتهم والتسليم تحت تصرفاتهم في تنقيتهم ويثبتهم بالصبر والسكوت. على الرياضات والمجاهدات في حال تزكيتهم ويشير الى المشايخ بقبولهم والإقبال عليهم ويقويهم على شدائد المخالفات فلو لم تكن هذه الألطاف من الله ما تيسر لهم تزكية نفوسهم ابدا فهذه اشارة لا تتحقق الا لاهل الخير ولهذا خص الله حبيبه بتحقيقها وتحققها بقوله تِلْكَ آياتُ اللَّهِ يعنى فى ضمن هذه الآيات حقائق ودقائق نَتْلُوها عَلَيْكَ اى نجلوها لديك بِالْحَقِّ اى بالحقيقة كما هى وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الذين عبروا على هذه المقامات وشاهدوا هذه الأحوال والكرامات كذا في التأويلات النجمية- تمت الجزء الثاني- الجزء الثالث من الاجزاء الثلاثين تِلْكَ الرُّسُلُ اشارة الى الجماعة الذين من جملتهم النبي عليه الصلاة والسلام فاللام في الرسل للاستغراق فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ بان خصصناه بمنقبة ليست لغيره واعلم ان الأنبياء
كلهم متساوون في النبوة لان النبوة شىء واحد لا تفاضل فيها وانما التفاضل باعتبار الدرجات. بلغ بعضهم منصب الخلة كابراهيم عليه الصلاة والسلام ولم يحصل ذلك لغيره. وجمع لداود بين الملك والنبوة وطيب النغمة ولم يحصل هذا لغيره. وسخر لسليمان الجن والانس والطير والريح ولم يحصل هذا لابيه داود. وخص محمدا عليه وعليهم السلام بكونه مبعوثا الى الجن والانس وبكون شرعه ناسخا لجميع الشرائع المتقدمة. ومنهم من دعا أمته بالفعل الى توحيد الافعال وبالقوة الى الصفات والذات. ومنهم من دعا بالفعل الى الصفات ايضا وبالقوة الى الذات. ومنهم من دعا الى الذات ايضا بالفعل وهو ابراهيم عليه السلام فانه قطب التوحيد إذ الأنبياء كانوا يدعون الى المبدأ والمعاد والى الذات الاحدية الموصوفة ببعض الصفات الإلهية الا ابراهيم عليه السلام فانه دعا الى الذات الإلهية الاحدية ولذا امر الله نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم باتباعه بقوله ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً فهو من اتباع ابراهيم باعتبار الجمع دون التفصيل إذ لا متمم لتفاصيل الصفات الا هو ولذلك لم يكن غيره خاتما فالانبياء وان كانوا متفاوتين في درجات الدعوة بحسب مشارب الأمم الا ان كلهم واصلون فانون في الله باقون بالله لان الولاية قبل النبوة حيث ان آخر درجات الولاية أول مقامات النبوة فهى تبتنى على الولاية ومعنى الولاية الفناء في الله والبقاء بالله فالنبى لا يكون الا واصلا محرزا جميع مراتب التوحيد من الافعال والصفات والذات مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ اى
فضله الله بان كلمه بغير واسطة وهو موسى عليه الصلاة والسلام فهو كليمه بمعنى مكالمه واختلفوا في الكلام الذي سمعه موسى وغيره من الله تعالى هل هو الكلام القديم الأزلي الذي ليس من جنس الحروف والأصوات. قال الأشعري واتباعه المسموع هو ذلك الكلام الأزلي قالوا كما انه لم تمتنع رؤية ما ليس بمكيف فكذا لا يستبعد سماع ما ليس بمكيف. وقيل سماع ذلك الكلام محال وانما المسموع هو الحروف والصوت وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ اى على درجات فانتصابه على نزع الخافض وذلك بان فضله على غيره من وجوه متعددة او بمراتب متباعدة والظاهر انه أراد محمدا صلى الله عليه وسلم لانه هو المفضل عليهم حيث اوتى ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية الى ثلاثة آلاف آية واكثر ولو لم يؤت الا القرآن وحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما اوتى الأنبياء لانه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات. وفي الحديث (فضلت على الأنبياء بست أوتيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبيون) قال في التأويلات النجمية اعلم ان فضل كل صاحب فضل يكون على قدر استعلاء ضوء نوره لان الرفعة في الدرجات على قدر رفعة الاستعلاء كما قال تعالى وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ فالعلم هو الضوء من نور الوحدانية فكلما ازداد العلم زادت الدرجة فناهيك عن هذا المعنى قول النبي عليه السلام فيما يخبر عن المعراج انه رأى آدم في السماء الدنيا ويحيى وعيسى فى السماء الثانية ويوسف في السماء الثالثة وإدريس في السماء الرابعة وهارون في السماء الخامسة وموسى في السماء السادسة وابراهيم في السماء السابعة وعبر النبي عليه السلام حتى رفع الى سدرة المنتهى ومن ثم الى قاب قوسين او ادنى فهذه الرفعة في الدرجة في القرب الى الحضرة كانت له
على قدر قوة ذلك النور في استعلاء ضوئه وعلى قدر غلبات أنوار التوحيد على ظلمات الوجود كانت مراتب الأنبياء بعضهم فوق بعض فلما غلب نور الوحدانية على ظلمة انسانية النبي عليه السلام اضمحلت وتلاشت وفنيت ظلمة وجوده بسطوات تجلى صفات الجمال والجلال فكل نبى بقدر بقية ظلمة وجوده بقي في مكان من أماكن السموات فانه صلى الله تعالى عليه وسلم ما بقي في مكان ولا في الإمكان لانه كان فانيا عن ظلمة وجوده باقيا بنور وجوده ولهذا سماه الله نورا وقال قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ فالنور هو محمد عليه السلام والكتاب هو القرآن فافهم واغتنم فانك لا تجد هذه المعاني الا هاهنا انتهى كلام التأويلات النجمية وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة من احياء الموتى وشفاء المرضى وإبراء الأكمه والأبرص وخلق الطير من الطين والاخبار بالمغيبات والإنجيل وجعل معجزاته سبب تفضيله مع ان إيتاء البينات غير مختص بعيسى عليه الصلاة والسلام لانها آيات واضحة ومعجزات عظيمة لم يستجمعها غيره وخص عيسى عليه السلام بالتعيين مع انه غير مختص بايتاء البينات تقبيحا لافراط اليهود في تحقيره حيث أنكروا نبوته مع ما ظهر على يده من البينات القاطعة الدالة عليها ولافراط النصارى في تعظيمه حيث أخرجوه عن مرتبة الرسالة وَأَيَّدْناهُ اى قويناه بِرُوحِ الْقُدُسِ اى الروح المطهرة التي نفحها الله فيه فأبانه بها من غيره ممن خلق من اجتماع نطفتى الذكر والأنثى لانه عليه السلام لم تضمه أصلاب الفحول ولم يشتمل عليه أرحام الطوامث. فالقدس بمعنى المقدس من قبيل رجل صدق او القدس هو الله وروحه جبريل والاضافة للتشريف والمعنى أعانه بجبريل في أول امره وفي وسطه وفي آخره اما في الاول من امره فلقوله فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا واما في وسطه فلان جبريل عليه السلام علمه العلوم وحفظه من الأعداء واما في آخر الأمر فحين أرادت اليهود قتله أعانه جبريل ورفعه الى السماء وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ اى من بعد الرسل من الأمم المختلفة اى لو شاء الله عدم اقتتالهم ما اقتتلوا بان جعلهم متفقين على اتباع الرسل المتفقة على كلمة الحق مَنْ متعلقة باقتتل بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ من جهة أولئك الرسل الْبَيِّناتِ المعجزات الواضحة والآيات الظاهرة الدالة على حقيقة الحق الموجبة لاتباعهم الزاجرة عن الاعراض عن سننهم المؤدى الى القتال وَلكِنِ اخْتَلَفُوا اى
لكن لم يشأ عدم اقتتالهم لانهم اختلفوا اختلافا فاحشا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ اى بما جاءت به أولئك الرسل من البينات وعملوا به وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بذلك كفرا لا ارعواء له عنه فاقتضت الحكمة عدم مشيئته تعالى لعدم اقتتالهم فاقتتلوا بموجب اقتضاء أحوالهم وَلَوْ شاءَ اللَّهُ عدم اقتتالهم بعد هذه المرة ايضا من الاختلاف والشقاق المستتبعين للاقتتال بحسب العادة مَا اقْتَتَلُوا وما نبض منهم عرق التطاول والتعاون لما ان الكل تحت ملكوته وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ اى من الأمور الوجودية والعدمية التي من جملتها عدم مشيئته عدم اقتتالهم فان الترك ايضا من جملة الافعال اى يفعل ما يريد حسبما يريد من غير ان يوجبه عليه موجب او يمنعه منه مانع. وفيه دليل بين على ان الحوادث تابعة لمشيئته تعالى خيرا كان او شرا ايمانا كان او كفرا وهذا نذير على المعتزلة قال الامام الغزالي
قدس سره المتعالي في شرح اسمى الضار والنافع هو الذي يصدر منه الخير والشر والنفع والضر وكل ذلك منسوب الى الله تعالى اما بواسطة الملائكة والانس والجمادات او بغير واسطة فلا تظنن ان السم يقتل ويضر بنفسه وان الطعام يشبع وينفع بنفسه وان الملك او الإنسان او الشيطان او شيأ من المخلوقات من فلك الكواكب او غيرها يقدر على خير او شر بنفسه او نفع او ضر. بل كل ذلك اسباب مسخرة لا يصدر منها الا ما سخرت له وجملة ذلك بالاضافة الى القدرة الازلية كالقلم بالاضافة الى الكاتب في اعتقاد العامي وكما ان السلطان إذا وقع لكرامة او عقوبة لم يضر ذلك ولا نفعه من القلم بل من الذي القلم مسخر له فكذلك سائر الوسائط والأسباب وانما قلنا في اعتقاد العامي لان الجاهل هو الذي يرى القلم مسخرا للكاتب والعارف يعلم انه مسخر في يده لله تعالى وهو الذي الكاتب مسخر له فانه مهما خلق الكاتب وخلق له القدرة وسلط عليه الداعية الجازمة التي لا تردد فيها صدر منه حركة الإصبع والقلم لا محالة شاء أم ابى بل لا يمكنه ان لا يشاء فاذا الكاتب بقلم الإنسان ويده وهو الله تعالى وإذا عرفت هذا في الحيوان المختار فهو في الجمادات اظهر قال صاحب روضة الأخيار المؤثر هو الله تعالى والكواكب اسباب عادية الشمس مظهر اسم الحي والزهرة للمريد وعطارد للمسقط والقمر للقابل ولذا كان بيت العزة في ملكه والمريخ للقادر والمشترى للعليم وزحل للجواد واصول الأسماء اربعة هي الحياة والعلم والقدرة والارادة واسرافيل مظهر الحياة والاقساط مندرج فيها وجبريل مظهر العلم والقول وباعتبار الاول هو روح القدس وبالثاني الروح الامين ولذا كان حامل الوحى وميكائيل مظهر الارادة والجود مندرج فيها ولذا كان ملك الأرزاق وعزرائيل مظهر القدرة ولذا يقهر الجبابرة ويذلهم بالموت والفناء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ من تبعيضية اى شيأ مما رزقناكموه والتعرض لوصوله منه تعالى للحث على الانفاق والمراد به الانفاق الواجب اى الزكاة بدلالة ما بعده من الوعيد والأكثر على ان الأمر يتناول الواجب والمندوب مِنْ لابتداء الغاية قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ يوم الحساب والجزاء لا بَيْعٌ فِيهِ يتدارك به المقصر تقصيره وهو في التقدير جواب هل فيه بيع ولهذا رفع. والبيع استبدال المال بالثمن وَلا خُلَّةٌ حتى يسامحكم اخلاؤكم بما تصنعون. والخلة المودة والصداقة فكأنها تتخلل الأعضاء اى تدخل خلالها ووسطها والخليل الصديق لمداخلته إياك والخلة تنقطع يوم القيامة بين الأخلاء الا بين المتقين لقوله تعالى الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ وَلا شَفاعَةٌ حتى تتكلوا على شفعاء تشفع لكم في حط ما في ذممكم والشفاعة المنفية يوم القيامة هي التي يستقل فيها الشفيع ويأتى بها وان لم يؤذن له فيها فان الدلائل قائمة على ثبوت الشفاعة للمؤمنين بعد أن يؤذن لهم فيها وهي لمن مات لا يشرك بالله شيأ وَالْكافِرُونَ اى والتاركون للزكاة وإيثاره عليه للتغليط والتهديد كما قال في آخر آية الحج وَمَنْ كَفَرَ مكان ومن لم يحج وللايذان بان ترك الزكاة من صفات الكفار قال تعالى وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ هُمُ الظَّالِمُونَ اى الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعقاب ووضعوا المال في غير موضعه وصرفوه الى غير وجهه
زكات اگر ندهى از زرت ز داده وى
…
علاج كى كنمت كاخر الدواء الكي
قال الراغب حث المؤمنين على الانفاق مما رزقهم من النعماء النفسية والبدنية الجارحية وان كان الظاهر في التعارف انفاق المال ولكن قد يراد به بذل النفس والبدن في مجاهدة العدو والهوى وسائر العبادات ولما كانت الدنيا دار اكتساب وابتلاء والآخرة دار ثواب وجزاء بين ان لا سبيل للانسان الى تحصيل ما ينتفع به في الآخرة فابتلى بذكر هذه الثلاثة لانها اسباب اجتلاب المنافع المفضية إليها. أحدها المعاوضة وأعظمها المبايعة. والثاني ما تناوله بالمودة وهو المسمى بالصلات والهدايا. والثالث ما يصل اليه بمعاونة الغير وذلك هو الشفاعة. ولما كانت العدالة بالقول المجمل ثلاثا عدالة بين الإنسان ونفسه وعدالة بينه وبين الناس وعدالة بينه وبين الله. فكذلك الظلم له مراتب ثلاث وأعظم العدالة ما بين العبد وبين الله وهو الايمان وأعظم الظلم ما يقابله وهو الكفر ولذلك قال وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ اى هم المستحقون لاطلاق هذا الوصف عليهم بلا مشوبة. فليسارع العبد الى تقوية الايمان بالإنفاق والإحسان- حكى- انه كان عابد من الشيوخ اراده الشيطان فلم يستطع منه شيأ فقال له الشيطان ألا تسألنى عما أضل به بنى آدم قال بلى قال فاخبرنى ما أوثق شىء في نفسك ان تضلهم به قال الشيخ والحدة والسكر فان الرجل إذا كان شحيحا قللنا ماله في عينيه ورغبناه في اموال الناس وان كان حديدا ادرناه بيننا كما تتداور الصبيان الكرة فلو كان يحيى الموتى بدعائه لم نيأس منه وإذا سكر اقتدناه الى كل شهوة كما تقاد العنز بإذنها كذا في آكام المرجان وعن محمد بن إسماعيل البخاري يقول بلغنا ان الله اوحى الى جبريل عليه الصلاة والسلام فقال يا جبريل لو انا بعثتك الى الدنيا وجعلتك من أهلها ما الذي عملت من الطاعات فيها فقال جبريل أنت اعلم بشأنى منى ولكنى كنت اعمل ثلاثة أشياء. أولها كنت أعين صاحب العيال في النفقة على عياله. والثاني كنت استر عيوب الخلق وذنوبهم حتى لا يعلم أحد من خلقك عيوب عبادك وذنوبهم غيرك.
والثالث أسقي العطشان وأرويه من الماء كذا في روضة العلماء: قال السعدي قدس سره
چوخود را قوى حال بينى وخوش
…
بشكرانه بار ضعيفان بكش
اگر خود همين صورتى چون طلسم
…
بميرى واسمت بميرد چوجسم
اگر پرورانى درخت كرم
…
بر نيك نامى خورى لا جرم
اللهم اجعلنا من المنفقين والمستغفرين اللَّهُ هذا الاسم أعظم الأسماء التسعة والتسعين لانه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها حتى لا يشذ منها شىء وسائر الأسماء لا تدل آحادها الا على آحاد المعاني من علم او قدرة او فعل وغيره ولانه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا وسائر الأسماء قد يسمى بها غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيرها وينبغى ان يكون حظ العبد من هذا الاسم التأله واعنى به ان يكون مستغرق القلب والهمة فى الله تعالى لا يرى غيره ولا يلتفت الى سواه ولا يرجو ولا يخاف الا إياه وكيف لا يكون كذلك وقد فهم من هذا الاسم انه الموجود الحقيقي الحق وكل ما سواه فان وهالك وباطل الا به فيرى نفسه أول هالك وباطل كما رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حث قال (أصدق بيت
قالته العرب قول لبيد ألا كل شىء ما خلا الله باطل وهذه الكلمة فوائد ليست فى غيرها فان كل كلمة إذا أسقطت منها حرفا يختل المعنى بخلاف هذه فانك ان حذفت الالف يصير لله قال تعالى لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وان حذفت اللام الاولى ايضا يبقى له قال تعالى لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وان حذفت اللام الثانية ايضا يبقى الهاء وهو ضمير راجع الى الله تعالى قال تعالى هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وللاسماء تأثير بليغ خصوصا للفظة الجلالة قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره لما جاء المولى علاء الدين الخلوتى ببروسة صعد المنبر في الجامع الكبير للوعظ وقد اجتمع جمع كثير منتظرين لكلامه فقال مرة واحدة «يا الله» فحصل للجماعة حالة رقصوا وكادوا لا يرجعون عن البكاء والفزع- وحكى- انه لما مات سلطان العصر عزم جماعة الرجال على قتل الوزير فجاء بيت الشيخ وفاء في القسطنطنية واستغاث منه فادخله الشيخ الى بيته فهجموا جميعا الى بيت الشيخ فخرج الشيخ وقال مرة واحدة «يا الله» فهربوا جميعا فانظر انهم إذا ذكروا الله تظهر آثار عجيبة ونحن إذا ذكرنا ذلك الاسم بعينه لا يظهر له اثر وذلك لانهم زكوا أنفسهم وبدلوا اخلاقهم واما نحن فليس فينا هذا ولا القابلية لذلك وانما الفيض من الله تعالى: قال الحافظ
فيض روح القدس ار باز مدد فرمايد
…
ديكران هم بكنند آنچهـ مسيحا ميكند
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الجملة خبر للمبتدأ وهو الجلالة والمعنى انه المستحق للعبادة لا غير- وحكى- ان تسبيح قطب الاقطاب «يا هو ويا من هو هو ويا من لا اله الا هو» فاذا قال ذلك بطريق الحال يقدر على التصرفات وللتوحيد ثلاث مراتب. توحيد المبتدئين لا اله الا الله. وتوحيد المتوسطين لا اله الا أنت لانهم في مقام الشهود فمقتضاه الخطاب. واما الكمل فيسمعون التوحيد من الموحد وهو لا اله الا انا لانهم في مقام الفناء الكلى فلا يصدر منهم شىء أصلا قال ابن الشيخ في حواشى سورة الإخلاص لفظ هو اشارة الى مقام المقربين وهم الذين نظروا الى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي هى فلا جرم ما رأوا موجودا سوى الله لان الحق هو الذي لذاته يجب وجوده واما ما عداه فممكن والممكن إذا نظر اليه من حيث هو هو كان معدوما فهؤلاء لم يروا موجودا سوى الحق سبحانه وكلمة هو وان كانت للاشارة المطلقة ومفتقرة في تعين المراد بها الى سبق الذكر بأحد الوجوه او الى ان يعقبها ما يفسرها الا انهم يشيرون الى الحق سبحانه ولا يفتقرون في تلك الاشارة الى ما يميز الذات المرادة عن غيرها لان الافتقار الى المميز انما يحصل حيث وقع الإبهام بان يتعدد ما يصلح لان يشار اليه وقد بينا انهم لا يشاهدون بعيون عقولهم الا الواحد فقط فلهذا السبب كانه لفظة هو كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء انتهى كلامه وانما ذكرته هاهنا ليكون حجة على من أنكر على جماعة الصوفية في كلمة هو ذاهبا الى انها ضمير ولا فائدة في الذكر به وقد سبق منى عند قوله تعالى وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ما ينفك في هذا المقام قال شيخى وسندى الذي بمنزلة روحى في جسدى الذكر ب «لا اله الا الله» أفضل
من الذكر بكلمة «الله الله» و «هو هو» عند العلماء بالله لانها جامعة بين النفي والإثبات وحاوية لزيادة العلم والمعرفة فمن نفى بلا اله عين الخلق حكما لا علما فقد اثبت كون الحق
حكما وعلما وأفادني ايضا إذا قلت لا اله الا الله فشاهد بالشهود الحقانى فناء افعال الخلق وصفاتهم وذواتهم في افعال الحق وصفاته وذاته وهذا مقتضى الجمع والاحدية. وتلك الكلمة فى الحقيقة اشارة الى هذه المرتبة وإذا قلت محمد رسول الله فشاهد بالشهود الحقانى ايضا بقاء أفعالهم وصفاتهم وذواتهم بأفعاله تعالى وصفاته وذاته وهذا مقتضى الفرق والواحدية. وتلك الكلمة ايضا اشارة الى هذه المرتبة فاذا كان توحيد العبد على هذه المشاهدة فلا جرم ان توحيده يكون توحيدا حقيقا حقانيا لا رسما نفسانيا: قال المولى الجامى قدس سره كر چهـ «لا» داشت تيركئ عدم دارد «الا» فروع نور قدم كر چهـ «لا» بود كان كفر وجحود هست «الا» كليد كنج شهود چون كند «لا» بساط كثرت طى دهد «الا» ز جام وحدت مى آن رهاند ز نقش بيش وكمت وين رساند بوحدت قدمت تا نسازى حجاب كثرت دور ندهد آفتاب وحدت نور دائم آن آفتاب تابانست از حجاب تو از تو پنهانست كر برون آيى از حجاب تويى مرتفع كردد از ميانه دويى در زمين زمان وكون مكان همه او بينى آشكار ونهان اللهم أوصلنا الى الجمع والعين واليقين الْحَيُّ خبر ثان. وهو في اللغة من له الحياة وهي صفة تخالف الموت والجمادية وتقتضى الحس والحركة الارادية واشرف ما يوصف به الإنسان الحياة الابدية في دار الكرامة وإذا وصف الباري عز شأنه بها وقيل انه حى كان معناه الدائم الباقي الذي لا سبيل عليه للموت والفناء فهو الموصوف بالحياة الازلية الابدية قال الامام الغزالي في شرح الأسماء الحسنى «الحي» هو الفعال الدراك حتى ان من لا فعل له أصلا ولا ادراك فهو ميت واقل درجات الإدراك ان يشعر المدرك بنفسه فما لا يشعر بنفسه فهو الجماد والميت فالحى الكامل المطلق هو الذي تندرج جميع المدركات تحت إدراكه وجميع الموجودات تحت فعله حتى لا يشد عن علمه مدرك ولا عن فعله مفعول وذلك هو الله تعالى فهو الحي المطلق وكل حى سواه فحياته بقدر إدراكه وفعله وكل ذلك محصور في قوله الْقَيُّومُ قام بالأمر إذا دبره مبالغة القائم فانه تعالى دائم القيام على كل شىء بتدبير امره في إنشائه وترزيقه وتبليغه الى كماله اللائق به وحفظه قال الامام الغزالي اعلم ان الأشياء تنقسم الى ما يفتقر الى محل كالاعراض والأوصاف فيقال فيها انها ليست قائمة بنفسها والى ما يحتاج الى محل فيقال انه قائم بنفسه كالجواهر الا ان الجوهر وان قام بنفسه مستغنيا عن محل يقوم به فليس مستغنيا عن امور لا بد منها لوجوده وتكون شرطا في وجوده فلا يكون قائما بنفسه لانه محتاج في قوامه الى وجود غيره وان لم يحتج الى محل فان كان في الوجود موجود يكفى ذاته بذاته ولا قوام له بغيره ولا شرط في دوام وجوده وجود غيره فهو القائم بنفسه مطلقا فان كان مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يتصور للاشياء وجود ولا دوام وجود الا به فهو القيوم لان قوامه بذاته وقوام كل شىء به وليس ذلك الا الله تعالى ومدخل العبد في هذا الوصف بقدر استغنائه عما سوى الله تعالى انتهى كلام الغزالي قيل الحي
القيوم اسم الله الأعظم. وكان عيسى عليه الصلاة والسلام إذا أراد ان يحيى الموتى يدعو بهذا الدعاء يا حى يا قيوم ويقال دعاء اهل البحر إذا خافوا الغرق يا حى يا قيوم وعن على بن ابى طالب رضى الله عنه لما كان يوم بدر جئت انظر ما يصنع النبي صلى الله عليه وسلم فاذا هو ساجد يقول يا حى يا قيوم فترددت مرات وهو على حاله لا يزيد على ذلك الى ان فتح الله له وهذا يدل على عظمة هذا الاسم وفي التأويلات النجمية انما أشير في معنى الاسم الأعظم الى هذين الاسمين وهما الحي والقيوم لان اسمه الحي مشتمل على جميع أسمائه وصفاته فان من لوازم الحي ان يكون قادرا عالما سميعا بصيرا متكلما مريدا باقيا. واسمه القيوم مشتمل على افتقار جميع المخلوقات
اليه فاذا تجلى الله لعبد بهاتين الصفتين فالعبد يكاشف عند تجلى صفة الحي معانى جميع أسمائه وصفاته ويشاهد عند تجلى صفة القيوم فناء جميع المخلوقات إذا كان قيامها بقيومية الحق لا بانفسهم فلما جاء الحق زهق الباطل فلا يرى في الوجود الا الحي القيوم إذا سلب الحي جميع اسماء الله وسلب القيوم قيام المخلوقات فترتفع الاثنينية بينهما وإذا فنى التعدد وبقيت الوحدة فيصيران اسما أعظم للمتجلى له فيذكره عند شهود عظمة الوحدانية بلسان عيان الفردانية لا بلسان بيان الانسانية فقد ذكره باسمه الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به اعطى فاما الذاكر عند غيبه فكل اسم دعاه لا يكون الاسم الأعظم بالنسبة الى حال غيبه وعند شهود العظمة فبكل اسم دعاه يكون الاسم الأعظم كما سئل ابو يزيد البسطامي قدس سره عن الاسم الأعظم فقال الاسم ليس له حد محدود ولكن فرغ قلبك لوحدانيته فاذا كنت كذلك فاذكره بأى اسم شئت انتهى ما في التأويلات واعلم ان الاسم الأعظم عبارة عن الحقيقة المحمدية فمن عرفها عرفه وهي صورة الاسم الجامع الإلهي وهو ربها ومنه الفيض فاعرف تفز بالحظ الاوفى لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ السنة ثقلة من النعاس وفتور يعترى المزاج قبل النوم وليست بداخلة في حد النوم والنعاس أول النوم والنوم حالة تعرض للحيوان من استرخاء اعصاب الدماغ من رطوبات الابخرة المتصاعدة بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الاحساس رأسا وتقديم السنة عليه مع ان قياس المبالغة عكسه على ترتيب الوجود الخارجي فان الموجود منهما اولا هو السنة ثم يعترى بعدها النوم وتوسيط كلمة لا للتنصيص على شمول النفي لكل منهما والمراد بيان انتفاء اعتراء شىء منهما له سبحانه لعدم كونهما من شأنه وانما عبر عن عدم الاعتراء والعروض بعدم الاخذ لمراعاة الواقع إذ عروض السنة والنوم لمعروضهما انما يكون بطريق الاخذ والاستيلاء والجملة نفى للتشبيه وتأكيد لكونه حيا قيوما فان من اخذه نعاس او نوم كان مؤوف الحياة قاصرا في الحفظ والتدبير والمعنى لا يعتريه ما يعترى المخلوقين من السهو والغفلة والملال والفترة في حفظ ما هو قائم بحفظه ولا يعرض له عوارض التعب المحوجة الى الاستراحة فيستريح بالنوم والسنة لان النوم أخو الموت والموت ضد الحياة وهو الحي الحقيقي فلا يلحقه ضد الحياة فكما انه موصوف بصفات الكمال فهو منزه عن جميع صفات النقصان- روى- ان موسى عليه السلام سأل الملائكة وكان ذلك في نومه أينام ربنا فاوحى الله تعالى إليهم ان يوقظوه ثلاثا ولا يتركوه ينام ثم قال خذ بيدك قارورتين مملوءتين فاخذهما فاخذه النوم فزالتا وانكسرتا ثم اوحى الله اليه انى امسك السموات والأرض بقدرتي فلو أخذني
نوم او نعاس لزالتا كذا في الكشاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله لا ينام ولا ينبغى له ان ينام) قال ابن الملك هذا بيان لاستحالة وقوع النوم منه لانه عجز والله تعالى يتعالى عنه انتهى وحظ العبد من هذا الوصف ان يترك النوم فان الله تعالى وان رخص للعباد في المنام بل هو فضل منه تعالى لكن كثرة المنام بطالة وان الله تعالى لا يحب البطال قال ابو يزيد البسطامي قدس سره لم يفتح لى شىء الا بعد ان جعلت الليالى أياما: قال السعدي قدس سره
سر آنكه ببالين نهد هوشمند
…
كه خوابش بقهر آورد در كمند
قيل كان رجل له تلميذان اختلفا فيما بينهما فقال أحدهما النوم خير لان الإنسان لا يعصى في تلك الحالة وقال الآخر اليقظة خير لانه يعرف الله في تلك الحالة فتحا كما الى ذلك الشيخ فقال الشيخ اما أنت الذي قلت بتفضيل اليقظة فالحياة خير لك وقيل اشترى رجل مملوكة فلما دخل الليل قال افرشى الفراش فقالت المملوكة يا مولاى ألك مولى قال نعم قالت ينام مولاك قال لا فقالت ألا تستحيى ان تنام ومولاك لم ينم: ومن الأبيات التي كان يذكرها بلال الحبشي رضى الله عنه وقت السحر يا ذا الذي استغرق في نومه ما نوم عبد ربه لا ينام أهل تقول اننى مذنب مشتغل الليل بطيب المنام لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تقرير لقيوميته تعالى واحتجاج به على تفرده في الالوهية لانه تعالى خلقهما بما فيهما والمشاركة انما تقع فيما فيهما ومن يكن له ما فيهما فمحال مشاركته فكل من فيهما وما فيهما ملكه ليس لاحد معه
فيه شركة ولا لاحد عليه سلطان فلا يجوز ان يعبد غيره كما ليس لعبد أحدكم ان يخدم غيره الا باذنه والمراد بما فيهما ما هو أعم من اجزائهما الداخلة فيهما ومن الأمور الخارجة عنهما المتمكنة فيهما من العقلاء وغيرهم فهو ابلغ من ان يقال له السموات والأرض وما فيهن لان قوله وما فيهن بعد ذكر السموات والأرض انما يتناول الأمور الخارجة المتمكنة فيهن إذ لو أريد به ما يعم الأمور الداخلة فيهما والخارجة عنهما لا غنى ذكره عن ذكرهما مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ من مبتدأ وذا خبره والذي صفة ذا او بدل منه ولفظ من وان كان استفهاما فمعناه النفي ولذلك دخلت الا في قوله إِلَّا بِإِذْنِهِ وعِنْدَهُ فيه وجهان. أحدهما انه متعلق بيشفع. والثاني انه متعلق بمحذوف في موضع الحال من الضمير في يشفع اى لا أحد يشفع مستقرا عنده الا باذنه وقوى هذا الوجه بانه إذا لم يشفع عنده من هو عنده وقريب منه فشفاعة غيره ابعد والا باذنه متعلق بمحذوف لانه حال من فاعل يشفع فهو استثناء مفرغ والباء للمصاحبة والمعنى لا أحد يشفع عنده في حال من الأحوال الا في حال كونه مأذونا له او لا أحد يشفع عنده بامر من الأمور الا باذنه والباء للاستعانة كما في ضرب بسيفه فيكون الجار والمجرور في موضع المفعول به وكان المشركون يقولون أصنامنا شركاء الله تعالى وهم شفعاؤنا عنده فوحد الله نفسه بالنفي والإثبات ليكون المعنى في ثبوت التوحيد ونفى الشرك اى ليس لاحد ان يشفع لاحد عنده الا باذنه وقد اخبر انه لا يأذن في الشفاعة للكفار وهو رد على المعتزلة في انهم لا يرون الشفاعة أصلا والله تعالى أثبتها للبعض بقوله إِلَّا بِإِذْنِهِ وفي التأويلات النجمية هذا الاستثناء راجع الى
النبي عليه الصلاة والسلام لان الله قد وعد له المقام المحمود وهو الشفاعة فالمعنى من ذا الذي يشفع عنده يوم القيامة الا عبده محمد فانه مأذون موعود ويعينه الأنبياء بالشفاعة انتهى غم نخورد آنكه شفيعش تويى پايه ده قدر رفيعش تويى حاصلى ار نيست ز طاعت مرا هست اميدى بشفاعت مرا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (أتاني آت من عند ربى فخيرنى بين ان يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة) - روى- ان الأنبياء عليهم السلام يعينون نبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة فيأتى الناس اليه فيقول انا لها وهو المقام المحمود الذي وعده الله به يوم القيامة فيأتى ويسجد ويحمد الله بمحامد يلهمه الله تعالى إياها في ذلك الوقت لم يكن يعلمها قبل ذلك ثم يشفع الى ربه ان يفتح باب الشفاعة للخلق فيفتح الله ذلك الباب فيأذن في الشفاعة للملائكة والرسل والأنبياء والمؤمنين فهذا يكون سيد الناس يوم القيامة فانه شفع عند الله ان يشفع الملائكة والرسل ومع هذا تأدب صلى الله عليه وسلم وقال (انا سيد الناس) ولم يقل سيد الخلائق فيدخل الملائكة فى ذلك مع ظهور سلطانه في ذلك اليوم على الجميع وذلك انه صلى الله تعالى عليه وسلم جمع له بين مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم ولم يكن ظهر له على الملائكة ما ظهر لآدم عليهم من اختصاصه بعلم الأسماء كلها فاذا كان في ذلك اليوم افتقر اليه الجميع من الملائكة والناس من آدم فمن دونه في فتح باب الشفاعة واظهار ماله من الجاه عند الله إذ كان القهر الإلهي والجبروت الأعظم قد اخرس الجميع فدل على عظيم قدره عليه السلام حيث اقدم مع هذه الصفة الغضبية الإلهية على مناجاة الحق فيما سأله فيه فاجابه الحق سبحانه كذا في تفسير الفاتحة للمولى الفنارى عليه رحمة الباري واعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من يفتح باب الشفاعة فيشفع فى الخلق ثم الأنبياء ثم الأولياء ثم المؤمنون وآخر من يشفع هو ارحم الراحمين فان الرحمن ما شفع عند المنتقم في اهل البلاء الا بعد شفاعة الشافعين الذين لم تظهر شفاعتهم الا بعد شفاعة خاتم الرسل إياهم ليشفعوا ومعنى شفاعة الله سبحانه هو انه إذا لم يبق في النار مؤمن شرعى أصلا يخرج الله منها قوما علموا التوحيد بالادلة العقلية ولم يشركوا بالله شيأ ولا آمنوا ايمانا شرعيا ولم يعملوا خيرا قط من حيث ما اتبعوا فيه
نبيا من الأنبياء فلم يكن عندهم ذرة من ايمان فيخرجهم ارحم الراحمين فاعرف هذا فانه من الغرائب أفاده لى شيخى العلامة إفادة كشفية وصادفته ايضا فى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى اللهم اغفر وارحم وأنت ارحم الراحمين يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ استئناف آخر لبيان احاطة علمه بأحوال خلقه المستلزم لعلمه بمن يستحق الشفاعة ومن لا يستحقها اى يعلم ما كان قبلهم من امور الدنيا وما يكون بعدهم من امر الآخرة او ما بين أيديهم يعنى الآخرة لانهم يقدمون عليها وما خلفهم الدنيا لانهم يخلفونها وراء ظهورهم او ما بين أيديهم من السماء الى الأرض وما خلفهم يريد ما في السموات او ما بين أيديهم بعد انقضاء آجالهم وما خلفهم اى ما كان قبل ان يخلقهم او ما فعلوه من خير وشر وقدموه وما يفعلونه بعد ذلك والمقصود بهذا الكلام بيان انه عالم بأحوال الشافع والمشفوع له فيما يتعلق باستحقاق الثواب والعقاب. والضمير لما في السموات وما في الأرض لان فيهم العقلاء فغلب
من يعقل على غيره او لما دل عليه من ذا من الملائكة والأنبياء فيكون للعقلاء خاصة وَلا يُحِيطُونَ اى لا يدركون يعنى من الملائكة والأنبياء وغيرهم بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ اى من معلوماته إِلَّا بِما شاءَ ان يعلموه وان يطلعهم عليه كاخبار الرسل فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول وانما فسرنا العلم بالمعلوم لان علمه تعالى الذي هو صفة قائمة بذاته المقدسة لا يتبعض فجعلناه بمعنى المعلوم ليصح دخول التبعيض والاستثناء عليه وفي التأويلات النجمية يَعْلَمُ محمد عليه السلام ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من الأمور الاوليات قبل خلق الله الخلائق كقوله (أول ما خلق الله نورى) وَما خَلْفَهُمْ من اهوال القيامة وفزع الخلق وغضب الرب وطلب الشفاعة من الأنبياء وقولهم نفسى نفسى وحوالة الخلق بعضهم الى بعض حتى بالاضطرار يرجعون الى النبي عليه السلام لاختصاصه بالشفاعة وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ يحتمل ان تكون الهاء كناية عنه عليه السلام يعنى هو شاهد على أحوالهم يعلم ما بين أيديهم من سيرهم ومعاملاتهم وقصصهم وما خلفهم من امور الآخرة واحوال اهل الجنة والنار وهم لا يعلمون شيأ من معلوماته إِلَّا بِما شاءَ ان يخبرهم عن ذلك انتهى قال شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة في الرسالة الرحمانية فى بيان الكلمة العرفانية علم الأولياء من علم الأنبياء بمنزلة قطرة من سبعة أبحر وعلم الأنبياء من علم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بهذه المنزلة وعلم نبينا من علم الحق سبحانه بهذه المنزلة انتهى وفي القصيدة البردية وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر او رشفا من الديم وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم او من شكلة الحكم حاصله ان علوم الكائنات وان كثرت بالنسبة الى علم الله عز وجل بمنزلة نقطة او شكلة ومشربها بحر روحانية محمد صلى الله عليه وسلم فكل رسول ونبى وولى آخذون بقدر القابلية والاستعداد مما لديه وليس لاحد ان يعدوه او يتقدم عليه. قوله النقطة فعلة من نقطت الكتاب نقطا ومعناها الحاصل. والشكلة بالفتح فعلة من شكلت الكتاب قيدته بالاعراب وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الكرسي ما يجلس عليه من الشيء المركب من خشبات موضوعة بعضها فوق بعض ولا يفضل على مقعد القاعد وكأنه منسوب الى الكرس الذي هو الملبد وهو ما يجعل فيه اللبدة اى لم يضق كرسيه عن السموات والأرض لبسطته وسعته وما هو الا تصوير لعظمته وتمثيل مجرد ولا كرسى في الحقيقة ولا قاعد. وتقريره انه تعالى خاطب الخلق في تعريف ذاته وصفاته بما اعتادوه في ملوكهم وعظمائهم كما جعل الكعبة بيتا له يطوف الناس به كما يطوفون ببيوت ملوكهم وامر الناس بزيارته كما يزور الناس بيوت ملوكهم وذكر في الحجر الأسود انه يمين الله تعالى في ارضه ثم جعله موضعا للتقبيل كما يقبل الناس أيدي ملوكهم وكذلك ما ذكر في محاسبة العباد يوم القيامة من حضور الملائكة والنبيين والشهداء فوضع الميزان وعلى هذا القياس اثبت لنفسه عرشا فقال الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ثم اثبت لنفسه كرسيا فقال وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ والحاصل ان كل ما جاء من الألفاظ الموهمة للتشبيه في العرش والكرسي فقد ورد مثلها بل أقوى منها في الكعبة والطواف وتقبيل
الحجر ولما توافقت
الامة هاهنا على ان المقصود تعريف عظمة الله وكبريائه مع القطع بانه تعالى منزه عن ان يكون فى الكعبة ما يوهمه تلك الألفاظ فكذا الكلام في العرش والكرسي. والمعتمد كما قال الامام ان الكرسي جسم بين يدى العرش محيط بالسماوات السبع لان الأرض كرة والسماء الدنيا محيطة بها احاطة قشر البيضة بالبيضة من جميع الجوانب والثانية محيطة بالدنيا وهكذا الى ان يكون العرش محيطا بالكل قال صلى الله عليه وسلم (ما السموات السبع والأرضون السبع من الكرسي الا كحلقة في فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) ولعله الفلك الثامن وهو المشهور بفلك البروج قال مقاتل كل قائمة من الكرسي طولها مثل السموات السبع والأرضين السبع وهو بين يدى العرش ويحمل الكرسي اربعة املاك لكل ملك اربعة وجوه وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمسمائة عام. ملك على صورة سيد البشر آدم عليه الصلاة والسلام وهو يسأل للآدميين الرزق والمطر من السنة الى السنة. وملك على صورة سيد الانعام وهو الثور وهو يسأل للانعام الرزق من السنة الى السنة وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل. وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد يسأل للسباع الرزق من السنة الى السنة. وملك على صورة سيد الطير وهو النسر يسأل للطير الرزق من السنة الى السنة وفي التأويلات النجمية اما القول في معنى الكرسي فاعلم ان مقتضى الدين والديانة ان لا يؤول المسلم شيأ من الأعيان مما نطق به القرآن والأحاديث بالمعاني الا بصورها كما جاء وفسرها النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة وعلماء السلف الصالح اللهم الا ان يكون محققا خصصه الله بكشف الحقائق والمعاني والاسرار وإشارات التنزيل وتحقيق التأويل فاذا كوشف بمعنى خاص او اشارة وتحقيق يقدر ذلك المعنى من غير أن يبطل صورة الأعيان مثل الجنة والنار والميزان والصراط وفى الجنة من الحور والقصور والأنهار والأشجار والثمار وغيرها من العرش والكرسي والشمس والقمر والليل والنهار ولا يؤول شيأ منها على مجرد المعنى ويبطل صورته بل يثبت تلك الأعيان كما جاء ويفهم منها حقائق معانيها فان الله تعالى ما خلق شيأ في عالم الصورة الا وله نظير في عالم المعنى وما خلق شيأ في عالم المعنى وهو الآخرة الا وله حقيقة في عالم الحق وهو غيب الغيب فافهم جدا وما خلق في العالمين شيأ الا وله مثال وأنموذج في عالم الإنسان فاذا عرفت هذا فاعلم ان مثال العرش في عالم الإنسان قلبه إذ هو محل استواء الروح عليه ومثال الكرسي سر الإنسان والعجب كل العجب ان العرش مع نسبته الى استواء الرحمانية قيل هو كحلقة ملقاة بين السماء والأرض بالنسبة الى وسعة قلب المؤمن انتهى ما في التأويلات:
وفي المثنوى
كفت پيغمبر كه حق فرموده است
…
من نكنجم هيچ در بالا و پست
در زمين وآسمان وعرش نيز
…
من نكنجم اين يقين دان اى عزيز
در دل مؤمن بكنجم اى عجب
…
گر مرا جويى دران دلها طلب
خود بزركى عرش باشد بس مديد
…
ليك صورت كيست چون معنى رسيد
وَلا يَؤُدُهُ يقال آده الشيء يئوده إذا أثقله ولحقه منه مشقة مأخوذ من الأود بفتح الواو وهو العوج ويعرض ذلك بالثقل اى لا يثقله ولا يشق عليه تعالى حِفْظُهُما اى حفظ السموات والأرض إذ القريب والبعيد عنده سواء والقليل والكثير سواء وكيف يتعب في خلق الذرة وكل الكون عنده سواء فلا من القليل له تيسر ولا من الكثير عليه تعسر انما امره إذا أراد شيأ ان يقول له كن فيكون وانما لم يتعرض لذكر ما فيهما لان حفظهما مستتبع لحفظه وَهُوَ الْعَلِيُّ اى المتعالي بذاته عن الأشباه والانداد الْعَظِيمُ الذي يستحقر بالنسبة اليه كل ما سواه. فالمراد بالعلو علو القدر والمنزلة لا علو المكان لانه تعالى منزه عن التحيز وكذا عظمته انما هي بالمهابة والقهر والكبرياء ويمنع ان يكون بحسب المقدار والحجم لتعالى شأنه من ان يكون من جنس الجواهر والأجسام. والعظيم من العباد الأنبياء والأولياء والعلماء الذين إذا عرف العاقل شيأ من صفاتهم امتلأ بالهيبة صدره وصار متشوقا بالهيبة قلبه حتى لا يبقى فيه متسع فالنبى عليه السلام عظيم في حق أمته والشيخ عظيم في حق مريده والأستاذ في حق تلميذه إذ يقصر عقله عن الإحاطة بكنه صفاته فان ساواه أو جاوزه لم يكن عظيما بالاضافة اليه. وهذه الآية الكريمة منطوية كما ترى على أمهات المسائل الإلهية المتعلقة بالذات العلية والصفات الحلية فانها ناطقة بانه تعالى موجود متفرد بالآلهية متصف بالحياة واجب الوجود لذاته موجد لغيره لما ان القيوم هو القائم بذاته المقيم لغيره منزه عن التحيز والحلول مبرأ من التغير والفتور لا مناسبة بينه وبين الأشباح ولا يعتريه ما يعترى النفوس والأرواح مالك الملك والملكوت ومبدع الأصول والفروع ذو البطش الشديد لا يشفع عنده الا من اذن له فهو العالم وحده بجميع الأشياء جليها وخفيها كليها وجزئيها واسع الملك والقدرة لكل ما من شأنه ان يملك ويقدر عليه ولا يشق عليه شاق ولا يشغله شأن عن شأن متعال عما تناله الأوهام عظيم لا تحدق به الافهام ولذلك قال عليه السلام (ان أعظم آية في القرآن آية الكرسي من قرأها بعث الله ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيآته الى الغد من تلك الساعة) يعنى انما صارت آية الكرسي أعظم الآيات لعظم مقتضاها فان الشيء انما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلقاته وآية الكرسي اقتضت التوحيد في خمسين حرفا وسورة الإخلاص فى خمسة عشر حرفا قال الامام في الإتقان اشتملت آية الكرسي على ما لم تشتمل عليه آية فى اسماء الله تعالى وذلك انها مشتملة على سبعة عشر موضعا فيها اسم الله تعالى ظاهرا في بعضها ومستكنا في بعض وهي الله هو الحي القيوم وضمير لا تأخذه وله وعنده وباذنه ويعلم وعلمه وشاء وكرسيه ويئوده وضمير حفظهما المستتر الذي هو فاعل المصدر وهو العلى العظيم ويكفى فى استحقاقها السيادة ان فيها الحي القيوم وهو الاسم الأعظم كما ورد به الخبر عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وتذاكر الصحابة أفضل ما في القرآن فقال لهم على اين أنتم عن آية الكرسي ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا على سيد البشر آدم وسيد العرب محمد ولا فخر وسيد الفرس سلمان وسيد الروم صهيب وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال الطور وسيد الأيام يوم الجمعة وسيد الكلام القرآن وسيد القرآن البقرة وسيد البقرة آية الكرسي) وعن على
كرم الله وجهه عن النبي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما قرئت هذه الآية فى دار الا اهتجرتها الشياطين ثلاثين يوما ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة يا على علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها) وعن على ايضا سمعت نبيكم على أعواد المنبر وهو يقول (من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة الا الموت ولا يواظب عليها الا صديق او عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله) عن محمد بن ابى بن كعب عن أبيه ان أباه أخبره انه كان له جرن فيه خضر فكان يتعاهده فوجده ينقص فحرسه ذات ليلة فاذا هو بدابة تشبه الغلام المحتلم قال فسلمت فرددت عليها السلام وقلت من أنت جن أم انس قالت جن قلت ناولينى يدك فناولتنى يدها فاذا يد كلب وشعر كلب فقلت هكذا خلقة الجن قالت لقد علمت الجن ما فيهم أشد منى قلت ما حملك على ما صنعت قالت بلغني انك رجل تحب الصدقة فاحببنا ان نصيب من طعامك فقال لها أبيّ فما الذي يجيرنا منكم قالت هذه الآية التي في سورة البقرة الله لا اله الا هو الحي القيوم من قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسى ومن قالها حين يمسى أجير منا حتى يصبح فلما أصبح أتى النبي عليه السلام فاخبره فقال النبي عليه السلام (صدق الخبيث) وروى ان رجلا أتى شجرة او نخلة فسمع فيها حركة فتكلم فلم يجب فقرأ آية الكرسي فنزل اليه شيطان فقال ان لنا مريضا فبم نداويه قال بالذي أنزلتني به من الشجرة وخرج زيد بن ثابت الى حائط له فسمع فيه جلبة فقال ما هذا قال رجل من الجان أصابتنا السنة فاردنا ان نصيب من ثماركم أفتطيبونها قال نعم فقال له زيد بن ثابت ألا تخبرني ما الذي يعيذنا منكم قال آية الكرسي وبالجملة ان آية الكرسي من أعظم ما ينتصر به على الجن فقد جرب المجربون الذين لا يحصون كثرة ان لها تأثيرا عظيما في طرد الشياطين عن نفس الإنسان وعن المصروع وعمن تعينه الشياطين مثل اهل الشهوة والطرب وارباب سماع المكاء والتصدية واهل الظلم والغضب إذا قرئت عليهم بصدق كما في آكام المرجان في احكام الجان
دل پر درد را دوا قرآن
…
جان مجروح را شفا قرآن
هر چهـ جويى ز نص قرآن جو
…
كه بود كنج علمها قرآن
وانما قال إذا قرئت عليهم بصدق لانه هو العمدة والصادق يبيض وجهه والكاذب يسود ألا ترى الى الصبح الصادق والكاذب كيف أعقب الاول شمس منير دون الثاني: قال فى المثنوى
هست تسبيحت بخار آب وكل
…
مرغ جنت شد ز نفخ صدق دل
وكل ما وقع بطريق الحال وجد عنده التأثير بخلاف ما وقع بطريق القال فقط ولذا ترى اكثر الناس محرومين وان دعوا بالاسم الأعظم اللهم آت نفسى تقواها وزكها أنت خير من زكاها آمين لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قال بعضهم نزلت هذه الآية في المجوس واهل الكتاب من اليهود والنصارى انه تقبل منهم الجزية ولا يكرهون على الإسلام ليس كمشركى العرب فانه لا يقبل منهم الا السيف او الإسلام ولا تقبل منهم الجزية ان اسلموا فيها والا قتلوا قال الله
تعالى تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ والمعنى لا إجبار في الدين لان من حق العاقل ان لا يحتاج الى التكليف والإلزام بل يختار الدين الحق من غير تردد وتلعثم لوضوح الحجة قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ هو لفظ جامع لكل خير والمراد هاهنا الايمان الذي هو الرشد الموصل الى السعادة الابدية لتقدم ذكر الدين مِنَ الْغَيِّ اى من الكفر الذي هو المؤدى الى الشقاوة السرمدية قال الراغب الغى كالجهل يقال اعتبارا بالاعتقاد والغى اعتبارا بالافعال ولهذا قيل زوال الجهل بالعلم وزوال الغى بالرشد فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ هو كل ما عبد من دون الله مما هو مذموم في نفسه ومتمرد كالانس والجن والشياطين وغيرهم فلا يرد عيسى عليه الصلاة والسلام والكفر به عبارة عن الكفر باستحقاقه العبادة وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ بالتوحيد وتصديق الرسل لان الكفر بالأنبياء والكتب يمنع حقيقة الايمان بالله لان الايمان بالله حقيقة يستلزم الايمان باوامره ونواهيه وشرائعه المعلومة بالدلائل التي أقامها الله لعباده وتقديم الكفر بالطاغوت على الايمان به تعالى لتوقفه عليه فان التخلية بالمعجمة متقدمة على التحلية بالمهملة فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى اى بالغ في التمسك بالحلقة الوكيدة. وعروة الجسم الكبير الثقيل الموضع الذي يتعلق به من يأخذ ذلك الجسم ويحمله. والوثقى فعلى للتفضيل تأنيث الأوثق كفضلى تأنيث الأفضل لَا انْفِصامَ لَها اى لا انقطاع وهو استئناف لبيان قوة دلائل الحق بحيث لا يعتريها شىء من الشبه والشكوك فان العروة الوثقى استعارة المحسوس للمعقول لان من أراد إمساك هذا الدين تعلق بالدلائل الدالة عليه ولما كانت دلائل الإسلام أقوى الدلائل وأوضحها وصفها الله بانها العروة الوثقى قال المولى ابو السعود الكلام تمثيل مبنى على تشبيه الهيئة المنتزعة من ملازمة الاعتقاد الحق الذي لا يحتمل النقيض أصلا لثبوته بالبراهين النيرة القطعية بالهيئة الحسية المنتزعة من التمسك بالحبل المحكم المأمون انقطاعه فلا استعارة في المفردات وَاللَّهُ سَمِيعٌ بالأقوال عَلِيمٌ بالعزائم والعقائد يعلم غيها ورشدها وباطلها وحقها ويجرى كلا على وفق عمله وقوله وعقده وهو ابلغ وعد ووعيد واعلم ان حقيقة الايمان كونه متعلقا بالله على وجه الشهود والعيان ومجازه كونه متعلقا به على وجه الرسم والبيان او بالطاغوت وحقيقة الكفر كونه متعلقا بالطاغوت ومجازه كونه متعلقا بوحدة الله او بنعمته فان الكفر ثلاثة اقسام كفر النعمة وكفر الوحدة وكفر الطاغوت وافراد الإنسان ثلاثة اقسام ايضا اصحاب الميمنة وهم ارباب الجمال ومظاهره واصحاب المشأمة وهم ارباب الجلال ومظاهره والمقربون وهم اصحاب الكمال ومظاهره وقلوب الفريق الاول في أيدي سدنة الجمال الإلهي من الملائكة المقربين وقلوب الفريق الثاني في أيدي سدنة الجلال الإلهي من الشياطين المتمردين يستعملونها في سبيل الشرور وقلوب الفريق الثالث في يد الله الملك المتعال يد الله فوق أيدي سدنة الجمال والجلال يقلبها كيف يشاء بين التجليات العاليات والعلوم والمعارف الآلهيات ولما تعلق ايمان هذه الفرق بالله على وجه الشهود والعيان وتعلق كفرهم بالطاغوت جليا او خفيا كان ايمانهم وكفرهم حقيقيين وجاوزوا من عالم المجاز الى عالم الحقيقة واما الفريق الثاني فقد تعلق ايمانهم بالطاغوت مطلقا جليا او خفيا وكفرهم بالوحدة والنعمة فكان ايمانهم وكفرهم مجازيين لكن ايمانهم
مردود ككفرهم لانه لم يتعلق بالله أصلا بل كان كله مقصورا على الطاغوت ولذا لم يتجاوزوا من عالم المجاز أصلا ولم يصلوا الى قرب عالم الحقيقة جدا فضلا عن وصولهم الى عالم الحقيقة قطعا واما الفريق الاول فلما تعلق ايمانهم بالله على وجه الرسم والبيان لا بالطاغوت الجلى جدا ولم يتعلق ايمانهم به على وجه الشهود ولم يتعلق ايمانهم به على الإخلاص حين تعلق به على وجه الرسم والبيان لتعلقه ايضا بالطاغوت الخفي وتعلق كفرهم بالطاغوت الجلى فقط لا بالطاغوت الخفي كان ايمانهم وكفرهم مجازيين ايضا لكن ايمانهم لم يكن ككفرهم مردودا بل كان مقبولا من وجه لعدم تعلقه بالطاغوت الجلى أصلا فان غلب تعلقه بالله على تعلقه بالطاغوت الخفي عند خاتمته فيدخل في الفلاح ثم في الآخرة ان تداركه الفضل الإلهي فيها ونعمت فيغفر والا فيدخل الجحيم ويعذب بكفره الخفي ثم يخرج لعدم كفره بالله جليا ويدخل النعيم لايمانه بالله جليا وكفره بالطاغوت وهم ايضا لم يصلوا الى عالم الحقيقة بل انما وصلوا الى قربه ولذا جاوزوا الجحيم ودخلوا النعيم في قرب عالم الحقيقة ولذا كانوا بالنسبة الى نفس الحقيقة موطنين في عالم المجاز والفرقة لا في عالم الحقيقة والوصلة واما الفريق الثاني فهم مخلدون في النار ابدا لايمانهم بالطاغوت مطلقا وكفرهم بالله كذلك ثم سعادة الفريق الثالث على ما هو المنصوص في القرآن قطعية الثبوت في آخر النفس وشقاوة الفريق الثاني وسعادة الفريق الاول ليست قطعية الثبوت بل محتملة الثبوت في آخر النفس بالنظر الى الافراد لجواز التبدل والتغير في عاقبة الأمر الدنيوي بالنظر الى افرادهم هذا ما التقطته من الكتاب المسمى باللائحات البرقيات لشيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا اى محبهم ومعينهم او متولى أمورهم لا يكلهم الى غيره. فالولى قد يكون باعتبار المحبة والنصرة فيقال للمحب ولى لانه يقرب من حبيبه بالنصرة والمعونة لا يفارقه وقد يكون باعتبار التدبير والأمر والنهى فيقال لاصحاب الولاية ولى لانهم يقربون القوم بان يدبروا أمورهم ويراعوا مصالحهم ومهماتهم والمعنى الله ولى الذين أراد ايمانهم وثبت في علمه انهم يؤمنون في الجملة مآلا او حالا وانما اخرج عن ظاهره لان إخراج المؤمن بالفعل من الظلمات تحصيل الحاصل يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ التي هي أعم من ظلمات الكفر والمعاصي وظلمات الشبه والشكوك بل مما في بعض مراتب العلوم الاستدلالية من نوع ضعف وخفاء بالقياس الى مراتبها القوية الجلية بل مما في جميع مراتبها بالنظر الى مرتبة العيان إِلَى النُّورِ الذي يعم نور الايمان ونور الإيقان بمراتبه ونور العيان اى يخرج بهدايته وتوفيقه كل واحد منهم من الظلمة التي وقع فيها الى ما يقابلها من النور. وجمع الظلمات لان فنون الضلالة متعددة والكفر ملل وأفرد النور لان الإسلام دين واحد ويسمى الكفر ظلمة لالتباس طريقه ويسمى الإسلام نورا لوضوح طريقه وَالَّذِينَ كَفَرُوا اى الذين ثبت في علمه كفرهم أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ اى الشياطين وسائر المضلين عن طريق الحق من الكهنة وقادة الشر وان حمل على الأصنام التي هي جمادات فالمعنى لا يكون على الموالاة الحقيقية التي هي المصادقة او تولى الأمر بل يكون على ان الكفار يتولونهم اى يعتقدونهم ويتوجهون إليهم. والطاغوت تذكر وتؤنث وتوحد وتجمع
يُخْرِجُونَهُمْ بالوساوس وغيرها من طريق الإضلال والإغواء مِنَ النُّورِ اى الايمان الفطري الذي جبلوا عليه كافة إِلَى الظُّلُماتِ اى ظلمات الكفر وفساد الاستعداد والانهماك في الشهوات او من نور اليقينيات الى ظلمات الشكوك والشبهات واسناد الإخراج الى الطاغوت مجاز لكونها سببا له وذلك لا ينافى كون المخرج حقيقة هو الله تعالى فالآية لا تصلح ان تكون متمسكا للمعتزلة فيما ذهبوا اليه من ان الكفر ونحوه مما لا يكون أصلح للعبد ليس من الله تعالى بناء على انه أضاف الكفر الى الطاغوت لا الى نفسه أُولئِكَ اشارة الى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما يتبعه من القبائح أَصْحابُ النَّارِ اى ملابسوها وملازموها بسبب مالهم من الجرائم هُمْ فِيها خالِدُونَ ما كثون ابدا ولم يقل بعد قوله يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون تعظيما لشأن المؤمنين لان البيان اللفظي لا يفى بما أعد لهم في دار الثواب واعلم ان مراتب المؤمنين في الايمان متفاوتة وهم ثلاث طوائف. عوام المؤمنين. وخواصهم
. وخواص الخواص فالعوام يخرجهم الله من ظلمات الكفر والضلالة الى نور الايمان والهداية كقوله تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً والخواص يخرجهم من ظلمات الصفات النفسانية والجسمانية الى نور الروحانية الربانية كقوله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ واطمئنان القلب بالذكر لم يكن الا بعد تصفيته عن الصفات النفسانية وتحليته بالصفات الروحانية وخواص الخواص يخرجهم من ظلمات حدوث الحلقة الروحانية بافنائهم عن وجودهم الى نور تجلى صفة القدم لهم ليبقيهم به كقوله تعالى إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً الآية نسبهم الى الفتوة لما خاطروا بأرواحهم في طلب الحق وآمنوا بالله وكفروا بطاغوت دقيانوس فلما تقربوا الى الله بقدم الفتوة تقرب إليهم بمزيد العناية فاخرجهم من ظلمات النفسانية الى نور الروحانية فلما تنورت أنفسهم بانوار أرواحهم اطمأنت الى ذكر الله وآنست به واستوحشت عن محبة اهل الدنيا وما فيها فاحبوا الخلاء كما كان حال النبي عليه الصلاة والسلام فى بدء الأمر قالت عائشة رضى الله عنها أول ما بدئ به عليه الصلا والسلام كان حبب اليه الخلاء ولعمرى هذا دأب كل طالب محق مريد صادق كذا في التأويلات النجمية قال الفخر الرازي بطريق الاعتراض ان جمعا من الصوفية يقولون الاشتغال بغير الله حجاب عن معرفة الله والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يدعون الخلق الا الى الطاعات والتكاليف فهم يشغلون الخلق بغير الله ويمنعونهم عن الاشتغال بالله فوجب ان لا يكون ذلك حقا وصدقا انتهى كلامه يقول الفقير جامع هذه المجالس النفيسة هذا الاعتراض ليس بشئ فان الطاعات والتكاليف وسائل الى معرفة الله الملك اللطيف فالدعوة ليست الا الى معرفة الله حقيقة ألا يرى الى تفسير ابن عباس رضى الله عنهما عند قوله تعالى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ بقوله ليعرفون وانما عدل عنه الى ليعبدون مع انه خلاف مقتضى الظاهر حينئذ اشعارا بان المعرفة المقبولة هي التي تحصل بطريق العبادة فالاشتغال بغير الله وبغير عبادته حجاب أي حجاب ولذلك
كان بدء حال السلف الخلاء والانقطاع عن الناس اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واهتماما فى رفع الحجاب الحاصل بالاختلاط: وفي المثنوى
آدمي راهست در هر كار دست
…
ليك ازو مقصود اين خدمت بدست «1»
ما خلقت الجن والانس اين بخوان
…
جز عبادت نيست مقصود از جهان
ناجلا باشد مران آيينه را
…
كه صفا آيد ز طاعت سينه را «2»
أَلَمْ تَرَ اى ألم ينته علمك الذي يضاهى العيان في الإيقان وحقيقته اعلم باخبارنا فانه مفيد لليقين إِلَى الَّذِي اى الى قصة الملك الذي حَاجَّ اى جادل وخاصم وقابل بالحجة إِبْراهِيمَ فى معارضة ربوبيته فِي رَبِّهِ وفي التعرض لعنوان الربوبية مع ان الاضافة الى ضميره عليه الصلاة والسلام تشريف له وإيذان بتأييده في المحاجة والذي حاج هو نمرود ابن كنعان بن سام بن نوح وهو أول من وضع التاج على رأسه وتجبر وادعى الربوبية أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ اى لان آتاه فهو مفعول له لقوله حاج. وله معنيان. أحدهما انه من باب العكس في الكلام بمعنى انه وضع المحاجة موضع الشكر إذ كان من حقه ان يشكر في مقابلة إيتاء الملك ولكنه عكس ما هو الحق الواجب عليه كما تقول عادانى فلان لانى أحسنت اليه تريد انه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لاجل الإحسان. والثاني ان إيتاء الملك حمله على ذلك لانه أورثه الكبر والبطر فنشأ عنهما المحاجة والمعنى أعطاه كثرة المال واتساع الحال وملك جميع الدنيا على الكمال قال مجاهد لم يملك الدنيا بأسرها الا اربعة مسلمان وكافران فالمسلمان سليمان وذو القرنين والكافران نمرود وبخت نصر وهو شداد بن عاد الذي بنى ارم في بعض صحارى عدن. ثم هو حجة على من منع إيتاء الله الملك للكافر وهم المعتزلة لان مذهبهم وجوب رعاية الأصلح للعبد على الله وإيتاء الله الملك للكافر تسليط له على المؤمنين وذلك ليس بأصلح لحال المؤمن قلنا انما ملكه امتحانا له ولعباده إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ ظرف لحاج رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ روى انه عليه السلام لما كسر الأصنام سجنه ثم أخرجه ليحرقه فقال من ربك الذي تدعونا اليه قال رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ اى يخلق الحياة والممات فى الأجساد وجواب ابراهيم في غاية الصحة لانه لا سبيل الى معرفة الله الا بمعرفة صفاته وأفعاله التي لا يشاركه فيها أحد من القادرين والاحياء والاماتة من هذا القبيل قالَ كأنه قيل كيف حاجة في هذه المقالة القوية الحقة فقيل قال أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ روى انه دعا برجلين قد حبسهما فقتل أحدهما واطلق الآخر فقال قد أحييت هذا وامت هذا فجعل ترك القتل احياء وكان هذا تلبيسا منه قالَ إِبْراهِيمُ كأنه قيل فماذا قال ابراهيم لمن في هذه الرتبة فى المحاجة وبماذا أفحمه فقيل قال فَإِنَّ اللَّهَ جواب شرط مقدر تقديره قال ابراهيم إذا ادعيت الاحياء والاماتة وأتيت بمعارضة مموهة ولم تعلم معنى الاحياء فالحجة ان الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ تحريكا قسريا حسبما تقتضيه مشيئته والباء للتعدية فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ تسييرا طبيعيا فانه أهون ان كنت قادرا على مثل مقدوراته تعالى ولم يلتفت عليه السلام الى ابطاله مقالة اللعين إيذانا بان بطلانها من الجلاء والظهور بحيث لا يكاد يخفى على أحد وان التصدي
(1) در اواسط دفتر سوم در بيان حكمت در آفريدن دوزخ إلخ
(2)
در أوائل دفتر پنجم در بيان آنكه لطفها در قهرها پنهان است وقهرها در لطفها إلخ
بابطالها من قبيل السعى في تحصيل الحاصل واتى بمثال لا يجد اللعين فيه مجالا للتمويه والتلبيس فهو عدول عن مثال الى مثال آخر لايضاح كلامه وليس انتقالا من دليل الى دليل آخر لان ذلك غير محمود في باب المناظرة فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ اى صار مبهوتا ومتحيرا مدهوشا وإيراد الكفر في حيز الصلة للاشعار بعلة الحكم والتنصيص على كون المحاجة كفرا قال فى اسئلة الحكم الحكمة في طلوع شمس قرب القيامة من مغربها ان ابراهيم عليه الصلاة والسلام قال لنمرود فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وان السحرة والمنجمة عن آخرهم ينكرون ذلك وانه غير كائن فيطلعها الحق يوما من المغرب ليرى المنكرين قدرته وان الشمس في ملكه ان شاء اطلعها من المشرق او المغرب وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اى الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب المخلد بسبب اعراضهم عن قبول الهداية الى مناهج الاستدلال اى عن قبول الدلائل القطعية الدالة على الحق دلالة واضحة بالغة فى الوضوح والقوة الى حيث جعل الخصم مبهوتا متحيرا فمن ظلم نفسه بالامتناع عن قبول مثل هذه الدلائل لا يجعله الله مهتديا بها لان المعتبر في دار التكليف ان يهتدى وقت اختيارهم الكفر والظلم اى لا يخلق فيهم فعل الهداية وهم يختارون فعل الضلال ويحتمل انه لا يهدى طريق الجنة في الآخرة من كفر بالله في الدنيا- روى- ان النمرود لما عتا عتوا كبيرا والقى ابراهيم فى النار بعد هذه المحاجة سلط الله على قومه البعوض فاكلت لحومهم وشربت دماءهم فلم يبق الا العظام والنمرود كما هو لم يصبه شىء فبعث الله بعوضة فدخلت في منخره فمكث اربعمائة سنة تضرب رأسه بالمطارق فعذبه الله اربعمائة سنة كما ملك اربعمائة سنة وهو الذي بنى صرحا الى السماء ببابل فاتى الله بنياهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم: قال الشيخ العطار قدس سره
سوى او خصمى كه تير انداخته
…
پشه كارش كفايت ساخته
والاشارة ان الله تعالى اعطى النمرود ملكا ما اعطى لاحد قبله ادعى الربوبية ما ادعى بها أحد قبله وذلك ان الله اعطى الإنسان حسن استعداد لطلب الكمال فمن حسن استعداده في الطلب وغاية لطافته في الجوهر دائم الحركة في طلب الكمال فحيثما توجه الكمال أخذ في السير فيها الى أقصى مراتبها في العلوي والسفلى فان وكل الى نفسه في طلب الكمال فينظر بنظر الحواس الخمس الى المحسوسات وهي الدنيا فلا يتصور الا الدنيا فلا يتصور الكمال الا فيها فيأخذ فى السير لطلب الكمال وهذا السير موافق لسيره الطبيعي لانه خلق من تراب والتراب سفلى الطبع فيميل الى السفليات طبعا والدنيا هي السفل فيسير فيها بقدمي الطبع وطلب الكمال ففى البداية يرى الكمال في جمع المال فيجمعه ثم يرى الكمال في الجاه فيصرف المال في طلب الجاه ثم يرى الكمال في المناصب والحكم ثم يرى في الامارة والسلطنة فيسير فيها ما لم يكن مانع الى ان يملك الدنيا بأسرها كما كان حال النمرود ثم لا يسكن جوهر الإنسان في طلب الكمال بل كلما ازداد استغناؤه ازداد حرصه وكلما ازداد حرصه ازداد طلبه الى ان لا يبقى شىء من السفليات دون ان يملكه ثم يقصد العلويات والى الآن كان ينازع ملوك الأرض والآن ينازع ملك الملوك ومالك الملك في السموات والأرض فيدعى الربوبية كالنمرود فانه كان سبب
طغيانه استغناؤه قال تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى فاذا كمل استغناؤه كمل طغيانه حتى يكفر بالنعمة فهذا كله عند فساد جوهره لما وكل الى نفسه وإذا أصلح جوهره بالتربية ولم يكله الى نفسه هدى الى جهة الكمال المستعد له كقوله أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ فصاحب التربية وهو النبي او خليفته وهو الشيخ المرشد يربيه وتربيته في تبرئته مما سوى الله الى ان بلغ حد كماله فى طلب الكمال وهو إفناء الوجود في وجود الموجود ليكون مفقودا عن وجوده موجودا بموجده فلما كان يقول عند فساد الجوهر وابطال حسن الاستعداد بالكمال انا احيى وأميت فيقول عند صلاح الجوهر وصرف حسن الاستعداد في طلب الكمال ما في الوجود سوى الله فالمجد يدق بمطرقة لا اله الا الله دماغ نمرود النفس الى ان يؤمن بالله ويكفر بطاغوت وجوده ووجود كل موجود سوى الله والله لا يهدى القوم المشركين الى عالم التوحيد والشرك ظلم عظيم فبالشرك ضل من ضل فزل عن الصراط المستقيم كذا في التأويلات النجمية فعلى العاقل ان يتخلص من الشرك الخفي ويزكى نفسه عن سفساف الأخلاق ولا يغتر بالمال والمنال بل يرجع الى الله الملك المتعال وقد وجدت صخرة عظيمة وعليها اسطر قديمة. فرحك بشئ من الدنيا دليل على بعدك من الله. وسكونك الى ما في يدك دليل على قلة ثقتك بالله. ورجوعك الى الناس في حال الشدة دليل على انك لم تعرف الله انتهى: قال السعدي قدس سره
شنيدم كه جمشيد فرخ سرشت
…
بسر چشمه بر بسنكى نوشت
برين چشمه چون ما بسى دم زدند
…
برفتند چون چشم بر هم زدند
كرفتيم عالم بمردى وزور
…
وليكن نبرديم با خود بكور
برفتند وهر كس درود آنچهـ كشت
…
نماند بجز نام نيكو وزشت
اللهم اجعلنا من الذين طال عمرهم وحسن عملهم وقصر أملهم وكمل عقلهم أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ عطف على قوله ألم تر وتقديره او رأيت مثل الذي فعل كذا اى ما رأيت مثله فتعجب منه وتخصيصه بحرف التشبيه لان المنكر للاحياء كثير والجاهل بكيفيته اكثر من ان يحصى بخلاف مدعى الربوبية. والمار هو عزير بن شرخيا والقرية بيت المقدس على الأشهر الأظهر واشتقاقها من القرى وهو الجمع- روى- ان بنى إسرائيل لما بالغوا في تعاطى الشر والفساد سلط الله عليهم بخت نصر البابلي فسار إليهم في ستمائة الف راية حتى وطئ الشام وخرب بيت المقدس وجعل بنى إسرائيل أثلاثا ثلثا منهم قتلهم وثلثا منهم اقرهم بالشام وثلثا منهم سباهم وكانوا مائة الف غلام يافع وغير يافع فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فاصاب كل ملك منهم اربعة غلمة وكان عزير من جملتهم فلما نجاه الله منهم بعد حين مر بحماره على بيت المقدس فرآه على أفظع مرأى وأوحش منظر وذلك قوله تعالى وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها اى خالية عن أهلها وساقطة على سقوفها بان سقطت العروش ثم الحيطان سقطت عليها من خوت المرأة وخويت خوى اى خلا جوفها عند الولادة وخوت الدار خواء بالمد وخوى البيت خوى بالقصر اى سقط والعرش سقف البيت ويستعمل في كل ما هيئ ليستظل به قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها اى يعمر الله تعالى هذه القرية بعد خرابها على هذا
الوجه إذ ليس المراد بالقرية أهلها بل نفسها بدليل قوله وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها لم يقله على سبيل الشك في القدرة بل على سبيل الاستبعاد بحسب العادة فَأَماتَهُ اللَّهُ اى جعله ميتا مِائَةَ عامٍ- روى- انه لما دخل القرية نزل تحت ظل شجرة وهو على حمار فربط حماره وطاف فى القرية ولم يربها أحدا فقال ما قال وكانت أشجارها قد أثمرت فتناول من فواكهها التين والعنب وشرب من عصير العنب ونام فاماته الله في منامه وهو شاب وكان معه شىء من التين والعنب والعصير وكانت هذه الاماتة عبرة لا انقضاء مدة كاماتة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف وأمات حماره ايضا ثم أعمى الله عن جسده وجسد حماره أبصار الانس والسباع والطير فلما مضى من موته سبعون سنة وجه الله ملكا عظيما من ملوك فارس يقال له يوشك الى بيت المقدس ليعمره ومعه الف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة الف عامل فجعلوا يعمرون وأهلك الله بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه ونجى الله من بقي من بنى إسرائيل وردهم الى بيت المقدس وتراجع اليه من تفرق منهم في الأكناف فعمروه ثلاثين سنة وكثروا وكانوا كاحسن ما كانوا فلما تمت المائة من موت العزير أحياه الله تعالى وذلك قوله تعالى ثُمَّ بَعَثَهُ من بعثت الناقة إذا أقمتها من مكانها ويوم القيامة يسمى يوم البعث لانهم يبعثون من قبورهم وانما قال ثم بعثه ولم يقل ثم أحياه لان قوله ثم بعثه يدل على انه عاد كما كان اولا حيا عاقلا فاهما مستعدا للنظر والاستدلال فى المعارف الإلهية ولو قال ثم أحياه لم تحصل هذه الفوائد قالَ كأنه قيل فماذا قال بعد بعثه فقيل قال الله تعالى او ملك مأمور من قبله تعالى كَمْ يوما او وقتا لَبِثْتَ يا عزير ليظهر له عجزه عن الإحاطة بشئونه تعالى وان إحياءه ليس بعد مدة يسيرة ربما يتوهم انه هين فى الجملة بل مدة طويلة وتنحسم به مادة استبعاده بالمرة ويطلع في تضاعيفه على امر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى وهو ابقاء الغذاء المتسارع الى الفساد بالطبع على ما كان عليه دهرا طويلا من غير تغير ما قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ كقول الظان قاله بناء على التقريب والتخمين او استقصار المدة لبثه قالَ ما لبثت ذلك المقدار بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ يعنى كنت ميتا هذه المدة فَانْظُرْ لتعاين امرا آخر من دلائل قدرتنا إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ اى لم يتغير في هذه المدة المتطاولة مع تداعيه الى الفساد- روى- انه وجد تينه وعنبه كما جنى وعصيره كما عصر والجملة المنفية حال بغير واو من الطعام والشراب لان المضارع المنفي إذا وقع حالا يجوز ان يكون بالواو
وبدونها وافراد الضمير مع ان الظاهر ان يقال لم يتسنها او لم يتسنيا لان المذكور قبله شيآن الطعام والشراب لجريانهما مجرى الواحد كالغذاء. والهاء في لم يتسنه ان كانت اصلية فهو من السنة التي أصلها سنهة وان كانت هاء سكت فهو من السنة التي أصلها سنوة واستعمال لم يتسنه في معنى لم يتغير من قبيل استعمال اللفظ في لازم معناه لان المعنى الأصلي لقولنا تسنه او تسنى مرت عليه السنون والأعوام ويلزمه التغير وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ كيف نخرت عظامه وتفرقت وتقطعت أوصاله وتمزقت ليتبين لك ما ذكر من لبثك المديد وتطمئن به نفسك وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً كائنة لِلنَّاسِ الواو استئنافية واللام متعلقة بمحذوف والتقدير فعلنا ذلك اى احياءك واحياء حمارك وحفظ ما معك من الطعام والشراب لنجعلك آية للناس
الموجودين في هذا القرن بان يشاهدوك وأنت من اهل القرون الخالية ويأخذوا منك ما طوى عنهم منذ احقاب من علم التوراة وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ تكرير الأمر مع ان المراد عظام الحمار ايضا لما ان المأمور به اولا هو النظر إليها من حيث دلالتها على ما ذكر من اللبث المديد وثانيا هو النظر إليها من حيث تعتريها الحياة ومباديها اى وانظر الى عظام الحمار لتشاهد كيفية الاحياء في غيرك بعد ما شاهدت نفسه في نفسك كَيْفَ نُنْشِزُها يقال انشزته فنشز اى رفعته فارتفع اى نرفع بعضها من الأرض الى بعض ونردها الى أماكنها من الجسد فتركبها تركيبا لائقا بها. والجملة حال من العظام والعامل فيها انظر تقديره انظر الى العظام محياة او بدل من العظام على حذف المضاف والتقدير انظر الى حال العظام ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً اى نسترها به كما يستر الجسد باللباس وانما وحد اللحم مع جمع العظام لان العظام متفرقة متعددة صورة واللحم متصل متحد مشاهدة ولعل عدم التعرض لكيفية نفخ الروح لما انها مما لا تقتضى الحكمة بيانه- روى- انه سمع صوتا من السماء أيتها العظام البالية المتفرقة ان الله يأمرك ان ينضم بعضك الى بعض كما كان وتكتسى لحما وجلدا فالتصق كل عظم بآخر على الوجه الذي كان عليه اولا وارتبط بعضها ببعض بالاعصاب والعروق ثم انبسط اللحم عليه ثم انبسط الجلد عليه ثم خرجت الشعور من الجلد ثم نفخ فيه الروح فاذا هو قائم ينهق فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ اى ظهر له احياء الميت عيانا قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
من الأشياء التي من جملتها ما شاهده في نفسه وفي غيره من تعاجيب الآثار قَدِيرٌ لا يستعصى عليه امر من الأمور- روى- انه ركب حماره واتى محلته وأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر المنازل فانطلق على وهم منه حتى اتى منزله فاذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أدركت زمن عزير فقال لها عزير يا هذه هذا منزل عزير قالت نعم واين ذكرى عزير وقد فقدناه منذ كذا وكذا فبكت بكاء شديدا قال فانى عزير قالت سبحان الله أنى يكون ذلك قال قد أماتنى الله مائة عام ثم بعثني قالت ان عزيرا كان رجلا مستجاب الدعوة فادع الله لى برد بصرى حتى أراك فدعا ربه ومسح بين عينيها فصحتا فاخذ بيدها فقال قومى بإذن الله فقامت صحيحة كأنها نشطت من عقال فنظرت اليه فقالت اشهد انك عزير فانطلقت الى محلة بنى إسرائيل وهم في أنديتهم وكان في المجلس ابن العزير قد بلغ مائة وثمانى عشرة سنة وبنوا بنيه شيوخ فنادت هذا عزير قد جاءكم فكذبوها فقالت انظروا فانى بدعائه رجعت الى هذه الحالة فنهض الناس فاقبلوا اليه فقال ابنه كان لأبى شامة سوداء بين كتفيه مثل الهلال فكشف فاذا هو كذلك وقد كان قتل بخت نصر بيت المقدس من قراء التوراة أربعين الف رجل ولم يكن يومئذ بينهم نسخة من التوراة ولا أحد يعرف التوراة فقرأها عليهم عن ظهر قلبه من غير ان يخرم منها حرفا اى ينقص ويقطع فقال رجل من أولاد المسبيين ممن ورد بيت المقدس بعد مهلك بخت نصر حدثنى ابى عن جدى انه دفن التوراة يوم سبينا فى خابية في كرم فان أريتمونى كرم جدى أخرجتها لكم فذهبوا الى كرم جده ففتشوه فوجدوها فعارضوها بما املى عليهم عزير عليه السلام عن ظهر القلب فما اختلفا في حرف
واحد فعند ذلك قالوا عزير ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وفي القصة تنبيه على ان الداعي إذا راعى آداب الدعاء أجيب سريعا من غير مشقة تلحقه وإذا ترك الأدب لحقته المشقة وابطأت الاجابة فان ابراهيم عليه السلام لما قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى وبدأ بالثناء ثم سأل احياء الموتى أراه الله ذلك في غيره فانه أراه في طيره وعجل له ذلك على فوره وعزير قال أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فأرى ذلك في نفسه بعد مائة عام مضت على موته: قال السعدي
نبايد سخن مفت ناساخته
…
نشايد بريدن نينداخته
والاشارة في تحقيق الآية ان قوما أنكروا حشر الأجساد مع انهم اعتقدوا وأقروا بحشر الأرواح وقالوا الأرواح كان تعلقها بالأجساد لاستكمالها في عالم المحسوس كالصبى يبعث الى المكتب ليتعلم الأدب فلما حصل مقصوده من التعلم بقدر استعداده وحرج من المكتب ودخل محفل اهل الفضل وصاحبهم سنين كثيرة واستفاد منهم انواع العلوم التي لم توجد فى المكتب الا انه استفاد العلوم من الفضلاء بقوة أدبه الذي تعلمه في المكتب وصار فاضلا فى العلوم فما حاجته بعد ان كبر شأنه وعظم قدره الى ان يرجع الى المكتب وحالة صباه فكذا الأرواح لما خرجت من سجن الأشباح واتصلت بالأرواح المقدسة بقوة علوم الجزئيات التي حصلتها من عالم الحس واستفادت من الأرواح العلوية علم الكليات التي لم توجد في عالم الحس فما حاجتها الى ان ترجع الى سجن الأجساد فكانت نفوسهم تسول لهم هذه التسويلات والشيطان يوسوسهم بمثل هذة الشبهات فالله سبحانه من كمال فضله ورحمته على عباده المخلصين أمات عزيرا مائة سنة وحماره معه ثم احياهما جميعا ليستدل به العقلاء على ان الله مهما يحيى عزير الروح يحيى معه حمار جسده فلا يشك العاقل بتسويل النفس ووسوسة الشيطان وشبهات الفلسفي في حشر الأجساد فكما ان عزير الروح يكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر يكون حمار جسده في الجنة فلعزير الروح مشرب من كؤوس تجلى صفحات الجمال والجلال عن ساقى وسقاهم ربهم شربا طهورا ولحمار الجسد مشرب من انهار الجنات وحياض رياض ولكم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وقد علم كل أناس مشربهم
شربنا واهرقنا على الأرض جرعة
…
وللأرض من كأس الكرام نصيب
كذا في التأويلات النجمية وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ اى اذكر وقت قوله وذكر الوقت يوجب ذكر ما وقع في ذلك الوقت من الحوادث بالطريق البرهاني رَبِّ كلمة استعطاف قدمت بين الدعاء مبالغة في استدعاء الاجابة أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى اى بصرنى كيفية احيائك للموتى بان تحييها وانا انظر إليها انما سأل ذلك ليصير علمه عيانا وقد شرفه الله بعين اليقين بل بحق اليقين الذي هو أعلى المقامات. والفرق ان علم اليقين هو المستفاد من الاخبار. وعين اليقين هو المعاينة لا مرية فيه قال تعالى في حق الكفار ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ فلما دخلوا النار وباشروا عذابها قال تعالى فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ قالَ ربه أَوَلَمْ تُؤْمِنْ اى ألم تعلم يقينا ولم تؤمن بانى قادر على الاحياء باعادة التركيب والحياة قاله
عز وعلا مع علمه بانه اعرف الناس بالايمان ليظهر إيمانه لكل سامع بقوله بلى فيعلم السامعون غرضه من هذا القول وهو الوصول الى العيان قالَ ابراهيم بَلى علمت وآمنت بذلك وَلكِنْ سألت ما سألت لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي اى ليسكن ويحصل طمأنينته بالمعاينة فان عين اليقين يوجب الطمأنينة لا علمه فان قلت ما معنى قول على رضى الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا قلت ما ازددت يقينا بالايمان بها وكان إذ رأى الآخرة ابصر بها من الفضائل والهيآت ما لم يحط به قبل ذلك وكذلك ابراهيم لما رأى كيفية الاحياء وقف على ما لم يقف عليه قبل قالَ ربه ان أردت ذلك فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ طاووسا وديكا وغرابا وحمامة ومنهم من ذكر النسر بدل الحمام وانما خص الطير لانه اقرب الى الإنسان واجمع لخواص الحيوان فَصُرْهُنَّ من صاره يصوره وبكسر الصاد من صاره يصيره والمعنى واحد اى املهن واضممهن واجمعهن إِلَيْكَ لتتأملها وتعرف أشكالها مفصلة حتى تعلم بعد الاحياء ان جزأ من اجزائها لم ينتقل من موضعه الاول أصلا- روى- انه امر بان يذبحها وينتف ريشها ويقطعها ويفرق اجزاءها ولحومها ويمسك
رؤسها ثم امر بان يجعل اجزاءها على الجبال وذلك قوله تعالى ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ من الجبال التي بحضرتك وكانت سبعة او اربعة فجزأها اربعة اجزاء فقال تعالى ضع على كل جبل مِنْهُنَّ اى من كل الطيور جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ قل لهن تعالين بإذن الله تعالى يَأْتِينَكَ سَعْياً اى ساعيات مسرعات طيرانا او مشيا ففعل كما امره فجعل كل جزء يطير الى آخر حتى صارت جثثا ثم اقبلن فانضمت كل جثة الى رأسها فعادت كل واحدة الى ما كانت عليه من الهيئة وجعل ابراهيم ينظر ويتعجب وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب على امره لا يعجزه شىء عما يريده حَكِيمٌ ذو حكمة بالغة في أفاعيله فليس بناء أفعاله على الأسباب العادية لعجزه عن إيجادها بطريق آخر خارق للعادات بل لكونه متضمنا للحكم والمصالح قال القشيري طلب ابراهيم عليه السلام بهذه حياة قلبه فاشير اليه بذبح الطيور وفي الطيور الاربعة اربعة معان هي في النفس فى الطاووس زينة. وفي الغراب امل. وفي الديك شهوة. والبط حرص فاشار الى انه ما لم يذبح نفسه بالمجاهدة لم يحى قلبه بالمشاهدة: وفي المثنوى
حرص بط يكتاست اين پنجاه تاست
…
حرص شهوت مار ومنصب اژدهاست «1»
حرص بط از شهوت حلقست وفرج
…
در رياست بيست چندانست درج
صد خورنده كنجد اندر كرد خوان
…
دو رياست در نكنجد در جهان
كاغ كاغ ونعره زاغ سياه
…
دائما باشد بدنيا عمر خواه «2»
همچوإبليس از خداى پاك فرد
…
تا قيامت عمر تن درخواست كرد
عمر ومرك اين هر دو با حق خوش بود
…
بي خدا آب حيات آتش بود
عمر خوش در قرب جان پروردنست
…
همر زاغ از بهر سركين خوردنست
قال في التأويلات النجمية الطيور الاربعة هي الصفات الأربع التي تولدت من العناصر الاربعة التي خمرت طينة الإنسان منها وهي التراب والماء والنار والهواء فتولدت من ازدواج
(1) در أوائل دفتر پنجم در بيان آنكه هيچ چشم بد آدمي را چنان زبان ندارد كه جشم پسند جويش إلخ
(2)
در أوائل دفتر پنجم در بيان سبب كشتن ابراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام زاغ را كه إلخ
كل عنصر مع قرينه صفتان فمن التراب وقرينه الماء تولد الحرص والبخل وهما قرينان حيث وجد أحدهما وجد قرينه ومن النار وقرينها الهواء تولد الغضب والشهوة وهما قرينان يوجدان معا ولكل واحدة من هذه الصفات زوج خلق منها ليسكن إليها كحواء وآدم ويتولد منها صفات اخرى فالحرص زوجه الحسد والبخل زوجه الحقد والغضب زوجه الكبر وليس للشهوة اختصاص بزوج معين بل هي كالمعشوقة بين الصفات فيتعلق بها كل صفة ولها منها متولدات يطول شرحها فهى الأبواب السبعة للدركات السبع من جهنم منها يدخل الخلق جهنم التي لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم يعنى من الخلق فمن كان الغالب عليه صفة منها فيدخل النار من ذلك الباب فامر الله خليله بذبح هذه الصفات وهي الطيور الاربعة طاووس البخل فلو لم يزين المال في نظر البخيل كما زين الطاووس بألوانه ما بخل به وغراب الحرص وهو من حرصه اكثر في الطلب وديك الشهوة وهو بها معروف ونسر الغضب ونسبته اليه لتصريفه في الطيران فوق الطيور وهذه صفة المغضب فلما ذبح الخليل بسكين الصدق هذه الطيور وانقطعت منه متولداتها ما بقي له باب يدخل منه النار فلما القى فيها بالمنجنيق قهرا صارت النار عليه بردا وسلاما والاشارة بتقطيعها بالمبالغة ونتف ريشها وتفريق اجزائها وتخليط ريشها ودمائها ولحومها بعضها ببعض اشارة الى محو آثار الصفات الأربع المذكورة وهدم قواعدها على يدى ابراهيم الروح بامر الشرع ونائب الحق وهو الشيخ والأمر بتقسيم اجزائها وجعلها على كل جبل جزأ فالجبال الاربعة هي النفوس التي جبل الإنسان عليها. أولها النفس النامية وتسمى النفس النباتية. وثانيها النفس الامارة وتسمى الروح الحيواني. وثالثها قوة الشيطنة وتسمى الروح الطبيعي. ورابعها قوة الملكية وهو الروح الإنساني فطيور الصفات لما ذبحت وقطعت وخلطت اجزاء بعضها ببعض ووضع على كل جبل روح ونفس وقوة منها جزء بامر الشرع تكون بمثابة أشجار وزروع تجعل عليها الترب المخلوطة بالزبل والقاذورات باستصواب دهقان ذى بصارة في الدهقنة بمقدار معلوم ووقت معلوم ثم يسقيها بالماء ليتقوى الزرع بقوة الترب والزبل وتتصرف النفس النامية النباتية فى الترب المخلوطة الميتة فتحييها بإذن الله تعالى كقوله تعالى فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فكذلك الصفات الأربع وهي الحرص والبخل والشهوة والغضب مهما كانت كل واحدة منها على حالها غالبة على الجوهر الروحاني تكدر صفاءه وتمنعه من الرجوع الى مقامه الأصلي ووطنه الحقيقي فاذا كسرت سطوتها ووهنت قوتها وأميتت شعلتها ومحيت آثار طباعها بامر الشرع وخلطت اجزاؤها المتفرقة بعضها ببعض ثم قسمت باربعة اجزاء وجعل كل جزء منها على جبل قوة او نفس او روح فيتقوى كل واحد من هؤلاء بتقويتها ويتربى بتربيتها فيتصرف فيها الروح الإنساني فيحييها ويبدل تلك الظلمات التي هى من خصائص تلك الصفات المذمومة بنور هو من خصائص الروح الإنساني والملكي فتكون تلك الصفات ميتة عن أوصافها حية بأخلاق الروحانيات انتهى كلام التأويلات مَثَلُ نفقات الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى في وجوه الخيرات من الواجب كالزكاة
والنفل وقدر في الكلام حذف لان الذين ينفقون لا يشبهون الحبة لانه لا يشبه الحيوان بالجماد بل نفقاتهم تشبه الحبة كَمَثَلِ حَبَّةٍ لزراع زرعها في ارض عامرة والحبة واحدة الحب وهو ما يزرع للاقتيات واكثر إطلاقه على البر أَنْبَتَتْ اى أخرجت واسناد الإنبات الى الحبة مجاز سَبْعَ سَنابِلَ اى ساقات تشعب منها سبع شعب لكل واحدة منها سنبلة فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ كما يشاهد ذلك في الذرة والدخن في الأراضي المغلة بل اكثر من ذلك وَاللَّهُ يُضاعِفُ تلك المضاعفة الى ما شاء الله تعالى لِمَنْ يَشاءُ ان يضاعف له بفضله وعلى حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه ولذلك تفاوتت مراتب الأعمال في مقادير الثواب وَاللَّهُ واسِعٌ لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة عَلِيمٌ بنية المنفق ومقدار إنفاقه وكيفية تحصيل ما أنفقه. فمثل المتصدق كمثل الزارع إذا كان حاذقا في عمله وكان البذر جيدا وكانت الأرض عامرة يكون الزرع اكثر. فكذلك المتصدق إذا كان صالحا والمال طيبا ووضع في موضعه يكون الثواب اكثر كما روى في الحديث عن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبي عليه السلام
(انه قال من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) وانما ذكر النبي عليه السلام التربية في الصدقة وان كان غيرها من العبادات يزيد ايضا بقبوله اشارة الى ان الصدقة فريضة كانت او نافلة أحوج الى تربية الله لثبوت النقيصة فيها بسبب حب الطبع الأموال وفي الحديث (صدقة المؤمن تدفع عن صاحبها آفات الدنيا وفتنة القبر وعذاب يوم القيامة) وفي الحديث (السخاوة شجرة أصلها في الجنة وأغصانها متدليات في دار الدنيا فمن تعلق بغصن منها يسوقه الى الجنة والبخل شجرة أصلها في النار وأغصانها متدليات في دار الدنيا فمن تعلق بغصن منها يسوقه الى النار) وفي الحديث (الساعي على الارملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) اى الكاسب لتحصيل مؤنتهما كالمجاهد لان القيام بمصالحهما انما يكون بصبر عظيم وجهاد نفس لئيم فيكون ثوابه عظيما: وفي بستان الشيخ السعدي قدس سره
يكى از بزركان اهل تميز
…
حكايت كند ز ابن عبد العزيز
كه بودش نگينى در انكشترى
…
فرو مانده از قيمتش مشترى
بشب كفتى آن جرم كيتى فروز
…
درى بود در روشنايى چوروز
قضا را در آمد يكى خشك سال
…
كه شد بدر سيماى مردم هلال
چودر مردم آرام وقوت نديد
…
خود آسوده بودن مروت نديد
چوبيند كسى زهر در كام خلق
…
كيش بگذرد آب شيرين بحلق
بفرمود بفروختندش بسيم
…
كه رحم آمدش بر فقير ويتيم
بيك هفته نقدش بتاراج داد
…
بدرويش ومسكين ومحتاج داد
فتادند در وى ملامت كنان
…
كه ديكر بدستت نيايد چنان
شنيدم كه ميكفت باران دمع
…
فرو ميدويدش بعارض چوشمع
كه زشتست پيرايه بر شهريار
…
دل شهرى از ناتوانى فكار
مرا شايد انكشترى بي نكين
…
نشايد دل خلق اندوهگين
خنك آنكه آسايش مرد وزن
…
كزيند بر آسايش خويشتن
نكردند رغبت هنرپروران
…
بشادئ خويش از غم ديكران
واعلم ان الأعمال بالنيات فان قلت ما معنى قوله عليه السلام (نية المؤمن خير من عمله) قلت مورد الحديث ان عثمان رضى الله تعالى عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم انه وعد بثواب عظيم على حفر بئر فنوى ان يحفرها فسبق اليه كافر فحفرها فقال عليه السلام (نية المؤمن خير من عمله) اى عمل الكافر والجواب الثاني ان النية المجردة من المؤمن خير من عمله المجرد عن النية لانه إذا فعل فعل الخير بغير نية يكون عمله مع النية خيرا من ذلك لكن قال بعضهم ليس في بعض الأعمال اجر بغير نية كالصلاة لا تجوز بغير نية ولا يحتاج بعض الأعمال الى النية كقراءة القرآن والاذكار ثم اعلم ان الانفاق على مراتب. انفاق العامة بالمال فاجرهم الجنة.
وانفاق الخواص إصلاح الحال بتزكية النفس وتصفية القلب فاجرهم يوم القيامة النظر الى وجه الله تعالى فينبغى للمؤمن ان يزكى نفسه ويصفى قلبه من حب المال بالإنفاق في سبيل الله الملك المتعال حتى ينال الشرف في الجنان ويحترز عن البخل حتى لا يكون عند الله تعالى من الخاسرين الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى يضعونها في مواضعها ثُمَّ للاظهار علو رتبه المعطوف لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا العائد محذوف اى ما أنفقوه مَنًّا وهو ان يعتد على من احسن اليه بإحسانه ويريه انه أوجب بذلك عليه حقا اى لا يمنون عليهم بما تصدقوا بان يقول المتصدق المانّ اصطنعتك كذا خيرا وأحسنت إليك كثيرا وَلا أَذىً وهو ان يتطاول عليه بسبب انعامه عليه اى لا يؤذيه بان يقول المتصدق المؤذى انى قد أعطيتك فما شكرت او الى كم تأتينى وتؤذيني او كم تسأل ألا تستحيى او أنت ابدا تجيئنى بالابرام فرج الله عنى منك وباعد ما بينى وبينك لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ثوابهم في الآخرة وتخلية الخبر عن الفاء المفيدة لسببية ما قبلها لما بعدها للايذان بان ترتب الاجر على ما ذكر من الانفاق وترك المن والأذى امر بين لا يحتاج الى التصريح بالسببية وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ مما يستقبلهم من العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما خلفوا من امور الدنيا- روى- ان الحسن بن على رضى الله عنهما اشتهى طعاما فباع قميص فاطمة بستة دراهم فسأله سائل فاعطاها ثم لقى رجلا يبيع ناقة فاشتراها بأجل وباعها من آخر فاراد ان يدفع الثمن الى بائعها فلم يجده فحكى القضية الى النبي عليه السلام فقال اما السائل فرضوان واما البائع فميكائيل واما المشترى فجبرائيل فنزل قوله تعالى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ الآية قال بعض اهل التفسير نزلت هذه الآية والتي قبلها فى عثمان وعبد الرحمن رضى الله عنهما. اما عثمان فجهز جيش العسرة في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها والف دينار فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يقول (يا رب رضيت عنه فارض عنه) واما عبد الرحمن بن عوف فتصدق بنصف ماله اربعة آلاف دينار فقال عندى ثمانية آلاف فامسكت منها لنفسى وعيالى اربعة آلاف واربعة آلاف اقرضتها ربى فقال عليه السلام (بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت) فهذه حال عثمان وعبد الرحمن رضى الله عنهما حيث تصدقا ولم يخطر
ببالهما شىء من المن والأذى. قال بعضهم المن يشبه بالنفاق والأذى يشبه بالرياء. ثم قال بعضهم إذا فعل ذلك فلا اجر له وعليه وزر فيما من وآذى على الفقير قال وهب فلا اجر له ولا وزر له.
وقال بعضهم له اجر الصدقة ولكن ذهبت مضاعفته وعليه الوزر بالمن واعلم ان الله تعالى نهى عباده ان يمنوا على أحد بالمعروف مع انه تعالى قد من على عباده كما قال بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ وذلك لان الله تعالى تام الملك والقدرة وملكه وقدرته ليس بغيره والعبد وان كان فيه خصال الخير فتلك خصاله من الله ولم يكن ذلك بقوة العبد فالعبد ناقص والناقص لا يجوز له ان يمن على أحد او يمدح نفسه والمن ينقص قدر النعمة ويكدرها لان الفقير الآخذ منكسر القلب لاجل حاجته الى صدقة غيره معترف باليد العليا للمعطى فاذا أضاف المعطى الى ذلك اظهار ذلك الانعام زاد ذلك في انكسار قلبه فيكون في حكم المضربة بعد ان نفعه وفي حكم المسيئ اليه بعد ان احسن اليه: قال الحسين الكاشفى قدس سره
آنچهـ كه بدهى چودهنده خداست
…
منت بيهوده نهادن خطاست
هر چهـ دهى مى ده ومنت منه
…
وآنچهـ پشيمان شوى آن هم مده
وقال السعدي قدس سره
چوانعام كردى مشو خود پرست
…
كه من سرورم ديكران زير دست
چوبينى دعا كوى دولت هزار
…
خداوند را شكر نعمت كذار
كه چشم از تو دارند مردم بسى
…
نه تو چشم دارى بدست كسى
قيل ان ابراهيم عليه السلام كان له خمسة آلاف قطيع من الغنم وعليها كلاب المواشي باطواق الذهب فتمثل له ملك في صورة البشر وهو ينظر أغنامه في البيداء فقال الملك [سبوح قدوس رب الملائكة والروح] فقال ابراهيم عليه السلام كرر ذكر ربى ولك نصف ما ترى من أموالي فكرر الملك فنادى ثانيا كرر تسبيح ربى ولك جميع ما ترى من مالى فتعجب الملائكة فقالوا جدير ان يتخذك الله خليلا ويجعل لك في الملل والنحل ذكرا جميلا: وفي المثنوى قرض ده زين دولت اندر اقرضوا تا كه صد دولت به بينى پيش رو اندكى زين شرب كم كن بهر خويش تا كه حوض كوثرى يابى به پيش وفي نوابغ الكلم «صنوان من منح سائله ومن ومن منع نائله وضن» واعلم ان الناس على ثلاث طبقات. الاولى الأقوياء وهم الذين أنفقوا جميع ما ملكوا وهؤلاء صدقوا فيما عاهدوا الله عليه من الحب كما فعل ابو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه. والثانية المتوسطون وهم الذين لم يقدروا على اخلاء اليد عن المال دفعة ولكن امسكوه لا للتنعم بل للانفاق عند ظهور محتاج اليه وقنعوا في حق أنفسهم بما يقويهم على العبادة والثالثة الضعفاء وهم المقتصرون على أداء الزكاة الواجبة اللهم اجعلنا من المتجردين عن عيرك والقانعين بك عما سواك قَوْلٌ مَعْرُوفٌ رد جميل وهو ان يرد السائل بطريق جميل حسن تقبله القلوب والطباع ولا تنكره وَمَغْفِرَةٌ اى ستر لما وقع من السائل من الالحاف في المسألة وغيره
مما يثقل على المسئول وصفح عنه خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً لان من جمع بين نفع الفقير واضراره حرم الثواب فان قالوا أي خير في الصدقة التي فيها أذى حتى يقال هذا خير منه قلنا يعنى عندكم كذلك وهو كقوله تعالى قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ اى عندكم ذلك خير لكم اعلموا ان هذا خير لكم في الدنيا والآخرة مما تعدونه أنتم خيرا وَاللَّهُ غَنِيٌّ عما عندكم من الصدقة لا يحوج الفقراء الى تحمل مؤونة المن والأذى ويرزقهم من جهة اخرى حَلِيمٌ لا يعاجل اصحاب المن والأذى بالعقوبة لا انهم لا يستحقونها بسببهما. وفيه من السخط والوعيد لهم ما لا يخفى قال في مجالس حضرة الهدائى قدس سره وانما كان الرد الجميل خيرا من صدقة المان والمؤذى لان القول الحسن وان كان بالرد يفرح قلب السائل ويروح روحه ونفع الصدقة لجسده وسراية السرور لقلبه بالتبعية من تصور النفع فاذا قارن ما ينفع الجسد بما يؤذى الروح يكدر النفع حينئذ ولا ريب ان ما يروح الروح خير مما ينفع الجسد لان الروحانية أوقع في النفوس واشرف قال الشعبي من لم ير نفسه الى ثواب الصدقة أحوج من الفقير الى صدقته فقد أبطل صدقته. وبالغ السلف في الصدقة والتحرز فيها عن الريا فانه غالب على النفس وهو مهلك ينقلب في القلب إذا وضع الإنسان في قبره في صورة حية اى يؤلم إيلام الحية والبخل ينقلب فى صورة عقرب والمقصود في كل انفاق الخلاص من رذيلة البخل فاذا امتزج به الرياء كان كانه جعل العقرب غذاء الحية فتخلص من العقرب ولكن زاد في قوة الحية إذ كل صفة من الصفات المهلكة في القلب انما غذاؤها وقوتها في إجابتها الى مقتضاها. ثم ان الصدقة لا تنحصر في المال بل تجرى في كل معروف فالكلمة الطيبة والشفاعة الحسنة والاعانة في حاجة واحد وعيادة مريض وتشييع جنازة وتطييب قلب مسلم كل ذلك صدقة
كر خير كنى مراد يابى
…
در هر دو جهان كشاد يابى
احسان كن وبهر توشه خويش
…
زادى بفرست تو ازين پيش
واعلم ان الدنيا وملكها لا اعتداد لها- حكى- عن بعض الملوك انه حبست الريح في بطنه حتى قرب الى الهلاك فقال كل من يزيل عنى هذا البلاء أعطيته ملكى فسمعه شخص من اهل الله فجاء ومسح يده على بطنه فخرجت منه ريح منتنة وتعافى الملك من ساعته فقال يا سيدى اجلس على سرير المملكة انا عزلت نفسى فقال الرجل لا حاجة الى متاع قيمته ضرطة منتنة ولكن أنت اتعظ من هذا فالشيء الذي اغتررت به قيمته هذا وعن الحسن قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه فقال (هل منكم من يريد ان يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرا. ألا انه من رغب في الدنيا وطال أمله فيها أعمى الله قلبه على قدر ذلك ومن زهد فى الدنيا وقصر أمله أعطاه الله تعالى علما بغير تعلم وهدى بغير هداية. ألا انه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك الا بالقتل والتجبر ولا الغنى الا بالفخر والبخل ولا المحبة الا باتباع الهوى. ألا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر للفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضاء وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل وهو يقدر على العز لا يريد بذلك الا وجه الله تعالى أعطاه الله تعالى ثواب خمسين صديقا) : وفي المثنوى
كوزه چشم حريصان پر نشد
…
تا صدف قانع نشد پر در نشد
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى فان من فعل ذلك لا اجر له في صدقته وعليه وزر منه على الفقير ووزر إيذائه وقد سبق معنى المن والأذى والمراد بابطال الصدقة احباط أجرها لان الصدقة لما وقعت وتقدمت لم يمكن ان يراد بابطالها نفسها بل المراد احباط أجرها وثوابها لان الاجر لم يحصل بعد فيصح ابطاله بما يأتيه من المن والأذى كَالَّذِي المراد المنافق لان الكافر معلن كفره غير مراء والكاف في محل النصب على انه صفة لمصدر محذوف اى لا تبطلوها ابطالا كابطال المنافق الذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ اى لاجل رئائهم يعنى ليقال انه كريم وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لا يريد بانفاقه رضى الله ولا ثواب الآخرة. ورئاء من راآى نحو قاتل قتالا ومعنى المفاعلة هاهنا مبنى على ان المرائى فى الانفاق يراعى ان تراه الناس فيحمدوه فَمَثَلُهُ اى حالته العجيبة كَمَثَلِ صَفْوانٍ اى حجر صاف أملس وهو واحد وجمع فمن جعله جمعا فواحده صفوانة ومن جعله واحدا فجمعه صفى عَلَيْهِ تُرابٌ اى يسير منه فَأَصابَهُ وابِلٌ اى مطر شديد الوقع كبير القطر فَتَرَكَهُ صَلْداً أملس ليس عليه شىء من الغبار لا يَقْدِرُونَ كأنه قيل فماذا يكون حالهم حينئذ فقيل لا يقدرون عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا اى لا ينتفعون بما فعلوا رئاء ولا يجدون له ثوابا قطعا كقوله تعالى فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً يقال فلان لا يقدر على درهم اى لا يجده ولا يملكه فان قلت كيف قال لا يقدرون بعد قوله كالذى ينفق قلت أراد بالذي ينفق الجنس او الفريق الذي ينفق ولان من والذي يتعاقبان فكأنه قيل كمن ينفق فجمع الضمير باعتبار المعنى ولما ذكر تعالى بطلان امر الصدقة بالمن والأذى ذكر لكيفية ابطال أجرها بهما مثلين فمثله اولا بمن ينفق ماله رئاء الناس وهو مع ذلك كافر بالله واليوم الآخر فان بطلان اجر ما أنفقه هذا الكافر اظهر من بطلان اجر من يتبعها بالمن والأذى ثم مثله ثانيا بالصفوان الذي وقع عليه تراب وغبار ثم أصابه المطر فازال ذلك الغبار عنه حتى صار كانه ما كان عليه تراب وغبار أصلا فالكافر كالصفوان والتراب مثل ذلك الانفاق والوابل كالكفر الذي يحبط عمل الكافر وكالمن والأذى اللذين يحبطان عمل هذا المنفق فكما ان الوابل أزال التراب الذي وقع على الصفوان فكذا المن والأذى يجب ان يكونا مبطلين لاجر الانفاق بعد حصوله وذلك صريح في القول بالإحباط والتكفير كما ذهب اليه المعتزلة القائلون بان الأعمال الصالحة توجب الثواب وان الكبائر تحبط ذلك الثواب واما أصحابنا القائلون بان الثواب تفضل محض فانهم قالوا ليس المراد بقوله لا تبطلوا النهى عن ازالة هذا الثواب بعد ثبوته بل المراد النهى عن ان يأتى بهذا العمل باطلا وبيانه ان المن والأذى يخرجانه من ان يترتب عليه الاجر الموعود لان العمل انما يؤدى الى الاجر الموعود إذا اتى به العامل تعبدا وطاعة وابتغاء لما عند الله تعالى من الاجر والرضوان وعملا بقوله تعالى وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وبقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ فمن كان حامله على العمل ابتغاء ما عند الله مما وعده للمخلصين فقد جرى على سنن المبادلة التي وقعت
بين العمل والثواب الذي وعده الله تعالى لمن أخلص عمله لله تعالى فلما كانت معاملته في الحقيقة مع الله تعالى لم يبق وجه لان يمن على الفقير الذي تصدق عليه ولا لان يؤذيه بان يقول له مثلا خذه بارك الله لك فيه ومن من عليه او آذاه فقد اعرض عن جهة المبادلة مع الله ومال الى جهة التبرع على الفقير من غير ابتغاء وجه الله واتى بعمله من الابتداء على نعت البطلان فيكون محروما من البدل الذي وعده الله لمن اقرض الله قرضا حسنا إذ لم يقع عمله على وجه الاقراض وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ الى الخير والرشاد. وفيه تعريض بان كلا من الرئاء والمن والأذى من خصائص الكفار ولا بد للمؤمنين ان يجتنبوها- روى- عن بعض العلماء انه قال مثل من يعمل الطاعة للرئاء والسمعة كمثل رجل خرج الى السوق وملأ كيسه حصى فيقول الناس ما املأ كيس هذا الرجل
ولا منفعة له سوى مقالة الناس فلو أراد ان يشترى به شيأ لا يعطى به شيأ. وقد بالغ السلف في إخفاء صدقتهم عن أعين الناس حتى طلب بعضهم فقيرا أعمى لئلا يعلم أحد من المتصدق. وبعضهم ربط في ثوب الفقير نائما. وبعضهم القى في طريق الفقير ليأخذها وبذلك يتخلص من الرئاء: وفي المثنوى
كفت پيغمبر بيك صاحب ريا
…
صل انك لم تصل يافتى
از براى چاره اين خوفها
…
آمد اندر هر نمازى اهدنا
كين نمازم را مياميز اى خدا
…
با نماز ضالين واهل ريا
قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (ان أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر قال (الرياء يقول الله لهم يوم يجازى العباد بأعمالهم اذهبوا الى الذي كنتم تراؤون لهم فانظروا هل تجدون عندهم جزاء) وقال صلى الله عليه وسلم (ان الله تعالى إذا كان يوم القيامة ينزل الى العباد ليقضى بينهم وكل امة جاثية فاول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولى قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما عملت قال كنت اقرأ آناء الليل وأطراف النهار فيقول الله تعالى كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت ان يقال فلان قارئ فقد قيل ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج الى أحد قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما آتيتك قال كنت اصل الرحم وأتصدق فيقول الله كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت ان يقال فلان جواد فقد قيل ذلك ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول له فيما ذا قتلت فيقول يا رب أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت ان يقال فلان جرئ فقد قيل ذلك) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة) : قال السعدي
طريقت همينست كاهل يقين
…
نكوكار بودند وتقصير بين
بروى ريا خرقه سهلست دوخت
…
كرش با خدا در توانى فروخت
همان به كر آبستن كوهرى
…
كه همچون صدف سر بخود در برى
وكر آوازه خواهى در إقليم فاش
…
برون حله كن كو درون حشو باش
اگر مسك خالص ندارى مكوى
…
وكر هست خود فاش كردد ببوى
چهـ زنار مغ در ميانت چهـ دلق
…
كه در پوشى از بهر پندار خلق
والاشارة في الآية ان المعاملات إذا كانت مشوبة بالأغراض ففيها نوع من الاعراض ومن اعرض عن الحق فقد اقبل على الباطل ومن اقبل على الباطل فقد أبطل حقوقه في الأعمال فماذا بعد الحق الا الضلال وقد نهينا عن ابطال اعمال البر بالاعراض عن طلب الحق والإقبال على الباطل بقوله لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ وهي من اعمال البر بالمن اى إذا مننت بها على الفقير فقد أعرضت عن طلب الحق لان قصدك في الصدقة لو كان طلب الحق لما مننت على الفقير بل كنت رهين منة الفقير حيث كان سبب وصولك الى الحق ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (لولا الفقراء لهلك الأغنياء) معناه لم يجدوا وسيلة الى الحق وقد فسر بعضهم قوله عليه السلام (اليد العليا خير من اليد السفلى) بان اليد العليا في يد الفقير والسفلى يد الغنى تعطى السفلى وتأخذ العليا. والأذى هو الإقبال على الباطل لان كل شىء غير الحق فهو باطل فمن عمل عملا لله ثم يشوبه بغرض في الدارين فقد أبطل عمله بان يكون لله فافهم جدا كذا في التأويلات النجمية: وفي المثنوى
عاشقانرا شادمانى وغم اوست
…
دست مزد واجرت خدمت هم اوست
غير معشوق ار تماشائى بود
…
عشق نبود هرزه سودايى بود
عشق آن شعله است گو چون بر فروخت
…
هر چهـ جز معشوق باقى جمله سوخت
فالعشق الإلهي والحب الرحمانى إذا استولى على قلب العبد يقطع عنه عرق الشركة في الأموال والأولاد والأنفس. والخدمة بالاجرة لا تناسب الرجولية فان من علم ان مولاه كريم يقطع قلبه عن ملاحظة الاجرة وتجئ أجرته اليه من ذلك الكريم على الكمال: قال الحافظ
تو بندگى چوگدايان بشرط مزد مكن
…
كه خواجه خود روش بنده پرورى داند
اللهم اقطع رجاءنا عن غيرك واجعلنا من الذين لا يطلبون منك الا ذاتك وَمَثَلُ نفقات الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ اى لطلب رضاه وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ اى جعل بعض أنفسهم ثابتا على الايمان والطاعة ليزول عنها رذيلة البخل وحب المال وإمساكه والامتناع عن إنفاقه فان النفس وان كانت مجبولة على حب المال واستثقال الطاعات البدنية الا انها ما عودتها تتعود: قال صاحب البردة
والنفس كالطفل ان تهمله شب على
…
حب الرضاع وان تفطمه ينفطم
فمتى اهملتها فقد تمرنت واعتادت الكسل والبطالة والبخل وإمساك المال عن صرفه الى وجوه الطاعات ومقتضيات الايمان وحيث كلفتها وحملتها على مشاق العبادات البدنية والمالية تنقاد لك وتتزكى عن عاداتها الجبلية. فمن تبعيضية كما في قولهم «هز من عطفه وحرك من نشاطه» فان قلت كيف يكون المال بعضا من النفس حتى تكون الطاعة ببذله طاعة لبعض النفس وتثبيتا لها على الثمرة الايمانية قلت ان النفس لشدة نعلقها بالمال كأنه بعض منها فالمال شقيق الروح فمن بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه ومن بذل ماله وروحه فقد ثبتها كلها: وفي المثنوى
آن درم دادن سخى را لايق است
…
جان سپردن خود سخاى عاشق است [1]
نان دهى از بهر حق نانت دهند
…
جان دهى از بهر حق جانت دهند
آن فتوت بخش هر بي علت است
…
پاكبازى خارج از هر ملت است [2]
در شريعت مال هر كس مال اوست
…
در طريقت ملك ما مملوك دوست
ويجوز ان يكون التثبيت بمعنى جعل الشيء صادقا محققا ثابتا والمعنى تصديقا للاسلام ناشئا من اصل أنفسهم وتحقيقا للجزاء فان الانفاق امارة ان الإسلام ناشئ من اصل النفس وصميم القلب. فمن لابتداء الغاية كما في قوله تعالى حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ولعل تحقيق الجزاء عبارة عن الإيقان بان العمل الصالح مما يثيب الله ويجازى عليه احسن الجزاء كَمَثَلِ جَنَّةٍ بستان كائن بِرَبْوَةٍ مكان مرتفع مأمون من ان يصطلمه البرد اى يفسده للطافة هوائه بهبوب الرياح الملطفة له فان أشجار الربا تكون احسن منظرا وازكى ثمرا واما الأراضي المنخفضة فقلما تسلم ثمارها من البرد لكثافة هوائها بركود الرياح. وقال بعضهم ان البستان إذا وقع في موضع مرتفع من الأرض لا تنفعه الأنهار وتضر به الرياح كثيرا فلا يحسن ريعه الا إذا كان على الأرض المستوية التي لا تكون ربوة ولا وهدة فالمراد من الربوة حينئذ كون الأرض لينة جيدة بحيث إذا نزل المطر عليها انتفخت وربت ونمت فان الأرض إذا كانت بهذه الصفة يكثر ريعها وتكمل أشجارها ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
فان المراد من ربوها ما ذكر أَصابَها وابِلٌ اى وصل إليها مطر كبير القطر شديد الوقع فَآتَتْ اى اعطت صاحبها او أهلها أُكُلَها ثمرتها وغلتها وهو بضمتين الشيء المأكول. ويجوز ان يكون آتت بمعنى أخرجت فيتعدى الى مفعول واحد هو أكلها ضِعْفَيْنِ اى مثلى ما كانت تثمر في سائر الأوقات وذلك بسبب ما أصابها من الوابل قال ابن عباس حملت في سنة من الريع ما يحمل غيرها في سنتين والمراد بالضعف المثل كما أريد بالزوج الواحد في قوله تعالى مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ومن فسره باربعة أمثال ما كانت تثمر حمل الضعف على اصل معناه وهو مثلا الشيء فيكون ضعفين اربعة أمثال فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ اى فطل وهو المطر الصغير القطر يكفيها لجودتها وكرم منبتها ولطافة هوائها. والطل إذا دام عمل عمل الوابل وجاز الابتداء بالنكرة لوقوعها في جواب الشرط وهو من جملة المسوغات للابتداء بالنكرة ومن كلامهم ان ذهب العير فعير في الرباط والمعنى تشبيه نفقات هؤلاء الذين ينفقون بسبب ما يحملهم عليه من الابتغاء والتثبيت زاكية عند الله لا تضيع بحال وان كانت تلك النفقات تتفاوت فى زكائها بحسب تفاوت ما ينضم إليها من أحوالهم التي هي الابتغاء والتثبيت الناشئ من ينبوع الصدق والإخلاص إليها بحال جنة نامية زاكية بسببى الربوة والوابل او الطل والجامع النمو المرتب على السبب المؤدى اليه. ويجوز ان يكون التشبيه من قبيل المفرق بان يشبه زلفاهم من الله تعالى وحسن حالهم عنده بثمرة الجنة ووجه التشبيه الزيادة ويشبه نفقتهم الكثيرة والقليلة بالقوى المطر والضعيف منه من حيث ان كل واحد منهما سبب لزيادة في الجملة لان النفقتين تزيد ان حسن حالهم كما ان المطرين يزيدان ثمرة الجنة وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ من عمل
الإخلاص والرياء لا يخفى عليه شىء وهو ترغيب في الإخلاص مع تحذير عن الرياء ونحوه فعلى العاقل ان يعبد الله تعالى على الإخلاص ويكون دائما في رجاء الخلاص عن الطاغوت الخفي وهو الشرك الخفي فان الخلاص يبتنى على الإخلاص: قال السعدي قدس سره
همينست پندت اگر بشنوى
…
كه گر خار كارى سمن ندروى
يعنى من زرع الشوك لم يحصد الازهار والنبات ولا يثمر شجره وبالكأس التي تسقى تشرب عصمنا الله وإياكم من ضياع العمل وكساده واختلال الاعتقاد وفساده. وخالص الأعمال هو الذي تعمله لله لا تحب ان يحمدك عليه أحد وإذا قارن العمل بالإخلاص يكون كنحاس طرح فيه الإكسير وجسد نفخ فيه الروح ولذا يضاعف ثوابه وعن على ابن ابى طالب رضى الله عنه عن النبي عليه السلام (ان الصدقة إذا خرجت من يد صاحبها قبل ان تدخل فى يد السائل تتكلم بخمس كلمات أولاها تقول كنت قليلة فكثرتنى وكنت صغيرة فكبرتنى وكنت عدوا فاحببتنى وكنت فانيا فابقيتنى وكنت محروسا الآن صرت حارسك) وعن مكحول الشامي إذا تصدق المؤمن بصدقة رضى الله عنه ونادت جهنم يا رب ائذن لى بالسجود شكرا لك قد اعتقت واحدا من امة محمد من عذابى لانى استحيى من محمد ان أعذب أحدا
من أمته ولا بد لى من طاعتك ولفظ الصدقة اربعة أحرف كل منها اشارة الى معنى. اما الصاد فالصدّ اى الصدقة تصد وتمنع عن صاحبها مكروه الدنيا والآخرة. واما الدال فالدليل لانها تدل صاحبها الى الجنة. واما القاف فقربه الى الله تعالى. واما الهاء فهداية الله تعالى: قال بعضهم
زان پيش كه دست ساقئ دهر
…
در جام مرارت افكند زهر
از سر إ اين كلاه ودستار
…
جهدى بكن ودلى بدست آر
كين سر همه سال با كله نيست
…
وين روى هميشه همچومه نيست
فمن ساعده المال فلينفق في سبيل الله الملك المتعال وليشكر على غنى ومدد فلا يقطع رجاء أحد وفي الحديث (من قطع رجاء من التجأ اليه قطع الله رجاءه) - روى- ان بعض العلماء لما رأى هذا الحديث بكى بكاء شديدا وتحير في رعاية فحواه فقام وذهب الى واحد من الصلحاء ليستفسر معنى هذا الحديث ويدفع شبهته فلما دخل عليه رأى ذلك الرجل الصالح يأخذ بيده خبزا ويؤكله الكلب من يده فسلم فرد عليه السلام ولم يقم له كما كان يفعله قبل فلما أكل الكلب الخبز بالتمام قام له ولاطفه وقال معتذرا خذ العذر منى حيث لم أقم امتثالا لقول النبي عليه السلام (من قطع رجاء) الحديث وهذا الكلب رجا منى أكل الخبز ولم أقم خشية ان اقطع رجاءه فلما سمع هذا الكلام زاد تحيرا ولم يستفسر فتعجب من كرامته وقوته في باب الولاية واعلم ان ثمرات الإخلاص في طلب الحق ومرضاته تكون ضعفين بالنسبة الى من ينفق ويعمل الخيرات والطاعات لاجل الثواب الأخروي ورفعة الدرجات في الجنان فان حظه يكون من نعيم الجنة فحسب والمخلص في طلب الحق يكون له ضعف من قربة الحق وذولة الوصال وشهود ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وضعف من نعيم الجنة اوفى وأوفر
من ضعف طالب الجنة ونعيمها بأضعاف مضاعفة اللهم اهدنا إليك أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ الهمزة لانكار الوقوع كما في قوله أاضرب ابى لا لانكار الواقع كما في قوله أتضرب أباك اى ما كان ينبغى ان يود رجل منكم أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ كائنة مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ والجنة تطلق على الأشجار الملتفة المتكائفة وهو الأنسب بقوله تعالى تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إذ على كونها بمعنى الأرض المشتملة على الأشجار الملتفة لا بد من تقدير مضاف اى من تحت أشجارها لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ الظرف الاول خبر والثاني حال والثالث مبتدأ اى صفة للمبتدأ قائمة مقامه اى له رزق من كل الثمرات كما في قوله تعالى وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ اى وما منا أحد الا له إلخ وليس المراد بالثمرات العموم بل انما هو التكثير كما في قوله تعالى وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فان قلت كيف قال جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ثم قال لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ قلت النخيل والأعناب لما كانا أكرم الشجر وأكثرها نفعا خصهما بالذكر وجعل الجنة منهما وان كانت محتوية على سائر الأشجار تغليبا لهما على غيرهما ثم اردفهما ذكر كل الثمرات وَالحال انه قد أَصابَهُ الْكِبَرُ اى كبر السن الذي هو مظنة شدة الحاجة الى منافعها ومئنة كمال العجز عن تدارك اسباب المعاش وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ اى أصابه الكبر والحال ان له ذرية صغارا لا يقدرون على الكسب وترتيب مبادى المعاش فَأَصابَها اى تلك الجنة إِعْصارٌ اى ريح عاصفة تستدير في الأرض ثم تنعكس منها ساطعة الى السماء على هيئة العمود فِيهِ نارٌ
شديدة فَاحْتَرَقَتْ فصارت نعمها الى الذهاب وأصلها الى الخراب فبقى الرجل متحيرا لا يجد ما يعود به عليها ولا قوة له ان يغرس مثلها ولا خير في ذريته من الاعانة لكونهم ضعفاء عاجزين عن ان يعينوه وهذا كما ترى تمثيل لحال من يفعل الافعال الحسنة ويضم إليها ما يحبطها كرياء وإيذاء في الحسرة والأسف إذا كان يوم القيامة واشتدت حاجته إليها ووجدها محبطة بحال من هذا شأنه وأشبههم به من جال بسره في عالم الملكوت وترقى بفكره الى جنات الجبروت ثم نكص على عقبيه الى عالم الزور والتفت الى ما سوى الحق وجعل سعيه هباء منثورا: قال الحافظ زاهد ايمن مشو از بازئ غيرت زنهار كه ره از صومعه تا دير مغان اين همه نيست كَذلِكَ اى مثل ذلك البيان الواضح الذي بين فيما مر من الجهاد والانفاق في سبيل الله وقصة ابراهيم وعزير وغير ذلك لكم ايها الفريق يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ اى الدلالات الواضحة في تحقيق التوحيد وتصديق الدين لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ كى تتفكروا فيها وتعتبروا بما فيها من العبر وتعملوا بموجبها قال القشيري هذه آيات ذكرها الله على جهة ضرب المثل للمخلص والمنافق والمنفق في سبيل الله والمنفق في الباطل هؤلاء يحصل لهم الخلف والشرف وهؤلاء يحصل لهم السرف والتلف وهؤلاء ضل سعيهم وهؤلاء شكر سعيهم وهؤلاء تزكو أعمالهم وهؤلاء حبطت أعمالهم وخسرت أموالهم وختمت بالسوء أحوالهم وتضاعف عليهم وبالهم وثقل ومثل هؤلاء كالذى أنبت زرعا زكا أصله ونما فضله وعلا فرعه وكثر نفعه ومثل هؤلاء كالذى خسرت صفقته وسرقت بضاعته وضاقت على كبر سنه غلته
وتواترت من كل وجه محنته هل يستويان مثلا وهل يتقاربان شبها انتهى فلا بد من اخلاص الأعمال فان الثمرات تبتنى على الأصل وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه انه قال حين بعث الى اليمن يا رسول الله او صنى قال (أخلص دينك يكفك العمل القليل) وعلاج الرياء على ضربين. أحدهما قطع عروقه واستئصال أصوله وذلك بازالة أسبابه وتحصيل ضده واصل أسبابه حب الدنيا واللذة العاجلة وترجيحها على الآخرة. والثاني دفع ما يخطر من الرياء في الحال ودفع ما يعرض منه في أثناء العبادة فعليك في أول كل عبادة ان تفتش قلبك وتخرج منه خواطر الرياء وتقره على الإخلاص وتعزم عليه الى ان تتم لكن الشيطان لا يتركك بل يعارضك بخطرات الرياء وهي ثلاث مرتبة العلم باطلاع الخلق او رجاؤه ثم الرغبة في حمدهم وحصول المنزلة عندهم ثم قبول النفس له والركون اليه وعقد الضمير على تحقيقه فعليك رد كل
منها: قال السعدي قدس سره
قيامت كسى بينى اندر بهشت
…
كه معنى طلب كرد ودعوى بهشت
گنهكار انديشناك از خداى
…
بسى بهتر از عابد خود نماى
وفي التاتار خانية لو افتتح الصلاة خالصا لله تعالى ثم دخل في قلبه الرياء فهو على ما افتتح والرياء انه لو خلا عن الناس لا يصلى ولو كان مع الناس يصلى فاما لو صلى مع الناس يحسنها ولو صلى وحده لا يحسن فله ثواب اصل الصلاة دون الإحسان ولا يدخل الرياء في الصوم روى عن ابى ذر الغفاري رضى الله عنه الباري انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا ذر جدد السفينة فان البحر عميق واكثر الزاد فان السفر بعيد واقل من الحمولة فان الطريق مخوف وأخلص العمل فان الناقد بصير) والمراد من تجديد السفينة تحقيق الايمان وتكرير التوحيد ومن البحر هو جهنم قال تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا والمراد بالسفر سفر الآخرة والقيامة قال تعالى فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وزاد النعيم الطاعات وزاد الجحيم السيئات والمراد بالحمولة الذنوب والخطايا وأريد باقلالها نفيها رأسا وانما كان طريق الآخرة مخوفا لان الزبانية يأخذون اصحاب الحمل الثقيل من الطريق وليس هناك أحد يعين على حمل أحد وينصره وان كان من أقربائه قال تعالى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى والمراد بالناقد هو الله تعالى وهو طيب لا يقبل الا الطيب الخالص عن الشرك والرياء قال تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً اى خالصا لوجهه تعالى وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً وفي الحديث قال الله تعالى (انا غنى عن الشركاء فمن عمل لى وأشرك فيه غيرى فأنى برئ منه) وذكر عن وهب بن منبه انه قال امر الله تعالى إبليس ان يأتى محمدا عليه السلام ويجيبه عن كل ما يسأله فجاءه على صورة شيخ وبيده عكازة فقال له (من أنت) قال انا إبليس قال (لماذا جئت) قال أمرني ربى ان آتيك وأجيبك وأخبرك عن كل ما تسألنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكم اعداؤك من أمتي) قال خمسة عشر. أنت أولهم. وامام عادل. وغنى متواضع. وتاجر صدوق. وعالم متخشع. ومؤمن ناصح. ومؤمن رحيم القلب. وثابت على التوبة.
ومتورع عن الحرام. ومؤمن مديم على الطهارة. ومؤمن كثير الصدقة. ومؤمن حسن الخلق مع الناس. ومؤمن ينفع الناس. وحامل القرآن المديم عليه. وقائم الليل والناس نيام قال عليه السلام (فكم رفقاؤك من أمتي) قال عشرة. سلطان جائر. وغنى متكبر.
وتاجر خائن. وشارب الخمر. والقتات. وصاحب الرياء. وآكل الربا. وآكل مال اليتيم. ومانع الزكاة. والذي يطيل الأمل وفي الحديث (ما منكم من أحد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبين الله ترجمان ولا حجاب يحجبه فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى الا ما قدم من عمله وينظر بين يديه فلا يرى الا النار تلقاء وجهه فاتقوا الله ولو بشق ثمرة) قال شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة قيل لى في قلبى احسن اخلاق المرء في معاملته مع الحق التسليم والرضى واحسن أخلاقه في معاملته مع الخلق العفو والسخاء: قال السعدي
غم وشادمان نماند وليك
…
جزاى عمل ماند ونام نيك
كرم پاى دارد نه ديهيم وتخت
…
بده كز تو اين ماند اى نيكبخت
مكن تكيه بر ملك وجاه وحشم
…
كه پيش از تو بودست وبعد از تو هم
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذي امر المؤمنين بالإنفاق ليزكى به نفوسهم عن سفساف الأخلاق وهدى العارفين الى بذل المال والروح ليفتح لهم أبواب الفتوح والصلاة على المتخلق بأخلاق مولاه سيدنا محمد الذي جاء بالشفاعة لمن يهواه وعلى آله وأصحابه ممن اثر الله على ما سواه ووثق في اجر الانفاق بربه الذي أعطاه وبعد فان العبد العليل سمى الذبيح إسماعيل الناصح البروسى ثم الاسكوبى أوصله الله الى غاية المقام الحي يقول لما ابتليت بالنصح والعظة اهتممت في باب الموعظة فكنت التقط من التفاسير وانظم في سلك التحرير ما به ينحل عقد الآيات القرآنية والبينات الفرقانيه من غير تعرض لوجوه المعاني مما يحتمله المبانى قصدا الى التكلم بقدر عقول الناس وتصديا للاختصار الحامل على الاستئناس واضم الى كل آية ما يناسبها من الترغيب والترهيب وبعض من التأويل الذي لا يخفى على كل لبيب حتى انتهيت من سورة البقرة الى ما هنا من آيات الانفاق بعون الله الملك الخلاق فجعلت أول هذه الآية معنونا ليكون هذا النظم مع ما يضم اليه مدونا مقطوعا عما قبله من الآيات مجموعا بلطائف العظات ومن الله استمد ان يمهلنى الى ان آخذ بهذا المنوال القرآن العظيم وأقضي هذا الوطر الجسيم وأتضرع ان يجعله منتفعا به وذخر اليوم والمعاد ونعم المسئول والمراد يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ اى من حلال ما كسبتم او جياده لقوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وفسر صاحب الكشاف الطيبات بالجياد حيث قال من طيبات ما كسبتم من جياد مكسوباتكم ذكر بعض الأفاضل انه انما فسر الطيب بالجيد دون الحلال لان الحل استفيد من الأمر فان الانفاق من الحرام لا يؤمر به ولان قوله تعالى بعده وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ والخبيث هو الرديء المستخبث يدل على ان المعنى أنفقوا مما يستطاب من اكسابكم وَمِمَّا اى ومن
طيبات ما أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ من الحبوب والثمار والمعادن وَلا تَيَمَّمُوا اى لا تقصدوا الْخَبِيثَ اى الرديء الخسيس. والخبيث نقيض الطيب ولهما جميعا ثلاثة معان الطيب الحلال والخبيث الحرام والطيب الطاهر والخبيث النجس والطيب ما يستطيبه الطبع والخبيث ما يستخبثه مِنْهُ تُنْفِقُونَ الجار متعلق بتنفقون والضمير للخبيث والتقديم للتخصيص والجملة حال من فاعل تيمموا اى لا تقصدوا الخبيث قاصرين الانفاق عليه والتخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطونه من انفاق الخبيث خاصة لا تسويغ إنفاقه مع الطيب عن ابن عباس رضى الله عنهما انهم كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ حال من واو تنفقون اى تنفقون والحال انكم لا تأخذون الخبيث في معاملاتكم في وقت من الأوقات او بوجه من الوجوه إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ اى الا وقت إغماضكم فيه او الا باغماضكم يعنى لو كان لكم على رجل حق فجاء برديئ ماله بدل حقكم الطيب لا تأخذونه الا في حال الإغماض والتساهل مخافة فوت حقكم او لاحتياجكم اليه من قولك اغمض فلان عن بعض حقه إذا غض بصره ويقال للبائع اغمض اى لا تستقص كأنك لا تبصر وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عن انفاقكم وانما يأمركم به لمنفعتكم. وفي الأمر بان يعلموا ذلك مع ظهور علمهم به توبيخ لهم على ما يصنعون من إعطاء الخبيث وإيذان بان ذلك من آثار الجهل بشأنه تعالى فان إعطاء مثله انما يكون عادة عند اعتقاد المعطى ان الآخذ محتاج الى ما يعطيه بل مضطر اليه حَمِيدٌ مستحق للحمد على نعمه العظام واعلم ان المتصدق كالزارع والزارع إذا كان له اعتقاد بحصول الثمرة يبالغ في الزراعة وجودة البذر لتحققه ان جودة البذر مؤثرة في جودة الثمرة وكثرتها فكذلك المتصدق إذا ازداد إيمانه بالله والبعث والثواب والعقاب يزيد في الصدقة وجودتها لتحققه ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما والعبد كما اعطى الله أحب ما عنده فان الله يجازيه بأحب ما عنده كما قال تعالى هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ ودلت الآية على جواز الكسب وان احسن وجوه التعيش هو التجارة والزراعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان أطيب ما أكله الرجل من كسبه وان ولده من كسبه
) وكذلك أطيب الصدقات ما كانت من عمل اليد
بقنطار زر بخش كردن ز گنج
…
نباشد چوقيراط از دست رنج
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يكسب عبد ما لا حراما فيتصدق منه فيقبل منه فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظهره الا كان زاده الى النار ان الله تعالى لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن ان الخبيث لا يمحو الخبيث) ووجوه الانفاق والصدقة كثيرة قال صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا فيأكل منه انسان أو طير أو بهيمة الا كانت له صدقة) - روى- ان النبي صلى الله عليه وسلم حث أصحابه على الصدقة فجعل الناس يتصدقون وكان ابو امامة الباهلي جالسا بين يدى النبي عليه السلام وهو يحرك شفتيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انك تحرك شفتيك فماذا تقول) قال انى ارى الناس يتصدقون وليس معى شىء أتصدق به فأقول فى نفسى سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فقال صلى الله عليه وسلم (هؤلاء الكلمات
خير لك من مد ذهبا تتصدق به على المساكين) فعلى العاقل ان يواظب على الاذكار في الليل والنهار ويتصدق على الفقراء والمساكين بخلوص النية واليقين في كل حين
كرامت جوانمردى ونان دهيست
…
مقالات بيهوده طبل تهيست
وجلس الإسكندر يوما مجلسا عاما فلم يسأل فيه حاجة فقال والله ما أعد هذا اليوم من ملكى قيل ولم ايها الملك قال لانه لا توجد لذة الملك الا باسعاف الراغبين واغاثة الملهوفين ومكافأة المحسنين قال السرى السقطي قدس سره في وصف الصوفية أكلهم أكل المرضى ونومهم نوم العرضي ومن تخليهم عن الاملاك ومفارقتهم إياها سموا فقراء فالصوفى ما لم يبذل ماله وروحه في طلب الله فهو صاحب دنيا والدنيا مانعة عن الوصول فعليك بالإيثار وكمال الافتقار الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ الوعد هو الاخبار بما سيكون من جهة المخبر مترتبا على شىء من زمان او غيره يستعمل فى الشر استعماله في الخير قال الله تعالى النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا والمعنى ان الشيطان يخوفكم بالفقر ويقول للرجل امسك مالك فانك إذا تصدقت به افتقرت وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ اى بالخصلة الفحشاء اى ويغريكم على البخل ومنع الصدقات إغراء الآمر المأمور على فعل المأمور به والعرب تسمى البخيل فاحشا وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ اى في الانفاق مَغْفِرَةً لذنوبكم اى مغفرة كائنة مِنْهُ عز وجل وَفَضْلًا كائنا منه تعالى اى خلفا مما أنفقتم زائدا عليه فى الدنيا وثوابا في العقبى وفيه تكذيب للشيطان وَاللَّهُ واسِعٌ قدرة وفضلا فيحقق ما وعدكم به من المغفرة واخلاف ما تنفقونه عَلِيمٌ مبالغ في العلم فيعلم انفاقكم فلا يكاد يضيع اجركم يُؤْتِي الْحِكْمَةَ اى مواعظ القرآن ومعنى ايتائها تبيينها والتوفيق للعلم والعمل بها اى يبينها ويوفق للعمل بها مَنْ يَشاءُ من عباده اى يؤتيها إياه بموجب سعة فضله واحاطة علمه كما آتاكم ما بينه في ضمن الآي من الحكم البالغة التي عليها يدور فلك منافعكم فاغتنموها وسارعوا الى العمل بها. والموصول مفعول أول ليؤتى قدم عليه الثاني للعناية به وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ اى يعط العلم والعمل فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً اى أي خير كثير فانه قد حيز له خير الدارين وَما يَذَّكَّرُ اى وما يتعظ بما اوتى من الحكمة إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ اى العقول الخالصة من شوائب الوهم والركون الى متابعة الهوى. فالمراد منهم الحكماء العلام العمال ولا يتناول كل مكلف وان كان ذا عقل لان من لا يغلب عقله على هواه فلا ينتفع به فكأنه لا عقل له قيل من اعطى علم القرآن ينبغى ان لا يتواضع لاهل الدنيا لاجل دنياهم لان ما أعطيه خير كثير والدنيا متاع قليل ولقوله عليه السلام (القرآن غنى لا غنى بعده) والاشارة أن الشيطان فقير يعد بالفقر ظاهرا فهو يأمر بالفحشاء حقيقة. والفحشاء اسم جامع لكل سوء لان عدته بالفقر تتضمن معانى الفحشاء وهي البخل والحرص واليأس من الحق والشك في مواعيد الحق للخلق بالرزق والخلف للمنفق ومضاعفة الحسنات وسوء الظن بالله وترك التوكل عليه وتكذيب قول الحق ونسيان فضله وكرمه وكفران النعمة والاعراض عن الحق والإقبال على الخلق وانقطاع الرجاء من الله تعالى وتعلق القلب بغيره ومتابعة الشهوات وإيثار الحظوظ الدنيوية وترك العفة والقناعة والتمسك بحب الدنيا وهو رأس كل حطيئة وبزر كل بلية فمن فتح على نفسه باب وسوسته
فسوف يبتلى بهذه الآفات ومن سد هذا الباب فان الله يكرمه بانواع الكرامات ورفعة الدرجات والله واسع عليم يؤتى من اجتنب عن وساوسه الحكمة وهي من مواهيه ترد على قلوب الأنبياء والأولياء عند تجلى صفات الجلال والجمال وفناء أوصاف الخلقية بشواهد صفات الخالقية فيكاشف الاسرار بحقائق معان أورثتها تلك الأنوار سرا بسر وإضمارا بإضمار. فحقيقة الحكمة نور من أنوار صفات الحق يؤيد الله به عقل من يشاء من عباده فهذه ليست مما تدرك بالعقول والبراهين العقلية والنقلية واما المعقولات فهى مشتركة بين اهل الدين واهل الكفر فالمعقول ما يحكم العقل عليه ببرهان عقلى وهذا ميسر لكل عاقل بالدراية وعالم بالقراءة فمن صفى عقله عن شوب الوهم والخيال فيدرك عقله المعقول بالبرهان دراية عقلية ومن لم يصف العقل عن هذه الآفات فهو يدرك المعقول قراءة بتفهيم أستاذ مرشد فاما الحكمة فليست من هذا القبيل وما يذكر الا أولوا الألباب وهم الذين لم يقنعوا بقشور العقول الانسانية بل سعوا في طلب لبها بمتابعة الأنبياء عليهم السلام فاخرجوهم من ظلمات قشور العقول الانسانية الى نور لب المواهب الربانية فتحقق لهم ان من لم يجعل الله له نورا فما له من نور فانتبه ايها المغرور المفتون بدار الغرور فلا يغرنك بالله الغرور قال من قال
نگر تا قضا از كجا سير كرد
…
كه كورى بود تكيه بر غير كرد
فغان از بديها كه در نفس ماست
…
كه ترسم شود ظن إبليس راست
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاب الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فانه لم يغض ما في يمينه) قال (وعرشه على الماء وبيده الاخرى القبض يرفع ويخفض) فالمؤمن يتخلق بأخلاق الله ويجود على الفقراء ويدفع ما وسوس اليه الشيطان من خوف الفقر فان الله بيده مفاتيح الأرزاق وهو المعطى على الإطلاق وَما كلمة شرط وهي للعموم أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ اى أي نفقة كانت في حق او باطل في سر أو علانية قليلة او كثيرة أَوْ نَذَرْتُمْ النذر عقد الضمير على شىء والتزامه وهو في الشرع التزام برله نظير في الشرع ولهذا لو نذر سجدة مفردة لا يصح الا ان تكون للتلاوة عند ابى حنيفة وأصحابه مِنْ نَذْرٍ أي نذر كان في طاعة او معصية بشرط او بغير شرط متعلق بالمال او بالافعال كالصلاة والصيام ونحوهما فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ الضمير عائد الى ما اى فانه تعالى يجازيكم عليه البتة ان خيرا فخير وان شرا فشر فهو ترغيب وترهيب ووعد ووعيد وَما لِلظَّالِمِينَ بالإنفاق والنذر في المعاصي او بمنع الصدقات وعدم الوفاء بالنذور او بانفاق الخبيث او بالرياء والمن والأذى وغير ذلك مما ينتظمه معنى الظلم الذي هو عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه الذي يحق ان يوضع فيه مِنْ أَنْصارٍ اى أعوان ينصرونهم من بأس الله وعقابه لا شفاعة ولا مدافعة وإيراد صيغة الجمع لمقابلة الظالمين اى وما لظالم من الظالمين من نصير من الأنصار إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ اى ان تظهروا الصدقات فنعم شىء ابداؤها بعد ان لم يكن رياء وسمعة وهذا في الصدقات المفروضة واما في صدقة التطوع فالاخفاء أفضل وهي التي أريد بقوله وَإِنْ تُخْفُوها اى تعطوها خفية وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ ولعل التصريح بايتائها الفقراء
مع انه واجب في الإبداء ايضا لما ان الإخفاء مظنة الالتباس والاشتباه فان الغنى ربما يدعى الفقر ويقدم على قبول الصدقة سرا ولا يفعل ذلك عند الناس فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ اى فالاخفاء خير لكم من الإبداء وكل متقبل إذا صلحت النية وهذا في التطوع ومن لم يعرف بالمال واما فى الواجب فبالعكس ليقتدى به كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل والنافلة في البيت ولنفى التهمة وسوء الظن حتى إذا كان المزكى ممن لا يعرف باليسار كان اخفاؤه أفضل خوف الظلمة عن ابن عباس رضى الله عنهما صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا وَالله يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ من تبعيضية اى شيأ من سيآتكم لانه يمحو بعض الذنوب بالتصدق في السر والعلانية او زائدة على رأى الأخفش فالمعنى يمحو عنكم جميع ذنوبكم وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من الاسرار والإعلان خَبِيرٌ فهو ترغيب في الاسرار ذكر الامام في ان الاسرار والإخفاء في صدقة التطوع أفضل وجوها الاول انها ابعد من الرياء والسمعة قال صلى الله عليه وسلم (لا يقبل من مسمع ولامرائى ولا منان) والمتحدث في صدقة لا شك انه يطلب السمعة والمعطى في ملأ من الناس يطلب الرياء فالاخفاء والسكوت هو المخلص منهما. وقد بالغ قوم في صدقة الإخفاء واجتهدوا ان لا يعرفهم أحد فكان بعضهم يلقيها في يد أعمى وبعضهم يلقيها في طريق الفقير في موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطى وبعضهم كان يشدها في ثوب الفقير وهو نائم وبعضهم كان يوصل الى يد الفقير على يد غيره وثانيها انه إذا أخفى صدقته لم يحصل له من الناس شهرة وتمدح وتعظيم فكان ذلك أشق على النفس فوجب ان يكون اكثر ثوابا وثالثها قوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الصدقة جهد المقل الى فقير في سر) وقال ايضا (ان العبد يعمل عملا ان في السر فيكتبه الله تعالى سرا فان أظهره نقل من السر وكتب في العلانية فان تحدث نقل من السر والعلانية وكتب في الرياء) وفي الحديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله امام عدل وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود اليه
ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال انى أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) وقال صلى الله عليه وسلم (صدقة السر تطفئ غضب الرب) واما الوجه في جواز اظهار الصدقة فهو ان الإنسان إذا علم انه إذا أظهرها صار في ذلك سببا لاقتداء الحلق به فالاظهار أفضل قال محمد بن على الحكيم الترمذي ان الإنسان إذا اتى بعمله وهو يخفيه عن الخلق وفي نفسه شهوة ان يرى الخلق منه ذلك وهو يدفع تلك الشهوة فههنا الشيطان يردد عليه رؤية الخلق والقلب ينكر ذلك ويدفعه فهذا الإنسان في محاربة الشيطان فضوعف العمل في السر سبعين ضعفا على العلانية ثم ان تقرب العبد الى الله انما يكون بفرض أوجبه الله عليه او بنفل أوجبه العبد على نفسه فعلى كلا التقديرين الله عليم بهما فيجازى العبد بهما كما قال في حديث ربانى (لن يتقرب الى المتقربون بمثل ما افترضت عليهم ولا يزال العبد يتقرب الى بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا فبى يسمع وبي يبصر وبي ينطق وبي يبطش)
ولكن الشأن اخلاص العمل لله من غير شوبه بعلة دنيوية او أخروية فانها شرك والشرك ظلم عظيم فلا بد من الاجتناب
چورويى بخدمت نهى بر زمين
…
خدا را ثنا گوى وخود را مبين
فاخفاء الصدقة اشارة في الحقيقة الى تخليصها من شوب الحظوظ النفسانية لتكون خالصة لله فصاحبها يكون في ظل الله كما قال عليه السلام (المرء يكون في ظل صدقته يوم القيامة) يعنى ان كانت صدقته لله فيكون في ظل الله وان كانت صدقته للجنة فيكون في ظل الجنة وان كانت صدقته للهوى فيكون في ظل هاوية فافهم جدا
رطب ناورد چوب خر زهره بار
…
چهـ تخم افكنى بر همان چشم دار
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ اى لا يجب عليك يا محمد ان تجعلهم مهديين الى الإتيان بما أمروا به من المحاسن والانتهاء عما نهوا عنه من القبائح المعدودة وانما الواجب عليك الإرشاد الى الخير والحث عليه والنهى عن الشر والردع عنه بما اوحى إليك من الآيات والذكر الحكيم والخطاب خاص والمراد عام يتناول كل اهل الإسلام وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي هداية خاصة موصلة الى المطلوب حتما مَنْ يَشاءُ هدايته الى ذلك ممن يتذكر بما ذكر ويتبع ويختار الخير فهدى التوفيق على الله وهدى البيان على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل لما كثر فقراء المسلمين نهى رسول الله عليه وسلم المسلمين عن التصدق على المشركين كى تحملهم الحاجة على الدخول في الإسلام فنزلت اى ليس عليك هدى من خالفك حتى تمنعهم الصدقة لاجل دخولهم فى الإسلام وفيه ايماء الى ان الكفر لا يمنع صدقة التطوع واختلف في الواجب فجوزه ابو حنيفة وأباه غيره وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ اى أي شىء تتصدقوا كائن من مال فَلِأَنْفُسِكُمْ اى فهو لانفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا على من أعطيتموه ولا تؤذوه ولا تنفقوا من الخبيث او فنفعه الديني لكم لا لغيركم من الفقراء حتى تمنعوه ممن لا ينتفع به من حيث الدين من فقراء المشركين وعن بعض العلماء لو كان شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ استثناء من أعم العلل او أعم الأحوال اى ليست نفقتكم لشئ من الأشياء الا لابتغاء وجه الله او ليست في حال من الأحوال الا حال ابتغاء وجه الله فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله الى الله وَما تُنْفِقُوا اى أي شىء تنفقوا مِنْ خَيْرٍ فى اهل الذمة وغيرهم يُوَفَّ إِلَيْكُمْ اى يوفر لكم اجره وثوابه أضعافا مضاعفة فلا عذر لكم في ان ترغبوا عن إنفاقه على احسن الوجوه وأجملها وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ اى لا تنقصون شيأ مما وعدتم من الثواب المضاعف لِلْفُقَراءِ اى اجعلوا ما تنفقونه للفقراء الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى حبسوا نفوسهم في طاعته من الغزو والجهاد لا يَسْتَطِيعُونَ لاشتغالهم به ضَرْباً فِي الْأَرْضِ اى ذهابا فيها وسيرا في البلاد للكسب والتجارة وقيل هم اصحاب الصفة وهم نحو من اربعمائة رجل من مهاجرى قريش لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر فكانوا في صفة المسجد وهي سقيفته يتعلمون القرآن بالليل ويرضحون النوى بالنهار وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله فكان من عنده فضل أتاهم به إذا امسى
وعن ابن عباس رضى الله عنهما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على اصحاب الصفة فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال (ابشروا يا اصحاب الصفة فمن لقى الله من أمتي على النعت الذي أنتم عليه راضيا بما فيه فانه من رفقائى) يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ اى يظنهم الجاهل بحالهم وشأنهم أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ اى من أجل نعففهم عن المسألة وهو ترك الطلب ومنع النفس عن المراد بالتكلف استحياء تَعْرِفُهُمْ اى تعرف فقرهم واضطرارهم بِسِيماهُمْ اى بما تعاين منهم من الضعف ورثارثة الحال. والسيما والسيمياء العلامة التي تعرف بها الشيء لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً مفعول له ففيه نفى السؤال والالحاف جميعا اى لا يسألون الناس أصلا فيكون إلحافا والالحاف الإلزام والإلحاح وهو ان يلازم السائل المسئول حتى يعطيه ويجوز السؤال عند الحاجة والإثم مرفوع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لان يأخذ أحدكم حيله فيذهب فيأتى بحزمة حطب على ظهره فيكف بها وجهه خير له من ان يسأل الناس أشياءهم أعطوه او منعوه) وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله يحب الحي الحليم المتعفف ويبغض البذي السائل الملحف) وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ فيجازيكم بذلك احسن جزاء فهو ترغيب في التصدق لا سيما على هؤلاء ثم زاد التحريض عليه بقوله الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً اى يعمون الأوقات والأحوال بالخير والصدقة فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها ولم يؤخروه ولم يتعللوا بوقت ولا حال وقيل نزلت في شأن الصديق رضى الله عنه حين تصدق بأربعين الف دينار عشرة آلاف منها بالليل وعشرة بالنهار وعشرة سرا وعشرة علانية فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ اى ثوابهم حاضر عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من مكروه آت وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من محبوب فات واعلم ان الاتفاق على سادة اختاروا الفقر على الغنى محبة لله واقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرفة فانه صلى الله عليه وسلم كان يقول (لى حرفتان الفقر والجهاد) وهم أحق بها واولى والعبد إذا أنفق من كل معاملة فيها خير من المال او الجاه او خدمة النفس او إعزاز او إكرام او إعظام او ارادة بالقلب حتى السلام على هؤلاء السادة استحقاقا وإجلالا لا استخفافا وإذلالا فان الله به عليم فان تقرب اليه في الانفاق بشبر يتقرب هو اليه في المجازاة بذراع وان تقرب بذراع يتقرب اليه بباع فلا نهاية لفصله ولا غاية لكرمه فطوبى لمن ترك الدنيا بطيب القلب واختار الله على كل شىء ومن كان لله كان الله له روى ان حسن ستة أشياء في ستة العلم والعدل والسخاوة والتوبة والصبر والحياء. العلم في العمل. والعدل في السلطان. والسخاوة فى الأغنياء. والتوبة في الشباب. والصبر في الفقر. والحياء في النساء. العلم بلا عمل كبيت بلا سقف والسلطان بلا عدل كبئر بلا ماء. والغنى بلا سخاوة كسحاب بلا مطر. والشباب بلا توبة كشجر بلا ثمر. والفقر بلا صبر كقنديل بلا ضياء. والنساء بلا حياء كطعام بلا ملح فعلى الغنى ان يمطر من سحاب غنى بركات الدين والدنيا وبتسبب لاحياء قلوب ماتت بالفقر والاحتياج فان الله لا يضيع اجر المحسنين
پسنديده رأيى كه بخشيد وخورد
…
جهان از پى خويشتن كرد گرد
يعنى ان الذي له رأى صائب هو الذي تنعم بماله وأنعم وجمع الدنيا لاجله لا لغيره فان من جمع مالا ولم يأكل منه ولم يعط فهو جامع لغيره في الحقيقة إذ هو لوارثه بعده الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا اى يأخذونه وعبر عنه بالأكل لانه معظم المقصود من المال ولشيوعه في المطعومات والربا فضل في الكيل والوزن خال عن العوض عند ابى حنيفة وأصحابه ويجرى في الأشياء الستة الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والملح وكتب بالواو تنبيها على أصله لانه من ربا يربو وزيدت الالف تشبيها بواو الجمع لا يَقُومُونَ اى من قبورهم إذا بعثوا إِلَّا كَما يَقُومُ اى الا قياما مثل قيام الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ اى يضربه ويصرعه الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ اى الجنون متعلق بلا يقومون يعنى لا يقومون من المس الذي بهم الا كقيام المصروع المختل اى فاسد العقل ويكون ذلك سيماهم يعرفون به عند اهل الموقف وقيل الذين يخرجون من الأجداث يوفضون الا أكلة الربا فانهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لانهم أكلوا الربا فارباه الله تعالى في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الايفاض ذلِكَ اى العذاب النازل يهم بِأَنَّهُمْ قالُوا اى بسبب قولهم إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا فنظموا الربا والبيع في سلك واحد لافضائهما الى الربح فاستحلوه استحلاله وقالوا يجوز بيع درهم بدرهمين كما يجوز بيع ما قيمته درهم بدرهمين وحق الكلام ان يقال انما الربا مثل البيع الا انه على المبالغة اى اعتقدوه حلا حتى ظنوا انه اصل او قالوا انما البيع مثل الربا فلم لا يحل فان الزيادة في اوله كما هي في آخره- روى- ان اهل الجاهلية كان أحدهم إذا حل ماله على غريمه فطالبه به يقول الغريم لصاحب الاجل زدنى شيأ في الاجل حتى أزيدك فى المال فيفعلان ذلك ويقولان سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح او عند المحل لاجل التأخير فكذبهم الله وقال وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا اى كيف يتماثلان والبيع محلل بتحليل الله والربا محرم بتحريم الله تعالى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ اى فمن بلغه وعظ وزجر كالنهى عن الربا مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى اى فاتعظ بلا تراخ وتبع النهى فَلَهُ ما سَلَفَ اى مضى من ذنبه فلا يؤاخذ به لانه أخذ قبل نزول التحريم وجعل ملكا له ولا يسترد منه وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ يجازيه على انتهائه ان كان عن قبول الموعظة وصدق النية. وقيل يحكم في شأنه يوم القيامة وليس من امره إليكم شىء فلا تطالبوه به وَمَنْ عادَ الى الربا مستحلا بعد النهى كما استحل قبله فَأُولئِكَ اشارة الى من باعتبار المعنى أَصْحابُ النَّارِ اى ملازموها هُمْ فِيها خالِدُونَ ماكثون ابدا يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا المحق نقضان الشيء حالا بعد حال حتى يذهب كله كما في محاق الشهر وهو حال آخذ الربا فان الله يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه ولا ينتفع به ولده بعده وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ يضاعف ثوابها ويبارك فيها ويزيد المال الذي أخرجت منه الصدقة- روى- عنه صلى الله عليه وسلم (ان الله يقبل الصدقة ويربيها كما يربى أحدكم مهره) وعنه ايضا (ما نقصت زكاة من مال قط) وَاللَّهُ لا يُحِبُّ اى لا يرضى لان الحب مختص بالتوابين كُلَّ كَفَّارٍ مصر على تحليل المحرمات أَثِيمٍ منهمك في ارتكابها إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله ورسوله صلى
الله عليه وسلم وبما جاءهم به وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى الطاعات وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ تخصيصهما بالذكر مع اندراجهما في الصالحات لا نافتهما على سائر الأعمال الصالحة لَهُمْ أَجْرُهُمْ الموعود لهم حال كونه عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من مكروه آت وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من محبوب فات واعلم ان آكل الربا لحرصه على الدنيا مثله كمثل من به جوع الكلب فيأكل ولا يشبع حتى ينتفخ بطنه ويثقل عليه فكلما يقوم يصرعه ثقل بطنه فكذا حال اهل الربا يوم القيامة: ونعم ما قيل
توان بحلق فرو بردن استخوان درشت
…
ولى شكم بدرد چون بگيرد ندار ناف
فالعاقل لا يأكل ما لا يتحمله في الدنيا والآخرة فطوبى لمن يقتصد في أخذ الدنيا ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها فهو ينجو من وبالها وهو مثل التاجر الذي يكسب المال بطريق البيع والشراء ويؤدى حقه وان كان له حرص في الطلب والجمع ولكن لما كان بامر الشرع وطريق الحل ولا يمنع ذا الحق حقه ما اضربه كما أضرّ بآكل الربا- روى- ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والواشمة والمستوشمة والمصور قال عليه السلام (الربا بضع وسبعون بابا أدناها كأتيان الرجل أمه) يعنى كالزنى بامه والعياذ بالله فمن سمع هذا القول العظيم فليبادر بالتوبة الى باب المولى الكريم ذلك لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد. ومن اقرض شيأ بشرط ان يرد عليه أفضل فهو قرض جر منفعة وكل قرض جر منفعة فهو ربا وكان لابى حنيفة رحمه الله على رجل الف درهم سود فرد عليه الف درهم بيض فقال ابو حنيفة لا أريد هذا الأبيض بدل دراهمى فاخاف ان يكون هذا البياض ربا فرده وأخذ مثل دراهمه قال ابو بكر لقيت أبا خنيفة على باب رجل وكان يقرع الباب ثم يتنحى ويقوم في الشمس فسألته عنه فقال ان لى على صاحبه دينا وقد نهى عن قرض جر منفعة فلا انتفع بظل حائطه ويقرب منه ما روى عن ابى يزيد البسطامي قدس سره من انه اشترى من همذان حب القرطم ففضل منه شىء فلما رجع الى بسطام رأى فيه نملتين فرجع الى همذان ووضع النملتين فهذا هو الورع وكمال التقوى ومثل هذا لا يوجد في هذا الزمان وان وجد فاقل من القليل واكثر الناس ولو كانوا صوفية لا يفرقون بين الحلال والحرام والشبهات ولذا ترى امر الدين صار مهملا وعاد غريبا هدانا الله وإياكم الى سواء الطريق انه ولى التوفيق: قال جلال الدين الرومي
اى ز خودت بي وقوف لاف ترا يوف يوف
…
فضل نبخشد ترا جبه ودستار وصوف
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ اى قوا أنفسكم عقابه وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا اى واتركوا تركا كليا ما بقي لكم غير مقبوض من مال الربا على من عاملتموه به إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ على الحقيقة فان ذلك مستلزم لامتثال ما أمرتم به البتة- روى- انه كان لثقيف مال على بعض قريش فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فنزلت فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا اى ما أمرتم به من الاتقاء وترك البقايا اما مع انكار حرمته واما مع الاعتراف بها فَأْذَنُوا اى فاعلموا من اذن بالأمر إذ اعلم به بِحَرْبٍ اى بنوع من الحرب عظيم لا يقادر قدره
كائن مِنَ عند اللَّهِ وَرَسُولِهِ وحرب الله حرب ناره اى بعذاب من عنده وحرب رسوله نار حربه اى القتال والفتنة فلما نزلت قالت ثقيف لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله وَإِنْ تُبْتُمْ من الارتباء مع الايمان بحرمته بعد ما سمعتموه من الوعيد فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ تأخذونها كملا لا تَظْلِمُونَ غرماءكم بأخذ الزيادة وَلا تُظْلَمُونَ أنتم من قبلهم بالمطل وانتقص عن رأس المال هذا هو الحكم إذا تاب ومن لم يتب من المؤمنين وأصر على عمل الربا فان لم يكن ذا شوكة عزر وحبس الى ان يتوب وا كان ذا شوكة حاربه الامام كما يحارب الباغية كما حارب ابو بكر رضى عنه مانع الزكاة وكذا القول لو اجتمعوا على ترك الاذان او ترك دفن الموتى وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ اى وان وقع غريم من غرمائكم ذو عسرة وهي بالاعدام او كساد المتاع وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ اى وان وقع وهي من الانظار والامهال إِلى مَيْسَرَةٍ اى الى يسار وَأَنْ تَصَدَّقُوا اى وتصدقكم بإسقاط الدين كله عمن أعسر من الغرماء او بالتأخير والانظار خَيْرٌ لَكُمْ اى اكثر ثوابا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ جوابه محذوف اى ان كنتم تعلمون انه خير لكم عملتموه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره الا كان له بكل يوم صدقة) وقال صلى الله عليه وسلم (من انظر معسرا أو وضع له أنجاه الله من كرب يوم القيامة) وفي القرص والادانة فضائل كثيرة- روى- ان امامة الباهلي رضي الله عنه رأى في المنام على باب الجنة مكتوبا القرض بثمانية عشر أمثاله والصدقة بعشر أمثالها فقال ولم هذا فاجيب بان الصدقة ربما وقعت في يدغنى وان صاحب القرض لا يأتيك الا وهو محتاج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث من جاء بهن يوم القيامة مع ايمان دخل من أي أبواب الجنة شاء وزوج من حور العين كم شاء من عفا عن قاتل وقرأ دبر كل صلاة مكتوبة قل هو الله أحد عشر مرات ومن ادان دينا لمن يطلب منه) فقال ابو بكر الصديق او إحداهن يا رسول الله قال (او إحداهن) واعلم ان الاستدانة في احوال ثلاث فى ضعف قوته في سبيل الله وفي تكفين فقير مات عن قلة وفقر وفي نكاح يطلب به العفة عن فتنة العذوبة فيستدين متوكلا على الله فالله تعالى يفتح أبواب اسباب القضاء قال صلى الله عليه وسلم (من ادان دينا وهو ينوى قضاءه وكل به ملائكة يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه) وكان جماعة السلف يستقرضون من غير حاجة لهذا الخبر ومهما قدر على قضاء الدين فليبادر اليه ولو قبل وقته وعن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام (الشهادة تكفر كل شىء الا الدين يا محمد) ثلاثا فعلى العاقل ان يقضى ما عليه من الديون ويخاف من وبال سوء نيته يوم يبعثون وهذا حال من ادى الفرض فانه يهون عليه ان يؤدى القرض. واما المرتكب وتارك الفرائض فلا يبالى بالفرائض فكيف بالديون والاقراض ولذا قيل
وامش مده آنكه بي نمازست
…
ور خود دهنش ز فاقه بازست
كو فرض خدا نمى گذارد
…
از قرض تو نيز غم ندارد
واحوال هذا الزمان مختلة كاخوانه فطوبى لمن تمسك بالقناعة في زمانه. ومن شرط المؤمن الحقيقي اتقاؤه بالله في ترك زيادات لا يحتاج إليها في امر الدين بل تكون شاغلة له عن الترقي
فى مراتب الدين كما قال عليه السلام (من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وَاتَّقُوا يَوْماً نصب ظرفا تقديره واتقوا عذاب الله يوما او مفعولا به كقوله فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً اى كيف تتقون هذا اليوم الذي هذا وصفه مع الكفر بالله تُرْجَعُونَ فِيهِ على البناء للمفعول من الرجع اى تصيرون فيه إِلَى اللَّهِ لمحاسبة أعمالكم ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ من النفوس اى تعطى كملا ما كَسَبَتْ اى جزاء ما عملت من خير او شر وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ اى لا ينقصون من ثوابهم ولا يزادون على عقابهم وهو حال من كل نفس تفيد ان المعاقبين وان كانت عقوباتهم مؤبدة غير مظلومين في ذلك لما انه من قبل أنفسهم وعن ابن عباس رضى الله عنهما هذه آخر آية نزلت ولقى رسول الله ربه بعدها بسبعة او تسعة ايام او أحد وعشرين او أحد وثمانين يوما او ثلاث ساعات وقال له جبريل عليه السلام ضعها على رأس مائتين وثمانين آية من سورة البقرة فجعلت بين آية الدين وآية الربا تأكيدا للزجر عن الربا- روى- ان رسول صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين وبعث يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين وكان مريضا ثمانية عشر يوما يعوده الناس وكان آخر ما يقول صلى الله عليه وسلم (الصلاة وما ملكت ايمانكم الصلاة فانا لله وانا اليه راجعون) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فانها أعظم المصائب) وقال عليه السلام (من كان له فرطان من أمتي ادخله الله بهما الجنة) فقالت له عائشة رضى الله عنها فمن كان له فرط من أمتك قال (ومن كان له فرط يا موفقة) قالت فمن لم يكن له فرط من أمتك قال (انا فرط لامتى لن يصابوا بمثلى) قال تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فكانت حياته ومماته رحمة قال صلى الله عليه وسلم (إذا أراد الله بامة رحمة قبض نبيها قبلها فجعله سلفا وفرطا لها) ورثاه صلى الله عليه وسلم بعض الأنصار فقال
الصبر يحمد في المواطن كلها
…
الا عليك فانه مذموم
واعلم ان الله تعالى جمع في هذه الآية خلاصة ما أنزله في القرآن وجعلها خاتم الوحى والانزال كما انه جمع خلاصة ما انزل من الكتب على الأنبياء في القرآن وجعله خاتم الكتب كما ان النبي عليه السلام خاتم الأنبياء عليهم السلام وقد جمع فيه اخلاق الأنبياء فاعلم ان خلاصة جميع الكتب المنزلة وفائدتها بالنسبة الى الإنسان عائدة الى معنيين. أحدهما نجاته من الدركات السفلى. وثانيهما فوزه بالدرجات العليا فنجاته في خروجه عن الدركات السفلى وهي سبعة الكفر والشرك والجهل والمعاصي والأخلاق المذمومة وحجب الأوصاف وحجاب النفس وفوزه في ترقيه على الدرجات العليا وهي ثمانية المعرفة لله والتوحيد لله والعلم والطاعات والأخلاق الحميدة وجذبات الحق والفناء عن انانيته والبقاء بهويته فهذه الآية تشير الى مجموعها اجمالا قوله تعالى وَاتَّقُوا هى لفظة شاملة لما يتعلق بالسعي الإنساني من هذه المعاني لان حقيقة التقوى مجانبة ما يبعدك عن الله ومباشرة ما يقربك اليه دليله قول النبي عليه السلام (جماع التقوى قول الله تعالى ان الله يأمر بالعدل والإحسان) الآية فيندرج تحت التقوى على هذا المعنى الخروج عن الدركات السفلى والترقي على الدرجات العليا. فتقوى العوام الخروج عن الكفر بالمعرفة وعن الشرك بالتوحيد
وعن الجهل بالعلم وعن المعاصي بالطاعات وعن الأخلاق المذمومة بالأخلاق المحمودة وهاهنا ينتهى سير العوام لان نهاية كسب الإنسان وغاية جهد المجتهدين في اقامة شرائط جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا. فمن هاهنا تقوى الخواص المجذوبين بجذبات لنهديهم سبلنا فتخرجهم الجذبة من حجب اوصافهم الى درجة تجلى صفات الحق فههنا ينقضى سلوك الخواص فيستظلون بظل سدرة المنتهى عندها جنة المأوى فينتفعون من مواهب إذ يغشى السدرة ما يغشى. واما تقوى خواص الخواص فبجذبة رفرف العناية بجذب ما زاغ البصر وما طغى من سدرة منتهى الأوصاف الى قاب قوسين نهاية حجب النفس وبداية أنوار القدس فهناك من عرف نفسه فقد عرف ربه فبالتقوى الحقيقية يجد الايمان الحقيقي فمعنى وَاتَّقُوا جاهدوا فينا بجهدكم وطاقتكم يَوْماً يعنى ليوم فيه لنهدينكم بجذبات العناية تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ أشار بلفظ الرجوع اليه ليعلم ان الشروع كان منه هدانا الله وإياكم الى مقام الجمع واليقين وشرفنا بلطائف التحقيق والتمكين انه نصير ومعين يصيب برحمته من يشاء من عباده الصالحين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ اى إذا داين بعضكم بعضا وعامله نسيئة معطيا او آخذا كما تقول بايعته إذا بعته او باعك وفائدة ذكر الدين دفع توهم كون التداين بمعنى المجازاة والتنبيه على تنوعه الى الحال والمؤجل وانه الباعث على الكتب وتعيين المرجع للضمير المنصوب المتصل بالأمر وهو فاكتبوه إِلى أَجَلٍ متعلق بتداينتم مُسَمًّى بالأيام او الأشهر او السنة وغيرها مما يفيد العلم ويرفع الجهالة لا بالحصاد والدياس وقدوم الحاج مما لا يرفعها فَاكْتُبُوهُ اى الدين بأجله لانه أوثق وادفع للنزاع والجمهور على استحبابه وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بيان لكيفية الكتابة المأمور بها وتعيين لمن يتولاها اثر الأمر بها اجمالا وقوله بينكم للايذان بان الكاتب ينبغى ان يتوسط بين المتداينين ويكتب كلامهما ولا يكتفى بكلام أحدهما بِالْعَدْلِ اى كاتب كائن بالعدل اى وليكن المتصدي للكتابة من شأنه ان يكتب بالتسوية من غير ميل الى أحد الجانبين لا يزيد ولا ينقص وهو امر للمتداينين باختيار كاتب فقيه دين يجئ كتابه موثقا به معدلا بالشرع وَلا يَأْبَ كاتِبٌ اى لا يمتنع أحد من الكتاب أَنْ يَكْتُبَ كتاب الدين كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ على طريقة ما علمه الله من كتب الوثائق فَلْيَكْتُبْ تلك الكتابة المعلمة امر بها بعد النهى عن ابائها تأكيدا لها وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ الإملال هو الاملاء وهو إلقاء المعنى على الكاتب للكتابة اى ليكن المملل اى مورد المعنى على الكاتب من عليه الحق اى الدين لانه المشهود عليه فلا بد ان يكون هو المقر وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ جمع بين الاسم الجليل والنعت الجميل للمبالغة في التحذير اى وليتق المملى دون الكاتب كما قيل لقوله تعالى وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ اى من الحق الذي يمليه على الكاتب شَيْئاً فانه هو الذي يتوقع منه البخس خاصة. واما الكاتب فيتوقع منه الزيادة كما يتوقع منه البخس وانما شدد في تكليف المملى حيث جمع فيه بين الأمر بالاتقاء والنهى عن البخس لما فيه من الدواعي الى المنهي عنه فان الإنسان مجبول على دفع الضرر عن نفسه وتخفيف ما في ذمته فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ناقص العقل مبذرا مجازفا أَوْ ضَعِيفاً صبيا او شيخا مختلا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ اى غير مستطيع للاملاء بنفسه لخرس اوعى
او جهل او غير ذلك من العوارض فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ اى الذي يلى امره ويقوم مقامه من قيم او وكيل او مترجم بِالْعَدْلِ اى من غير نقص ولا زيادة وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ اى اطلبوهما ليتحملا الشهادة على ما جرى بينكما من المداينة وتسميتهما شهيدين لتنزيل المشارف منزلة الكائن مِنْ رِجالِكُمْ متعلق باستشهدوا اى من اهل دينكم يعنى من الأحرار البالغين المسلمين إذ الكلام في معاملاتهم فان خطابات الشرع لا تنتظم العبيد بطريق العبارة واما إذا كانت المداينة بين الكفرة او كان من عليه الحق كافرا فيجوز استشهاد الكافر عندنا فَإِنْ لَمْ يَكُونا اى الشهيدان جميعا على طريقة نفى الشمول لا شمول النفي رَجُلَيْنِ اما لاعوازهما او لسبب آخر من الأسباب فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ اى فلشهد رجل وامرأتان وشهادة النساء مع الرجال في الأموال جائزة بالإجماع دون الحدود والقصاص فلابد فيهما من الرجال مِمَّنْ تَرْضَوْنَ متعلق بمحذوف وقع صفة لرجل وامرأتان اى كائنون مرضيين عندكم وتخصيصهم بالوصف المذكور مع تحقق اعتباره في كل شهيد لقلة اتصاف النساء به مِنَ الشُّهَداءِ متعلق
بمحذوف وقع حالا من الضمير المحذوف الراجع الى الموصول اى ممن ترضونهم كائنين من بعض الشهداء لعلمكم بعدالتهم وثقتكم بهم وادراج النساء في الشهداء بطريق التغليب أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما اى احدى المرأتين الشاهدتين فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وهذا تعليل لاعتبار العدد فى النساء والعلة في الحقيقة هي التذكير ولكن الضلال لما كان سببا له نزل منزلته كما في قولك اعددت السلاح ان يجيئ عدو فادفعه فالاعداد للدفع لا لمجيئ العدو لكن قدم عليه المجيء لانه سببه كأنه قيل لاجل ان تذكر إحداهما الاخرى ان ضلت الشهادة بأن نسيت ثم حث الشهداء على اقامة الشهادة بقوله وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا لاداء الشهادة او لتحملها وما مزيدة وَلا تَسْئَمُوا اى لا تملوا من كثرة مدايناتكم أَنْ تَكْتُبُوهُ اى من ان تكتبوا الدين او الحق او الكتاب صَغِيراً أَوْ كَبِيراً حال من الضمير اى حال كونه صغيرا او كبيرا اى قليلا او كثيرا او مجملا او مفصلا إِلى أَجَلِهِ متعلق بمحذوف وقع حالا من الهاء في تكتبوه اى مستقرا في الذمة الى وقت حلوله الذي أقر به المديون ذلِكُمْ اى كتب الحق الى اجله ايها المؤمنون أَقْسَطُ اى اعدل عِنْدَ اللَّهِ اى في حكمه تعالى وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ اى اثبت لها وأعون على إقامتها وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا اى اقرب الى انتفاء ريبكم في جنس الدين وقدره واجله وشهوده ونحو ذلك إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ استثناء منقطع من الأمر بالكتابة اى لكن وقت كون تداينكم او تجارتكم تجارة حاضرة بحضور البدلين تديرونها بينكم بتعاطيها يدا بيد فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها اى فلا بأس بان لا تكتبوها لبعده عن التنازع والنسيان وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ اى هذا التبايع او مطلقا لانه أحوط. والأوامر الواردة في الآية الكريمة للندب عند الجمهور وَلا يُضَارَّ يحتمل البناء على الفاعل وعلى المفعول فعلى الاول نهى للكاتب عن ترك الاجابة الى ما يطلب منه وعن التحريف والزيادة والنقصان اى لا يمتنع
كاتِبٌ عن الكتابة المقصودة وَلا شَهِيدٌ اى ولا يمتنع الشاهد عن اقامة الشهادة المعلومة وعلى الثاني النهى عن الضرار بالكاتب والشاهد اى لا يوصل أحد مضرة للكاتب والشهيد إذا كانا مشغولين بما يهمهما ويوجد غيرهما فلا يضاران بابطال شغلهما وقد يكون إضرار الكاتب والشهيد بان لا يعطى حقهما من الجعل فيكون النهى عن ذلك وَإِنْ تَفْعَلُوا ما نهيتم عنه من الضرار فَإِنَّهُ اى فعلكم ذلك فُسُوقٌ بِكُمْ اى خروج عن الطاعة ملتبس بكم وَاتَّقُوا اللَّهَ فى مخالفة أوامره ونواهيه التي من جملتها نهيه عن المضارة وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ أحكامه المتضمنة لمصالحكم وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فلا يخفى عليه حالكم وهو مجازيكم بذلك ثم هذه الآية أطول آية في القرآن وابسطها شرحا وأبينها وأبلغها وجوها يعلم بذلك ان مراعاة حقوق الخلق واجبة والاحتياط على الأموال التي بها امور الدين والدنيا لازم فمن سعى بالحق فقد نجا والا فقد غوى
كسى را كه سعى قدم بيشتر
…
بدرگاه حق منزلش پيشتر
والله تعالى من كمال رحمته على عباده علمهم كيفية معاملاتهم فيما بينهم لئلا يجرى من بعضهم على بعض حيف ولئلا يتخاصموا ويتنازعوا فيحقد بعضهم على بعض فامر بتحصين الحقوق بالكتابة والاشهاد وامر الشهود بالتحمل ثم بالإقامة وامر الكاتب ان يكتب كما علمه الله بالعدل وراعى في ذلك دقائق كثيرة كما ذكرها فيشير بهذه المعاني الى ثلاثة احوال. أولها حال الله تعالى مع عباده فيظهر من آثار الطافه معهم انه تعالى كيف يرفق بهم ويعلمهم كيفية معاملاتهم الدنيوية حتى لا يكونوا في خسران من امر دنياهم ولا يكون فيما بينهم عداوة وخصومة تؤدى الى تنغيص عيشهم في الدنيا وعقوبة في الآخرة فيستدلوا بها على ان تكاليف الشرع التي أمروا بها ايضا من كمال مرحمته استعملهم بها ليفيض بها عليهم سجال نعمه كقوله تعالى ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ الآية. وثانيها حال العباد مع الله ليعلموا برعاية هذه الدقائق للامور الدنيوية الفانية ان للامور الاخروية الباقية فيما بينهم وبين الله ايضا دقائق كثيرة والعباد بها محاسبون وعلى مثقال ذرة من خيرها مثابون وعلى مثقال ذرة من شرها معاقبون وانها بالرعاية اولى وأحرى من امور الدنيا وان الله تعالى كما امر العباد ان يكتبوا كتاب المبايعة فيما بينهم ويستشهدوا عليهم
العدول قد كتب كتاب مبايعة جرت بينه وبين عبادة في الميثاق فان الله تعالى اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة وعلى هذا عاهدهم واشهد الملائكة الكرام عليه ثم رقم في الكتاب ان ياقوتة من الجنة وديعة وهي الحجر الأسود. وثالثها حال العباد فيما بينهم فليعتبر كل واحد منهم من ملاطفات الحق معهم وليتخلق بأخلاق الحق في مخالقتهم وليتوسل الى الله بحسن مرافقتهم وليحفظ حدود الله في مخالفتهم وموافقتهم وليتمسك بعروة محبتهم في الله وجذبتهم لله ونصحهم بالله ليحرز في رفقتهم صراطا مستقيما ويفوز من زمرتهم فوزا عظيما ففى جميع الأحوال كونوا مع الله كما قال وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ اى اتقوا في الأحوال الثلاثة كما يعلمكم الله بالعبارات والإشارات وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ تعملونه في جميع الأحوال من الأقوال والافعال
عَلِيمٌ يعلم مضمون ضمائركم ومكنون سرائركم فيجازيكم على حسن معاملتكم بقدر خلوصكم وصفاء نياتكم وصدق طوياتكم فطوبى لمن صفى قلبه عن سفساف الأخلاق وعزم الى عالم السر والإطلاق واحسن المعاملة مع الله في جميع الحالات ووصل الى الدرجات العاليات
حقائق سراييست آراسته
…
هوا وهوس گرد برخاسته
نه بينى كه جايى كه برخاست گرد
…
نه بيند نظر گر چهـ بيناست مرد
يعنى ان عالم الغيب كالبيت المزين والهوى كالنقع المثار فما دام لم يترك المرء هواه لا يرى ما يهواه فان الحجاب إذا توسط بين الرائي والمرئي يمنع من الرؤية فارفع الموانع من البين وتشرف بوصول العين وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ اى مسافرين اى متوجهين اليه ومقبلين وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فى المداينة بان لا يحسن الكتابة او لا توجد الصحيفة او الدواة والقلم ولم يتعرض لحال الشاهد لما انه في حكم الكاتب توثقا واعوازا فَرِهانٌ جمع رهن اى فالتوثق رهن مَقْبُوضَةٌ اى مسلمة الى المرتهن ولا بد من القبض حتى لو رهن ولم يسلم لا يجبر الراهن على التسليم وانما شرط السفر في الارتهان مع ان الارتهان لا يختص به سفر دون حضر لان السفر لما كان مظنة عدم الكتب باعواز الكاتب والشاهد امر بالارتهان ليقوم مقامهما تأكيدا وتوثيقا لحفظ المال فالكلام خرج على الأعم الأغلب لا على سبيل الشرط وقدر رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه في المدينة من يهودى بعشرين صاعا من شعير واخذه لاهله فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً اى بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنه به واستغنى بامانته عن الارتهان فلم يطلب منه الرهن فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ وهو المديون والائتمان الوثوق بامانة الرجل وانما عبر عنه بذلك العنوان لتعينه طريقا للاعلام ولحمله على الأداء أَمانَتَهُ اى فليقض المطلوب الامين ما في ذمته من الدين من غير رهن منه وسمى الدين امانة لتعلقه بالذمة كتعلق الامانة وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ فى رعاية حقوق الامانة وأداء الدين من غير مطل وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ايها الشهود إذا دعيتم الى الحاكم لادائها على وجهها وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ فاعل آثم كأنه قيل فانه يأثم قلبه فان قلت هلا اقتصر على قوله فانه آثم وما فائدة ذكر القلب والجملة هي الآثمة لا القلب وحده قلت كتمان الشهادة هو ان يضمرها ولا يتكلم بها فلما كان الإثم مقترفا بالقلب أسند اليه لان اسناد الفعل الى الجارحة التي يعمل بها ابلغ الأتراك تقول إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عينى ومما سمعته اذنى ومما عرفه قلبى ولان القلب هو رأس الأعضاء والمضغة التي ان صلحت صلح الجسد كله وان فسدت فسد الجسد كله فكأنه قيل فقد تمكن الإثم في اصل نفسه وملك اشرف مكان منه ولئلا يظن ان كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط وليعلم ان القلب اصل متعلقه ومعدن اقترافه واللسان ترجمان عنه ولان افعال القلوب أعظم من افعال سائر الجوارح وهي لها كالاصول التي تتشعب منها ألا ترى ان اصل الحسنات والسيئات الايمان والكفر وهما من افعال القلوب فاذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بانه من معاظم الذنوب وعن ابن عباس رضى الله عنهما اكبر الكبائر الإشراك بالله لقوله تعالى فقد حرم الله عليه
الجنة وشهادة الزور وكتمان الشهادة وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ فيجازيكم به ان خيرا فخير وان شرا فشر وكتمان الشهادة وشهادة الزور من الأعمال التي تجر صاحبها الى النار فانهما من علامات سنخ القلب قال تعالى فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ والمراد سنخ القلب ونعوذ بالله من ذلك وهما أسهل وقوعا بين الناس والحوامل عليهما كثيرة كالعداوة وغيرها واعلم ان اهل الدين طائفتان الواقفون والسائرون. فالواقف من لزم عتبة الصورة ولم يفتح له باب الى عالم المعنى فهو كالفرخ المحبوس في قشر البيضة فيكون مشربه من عالم المعاملات البدنية فلا سبيل له الى عالم القلب ومعاملاته فهو محبوس في سجن الجسد وعليه موكلان من الكرام الكاتبين يكتبان عليه اعماله الظاهرة بالنقير والقطمير والسائر من لم يقم ولم ينزل في منزل فهو مسافر من عالم الصورة الى عالم المعنى ومن مضيق الأجساد الى متسع الأرواح وهم صنفان صنف سيار وصنف طيار. فالسيار من يسير بقدم الشرع والعقل على جادة الطريقة. والطيار من يطير بجناحي العشق والهمة في فضاء الحقيقة وفي رجله جلجلة الشريعة فالاشارة في قوله وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً الى السيار الذي تخلص من سجن الجسد وقيد الحواس وزحمة التوكيل فلم يجد له كاتبا يكتب عليه كما قال بعضهم ما كتب على صاحب الشمال منذ عشرين سنة وقال بعضهم كاشف لى صاحب اليمين وقال لى أمل على شيأ من معاملات قلبك لاكتبه فانى أريد ان أتقرب به الى الله قال فقلت له حسبك الفرائض فالحبس والقيد والتوكيل لمن لم يؤد حق صاحب الحق او يكون هاربا منه فيحبس ويقيد ويوكل عليه فاما الذي آناء الليل وأطراف النهار يغدو ويروح فى طلب غريمه وما برح في جريمه فلا يحتاج الى التوكيل والتقييد فقوله وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ اشارة الى السيار الذي له قلب فيرهنه عند الله تعالى فالرهان هي القلوب التي ليس فيها غير الله المقبوضة بين إصبعين من أصابع الرحمن فاما الطيار الذي هو عاشق مفقود القلب مسلوب العقل مجذوب السير فلا يطالب بالرهن فانه مبطوش ببطشه الشديد مستهام ضاق مذهبه فى هوى من عز مطلبه كل امر في الهوى عجب وخلاصى منه أعجبه فلم يوجد في السموات والأرض ولا في الدنيا والآخرة أمين يؤتمن لحمل أعباء أمانته الا العاشق المسكين لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الأمور الداخلة في حقيقتهما والخارجة عنهما المتمكنة فيهما من اولى العلم وغيره اى كلها له تعالى خلقا وملكا وتصرفا لا شركة لغيره فى شىء منها بوجه من الوجوه فلا تعبدوا أحدا سواه ولا تعصوه فيما يأمركم وينهاكم وَإِنْ تُبْدُوا اى تظهروا ما فِي أَنْفُسِكُمْ اى في قلوبكم من السوء والعزم عليه وذلك بالقول او بالفعل أَوْ تُخْفُوهُ اى تكتموه عن الناس ولا تظهروه بأحد الوجهين ككتمان الشهادة وموالاة المشركين وغيرهما من المناهي ولا يندرج فيه ما لا يخلو عنه البشر من الوساوس وأحاديث النفس التي لا عقد ولا عزيمة فيها إذ التكليف بحسب الوسع ودفع ذلك مما ليس في وسعه يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ اى يجازيكم به يوم القيامة وهو حجة على منكرى الحساب من المعتزلة والروافض فَيَغْفِرُ اى فهو يغفر بفضله لِمَنْ يَشاءُ ان يغفر له وان كان ذنبه كبيرا وَيُعَذِّبُ
بعد له مَنْ يَشاءُ ان يعذبه وان كان ذنبه حقيرا حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح ويعذب الكفار لا محالة لانه لا يغفر الشرك وتقديم المغفرة على التعذيب لتقدم رحمته على غضبه وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكمال قدرته تعالى على جميع الأشياء موجب لقدرته سبحانه على ما ذكر من المحاسبة وما فرع عليه من المغفرة والتعذيب قال في التيسير دل ظاهر قوله او تخفوه على المؤاخذة بما يكون من القلب وجملته ان عزم الكفر كفر وحضرة الذنوب من غير عزم مغفورة وعزم الذنوب إذا ندم عليه ورجع عنه واستغفر منه مغفور فاما الهم بالسيئة ثم يمتنع عنه بمانع لا باختياره وهو ثابت على ذلك فانه لا يعاقب على ذلك عقوبة فعله يعنى بالعزم على الزنى لا يعاقب عقوبة الزنى وهل يعاقب على الخاطر عقوبة عزم الزنى قيل هو معفو عنه لقوله صلى الله عليه وسلم (ان
الله عفا لامتى عما حدثت به أنفسها ما لم يعمل او يتكلم) وأكثرهم على ان الحديث في الحضرة دون العزمة وان المؤاخذة في العزمة ثابتة وكذا قال الامام ابو منصور رحمه الله انتهى ما في التيسير. وربما يكون للانسان شركة في الإثم مثل القتل والزنى وغيرهما إذا رضى به من عامله واشتد حرصه على فعله وفي الحديث (من حضر معصية فكرهها فكأنما غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن حضرها) وفي حديث آخر (من أحب قوما على أعمالهم حشر في زمرتهم) اى جماعتهم (وحوسب يوم القيامة بحسابهم وان لم يعمل بأعمالهم) فعلى العاقل ان يرفع عن قلبه الخواطر الفاسدة ولا يجالس الجماعة الفاسقة كيلا يحشر فى زمرتهم
گر نشيند فرشته با ديو
…
وحشت آموزد وخيانت وريو
از بدان نيكويى نياموزى
…
نه كند كرك پوستين دوزى
والاشارة في الآية ان الله يطالب العباد بالاستدامة المراقبة واستصحاب المحاسبة لئلا يغفلوا عن حفظ حركات الظاهر وضبط خطرات الباطن فيقعوا في آفة ترك ادب من آداب العبودية فيهلكوا بسطوات الالوهية واعلم ان الإنسان مركب من عالمى الأمر والخلق فله روح نورانى من عالم الأمر وهو الملكوت الأعلى وله نفس ظلمانية سفلية من عالم الخلق ولكل واحدة منهما ميل الى عالمها فقصد الروح الى جوار رب العالمين وقربه وقصد النفس الى أسفل السافلين وغاية البعد عن الحق فبعث النبي صلى الله عليه وسلم ليزكى النفوس عن ظلمة أوصافها لتستحق بها جوار رب العالمين فتزكيتها في إخفاء ظلمة أوصافها بابداء أنوار اخلاق الروح عليها فى تحليتها بها فهذا مقام الأولياء مع الله يخرجهم من الظلمات الى النور وبعث الشيطان الى أوليائه وهم اعداء الله ليخرج أرواحهم من النور الروحاني الى الظلمات النفسانية بإخفاء أنوار أخلاقها في إبداء ظلمات اخلاق النفس عليها لتستحق بها دركة أسفل السافلين. فمعنى الآية فى التحقيق (ان تبدوا ما في أنفسكم) مودع من ظلمات الأوصاف النفسانية في الظاهر بمخالفات الشريعة وفي الباطن بموافقات الطبيعة أَوْ تُخْفُوهُ بتصرفات الطريقة في موافقات الشريعة ومخالفات الطبيعة يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ بطهارة النفس لقبول أنوار الروح وأخلاقه او بتلوث الروح لقبول ظلمات النفس وأخلاقها فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ فينور نفسه بانوار الروح وروحه بانوار الحق وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ
فيعاقب نفسه بنار دركات السعير وروحه بنار فرقة العلى الكبير وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من اظهار اللطف والقهر على تركيب عالمى الخلق والأمر قَدِيرٌ كذا في تأويلات الكامل نجم الدين دايه قدس سره آمَنَ الرَّسُولُ اى صدق النبي عليه السلام بِما أُنْزِلَ اى بكل ما انزل إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ من آيات القرآن ايمانا تفصيليا متعلقا بجميع ما فيه من الشرائع والاحكام والقصص والمواعظ واحوال الرسل والكتب وغير ذلك من حيث انه منزل منه تعالى. والايمان بحقيقة أحكامه وصدق اخباره ونحو ذلك من فروع الايمان به من الحيثية المذكورة ولم يرد به حدوث الايمان فيه بعد ان لم يكن كذلك لانه كان مؤمنا بالله وبوحدانيته قبل الرسالة منه ولا يجوز ان يوصف بغير ذلك لكن أراد به الايمان بالقرآن فانه قبل إنزال القرآن اليه لم يكن عليه الايمان به وهو معنى قوله ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ اى ولا الايمان بالكتاب فانه قال وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ وَالْمُؤْمِنُونَ اى الفريق المعروفون بهذا الاسم وهو مبتدأ كُلٌّ مبتدأ ثان آمَنَ خبره والجملة خبر للمبتدأ الاول والرابط بينهما الضمير الذي ناب منابه التنوين وتوحيد الضمير في آمن مع رجوعه الى كل المؤمنين لما ان المراد بيان ايمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع وتغيير سبك النظم عما قبله لتأكيد الاشعار بما بين إيمانه صلى الله عليه وسلم المبنى على المشاهدة والعيان وبين ايمانهم الناشئ عن الحجة والبرهان من التفاوت البين والاختلاف الجلى كأنهما متخالفان من كل وجه حتى في الهيئة الدالة عليهما اى كل واحد منهم آمن بِاللَّهِ وحده من غير شريك له في الالوهية والمعبودية هذا ايمان اثبات وتوحيد وَمَلائِكَتِهِ اى من حيث انهم عباد مكرمون له تعالى من شأنهم التوسط بينه تعالى وبين الرسل بانزال الكتب وإلقاء الوحى وهذا ايمان تصديق انهما من عند الله وتحليل ما أحله وتحريم ما حرمه وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ اى من الحيثية المذكورة وهذا ايمان اتباع وإطاعة ولم يذكر الايمان باليوم الآخر لاندراجه في الايمان بكتبه. وهذا على تقدير ان يوقف على قوله تعالى من ربه ويجعل والمؤمنون كلاما ابتدائيا واختاره ابو السعود العمادي. ويجوز ان يكون قوله والمؤمنون معطوفا على الرسول فيوقف عليه والضمير الذي عوض عنه التنوين راجع الى المعطوفين معا كأنه قيل آمن الرسول والمؤمنون بما انزل اليه من ربه ثم فصل ذلك. وقيل كل واحد من الرسول والمؤمنون آمن بالله خلا انه قدم المؤمن به على المعطوف اعتناء بشأنه وإيذانا باصالته صلى الله عليه وسلم في الايمان به واختار الكواشي هذا الوجه حيث قال والاختيار الوقف على المؤمنون وهو حسن ليكون المؤمنون داخلين فيما دخل النبي صلى الله عليه وسلم فيه اى الايمان لا نُفَرِّقُ اى يقول الرسول والمؤمنون لا نميز بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ بان نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما قال اليهود والنصارى. وأحد هاهنا بمعنى الجمع اى الآحاد فلذلك أضيف اليه بين لانه لا يضاف الا الى المتعدد والأحد وضع لنفى ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتتح العدد والواحد الذي لا نظير له والوحيد الذي لا نصير له وَقالُوا عطف على آمن وصيغة الجمع باعتبار المعنى وهو حكاية لامتثالهم الأوامر اثر حكاية ايمانهم سَمِعْنا اى
فهمنا ما جاءنا من الحق وتيقنا بصحته وَأَطَعْنا ما فيه من الأوامر والنواهي قيل لما نزلت هذه الآية قال جبرائيل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم ان الله قد أثنى عليك وعلى أمتك فسل تعط فقال الرسول عليه السلام غُفْرانَكَ رَبَّنا اى اغفر لنا غفرانك كما قال (فضرب الرقاب) اى فاضربوا او نسألك غفرانك ذنوبنا المتقدمة او ما لا يخلو عنه البشر من التقصير في مراعاة حقوقك وهذا الوجه اولى لئلا يتكرر الدعاء بقوله في آخر السورة واغفر لنا وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران لما ان تقديم الوسيلة على المسئول ادعى الى الاجابة والقبول وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ اى الرجوع بالموت والبعث لا الى غيرك قال القاشاني آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ اى صدقه بقبوله والتخلق به كما قالت عائشة رضى الله عنها كان خلقه القرآن ومجرد قراءة القرآن بغير
عمل لا يفيد قال في تفسير الحنفي مثاله ان السلطان إذا وهب لاحد من ممالكه امارة وأعطاه رياسة او نيابة وكتب له توقيعا ان يطيعه اهل البلد كلها فاذا جاء الى البلد وقعد على المملكة وأطاعه الخلق ثم ان السلطان كتب له كتابا وامر له فيه ان يبنى له قصرا او دارا واسعة حتى لو حضر السلطان وجاء الى تلك المدينة ينزل في تلك الدار او القصر فوصل الكتاب اليه وهو لا يبنى ما امر به في الكتاب لكنه يقرأه كل يوم فلو حضر السلطان ولم يجد ما امره به حاضرا هل يستحق ذلك الأمير خلعة من السلطان او ثناء او لا بل ظاهره انه يستحق الضرب والشتم والحبس وكذلك القرآن انما هو مثل هو ذلك المنشور قد امر الله فيه لعبيده ان يعمروا أركان الدين كما قال لداود عليه السلام [فرغ الى بيتا اسكنه] وبين لهم بما يكون عمارة الدين فقال الله تعالى أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ. كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ. وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فصارت قراءة القرآن كقراءة منشور السلطان ولا تحصل الجنة بمجرد القرآن لانه قال جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ: كما قيل «مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب بتجويد» ثم في قوله غُفْرانَكَ رَبَّنا اشارة الى ان من نتائج الايمان وآثار العبودية ان يرى العبد نفسه أهلا لكل شر ومولاه أهلا لكل خير. فينسب كل ما يستحسنه لسيده مستعملا حسن الأدب معه في كل أوقاته وذلك بان يحمده على ما دق وجل ويستغفره من تقصيره في شكره له عليه ويتبرأ من حوله وقوته له في ذلك كله وبحسب هذا يكون شعاره الحمد لله استغفر الله لا حول ولا قوة الا بالله في جميع أوقاته وهو الذكر المنجى من عذاب الله في الدنيا والآخرة المقرب للفتح لمن لازمه واعلم انك لا تصل الى التحقيق الا بمراقبة الأوقات باحكامها من التوبة والاستغفار عند العصيان وشهود المنة في الطاعة ووجود الرضى في النية ووجود الشكر في النعمة ولن تصل الى ذلك الا بتعلق قلبك بصلاح قلبك واتهام نفسك حتى في خروج نفسك وتصل الى هذا بأحد أربعة أوجه. نور يقذفه الله في قلبك بلا واسطة. أو علم متسع في عقل كامل. او فكرة سالمة من الشواغل. او صحبة شيخ اواخ هذه حاله وقد قال الشيخ ابو مدين قدس سره الشيخ من هذبك بأخلاقه وأدبك باطراقه وأنار باطنك باشراقه الشيخ من جمعك في حضوره
وحفظك في مغيبه فاعمل ايها العبد على تخليص نفسك من عالم جسمك حتى تخرج عن دائرة رسمك وتصل الى تحقيق فهمك وعلمك از هشتئ خويش تا تو غافل مشوى هرگز بمراد خويش واصل نشوى از بحر ظهور تا بساحل نشوى در مذهب اهل عشق كامل نشوى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اخبار من الله تعالى وليس من كلام المؤمنين- روى- انه لما نزل قوله تعالى وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ الآية اشتد ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم فاتوه عليه السلام ثم بركوا على الركب فقالوا اى رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والحج والجهاد وقد انزل إليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتريدون ان تقولوا كما قال اهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا) قالوا بل سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فقرأها القوم فانزل الله تعالى آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ الى قوله تعالى غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ فمسئولهم الغفران المعلق بمشيئته تعالى في قوله تعالى فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ثم انزل الله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها تهوينا للخطب عليهم ببيان ان المراد بما في أنفسهم ما عزموا عليه من السوء خاصة لا ما يعم الخواطر التي لا يستطاع الاحتراز عنها والتكليف الزام ما فيه كلفة ومشقتة والوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه اى سنته ان لا يكلف نفسا من النفوس الا ما يتسع فيه طوقها ويتيسر عليها دون مدى الطاقة والمجهود فضلا منه تعالى ورحمة لهذه الامة كقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وهذا يدل على عدم وقوع التكليف بالمحال لا على امتناعه. اما الاول فلانه لو كان وقع لزم الكذب في كلامه تعالى تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
واما الثاني فلانه تعالى نفى مطلقا ولا يلزم منه نفى مقيد الذي هو الامتناع لان العام من حيث هو عام لا يدل على الخاص بوجه من الدلالات لَها اى للنفس ثواب ما كَسَبَتْ من الخير الذي كلفت فعله لا لغيرها استقلالا او اشتراكا ضرورة شمول كلمة ما لكل جزء من اجزاء مكسوبها وَعَلَيْها لا على غيرها بأحد الطريقين المذكورين عقاب مَا اكْتَسَبَتْ من الشر الذي كلفت تركه وإيراد الاكتساب في جانب الشر لان الشر فيه اعتمال اى اجتهاد في العمل فانه لما كان مشتهى النفس كان فيه جد وسعى بخلاف الخير وصيغة الافتعال للتكلف رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا شروع في حكاية بقية دعواتهم اثر بيان سر التكليف اى يقولون ربنا لا تؤاخذنا بما صدر عنا من الأمور المؤدية الى النسيان او الخطأ من تفريط وقلة مبالاة ونحوهما مما يدخل تحت التكليف ودل هذا على جواز المؤاخذة في النسيان والخطأ فان التحرز عنهما في الجملة ممكن ولولا جواز المؤاخذة في النسيان والخطأ لم يكن للسؤال معنى وخفف الله عن هذه الامة فرفع عنها المؤاخذة وقال النبي صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فدل انهم مخصوصون بهما وامم السالفة كانوا مؤاخذين فيهما رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً عطف على ما قبله وتوسيط النداء بينهما لابراز مزيد الضراعة. والإصر العبئ الثقيل الذي يأصر صاحبه اى يحبسه مكانه والمراد به التكاليف
الشاقة كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا اى حملا مثل حملك إياه على من قبلنا وهو ما كلفه بنوا إسرائيل من قتل النفس في توبة وقطع الأعضاء الخاطئة وقطع موضع النجاسة وعدم التطهير بغير الماء وخمسين صلاة في يوم وليلة وعدم جواز صلاتهم في غير المسجد وحرمة أكل الصائم بعد النوم ومنع بعض الطيبات عنهم بالذنوب وكون الزكاة ربع مالهم وكتابة ذنب الليل على الباب بالصبح وغير ذلك من التشديدات وقد عصم الله عز وجل ورحم هذه الامة من أمثال ذلك وانزل في شأنهم وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ وقال صلى الله عليه وسلم (بعثت بالحنيفة السهلة السمحة) وعن العقوبات التي عوقب بها الأولون من المسخ والخسف وغير ذلك قال صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخسف والمسخ والغرق) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ عطف على ما قبله واستعفاء من العقوبات التي لا تطاق بعد الاستعفاء مما يؤدى إليها من التكاليف الشاقة التي لا يكاد من كلفها يخلو عن التفريط فيها كأنه قيل لا تكلفنا تلك التكاليف ولا تعاقبنا بتفريطنا في المحافظة عليها فيكون التعبير عن إنزال العقوبات بالتحميل باعتبار ما يؤدى إليها قال في التيسير اى لا تكلفنا ما يشق علينا الدوام عليه ولم يرد به عدم الطاقة أصلا فانه لا يكون فلا يسأل وَاعْفُ عَنَّا اى آثار ذنوبنا وَاغْفِرْ لَنا واستر عيوبنا ولا تفضحنا على رؤس الاشهاد قال في التيسير وليس بتكرار. فان الاول تركه حتى لا يؤاخذ به ومحوه حتى لا يبقى. والثاني ستره حتى لا يظهر وقد يتجاوز عن الشيء فلا يؤاخذ بجزائه لكن يذكر ذلك ويظهر والمؤمنون أمروا ان يسألوا التجاوز عنها وإخفاءها حتى لا يظهر حالهم لاحد فلا يفتضحوا به وَارْحَمْنا وتعطف بنا وتفضل علينا وتقديم طلب العفو والمغفرة على طلب الرحمة لما ان التخلية سابقة على التحلية أَنْتَ مَوْلانا سيدنا ونحن عبيدك او ناصرنا او متولى أمورنا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ اى أعنا عليهم وادفع عنا شرهم فان من حق المولى ان ينصر عبيده ومن يتولى امره على الأعداء والنصرة على الكفار تكون بالظفر وتكون بالحجة وتكون بالدفع وهو سؤال العصمة من الشياطين ايضا لانهم منهم- روى- انه لما اسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به الى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهى ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهى ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال إذ يغشى السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب قال فاعطى رسول الله عليه السلام ثلاثا اعطى الصلوات الخمس واعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله شيأ من أمته قال صلى الله عليه
وسلم في خبر المعراج قربنى الله وأدناني الى سند العرش ثم الهمنى الله ان قلت آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله كما فرقت اليهود والنصارى قال فما قالوا قلت قالوا سمعنا وعصينا والمؤمنون قالوا سمعنا واطعنا فقال صدقت فسل تعط فقلت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا قال قد رفعت عنك وعن أمتك الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فقلت ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا يعنى اليهود قال لك ذلك ولامتك قلت ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به قال قد فعلت قلت واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا
فانصرنا على القوم الكافرين قال قد فعلت وعنه صلى الله عليه وسلم (انزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل ان يخلق الخلق بألفي عام من قرأهما بعد العشاء الاخيرة اجزأتاه عن قيام الليل وعنه صلى الله عليه وسلم (من قرأ آيتين من آخر سورة البقرة كفتاه) اى عن قيام الليل او عن حساب يوم القيامة وهو حجة على من استكره ان يقول سورة البقرة وقال ينبغى ان يقال السورة التي تذكر فيها البقرة كما قال صلى الله عليه وسلم (السورة التي تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن) اى مصره الجامع (فتعلموها فان تعلمها بركة وتركها حسرة ولن تسطيعها البطلة) قيل وما البطلة قال عليه السلام (السحرة) اى لا تستطيع البطلة أن تسحر قارئها (ولا تقرأ في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان) وكان معاذ إذا ختم سورة البقرة يقول آمين عن ابى الأسلم الديلمي قلت لمعاذ بن جبل أخبرني عن قصة الشيطان حين أخذته فقال جعلنى رسول الله عليه السلام على صدقة المسلمين فجعلت التمر في غرفة فوجدت فيه نقصانا فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال هذا الشيطان يأخذه فدخلت الغرفة وأغلقت الباب فجاءت ظلمة عظيمة فغشيت الباب ثم تصور في صورة اخرى فدخل من شق الباب فشددت إزاري على فجعل يأكل من التمر فوثبت اليه فقبضته فالتفت يداى عليه فقلت يا عدو الله فقال خل عنى فانى كبير ذو عيال كثير وانا فقير من جن نصيبين وكانت لنا هذه القرية قبل ان يبعث صاحبكم فلما بعث أخرجنا منها فخل عنى فلن أعود إليك فخليت سبيله وجاء جبريل عليه السلام فاخبر رسول الله عليه السلام بما كان فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادانى مناديه وقال (ما فعل أسيرك) فأخبرته فقال (اما انه سيعود فعد) قال فدخلت الغرفة وأغلقت على الباب فجاء فدخل من شق الباب فجعل يأكل من التمر فصنعت به كما صنعت في المرة الاولى فقال خل عنى فانى لن أعود إليك فقلت يا عدو الله ألم تقل انك لن تعود قال فانى لن أعود وآية ذلك انه إذا قرأ أحد منكم خاتمة البقرة لا يدخل أحد منا في بيته تلك الليلة ثم الجلد الاول بتوفيق الله تعالى من تفسير القرآن المسمى ب «روح البيان» ويليه الجلد الثاني ان شاء الله تعالى اوله تفسير سورة آل عمران