الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلى له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فإنني ما كنت أتوقع يوم ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب أن تنفد نسخها في هذه المدة اليسيرة، وأن تجد ما وجدته من الإقبال في مختلف البلاد العربية والإسلامية - ولله الحمد والمنة - مع ما في الكتاب من أخطاء مطبعية غريبة، نتيجة أمور متعددة ولعله أبرزها طباعة الكتاب بعيدًا عني، فلم يتسن لي الإشراف المباشر على طباعته، ومتابعة "مركز الصف في القاهرة" المثقل بالأعمال الطباعية الأخرى
…
وكل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى وقوع هذه الأخطاء المطبعية العجيبة، والمؤلمة لي أولًا، وللناشر ثانيًا، وللقارئ العزيز ثالثًا.
وقبل أن أرفع القلم أقدم اعتذاري، وأسفي الشديد، عن وقوع هذه الأخطاء في الكتاب، والتي حصلت بعيدًا عن إرادتي.
وإنني أقدم الطبعة الثانية للقراء الكرام خالية من الأخطاء - بعون الله - مزيدة، فيها بعض النقاط التي فاتني التعليق عليها، والحكم على بعض الأحاديث التي لم أحكم عليها، في الطبعة الأولى.
وأتقدم بالشكر الجزيل للعاملين في دار ابن الجوزي بيروت على ما بذلوا
من جهد طيب، ومتابعة دؤوبة، واهتمام فائق بهذا الكتاب الطيب المفيد.
وقبل أن أضع القلم لا بد من القول والتنبيه:
أن دار إحياء التراث العربي - بيروت قد طبعت كتاب "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار" للإمام محمد بن علي الشوكاني، وكتبتْ على الغلاف الخارجي: خرَّج أحاديثها وعلَّق عليها: محمد صبحي حسن حلاق.
وكتبتْ على صفحة العنوان من الداخل: رقَّم كتبه وأبوابه وأحاديثه وقابله على نسخة خطية: (محمد حلاق).
وكتبتْ مقدمة للكتاب وذيَّلتْها: وكتبه: محمد صبحي حسن حلاق أبو مصعب. وللأمانة العلمية أقول: أنني بريء مما كتبت هذه الدار على الكتاب، كما أنني بريء مما نسبت إليَّ، وهي تتحمل وزر ما فعلت
…
والكتاب لا يزال العمل جاريًا فيه - تحقيقًا وصفًّا ومراجعة - وسيصدر إن شاء الله قريبًا عن دار ابن الجوزي، بتحقيق شامل وخدمة كاملة بـ /15/ مجلدًا.
فلذا أود أن أصرح بان دار إحياء التراث العربي لم تطبع لي سوى:
1 -
حاشية ابن عابدين: بالاشتراك.
2 -
اللباب، في تخريج المباركفوري لقول الترمذي وفي الباب.
اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة ..
ولوجهك خالصة ..
ولا تجعل فيها شركًا لأحد.
اليمن - صنعاء - مساء يوم الجمعة
10 / رجب/ 1419 هـ
30/ 10/ 1998 م
أبو مصعب
محمد صبحي بن حسن حلاق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
• تقديم بقلم: فضيلة الدكتور حسن محمد مقبولي الأهدل، كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء.
• تقديم بقلم: العلَّامة حمود بن محمد بن عبد الله شرف الدين، وكيل الهيئة العامة للمعاهد العلمية.
• الإهداء بقلم: أبي مصعب محمد صبحي بن حسن حلاق.
• مقدمة المحقق: أبو مصعب محمد صبحي بن حسن حلاق.
• ترجمة صاحب سبل السلام.
• ترجمة صاحب بلوغ المرام.
• وصف المخطوطات.
• منهج المحقق في تحقيق الكتاب وتخريجه.
تقديم بقلم فضيلة الدكتور: حسن محمد مقبولي الأهدل كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم:
الحمد للَّه رب العالمين، نحمدُه تبارك وتعالى ونشكرُهُ على ما أنعم به وأَوْلى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعد:
لقد أطلعني أخي العزيزُ الفاضل العلامة الشيخ أبو مصعب محمد صبحي بن حسن حلاق على ما كتبه على كتاب "سبل السلام"، للإمام محمد بن إسماعيل الأمير رحمه الله، من تعليق وتخريج وتحقيق للكتاب المذكور، ولم أرَ من سبقه إلى مثل هذا الجَهْد، رغم أن الكتاب المذكورَ قد طُبع مرارًا، فقد قام الشيخ المحقق بجهدٍ كبير، وخدمة لسفْر جليل من كتب السنة، ومرجع مفيد لطلاب العلم، وللباحثين.
وهو مشهور في أوساط العلماء وطلاب العلم، ولا تخلو مدرسة، أو معهد، أو جامعة، أو مكتبة من هذا الكتاب الجليل، خاصة وأن مؤلف الكتاب من أشهر العلماء وأكابرهم، وهو شرح لكتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام، للحافظ الكبير أحمد بن علي بن حجر، والذي ضم معظم أدلة الأحكام الشرعية من السنة المطهرة.
وقد قام المحقِّق، جزاه الله خيرًا، بتحقيق الكتاب، وترقيم أحاديثه وتخريجها، وبيان طرقها، وترجم لرواة الأحاديث، وتكلَّم عن الأحاديث صحَّة
وضعفًا، وبيّن دلالاتها من كتب السنة المطهَّرة، ومراجعها المعتمدة، ووثَّق النصوص بما لا يدع للباحث شكًّا في توثيقها، وتكلم عن غريب الأحاديث وما دلَّت عليه الأحاديث من الأحكام، مع بيان مذاهب العلماء وآرائهم وأدلتهم.
وبهذا الجهد الكبير يخرج الكتاب في ثوب قشيب، وحُلَّة جديدة، بعناية المحقِّق المذكور، جزاه الله خير الجزاء، فيما قدم من خدمة للسنة، وما أضافه إلى المكتبة الإسلامية من جهد يشكر عليه، ونسأل الله أن يثيبه ويكتب له الأجر على ذلك.
وصلَّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
كتبه الدكتور
حسن محمد مقبولي الأهدل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم بقلم وكيل الهيئة العامة للمعاهد العلمية العلامة حمود بن محمد بن عبد الله شرف الدين حفظه الله ورعاه
الحمد للَّه الذي بلَّغنا الأماني ببلوغ المرام وسُبل السلام إلى خير شريعة وأفضل نظام، والصلاة والسلام على رسوله محمد المبعوث رحمة للعالمين، عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام.
وبعد:
فلقد تصفَّحت الجهد الكبير الذي قام به الأخ العلَّامة الأستاذ الجليل: محمد صبحي بن حسن حلاق من التحقيق والتعليق لسبل السلام شرح بلوغ المرام، وإخراجه بطابع حديث وبلُغة سهلة ممتعة؛ لتكون للعامة كما هي للخاصة، لسدِّ حاجتنا إلى معرفة سنة سيد الأنام، وخاصة بعد أن تغيَّرت أساليب التعبير والإخراج والتصنيف في العصر الحديث.
وما من شك، فالأستاذ محمد صبحي بن حسن حلاق أحد العلماء الأفذاذ الذين توفر لديهم الموهبة والاكتساب، وأوتوا من هذين البُعدين بنصيب كبير، فقدَّموا كلَّ ما في وسعهم خدمة للعلم وبالأخص المصدرين العظيمين: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أعطوا كل غالٍ ورخيص، وبذلوا قُصارى جهدهم، وأنفقوا أعمارهم في سبيل ذلك، فرضي الله عن الأخ العلامة محمد صبحي لهذا الجهد الكبير، فله مني الشكر الجزيل وعظيم الامتنان لكل ما بذله من جَهد لا ينكر من الأسلوب الرائع والعمل الطيِّب المثمِر، والتهذيب المتقَن لمؤلِف عَالَم
من أعلام اليمن بل من أعلام الأمة الإسلامية، الإمام المجتهد الكبير محمد بن إسماعيل الأمير رحمه الله، فضمَّ إلى مؤلَّفه مؤلَّفًا آخر لما اشتمل ذلك التحقيق من فوائد جليلة، فرضي اللَّهُ عنه وأرضاه وجعل ذلك في صحائف أعماله.
آمين.
وكيل الهيئة العامة للمعاهد العلمية
حمود بن محمد بن عبد الله شرف الدين
شهر محرم الحرام سنة 1415 هـ
الإهداء
• إلى أشد الناس تمسكًا بسبيل أهل القرون الثلاثة الأولى
…
أهل الحديث ....
• إلى الذين قدَّموا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقوال في الرجال
…
• إلى المحتكمين إلى سنة محمد صلى الله عليه وسلم شؤون الحياة كلها عن رضى كامل بلا ضيق ولا حرج ....
• إلى عدول هذه الأمة على مرِّ الأجيال ....
• إلى القائمين بالدعوة إلى اللَّه، بكل وسيله خيِّرة، وطويقة نِّيرة
…
• إلى المتفهِّمين لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
• إلى المتمثلين بقول القائل:
دينُ النبيِّ محمدٍ أخبارُ
…
نعمَ المطيَّةُ للفتى الآثارُ
لا ترغبنَّ عن الحديث وآله
…
فالرأي ليلٌ والحديثُ نهارُ
أقدم إِنتاجي
أبو مصعب
محمد صبحي بن حسن حلاق
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
مقدِّمة المحقِّق
إنَّ الحمدَ للَّهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللَّهِ من شرورِ أنفسِنَا، وسيئَاتِ أعمالِنَا، من يهدِهِ اللَّهُ فلا مضلَّ لَهُ، ومن يُضْلِل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا اللَّهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.
(1)
.
(2)
.
(3)
.
أما بعد:
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وأحسنَ الهدي هديُ رسولِ اللَّهِ، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النَّار.
وبعد: فإن كتاب "سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام"، للإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله، من خير الشروح المتوسطة لأحاديث الأحكام، وقد اختصره من كتاب:"البدر التمام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام"
(4)
، للقاضي العلامة الحسين بن محمد المغربي
(5)
، الذي
(1)
سورة آل عمران: الآية 102.
(2)
سورة النساء: الآية 1
(3)
سورة الأحزاب: الآيتان 70 - 71.
(4)
لا يزال مخطوطًا. انظر: "فهرست مخطوطات مكتبة الجامع الكبير" صنعاء (1/ 300، 301).
(5)
ستأتي ترجمته في أول الكتاب إن شاء الله تعالى ص 73 - 74.
اعتمد في تخريج أحاديث الكتاب على "التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" للحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-. كما استفاد في شرح متون الحديث من كتاب: "فتح الباري شرح صحيح البخاري"، للحافظ ابن حجر أيضًا، و"شرح النووي لصحيح مسلم"، "وشرح السنن" لابن رسلان. واعتمد في معرفة اختلاف الفقهاء وأقوالهم على كتابين:
(الأول): "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، للإمام أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد.
(والثاني): "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار"، للعلَّامة أحمد بن يحيى بن المرتضى.
ولكن المغربي رحمه الله لم يهتم بترجيح الأقوال في كتابه المتقدم، ولنستمع إلى الأمير الصنعاني -رحمه الله تعالى- وهو يتحدث عن عمله في مقدمة كتابه "سبل السلام":
"فهذا شرح لطيف على "بلوغ المرام" تأليف: الشيخ العلامة شيخ الإسلام "أحمد بن علي بن حجر" أحلَّه الله دار السلام، اختصرتُه عن شرح القاضي العلامة شرف الدين: "الحسين بن محمد المغربي" أعلى الله درجاته في عليين، مقتصرًا على حلِّ ألفاظه وبيان معانيه، قاصدًا بذلك وجه الله، ثم التقريب للطالبين والناظرين فيه، معرضًا عن ذكر الخلاف والأقاويل، إلا أن يدعو إليه ما يرتبط به الدليل، متجنِّبًا للإيجاز المخل والإطناب الممِل، وقد ضممت إليه زيادات جمَّة على ما في الأصل من الفوائد .... ".
واعلم أن السنة النبوية هي الأصل الثاني من أصول الأحكام الشرعية التي أجمع المسلمون على اعتبارها أصلًا مستقلًا. فالقرآن والسنة مصدران متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر.
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}
(1)
، فما ورد في القرآن من الآيات مجملًا أو مطلقًا أو عامًّا، فإنَّ السنة النبوية القولية منها أو
(1)
سورة النحل: الآية 44.
الفعلية تقوم ببيانها، فتقيِّد مطلقها، وتخصِّص عامها، وتفسِّر مجملَها، ولذا كان أثرها عظيمًا في إظهار المراد من الكتاب العزيز، وفي إزالة ما قد يقع في فهمه من خلافٍ أو شبهةٍ.
وقد تظاهرت الآيات في وجوب العمل بالسنة المطهرة، والإذعان لها، وتحكيمها في شؤون حياتنا كلها.
قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
(1)
.
وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}
(2)
.
كما حثَّ الله سبحانه على الاستجابة لما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}
(3)
.
ولم يبح للمؤمنين مطلقًا أن يخالفوا حكمَهُ صلى الله عليه وسلم أو أمرًا من أوامره، فقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)}
(4)
.
وعدَّ من علامات النفاق الإعراض عن تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطن الخلاف، فقال تعالى:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)}
(5)
.
وأقسم الله تعالى على نفي إيمان من لم يُحَكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}
(6)
.
وقد أنعم الله على هذه الأمة بأن قيَّض لها في القرون الثلاثة الأولى المشهود لها بالفضل نخبة ممتازةً، وصفوة مختارة، نذرت أنفسها لخدمَة السنة المطهرَّة، فالتقطوها من أفواه سامعيها، وجمعوها من صدور حامليها، وقطعوا الفيافي والقِفار إلى حَفَظَتِهَا في كل قطر ومِصر.
(1)
سورة الحشر: الآية 7.
(2)
سورة النساء: الآية 80.
(3)
سورة الأنفال: الآية 34.
(4)
سورة الأحزاب: الآية 36.
(5)
سورة النور: الآيتان 48.
(6)
سورة النساء: الآية 65.
وبذلوا في سبيل ذلك أموالهم، وأفنوا أعمارهم
(1)
.
فأثمرت تلك الجهود الكبيرة، والعزائم القوية، والعقول المبدعة، والقلوب الطاهرة، والنفوس الزكية، تدوين المجامع والمسانيد والأجزاء والسنن والمستدرَكات التي حفظت سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
فشكر الله لهم سعيَهم، وأجزل لهم المثوبات، وأحلّهم دارَ كرامتِهِ أعلى المقامات، وجعلَ لنا نصيبًا من ذلك، ومن جميع الخيرات، وغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا، إنَّهُ سميعُ الدعاء، وجزيلُ العطاء.
* * *
• وبعد أن وضعت هذه المقدِّمة في معرفة أهمية الكتاب، ووجوب اتِّباع السُنَّة، وجهود المحدِّثين في حفظ السنة النبوية من الضياع.
• قمت بترجمة لصاحب سبل السلام في فصل يتضمَّن مبحثين:
(المبحث الأول): السيرة الذاتية.
1 -
اسمه ونسبه.
2 -
مولده.
3 -
نشأته.
4 -
مشايخه.
5 -
تلاميذه.
6 -
ورعه وزهده.
7 -
ثناء العلماء عليه.
8 -
وفاته
(والمبحث الثاني): السيرة العلمية.
(أولًا): فكره وثقافته:
(1)
وأفضل كتاب يرجع إليه: كتاب "الرحلة في طلب الحديث" للخطيب البغدادي، تحقيق فضيلة الدكتور: نور الدين عتر.
(أ) تمسكه بالدليل، وتخلِّيه عن التقليد:
1 -
مسألة الاستثناء في اليمين.
2 -
مسألة الرجوع في الهبة.
(ب) موقفه من التقليد المذهبي:
1 -
التناقض بين دعوى الناس بالاقتداء، وواقعهم في محاربة المقتدين.
2 -
إنكاره التعصب، وجعل المذهبية نهجًا ومسلكًا.
(ثانيًا) مؤلفاته.
• كلما ترجمت لصاحب بلوغ المرام في فصل واحد، يتضمن ما يلي:
1 -
اسمه ونسبه.
2 -
لقبه وكنيته.
3 -
مولده.
4 -
نشأته العلمية.
5 -
زهده في القضاء.
6 -
مكانته العلمية.
7 -
مشايخه.
8 -
تلاميذه.
9 -
رحلاته:
أ - رحلاته في داخل مصر.
ب - رحلته إلى الديار الحجازية.
ج - رحلته إلى الديار اليمنية.
د - رحلته إلى الديار الشامية.
10 -
مؤلفاته:
أ - مصنفاته في علوم القرآن.
ب - مصنفاته في علوم الحديث، دراية ورواية.
ج - مصنفاته في العقيدة.
د - مصنفاته في الفقه.
هـ - مصنفاته في التاريخ.
11 -
وفاته.
• وكذلك وصَفت المخطوطتين اللَّتين اعتمدت عليهما في التحقيق.
• وفي الخاتمة: ذكرت منهجي في تحقيق الكتاب وتخريجه.
اللَّهَ أسأل أن يتقبَّل هذا الجهدَ، وأنْ يغفرَ الزلَّة، ويمحو السيئةَ، ويرفَعَ الدرجة، إنَّهُ سميعٌ مجيبٌ.
صنعاء
الجمعة 5 شعبان 1410 هـ
2 مارس - آذار - 1990 م
الفصل الأول حياة مؤلف سُبل السلام
محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله
1099 هـ / 1182 هـ = 1688 م / 1769 م
المبحث الأول: السيرة الذاتية.
(1) اسمه ونسبه:
هو: محمد بن إسماعيل، بن صلاح، بن محمد، بن علي، بن حفظ الدين، بن شرف الدين، بن صلاح، بن الحسن، بن المهدي، بن محمد، بن إدريس، بن علي، بن محمد، بن أحمد، بن يحيى، بن حمزة بن سليمان، بن حمزة، بن الحسن، بن عبد الرحمن، بن يحيى، بن عبد الله، بن الحسين
(1)
بن القاسم، بن إبراهيم، بن إسماعيل، بن إبراهيم، بن الحسن، بن الحسن، بن علي بن أبي طالب
(2)
.
وتسمَّى عائلته بعائلة الأمير، ويُطلق عليه الأمير الصنعاني.
(2) مولده:
ولد - بمدينة كحلان
(3)
، وإليها ينسب فيقال له: الكحلاني، - ليلة الجمعة
(1)
يلتقي نسبه مع نسب مؤلف التنقيح - ابن الوزير - في الحسين بن القاسم. انظر: "العواصم والقواصم"(1/ 101).
(2)
"البدر الطالع"(2/ 133).
(3)
كحلان: مدينة جبلية في الشرق الشمالي من حجة، بمسافة (17 كم). "معجم المدن والقبائل اليمنية" المقحفي (534).
منتصف جُمادى الآخرة، سنة تسع وتسعين وألف (1099 هـ)
(1)
.
(3) نشأته:
قال الشوكاني
(2)
: لمَّا كان عام (1107) سبعة ومائة وألف من الهجرة، انتقل والده وأهله إلى صنعاء، وسنّه ثماني سنوات، فنشأ بها، وتعهَّده أبوه بالتربية والتعليم، وأسلمه إلى النحارير من أهل العلم، حتى تخرَّج عليهم عالمًا فاضلًا يُشار إليه بالبَنان.
(4) مشايخه:
ذكر الشوكاني
(3)
أربعة من مشائخه بصنعاء وهم:
1 -
السيد العلامة: زيد بن محمد بن الحسن بن القاسم بن محمد، المحقِّق الكبير شيخ مشائخ صنعاء في عصره في العلوم. (1075 هـ - 1123 هـ)
(4)
.
2 -
السيد العلامة: صلاح بن الحسين الأخفش الصنعاني، العالم المحقق الزاهد المشهور المتقشِّف المتعفِّف، كان لا يأكل إلا من عمل يده، وله في إنكار المنكر مقامات محمودة، وهو مقبول القول، عظيم الحرمة، مُهاب الجناب، وكان لا يخاف في الله لومة لائم. (ت: 1142 هـ)
(5)
.
3 -
السيد العلامة: عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الإله بن أحمد بن إبراهيم، برع في العلوم الآلية والتفسير. (1074 هـ - 1147 هـ)، وقيل:(ت: 1144 هـ)
(6)
.
4 -
القاضي العلامة: علي بن محمد بن أحمد العنسي الصنعاني، الشاعر البليغ، القاضي المشهور، كان له تعلق بالعلم وتدريس في فنون.
قرأ عليه في النحو والمنطق. (ت: 1139)
(7)
.
(1)
"البدر الطالع"(2/ 133).
(2)
"البدر الطالع"(2/ 133).
(3)
"البدر الطالع"(2/ 133).
(4)
"البدر الطالع"(1/ 253).
(5)
"البدر الطالع"(1/ 296).
(6)
"البدر الطالع"(1/ 388).
(7)
"البدر الطالع"(1/ 475 - 476).
ولم يذكر الشوكاني من مشائخه غير هؤلاء الأربعة، كما لم يذكر بالتفصيل العلوم التي درسها عليهم، ولعله اقتصر على أشهر مشائخه أو أوائل من تلقَّى العلم عنهم، حيث قد ذكر غيره غيرهم.
ففي ترجمته في مقدمة "ضوء النهار"
(1)
قال:
- أخذ عن السيد: صلاح بن حسين في "شرح الأزهار"، قبل انتقاله مع أبيه إلى صنعاء.
- وأخذ عن زيد بن محمد بن الحسين، في علوم شتى.
- وأخذ عن السيد الحافظ: هاشم بن يحيى بن أحمد الشامي؛ أحد العلماء المشاهير، والأدباء المجيدين. (1104 هـ - 1158 هـ)
(2)
.
- وأخذ عن الشيخ عبد الخالق بن الزين الزجاجي الحنفي الزبيدي.
وقد ارتحل إلى مكة والمدينة وغيرها من المناطق. والتقى خلالها بعلماء أفاضل، كعبد الرحمن بن أبي الغيث - خطيب المسجد النبوي - وطاهر بن إبراهيم بن حسين الكردي المدني، ومحمد بن عبد الهادي السندي، ومحمد بن أحمد الأسدي، وكان من شيوخه بالحرمين: سالم بن عبد الله البصري. (ت: 1134 هـ).
(5) تلامذته:
وقد كثر أتباع الصنعاني من الخاصة والعامة، وعملوا باجتهاده، وتظهروا بذلك، وقرأوا عليه كتب الحديث
(3)
.
وله تلامذة نبلاء علماء منهم:
1 -
السيد العلامة: عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر بن الناصر، وهو الإمام المحدث الحافظ المسنِد المجتهد المطلق. (1135 هـ - 1207 هـ)
(4)
.
2 -
القاضي العلامة: أحمد بن محمد بن عبد الهادي بن صالح بن
(1)
(1/ 16).
(2)
"البدر الطالع"(2/ 137).
(3)
"البدر الطالع"(2/ 321).
(4)
"البدر الطالع"(1/ 360 - 368).
عبد الله بن أحمد قاطن، قال الشوكاني: وكان له شغف بالعلم، وله عرفان تام بفنون الاجتهاد على اختلاف أنواعها، وكان له عناية كاملة بعلم السنَّة. (1118 هـ 1191 هـ)
(1)
.
3 -
القاضي العلامة: أحمد بن صالح بن أبي الرجال (1140 هـ - 1191 هـ)
(2)
.
4 -
السيد العلامة: الحسن بن إسحاق بن المهدي (1093 هـ - 1160 هـ)
(3)
.
5 -
السيد العلامة: محمد بن إسحاق بن الإمام المهدي أحمد بن الحسن.
قال الشوكاني: هو من أئمة العلم المُجمع على جلالتهم ونبالتهم وإحاطتهم بعلوم الاجتهاد. ولد سنة (1090 هـ)
(4)
.
6 -
السيد العلامة الحسين بن عبد القادر بن الناصر بن الناصر بن عبد الرب بن علي.
قال الشوكاني: الشاعر المشهور المُجيد المُكثر المُبدع الفائق في الأدب، أشعاره كلها غُرر، وكلماته جميعها دُرر، وهو من محاسن اليمن، ومفاخر الزمن، مات سنة (1112 هـ)
(5)
.
وقد أكمل منظومة الصنعاني لبلوغ المرام.
• وكان من تلاميذه أبناؤه:
7 -
إبراهيم بن محمد بن إسماعيل:
قال الشوكاني عنه: هو من أعيان العلماء، وأكابر الفضلاء، عارف بفنون من العلم لا سيَّما الحديث والتفسير. (1141 هـ - 1213 هـ)
(6)
.
8 -
عبد الله بن محمد بن إسماعيل:
(1)
"البدر الطالع"(1/ 114).
(2)
"البدر الطالع"(1/ 61 - 62).
(3)
"البدر الطالع"(1/ 194).
(4)
"البدر الطالع"(2/ 127 - 128).
(5)
"البدر الطالع"(1/ 221 - 222).
(6)
"البدر الطالع"(1/ 422 - 423)، مقدمة ضوء النهار (1/ 19).
قال الشوكاني: برع في النحو والصرف، والمعاني والبيان، والأصول، والحديث، والتفسير، وهو أحد علماء العصر المفيدين العاملين بالأدلة الراغبين عن التقليد، ولا شغلة له بغير العلم، والإكباب على كتب الحديث، ولد سنة (1160 هـ)
(1)
.
9 -
القاسم بن محمد بن إسماعيل:
قال الشوكاني: وقد برع في علوم الاجتهاد، وعمل بالأدلة وقال: الحاصل أنه من حسنات الزمن في جميع خصاله. (1166 هـ - 1246 هـ)
(2)
.
(6) ورعه وزهده:
إن الصنعاني رحمه الله يمثِّل العالِم الورع الزاهد حاله كحال العلماء الأجلَّاء، رحمهم الله، لا همَّ لهم إلَّا مغفرة الله وطلب رضوانه، ولا يعني الزهد والورع عدم ممارسة الحياة، والبحث عن الرزق، ولكنه يعني الارتفاع من أن تكون الدنيا غرضه وقصده، فيتهافت عليها كتهافت الفراش على النار.
وهو القائل:
وعفَفت عن أموالهم لا قطعة
…
أقطعت أو مكس من الأسواق
أو كيلة من أي مخزان فلا
…
أشكو من الخزان والسواق
عرضوا عليَّ وزارة وولاية
…
فوقاني الرحمن أفضل واق
جعل الوزارة والولاية لذَّتي
…
في العلم ربي صادق الميثاق
(3)
(7) ثناء العلماء عليه:
• قال عنه الشوكاني: (الإمام الكبير، المجتهد المطلق، صاحب التصانيف)
(4)
.
• وقال: (برع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرَّد برئاسة العلم في صنعاء، وتظهّر بالاجتهاد، وعمل بالأدلة، ونفَّر عن التقليد، وزيَّف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية)
(5)
.
(1)
"البدر الطالع"(1/ 396 - 397).
(2)
"البدر الطالع"(2/ 52 - 53).
(3)
من الديوان (ص 294).
(4)
"البدر الطالع"(2/ 133).
(5)
"البدر الطالع"(2/ 133).
• وقال: (وبالجملة فهو من الأئمة المجدِّدين لمعالم الدين)
(1)
.
• وقال عنه العلامة محمد بن إسحاق المهدي، قصيدة تصل إلى أربعة عشر بيتًا، منها:
للَّه درّك يا بن إسماعيلا
…
لم تتركن فتى سواك نبيلا
حزت الفخار قليله وكثيره
…
هلَّا تركت من الفخار قليلا
وسلكت نهج الحق وحدك جاعلًا
…
نور البصيرة لا سواه دليلا
وصرفت عمرك في العبادة والإ
…
فادة والإجادة بكرة وأصيلا
(2)
• وقال عنه محمد محيي الدين في مقدمة "التوضيح"
(3)
:
"ولقد كان الشارح المحقق في كتابه هذا - كما عهد فيه في مؤلفاته كلها - الرجل العارف بما قيل، ولم قيل؟ وماذا فيما قيل مما يرد عليه أو يَدْفع عنه أو يُدْفع به؟ وكان - مع ذلك كله - رجلًا حر الرأي، يوافق المصنف ما وافق الحق في نظره، ويخالفه ما انحرف عمَّا يعتقده صوابًا، ويبيِّن ما في عبارة المؤلف من قصور عن تأدية المعنى الذي يحوم حوله وما فيها من استيعاب أحيانًا".
(8) وفاته:
ومات رحمه الله بصنعاء في يوم الثلاثاء، ثالث شعبان، سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف (1182 هـ / 1769 م)
(4)
.
وقد دُفن غربي منارة جامع المدرسة بأعلى صنعاء عن ثلاث وثمانين سنة.
المبحث الثاني: السيرة العلمية.
أوَّلًا: فكره وثقافته:
لقد تميَّزت ثقافة، وعلم، ومنهج، محمد بن إسماعيل الأمير بمجموعة من المعالم، أهمها:
(1)
"البدر الطالع"(2/ 138).
(2)
من الديوان (ص 313).
(3)
(ص 77).
(4)
"البدر الطالع"(2/ 139).
(أ) تمسُّكه بالدليل، وتخلِّيه عن التقليد:
لقد اتجه إلى النبع الصافي كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ليستضيء بنور الوحي الإلهي، فنبذ القول الذي لا يدعمه دليل، أو يسنده برهان واضح، وتقدم في طرائق العلم، ومعرفة دلائله حتى وصل إلى الاجتهاد. وإليك أمثلة على ذلك:
(1) مسألة الاستثناء في اليمين:
قال رحمه الله في شرح حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه"
(1)
: "
…
وذهبت الهادوية إلى أن الاستثناء بقوله: إن شاء الله معتبر فيه أن يكون المحلوف عليه فيما شاءه الله أو لا يشاؤه، فإن كان مما يشاؤه الله بأن كان واجبًا، أو مندوبًا، أو مباحًا في المجلس، أو حال التكلم - لأن مشيئة الله حاصلة في الحال - فلا تبطل اليمين بل تنعقد به، وإن كان لا يشاؤه بأن يكون محظورًا، أو مكروهًا فلا تنعقد اليمين، فجعلوا حكم الاستثناء بالمشيئة حكم التقييد بالشرط، فيقع المعلَّق عند وقوع المعلَّق به وينتفي بانتفائه. وكذا قوله: إلا أن يشاء الله، حكمه حكم إن شاء الله، ولا يخفى أن الحديث لا تطابقه هذه الأقوال"
(2)
.
(2) مسألة الرجوع في الهبة:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه"
(3)
.
(1)
وهو حديث صحيح.
أخرجه أبو داود (3/ 575 رقم 3261)، والترمذي (4/ 108 رقم 1531) وقال: حديث ابن عمر حديث حسن، والنسائي (7/ 12 رقم 3793)، وابن ماجه (1/ 680 رقم 2105)، وأحمد (6/ 2 و 10 و 48 و 68 و 126 و 127 و 153).
والدارمي (2/ 185)، وابن الجارود (928)، وابن حبان (1183 - الموارد)، والبيهقي (10/ 46) والحميدي (690).
(2)
كما في "سبل السلام" رقم الحديث (5/ 1284).
(3)
أخرجه البخاري (5/ 234 رقم 2621)، ومسلم (3/ 1241 رقم 7/ 1622)، وأبو داود (3/ 808 رقم 3538)، والترمذي (3/ 592 رقم 1298)، والنسائي (6/ 265)، وابن ماجه (2/ 797 رقم 2385).
قال الصنعاني
(1)
: "فيه دلالة على تحريم الرجوع في الهبة، وهو مذهب جماهير العلماء. وبوَّب له البخاري: باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، وقد استثنى الجمهور ما يأتي من الهبة للولد ونحوه. وذهبت الهادوية، وأبو حنيفة إلى حِلِّ الرجوع في الهبة دون الصدقة، إلَّا الهبة لذي رحم. قالوا: والحديث المراد به التغليظ في الكراهة.
قال الطحاوي: قوله: كالعائد في قيئه وإن اقتضى التحريم لكن الزيادة في الرواية الأخرى. وهي قوله: كالكلب، تدل على عدم التحريم؛ لأن الكلب غير متعبَّد؛ فالقيء ليس حرامًا عليه، والمراد التنزه عن فعل يشبه فعل الكلب. وتُعقِّب باستبعاد التأويل، ومنافرةِ سياق الحديث له. وعُرْفُ الشرع في مثل هذه العبارة الزجرُ الشديد، كما ورد النهي في الصلاة عن إقعاء الكلب، ونقر الغراب، والتفات الثعلب، ونحوِه.
ولا يفهم من المقام إلَّا التحريم، والتأويل البعيد لا يلتفت إليه" اهـ.
(ب) موقفه من التقليد المذهبي:
(1)
تصريحه رحمه الله بالتناقض بين دعوى الناس بالاقتداء، وواقعهم في محاربة المقتدين.
يقوله:
(2)
وأقبح من كل ابتداع سمعته
…
وأنكاه للقلب الموفق للرشد
مذاهب من رام الخلاف لبعضها
…
يعض بأنياب الأساود والأسد
يصب عليه سوط ذم وغيبة
…
ويجفوه من قد كان يهواه عن عمد
ويُعْزَى إليه كل ما لا يقوله
…
لتنقيصه عند التِّهامي والنَّجدي
فيرميه أهل الرفض بالنصب فِرْيَةً
…
ويرميه أهل النصب بالرفض والجحد
وليس له ذنب سوى أنه غدا
…
يتابع قول الله في الحل والعقد
ويتبع أقوال النبي محمد
…
وهل غيره باللَّه في الشرع من يهدي
لئن عَدَّه الجهال ذنبًا فحبذا
…
به حبذا يوم انفرادي في لحدي
(1)
في "سبل السلام" رقم الحديث (2/ 877).
(2)
في ديوانه (ص 167 - 168).
عَلَام جعلتم أيها الناس ديننا
…
لأربعة لا شك في فضلهم عندي
هُمُ علماء الدين شرقًا ومغربًا
…
ونور عيون الفضل والحق والزهد
ولكنهم كالناس ليس كلامهم
…
دليلًا ولا تقليدهم في غدٍ يُجْدي
ولا زعموا حاشاهم أن قولهم
…
دليل فيستهدي به كلُّ مستهد
بلى صرَّحوا أنَّا نقابل قولهم
…
إذا خالف المنصوص بالقدح والرد
(2)
إنكاره رحمه الله التعصب، وجَعْلَ المذهبية نهجًا ومسلكًا:
يقول
(1)
:
"إن التمذهب منشأ فُرقة المسلمين، وباب كل فتنة في الدنيا والدين، وهل فرَّق الصلوات المأمور بالاجتماع لها في بيت الله الحرام إلَّا تفرُّق المذاهب، النابت عن غرس شجرة الالتزام، وهل سفكت الدماء، وكفَّر المسلمون بعضهم بعضًا إلَّا بسبب التمذهب، فإن الله تعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يوجب على الأمة طاعة واحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. واتفقت الأمة غير الرافضة أنه ليس أحد معصومًا في كل ما يأمر به وينهى عنه إلَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال غير واحد من الأئمة: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" اهـ.
قلت: والأئمة رضي الله عنهم قد نهوا الناس عن تقليدهم:
• قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه"
(2)
.
• وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له ستَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد"
(3)
.
• وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "لا تقلِّدني، ولا تقلِّد مالكًا، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا"
(4)
.
(1)
في: "منحة الغفار حاشية ضوء النهار"(1/ 67). (وهو قيد التحقيق أعانني الله على إتمامه).
(2)
ذكره ابن عبد البر في: "الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء"(ص 145).
(3)
ذكره ابن قيم الجوزية في: "إعلام الموقعين"(2/ 282).
(4)
ذكره ابن قيم الجوزية في: "إعلام الموقعين"(2/ 201).
وقال ابن خزيمة رحمه الله: "لا قول لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صحَّ الخبر عنه"
(1)
.
• وقال ابن حزم رحمه الله: "التقليد حرام لا يحل لأحدٍ أن يأخذ بقول أحد بلا برهان"
(2)
.
• وقال ابن الجوزي رحمه الله: "اعلم أن المقلِّد على غير ثقة فيما قلَّد فيه، وفي التقليد إبطال منفعة العقل؛ لأنَّه إنما خلق للتأمل والتدبُّر. وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة، واعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعون قوله من غير تدبُّر لما قال، وهذا عين الضلال؛ لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى القائل"
(3)
.
وختامًا: انظر الفائدة الخامسة "التقليد وأدلة القائلين به، والرد عليها"، من كتابنا:"مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة". [ص 161 - 186].
ثانيًا: مؤلفاته:
1 -
" إجابة السائل شرح بغية الآمل منظومة الكامل في أصول الفقه".
وأصل النظم له في مجلد في غاية التحقيق
(4)
. وقد طبع الكتاب بتحقيق القاضي: حسين بن أحمد السياغي، والدكتور: حسن محمد مقبولي الأهدل. ط: مؤسسة الرسالة - بيروت. ومكتبة الجيل الجديد - صنعاء.
2 -
"الإحراز لما في أساس البلاغة من كناية ومجاز". ذكره محمد محيي الدين
(5)
. (وبحوزتي صورة من المخطوط).
3 -
"الإدراك لضعف أدلة تحريم التنباك"(التبغ). خ/ بخط المؤلف/ مكتبة الحبشي. (وبحوزتي صورة من المخطوط).
4 -
"الأدلة الجليَّة في تحريم نظر الأجنبية". خ/ جامع (92) مجاميع.
(1)
ذكره ابن قيم الجوزية في: "إعلام الموقعين"(2/ 283).
(2)
قاله في كتابه: "النبذ في أصول الفقه الظاهري"، بتحقيقي (ص 114).
(3)
قاله في كتابه: "تلبيس إبليس"(ص 94 - 95).
(4)
مقدمة "ضوء النهار"(1/ 18).
(5)
مقدمة "توضيح الأفكار"(1/ 74).
ويعمل على تحقيقه وإخراجه فضيلة الدكتور عبد الوهاب بن لطف الديلمي حفظه الله. (وبحوزتي صورتان من مخطوطات الكتاب).
5 -
"إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد". مطبوع مع "الرسائل المنيرية"
(1)
. وقد قام العبد الفقير: محمد صبحي حسن حلاق بتحقيقه. ن: مؤسسة الريان - بيروت.
6 -
"إسبال المطر بشرح نظم نخبة الفكر".
وهو مخطوط بمكتبة الحبشي (1302)
(2)
، وفي جامعة الرياض برقم (252/ 2458). (وبحوزتي صورة من المخطوط).
7 -
"استيفاء المقال في حقيقة الإرسال"، (وبحوزتي صورتان من مخطوطات الكتاب).
8 -
"الإصابة في الدعوات المجابة". خ/ جامع (50) مجاميع
(3)
. (وبحوزتي صورة من المخطوط).
9 -
"إقامة البرهان على جواز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن". وقد طبع بتحقيق أحمد عبد الرزاق الرقيحي. ن: وزارة الأوقاف والإرشاد، في الجمهورية العربية اليمنية. (وبحوزتي صورة من المخطوط).
10 -
"إقامة الدليل على ضعف أدلة التكفير بالتأويل"(خ/ جامع (1171) برقم 9) مجاميع
(4)
.
11 -
"إقناع الباحث بإقامة الأدلة بصحة الوصية للوارث". (وبحوزتي صورة من المخطوط).
12 -
"الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الألطاف". خ/ جامع - المكتبة الغربية - (137) مجاميع
(5)
. (وقد قمت بتحقيقها ولله الحمد والمنة).
(1)
"الرسائل المنيرية"(1/ 47).
(2)
مؤلفات الصنعاني للحبشي، "العدة"(1/ 38).
(3)
مؤلفات الصنعاني للحبشي، "العدة"(1/ 38).
(4)
مؤلفات الصنعاني للحبشي، "العدة"(1/ 38).
(5)
مؤلفات الصنعاني للحبشي، "العدة"(1/ 38).
13 -
"الأنفاس الرحمانية اليمنية على الإفاضة المدنية". كتبها جوابًا على رسالة الشيخ محمد بن الحسن السندي حول مسألة خلق أفعال العباد. خ/ الجامع - المكتبة الغربية. والعبيكان بالرياض برقم (71)
(1)
.
14 -
"الأنوار على كتاب الإيثار"، لم يكمل
(2)
.
15 -
"إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة"، شرح حديث:"كل مولود يولد على الفطرة".
يقول ابنه: هو أول مؤلفاته.
خ/ مكتبة العبيكان (194)، وأخرى بالجامع والمكتبة الغربية، وثالثة بحجة
(3)
. (وقد قمت بتحقيقها ولله الحمد والمنة).
16 -
"بحث في إيقاع الطلاق بلفظ التحريم"
(4)
. (وبحوزتي صورة من المخطوط).
17 -
"بذل الموجود في حكم الأعمار وامرأة المفقود". خ/ جامع (9) مجاميع
(5)
. (وقد قمت بتحقيقها ولله الحمد والمنة).
18 -
"بشرى الكئيب بلقاء الحبيب"، منظومة وشرحها في المعاد
(6)
. (وقد قمت بتحقيقها ولله الحمد والمنة).
19 -
"التحبير لإيضاح معاني التيسير"، شرح فيه كتاب "تيسير الوصول" لابن الديبع. خ (1362) في خمسة أجزاء، المكتبة الغربية بصنعاء، (14) حديث، وأخرى خ (1177) بخط المؤلف (25) حديث، ثالثة في (1182) بمكتبة الحبشي، وقد قرئت على المؤلف
(7)
. (قيد التحقيق أعانني الله على إتمامه).
20 -
"تحقيق عبارات قصص القرآن"، المسمَّى:"الإيضاح والبيان". خ (1175) جامع/ المكتبة الغربية (55) مجاميع
(8)
. (وبحوزتي صورتان من مخطوطات الكتاب).
(1)
مؤلفات الصنعاني للحبشي، "العدة"(1/ 38).
(2)
"العدة"(1/ 39).
(3)
مؤلفات الصنعاني للحبشي.
(4)
مؤلفات الصنعاني للحبشي.
(5)
مؤلفات الصنعاني للحبشي.
(6)
"العدة"(1/ 39).
(7)
مقدمة "ضوء النهار"(1/ 17) ومؤلفات الصنعاني.
(8)
مؤلفات الصنعاني.
21 -
"تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"؛ وهو كتاب صغير بيَّن فيه ما يجب على المسلم أن يعتقده، وهو مطبوع. وقد قام بتحقيقه العبد الفقير محمد صبحي بن حسن حلاق على مخطوطتين.
22 -
"تعليقات على البحر الزخار" من كتاب الطهارة إلى الزكاة.
23 -
"التنوير" وهو شرح على "الجامع الصغير في حديث البشير النذير" للسيوطي.
قال الشوكاني: وهو في أربعة مجلدات، شرحه قبل أن يقف على "شرح المناوي". خ/ بقلم المؤلف في ثلاثة مجلدات بمكتبة الحبشي بصنعاء. وفي المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء برقم (130/ 133) حديث في أربعة مجلدات. (وبحوزتي صورة من المخطوط).
24 -
"توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار في علوم الآثار". وقد طبعه محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله في مطبعة السعادة عام (1366) هـ وفي مجلدين.
25 -
"الثمان المسائل المرضية". طبع في جدة في ست عشرة صفحة. (وطبع أيضًا بتحقيقي ولله الحمد والمنة).
26 -
"ثمرات النظر في علم الأثر"، حاشية على "نخبة الفكر" لابن حجر العسقلاني. خ الحبشي. أخرى: جامع المكتبة الغربية مجاميع. ثالثة: المكتبة التيمورية (381). (وقدمت بتحقيقها ولله الحمد والمنة).
27 -
"جمع الشتيت في شرح وذيل أبيات التثبيت" للسيوطي. والكتاب في مجلد
(1)
وقد طبع بمكة المكرمة عام (1381 هـ). وقمت بتحقيقه على مخطوطتين.
28 -
"حاشية على شرح الرضى على الكافية". خ/ بمكتبة محمد عبد الخالق الأمير بصنعاء.
29 -
"حسن الاتباع وقبح الابتداع"
(2)
.
30 -
"حلُّ الأقفال عمَّا في رسالة الزكاة للجلال". خ (52) مجاميع
(3)
.
(1)
مقدمة "ضوء النهار"(1/ 17).
(2)
"توضيح الأفكار"(2/ 284).
(3)
مؤلفات الصنعاني.
31 -
"الدراية بحاشية على شرح العناية نظم الهداية". طبع مع كتاب "هداية السول" بصنعاء
(1)
.
32 -
"ديوان الأمير الصنعاني". طبع سنة (1964) م، طبعه علي آل ثاني، ويقع في (468) صفحة.
33 -
"رسالة في تحقيق شرائط الجمعة". خ/ جامع (9) مجاميع
(2)
.
(وبحوزتي صورة من المخطوط).
34 -
"رسالة في الرسالة". جواب سؤال: هل التحدِّي بالقرآن مستمر؟ أم يرتفع إذا اختلف اللسان
(3)
.
35 -
"رسالة في المفاضلة بين الصَّحاح والقاموس". أبان فيها أن "الصَّحاح" و"القاموس" يشتركان في الجمع بين الحقيقة والمجاز.
36 -
"الروضة الندية شرح التحفة العلَوية"، في مناقب الإمام علي. مجلَّد وهو مطبوع في الهند (1322 هـ)، وصنعاء سنة (1371)
(4)
. وله مخطوط عندي.
37 -
"الروض النضير في خطب السيد محمد الأمير"، ذكره الزِّرَكلي
(5)
. خ/ جامع (193) مجاميع
(6)
. (وبحوزتي صورة من المخطوط).
38 -
"سبل السلام" وهو شرح على "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" لابن حجر العسقلاني. وقد طبع مرارًا، ولعل أقدم طبعاته طبعة الهند سنة (1302 هـ).
وهو هذا الكتاب الذي بين يديك.
39 -
"السهم الصائب في نحر القول الكاذب". ألَّفها عام (1153 هـ). (وبحوزتي صورة من المخطوط).
40 -
"السيف الباقر في يمين الصابر والشاكر". خ جامع (9) مجاميع. وقد اختصره من "عِدَة الصابرين" لابن قيم الجوزية. (وبحوزتي صورة من المخطوط).
(1)
"مؤلفات الصنعاني".
(2)
"مؤلفات الصنعاني".
(3)
"العدة"(1/ 40).
(4)
مقدمة "ضوء النهار"(1/ 17).
(5)
"الأعلام"(6/ 38).
(6)
"مؤلفات الصنعاني".
41 -
"العدة على إحكام الأحكام شرع عمدة الأحكام". ألَّفه الصنعاني بمكة عام (1134 هـ)، نشره علي بن محمد الهندي سنة (1379 هـ)، في أربعة مجلَّدات، وطبعته المكتبة السلفية، وترجم لمؤلفه الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله. وله مخطوط عندي. (وهو قيد التحقيق أعانني الله على إتمامه).
42 -
"فتح الخالق شرح مجمع الحقائق والرقائق في ممادح رب الخلائق". في مجلَّدين وهو شرع لديوان محمد بن إبراهيم الوزير. مخطوط بمكتبة السيد أحمد الوادعى
(1)
. (وبحوزتي صورة من المخطوط).
43 -
"كشف الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار". تحقيق المحدِّث: محمد ناصر الدين الألباني طـ: المكتب الإسلامي. (وقد حصلت على مخطوط له).
44 -
"المسائل المرضية في بيان اتفاق أهل السنة في سنن الصلاة والزيدية". خ/ جامع (9) مجاميع
(2)
. (وقد قمت بتحقيقها وللَّه الحمد والمنة).
وذكره الزركلي
(3)
وقال. مخطوط في مكتبة عبيد بدمشق مع ردٍّ عليه باسم: "السيوف المنضية على زخارف المسائل المرضية"، وله مخطوط عندي.
45 -
"المسائل الثاقبة الأنظار في تصحيح أدلة فسخ امرأة المعسِر بالإعسار. خ/ جامع (52) مجاميع
(4)
. (وقد قمت بتحقيقها ولله الحمد والمنة).
46 -
"مفاتيح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن". خ/ (1187/ 69) تفسير. جامع أخرى بخط المؤلف في (75/ ق - 525، تفسير بنفس المكتبة
(5)
. (وقد قمت بتحقيقها وللَّه الحمد والمنَّة).
47 -
"منحة الغفَّار على ضوء النهار"، للحسن بن أحمد الجلال. وقد طبع مع "ضوء النهار"، نشره مجلس القضاء الأعلى في الجمهورية العربية اليمنية عام (1401 هـ - 1981 م). خ/ جامع ش (1188). (وقد حققته منفردًا ولله الحمد والمنَّة).
(1)
مؤلفات الصنعاني.
(2)
مؤلفات الصنعاني.
(3)
"الأعلام"(6/ 38).
(4)
مؤلفات الصنعاني.
(5)
"الأعلام"(6/ 38).
48 -
"منسك الأمير الصنعاني". وقد طبع في القاهرة سنة (1348 هـ). (وقد قمت بتحقيقه ولله الحمد والمنَّة).
49 -
"منظومة بلوغ المَرام من أدلة الأحكام". طبع في عدن عام (1366 هـ)، وطبع في مصر عام (1396 هـ) على نفقة الشيخ علي عامر الأسدي حفظه الله.
50 -
"نُصرة المعبود في الردِّ على أهل وحدة الوجود"، ذكره الزركلي
(1)
.
51 -
"نهاية التحرير، في الرد على قولهم في مختلف فيه نكير". أبان فيه أن هذا القول ليس على إطلاقه، وأن مدار ذلك على ما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
52 -
"الوفاء بأدلة حِلِّ بيع النساء". خ/ جامع (50) مجاميع
(3)
.
53 -
"اليواقيت في المواقيت" خ/ جامع (50) مجاميع. قال الزركلي
(4)
: مخطوطة بمكتبة عمر سميط تريم حضرموت رسالة. (وقد قمت بتحقيقها وللَّه الحمد والمنَّة). وغيرها من الكتب النافعة، والأبحاث المفيدة
…
التي سوف ترى النور بإذن الله.
* * *
(1)
"الأعلام"(6/ 38).
(2)
"العدة"(1/ 40).
(3)
مؤلفات الصنعاني.
(4)
"الأعلام"(6/ 38).
الفصل الثاني حياة مؤلف: "بلوغ المرام"
(1) اسمه ونسبه:
هو أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر الكناني العسقلاني الأصل، المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة
(1)
.
(2) لقبه وكنيته:
كان يلقَّب بشهاب الدين، ويكنى أبا الفضل، وقد كنَّاه بهذه الكنية والده.
(3) مولده:
ولد الحافظ ابن حجر في اليوم الثاني عشر من شهر شعبان، سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة هجرية
(2)
.
(4) نشأته وطلبه للعلم:
ماتت أمه قبل والده، وهو طفل، ثم مات والده في رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة، بعد أن حجَّ وزار بيت المقدس وجاور في كل منهما، واستصحبه معه، وبعد أن أكمل الخامسة من عمره دخل المكتب، وقرأ القرآن، وتمَّ حفظه للقرآن وهو ابن تسع.
(1)
"نظم العقيان في أعيان الأعيان" للحافظ السيوطي (ص 45) رقم 34.
و"الضوء اللامع" للإمام السخاوي (2/ 36 رقم 104)، و"البدر الطالع" للشوكاني (1/ 87 رقم 51).
(2)
"الضوء اللامع"(2/ 36)، و"شذرات الذهب"(7/ 270).
كما حفظ جملة من أمَّهات الكتب العلمية "المتون" المتداولة آنئذ، منها:"العمدة"، و"الألفية في علوم الحديث" لشيخه الحافظ العراقي، و"الحاوي الصغير"، و"مختصر ابن الحاجب في الأصول"، و"مُلحة الإعراب " ....
كان قد حُبِّب إليه أوَّلًا النظر في التواريخ وهو بعدُ في المكتب، فعلق بذهنه شيءٌ كثير من أحوال الرواة، ثم نظر في فنون الأدب من سنة (792 هـ) وتولَّع بالنظم، وقال الشعر، ونظم مقاطيع ومدائح نبوية.
ثم حُبِّب إليه طلب الحديث فابتدأ بذلك منذ سنة (793 هـ) لكنه لم يلزم طلبه والتوفر عليه إلا سنة (796 هـ) حيث أقبل بكلِّيته على الحديث وعلومه، وعكف على حافظ ذلك العصر زين الدين العراقي، فلازمه عشرة أعوام فتخرَّج به، وقرأ عليه ألفيته وشرحها، ونُكته على ابن الصلاح دراية وتحقيقًا، وقرأ الكثير من الكتب الكبار، والأجزاء القصار أيضًا، وحمل عنه من أماليه جملة نافعة من علم الحديث، سندًا ومتنًا وعللًا واصطلاحًا، كما استملى عليه بعضها.
وارتحل إلى البلاد الشامية والحجازية واليمنية، ونبغ في العلم مبكرًا، حتى أذن له جُلُّ علماء عصره - كالبُلقيني والعراقي - بالإفتاء والتدريس.
درَّس في مراكز علمية كثيرة، من ذلك تدريسه التفسير في المدرسة الحسينية والمنصورية، وتدريسه الحديث في مدارس البيبرسية والزينية والشيخونية وغيرها، وإسماعه الحديث بالمحمودية، وتدريسه الفقه بالمؤيدية وغيرها.
كما ولي مشيخة المدرسة البيبرسية ونظرها، ومدارس أخرى عدَّدها السخاوي في "الضوء اللامع"
(1)
.
(5) زهده في القضاء:
صمَّم الحافظ على عدم الدخول في القضاء، حتى إنه لم يوافق صدر الدين المُناوي لما عرض عليه قبل سنة (800 هـ) النيابة عنه.
ثم عُرض عليه الاستقلال بالقضاء في أيام الملك المؤيد فمن دونه وهو
(1)
(2/ 39).
يأبى، ثم أُلزم من أحبائه بقَبوله؛ فقبل واستقرَّ قاضيًا للقضاةِ الشافعية في عهد الملك الأشرف برسباي، في المحرم من سنة (827 هـ)، وقد تزايد ندمه على قَبوله القيام به؛ لعدم تمييز أرباب الدولة بين العلماء وغيرهم، ومبالغتهم في اللوم لرد إشاراتهم وإن لم تكن وفق الحق، والاحتياج إلى مداراة كبيرهم وصغيرهم بحيث لا يمكنه مع ذلك القيام بكل ما يرومونه على وجه العدل
(1)
.
وقد تكرَّر صرفه عن القضاء - وعزَل نفسه أحيانًا - إلى أن صمَّم على الإقلاع عنه عقب صرفه في سنة (852 هـ) بعد زيادة مدة قضائه على (21) سنة، لكثرة ما توالى عليه من المحن بسبب سيرته فيه، وصلابته في الحق، وترك المداهنة في دين الله.
في سنة وفاته التي اعتزل فيها القضاء انقطع في بيته، ولازم الاشتغال بالعلم والتصنيف.
(6) مكانته العلمية:
احتل الحافظ ابن حجر مكانة عظيمة في عصره، فقرأ عليه غالب علماء ذلك العهد، ورحل الناس إليه من سائر الأقطار.
شهد له أعيان العلماء آنئذٍ بالحفظ، والتفرُّد في معرفة الرجال واستحضارهم، ومعرفة العالي والنازل، وعلل الأحاديث. وصار هو المعوَّل عليه في هذا الشأن، واعتنى بتحصيل تصانيفه كثير من شيوخه وأقرانه، ومن دونهم، وكتبها أكابر العلماء وانتشرت في حياته، وتبجَّح الأعيان بلقائه، والأخذ عنه طبقة بعد طبقة، وألحق الأصاغر بالأكابر كما قال الشوكاني
(2)
.
وقال ابن العماد في ترجمته
(3)
: "شيخ الإسلام، عَلم الأعلام، أمير المؤمنين في الحديث، حافظ عصره" اهـ.
ووصفه الشوكاني بـ: "الحافظ الكبير الشهير، الإمام المنفرد بمعرفة الحديث وعلله في الأزمنة المتأخرة .. حتى صار إطلاق "الحافظ" عليه كلمة إجماع"
(4)
.
(1)
انظر: "الضوء اللامع"(2/ 38)، و"البدر الطالع"(1/ 92).
(2)
في: "البدر الطالع"(1/ 92).
(3)
في: "شذرات الذهب"(7/ 270).
(4)
في: "البدر الطالع"(1/ 87، 88).
(7) مشايخه:
أ - شيوخه في القراءات، (منهم): إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن سعيد بن كامل بن علوان التنوخي، البعلي الأصل، الدمشقي المنشأ، نزيل القاهرة:(709 هـ - 805 هـ)
(1)
.
ب - شيوخه في الفقه، (منهم): سراج الدين، أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب الدين بن عبد الخالق بن محمد بن مسافر الكناني الشافعي، الفقيه، المحدث، المفسر، الأصولي، المتكلم، النحوي، اللغوي، المنطقي، الجدلي، الخلافي، النظَّار، بقية المجتهدين (724 هـ - 805 هـ)
(2)
.
(ومنهم): عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري، الأندلسي الأصل، المصري، نزيل القاهرة. (723 هـ - 804 هـ)
(3)
.
(ومنهم): إبراهيم بن موسى بن أيوب بن الأبناسي الفقيه الشافعي، برهان الدين أبو محمد، نزيل القاهرة، الورع، الزاهد، شيخ الشيوخ بالديار المصرية (725 هـ - 782 هـ)
(4)
.
جـ - شيوخه في أصول الفقه:
(منهم): محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، عز الدين بن شرف الدين بن عز الدين بن بدر الدين، الشافعي (749 هـ - 819 هـ)
(5)
.
د - شيوخه في اللغة العربية:
(ومنهم): محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيرازي، الشيخ العلامة: مجد الدين أبو الطاهر الفيروزآبادي، اللغوي، الشافعي (729 هـ - 817 هـ)
(6)
.
(1)
"الدرر الكامنة"(1/ 11 - 12 رقم 14).
(2)
"طبقات الشافعية" لابن شهبة (4/ 36 رقم 737).
(3)
"الضوء اللامع"(6/ 100 رقم 330).
(4)
"الضوء اللامع"(1/ 172 - 175).
(5)
"الضوء اللامع"(7/ 171 - 174 رقم 417).
(6)
"البدر الطالع"(2/ 280 - 284 رقم 531).
(ومنهم): محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري، ثم المصري، ثم المالكي شمس الدين (720 هـ - 802 هـ)
(1)
.
هـ - شيوخه في الحديث:
(منهم): عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهراني المولد، العراقي الأصل، الكردي، الشيخ زين الدين العراقي، حافظ العصر (725 هـ - 806 هـ)
(2)
.
(ومنهم): علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح الهيثمي، الشيخ نور الدين أبو الحسن، الشافعي، الحافظ (735 هـ - 807 هـ)
(3)
.
(ومنهم): محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن القدوة أبي بكر بن قوام البالسي، ثم الصالحي، الشيخ المسند الكبير، بدر الدين أبي عبد الله ابن الإمام أبي عبد الله بن أبي حفص بن القدوة أبي بكر (721 هـ - 803 هـ)
(4)
.
(ومنهم): علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد بن علي الدمشقي، سبط القاضي نجم الدين الدمشقي، ويعرف بابن الصايغ، وبابن خطيب عين ثرماء
(5)
، وكان أبوه إمام مسجد الجوزة خارج باب الفراديس بدمشق، فيقال له: الجوزي لذلك (707 هـ - 800 هـ)
(6)
.
(8) تلاميذه:
(منهم): محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد شمس الدين السخاوي الأصل، القاهري المولد، الشافعي المذهب، نزيل الحرمين الشريفين (831 هـ - 902 هـ)
(7)
.
(1)
"شذرات الذهب"(7/ 19 - 20).
(2)
"الضوء اللامع"(4/ 171 - 178)، و"البدر الطالع"(1/ 354 - 356 رقم 236)، و"شذرات الذهب"(7/ 55 - 57).
(3)
"ذيل تذكرة الحفاظ"(ص 372 - 373)، و"شذرات الذهب"(7/ 70).
(4)
"شذرات الذهب"(7/ 38).
(5)
هي قرية في غوطة دمشق. كما ذكر صاحب "مراصد الاطلاع"(2/ 977).
(6)
"شذرات الذهب"(6/ 365 - 366).
(7)
"الضوء اللامع"(8/ 2 - 32)، و"شذرات الذهب"(8/ 15 - 17).
(ومنهم): برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّباط بن علي بن أبي بكر البقاعي، الشافعي، المحدِّث المفسِّر، الإمام، العلامة، المؤرخ، نزيل القاهرة، ثم دمشق (809 هـ - 884 هـ)
(1)
.
(ومنهم): زين الدين الحافظ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، ثم القاهري، الأزهري، الشافعي (826 هـ - 926 هـ)
(2)
.
(ومنهم): محمد بن محمد بن عبد الله بن خيضر بن سليمان بن داود بن فلاح بن ضُميدة، القطب أبو الخير الزُّبيدي، البلقاوي الأصل، الدمشقي الشافعي، المعروف بالخضيري (821 هـ - 894 هـ)
(3)
.
وغيرهم
…
(9) رحلاته
(4)
:
إن ما تميَّز به أئمة العلم في الإسلام، لا سيَّما أئمة الحديث، كثرة الارتحال والتنقل، وملازمة الأسفار في طلب العلوم الشرعية، وبخاصة الحديث الشريف.
ولقد سافر إمامنَا الحافظ ابن حجر رحمه الله برحلات في طلب الحديث، والتقى فيها مع العلماء؛ فأخذ عنهم وأعطاهم. وسأذكر فيما يلي رحلاته بإيجاز، مقتصرًا على اسم البلد، وتاريخ وصوله إليها، معرضًا عن ذكر من التقى بهم من العلماء، وكذلك العلوم التي أخذها عنهم، رغبة في الاختصار، ومن طمع في المزيد فليرجع إلى كتب التراجم التي سنذكرها في نهاية الترجمة إن شاء الله.
(أ) رحلاته في داخل مصر:
1 -
رحلته إلى قوص، وغيرها من بلاد الصعيد، سنة (793 هـ).
(1)
"البدر الطالع"(1/ 19 - 22)، و"الضوء اللامع"(1/ 101 - 111).
(2)
"شذرات الذهب"(8/ 134 - 136).
(3)
"الضوء اللامع"(9/ 117 - 124 رقم 305).
(4)
انظر: "تغليق التعليق" - القسم الأول: الدراسة (1/ 86 - 105) للشيخ الفاضل: سعيد عبد الرحمن موسى القزقي - لتعلم أسماء العلماء الذين التقى بهم، والعلم الذي حصَّله منهم في هذه الرحلات.
2 -
رحلته إلى الإسكندرية، سنة (797 هـ).
(ب) رحلته إلى الديار الحجازية:
1 -
رحلته إلى الطور - وهو جبل بأرض مصر - سنة (799 هـ).
2 -
رحلته إلى ينبع، ثم إلى جدة، ومنها إلى مكة، ثم إلى اليمن؛ فوصلها مع صحبه سنة (800 هـ) ثم عاد إلى مكة المكرمة.
(جـ) رحلته إلى الديار اليمنية:
أ - رحلته الأولى سنة (800 هـ) وصل إلى: تعز، وزبيد، وعدن، والمهجم، ووادي الحصيب وغيرها.
2 -
رحلته الثانية سنة (806 هـ).
(د) - رحلته إلى الديار الشامية:
رحلته إلى الديار الشامية سنة (802 هـ) مر بسرياقوس - بليدة بنواحي القاهرة -، ثم بقَطْيَّة، وغزة، ونابلس، والرملة، وبيت المقدس، والخليل، ودمشق، والصالحية - جامع بسفح جبل قاسيون - وغيرها من البلاد والقرى، كالنيرب، والزعيفرينية
…
(10) مؤلفاته:
إن من فضل الله على هذه الأمة أن جعل في كل جيل علماء أفذاذًا، وهبوا أنفسهم لخدمة هذا الدين دونما كَلَل ولا مَلَل، يبتغون رضوان الله.
وابن حجر، رحمه الله، من هذا الرعيل الذي وهب نفسه لخدمة هذا الدين، ومصنفاته شاهدة له بذلك.
وسأذكر فيما يلي مصنفاته مرتبة على حسب العلوم.
(أ) مصنفاته في علوم القرآن:
1 -
" الإتقان في جمع أحاديث فضائل القرآن من المرفوع والموقوف". لم يكمل
(1)
.
2 -
"الإحكام لبيان ما في القرآن من إبهام": جمع فيه مؤلفه بين كتابي
(1)
"كشف الظنون"(1/ 8).
السهيلي وابن عساكر بترتيب المبهمات على الأبواب. ويقع في مجلدة ضخمة
(1)
.
3 -
"الإعجاب في بيان الأسباب"، ويسمَّى أيضًا:"العُباب في بيان الأسباب".
وهو كتاب عن أسباب نزول القرآن الكريم، يقع في مجلد ضخم، لم يبيَّض كله، بل شرع في تبييضه، فكتب قدر مجلدة
(2)
.
4 -
"تجريد التفسير من صحيح البخاري" على ترتيب السور، منسوبًا لمن نقل عنه
(3)
.
(ب) مصنفاته في علوم الحديث، دراية ورواية:
1 -
" بيان الفصل لما رجح فيه الإرسال على الوصل"
(4)
.
2 -
"تقريب المنهج بترتيب المُدرج"
(5)
.
3 -
"تقويم السناد بمدرج الإسناد"
(6)
.
4 -
"الزهر المطلول في بيان الخبر المعلول"
(7)
.
5 -
"شفاء الغلل في بيان العلل"
(8)
.
6 -
"فريد النفع بمعرفة ما رجح فيه الوقف على الرفع"
(9)
.
7 -
"تعريف أولي التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس"
(10)
.
8 -
"المقرب في بيان المضطرب"
(11)
.
(1)
"شذرات الذهب"(7/ 272).
(2)
مقدمة "تغليق التعليق" وللشيخ سعيد عبد الرحمن موسى القزقي (1/ 184).
وقد طبع الكتاب بعنوان "العجاب في بيان الأسباب" تحقيق عبد الحكيم محمد الآنسي. ط: دار ابن الجوزي.
(3)
"شذرات الذهب"(7/ 272).
(4)
"نظم العقيان"(ص 48)، "شذرات الذهب"(7/ 272).
(5)
"نظم العقيان"(ص 47).
(6)
"نظم العقيان"(ص 48).
(7)
"نظم العقيان"(ص 47).
(8)
مقدمة "تغليق التعليق"(1/ 185).
(9)
"نظم العقيان"(ص 48).
(10)
الكتاب مطبوع بتحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري والأستاذ محمد أحمد عبد العزيز.
(11)
"تغليق التعليق"(1/ 185).
9 -
"نخبة أهل الفكر في مصلح أهل الأثر"[والكتاب مطبوع].
10 -
"نزهة النظر" وهو شرح لنخبة أهل الفكر [والكتاب مطبوع].
11 -
"نزهة القلوب في معرفة المبدل والمقلوب"، ويسمى أيضًا:"جلاء القلوب في معرفة المقلوب"
(1)
.
12 -
"النكت على ابن الصلاح"، وعلى النكت التي عملها شيخه العراقي عليه، لم تكمل، وهو في مجلد ضخم مسوَّدة، زيادة على نكت شيخه الزين العراقي، ومباحثه معه، وهو نحو حجم الأصل لو كمل. تبيض منه إلى المقلوب.
قال السخاوي: "وأخبرني ابن المسند عفيف الدين أنه عنده بخط شيخنا كاملًا، فاللَّه أعلم"
(2)
اهـ.
13 -
"هدي الساري مقدمة فتح الباري"[والكتاب مطبوع].
14 -
"فتح الباري شرح صحيح البخاري". وهو من أجلِّ كتب ابن حجر، وهو شرح مستفيض، به كثير من المسائل الفقهية، وذكر الروايا المختلفة التي روي بها الحديث، مع استطرادات نافعة في مسائل دينية عدة، وعني الشارح عناية كبرى بالشرح اللغوي للألفاظ، وإعراب الجمل، مع بيان وجوه هذا الإعراب، بما يعين على استنباط المعاني، وطريقته في الأحاديث المكررة أنه يشرح في كل موضع ما يتعلق بمقصد البخاري، يذكره فيه، ويحيل بباقي شرحه على المكان المشروح فيه [والكتاب مطبوع].
15 -
"تغليق التعليق" على صحيح البخاري [والكتاب مطبوع].
16 -
"التشويق إلى وصل المهم من التعليق"، وهو مختصر لكتاب:"تغليق التعليق بلا أسانيد"
(3)
[وهو من الكتب المفقودة].
17 -
"التوفيق" وهو مختصر لكتاب "تغليق التعليق"، اقتصر فيه على ذكر
(1)
"نظم العقيان"(ص 48)، و"شذرات الذهب"(7/ 272).
(2)
"تغليق التعليق"(1/ 186).
(3)
"نظم العقيان"(ص 46)، و"ذيل تذكرة الحفاظ"(ص 332).
الأحاديث التي لم تقع في الأصل إلا معلَّقة
(1)
[وهو من الكتب المفقودة].
18 -
"شرح الترمذي"، كتب منه قدر مجلدة مسوَّدة، وفتر عزمه عنه
(2)
.
19 -
"النكت على صحيح البخاري"[مخطوط]
(3)
.
20 -
"نكت شرح مسلم" للنووي في المقدمة وغيرها. لم يكمل
(4)
.
21 -
"كتاب الأربعين العالية" لمسلم على البخاري
(5)
.
22 -
"كتاب الأربعين المتباينة"، وتسمَّى:"الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع"[مخطوط]
(6)
.
23 -
"كتاب الأربعين المجتازة عن شيوخ الإجازة"
(7)
.
24 -
"كتاب الأربعين المهذبة بالأحاديث الملقبة"
(8)
.
25 -
"ضياء الأنام بعوالي شيخ الإسلام البلقيني"
(9)
.
26 -
"إتحاف المهرة بأطراف العشرة"، كتاب يجمع:"الموطأ"، و"مسند الشافعي"، و"مسند أحمد"، و"جامع الدارمي"، و"صحيح ابن خزيمة"، و"منتقى ابن الجارود"، و"صحيح ابن حبان"، و"مستخرج أبي عوانة"، و"مستدرك الحاكم"، و"شرح معاني الآثار" للطحاوي، "وسنن الدارقطني"، وقد كمل هذا الكتاب في ستة مجلدات ضخمة، تجيء في ثمانية أسفار
(10)
.
27 -
"المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية". وقد أفرده من كتاب "إتحاف المهرة في أطراف العشرة"
(11)
.
28 -
"المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي"؛ أفرده ابن حجر من
(1)
"نظم العقيان"(ص 46)، و"ذيل تذكرة الحفاظ"(ص 332 - 333).
(2)
"نظم العقيان"(ص 47).
(3)
"تغليق التعليق"(1/ 189).
(4)
"تغليق التعليق"(1/ 189).
(5)
"نظم العقيان"(ص 50).
(6)
"نظم العقيان"(ص 50)، و"تغليق التعليق"(1/ 190).
(7)
"نظم العقيان"(ص 50).
(8)
"نظم العقيان"(ص 50).
(9)
"نظم العقبان"(ص 50).
(10)
"نظم العقيان"(ص 46). وهو مطبوع بتحقيق: أبي عبد الرحمن عادل بن سعد، وأبي إسحاق السيد بن محمود بن إسماعيل ط: مكتبة الرشد - الرياض (1 - 11) مجلد.
(11)
الكتاب مطبوع بتحقيق الشيخ: حبيب الرحمن الأعظمي مع فهارس الأحاديث.
كتاب: "إتحاف المهرة بالأطراف العشرة"، ويقع في مجلدين
(1)
.
29 -
"الاستدراك على تخريج الإحياء" للعراقي. يقع في مجلد
(2)
.
30 -
"تخريج أحاديث مختصر الكفاية"
(3)
.
31 -
"التلخيص الحبير" وهو كتاب لخَّص فيه تخريج الأحاديث التي تضمَّنها "شرح الوجيز" للرافعي، في أربعة أجزاء متوسطة. وقد طبع الكتاب مرَّات.
32 -
"الدراية في تخريج أحاديث الهداية"، وقد طبع الكتاب مرَّات.
33 -
"الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف"، وقد خرَّج فيه أحاديث الكشاف، وهو مطبوع بنهاية "تفسير الكشاف"، وبحوزتي صورة من المخطوط.
34 -
"معرفة الخصال المكفِّرة للذنوب المقدَّمة والمؤخرة"، وقد قمت باختصاره، وتخريج أحاديثه.
35 -
"توالي التأسيس بمعالي ابن إدريس"؛ [والكتاب مطبوع].
36 -
"كتاب زوائد الأدب المفرد" للبخاري على الستة
(4)
.
37 -
"زوائد مسند الحارث بن أبي أسامة على الستة، ومسند أحمد"
(5)
.
38 -
"زوائد مسند أحمد بن منيع"
(6)
.
39 -
"القول المسدَّد في الذبِّ عن المسند"، ويسمَّى القصد الأحمد، [والكتاب مطبوع].
40 -
"كتاب الانتفاع بترتيب الدارقطني على الأنواع"
(7)
.
41 -
"كتاب ترتيب مسند الطيالسي"
(8)
.
وغيرها ....
(1)
"نظم العقيان"(ص 46). وهو مطبوع بتحقيق د. زهير بن ناصر الناصر. ط: دار ابن كثير ودار الكلم الطيب. (1/ 10) مجلد.
(2)
"نظم العقيان"(ص 50)، وشذرات الذهب (7/ 272).
(3)
"نظم العقيان"(ص 49).
(4)
"نظم العقيان"(ص 47).
(5)
"نظم العقيان"(ص 49).
(6)
"نظم العقيان"(ص 49).
(7)
"كشف الظنون"(1/ 175).
(8)
"نظم العقيان"(ص 49).
(جـ) مصنفاته في العقيدة:
1 -
" الآيات النيِّرات في معرفة الخوارق والمعجزات"
(1)
.
2 -
"الفتيا في مسألة الرؤية"
(2)
.
(د) مصنفاته في الفقه:
1 -
" بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام"؛ لخَّص فيه الإلمام لابن دقيق العيد، وزاد عليه كثيرًا. وهو كتاب جيد جامع يشتمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية، رتَّبه على الأبواب الفقهية، وفيه ألف وأربعمائة وستة وستون حديثًا - بحسب ترقيمنا للكتاب.
والكتاب طبع مرارًا، ولم يخدم خدمة تليق به على حسب علمنا. فاستعنتُ الله عز وجل لخدمة هذا السِّفر العظيم، وتقديمه لطلاب العلم الشرعي، راجيًا خدمة السنَّة المطهَّرة، وراغبًا في ثواب الله، وطامعًا أن أكون من عداد أهل الحديث إن شاء الله.
2 -
"تبيين العجب فيما روي في صيام رجب"
(3)
.
3 -
"شرح مناسك المنهاج للنووي"، في مجلدة
(4)
.
4 -
"قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج"
(5)
.
5 -
"الأجوبة الآنية عن الأسئلة العينية"، وهي إجابات على أسئلة سأله إياها البدر العيني
(6)
.
6 -
"الأجوبة الجليَّة على الأسئلة الحلبيَّة"، سأله عنها أبو ذر ابن البرهان الحلبي
(7)
.
7 -
"الجواب الجليل عن زيارة الخليل"
(8)
.
8 -
"الأجوبة المشرقة على الأسئلة المفرقة"
(9)
.
(1)
"نظم العقيان"(ص 47).
(2)
"تغليق التعليق"(1/ 199).
(3)
"نظم العقيان"(ص 47).
(4)
"نظم العقيان"(ص 49).
(5)
"نظم العقيان"(ص 47).
(6)
"تغليق التعليق"(1/ 201).
(7)
"نظم العقيان"(ص 47).
(8)
"نظم العقيان"(ص 47).
(9)
"نظم العقيان"(ص 47).
(هـ) مصنفاته في التاريخ:
1 -
" الإصابة في تمييز الصحابة"[الكتاب مطبوع]. تحقيق: د. طه محمد الزيني.
2 -
"إنباء الغمر بأبناء العمر"[الكتاب مطبوع].
3 -
"تبصير المنتبه بتحرير المشتبه"[الكتاب مطبوع]، تحقيق: علي محمد البجاوي.
4 -
"تعجيل المنفعة برجال الأئمة الأربعة"، [الكتاب مطبوع].
5 -
"تقريب تهذيب التهذيب"، [الكتاب مطبوع].
6 -
"تهذيب التهذيب"، وهو اختصار لكتاب "تهذيب الكمال" للمِزِّي، مع زيادات كثيرة عليه، تقرب من ثلث المختصر [الكتاب مطبوع].
7 -
"الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة"، [الكتاب مطبوع].
8 -
"الرحمة الغيثية عن الترجمة الليثية"، [الكتاب مطبوع]، تحقيق الدكتور: يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
9 -
"لسان الميزان"، كتاب استدرك فيه ابن حجر ما فات الإمام الذهبي في ميزانه، [الكتاب مطبوع].
10 -
"رفع الإصر عن قضاة مصر"، [الكتاب مطبوع].
وغيرها ....
(11) وفاته:
انقطع في بيته بعد أن عزل نفسه من منصب قاضي القضاة في (25) جُمادى الآخرة، من سنة (852 هـ). ولازم التصنيف، والتأليف ومجالس الإملاء، إلى أن مرض رحمه الله في ذي القعدة من السنة نفسها، واستمر يطلع إلى الجامع الطولوني للصلوات والإقراء والإملاء على العادة، ولم يتركه إلى أن اشتد به المرض جدًّا في يوم الثلاثاء (14) ذي الحجة، بحيث صار يصلِّي الفرض جالسًا، وترك قيام الليل، ثم صُرع يوم الأربعاء، وتكرر ذلك منه.
وكانت وفاته ليلة السبت (18) ذي الحجة بعد العشاء بنحو ساعة، سنة (852 هـ) في القاهرة رحمه اللهُ تعالى
(1)
.
* * *
(1)
"شذرات الذهب"(7/ 271)، و"البدر الطالع"(1/ 92).
• وصف مخطوط "سبل السلام": (الأولى) والتي رمزت لها بالرمز (أ):
1 -
عنوان الكتاب: "سُبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام" للمجلد الأول.
و"سبل السلام الموصل إلى بلوغ المرام" للمجلد الثاني.
2 -
موضوع الكتاب: فقه أحاديث الأحكام.
3 -
أول الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.
الحمد للَّه الذي منَّ علينا ببلوغ المرام في خدمة السنة النبوية، وتفضَّل علينا بتيسير الوصول إلى مطالبها العليّة. وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة تنزل قائلها الغرف الأخروية، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .....
4 -
آخر الكتاب: .. والصلاة والسلام على رسوله الكاشف بنور الوحي كل ظلام، وعلى آله العلماء الأعلام. قال المؤلف، بلَّ الله تعالى بوابل رحمته ثراه: وافق الفراغ منه في صباح الأربعاء لعله 27 شهر ربيع الآخر (سنة 1164 هـ) ختمه الله تعالى بخير وما بعدها من الأعوام. آمين.
وافق الفراغ من رقم هذه النسخة يوم الأحد لعله غرة شهر صفر المظفر، جعلنا الله ظافرين بحسنات الدنيا والآخرة بجاه سيد المرسلين وآله الأطهرين، ذلك لشهر ثاني شهور (سنة 1327) من هجرة من له العزّ والشرف صلَّى الله وسلم عليه وآله وصحبه الأخيار، والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات.
ونسأل الله العفو والعافية في الدارين، وأن يلطف بنا، ويحسن الختام بجاه سيد الأنام، وآله الكرام، وأن يغفر لكاتبه، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه.
5 -
نوع الخط: خط لوتس أبيض/ خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: المجلد الأول: (357) صفحة.
المجلد الثاني: (374) صفحة.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: (32 - 36).
8 -
عدد الكلمات في السطر: (16 - 18).
9 -
اهتمَّ الناسخ بكتابة:
(قلت - رقم الحديث - المسألة - واعلم - ذهب الجمهور - الباب) بالمداد الأحمر، بنفس طريقة الخط في الكتاب، غير أن حروفها كبيرة متميِّزة تهدي القارئ عند المراجعة.
10 -
وقد حصلت على هذه المخطوطة من فضيلة الوالد العلَّامة وكيل الهيئة العامة للمعاهد العلمية: حمود شرف الدين؛ خدمة للعلم، ونشرًا للتراث، فجزاه الله خيرًا، وأطال عمره، وأحسن عمله، آمين.
* * *
[عنوان الجزء الأول من مخطوط "سبل السلام"]
[الصفحة الأولى من الجزء الأول من "سبل السلام"]
[الصفحة الأخيرة من الجزء الأول من "سبل السلام"]
[الصفحة الأولى من الجزء الثاني من "سبل السلام"]
[الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني من "سبل السلام"]
[عنوان الجزء الثاني من مخطوط "سبل السلام"]
• وصف مخطوط "سبل السلام": (الثانية) والتي رمزت لها بالرمز (ب):
1 -
عنوان الكتاب: (سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام) للمجلد الأول والثاني، وهو الذي اعتمدناه.
2 -
موضوع الكتاب: (فقه أحاديث الأحكام).
3 -
أول الكتاب: بعد البسملة والحمدلة، وبعد فهذا شرح لطيف على "بلوغ المرام"، تأليف الشيخ الحافظ العلامة شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر
…
4 -
آخر الكتاب: قال المؤلف، بلَّ الله تعالى بوابل رحمته ثراه: وافق الفراغ منه في صباح الأربعاء (27) شهر ربيع الآخر سنة (1164 هـ) ختمها الله بخير وما بعدها من الأعوام.
ووافق الفراغ من تحرير هذا الكتاب المبارك صباح يوم الثلاثاء في شهر الحجَّة الحرام سنة (1208 هـ). كتبه بخطِّه أفقر عباد الله إليه، الراجي عفوه وغفرانه، علي بن محسن المعافا سامحهما الله تعالى، على نسخة صحيحة بخط مولانا السيد العلامة القدوة عبد الله بن محمد الأمير جزاه الله خير الدارَين، وقد كتب في آخرها تابع قراءة مع بعض الطلبة، وتصحيحًا على نسخة المؤلف رحمه الله قدَّس الله روحه ومراجعة البدر التمام فأرجو أنه قد صحَّ صحَّة كاملة وإن كان الخطأ والنسيان من طبيعة الإنسان، كان ذلك ليلة الأحد سادس شهر صفر سنة (1199 هـ)، كتبه عبد الله بن محمد الأمير عفا الله عنهما، انتهى.
فالحمد للَّه ولي الإعانة والتوفيق على كل حال، وصلَّى الله وسلَّم على محمد وآله وصحبه وسلم آمين.
5 -
نوع الخط: خط لوتس أبيض/ خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: المجلد الأول: (357) صفحة.
المجلد الثاني: (350) صفحة.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: (35) سطرًا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: (17 - 19) كلمة.
9 -
متن الحديث بالمداد الأحمر، وأرقام الأحاديث بالقلم الأسود الكبير، وهو محجوب بالمداد الأحمر.
10 -
حصلت على هذه النسخة من أهل الخير، فجزاهم الله خيرًا.
[عنوان الجزء الأول من مخطوط "سبل السلام" (ب)]
[الصفحة الأولى من الجزء الأول من "سبل السلام" (ب)]
[الصفحة الأخيرة من الجزء الأول وبداية الصفحة الأولى من الجزء الثاني "سبل السلام" (ب)]
[الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني من "سبل السلام" (ب)]
[الصفحة الأولى من الجزء الثالث من "سبل السلام" (ب)]
[الصفحة الأخيرة من الجزء الثالث وبداية الصفحة الأولى من الجزء الرابع من "سبل السلام" (ب)]
[الصفحة الأخيرة من الجزء الرابع من "سبل السلام" (ب)]
منهجي في تحقيق الكتاب وتخريجه
1 -
اعتمدت على نسختين خطيَّتين في تحقيق الكتاب وتخريجه.
2 -
وصفت المخطوطتين وأثبتُّ صورًا عنهما.
3 -
لم أُشر في الحاشية إلى المخالفات الهيِّنة بين النيسختين الخطيتين.
مثل: رضي الله عنه بدلًا عن عليه السلام أو العكس.
مثل: (قال تعالى) بدلًا عن (قال عز وجل أو العكس.
مثل: (بسيطة مستقلة) بدلًا عن (مستقلة بسيطة) أو العكس.
مثل: (ونفخ فيه الروح) بدلًا عن (ونفخ الروح فيه).
مثل: زيادة (صلى الله عليه وسلم) أو نقصانها.
مثل: زيادة (صلى الله عليه وسلم) أو نقصانها.
وغير ذلك، حتى لا تطول الحاشية وأُثقل على القارئ.
4 -
اعتمدت على النسخة الثانية (ب) في عنوان الكتاب.
5 -
ضبطت الآيات القرآنية وبيَّنت مواضعها من السور.
6 -
ضبطت نصَّ الحديث بالرجوع إلى كتب الأمَّهات.
7 -
ضبطت الألفاظ الغريبة مع شرحها بالرجوع إلى كتب الغريب والمعاجم.
8 -
ضبطت أسماء الأماكن، وذلك بالرجوع إلى كتب البلدان.
9 -
ضبطت كتاب السبل كاملًا وللَّه الحمد والمنة.
10 -
وضعت أمام كل حديث درجته من الصحة أو الضعف.
11 -
عزوت الأحاديث إلى مصادرها الأصلية التي ذكرها المؤلف.
كما ذكرتُ مصادر أخرى لم يوردها المؤلف.
12 -
في حال عدم توفر المصدر المشار إليه من قِبل المؤلف، لكونه
مفقودًا أو مخطوطًا يتعذر الحصول عليه، فقد أحلت على كتب الحفاظ المشهورين، الذين عزوا هذه الأحاديث في تصانيفهم لأصحابها، كالنووي، والزيلعي، وابن حجر، والشوكاني، وغيرهم.
13 -
أشرت إلى رقم الجزء والصفحة والحديث، للكتب التي ذكرتها في الحاشية؛ فالرقمان اللذان يفصل بينهما خط مائل، الأول منهما للجزء، والثاني للصفحة من الطبعة التي اعتمدنا، والرقم الثالث للحديث. وأحيانًا أكتفي برقم الحديث فقط فتنبَّه. وفي حال عدم ذكر رقم الحديث، أذكر اسم الكتاب الذي يشرح الحديث وأشرت:
لصحيح مسلم بشرح النووي بعبارة: (بشرح النووي).
ولتحفة الأحوذي للمباركفوري بعبارة: (مع التحفة).
ولعارضة الأحوذي لابن العربي بعبارة: (مع العارضة).
ولعون المعبود شرح سنن أبي داود للآبادي بعبارة: (مع العون).
ولفيض القدير شرح الجامع الصغير للمُناوي بعبارة: (مع الفيض).
وللفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد مع مختصر شرحه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، لأحمد عبد الرحمن البنا بعبارة:(الفتح الرباني).
ولمنحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود بعبارة: (منحة المعبود).
وللإحسان في تقريب صحيح ابن حبان بكلمة: (الإحسان).
ولبدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن بعبارة: (بدائع المنن).
ولصحيح البخاري ضبط وترقيم. د. مصطفى ديب البغا بكلمة: (البغا).
وسلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها للألباني بكلمة: (الصحيحة).
وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيِّء في الأمة للألباني بكلمة: (الضعيفة).
14 -
إذا عزوت الحديث إلى البيهقي مطلقًا، أعني أنه أخرجه في "السنن الكبرى"، وأما في غيرها فأبيِّنه.
15 -
إذا عزوت إلى الترمذي، أو النَّسَائِي، أو أبي داود، أو ابن ماجه، أو
الدارقطني، أو الدارمي، أعني أنهم أخرجوه في سننهم، وأما في غيرها فأبيِّنه.
16 -
أوردت الأحاديث التي أشار إليها المؤلف ولم يذكرها.
17 -
وضعت رقمين لكل حديث من أحاديث الكتاب، (الأول): رقم أحاديث. و (الثاني): الرقم المتسلسل لأحاديث الكتاب.
18 -
رقَّمت كتب، وأبواب، وفصول الكتاب، وجعلت ذلك بين معقوفتين هكذا [].
19 -
عزوت تراجم الرجال إلى مصادرها التي ذُكرت فيها.
20 -
رجَّحت بين المسائل الفقهية التي لم يرجّح بينها المؤلف أحيانًا.
21 -
أشرت إلى مواضع أقوال الفقهاء في كتبهم المعتمدة في المذهب عند الحاجة الماسَّة.
22 -
وضعت العناوين الضرورية للأحاديث وجعلتها ضمن مستطيل هكذا [].
وإذا كان الحديث ضعيفًا لم أضع له عنوانًا في الغالب.
23 -
قمت بتصويب الأخطاء النحوية والإملائية في الكتاب دون الإشارة إليها.
24 -
ترجمت لصاحب "سبل السلام".
25 -
ترجمت لصاحب "بلوغ المرام".
26 -
وضعت فهرسًا لأعلام الكتاب المترجم لهم.
27 -
وضعت فهرسًا لموضوعات الكتاب.
الله أسأل أن يرزقنا العلم والعمل في سبيله، وأن يجنبنا الزلل، وأن يلهمنا الرشد والسداد، وأن يجعل رائدنا الحق، وأن يتقبَّل منا ما كتبناه يوم العرض عليه بقَبول حسن.
كتبه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
صنعاء
9/ شعبان/ 1410 هـ
6 مارس - آذار/ 1990 م
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدِّمة المؤلف
الحمدُ للَّهِ الذي منَّ علينا ببلوغِ المرام من خدمةِ السنةِ النبويةِ، وتفضَّل علينَا بتيسيرِ الوصولِ إلى مطالبها العلية، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله شهادةً تُنَزلُ قائلَها الغرفَ الأخروية، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الذي باتِّباعه يُرجى الفوزُ بالمواهبِ اللَّدُنِّية، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الذين حُبُّهم ذخائرُ العقبى، وهم خير البريةِ (وبعدُ): فهذا شرحٌ لطيفٌ على بلوغِ المرامِ.
تأليفُ الشيخِ العلامةِ القاضي شيخِ الإسلام أحمدَ بن علي بن حجر أحلَّه اللَّهُ دارَ السلامِ، اختصرتُه من شرحِ القاضي العلامةِ شرفِ الدينِ: الحسين بن محمدٍ المغربي
(1)
، أعلى الله درجاتِه في عليينَ، مقتصرًا على حلّ ألفاظهِ وبيانِ
(1)
هو: الحسينُ بن محمد بن سعيدِ بن عيسى اللَّاعي، نسبة إلى بلاد لاعة من أعمال بلاد كوكبان، المعروفُ بالمغربي، قاضي صنعاء وعَالِمُها ومحدِّثُها، جَدُّ شيخِنَا الحسن بن إسماعيلَ بن الحسينِ. ولدَ سنة ثمان وأربعين وألف (1048 هـ)، وأخذَ العلمَ عن السيدِ عز الدين العبالي، وعبدِ الرحمن بن محمد الحيمي، وعلي بن يحيى البرطي، وغيرهم.
وَبَرعَ في عِدَّةِ علومٍ، وأخذَ عنه جماعة من العلماء: كالسيد عبد اللَّهِ بن علي الوزير، وغيره.
وتولى القضاءَ للإمام المهدي: أحمدِ بن الحسنِ. واستمرَّ قاضيًا إلى أيام الإمامِ المهدي: محمدٍ بن أحمد.
وهو مصنف "البدر التمام شرح بلوغ المرام"، وهو شرحٌ حافلٌ نَقَلَ ما في التلخيصِ منَ الكلام على متونِ الأحاديثِ وأسانيدِهَا، ثم إذا كان الحديثُ في البخاري نقلَ شرحَهُ من "فتحِ الباري"، وإذا كان في "صحيح مسلم" نقلَ شرحَهُ من "شرح النووي"، وتارة ينقلُ مِنْ "شرح السننِ" لابنِ رسلان. ولكنَّهُ لا ينسبُ هذه الأقوالَ إلىَ أهلِهَا غالبًا مع كونِهِ يسوقُها باللفظِ، وينقل الخلافات مِنَ "البحر الزخار" للإمام المهدي: أحمد بن يحيى، وفي بعضِ الأقوال من:"نهاية ابن رشدٍ"، ويتركُ التَّعرضَ للترجيح في غالب الحالات،=
معانيهِ، قاصدًا بذلكَ وجهَ اللَّهِ، ثم التقريبَ للطالبينَ والناظرينَ فيهِ، مُعْرِضًا عن ذكرِ الخلافاتِ والأقاويلِ، إلَّا أنْ يدعوَ إليه ما يرتبطُ به الدليلُ، متجنبًا للإيجازِ المخلِّ والإطنابِ المملِّ.
وقد ضممتُ إليه زياداتٍ جمَّة على ما في الأصلِ من الفوائِدِ، واللَّهَ أسألُ أنْ يجعلَهُ في المعَادِ من خير العوائِدِ، فهو حسبي ونعمَ الوكيلُ، وعليه في البدايةِ والنهايةِ التعويلُ.
معنى الحمد للَّه
(الحمد للَّه) افتتح كلامَهُ بالثناء على اللَّهِ تعالى، امتثالًا لما وردَ في البدايةِ به منَ الآثارِ، ورجاءً لبركةِ تأليفهِ؛ لأنَّ كُلَّ أمرٍ ذِي بالٍ لا يُبْدأُ فيه بحمد اللَّهِ منزوعُ البركةِ كما وردتْ به تلك الأخبارُ
(1)
، واقتداءً بكتابِ اللَّهِ المُبينِ، وسلوكِ مسالِكِ العلماءِ المؤلفينَ.
= وهو ثمرةُ الاجتهادِ، وعلى كل حالٍ فهو شرحٌ مقيدٌ، وقد اختصَرَهُ السيدُ العلامةُ: محمدُ بنُ إسماعيلَ الأميرُ. وسمَّى المختصر: "سبل السلام". وله رسالة في حديث: "أخرجوا اليهود من جزيرة العرب"، رجَّح فيها أنَّهُ إنما يجبُ إخراجُهم من الحجاز فقط محتجًا بما في رواية بلفظ:"أخرجوا اليهود من الحجاز".
وتوفي صاحب الترجمة سنة تسع عَشَر ومائة وألف (1119 هـ)، وقيل: سنة خمس عشر ومائة وألف (1115 هـ). "البدر الطالع"(1/ 230 - 231 رقم 153).
(1)
وهي ضعيفةٌ.
• أخرجَه أبو داود (5/ 172 رقم 4840)، وابن ماجه (1/ 610 رقم 1894)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(رقم 494)، وابن حبان في صحيحه (1/ 102 رقم 1، 2)، والدارقطني (1/ 229 رقم 1، 2)، والبيهقي (3/ 258 - 209)، والطبراني في "الكبير"(19/ 72 رقم 00/ 141)، وأحمدُ في "المسند"(2/ 359) والسبكي في "طبقات الشافعية"(1/ 7، 15، 16) من طرقٍ موصولًا.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ كلام لا يُبْدأ فيه بالحمدُ للَّهِ فهو أجذمُ"، وفي رواية:"كل أمر ذي بالٍ لا يُبدأ فيه بحمد اللَّهِ فَهو أقطعُ".
• وأخرجه النَّسَائِي في "عمل اليوم والليلة"(رقم: 495، 496)، عن الزهري مرسلًا من طريقين.
وذكره المِزِّي في "تُحفةِ الأشرافِ"(13/ 368)، في قسم المراسيل، وقالَ أبو داود: رواه =
قالَ المُناوي
(1)
في "التعريفاتِ" في حقيقةِ الحمدِ: إنَّ الحمدَ اللغويَّ: الوصفُ بفضيلةٍ على فضيلةٍ على جهةِ التعظيم بِاللسانِ، والحمدَ العرفيَّ: فِعْلٌ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ المُنْعِمِ لكونِهِ مُنْعِمًا، والحمدَ القوليَّ: حمدُ اللسانِ وثناؤُهُ على الحقِ بما أثنى بِهِ على نَفْسِهِ على لسانِ أنبيائِهِ ورسُلِهِ، والحمدَ الفعليَّ: الإتيانُ بالأعمالِ البدنيةِ ابتغاءَ وجْهِ اللَّهِ تعالى.
وذكرَ الشارحُ التعريفَ المعروفَ للحمدِ بأنَّهُ لغةً: الوصفُ بالجميلِ على الجميل الاختياري، واصطلاحًا: الفعلُ الدال على تعظيمِ المنعمِ من حيثُ إنَّهُ مُنْعمٌ، واصلةً تلكَ النعمةُ أو غيرَ واصلةٍ.
واللَّهُ هو اسم للذات الواجب الوجودِ، المستحقُّ لجميعِ المحامِدِ.
النعمُ الظاهرة والباطنة
(عَلَى نِعَمِهِ) جمعُ نِعمةٍ.
قال الرازيُّ: النعمةُ المنفعةُ المفعولةُ على جهةِ الإحسانِ إلى الغير. وقال
= يونس، وعقيل، وشعيب، وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وقال الدارقطني: والمرسلُ هو الصواب.
وقال المحدثُ الألباني في "الإرواء"(1/ 32): وجملةُ القولُ أن الحديث ضعيف، لاضطراب الرواةِ فيهِ على الزهري، وكلُّ مَنْ رواهُ عنه موصولًا ضعيفٌ، أو السنَدُ إليهِ ضعيفٌ والصحيح عنه مرسلًا
…
" اهـ.
(1)
المُناوي: هو الإمامُ عبدُ الرؤوفِ بن تاجِ العارفينَ بن علي الحدادي المناوي.
وصفَهُ بالحافظ جماعَةٌ منهم صاحب "نشر المثاني"، بل حلَّاه بخاتمةِ الحفاظِ المجتهدين.
ولا شك أنه كان أعلمَ معاصريه بالحديثِ وأكثرَهم فيه تصنيفًا وإجادةً وتحريرًا، بل قال عنه المحبِّي في "خلاصة الأثر":"هو أَجَلُّ أهلِ عصرهِ مِنْ غيرِ ارتيابٍ".
ووصفَهُ الحافظُ المقري في "فتح المتعال" بالعلامة محدِّثِ العصر علامَةِ مصرَ وقال عنه: "لقيتهُ بالقاهرةِ وزرتُهُ في بيتِهِ وجاءني إلى منزلي"، ثم نقل عن شرحِهِ الكبيرِ على "الجامعِ الصغير" فقال:"الذي مزج فيه الشرحَ بالمشروحِ امتزاجَ الحياةِ بالروحِ".
ولد سنة (952 هـ) ومات بمصر سنةَ (1031 هـ).
انظر: "فهرس الفهارس"(2/ 560 - 562 رقم 319)، و"معجم المؤلفين"(5/ 220 - 221).
الراغب
(1)
: النعمةُ [ما قصدت]
(2)
بهِ الإحسانَ في النفعِ، والإنعامُ: إيصالُ الإحسانِ [الظاهر]
(3)
إلى الغيرِ، (الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ) مأخوذٌ مِنْ قولِهِ تعالى:{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}
(4)
. وقد أخرَج البيهقيُّ في "شُعب الإيمانِ"
(5)
عن عطاءٍ قالَ: سألتُ ابن عباسٍ عن قولِهِ تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (4).
قال: هذا مِنْ كُنوزِ علمي، سألتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ:"أَما الظاهرةُ فما سَوَّى مِنْ خَلْقِكَ، وأَمَّا الباطنةُ فما سَتَرَ مِنْ عورَتِكَ، ولو أبدَاهَا لقلاكَ أَهْلُكَ فمنْ سِواهُم".
وأخرجَ أيضًا عَنْهُ والديلمي وابنُ النَّجارِ
(6)
سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن هذِهِ الآيةِ فقالَ: "أمَّا الظَاهِرةُ فالإسلامُ، وما سوَّى مِنْ خَلْقِكَ، وما أَسْبَغَ عَلَيْكَ من رزقِهِ، وأمَّا الباطِنَةُ فما سَتَر مِنْ عَمَلِكَ"، وفي روايةٍ عَنْهُ موقوفةٍ:"النعمةُ الظاهرةُ الإسلامُ، والباطنةُ كلُّ ما ستر عليكَ من الذنوبِ والعيوبِ والحدودِ"، أخرجَها ابنُ مردويه
(7)
عَنْهُ.
(1)
في "المفردات"(ص 499).
قلت: وهو الحسينُ بنُ محمدِ بن المفضَّلِ، أبو القاسِم، المعروفُ بالراغب الأصفهاني: أديب، إمام، من حكماء العلماء، اشتهر بالتفسير وَاللغة. أصله مِنْ أصفهانَ وعاشَ ببغدادَ. من كتبه "تحقيق البيان في تأويل القرآنِ " و"تفسير الراغب" - لعله جامعُ التفاسير - وقد طبعت مقدِّمَتُهُ. قال صاحبُ "كشف الظنونِ": وهو تفسيرٌ معتبرٌ في مجلدٍ أوردَ في أولهِ مقدماتٍ نافعةً في التفسير وطرزه أنه أورد جملًا من الآيات ثم فسَّرها تفسيرًا مشبعًا، وهو أحَدُ مآخذ "أنوار التنزيل" للبيضاوي و"درَّة التأويل في متشابه التنزيل"، أوَّله:"اعلموا حملةَ الكتاب الكريم .... "، و"المفردات في غريب القرآن"، "تتبع فيه دوران كل لفظ في الآيات القرآنية، وأتى بالشواهد عليه من الحديث والشعر، وأورد ما أخذ منه من مجاز وتشبيه ورتبه على الألفباء، فأصبح من أهم الكتب المفسِّرة لألفاظ القرآن". "معجم المفسرين" لعادل نويهض (1/ 158 - 159)، و"معجم المطبوعات العربية والمعربة" جمع يوسف إليان سركيس (1/ 922).
(2)
في النسخة (أ): "ما قصد".
(3)
زيادة من النسخة (ب).
(4)
سورة لقمان: الآية 20.
(5)
(4/ 120 رقم 4504).
(6)
عزاه إليهما السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 525).
(7)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 526).
وفِي روايةٍ عَنْهُ موقوفةٍ أيضًا: "النعمةُ الظاهرةُ والباطنةُ هي لا إله إلا اللَّهُ"، أخرجَها عنه ابنُ جرير
(1)
وغير. وتَفْسِيرُهُما ما قالَهُ مُجاهدٌ: نعمةٌ ظاهرة هي لا إله إلا اللَّهُ على اللسانِ، وباطنةٌ قالَ: في القلب، أخرجَهَا سعيدُ بنُ منصورٍ وابنُ جريرٍ
(2)
. وفسَّرَهُمَا الشارحُ بما هو معروفٌ، ورَأيْنَا التفسيرَ المرفوعَ، وتفسيرَ السلفِ أولى بالاعتمادِ.
(قديمًا وَحَدِيثًا) منصوبان على أنَّهُمَا حالانِ مِنْ نِعَمِهِ ولم يؤنَثْ؛ لأنَّ الجمعَ لما أُضِيفَ صارَ للجنسِ فكأنَّهُ قال: على جنسِ نعمهِ. ويُحتَملُ النَّصْبُ على الظرفية، وأنَّهُمَا صفةٌ لزمانٍ محذوفٍ، أي: زمانًا قديمًا وحديثًا. والقديمُ ما تقدَّم زمنه على الزمن الحاضر، والحديث ما حضر منه، ونِعمُ الرب تعالى قديمة على عبدِه من حينِ نَفخ فيه الروح، ثم في كل آنٍ من آنات زمانِهِ؛ فهي مسبَغةٌ عليهِ في قديم زمنه وحديثهِ، وحالِ تكلُّمِهِ، ويُحتملُ أنْ يرادَ بقديم النعمِ التي أنعم الله بها على الآباءِ فإنها نِعمٌ على الأبناء، كما أمرَ اللَّهُ بني إسرائيلَ بذكر نعمه التي أنعمَ بها على آبائهم فقالَ:{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}
(3)
. الآيات في مواضِعَ من القرآنِ أشارَ إليهِ الشارحُ رحمه الله، إلا أنهُ قال:(يا بني إسرائيل اذكروا نعمة الله) الآية. والتلاوةُ نعمتي فكأنه سبق قلم، ويراد بالحديث ما أنعم الله به على عبدِه مِنْ حينِ نفخ فيه الروح، فهي حادثةٌ نظرًا إلى النعمةِ على الآباءِ.
معنى الصلاة والسلام على رسول الله
(وَالصَّلَاةُ) عطف اسميةٍ على اسميةٍ؛ وهل هما خبريَّتانِ أو إنشائيَّتانِ؟ فيه خلافٌ بينَ المحققينَ، والحقُّ أنهما خبريَّتان لفظًا يرادُ بها الإنشاءُ.
ولما كانت الكمالاتُ الدينيةُ والدنيويةُ، وما فيه صلاحُ المعاشِ والمعاد فائضةً من الجنابِ الأقدسِ على العباد بواسطَةِ هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ناسَبَ
(1)
عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 526) إلى الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(2)
عزاه إليهما السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 526).
(3)
سورة البقرة: الآية 40.
إِرْدافُ الحمدِ للَّهِ بالصلاةِ عليه والتسليم لذلك؛ وامتثالًا للآية الكريمة: [{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}
(1)
]، ولحديث:"كل كلام لا يذكر الله فيه، ولا يصلى عليَّ فيه، فهو أقطعُ أكتعُ ممحوقُ البركةِ"
(2)
، ذكره في الشرح ولم يخرجْهُ. وفي "الجامع الكبير" أنَّهُ أخرجَهُ الديلمي، والحافظُ عبدُ القادرِ بن عبدِ اللَّهِ الرهاوي في "الأربعينَ" عن أبي هريرَةَ، قال الرهاوي: غريبٌ تفرَّدَ بذكرِ الصلاةِ فيهِ إسماعيلُ بنُ أبي زياب الشاميُّ وهو ضعيف جدًّا
(3)
لا يُعتدُّ بروايتِهِ ولا بزيادتِهِ، انتهى.
والصلاةُ من اللَّهِ لرسولِهِ: تشريفهُ وزيادَةُ تكرِمَتِهِ، فالقائِلُ: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ طالبٌ لهُ زيادَةَ التشريف والتَّكْرِمَةِ. وقيلَ: المرادُ منها آتِهِ الوسيلة، وهي التي طلب صلى الله عليه وسلم من العبادِ أن يسألوها لَهُ، كما يأتي في الأذان.
(والسَّلامُ)، قال الراغب
(4)
: السلامُ والسلامَةُ التعرِّي من الآفاتِ الباطِنَةِ والظاهرِةِ. والسلامةُ الحقيقيةُ لا تكون إلا في الجنةِ؛ لأنَّ فيها بقاء بلا فناءِ، وغَناءَ بلا فَقْرٍ، وعِزًا بلا ذُلٍّ، وصحةً بلا سَقَمٍ.
(على نبيِّه) يتنازعُ فيه المصدران قبله، [والنبيُّ من النَّبْوَة وهي الرِّفعة]
(5)
، فعيل بمعنى مُفْعِلٍ، أي: المنبئُ عن اللَّهِ بما تَسكنُ إليه العقولُ الزاكية. والنبوَّةُ سَفارَةٌ بين اللَّهِ وبينَ ذوي العقولِ من عِبادِهِ؛ لإزاحةِ عِلَلِهِم في معاشِهِم ومعادِهِمْ. (وَرَسولِهِ) في الشرح: النبيُّ في لسانِ الشرع عبارةٌ عن إنسان أُنزلَ عليهِ شريعَةٌ من عندِ اللَّهِ بطريقِ الوحي، فإذا أُمِرَ بتبليغِهَا إلى الغَيْرِ سُمِّيَ رسولًا. وفي "أنوار التنزيل"
(6)
: الرسول مَنْ بعثَهُ اللَّهُ بشريعة مجدِّدة يدعو الناسَ إليها، والنبيُّ أعمُّ
(1)
سورة الأحزاب: الآية 56، وهي غير موجودة في النسختين (أ) و (ب). بل هي من المطبوع.
(2)
وهو حديث ضعيف. رواه أبو الحسين أحمد بن محمد بن ميمون في فضائل علي. كما في تخريج أحاديث "إحياء علوم الدين"، جمع واستخراج أبي عبد الله محمود بن محمد الحداد (1/ 535)، وقد تقدم الكلام عليه في مقدمة المؤلف.
(3)
بل هو متروك يضع الحديث. انظر: "الميزان"(1/ 231 رقم 884).
(4)
في مفرداته (ص 239).
(5)
في النسخة (أ): "والنبي من الأنبياء" والمثبت من (ب).
(6)
للإمام أبي سعيد عبد الله بن عمر البيضاوي، وقد حقَّقته وللَّه الحمد.
منهُ. والإضافة إلى ضميره [تعالى]
(1)
في رسوله وما قبلهُ عهديةٌ، إذ المعهودُ هُوَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم فزادَهُ بيانًا بقوله:(مُحَمَّدِ)، فإِنَّهُ عطفُ بيانٍ على نبيهِ، وهو عَلَمٌ مشتَّقٌ من حُمِّدَ، مجهولٌ مُشَدَّدُ العينِ، أيْ:[كثير]
(2)
الخِصالِ التي يُحْمَدُ عليها. [فهو يُحْمَدُ] أكثر مِمَّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ من البشر، فهو أبلَغُ من محمودٍ؛ لأن هذا مأخوذٌ من المزيدِ، وذاك من الثلاثي. وأبلغ من أَحْمَدَ؛ لأنَّه أَفعلُ تفضيل مشتقٌّ من الحمد.
وفيه قولانِ: هل هو أكثَرُ حامديةً للَّهِ تعالى فهو أحْمَدُ الحامدين [للَّه]
(3)
، أو هو بمعنى أكثر محمودية فيكون كمُحمدٍ في معناهُ. وفي المسألة خِلافٌ وجدالٌ، وَالمختارُ ما ذَكرنَاه [أولًا]
(4)
، وقرَّرَهُ المحققونَ. وأطالَ فيهِ ابنُ القيمِ في أوائل "زادِ المعاد"
(5)
.
(وآله)
(6)
والدعاء للآل بعد الدعاء له صلى الله عليه وسلم امتثالًا لحديثِ التعليمِ، وسيأتي في الصلاة
(7)
، وللوجهِ الذي سنذكر قريبًا.
معنى الصحابي
(وصحبه) اسم جمع لصاحبٍ. وفي المرادِ بهم أقوالٌ اختارَ المصنفُ في "نُخْبَةِ الفِكرِ" أن الصحابي من لَقي النبيَّ صلى الله عليه وسلم وكان مؤمنًا وماتَ على الإسلامِ
(8)
.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في النسخة (أ): (الكثير).
(3)
زيادة من النسخة (ب).
(4)
زيادة من النسخة (ب).
(5)
(1/ 89 - 93).
(6)
زيادة من النسخة (ب).
(7)
رقم (49/ 300) من حديث أبي مسعود الأنصاري.
(8)
قال ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة"(1/ 7، 8): "وأصحُّ ما وقفتُ عليهِ من ذلك أن الصحابيَّ: مَنْ لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به وماتَ على الإسلام.
فيدخل فيمنْ لقيَهُ مَنْ طَالَتْ مجالَسَتُهُ لَهُ أوْ قَصُرَتْ، ومن روى عنَه أو لم يَرْوِ، ومن غزا مَعَهُ أو لم يغزُ، ومن رآه رؤيةً ولم يجالسه، ومن لم يرهُ لعارضٍ كالعمى.
• ويدخل في التعريف: كلُّ مكلَّف من الجن والإنس، وكل من لقيهُ مؤمنًا ثم ارتَدَّ، ثم عادَ إلى الإسلام وماتَ مسلمًا، سواءٌ اجتمع بهِ صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى أم لا، وهذا هو الصحيحُ المعتمدُ كالأشعثِ بن قيس، فإنَّهُ ارتدَّ ثم عادَ إلى الإسلام في خلافة أبي بكر الصديق صلى الله عليه وسلم وماتَ مسلمًا. فقد اتفق أهل الحديثِ على عدِّهِ من الصحابة.
• ويخرجُ مِنَ التعريف:
مَنْ لَقِيَهُ كافرًا، ولو أسلمَ بعد ذلك، إذا لم يجتمع بهِ مرة أخرى.
ومن لَقِيهُ مؤمنًا بغيرِهِ، كمن لقيهُ من مؤمني أهلِ الكتاب قبلَ البعثةِ.
ومن لَقِيَهُ مؤمنًا به، ثم ارتدَّ وماتَ على ردَّتِهِ والعياذُ باللَّهِ.=
ووجه الثناء عليهم وعلى الآل بالدعاء لهم هو الوجه في الثناء عليه صلى الله عليه وسلم بعدَ الثناءِ على الربِّ؛ لأنهم الواسطة في إبلاغِ الشرائع إلى العباد فاستحقوا الإحسانَ إليهم بالدعاء لهم {الَّذِينَ سَارُوا في نُصْرَةِ دِينِهِ} هو صفة للفريقين الآلِ والأصحاب، والسَّيْرُ هنا يراد به الجِدُّ والاجتهادُ والنصرُ. والنُّصرَةُ العَوْنُ. والدينُ وضعٌ إلهيٌّ يدعو أصحاب العقول إلى القَبولِ لما جاءَ بهِ الرسولُ، والمراد أنهم أعانوا صاحبَ الدينِ المبلغَ وهو الرسول. وفي وصفهم بهذا إشارةٌ إلى أنهم استحقوا الذِّكرَ والدّعاءَ بذلك.
(سَيْرًا) مصدرٌ نوعيٌّ لوصفِهِ بقولِهِ: (حثيثًا)؛ فإن المصدر إذا أُضيفَ أو وُصِفَ كان للنوع، والحثيثُ السريعُ كما في "القاموس"
(1)
، وفي نسخة (في صحبته) وهي عِوضٌ عن قولهِ [في] نصرةِ دينه (وَعَلَى أَتْباعِهِم) أتباعِ الآل والأصحابِ.
العلم ميراث الأنبياء
(الَّذِينَ وَرِثُوا عِلْمَهُمْ) وهو علمُ الكتابِ والسنةِ، (وَالعُلَماءُ وَرَثَةُ الأنبياءِ) هو اقتباسٌ من حديث:"العلماءُ ورثَةُ الأنبياء"، أخرجه أبو داود
(2)
، وقد ضُعِّفَ، وإِليهِ أَشَارَ بعضُ علماءِ الآل فقال:
= ثم قال: وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين: كالبخاري وشيخه أحمدَ بن حنبل ومن تبعهما، بتصرف. اهـ.
(1)
"المحيط"(ص 213).
(2)
في "السنن"(10/ 72) مع "العون"، وهو حديث حسن.
قلت: وأخرجه الترمذي (7/ 450) مع "التحفة"، وابن ماجه (1/ 81 رقم 223)، وأحمد (1/ 149)"الفتح الرباني"، وابن حبان (1/ 289)"الإحسان"، والدارمي في "السنن"(1/ 98).
وأورد البخاري طرفًا من الحديث في صحيحه في (العلم: باب العلمُ قبلَ القولِ والعملِ).
وقال الحافظ في "الفتح"(1/ 160): "طرف من حديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم مصحَّحًا من حديث أبي الدرداء، وحسَّنه حمزةُ الكِناني، وضعَّفه غيرهم بالاضطراب في سنده، ولكن له شواهد يتقوَّى بها".
قلت: وقد ذكر الخلافَ أيضًا الحافظُ ابنُ عبدِ البرِّ في "جامع بيان العلم" وأطال فيه، فراجعه (1/ 33 - 37).
وقال المحدِّث الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 33) التعليقة (3): ومدار الحديث على "داود بن جميل" عن "كثير بن قيس" وهما مجهولان؛ لكن أخرجه أبو داود من طريق أخرى عن أبي الدرداء بسند حسن. وقد حسَّن الحديث الألبانيُّ.
العلمُ ميراثُ النبيِّ كذا أتى
…
في النَّصِّ والعلماءُ هُمْ ورَّاثُهُ
ما خَلَّفَ المختارُ غَيْرَ حديثِهِ
…
فينا فذاكَ متاعُهُ وأثاثه
(أَكْرِمْ) فعلُ تعجُب، (بِهِمْ) فاعلُه والباءُ زائدةٌ، أو مفعولٌ بهِ وفيهِ ضميرُ فاعلهِ
(1)
، (وَارثًا) نُصِبَ عَلى التمييزِ وهو ناظرٌ إلى الأتباع (وَمَوْرُوثًا) ناظرٌ إلى مَنْ تقدمَهم، وفيهِ مِنَ البديعِ اللفُّ والنَّشْرُ مُشَوشًا، ويحتملُ عودُ الصِّفَتَيْنِ إلى الكُلِّ من الآلِ والأصحابِ والأتباعِ؛ فإن الآلَ والأصحابَ ورثوا علمَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَوَرَّثوه للأتباع، فهُمْ وارثونَ مُوَرِّثُونَ، وكذلك الأتباعُ وَرِثوا علم مَنْ تَقدَّمهُمْ أيضًا، ووَرَّثوا أَتباعَ الأتْبَاعِ، ولعل هذا أولى لعمومِهِ.
(أَمَّا) هي حرفُ شرطٍ، وقولُهُ:(بَعْدُ) قائمٌ مقامَ شرطها، وبَعْدُ ظرفٌ له ثلاثُ حالات: إضافَتُهُ، فيُعربُ كقوله تعالى:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ}
(2)
، وقَطْعُهُ عن الإضافةِ معَ نيةِ المضافِ إليه، فَيُبنَى على الضَّمِّ نحوُ:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}
(3)
، وَقَطْعُهُ عن الإضافة معَ عدمِ نيةِ المضاف إليه، فيُعرب منَوَّنًا [كقوله]:
فساغَ ليَ الشرابُ وكُنْتُ قَبْلًا
…
[أكادُ أَغَصُّ بالماءِ الفُرات]
(4)
(فَهذَا) الفاءُ جوابُ الشرطِ، واسمُ الإشارَةِ لما في الذِّهْنِ من الألفاظ والمعاني، (مُخْتَصَرٌ) في "القاموس"
(5)
: اختصر الكلام أوجزهُ، (يَشْتمِلُ) يحتوي.
معنى الأصل والدليل لغة وعُرفًا
(عَلَى أْصُول) جمعُ أَصْل، وهُوَ أَسفَلُ الشَّيءِ كما في "القاموس"
(6)
، وفسَّرهُ في الشرح بما هو معروف بما يُبنى عليهِ غيرُهُ.
(1)
كقوله: أَكْرِمْهُمْ.
(2)
سورة آل عمران: الآية 137.
(3)
سورة الروم: الآية 4.
(4)
زيادة غير موجودة في النسخة (أ) و (ب) بل هي من المطبوع.
(5)
"المحيط"(ص 492).
(6)
"المحيط"(ص 1242).
(الأَدِلَّةِ) جمعُ دليلٍ [وهو في اللغةِ المرشِدُ إلى المطلوب]
(1)
، وهو في عُرف الأصوليينَ ما يُمْكِنُ التوصُّلُ بالنظرِ الصحيحِ فيهِ إلى مطلوب خبريّ، وعندَ أهلِ الميزانِ: ما يلزَمُ منَ العلمِ بهِ العلمُ بشيء آخَرَ. وإضافَة الأصولِ إلى الأدِلَّةِ بيانِيَّةٌ، أي: الأصول هيَ الأدلَّة، وهي أربعةٌ: الكتابُ، والسنةُ، والإجماعُ، والقياسُ.
(الحَدِيثيَّةِ) صفةٌ للأصولِ مخصصَةٌ عن غيرِ الحديثيةِ، وهي نسبةٌ إلى حديثِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(للأحكامِ) جمعُ حكيم، وهو عندَ أهلِ الأصولِ خطابُ اللَّهِ تعالى المتعلِّقُ بأفعالِ المكلَّف من حيثُ إنهُ مكلفٌ وهي خمسةٌ: الوجوبُ، والتحريمُ، والندبُ، والكراهَةُ، والإباحَةُ.
(الشَّرْعِيَّةِ) وصفٌ للأحكامِ يخصِّصُها عن العقليةِ. والشرعُ ما شرعَهُ اللَّهُ لعبادِهِ كما في "القاموس"
(2)
، وفي غيرهِ: الشرع نهجُ الطريقِ الواضح، واستعيرَ للطريقة الإلهية منَ الدينِ.
(حَرَّرْتُة) بالمُهملات، والضميرُ للمختصَرِ، في "القاموس"
(3)
: تحريرُ الكلام، وغيرِهِ: تقويمُهُ، وهو يناسبُ قولَ الشارحِ تهذيبُ الكلامِ وتنقيحُهُ، (تَحْرِيرًا) مصدرٌ نوعيٌّ لوصفهِ بقولِهِ:(بَالِغًا) بالغينِ المعجمةِ، في "القاموس"
(4)
: البالغُ الجيدُ (لِيَصِيرَ) علةً لحرَّرتْهُ.
(مَنْ يَحْفَطة مِنْ بَيْنِ أَقْرَانِهِ) جمع قِرْنٍ بكسر القاف، وسكون الراء، وهو الكَفْوُ والمِثْلُ، (نَابِغًا) بالنونِ وموحدةٍ ومعجمةٍ، مِنْ نَبَغَ.
قال في "القاموس"
(5)
: النابغةُ الرجلُ العظيمُ الشأنِ. (وَيَسْتَعينَ) عطفٌ على لِيصيرَ (بهِ الطَّالِبُ) لأدلةِ الأحكامِ الشرعيةِ الحديثيةِ (المُبْتَدي)؛ فإنه قد قَرَّبَ له الأدلةَ وهذَّبَها، (وَلا يَسْتَغْنِي عَنْه الرَّاغِبُ) في العلوم (المُنْتَهِي) البالغُ نهايةَ
(1)
زيادة من النسخة (ب).
(2)
"المحيط"(ص 946).
(3)
"المحيط"(ص 479).
(4)
"المحيط"(ص 1007).
(5)
"المحيط"(ص 1018).
مطلوبه؛ لأن رغبتَهُ تبعثُهُ على أَنْ لا يستغني عن شيءٍ فيه، سيَّما ما قَدْ هذُبَ وَقَرُبَ.
(وقَدْ بَيَّنْتُ عَقِبَ) من عَقبه إِذا خلَفَهُ كما في "القاموس"
(1)
، أي: في آخِرِ (كُل حَدِيثٍ مَنْ أَخْرَجَه مِنَ الأَئِمَّةِ) من ذكرِ إسناده وسياق طُرقه (لإِرَادَةِ نُصْحِ الأُمَّةِ) عِلَّة لذكرِهِ مَنْ خَرَّجَ الحديثَ، وذلك لأن فِي ذكر مَنْ أَخْرَجَهُ عِدَّةَ نصائِحَ للأُمةِ:
(منها): بيانُ أَنَّ الحديثَ ثابتٌ في دواوينِ الإسلامِ، (ومنها): أنهُ قد تداولتة الأئمةُ الأعلامُ، (ومنها): أنة قد تَتَبَّعَ طرقَة وبيَّنَ ما فيها مِنْ مقالٍ مِنْ تصحيحٍ وتحسين وإعلالٍ، (ومنها): إرشادُ المنتهي أَنْ يراجِعَ أصولَها التي منها انْتُقي هذا المختَصَر
(2)
. وكان يحسنُ أَنْ يقولَ المصنفُ بعدَ قولِه: (مَنْ أَخرَجَهُ منَ
(1)
"المحيط"(ص 149).
(2)
وإليك أخي القارئ أشهر فوائد التخريج:
1 -
معرفة مصدر أو مصادر الحديث؛ فبالتخريج يستطيع الباحث أن يعرف مَنْ أخرج الحديث من الأئمة، ومكان هذا الحديث في كتب السنة الأصلية.
2 -
جمع أكبر عدد من أسانيد الحديث، فبالتخريج يتوصل الباحث إلى موضع أو مواضع الحديث من الكتاب الواحد أو الكتب المتعددة، فيعرف مثلًا أماكن وروده في "صحيح البخاري" وقد تكون متعددة، ويعرف أيضًا أماكن وروده عند غير البخاري، وفي كل موضع يعرف الإسناد فيكون قد حصل على أسانيد متعددة للحديث.
3 -
معرفة حال الإسناد بتتبع الطرق، فبالوصول إلى طرق الحديث يمكن مقابلتها ببعضها فيظهر ما فيها من انقطاع أو إعضال
…
إلخ.
4 -
معرفة حال الحديث بناء على كثير من الطرق، فقد نقف على الحديث من طريق ما ضعيفًا، وبالتخريج نجد له طرقًا أخرى صحيحة، وقد نقف له على إسناد منقطع فيأتي - بالتخريج - ما يزيل هذا الانقطاع.
5 -
ارتقاء الحديث بكثرة طرقه: فقد يكون معنا حديث ضعيف، وبالتخريج نجد له متابعات وشواهد تقوِّيه، فنحكم له بالحسن بدل الضعف.
6 -
معرفة حكم أو أحكام الأئمة على الحديث، وأقوالهم فيه من حيث الصحة وغيرها.
7 -
تمييز المهمل من رواة الإسناد: فإذا كان في أحد الأسانيد راو مهمل، مثل:"عن محمد" أو "حدثنا خالد"، فبتخريج الحديث والوقوف على عددٍ من طرقه، قد يتميز هذا المهمل؛ وذلك بان يذكر في بعضها مميزًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 8 - تعيين المبهم في الحديث، فقد يكون معنا راو مبهم أو رجل في المتن مبهم، مثل:"عن رجل" أو "عن فلان" أو "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم"، فبتخريج الحديث نقف على عدد من طرقه، وقد يكون في بعضها تعيين هذا المبهم.
9 -
زوال عنعنة المدلس: وذلك بأن يكون عندنا حديث بإسناد فيه مدلس يروي عن شيخه بالعنعنة، - مما يجعل الإسناد منقطعًا - وبالتخريج يمكن أن نقف على طريق آخر، يروي فيه هذا المدلس عن شيخه بما يفيد الاتصال، كـ"سمعت" و"حدثنا" و"أخبرنا" مما يزيل سمة الانقطاع عن الإسناد.
10 -
زوال ما نخشاه من الرواية عمن اختلط: فإذا كان معنا حديث في إسناده من اختلط، ولا ندري هل الراوي عنه في إسنادنا هذا روى عنه قبل الاختلاط أو بعده، فبالتخريج قد يتضح ذلك، كأن يصرح في بعض الطرق بأن هذا الراوي روى عنه قبل الاختلاط، أو أن يرويه عنه راو لم يسمع منه إلا قبل الاختلاط، مما يؤيد الحديث الذي معنا، ويفيد أنه ليس مما اختلط فيه.
11 -
تحديد من لم يحدَّد من الرواة: فقد يُذكر الراوي في إسناد معنا بكنيته أو لقبه أو نسبته، ويشاركه في هذه الكنية أو اللقب أو النسبة كثيرون مما يجعل تحديده متعذرًا، فبالتخريج قد نعرف اسمه، بأن يذكر في إسناد أو أكثر باسمه صريحًا.
12 -
معرفة زيادة الروايات: فقد يكون الرواية التي معنا غير مشتملة على ما يفيد الحكم صراحة، وبالتخريج نقف على بقية الروايات، وفي زياداتها ما يفيد في الحكم أو يفيد الحكم صراحة، أو به يتضح المعنى.
13 -
بيان معنى الغريب: فقد يكون في حديث لفظة غريبة، وبتخريجه من الروايات الأخرى تتضح هذه، بأن يأتي مكانها لفظة ليست غريبة، أو يشتمل الحديث على بيانها.
14 -
زوال الحكم بالشذوذ: فقد يحكم على حديث أو لفظة بالشذوذ، وبالتخريج الذي يوقفنا على كثير من الروايات - يتضح لنا ورود هذا من غير هذا الطريق، الذي يظن تفرد راو به، مما يدفع القول بالشذوذ.
15 -
بيان المدرج: فقد يدرج الراوي كلامًا في المتن، وبالتخريج يمكن مقارنة الروايات، بما يبيِّن الإدراج.
16 -
بيان النقص: فقد ينسى الراوي جزءًا من الحديث، أو يختصره، وبالتخريج يمكننا الوقوف على ما نسيه، أو اختصره.
17 -
كشف أوهام وأخطاء الرواة: فقد يخطئ الراوي أو يهم، وبالتخريج - الذي يوقفنا على عدد من الروايات - يتضح هذا.
18 -
معرفة الرواية باللفظ: فقد يروي راو الحديث بالمعنى، وبالتخريج نقف على رواية من رواه باللفظ.
19 -
بيان أزمنة وأمكنة الأحداث: فبجمع روايات الحديث قد يمكننا معرفة زمانه ومكانه، =
الأئمةِ): وما قيلَ في الحديثِ مِنْ تصحيح وتحسينٍ وتضعيفٍ، فإنَّه يذكُرُ ذلكَ بعد ذكر من خَرَّجَ الحديثَ في غالبِ الأحاديث كما ستعرفُه.
(فَالمُرَاد) أي: مرادي (بالسَّبْعةِ) لأنَّهُ ليسَ مُرادًا لكل مصنفٍ، ولا هو جنسُ المرادِ، بل اللام عِوَضٌ عن الإضافة، والفاءُ جوابُ شرط محذوفٌ، أي: إذا عرفْتَ ما ذكرتهُ فالمرادُ بالسبعةِ حيثُ يقولُ عَقيبَ الحديثِ: أخرجَهُ السبعَة، هم الذين بيَّنهم بالإبدالِ من لفظ العدد.
ترجمة الإمام أحمد بن حنبل
(أَحْمَدُ)
(1)
هو أبو عبد الله أحمد بن محمدِ بن حنبلٍ، وقد وسَّع الشارحُ أوسَّع اللَّهُ عليه، في تراجم السبعة، فنقتصر على قَدْرٍ يُعْرفُ به شريف صفاتِهِمْ، وأزمنَةُ ولادتِهِم ووفاتِهِم. فنقولُ: ولد أحمد [بن محمد] بن حنبل في شهر ربيع الأول سنَة أربع وستينَ ومائة، وطلب هذا الشأنَ صغيرًا، ورحلَ لطلبهِ إلى الشام والحجازِ واليمنِ وغيرِها، حتى أُجمِعَ على إمامتِه وتقواه وورعه وزهادته.
قال أبو زُرعة: كانت كتبهُ اثني عشر حِملًا وكلان يحفظُها على ظهرِ قلبهِ، وكان يحفظ ألف ألف حديث. وقال الشافعي: خرجتُ من بغدادَ وما خلَّفْتُ بها
= إذ قد يذكر في بعضها ذلك.
20 -
بيان أعلام الحديث: فقد يَرِدُ الحديث بسبب شخص أو أشخاص، وبالتخريج يمكننا جمع روايات هذا الحديث والتي قد يتضح منها الشخص - أو الأشخاص - الذين ورد الحديث بسببهم.
21 -
معرفة أخطاء النسّاخ: فقد يخطئ الناسخ في الإسناد أو في المتن، وبالتخريج يمكننا الوقوف على الروايات، وبها يتضح هذا الخطأ. وهذه الفائدة عظم شأنها في هذه الأيام؛ لكثرة أخطاء النشر.
انظر: كتاب "طرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " للدكتور: أبو محمد عبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي (ص 11 - 14).
(1)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 5 رقم 1505)، و"الجرح والتعديل"(2/ 68 - 70 رقم 126)، و"تاريخ بغداد"(4/ 412 - 423 رقم 2317)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 115 - 112 رقم 45)، و"تذكرة الحفاظ"(2/ 431 - 432 رقم 438)، ولابن الجوزي:"مناقب الإمام أحمد بن حنبل".
وللشيخ محمد أبي زهرة: "ابن حنبل".
أتقى ولا أزهَد ولا أورَعَ ولا أعلمَ منه. وألَفَ "المسندَ الكبيرَ" أعظمَ المسانيدِ وأحسنَها وضعًا وانتقادًا، فإنه لم يُدْخِلْ فيهِ إلا ما يُحتج بهِ مع كونِهِ انتقاهُ من أكثَر من سبعمائةِ ألفِ حديثٍ وخمسينَ ألف حديثٍ.
وكانتْ وفاتُهُ سنةَ إحدى وأربعينَ ومائتينِ على الأصح ببغدادَ مدينةِ السلامِ، وقبْرهُ بها معروفٌ مَزورٌ. وقد أُلِّفتْ فِي ترجمَتَهِ كتبٌ بسيطةٌ مستقلةٌ.
ترجمة الإمام البخاري
(وَالْبُخَاريُّ)
(1)
هو الإمام القدوةُ في هذا الشأنِ، أبو عبدِ اللَّهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ، مولدُهُ في شوالَ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومائةٍ.
طلبَ هذا الشأنَ صغيرًا وردَّ على بعضِ مشايخِه غلطًا، وهو في إحدى عشرَةَ سنة [فأصلحَ]
(2)
كتابَهُ من حفظِهِ. سمع الحديث ببلدةِ بخارى، ثم رحل إلى عدة أماكِنَ، وسمعَ الكثيرَ وَألَّفَ الصحيحَ منهُ من زهاءِ ستمائةِ ألفِ حديثٍ ألفهُ بمكَّةَ وقالَ: ما أدخلتُ فيهِ إلا صحيحًا، وأحفظُ مائةَ ألفِ حديثٍ صحيح، ومائتي ألفِ حديث غير صحيح، وقد ذكر تأويلَ هذه العدة في الشرحِ.
وقد أُفْرِدَتْ ترجمتُهُ بالتأليف وذكرَ المصنفُ منها شطرًا صالحًا في مقدمة "فتح الباري". وكانت وفاتُهُ بقريةِ سمرقَنْدَ وقْثَ العِشاءِ ليلةَ السبتِ، ليلةِ عيدِ الفطرِ سنة ست وخمسين ومائتينِ عن اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا، ولم يُخَلِّفْ ولدًا.
ترجمة الإمام مسلم
(وَمُسْلِمٌ)
(3)
هو الإمامُ الشهيرُ مسلمُ بنُ الحجاجِ القشيري، أحدُ أئمةِ هذا
(1)
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(7/ 191 رقم 1086)، و"تاريخ بغداد"(2/ 4 - 34) و"طبقات الحنابلة"(1/ 271 - 279 رقم 387)، و"تذكرة الحفاظ"(2/ 555 - 557 رقم 578)، و"طبقات الشافعية" للسبكي (2/ 212 - 241 رقم 54)، و"شذرات الذهب"(2/ 134 - 136).
(2)
في النسخة (ب): "وأصلح".
(3)
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(8/ 182 رقم 797)، و"تاريخ بغداد"(13/ 100 - 104 رقم 7089)، و"طبقات الحنابلة"(1/ 337 - 339 رقم 488)، و"تذكرة الحفاظ" =
الشأنِ، ولد سنة أربع ومائتين، وطلب علم الحديث صغيرًا، وسمِعَ من مشايخ البخاري وغيرهم، وروى عنه أئمةٌ من كبارِ عصرِهِ وحفَّاظهِ، وألَّفَ المؤلفاتِ النافعةَ، وأنفعُها صحيحُهُ الذي فاقَ بحسنِ ترتيبِهِ، وحُسنِ سياقِهِ، وبديعِ طريقَتِهِ وحاز نفائِسَ التحقيق.
وللعلماءِ في المفاضلةِ بينهُ وبينَ صحيحِ البخاريِّ خلافٌ، وأنصفَ بعضُ العلماءِ في قولهِ:
تشاجَرَ قومٌ في البخاريِّ ومُسلمٍ
…
إليَّ وقالوا: أيُّ ذَيْنِ تُقَدِّمُ؟
فقلتُ: لَقَدْ فاقَ البخاريُّ صِحَّةً
…
كما فاقَ في حُسْنِ الصناعَةِ مُسلمُ
وكانت وفاتُهُ عشيَّةَ الأحَدِ لأربعِ بقينَ من شهر رجبَ سنةَ إحدى وستينَ ومائتينِ، ودُفنَ يومَ الاثنينِ بنيسابورَ، وقبرُهُ بها مشهورٌ مَزورٌ.
ترجمة أبي داود
(وَأَبو دَاوُدَ)
(1)
هو سليمانُ بنُ الأشعثِ السجستاني، مولدُهُ سنةَ اثنتينِ ومائتينِ، سمعَ الحديثَ من أحمدَ، والقَعْنَبِي، وسليمانَ بن حربٍ، وغيرِهم، وعنهُ خلائقُ كالترمذي والنسائي. وقال: كتبتُ عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائَةِ ألفِ حديثٍ، انتخبتُ منها ما تضمَّنَهُ كتابُ "السننِ" وأحاديثُهُ أربعةُ آلافِ حديثٍ وثمانمائة ليسَ فيها حديثٌ أجمع الناسُ على تركه.
روى سننَهُ ببغدادَ وأخذَها أهلُها عنهُ، وعرضَها على أحمدَ فاستجَاده واستحسنه.
قالَ الخطابي: هي أحسنُ وضعًا وأكثَرُ فقهًا مِنَ الصحيحين، وقالَ
= (2/ 588 - 590 رقم 613)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 89 - 92 رقم 131)، و"معجم المؤلفين"(12/ 232 - 233).
(1)
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(4/ 101 - 102 رقم 456)، و"معجم المؤلفين"(4/ 255 - 256)، و"تاريخ بغداد"(9/ 55 - 59 رقم 4638)، و"المنتظم"(5/ 97 - 98 رقم 219)، و"طبقات الحنابلة"(1/ 159 - 162 رقم 216)، و"تذكرة الحفاظ"(2/ 591 - 593 رقم 615).
ابنُ الأعرابي: مَنْ عندَهُ كتابُ اللَّهِ و"سننُ أبي داودَ" لم يحتجْ إلى شيءٍ معهما مِنَ العلمِ. ومِنْ ثمَّ صرَّحَ الغزالي بأنه يكفي المجتهدَ في أحاديث الأحكامِ، وتبعَهُ أَئمةٌ على ذلكَ. وكانت وفاته بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين.
ترجمة الإمام الترمذي
(والتِّرْمِذِيُّ)
(1)
هو أبو عيسى محمدُ بنُ عيسى بنُ سَوْرةَ التِّرْمِذي، مثلثُ الفوقية، والميم مكسورة ومضمومة، نسبة إلى مدينةٍ قديمةٍ على طرفِ جيحونَ نهرِ بلخ. لم يذكرِ الشارحُ، ولا الذهبي، ولا ابنُ الأثير
(2)
ولادته، وسمعَ الحديث عن البخاري وغيرِهِ من شيوخِ البخاري.
وكان إمامًا ثبتًا حجةً، وألفَ كتابَ "السننِ"، وكتابَ "العللِ"، وكانَ ضريرًا، قال: عرضتُ كتابي هذا أي كتابُ "السننِ" المسمَّى بالجامع على علمَاءِ الحجازِ والعراقِ وخراسانَ فرضوا بهِ. ومن كان في بيته فكأنما في بيته نبيٌّ يتكلمُ.
قالَ الحاكمُ: سمعتُ عمرَ بنَ علك يقول: ماتَ البخاري ولم يُخَلِّفْ بخراسانَ مثلَ أبي عيسى في العلم والحفظ والورع والزهدِ. وكانتْ وفاتُهُ بترمِذَ أواخرَ رجبَ سنةَ سبع وستينَ ومائتين.
ترجمة الإمام النسائي
(وَالنَّسَائِيُّ)
(3)
هو أحمدُ بن شُعَيبٍ الخراسانيُّ، ذكرَ الذهبيُّ أن مولدَهُ سنةَ
(1)
انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ"(2/ 633 - 635 رقم 658)، و"ميزان الاعتدال"(3/ 678 رقم 8035)، و"شذرات الذهب"(2/ 174 - 175)، و"تهذيب التهذيب"(9/ 344 - 345 رقم 638)، و"معجم البلدانِ"(2/ 26 - 27)، و"مقدمة شرح الترمذي" لأحمد محمد شاكر.
ومجلد "المقدمة" للشيخ عبد الرحمن المباركفوري شارح "سنن الترمذيِّ" باسم: "تحفة الأحوذي" و"معجم المؤلفين"(11/ 104 - 105).
(2)
قلت: رأيت في "جامع الأصول"(1/ 193): "ولد سنة تسع ومائتين".
(3)
انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان"(1/ 77 - 78 رقم 29)، و"تذكرة الحفاظ"(2/ 698 - 701 رقم 719) و"شذرات الذهب"(2/ 239 - 241)، و"العِبَر"(1/ 444 - 445)، و"معجم المؤلفين"(1/ 244 - 245)، و"تهذيب التهذيب"(1/ 32 - 34 رقم 66).
خمسَ عَشْرَةَ ومائتينِ، وسمعَ مِنْ [قتيبة بن]
(1)
سعيدٍ، وإسحاقَ بن راهويهِ، وغيرِهم من أئمةِ هذا الشأنِ بخراسانَ وَالحجازِ، والعراقِ، ومصرَ، والشامِ، والجزيرةِ، وبرعَ في هذا الشأنِ، وتفردَ بالمعرفةِ والإتقانِ وعلوِّ الإسنادِ، واستوطَنَ مصرَ.
قال أئمةُ الحديث: إنه كانَ أحفظَ مِنْ مسلمٍ صاحبِ "الصحيحِ". وسنَنُهُ أقلُّ السُّنَنِ بعدَ الصحيحينِ حديثًا ضعيفًا. واختارَ مِنْ سننِه كتابه "المُجْتَبى" لمَّا طُلبَ منهُ أَنْ يفرد الصحيحَ من السننِ.
وكانتْ وفاتُهُ يومَ الاثنينِ لثلاثَ عَشْرَةَ خلتْ من شهرِ صَفَرَ، سنةَ ثلاثٍ وثلثمائةٍ، بالرملةِ. ودُفِنَ ببيتِ المقدسِ، ونسبتهُ إلى نَسَاءَ بفتح النون وفتح السين المهملة، وبعدها همزة؛ وهي مدينةٌ بخراسان خرج منها جماعةٌ مِنَ الأعيانِ.
ترجمة ابن ماجه
(وَابْنُ مَاجَهْ)
(2)
هو أبو عبدِ اللَّهِ محمدُ بنُ يزيدَ بن عبدِ اللَّهِ بن ماجَهْ القزويني. مولدُهُ سنةَ سبعٍ ومائتينِ، وطلبَ هذا الشأنَ ورحلَ فِي طلبهِ، وطافَ البلادَ حتى سمعَ أصحاب مالكٍ، والليثِ وروى عنهُ خلائقُ، وكان أحدَ الأعلام.
ألَّفَ "السنن" وليست لها رتبة ما أُلِّف من قبلهِ؛ لأنَّ فيها أحاديثَ ضعيفة بل مُنكرةً، ونقلَ عن الحافظِ المِزِّي أن غالبَ ما انفردَ به [الضعفُ]
(3)
، ولذا جرى كثيرٌ من القدماءِ على إضافةِ "الموطأ" إلى الخمسةِ.
قالَ المصنفُ: وأولُ مَنْ أضافَ ابنَ ماجَهْ إلى الخمسةِ أبو الفضلِ ابنُ طاهرِ في الأطرافِ، وكذا في شروطِ أئمةِ الستة، ثم الحافظُ عبدُ الغني في كتابه "أسماءُ الرجالِ". وكانتْ وفاتُهُ يومَ الثلاثاءِ لثمانِ بَقينَ مِنْ رمضانَ سنةَ ثلاثٍ أو خمسٍ وسبعينَ ومائتينِ.
(1)
التصويب من كتب التراجم كالتذكرة (2/ 698) وغيرها.
(2)
انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ"(2/ 636 - 637 رقم 659)، و"تهذيب التهذيب" 91/ 468 - 469 رقم 872)، و "شذرات الذهب"(2/ 164)، و"معجم المؤلفين"(12/ 115 - 116)، و"الفصل المبين على عقد الجوهر الثمين"(ص 207 - 224).
(3)
في النسخة (أ): "الضعيف".
شرح اصطلاحات المؤلف
(وَبِالسِّتَّةِ) أي: والمراد بالسِّتةِ إذا قالَ: أخرجَهُ السِّتَّةُ (مَنْ عَدَا أَحْمَدَ)؛ وهم المعروفون بأهلِ الأمَّهاتِ السِّتِّ.
(وَبِالخَمْسَةِ مَنْ عَدَا البُخارِيَّ وَمُسْلِمًا. وَقَدْ أقُولُ) عوضًا عن قولِه: الخمسةَ (الأَرْبَعَة)، وهم أصحابُ السننِ إذا قيل: أصحابُ السننِ (وأحمدُ و) المراد (بالأربعةِ) عندَ إطلاقِهِ لهم (مَنْ عَدَا الثَّلاثَةَ الأوَلَ) الشيخينِ وأَحمدَ، (وَ) المرادُ (بِالثَّلاثَةِ) عندَ إطلاقِهِ لهم (مَنْ عَدَاهُمْ) أي: مَنْ عدا الشيخين وأحمدَ والذي عداهم هم الأربعةُ أصحابُ السننِ (وَعَدَا الأخِيرَ) وهو ابنُ ماجه، فيرادُ بالثلاثة أبو داودَ والترمذيُّ والنسائيُّ.
(وَ) المراد (بِالمُتَّفقِ) إذا قالَ: متفقٌ عليهِ (البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)؛ فإنهما إذا أخرجا الحديثَ جميعًا من طريقِ صحابي واحد قيل له: متفقٌ عليهِ، أي: بينَ الشيخينِ (وَقَدْ لَا أَذْكرُ مَعَهُمَا) أي: الشيخين غيرَهما، كأنهُ يريدُ أنه قد يخرِّجُ الحديثَ السبعةُ أو أقلُّ، فيكتفي بنسبتِهِ إلى الشيخين، (وَمَا عَدَا ذَلِكَ) أي: ما أخرجَهُ غيرُ مَنْ ذُكِرَ كابنِ خزيمةَ والبيهقي والدارقطني (فَهُوَ مُبَيَّنٌ) بذكرِهِ صريحًا.
(وَسَمَّيتُهُ) أي المختصر (بلوغَ المَرَامِ)، هُوَ مِنْ بلغَ المكانَ بلوغًا وصلَ إليهِ كما في "القاموس"
(1)
، والمَرامُ: الطلبُ، والمعنى الإضافيُّ وصولُ الطلبِ بمعنى المطلوبِ أي: فالمرادُ وصولي إلى مطلوبي (مِنْ جَمْعِ أَدِلَّةِ الأحْكَامِ)، ثم جعلهُ اسمًا لمختصرِه. ويحتملُ أنه إضافةٌ إلى مفعولِ المصدرِ، أي: بلوغِ الطالبِ مطلوبَهُ مِنْ أدلةِ الأحكامِ.
(وَاللَّهَ) بالنصب على المفعولية (أَسْأَلُ) قدِّمَ عليهِ لإفادةِ الحصر، أي: لا أسألُ غيْرَهُ (أَنْ لَا يَجْعَلَ مَا عَلِمنَا عَلَيْنَا وَبالًا) بفتح الواو، هو الشِّدةُ والثِّقلُ كما في "القاموس"
(2)
، أي: لا يجعلهُ شِدةً في الحساب، وثقلًا من جملة الأوزار، إذِ الأعمالُ الصالحةُ إذا لم تخلُصْ لوجهِ اللَّهِ انقلبتْ أوزارًا وآثامًا.
(وَأَنْ يَرْزقَنَا العَمَلَ بِمَا يرْضِيهِ سبحانه وتعالى أُنزِّهُهُ عن كلِ قبيحٍ، وأثبتُ لهُ العلوَّ على كلِّ عالٍ في جميعِ صفاتِه، وكثيرًا ما قُرِنَ التسبيحُ بصفةِ العلوِّ كسبحانَ ربيَ الأعلى، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} .
(1)
"المحيط"(ص 1007).
(2)
"المحيط"(ص 1378).
[الكتاب الأول]
كتاب الطهَارة
الكتابُ، والطهارةُ [هما]
(1)
في الأصلِ مصدرانِ أضيفا وجُعِلا اسمًا لمسائلَ مِنْ مسائلِ الفقهِ، تشتملُ على مسائلَ خاصةٍ. وبدأَ بالطهارةِ اتباعًا لسنةِ المصنفينَ في ذلكَ، وتقديمًا للأمور الدينيةِ على غيرها، واهتمامًا بأهمها وهي الصلاةُ. ولما كانتِ الطهارةُ شرطًا من شروطها بدأ بها، وهي هنا اسمُ مصدرٍ - أي طَهَّرَ تطهيرًا وطهارةً، مثلُ كلَّمَ تكليمًا وكلامًا.
وحقيقتُها استعمالُ المطهِّرَيْنِ أي: الماءُ والترابُ أو أحدُهما على الصفةِ المشروعةِ في إزالةِ النجس والحدثِ؛ لأنَّ الفقيهَ إنما يبحثُ عن أحوالِ أفعالِ المكلَّفينَ من الوجوب وغيرِهِ. ثم لما كَانَ الماءُ هو المأمورِ [بالتطهُّر]
(2)
بهِ أصالة قدَّمهُ [أي قدَّم الكلامَ على أحكامه]
(3)
فقال:
(1)
زيادة من النسخة (ب).
(2)
في النسخة (ب): "بالتطهير".
(3)
زيادة من النسخة (أ).
[البابُ الأولُ] بابُ المياه
البابُ لغةً: ما يُدخَلُ ويُخرَجُ منهُ، {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ}
(1)
، {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}
(2)
. وهو هنا مجازٌ، شبَّهَ الدخولَ إلى الخوضِ في مسائلَ مخصوصةٍ بالدخولِ في الأماكن المحسوسةِ، ثم أثبتَ لها البابَ.
والمياهُ جمع ماءٍ، وأصله مَوْهٌ، ولذا ظهرتِ الهاءُ في جمعِهِ. وهوَ جنسٌ يقعُ على القليلِ والكثير، إلا أنهُ جُمِعَ لاختلافِ أنواعه باعتبار حكم الشرع؛ فإنَّ فيهِ ما يُنهى عنهُ، وفيه ما يُكْرَهُ؛ وباعتبار الخلاف في بعضِ المياهِ كماءِ البحرِ فإنَّهُ نقلَ الشارحُ الخلافَ في التطهر بهِ عن ابن عُمَر
(3)
، وابن عمرو
(4)
.
وفي النهاية
(5)
أنَّ في كونِ ماءِ البحرِ مطهِّرًا خلافًا لبعضِ أهل الصدرِ الأولى
(6)
، وكأنهُ لقِدم الخلافِ فيهِ بدأَ المصنفُ بحديثٍ يفيدُ طهوريتَهُ، وهو حُجَّةُ الجماهيرِ فقال:
(1)
سورة المائدة: الآية 23.
(2)
سورة البقرة: الآية 189.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 131) عن عقبة بن صهبان قال: سمعت ابن عمر يقول: "التيمم أحب إليَّ من الوضوء من ماء البحر".
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 131) عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: "ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة، إن تحت البحر نارًا ثم ماء ثم نار".
وأخرجه البيهقيُّ في "السنن الكبرى"(4/ 334). وهو موقوف وسنده لا بأس به.
(5)
أي في: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد الحفيد (1/ 23).
وقد قمت بتحقيقها وتخريجها والتعليق عليها، وللَّهِ الحمدُ والمنَّةُ.
(6)
قال الزرقاني في شرحه على "الموطأ"(1/ 53): "التطهير بماء البحر حلال صحيح كما عليه جمهور السلف والخلف، وما نُقل عن بعضهم من عدم الإجزاء به مزيَّف أو مؤوَّل بأنه أراد بعدم الإجزاء على وجه الكمال عنده" اهـ.
طهارة ماء البحر
1/ 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الْبَحْرِ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ". [صحيح]
أخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ
(1)
، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ
(2)
، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
(3)
، وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
، [وَرَوَاهُ مَالِكٌ
(5)
، وَالشَّافِعِي
(6)
، وَأَحْمَدُ
(7)
]
(8)
.
(عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه) الجار [والمجرور]
(9)
متعلقٌ بمقدَّرٍ، فكأنه قال: باب المياه
أروي، أو أذكرُ، أو نحوُ ذلكَ حديثًا عن أبي هريرةَ، وهو الأولُ من أحاديثِ البابِ.
ترجمة أبي هريرة
وأبو هريرة
(10)
هو الصحابي الجليل الحافظُ المكثرُ. واخْتُلِفَ في اسمِهِ
(1)
وهم: أبو داود (1/ 64 رقم 83)، والترمذي (1/ 100 رقم 69)، وقال:"حديثٌ حسنٌ صحيحٌ"، والنسائي (1/ 50 رقم 59) و (1/ 176 رقم 332) و (7/ 207 رقم 4350)، وابن ماجه (1/ 136 رقم 386).
(2)
في "المصنف"(1/ 131).
(3)
في "صحيحه"(1/ 59 رقم 111).
(4)
في "سننه"(1/ 100).
(5)
في "الموطأ"(1/ 22 رقم 12).
(6)
في "الأم"(1/ 16)، وفي "ترتيب المسند"(1/ 23 رقم 42).
(7)
في "المسند"(2/ 237، 361، 378، 392).
قلتُ: وأخرجهُ الدارميُّ (1/ 186)، والبخاريُّ في "التاريخ الكبير"(3/ 478)، وابن حبان في "صحيحه"(2/ 271 رقم 1240)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 140)، وفي "علوم الحديث"(ص 87)، والبيهقي (1/ 3)، والدارقطني (1/ 36 رقم 13) وغيرهم.
وهو حديثٌ صحيح. انظر الكلام عليه في تخريجنا لـ"بلوغ المرام" الحديث الأوَّل.
(8)
زيادة من المطبوع.
(9)
زيادة من النسخة (ب).
(10)
انظر ترجمتهُ في: "مسندِ أحمدَ"(5/ 114 - 115) و (2/ 228 - 541)، و"طبقاتِ ابن سعدٍ"(2/ 362 - 364) و (4/ 325 - 341)، و"المعارفِ"(277 - 278 و 285)، و"المعرفةِ والتاريخ"(1/ 486) و (3/ 160، 161، 162)، و"أخبارِ القضاةِ"(1/ 111 - 116)، و"المستدرك"(3/ 506 - 514)، و"حلية الأولياءِ"(1/ 376 - 385 رقم 85)، و"جامع الأصول"(9/ 95 رقم 6641)، و"العبرِ"(1/ 46)، و"معرفة القراءِ"(1/ 43 - 44 رقم 8)، و"مجمع الزوائدِ"(9/ 361 - 362)، و"تهذيبِ التهذيبِ" (12/ 288 - 292 =
واسم أبيهِ على نحوٍ مِنْ ثلاثينَ قولًا، قال ابنُ عبدِ البرِّ: الذي تسكنُ النفسُ إليهِ مِنَ الأقوالِ أنهُ عبدُ الرحمنِ بنُ صخرٍ، وبهِ قالَ محمدُ بنُ إسحاقَ، والحاكمُ أبو أحمدَ. وذُكر لأبي هريرةَ في مسندِ بقيِّ بن مخلدٍ خمسةُ آلافِ حديثٍ وثلاثُمائَةٍ وأربعةٌ وسبعونَ حديثًا. وهوَ أكثرُ الصحابةِ حديثًا، فليسَ لأحدٍ من الصحابةِ هذا القدْرُ ولا ما يقاربُه.
قلتُ: كذا في الشرحِ، والذي رأيتُه في "الاستيعابِ" لابنِ عبدِ البرِّ بلفظِ:"إلا أن عبدَ اللَّهِ أو عبدَ الرحمنِ هو الذي يسكنُ إليه القلبُ في اسمِه في الإسلام". ثم قال فيه: "مات في المدينةِ سنةَ تسعٍ وخمسينَ، وهو ابنُ ثمانٍ وسبعينَ سنةً ودفنَ بالبقيعِ". وقيل: مات بالعقيقِ، وصلَّى عليهِ الوليدُ بنُ عقبةَ بن أبي سفيانَ وكانَ يومئذٍ أميرًا على المدينةِ كما قالهُ ابنُ عبد البرِّ.
(قَالَ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في البَحْرِ) أي في حُكْمِهِ. والبحرُ الماءُ الكثيرُ، أو المالحُ فقط، كما في "القاموس"
(1)
. وهذا اللفظُ ليسَ من مقولهِ صلى الله عليه وسلم، بل مقولُهُ:(هُوَ الطَّهورُ)، بفتح الطاء المصدرُ واسمُ ما يُتَطَهَّرُ بهِ، أو الطاهِرُ المُطَهِّرُ، كما في "القاموس"
(2)
. وفي الشرعِ: يطلقُ على المُطَهِّرِ. وبالضمِّ مصدرٌ.
وقال سيبويه: "إنهُ بالفتح لهما ولم يذكرهُ [في]
(3)
القاموسِ بالضمِّ، ولا الجوهري. (ماؤه) هو فاعلُ المصدرِ، وضميرُ ماؤهُ يقتضي أنَّهُ أريد بالضمير في قولِهِ:(هو).
البحر: بمعنى مكانه، إذ لو أُرِيدَ بهِ الماءُ لما احتيج إلى قولِهِ:(ماؤهُ) إذ يصير المعنى: الماء طهورٌ ماؤهُ (والحِلُّ) هو مصدرُ حلَّ الشيءُ ضِدّ حَرُمَ، ولفظُ الدارقطني
(4)
: الحلالُ (مَيْتَتُه) هو فاعله أيضًا، (أخرجه الأربعة).
= رقم 1216)، و"الإصابة"(12/ 63 - 79 رقم 1180)، و"الاستيعاب"(12/ 167 - 176 رقم 3208)، و "شذرات الذهب"(1/ 63، 64)، و"البداية والنهاية"(1/ 12، 15، 18، 3/ 8، 42).
(1)
"المحيط"(ص 441).
(2)
"المحيط"(ص 555).
(3)
زيادة من النسخة (ب).
(4)
في "السنن"(1/ 34 رقم 2 و 3) من حديث جابرِ بن عبدِ الله، و (1/ 35 رقم 8) من حديث أنس.
ترجمة ابن أبي شيبة
(وابنُ أبي شَيبةَ) هو أبو بكرٍ. قالَ الذهبي
(1)
في حَقِّهِ: "الحافظُ العديمُ النظيرِ الثَّبْتُ النِّحْريرُ، عبدُ اللَّهِ بنُ محمدِ بن أبي شيبةَ صاحبُ المسندِ والمصنفِ وغيرِ ذلكَ"، هو مِنْ شيوخِ البخاريِّ ومسلمٍ، وأبي داودَ، وابنِ ماجَهْ. (واللفظُ لهُ) أي لفظُ الحديثِ السابقِ سربٌ لابنِ أبي شيبةَ وغيرِهِ - ممن ذَكَرَ - أخرجوه بمعناهُ.
(وصحَّحه ابنُ خُزيمةَ) هو بضم الخاءِ المعجمة، فزاي بعدها مثناة تحتية فتاء تأنيث.
ترجمة ابن خزيمة
قال الذهبي
(2)
: "الحافظُ الكبيرُ إمامُ الأئمةِ شيخُ الإسلامِ أبو بكرٍ محمدُ بنُ إسحاقَ بن خزيمةَ، انتهتْ إليهِ الإمامةُ والحفظُ في عصرِه بخُراسَانَ". (و) صحَّحَهُ (الترمذيِّ) أيضًا فقالَ عقبَ سردِهِ: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". وسألتُ محمدَ بن إسماعيلَ البخاريَّ عن هذا الحديث فقالَ: "حديثٌ صحيحٌ". هذا لفظُ الترمذيِّ كما في مختصرِ السننِ للحافظِ المنذري
(3)
.
تعريف الحديث الصحيح
وحقيقةُ الصحيح عندَ المحدثينَ: "ما نقلَهُ عدلٌ تامُّ الضبطِ عن مثلهِ، متصلَ السندِ غيرَ مُعَلٍّ ولا شاذٍّ
(4)
.
هذا وقد ذكر المصنفُ هذا الحديث في "التلخيصِ"
(5)
من تِسعِ طرقٍ عن تسعةٍ منَ الصحابةِ، ولم تخلُ طريقٌ منها عن مقالٍ إلا أنه قد جزمَ بصحتهِ مَنْ سمعت. وصحَّحهُ ابنُ عبدِ البرِّ، وصحَّحهُ ابنُ مَنْدَهْ، وابنُ المنذرِ، وأبو محمدٍ البغويُّ.
(1)
في "تذكرة الحفاظ"(2/ 432 رقم 439).
(2)
في "تذكرة الحفاظ"(2/ 720 رقم 734).
(3)
(1/ 81).
(4)
انظر: "التبصرة والتذكرة"(1/ 12 - 14).
(5)
أي في: "التلخيص الحبير"(1/ 9 - 12 رقم 1).
قالَ المصنفُ: "وقد حُكمَ بصحةِ جملةٍ من الأحاديثِ لا تبلغُ درجةَ هذا ولا تقاربُهُ"، قال الزُّرقاني في "شرحِ الموطأ"
(1)
: "وهذا الحديثُ أصلٌ من أصولِ الإسلامِ، تلقَّتهُ الأمةُ بالقبولِ، وتداولهُ فقهاءُ الأمصار في جميع الأقطار، وفي سائر الأعصار، ورواهُ الأئمةُ الكبارُ". ثمَّ عدَّ مَنْ رواهُ ومَنْ صحَّحهُ.
والحديث وقعَ جوابًا عن سؤالٍ كما في "الموطأِ" أن أبا هريرةَ قال: "جاءَ رجلٌ". وفي مسندِ أحمد
(2)
: "من بني مُدْلجٍ"، وعندَ الطبراني
(3)
: "اسمه عبدُ الله"، إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ:"يا رسولَ اللَّهِ إنَّا نركبُ البحرَ ونحملُ معنا القليلَ منَ الماءِ فإنْ توضَّأنا بهِ عطِشنا أفنتوضأُ بهِ؟ " - وفي لفظِ أبي داود
(4)
- بماءِ البحرِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هو الطهور .... " الحديث. فأفاد صلى الله عليه وسلم أن ماءَ البحرِ طاهرٌ مطهِّرٌ لا يخرجُ عن الطَّهُورية بحالٍ، إلَّا ما سيأتي من تخصيصِهِ بما إذا تغيَّرَ أحدُ أوصافِه.
بعض فوائد الحديث
ولم يجبه صلى الله عليه وسلم بقولِهِ: نعمْ معَ إفَادَتِها الغرضَ، بلْ أجابَ بهذا اللفظِ لِيُقْرِنَ الحُكْمَ بعلَّتِه، وهي الطَّهُوريةُ المتناهيةُ في بابها، وكأنَّ السائِلَ لما رأى ماءَ البحر خالفَ المياهَ بملُوحةِ طعمِهِ، ونَتْنِ ريحِهِ توهَّم، أنَّهُ غيرُ مرادٍ مِنْ قولهِ تعالى:{فَاغْسِلُوا}
(5)
أي بالماء المعلوم إرادتُهُ من قولِهِ: فاغْسِلُوا، أو أنَّهُ لَمَّا عَرَفَ من قولِهِ تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}
(6)
ظَنَّ اختصاصَهُ، فسألَ عنهُ فأفادَهُ صلى الله عليه وسلم الحكمَ، وزادهُ حكمًا لم يسألْ عنهُ وهو حِلُّ مَيْتَتِهِ، قال الرافعي
(7)
: "لَمَّا عَرَفَ صلى الله عليه وسلم
(1)
(1/ 53).
(2)
(5/ 365).
(3)
في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد"(1/ 215) من حديث عبد الله المدلجي، وفيه عبدُ الجبار بنُ عُمرَ ضعَّفهُ البخاريُّ والنسائي ووثقهُ محمدُ بنُ سعدٍ.
(4)
في "السنن"(1/ 64 رقم 83).
(5)
سورة المائدة: الآية 6.
(6)
سورة الفرقان: الآية 48.
(7)
الرافعي: هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الإمام العلامة: "أبو القاسم القزويني الرافعي".
صاحب الشرح المشهور كالعلم المنشور، وإليه يرجع عامة الفقهاء من أصحاب الشافعي، تفقَّه على والده وغيره، وسمعَ الحديث من جماعة.
وقال ابن الصلاح: "أظن أني لم أرَ في بلاد العجم مثلَه، كان ذا فنون، حسن السيرة، =
اشتباهَ الأمرِ على السائلِ في ماءِ البحرِ أشْفَقَ أنْ يَشْتَبِهَ عليهِ حكمُ مَيْتَتِهِ، وقد يُبْتَلَى به راكبُ البحر فَعَقَّبَ الجوابَ عن سؤالِهِ ببيانِ حكمِ الميتَةِ.
قالَ ابنُ العربي
(1)
: "وذلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الفَتْوى أنْ يُجاءَ في الجوابِ بأكثرَ مما سئلَ عنهُ تتميمًا للفائِدَةِ، وإفادَةً لعلم آخر غيرِ المسؤولِ عنهُ". ويتأكدُ ذلِكَ عندَ ظهورِ الحاجَةِ إلى الحُكْمِ كَمَا هُنَا؛ لأنَّ مَنْ تَوَقَّفَ في طَهُوريَّةِ ماءِ البحرِ فهوَ عن العلمِ بحلِّ مَيْتَتِهِ مَعَ [تقديم]
(2)
تحريمِ الميتَةِ أشدُّ توقفًا.
ثم المراد بميتَتِهِ ما ماتَ فيهِ مَن دوابِّهِ مما لا يعيشُ إلَّا فيهِ، لا ما ماتَ فيهِ مُطْلَقًا؛ فإنَّهُ وإِنْ صَدَقَ عليهِ لُغَةً أنَّهُ مَيْتَةُ بَحْرٍ فمعلومٌ أنهُ لا يرادُ إلا ما ذَكَرْنَا.
وظاهرُهُ حِلُّ كُلِّ ما ماتَ فيهِ ولو كانَ كالكلبِ والخنزيرِ.
ويأتي الكلام في ذلكَ في بابِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
طهارة الماء
2/ 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمَاءَ طَهُورْ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ". [صحيح]
أَخْرَجَهُ الثَّلاثَةُ
(3)
وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ
(4)
.
= جميل الأمر. صنّف شرح الوجيز في بضعة عشر مجلدًا. لم يُشرح الوجيز بمثلِهِ.
وتوفي في أواخر سنة ثلاث أو أوائل سنة أربع وعشرين وستمائة بقزوين. ["طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 75 رقم 377)، و"تهذيب الأسماء واللغات" (2/ 264)، و"شذرات الذهب" (5/ 108)].
(1)
في "عارضة الأحوذي"(1/ 89).
(2)
في النسخة (ب): "تقدم".
(3)
وهم: أبو داود (1/ 55 رقم 67)، والترمذي (1/ 95 رقم 66) وقال:"حديثٌ حسنُ".
والنسائي (1/ 174).
(4)
كما في "التلخيص"(1/ 13).
قلتُ: وصحَّحه النوويُّ في "المجموع"(1/ 82)، والألبانيُّ في "الإرواء" رقم (14).
قلتُ: وأخرجه أحمد في "المسند"(3/ 15، 31، 86)، والشافعي في "الأم"(1/ 23)، وفي "ترتيب المسند"(1/ 21 رقم 35)، والطيالسيُّ (ص 292 رقم 2199)، وابن الجارود في "المُنْتَقى" رقم (47)، والطحاويُّ في شرح معاني الآثار" (1/ 11)، والدارقطنيُّ (1/ 29 رقم 10)، والبيهقيُّ (1/ 4، 257)، والبغويُّ في شرح السنةِ"(2/ 61).
وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". وابنُ أبي شيبة في "المصنف"(1/ 142) و (14/ 160).
ترجمة أبي سعيد
(وعن أبي سعيد
(1)
رضي الله عنه).
اسمهُ سعدُ بنُ مالكِ بن سنانٍ الخزرجي الأنصاريُّ (الخُدْرِيُّ) بضم الخاء المعجمة، ودال مهملة ساكنة، نسبة إلى خُدْرَةَ حيٍّ من الأنصارِ كما في القاموس
(2)
.
قالَ الذهبيُّ: "كان مِنْ عُلماءِ الصحابَةِ، وَمِمنْ شَهِدَ بيعَةَ الشجرَةِ، وروى حديثًا كثيرًا، وأفتى مُدَّةً.
عاش أبو سعيدٍ ستًا وثمانينَ سنةً، ومات في أوَّلِ سنةِ أربعٍ وسبعينَ، وحديثُهُ كثيرٌ، وحدَّثَ عَنْهُ جماعَةٌ مِنَ الصحابَةِ، وله في الصحيحين أربعةٌ وثمانونَ حديثًا، (قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الماءَ طهورٌ لا ينجِّسُهُ شَيْءٌ. أخرَجَهُ الثلاثة) هُم أصحابُ السُّننِ ما عدا ابن ماجَهُ كما عرفْتَ. (وصحَّحَهُ أحمدُ)، قالَ الحافظُ المنذريُّ في مختصر السنن
(3)
: "إنهُ تكلَّمَ فيهِ بعضُهُمْ. وحُكِيَ عن الإمامِ أحمدَ أنهُ قالَ: "حديثُ بِئرِ بُضَاعَةَ صحِيحٌ".
وقال الترمذيُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ". وقدْ جَوَّدَ أبو أسامةَ
(4)
هذا الحديثَ، ولم يروِ حديثَ أبي سعيدٍ في بئرِ بُضاعَةَ بأحسنَ مما روى أبو أسامَةَ. وقدْ روي هذا الحديثَ من غيرِ وجهٍ عن أبي سعيدٍ.
والحديثُ لهُ سببٌ؛ وهو أنهُ قيلَ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أنتوضَّأُ من بِئرِ
(1)
انظر ترجمته في: "المعارفِ"(268)، و"مشاهير علماء الأمصارِ"(ت/26)، و"المستدرك"(3/ 563 - 564)، و"المعجم الكبير للطبراني"(6/ 33 - 38 رقم 534)، و"تاريخ بغداد"(1/ 180 - 181 رقم 19)، و"الجمع بين رجال الصحيحين"(1/ 158 - 159 رقم 611)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 237 رقم 355)، و"مرآةِ الجِنانِ"(1/ 186)، و"تهذيب التهذيب"(3/ 416 - 417 رقم 894)، و (شذرات الذهب" (1/ 81)، و"الإصابةِ"(11/ 165 رقم 521)، و"الاستيعاب"(11/ 283 - 284 رقم 2997)، و"العبرِ"(1/ 61).
(2)
"المحيط"(490).
(3)
(1/ 74).
(4)
واسمه حمَّاد بن أسامة، وهو ثقة ثبت ربما دلَّس. "التقريب"(1/ 195).
بُضَاعَةَ
(1)
؛ وهي بئرٌ يُطْرَحُ فيها الحِيضُ
(2)
، ولحمُ الكلابِ والنَّتْنُ
(3)
، فقال: الماءُ طَهُورٌ". الحديث هكذا في "سنن أبي داود"، وفي لفظٍ فيه: "إنَّ الماءَ" كما ساقَهُ المصنفُ.
واعلم أنهُ قد أطالَ في الشرحِ
(4)
المقال، واستوفى ما قيلَ في حُكْمِ المياهِ منَ الأقوال، وَلْنَقْتَصِرْ في الخوضِ في المياهِ على قدرٍ يجتمعُ بهِ شَمْلُ الأحاديثِ، وَيُعْرَفُ مأخَذُ الأقوالِ، ووجوهُ الاستدلالِ، فنقولُ: قد وردَتْ أحاديثُ يؤخَذُ منها أحكامُ المياهِ، فورد حديثُ:"الماءُ طَهُورٌ لا ينجِّسُهُ شَيْءٌ"
(5)
؛ وحديثُ: "إذا بَلَغَ الماءُ قُلَّتَيْنِ لم يَحْمِلِ الخَبَثَ"
(6)
، وحديثُ الأمرُ بصبِّ ذَنَوبٍ مِنْ ماءٍ على بولِ
(1)
قالَ ياقوتُ الحَمَوِيُّ في "معجم البلدانِ"(1/ 442): "بُضاعة: بالضَّمِّ وقد كَسَرَهُ بعضُهُم، والأولُ أكثر. وهي دارُ بني ساعدةَ بالمدينة وبئرها معروفَةٌ". اهـ.
وقال أبو داود في "سننه"(1/ 129 - 130 مع العون): "سمعتُ قُتيبة بن سعيدٍ قالَ: "سألتُ قيِّمَ بئرِ بُضاعَةَ عن عُمْقِهَا، قال: أكثَرُ ما يكونُ فيها الماءُ إلى العانةِ، قُلتُ: فإذا نقص؟ قال: دون العَوْرَةِ.
قال أبو داودَ: وقدَّرتُ أنا بئر بُضاعَةَ بردائي مددتُهُ عليها ثم ذرعتُهُ فإذا عرضُها ستةُ أذْرُعٍ، وسألتُ الذي فتح لي بابَ البستانِ فأدخلني إليهِ، هل غُيِّر بناؤها عما كانتْ عليهِ؟ قال: لا. ورأيتُ فيها ماءَ متغيرَ اللَّونِ". اهـ.
(2)
الحِيض: أي الخِرَقُ التي يستثفر بها النساء، واحدتها حِيضَةٌ بكسر الحاء؛ [القاموس الفقهي: سعدي أبو جيب ص 107، ومختار الصحاح (ص 69)].
(3)
(النَّتْنُ) الرائحة الكريهة وقد (نَتُنَ) الشيءُ من بابِ سَهُل وظَرُفَ و (نَتْنًا) أيضًا و (أَنْتَن) فهو مُنتنٌ و (مِنْتِنٌ) بكسر الميم إتْبَاعًا للتاء، وقوْم (منَاتِينُ)، وقالوا: ما أَنْتَنَهُ. [مختار الصحاح (ص 269)].
قال السندي في حاشيته على النسائي (1/ 174): (قيل: عادةُ الناس دائمًا في الإسلام والجاهلية تنزيهُ المياهِ وصونُها عن النجاساتِ فلا يتوهَّمُ أن الصحابَةَ وهمْ أطهرُ الناسِ وأنزهُهُمْ كانوا يفعلون ذلك عمدًا مع عزة الماءِ فيهم، وإنما كانَ ذلك مِنْ أجلِ أن هذِهِ البئْرَ كانت في الأرضِ المنخفضَةِ وكانت السيُولُ تحملُ الأقذارَ من الطُّرُقِ وتُلقيها فيها؛ وقيل: كانت الريح تلقي ذلكَ، ويجوزُ أنْ يكونَ السَّيْلُ والريح تلقيان جميعًا؛ وقيل: يجوز أَنَّ المنافقين كانوا يفعلونَ ذلك). اهـ.
(4)
أي المغربي في "البدر التمام".
(5)
وهو حديث صحيح تقدَّم تخريجه رقم (2).
(6)
وهو حديث صحيح سيأتي تخريجه رقم (4).
الأعرابيّ في المسجدِ
(1)
، وحديثُ:"إذا استيقَظَ أحدُكُمْ فلا يُدْخِلْ يدَهُ في الإناءِ حَتَّى يَغْسِلَها ثلاثًا"
(2)
، وحديثُ:"لا يبولَنَّ أحدُكمْ فِي الماءِ الدائِم يغتسلُ فيهِ"
(3)
، وحديثُ:"إذا ولغَ الكلبُ في إناءٍ أحدِكُمْ"
(4)
الحديث، وفيهِ الأَمرُ بإراقَةِ الماءِ الذي وَلَغَ فيهِ. وهيَ أحاديثُ ثابتَة ستأتي جميعُها في كلامِ المصنفِ.
إذا عَرَفْتَ هذا فَإِنَّهُ اختلفَتْ آراءُ العلماءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تعالى في الماءِ إذا خالطَتْهُ نجاسَةٌ ولم تغيِّر أحدَ أوصافِهِ، فذهبَ القاسمُ، ويحيى بنُ حمزَةَ، وجماعة مِنَ الآلِ، ومالكٌ، والظاهريةُ
(5)
إلى أنه طَهُورٌ قليلًا كانَ أو كثيرًا، عملًا بحديثِ:"الماءُ طَهورٌ"، وإنما حكموا بعدمِ طَهُورية ما غيّرَت النجاسَةُ أحَدَ أوصافهِ؛ للإجماع على ذلكَ كما يأتي الكلامُ عليهِ قريبًا، وذهبَ الهادويةُ والحنفيةُ والشافعيةُ إلى قِسْمَةِ الماءِ إلى: قليل تضرُّه النجاسةُ مطلقًا، وكثير لا تضرُّه إلَّا إذا غيَّرت بعضَ أوصافِهِ، ثم اختلف هؤلاء بعدَ ذلكَ فِي تحديد القليل والكثير؛ فذهبت الهادويةُ إلى تحديدِ القليلِ بأنَّهُ: ما ظنَّ المستعملُ للماءِ الواقعةِ فيه النجاسة استعمالها باستعمالهِ، وما عدا ذلكَ فهوَ الكثيرُ، وذهبَ غيرهم في تحديد القليل إلى غير ذلك، ثم اختلفوا، فقالت الحنفية: الكثير في الماء هو ماء إذا كان بحيث إذا حرَّك أحد طرفيه آدمي لم تسر الحركة إلى الطرف الآخر، وما
(1)
وهو حديث صحيح سيأتي تخريجه رقم (10).
(2)
وهو حديث صحيح سيأتي تخريجه رقم (35).
(3)
وهو حديث صحيح سيأتي تخريجه رقم (5).
(4)
وهو حديث صحيح سيأتي تخريجه رقم (8).
(5)
وكذلك حكوه عن حذيفة، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن المسيِّب، والحسن البصري، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعطاء، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجابر بن زيد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وهو مذهب الأوزاعي، وسفيان الثوري.
وقال ابن المنذر: وبهذا المذهب أقول، واختاره الغزالي في "الإحياء"(1/ 129)، واختيار الروياني في كتابيه "البحر" و"الحلية".
قال في البحر: هو اختياري واختيار جماعة رأيتهم بخراسان والعراق.
"المغني" لابن قدامة (1/ 54)، و"المجموع" للنووي (1/ 113)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 29).
عداه فهو القليل، وقالت الشافعية: بل الكثير ما بلغ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلالِ هَجَر
(1)
؛ وذَلكَ نحوُ خمسمائَةِ رطْلٍ، عملًا بحديثِ القُلَّتَيْنِ، وما عداهُ فهُوَ القليلُ
(2)
.
ووجْهُ هذا الاختلافِ تعارُضُ الأحاديثِ التي أسلفناها، فإنَّ حديثَ الاستيقاظِ، وحديثَ الماءِ الدائمِ، يقتضيانِ أن قليلَ النجاسَةِ يُنَجِّسُ قليلَ الماءِ، وكذلكَ الولوغُ، والأمرُ بإراقَةِ ما وُلغَ فيهِ، وعارضَها حديثُ بولِ الأعرابيِّ، والأمْرُ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ ماءٍ عليهِ؛ فإنهُ يقتضي أن قليلَ النجاسَةِ لا ينجِّسُ قليلَ الماءِ. ومنَ المعلومِ أنَّهُ قدْ طُهِّرَ ذلكَ الموضِعُ الذي وَقَعَ فيه بولُ الأعرابيِّ بذلكَ الذَّنوبِ.
وكذلكَ قولُهُ: "الماءُ طهور لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ"، فقالَ الأوَّلونَ وهُمُ القائلونَ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ إلَّا ما غيَّر أحدَ أوصافه: يُجمعُ بين الأحاديث بالقول بأنه لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ كمَا دلّ لَهُ هذا اللفظُ، ودلَّ عليهِ حديثُ بولِ الأعرابيِّ، وأحاديثُ الاستيقاظِ والماءِ الدائمِ والولوغِ ليستْ واردةً لبيانِ حكمِ نجاسَةِ الماءِ، بل الأَمْرُ باجتنابها تَعَبُّدِيٌّ لا لأجلِ النجاسَةِ، وإنما هُوَ لمعنًى لا نعرفه كعدَمِ معرفتنَا لحكمةِ أعدادِ الصلوات ونحوِها، وقيلَ: بل النهيُ في هذهِ الأحاديثِ للكراهَةِ فقط. وهي طاهِرَةٌ مُطَهّرَةٌ.
(1)
يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الضعيف الذي أخرجه ابن عدي في "الكامل"(6/ 2358) عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان الماءُ قُلَّتَيْنِ من قلال هجر لم ينجِّسْه شيء". وفيه "المغيرة بن سقلاب" ضعيف. وقال ابن عديّ: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 29) عن المغيرة: هذا منكر الحديث، ثم قال (1/ 30): والحديث غير صحيح.
(2)
وقد قال الإمامُ البغويُّ في "شرح السنةِ"(2/ 59 - 60):
وقدَّر بعضُ أصحاب الرأي الماءَ الكثيرَ الذي لا يَنجُس بأنْ يكونَ عشرَةَ أذرْع في عشرَة أَذْرُع، وهذا تحديدٌ لا يَرْجِعُ إلى أصْل شرعي يُعْتَمدُ عليه.
قُلْثُ: أما الحديث الذي أخرجَه ابن ماجهْ (2/ 831)، والدارميُّ (2/ 273) عَنْ عبدِ اللَّهِ بن فغَفَّل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من حفر بئرًا فله أربعونَ ذراعًا عطنًا لماشيته". وهو حديثٌ حسنٌ فلا دليل فيه على تحديد الماءِ الكثير الذي لا ينجس بأن يكونَ عشرَة أذرع في عَشرة أذْرع، لأن الواضح من الحديث أن حريمَ البئرِ مِنْ كلِّ جانب أربعونَ ذراعًا. اهـ. ثم قال البغويُّ: وَحَدَّهُ بعضهُمْ بأن يكونَ في غدير عظيم بحيث لو حُرِّكَ منهُ جانبٌ لم يضطربْ منهُ الجانب الآخَرُ. وهذا في غاية الجهالةِ لاختلافِ أحوال المحرِّكين في القوةِ والضعف". اهـ.
وجمعت الشافعيةُ بَيْنَ الأحاديثِ بأنَّ حديث: "لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" محمولٌ على ما بلغَ القُلَّتَيْنِ فما فوقَهُمَا وهو كثيرٌ، وحديثَ الاستيقاظِ، وحديثَ الماءِ الدائم محمولٌ على القليلِ. وعندَ الهادويةَ أَنَّ حديثَ الاستيقاظِ محمولٌ على النَّدْبِ، فلا يجبُ غَسْلُهُما لَهُ.
وقالت الحنفية: المرادُ بلا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، الكثيرُ الذِي سَبَقَ تحديدُهُ، وقدحوا في حديثٍ القُلَّتَيْنِ بالاضطرابِ. كذلك أعلَّهُ الإمامُ المهديُ في البحر
(1)
، وبعضُهُمْ تأوَّلهُ، وبقية الأحاديثِ في القليلِ، ولكنَّهُ وارد عليهم حديثُ بولِ الأعرابيِّ؛ فإنَّهُ كما عرفْتَ دلَّ على أنَّه لا يَضُرُّ قليلُ النجاسَةِ قليلَ الماءِ فدفعتهُ الشافعيةُ بالفرق بين ورودِ الماءِ على النجاسةِ، وورودها عليهِ؛ فقالوا: إذا وردتْ على الماء نجَّستْهُ كما في حديثٍ الاستيقاظِ، وإذا وردَ عليها الماءُ لم تضره كما في خبر بول الأعرابيَّ.
وفيه بحث حقَّقْناهُ في حواشي "شرح العمدةِ"، وحواشي "ضوءِ النَّهار"
(2)
.
وحاصلُهُ أنَّهُم حكموا أنَّهُ إذا وردَتِ النجاسَةُ على الماءِ القَليلِ نجَّسَتهُ، وإذا وردَ عليها الماءُ القليلُ لم يَنجُسْ؛ فجعلوا عِلَّةَ عدمِ تنجيس الماءِ الورودَ على النجاسةِ، وليسَ كذلكَ، بل التحقيقُ أنَّهُ حينَ يردُ الماءُ على النجاسةِ يردُ عليها شيئًا فشيئًا حتى يفني عينَها، وتذهبَ قبلَ فنائهِ، فلا يأتي آخرُ جزءٍ من الماءِ الواردِ على النجاسةِ إلا وقدْ طَهُرَ المحلُّ الذي اتصلتْ بهِ، أو بقيَ فيه جزءٌ منها يَفْنَى ويَتَلاشى عندَ ملاقاةِ آخرِ جُزْءٍ منها يردُ [عليها من]
(3)
الماء، كما تَفْنَى النجاسةُ وتَتَلاشى إذا وردتْ على الماءِ الكثيرِ بالإجماعِ؛ فلا فرقَ بينَ هذا وبينَ الماء الكثيرِ في إِفناءِ الكلِّ للنجاسةِ؛ فإنَّ الجُزْءَ الأخيرَ من الوارد على النجاسةِ يُحيلُ عينَها لكثرتِهِ بالنسبةِ إلى ما بقيَ مِنَ النجاسةِ؛ فالعلةُ في عدم تنجيسه بوروده عليها هي كثرته بالنسبة إليها، لا الورود؛ فإنه لا يعقل التفرقة بين الورودين بأن أحدهما ينجسه دونَ الآخرِ.
(1)
أي "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار"(1/ 32 - 33).
قلتُ: فالحديث صحيح والاضطراب مدفوعٌ كما سيأتي تخريجه رقم (4).
(2)
(1/ 142 - 143).
(3)
من النسخة (ب).
وإذا عرفْتَ ما أسلفناهُ، وأَنَّ تحديدَ الكثيرِ والقليلِ لم ينهَض على [أحدهما]
(1)
دليلٌ، فأقربُ الأقاويل بالنظر إلى الدليلِ هو قولُ القاسم بن إبراهيمَ ومَنْ معهُ، وهوَ قولُ جماعةٍ من الصحابةِ كما في البحر
(2)
، وعليهِ عدةٌ من أئمةِ الآلِ المتأخرينَ، واختارَهُ منهم الإمام شَرَفُ الدين. وقال ابنُ دقيق العيدِ
(3)
: إنهُ قولٌ لأحمدَ بن حنبل، ونصرهُ بعضُ المتأخرينَ من أتباعهِ، ورجَّحَهُ أيضًا من أتباعِ الشافعيِّ القاضي أبو الحسنِ الرُّوْيَاني
(4)
، صاحبُ بحرِ المذهبِ، قالهُ في "الإلمام"
(5)
.
وقال ابنُ حزمٍ في "المحلَّى"
(6)
: إنَّهُ رُوي عن عائشةَ أمِّ المؤمنينَ، وعمرَ بن الخطابِ، وعبدِ اللَّهِ بن مسعودٍ، وابنِ عباسٍ [والحسن]
(7)
بن علي بن أبي طالب، وميمونةَ أمِّ المؤمنين، وأبي هريرةَ، وحذيفةَ بن اليمانِ، والأسودِ بن يزيدَ، وعبدِ الرحمنِ أخيهِ، وابن المسيب، وابن أبي ليلى، وسعيدِ بن جبيرٍ، ومجاهدٍ، وعكرمةَ، والقاسمِ بن محمدٍ، والحسنِ البصريِّ وغير هؤلاء.
3/ 3 - وَعَنْ أَبي أُمَامَة الْبَاهِليِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمَاءَ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ، إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ". [ضعيف]
أخْرَجه ابنُ مَاجَهْ
(8)
، وَضعَّفَهُ أَبُو حاتم.
(1)
في النسخة (أ): "حدودهما".
(2)
(1/ 32).
(3)
هو عبد الكريم بن عبدِ النورِ بن منيرٍ الحلبيُّ قُطْبُ الدين حافظٌ للحديثِ، حلبيُّ الأصلِ والمولدِ، مصريُّ الإقامةِ والوفاةِ، لهُ "تاريخ مصر" بضعةَ عشرَ جزءًا، لم يتمَّ تبييضُهُ، و"شرْحُ السيرةِ" للحافظ عبدِ الغني مجلدان، و"الاهتمام بتلخيص الإلمام" في الحديث، و"شرح صحيح البخاري" لم يتمَّهُ، وكتابُ "الأربعينَ" في الحديث، و"مشيخة" فيه عدة أجزاء اشتملتْ على ألفِ شيخ، ولد سنة (664 هـ) وتوفي سنة (735 هـ).
[انظر: "الأعلام" للزركلي (4/ 53)، و"شذرات الذهب" (6/ 110 - 111)، و"النجوم الزاهرَةُ في ملوك مصرَ والقاهرة" (9/ 306)].
(4)
في "الأنساب" للسمعاني (3/ 106) أبو المحاسن.
(5)
في النسخة (ب): "الإمام".
(6)
بالآثار (1/ 168 - 169 رقم المسألة 136).
(7)
في النسخة (أ): "الحسين".
(8)
في "السنن"(1/ 174 رقم 521). =
- وَلِلْبَيْهَقِي
(1)
: "الْماءُ طَهُورٌ إِلَّا إِنْ تَغَيّرَ رِيْحُهُ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ لَوْنُهُ، بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ". [ضعيف]
ترجمة أبي أمامة
(وعَن أبِي أمامة)
(2)
بضم الهمزة واسمه: صُدَيٌّ بمهملتين، الأولى مضمومةٌ، والثانية مفتوحة، ومثناة تحتية مشدَّدة، (الباهليِّ) بموحَّدة نسبة إلى باهلة، في القاموس
(3)
: باهلة قومٌ، واسمُ أبيهِ عجلانُ. قال ابنُ عبدِ البرِّ: لم يختلفوا في ذلك، يعني فِي اسمهِ واسمه أبيهِ. سكن أبو أُمامةَ مصرَ، ثم انتقلَ عنها، وسكنَ حِمصَ وماتَ بها سنةَ إحدى، وقيل: ستٍّ وثمانينَ، وقيل: هو آخرُ من ماتَ من
= قُلتُ: والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 259). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 131 رقم 217): "هذا إسناد فيه رِشدين وهو ضعيفٌ، واختلفَ عليهِ مع ضعَفهِ .. ".
وقال الزيلعي في "نصب الرايةِ"(1/ 94): "وهذا الحديثُ ضعيفٌ، فإن رشدين بنَ سعدٍ جرحة النَّسائيُّ، وابنُ حبانَ، وأبو حاتمٍ، ومعاويةُ بنُ صالحٍ.
قال أبو حاتم: لا يحتجُّ بهِ. ورواه الطبراني في "معجمهِ الكبير" رقم (7503)، و"الأوسط" رقم (744). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 214)، والبيهقي (1/ 259)، والدارقطني في "سننهما"(1/ 28 رقم 3)، ولم يذكروا فيه (اللون) ".
قال الدارقطني: لم يرفعْه غيرُ رشدين بن سعد، وليسَ بالقويِّ". اهـ.
قلتُ: الحديثُ ضعيفٌ بهذا الاستثناء. وأما قولُهُ: "الماءُ طهورٌ لا ينجِّسُهُ شيْءٌ"، فصحيحٌ من روايةٍ أبي سعيدٍ الخدريِّ. وقد سبقَ في الحديث رقم (2).
(1)
في "السنن الكبرى"(1/ 259 - 260) من طريق عطية بن بقيةَ بن الوليدِ عن أبيه عن ثورِ بن يزيدَ عنْ راشد بن سعد عن أبي أمامة.
قُلتُ: وأخرجهُ البيهقي أيضًا (1/ 260) من طريقِ حفصِ بن عُمَرَ ثنا ثور بن يزيدَ عن راشد بن سعد عن أبي أمامَةَ مرفوعًا.
وقال البيهقي: "والحديث غيرُ قوي، إلا أنَّا لا نعلمُ في نجاسةِ الماءِ إذا تغيرَ بالنجاسةِ خلافًا، واللَّه أعلمُ".
(2)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(7/ 411 - 412)، و"التاريخ الكبير"(4/ 326 - 327 رقم 3001)، و"الجرح والتعديل"(4/ 454 رقم 2004)، و"المستدرك"(3/ 641 - 642)، و"تهذيب التهذيب"(4/ 368 - 369 رقم 734)، و"مجمع الزوائد"(9/ 386 - 387)، و"الإصابة"(5/ 133 - 135 رقم 4054)، و"مرآة الجنان"(1/ 207)، و"الاستيعاب"(11/ 131 - 132 رقم 2853).
(3)
"المحيط"(ص 1253).
الصحابةِ بالشامِ. كانَ من المُكْثرينَ في الرواية عنهُ صلى الله عليه وسلم.
(قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِن الماءَ لا ينَجِّسه شيْءٌ، إلا ما غلبَ على ريحِهِ، وطعمهِ، ودونِهِ)، المرادُ أحدها كما يفسِّرهُ حديثُ البيهقي (أخرجه ابن ماجَه وضعَّفهُ أبو حاتمٍ).
ترجمة أبي حاتم
قال الذهبي
(1)
في حقِّهِ: أبو حاتمٍ هو الرازي، الإمامُ الحافظُ الكبيرُ، محمدُ بنُ إدريسَ بن المنذرِ الحنظلي أحدُ الأعلامِ. ولدَ سنةَ خمسٍ وتسعينَ ومائةٍ، وأثنى عليه - إلى أن قالَ: قال النسائي: ثقةٌ. وتوفي أبو حاتم في شعبانَ سنةَ سبعٍ وسبعينَ ومائتينِ، وله اثنتانِ وثمانونَ سنةً. وإنما ضَعَّفَ الحديثَ؛ لأنه من رواية رِشدين بن سعد
(2)
، بكسر الراء، وسكون المعجمة. قال [أبو يوسف]
(3)
: كان رشدين رجلًا صالحًا فِي دينه، فأدركته غفلة الصالحين، فخلط فِي الحديثِ وهو متروك.
تعريف الحديث الضعيف
وحقيقة الحديث الضعيف
(4)
: هو ما اختلَّ فيه أحد شروطِ الصحيحِ والحسنِ. وله ستةُ أسبابٍ معروفةٍ سردَها في الشرح.
ترجمة البيهقي
(والبيهقي)
(5)
هو الحافظُ العلَّامةُ شيخُ خراسانَ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ،
(1)
في "تذكرة الحفاظ"(2/ 567 - 569 رقم 592).
(2)
انظر ترجمته في: "المجروحين"(1/ 303)، و "الجرح والتعديل"(3/ 513)، و"الميزان"(2/ 49)، و"الكاشف"(1/ 241)، و"المغني"(1/ 232).
(3)
في النسخة (أ): "أبو يونس".
(4)
انظر "تدريب الراوي"(1/ 179 - 181).
(5)
انظر ترجمتهُ في: "الأعلام" للزركلي (1/ 116)، و"شذرات الذهب"(3/ 304 - 305)، و"المنتظم"(8/ 242)، و "وفيات الأعيان"(1/ 75 - 76)، و"اللباب"(1/ 202)، و"معجم البلدان"(1/ 537 - 538)، و"تذكرة الحفاظ"(3/ 1132 - 1135 رقم 1014)، و"سير أعلام النبلاءِ"(18/ 163 - 170 رقم 86).
له التصانيفُ التي لم يُسبَقْ إلى مثلها. كان زاهدًا ورعًا تقيًّا، ارتحلَ إلى الحجاز والعراقِ. قال الذهبيُّ: تأليفهُ تقاربُ ألفَ جزءٍ. وبيهق بموحَّدة مفتوحة، ومثناة تحتية ساكنة، وهاء مفتوحة، فقاف، بلدٌ [قريبَ نيسابور. أي رواه]
(1)
بلفظ: "الماءُ طهورٌ إلا إن تغيرَ ريحُه أو طعمه أو لونهُ" عطف عليه (بنجاسةٍ) الباء سببية أي بسببِ نجاسةٍ (تحدث فيهِ).
قال المصنفُ: أنه قال الدارقطني
(2)
: ولا يثبت هذا الحديث، وقال الشافعي
(3)
: ما قلتُ منْ أنه إذا تغيرَ طعم الماءِ، أو ريحهُ، أَو لونهُ، كانَ نجسًا يُروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجهٍ لا يُثْبِتُ أهلُ الحديثِ مثلَهُ. وقال النووي
(4)
: اتفق المحدِّثونَ على تضعيفه. والمراد تضعيف روايةٍ الاستثناءِ، لا أصلِ الحديثِ؛ فانهُ قدْ ثبتَ في حديثٍ بئرِ بُضاعَةَ، ولكنَّ هذهِ الزيادةَ قد أجمعَ العلماءُ على القولِ بحُكْمِها، قال ابنُ المنذرِ
(5)
: أجمعَ العلماءُ على أَنَّ الماءَ القليلَ والكثيرَ إذا وقعتْ فيهِ نجاسةٌ فغيَّرت لهُ طعمًا أو لونًا أو ريحًا فهوَ نجسٌ، فالإجماعُ هوَ الدليلُ على نجاسةِ ما تغيَّر أحدُ أوصافِهِ لا هذهِ الزيادةُ.
حكم الماء إذا بلغ قلَّتين
4/ 4 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ"، وفي لفظ:"لم ينجس". [صحيح]
أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ
(6)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
(7)
وَالْحَاكِمُ
(8)
وَابْنُ حِبَّانَ
(9)
.
(1)
في النسخة (أ): "قرب نيسابور أي رواية".
(2)
ذكره الآبادي في "التعليق المغني"(1/ 28).
(3)
ذكره الآبادي في "التعليق المغني"(1/ 28)، والنوويُّ في "المجموع"(1/ 111).
(4)
في "المجموع شرح المهذب"(1/ 110).
(5)
في "الإجماع"(ص 33 رقم 10).
(6)
وهم: أبو داود (1/ 51 رقم 63)، والترمذي (1/ 97 رقم 67)، والنسائيُّ (1/ 175)، وابن ماجَهْ (1/ 172 رقم 517).
(7)
في "صحيحه"(1/ 49 رقم 92).
(8)
في "المستدرك"(1/ 132).
(9)
في "صحيحه"(ص 60 رقم 117 و 118 - الموارد).
قلتُ: وأخرجه الشافعي في "الأم"(1/ 18)، وأحمد في "المسند"(2/ 27)، والدارقطني=
ترجمة ابن عمر
(وَعَن عبدِ اللَّهِ بن عمرَ)
(1)
. هو ابنُ [عُمر بن]
(2)
الخطابِ، أسلمَ عبدُ اللَّهِ صغيرًا بمكةَ، وأَوَّلُ مشاهدهِ الخندقُ، وعَمَّرَ، وروى عنه خلائقُ، كانَ من أوعيةِ العلمِ، وفاتهُ بمكةَ سنَة ثلاثٍ وسبعين، ودفن بها [بذي طُوى في]
(3)
مقبرةِ المهاجرينَ.
(قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماءُ قُلَّتينِ لم يَحْمل الخَبثَ) بفتحِ المعجمةِ والموحدةِ؛ (وفي لفظٍ: لم ينجس)، هو بفتح الجيم وضمِّها كما في القاموس، (أخرجه الأربعة، وصححهُ ابن خزيمةَ). تقدَّمَ ذكرهُ في أولِ حديثٍ.
ترجمة الحاكم
(والحاكم)
(4)
هو الإمامُ الكبيرُ، إمامُ المحقِّقينَ أبو عبدِ اللَّهِ محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ النيسابوريُّ، المعروفُ بابنِ البيِّع، صاحبُ التصانيفِ. ولدَ سنةَ إحدى وعشرينَ وثلاثمِائةِ، وطلبَ هذا الشأنَ، ورحل إلى العراقِ وهوَ ابنُ عشرينَ، وحجَّ، ثم جالَ في خُراسانَ وما وراءَ النهرِ، وسمعَ من ألفي شيخٍ أو نحوِ ذلكَ، حدَّثَ عنهُ الدارقطني، وأبو يعلى الخليلي، والبيهقي، وخلائقُ. وله التصانيفُ الفائقة مع التقوى والديانةِ. ألَّفَ "المستدرَكَ"، و"تاريخَ" نيسابورَ، وغيرَ ذلكَ. توفيَ في صفرَ سنةَ خمسٍ وأربعمائةٍ.
= في "السنن"(1/ 13 - 23 رقم 1 - 25) وأطال في طرقِهِ.
وهو حديثٌ صحيحٌ. انظر تخريجَهُ والكلام عليه في تخريجنا لـ"بلوغ المرامِ"(رقم 4).
(1)
انظر ترجمته في: "المعرفة والتاريخ"(1/ 249 - 251، 490 - 493)، و"المستدرك"(3/ 556 - 561)، و"تاريخ بغداد"(1/ 171 - 173 رقم 13)، و"جامع الأصول"(9/ 64 - 65 رقم 6603)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 278 - 281 رقم 321)، و"العقد الثمين"(5/ 215 - 217 رقم 1588)، و"تهذيب التهذيب"(5/ 287 - 288 رقم 565).
(2)
زيادة من النسخة (ب).
(3)
زيادة من النسخة (أ).
(4)
انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد"(5/ 473 - 474)، و"تبيين كذب المفتري"(ص 227 - 231)، و"المنتظم"(7/ 274 - 275)، و"تذكرة الحفاظ"(3/ 1039 - 1045)، و"النجوم الزاهرة"(4/ 238)، و"طبقات الشافعية" للسبكي (4/ 155 - 171)، و"شذرات الذهب"(3/ 176)، و"ميزان الاعتدال"(3/ 608 رقم 7804).
ترجمة ابن حبان
(وابنُ حِبَّان)
(1)
بكسر الحاء المهملة، وتشديد الموحَّدة. قال الذهبي: هو الحافظُ العلامة أبو حاتمٍ محمدُ بنُ حِبانَ بن أحمدَ بن حِبانَ البستي صاحبُ التصانيفِ. سمعَ أممًا لا يُحصَوْنَ مِنْ مصرَ إلى خُراسانَ. حدَّثَ عنهُ الحاكمُ وغيرهُ، كانَ ابنُ حِبانَ من فقهاءِ الدينِ، وحُفَّاظِ الآثارِ، عالمًا بالطِّبِّ والنجوم، وفنونِ العلمِ، صنفَ "المسندَ الصحيح"، و"التاريخ"، و"كتابَ الضعفاءِ"، وفقَّهَ الناسَ بسمرقند، قالَ الحاكمُ: كانَ ابنُ حبانَ من أوعيةِ العلمِ والفقهِ واللغةِ والوعظ، منْ عقلاءِ الرجالِ. توفيَ في شوالَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ وثلاثمائةٍ. وهو في عَشْرِ الثمانينَ.
وقد سبقتِ الإشارةُ إلى أن هذا الحديثَ هو دليلُ الشافعية في جعلهم الكثيرَ ما بلغَ قلَّتين، وسبقَ اعتذارُ الهادويةِ والحنفيةِ عن العملِ بهِ بالاضطرابِ في متنهِ
(2)
؛ إذ في روايةٍ: إذا بلغَ ثلاثَ قِلالٍ، وفي رواية: قُلَّةً، وَبجهَالَةِ قَدرِ القُلَّةِ، وباحتمالِ معناهُ؛ فإنَّ قولهُ:"لم يَحْمِلِ الخَبَثَ" يحتملُ أنهُ لا يقدرُ [على حمله]
(3)
، بل يضرهُ الخبثُ، ويحتملُ أنه يتلاشى فيهِ الخبثُ. وقد أجابَ الشافعيةُ عن هذا كله. وقد بسطهُ في الشرحِ إلا الأخيرَ فلم يذكرهُ، كأنهُ تركهُ لضعفهِ؛ لأن روايةَ:(لَم يَنْجَسْ) صريحةٌ فِي عدمِ احتمالهِ المعنى الأولَ.
النهي عن البول في الماء الدائم ثم الاغتسال منه
5/ 5 - وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغْتَسِل أَحَدُكمْ في الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ"[صحيح]
(1)
انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاءِ"(16/ 92 - 104)، و"ميزان الاعتدال"(3/ 506 - 508)، و"تذكرة الحفاظِ"(3/ 920 - 924)، و"الكامل" لابن الأثيرِ (8/ 566)، و"طبقات الشافعية" للسبكي (3/ 131 - 135)، و"النجوم الزاهرة"(3/ 342 - 343)، و"اللباب"(1/ 151).
(2)
قلتُ: الحديثُ سالمٌ منَ الاضطراب. انظر: "التلخيص الحبير"(1/ 16 - 18 رقم 4)، و"المجموع شرح المهذب" للنوويِّ (1/ 114) وهو حديث صحيحٌ كما تقدم.
(3)
في النسخة (أ): "بحمله".
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(1)
.
- ولِلْبُخَارِيِّ
(2)
: "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكمْ في الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ".
ولِمُسْلِمٍ
(3)
: "منْهُ"، ولأَبِي دَاوُدَ
(4)
: "وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنَ الجَنَابَةِ".
(وعن أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الماءِ الدَّائِمِ) هو الراكدُ الساكنُ، ويأتي وصفُهُ بأنهُ الذي لا يجري، (وَهُوَ جُنُبٌ). أخْرَجَهُ بهذا اللفظِ (مسلمٌ)، (وللبخاريِّ) روايةٌ بلفظِ:(لا يبولَنَّ أحَدُكُمْ في الماءِ الدائِم الذي لا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فيهِ) يُروى برفع اللام على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، أي: ثم هو [يَغْتَسِلُ]
(5)
، وقد جُوِّزَ جَزمُهُ على عطفهِ على موضع يبولَنَّ، ونصبِهِ بتقديرِ أَنْ على إلحاق ثم بالواو [في ذلك]
(6)
، وإنْ أفادَ أن النهي إنما هُو عن الجمعِ بينَ البولِ والاغتسالِ دون إفرادِ أحدِهما، معَ أنه منهيٌّ عن البولِ فيهِ مطلقًا؛ فإنه لا يُخِلُّ بجوازِ النصبِ؛ لأنه يستفادُ منْ هذا النهي عن الجمعِ ومِنْ غيرهٍ النهيُ عن إفرادِ البولِ وإفرادِ الاغتسالِ. هذا بناءً على أن (ثم) صارتْ بمعنى الواو تفيدُ الجمعَ، وهذا قالهُ النووي
(7)
معترضًا به على ابن مالك، حيث جوَّز النصب، وأقرَّه ابن دقيق العيد في غير شرح "العمدة"، إلا أنه أجاب على النووي بما أفادَهُ قولُنا: فإنه لا يخلُّ بجوازِ النصبِ إلى آخرهِ.
قلتُ: والذي تقتضيه قواعدُ العربيةِ أَنَّ النَّهي في الحديثِ إنما هو عن الجمعِ بينَ البولِ ثم الاغتسال [منه]
(8)
، سواءٌ رفعت اللَام أوْ نصبت؛ وذلكَ لأنَّ (ثمَّ) تفيدُ [ما تفيدهُ]
(9)
الواوُ العاطفةُ في أنها للجمع، وإنما اختصَّتْ ثُمَّ بالترتيبِ، فالجميعُ واهمونَ فيما قرَّروهُ، ولا يستفادُ النهيُ عنْ كلِّ واحدٍ على انفرادِهِ منْ
(1)
في "صحيحه"(1/ 236 رقم 97/ 283).
(2)
في "صحيحه"(1/ 346 رقم 239).
(3)
في "صحيحه"(1/ 235 رقم 95/ 96).
(4)
في "السنن"(1/ 56 رقم 70)، وهو حديث صحيح.
(5)
ليست في النسخة (أ) و (ب) وهي زيادة ليتم المعنى.
(6)
زيادة من النسخة (ب).
(7)
في شرح "صحيح مسلم"(3/ 187).
(8)
في النسخة (أ): "فيه".
(9)
في النسخة (أ): "ما أفاده".
روايةٍ البخاريِّ؛ لأنها إنما تفيدُ النهيَ عن الجمعِ، وروايةُ مسلم تفيدُ النهيَ عن الاغتسالِ فقطْ، إذا لم تقيَّدْ بروايةِ البخاريِّ.
[ثم]
(1)
روايةُ أبِي داودَ بلفظِ: "لا يبولَنَّ أحدكُمْ فِي الماءِ الدائمِ، ولا يغتسِلْ فيهِ" تفيدُ النهيَ عن كلِّ واحدٍ على انفرادِهِ. (فيه. ولمسلمٍ) في روايتهِ (منهُ) بدلًا عَنْ قولِهِ: فيهِ؛ فالأولى تفيدُ أنه لا يَغْتَسِلُ فيه بالانغماسِ مثلًا، والثانيةُ تفيدُ أنهُ لا يتناولُ منهُ ويغتسلُ خارجَهُ.
(ولأبي داودَ) بلفظِ: (ولا يغتسلْ فيه) عوضًا عن ثُمَّ يغتسلُ (مِنَ الجَنَابَةِ) عوضًا عن قولهِ: "وهو جُنُبٌ". وقوله هنا: "ولا يغتسلْ"، دالٌّ على أن النهيَ عن كلِّ واحدٍ من الأمرينِ على انفرادِه كما هوَ أحدُ الاحتمالينِ الأولينِ في روايةٍ ثمَّ يغتسلُ منهُ. قال في الشرحِ: وهذا النهيُ في الماءِ الكثيرِ للكراهةِ، وفِي الماءِ القليلِ للتحريمِ قيلَ عليهِ: إنهُ يؤدي إلى استعمالِ لفظِ النهيِ في حقيقتهِ ومجازِهِ، فالأحسنُ أنْ يكونَ منْ عمومِ المجازِ، والنهيُ مستعملٌ في عدَمِ الفعلِ الشاملِ للتحريم وكراهةِ التنزيهِ.
فأما حكمُ الماءِ الراكدِ، وتنجيسُهُ بالبولِ، أو منعه مِنَ التطهيرِ بالاغتسالِ فيهِ للجنابةِ، فعندَ القائلين بأنهُ لا ينجُسُ إلا ما تغيرَ أحدُ أوصافِه: النهيُ عنهُ للتعمدِ وهوَ طاهرٌ في نفسهِ، وهذا عندَ المالكيةِ، فإنهُ يجوزُ التطَهرُ بهِ؛ لأنَّ النهيَ عندهُم للكراهَةِ، وعندَ الظاهريةِ أنهُ للتحريمِ، وإنْ كانَ النهيُ تعبدًا لا لأجل التنجيس، لكنَّ الأصلَ في النهيِ التحريمُ، وأما عندَ مَنْ فَرَّقَ بينَ القليل والكثير فقالوا: إنْ كانَ الماءُ كثيرًا وكِلَ على أصلهِ في حدهِ ولم يتغيرْ أحدُ أوصافِه، فهوَ الطاهرُ، والدليلُ على طهوريته [تخصيصُ]
(2)
هذا العمومِ إلا أنَّهُ قدْ يقالُ: إذا قلتم: النهيُ للكراهةِ في الكثيرِ فلا تخصيصَ لعمومِ حديثٍ البابِ، وإنْ كانَ الماءُ قليلًا وكِلَ في حدهِ على أصلهِ: فالنهيُ عنهُ للتحريمِ؛ إذ هوَ غيرُ طاهرٍ ولا مطهِّرٍ، وهذا على أصلهِمْ في كونِ النهيِ للنجاسة. وذكرَ في الشرح الأقوالَ في البول في الماءِ [وهو أنَّهُ]
(3)
لا يحرمُ في الكثير الجاري كما يقتضيه مفهومُ هذا الحديثِ،
(1)
في النسخة (ب): "نعم".
(2)
في النسخة (أ): "تخصص".
(3)
في النسخة (ب): "وأنه".
والأولى اجتنابهُ. أما القليلُ الجاريِ فقيلَ: يكرهُ، وقيلَ: يحرُمُ وهو الأولى.
قلتُ: بلِ الأولى خلافُهُ؛ إذِ الحديثُ في النهي عن البولِ فيما لا يجري، فلا يشملُ الجاريَ قليلًا كان أم كثيرًا. (نعم) لو قيلَ بالكراهةِ لكانَ قريبًا. وإنْ كانَ كثيرًا راكدًا فقيلَ: يكرهُ مطلقًا، وقيلَ:[إنْ]
(1)
كانَ قاصدًا إلا إذا عرضَ وهوَ فيهِ فلا كراهَةَ. قالَ في الشرحِ: ولو قيلَ بالتحريمِ لكانَ أظهرَ وأوفَقَ لظاهرِ النهي؛ لأنَّ فيهِ إفسادًا لهُ على غيرِه، ومضارَّةً للمسلمين. وإنْ كانَ راكدًا قليلًا فالصحيَحُ التحريمُ للحديثِ، ثم هلْ يلحقُ غيرُ البولِ كالغائطِ بهِ في تحريم ذلك في هذا الماءِ القليلِ؟ فالجمهورُ يلحق بهِ بالأولى، [وعنْ]
(2)
أحمدَ بن حنبلَ لا يلحَقُ بهِ غيْرُهُ بلْ يختصُّ الحكمُ بالبولِ.
وقولهُ: "في الماءِ" صريحٌ في النهي عن البولِ فيهِ، وأنهُ يجتنبُ إذا كانَ كذلكَ، فإذا بالَ فِي إناءٍ وصبهُ في الماءِ الدائمِ فالحكمُ واحدٌ. وعنْ داودَ لا ينجِّسُهُ ولا يكونُ منهيًا عنهُ إلا في الصورةِ الأولى لا غيرُ.
وحكمُ الوضوءِ في الماءِ الدائمِ الذي بالَ فيهِ منْ يريدُ الوضوءَ حكمُ الغُسْلِ؛ إِذ الحكمُ واحدٌ. وقد وردَ في روايةٍ: "لا يبولَنَّ أحدُكمْ في الماءِ الدائمِ ثُمَّ يتوضَّأُ منهُ"، ذكرَها في الشرحِ ولم ينسبْها إلى أحدٍ. وقد أخْرَجَها عبدُ الرزاق
(3)
، وأحمد
(4)
، وابن أبي شيبة
(5)
، والترمذي
(6)
. وقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وابْنُ حبان
(7)
منْ حديثٍ أبي هريرة مرفوعًا، وأخرجَهُ الطحاوي
(8)
، وابنُ حِبانَ
(9)
، والبيهقيُّ
(10)
بزيادةِ: "أو يَشْرَبُ منه".
(1)
في النسخة (ب): "إذا".
(2)
في النسخة (ب): "وعند".
(3)
في "المصنف"(1/ 89 رقم 300).
(4)
في "المسند"(2/ 265).
(5)
في "المصنف"(1/ 141).
(6)
في "السنن"(1/ 100 رقم 68)، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.
(7)
في "صحيحه"(2/ 274 رقم 1248)، وهو حديث صحيح.
(8)
في "شرح معاني الآثار"(1/ 14).
(9)
في "صحيحه"(2/ 276 رقم 1253).
(10)
في "السنن الكبرى"(1/ 239).
اغتسال المرأة بفضل الرجل والعكس
6/ 6 - وَعَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أن تَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ، أَوِ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ، وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا". [صحيح]
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
وَالنَّسَائِيُّ
(2)
وَإِسْنَادُهُ صَحيحٌ
(3)
.
(وَعَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أن تغتسلَ المرأة بفضلِ الرجل) أي الماءِ الذي يفضلُ [من]
(4)
غُسلِ الرجلِ، (أو الرجل بفضلِ المرأةِ) مثله، (وليغترفا) من الماءِ عندَ اغتسالهما منهُ (جميعًا. أخرجه أبو داودَ والنسائيُّ وإسنادُة صحيحٌ)، إشارةٌ إلى ردِّ قولِ البيهقيُّ حيثُ قال: إنه في معنى المرسلِ، أو إلى قولِ ابن حزمٍ [حيثُ قالَ]
(5)
: إنَّ أحدَ رواتِهِ ضعيفٌ.
أما الأولُ [وهوَ كونهُ في معنى المرسل]
(6)
؛ فلأن إبهامَ الصحابيِّ لا يضرُّ؛ لأنَّ الصحابةَ كلَّهُمْ عدولٌ عندَ المحدثينَ، وأما الثاني؛ فلأنهُ أرادَ ابنُ حزمٍ بالضعيفِ داودَ بنَ عبدِ اللَّهِ الأودي، وهوَ ثقةٌ، وكأنهُ في البحرِ اغترَّ بقولِ ابن حزمٍ فقالَ بعدَ ذكرِ الحديثِ: إنَّ راويهِ ضعيفٌ وأسنَدهُ إلى مجهولٍ. وقالَ المصنفُ في "فتح الباري"
(7)
: إنَّ رجالَهُ ثقاتٌ، ولم نقفْ له على عِلةٍ، فلهذا قالَ هنا: وهوَ صحيحٌ، نعمْ هوَ مُعارَضٌ بما يأتي من قولهِ في الحديث [الآتي]
(8)
:
(1)
في "السنن"(1/ 63 رقم 81).
(2)
في "السنن"(1/ 130 رقم 238).
قُلتُ: وأخرجه أحمدُ في "المسند"(4/ 111) و (5/ 369)، وإسناده صحيحٌ.
(3)
وهو كما قالَ. وقال الحافظ أيضًا في "الفتح"(1/ 300): "رجاله ثقاتٌ ولم أقفْ لمن أعلَّهُ على حُجةٍ قويةٍ، ودعوى البيهقي أنهُ في معنى المرسل مردودةٌ؛ لأن إبهامَ الصحابي لا يضرُّ، وقد صرح التابعي بأنه لقيهُ، ودعوى ابن حزم أَنَّ داودَ راويهِ عن حميدِ بن عبدِ الرحمن هو ابنُ يزيدَ الأوديُّ وهوَ ضعيفٌ، مردودةٌ، فإنه ابنُ عبدِ اللَّهِ الأوديُّ وهو ثقةٌ، وقد صرَّحَ باسم أبيهِ أبو داودَ وغيرُهُ". اهـ.
وخلاصةُ القولِ: أن الحديثَ صحيحُ.
(4)
في النسخة (ب): "عن".
(5)
زيادة من النسخة (أ).
(6)
زيادة من النسخة (أ).
(7)
(1/ 300).
(8)
في النسخة (أ): "السابع".
7/ 7 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيمُونَةَ رضي الله عنها". [صحيح]
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(1)
.
- وَلأَصحَابِ السُّنَنِ
(2)
: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في جَفْنَةٍ، فَجَاءَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا، فَقَالَت: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ:"إِن الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ". [صحيح]
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
، وَابْنُ خُزَيْمَةَ
(4)
.
ترجمة ابن عباس
(وعن ابن عباسٍ)
(5)
هوَ حيثُ أطلقَ بحرُ الأمةِ وحبرُها عبدُ اللَّهِ بنُ عباسٍ، ولدَ قبلَ الهجرةِ بثلاثِ سنينَ. وشهرةُ إمامتهِ في العلمِ ببركاتِ الدعوةِ النبويةِ بالحكمةِ والفقهِ في الدينِ والتأويل، تغني عن التعريفِ بهِ. كانتْ وفاتهُ بالطائفِ سنةَ ثمانٍ وستينَ فِي آخرِ أيامِ ابن الزبيرِ، بعدَ أنْ كُفَّ بصرُهُ.
(أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَغْتسلُ بفضلِ ميمونَةَ. أخرجه مسلمٌ) من روايةٍ عمرِو بن دينارٍ بلفظِ: أكبر علمي - والذي يخطرُ على بالي أَنَّ أبا الشعثاء أخبرني،
(1)
في "صحيحه"(1/ 257 رقم 323/ 48).
قلت: وأخرجهُ أحمدُ في "المسندِ"(1/ 366).
(2)
وهم: أبو داود (1/ 55 رقم 68)، والنسائي (1/ 173 رقم 325)، والترمذي (1/ 94 رقم 65) وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وابنُ ماجه (1/ 132 رقم 370 و 371).
(3)
في "السنن"(1/ 94 رقم 65).
(4)
في "صحيحه"(1/ 57 رقم 109).
قلتُ: وأخرجهُ الحاكم في "المستدرك"(1/ 159) وقال: لا يحفظُ لهُ علةٌ. وصحَّحه المحدثُ الألباني في "الإرواءِ"(رقم 27).
(5)
انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان"(3/ 62)، و"الإصابة"(6/ 130 - 140 رقم 4772)، و"المطالب العالية"(4/ 114 - 115)، و"العقد الثمينِ"(5/ 190 - 193 رقم 1557)، و"معرفةِ القراءِ"(1/ 45 - 46 رقم 9)، و"تهذيب الأسماء واللغاتِ"(1/ 274 - 276 رقم 312)، و"الجمع بين رجال الصحيحين"(1/ 239 رقم 878)، و"جامعِ الأصولِ"(9/ 63 - 64 رقم 6602)، و"حلية الأولياء"(1/ 314 - 329 رقم 45)، و"المعرفة والتاريخ"(1/ 241، 270، 493 - 542).
الحديث. وأعلَّهُ قومٌ بهذا التردُّدِ، ولكنهُ قد ثبتَ عندَ الشيخينِ
(1)
بلفظِ: "إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وميمونَةَ كانا يغتسلانِ من إناءٍ واحدٍ". ولا يخفى أنهُ لا تعارُضَ؛ لأنهُ يحتملُ أنهما كانا يغترفان معًا فلا تعارُضَ.
نعم المعارِضُ قوله: (ولأصحابِ السننِ) أي منْ حديثٍ ابن عباسٍ كما أخرجَهُ البيهقيُّ
(2)
في السننِ، ونسبهُ إلى أبي داودَ:(اغْتَسَلَ بعضُ أَزواجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في جَفْنَةٍ فجاءَ) أي النبيُّ صلى الله عليه وسلم (ليغتسلَ منها فقالتْ: إني كنْتُ جُنُبًا)، أي وقد اغتسلتُ منها، فقالَ:(إنَّ الماءَ لا يجْنِبُ).
في القاموس
(3)
: جَنِبَ كفَرِحَ وجنُبَ كَكَرُمَ، فيجوزُ فتحُ النونِ وضمُّها هنا، هذا إنْ جعلته مِنَ الثلاثي، ويصح من أَجنبَ يُجْنِبُ، وأما اجتنبَ فلم يأتِ بهذا المعنى وهو: إصابةُ الجنابةِ، (وصححَهُ الترمذيُّ وابن خزيمةَ).
ومعنى الحديثِ قد وردَ من طرقٍ سردَها في الشرحِ، وقد أفادَتْ معارضَةَ الحديثِ الماضي، وأنهُ يجوزُ غُسْلُ الرجلِ بفضلِ المرأةِ، ويقاسُ عليهِ العكسُ لمساواتهِ لَهُ. وفي الأمرينِ خلافٌ، والأظهرُ جوازُ الأمرينِ وأنَّ النهيَ محمولٌ على التنزيهِ.
تطهير الإناء من ولوغ الكلب
8/ 8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبع مَرَّاتٍ، أُوْلَاهُنَّ بالتُّرَابِ". [صحيح]
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(4)
، وَفِي لَفْظٍ لَهُ
(5)
: "فَلْيُرِقْهُ"، وَللتِّرْمِذِيِّ
(6)
: "أُخْرَاهُنَّ، أَوْ أولَاهُنَّ بالتراب".
(1)
وهما: البخاري (1/ 366 رقم 253)، ومسلم (1/ 257 رقم 47/ 322) من حديث ابن عباس.
(2)
في "السنن الكبرى"(1/ 189).
(3)
"المحيط) (ص 89).
(4)
في "صحيحه"(1/ 234 رقم 91/ 279).
(5)
في "صحيحه"(1/ 234 رقم 89/ 279).
(6)
في "السنن"(1/ 151 رقم 91) وقال: حديث حسن صحيح. =
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طُهُورُ) في الشرح الأظهر فيه ضَمُّ الطاء ويقال: بفتحها لغتان (إناء أحَدَكُمْ إِذَا وَلَغَ فيهِ الكَلْبُ) في القاموس
(1)
: ولغَ الكلب في الإناءِ وفي الشَّرابِ يَلَغْ، كَيَهَبُ، ويالَغُ، [وولغ] كَوَرِكَ وَوَجِلَ، شَرِبَ ما فيهِ بأطرافِ لسانهِ أو أدخلَ لِسانَهُ فيهِ فحَرَّكَهُ، (أنْ يَغْسِلَهُ) أي الإناءَ (سَبعَ مراتٍ أولاهُنَّ بالترابِ. أخرجهُ مسلمٌ. وفي لفظٍ لهُ: فَلْيُرِقْهُ) أي الماءَ الذي ولغَ فيه. (وللترمذي: أُخراهُنَّ) أي السبعُ، (أو أُولاهُنَّ بالتراب). دلَّ الحديثُ على أحكامٍ:
أحكام فقهية من الحديث:
(أولها): نجاسةُ فم الكلب من حيثُ أمره صلى الله عليه وسلم بالغسلِ لِمَا وَلَغَ فيهِ، والإراقة للماءِ، وقولهُ:"طُهُورُ إناءِ أَحَدِكُمْ" فإنهُ لا غُسْلَ إِلَّا [مِنْ]
(2)
حَدَثٍ، أو نَجَسٍ، وليسَ هنا حدثٌ فتعينَ النَّجَسُ، والإراقَةُ إضاعَةُ مالٍ فلو كانَ الماءُ طاهرًا لما أَمَر بإضاعتِهِ؛ إذ هو منهيٌّ عن إضَاعَةَ المالِ. وهوَ ظاهرٌ في نجاسةِ فمهِ، وأُلحقَ بهِ سائرُ بدنِه قياسًا عليهِ
(3)
، وذلكَ لأنهُ إذا ثبتتْ نجاسةُ لُعَابِهِ، ولُعَابُهُ جزءٌ منْ فمهِ إذ
= قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 57 رقم 71)، والنسائي (1/ 53)، وابن ماجه (1/ 130 رقم 363 و 264)، والحاكم (1/ 160)، والبيهقي (1/ 240، 247)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 50 رقم 95) و (1/ 51 رقم 96)، والدارقطني (1/ 64، 65)، وأبو عوانة (1/ 208)، والطحاي في "مشكل الآثار"(3/ 268)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 96 رقم 329 و 330 و 331)، وأحمد (2/ 265)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 173) و (14/ 204)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(11/ 109)، والطبراني في "الصغير"(1/ 164 رقم 256) وهو حديث صحيح.
(1)
"المحيط"(ص 1020).
(2)
في النسخة (أ): "عن".
(3)
للعلماء في الكلب ثلاثة أقوال معروفة:
أحدها: أنَّهُ نجسٌ كله حتى شعره، كقول الشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
والثاني: أنه طاهر حتى ريقه، كقول مالك في المشهور عنه.
والثالث: أن ريقه نجسٌ، وأن شعره طاهرٌ، وهذا مذهب أبي حنيفة المشهور عنه، وهذه هي الرواية المنصورة عند أكثر أصحابه، وهي الرواية الأخرى عن أحمد وهذا أرجح الأقوال. انظر:"مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية"(21/ 616)، وكتابنا:"إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الطهارة.
هوَ عَرَقُ فمهِ، ففمُهُ نجسٌ إذ العَرَقُ جزءٌ متحلِّبٌ مِنَ البدنِ، فكذلكَ بقيةُ بدنِهِ، إلا أن مَنْ قَالَ: إن الأمرَ بالغُسْلِ ليس لنجاسةِ الكلبِ، قالَ: يحتملُ أَنَّ النجاسةَ في فمِهِ ولُعابهِ؛ إذ هوَ محلُّ استعمالهِ للنجاسةِ بحسب الأغلبِ، وعَلَّقَ الحكمَ بالنظرِ إلى غالبِ أحوالهِ من أكلهِ النجاساتِ [بفمهِ]
(1)
، ومباشرتهِ لها، فلا يدلُّ على نجاسةِ عينهِ.
والقولُ بنجاسته قولُ الجماهيرِ. والخلافُ لمالكٍ وداودَ والزهريِّ، وأدلةُ الأولينَ ما سمعتَ، وأدلةُ غيرهِمْ، وهم القائلونَ بأنَّ الأمرَ بالغُسْلِ للتعبدِ لا للنجاسةِ، [لأنه]
(2)
لو كانَ للنجاسةِ لاكتفى بما دونَ السبعِ إذْ نجاستُهُ لا تزيدُ على العَذِرَةِ، وأجيبَ عنهُ بأنَّ أصلَ الحكم، وهو الأمرُ بالغسل معقولُ المعنى، ممكنُ التعليلِ أي بأنهُ للنجاسةِ، والأصلُ في الأحكامِ التعليلُ فيحملُ على [الأعم]
(3)
الأغلب، والتعبدُ إنما هو في العددِ فقط، كذا في الشرحِ وهو مأخوذٌ منْ "شرحِ العمدةِ". وقد حققنا في حواشيهِ خلافَ ما قرَّرهُ من أغلبيةِ تعليلِ الأحكامِ، وطوَّلنا هنالكَ الكلامَ.
(الحكم الثاني): أنَّهُ دلَّ الحديثُ على وجوبِ سبعٍ غَسَلاتٍ للإناءِ وهو واضحٌ، ومن قالَ: لا تجبُ السبعُ بل ولوغُ الكلب كغيرِه من النجاساتِ والتسبيعُ ندبٌ، اسْتَدَلَّ على ذلكَ بأنَّ راوي الحديثِ وهو أَبو هريرةَ قالَ: يُغْسَلُ من ولوغِهِ ثلاثَ مراتٍ كما أخرجهُ [عنه]
(4)
الطحاوي
(5)
، والدارقطني
(6)
، وأجيب عن هذا
(1)
زيادة من النسخة (أ).
(2)
في النسخة (ب): "بأنَّه".
(3)
زيادة من النسخة (أ).
(4)
زيادة من النسخة (أ).
(5)
في "شرح معاني الآثار"(1/ 23).
(6)
في "السنن"(1/ 66 رقم 16): وقال: هذا موقوفٌ، ولم يروه هكذا غيرُ عبدِ الملكِ عن عطاءٍ، واللَّه أعلم.
وقال البيهقيُّ في "المعرفة"(2/ 59 - 61). وأما الذي يروى عن عبد الملك بن أبي سليمانَ عن عطاءِ، عن أبي هريرة موقوفًا عليه:"إذا وَلَغَ الكلبُ في الإناءِ فأهرقْهُ ثم اغْسِلْهُ ثلاثَ مراتٍ". فإنهُ لم يَروِهِ غيرُ عبدِ الملكِ، وعبدُ الملكِ لا يقبلُ منهُ ما يخالفُ فيهِ الثقاتِ، وقد رواهُ محمدُ بنُ فضيلٍ عن عبدِ الملكِ مضافًا إلى فعل أبي هريرة دون قولِهِ، وروينا عن حمادِ بن زيدٍ، ومعتمرِ بن سليمانَ عن أيُّوبَ، عن محمدِ بن سيرينِ، عن أبي هريرةَ من قولِهِ نحوًا من روايتهِ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورويَ عن عليٍّ وابن عمر وابنِ =
بأنَّ العملَ بما رواهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بما رآهُ وأفتى بهِ، وبأنهُ معارَضٌ بما رُوي عنه، [وأيضًا]
(1)
أنَّه أفتى بالغُسلِ سبعًا، وهي أرجحُ سندًا. وترجَّحَ أيضًا بأنها توافقُ الروايةَ المرفوعةَ. [ومما]
(2)
رُوي عنهُ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ في الكلبِ يَلَغُ في الإناء: "يُغْسَلُ ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا"
(3)
، قالوا: فالحديثُ دلَّ على عدمِ تعيينِ السبع، وأنهُ مخيرٌ ولا تخييرَ في مُعَيَّنٍ. وأجيبَ عنهُ بأنهُ حديثٌ ضعيفٌ
(4)
لا تقومُ بهِ حجةٌ.
(الحكمُ الثالثُ): وجوب التتريبِ للإناءِ لثبوتهِ فِي الحديثِ، ثم الحديثُ يدلُّ على تَعَيُّنِ التراب، وأنهُ في الغَسلةِ الأولى. ومَنْ أوجبهُ قالَ: لا فرقَ بينَ أَنْ يُخلَطَ الماءُ بالترَابِ حتى يتكدَّرَ، أو يُطْرَحَ الماءُ على الترابِ، أو [يُطْرَحَ]
(5)
الترابُ على الماءِ، وبعضُ منْ قالَ بإيجابِ التسبيعِ قالَ: لا تجبُ غُسْلةُ الترابِ لعدمِ ثبوتها عندَهُ. ورُدَّ بأنها قد ثبتتْ فِي الروايةِ الصحيحةِ بلا [ريبٍ]
(6)
، والزيادَةُ مِنَ الثقةِ مقبولةٌ. وأَوردَ على روايةٍ الترابِ بأنها قد اضطربتْ فيها الروايةُ فروي: أُولَاهُنَّ، أو أُخْرَاهُنَّ، أو إِحْدَاهُنَّ، أو السابعةُ أو الثامنةُ، والاضطرابُ قادحٌ فيجبُ الاطِّراحُ لها. وأجيبَ عنهُ بأنهُ لا يكونُ الاضطرابُ قادحًا إلا معَ استواءِ الرواياتِ وليسَ ذلكَ هنا كذلكَ، فإنَّ روايةَ أُولاهُنَّ أرجحُ لكثرةِ رواتها، وبإخراجِ [أحد]
(7)
الشيخين
(8)
لها، وذلك من وجوه الترجيحِ عندَ التعارض.
= عباسٍ مرفوعًا في الأمرِ بغَسْلِهِ سبعًا، والاعتمادُ على حديث أبي هريرة لصحة طريقهِ وقوةِ إسناده، وعبد الملك تفرَّدَ به من بين أصحاب عطاءِ، ثم أصحاب أبي هريرةَ، ولمخالفتهِ أهلَ الحفظِ والثقةِ في بعضِ رواياتهِ، تركَهُ شعبةُ بنُ الحجاجِ، فلم يحتجَّ بهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في "الصحيح"، وحديثُهُ هذا مختلفٌ عليهِ فرُويَ عنهُ من قولِ أبي هريرة، ورويَ عنهُ من فعلِهِ، فكيفَ يجوزُ تركُ روايةٍ الحفاظ الثقاتِ الأثباتِ من أوجهٍ كثيرةٍ لا تكون مثلها غلطًا، بروايةِ أحدٍ قد عُرِفَ بمخالفتِه الحفاظ في بعضِ أحاديثهِ". اهـ ملخصًا.
(1)
زيادة من النسخة (ب).
(2)
في النسخة (أ): "ولما".
(3)
أخرجهُ الدارقطني في "السنن"(1/ 65 رقم 13 و 14) وقال: "تفرد به عبدُ الوهابِ - بنُ الضحاكِ -، عن إسماعيلَ - بن عياشٍ -، وهو متروكُ الحديثِ، وغيرهُ يرويهِ عن إسماعيلَ بهذا الإسنادِ: "فاغسلوهُ سبعًا"، وهو الصوابُ". اهـ.
(4)
وهو كما قال.
(5)
زيادة من النسخة (أ).
(6)
في (ب): مرية.
(7)
زيادة من النسخة (ب).
(8)
قلت: أخرجه البخاري (1/ 274 رقم 172)، ومسلم (1/ 234 رقم 90/ 279) عن أبي=
وألفاظ الرواياتِ التي عورضَتْ بها أولاهُنَّ لا تقاومُها. وبيانُ ذلكَ أن روايةَ أُخْرَاهُنَّ مُتَفَرِّدَةٌ لا توجدُ في شيءٍ مِنْ كتبِ الحديثِ مسندة
(1)
، وروايةُ السابعة بالتراب
(2)
اختُلِفَ فيها فلا تقاوِمُ روايةَ أولاهُنَّ بالتراب، وروايةُ إحداهُنَّ بالحاءِ والدالِ المهملتينِ ليستْ في الأمهاتِ، [بل رواها]
(3)
البزارُ
(4)
، فعلى صحتها فهيَ مطلقةٌ يجبُ حَمْلُها على المقيدةِ، وروأيةُ أولاهُنَّ أو أخراهُنَّ بالتخييرِ إنْ كانَ ذلكَ مِنَ الراوي فهو شكٌّ منهُ فيرجَعُ إلى الترجيحِ، وروايةُ أولاهُنَّ أرجحُ وإنْ كانَ مِنْ كلامِهِ صلى الله عليه وسلم فهوَ تخييرٌ منهُ صلى الله عليه وسلم، ويرجِعُ إلى ترجيح أولاهُنَّ لثبوتِها فقط عندَ أحد الشيخينِ
(5)
كما عرفْتَ.
وقولهُ: "إناءِ أحدِكم" الإضافةُ ملغاةٌ هنا؛ لأنَّ حُكمَ الطهارةِ والنجَاسَةِ [هنا]
(6)
لا يتوقفُ على ملْكِهِ الإناءَ. وكذا قولُه: "فليغْسِلْهُ" لا يتوقفُ على أَنْ يكونَ مالكَ الإناءِ هُو الغاسِلُ، وقولهُ: وفي لفظٍ: "فَلْيُرِقْهُ" هي مِنْ ألْفاظِ رواية مسلمٍ
(7)
، وهي أمرٌ بإراقَةِ الماءِ الذي وَلَغَ فيهِ الكلبُ، أو الطعام؛ وهي مِنْ أقوى الأدِلَّةِ على النجاسةِ؛ إذْ المراقُ أعمُّ من أن يكونَ ماءَ أو طعامًا، ولو كانَ طاهرًا لم يأمرْ بماراقتهِ كما عرفْتَ؛ إلا أنه نَقَلَ المصنفُ في "فتح الباري"
(8)
: عدمَ صحةِ هذهِ اللفظةِ عَنِ الحفاظ. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: لم ينقلْها أحدٌ مِنَ الحفاظِ منْ
= هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شَرِبَ الكلبُ في إناءٍ أحدكم فليغسلهُ سبعًا" واللفظ للبخاري. وزادَ ابنُ سيرينَ عنه: "أولاهُنَّ بالترابِ"، أخرجها مسلم (1/ 234 رقم 91/ 279) وغيره ولم يخرجها البخاري.
(1)
قلت: أخرجها الترمذي (1/ 151 رقم 91) كما تقدم.
(2)
أخرجه أبو داود (1/ 59 رقم 73)، والدارقطنيّ (1/ 64 رقم 7) وقال: صحيح.
وقال الألباني في "الإرواء"(1/ 189): ولكنه شاذٌّ، والأرجح الرواية:"الأولى بالتراب".
(3)
في النسخة (أ): "ورواها".
(4)
(1/ 145 رقم 277 "كشف الأستار")، وقال:"هو في "الصحيح" خلا قولِهِ: "إحداهنَّ"، لم يروه هكذا إلا يونس". اهـ.
وقال الهيثمي في "المجمع"(1/ 287): "رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار".
(5)
قلت: ثبتتْ عند مسلم كما تقدم.
(6)
زيادة من النسخة (أ).
(7)
في "صحيحه"(1/ 234 رقم 89/ 279) كما تقدم.
(8)
(1/ 275).
أصحابِ الأعمشِ. وقال ابنُ مَنْدَه: لا تُعرفُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بوجهٍ مِنَ الوجوهِ. نعمْ أَهْمَلَ المصنفُ ذِكْرَ الغَسْلَةِ الثامِنَةِ، وقدْ ثبتَ عِندَ مسلمٍ
(1)
: "وعفِّروهُ الثامنةَ بالترابِ".
قال ابنُ دقيق العيد: إنَّهُ قال بها الحسنُ البصري ولم يقُلْ بها غيرُهُ، ولعلَّ المرادَ بذلك مِنَ المتقدمينَ. والحديثُ قويٌّ فيها، ومَنْ لم يقُلْ بهِ احتاجَ إلى تأويلهِ بوجهٍ فيهِ استكراهٌ. اهـ.
قلتُ: والوجهُ [أي المستكرَهُ]
(2)
في تأويلهِ ذكرَهُ النوويُّ
(3)
فقالَ: المرادُ اغْسِلُوهُ سبعًا واحدةً منهنَّ بالترابِ معَ الماءِ، فكأن الترابَ قائمٌ مقامَ غَسْلَةٍ، فسُميت ثامنَةً، [قلت]
(4)
: ومثلَهُ قال الدَّميرِي في "شرحِ المنهاجِ"، وزادَ أنهُ أطلقَ الغُسْلَ على التعفيرِ مجازًا.
قلتُ: ولا يخفى أن طيَّ المصنفِ لذكرها وتأويلِ مَنْ ذكر بإخراجها إلى المجازِ كلُّ ذلكَ محاماةٌ على المذهبِ، والحقُّ مع الحسنِ البصريِّ، وأمَّا الأمر بقتلِ الكلابِ ثم النهي عنهُ وذكر ما يباحُ اتخاذهُ منها فيأتي الكلامُ عليهِ في بابِ الصيد، [إنْ شاءَ اللَّهُ تعالَى]
(5)
.
طهارة الهرة وسؤرها
9/ 9 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ - فِي الْهِرَّةِ -:"إِنَّهَا لَيسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيكُمْ". [صحيح]
أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ
(6)
، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ
(7)
.
(1)
في "صحيحه"(1/ 235 رقم 93/ 280) من حديثٍ ابن المغَفَّل.
(2)
زيادة من النسخة (أ).
(3)
في "شرح صحيح مسلم"(3/ 185).
(4)
زيادة من النسخة (أ).
(5)
زيادة من النسخة (ب).
(6)
وهم: أبو داود (1/ 60 رقم 75)، والنسائي (1/ 55)، وابن ماجه 11/ 131 رقم 367)، والترمذي (1/ 153 رقم 92)، وقال: حديث حسن صحيح.
(7)
في صحيحه (1/ 55 رقم 104).
ترجمة أبي قتادة
(وَعَنْ أَبِي قَتَادَة)
(1)
بفتح القاف، فمثناة فوقية، بعد الألف دال مهملة، اسمه في أكثر الأقوال: الحارثُ بن رِبْعيّ بكسر الراء، فموحَدة ساكنة، فمهملة مكسورة، ومثناة تحتية مشدَّدة، الأنصاريُّ، فارسُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، شَهِدَ أُحدًا وما بعدَها، [وكانتْ]
(2)
وفاتهُ سنةَ أربعٍ وخمسينَ بالمدينةِ، وقيلَ: ماتَ بالكوفةِ في خلافةِ عليٍّ رضي الله عنه، وشَهِدَ معهُ حروبَهُ كُلَّها. (أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ في الهِرَّةِ).
سبب الحديث
والحديثُ لهُ سببٌ وهو أن أبا قَتَادَةَ سُكِبَ لهُ وَضُوءٌ، فجاءَتْ هِرَّةٌ تشربُ منهُ فأَصغى لها الإناءَ حتى شربَتْ، فقيلَ لهُ في ذلكَ فقالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّها لَيْسَتْ بِنَجَسٍ)، أي فلا ينجَسُ [ما لامستْهُ]
(3)
(إنَّمَا هِيَ مِنَ الطوَّافينَ) جمع طوَّافٍ (عَلَيْكُمْ)، قالَ ابنُ الأثير
(4)
: (الطائفُ الخادمُ الذي يَخْدُمُكَ برفقٍ وعنَايةٍ، والطَّوَّاف فَعَّال منه، شَبَّهها بالخَادِمِ الذي يَطُوفُ على مَولاة ويدورُ حوله [أخْذًا مِنْ قولِهِ]
(5)
تعالى [بعدهنَّ]
(6)
{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ}
(7)
، يعني الخدم والمماليك.
وفي رواية مالك
(8)
، وأحمد
(9)
، وابن حِبان
(10)
، والحاكم
(11)
، وغيرهم
(12)
زيادة لفظ: "والطَّوّافات"، جمع الأول جَمْعَ مذكرٍ سالمٍ نظرًا إلى ذكور الهِرِّ، والثاني جَمْعَ مؤنثٍ سالمٍ نظرًا إلى إناثها.
(1)
انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(4/ 383) و (5/ 295 - 311)، و"طبقات ابن سعد"(6/ 15)، و"التاريخ الكبير"(2/ 258 - 259 رقم 2387)، و"معجم الطبراني الكبير"(3/ 239 رقم 269)، و"جامع الأصول"(9/ 77 - 78 رقم 6617)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 224 - 225 رقم 945)، و"الإصابة"(11/ 302 - 305 رقم 913)، و"الاستيعاب"(12/ 88 - 92 رقم 3130).
(2)
زيادة من النسخة (ب).
(3)
في النسخة (أ): "ما لابسته".
(4)
في "النهاية"(3/ 142).
(5)
في النسخة (ب): "كقوله".
(6)
زيادة من النسخة (ب).
(7)
سورة النور: الآية 58.
(8)
في "الموطأ"(1/ 22 - 23 رقم 13).
(9)
في "المسند"(5/ 303).
(10)
في صحيحه (ص 60 رقم 121 - "موارد").
(11)
في "المستدرك"1/ 159 - 160).
(12)
كالشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 22 رقم 39)، والدارقطني (1/ 75 رقم 22)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 245).
فإنْ قلتَ: قد فاتَ في جمعِ المذكرِ السالم شرطُ كونِهِ يعقلُ، وهو شرطٌ لِجَمْعِهِ عَلَمًا وصفَةً. قُلْتُ: لما [نزل]
(1)
منزلة من يعقل [بوصفه]
(2)
بصفته وهو الخادم [أجراهُ]
(3)
مُجراهُ في جَمْعِهِ صفة. وفي التعليل إشارةٌ إلى أنهُ تعالى لما جعلها بمنزلةِ الخادمِ في كثرةِ اتصالها بأهل المنزِلِ وملابستِها لهم، ولما فِي منزلهم، خفَّفَ تعالى على عبادِهِ بجعلها غيرَ نَجَسٍ رفعًا للحرج.
(أخرجَهُ الأربعَةُ وصحَّحَهُ الترمذيُّ، وابنُ خُزَيْمَةَ)، وصحَّحَهُ أيضًا البخاريُّ، والعقيليُّ، والدارقطني
(4)
.
والحديث دليل على طهارة الهرة وسؤرها، وإنْ باشرتْ نَجَسًا، وأنه لا تقييدَ لطهارةِ فمها بزمانٍ. وقيل: لا يطهُرُ فمها إلا بمضي زمان من ليلةٍ، أو يومٍ، أو ساقَي، أو شرِبها الماءَ، أو غيبتها حتى يحصُلَ ظنٌّ بذلكَ، أو بزوالِ عينِ النجاسةِ مِنْ فمِها، وهذا الأخيرُ أوضحُ الأقوال [لأنه]
(5)
معَ بقاءِ عينِ النجاسَةِ في فمِها فالحكم بالنجاسةِ لتلك العين لا لفمها، فإنْ زالتِ العين فقد حكم الشارع بأنها ليست بنَجَس.
نجاسة بول الإنسان
10/ 10 - وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ
(1)
في النسخة (ب): "نزله".
(2)
في النسخة (ب): "ووصفه".
(3)
في النسخة (أ): "أجرى".
(4)
ذكر ذلكَ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 41)، ثم قال الحافظ (1/ 42):"وأعلَّهُ ابن منده بأنَّ حُمَيدة وخالتها كبشَةَ محلُّهما محلُّ الجهالةِ ولا يُعْرَفُ لهما إلا هذا الحديث. فأما قولُهُ: إنهما لا يُعْرَفُ لهما إلا هذا الحديث، فمتعقَّبٌ بأنَّ لحميدة حديثًا آخرَ في تشميت العاطسِ رواهُ أبو داودَ، ولها ثالثٌ رواه أبو نعيم في "المعرفة"، وأما حالهما فحُمَيدة روى عنها مع إسحاق ابنُهُ يحيى، وهو ثقة عند ابن معين. وأما كبشةُ فقيلَ: إنها صحابيةٌ، فإن ثبثَ فلا يضرُّ الجهلُ بحالها، واللَّه أعلمُ" اهـ.
قلتُ: وقد صححَ الحديثَ الإمامِ النوويُّ في "المجموع شرحِ المهذب"(1/ 171). كما أن للحديثِ طرقًا أخرى وشاهدًا أورَدَها الألبانيُّ في "صحيح أبي داودَ"(68، 69) - كما في "الإرواء"(1/ 193).
(5)
في النسخة (ب): "لأن".
الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنهَاهُمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قضى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
ترجمة أنس بن مالك
(وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ)
(2)
هو أبو حَمزةَ بالحاء المهملة فزاي، أنصاري نجاري خزرجي، خادم رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم منذُ قَدِمَ المدينةَ إلى وفاتِهِ صلى الله عليه وسلم. وقَدِمَ صلى الله عليه وسلم المدينة [وهوَ ابنُ عَشْرِ سنينَ أو ثمانٍ أو تسعٍ]
(3)
، أقوالٌ. سَكَنَ البَصْرَةَ مِنْ خَلافَةِ عُمَرَ لِيفقِّهَ النَّاسَ، وطالَ عمرهُ إلى مائةٍ وثلاثِ سنينَ، وقيلَ: أقلُّ مِنْ ذلكَ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: أصحُّ ما قيلَ: تسعٌ وتسعونَ سنةً. وهوَ آخِرُ مَنْ ماتَ بالبصرَةِ مِنَ الصحابةِ سنةَ إحدى أو اثنتينِ أو ثلاثٍ وتسعينَ.
(قَالَ: جَاءَ أَعْرَابيُّ) بفتح الهمزة نسبة إلى الأعراب، وهم سكان البادية، سواء أكانوا عربًا أو عجمًا، وقد ورد تسميته أنه ذو الخويصرة اليماني، وكان رجلًا جافيًا (فَبَالَ في طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ) ناحيته، والطائفة القِطْعَة من الشيء، (فَزَجَرَهُ النَّاسُ) بالزاي فجيم فراء، أي نهروهُ، وفي لفظٍ:(فقامَ إليهِ النَّاسُ ليقعوا به)، وفِي أخرى:(فقالَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ، مَهْ)، (فنهاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم) بقولِه لهم:"دعوهُ"، وفي لفظٍ:"لا تُزْرِمُوهُ"
(4)
، (فلما قضي بَوْلَهُ أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه البخاري (1/ 324 رقم 221)، ومسلم (1/ 236 رقم 99/ 284) و (1/ 236 رقم 98/ 284) و (1/ 236 رقم 100/ 285).
قلت: وأخرجه الترمذي (1/ 276 رقم 148)، والنسائي (1/ 175)، وابن ماجه (1/ 176 رقم 528)، وأحمد في "المسند"(3/ 110 - 111)، والدارمي (1/ 189)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 13) من طرق متعددة.
(2)
انظر ترجمته في: "العبر"(1/ 80)، و"مرآة الجنان"(1/ 211)، و"المعارف"(308 - 309)، و"مشاهير علماء الأمصار" (رقم: 215)، و "الإصابة"(1/ 112 - 114 رقم 275)، و"الاستيعاب"(1/ 205 - 209 رقم 84)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 127 - 128 رقم 71)، و"البداية والنهاية"(9/ 94 - 97)، و"جامع الأصول"(9/ 88 - 90 رقم 6633)، و"الجرح والتعديل"(2/ 286 رقم 1036).
(3)
في النسخة (أ): "وهو ابن عشر أو تسع أو ثمان".
(4)
أي لا تقطعوا عليه بولَهُ، يقالُ: زَرِمَ الدمعُ والبولُ إذا انقطَعَا. "النهاية"(2/ 301).
بِذَنُوبٍ) بفتح الذال المعجمة فنونٍ آخرهُ موحَّدَةٍ، وهيَ الدَّلْوُ الملآنُ ماءً، وقيلَ: العظيَمة
(1)
، (مِنْ ماءٍ) تأكيدٌ، وإلا فقدْ أفادَهُ لفظُ الذَّنوبِ فهوَ مِنْ بابِ كتبتُ بيدي، وفي روايةٍ (سَجْلًا) بفتح السينِ المهملة، وسكون الجيم، وهو بمعنى الذَّنوب
(2)
، (فأهريقَ عليهِ) أصلُهُ فأريقَ عليه ثم أبدلتِ الهاءُ مِنَ الهمزَةِ فصارَ [فهُريقُ]
(3)
عليهِ وهو روايةٌ، ثم زيدتْ همزةٌ أخرى بعدَ إبدالِ الأولى فقيلَ: فأهريقَ، (متفقٌ عليه) عندَ الشيخينِ كما عرفْتَ.
أحكام فقهية من الحديث
والحديثُ فيهِ دلالةٌ على نجاسةِ بولِ الآدمي وهو إجماعٌ، وعلى أن الأرضَ إذا تنجَّسَتْ طَهُرَتْ بالماءِ كسائرِ المتنجساتِ، وهلْ يجزئُ في طهارِتها غيرُ الماءِ؟ قيلَ: تطهرُها الشمسُ والريحُ، فإن تأثيرَهُما في إزالةِ النجاسةِ أعظمُ إزالةً مَن الماء، ولحديثِ:"ذكاةُ الأرضِ يُبْسُها"، ذكره ابن أبي شيبة
(4)
، وأجيبَ بأنَّهُ ذكرهُ موقوفًا، وليسَ من كلامهِ صلى الله عليه وسلم، كما ذكرَ عبدُ الرزاقِ
(5)
حديثَ أبي قِلابةَ
(1)
كما في "النهاية"(2/ 171).
(2)
وهي الدَّلو الملأى ماءً. [النهاية (2/ 344)].
(3)
في النسخة (ب): "هريق".
(4)
في "المصنف"(1/ 57) من حديث أبي جعفر.
قلت: وأوردَهُ القاري في "الأسرار المرفوعةِ" رقم (208)، وابن الديبع في "التمييز" رقم (639) وقال:"احتجَّ به الحنفية، ولا أصلَ لهُ في المرفوع، نعم ذَكره ابن أبي شيبة مرفوعًا عن أبي جعفر الباقر" اهـ.
وأورده الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص 33) وقال: "هو موقوفٌ على محمد بن علي الباقر" اهـ.
وكذلك أوردَهُ السخاوي في "المقاصد" رقم (554).
(5)
لم أعثر عليه في المصنف. وقد عزاه إليه السخاوي في "المقاصد"(ص 355)، وأورده الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص 33).
• قلت: إن الأرض التي أصابتها نجاسة ففي طهارتها وجهانِ:
(الأول): صبُّ الماء عليها، وهو مذهبُ العترةِ، والشافعي، ومالكٍ، وأحمدَ، وزفرَ، واستدلوا بحديثِ أنسِ بن مالكٍ رقم (15).
[انظر: "نيل الأوطار" (1/ 42)، و"عون المعبود" (2/ 43)، و"فتح باب العناية" (1/ 247)]. =
موقوفًا عليهِ بلفظ: "جفوفُ الأرضِ طهورُها"، فلا تقومُ بهما حجةٌ.
والحديثُ ظاهرٌ في أن صبَّ الماءِ يُطَهِّرُ الأرضَ رِخْوَةً كانتْ أو صُلْبَةً، وقيلَ: لا بدَّ من غسلِ الصُّلْبَةِ كغيرها مِنَ المتنجساتِ، وأرضُ مسجدهِ صلى الله عليه وسلم كانتْ رِخْوَةً فكفى فيها الصبُّ.
[وكذلكَ الحديثُ ظاهرٌ]
(1)
في أنها لا تتوقفُ الطهارةُ على نضوبِ الماءِ، لأنهُ صلى الله عليه وسلم لم يشترط في الصَّبِّ على بولِ الأعرابي شيئًا، وهو الذي اختارَهُ المهدي في "البحر"
(2)
؛ وفِي أنهُ لا يشترطُ حَفْرُها وإلقَاءُ الترابِ.
وقال أبو حنيفة: إذا كانتْ صُلْبَةً فلا بدَّ من حَفْرِها وإلقاءِ الترابِ؛ لأنَّ الماءَ لم يعمَّ أعلاها وأسفَلَها، ولأنهُ وردَ في بعضِ طرقِ [هذا]
(3)
الحديثِ أنهُ قالَ صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما بالَ عليهِ مِنَ الترابِ فألقوهُ، وأَهْريقوا على مكانهِ ماءً".
= (والوجه الثاني): جفافُها ويُبْسُها بالشمس أو الهواءِ وذهابُ أثرِ النجاسةِ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ، وأبي يوسف، ومحمدِ بن الحسنِ. واستدلوا بالحديث الذي أخرجهُ أبو داود (2/ 41 - مع العون)، والبغويُّ في:"شرحِ السنةِ"(2/ 82)، وقالَ: حديث صحيحٌ، والبيهقي (1/ 243)، والبخاري في صحيحه تعليقًا (1/ 278 - مع الفتح)، و"تغليق التعليق"(2/ 109)، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
كنتُ أبيتُ في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت فتًى شابًا عَزبًا، وكانت الكلابُ تبولُ وتقبلُ وتدبر في المسجدِ فلم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك. وهو حديثٌ صحيحٌ.
• قال ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 279): "واستدل أبو داود في "السنن" على أنَّ الأرضَ تَطهُرُ إذا لاقَتْها النجاسَةُ بالجفافِ، يعني أنَّ قولَهُ: "لم يكونوا يرشونَ" يدلُّ على نفي صبِّ الماءِ من بابِ أولى، فلولا أنَّ الجفاف يفيدُ تطهيرَ الأرضِ، ما تركوا ذلك ولا يخفى ما فيه" اهـ.
وقال شمس الحق آبادي في "عون المعبود"(1/ 43)، تعقيبًا على كلام ابن حجر هذا: "ليس عندي في هذا الاستدلال خفاءٌ بل هو واضحٌ
…
" اهـ.
• وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي"(1/ 462) أيضًا: "واستدلالُ أبي داودَ بهذا الحديثِ على أن الأرضَ تطهُرُ بالجفافِ صحيحٌ ليسَ فيهِ عندي خدشةٌ" اهـ.
(1)
زيادة من النسخة (أ).
(2)
في "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار"(1/ 26).
(3)
زيادة من النسخة (أ).
قالَ المصنفُ في "التلخيص"
(1)
: له إسنادانِ موصولانِ، (أحدُهما): عن ابن مسعودٍ
(2)
، (والآخرُ): عن وَاثِلَةَ بن الأسقَع
(3)
، وفيهما مقالٌ. ولو ثبَتتْ هذهِ الزيادة لبطلَ قولُ منْ قالَ: إنَّ أرضَ مسجدِه صلى الله عليه وسلم رِخْوَةٌ، فإنهُ يقولُ: لا يحفرُ ويلقى الترابُ إلا مِنَ الأرضِ الصُّلْبَةِ.
فوائد من الحديث
وفي الحديثِ فوائدُ، (منها): احترامُ المساجدِ؛ فإنهُ صلى الله عليه وسلم لما فَرَغَ الأعرابيُّ من بولِهِ دعاه ثم قالَ لهُ: "إنَّ هذه المساجدَ لا تصلحُ لشيءٍ مِنْ هذا البولِ، ولا القذرِ، إنما هيَ لذكرِ اللَّهِ عز وجل وقراءةِ القرآنِ"، [ولأنَّ الصحابة تبادروا إلى الإنكارِ عليه وأقرَّهم صلى الله عليه وسلم]
(4)
، وإنما أمرَهُم بالرفقِ كما في روايةٍ الجماعةِ للحديث
(1)
(1/ 37 برقم 32).
(2)
أخرجه الدارقطني في "السنن"(1/ 131 رقم 2)، وأبو يعلى في "المسند"(6/ 310 رقم 871/ 3626)، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 14) عنه. قال: "جاء أعرابيٌّ فبال في المسجد، فأمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحْتُفِرَ، فَصُبَّ عليه دلوٌ منْ ماء
…
". وقال: سمعانُ مجهولٌ. وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 24 رقم 36): سمعتُ أبا زُرعَةَ يقولُ: حديثُ سمعان في بول الأعرابي في المسجدِ، عن أبي وائل عن عبدِ اللَّهِ - ابن مسعودِ - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: "احفِروا موضعَهُ"، قال: هذا حديثٌ ليس بالقوي. قلت: وهو حديث منكر.
(3)
عزاه ابنُ حجر في "التلخيصِ" لأحمدَ والطبرانيِّ عنه وقال: فيه "عبيدُ الله بنُ أبي حميد الهذلي" وهو منكرُ الحديثِ قالهُ البخاريُّ - في "التاريخ الكبير"(5/ 377 رقم 1203)، - وأبو حاتم - في "الجرح والتعديل" (5/ 312 - 313 رقم 1487). قلتُ: لم أجدهُ في "مسندِ الإمام أحمد"(3/ 490 - 491) و (4/ 106 - 107). كما لم أجدْهُ في "مجمع الزوائد" للهيثمي، واللَّه أعلم.
• قلت وأخرجه ابن ماجه رقم (530)، والطبراني في الكبير (22/ 77 رقم 192)، وفي سنده عبيد الله الهذلي: منكر الحديث، قاله البخاري، وقال ابن حجر: متروك "التقريب"(1/ 532)، وانظر:"مصباح الزجاجة"(1/ 212).
• قلتُ: وأخرج الدارقطني (1/ 132 رقم 4)، وأبو داود (1/ 265 رقم 381)، عن عبد الله بن مَعْقِل بن مُقرِّن قال: قام أعرابي إلى زاوية من زوايا المسجد فانكشف فبال فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماء".
وقال الدارقطني: عبد الله بن معقل تابعي، وهو مرسل.
قلت: فالحديث ضعيف.
(4)
في النسخة (ب): "ولأن الصحابة لمَّا تبادروا إلى الإنكار
…
صلى الله عليه وسلم ".
هذا إلا مسلمًا
(1)
أنَّهُ قال لهم: "إنما بعثتم ميسِّرينَ ولم تبعثوا معسِّرينَ"، ولو كانَ الإنكارُ غيرَ جائزٍ لقالَ لهم: إنهُ لم يأتِ الأعرابيُّ ما يوجبُ نهيَكُم لَهُ.
(ومنها): الرفقُ بالجاهلِ وعدمُ التعنيفِ، (ومنها): حُسْنُ خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم ولطفُهُ في التعليم، (ومنها): أن الإبعادَ عندَ قضاءِ الحاجةِ إنما هي لِمَنْ يريدُ الغائطَ لا البولَ؛ فإنهُ كانَ عُرْفُ العربِ عدمَ ذلكَ وأقرَّهُ الشارعُ. وقد بالَ صلى الله عليه وسلم وجعلَ رجلًا عند عَقِبِهِ يسترهُ، (ومنها): دفعُ أعظمِ المضرَّتينِ بأخفِّهما؛ لأنهُ لو قطعَ عليه بولَهُ لأضرَّ به وكانَ يحصلُ مِنْ تقويمهِ منْ محلهِ معَ ما قدْ حصلَ من تنجيسِ المسجدِ تنجيسُ بدنهِ وثيابِهِ ومواضع من المسجدِ غير الذي قد وقعَ فيهِ البول أولًا.
ما أُحِلَّ من الميتة والدم
11/ 11 - وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فالطِّحَالُ وَالْكَبِدُ". [صحيح]
أَخْرَجَهُ أحْمَدُ
(2)
، وَابْن مَاجهْ
(3)
وَفيهِ ضَعْفٌ
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (1/ 323 رقم 220) و (10/ 525 رقم 6128)، وأبو داود (1/ 263 رقم 380)، والترمذي (1/ 275 رقم 147)، والنسائي (1/ 48 رقم 56)، وابن ماجه (1/ 176 رقم 529)، وأحمد في "المسند"(12/ 244 رقم 7254)، كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في "المسند"(2/ 97).
(3)
في "السنن"(2/ 1102 رقم 3314).
قلت: وأخرجه الشافعي في "ترتيب المسند"(2/ 173 رقم 607)، والدارقطني (4/ 272 رقم 25)، والبيهقي (1/ 254)، والبغوي في "شرح السنة"(11/ 244)، وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (820) من طرق.
(4)
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 182 رقم 1142): "هذا إسناد ضعيف".
عبد الرحمن - بن زيد بن أسلم - هذا، قال فيه أبو عبد الله الحاكم: روى عن أبيه أحاديثَ موضوعة، وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفهِ.
قلت: (والقائل البوصيري): لكنْ لم ينفرد بهِ عبدُ الرحمن بن زيدٍ عن أبيه، فقد تابعه عليه سليمان بن بلال عن زيد بنِ أسلمَ عن ابن عُمَرَ قولَهُ. قال البيهقي: - (1/ 254) - إسنادُهُ الموقوف صحيحٌ وهو في معنى المسندِ، قال: وقد رفعهُ أولاد زيد بن أسلم عن أبيهم وهم كُلُّهم ضعفاءُ جرَّحَهم ابنُ معين اهـ. =
(وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ)، أي بعد تحريمها الذي دلَّتْ عليهِ الآياتُ، (وَدَمَانِ) كذلك؛ (فَأَمَّا الميتتانِ فَالْجَرَادُ) أي: ميتته، (وَالْحُوتُ) أي: مَيْتَتُهُ. (وَأَمَّا الدَّمَانِ فالطِّحَالُ) بزِنَةِ كِتاب، (وَالْكَبِدُ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وابنُ ماجَهْ، وفيهِ ضَعْفٌ)؛ لأنَّهُ رواهُ عبدُ الرحمن بنُ زيدِ بن أسلَمَ
(1)
عن أبيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ أَحْمَدُ: حديثُهُ منكَرٌ، وصحَّ أَنَّهُ موقوفٌ كما قالَ أبو زرعةَ وأبو حاتمٍ
(2)
؛ فإذا ثَبَتَ أَنَّهُ موقوفٌ فلهُ حكمُ المرفوعِ لأنَّ قولَ الصحابيِّ: أُحِلَّ لنَا كذا، وحُرِّمَ علينَا كذا، مثلُ قولِهِ: أُمِرْنا، ونُهينا، فيتمُّ بهِ الاحتجاجُ.
ويدلُّ على حِلِّ مَيْتَةِ الجرادِ على أي حالٍ [وُجدَتْ]
(3)
، فلا يعتبرُ في الجرادِ شيءٌ سواءٌ ماتَ حتفَ أنفِهِ أوْ بسببٍ. والحديثُ حجةٌ على منِ اشترطَ موتَها بسببٍ آدمي، أو بقطعِ رأسِها، وإَلَّا حَرُمَتْ.
وكذلكَ يدلُّ على حِلِّ مَيْتَةِ الحوتِ على أي صفةِ وجدَ - طافيًا كانَ أو غيرَهُ - لهذا الحديثِ، وحديثُ:"الحِلُّ مَيْتَتُه"
(4)
. وقيلَ: لا يحلُّ منهُ إلَّا ما كانَ موتُهُ بسببٍ آدميٍّ، أو جَزْرِ الماءِ، أو قذفِهِ، أو نضوبِهِ، ولا يحلُّ الطافي لحديثِ:"ما ألقاهُ البحرُ أو جَزَرَ عنهُ فكلوا، ومَا مَاتَ فيهِ [فَطَفَا فَلَا تأكلُوه"]
(5)
. أخرَجَهُ أحمدُ
(6)
، وأبو داودَ
(7)
من حديثِ جابرٍ، وهو خاصٌّ فيُخَصُّ بهِ عمومَ الحديثين. وأُجيبَ عنهُ: بأنهُ حديثٌ ضعيفٌ باتفاقِ أئمةِ الحديثِ.
= وأوردَهُ الألباني في "الصحيحة" رقم (1118)، وتكلَّمَ عليه.
وخلاصةُ القولِ: أن الحديثَ صحيحٌ، واللَّهُ أعلم.
(1)
انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(6/ 161 رقم 361)، و"الجرح والتعديل"(5/ 233)، و"المجروحين"(2/ 57)، و"الميزان"(2/ 564) فهو ضعيف.
(2)
في "العلل"(2/ 17 رقم 1524).
(3)
في النسخة (أ): "وجد".
(4)
تقدم تخريجه في هذا الكتاب رقم (1).
(5)
في النسخة (أ): "وطفا فلا تأكلوا".
(6)
لم أجده في "المسند".
(7)
في "السنن"(4/ 165 رقم 3815).
وقال أبو داود: "روى هذا الحديث سفيانُ الثوري، وأيوب، وحماد، عن أبي الزبير، أوقفوه على جابرٍ، وقد أُسْنِدَ هذا الحديثُ أيضًا من وجه ضعيف، عن ابن أبي ذئب، عن أبي الزبيرِ، عن جابرٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ.
قلتُ: وأخرجَهُ ابنُ ماجَهْ في "السنن"(2/ 1081 رقم 3247). وفي سندِهِ "يحيى بنُ سليم الطائفي"، وهوَ صدوقٌ سيءُ الحفظِ، وفيهِ عنعنةُ أبي الزبير. وهو حديثٌ ضعيفٌ باتفاقِ الحفاظِ.
قالَ النوويُّ
(1)
: "حديثُ جابرٍ هذا ضعيف باتفاق أئمة الحديث لا يجوزُ الاحتجاجُ بهِ لو لم يعارِضْهُ شيءٌ، كيفَ وهو معارَضٌ " اهـ. فلا يخصُّ بهِ العامَّ، ولأنه صلى الله عليه وسلم أكلَ مِنَ العَنْبَرةِ التي قذفَها البحرُ لأصحابِ السُّرِيّةِ، ولم يسأَلْ بأيِّ سببٍ كانَ موتُها كما هُو معروفٌ في كتب الحديث
(2)
والسِّيَرِ.
والكَبِدُ حلالٌ بالإجماعِ، وكذلكَ مثلُها الطِّحالُ فإنهُ حلالٌ، إلا أن في البحرِ: أنه [يكرهُ لحديثِ عليٍّ رضي الله عنه: (إنهُ لقْمَةُ الشيطانِ)، أي: إنهُ يُسرُّ بأكلهِ، إلا أنهُ حديثٌ لا يُعرفُ مَنْ أخرجَهُ] "
(3)
.
وقوع الذباب في الشراب
12/ 12 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لْيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَد جَنَاحَيهِ دَاءَ، وَفِي الآخَرِ شِفَاء". [صحيح]
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
(4)
وَأَبُو دَاوُدَ
(5)
، وَزَادَ:"وَإِنَّهُ يَتقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ".
(وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ في شَرَابِ أَحَدِكُم)، وهو كما أسلفناهُ مِنْ أن الإضافَةَ ملغاةٌ كما في قولهِ: "إذا وَلَغَ الكلبُ في إِناءِ
(1)
في "المجموع شرح المهذب"(9/ 34).
(2)
أخرجه البخاري (5/ 128 رقم 2483) و (6/ 130 رقم 2983) و (8/ 77 - 78 رقم 4360، 4361، 4362) و (9/ 615 رقم 5493، 5494)، ومسلم (3/ 1535 - 1537 رقم 17 - 21/ 1935)، وأبو داود (4/ 178 رقم 3840)، والنسائي (7/ 207 - 209) من حديث جابر.
(3)
في النسخة (أ): "يكره لحديث علي رضي الله عنه، إلَّا أنه حديث لا يعرف من أخرجه. عن علي رضي الله عنه: إنه لقمةُ الشيطان، أي أنه يُسرُّ بأكله". وحديث علي أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 126).
(4)
في صحيحه (رقم: 3142 - البغا) و (رقم: 5445 - البغا).
(5)
في "السنن"(4/ 182 رقم 3844).
قُلتُ: وأخرجه ابنُ ماجهْ (2/ 1159 رقم 3505)، وأحمدُ في "المسند"(2/ 229 - 230)، والدارمي (2/ 98 - 99)، وابن خزيمة (1/ 56 رقم 105)، والطبراني في "الأوسطِ"(رقم 2417)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(4/ 283).
أحدِكُم"
(1)
وفي لفظٍ: "في طعامِ"، (فَلْيَغْمِسْهُ)، زادَ في روايةٍ البخاريِّ:"كُلَّهُ"، وفي لفظِ أبي داودَ:"فَامْقُلوهُ"، وفي لفظِ ابن السكَنِ:"فَلْيَمْقُلْهُ"، (ثم لْيَنْزِعْهُ)، فيهِ أَنَّهُ يمهَلُ في نزعِهِ بعدَ غمسِهِ؛ (فَإِن في أَحَد جَنَاحَيْهِ دَاءَ وَفِي الآخَرِ شِفَاءً)، هذا تعليلٌ للأمرِ بغَمْسِهِ.
ولفظُ البخاريِّ: "ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ فإنَّ في أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وفي الآخَرِ داءً"، وفي لفظٍ:"سُمًّا"، (أخرجَه البخاريُّ وأبو داود وزادَ: وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداءُ)، وعند أحمد
(2)
وابن ماجه
(3)
: إنهُ يقدِّمُ السُّمَّ، ويؤخِّرُ الشِّفاءَ".
والحديثُ دليلٌ ظاهرٌ على جواز قتلِهِ دفعًا لضرِرِه، وأَنَّهُ يُطْرَحُ ولا يُؤكَلُ، وأنَّ الذُبابَ إذا ماتَ في مائع فإِنَّه لا ينجِّسُهُ، لأنهُ صلى الله عليه وسلم أمرَ بغمسِهِ، ومعلومٌ أَنَّهُ يموتُ من ذلكَ، ولا سيما إذا كانَ الطعامُ حارًا، فلوْ كانَ ينجِّسُهُ لكانَ أمرًا بإفسادِ الطعامِ وهوَ صلى الله عليه وسلم إنما أمرَ بإصلاحِهِ، ثمَّ عدَّى [هذا الحكمَ]
(4)
إلى كلِّ ما لا نفسَ لهُ سائلةٌ؛ كالنَّحلةِ، والزُّنْبُورِ
(5)
، والعنكبوتِ، وأشباه ذلكَ؛ إذِ الحكمُ يعمُّ بعمومِ علتِهِ، وينتفي بانتفاءِ سببِهِ، فلما كانَ سببَ التنجيس هوَ الدَّمُ [المحتقِنُ]
(6)
في
(1)
أخرجه مسلم (1/ 234 رقم 89/ 279)، والنسائي (1/ 176 - 177)، وابنُ الجارود رقم (51)، والدارقطني (1/ 64 رقم 2)، والبيهقي (1/ 18)، كلهم من رواية عليّ بن مسهر، عن الأَعْمش، عن أبي رزين وأبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِهِ.
(2)
في "المسند"(3/ 67).
(3)
في "السنن"(2/ 1159 رقم 3504).
قلتُ: وأخرجهُ الطيالسي (ص 291 رقم 2188)، والنسائي (7/ 178 رقم 4262)، وغيرهم من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ، وهُو حديث صحيح.
• وفي الباب من حديثٍ أنس أخرجه البزار (3/ 329 رقم 2866)، وقال: "لا نعلمُهُ يُروى عن أنسِ إلا بهذا الإسنادلا.
وأخرجَهُ الطبرانيُّ في "الأوسط"(3/ 355 رقم 2756)، وقال:"لم يَرْوِ هذا الحديث عن عَبَّادٍ إلا عمرٌو".
قُلتُ: وأوردَهُ الهيثميُّ في "مجمعِ الزوائِدِ"(5/ 38) وقال: (رواهُ البزارُ ورجالُهُ رجالُ الصحيح، ورواهُ الطبرانيُّ في "الأوسطِ") اهـ.
وانظر: "الصحيحة" للمحدثِ الألبانيِّ (1/ 59 - 64 رقم 39).
(4)
زيادة من النسخة (أ).
(5)
ضرب من الذباب لسَّاع. "لسان العرب"(6/ 89).
(6)
في النسخة (أ): "المتحقن".
الحيوانِ بموتِه، وكانَ ذلكَ مفقودًا فيما لا دَمَ لهُ سائلٌ انتفى الحكمُ بالتنجيسِ لانتفاءِ علَّتِهِ.
والأمرُ بغمسِهِ لِيخرُجَ الشفاءُ منهُ كما خرجَ الداءُ منهُ، وقد عُلِمَ أنَّ في الذبابِ قوةَ سُمِّيَّةَ كما يدلُّ [عليها]
(1)
الورَمُ والحِكَّةُ الحَاصِلَةُ من لسْعِهِ، وهي بمنزلةِ السلاحِ، فإِذَا وقَعَ فيما يؤذيهِ اتقاهُ بسلاحِهِ كما قالَ صلى الله عليه وسلم:"فإنَّهُ يتقي بجناحِهِ الذي فيهِ الداءُ"؛ فأمرَ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُقابَلَ تلكَ السُّمِّيَّةُ بما أودَعَهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى فيهِ مِنَ الشفاءِ في جناحِهِ الآخَرِ بغمسِهِ كلِّهِ، فتقابلُ المادةُ السُّمِّيَّةُ المادَّةَ النافِعَةَ فيزولُ ضرَرُها. وقد ذَكرَ غيرُ واحدٍ مِنَ الأطباءِ أَن لسعَةَ العقرَبِ والزُّنْبُورِ إذا دلكَ موضِعَها بالذُّبابِ [نفعَ]
(2)
منهُ نَفْعًا بيِّنًا، [وَيُسَكِّنُهَا]
(3)
، وما ذلكَ إلَّا للمادَّةِ التي فيهِ من الشفاءِ.
ما قطع من البهيمة وهي حيَّة فهو ميت
13/ 13 - وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ الليْثي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ - وَهِيَ حَيَّةٌ - فَهُوَ مَيِّتٌ". [حسن]
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
، وَالترْمِذِي
(5)
، وَحَسَّنَهُ، وَاللَّفْظُ لَهُ.
ترجمة أبي واقد الليثي
(وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ)
(6)
بقاف مكسورة، ودال مهملة، اسمهُ الحارِثُ بنُ عوفٍ من أقوالٍ.
(1)
في النسخة (أ): "عليه".
(2)
في النسخة (أ): "ينفع".
(3)
في النسخة (أ): "ويسكنه".
(4)
في "السنن"(3/ 277 رقم 2858).
(5)
في "السنن"(4/ 74 رقم 1480) وقال: حديث حسن، وهو كما قال. قلت: وأخرجه أحمد (5/ 218)، والدارمي (2/ 93)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 876)، والدارقطني (4/ 292 رقم 83)، والحاكم (4/ 239)، والبيهقي (9/ 245).
وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
وحسَّنه الألباني في "غاية المرام"(رقم 41).
قلت: وللحديثِ شواهدُ من حديثِ ابن عُمَرَ، وأبي سعيد الخدريِّ، وتميم الداريِّ.
وسيأتي تخريجها قريبًا.
(6)
انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(5/ 217 - 219)، و"الجرح والتعديل" (3/ 82 رقم=
قيل: إنهُ شهدَ بدرًا، وقيل: إنهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الفتْحِ، والأولُ أصحُّ، ماتَ سنةَ ثمانٍ أو خَمْسٍ وستينَ بِمَكَّةَ. (اللْيثِي) بمثناة تحتية فمثلثة نسبة إلى الليث؛ لأنه مِنْ بني عَامِر [من]
(1)
ليثٍ.
(قالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ما قُطِعَ مِنَ البهيمَةِ) في "القاموس"
(2)
: البهيمةُ كلُّ ذاتِ أربعِ قوائِم ولَوْ في الماءِ، وكلُّ حيٍّ لا يميزُ، والبهيمةُ أولادُ الضأْنِ والمعْزِ، ولعلَّ المرادَ هنا الأخيرُ أو الأولُ لما يأتي بيانُهُ، (وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ) أي المقطوعُ (مَيِّتٌ. أخرجه أبو داودَ والترمذِيُّ [وحسنَهُ واللفظُ لَه])
(3)
، أي قالَ: إنهُ حَسَنٌ، وقد عُرِّفَ معنى الحسَنِ من تعريفِ الصحيح فيما سلفَ، (واللفظُ له) أي للترمذيِّ.
والحديثُ قد رُوي من أربَعِ طرقٍ عنْ أربعةٍ منَ الصحابةِ: عن أبي سعيدٍ
(4)
، وأبي واقد
(5)
، وابنِ عمرَ
(6)
، وتميمٍ الداريِّ
(7)
. وحديثِ أبي واقدٍ هذا رواه أيضًا أحمد
(8)
والحاكم
(9)
بلفظِ: "قَدِمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المدينةَ وبها ناسٌ يعمدونَ إلى
= 379)، و"معجم الطبراني الكبير"(3/ 242 - 243 رقم 270)، و"المستدرك" (3/ 531 -
532)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 295 رقم 1235)، و"الإصابة"(12/ 88 - 89 رقم 1201)، و"الاستيعاب"(12/ 180 رقم 4214).
(1)
في النسخة (ب): "ابن".
(2)
"المحيط"(ص 1398).
(3)
في النسخة (أ): "وحسنه".
(4)
أخرجه الحاكم في "المستدرك"(4/ 239) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
(5)
وهو حديث الباب وتقدم تخريجه (رقم: 13).
(6)
أخرجه ابن ماجه (2/ 1072 رقم 3216)، والدارقطني (4/ 292 رقم 84).
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 168 رقم 1106): (رواه الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك"، عن طريق موسى بن هارونَ بن معنِ بن عيسى به، وله شاهدٌ من حديثِ أبي واقدٍ، رواه الترمذي في "الجامع").
وهو حديث صحيح. وقد صحَّحهُ الألبانيُّ في صحيح ابن ماجَهْ.
(7)
أخرجه ابن ماجه (2/ 1073 رقم 3217). وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة": (2/ 168 رقم 1107): (هذا إسنادٌ ضعيف لضعف أبي بكر الهذلي السلمي، وله شاهدٌ من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رواه الحاكم في "المستدرك") اهـ.
قلت: وهو حديثٌ ضعيفٌ، وقد ضعفهُ الألبانيُّ في "غاية المرام"(ص 44).
(8)
في "المسند"(5/ 218)، وقد تقدمَ في تخريج حديثِ الباب رقم (13).
(9)
في "المستدرك"(4/ 239)، وقد تقدم في تخريج حديث البَاب رقم (13).
أَلْيَاتِ الغنمِ وأَسْنِمَةِ الإبِلِ فَقَالَ: "ما قُطِعَ مِنَ البهيمةَ وهي حيَّةٌ فهو مَيِّتٌ".
والحديثُ دليل على أن ما قُطِعَ مِنَ البهيمَةِ وهي حَيَّةٌ فهو مَيِّتٌ محرَّم، وسببُ الحديثِ دالٌّ [على]
(1)
أنهُ أريدَ بالبهيمةِ ذاتُ الأربَعِ وهوَ المعنى الأولُ لذكرِهِ الإبلَ فيهِ، لا المعنى [الأخير]
(2)
الذي ذكرهُ "القاموسُ"، لكنهُ مخصوصٌ بما أُبينَ مِنَ السَّمَكِ ولو كانتْ ذاتَ أربعِ، أو يرادُ بهِ المعنى الأوسَطُ؛ وهوَ كُلُّ حيٍّ لا يميزُ، فيخصُّ منهُ الجرادَ والسمكَ، وما أُبينَ مما لا دَمَ لَهُ.
وقد أفادَ قولُهُ: "فهو ميِّتٌ"، أنهُ لا بدَّ أن يحلَّ المقطوع الحياة، لأن الميتَ هو ما منْ شأنهِ أَنْ يكونَ حيًّا.
* * *
(1)
زيادة من النسخة (ب).
(2)
في النسخة (أ): "الآخر".
[الباب الثاني] باب الآنية
الآنيةُ: جمعُ إناء وهو معروفٌ. وإنما بُوِّبَ لها لأنَّ الشارعَ قد نهى عن بعضِها فَقَدْ تعلَّقتْ بها أحكامٌ.
تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة
1/ 14 - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَان رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَشْرَبُوا فِي آنيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلا تَأكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ". [صحيح]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
.
ترجمة حذيفة بن اليمان
(عَنْ حُذَيْفَةَ)
(2)
أي أروي أو أذكُرُ [عن حذيفة]
(3)
كما سلفَ. وحُذَيْفَةُ بضم
(1)
أخرجه البخاري (9/ 554 رقم 5426) و (10/ 94 رقم 5632) و (10/ 96 رقم 5633) و (10/ 284 رقم 5831) و (10/ 291 رقم 5847)، ومسلم (3/ 1637 - 1638 رقم 2067).
قلت: وأخرجه الترمذي (4/ 299 رقم 1878) وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود (4/ 112 رقم 3723)، وابن ماجه (2/ 1130 رقم 3414)، وأحمد (5/ 385، 390، 396، 397، 398، 400 و 404 و 408)، والدارمي (2/ 121).
(2)
انظر ترجمته في: "الإصابة"(2/ 223 رقم 1643)، و"تهذيب التهذيب"(2/ 193 رقم 405)، و"مجمع الزوائد"(9/ 325 - 326)، و"حلية الأولياء"(1/ 270 - 283 رقم 42)، و"الاستيعاب"(2/ 318 - 320)، و"معجم الطبراني الكبير"(3/ 178)، و"المعرفة والتاريخ"(3/ 311)، و"طبقات ابن سعد"(6/ 15)، (7/ 317)، و"مسند أحمد"(5/ 382 - 408).
(3)
زيادة من النسخة (ب).
الحاء المهملة، فذال معجمة، فمثناة تحتية ساكنة ففاء، هو أبو عبدِ اللَّهِ حُذَيْفَةُ (ابْنُ اليَمَانِ) بفتح المثناة التحتية، وتخفيف الميم آخره نون. وحُذيفةُ وأبوهُ صحابيانِ جليلانِ، شَهِدا أُحُدًا. وحُذيفةُ صاحبُ سِرّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه جماعةٌ من الصحابةِ والتابعينَ، وماتَ بالمدائنِ سنةَ خمسٍ أو ستٍّ وثلاثينَ بعدَ قتلِ عثمانَ بأربعينَ ليلةً.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا تَشْرَبُوا في آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَةِ، وَلَا تَأْكلُوا في صِحَافِهِمَا) جَمْعُ صَحْفَةٍ، قال [الكشافُ و]
(1)
الكسائي
(2)
: الصَّحْفَةُ تُشْبعُ الخمسَةَ؛ (فَإنَّهَا) أيْ آنِيَةُ الذَّهَب والفضَّةِ وصِحَافُهُما (لهُمْ)، أي: للمشركينَ وإِنْ لم يُذْكَرُوا فهمْ معلومونَ (في الدُّنْيَا) إِخْبَارٌ عمَّا هُمْ عليه، لا إخبارٌ بحِلِّها لَهُمْ، (ولكُمْ فِي الآخِرَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) بَيْنَ الشيخينِ.
أحكام فقهية من الحديث
الحديثُ دليلٌ على تحريم الأكْلِ والشُّربِ في آنيةِ الذهَبِ والفِضَّةِ، وصِحَافِهِمَا، سواءٌ كان الإناءُ خالصًا ذهبًا، أو مخلوطًا بالفضةِ؛ إذ هو مما يشمَلُهُ أنه إِناءُ ذهبٍ وفِضَّةٍ، قالَ النوويُّ
(3)
: إنَّهُ انعقدَ الإجماعُ على تحريمِ الأكلِ والشربِ فيهما.
واختُلِفَ في العلةِ فقيلَ: للخُيلاء، وقيل: بل لكونه ذهبًا وفضةً. [واختلفوا في الإناء]
(4)
المطليِّ بهما هل يُلْحَقُ بِهما في التحريم؟ فقيل: إنْ كانَ يمكنُ فصلُهُما حَرُمَ إجماعًا؛ لأنَّهُ مستعملٌ للذهبِ والفضَّةِ، وإِنْ كانَ لا يُمكنُ فصلُهُما لم يَحْرُم، [والأقرب أنه إذا أطلق عليه أنه إناء ذهب أو فضة، وسمِّي به، شمله لفظ الحديث، وإلا فلا، والعبرة بتسميته في عصر النبوة، فإن جُهِلَت فالأصل الحِلُّ، وأما الإناء المضبَّب بهما فإنه يجوز الأكل والشرب فيه إجماعًا، وهذا في الأكل والشرب فيما ذكر لا خلاف فيه
(5)
.
(1)
زيادة من النسخة (ب).
(2)
انظر: "الصَّحاح" للجوهري (4/ 1384).
(3)
في "المجموع"(1/ 249 - 250).
(4)
في النسخة (ب): "واختلف في".
(5)
قلت: أخرج البخاري (10/ 99 رقم 5638)، عن عاصم الأحول قال: "رأيتُ قدحَ النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع فَسَلْسَلَهُ بفضَّةٍ
…
".
وأما غير الأكل والشرب من سائر الاستعمالات فهل يحرم؟ فإن]
(1)
النصَّ لم يردْ إلا في الأكلِ والشربِ، وقيلَ: يحرمُ أيضًا سائرُ الاستعمالاتِ إجماعًا، ونازعَ بعضُ المتأخرينَ وقالَ: النصُّ وردَ في الأكلِ والشربِ لا غير، وإلحاقُ سائرِ الاستعمالات بهما قياسًا لا تتمُّ فيه شرائطُ القياسِ.
والحقُّ ما ذهب إليهِ القائلُ بعدمِ تحريمِ غير الأكلِ والشربِ فيهما؛ إذْ هو الثابتُ بالنصِّ، ودعوى الإجماعِ غيرُ صحيحةٍ. وهذا من شُؤْم تبديلِ اللفظِ النبويِّ بغيرِه؛ فإنَّهُ وردَ بتحريمِ الأكلِ والشربِ فقط، فعدلوا عن عبارتهِ إلى الاستعمال، وهجروا العبارَةَ النبويةَ، وجاءوا بلفظٍ عامٍّ من تلقاء أنفسهم، ولها نظائرُ في عباراتِهم، وكأنه ذكَرَ المصنفُ هذا الحديثَ هنا لإفادةِ تحريمِ الوضوء في آنيةِ الذهبِ والفضةِ، لأنهُ استعمالٌ لهما على مذهبهِ في تحريمِ ذلكَ، وإلا فبابُ هذا الحديثِ بابُ الأطعمةِ والأشربةِ.
ثم هلْ يلحقُ بالذهبِ والفضَّةِ نفائسُ الأحجارِ كالياقوتِ والجواهرِ؟ فيه خلافٌ، والأظهرُ عدمُ إلحاقهِ وجوازُهُ على أَصْلِ الإباحةِ لعدمِ الدليلِ الناقلِ عنها.
2/ 15 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: "الَّذِي يَشْرَبُ في إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه
(2)
. [صحيح]
ترجمة أم سلمة
(وَعَنْ أمِّ سلمةَ)
(3)
هي أمُّ المؤمنينَ زوجُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، اسمها هندُ بنتُ
(1)
في النسخة (ب): [وأما الإناء المضبَّب بهما فإنه يجوز الأكل والشرب فيه إجماعًا.
وهذا في الأكل والشرب فيما ذكر لا خلاف فيه، فأما غير الأكل والشرب من سائر الاستعمالات قيل: لا يحرم لأن].
(2)
أخرجه البخاري (10/ 96 رقم 5634)، ومسلم (3/ 1634 رقم 2065).
قلت: وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 924 رقم 11)، وابن ماجه (2/ 1130 رقم 3413)، والدارمي (2/ 121)، والطيالسي (رقم: 1601)، وأحمد (6/ 301، 302، 306، 304).
(3)
انظر ترجمتها في: "مسند أحمد"(6/ 288 - 324)، وطبقات ابن سعد (8/ 86 - 96)، و"المعارف"(128، 136)، و"الجرح والتعديل"(9/ 464 رقم 2375)، و"المستدرك"(4/ 16 - 19)، و"الإصابة"(13/ 221 - 225 رقم 3104)، و"الاستيعاب" (13/ 172 - =
أبي أميةَ، كانتْ تحتَ أبي سلمةَ بن عبدِ الأسدِ، هاجرت إلى أرضِ الحبشةِ مع زوجِها، وتوفيَ عنها في المدينةِ بعد عَودَتِهِما منِ الحبشةِ، وتزوَّجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المدينةِ سنةَ أربعٍ منِ الهجرةِ، وتوفيتْ سنةَ تسعٍ وخمسينَ، وقيلَ:[سنة]
(1)
اثنتينِ وستينَ، ودفنتْ بالبقيعِ وعمرُها أربعٌ وثمانونَ سنةً.
(قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذي يشربُ في إناءِ الفضَّةِ) هكذا عندَ الشيخينِ، وانفردَ مسلمٌ في روايةٍ أخرى بقوله:"في إناء الفضة والذهبِ"، (إنما يُجَرْجِرُ) بضم المثناة التحتية، وجيم، فراء وجيم مكسورة. والجَرْجَرَةُ صوتُ وقوعِ الماءِ في الجوفِ
(2)
، وصوتُ البعيرِ عندَ الجَرة
(3)
. جعلَ الشربَ والجرْعَ جَرْجَرَةً، (في بطنهِ نارَ جهنمَ. متفقٌ عليه)[بين الشيخينِ]
(4)
.
قال الزمخشريُّ: يروى برفعِ النارِ أيْ على أنها فاعلٌ مجازًا، وإلا فنارُ جهنمَ على الحقيقةِ لا تُجَرْجِرُ في بطْنِه إنما جعلَ جَرْعَ الإنسانِ للماءِ في هذه الأوأني المنهيِّ عنها واستحقاق العقابِ على استعمالها كجَرْجَرَةِ نارِ جهنمَ في جوفهِ مجازًا، هكذا على روايةِ الرفعِ. وذِكْرُ الفعلِ [يعني]
(5)
يُجَرْجِرُ وإِنْ كان فاعلهُ النارُ وهي مؤنثةٌ للفصلِ بينها وبين فعلِها؛ ولأنَّ تأنيثَها غيرُ حقيقيٍّ، والأكثرُ على نصبِ نارِ جهنمَ، وفاعلُ الجَرْجَرَةِ هو الشاربُ والنارَ مفعولُهُ، والمعنى: كأنما يَجْرَعُ نارَ جهنمَ من بابِ {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}
(6)
.
قال النوويُّ
(7)
: والنصبُ هوَ الصحيحُ المشهورُ الذي عليه الشارحونَ، وأهلُ الغَرِيبِ، واللغةِ، وجزم بهِ الأزهريُّ.
وجهنمُ عَجَميةٌ لا تنصرفُ للتأنيثِ والعَلَميةِ؛ إذ هيَ عَلَمٌ لطبقةٍ من طبقاتِ النارِ (أعاذنا اللَّهُ منها) سُميتْ بذلكَ لبعدِ قَعْرِهَا، وقيلَ: لغلظِ أمرِها في
= 175 رقم 3511)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 483 - 484 رقم 2904)، و"مجمع الزوائد"(9/ 245).
(1)
زيادة من النسخة (ب).
(2)
كما في "لسان العرب"(2/ 245).
(3)
في "لسان العرب"(2/ 245): صوت البعير عندَ الضَّجر.
(4)
زيادة من النسخة (أ).
(5)
في النسخة (أ): "أعني".
(6)
سورة النساء: الآية 10.
(7)
في "المجموع"(1/ 248).
العذابِ
(1)
. والحديثُ يدلُّ على ما دلَّ عليهِ حديثُ حذيفة الأوَّلُ.
إذا دبغ الإهاب فقد طهر
3/ 16 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُبغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ". [صحيح]
أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(2)
.
- وَعِنْدَ الأرْبَعَةِ
(3)
: "أَيُّمَا إِهَاب دُبغَ". [حسن]
(وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذا دُبِغَ الإِهَابُ) بزنةِ كتابٍ [هو]
(4)
الجِلْدُ، أو ما لم يُدْبَغْ كما في "القاموس"
(5)
، ومثلُهُ في "النهاية"
(6)
، (فقَدْ طَهُرَ) بفتح الطاء والهاء، ويجوز ضمها كما يفيدُهُ "القاموس"
(7)
.
(أخرجه مسلم) بهذا اللفظ، (وَعِنْدَ الأَرْبَعَةِ)؛ وهم أهلُ السننِ:(أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ) تمامهُ "فَقَدْ طَهُرَ". والحديثُ أخرجَهُ الخمسةُ
(8)
وإنما اختلفَ لفظُهُ، والحديث قد رُوي بألفاظٍ، وذُكِرَ لهُ سببٌ؛ وهو أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بشاةٍ ميتةٍ لميمونَةَ فقالَ:"أَلَّا اسْتَمْتَعْتُم بإِهَابِها؛ فإنَّ دباغَ الأديم [طهورٌ"]
(9)
.
(1)
كما في "المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث"(1/ 382).
(2)
في صحيحه (1/ 277 رقم 105/ 366).
(3)
وهم: أبو داود (4/ 367 رقم 4123)، والترمذي (4/ 221 رقم 1728)، والنسائي (7/ 173)، وابن ماجه (2/ 1193 رقم 3609).
قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى"(رقم: 874)، والطحاوي في شرح معاني الآثار" (1/ 469)، والدارقطني (1/ 46 رقم 17)، والبيهقي (1/ 20)، ومالك في "الموطأ" (2/ 498 رقم 17)، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 235 رقم 12979)، والشافعي في "ترتيب المسند" (1/ 26 رقم 58)، وأحمد (1/ 219)، والدارمي (2/ 86) عنه من طرق.
(4)
زيادة من النسخة (ب).
(5)
"المحيط"(ص 77).
(6)
في "غريب الحديث والأثر"(1/ 83).
(7)
"المحيط"(ص 555).
(8)
كما تقدم تخريجه في حديث الباب رقم (16).
(9)
قلت: أخرج البخاري (3/ 355 رقم 1492)، ومسلم (1/ 276 رقم 100/ 363)، ومالك في "الموطأ"(2/ 498 رقم 16) عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد شاةً ميتةً، =
وروى البخاري
(1)
من حديثِ سودَةَ قالتْ: "ماتَتْ لنا شاةٌ فدبَغْنا مَسْكَهَا
(2)
، ثم مَا زِلْنَا نَنتبذُ فيهِ حتى صارَ شَنًّا"
(3)
.
والحديثُ دليلٌ على أن الدِّباغَ مُطَهِّرٌ لجلدِ ميتةِ كلِّ حيوانٍ كما يفيدُهُ عمومُ كلمةِ: أَيُّمَا
(4)
، وأنَّهُ يَطْهُرُ باطنُهُ وظاهر.
أقوال العلماء في تطهير جلد ميتة كل حيوان بالدباغ
وفي المسألة سبعةُ أقوالٍ:
(الأول): يُطَهِّرُ جلدَ الميتةِ باطنهُ وظاهِرَهُ، ولا يخص منه شيئًا، عملًا بظاهر حديث ابن عباسٍ وما في معناهُ، وهذا مرويٌّ عن عليٍّ عليه السلام وابنِ مسعود.
(الثاني): [وهو أظهر الأقوال دليلًا]
(5)
لا يُطهّرُ الدباغُ شيئًا، وهو مذهبُ جماهير الهادويةِ، ويروى عن جماعةٍ منَ الصحابةِ، مستدلينَ بحديثٍ أخرجه الشافعي
(6)
، وأخرجه أحمد
(7)
، والبخاري في تاريخه
(8)
، والأربعة
(9)
، والدارقطني
(10)
، والبيهقي
(11)
، وابنُ حبانَ
(12)
عَنْ عَبدِ اللَّهِ بن عُكَيم قالَ: أتانا
= أُعطيتْهَا مولاةٌ لميمونةَ، من الصدقةِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هلًا انتفعتم بجلدِها؟ "، قالوا:"إنها ميتةٌ"، فقال:"إنما حَرُمَ أكلُها". وفي النسخة (أ): "طهوره".
• وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "دباغ جلود الميتة طُهورُها"، سيأتي تخريجه في الحديث الآتي (رقم: 17).
(1)
في صحيحه (11/ 569 رقم 6686).
قلتُ: وأخرجه أحمدُ (6/ 329)، والنسائي (7/ 173)، والبغوي "في شرح السنة"(2/ 101 رقم 306).
(2)
المَسْكُ: هو الإهابُ. "غريب الحديث" للحربي (2/ 565).
(3)
الشَنُّ: القربة. "النهاية"(2/ 506).
(4)
في النسخة (أ) جملة زائدة وهي (إذا دبغ الإهاب).
(5)
زيادة من النسخة (ب).
(6)
في "سنن حرملة" - كتاب للشافعي - كما في "التلخيص الحبير"(1/ 46).
(7)
في "المسند"(4/ 310، 311).
(8)
(7/ 167 رقم الترجمة 743).
(9)
وهم: أبو داود (4/ 370 - 371 رقم 4127، 4128)، والترمذي (4/ 222 رقم 1729)، والنسائي (7/ 175)، وابن ماجه (2/ 1194 رقم 3613) وقال الترمذي: حديث حسن.
(10)
عزاه إليه ابنُ حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 47).
(11)
في "السنن الكبرى"(1/ 15).
(12)
في صحيحه (2/ 286 رقم 1274).
كتابُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ: "أن لا تنتفعوا منَ الميتةِ بإهابٍ ولا عَصَبٍ"، وفي رواية الشافعيِّ، وأحمد
(1)
، وأبي داودَ
(2)
: قَبْلَ موتِهِ بشهرٍ، وفي روايةٍ: بشهرٍ أو شهرين. قال الترمذيُّ: حسنٌ، وكانَ أحمدُ يذهبُ إليهِ ويقولُ: هذا آخرُ الأمرينِ، ثم تركَهُ. قالوا: فهذا ناسخ لحديث ابن عباسٍ لدلالتهِ على تحريمِ الانتفاعِ من الميتةِ بإهابها وعصبِها. وأجيبَ عنهُ بأجوبةٍ:
الأولُ: أنَّهُ حديثٌ مضطربٌ
(3)
في سندِهِ؛ فإنه رُوي تارةً عن كُتَّاب
النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتارةً عن مشايخ من جُهَيْنَةَ، وتارةً عمَّنْ قرأَ كتابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ومضطربٌ أيضًا في متنهِ؛ فرُوي مِنْ غيرِ تقييدٍ في روايةِ الأكثر، ورُوي [بالتقييدِ بشهر]
(4)
أو شهرين، أو أربعينَ يومًا أو ثلاثةَ أيامٍ. ثم إنهُ مُعَلٌّ أيضًا بالإرسالِ؛ فإنهُ لم يسمعْهُ عبدُ اللَّهِ بنُ عُكَيم منهُ صلى الله عليه وسلم، وبالانقطاع؛ فإنه لم يسمعْهُ عبدُ الرحمنِ
(1)
في "المسند"(4/ 310).
(2)
في "السنن"(4/ 371 رقم 4128).
قلت: حديث عبدِ اللَّهِ بن عُكَيم صحيح. وقد صححهُ الألبانيُّ في "الإرواء"(رقم: 38).
(3)
المُضْطَرِبُ: هو الحديثُ الذي رُوِيَ على أوجه مختلفة على التساوي في الاختلافِ من راوٍ واحدٍ - بأن رواهُ مرةً على وجهٍ، وأخرى على وجهٍ آخرِ مخالفٍ للأوَّل -، أو أكثر من واحدٍ: بأن رواه كلٌّ من الرواةِ على وجهٍ مخالِفٍ للآخرِ، فلا يكونُ الحديثُ مضطربًا إلا إذا تساوَتْ الرواياتُ المختلفَةُ فيه في الصحةِ بحيث لا يمكنُ الترجيحْ بينَها ولا الجمع.
أما إذا ترجَّحت إحدى الروايات بكون راويها أحفظَ أو أكثر صحبةً للمروي عنهُ أو غيرَ ذلكَ من وجوهِ الترجيح فلا يكونُ مضطربًا، بل الحكمُ بالقبول حينئذٍ للراجح حتمًا، والمرجوحُ يكونُ شاذًّا أو منكرًا.
كما أَنَّ الحديثَ لا يكونُ مضطربًا إذا أمكنَ الجمع بينَ رواياته المختلفة بحيث يكونُ المتكلمُ قد عبَّر بلفظتينِ أو أكثرَ عن معنى واحد أو قصد بيانَ حكمين متغايرينِ.
ويقع الاضطرابُ في الإسنادِ، أو في المتنِ، أو في كليهما.
أما حكم المضطرب: فالأصلُ في الاضطرابِ حيث وقعَ أنهُ يوجبُ ضعفَ الحديثِ، لإشعاره بعدمِ ضبط راويهِ أو رواتِهِ، وقد تقدمَ أن الضبطَ شرطٌ في الصحيح والحسنِ، وقد تجتمعُ صفة الاضطراب معَ الصحةِ، وذلك بأن يقعَ الاختلافُ في اسمَ رجلٍ واحدٍ وأبيه ونسبتهِ ونحو ذلكَ، ويَكونُ ثقةً، فيُحكم للحديث بالصحةِ، ولا يضرُّ الاختلافُ فيما ذُكرَ مع تسميتِهِ مضطربًا، وفي الصحيحين أحاديث كثيرةٌ بهذهِ المثابةِ.
انظر: "التبصرة والتذكرة"(1/ 240 - 245).
(4)
في النسخة (أ): "تقييد شهر".
ابنُ أبي ليلى مِنْ ابن عُكَيم، ولذلكَ تركَ أحمدُ بنُ حنبلٍ القَولَ بهِ آخرًا، وكانَ يذهبُ إليهِ أولًا كما قالَ عنه الترمذي
(1)
.
[وثانيًا: بأنهُ]
(2)
لا يقوى على النسخِ؛ لأنَّ حديثَ الدِّباغِ أصحُّ؛ فإنَّهُ أخرجه مسلمٌ
(3)
، وروي من طرقٍ متعددةٍ في معناهُ عدةُ أحاديثَ عن جماعةٍ مِنَ الصحابةِ؛ فعنْ ابن عباسٍ حديثان
(4)
، وعن أمِّ سلمةَ ثلاثة
(5)
، وعن أنسٍ حديثانِ
(6)
،
(1)
قلت: وقد ردَّ المحدثُ الألبانيُّ على جميع العللِ المدَّعاة على هذا الحديثِ في كتابهِ "إرواء الغليلِ"(1/ 76 - 79 رقم 38)، فانظَره إنْ شئتَ فقد أجادَ وأفادَ.
(2)
في النسخة (ب): "والثاني أنه".
(3)
تقدم تخريجه قريبًا رقم (16).
(4)
تقدم تخريجهما قريبًا.
(5)
• أخرجه الدارقطني (1/ 47 رقم 19)، والبيهقي (1/ 24)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (1/ 218) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" - وفيه: يوسف بن السفر وقد أجمعوا على ضعفه -: عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ، ولا بأس بصوفها وشعرها وترونها إذا غسل بالماء"، وقال الدارقطني: يوسف بن السفر: متروك، ولم يأت به غيره.
• وأخرجه الدارقطني (1/ 48 رقم 22): عن أم سلمة أو زينب أو غيرهما من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أن ميمونة ماتت شاة لها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا استمتعم بإهابها؟ "، فقالت: يا رسول الله كيف نستمتع بها وهي ميتة؟ فقال: "طهور الأدم دباغه". وقال غيره عن شعبة عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت لنا شاة فماتت.
• وأخرج الدارقطني (1/ 49 رقم 28)، وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 218)، وقالَ رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، تفرد به فرج بن فضالة وضعفه الجمهور.
عن أم سلمة: أنها كانت لها شاة تحتلبها، ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما فعلت الشاة؟ " قالوا: ماتت، قال:"أفلا انتفعتم بإهابها؟ "، قلنا: إنها ميتة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن دباغها يحل كما يحل خل الخمر"، وقال الدارقطني: تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف.
(6)
• أخرجه أبو يعلى في "المسند"(7/ 157 رقم 1374/ 4129).
عن أنس، قال: كنتُ أمشِي معَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا بُنَيَّ ادعُ لي من هذا الدار بَوَضُوءٍ"، فقلتُ: رسول الله صلى الله عليه وسلم يَطْلُبُ وَضوءًا؟ فقالوا: أخبرْهُ أن دلوَنَا جِلْدُ مَيْتَةٍ، فقال:"سَلْهُمْ: هل دَبَغوهُ؟ "، قالوا: نعم، قال:"فإنَّ دِباغَهُ طُهُورُهُ".
قلت: وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 217) وقال: رواه أبو يعلى وفيه درست بن زياد، عن يزيد الرقَاشي وكلاهما مختلف في الاحتجاج به.=
وعن سلمةَ بن المُحَبِّق
(1)
، وعائشة
(2)
، والمغيرة
(3)
، وأبي أمامة
(4)
، وابن مسعود
(5)
، ولأنَّ الناسخَ لا بدَّ من تحقيقِ تأخرهِ، ولا دليلَ على تأخرِ
= وأورده أيضًا ابن حجر في "المطالب العالية"(1/ 12 رقم 25)، وعزاه إلى أبي يعلى، وقال البوصيري:"في سنده يزيد الرقاشي وهو ضعيف".
• وأخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (9215) عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم استوهب وضوءًا فقيل له: لم نجد ذلك إلا في مسك ميتة، قال:"أدبغتموه"؟ قالوا: نعم، قال:"فهلمَّ فإن ذلك طهوره". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 217): وإسناده حسن.
(1)
سيأتي تخريجه رقم (17) وهو حديث حسن.
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 498 رقم 18)، وأبو داود (4/ 368 رقم 4124)، والنسائي (7/ 176)، وابن ماجه (2/ 1194 رقم 3612)، والدارقطني (1/ 49 رقم 27)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 27 رقم 61)، والطيالسي (1/ 43 رقم 123) - "منحة المعبود"، وأحمد (6/ 73، 104، 148، 153)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 63 رقم 191)، والدارمي (2/ 86)، والبيهقي (1/ 17)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 470)، وابن حبان في صحيحه (2/ 290 رقم 1283) عن عائشة:"أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمرَ أن يُسْتَمْتَعَ بجلُودِ الميتة إذا دبغتْ"، وهو حديث صحيح.
(3)
أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 254): عن أبي أمامة الباهلي عن المغيرة بن شعبة، قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فأتيت خباء فإذا فيه امرأة أعرابية، قال: فقلت: إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد ماء يتوضأ فهل عندك من ماء؟ قالت: بأبي وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فواللَّه ما تظل السماء ولا تقل الأرض روحًا أحب إليَّ من روحه ولا أعز ولكن هذه القربة مسك ميتة ولا أحب أنجس به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال:"ارجع إليها فإن كانت دبغتها فهي طهورها"، قال: فرجعت إليها فذكرت ذلك لها فقالت: إي والله لقد دبغتها، فأتيته بماء منها وعليه يومئذ جبَّة شامية، وعليه خفَّان وخمار قال: فأدخل يديه من تحت الجبة، قال: من ضيق كميها، قال:"فتوضأ فمسح على الخمار والخفين".
قلت: وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 217)، وقال:"رواه أحمد والطبراني في "الكبير" ببعضه، وفيه علي بن يزيد، عن القاسم، وفيهما كلام وقد وثِّقا).
(4)
أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (1052) و"الكبير" رقم (7711)، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خرج في بعض مغازيه فمرَّ بأهل أبيات من العرب فأرسل إليهم: هل من ماء لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ما عندنا ماء إلا في إهاب ميتة دبغناها بلبن، فأرسل إليهم أن دباغه طهوره، فأتي به فتوضأ ثم صلَّى". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 217): "فيه عفير بن معدان وقد أجمعوا على ضعفه".
(5)
أخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (576): عن ابن مسعود قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة، فقال: "ما ضرَّ أهل هذه لو انتفعوا بإهابها"، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 217): =
حديثِ ابن عُكَيم، وروايةُ التاريخِ فيه بِشهرٍ أو شهرين مُعَلَّةٌ؛ فلا تقومٌ بها حجَّةٌ على النسخ، على أنها لو كانتْ روايةُ التاريخ صحيحةً ما دلتّ على أنهُ آخرُ الأمرينِ جزمًا، ولا يقالُ: فإذا لم يتمَّ النسخُ تعارضَ الحديثانِ؛ حديثُ ابن عُكَيم، وحديثُ ابن عباسٍ ومن معهُ، ومعَ التعارُضِ يُرْجَعُ إلى الترجيحِ أو الوقف: لأنا نقولُ لا تعارُضَ إلا معَ الاستواءِ؛ وهو مفقودٌ كما عَرَفْتَ من صحةِ حديثِ ابن عباسٍ، وكثرةِ مَنْ معهُ مِنَ الرواةِ، وعدمُ ذلكَ في حديثِ ابن عُكَيْم.
وثالثًا: بأنَّ الإهابَ كما عرفْتَ [من]
(1)
"القاموس"
(2)
و"النهايةِ"
(3)
، اسمٌ لما لم يُدْبَغْ في أحد القولينِ. وقال النضرُ بنُ شميلٍ: الإهابُ لِمَا لَمْ يُدْبَغْ، وبعدَ الدَّبغ يقالُ لَهُ: شَنٌّ وقِرْبَةٌ، وبهِ جزمَ الجوهريُّ. قيلَ: فلما احتملَ الأمرينِ، ووردَ الحديثانِ في صورةِ المتعارِضَيْنِ، جمعنا بينهما بأنهُ نُهيَ عن الانتفاع بالإهابِ ما لمْ يُدْبَغْ، فإِذَا دُبغَ لم يُسمَّ إِهابًا؛ فلا يدخلْ تحتَ النهي، وهو حَسَنٌ
(4)
.
(الثالث): يَطْهُرُ جلدُ ميتةِ المأكولِ لا غيرُهُ، ويرده عمومُ "أيُّما إهابٍ".
(الرابع): يَطْهُرُ الجميع إلا الخنزيرَ؛ فإنَّهُ لا جلدَ لَهُ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ.
(الخامسُ): يَطْهُرُ إلا الخنزيرَ، لقوله:{فَإِنَّهُ رِجْسٌ}
(5)
، والضميرُ للخنزيرِ فقد حَكَمَ بِرِجسيّتِهِ كُلِّهِ، والكلبُ مقيسٌ عليهِ بجامعِ النجاسةِ؛ وهو قولُ الشافعيِّ.
(السادسُ): يَطْهُرُ الجميع لكنّ ظاهرَهُ دونَ باطنِهِ، فيستعملُ في اليابسات دون المائعاتِ، ويصلَّى عليهِ، ولا يصلَّى فيهٍ؛ وهو مرْويُّ عن مالكٍ جمعًا منهُ بينَ الأحاديثِ لما تعارَضَتْ.
= "فيه حماد بن سعيد البراء ضعفه البخاري. وروى الطبراني نحوه عن ابن مسعود موقوفًا ورجاله ثقات" اهـ.
(1)
في النسخة (ب): "عن".
(2)
"المحيط"(ص 77).
(3)
لابن الأثير (1/ 83).
(4)
قال الحازمي في "الاعتبار"(ص 178): "
…
فالمصير إلى حديث ابن عباس أولى لوجوه من الترجيحات. ويحمل حديث ابن عُكَيْم على منع الانتفاع به قبل الدباغ وحينئذٍ يسمَّى إهابًا. وبعد الدباغ يسمَّى جلدًا، ولا يسمَّى إهابًا، وهذا معروف عندَ أهلِ اللُّغةِ ليكون جمعًا بين الحكمين، وهذا هو الطريق في نفي التضاد عن الأخبار" اهـ.
(5)
سورة الأنعام: الآية 145.
(السابعُ): يُنْتَفَعُ بجلودِ الميتةِ وإنْ لم تُدْبَغْ، ظاهرًا وباطنًا، لما أخرجَهُ البخاريُّ
(1)
من روايةِ ابن عباسٍ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم بشاةٍ ميتةٍ فقالَ: "هلَّا انتفعتم بإهابها"، قالوا: إِنَّها ميتةٌ، قالَ:"إِنَّمَا حَرُمَ أكلُها"، وهو رأي الزهريِّ
(2)
. وقد أجيبَ عنهُ بأنَّهُ مُطْلَقٌ قيَّدتْهُ أحاديثُ الدباغِ التي سلفَتْ.
4/ 17 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيتَةِ طُهُورُهَا". [حسن]
صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(3)
.
ترجمة سلمة بن المحبِّق
(وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحبِّقِ رضي الله عنه)
(4)
هو بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، وتشديد الموحَّدة المكسورة، والقاف، وسَلَمَةُ صحابيٌّ يعدُّ في البصريينَ، روى عنهُ ابنهُ سنانُ، ولسنانَ أيضًا صحبةٌ
(5)
.
(قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: دِبَاغُ جُلُودِ المَيْتةِ طُهُورُهَا. صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ)، أي: أخرجَهُ وصحَّحَهُ، وقد أخرجه غيره بألفاظٍ عندَ أحمدَ
(6)
، وأبي داود
(7)
، والنسائي
(8)
، والبيهقي
(9)
،
(1)
بل أخرجه البخاري ومسلم. البخاري (3/ 355 رقم 1492) و (4/ 413 رقم 2221) و (9/ 658 رقم 5531، 5532)، ومسلم (1/ 276 - 277 رقم 100، 101/ 363).
(2)
قلت: وهذا مخالف للإجماع. كما أنه صح التقييد من طرق أخرى بالدباغ، وهي حجة الجمهور.
(3)
أخرجه ابن حبان في صحيحه (7/ 27 رقم 4505) ورجاله ثقات.
(4)
الهُذَليّ: وقيل: اسم المحبِّق صَخْر، وقيل: ربيعة، وقيل: عُبَيْد، وقيل: المُحَبِّق جدّه، والأشهر فيه فتح الباء، وأنكره عمر بن شَبَّة بكسر الباء.
قال العسكري: قلت لصاحبي أحمد بن عبد العزيز الجَوْهريّ: إن أهل الحديث كلهم يفتحونها، قال: أَيْشٌ المُحَبِّق في اللغة، قلت: المُفَرِّط، قال: إنما سَمَّاهُ المُفَرِّط تفاؤلًا بأنه يُفرِّط أعداءه .. يُكنى أبا سنان. "الإصابة" لابن حجر (4/ 234 رقم 3388).
(5)
قال ابن حجر في "الإصابة"(5/ 38 رقم 3795): " .. وسنان له رؤية، لا سماع .. ".
(6)
في "المسند"(3/ 476) و (5/ 6، 7).
(7)
في "السنن"(4/ 368 رقم 4125).
(8)
في "السنن"(7/ 173 رقم 4243).
(9)
في "السنن الكبرى"(1/ 17، 21).=
وابن حبان عن سلمة بلفظِ: "دِبَاغُ الأديمِ
(1)
ذكاته"، وفي لفظ: "دباغها ذكاتها"، وفي أخرى: "دباغها طهورها"، وفي لفظ: "ذكاتها دِباغها"، وفي لفظٍ [آخَرَ]
(2)
: "ذكاةُ الأديمِ دباغُهُ"، وفي الباب أحاديثُ بمعناهُ
(3)
. وهو يدلُّ على ما دلَّ عليهِ حديثُ ابن عباسٍ. وفي تشبيهِهِ الدبَاغَ بالذكاةِ إعلامٌ بأنَّ الدِّبَاغَ في التطهيرِ بمنزلةِ تذكيةِ الشاةِ في الإحلالِ؛ لأنَّ الذبحَ يطهِّرُها ويُحِلُّ أكْلَها.
5/ 18 - وَعَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَرَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ يَجُرُّونَهَا، فَقَالَ:"لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا"؟ فَقَالُوا: إنَّها مَيْتَةٌ، فَقَالَ:"يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ". [حسن لغيره]
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
وَالنَّسَائِي
(5)
.
ترجمة ميمونة
(وَعَنْ مَيْمُونَةَ)
(6)
هي أمُّ المؤمنينَ مَيْمُونَةُ بنتُ الحارثِ الهلاليةُ، كانَ اسمها
= قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 45 - 46 رقم 12 - 15)، والطيالسي (1/ 43 رقم 124)"منحة المعبود"، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 471)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 141) وصحَّحه ووافقه الذهبي.
وقال ابن حجر في "التلخيص"(1/ 49): "
…
وإسناده صحيح، وقال أحمد: الحون لا أعرفه، وقد عرفه غيره، عرفه علي بن المديني، وروى عنه الحسن وقتادة، وصحح ابن سعد وابن حزم وغير واحد أن له صحبة .. ".
وخلاصة القول: أن الحديث حسن.
(1)
الأديمُ: الجلْدُ المدْبوغ والجمع أَدَمٌ، بفتحتين، وأدُمٌ، بضمتين أيضًا. مثل بريد وبُرُد.
"المصباح المنير"(ص 4).
(2)
زيادة من النسخة (ب).
(3)
وقد تقدم بعضها كحديث عائشة، والمغيرة، وأبي أمامة، وابن مسعود، وأم سلمة، وغيرهم ..
(4)
في "السنن"(4/ 369 رقم 4126).
(5)
في "السنن"(7/ 174 رقم 4248).
قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(6/ 334)، والدارقطني (1/ 45 رقم 11). وفي سنده عبد الله بن مالك بن حذافة وهو مجهول، ولكن يشهد له حديث ابن عباس في الصحيحين فهو به حسن.
(6)
انظر ترجمتها في: "مسند أحمد"(6/ 329 - 338)، و"طبقات ابن سعد"(8/ 132 - 140)، و"المعارف"(ص 137، 344)، و"الاستيعاب"(13/ 159 - 167 رقم 3499)، و "الإصابة"(13/ 138 - 141 رقم 1023)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 480 - 481 رقم 2898)، و"العبر"(1/ 8)، و"شذرات الذهب"(1/ 48، 58).
بَرَّة فسمَّاها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ، تزوَّجَها صلى الله عليه وسلم في شهرِ ذي القعدةِ سنةَ سبعٍ في عُمْرَةِ القضيةِ، [وكانتْ]
(1)
وفاتُها سنةَ إحدى وستينَ، وقيلَ: إحدى وخمسينَ، وقيلَ: ستٍّ وستينَ، وقيلَ غيرُ ذلكَ؛ وهي خالةُ ابن عباسٍ، ولم يتزوجْ صلى الله عليه وسلم بعدَها.
(قَالَتْ: مَرَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بشاةٍ يَجرُّونَهَا فَقَالَ: لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا؟ فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: يُطَهِّرُهَا الماءُ والقَرَظُ
(2)
. أَخرَجَهُ أبو دَاوُدَ والنَّسَائي)، وفي لفظٍ عندَ الدارقطني
(3)
عن ابن عباسٍ: "أليسَ في الماءِ والقَرَظ ما يُطَهِّرُهَا؟ "، وأما روايةُ: "أليسَ فِي الشَّثِّ
(4)
والقَرَظِ ما يُطَهِّرُهَا؟ "، فَقَالَ النوويُّ
(5)
: إنهُ بهذا اللفظِ باطلٌ لا أصلَ لَهُ.
بم يجوز الدباغ
وقالَ في "شرحِ مسلمِ"
(6)
: يجوزُ الدِّبَاغُ بكلِّ شيءٍ يُنشِّفُ فضلاتِ الجلْدِ، ويُطَيِّبُهُ، ويمنعُ من ورودِ الفسادِ عليهِ؛ كالشثِّ -[بالمعجمة، وجزم الأزهري بأن آخره موحدة، وقال: هو من الجواهر التي جعلها الله في الأرض، تشبه الزاج، وجزم غيره بأن آخره مثلثة قال الجوهري: إنه طيب الرائحة مُرّ الطعم يدبغ به]
(7)
-، والقَرَظِ، وقشورِ الرمانِ، وغيرِ ذلكَ من الأدويةِ الطاهرةِ، ولا يحصلُ بالشمسِ إلا عندَ الحنفيةِ، ولا بالترابِ والرماد والملح على الأصحِّ.
(1)
زيادهَ من النسخة (أ).
(2)
القَرَظُ: ورَق السَّلَمِ يُدْبَغُ به. وقيل: قِشْرُ البَلُّوطِ "مختار الصحاح"(ص 222).
(3)
في "السنن"(1/ 41 رقم 1)، قلت: وأخرجه البيهقي (1/ 20)، وقال النووي في "المجموع" (1/ 222): وهو حديث حسن.
(4)
الشَّثُّ: بالفتح، نَبْتٌ طَيِّبُ الرِّيحِ مُرُّ الطَّعْمِ يُدْبَغُ به. "مختار الصحاح"(ص 139).
(5)
في "الخلاصة" كما في "التلخيص الحبير"(1/ 48).
وقال النووي في "شرح المهذب"(1/ 223): "واعلم أنه ليس للشب ولا الشَّثّ ذكر في حديث الدباغ وإنما هو من كلام الإمام الشافعي رحمه الله، فإنه قال رحمه الله: والدباغ بما كانت العرب تدبغ به وهو الشَّثّ والقَرَظ، هذا هو الصواب" اهـ.
(6)
(4/ 55).
(7)
زيادة من النسخة (أ).
حكم استعمال آنية الكفار
6/ 19 - وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ:"لَا تأكُلُوا فِيهَا، إِلَّا أَنْ لَا تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا". [صيحيح]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
.
ترجمة أبي ثعلبة الخشني
(وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَة)
(2)
بفتح الثاء بعدها عين مهملة ساكنة، فلام مفتوحة، فموحَّدة، (الخُشَنِيِّ رضي الله عنه) بضم الخاء المعجمة، فشين معجمة مفتوحة، فنون، نسبة إلى خُشَيْنِ بن النَّمِرِ من قُضَاعَةَ، حذفت ياؤه عند النسبة، واسمه: جُرْهُمْ بضم الجيم، بعدها راء ساكنة، فهاء مضمومة، ابن ناشبٍ بالنونِ، وبعدَ الألفِ شينٌ معجمة آخرَهُ موحَّدة، اشتهرَ بكنيته. بايعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيعةَ الرضوانِ، وضَرَبَ لَهُ بسهمٍ يَومَ خيبرَ، وأرسَلَهُ إلى قومِهِ؛ فأسلموا. نزلَ بالشامِ وماتَ بها سنةَ خمسٍ وسبعينَ، وقيلَ غيرُ ذلك.
(قَالَ: قلْتُ: يَا رسُولَ اللَّهِ: إِنَّا بَأرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكْل فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: لَا تأْكُلُوا فِيهَا إلَّا أَنْ لا تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) بَيْنَ الشيخينِ.
أحكام فقهية من الحديث
استُدِلَّ بهِ على نجاسةِ آنيةِ أهْلِ الكتابِ، وهلْ هوَ لنجاسةِ رُطوبِتِهم، أو لجوازِ أكلِهِمْ فيها الخنزير، وشرب الخمرِ أو للكراهَةِ؟ ذهبَ إلى الأولِ القائلونَ
(1)
البخاري (9/ 622 رقم 5496)، ومسلم (3/ 1532 رقم 8/ 1930).
قلت: وأخرجه أبو داود (4/ 177 رقم 3839)، والترمذي (4/ 129 رقم 1560) و (4/ 64 رقم 1464)، وابن ماجَهْ (2/ 69 رقم 3207).
(2)
انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(6/ 104، 193 - 195)، و"طبقات ابن سعد"(7/ 416)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 52 - 53 رقم 198)، و"العِبر"(1/ 63)، و"الإصابة"(11/ 54 - 56 رقم 176)، و"الاستيعاب"(11/ 166 - 167 رقم 2886).
بنجاسةِ رطوبةِ الكفارِ وهم الهادويةُ والقاسميةُ [ونصره ابن حزم]
(1)
، واستدلوا أيضًا بظاهرِ قولهِ تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}
(2)
. والكتابيُّ يسمَّى مشركًا إذ قدْ قالوا: المَسِيحُ ابنُ الله، وقالوا: عُزَيْرُ ابْنُ الله
(3)
.
وذهبَ غيرُهم من أهلِ البيت كالمؤيَّدِ باللَّه وغيرِه إلى طهارةِ رطوبتهم، وهوَ الحقُّ لقولهِ تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ]}
(4)
، ولأنهُ صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادَةِ مشركَةٍ
(5)
، ولحديثِ جابرٍ عندَ أحمدَ
(6)
، وأبي داودَ
(7)
: "كُنَّا نَغْزُو معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فَنُصِيْبُ مِنْ آنيةِ المشركينَ وَأسْقِيَتِهِمْ، ولا يَعيبُ ذلكَ علينَا"، وأجيبَ بأنَّ هذا بعد الاستيلاءِ ولا كلامَ فيه، وهذا الجواب بالشرح، وهو مبنيٌ على أن استيلاء أهل الإسلام على أموال أهل الشرك مطهر، ونحن لا نقول به؛ إذ لا دليل عليه، بل نقول رطوبة الكفار طاهرة، وما استولى عليه المسلمون من أموالهم طاهرة أصالة لا أنه طهر بالاستيلاء، وإن سُلِّم ففي غيرِه من الأدلةِ غُنْيَةٌ عَنْهُ.
(1)
في "المحلَّى"(1/ 181 - المسألة: 139) وما بين الحاصرتين من النسخة (أ).
(2)
سورة التوبة: الآية 28. وانظر: "فتح القدير" للشوكاني (2/ 349)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 390).
(3)
يشير المؤلف رحمه الله إلى قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30].
(4)
سورة المائدة: الآية 5، وما بين الحاصرتين زيادة من النسخة (أ).
(5)
يشير المؤلف رحمه الله إلى حديث عِمْرَان بن حُصَيْن الآتي برقم (20).
(6)
في "المسند"(3/ 379).
(7)
في "السنن"(4/ 177 رقم 3838) من طريق برد بن سنان عن عطاء عنه.
وقال الألباني في "الإرواء"(1/ 76): وهذا إسناد صحيح. وقد تابعه سليمان بن موسى عن عطاء به نحوه، أخرجه أحمد (3/ 327، 343، 389).
قلت: وسكت المنذري في "المختصر"(5/ 334) عنه، وكذلك ابن حجر في "الفتح"(9/ 623).
قلت: وقوَّى إسناد الحديث كل من الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في "تخريج جامع الأصول"(1/ 387)، والشيخ شعيب الأرناؤوط في "شرح السنة"(11/ 201)، وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، واللَّهُ أعلم.
(فمنها) ما أخرجَهُ أحمدُ
(1)
من حديث أنس: أنهُ صلى الله عليه وسلم دعاه يهوديٌّ إلى خُبزِ شعيرٍ وإهالةٍ سَنَخَةٍ، بفتح السين [المهملة]
(2)
، وفتح النون المعجمة فخاء معجمة مفتوحة، أي: متغيرة.
قالَ في "البحر"
(3)
: لو حَرُمَتْ رطوبَتُهم لاستفاضَ نقلُ تَوَقِّيهم لِقِلَّةِ المسلمينَ حينئذٍ معَ كثرةِ استعمالاتِهِم التي لا يخلو منها ملبوسًا أو مطعومًا، والعادةُ في مثلِ ذلكَ تقضي بالاستفاضَةِ. [قَالَ]
(4)
: وحديثُ أبي ثعلبة إما محمولٌ على [كرَاهةِ الأكْلِ]
(5)
في آنيتهم للاستقذارِ؛ إذْ لوْ كانَتْ نَجِسَةً لم يجعَلْهُ مشروطًا بعدمِ وجدان الغير؛ إذِ الإناءُ المتنجِسُ بعد إزالةِ نجاستِهِ هُوَ وغيره مما لَمْ يتنجسْ على سواءٍ، أو لسدِّ ذريعةِ المحرَّمِ، أو لأنَّها نَجِسَةٌ لما يطبَخُ فيها لا لرطوبَتِهِمْ كما تفيدهُ روايةُ أبي داودَ
(6)
، وأحمدَ
(7)
، بلفظِ:"إنا نجاوِرُ أهلَ الكتاب وهم يطبخونَ في قدورِهم الخنزيرَ، ويشربونَ في آنيتهم الخمرَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ وجدتُم غيرَها - الحديث". وحديثُهُ الأولُ مطلقٌ
(8)
، وهذا مقيدٌ
(9)
بآنيةٍ يُطْبَخُ فيها ما ذُكِرَ ويُشْرَبُ، فيُحْمَلُ المطلقُ على المقيدِ.
(1)
في "المسند"(3/ 210 - 211).
قلت: والحديث شاذ بهذا اللفظ مع أن إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وقد أخرج أحمد في "المسند"(3/ 252، 289 - 290) من حديث أنسٍ "أن خياطًا بالمدينة دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطعامه، قال: فإذا خبز شعير بإهالة سنَخَة وإذا فيها قرع، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه القرع، قال أنس: لم يزل القرع يعجبني منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه".
قلت: فلا يستقيم استدلال المصنف بها على طهارة آنية الكفار، لكن يغني عنه ما تقدم من حديث جابر، وما يأتي من حديث عِمْران بن حُصَين وغير ذلك من الأدلة.
(2)
زيادة من النسخة (ب).
(3)
أي في "البحر الزَّخَّار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" تأليف: الإمام المهدي لدين اللَّهِ، أحمد بن يحيى بن المرتضى (1/ 13).
(4)
في النسخة (ب): "قالوا".
(5)
في النسخة (ب): "الكراهية للأكل".
(6)
في "السنن"(4/ 177 رقم 3839)، وهو حديث صحيح.
(7)
في "المسند"(4/ 193) ورجاله ثقات، لكنه منقطع بين مكحول وأبي ثعلبة.
(8)
المطلق: هو اللفظ الذي يدل على الماهية بدون قيد يقلِّل من شيوعه.
(9)
المقيَّد: هو اللفظ الذي يدل على الماهية بقيد يقلِّل من شيوعه.
"تفسير النصوص" د. محمد أديب صالح (2/ 187، 189).
وأما الآيةُ: فالنجسُ لغةً المستقذَرُ، فهو أعمُّ من المعنى الشرعي، وقيلَ: معناهُ ذو نَجَسٍ، لأن معهُم الشِّركَ الذي هوَ بمنزلةِ النَّجَسِ؛ لأنهم لا يتطهرونَ، ولا يغتسلونَ، ولا يجتنبون النجاساتِ؛ فهي ملابسةٌ لهم. وبهذا يتمُّ الجمعُ بينَ هذا وبينَ آيةِ المائدةِ والأحاديثِ الموافقةِ لحكمِها. وآيةُ المائدةِ أصرَحُ في المرادِ.
7/ 20 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ امْرَأةٍ مُشْرِكَةٍ. [صحيح]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
ترجمة عمران بن حصين
(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ)
(2)
بالمهملتين تصغير حصن. وعِمْرَانُ هو أبو نُجَيْدٍ بالجيم - تصغير نجد - الخزاعي الكعبي. أسلمَ عامَ خيبرَ، وسكَنَ البصرةَ إلى أَنْ ماتَ بها سنةَ اثنتينِ أو ثلاثٍ وخمسينَ، وكانَ من فضلاءِ الصحابةِ وفقهائِهِم (أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابَة توضَّأوا مِنْ مَزَادَةٍ) بفتح الميم بعدها زاي، ثم ألف وبعد الألف مهملة؛ وهي الرَّاوِية ولا تكونُ إلَّا من جِلْدَيْنِ تُقَامُ بِثَالثٍ بينهما لِتَتَّسِعَ، كما في القاموس
(3)
.
(امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) بَيْنَ الشَّيْخينِ في (حديثٍ طَويلٍ) أخرجه البخاريُّ بألفاظٍ فيها أنه صلى الله عليه وسلم بعثَ عليًّا وآخرَ معهُ في بعضِ أسفارِهِ صلى الله عليه وسلم، وقد فقدوا الماءَ فقالَ: اذهبا فابتغيا الماءَ، فانطلقا، فتلقَّيا امرأةً بينَ مَزَادَتَيْنِ أو سَطيحتَينِ مِن ماءٍ عَلَى بَعيرٍ لها (فقالا لها: أين الماءُ؟ فقالت: عَهْدِي بالماءِ أمسِ هذه الساعة،
(1)
البخاري (1/ 447 رقم 344) و (1/ 457 رقم 348) و (6/ 585 رقم 3571)، ومسلم (1/ 474 رقم 682) في حديث طويل.
(2)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(4/ 287 - 291)، و"أخبار القضاة"(1/ 291، 292)، و"الجرح والتعديل"(6/ 296 رقم 1641)، و"الإصابة"(7/ 155 - 156 رقم 6005)، و"الاستيعاب"(9/ 19 - 20 رقم 1969)، و "تهذيب التهذيب"(8/ 111 - 112 رقم 220)، و"المستدرك"(3/ 470 - 472).
(3)
(ص 365).
قالا: انطَلِقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أَنْ قالَ: ودَعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإناءٍ ففرَّغَ فيهِ من أفواهِ المَزادَتينِ - أو السَّطِيحتَينِ ونودِيَ في النَّاس: اسقُوا واستَقُوا، فسَقَى مَنْ سقى، واستَقى مَنْ شاء - الحديث) وفيهِ زيادَةٌ ومعجزاتٌ نبويةٌ.
أحكام فقهية من الحديث
والمرادُ أنهُ صلى الله عليه وسلم توضَّأَ من مَزَادَةِ المشرِكَةِ، وهوَ دليل لما سلفَ فِي شرحِ حديثِ أبي ثعلبةَ من طهارَةِ آنيةِ المشركينَ. ويدُلُّ أيضًا على طُهورِ جِلدِ الميتةِ بالدباغِ؛ لأنَّ المزادتينِ من جلودِ ذبائحِ المشركينَ، وذبائِحُهُم مَيْتَةٌ، ويدلُّ على طهارةِ رطوبةِ المشركِ؛ فإن المرأةَ المشركَةَ قَدْ باشرتِ الماءَ وهو دونَ القلتينِ؛ فإنهم قد صرَّحوا بأنَّهُ لا يَحْمِلُ الجملُ قَدْر القلتينِ. ومَنْ يقولُ: إِنَّ رطوبتَهم نجسةٌ ويقولُ: لا ينجسُ الماءُ إلا ما غيَّرَهُ، فالحديثُ [دليل]
(1)
على ذلك
(2)
.
تضبيب الإناء بالفضة جائز
8/ 21 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: "أَنَّ قَدَحَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم انكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سَلْسَلَةً مِنْ فِضَّةٍ". [صحيح]
أَخْرَجَهُ الْبُخَاريُّ
(3)
.
(وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه أَنَّ قَدَحَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ، فاتخذَ مكانَ الشَّعْب) بفتح الشين المعجمة، وسكون المهملة: لفظ مشترك بين معانٍ المراد [منها]
(4)
هنا الصَّدْعُ والشَّقُّ. (سَلْسَلَةً مِنْ فِضَةٍ) في القاموس
(5)
: سلسلة بفتح أوله، وسكون
(1)
في النسخة (ب): "يدلُّ".
(2)
قلت: وكذلك أكل المشركون من طعام المسلمين، فقد جاء وفود كثيرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيدخلهم مسجده، ويطعمهم بأواني المسلمين، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بتطهير الأواني لأكل المشركين بها، ولم يُنقل عن السلف الصالح رضي الله عنهم توقِّي رطوبات الكفار.
كما ثبت في الصحيحين [(البخاري 8/ 87 رقم 4372)، ومسلم (12/ 87 - بشرح النووي)] أنه ربط "ثمامة بن أثال" المشرك بسارية المسجد.
(3)
في صحيحه (6/ 212 رقم 3109).
(4)
زيادة من النسخة (أ).
(5)
في "القاموس المحيط"(ص 1313).
اللام، وفتح السين الثانية [منها]
(1)
: إيصالُ الشيءِ بالشيءِ، أو سِلْسِلَةً بكسر أولهِ دائرٌ من حديدٍ ونحوِهِ. والظاهرُ أن المرادَ الأولُ فيقرَأُ بفتحِ أولهِ.
(أخْرَجَهُ البُخَاريُّ)، وهوَ دليلٌ على جواز تضبيبِ الإناءِ بالفِضَّةِ، ولا خلافَ في جوازِهِ كما [سلف]
(2)
، إلَّا أنهُ هنا قد اختلفَ في واضِعِ السَّلْسَلَةِ، فحكى البيهَقي
(3)
عن بعضهم أَنَّ الذي جعلَ السَّلْسَلَةَ هو أنسُ بن مالكٍ، وجزمَ بهِ ابنُ الصلاحِ، وقال [أيضًا]
(4)
: فيهِ نظرٌ؛ لأنَّ في البخاري
(5)
من حديثِ عاصمٍ الأحوَلِ: "رأيتُ قَدحَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عندَ أنسِ بن مالكٍ، فكانَ قد انصدَعَ فسَلْسَلَهُ بفضةٍ. وقالَ ابنُ سيرينَ:(إنهُ كان فيهِ حَلْقَةٌ من حديدٍ، فأرادَ أنسٌ أَنْ يجعلَ مكانَها حَلْقَةً من ذهبٍ أو فضةٍ، فقالَ له أبو طلحةَ: لا تُغيرَنَّ شيئًا صنَعَهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فتركَهُ).
هذا لفظُ البخاري، وهوَ يحتملُ أَنْ يكونَ الضميرُ في قولِه: فَسَلْسَلهُ بفضَّةٍ عائدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتملُ أَنْ يكونَ عائدًا إلى أنسٍ كما قال البيهقيُّ، إلا أَنَّ آخِرَ الحديثِ يدُلُّ للأولِ، وَأنَّ القدحَ لم يتغيرْ عمَّا كانَ عليهِ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
قلت: والسَّلْسَلَةُ غيرُ الحَلْقَةِ التي أرادَ أنسٌ تغييرَها، فالظاهرُ أَنَّ قولَهُ: فسلْسَلَهُ، هوَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو حجَّةٌ لما ذكَرَهُ.
* * *
(1)
في النسخة (أ): "منهما".
(2)
في النسخة (ب): "سبق".
(3)
في "السنن الكبرى"(1/ 29 - 30).
(4)
في النسخة (أ): "المصنف".
(5)
في "صحيحه"(10/ 99 رقم 5638).
[الباب الثالث] بابُ إِزالةِ النجاسة وبيانها
أي بيانُ النجاسة ومطهِّراتِها.
حكم تخليل الخمر
1/ 22 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سُئل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا؟ قَالَ: "لَا".
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(1)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
وَقَالَ: حَسنٌ صَحِيحٌ. [صحيح]
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ) أيْ بعدَ تحريمها (تُتخذُ خَلًّا؟ قالَ: لا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والتِّرْمِذيُّ، وَقَالَ: حسنٌ صحيحٌ).
فَسَّرَ الاتخاذَ بالعلاجِ لها وقد صارَتْ خَمْرًا، ومثلُهُ حديثُ أبي طلحةَ، (فإِنَّها لما حُرِّمَتِ الخمرُ سألَ أبو طلحةَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ خمرٍ عندَهُ لأيتامٍ هلْ يخلِّلُها؟ فأمرَهُ بإراقتها. أخرجَهُ أبو داودَ
(3)
، والترمذيُّ
(4)
والعملُ بالحديثِ هو رأيُ الهادويةِ والشافعيُّ، لدلالةِ الحديثِ على ذلكَ)؛ فلو خَلَّلَها لم تَحِلُّ ولم
(1)
في "صحيحه"(3/ 1573 رقم 11/ 1983).
(2)
في "السنن"(3/ 589 رقم 1294) وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى"(رقم 854)، والدارقطني (4/ 265 رقم 3).
(3)
في "السنن"(4/ 82 رقم 3675).
(4)
في "السنن"(3/ 588 رقم 1293).
قلت: وأخرجه أحمد في المسند (3/ 119 و 260)، والدارمي (2/ 118)، والدارقطني (4/ 265 رقم 4)، وهو حديث صحيح.
تَطهُرْ، وظَاهر بأي علاجٍ كانَ ولو بنقلِها منَ الظلِّ إلى الشمس أو عكسِهِ، وقيل: تطهُرُ وتَحِلُّ.
وأما إذَا تَخلَّلَتْ بنفسِها مِنْ دونِ علاجٍ فإنها طاهرةٌ حلالٌ، [إلا أنه قال]
(1)
في البحر
(2)
: إنَّ أكثَرَ أصحابِنا يقولونَ: إنها لا تطْهُرُ وإنْ تخلَّلتْ بنفسِها مِنْ غَيْرِ علاجٍ.
أقوال العلماء في خلِّ الخمر
واعلم أَنَّ للعلماءِ في خَل الخمرِ ثلاثَةَ أقوالٍ، (الأولُ):[أنَّها]
(3)
إذا [تخلَّلت]
(4)
الخمرُ بغيرِ قَصْدٍ حَلَّ [خَلهَا]
(5)
، وإذا خلِّلَتْ بالقَصْدِ حَرُمَ خَلُّها.
(الثاني): يحرُمُ كلُّ خَلٍّ تولَّدَ من خمرٍ مطلقًا.
(الثالثُ): أن الخَلَّ حلالٌ مَعَ تولدِهِ مِنَ الْخمرِ سواءٌ قُصِدَ أَمْ لا؟ إلا أن فاعلَها آثِمٌ إِنْ تركها بعدَ أَنْ صارَتْ خمرًا، عاصٍ للَّهِ مجروحُ العدالةِ لعدَمِ إراقتِهِ لها حالَ خُمريَّتِها؛ فإِنَّهُ واجبٌ كما دلَّ له حديثُ أبي طلحةَ، وأما الدليل على أنَّه يحلُّ الخلُّ الكائنُ من الخمر؛ فلأنه خَلٌّ لغةً وشرعًا، قيلَ:[فإذا أريد جعل خل لا يتخمَّر؛ فيعصر العنب، ثم يلقى عليه قبل أن يتخلَّل مثليه خلًا صادقًا فإنه يتخلَّل، ولا يصير خمرًا أصلًا].
النهي عن أكل لحوم الحُمُر الأهلية
2/ 23 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبا طَلْحَةَ فَنَادَى:"إِن اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَإِنَّها رِجْسٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(6)
. [صحيح]
(1)
زيادة من النسخة (ب).
(2)
(1/ 11).
(3)
زيادة من النسخة (أ).
(4)
في النسخة (ب): "تخلل".
(5)
زيادة من النسخة (أ).
(6)
البخاري (6/ 134 رقم 2991) و (9/ 653 رقم 5528) و (7/ 467 رقم 4198، 4199)، ومسلم (3/ 1540 رقم 1940).
قلت: وأخرجه النسائي (7/ 204)، وابن ماجه (2/ 1066 رقم 3196)، والبيهقي (9/ 331)، وأحمد (3/ 111، 115، 121، 164)، والدارمي (2/ 86 - 87).
(وَعَنْهُ) أيْ عَنْ أَنَسِ بن مَالكٍ (قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَا طَلْحَة فَنَادَى: إِنَّ الله وَرَسَولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ) بتثنية الضميرِ للَّهِ تعالى ولرسولهِ، وقَدْ ثبتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ للخطيبِ الذي قالَ في خطبتهِ: إنه مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا
…
الحديث،:"بِئْسَ خَطِيبُ القومِ أنتَ"
(1)
؛ لجمعهِ بينَ ضميرِ اللَّهِ تعالى وضمير رسولِهِ صلى الله عليه وسلم، وقالَ:"قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، فالواقع هنا يعارِضُهُ.
وقد وقعَ أيضًا في كلامِهِ صلى الله عليه وسلم التثنيةُ بلفظِ: "أَنْ يكونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا"
(2)
، وأجيبَ بأنهُ صلى الله عليه وسلم نهى الخطيبَ لأنَّ مقامَ الخَطَابةِ يقتضي البسطَ والإيضاحَ، فأرشدَهُ إلى أنهُ يأتي بالاسمِ الظاهرِ لا بالضميرِ، وأنه ليسَ العتبُ عليهِ من حيثُ جمعهُ بينَ ضميره تعالى وضمير رسولِهِ صلى الله عليه وسلم. والثاني أنهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يجمعَ بينَ الضميرينِ وليسَ لغيرِه لعلمهِ بجلالِ ربهِ وعظمته.
(عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ) كما يأتي (فَإِنَّها رِجْسٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وحديثُ أنسٍ في البخاري
(3)
: أَن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جاءَهُ جاءٍ فقال: أُكِلَتِ الحُمُرُ، ثم جاءَهُ جاءٍ فقالَ: أُكِلَتِ الحُمُرُ، ثم جاءَهُ جَاءٍ فقال: أُفْنيتِ الحُمُرِ. فأمَرَ مناديًا يُنادي: إِنَّ الله ورسولَهُ يَنْهيانِكُم عنْ لحومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ؛ فَإِنَّهَا رِجْسٌ، فأُكْفِئَتِ القُدورِ وإنها لَتفورُ باللحم.
(1)
أخرجه مسلم (2/ 594 رقم 48/ 870)، وأبو داود (1/ 665 رقم 1099) و (5/ 259 رقم 4981)، وأحمد في "المسند"(4/ 256، 379)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 86) و (3/ 216)، والحاكم (1/ 289) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
والطحاوي في "مشكل الآثار"(4/ 296) كلهم من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه. وأورده القرطبي في "تفسيره"(14/ 232)، والنووي في الأذكار (رقم: 14/ 929).
(2)
وهو جزء من حديث أنس رضي الله عنه.
أخرجه البخاري (1/ 60 رقم 16) و (1/ 72 رقم 21) و (11/ 463 رقم 6041) و (12/ 315 رقم 6941)، ومسلم (1/ 66 رقم 67، 68/ 43)، والنسائي (8/ 94 رقم 4987) و (8/ 96 رقم 4988) و (8/ 97 رقم 4989)، والترمذي (4/ 15 رقم 2624) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 1338 رقم 4033)، وأحمد (3/ 103، 174، 230)، وعبد الرزاق (11/ 200 رقم 20320)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 27) و (2/ 288)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 199).
(3)
في صحيحه (9/ 653 رقم 5528) وقد تقدم تخريجه في حديث الباب.
والنهيُ عن لحوم الحمر الأَهْليَّةِ ثابتٌ من حديثِ علي
(1)
عليه السلام، وابنِ عُمَرَ
(2)
، وجابرِ بن عبدِ الله
(3)
، وابنِ أبي أَوْفى
(4)
، والبراءِ
(5)
، وأبي ثعلبة
(6)
، وأبي هريرة
(7)
، والعِرباضِ بن سارية
(8)
، وخالدِ بن الوليد
(9)
،
(1)
أخرجه البخاري (7/ 481 رقم 4216) و (9/ 166 رقم 5115) و (9/ 653 رقم 5523) و (12/ 333 رقم 6961)، ومسلم (3/ 1537 - 1538 رقم 22/ 1407).
(2)
أخرجه البخاري (7/ 481 رقم 4217 ورقم 4218) و (9/ 653 رقم 5221)، ومسلم (3/ 1538 رقم 24، 25/ 561)، والنسائي (7/ 203 رقم 4336).
(3)
أخرجه البخاري (7/ 481 رقم 4219) و (9/ 648 رقم 5520) و (9/ 653 رقم 5524)، ومسلم (3/ 1541 رقم 36، 37/ 1941)، والترمذي (4/ 73 رقم 1478)، وأبو داود (4/ 149 رقم 3788)، و (4/ 151 رقم 3789)، والنسائي (7/ 201).
(4)
أخرجه البخاري (7/ 481 رقم 4220)، ومسلم (3/ 1538 - 1539 رقم 26، 27/ 1937)، والنسائي (7/ 203 رقم 4339).
(5)
أخرجه البخاري (7/ 482 رقم 4226)، ومسلم (3/ 1539 رقم 31/ 1938)، والنسائي (7/ 302 رقم 4338).
(6)
أخرجه البخاري (9/ 653 رقم 5527)، ومسلم (3/ 1538 رقم 23/ 1936)، والنسائي (7/ 304 رقم 4341).
(7)
أخرجه الترمذي في "سننه"(4/ 254 رقم 1795).
وقال: حديث حسن صحيح، وهو كما قال.
(8)
أخرجه الترمذي (4/ 71 رقم 1474)، وأحمد في "المسند"(4/ 128) وهو حديث حسن.
(9)
أخرجه أبو داود (4/ 151 رقم 3790) و (4/ 160 رقم 3806)، والنسائي (7/ 202 رقم 4331 ورقم 4332)، وابن ماجه (2/ 1066 رقم 3198)، وأحمد (4/ 89)، والطبراني في "المعجم الكبير"(4/ 110 رقم 3826)، والبيهقي (9/ 328)، والعقيلي في "الضعفاء" (2/ 206) عنه:"أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير"، وهو حديث ضعيف له أربع علل:
(الأولى): ضعف (صالح بن يحيى بن المقْدَام بن مَعْدي كَرب) كما أشار إلى ذلك البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 292 - 293 رقم 2869) بقوله فيه: "فيه نظر"، وقال الحافظ في "التقريب" (1/ 364 رقم 60): ليِّن.
(الثانية): جهالة (يحيى بن المقْدام بن مَعْدي كرب)، فقد قال الذهبي في "الميزان" (4/ 410 رقم 9637):"لا يُعرف إلا برواية ولده صالح عنه". وقال الحافظ في "التقريب"(2/ 358 رقم 183): مستور.
(الثالثة): ما قاله البيهقي: بأن إسناده مضطرب، ومع اضطرابه مخالف لحديث الثقات.=
وعمرِو بن شُعيبٍ عن أبيه عن جدِّهِ
(1)
والمقدام بن معدي كرِب
(2)
، وابنِ عباسٍ
(3)
وكُلُّها ثابتَةٌ في دواوينِ الإسلامِ. وقَدْ ذَكَرَ مَنْ أَخرَجها في الشرحِ. وهي دالَّةٌ على تحريمِ أَكْلِ لحومِ الحمرِ الأهليةِ. وتحريمُها هوَ قولُ الجماهيرِ منَ الصحابةِ والتابعينَ ومَنْ بعدَهُم لهذهِ الأدلةِ.
وذهبَ ابنُ عباسٍ إلى عدمِ تحريم الحمرِ الأهليةِ، وفي البخاري
(4)
عنهُ: لا أدري أَنُهِيَ عنها مِنْ أَجْلِ أَنَّها كانتْ حَمُولَةَ الناسِ أو حُرِّمَتْ؟. ولا يخفى ضعفُ هذا القولِ؛ لأنَّ الأصلَ في النهي التحريمُ وإنْ جَهِلْنَا عِلَّتَهُ. واستدلَّ ابنُ عباسٍ بعمومِ قولِه تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا [عَلَى طَاعِمٍ]}
(5)
(6)
الآية، فإنهُ تلاها جوابًا لِمَنْ سألَهُ عن تحريمِها، ولحديثِ أبي داود
(7)
: "أنهُ جاءَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم غالب بن أبجرَ فقالَ: يا رسولَ الله أصابَتْنَا سَنَةٌ ولم يكُنْ في مالي ما أُطْعِمُ أهلي إلَّا سِمَانَ حُمُرٍ، وإِنَّكَ حَرَّمْتَ لحومَ الحُمُرِ الأهليةِ، فقالَ: أَطْعِمْ أَهلَكَ من سمينِ حمُرِكَ، فإِنَّما حرَّمْتُها من أجلِ جَوَّالِ القرية"
(8)
؛ يريد الذي يأكل الجلَّة وهي العَذَرَةُ.
وأُجيبَ بأنَّ الآيةَ خَصَّتْ عمومَها الأحاديثُ الصحيحةُ المتقدمَةُ، وبأنَّ
= (الرابعة): النكارة والمخالفة كما تقدم في كلام البيهقي، وانظر:"مختصر سنن أبي داود"(5/ 316، 317)، وقد أورده المحدث الألباني في "الضعيفة" (رقم/ 1149) وقال:
حديث منكر. وضعَّفه الشيخ عبد الفادر الأرنؤوط في "تخريج جامع الأصول"(7/ 466).
(1)
أخرجه أبو داود (4/ 164 رقم 3811)، والنسائي (7/ 239 رقم 4447)، وإسناده حسن.
(2)
أخرجه أبو داود (4/ 160 رقم 3804)، وهو حديث حسن.
(3)
أخرجه البخاري (7/ 482 رقم 4227)، ومسلم (3/ 1539 رقم 32/ 1939).
(4)
في صحيحه (7/ 482 رقم 4227) وقد تقدم قريبًا.
(5)
زيادة من النسخة (ب).
(6)
سورة الأنعام: الآية 145.
(7)
في "سننه"(4/ 163 رقم 3809)، وهو حديث ضعيف.
قلت: وأخرجه البيهقي (9/ 332)، وأورده المنذري في "المختصر"(5/ 320)، وقال:"اختلف في إسناده اختلافًا كثيرًا".
وقال البيهقي: "فهذا حديث مختلف في إسناده"
…
ومثل هذا لا يعارض به الأحاديث الصحيحة التي قد مضت مصرّحة بتحريم لحوم الحمر الأهلية.
(8)
جَوَّال القرية: الجوَّال جمع جالَّة، وهي التي تأكل العَذَرة.
حديثَ أبي داودَ مضطربٌ مختلَفٌ فيهِ اختلافًا كثيرًا، قال البيهقي في "السنن" بعد ذكره أنه مختلف في إسناده قال: ومثله لا يُعارض به الأحاديث الصحيحة اهـ. وإنْ صحَّ حُمِلَ على الأكلِ منها عندَ الضرورة كما دَلَّ له قولُهُ: أصابتْنَا سَنةٌ، أي شِدةٌ وحاجةٌ.
قلت: وأما الاعتذار أنه أبيح ذلك للضرورة؛ فإنه لا يطابق التعليل بقوله: "إنما حرَّمتها من أجل جوَّال القرية"؛ فإنه يؤذن بأنها إذا لم تكن جلَّالة حلَّت مطلقًا فلا يتم الاعتذار بالضرورة. وذكرُ المصنف لهذينِ الحديثينِ في باب النجاساتِ وتعدادِها مبنيٌّ على أَنَّ التحريمَ مِنْ لازمِهِ التنجيسُ، وهو قولُ الأكثرِ، وفيهِ خلافٌ. والحقُّ أَنَّ الأصلَ في الأعيانِ الطَّهَارَةُ، وأَنَّ التحريمَ لا يلازِمُ النجاسَةَ؛ فإنَّ الحشيشةَ محرَّمةٌ طاهرَةٌ، وكذا المخدِّراتُ والسمومُ [القاتلَةُ]
(1)
لا دليلَ على نجاسَتِها.
التحريم لازم للنجاسة دون العكس
وأما النجاسَةُ فيلازِمُها التحريمُ، فكلُّ نَجِسٍ محرَّمٌ ولا عكْسَ، وذلكَ لأنَّ الحكمَ في النجاسَةِ هوَ المنعُ عَنْ ملابَسَتِها على كلِّ حالٍ، فالحكمُ بنجاسَةِ العينِ حكُمٌ بتحرِيمها بخلافِ الحكمِ بالتحريمِ. فإنَّهُ يحرُمُ لُبْسُ الحريرِ والذهبِ وهما طاهِرانِ ضرورةً شرعيةً وإجماعًا. فإذا عَرَفْتَ هذا، فتحريمُ الخَمْرِ والحُمُرِ الذي دلَّتْ عليهِ النصوصُ لا يلزمُ منهُ نجاستها، بَلْ لا بدَّ مِنْ دليلٍ آخَرَ عليهِ، وإلَّا بقينا على الأصلِ المتفق عليهِ مِنَ الطهارَةِ، فَمَنِ ادَّعى خلافَهُ فالدليلُ عليه، وكذا نقولُ: لا حاجَةَ إلى إتيانِ المصنفِ بحديثِ عمرِو بن خارجةَ مستدلًّا بهِ على طهارَةِ لُعَابِ الراحِلَةِ.
وأما الميتَةُ فلولا أنه ورَدَ: "دِباغُ الأديم طَهورُه"
(2)
، و"أَيُّما إهابٍ دُبغَ فَقَدْ طَهُرَ"
(3)
، لقلنا بطهارَتها؛ إِذ الوارِدُ في القرانِ تحريمُ أكلِها، لكنْ حكمنا بالنجاسَةِ لمَّا قامَ عليها دليل غيرُ دليلِ تحريمِها.
(1)
في النسخة (ب): "المقاتلات".
(2)
تقدم تخريج الحديث (3/ 16).
(3)
تقدم تخريج الحديث (4/ 17).
لعاب ما يؤكل لحمه طاهر
3/ 24 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ رضي الله عنه قَالَ: "خَطَبَنَا النبي صلى الله عليه وسلم بِمِنًى، وهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى كتِفِي". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
(1)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
(2)
. [صحيح لغيره]
ترجمة عمرو بن خارجة
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ)
(3)
هو صحابيٌّ أنصاريُّ عِداده في أهلِ الشام، وكان حليفًا لأبي سفيانَ بن حرب، وهو الذي روى عنهُ عبدُ الرحمنِ بنُ غُنْمٍ أنَّهُ سمعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ في خُطبتهِ:"إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعطَى كل ذِي حقٍّ حقَّهُ، فلا وصيةَ لوارثٍ".
(قَالَ: خَطَبَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمِنَى وهو على رَاحِلَتِهِ) بالحاء المهملة وهيَ مِنَ الإِبلِ: الصالحةِ لأنْ تَرْحَلَ. (وَلُعَابُها) بضم اللامِ فعينٍ مهملةِ وبعدَ الألفِ موحدةٌ، هو ما سالَ من الفمِ، (يسيلُ على كَتِفِي. أخرجه أحمدُ، والترمِذيُّ، وصحَّحه).
والحديثُ دليلٌ على أن لعابَ ما يُؤكَلُ لحمهُ طاهرٌ، قيلَ: وهو إجماعٌ، وهو أيضًا الأصلُ. فَذِكْرُ الحديثِ [تأكيدًا]
(4)
للأصلِ، ثم هذا مبنِيٌ على أنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ سيلانَ اللعابِ عليه فيكون تقريرًا.
المني طاهر أم نجس
4/ 25 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ الْمَنِيَّ، ثُمَّ
(1)
في "المسند"(4/ 186، 187، 238، 239).
(2)
في "السنن"(4/ 434 رقم 2121)، وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه ابن ماجه (2/ 905 رقم 2712)، والنسائي (6/ 247)، والطيالسي (ص 169 رقم 1217)، والدارمي (1/ 419) وغيرهم.
وقال الألباني في "الإرواء"(6/ 88 - 89): "لعل تصحيح الترمذي من أجل شواهده الكثيرة، وإلَّا فإن شَهْرَ بن حَوشَب ضعيف لسوء حفظه".
(3)
انظر: "الإصابة" لابن حجر (7/ 104 رقم 5817).
(4)
في النسخة (ب): "بيان".
يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي ذلكَ الثَّوْبِ، وَأنا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغُسلِ". [صحيح]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
.
- وَلمُسْلِمٍ
(2)
: "لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيه".
- وفي لَفْظٍ لَهُ
(3)
: "لَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ يَابِسًا بِظُفْرِي مِنْ ثَوْبِهِ".
ترجمة عائشة رضي الله عنها
-
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها)
(4)
.
هِيَ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ الصديقِ، أمُّها أمُّ رومان ابنة عامرٍ. خطبها النبي صلى الله عليه وسلم بمكةَ، وتزوَّجَها في شوَّالَ سنةَ عشرٍ منَ النبوةِ، وهيَ بنتُ ستِّ سنينَ، وأعرس بها في المدينةِ في شوالَ سنةَ اثنتين منَ الهجرة، وقيلَ غيرُ ذلك، وبقيت معه تسع سنينَ، وماتَ عنها ولها ثماني عَشْرَةَ سنةً [من غير اعتبار الكبر في سنة وفاته صلى الله عليه وسلم عنها]
(5)
، ولم يتزوجْ بِكرًا غيرَها، واستأذنتْ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الكُنيةِ فقالَ لها:"تَكَنِّي بابنِ أُختكِ عبد اللَّهِ بن الزبيرِ"، وكانت فقيهة، عالمةً، فصيحةً، فاضلةً، كثيرةَ الحديثِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عارفةً بأيامِ العربِ وأشعارِها.
روى عنها جماعةٌ من الصحابةِ والتابعينَ. نزلتْ براءتُها من السمَاءِ بعشر آياتٍ في سورةِ النور. توفيَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في بيتِها ودفنَ فيهِ، وماتتْ بالمدينة
(1)
البخاري (1/ 332 رقم 229 ورقم 230) و (1/ 334 رقم 231) و (1/ 335 رقم 232)، ومسلم (1/ 239 رقم 289).
(2)
في "صحيحه"(1/ 238 رقم 288).
(3)
أي لمسلم في "صحيحه"(1/ 239 رقم 290).
(4)
انظر ترجمتها في: "طبقات ابن سعد"(8/ 58 - 81)، و"المعرفة والتاريخ"(3/ 268)، و"حلية الأولياء"(2/ 43 - 50 رقم 134)، و"الاستيعاب"(13/ 84 - 94 رقم 3429)، و"الإصابة"(13/ 38 - 42 رقم 701)، و"البداية والنهاية"(1/ 233)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 461 - 463 رقم 2840).
(5)
زيادة من النسخة (أ).
سنةَ سبعٍ وخمسمينَ، وقيلَ: سنةَ ثمانٍ وخمسينَ ليلةَ الثلاثاءِ لسبعَ عَشْرَةَ خلتْ منْ رمضانَ، ودفنتْ بالبقيعِ وصلى عليها أبو هريرة، وكان خليفةَ مروانَ في المدينةِ.
(قَالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ المَنِيَّ، ثمَّ يَخْرُجُ إلى الصَّلَاةِ في ذَلِكَ الثوبِ، وأَنا أَنْظُرُ إلى أَثَرِ الغُسْلٍ فيهِ. متَّفَقٌ عليهِ).
وأخرجهُ البخاريُّ أيضًا من حديثِ عائشةَ بألفاظٍ مختلفةٍ، وأنها كانتْ تغسلُ المنيَّ منْ ثوبهِ صلى الله عليه وسلم وفي بعضها:"وَأَثَرُ الغَسْل فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ الماءِ"
(1)
، وفي لفظٍ:"فَيَخْرُجُ إلى الصلاةِ وإنَّ بُقَعَ الماءِ في ثوبه"
(2)
، وفي لفظ:"وأثَرُ الغَسْلِ فيه بُقَعُ الماء"
(3)
، وفي لفظ:"ثم أراهُ فيهِ بُقْعَةً أو بُقَعًا"
(4)
إلَّا أنَّه قد قالَ البزارُ
(5)
: إنَّ حديثَ عائشة هذا مدارهُ على سليمان بن يسارٍ، ولم يسمعْ عنْ عائشةَ، وسبقهُ إلى هذا الشافعيُّ في "الأم"
(6)
حكايةً عن غيرِه، وردَّ ما قالَة البزاز بأنَّ تصحيحَ البخاريِّ لهُ وموافقةَ مسلم لهُ على تصحيحهِ مفيدةٌ لصحةِ سماع سليمان من عائشةَ، وأن رفعهُ صحيحٌ
(7)
.
وهذا الحديثُ استدَلَّ به منْ قالَ بنجاسةِ المنيِّ؛ وهُم الهادوية، والحنفية، ومالكٌ، وروايةٌ عن أحمدَ، قالوا: لأنَّ الغسْلَ لا يكونُ إلَّا من نَجَسٍ، وقياسًا على غيرِه من فضلاتِ البدنٍ المستقذَرة مِنَ البولِ والغائطِ، لانصبابها الجميع إلى مقرٍّ، وانحلالِها عن الغذاءِ؛ ولأنَّ الأحداثَ الموجبة للطهارةِ نجسةٌ والمنيُّ منها؛ ولأنهُ يجري من مجرى البولِ فتعيَّنَ غسملة بالماءِ كغيرِه من النجاساتِ.
وتأوَّلُوا ما يأتي مما يفيدُه قولُهُ: (ولمسلمٍ) أيْ عنْ عائشةَ، روايةٌ انفردَ بلفظِها عن البخاريِّ وهي قوله:(لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَرْكًا) مصدرٌ تأكيديٌّ يقررُ أنها كانت تفركهُ وتحكة. والفركُ: الدلكُ، يقالُ: فركَ الثوبَ إذا دلكهُ (فيصلي فيهِ).
(وفي لفظ له)، أي: لمسلمٍ عنْ عائشةَ (لقد كنت أَحُكُهُ)، أي: المنيَّ حالَ كونهِ
(1)
البخاري (1/ 332 رقم 230).
(2)
البخاري (1/ 332 رقم 229).
(3)
البخاري (1/ 334 رقم 231).
(4)
البخاري (1/ 335 رقم 232).
(5)
ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 33 - 34).
(6)
(1/ 74).
(7)
كما في "فتح الباري"(1/ 334).
(يابِسًا بِظُفْرِي مِنْ ثَوْبِه)، اختصَّ مسلم بإخراجِ روايةِ الفركِ ولمْ يخرِّجْها البخاريُّ.
وقدْ روى الحتَّ والفركَ - أيضًا - البيهقي، والدارقطنيُّ، وابنُ خزيمةَ، وابنُ الجوزيِّ من حديثِ عائشةَ.
ولفظُ البيهقيِّ
(1)
: "ربما حَتَتُّهُ منْ ثوبِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهوَ يُصَلِّيْ". ولفظ الدارقطنيِّ (1)، وابنِ خزيمةَ
(2)
: "إنها كانتْ تحُتُّ المنيِّ منْ ثوبِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهوَ يصلِّي".
ولفظُ ابن حبانَ
(3)
: "لَقَدْ رَأَيْتُني أَفْرُكُ المنيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي"، رجالهُ رجالُ الصحيحِ، وقريبٌ منْ هذا الحديثِ حديثُ ابن عباسٍ عندَ الدارَقطنيِّ
(4)
والبيهقيِّ
(5)
: [سئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المنيِّ يصيبُ الثوبَ فقالَ: "إنما هوَ بمنزلةِ المُخاطِ والبُصاقِ والبُزاقِ"، وقالَ:"إنما يَكْفِيْكَ أن تمسحَهُ بخرقَةٍ أو إذْخِرَةٍ"
(6)
]. وقالَ البيهقي بعد إخراجهِ: ورواه وكيع عن ابن أبي ليلى موقوفًا على ابن عباس وهوس الصحيح، انتهى.
فالقائلونَ بنجاسةِ المنيِّ تأوَّلُوا أحاديثَ الفركِ هذهِ بأنَّ المرادَ الفركُ معَ غَسْلهِ بالماءِ، وهوَ بعيدٌ. وقالتِ الشافعيةُ: المنيُّ طاهرٌ. واستدلُّوا على طهارة المنيِّ بهذهِ الأحاديثِ، قالُوا: وأحاديثُ غسلهِ محمولةٌ على الندبِ، وليس الغَسْلُ دليلَ النجاسةِ، فقد يكونُ لأجلِ النظافةِ وإزالةِ الدَّرَنِ ونحوهِ، قالوا: وتشبيههُ بالبُزاقِ والمُخاطِ دليلٌ على طهارتهِ أيضًا، والأمرُ بمسحهِ بخرقةٍ أو إِذْخرةٍ لأجلِ
(1)
عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 32).
(2)
في "صحيحه"(1/ 147 رقم 295)، وأورد الحافظ في "الفتح"(1/ 333) رواية ابن خزيمة وسكت عنها.
(3)
في "صحيحه"(2/ 330 رقم 1377).
(4)
في "السنن"(4/ 121 رقم 1).
(5)
في "السنن الكبرى"(2/ 418).
قُلتُ: حديث ابن عباس منكر مرفوعًا، صحيح موقوفًا. وقال الدارقطني: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك عن محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ثقة، في حفظه شيء.
وانظر مزيدًا من الكلام على الحديث في "الضعيفة"(رقم/948).
(6)
زيادة من النسخة (أ) المشار إليها قريبًا.
إزالةِ الدَّرَنِ المستكْرَهِ بقاؤهُ في ثوبِ المصلِّي ولوْ كانَ نجسًا لما أجزأَ مسحُهُ. وأما التشبيهُ للمنيِّ بالفضلاتِ المستقذَرةِ من البولِ والغائطِ كما قالهُ مَنْ قال بنجاستهِ فلا قياسَ معَ النصِّ.
قالَ الأولونَ: هذهِ الأحاديثُ في فركهِ وحتِّهِ إِنَّما هيَ في منيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وفضلاتُهُ صلى الله عليه وسلم
طاهرةٌ فلا يلحقُ بهِ غيرُهُ. وأجيبَ عنهُ بأنها أخبرت عائشة عنْ فركِ المنيِّ منْ ثوبهِ، فَيُحْتَملُ أنه عن جماعٍ وقدْ خالطَهُ منيُّ المرأةِ فلمْ يتعينْ أنهُ منيهُ صلى الله عليه وسلم وحدَهُ، والاحتلامُ على الأنبياءِ عليه السلام غيرُ جائزٍ، لأنهُ منْ تلاعبِ الشيطانِ، ولا سلطان لهُ عليهمْ، ولئن قيلَ: إنهُ يجوز أنه منيهُ صلى الله عليه وسلم وحدَهُ، وأَنَّهُ منْ فيضِ الشهوةِ بعدَ تقدمِ أسبابِ خروجهِ منْ ملاعبةٍ ونحوِهَا، وأنهُ لم يخالطْهُ غيرُهُ، فهوَ محتملٌ ولا دليلَ معَ الاحتمالِ.
وذهبتِ الحنفيةُ إلى نجاسةِ المنيِّ كغيرِهمْ ولكنْ قالُوا: يطهِّرهُ الغسلُ، أو الفَركُ، أو الإزالةُ بالإذخِر أو الخرقةِ عملًا بالحديثين، وبين الفريقينِ القائلينِ بالنجاسةِ، والقائلينَ بالطهارةِ مجادلاتٌ ومناظراتٌ واستدلالاتٌ طويلةٌ استوفيناها في حواشي شرحِ العمدة
(1)
.
يُرش من بول الغلام ويُغسل من بول الجارية
5/ 26 - وَعَنْ أَبِي السَّمْحِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيةِ، ويُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَام". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
والنَّسَائِيُّ
(3)
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
(4)
. [صحيح]
ترجمة أبي السَّمح
(وَعَنْ أَبِي السَّمْحِ) بفتحِ السينِ المهملةِ، وسكونِ الميمِ، فحاءٍ مهملةٍ،
(1)
(1/ 400 - 411).
قلت: وقد حقق القول في المسألة ابن قيم الجوزية في "بدائع الفوائد" تحت عنوان: "مناظرة بين فقيهين في طهارة المني ونجاسته"(3/ 119 - 126)، وهو بحث هام جدًّا في غاية التحقيق.
(2)
في "السنن"(1/ 262 رقم 376).
(3)
في "السنن"(1/ 158 رقم 304).
(4)
في "المستدرك"(1/ 166).
واسمهُ إِيادٌ بكسر الهمزة ومثناةٌ تحتيةٌ مخفَّفةٌ بعدَ الألفِ دالٌ مهملةٌ. وهوَ خادمُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لهُ حديثٌ واحد
(1)
.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يغْسل مِنْ بَوْلِ الجَارِيَةِ) في القاموس
(2)
: أن الجَاريَةَ فتيَّةُ النساءِ (وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الغلَامِ. أخرجهُ أبو دَاودَ والنَّسَائِيُّ وصحَّحهُ الحاكمُ).
وأخرجَ الحديثَ أيضًا البزارُ
(3)
، وابنُ ماجَهْ
(4)
، وابنُ خزيمةَ
(5)
منْ حديثِ أبي السمحِ قالَ: "كنتُ أخدمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأُتِيَ بحسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ، فَبَالَ على صَدْرِهِ فجئتُ أَغْسِلُهُ فقالَ: يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الجاريةِ - الحديثُ". وقد رواهُ أيضًا أحمدُ
(6)
، وأبو داودَ
(7)
، وابنُ خزيمةَ
(8)
، وابنَ ماجَه
(9)
، والحاكمُ
(10)
منْ حديثِ لُبَابَةَ بنتِ الحَارِثِ قَالَتْ: "كانَ الحُسَيْنُ - وذكرت الحديثَ"، وفي لفظهِ:["يُغْسَلُ] مِنْ بَوْلِ الأُنثَى، ويُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ".
ورواه المذكورونَ
(11)
، وابنُ حبانَ
(12)
من حديثِ عليٍّ رضي الله عنه قالَ: قَالَ
(1)
كما في "تقريب التهذيب"(2/ 431 رقم 79). وانظر: "تهذيب التهذيب"(12/ 131 - 132 رقم 552).
(2)
"المحيط"(1639).
(3)
عزاه إليه الحافظ في "تهذيب التهذيب"(12/ 132)، وفي "التلخيص الحبير"(1/ 37).
(4)
في "السنن"(1/ 175 رقم 526).
(5)
في "صحيحه"(1/ 143 رقم 283).
قلت: وأخرجه الدولابي في "الكنى"(1/ 37)، والدارقطني (1/ 130 رقم 4)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 62)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 415)، وابن عبد البر في "التمهيد"(9/ 111) وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.
(6)
في "المسند"(6/ 339 - 340).
(7)
في "السنن"(1/ 261 رقم 375).
(8)
في "صحيحه"(1/ 143 رقم 282).
(9)
في "السنن"(1/ 174 رقم 522).
(10)
في "المستدرك"(1/ 166)، وصحَّحه ووافقه الذهبي. قلت: وهو حديث حسن.
(11)
وهم: أحمد في "المسند"(1/ 76)، وأبو داود في "السنن"(1/ 263 رقم 377)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 143 رقم 284)، وابن ماجه في "السنن"(1/ 174 رقم 525)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 165 - 166) وصحَّحه ووافقه الذهبي.
(12)
في "صحيحه"(2/ 328 رقم 1372).
قلت: وأخرجه الترمذي في "سننه"(2/ 509 رقم 610)، وقال: حديث حسن صحيح.
والبغوي في "شرح السنة"(2/ 87 رقم 296)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 415)، =
رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في بَوْلِ الرضيعِ: "يُنْضَحُ بَولُ الغلامِ، ويُغْسَلُ بولُ الجارِية". قالَ قَتَادةُ راويه: هذا ما لمْ يَطعما، فإذا طَعمَا غُسلا. وفي البابِ أحاديثُ
(1)
مرفوعةٌ وموقوفةٌ، وهي كما قالَ الحافظُ البيهقيُّ
(2)
: إذا ضمَّ بعضُها إلى بعضٍ قوِيَتْ.
والحديثُ [دليلٌ]
(3)
على الفرقِ بينَ بولِ الغلامِ، وبولِ الجاريةِ في الحُكْمِ، وذلكَ قبلَ أنْ يأكلا الطعامَ كما قيدهُ بهِ الراوي. وقد رُويَ مَرْفوعًا [أي بالتقييد بالطعمِ لهما]
(4)
. وفي صحيحِ ابن حبانَ
(5)
والمصنفِ لابنِ أبي شيبة
(6)
عن ابن شهابٍ: "مضتِ السُّنةُ أن يرشَّ بولُ منْ لمْ يَأكلِ الطعامَ من الصبيانِ"، والمرادُ ما لم يحصلْ لهمُ الاغتذاءُ بغيرِ اللبنِ على الاستقلالِ، وقيل غيرُ ذلكَ.
أقوال العلماء في تطهير بول الغلام والجارية
وللعلماءِ في ذلكَ ثلاثةُ مذاهبَ:
(الأولُ): للهادويةِ والحنفيةِ والمالكيةِ: أنهُ يجبُ غسلُهما كسائرِ النجاساتِ، قياسًا لِبولهِمَا على سائرِ النجاساتِ، وتأوَّلُوا الأحاديثَ؛ وهو تقديمٌ للقياسِ على النصِّ.
= والدارقطني (1/ 129 رقم 2) وغيرهم. وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 38): "إسناده صحيح، إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وفي وصله وإرساله، وقد رجَّح البخاري صحته، وكذا الدارقطني .. ".
(1)
(منها): حديث أم قيس بنتِ مِحْصَن: أخرجه أحمد في "المسند"(6/ 355)، والبخاري (1/ 326 رقم 223)، ومسلم (1/ 238 رقم 103/ 287)، وأبو داود (1/ 261 رقم 374)، والترمذي (1/ 105 رقم 71)، والنسائي (1/ 157)، وابن ماجه (1/ 174 رقم 524).
(ومنها): حديث عائشة: أخرجه أحمد في "المسند"(6/ 52)، والبخاري (1/ 325 رقم 222)، ومسلم (1/ 237 رقم 101/ 286)، وابن ماجه (1/ 174 رقم 523).
(ومنها): حديث أم كُرْزٍ: أخرجه أحمد في "المسند"(6/ 422)، وابن ماجه (1/ 175 رقم 527) وهو حديث صحيح لغيره.
(ومنها): حديث ابن عباس: أخرجه الدارقطني (1/ 130 رقم 5) بسند ضعيف.
(ومنها): حديث أبي ليلى: أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 347 - 348) بسند صحيح.
(2)
في "السنن الكبرى"(2/ 416).
(3)
في النسخة (ب): "دل".
(4)
زيادة من النسخة (ب).
(5)
في صحيحه (2/ 328) عقب حديث أم قيس.
(6)
في "المصنف"(1/ 121).
(الثاني): وجهٌ للشافعيةِ؛ وهو أصحُّ الأوجهِ عندَهم؛ أنهُ يكفي النضحُ في بولِ الغلامِ لا الجاريةِ فكغيرِها منَ النجاساتِ، عملًا بالأحادِيثِ الواردةِ بالتفْرقةِ بينَهما؛ وهوَ قولُ عليٍّ عليه السلام، وعطاءِ، والحسنِ، وأحمدَ، وإسحاقَ، وغيرهِم.
(والثالثُ): يكفي النضحُ فيهما؛ وهو كلامُ الأوزاعيِّ. وأمَّا هلْ بولُ الصبيِّ طاهرٌ أو نجسٌ؟ فالأكثرُ على أنهُ نجسٌ، وإنما خففَ الشارعُ في تطهيرِه. واعلمْ أن النضحَ كما قالهُ النوويُّ في شرحِ مسلم
(1)
: هوَ أن الشيءَ الذي أصابُه البولُ يُغْمر ويكاثرُ بالماءِ مكاثرةً لا تبلغُ جريانَ الماءِ وتردُّده وتقاطرَه بخلاف المكاثرةِ في غيرهِ؛ فإنهُ يُشْتَرَطُ أنْ تكونَ بحيثُ يجري [عليها]
(2)
بعضُ الماءِ ويتقاطرُ مِنَ المحلِّ، وإنْ لمْ يُشْتَرَطْ عصرهُ، وهذا هوَ الصحيحُ المختارُ، وهو قولُ إمام الحرمين والمحقِّقينَ.
نجاسة دم الحَيض ووجوب غسله
6/ 27 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ - "تَحُتُّه، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمّ تَنْضَحُهُ، ثُمّ تُصَلّي فِيهِ". [صحيح]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
.
ترجمة أسماء بنت أبي بكر
(وَعَنْ أَسْمَاءَ)
(4)
بفتحِ الهمزةِ وسينٍ مهملةٍ، فميمٍ فهمزةٍ ممدودةٍ، [هي]
(5)
"بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ".
(1)
(3/ 195).
(2)
زيادة من النسخة (ب).
(3)
البخاري (1/ 410 رقم 307)، ومسلم (1/ 240 رقم 291).
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 255 رقم 360، 361، 362)، والترمذي (1/ 254 - 255 رقم 138)، والنسائي (1/ 155)، ومالك (1/ 60 - 61 رقم 103)، والشافعي في "الأم"(1/ 84 - 85)، وأحمد في "المسند"(6/ 345) وغيرهم.
(4)
انظر ترجمتها في: "مسند أحمد"(6/ 344 - 355)، و"طبقات ابن سعد"(8/ 249 - 255)، و"المعرفة والتاريخ"(1/ 224)، و"المستدرك"(4/ 64 - 65)، و"الاستيعاب"(12/ 195 - 198 رقم 3226)، و"الإصابة"(12/ 114 - 115 رقم 46)، و"جامع الأصول"(9/ 145 - 147 رقم 6694)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 426 رقم 2720).
(5)
زيادة من النسخة (ب).
وهي أمُّ عبدِ اللَّهِ بن الزبيرِ، أسلمتْ بمكةَ قديمًا، وبايعتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهي أكبرُ منْ عائشةَ بعشرِ سنينَ، وماتتْ بمكةَ بعدَ أن قُتلَ ابنُها بأقلَّ منْ شهرٍ، ولها منَ العُمُرِ مائةُ سنةٍ، وذلكَ سنةَ ثلاثٍ وسبعينَ، ولم تسقطْ لها سِنٌّ، ولا تغيرَ لها عقلٌ، وكانتْ قد عميتْ.
(أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ في دَمِ الحَيْضِ يُصِيلث الثَّوبَ: تَحُتُّه) بالفتح للمثناةِ الفوقيةِ وضمِّ الحاءِ المهملةِ، وتشديدِ المثناةِ الفوقيةِ، أيْ: تحكُّهُ. والمرادُ بذلكَ إزالةُ عينِهِ، (ثم تَقْرُصُهُ بالماءِ)، أيْ الثوبَ وهوَ بفتحِ المثناةِ الفوقية، وإسكَانِ القافِ، وضمِّ الراءِ، والصادِ المهملتينِ، أيْ: تدلكُ ذلكَ الدمَ بأطرافِ أصابعها ليتحلَّلَ بذلكَ ويخرجَ ما شربهُ الثوبُ منهُ.
(ثمَّ تَنْضَحُهُ) بفتحِ الضادِ المعجمةِ أيْ: تغسلهُ بالماءِ، (ثمَّ تصلي فيه. متفقٌ عليهِ)، ورواهُ ابنُ ماجَه
(1)
بلفظِ: "اقرصِيهِ واغسليهِ"، ولابنِ أبي شيبة
(2)
بلفظِ: "اقرصيهِ بالماءِ، واغسليهِ، وصلِّي فيهِ". وروى أحمدُ
(3)
، وأبو داود
(4)
، والنَّسائيُّ
(5)
، وابنُ ماجه
(6)
، وابنُ خزيمةَ
(7)
، وابنُ حِبَّانَ
(8)
منْ حديثِ أمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ: "أَنَّها سألتْ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن دمِ الحيضِ يصيبُ الثوبَ فقالَ: "حُكِّيْهِ بِصَلْعٍ، واغسليهِ بماءٍ وسدرٍ".
قال ابنُ القطانِ
(9)
: إسنادهُ في غايةِ الصحةِ، ولا أعلمُ لهُ علَّةً. وقوله:(بصَلْعٍ) بصادٍ مهملةٍ مفتوحةٍ، فلامٍ ساكنةِ، وعينٍ مهملة، الحجر.
والحديثُ دليلٌ على نجاسةِ دمِ الحيضِ، وعلى وجوبِ غسلهِ، والمبالغةِ في إزالتهِ بما ذكرَ مِنَ الحتِّ، والقرصِ، والنضحِ، لإذهابِ أثرهِ. وظاهرهُ أنهُ لا
(1)
في "السنن"(1/ 206 رقم 629).
(2)
في "المصنف"(1/ 95).
(3)
في "المسند"(6/ 355).
(4)
في "السنن"(1/ 256 رقم 363).
(5)
في "السنن"(1/ 154 - 155).
(6)
في "السنن"(1/ 206 رقم 628).
(7)
في "صحيحه"(1/ 141 رقم 277).
(8)
(ص 82 رقم 235 - موارد).
قلت: وأخرجه الدارمي (1/ 239)، والبيهقي (2/ 407) من طرق .. ونقل ابن حجر في "التلخيص"(1/ 35 رقم 26)، تصحيح ابن القطان وأقرَّه، وهو الصواب. وقد أورد الألباني الحديث في "الصحيحة"(رقم 300).
(9)
في كتابه: "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام"(5/ 281).
يجبُ غيرُ ذلكَ، وإنْ بقيَ منَ العينِ بقيةٌ فلا يجبُ الحادُّ لإذهَابِها لعدمِ ذكرهِ في الحديث، وهوَ محلُّ البيانِ؛ ولأنهُ قد وردَ في غيرِه:"ولا يضرُّكِ أثَرُهُ".
العفو عن أثر الحيض في الثوب بعدَ غسله وحتِّه
7/ 28 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتْ خَوْلَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبِ الدَّمُ؟ قَالَ:"يَكْفِيكِ الْمَاءُ، وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ
(1)
. [صحيح]
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَتْ خَوْلَةُ) بالخاء المعجمة مفتوحةً، وسكونِ الواو، وهيَ بنتُ يسارٍ كما أفادهُ ابنُ عبدِ البرِّ في "الاستيعاب"
(2)
حيثُ قالَ: خَوْلَةُ بنتُ يسارٍ، [قالت]
(3)
: (يا رَسولَ اللَّهِ، فإنْ لمْ يذهبِ الدَّمُ؟ قَالَ: يكفيكِ الماء ولا يضرُّكِ أثرهُ. أخرجَهُ الترمذيُّ وسندهُ ضعيفٌ)، وكذلكَ أخرجهُ البيهقيُّ
(4)
؛ لأنَّ فيهِ ابنَ لهيعَةَ
(5)
.
(1)
قلت: عزوه إلى الترمذي وهمٌ محض، فإنه لم يخرجه البتة. وإنما أشار إليه عقب حديث أسماء (1/ 255) بقوله: وفي الباب عن أبي هريرة، وأم قيس بنتِ مِحْصَن.
قلت: وأخرج الحديث أبو داود (1/ 256 رقم 365)، وأحمد (2/ 364، 380)، والبيهقي (2/ 408) بإسناد صحيح عنه. وهو وإن كان فيه ابن لهيعة، فإنه قد رواه عنه جماعة منهم "عبد الله بن وهب" وحديثه عنه صحيح كما قال غير واحد من الحفاظ. قلت: وأوردَ الألباني الحديث في "الصحيحة"(رقم 298) وذكر أوهامًا لبعض العلماء فانظره لزامًا.
(2)
(12/ 307 - 308 رقم 3326).
(3)
زيادة من النسخة (أ).
(4)
في "السنن الكبرى"(2/ 408) كما تقدم آنفًا.
(5)
قال المحدث الألباني في "الصحيحة"(1/ 532): "إطلاق الضعف على ابن لهيعة وإسناد حديثه هذا ليس بصواب، فإن المتقرَّر من مجموع كلام الأئمة فيه أنه ثقة في نفسه، ولكنه سيء الحفظ، وقد كان يحدث من كتبه فلما احترقت حدث من حفظه فأخطأ، وقد نص بعضهم على أن حديثه صحيح إذا جاء من طريق أحد العبادلة الثلاثة: "عبد الله بن وهب"، و"عبد الله بن المبارك"، و"عبد الله بن يزيد المقرئ". فقال الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح، ابن المبارك، وابن وهب، والمقرئ. وذكر الساجي وغيره مثله، ونحوه قول نعيم بن حماد: سمعت ابن مهدي يقول: "لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه.
وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا بقوله في التقريب: "صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما
…
" اهـ.
وقالَ إبراهيمُ الحربيُّ: لمْ نسمعْ بخولةَ بنتِ يسارٍ إلَّا في هذا الحديثِ. ورواهُ الطبرانيُّ في "الكبير"
(1)
منْ حديثِ خولةَ بنتِ حكيم، بإسنادٍ أضعفَ منَ الأولِ. وأخرجهُ الدارميُّ
(2)
منْ حديثِ عائشةَ موقوفًا عَليها: "إذا غسلتِ المرأةُ الدمَ فلم يذهبْ فلتغيِّرهُ بصُفرةٍ أو زعفرانَ"، رواهُ أبو داود
(3)
عنها موقوفًا أيضًا. وتغييرُهُ بالصُّفرةِ والزَّعفَرانِ ليسَ لقلعِ عينهِ، بل لتغطيةِ لونه تنزُّهًا عنهُ.
والحديثُ دليلٌ لما أشرنَا من أنهُ لا يجبُ استعمال الحادِّ لقطعِ أثرِ النجاسةِ وإزالةِ عينِها. وبه أخذَ جماعةٌ من [أئمة]
(4)
أهل البيت، ومنَ الحنفية والشافعيةِ. واستدلَّ مَنْ أوجبَ الحادَّ وهمُ الهادويةُ، بأنَّ المقصودَ من الطهارةِ أن يكون المصلِّي على أكملِ هيئةٍ وأحسنِ زينةٍ، ولحديثِ:"اقرصيهِ وأميطيهِ عنكِ بإذخرةٍ"، قال في الشرح: وقدْ عَرفتَ أن ما ذكر لا يفيد المطلوبَ، وأنَّ القول الأول أظهرُ [هذه الأحاديث في هذا الباب]
(5)
. هذا كلامهُ.
وقد يقال: قدْ ورد الأمر بالغسلِ لدمِ الحيضِ بالماءِ والسِّدْرِ
(6)
من الحوادِّ، والحديثُ الواردُ به فِي غايةِ الصحَّة كما عرفتَ؛ فيقيَّدُ بهِ ما أطلقَ في غيرِه، [ويخصُّ]
(7)
استعمالُ الحادِّ بدمِ الحيضِ ولا يقاسُ عليه غيرُهُ منَ النجاساتِ، وذلكَ لعدمِ تحققِ شروطِ القياسِ، ويُحملُ حديثُ:"ولا يضُرُّكِ أَثَرُهُ"، وحديثُ عائشةَ، وقولُها:(فلمْ يذهبْ) أيْ بعدَ الحادِّ.
فهذه الأحاديثُ في هذا الباب اشتملتْ منَ النجاساتِ على الخمرِ، ولحومِ الحُمُرِ الأهليةِ، والمنيِّ، وبولِ الجاريةِ والغلامِ، ودمِ الحيضِ. ولو أدخلَ المصنفُ بولَ الأعرابيِّ في المسجدِ، ودباغَ الأديمِ ونحوه في هذا البابِ لكانَ أوجهَ.
(1)
(24/ 241 رقم 615)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 282):"رواه الطبراني في الكبير، وفيه الوازع بن نافع وهو ضعيف. قلت: بل هو متروك شديد الضعف، أورده الذهبي في الضعفاء (2/ 718 رقم 6816) وقال: "قال أحمد ويحيى: ليس بثقة".
(2)
في "السنن"(1/ 238).
(3)
في "السنن"(1/ 253 رقم 357)، وهو حديث صحيح.
(4)
زيادة من النسخة (ب).
(5)
زيادة من النسخة (ب)
(6)
السِّدْر: شجرُ النَّبْقِ، الواحدةُ: سِدرةٌ. والجمعُ: سِدْراتٌ، وسِدَراتٌ، وسِدَرٌ. "مختار الصحاح"(ص 123).
(7)
في النسخة (ب): "يختص".
[الباب الرابع] بابُ الوضوءِ
في القاموسِ
(1)
: الوُضوءُ يأتِي بالضمِّ: الفعلُ، وبالفتحِ: ماؤُهُ وهو مصدرٌ أيضًا، أو لغتانِ ويُعنى بهمَا المَصْدَرُ، وقد يُعْنَى بهمَا الماءُ، توضَّأْتُ للصَّلاةِ وتوضَّيْتُ لُغَيَّةٌ أو لُثْغَةٌ اهـ. واعلم أن الوُضُوءَ مَنْ أعظمِ شروطِ الصلاةِ.
وقد ثبت عند الشيخينِ
(2)
مَنْ حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: "إنَّ الله لا يقبلُ صلاة أحدكمْ إذا أحدثَ حتى يتوضأَ"، وثبت حديثُ:"الوضوءُ شطرُ الإيمانِ"
(3)
، وأنزلَ اللَّهُ فريضتهُ منَ السماءِ في قولهِ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}
(4)
الآية وهي مدنيةٌ. واختلفَ العلماءُ: هلْ كانَ فرضُ [الوضوء]
(5)
بالمدينةِ أو بمكةَ؟ فالمحقِّقون على أنَّهُ فُرضَ بالمدينةِ لعدم النَّص الناهضِ على خلافهِ.
فضائل الوضوء
وورد في الوضوءِ فضائلُ كثيرةٌ، (منهَا): حديثُ أبي هريرةَ عند مالكٍ
(6)
(1)
"المحيط"(ص 70).
(2)
البخاري (12/ 329 رقم 6954) و (1/ 234 رقم 135)، ومسلم (1/ 204 رقم 2/ 225). قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 49 رقم 60)، والترمذي (1/ 110 رقم 76)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب حسن صحيح.
(3)
أخرجه الترمذي (5/ 535 رقم 3517) وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه مسلم (1/ 203 رقم 1/ 223) بلفظ: "الطُّهُور شَطْرُ الإيمانِ"، وابن ماجه (1/ 102 رقم 280) بلفظ:"إسْبَاغُ الوُضُوءِ شَطْرُ الإيمانِ"، كلهم من حديث أبي مالك الأشعريِّ.
(4)
سورة المائدة: الآية 6.
(5)
زيادة من النسخة (ب).
(6)
في "الموطأ"(1/ 32 رقم 31).=
وغيرِه مرفوعًا: "إذَا توَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ أو المؤمِنُ فَغَسَل وَجْهَهُ، خَرَجَتْ من وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إليها بِعَيْنِهِ مَعَ الماءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الماءِ، فَإذا غَسَلَ يَدَيْهِ [خَرَجَتْ]
(1)
منْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيْئةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ أو مَعَ آخر قَطْرِ الماءِ، فَاِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيْئَةٍ مَشَتْها رِجْلَاهُ مَعَ المَاءِ أو مَعَ آخر قَطْرِ المَاءِ، حتى يَخْرُجَ نَقيًّا من الذُّنُوبِ".
وأشملُ منهُ ما أخرجهُ مالكٌ
(2)
أيضًا منْ حديثِ عبد اللَّهِ الصُّنَابِحيِّ - بضمِّ الصاد المهملة، وفتح النون، وكسر الموحدة، آخرهُ مهملة، نسبةً إلى صنابح بطنٍ منْ مرادٍ - وهوَ صحابيٌّ قالَ: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا تَوضَّأَ العبدُ المُؤمنُ فَتَمضمضَ خَرَجَتِ الخَطَايا منْ فيهِ، وإذَا استَنْثَرَ خَرَجَتِ الخَطَايا منْ أنفهِ، فَإِذَا غَسَلَ وجهَهُ خَرَجَتِ الخَطَايا منْ وجهَهِ حتى تَخرجَ منْ تحتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَديهِ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ يَديهِ حتى تخرجَ مِنْ تحت أظْفَارِ يديهِ، فَإِذَا مسحَ برأسهِ خَرَجَتِ الخَطَايَا من رأسهِ حتى تخرجَ منْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الخطايا منْ رجليه، حتى تخرج من [تحت]
(3)
أَظْفَارِ رِجْليْهِ، ثمَّ كانَ مشيهُ إلى المسجدِ وصلاتهُ نافلةٌ له"، وفي معناهما عدة أحاديثَ
(4)
.
= قلت: وأخرجه مسلم (1/ 215 رقم 32/ 244)، وأحمد في المسند (2/ 303)، والترمذي (1/ 6 رقم 2) وقال: حديث حسن صحيح. والبغوي في شرح السنة (1/ 321 رقم 150) وابن خزيمة (1/ 5 رقم 4)، والبيهقي (1/ 81).
(1)
في النسخة (أ): "خرج".
(2)
في "الموطأ"(1/ 31 رقم 30). قلت: وأخرجه النسائي (1/ 74 رقم 103)، وابن ماجه (1/ 103 رقم 282)، والحاكم (1/ 129) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وليس له علة .... وعبد الله الصُّنابِحي صحابي، ويقال: أبو عبد الله الصُّنابِحي - واسمه - عبد الرحمن بن عسيلة. وتعقبه الذهبي بقوله: "لا". وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 31): "لم يسمع - الصُّنابِحي - من النبي صلى الله عليه وسلم والحديث مرسل".
وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار"(1/ 135): "إسناده صحيح ولكن اختلف في صحته .. ".
هذا وقد صحَّحه المحدث الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(رقم: 180) وقال: "وإنما أوردت حديثه هنا لشواهده المذكورة في الباب".
(3)
زيادة من النسخة (أ).
(4)
منها: ما أخرج مسلم في "صحيحه"(1/ 216 رقم 33/ 245).=
ثمَّ هلِ الوضوءُ من خَصَائِصِ هذه الأمةِ؟ فيه خلاف. المحقِّقونَ على أنَّه ليس من خصائصها إنما الذي من خصائصِها الغرَّةُ والتحجيلُ
(1)
.
فضل السواك
1/ 29 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضوءٍ".
= عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأُ فَأَحْسَنَ الوُضُوء خَرَجَتْ خَطاياه من جَسَدِهِ، حتى تَخْرُجَ من تحتِ أَظْفَارِهِ".
(ومنها): ما أخرج مسلم في "صحيحه"(1/ 569 رقم 294/ 832) من حديث طويل.
عن عمرِو بن عَنبسَةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَا مِنْكم رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فيتمضمضُ ويستنشقُ فينتثِرُ إلَّا خَرَّتْ خطايا وَجْهِهِ وفِيهِ وَخَياشِيمِه، ثمَّ إذا غَسَلَ وَجْهه كما أَمَرَهُ اللَّهُ إلَّا خَرَّتْ خطايا وَجْهه من أطرافِ لحيتهِ مَعَ الماءِ، ثمَّ يَغْسلَ يَدَيْهِ إلى المرفقَيْنِ إلَّا خَرَّت خطايا يديهِ من أناملِهِ مَعَ الماءِ، ثمَّ يَمْسَحُ رأسهُ إلَّا خَرَّتْ خطايا رأسِهِ من أطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الماءِ، ثمَّ يَغْسِل قدمَيْهِ إلى الكعبينِ إلَّا خَرَّتْ خطايا رِجْلَيْهِ من أناملهِ مَعَ الماءِ، فإنْ هو قَامَ فصلَّى، فحمد اللَّهَ وأثنى عليه وَمَجَّدَهُ بالذي هو له أَهْلٌ، وفرَّغَ قَلْبَهُ للَّهِ، إلَّا انْصَرَفَ منْ خَطِيْئَتِهِ كهيئتِهِ يومَ ولدتْهُ أُمُّهُ".
وأخرج النسائي (1/ 91 رقم 147) نحوه، وابن ماجه (1/ 104 رقم 283) مختصرًا.
(1)
يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 28 رقم 28)، ومسلم (1/ 218 رقم 39/ 249).
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلى المَقْبَرَةِ، فقال:"السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنينَ، وإنَّا، إنْ شاء اللَّهُ، بكم لاحِقُونَ، وَدِدْتُ أنِّي قد رأيتُ إخوانَنَا"، فقالوا: يا رسول اللَّهِ، أَلَسْنَا بإخوانِكَ؟ قال:"بل أنتم أصحابي، وإخوانُنَا الذين لم يأتوا بَعْدُ، وأنا فَرَطُهُمْ على الحوضِ"، فقالوا: يا رسول اللَّهِ: كيف تَعْرفُ من يأتي بَعْدَك من أُمَّتِكَ؟ قال: "أرأيت لو كان لِرَجلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ، في خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرفُ خَيْلَهُ؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّهِ، قال: "فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يومَ القيامة غُرًّا مُحَجَّلِيْنَ من الوضوءِ، وأنا فَرَطُهُم على الحوضِ. فلا يُذَادَنَّ رجالٌ عن حَوْضِي كما يُذَادُ البَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: ألَا هَلُمَّ، ألَا هَلُمَّ، ألَا هَلُمَّ، فيقالُ: إِنَّهُمْ قدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فأقول: فَسُحْقًا، فَسُحْقًا، فَسُحْقًا".
• دُهم بُهم: أي سود لم يخالط لونها لونٌ آخر.
• سحقًا سحقًا: أي بُعدًا بُعدًا. والمكان السحيق: البعيد. ونصب على تقدير: ألزمهم الله سحقًا، أو سحقهم سحقًا.
أَخْرَجَهُ مَالِكٌ
(1)
، وأَحْمَدُ
(2)
، وَالنَّسَائِيُّ
(3)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
(4)
. وَذَكَرَهُ البخاريُّ تعلِيقًا
(5)
. [صحيح]
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عنْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْلا أَنْ أَشقَّ على أُمَّتِي لأَمَرْتُهْم بالسِّواكِ مَعَ كلِّ وُضوءٍ)، أخرجه مالكٌ، وأحمدُ، والنسائيُّ، وصحَّحه ابنُ خزيمةَ [وذكرهُ البخاريُّ تعليقًا.
تعريف الحديث المعلَّق
المعلَّقُ هو ما يسقط من أولِ إسناده راوٍ فأكثرَ]
(6)
.
قال في الشرحِ: الحديثُ متفقٌ عليهِ عندَ الشيخين
(7)
منْ حديث أبي هريرةَ وهذا لفظهُ. قال ابنُ منده: إسناده مجمعٌ على صحتهِ. قال النوويُّ
(8)
: غلطَ بعضُ الكبارِ فزعمَ أن البخاريَّ لم يخرجهُ.
قلتُ: وظاهرُ صنيعِ المصنفِ هنَا يقَضِي بأنهُ لم يخرجهْ واحد منَ الشيخين؛ [حيث لم ينسبه إلى الشيخين، ونسبه إلى غيرهما؛ فإن المعروف من قاعدة المحدثين أنه إذا أخرج الشيخان الحديث نسبوه إليهما ولا يكتفون برواية غيرهما إلا لعدم إخراجهما له]
(9)
. وهوَ منْ أحاديثِ عمدةِ الأحكامِ
(10)
التي لا يذكرُ فيهَا إلَّا ما أخرجهُ الشيخانِ، إلَّا أنهُ بلفظِ:"عندَ كلِّ صلاةٍ".
(1)
في "الموطأ"(1/ 66 رقم 115).
(2)
في "المسند"(2/ 460، 517).
(3)
في "الكبرى" - كما في الأطراف للمزي (9/ 334).
(4)
في "صحيحه"(1/ 73 رقم 140).
(5)
في "صحيحه"(4/ 158) باب (27): سواك الرَّطبِ واليابسِ للصائم. قلت: هو حديث صحيح.
(6)
زيادة من النسخة (أ).
(7)
البخاري (2/ 374 رقم 887)، ومسلم (1/ 220 رقم 252).
قلت: وأخرجه مالك (1/ 66 رقم 114)، وأبو داود (1/ 40 رقم 46)، والترمذي (1/ 34 رقم 22)، والنسائي (1/ 12 رقم 7)، وابن ماجه (1/ 105 رقم 287)، والدارمي (1/ 174).
(8)
في المجموع (1/ 268).
(9)
زيادة من النسخة (أ).
(10)
رقم الحديث (19).
وفي معناه عدةُ أحاديث عن عدة منَ الصحابة، (منها): عن عليٍّ عليه السلام عندَ أحمدَ
(1)
، وعنْ زيدِ بن خالدٍ عندَ الترمذيِّ
(2)
، وعن أمِّ حبيبة عندَ أحمدَ
(3)
، وعنْ عبدِ اللَّهِ بن عمروٍ، وسهلِ بن سعدٍ، وجابرٍ، وأنسٍ عندَ أبِي نعيم
(4)
وعن أبي أيوبَ عند أحمدَ
(5)
، والترمذيِّ
(6)
، ومن حديثِ ابن عباسٍ وعائشةَ عندَ مسلمٍ
(7)
، وأبي داودَ
(8)
، ووردَ الأمرُ بهِ منْ حديث:"تَسَوَّكُوا، فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرةٌ لِلْفَمِ، [مرضاة للربِّ] "
(9)
.
أخرجه ابنُ ماجَه
(10)
وفيهِ ضعفٌ، ولكنْ لهُ شواهدُ عديدةٌ دالةٌ على أن للأمرِ بهِ أصلًا. ووردَ في أحاديثَ: "أن السِّواكَ منْ سُنَنِ المرسلينَ
(11)
، وأنهُ منْ خصالِ الفطرةِ
(12)
، وأنهُ منَ الطهاراتِ، وأنَّ فضلَ الصلاةِ التي يُسْتاكُ لها على
(1)
في "المسند"(1/ 80، 120).
(2)
في "السنن"(1/ 35 رقم 23)، وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 40 رقم 47)، وأحمد في "المسند"(4/ 116).
(3)
في "المسند"(6/ 325 و 429).
(4)
في كتاب "السواك"، وإسناد بعضها حسن كما في "التلخيص الحبير"(1/ 62 - 63).
(5)
في "المسند"(5/ 421).
(6)
في "السنن"(3/ 391 رقم 1080)، وقال: حديث حسن غريب.
(7)
• في "صحيحه"(1/ 221 رقم 48/ 256) من حديث ابن عباس.
• في "صحيحه"(1/ 220 رقم 43/ 253) من حديث عائشة.
(8)
• في "سننه"(1/ 48 رقم 58) من حديث ابن عباس.
• في "سننه"(1/ 44 رقم 51) من حديث عائشة.
(9)
زيادة من النسخة (ب).
(10)
في "السنن"(1/ 106 رقم 289) من حديث أبي أمامة، وإسناده ضعيف.
(11)
أخرج أحمد في "المسند"(5/ 421)، والترمذي في "السنن"(3/ 391 رقم 1080)، والطبراني في "الكبير"(4/ 183 رقم 4085)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 170) عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ من سنن المرسلين: الحياءُ والتعطرُ والنكاح والسواكُ". فيه أبو الشمال وهو مجهول ولا يعرف إلا بهذا الحديث كما قال أبو زرعة. وفيه الحجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس. وقد أسقط أحمد والترمذي أبا الشمال والصواب إثباته.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف.
(12)
أخرج أحمد (6/ 137)، ومسلم (1/ 223 رقم 56/ 261)، وأبو داود (1/ 44 رقم 53)، والترمذي (5/ 91 رقم 2757)، والنسائي (8/ 126 - 127)، وابن ماجه (1/ 107 رقم=
الصلاة التي لا يُستاكُ لها سبعونَ ضِعفًا". أخرجه أحمدُ
(1)
، وابنُ خزيمةَ
(2)
، والحاكمُ
(3)
، والدارقطنيُّ
(4)
، وغيرُهم، قالَ في "البدرِ المنيرِ": قدْ ذكرَ في السواك زيادةً على مائةِ حديثٍ
(5)
فواعجبًا لسنةٍ تأتي فيها الأحاديثُ الكثيرةُ ثمَّ يهملُها كثيرٌ مِنَ الناسِ، بلْ كثيرٌ منَ الفقهاءِ، فهذِه خيبةٌ عظيمةٌ.
هذا ولفظُ السِّواكِ بكسر السينِ في اللغةِ يطلقُ على الفعلِ، وعلى الآلةِ، ويُذكَّرُ ويُؤنثُ، وجمعهُ سُوُكٌ ككتابٍ وكُتُبٍ. ويرادُ بهِ في اصطلاح العلماء استعمالُ عودٍ أو نحوهِ في الأسنانِ لتذهبَ الصفرةُ وغيرُها.
قلتُ: وعندَ ذهابِ الأسنَانِ أيضًا يشرعُ لحديثِ عائشةَ: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، الرجلُ يذهبُ فوهُ أيستاكُ؟ قالَ:"نعمْ"، قلتُ: كيفَ يصنعُ؟ قالَ: "يدخلُ إصبعَهُ في فيهِ"، أخرجهُ الطبرانيُّ في "الأوسط"
(6)
، وفيهِ ضعفٌ.
= 293)، وابن خزيمة (1/ 47 رقم 88).
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَشْرٌ من الفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وإِعْفَاءُ اللحْيَةِ، والسِّوَاكُ، واسْتِنشاقُ الماء، وقصُّ الأظفار، وغَسْلُ البراجم، ونتفُ الإِبطِ، وحَلْقُ العَانَةِ، وانتقاصُ الماءِ"، قال زَكَرِيَّاءُ، قال مصعبٌ: ونسيتُ العاشِرةَ، إلَّا أن تكون المضمضةَ.
• البراجم: جمع بُرجُمة، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها.
• انتقاص الماء: يعني الاستنجاء.
(1)
في "المسند"(6/ 272).
(2)
في "صحيحه"(1/ 71 رقم 137).
(3)
في "المستدرك"(1/ 146) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
قلت: إن ابن إسحاق مع كونه مدلسًا وقد عنعنه؛ فإن مسلمًا لم يحتج به، وإنما روى له متابعة.
(4)
لم أعثر عليه في "السنن".
قلت: وأخرجه البزار في "مسنده"(1/ 244 رقم 501 - "كشف الأستار").
وقال: لا نعلم أحدًا رواه بهذا اللفظ إلَّا ابن إسحاق، ولا عنه إلَّا إبراهيم، وقد روى قريبًا منه معاوية بن يحيى.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف.
(5)
هناك جملة (قال في "البدر") من النسخة (أ) ونظنها أنها مكررة.
(6)
رقم (6678) وعزاه إليه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 100).
وقال: وفيه عيسى بن عبد الله الأنصاري، وهو ضعيف.
حُكم السِّواك
وأمَّا حكمهُ فهوَ سنةٌ عندَ جماهيرِ العلماءِ، وقيلَ بوجوبهِ، وحديثُ البابِ دليلٌ على عدم وجوبهِ لقولهِ في الحديث هذا:"لأمرتُهُمْ" أي أمْرَ إيجابٍ، فإنهُ تركَ الأمرَ بهِ لأجلِ المشقةِ، لا أمْرَ الندبِ، فإنهُ قد ثبتَ بلا مِريةٍ. والحديثُ دلَّ على تعيينِ وقتِهِ وهوَ عندَ كلِّ وضوءٍ. وفي الشرحِ أنَّهُ يستحبُّ في جميعِ الأوقاتِ.
أحق الأوقات بالسِّواك
ويشتدُّ استحبابُهُ في خمسةِ أوقاتٍ:
أحدهما: عندَ الصلاةِ، سواءٌ كان متطهِّرًا بماءٍ أو تراب أو غيرَ متطهِّرٍ، كمنْ لمْ يجدْ ماءً ولا ترابًا.
الثاني: عندَ الوضوءِ.
الثالث: عندَ قراءةِ القرآنِ.
الرابع: عندَ الاستيقاظِ منَ النومِ.
الخامس: عندَ تغيُّرِ الفمِ.
قال ابنُ دقيقِ العيدِ: السرُّ فيهِ، أي في السِّواكِ عندَ الصلاةِ، أنَّا مأمورونَ في كلِّ حالٍ منَ أحوالِ التقربِ إلى اللَّهِ أنْ نكونَ في حالةِ كمالٍ ونظافةٍ؛ إظهارًا لشرفِ العبادةِ. وقدْ قيلَ: إنَّ ذلكَ الأمرَ يتعلقُ بالمَلَكِ، وهوَ أنهُ يضعُ فاهُ على فمِ القارئِ ويتأذى بالرائحةِ [الكريهةِ]
(1)
، فسُنَّ السواكُ لأجلِ ذلكَ، وهوَ وجهٌ حسنٌ.
ثمَّ ظاهرُ الحديثِ أنهُ لا يخصُّ صلاةً عن استحبابِ السواكِ لها في إفطارٍ ولا صيامٍ، والشافعيُّ يقولُ: لا يسنُّ بعدَ الزوالِ في الصوم؛ لئلَّا يَذهبَ بهِ خُلوفُ الفمِ المحبوبُ إلى الله تعالى.
(1)
في النسخة (أ): "الخبيثة".
وأجيبَ بأنَّ السِّواكَ لا يذهبُ الخُلوفُ بهِ، فإنهُ صادرٌ عنْ خُلُوِّ المعدةِ ولا يذهبُ بالسِّواكِ. ثمَّ هَلْ يسنُّ ذلك للمصلي، وإنْ كانَ متوضِّئًا، كما يدلُّ لهُ حديثُ:"عندَ كلِّ صلاةٍ"؟ قيلَ: نعمْ يسنُّ ذلكَ، وقيلَ: لا يسنُّ إلَّا عندَ الوضوءِ؛ لحديثِ البابِ معَ كلِّ وضوءٍ، وأنهُ يقيدُ إطلاقَ "عندَ كلِّ صلاةٍ" بأنَّ المرادَ عندَ وضوءِ كلِّ صلاةٍ، ولوْ قيلَ: إنهُ يلاحظُ المعنى الذي لأجلهِ شرعَ السواكُ؛ فإنْ كانَ قد مضى وقتٌ طويلٌ يتغيرُ فيهِ الفمُ بأحدِ المغيِّراتِ التي ذكرتْ وهي أكلُ ما لَهُ رائحةٌ كريهةٌ وطول السكوتِ وكثرةُ الكلامِ، وتركُ الأكلِ والشربِ، شُرعَ السواكُ، وإنْ لم يتوضأْ، وإلَّا فلا، لكانَ وجهًا.
وقولُهُ فِي رسمِ السواكِ اصطلاحًا، أو نحوِه أي: نحوِ العودِ، ويريدونَ بهِ كلَّ ما يزيلُ التغيُّرَ كالخِرقةِ الخشنةِ، والإصبعِ الخشنةِ، والأُشْنانِ
(1)
. والأحسنُ أنْ يكونَ السواكُ عودَ أراكٍ متوسطًا لا شديد اليبسِ فيجرحُ اللِّثَةَ، ولا شديدَ الرطوبةِ فلا يزيلُ ما يرادُ إزالتهُ.
الوضوء
2/ 30 - وَعَنْ حُمْرَانَ: "أَن عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّات، ثُمَّ غَسَلَ يدَهُ الْيُمْنَى إِلَى المِرْفَقِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الكَعْبَينِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
(1)
هو بضم الهمزة وكسرها، حكاهما أبو عبيدة والجواليقي، قال: وهو فارسي مُعرَّب.
وهو بالعربية "حُرْض""تحرير ألفاظ التنبيه" أو "لغة الفِقْهِ" للإمام النووي (ص 32).
(2)
البخاري: (1/ 259 رقم 159) و (1/ 261 رقم 160) و (1/ 266 رقم 164) و (4/ 158 رقم 1934) و (11/ 250 رقم 6433).
ومسلم (1/ 205 رقم 3 و 4/ 226).
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 78 - 81 رقم 106 - 110)، وابن ماجَهْ (1/ 105 رقم 285)، والنسائي (1/ 64 رقم 84) و (1/ 65 رقم 85)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 48، 49، 53، 58، 68)، والدارقطني في "السنن"(1/ 83)، وأبو عوانة في "المسند"(1/ 239).
ترجمة حمران مولى عثمان
(وَعَنْ حُمْرَانَ) رضي الله عنه
(1)
.
بضمِّ الحاءِ المهملةِ، وسكونِ الميمِ، وبالراءِ، هوَ ابنُ أَبَانَ بفتحِ الهمزةِ، وتخفيفِ الموحدةِ.
وهو مولى لعثمانَ بن عفانَ، أرسلهُ لهُ خالدُ بنُ الوليدِ منْ بعضِ مَنْ سباهُ فِي مغازيهِ فأعتقهُ عثمانُ.
(أن عثمانَ) رضي الله عنه هوَ ابنُ عفانَ تأتي ترجمتُهُ قريبًا
(2)
(دَعَا بِوَضوءٍ) أي بماءٍ يتوضَّأُ بهِ (فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ)، هَذا منْ سننِ الوضوءِ باتفاق العلماءِ، وليسَ هوَ غسلَهما عندَ الاستيقاظِ الذِي سيأتي حديثهُ، بلْ هذا سنةُ الوضوءِ، فلوِ استيقظَ وأرادَ الوضوءَ، فظاهرُ الحديث أن يغسِلَهما للاستيقاظِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثمَّ للوضُوءِ كذلكَ، ويحتملُ تداخلُهما.
(ثمَّ تَمَضْمَضَ) المضمضةُ أنْ يجعلَ الماءَ في [الفم]
(3)
، ثمَّ يمجُّهُ، وكمالها أنْ يجعلَ الماءَ في فيهِ ثمَّ يديرهُ ثمَّ يمجُّهُ، كذَا في الشرحِ، وفي القاموسِ
(4)
: المَضْمَضَةُ تحريكُ الماءِ في الفَمِ فجعلَ مِنْ مسماهُ التحريكَ، ولم يجعلْ منهُ المجَّ، ولمْ يذكرْ في حديثِ عثمانَ هلْ فعلَ ذلكَ مرةً أو ثلاثًا، لكنْ في حديثِ عليٍّ عليه السلام
(5)
: "أنهُ مضمضَ واستنشقَ، ونثرَ بيدِهِ اليسرَى، ففعل هذا ثلاثًا"، ثمَّ قالَ: هذا طهورُ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم.
(وَاسْتَنْشَقَ) الاستنشاقُ إيصالُ الماءِ إلى داخلِ الأنفِ، وجذبهِ بالنَّفَسِ إلى أقصاه، (وَاسْتَنْثَرَ) الاستنثارُ عندَ جمهورِ أهلِ اللغةِ والمحدثينَ والفقهاءِ إخراجُ الماءِ منَ الأنفِ بعدَ الاستنشاقِ.
(ثمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثلاثَ مرَّاتٍ ثمَّ غَسَلَ يدَهُ اليُمْنَى)، فيهِ بيانٌ لما أُجمِلَ في الآيةِ من
(1)
انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(3/ 21 رقم 31)، و"تقريب التهذيب"(1/ 198 رقم 559).
(2)
في الحديث (9/ 37) من هذا الكتاب.
(3)
في النسخة (ب): "فيه".
(4)
"المحيط"(ص 844).
(5)
وهو حديث صحيح سيأتي تخريجه رقم (3/ 31).
قولِهِ: {وَأَيْدِيَكُمْ}
(1)
الآيةُ، وأنهُ يقدمُ اليمنى، (إلى المِرْفَقِ) بكسرِ ميمِهِ، وفتح فائهِ، وبفتحهمَا، وكلمةُ (إلى) في الأصل للانتهاءِ، وقد تستعمل بمعنى مَعَ، وبينَتِ الأحَاديثُ أنهُ المرادُ، كما في حديث جابرٍ:"كان صلى الله عليه وسلم يديرُ الماءَ على مرفقيهِ"، أي النبيُّ صلى الله عليه وسلم. أخرجهُ الدارقطنيُّ
(2)
بسندٍ ضعيفٍ، وأخرجَ
(3)
بسندٍ حسنٍ في صفةِ وضوءِ عثمانَ أنهُ غسلَ يديهِ إلى المِرْفَقينِ حتى مسحَ أطرافَ العضُدَينِ، وهوَ عندَ البزَارِ
(4)
، والطبرانيِّ
(5)
منْ حديثِ وائلِ بن حجرٍ في صفةِ الوضوءِ: "وغسلَ ذراعيهِ حتى جاوزَ المرافقَ".
وفي الطحاويِّ
(6)
، والطبرانيِّ
(7)
من حديثِ ثعلبةَ بن عبادٍ عنْ أبيهِ: "ثمَّ غسلَ ذراعيهِ حتى [سال]
(8)
الماءُ على مرفقيهِ"، فهذهِ الأحاديثُ يقوي بعضُها بعضًا
(9)
. قَالَ إسحاقُ بنُ راهويه: (إلى) في الآيةِ: يحتملُ أنْ تكونَ بمعنى الغايةِ، وأنْ تكونَ بمعنى مَعَ، فبيَّنتِ السنَّةُ أنَّها بمعْنى معَ.
(1)
سورة المائدة: الآية 6.
(2)
في "السنن"(1/ 83 رقم 15)، وقال الدارقطني: ابن عقيل ليس بقوي.
قلت: أورده ابن شاهين في "تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين"(ص 158 رقم 517)، وقال عنه: ليس هو بشيء. وانظر: "التلخيص الحبير"(1/ 57 رقم 56).
(3)
أي الدارقطني في "السنن"(1/ 83 رقم 17)، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/ 292): إسناده حسن.
(4)
(1/ 140 رقم 268 - "كشف الأستار").
(5)
عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 232)، للطبراني في "الكبير" (ج 22 رقم 118) - وللبزار - (رقم 268 - كشف) - وقال: فيه سعيد بن عبد الجبار. قال النسائي: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في "الثقات". وفي سند البزار والطبراني: محمد بن حجر وهو ضعيف. وفي حديث البزار طولٌ في أمر الصلاة يأتي في صفة الصلاة إن شاء الله.
(6)
في "شرح معاني الآثار"(1/ 37).
(7)
عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 224) للطبراني في "الكبير".
(8)
في النسخة (أ): "سيل".
(9)
قلت: وأصح من هذه الأحاديث ما أخرجه مسلم (1/ 216 رقم 34/ 246): عن نُعَيْمِ بن عَبدِ اللَّهِ المُجْمِرِ؛ قال: رأيتُ أبا هريرة يتوضأُ فَغَسَل وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى حتى أَشْرَعَ في العَضُدِ، ثُمَّ يَدَهُ اليُسْرَى حَتى أَشْرَعَ في العَضُدِ، ثم مَسَحَ رأسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ في السَّاقِ، ثُم غَسَلَ رِجْلَهُ اليُسْرَى حتى أَشْرَعَ في السَّاقِ، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتوضأ
…
".
قالَ الشافعي: لا أعلمُ خلافًا في إيجابِ دخولِ المرفقينِ في الوضوءِ، وبهذا عرفتَ أن الدليلَ قدْ قامَ على دخولِ المرافقِ.
قال الزمخشريُّ: لفظُ (إلي) يفيدُ معنى الغايةِ مطلقًا، فأمَّا دخولُها في الحكمِ وخروجُها فأمرٌ يدورُ معَ الدليلِ، ثمَّ ذكرَ أمثلةً لذلكَ، وقدْ عرفتَ أنهُ قدْ قامَ ها هنَا الدليلُ علَى دخولِها (ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثمَّ اليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) أي: إلى المرافق ثَلاثَ مَرَّاتٍ، (ثُمَّ مَسَحَ برأسهِ) هوَ موافقٌ للآيةِ في الإتيانِ بالباءِ، ومسحَ يتعدَّى بها، وبنفسِهِ.
قالَ القرطبيُّ
(1)
: إن الباءَ هنَا للتعديةِ يجوزُ حذفُها وإثباتُها، وقيلَ: دخلتِ الباءُ ها هنا لمعنى تفيدُهُ، وهوَ أن الغَسْلَ لغةً يقتضي مغسولًا بهِ، والمسحُ لغة لا يقتضي ممسوحًا به، فلو قالَ: امسحوا رؤوسكم لأجزأَ المسحُ باليدِ بغيرِ ماءٍ، فكأنه قال: وامسحوا برؤوسِكُم الماءَ، وهوَ من بابِ القلبِ، والأصلُ فيه امسحوا بالماءِ رؤوسَكم.
ثمَّ اختلفَ العلماءُ: هلْ يجبُ مسحُ كلِّ الرأسِ أو بعضِهِ؟ قَالوا: والآيةُ لا تقتضي أحدَ الأمرينِ بعينِهِ، إذْ قولُهُ:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}
(2)
يحتملُ جميعَ الرأسِ أو بعضَهُ، ولا دلالَة في الآيةِ على استيعابِهِ، ولا عدمٍ استيعابهِ، لكنَّ مَنْ قالَ: يُجزئُ مسحُ بعضهِ قالَ: إنَّ السنةَ وردتْ مبيِّنةً لأحدِ احتمالي الآيةِ، وهوَ ما رواهُ الشافعيُّ
(3)
منْ حديثِ عطاءٍ: "أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم توضأَ فحسرَ العمامةَ عنْ رأسهِ ومسحَ مُقَدَّمَ رأسِهِ"، وهوَ وإنْ كانَ مرسلًا، فقدْ اعتضدَ بمجيئهِ مرفوعًا منْ حديثِ أنسٍ
(4)
، وهو وإن كانَ في سندِهِ مجهولٌ، فقدْ عضدَ بما أخرجهُ سعيدُ بنُ منصورٍ
(5)
من حديثِ عثمانَ في صفةِ الوضوءِ: "أنهُ مسحَ مُقَدَّمَ رأسهِ"، وفيه راوٍ مختلفٌ فيهِ.
(1)
في "تفسيره"(6/ 88).
(2)
سورة المائدة: الآية 6.
(3)
في "الأم"(1/ 41) مرسلًا.
(4)
أخرجه أبو داود في "السنن"(1/ 102 رقم 147) عنه قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عِمامَةٌ قِطْريَّة، فأدخل يده من تحتِ العِمامة فمسح مُقَدَّم رأسه ولم ينقض العِمامة".
قلت: في سنده جهالة، وهو حديث ضعيف.
• القِطْر: نوع من البرود فيه حمرة. وقيل: قرية بالبحرينِ.
(5)
لم يطبع منه إلا كتاب "ولاية العصبة"، و"كتاب الوصايا" و"كتاب الطلاق"، و"كتاب الجهاد".
وثبتَ عن ابن عمرَ
(1)
الاكتفاءُ بمسحِ بعضِ الرأسِ. قالَ ابنُ المنذرِ وغيرُهُ: ولمْ ينكِرْ عليهِ أحدٌ منَ الصحابةِ. ومنَ العلماءِ مَنْ يقولُ لا بُدَّ مِنْ مسحِ البعضِ منَ التكميلِ على العمامةِ؛ لحديثِ المغيرةِ وجابرٍ عندَ مسلم
(2)
. ولم يذكرْ في هذهِ الروايةِ تكرارَ مسحِ الرأسِ كما ذكرهُ في غيرِها، وإنْ كانَ قَدْ طوى ذكرَ التكرارِ أيضًا في المضمضةِ كما عرفتَ، وعدمُ الذكرِ لا دليلَ فيه. ويأتي الكلامُ في ذلك.
(ثُمَّ غَسَلَ رِجْلهُ اليُمْنى إلى الكعبين ثلاثَ مراتٍ)، الكلامُ في ذلكَ كما تقدَّمَ في يدِهِ اليمنى إلى المرفقِ، إلَّا أن المرافقَ قدْ اتُّفِقَ علَى مُسَمَّاهَا بخلافِ الكعبينِ فوقعَ في المرادِ بهمَا هنا خلافٌ. فالمشهورُ إنَّهُ العظمُ الناشزُ عندَ ملتقَى الساقِ، وهوَ قولُ الأكثرِ، وحُكِيَ عنْ أبي حنيفةَ والإماميةِ أنهُ العظمُ الذي في ظهرِ القدمِ عندَ معقدِ الشراكِ. وفي المسألةِ مناظراتٌ ومقاولاتٌ طويلةٌ.
قال في الشرحِ: ومِنْ أوضحِ الأدلةِ - أي على ما قاله الجمهورُ - حديثُ النعمانِ بن بشير
(3)
في صفةِ الصفِ في الصلاةِ: "فرأيتُ الرجُلَ منَّا يُلْزِقُ كعبَه بكعبِ صاحبِهِ".
قلتُ: ولا يخفى أنهُ لا أنهضيَّة فيهِ؛ لأنَّ المخالفَ يقولُ: أنا أسميهِ كعبًا، ولا أخالفُكمْ فيهِ لكني أقولُ: إنهُ غيرُ المرادِ في آيةِ الوضوءِ، إذِ الكعبُ يطلقُ على الناشزِ، وَعَلَى مَا في ظهر القدم، وغايةُ مَا في حديثِ النعمانِ أنهُ سمَّى
(1)
أخرج عبد الرزاق في (المصنف)(1/ 6) رقم (7) وابن أبي شيبة في (المصنف)(1/ 16).
عن نافع أن ابن عمر كان يدخل يديه في الوضوء فيمسح بها مسحة واحدة اليافوخ قط.
• اليافوخ: هو الموضع الذي يتحرك من وسط رأس الطفل.
(2)
في (صحيحه)(1/ 231) رقم (82/ 274) من حديث المغيرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مَسَحَ على الخُفَّيْنِ، ومُقَدَّمِ رأسِهِ، وعلى عِمَامَتِهِ).
(3)
أخرجه أبو داود (1/ 431) رقم (662)، وابن حبان (3/ 302) رقم (2173)، والبيهقي (3/ 100 - 101)، والدارقطني (1/ 282 - 283)، والدولابي في (الكنى)(2/ 86)، والبخاري تعليقًا (2/ 211)، وهو حديث صحيح.
قلت: وأخرجه البخاري (2/ 211) رقم (725) من حديث أنس بن مالك بلفظ: (وكان أحدُنا يُلزِقُ مَنكِبَهُ بمَنكِبِ صاحبهِ، وقدَمَهُ بقدمِهِ).
الناشزَ كعبًا، ولا خلافَ في تسميتِهِ. وقدْ [أيَّدْنا]
(1)
في حواشي (ضوءِ النَّهارِ)
(2)
أرجحيةَ مذهبِ الجمهور بأدلةٍ هنالكَ، (ثمَّ اليسرى مثلَ ذلكَ) أي إلى الكعبينِ ثلاثَ مراتٍ.
(ثمَّ قالَ) أي: عثمانُ (رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم توضأَ نحوَ وضوئي هَذَا. متفقٌ عليهِ). وتمامُ الحديثِ: (فقالَ - أي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ توضأَ نحوَ وضوئي هَذَا، ثم صلَّى ركعتينِ لا يحدِّثُ فيهما نفسه، غفرَ له ما تقدمَ مِنْ ذنبِهِ)، أي لا يحدثُ فيهما نفسَهُ بأمورِ الدُّنيا، وما لا تعلقَ لهُ بالصلاةِ، ولوْ عرضَ لهُ حديثٌ فأعرضَ عَنه بمجردِ عروضهِ عفي عنهُ، ولا يعدُّ محدِّثًا لنفسهِ.
واعلمْ أن الحديثَ قد أفادَ الترتيبَ بينَ الأعضاءِ المعطوفةِ بثُمَّ، وأفادَ التثليثَ، ولمْ يدلّ على الوجوبِ؛ لأنهُ إنَّما هوَ صفةُ فعلٍ ترتبتْ عليهِ فضيلة، ولمْ يترتبْ عليهِ عدمُ إجزاءِ الصلاةِ، إلَّا إذا كانَ بصفتِهِ، وَلا وردَ بلفظٍ يدلُّ على إيجابِ صفاتهِ.
فأمَّا الترتيبُ، فخالفتْ فيهِ الحنفيةُ، وقالُوا: لا يجبُ. وأمَّا التثليثُ، فغيرُ واجب بالإجماعِ، وفيهِ خلافٌ شاذٌّ. ودليلُ عدم وجوبهِ تصريحُ الأحاديثِ بأنُه صلى الله عليه وسلم توضأَ مرتينِ مرتينِ
(3)
، ومرةً مرةً
(4)
، وبعضَ الأَعضاءِ ثلَّثَها وبعضَها بخلافِ ذلكَ، وصرَّحَ في وضوءِ مرةٍ مرةٍ أنهُ لا يقبلُ اللَّهُ الصلاةَ إلا بهِ.
وأمَّا المضمضةُ والاستنشاقُ فقدِ اخْتُلفَ في وجوبِهمَا، فقيلَ: يجبانِ لثبوتِ
(1)
في النسخة (أ): (بينا).
(2)
(1/ 208).
(3)
كالحديث الذي أخرجه البخاري (1/ 258) رقم (158)، وأحمد (4/ 41)، والبيهقي (1/ 79)، والدارقطني (1/ 93) رقم (10) من حديث عبد الله بن زيد.
(4)
كالحديث الذي أخرجه البخاري (1/ 258) رقم (157)، والترمذي (1/ 60) رقم (42)، وأبو داود (1/ 95) رقم (138)، والنسائي (1/ 62)، وابن ماجه (1/ 143) رقم (411).
من حديث ابن عباس.
قلت: وأما الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، فورد من حديث عثمان مختصرًا، أخرجه مسلم (1/ 207) رقم (9/ 230)، وأحمد (1/ 57).
وقد ورد أيضًا من حديث علي بن أبي طالب. أخرجه أبو داود (1/ 81) رقم (111)، والترمذي (1/ 67) رقم (48)، والنسائي (1/ 68)، وابن ماجه (1/ 144) رقم (413)، وأحمد في (المسند)(1/ 114)، وهو حديث صحيح.
الأمرِ بهمَا في حديثِ أبي داودَ
(1)
بإسنادٍ صحيحٍ، وفيهِ:(وبالغْ في الاستنشاقِ إلَّا أنْ تكونَ صائمًا)، ولأنهُ واظبَ عليهمَا في جميعِ وضوئِهِ. وقيل: إنهمَا سنةٌ بدليلِ حديثِ أبي داودَ
(2)
والدارقطنيِّ
(3)
وفيهِ: (إنهُ لا تتمُّ صلاةُ أحدِكم حتَّى يُسْبِغَ الوضوءَ كَما أمره اللَّهُ تعالى، فيغسلُ وجهَهُ ويديْهِ إلى المرفقينِ، ويمسحُ برأسهِ ورجليهِ إلى الكعبينِ)، فلمْ يذكرِ المضمضةَ والاستنشاقَ؛ فإنهُ اقتصرَ فيهِ على الواجب الذي لا يقبلُ اللَّهُ الصلاة إلَّا بهِ، وحينئذٍ فَيُؤَوَّلُ حديثُ الأمرِ بأنهُ أمرُ ندبٍ
(4)
.
مسح الرأس
3/ 31 - وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَمَسَحَ بِرَأسِهِ وَاحِدَةً)[صحيح]
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
(6)
، وَالنَّسَائِيُّ
(7)
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ
(8)
.
(1)
في (السنن)(2/ 769) رقم (2366) من حديث لقيط بن صَبْرَةَ عن أبيه.
قلت: وأخرجه النسائي (1/ 66) رقم (87)، والترمذي (3/ 155) رقم (788)، وابن ماجه (1/ 142) رقم (407) وهو حديث صحيح، ويأتي تخريجه (رقم (8/ 36).
(2)
في (السنن)(1/ 536) رقم (858).
(3)
في (السنن)(1/ 95 - 96) رقم (4).
من حديث رفاعة بن رافع، وهو حديث صحيح.
(4)
قلت: انظر مذاهب العلماء في المضمضمة والاستنشاق: في (المجموع) للنووي (1/ 362 - 367)، و (الروض النضير) للسياغي (1/ 205 - 207) وكتابنا:(إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة) جزء الطهارة.
(5)
في (السنن)(1/ 81) رقم (111).
(6)
في (السنن)(1/ 67) رقم (48).
(7)
في (السنن)(1/ 68) رقم (92).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 155) رقم (456)، وأحمد (1/ 114)، وهو حديث صحيح.
(8)
معناه: أن هذا الحديث أرجحُ مِنْ كُلِّ ما وردَ في هذا البابِ، سواءٌ كانَ كلُّ ما وردَ فيه صحيحًا أو ضعيفًا. فإنْ كانَ كلُّ ما وردَ في الباب صحيحًا، فهذا الحديثُ أرجحُ في الصحةِ من الكلِّ، وإنْ كانَ كلُّهُ ضعيفًا فهذا الحديثُ أرجحُ من الكلِّ، أيْ أقلُّ ضعفًا من الكلِّ)، [(مقدمة تحفة الأحوذي) للمباركفوري (1/ 401)].
ترجمة علي رضي الله عنه
-
(وعن عليٍّ عليه السلام
(1)
.
هوَ أميرُ المؤمنينَ أبو الحسنِ عليُّ بنُ أبي طالبٍ، ابنُ عمِّ رسولِ اللَّهِ، وأولُ منْ أسلمَ مِنَ الذكورِ في أكثرِ الأقوالِ على [خلاف]
(2)
في سنِّهِ كمْ كانت؟ وليسَ في الأقوالِ أنهُ بلغَ ثماني عشرةَ سنةً، بلْ متردِّدةً بينَ ستَّ عشْرةَ إلى سبعِ سنينَ. شهدَ المشاهدَ كلَّها إلَّا تبوكَ، فأقامهُ صلى الله عليه وسلم في المدينةِ خليفةً عنهُ، وقالَ لهُ:(أمَا ترضَى أنْ تكونَ منِّي بمنزلةِ هارونَ مِنْ موسى)
(3)
.
(1)
انظر ترجمته في: (الرياض المستطابة) ص (163 - 176)، و (الإصابة)(7/ 57 - 60) رقم (5682)، و (الاستيعاب)(8/ 131 - 220) رقم (1855)، و (جامع الأصول)(8/ 648 - 664) رقم (6484 - 6515).
(2)
في النسخة (ب): (اختلاف).
(3)
أخرجه البخاري (8/ 112) رقم (4416)، ومسلم (4/ 1870) رقم (31/ 2404)، والترمذي (5/ 641) رقم (3731).
وقال: حديث حسن صحيح، عن سعد بن أبي وقاص قال:(خَلَّفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله تُخَلِّفُني في النساء والصبيان؟ فقال: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارونَ من موسى؟ غيرَ أنَّهُ لا نبيَّ بعدي).
قال القاضي: هذا الحديث مما تعلَّقت به الروافض والإمامية وسائر فرق الشيعة، في أن الخلافة كانت حقًّا لعليّ وأنَّهُ وُصِّيَ له بها.
قال: ثم اختلف هؤلاء، فكفَّرتْ الروافض سائر الصحابة في تقديمهم غيره، وزاد بعضهم فكفَّر عليًا لأنه لم يقم في طلب حقه، بزعمهم. وهؤلاء أسخف مذهبًا وأفسد عقلًا من أن يُرَدُّ قولهم أو يناظروا.
قال القاضي: ولا شك في كفر من قال هذا؛ لأن من كفَّر الأمة كلها والصدر الأول فقد أبطل نقل الشريعة، وهدم الإسلام. وأما من عدا هؤلاء الغلاة فإنهم لا يسلكون هذا المسلك. فأما الإمامية وبعض المعتزلة فيقولون: هم مخطئون في تقديم غيره، لا كفار. وبعض المعتزلة لا يقول بالتخطئة؛ لجواز تقديم المفضول عندهم.
وهذا الحديث لا حجة فيه لأحد منهم، بل فيه إثبات فضيلة لعليّ، ولا تعرُّض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله. وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده؛ لأن النّبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي حينما استخلفه في المدينة في غزوة تبوك، ويؤيد هذا أن هارون، المشبَّه به، لم يكن خليفة بعد موسى بل توفي في حياة موسى وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص. قالوا: وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة.
استُخْلِفَ يومَ قُتِلَ عثمانُ يومَ الجمعةِ لثماني عَشْرَةَ خلتْ منْ شهرِ [ذي]
(1)
الحجةِ سنةَ خمسٍ وثلاثينَ. واستشهد صبحَ الجمعةِ بالكوفةِ لسبع عَشْرَةَ ليلةٍ خلتْ مِنْ شهرِ رمضانَ سنةَ أربعينَ، وماتَ بعدَ ثلاثٍ منْ ضربةِ الشقيِّ ابن ملجم [لهُ]
(2)
، وقيلَ غيرُ ذلكَ. وخلافتهُ أربعُ سنينَ وسبعةُ أشهرٍ وأيام. وقد أُلِّفَتْ في صفاتهِ وبيانِ أحوالهِ كتبٌ جمَّةٌ، واستوفينا شطرًا صالحًا منْ ذلكَ في (الروضةِ النديةِ شرح التحفةِ العلويةِ)
(3)
.
(في صفةِ وضوءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: وَمَسَحَ برأسهِ واحدةً. أخرجه أبو داودَ). هوَ قطعةٌ منْ حديثٍ طويلٍ استوفَى فيهِ صفةَ الوضوءِ منْ أولهِ إلى آخرهِ، وهوَ يفيدُ ما أفادَ حديثُ عثمانَ، وإنَّما أتى المصنفُ رحمه الله بما فيهِ التصريحُ بما لمْ يُصَرَّحْ بهِ في حديثِ عثمانَ، وهوَ مسحُ الرأسِ مرةً، فإنهُ نصَّ أنهُ واحدةٌ معَ تصريحهِ بتثليثِ ما عداهُ من الأعضاءِ.
أقوال العلماء في تثليث مسح الرأس
وقدِ اختلفَ العلماءُ في ذلكَ، فقالَ قومٌ بتثليثِ مسحهِ، كما يثلَّثُ غيرُهُ منَ الأعضاءِ؛ إذْ هوَ منْ جملتِها، وقد ثبتَ فِي الحديثِ تثليثُهُ، وإنْ لم يُذْكَرْ في كلِّ حديثٍ ذُكرَ فيهِ تثليثُ الأعضاءِ. فإنهُ قدْ أخرجَ أبو داودَ
(4)
من حديثِ عثمانَ في
(1)
زيادة من النسخة (ب).
(2)
في النسخة (أ): (لعنه الله).
(3)
في (مناقب الإمام علي) مجلد وهو مطبوع في الهند (1322) هـ وصنعاء سنة (1371) هـ.
(4)
في (السنن) 11/ 79) رقم (107)، عن حُمْران قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ .. وقال فيه: (ومسحَ رأسَهُ ثلاثًا)
…
ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال:(من توضأ دون هذا كفاه) .. وهو حديث صحيح. وأخرجه أيضًا أبو داود (1/ 81) رقم (110) عن شقيق بن سلمة، قال: رأيتُ عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا ومسح رأسه ثلاثًا ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا. وهو حديث صحيح.
وقال الحافظ في (الفتح)(1/ 260): (وقد روى أبو داود من وجهين صحَّح أحدهما ابن خزيمة وغيره في حديث عثمان تثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة).
وأورد الحافظ في (التلخيص)(1/ 85) أن ابن الجوزي مال في (كشف المشكل) إلى تصحيح التكرير.
قلت: وأيده المحدث الألباني في (تمام المنَّة) ص (91) بقوله: (لأن رواية المرة الواحدة وإن كثرت لا تعارض رواية التثليث؛ إذ الكلام في أنه سنة، ومن شأنها أن تُفعل أحيانًا وتُترك أحيانًا).
تثليثِ المسحِ، أخرجهُ منْ وجهينِ صحَّحَ أحدهما ابنُ خزيمةَ، وذلكَ كافٍ في ثبوت هذهِ السنةِ. وقيلَ: لا يشرعُ تثليثهُ، لأنَّ أحاديثَ عثمانَ الصَّحاحَ كلَّها - كما قالَ أبو داودَ - تدلُّ على مسحِ الرأسِ مرَّةً واحدةً، وبأنَّ المسحَ مبنيٌّ على التخفيفِ فلا يقاسُ على الغسلِ، وبأنَّ العددَ لو اعتُبِرَ في المسحِ، لصارَ في صورةِ الغَسْلِ.
وأجيبَ بأنَّ كلامَ أبي داودَ ينقضهُ ما رواهُ هوَ وصحَّحهُ ابنُ خزيمةَ كما ذكرناهُ، والقولُ بأنَّ المسحَ مبنيٌّ على التخفيفِ قياسٌ في مقابلةِ النصِّ فلا يسمعُ. فالقولُ بأنهُ يصيرُ في صورةِ الغسلِ لا يُبَالى بهِ بعدَ ثبوتِه عن الشارعِ، ثمَّ روايةُ التَّرْكِ لا تعارضُ روايةَ الفعلِ، وإنْ كثرتْ روايةُ التَرْكِ، إذِ الكلامُ أنهُ غيرُ واجبٍ بل هو سنةً منْ شأنِها أنْ تُفْعَلَ أحيانًا وتُتركَ أحيانًا.
(وأخرجهُ) أي حديثَ عليّ عليه السلام (النسائيُّ، والترمذيُّ بإسنادِ صحيحٍ، بلْ قالَ الترمذيُّ: إنهُ أصحُّ شيءٍ في الباب). وأخرجهُ أبو داودَ
(1)
منْ سِتِّ طرقٍ، وفي بعضِ طرقِهِ لم يَذْكُرِ المضمضةَ والاستنشاقَ، وفي بعضٍ:(ومسحَ على رأسهِ حتى لم يقطرْ).
صفة مسح الرأس
4/ 32 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنهما فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ - قَالَ: (وَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَأسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
- وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا
(3)
: (بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رأسِهِ، حَتَّى ذَهَب بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدأَ مِنْهُ).
(1)
في (السنن)(1/ 81 - 86) رقم (111 - 117).
(2)
البخاري (1/ 302) رقم (197)، ومسلم (1/ 210) رقم (18/ 235).
(3)
البخاري (1/ 289) رقم (185)، ومسلم (1/ 211) بدون رقم.
قلت: وأخرج الحديث البخاري (1/ 294) رقم (186) و (1/ 297) رقم (191) و (1/ 297) رقم (192) و (303) رقم (199).
ومسلم (1/ 211) رقم (19/ 236)، والترمذي (1/ 66) رقم (47)(1/ 50) رقم (35)، وأبو داود (1/ 86 - 88) رقم (118 - 120)، وابن ماجه (1/ 149) رقم (434)، والنسائي=
ترجمة عبد اللَّه بن زيد المازني
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ)
(1)
، هو الأنصاريُّ المازنيُّ منْ [بني]
(2)
مازنِ بن النجارِ، شهدَ أُحُدًا، وهوَ الذي قَتَلَ مسيلِمةَ الكذَّابَ وشاركهُ وحشيٌّ. وقُتِلَ عبدُ اللَّهِ يومَ الحَرَّةِ سنةَ ثلاثٍ وستينَ، وهوَ غيرُ عبدِ اللَّهِ بن زيدِ بن عبدِ ربهِ الذي يأتي حديثُهُ في الأذانِ، وقدْ غلطَ فيهِ بعضُ أئمةِ الحديثِ، فَلِذَا نَبَّهْنَا عليهِ.
(في صفَةِ الوضوءِ قَالَ: وَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ. مُتَّفقٌ عليه).
فَسَّرَ الإقبالَ بِهِمَا بأنهُ بدأَ مِنْ مُؤَخَّرِ رأسهِ. فإنَّ الإقبالَ باليدِ إذا كانَ مقدّمًا يكونُ منْ مُؤَخَّرِ الرأسِ، إلَّا أنهُ قدْ وردَ في البخاريِّ بلفظِ:(وَأَدْبَر بِيَدَيْهِ وأَقْبَلَ)، واللّفظُ الآخرُ في قولهِ:(وفي لفظِ لهما)[أيْ للشيخين]
(3)
: (بدأَ بِمُقَدَّمِ رَأسهِ حتَّى ذَهَبَ بِهِمَا)[أيْ اليدينِ]
(4)
(إلى قَفَاهُ ثُمَّ ردَّهُمَا إلى المكَانِ الذي بَدَأَ مِنْهُ). الحديثُ يفيدُ صفَة المسحِ للرأسِ، وهوَ أنْ يأخذَ الماءَ ليديهِ فيقبلُ بهمَا ويدبرُ.
أقوال العلماء في صفة مسح الرأس
وللعلماء ثلاثةُ أقوالٍ:
الأول: أنْ يبدأ بِمُقَدَّمِ رأسهِ الذي يلي الوجهَ، فيذهبُ إلى القَفَا ثمَّ يردُّهما إلى المكان الذي بدأَ منهُ، وهوَ مُبْتَدَأُ الشعرِ من حدِّ الوجهِ، وهذا هو الذي يعطيهِ ظاهرُ قولهِ: (بدأَ بِمُقَدَّمِ رأسهِ حتَّى ذهبَ بهمَا إلى قفاهُ، ثمَّ ردَّهُما حتى رجعَ إلى
= (1/ 71) رقم (97) و (98). وابن خزيمة (1/ 88) رقم (173)، وأحمد (4/ 38)، ومالك (1/ 18) رقم (1)، والبيهقي (1/ 59)، وابن الجارود رقم (73)، وعبد الرزاق في (المصنف)(1/ 6) رقم (5).
(1)
انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد (5/ 531)، والمعرفة والتاريخ (1/ 260 - 261)، والجرح والتعديل (5/ 57) رقم (266)، و (المستدرك)(3/ 520)، و (تهذيب التهذيب)(5/ 196) رقم (386)، والإصابة (6/ 91) رقم (4678)، والاستيعاب (6/ 209 - 210) رقم (1540)، و (مسند أحمد)(4/ 38 - 42).
(2)
زيادة من النسخة (أ).
(3)
زيادة من النسخة (أ).
(4)
زيادة من النسخة (أ).
المكانِ الذي بدأَ منهُ)، إلَّا أنَّهُ أوردَ على هذه الصفةِ أنه أدبرَ بهمَا وأقبلَ؛ لأنَّ ذهابهُ إلى جهةِ القفا إدبارٌ، ورجوعَه إلى جهة الوجهِ إقبالٌ. وأجيبَ بأنَّ الواوَ لا تقتضي الترتيبَ، فالتقديرُ أدبرَ وأقبلَ.
والثاني: أنْ يبدأ بمؤَخَّرِ رأسِهِ، ويمرَّ إلى جهةِ الوجهِ، ثمَّ يرجعُ إلى المؤَخَّرِ، محافظةً على ظاهرِ لفظِ:(أقبلَ وأدبرَ)؛ فالإقبالُ إلى مُقَدَّمِ الوجهِ، والإدبارُ إلى ناحيةِ المؤَخَّرِ، وقدْ وردتْ هذهِ الصفةُ في الحديثِ الصحيحِ:(بدأ بمؤَخَّرِ رأسِهِ)، ويحتملُ الاختلافُ في لفظِ الأحاديثِ على تعددِ الحالات.
والثالثُ: أن يبدأَ بالناصيةِ، ويذهبَ إلى ناحيةِ الوجهِ، ثمَّ يذهبُ إلى جهةِ مؤَخَّرِ الرأسِ، ثمَّ يعودُ إلى ما بدأَ منهُ وهو الناصيةُ، ولعلَّ قائلَ هذا قصدَ المحافظَةَ على قولهِ:(بدأَ بمقدَّمِ رأسهِ) معَ المحافظةِ على ظاهرِ لفظِ: (أقبلَ وأدبرَ)؛ لأنهُ إذا بدأ بالناصيةِ صدقَ أنهُ بدأ بمقدَّمِ رأسهِ، وصدقَ أنهُ أقبلَ أيضًا، فإنهُ ذهبَ إلى ناحية الوجهِ، وهوَ الْقَبْلُ. وقد أخرجَ أبو داودَ
(1)
منْ حديثِ المقدام: (أنهُ صلى الله عليه وسلم لما بلغَ مَسْح رأسهِ وضعَ كفيهِ على مقدَّمِ رأسهِ، فأمرَّهُما حتى بلغَ القفَا، ثمَّ رَدَّهُما إلى المكانِ الذي بدأَ منهُ)، وهيَ عبارةٌ واضحةٌ في المرادِ. والظاهرُ أن هذا منَ العملِ المخيَّرِ فيهِ، وأنَّ المقصودَ مِنْ ذلكَ تعميمُ الرأسِ بالمسحِ.
مسح الأذنين
5/ 33 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنْ عَمْرٍو رضي الله عنهما في صِفَةِ الْوُضُوءِ - قَالَ: (ثُمَّ مسَحَ بِرَأسِهِ، وَأَدْخَلَ إصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ). [إسناد حسن]
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
، وَالنَّسَائِيُّ
(3)
، وَصَحّحَهُ ابْنُ خُزْيَمَةَ.
(1)
في (السنن)(1/ 88) رقم (122)، وهو حديث صحيح.
(2)
في (السنن)(1/ 94) رقم (135).
(3)
في (السنن)(1/ 88) رقم (145) مختصرًا
قلت: وكذلك أخرجه ابن ماجه (1/ 146) رقم (422) مختصرًا، وإسناده عندهم جميعًا حسن.
ترجمة عبد اللَّهِ بن عمرو بن العاص
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو)
(1)
بفتحِ العينِ المهملةِ.
وهوَ أبو عبدِ الرحمنِ، أو أبو محمدٍ، عبدُ اللَّهِ بنُ عمرو بن العاصِ بن وائلٍ السهميُّ القرشيُّ. يلتقي معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في كعبِ بن لؤيِّ. أسلمَ عبدُ اللَّهِ قبلَ أبيهِ، وكانَ أبوهُ أكبرَ منهُ بثلاثَ عشْرَةَ سنةً. وكانَ عبدُ اللَّهِ حافظًا عالمًا عابدًا. وكانتْ وفاتُهُ سنةَ ثلاث وستينَ، وقيلَ: وسبعينَ، وقيلَ غيرُ ذلكَ، واخْتُلِفَ في موضعِ وفاتِهِ فقيلَ: بمكةَ، [أو الطائف]
(2)
، أو مصرَ، أو غيرِ ذلكَ.
(في صفةِ الوضوءِ قالَ: ثمَّ مسَحَ) أيْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (بِرَأْسِهِ وَأَدْخَلَ إصْبَعَيْهِ السَّبّاحَتْينِ) بالمهملةِ، فموحدةٌ، فألفٌ بعدَها مهملةٌ، تثنيةُ سبَّاحةٍ. وأرادَ بهما مسبِّحتي اليدِ اليمنى واليسرى، وسمِّيتْ سبَّاحةً؛ لأنه يشارُ بها عندَ التسبيحِ.
(في أذنيهِ، ومسحَ بإبهاميهِ) إبهامَيِ يديهِ (ظَاهِرَ أُذُنَيْه. أَخْرَجَهُ أبُو دَاوُدَ، والنسائيُّ، وصححهُ ابنُ خزيمةَ).
والحديثُ كالأحاديثِ الأُوَلِ في صفةِ الوضوءِ، إلَّا أنهُ أتى بهِ المصنفُ لما ذكرَ منْ إفادةِ مسحِ الأذنينِ الذي لم تفدْهُ الأحاديثُ التي سلفتْ، وَلِذَا اقتصرَ المصنف على ذلكَ منَ الحديثِ. ومسحُ الأذنينِ قدْ وردَ في عدةٍ منَ الأحاديثِ، ومنْ حديثِ المقدامِ بن معدِي كربَ عندَ أبي داودَ
(3)
، والطحاويِّ
(4)
بإسنادٍ حسنٍ، ومنْ حديثِ الرُّبيِّعِ، أخرجهُ أبو داودَ
(5)
أيضًا. ومنْ حديثِ أنسٍ عندَ
(1)
انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد)(2/ 373، 4/ 261 - 268، 7/ 494 - 496)، و (التاريخ الكبير)(5/ 5) رقم (6)، و (المستدرك)(3/ 526 - 528)، و (طبقات الشيرازي)(32 - 35)، و (العقد الثمين)(5/ 223 - 229) رقم (1593)، و (تهذيب التهذيب)(5/ 294 - 295) رقم (575)، و (الإصابة)(6/ 176 - 178) رقم (4838)، و (الاستيعاب)(6/ 338 - 347) رقم (1618)، و (تذكرة الحفاظ)(1/ 41 - 42) رقم (19).
(2)
في النسخة (أ): (وقيل: بالطائف).
(3)
في (السنن)(1/ 88) رقم (122).
(4)
في (شرح معاني الآثار)(1/ 32)، وهو حديثٌ صحيحٌ.
(5)
في (السنن)(1/ 89) رقم (126): قلت: وأخرجه أحمد (6/ 358، 359)، والترمذي (1/ 48) رقم (33)، والبيهقي (1/ 60)، والدارقطني (1/ 87) رقم (2).
وقال الترمذي: حديث حسن. =
الدارقطنيِّ
(1)
والحاكم
(2)
، ومنْ حديثِ عبدِ اللَّهِ بن زيدٍ وفيهِ:(أنهُ صلى الله عليه وسلم مسحَ أذُنيهِ بماءٍ غيرِ الماءِ الذي مسحَ بهِ رأسَهُ)، وسيأتي
(3)
.
وقالَ فيهِ البيهقيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وإنْ كانَ قدْ تعقَّبهُ ابن دقيقِ العيدِ، وقالَ: الذي في ذلكَ الحديثِ: (وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ)، ولم يذكرِ الأذنينِ، وأَيَّدهُ المصنفُ بأنهُ عندَ ابن حبانَ
(4)
، والترمذيَّ
(5)
كذلكَ.
واخْتَلَفَ العلماءُ: هلْ يُؤْخَذُ للأذنينِ ماءٌ جديدٌ، أوْ يُمْسَحَانِ ببقيةِ ما مُسِحَ بهِ الرأسُ؟ والأحاديثُ قدْ وردتْ بهذَا وهذَا، ويأتي الكلامُ عليه قريبًا.
الاستنثار عند الاستيقاظ من النوم
6/ 34 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاثًا، فَإنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ)، مُتَّفَقٌ عَلَيْه
(6)
. [صحيح]
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه[قَالَ]
(7)
: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا استيقظَ أحدُكُم منْ
= وحديث عبد الله بن زيد أصحُّ من هذا وأَجْوَدُ إسنادًا.
وقال أحمد شاكر: حديث الربيع حديث صحيح، وإنما اقتصر الترمذي على تحسينه ذهابًا منه إلى أنه يعارض حديث عبد الله بن زيد، ولكنهما عن حادثتين مختلفتين، فلا تعارض بينهما حتى يحتاج إلى الترجيح، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ بمقدَّم الرأس، وكان يبدأ بمؤخَّره، وكلٌ جائز.
وأما الشارح العلامة المباكفوري رحمه الله فإنه فهم أن الترمذي حسَّنه؛ للخلاف في عبد الله بن محمد بن عقيل، وليس كذلك؛ لأن ابن عقيل ثقة.
(1)
في (السنن)(1/ 106) رقم (51، 52).
(2)
في (المستدرك)(1/ 150).
(3)
رقم الحديث (11/ 39).
(4)
في (صحيحه)(2/ 207) رقم (1082).
(5)
في (السنن)(1/ 50) رقم (35) من حديث عبد الله بن زيد. وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه أحمد (4/ 41)، وأبو داود (1/ 87) رقم (120)، والبيهقي (1/ 65)، وابن خزيمة (1/ 79) رقم (54)، ومسلم (رقم (19/ 236).
(6)
البخاري (رقم (3295)، ومسلم (رقم (23/ 238)، قلت: وأخرجه النسائي (1/ 67) رقم (90)، والبيهقي (1/ 49).
(7)
زيادة من النسخة (ب).
منامهِ) ظاهرهُ ليلًا، أو نهارًا، (فَلْيَسْتَنْثِرَ ثلاثًا) في القاموسِ
(1)
: استنثرَ استنشق الماءَ، ثمَّ استخرجَ ذلك بنفَسِ الأنفِ اهـ. وقدْ جمع بينهما في بعضِ الأحاديث، فمعَ الجمعِ يرادُ من الاستنثارِ دفعُ الماءِ من الأنفِ، ومنَ الاستنشاقِ جذبُهُ إلى الأنفِ.
(فَإِنَّ الشيطانَ يبيت على خَيْشُومِهِ) هو أعلى الأنفِ، وقيلَ: الأنفُ كلُّهُ، وقيلَ: عظامٌ رقاقٌ ليِّنة في أقصى الأنفِ، بينهُ وبين الدماغِ، وقيلَ غيرُ ذلك (متفقٌ عليهِ). [وهذا لفظ مسلم]
(2)
.
الحديثُ دليلٌ على وجوبِ الاستنثار عند القيامِ منَ النومِ مطلقًا، إلَّا أن في روايةٍ للبخاريِّ:(إذَا استيقظَ أحدُكم منْ منامهِ فتوضأَ، فَلْيستنثرَ ثلاثًا؛ فإنَّ الشيطانَ - الحديثُ)، فيقيدُ الأمر المطلقُ به هنا بإرادةِ الوضوءِ، ويقيد النومُ بمنامِ الليلِ، كما يفيدُهُ لفظُ:(يبيت)؛ إذ البيتوتة فيه، وقد يقالُ: إنهُ خرجَ على الغالبِ، فلا فرقَ بين نومِ الليلِ ونوم النهارِ.
والحديث من أَدِلةِ القائلينَ بوجوبِ الاستنثار دونَ المضمضةِ، وهو مذهبُ أحمدَ وجماعةٍ. وقال الجمهورُ: لا يجب بل الأمر للندبِ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابيِّ:(توضأ كما أمركَ اللَّهُ)، وعيَّنَ له ذلك في قوله:(لا تتمُّ صلاةُ أحدٍ حتى يسبغ الوضوء كما أمرهُ اللَّهُ، فيغسلُ وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح رأسَهُ ورجليهِ إلى الكعبين) كما أخرجهُ أبو داود
(3)
منْ حديث رفاعةَ؛ ولأنهُ قدْ ثبتَ [من روايات]
(4)
صفة وضوئهِ صلى الله عليه وسلم منْ حديثِ عبد اللَّهِ بن زيدٍ
(5)
، وعثمانَ
(6)
وابن عمرٍو بن العاصِ
(7)
عدمُ ذكرهِما، معَ استيفاءِ صفةِ وضوئِه، وثبت ذكرُهُما أيضًا، وذلكَ منْ أدلةِ الندبِ.
وقولُهُ: (يبيت الشيطانُ)، قال القاضِي عياضُ: يحتملُ أنْ يكونَ على حقيقتهِ، فإنَّ الأنف أحدُ منافذ الجسمِ التي يُتَوَصَّلُ إلى القلبِ منها بالاشتمام،
(1)
(المحيط) ص (616).
(2)
زيادة من النسخة (ب).
(3)
في (السنن)(1/ 536) رقم (858)، وهو حديث صحيح.
(4)
في نسخة (أ): (في رواية).
(5)
تقدم تخريجه رقم: (4/ 32).
(6)
تقدم تخريجه رقم: (2/ 30).
(7)
تقدم تخريجه رقم: (5/ 33).
وليس في منافذ الجسمِ ما ليس عليهِ غلقٌ سواهُ، وسوى الأذنينِ، وفي الحديث:(إنَّ الشيطان لا يَفْتَحُ غلقًا)
(1)
، وجاءَ في التثاؤبِ الأمرُ بكظمهِ من أجلِ دخولِ الشيطانِ حينئذٍ في الفم.
ويحتملُ الاستعارةَ، فإنَّ الذي ينعقدُ من الغبارِ منْ رطوبةِ الخياشيمِ قذارةٌ توافقُ الشيطانَ.
قلتُ: والأول أظهرُ.
غسل اليد لمن قام من نومه
7/ 35 - وَعَنْهُ: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ منْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يدهُ في الإِناءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثلاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ باتتْ يدُهُ)، متفقٌ عَلْيهِ
(2)
.
وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ. [صحيح]
(وَعَنْه) أي أبي هريرة عندَ الشيخين أيضًا: (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلا
(1)
أخرجه مالك (2/ 928) رقم (21)، ومسلم (3/ 1594) رقم (96/ 2012)، وابن ماجه (2/ 1129) رقم (3410)، وأحمد في (المسند)(3/ 301، 362، 374، 386، 395) من طرق
…
كلهم من حديث جابر.
(2)
أخرجه البخاري (1/ 263) رقم (162)، ومسلم (1/ 233) رقم (88/ 278)، وأحمد في (المسند)(2/ 465، 271، 403)، والشافعي في (الأم)(1/ 26)، ومالك (1/ 21) رقم (9)، وأبو عوانة (1/ 263، 264)، والبيهقي (1/ 45، 47)، والبغوي في (شرح السنة)(1/ 406) رقم (207) من طرق، عن أبي هريرة، بدون ذكر الثلاث.
وأخرجه مسلم (1/ 233) رقم (87/ 278)، والترمذي (1/ 36) رقم (24) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (1/ 6) رقم (1) و (1/ 99) رقم (161)، وأحمد في (المسند)(2/ 241، 265، 284، 382، 455)، وأبو عوانة (1/ 263، 264)، وابن ماجه (1/ 138) رقم (393)، والشافعي في (الأم)(1/ 39)، وابن أبي شيبة في (المصنف)(1/ 98)، والدارمي (1/ 196)، وابن خزيمة (1/ 52) رقم (99) و (1/ 75) رقم (145)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار)(1/ 22)، والخطيب في (تاريخ بغداد)(11/ 300)، وابن الجارود في (المنتقى) (رقم:(9)، والدارقطني (1/ 49) رقم (1) و (1/ 50) رقم (4)، والبيهقي (1/ 46)، وأبو داود (1/ 76) رقم (103) و (1/ 77) رقم (104) و (1/ 78) رقم (105)، والبغوي في (شرح السنة)(1/ 406) رقم (208) من طرق
…
عن أبي هريرة رضي الله عنه مع ذكر الثلاث.
يَغْمِس يَدَهُ)، [خَرَجَ]
(1)
ما إذا أدخلَ يدهُ بالمغرفةِ ليستخرجَ الماءَ فإنهُ جائزٌ؛ إذ لا غمسَ فيهِ لليدِ، وقد ورد بلفظِ:(لا يُدْخِلُ)، لكنْ يرادُ بهِ إدخالُها للغمسِ، لا للأخذِ (في الإِنَاءِ) يخرجُ البِرَكُ والحِياضُ (حتى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا، فَإِنَّهُ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ. متفقٌ عليهِ، وهذا لفظ مسلم).
الحديثُ يدلُّ على إيجابِ غسلِ اليدِ [لمن]
(2)
قامَ منْ نومهِ ليلًا أو نهارًا. وقال بذلكِ - من نومِ الليلِ - أحمدُ؛ لقولهِ: (باتتْ) فإِنَّهُ قرينةُ إرادة نوم الليل - كما سلفَ - إلَّا أنهُ قدْ ورد بلفظِ: (إذَا قامَ أحدُكمْ من الليلِ) عند أبي داود
(3)
، والترمذيِّ
(4)
منْ وجه آخرَ صحيحٍ، إلَّا أنَّهُ يردُّ عليهِ أن التعليلَ يقتضي إلحاق نومِ النهارِ بنوم الليلِ.
وذهبَ غيرُهُ - وهوَ الشافعيُّ ومالكٌ وغيِرُهُما - إلى أن الأمرَ في روايةِ (فليغسلْ) للندبِ، والنهيَ الذي في هذه الرواية للكراهةِ، والقرينةُ عليهِ ذكرُ العدد، فإنَّ ذكرَهُ في غيرِ النجاسةِ العينيةِ دليلُ الندبِ؛ ولأنهُ عُلِّلَ بأمرٍ يقتضي الشكَّ، والشكُّ لا يقتضي الوجوبَ في هذا الحكمِ؛ استصحابًا لأصل الطهارةِ، ولا تزولُ الكراهةُ إلَّا بالثلاثِ الغسلاتِ، وهذا في المستيقظِ منَ النومِ.
وأما منْ يريدُ الوضوءَ من غيرِ نومٍ؛ فيستحبُّ له لما مرَّ في صفةِ الوضوءِ، ولا يُكْرَهُ التركُ؛ لعدم ورود النَّهيِ فيهِ. والجمهورُ على أن النَّهيَ والأمرَ لاحتمال النجاسةِ في اليدِ، وأنهُ لو دَرى أينَ باتتْ يدهُ كمنْ لفَّ عليها [خرقة]
(5)
فاستيقظَ - وهي على [حالها]
(6)
فلا يكرَهُ لهُ أنْ يغمسَ يدَه وإنْ كانَ غَسْلُهَا مستحبًّا، كما في المستيقظِ. وغيرُهم يقولونَ: الأمرُ بالغسلِ تعبدٌ فَلا فرقَ بين الشاكِّ والمتيقنِ. وقولُهم أظهرُ كما سلفَ.
المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم
8/ 36 - وَعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَسْبغِ الوُضُوءَ،
(1)
في النسخة (أ): (يخرج).
(2)
في النسخة (ب): (على من).
(3)
في السنن (1/ 760) رقم (103).
(4)
في (السنن)(1/ 36) رقم (24).
(5)
زيادة من النسخة (أ).
(6)
في النسخة (أ): (حالتها).
وَخَلَّلْ بَيْنَ الأصَابعِ، وَبَالِغْ في الاستنشاق، إلَّا أن تكون صائمًا). [صحيح]
أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ
(1)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
(2)
.
- وَلأَبِي دَاوُدَ
(3)
في رواية: (إِذَا تَوَضَّأتَ فَمَضْمِضْ). [صحيح]
ترجمة لقيظ بن صَبِرةَ
(وَعَنْ لَقِيط)
(4)
بفتح اللام وكسرِ القافِ ابن عامرِ (ابن صَبِرَةَ) بفتح الصادِ المهملةِ وكسرِ الموحدةِ، كنيتُهُ أبو رزينَ - كما قال ابن عبد البرِّ - صحابيٌّ مشهورٌ عِدادُهُ فِي أهلِ الطائفِ.
(قالَ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَسْبِغِ الوُضُوء) الإسباغُ الإتمامُ واستكمالُ الأعضاءِ، (وَخَلِّلْ بينَ الأَصَابع) ظاهرٌ في إرادةِ أصابعِ اليدينِ والرِّجْلَيْنِ، وقدْ صرَّحَ بهما في حديثِ ابن عباسٍ:(إذَا توضأتَ فخلِّلْ أصابعِ يديكَ ورجليكَ) يأتِي من خرَّجهُ قريبًا
(5)
، (وبالغ في الاستنشاقِ إلَّا أنْ تَكُونَ صَائِمًا. أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ وصحَحَّهُ ابن خُزَيْمَةَ، ولأبِي داودَ في روايةِ: إذا توضَّأَتَ فَمَضْمِضْ)، وأخرجهُ
(1)
وهم: أبو داود (1/ 97) رقم (142) و (1/ 100) رقم (143) و (2/ 769) رقم (2366)، والترمذي (3/ 155) رقم (788) و (1/ 56) رقم (38) مختصرًا، والنسائي (1/ 66) رقم (87)، وابن ماجه (1/ 142) رقم (407).
(2)
في (صحيحه)(1/ 87) رقم (168) و (1/ 78) رقم (150).
(3)
في (السنن)(1/ 100) رقم (144).
(4)
انظر ترجمته في: (الإصابة)(9/ 15) رقم (7549) و (الاستيعاب)(9/ 287) رقم (2239)، و (أسد الغابة)(4/ 266 - 267)، و (تهذيب التهذيب)(8/ 409) رقم (830).
(5)
أخرجه الترمذي (1/ 57) رقم (39) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه (1/ 153) رقم (447)، وأحمد (1/ 287)، والحاكم (1/ 182) وقال (صالح هذا أظنه مولى التوأمة، فإن كان كذلك فليس من شرط هذا الكتاب، وإنما أخرجته شاهدًا).
قلت: هو مولى التوأمة قطعًا؛ لأنهُ وقع ذلك صريحًا عند الترمذي وأحمد؛ وهو صدوق اختلط بأخَرة. قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج كما في (التقريب)(1/ 363) رقم (58). والحديث صحيح؛ لأن له شاهدًا من حديث لقيط بن صبرة، وقد تقدم تخريجه رقم (8/ 36). وانظر:(التلخيص الحبير) للحافظ (1/ 94) رقم (101)، وأورده الألباني في (الصحيحة) رقم:(1306).
أحمد
(1)
، والشافعي
(2)
، وابنُ الجارود
(3)
، وابنُ حبانَ
(4)
والحاكم
(5)
، والبيهقي
(6)
، وصححهُ الترمذيُّ
(7)
، والبغويُّ
(8)
، وابنُ القطانِ
(9)
.
والحديثُ دليل على وجوبِ إسباغِ الوضوءِ - وهوَ إتمامهُ - واستكمالِ الأعضاءِ. وفي (القاموس)
(10)
: أَسْبَغَ الوُضُوءَ أَبْلَغَهُ مواضعهُ، ووفَّى كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ. وفي غيره مثلهُ، فليس التثليثُ للأعضاءِ من مسمَّاهُ، ولكنَّ التثليثَ مندوبٌ. ولا يزيدُ على الثلاثِ، فإنْ شكَّ: هلْ غَسَلَ العضوَ مرتينِ أو ثلاثًا، جعلها مرتين. وقال الجوينيُّ: يجعلُ ذلكَ ثلاثًا ولا يزيدُ عليها مخافةً منَ ارتكابِ البدعةِ
(11)
.
وأما ما رُويَ عن ابن عمرَ أنهُ كانَ يغسلُ رجليهِ سبعًا، ففعلُ صحابيٍّ لا حجةَ فيه
(12)
، ومحمول على أنهُ كانَ يغسلَ الأربعَ من نجاسةٍ لا تزولُ إلَّا بذلكَ.
(1)
في (المسند)(4/ 32 - 33).
(2)
في (ترتيب المسند)(1/ 32) رقم (80).
(3)
في (المنتقى) رقم: (85).
(4)
في (صحيحه)(ص (67) رقم (159) - موارد).
(5)
في (المستدرك)(1/ 147 - 148).
(6)
في (السنن الكبرى)(1/ 50) و (7/ 303).
(7)
في (السنن)(1/ 56) رقم (38) و (3/ 155) رقم (788).
(8)
في (شرح السنة)(1/ 415) رقم (213).
(9)
ذكره ابن حجر في (التلخيص الحبير)(1/ 81).
قلت: وأخرجه الدارمي (1/ 179)، والطيالسي ص (19) رقم (1341)، والطبراني في (الكبير)(9/ 216 - 217)، كما صحَّحه النووي في المجموع (1/ 364).
(10)
(المحيط) ص (1012).
(11)
قال الإمام النووي في (المجموع)(1/ 439): (تكره - الزيادة على الثلاث - كراهة تنزيه؛ فهذا هو الموافق للأحاديث، وبه قطع جماهير الأصحاب، وقد أشار الإمام أبو عبد الله البخاري في صحيحه - (1/ 232) - إلى نقل الإجماع على ذلك، فإنه قال في أول الكتاب في كتاب الوضوء: بَيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ فَرْضَ الوضوءِ مرَّة، وتوضَّأ أيضًا مرَّتَيْنِ وثلاثًا ولم يزِدْ، قال: وكرهَ أهل العلم الإسراف فيه، وأن يجاوز فِعْلَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم).
(12)
قلت: إن اختلاف العلماء في حجية قول الصحابي ليس على إطلاقه بل فيه تفصيل:
(1)
قول الصحابي فيما لا يدرك بالرأي والاجتهاد حجة عند العلماء؛ لأنه محمول على السماع من النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون من قبيل السنَّة، والسنَّة مصدر للتشريع.=
تخليلُ الأصابع واجب
ودليل على إيجابِ تخليلِ الأصابعِ، وقد ثبتَ منْ حديثِ ابن عباسٍ أيضًا كما أشرنا إليهِ، الذي أخرجهُ الترمذيُّ
(1)
، وأحمد
(2)
، وابن ماجه
(3)
، والحاكمَ
(4)
، وحسَّنهُ البخاريُّ
(5)
. وكيفيتُهُ أن يخلِّلَ بيدهِ اليسرى بالخِنصرِ
(6)
منها. وأما كون التخليل باليد اليُسرى فليس في النصِّ، وإنما قال الغزاليُّ: إنهُ يكونُ بها قياسًا على الاستنجاءِ، ويبدأ بأسفل الأصابع.
وقد رَوَى أبو داود
(7)
، والترمذيُّ
(8)
منْ حديثِ المُسْتَوْرِدِ بن شَدَّادٍ: (رأيتُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يَدْلُكُ بخِنصرهِ ما بينَ أصابعِ رِجْلَيْهِ)، وفي لفظٍ لابن ماجه
(9)
: (يُخلِّلُ) بدلَ (يَدْلُكُ).
= (2) قول الصحابي الذي حصل عليه الاتفاق يعتبر حجَّة شرعية؛ لأنه يكون إجماعًا. وكذلك قول الصحابي الذي لا يعرف له مخالف بعد اشتهاره، يكون من قبيل الإجماع السكوتي، وهوَ أيضًا حجة شرعية.
(3)
قول الصحابي الصادر عن رأي واجتهاد، لا يكون حجة ملزمة على صحابي مثله، ولا على من جاء بعدهم. ولكن يستأنس به في حال انعدام الدليل من الكتاب والسنة والإجماع.
(4)
قول الصحابي إذا خالف المرفوع الصحيح لا يكون حجة، بل يكون مردودًا.
(5)
قول الصحابي إذا خالفه الصحابة لا يكون حجة. [انظر: كتاب (نزهة الخاطر العاطر) للشيخ: عبد القادر بن مصطفى بدران الرومي (1/ 403 - 406)، وكتاب (الوجيز في أصول الفقه) للدكتور عبد الكريم زيدان (ص (260 - 262).
(1)
في (السنن)(1/ 57) رقم (39).
(2)
في (المسند)(1/ 287).
(3)
في (السنن)(1/ 153) رقم (447).
(4)
في (المستدرك)(1/ 182).
(5)
ذكره ابن حجر في (التلخيص)(1/ 94) رقم (101).
وهو حديث صحيح. وقد سبق تخريجه والكلام عليه عند شرح الحديث (8/ 36).
(6)
الخِنْصِرُ: الإصْبَعُ الصُّغْرَى أو الوسطى، [(القاموس المحيط) ص (497)].
(7)
في (السنن)(1/ 103) رقم (148).
(8)
في (السنن)(1/ 57) رقم (40) وقال: حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة.
(9)
في (السنن)(1/ 152) رقم (446).
قلت: كلام الترمذي رحمه الله يصرِّح بانفراد ابن لهيعة به، ولكنه ليس كذلك، فقد قال الحافظ في (التلخيص) (1/ 94):(تابعه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث). أخرجه البيهقي (1/ 77) وأبو بشر الدولابي، والدارقطني في (غرائب مالك)، من طريق ابن وهب عن الثلاثة، وصحَّحه ابن القطان). =
الأحكام الفقهية من حديث الباب
والحديثُ دليلٌ على المبالغةِ في الاستنشاقِ لغيرِ الصائمِ، وإنما لم يكنْ في حقّهِ المبالغةُ لئلَّا ينزل إلى حلقهِ ما يفطِّرُهُ، دلَّ ذلك على أن المبالغةَ ليستْ بواجبةٍ، إذ لو كانت واجبةً لوجب عليهِ التحرِّي ولم يجزْ له تركُها. وقولُهُ في روايةِ أبي داود:(إذا توضأْتَ فَمَضْمِضْ)، يُسْتَدَلُّ به على وجوبِ المضمضة، ومن قال: لا تجبُ، جعل الأمرَ للندب لقرينةِ ما سلفَ من حديثِ رفاعةَ بن رافعٍ
(1)
في أمرهِ صلى الله عليه وسلم للأعرابيِّ بصفةِ الوضوءِ الذي لا تجزئُ الصلاةُ إلَّا به، ولم يذكرْ فيهِ المضمضةَ والاستنشاقَ.
تخليل اللحية
9/ 37 - وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُخَلِّلُ لحْيَتَهُ في الْوُضُوءِ. أَخْرَجَهُ التّرمِذِيُّ
(2)
، وصحَّحهُ، [و] ابنُ خُزَيْمَةَ
(3)
[حسن]
ترجمة عثمان بن عفان
(وَعَنْ عُثْمَان رضي الله عنه)
(4)
.
هوَ أبو عبدِ اللَّهِ عثمانُ بنُ عفانَ الأمويُّ القرشيُّ، أحدُ الخلفاءِ وأحدُ العشرةِ. أسلمَ في أولِ الإسلامِ، وهاجرَ إلى الحبشةِ الهجرتينِ، وتزوجَ بنتيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رُقَيَّةَ أولًا، ثمَّ لما توفيتْ زوَّجهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأمِّ كلثومٍ.
أستُخلفَ في أولِ يومٍ من المحرمِ سنةَ أربعٍ وعشرينَ، وقُتلَ يومَ الجمعةِ لثماني عشرةَ خلتْ من ذي الحجةِ الحرامِ سنةَ خمسٍ وثلاثينَ، ودُفنَ ليلةَ السبتِ بالبقيعِ، وعمرُهُ اثنتانِ وثمانونَ سنةً، وقيلَ غيرُ ذلكَ.
= وخلاصة القول: أن الحديث صحيح.
(1)
وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه في شرح الحديث رقم (2/ 30).
(2)
في (السنن)(1/ 46) رقم (31) وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
في (صحيحه)(1/ 78) رقم (151، 152).
(4)
انظر ترجمته في: (الرياض المستطابة) ص (156 - 163)، و (الإصابة)(6/ 391) رقم (5440)، و (الاستيعاب)(8/ 27 - 60) رقم (1778)، و (جامع الأصول)(8/ 632 - 647) رقم (6467 - 6483).
(أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُخَلِّلُ لحيتهُ في الوُضُوءِ. أخرجهُ الترمذيُّ، وصححهُ، [و] ابنُ خزيمةَ).
والحديثُ أخرجهُ الحاكُم
(1)
، والدَّارقطنيُّ
(2)
، وابنُ حبانَ
(3)
منْ روايةِ عامرِ بن شقيقٍ عنْ أبي وائلٍ. قال البخاريُّ: حديثُهُ حسنٌ. وقال الحاكمُ: لا نعلمُ فيه طعنًا
(4)
بوجه من الوجوهِ، هذا كلامُهُ. وقد ضعَّفهُ ابنُ معينٍ. وقد روَى الحاكم للحديثِ شواهدَ عن أنسٍ
(5)
، وعائشةَ
(6)
، وعليٍّ
(7)
، وعمَّارٍ
(8)
رضي الله عنهما.
(1)
في (المستدرك)(1/ 149).
(2)
في (السنن)(1/ 86) رقم (12).
(3)
في (صحيحه)(2/ 206) رقم (1078).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 148) رقم (430) وهو حديث حسن. ونقل الترمذي (1/ 45) عن محمد بن إسماعيل البخاري قوله: (أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان).
ونقل الزيلعي في (نصب الراية)(1/ 24) تحسين الحديث عن البخاري. وقد صحَّحه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه) رقم (345).
(4)
في المطبوع (ضعفًا) والتصويب من (المستدرك)(1/ 149).
(5)
أخرجه الحاكم (1/ 149) من طريق إبراهيم بن محمد الفزاري، عن موسى بن أبي عائشة، عن أنس، قال:(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وخلَّل لحيته. وقال: بهذا أمرني ربي)، صحَّحه الحاكم وأقره الذهبي؛ لأن رجاله ثقات. لكنه معلول، فقد أخرجه ابن عدي في (الكامل) (2/ 561) من حديث موسى بن أبي عائشة فقال: عن زيد بن أبي أنيسة عن يزيد الرقاشي، عن أنس. ويزيد ضعيف، لكنه من رواية جعفر بن الحارث أبي الأشهب، وفيه مقال، وإن وثقه جماعة فهو موصوف بالوهم.
• وأخرجه أبو داود (1/ 101) رقم (145) من طريق الوليد بن زوران، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم:(كان إذا توضأ أخذ كفًّا من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلَّل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي). والوليد مجهول الحال على الأصح.
• وأخرجه الحاكم (1/ 149) أيضًا من طريق محمد بن وهب بن أبي كريمة عن محمد بن حرب عن الزبيدي، عن الزهري، عن أنس، مثله. وصحَّحه الحاكم وأقره الذهبي لثقة رجاله. وكذلك صحَّحه ابن القطان. انظر:(التلخيص الحبير)(1/ 86) وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بطرقه، واللَّه أعلم.
(6)
أخرجه أحمد (6/ 234)، والحاكم (1/ 150) وصحَّحه. وقال الحافظ في (التلخيص الحبير) (1/ 86): إسناده حسن، قلت: وهو حديث صحيح.
(7)
أخرجه الترمذي (1/ 67) رقم (48) وليس في حديث علي رضي الله عنه ذكر تخليل اللحية. وقال ابن حجر في (التلخيص)(1/ 87): (وأما حديث علي فرواه الطبراني فيما انتقاه عليه ابن مردويه، وإسناده ضعيف ومنقطع).
(8)
أخرجه الطيالسي في المسند ص (15) رقم (89)، والترمذي (1/ 44) رقم (29)، وابن ماجه=
قال المصنف: وفيه أيضًا عنْ أمِّ سلمةَ
(1)
، وأبي أيوبَ
(2)
، وأبي [أمامةَ]
(3)
، وابن عمرَ
(4)
، وجابرٍ
(5)
، وابنِ عباسٍ
(6)
، وأبي الدرداءِ
(7)
. وقد تكلَّمَ على
= (1/ 148) رقم (429)، والحاكم (1/ 149) وصحَّحه وأقرَّه الذهبي، وأعلَّه بدعوى الانقطاع بين بعض رجاله، وليس ذلك بثابت ولا مسلّم، مع أن للحديث عندهم طريقين، كل منهما يسند الآخر ويعضده [انظر:(التلخيص الحبير)(1/ 86)]. وخلاصة القول: أن الحديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في (صحيح ابن ماجه)(1/ 72) رقم (344/ 429).
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير - كما في (مجمع الزوائد)(1/ 235) وقال الهيثمي: فيه خالد بن إلياس، ولم أر من ترجمه.
قلت: وقد قال عنه البخاري في الكبير (3/ 140) رقم (472): ليس بشيء. وقال عنه ابن حبان في (المجروحين)(1/ 279): يروي الموضوعات عن الثقات، حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمِّد لها، لا يحل أن يكتب حديثه إلا على جهة التعجب. وقال أحمد والنسائي: متروك.
وأخرج العقيلي الحديث في (الضعفاء)(2/ 3) في ترجمة خالد هذا، كما أشار البيهقي إلى الحديث في (السنن الكبرى) (1/ 54)؛ وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف.
(2)
أخرجه ابن ماجه في (السنن)(1/ 149) رقم (433)، والعقيلي في (الضعفاء)(4/ 327) في ترجمة واصل بن أبي السائب. وأحمد في (المسند)(5/ 417)، وقال البوصيري في (مصباح الزجاجة) (1/ 116) رقم ((178): هذا إسناد ضعيف لضعف أبي سورة، وواصل الرقاشي. وهو حديث صحيح لغيره.
وقد صحَّحه الألباني في (صحيح ابن ماجه)(1/ 73) رقم (347، 433).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف)(1/ 13)، والطبراني في (الكبير)(8/ 333) رقم (8070) وإسناده ضعيف.
(4)
أخرجه الطبراني في الأوسط - كما في (مجمع الزوائد)(1/ 235 - 236) وقال: فيه أحمد بن محمد بن أبي بزة، ولم أر من ترجمه. قلت: ترجمه ابن أبي حاتم، والذهبي وابن حجر وهو ضعيف. الجرح والتعديل (2/ 71)، واللسان (1/ 283).
(5)
أخرجه ابن عدي في (الكامل)(1/ 394) في ترجمة أصرم بن غياث، أبو غياث. قال ابن حجر في (التلخيص) (1/ 86 - 87): وأصرم متروك الحديث، قاله النسائي، وفي الإسناد انقطاع أيضًا.
(6)
عزاه الزيلعي في (نصب الراية)(1/ 25) إلى الطبراني في معجمه الأوسط.
وعزاه الحافظ ابن حجر في (التلخيص)(1/ 87) إلى العقيلي في ترجمة نافع أبي هرمز.
وهو ضعيف - وعزاه إلى الطبراني أيضًا.
قلت: وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد)(1/ 231 - 232) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه نافع أبو هرمز وهو ضعيف جدًّا.
قلت: لم أجد الحديث في (الضعفاء الكبير) للعقيلي (4/ 286) رقم (1879) في ترجمة نافع هذا، واللَّه أعلم.
(7)
أخرجه ابن عدي في (الكامل)(2/ 514) وفيه تمام بن نجيح. قال عنه ابن عدي: عامة=
جميعِهَا بالتضعيفِ إلَّا حديثَ عائشةَ. وقال عبدُ اللَّهِ بنُ أحمدَ عنْ أبيه: ليسَ في تخليلِ اللِّحيةِ شيءٌ
(1)
.
وحديثُ عثمانَ هذا دالٌّ على مشروعيةِ تخليلِ اللِّحيةِ، وأما وجوبُهُ فاختُلفَ فيه. فعندَ الهادويةِ يجبُ كقبلِ نباتِها، والأحاديثُ وردت بالأمرِ بالتخليلِ إلَّا أنَّها أحاديثُ ما سلِمت عن الإعلالِ والتضعيفِ، فلم تنتهضْ على الإيجابِ.
مقدار ماء الوضوء
10/ 38 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيدٍ قَالَ: (إِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِثُلُثَي مُدِّ فَجَعَلَ يَدْلُكُ ذِرَاعيْهِ). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
(2)
، وَصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ
(3)
[حسن]
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن زيدٍ رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِثُلُثَي مُدِّ) بضمِّ الميمِ، وتشديد الدال المهملةِ. في (القاموس)
(4)
. مكيالٌ وهوَ رِطلانِ، أو رِطلٌ وثُلُثٌ، أو ملءُ كفَّي الإنسانِ المعتدلِ إذا ملأَهُما ومَدَّ يدهُ بهما، ومنه سُمِّيَ مُدًّا، وقد جَرَّبْتُ ذلكَ فوجدتهُ صحيحًا اهـ.
= ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه. قلت: وعزاه الزيلعي في (نصب الراية)(1/ 25) إلى الطبراني.
(1)
وبما تقدم من أحاديث صحيحة يعلم ما في قول أحمد: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح.
وقول أبي حاتم في (العلل)(1/ 45) رقم (101): لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية شيء.
(2)
لم أجده في مسند أحمد.
(3)
في (صحيحه)(1/ 62) رقم (118)، بإسناد صحيح.
قلت: وأخرجه الحاكم في (المستدرك)(1/ 161) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
(4)
(المحيط)(407).
اعلم أن المدَّ = 1 و 1/ 3 رِطلًا بغداديًا.
الرطل البغدادي = 128 و 4/ 7 درهمًا.
الدرهم= 3.17 غرامًا.
ويكون وزن الرِّطل البغدادي= (408) غرامات.
المد= 1 و 1/ 3 رِطلًا × (408) غرامًا وزن الرِطل= (544) غرامًا وزن المد من القمح.
انظر كتابنا: (الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والموازين الشرعية).
(فَجَعَلَ يَدْلُكُ ذِرَاعَيْهِ. أخرجه أحمد، وصحَّحهُ ابنُ خزيمةَ). وقدْ أخرجَ أبو داودَ
(1)
من حديثِ أمّ عُمَارةَ الأنصاريةِ بإسناد حسنٍ: (أنه صلى الله عليه وسلم توضأَ بإناءٍ فيه قَدْرُ ثلثيْ مُدٍّ)، ورواه البيهقيُّ
(2)
من حديثِ عبدِ اللَّهِ بن زيدٍ. فَثُلَثَا المُدِّ هو أقلُّ ما رويَ أنهُ توضأ به صلى الله عليه وسلم. وأما حديثُ أنه توضأَ بثلثِ مدِّ فلا أصل له. وقد صحَّح أبو زرعةَ منْ حديثِ عائشة
(3)
وجابرٍ
(4)
: (أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يغتسلُ بالصاعِ ويتوضأَ بالمدِّ).
وأخرج مسلم
(5)
نحوه من حديث سَفيْنَةَ، وأبي داودَ
(6)
منْ حديثِ أنسٍ: (توضأ منْ إناءٍ يسعُ رِطْلَينِ)، والترمذيُّ
(7)
بلفظِ: (يُجْزِئُ في الوُضُوءِ رِطْلانِ)؛ وهي كلُّها قاضيةٌ بالتخفيفِ في ماءِ الوُضُوءِ، وقدْ عُلِمَ نهيهُ صلى الله عليه وسلم عن الإسرافِ في الماءِ، وإخبارهُ أنهُ سيأتِي قومٌ يعتدونَ في الوضوءِ، فمنْ جاوزَ ما قال الشارعُ إنهُ يجزئُ، فقدْ أسرفَ فيحرُمُ.
وقول منْ قالَ: إنَّ هذا تقريبٌ لا تحديدٌ، ما هو ببعيدٍ، لكنَّ الأحسنَ بالمتشرعِ محاكاةُ أخلاقِهِ صلى الله عليه وسلم والاقتداءُ به في كميةِ ذلكَ.
وفيه دليلٌ على [مشروعية]
(8)
الدلكِ لأعضاءِ الوضُوءِ. وفيه خلافٌ: فمنْ
(1)
في (السنن)(1/ 72) رقم (94).
قلت: وأخرجه النسائي (1/ 58) رقم (74)، وهو حديث صحيح.
(2)
في (السنن الكبرى)(1/ 196).
(3)
أخرجه أبو داود في (السنن)(1/ 71) رقم (92)، وهو حديث حسن.
(4)
أخرجه أبو داود في (السنن)(1/ 71) رقم (93)، وهو حديث حسن.
(5)
في (صحيحه)(1/ 258) رقم (52/ 326).
قلت: وأخرجه الترمذي (1/ 83) رقم (56) وقال: حديث حسن صحيح.
(6)
في (السنن)(1/ 72) رقم (95).
قلت: وأخرجه البخاري (1/ 304) رقم (201)، ومسلم (1/ 258) رقمِ (51/ 325)، والنسائي (1/ 57) رقم (73) بلفظ:(كان رسول اللَّهِ يتوضأ بمَكُّوكٍ وَيغْتَسِلُ بِخمْسِ مَكَاكِيِّ).
• المكوك: هو المدّ، وقيل: الصاع. والأول أشبه؛ لأَنّه جاء في حديث آخر مفسرًا بالمدِّ.
(7)
في (السنن)(2/ 507) رقم (609) وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك على هذا اللفظ. وهو حديث صحيح.
(8)
في النسخة (أ): (شرعية).
قالَ بوجوبهِ استدلَّ بهذا، ومن قالَ: لا يجبُ، قالَ: لأنَّ المأمورَ به في الآيةِ الغسلُ، وليسَ الدلكُ من مسمَّاهُ. ولعلهُ يأتي ذكرُ ذلكَ.
11/ 39 - وَعَنْهُ، أَنَّهُ رَأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَأخُذ لأُذُنَيْهِ مَاءً خِلافِ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَهُ لِرَأسِهِ. أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ
(1)
، وَهُوَ عِندَ مُسْلِمٍ
(2)
منْ هذا الوجه بلفظِ: (وَمَسَحَ بِرَأسِهِ بماءٍ غيرِ فضلِ يديهِ)، وهو المحفُوظُ. [إسناده صحيح]
(وعنهُ) أي عن عبدِ اللَّهِ بن زيدٍ (أَنَّهُ رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يأخُذُ لأُذُنَيْهِ ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسهِ. أخرجهُ البيهقيُّ، وهوَ) أي هذا الحديث (عندَ مسلم منْ هذا الوجهِ بلفظِ: وَمَسَحَ برأسهِ بماءٍ غيرِ فضلِ يديهِ. وهو المحفوظ)، وذلك أنهُ ذكرَ المصنفُ في (التلخيص)
(3)
عن ابن دقيقِ العيدِ: أن الذي رآهُ في الروايةِ هو بهذا اللفظِ الذي قالَ المصنفُ: إنهُ المحفوظُ.
وقالَ المصنفُ أيضًا: إنهُ الذي في صحيح ابن حبانَ
(4)
، وفي روايةِ الترمذيِّ
(5)
. ولم يذكرْ في (التلخيصِ) أنهُ أخرجهُ مسلمٌ، ولا رأيناه في مسلم. وإذا كانَ كذلكَ، فأخذُ ماء جديدٍ للرأسِ هوَ أمرٌ لا بدَّ منهُ، وهوَ الذي دلَّتْ عليه الأحاديثُ، وحديثُ البيهقيِّ هذا هوَ دليلُ أحمدَ والشافعيِّ في أنهُ يُؤْخَذُ للأذنينِ ماءٌ جديدٌ، وهوَ دليل ظاهرٌ، وتلكَ الأحاديثُ التي سَلَفَتْ غايةُ ما فيها أنهُ لم يذكرْ أحدٌ أنهُ صلى الله عليه وسلم أخذَ ماءً جديدًا، وعدمُ الذكرِ ليسَ دليلًا على عدمِ الفعلِ، إلَّا أن قولَ الرواة مِنَ الصحابةِ: ومسحَ رأسَهُ وأذنيه مرةً واحدةً، ظاهرٌ في أنهُ بماءٍ واحدٍ.
وحديثُ: (الأذنانِ من الرأسِ)
(6)
وإن كانَ في أسانيده مقالٌ، إلَّا أن كثرةَ
(1)
في (السنن الكبرى)(1/ 65)[بإسناد صحيح].
(2)
في (صحيحه)(1/ 211) رقم (19/ 236).
(3)
(1/ 90).
(4)
في (صحيحه)(2/ 207) رقم (1082).
(5)
في (السنن)(1/ 50) رقم (35) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(6)
وهو حديث صحيح، له طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة، (منهم):(1) أبو أمامة (2) أبو هريرة (3) ابن عمر (4) ابن عباس (5) عائشة (6) أبو موسى (7) أنس (8) عبد الله بن زيد.=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (1) أما حديث أبي أمامة: فله عنه ثلاثة طرق:
(الأول): عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة مرفوعًا. أخرجه أبو داود (1/ 93) رقم (134)، والترمذي (1/ 53) رقم (37)، وابن ماجه (1/ 152) رقم (444)، والدارقطني (1/ 103) رقم (37)، والبيهقي (1/ 66)، والطبراني في (الكبير)(8/ 142 - 143)، وأحمد (5/ 268)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (1/ 33) كلهم عن حماد بن زيد عن سنان به. وهذا سند حسن في الشواهد. وقال ابن دقيق العيد في الإمام: وهذا الحديث معلول بوجهين (أحدهما): الكلام في شهر بن حوشب، و (الثاني): الشك في رفعه، ولكن شهر وثقه أحمد، ويحيى، والعجلي، ويعقوب بن شيبة. وسنان بن ربيعة، أخرج له البخاري، وهو وإن كان قد لين قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال ابن معين: ليس بالقوي، فالحديث عندنا حسن، واللَّه أعلم. كما في (نصب الراية) للزيلعي (1/ 18).
(الثاني): عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة به.
أخرجه الدارقطني (1/ 104) رقم (44) وقال: جعفر بن الزبير متروك. قال الألباني في (الصحيحة)(1/ 47): قد تابعه أبو معاذ الألهاني.
أخرجه تمام الرازي في (الفوائد)(1/ 226) رقم (179)، (الروض البسام) من طريق عثمان بن فائد: نا أبو معاذ الألهاني به. والألهاني هذا لم أجد من ذكره، وعثمان بن فائد ضعيف.
(الثالث): عن أبي بكر بن أبي مريم قال: سمعت راشد بن سعد عن أبي أمامة به.
أخرجه الدارقطني (1/ 104) رقم (43) وقال: أبو بكر بن أبي مريم ضعيف.
(2)
وأما حديث أبي هريرة فله أربعة طرق:
(الأول): أخرجه الدارقطني (1/ 101) رقم (27)، وأبو يعلى في (مسنده)(11/ 253 رقم (530/ 6370) عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عنه مرفوعًا.
وقال الدارقطني: (لا يصح).
قلت: وعلَّته إسماعيل هذا وهو المكي ضعيف. وقد اختلف عليه في إسناده، كما سيأتي في حديث ابن عباس.
(الثاني): عن عمرو بن الحصين ثنا محمد بن عبد الله بن علاثة، عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب عنه.
أخرجه ابن ماجه (1/ 152) رقم (445)، والدارقطني (1/ 102) رقم (32) وقال:(عمرو بن الحصين وابن عُلَاثَة ضعيفان).
وقال البوصيري في (مصباحِ الزجاجة)(1/ 117) رقم (181): (هذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبد الله بن عُلَاثَةَ، وعمرو بن الحصين .... ).
(الثالث): عن البختري بن عبيد عن أبيه عنه:
أخرجه الدارقطني (1/ 102) رقم (34) وقال: البختري بن عبيد ضعيف وأبوه مجهول.=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (الرابع): عن علي بن عاصم عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عنه.
أخرجه الدارقطني (1/ 100) رقم (19). وقال: (وهم علي بن عاصم) في قوله: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. والذي قبله أصح عن ابن جريج.
قلت: يعني عن سليمان بن موسى مرسلًا (1/ 99) رقم (15).
(3)
وأما حديث ابن عمر، فله عنه طرق:
(الأول) عن يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا الجراح بن مخلد، نا يحيى بن العريان الهروي نا حاتم بن إسماعيل، عن أسامة بن زيد، عنه.
أخرجه الدارقطني (1/ 97) رقم (1)، وقد أعله بقوله:(كذا قال، وهو وهم، والصواب عن أسامة بن زيد عن هلال بن أسامة الفهري عن ابن عمر موقوفًا. وأخرجه الخطيب في (الموضح)(1/ 196) عن ابن صاعد، وفي (التاريخ)(14/ 161) من طريقين آخرين عن الجراح بن مخلد به.
وقال الألباني في (الصحيحة)(1/ 49): (وهذا سند حسن عندي، فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير الهروي هذا، فقد ترجمه الخطيب ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، غير أنه وصفه بأنه كان محدثًا).
وتابعه في رفعه عبيد الله عن نافع:
أخرجه الدارقطني (1/ 97) رقم (3)، وتمام في (الفوائد)(1/ 227) رقم (180)، (الروض البسام) من طريق محمد بن أبي السري. ثنا عبد الرزاق عن عبيد الله به. وقال الدارقطني: رفعُهُ وهم.
وقال الألباني في (الصحيحة)(1/ 50): وعلته ابن السري وهو متهم.
وتعقبه الدوسري في (الروض البسام)(1/ 227 - 228) بقوله: (محمد بن أبي السري صدوق كثير الغلط. ووهم الألباني في (الصحيحة)(1/ 50) في إعلال هذه الطريق فقال: (وعلته ابن أبي السري وهو متهم). والذي اتهم هو الحسين أخو محمد كما في ترجمته من (التهذيب)(2/ 314 - 315)، أما محمد فقد وثقه ابن معين، وأخذ عليه كثرة الغلط ولم يتهمه أحد. اهـ.
وتابعه: يحيى بن سعيد عن نافع به، أخرجه الدارقطني (1/ 97) رقم (2)، وابن عدي في (الكامل)(1/ 295 - 296)، عن إسماعيل بن عياش عن يحيى به. وقال ابن عدي:(لا يحدث به عن يحيى غير ابن عياش). وقال الألباني (1/ 50): وابن عياش ضعيف في الحجازيين وهذا منها.
(الطريق الثاتي): عن محمد بن الفضل، عن زيد، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعًا: أخرجه الدارقطني (1/ 98) رقم (10) وقال: (محمد بن الفضل هو ابن عطية، متروك الحديث). ثم أخرجه الدارقطني من طرق (1/ 98) رقم (4، 5، 6، 7، 8، 9).
(4)
• وأما حديث ابن عباس، فله عنه طرق أيضًا: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (الأول): عن أبي كامل الجحدري، نا غندر محمد بن جعفر، عن ابن جريج، عن عطاء عنه مرفوعًا.
أخرجه ابن عدي (4/ 1513)، والدارقطني (1/ 98) رقم (11) و (1/ 99) رقم (12). وقال:"تفرَّد به أبو كامل عن غندر، وهو وهم، تابعه الربيع بن بدر، وهو متروك، عن ابن جريج، والصواب: عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا".
وقال الألباني في (الصحيحة)(1/ 51): (والحق أن هذا الإسناد صحيح؛ لأن أبا كامل ثقة، حافظ، احتج به مسلم، فزيادته مقبولة. إلا أن ابن جريج مدلس وقد عنعنه. فإن كان سمعه من سليمان فلا محيد من القول بصحته، وقد صرح بالتحديث في رواية له من الوجه المرسل (1/ 99) رقم (15)، لكن في الطريق إليه العباس بن يزيد وهو البحراني، وهو ثقة، ولكن ضعفه بعضهم، ووصف بأنه يخطئ، فلا تطمئن النفس لزيادته، لا سيما والطريق كلها عن ابن جريج معنعنة. ثم رأيت الزيلعي نقل في (نصب الراية) (1/ 19) عن ابن القطان أنه قال:(إسناده صحيح لاتصاله وثقة رواته).
وله طريق آخر: عن عطاء، رواه القاسم بن غصن عن إسماعيل بن مسلم عنه. أخرجه الخطيب في (التاريخ)(6/ 384)، والدارقطني (1/ 103) رقم (26) وقال: إسماعيل بن مسلم ضعيف، والقاسم بن غصن مثله، خالفه علي بن هاشم فرواه عن إسماعيل بن مسلم المكي، عن عطاء، عن أبي هريرة، ولا يصح أيضًا. وتابعه: جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس.
أخرجه الدارقطني (1/ 100) رقم (23) وقال: (جابر ضعيف وقد اختلف عنه، فأرسله الحكم بن عبد الله أبو مطيع عن إبراهيم بن طهمان، عن جابر عن عطاء، وهو أشبه بالصواب).
(الطريق الثاني): عن محمد بن زياد اليشكري، ثنا ميمون بن مهران عنه: أخرجه العقيلي في (الضعفاء)(4/ 67)، والدارقطني (1/ 101) رقم (28، 29، 30)، وقال: محمد بن زياد متروك الحديث، ورواه يوسف بن مهران عن ابن عباس موقوفًا. ثم ساقه الدارقطني (1/ 102) رقم (31) من طريق علي بن زيد، عن يوسف بن مهران عنه. وابن زيد فيه ضعف.
(الثالث): عن قارظ بن شيبة، عن أبي غطفان عنه: أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير)(10/ 391) رقم (10784). حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي نا وكيع عن ابن أبي ذئب عن قارظ بن شيبة به.
وقال الألباني في (الصحيحة)(1/ 52 - 53): وهذا سند صحيح ورجاله كلهم ثقات، ولا أعلم له علة، ومن الغرائب أن هذه الطريق مع صحتها أغفلها كل من خرَّج الحديث من المتأخرين، كالزيلعي، وابن حجر، وغيرهما ممن ليس مختصًا في التخريج. بل أغفله أيضًا الحافظ الهيثمي فلم يورده في (مجمع الزوائد) مع أنه على شرطه
…
=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (5) • وأما حديث عائشة: فأخرجه الدارقطني (1/ 100) رقم (20) عن محمد بن الأزهر الجوزجاني، نا الفضل بن موسى السيناني، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عنها وقال:(كذا قال، والمرسل أصح).
يعني ابن جريج عن سليمان مرسلًا كما تقدم في الطريق الأول عن ابن عباس؛ ومحمد بن الأزهر. قال الحافظ في (التلخيص)(1/ 92): (كذبه أحمد).
(6)
• وأما حديث أبي موسى: فأخرجه الطبراني في (الأوسط) كما في (المجمع)(1/ 234)، وابن عدي في (الكامل)(1/ 364)، والدارقطني (1/ 102) رقم (35) و (1/ 103) رقم (36) من طرق عن أشعث عن الحسن عنه.
وقال الهيثمي: فيه أشعث بن سوار وهو ضعيف.
وكذا أخرجه العقيلي في (الضعفاء)(1/ 32) عن أشعث به، وقال: لا يتابع عليه، والأسانيد في هذا الباب لينة. وقال الدارقطني: الصواب موقوف، والحسن لم يسمع من أبي موسى.
وقال ابن حجر في (التلخيص)(1/ 92): حديث أبي موسى أخرجه الدارقطني، واختلف في وقفه ورفعه، وصوَّب الوقف، وهو منقطع أيضًا.
(7)
• وأما حديث أنس: فأخرجه ابن عدي في (الكامل)(2/ 450)، والدارقطني (1/ 104) رقم (45) من طرق عن عبد الحكم عنه.
وقال الدارقطني: عبد الحكم لا يحتج به.
وقال ابن حجر في (التلخيص)(1/ 92): حديث أنس أخرجه الدارقطني من طريق عبد الحكم عن أنس، وهو ضعيف.
(8)
• وأما حديث عبد الله بن زيد: فأخرجه ابن ماجه (1/ 152) رقم (443)، حدثنا سويد بن سعيد، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن شعبة عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد مرفوعًا.
وقال الزيلعي في (نصب الراية)(1/ 19): (وهذا أمثل إسناد في الباب لاتصاله وثقة رواته، فابن أبي زائدة، وشعبة، وعباد، احتج بهم الشيخان، وحبيب ذكره ابن حبان في (الثقات) في أتباع التابعين، وسويد بن سعيد احتج به مسلم).
وتعقبه الحافظ ابن حجر في (الدراية)(1/ 21) بأن سويدًا هذا قد اختلط. وقال في (التقريب)(1/ 340) رقم (596): (صدوق في نفسه إلا أنه عمي، فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول) اهـ.
ولهذا قال البوصيري في (مصباح الزجاجة)(1/ 116) رقم (185): (هذا إسناد حسن إذا كان سويد بن سعيد حفظه).
وقال الألباني في (الصحيحة)(1/ 55): (ولكن ذلك لا يمنع أن يكون حسنًا لغيره ما دام أن الرجال كلهم ثقات ليس فيهم متهم. وإذا ضم إليه طريق ابن عباس الصحيح، وطريقه الآخر الذي صحَّحه ابن القطان
…
فلا شك حينئذ في ثبوت الحديث وصحته. وإذا ضم=
طرقهِ يشدّ بعضُها بعضًا، ويشهدُ لها أحاديثُ مسحِهمَا معَ الرأسِ مرةً واحدةً، وهي أحاديثُ كثيرٌ عن عليّ
(1)
، وابنِ عباسٍ
(2)
، والربيعِ
(3)
، وعثمانَ
(4)
، كلُّهم متَّفقونَ على أنهُ مَسَحَهُمَا معَ الرأسِ مرةً وأحدةً، أيْ بماءٍ واحدٍ كما هوَ ظاهرُ لفظِ: مرةً، إذْ لوْ كانَ يؤخذُ للأذنينِ ماءٌ جديدٌ ما صدقَ أنهُ مسحِ رأسَهُ وأذنيهِ مرةً واحدةً، وإنْ احتملَ أن المرادَ أنهُ لم يكررْ مسحَهُمَا، وأنهُ أخذ لهُمَا ماءً جديدًا فهوَ احتمالٌ بعيدٌ.
وتأويلُ حديثِ: إنهُ أخذَ لهما ماءً خلافَ الذي مسحَ بهِ رأسَهُ، أقربُ ما
= إلى ذلك الطريق الأخرى عن الصحابة الآخرين ازداد قوة، بل إنه ليرتقي إلى درجة المتواتر عند بعض العلماء اهـ.
(1)
أخرجه الدارقطني (1/ 92) رقم (6) من طريق مسهر بن عبد الملك بن سلع عن أبيه، عن عبد خير عن علي:(أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه وأذنيه ثلاثًا. وقال: هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببت أن أريكموه). وهذا إسناد صالح.
(2)
أخرجه أبو داود (1/ 92) رقم (133)، والترمذي (1/ 52) رقم (36)، والنسائي (1/ 74)، والطحاوي في (شرح المعاني)(1/ 32)، وابن خزيمة (1/ 77) رقم (148)، والحاكم (1/ 147).
من رواية عطاء بن يسار عنه قال: (توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه: (ثم مسحَ برأسِهِ وَأُذُنَيْهِ باطِنِهما، بالسَّبَّابتْينِ، وظاهِرِهِما بإبهامهِ).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قلت: وسنده حسن؛ لأن في ابن عجلان ضعفًا يسيرًا، لكنه قد توبع، فيرتقي الحديث إلى درجة الحسن.
(3)
أخرجه أبو داود (1/ 89) رقم (126)، والترمذي (1/ 49) رقم (34)، والطحاوي في (شرح المعاني)(1/ 33)، والدارقطني (1/ 87) رقم (2) عنها قالت:(رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يتوضَّأُ - قالت: فمسحَ رَأْسَهُ، ومَسَحَ ما أقْبلَ مِنْهُ وما أدْبَرَ، وصُدْغَيْهِ وَأُذُنيْهِ مَرَّةً واحِدَةً).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قلت: وسنده حسن؛ لأن في ابن عجلان ضعفًا يسيرًا لكنه توبع، فيرتقي الحديث إلى درجة الحسن.
(4)
أخرجه أحمد (1/ 68)، والدارمي (1/ 179)، وأبو داود (1/ 80) رقم (108)، والطحاوي في (شرح المعاني)(1/ 32)، والدارقطني (1/ 86) رقم (12)، والبيهقي (1/ 64) وفيه:(فأخذ ماء فمسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما).
قلت: وسنده حسن.
يقالُ فيهِ أنهُ لمْ يبقَ في يدهِ بلةٌ تكفي لمسحِ الأذنينِ، فأخذَ لهما ماءً جديدًا.
مشروعية إطالة الغُرَّة والتحجيل
12/ 40 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إنَّ أُمّتِي يَأتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوَضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ). [صحيح]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: إِنَّ أُمَّتي يَأْتُونَ يومَ القيامةِ غُرًّا) بضمِّ الغينِ المعجمةِ، وتشديد الراءِ، جمعُ أغرَّ، أي: ذوي غُرَّة، وأصلُها لمعةٌ بيضاءُ تكونُ في جبهةِ الفرسِ. وفي النهايةِ
(2)
: يُريدُ بَياضَ وجُوهِهِم بنورِ الوُضوءِ يومَ القيامة، [ونَصْبُهُ على أنه]
(3)
حالٌ مِنْ فاعلِ يأتونَ، وعلى روايةِ (يدعونَ) يحتملُ المفعوليةَ.
(مُحَجَّلينَ): بالمهملةِ والجيمِ منَ التحجيلِ، في النهاية
(4)
: أي بيضُ مَواضعِ الوُضوءِ مِنَ الأيْدي والأقْدامِ. استعارَ أَثَرَ الوضوءِ في الوجهِ واليدينِ والرجلينِ للإنسانِ من البياضِ الذي يكونُ في وجهِ الفرسِ ويديهِ ورجليهِ.
(مِنْ أَثَرِ الوَضُوءِ) بفتحِ الواوِ؛ لأنهُ الماءُ، ويجوزُ الضمُّ عندَ البعضِ، كما تقدَّمَ. (فَمَنِ اسْتطاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ) أي: وتحجيلَهُ، وإنما اقتصرَ على أحدِهِمَا لدلالتِهِ على الآخَرِ، وآثرَ الغرَّة وهي مؤنثةٌ على التحجيلِ وهو مذكرٌ لشرفِ موضعِهَا. وفي روايةٍ لمسلم
(5)
: (فلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وتحجيلَهُ)، (فَلْيَفْعَلْ. مُتفقٌ عليهِ، واللفطُ لمسلمٍ).
(1)
البخاري (1/ 235) رقم (136)، ومسلم (1/ 216) رقم (35/ 246).
قلت: وأخرجه البغوي في (شرح السنة)(1/ 425) رقم (218)، وأبو عوانة (1/ 224)، وأحمد في (المسند)(2/ 400).
(2)
(3/ 354).
(3)
في النسخة (أ)(ونصبها على أنها).
(4)
(1/ 346).
(5)
في (صحيحه)(1/ 216) رقم (34/ 246).
وظاهرُ السياقِ أن قولَهُ (فمنِ استطاعَ) إلى آخرِه: من الحديث، وهوَ يدلُّ على عدمِ الوجوبِ؛ إذْ هوَ في قوةِ: من شاءَ منكمْ، فلوْ كانَ واجبًا ما قيَّدَهُ بها، إذِ الاستطاعةُ لذلكَ [متحقِّقةٌ]
(1)
قطعًا. وقالَ نُعَيْمٌ
(2)
أحدُ رواتِهِ: لا أدري قولَهُ: (فمنِ استطاعَ) إلى آخرهِ، منْ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أوْ منْ قولِ أبي هريرةَ؟ وفي (الفتح)
(3)
: (لمْ أرَ هذهِ الجملةَ في روايةِ أحدٍ ممنْ رَوَى هذا الحديثَ منَ الصحابةِ، وهمْ عَشرَةٌ، ولا ممنْ رواهُ عنْ أبي هريرةَ غيرَ روايةِ نُعَيْمٍ هذهِ).
والحديثُ دليلٌ على مشروعيةِ إطالةِ الغرةِ والتحجيلِ. واختلفَ العلماءُ في القدْرِ المستحبِّ من ذلكَ فقيلَ: في اليدينِ إلى المنكبِ، وفي الرجلينِ إلى الركبةِ. وقد ثبتَ هذا عن أبي هريرةَ روايةً ورأيًا، وثبتَ منْ فعلِ ابن عمرَ [أخرجهُ ابنُ أبي شيبةَ
(4)
وأبو عبيدٍ بإسنادٍ حسن]
(5)
.
وقيلَ: إلى نصفِ العضُدِ والساقِ. والغرَّةُ في الوجهِ أن يغسلَ إلى [صفْحتي]
(6)
العُنُقِ.
والقولُ بعدمِ مشروعيتِهِمَا، وتأويلُ حديثِ أبي هريرةَ بأنَّ المرادَ بهِ المداومةُ على الوضوءِ، خلاف الظاهر [وَرُدّ بأنَّ الراوي أعرفُ بما رَوَى]
(7)
، كيفَ وقدْ رفعَ معناهُ ولا وجهَ لنفيهِ
(8)
.
وقدْ استدلَّ على أن الوضوءَ منْ خصائصِ هذه الأمةِ بهذا الحديثِ،
(1)
في النسخة (أ): (محققة).
(2)
هو نُعَيْم المُجْمِر بن عبد الله المدني، وُصف هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخِّران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة، ووصف ابنه نُعيم بذلك مجاز، وفيه نظر، فقد جزم إبراهيم الحربي بأن نعيمًا كان يباشر ذلك.
[(فتح الباري) (1/ 235)، و (الجمع بين رجال الصحيحين) (2/ 533) رقم (2076)].
(3)
(1/ 236).
(4)
في (المصنف)(1/ 55).
(5)
زيادة من النسخة (أ).
(6)
في النسخة (أ): (صفحة).
(7)
في النسخة (أ): (على الوضوء وروي بأن الراوي أعرف بما روى).
(8)
قلت: اختصر كلام المصنف في (الفتح)(1/ 236 - 237) وعبارته هي: (وأما تأويلهم الإطالة المطلوبة بالمداومة على الوضوء فمعترض بأن الراوي أدرى بمعنى ما روى، كيف وقد صرَّح برفعه إلى الشارع صلى الله عليه وسلم) اهـ.
وبحديثِ مسلمٍ
(1)
مرفوعًا: (سِيمَا لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُمْ)، والسِّيما بكسرِ السينِ المهملةِ: العلامةُ. وَرُدَّ هذا بأنهُ قد ثبتَ الوضوءُ لمنْ قبلَ هذهِ الأمةِ، قيلَ: فالذي اختصَّتْ بهِ هذهِ الأمةُ هو الغُرَّةُ والتحجيلُ.
هديه صلى الله عليه وسلم في التَّرَجُّلِ والتَّنَعُلِ
13/ 41 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجْبُهُ التَّيَمُّنُ في تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأنِهِ كُلِّهِ)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
[صحيح]
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ)، أي تقديم اليمنى [(في تَنَعُّلِهِ) لِبْسِ نعلهِ]
(3)
، (وَتَرَجُّلِهِ) بالجيمِ أي مَشَطِ شعرِهِ (وَطُهورِهِ، وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ) تعميمٌ بعدَ التخصيصِ، (متفقٌ عليهِ).
قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: هوَ عامٌّ مخصوصٌ بدخولِ الخلاءِ والخروجِ منَ المسجدِ ونحوِهِما، فإنهُ يبدأُ فيهمَا باليسارِ. قيلَ: والتأكيدُ بكلِّهِ يدلُّ على بقاءِ التعميمِ ودفعِ التجوُّزِ عن البعضِ، فيُحتَملُ أنْ يقالَ: حقيقةُ الشأنِ مَا كانَ فعلًا مقصودًا، وما يُستَحَبُّ فيهِ التياسرُ ليسَ منَ الأفعالِ المقصودةِ، بلْ هي إمَّا تروكٌ وإما [أفعال]
(4)
غيرُ مقصودةٍ. والحديثُ دليلٌ على استحبابِ البداءةِ بشقِّ الرأسِ الأيمنِ في التَّرَجُلِ والغُسلِ والحَلْقِ، وبالميامِنِ في الوضوءِ والغُسلِ والأكل والشربِ وغيرِ ذلكَ.
(1)
في (صحيحه)(1/ 217) رقم (36، 37/ 247) من حديث أبي هريرة.
قلت: وأخرج مسلم (1/ 217) رقم (38/ 248) عن حُذيفَة قال: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ حَوْضِي لأبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدَنٍ، والذي نفسي بيدِهِ، إني لأَذودُ عَنْهُ الرِّجالَ كمَا يَذُودُ الرَّجُلُ الإِبِلَ الغَرِيبَةَ عَنْ حَوضِهِ)، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَتَعْرِفُنَا؟ قالَ: (نعمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثارِ الوُضُوءِ ليسَتْ لأحَدٍ غيرِكُم).
(2)
أخرجه البخاري (1/ 269) رقم (168)، ومسلم (1/ 226) رقم (268).
قلت: وأخرجه أبو داود (4/ 378) رقم (4140)، والترمذي (2/ 506) رقم (608)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (1/ 78) رقم (112) و (8/ 133) رقم (5059)، وابن ماجه (1/ 141) رقم (401)، وأحمد في (المسند)(6/ 94، 130، 147، 187، 188، 202، 210).
(3)
زيادة من النسخة (ب).
(4)
زيادة من النسخة (أ).
قالَ النوويُّ
(1)
: قاعدةُ الشرعِ المستمِرَّةُ البداءةُ باليمينِ في كلِّ ما كانَ منْ بابِ التكريمِ والتزيينِ، وما كانَ بضدِّها استُحِبَّ فيهِ التياسرُ، ويأتِي الحديثُ في الوضوءِ قريبًا. وهذهِ الدلالةُ للحديثِ مبنيةٌ على أن لفظَ:(يعجبهُ)، يدلُّ على استحبابِ ذلكَ شرعًا، وقدْ ذكرْنا تحقيقَهُ في حواشي شرحِ العمدةِ
(2)
عندَ الكلامِ على هذا الحديث.
14/ 42 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَوَّضَّأتُمْ فَابْدَأُوا بِمَيَامِنِكُمْ). [صحيح]
أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ
(3)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزْيَمَةَ
(4)
.
(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذَا تَوَضَّأْتم فَابْدَؤُا بِمَيَامِنِكُمْ. أخرجهُ الأربعةُ وصحَّحهُ ابن خزيمةَ)، وأخرجهُ أحمد
(5)
، وابنُ حبَّانَ
(6)
، والبيهقيُّ
(7)
. وزادَ فيهِ: (وإِذَا لَبِسْتُمْ)، قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: هوَ حقيقٌ بأنْ يُصحَّح
(8)
.
والحديثُ دليلٌ على البداءةِ بالميامنِ عندَ الوضوءِ في غَسلِ اليدينِ والرجلينِ. وأمَّا غيرُهُما كالوجهِ والرأسِ فظاهر أيضًا شمولُهما، إلَّا أنهُ لمْ يقلْ أحدٌ بهِ فيهمَا، ولا وردَ في أحاديثِ التعليمِ، بخلافِ اليدينِ والرجلينِ، فأحاديث التعليمِ وردتْ بتقديمِ اليمنى فيهما على اليُسرى، في حديثِ عثمانَ الذي مضَى
(9)
(1)
في شرحه لصحيح مسلم (3/ 160).
(2)
(1/ 209).
(3)
وهم: أبو داود (4/ 379) رقم (4141)، وابن ماجه (1/ 141) رقم (402)، والترمذي (4/ 238) رقم (1766)، والنسائي: في (الكبرى) كما في أطراف المِزي (9/ 357 - 358) رقم (12399). ولفظ الترمذي والنسائى: (كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا لَبِسَ قميصًا بدأَ بميامِنِه).
(4)
في (صحيحه)(1/ 91) رقم (178).
(5)
في (المسند)(2/ 354).
(6)
ص (66) رقم (147) وص (350) رقم (1452) - (موارد الظمآن).
(7)
في (السنن الكبرى)(3/ 86).
(8)
نقله الزيلعي في (نصب الراية)(1/ 34) ولفظه: (وهو جدير بأن يصحَّح)، وقد صحَّحه الألباني في (صحيح ابن ماجه)، والشيخ عبد القادر الأرناؤوط في (جامع الأصول)(10/ 637) - التعليقة رقم (2).
(9)
رقم الحديث (2/ 30).
وغيرِهِ. والآيةُ مجملةٌ بيَّنتْها السنَّةُ. واختُلِفَ في وجوبِ ذلكَ، ولا كلامَ في أنهُ الأَولى، فعندَ الهادويةِ يجبُ لحديثِ الكتاب، وهوَ بلفظِ الأمرِ، وهوَ للوجوبِ في أصلهِ، وباستمرارِ فعلِهِ صلى الله عليه وسلم؛ فإنهُ ما روي أَنه توضأَ مرةً واحدةً بخلافهِ إلّا ما يأتي [من حديث ابن عباس]
(1)
، ولأنهُ فعله بيانًا للواجبِ فيجبُ، ولحديثِ ابن عمر
(2)
، وزيد بن ثابتٍ
(3)
، وأبي هريرة
(4)
: (أنه صلى الله عليه وسلم توضأَ على الولاءِ ثمَّ قالَ: هذا وضوءٌ لا يقبلُ اللَّهُ الصلاةَ إلا بهِ)، ولهُ طرقٌ يشدُّ بعضُها بعضًا.
وقالتِ الحنفيةُ وجماعةٌ: لا يجبُ الترتيبُ بينَ أعضاءِ الوضوءِ، ولا بينَ اليمنى واليُسرى منَ اليدينِ والرجلينِ، قالُوا: والواوُ في الآيةِ لا تقتضي الترتيبَ. وبأنهُ قد رُويَ عنْ عليّ عليه السلام أنهُ بدأَ بمياسرِه
(5)
وبأنهُ قالَ: (ما أبالي بشمالي بدأتُ أمْ بيميني إذا أتممتُ الوضوءَ). [أخرجه الدارقطني
(6)
، والبيهقي وقال: إنه منقطع. وكذا رواية الفعل أخرجه البيهقي]
(7)
. وأجيبَ عنهُ بأنَّهما أثرانِ غيرُ
(1)
سيأتي الكلام عليه في نهاية شرح الحديث (16/ 44) وما بين الحاصرتين زيادة من النسخة (ب).
(2)
أخرجه ابن ماجه (1/ 145) رقم (419)، والدارقطني (1/ 80) رقم (2، 3) و (1/ 79) رقم (1) و (1/ 80) رقم (4) و (1/ 81) رقم (5)، والبيهقي (1/ 80)، والطيالسي (1/ 53) رقم (181)(منحة المعبود)، وأبو يعلى في (المسند)(9/ 448) رقم (184/ 5598)، وأحمد في (المسند) (8/ 86) رقم (5735) - شاكر) من طرق واهية .. وهو حديث ضعيف. انظر:(التلخيص الحبير)(1/ 82) رقم (81).
قلت: ليس فيه ذكر أنه صلى الله عليه وسلم توضأ على الولاء.
(3)
و
(4)
أخرجه الدارقطني في (غرائب مالك) من طريق علي بن الحسن الشامي، عن مالك عن ربيعة عن ابن المسيب عن زيد بن ثابت عن أبي هريرة، وهو مقلوب ولم يروه مالك قط كما في (التلخيص الحبير)(1/ 82).
(5)
أخرج الدارقطني في سننه (1/ 87) رقم (1، 2). بسند ضعيف. عن زياد قال: (جاء رجل إلى علي بن أبي طالب، فسأله عن الوضوء، فقال: أبدأ باليمين أو بالشمال؟ فأضرط علي به، ثم دعا بماء فبدأ بالشمال قبل اليمين.
• فأضرط علي، قال الجوهري: وقولهم: أضرط وضرط به أي هزئ به.
(6)
أخرج الدارقطني (1/ 88 - 89) رقم (4، 5، 6)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (1/ 39) عن زياد قال: قال علي: (ما أبالي لو بدأت بالشمال قبل اليمين إذا توضأت). إسناده ضعيف.
قلت: وانظر (التلخيص)(1/ 88) رقم (90).
(7)
زيادة من النسخة (أ).
ثابتينِ؛ فلا تقومُ بهمَا حجةٌ ولا يُقَاوِمَانِ ما سلفَ، وإنْ كانَ الدارقطنيُّ قدْ أخرجَ حديثَ عليٍّ ولمْ يضعفْهُ، وأخرجهُ منْ طرقٍ بألفاظٍ، ولكنَّها موقوفةٌ كلُّها.
المسح على الناصية والعِمامة والخُفِّ
15/ 43 - وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: (تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخُفَّينِ)، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(1)
. [صحيح]
ترجمة المغيرة بن شعبة
(وَعَنِ الْمُغِيرَةِ)
(2)
بضمِ الميمِ، فغينٍ معجمة مكسورةٍ، فياءٍ وراءٍ، يُكْنَى أبا عبد اللَّهِ أو أبا عيسى. أسلم عامَ الخندقِ وقدمَ مهاجرًا، وأولُ مشاهدهِ الحديبيةُ، وفاتهُ سنةَ خمسينَ منَ الهجرةِ بالكوفةِ، وكان عاملًا عليها من قِبَلِ معاويةَ، وهوَ (ابنُ شُعْبَةَ) بضمِّ الشينِ المعجمةِ وسكونِ العينِ المهملةِ، فموحدةٍ مفتوحةٍ.
(أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضأَ فمسحَ بناصيتِهِ). في القاموس
(3)
: الناصيَةُ والنَّاصاةُ قُصاصُ الشَّعَرِ. (وَعَلَى العِمَامَةِ وَالخُفَّيْنِ) تثنيةُ خُفِّ بالخاءِ المعجمةِ مضمومةٌ، أي ومسحَ عليهمَا (أخرجه مسلمٌ)، ولمْ يخرجْهُ البخاريُّ، ووهمَ مَنْ نسبهُ إليهمَا
(4)
.
(1)
في (صحيحه)(1/ 231) رقم (83/ 274) و (1/ 230) رقم (81/ 274).
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 104) رقم (150)، والترمذي (1/ 170) رقم (100) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (1/ 76 - 77) رقم (107، 108، 109)، وأبو عوانة (1/ 259 - 260)، وابن الجارود رقم (83)، والطحاوي في (شرح المعاني)(1/ 30)، والدارقطني (1/ 192)، والبيهقي (1/ 58)، وأحمد (4/ 255)، والطيالسي (ص (95) رقم (699).
(2)
انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد)(4/ 284 - 286) و (6/ 20 - 21)، و (التاريخ الكبير)(7/ 316 - 317) رقم (1347)، و (تاريخ بغداد)(1/ 191 - 193) رقم (30)، و (الكامل في التاريخ)(3/ 461 - 463)، و (تهذيب الأسماء واللغات)(2/ 109 - 110) رقم (160)، و (تهذيب التهذيب)(10/ 234 - 235) رقم (473)، و (العقد الثمين)(7/ 255 - 260) رقم (2505).
(3)
(المحيط) ص (1725).
(4)
قلت: أصل الحديث عند البخاري (1/ 306) رقم (203)، لكن في ذكر المسح على الخفين فقط، ليس فيه المسح على الناصية والعِمَامة. ووهم فيه ابن الجوزي، وتبعه بعض=
والحديثُ دليلٌ على عدمِ جوازِ الاقتصارِ على مسح الناصيةِ. وقالَ زيدُ بنُ عليّ عليه السلام وأبو حنيفةَ: يجوزُ الاقتصارُ. وقالَ ابنُ القيِّم
(1)
: (ولمْ يصِحّ عنه صلى الله عليه وسلم في حديثٍ واحدٍ أنهُ اقتصرَ على مسحِ بعضِ رأسهِ ألبتَّةَ، لكنْ كانَ إذا مسحَ بناصيتهِ كمَّلَ على العِمَامَةِ) كما في حديث المغيرةِ هذا. وقدْ ذكرَ الدارقطنيُّ أنهُ رواهُ عنْ ستينَ رجلًا، وأما الاقتصارُ على العِمَامَةِ بالمسحِ، فلمْ يقلْ بهِ الجمهورُ. وقالَ ابنُ القيمِ
(2)
: (إنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يمسحَ على رأسهِ تارةً، وعلى العِمَامَةِ تارةً، وعلى الناصيةِ والعِمَامَةِ تارةً). والمسحُ على الخفينِ يأتي له بابٌ مستقلٌ، ويأتي حديثُ المسحِ على العصائبِ.
16/ 44 - وَعَنْ جَابِرِ بن عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (ابْدَأُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ). [صحيح]
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(3)
هَكَذَا بِلَفْظِ الأَمْرِ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ
(4)
بِلَفْظِ الخَبَرِ.
ترجمة جابر بن عبد الله
(وعَنْ جَابرٍ)
(5)
هوَ أبو عبدِ اللَّهِ جَابرُ (ابنُ عبدِ اللَّهِ) بن عمرو بن حَرَامٍ،
= الحفَّاظ فعزوه للمتفق عليه، وهو من أفراد مسلم. انظر:(التلخيص الحبير)(1/ 58) رقم 58)، و (نصب الراية)(1/ 1).
قلت: وقع للإمام مسلم في (صحيحه)(1/ 230) رقم (81/ 274)، في (سنده) وهم، حيث جعله من رواية عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه، وإنما هو من رواية أخيه حمزة بن المغيرة.
[انظر: (صحيح مسلم) بشرح الإمام النووي (3/ 171)].
(1)
في (زاد المعاد)(1/ 193 - 194).
(2)
في (زاد المعاد)(1/ 194).
(3)
في (السنن)(5/ 240) رقم (2972).
(4)
في (صحيحه)(2/ 886) رقم (1218).
قلت: وأخرجه أبو داود (2/ 455) رقم (1905)، والترمذي (3/ 216) رقم (862)، وابن ماجه (2/ 1022) رقم (3074)، ومالك في (الموطأ)(1/ 372) رقم (126)، والبغوي في (شرح السنة)(7/ 135) رقم (1919)، والدارمي (2/ 44 - 49)، والدارقطني (2/ 254 - ) رقم (79)، وابن خزيمة (4/ 170) رقم (2620)، والبيهقي (5/ 93) و (1/ 85)، وابن عبد البر في (التمهيد)(2/ 79).
(5)
انظر ترجمته في: (التاريخ الكبير)(2/ 207) رقم (2208)، و (مرآة الجنان)(1/ 188)، =
بالحاءِ والراءِ المهملتينِ، الأنصاريُّ السلميُّ، منْ مشاهيرِ الصحابةِ، ذكرَ البخاريُّ أنهُ شهدَ بدرًا، وكانَ ينقلُ الماءَ يومئذٍ، ثمَّ شهدَ بعدَها معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثماني عشْرةَ غزوةً، ذكرَ ذلكَ الحاكمُ أبو أحمدَ، وشهدَ صفينِ معَ عليّ عليه السلام وكانَ منْ المكثرينَ الحفاظِ، وكُفَّ بصرهُ في آخرِ عمرهِ، وتوفي سنةَ أربعٍ أو سبعٍ [وتسعين]
(1)
بالمدينةِ، وعمرهُ أربعٌ وتسعونَ سنةً، وهوَ آخَرُ مَنْ ماتَ بالمدينةِ مِنَ الصحابةِ.
(في صفةِ حجِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم) يشيرُ إلى حديثٍ جليلٍ شريفٍ [في صفة الحج، و]
(2)
سيأتي - إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى - في الحجِّ.
(قال)[أي النبيُّ]
(3)
صلى الله عليه وسلم: (ابْدؤُا بمَا بَدَأَ اللَّهُ بهِ. أخرجهُ النسائيُّ هكذَا بلفظِ الأمرِ، وهوَ عندَ مسلمٍ بلفظِ الخبر) أيْ بلفظِ: (أبدأُ). ولفظُ الحديث: (قالَ: ثم خرجَ - أي النبيُّ صلى الله عليه وسلم منَ الباب - أي [بابَ الحرم]
(4)
- إلى الصفَا، فلمَا دَنَا منَ الصفَا قرأَ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِر اللَّهِ}
(5)
أبدأ بما بدأَ اللَّهُ بهِ)، بلفظِ الخبرِ فِعلًا مضارِعًا؛ فبدأ بالصَّفَا لبداءةِ اللَّهِ بهِ في الآيةِ.
وذكرَ المصنفُ هذهِ القطعةَ مِنْ حديثِ جابرٍ هُنَا؛ لأنهُ أفادَ أن ما بدَأَ اللَّهُ بهِ ذكْرًا نبتدئُ بهِ فعْلًا، فإنَّ كلامهُ كلامُ حكيمٍ لا يبدأُ ذكرًا إلَّا بما يستحقُّ البداءةَ بهِ فعلًا، فإنهُ مقتضَى البلاغةِ، ولذَا قالَ سيبويه: إنَّهمْ - أيْ العربُ - يقدمونَ ما همْ بشأنِه أهمُّ وهمْ به أعْنى، فإنَّ اللفظَ عامٌّ، والعامُّ لا يقصرُ على سببهِ - أعني بما بدأَ اللَّهُ بهِ - لأنَّ كلمةَ (ما) موصولةٌ، والموصولاتُ منْ ألفاظ العمومِ، وآيةُ الوضوءِ - وهي - قولُهُ تعالى:{فَاغسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
(6)
داخلةٌ تحتَ الأمرِ بقوله صلى الله عليه وسلم: (ابْدؤُا بما
= و (جامع الأصول)(9/ 86) رقم (6628)، و (تهذيب الأسماء واللغات)(1/ 142 - 143) رقم (100)، و (تذكرة الحفاظ)(1/ 40)، و (الإصابة)(2/ 45) رقم (1022)، و (الاستيعاب)(2/ 109 - 111) رقم (287)، و (تهذيب التهذيب)(2/ 37 - 38) رقم (67).
(1)
في النسخة (أ): (وسبعين من الهجرة).
(2)
زيادة من النسخة (أ).
(3)
زيادة من النسخة (ب).
(4)
في النسخة (أ): من باب الحرم أي المسجد بعد طوافه لعمرته.
(5)
سورة البقرة: الآية (158).
(6)
سورة المائدة: الآية (6).
بَدأَ اللَّهُ بهِ). فيجبُ البداءةُ بغسلِ الوجهِ، ثمَّ ما بعدَهُ على الترتيبِ، وإنْ كانتِ الآيةُ لم تُفِدْ تقديمَ اليُمنى على اليُسرى من اليدينِ والرجلينِ. وتقدَّمَ القولُ فيهِ قريبًا.
وذهبتِ الحنفيةُ وآخرونَ إِلى أن الترتيبَ بينَ أعضاءِ الوضوءِ غيرُ واجبٍ، واستدلَّ لهمْ بحديثِ ابن عباس
(1)
: (أنه صلى الله عليه وسلم توضأَ فغسلَ وجههُ ويديهِ، ثمَّ رجليهِ، ثمَّ مسحَ رأسهُ بفضلِ وضوئِهِ)، وأجيبَ بأنَّهُ لا يعرف له طريقٌ صحيحةٌ حتى يتم بهِ الاستدلالُ. ثمَّ لا يخفَى أنهُ كان الأوْلَى تقديمَ حديثِ جابرٍ هَذَا على حديثِ المغيرةِ، وجعلهُ متصلًا بحديثِ أبي هريرةَ؛ لتقاربِهمَا في الدلالةِ.
17/ 45 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: (كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيهِ). [ضعيف جدًّا]
أخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِي بِإِسْنَادِ ضَعِيفٍ
(2)
.
(وَعَنْهُ) أيْ جابرِ بن عبدِ اللَّهِ رضي الله عنه (قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا تَوَضَّأَ أدار الماءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ. أخرجه الدارقطنيُّ)
(3)
.
ترجمة الدارقطني
هوَ الحافظُ الإمامُ الكبيرُ العديمُ النظيرِ في حفظهِ. قالَ الذهبيُّ في حقِّهِ: هوَ حافظُ الزمانِ، أبو [الحسين]
(4)
عليُّ بنُ عمرَ بن أحمدَ البغداديُّ، الحافظُ الشهيرُ، صاحبُ (السننِ). مولدهُ سنةَ ستٍّ وثلثمائةٍ، سمعَ منْ عوالمَ، وبرعَ في
(1)
قال النووي في (المجموع)(1/ 446) عن حديث ابن عباس بأنه ضعيف لا يُعْرَف.
(2)
في (السنن)(1/ 83) رقم (15) وقال: القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل ضعيف.
وقال أبو حاتم: (متروك). وقال أحمد: ليس بشيء. وقال أبو زرعة: أحاديثه منكرة.
انظر: (ميزان الاعتدال)(3/ 379) رقم (6837)، والحديث ضعيف جدًّا.
(3)
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد)(12/ 34 - 40)، و (المنتظم)(7/ 183 - 184)، و (معجم البلدان)(2/ 422)، و (تذكرة الحفاظ)(3/ 991 - 995)، و (طبقات السبكي)(3/ 462 - 466)، و (النجوم الزاهرة)(4/ 172)، و (شذرات الذهب)(3/ 116 - 117)، و (وفَيات الأعيان)(3/ 297 - 299).
(4)
في النسخة (أ): (الحسن).
هذا الشأنِ. قالَ الحاكمُ: صار الدارقطنيُّ أوحدَ عصرهِ في الحفظِ والفهِمِ والورعِ، وإمَامًا في القراءةِ والنحوِ، ولهُ مصنفاتٌ يطولُ ذكرُها، وأشهدُ أنهُ لمْ يُخْلَقْ على أديمِ الأرضِ مثلُهُ.
وقالَ الخطيبُ: كانَ فريدَ عصرهِ وإمامَ وقتهِ، وانتهى إليهِ علمُ الأثرِ والمعرفةِ بالعللِ وأسماءِ الرجالِ، معَ الصدقِ والثقةِ وصحةِ الاعتقادِ. وقدْ أطالَ أئمةُ الحديثِ الثناءَ على هذا الرجلِ، وكانتْ وفاتُهُ في ثامنِ ذي القعدةِ سنةَ خمسٍ وثمانينَ وثلثمائةٍ.
(بإسنادٍ ضعيفٍ)، وأخرجهُ البيهقيُّ
(1)
أيضًا بإسنادِ الدارقطنيِّ وفي الإسنادين معًا القاسمُ بنُ محمدِ بن عقيل، وهوَ متروكٌ، وضعَّفَهُ أحمدُ وابنُ معينٍ وغيرُهما
(2)
، وعدَّهُ ابنُ حبانَ في الثقاتِ
(3)
، لكنَّ الجارحَ أولى [وإنْ كثر المعدِّلُ]
(4)
، وهنا الجارحُ أكثرُ. وصرَّحَ بضعفِ الحديثِ جماعةٌ من الحفاظِ كالمنذريِّ، وابن الصلاح، والنوويِّ، وغيرهِم
(5)
.
قالَ المصنفُ: ويُغني عنهُ حديثُ أبي هريرةَ عندَ مسلمٍ
(6)
: (أنه توضأ حتى أشرعَ في العضدِ، وقالَ: هكذَا رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم توضأ)[الحديث]
(7)
.
قلتُ: ولوْ أتى بهِ هنا لكانَ أوْلى.
حكم التسمية على الوضوء
18/ 46 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)[حسن بشواهده]
(1)
في (السنن الكبرى)(1/ 56)، وقال صاحب (الجوهر النقي): وفيه أيضًا عباد بن يعقوب متروك.
(2)
انظر ترجمته في: (ميزان الاعتدال)(3/ 379) رقم (6837).
(3)
(7/ 338).
(4)
زيادة من النسخة (ب).
(5)
وهو كما قالوا - رحمهم الله تعالى -.
(6)
في (صحيحه)(1/ 216) رقم (34/ 246): من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه توضأ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فأسْبَغَ الوُضُوءَ، ثم غسلَ يَدَهُ اليمنى حتى أشْرَعَ في العَضُدِ، ثم يَدَهُ اليسرى حتى أشْرَعَ في العَضُدِ، ئُم مَسَحَ رأسَهُ، ثم غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمنى حتى أشْرَعَ في الساقِ، ثم غَسَلَ رِجْلَهُ اليسرى حتى أشرعَ في الساقِ، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ).
(7)
زيادة من النسخة (أ).
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
(1)
وَأَبُو دَاودَ
(2)
وَابْنُ مَاجَهْ
(3)
، بإسنادٍ ضَعيفٍ.
- وللتْرمِذيِّ عَنْ سَعيدِ بْنِ زَيْدٍ
(4)
. [حديث سعيد ضعيف جدًّا]
وَأَبِي سَعِيدٍ
(5)
نَحْوَهُ. قَالَ
(1)
في (المسند)(2/ 418).
(2)
في (السنن)(1/ 75) رقم (101).
(3)
في (السنن)(1/ 140) رقم (399).
قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 146)، والبغوي في (شرح السنة)(1/ 409)، والدارقطني (1/ 72، 79)، والبيهقي (1/ 43).
وقال الحاكم: (صحيح الإسناد، فقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة: دينار)، ولم يوافقه الذهبي. وقال: صوابه ثنا يعقوب بن سلمة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة وإسناده فيه لين). وخلاصة القول: أن الحديث حسن بشواهده.
(4)
أخرجه الترمذي (1/ 37) رقم (25)، وابن أبي شيبة في (المصنف)(1/ 3)، وابن ماجه (1/ 140) رقم (398)، والطيالسي ص (33) رقم (243)، وأحمد في (المسند)(4/ 70)، والطحاوي في (مشكل الآثار)(1/ 26)، والدارقطني (1/ 72) رقم (10)، والحاكم (4/ 60)، والبيهقي (1/ 43)، والعقيلي في (الضعفاء)(1/ 177)، وابن الجوزي في (العلل المتناهية)(1/ 336).
من طريق أبي تفال المري، عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته عن أبيها سعيد بن زيد مرفوعًا:(لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه).
قال الترمذي: قال أحمد بن حنبل: (لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد).
قلت: وفيما قاله الإمام أحمد رحمه الله نظر، فقد ثبت الحديث بذلك. وقال ابن أبي حاتم في (العلل) (1/ 52) رقم (129):(سمعت أبي وأبا زرعة وذكرت لهما حديثًا رواه عبد الرحمن بن حرملة عن أبي تفال .... وذكره، فقالا: ليس عندنا بذاك الصحيح. أبو تفال مجهول، ورباح مجهول).
قلت: أما أبو تفال، فقال البخاري:(في حديثه نظر).
وقال الحافظ في (التلخيص)(1/ 74) موضحًا عبارة البخاري: (وهذه عادته فيمن يضعفه). وذكره ابن حبان في الثقات إلا أنه قال: (ليس بالمعتمد على ما تفرد به)، فكأنه لم يوثقه. وأما رباح فمجهول، قال ابن القطان: فالحديث ضعيف جدًّا. وقال البزار: أبو تفال مشهور، ورباح وجدته لا نعلمهما رويا إلا هذا الحديث، ولا حدَّث عن رباح إلا أبو تفال، فالخبر من جهة النقل لا يثبت).
(5)
أخرجه أحمد (3/ 41)، وأبو يعلى (2/ 324)، وابن السُّني في (اليوم والليلة) رقم (26)، وابن عدي في (الكامل)(3/ 1034)، والدارقطني (1/ 71) رقم (3)، والحاكم (1/ 147)، والبيهقي (1/ 43)، وابن ماجه (1/ 139) رقم (397)، وابن أبي شيبة في (المصنف)(1/ 2 - 3)، والدارمي (1/ 176)، والترمذي في (العلل الكبير) ص (33) رقم (18).=
أَحْمَدُ
(1)
: لا يثبتُ فيه شيءٌ. [حديث أبي سعيد حسن].
(وَعَن أبِي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ. أخرجهُ أحمدُ، وأبو داود، وابنُ ماجه بإسنادٍ ضعيفٍ).
هذا قطعةٌ منَ الحديثِ الذي أخرجهُ المذكورونَ، فإنهمْ أخرجوهُ بلفظِ: (لَا صلاةَ لِمَنْ لَا وضوءَ لهُ، ولا وضوءَ لمنْ [لَمْ]
(2)
يَذْكُرِ اسمَ اللَّهِ عليهِ).
والحديثُ مرويٌّ منْ طريقِ يعقوبَ بن سلمة عنْ أبيه عن أبي هريرةَ، وهو يعقوبُ بن سلمةَ الليثيُّ، قالَ البخاريُّ
(3)
: لا يعرفُ له سماعٌ من أبيهِ، ولا لأبيهِ من أبِي هريرةَ. ولهُ طريقٌ أخرى عندَ الدارقطنيِّ
(4)
، والبيهقيِّ
(5)
، ولكنَّها [كلها]
(6)
ضعيفةٌ أيضًا، وعندَ الطبرانيِّ
(7)
منْ حديثِ أبي هريرةَ بلفظِ الأمر: (إذا توضأتَ فقلْ:
= من طريق كثير بن زيد، ثنا ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللَّه عليه). قال أحمد بن حنبل حين سئل عن التسمية: لا أعلم فيه حديثًا صحيحًا، أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد، عن ربيح. وقال إسحاق بن راهويه: هو أصح ما في الباب. انظر: (التلخيص الحبير)(1/ 74) وقال ابن قيم الجوزية في كتابه: (المنار المنيف في الصحيح والضعيف) ص (120) رقم (271): (أحاديث التسمية على الوضوء أحاديث حسان).
قلت: وهناك شواهد كثيرة: عن عائشة، وسهل بن سعد، وأبي سبرة، وأم سبرة، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك رضي الله عنهما. انظر تخريجها والكلام عليها في كتابنا:(إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة) جزء الطهارة. وانظر: (التلخيص)(1/ 75) رقم (70).
(1)
في (مسائل أبي داود) ص (6) وفي (مسائل إسحاق بن هاني)(1/ 3)، وفي (مسائل ابنه عبد اللَّه) ص (25).
(2)
في النسخة (أ): (لا).
(3)
في (صحيحه)(4/ 76).
(4)
في (السنن)(1/ 71) رقم (2).
(5)
في (السنن الكبرى)(1/ 44).
وقال الحافظ في (التلخيص)(1/ 73): أخرج الدارقطني والبيهقي، من طريق محمود بن محمد الظفري، عن أيوب بن النجار عن يحيى، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بلفظ:(ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه، وما صلَّى من لم يتوضأ). ومحمود ليس بالقوي، وأيوب قد سمعه يحيى بن معين يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلَّا حديثًا واحدًا: التقى آدم وموسى اهـ.
(6)
زيادة من النسخة (ب).
(7)
في الصغير (1/ 131) رقم (196).
قلت: وأورده الهيثمي في (المجمع)(1/ 220) وقال: إسناده حسن.
باسمِ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ، فإنَّ حَفَظَتَكَ لا تزالُ تكتبُ لكَ الحسناتِ حتى تُحدِثَ منْ ذلكَ الوضوءِ)، ولكنَّ سندَهُ واهٍ. (وللترمذيِّ) لم يقل: والترمذي (عنْ سعيدِ بن زيدٍ).
ترجمة سعيد بن زيد
- وسعيد بن زيد هوَ ابنُ عمروُ بن نُفيلٍ
(1)
أحدُ العشرةِ المشهود لهمْ بالجنةِ، صحابيٌّ جليلُ القدرِ - لأنهُ لمْ يروه في (السننِ) بلْ رواه في (العللِ)، فغايرَ المصنفُ في العبارةِ لهذه الإشارةِ
(2)
، ولأنهُ لمْ يروهِ عنْ أبي هريرةَ. (وأبي سعيدٍ نحوهُ. وقالَ أحمدُ: لا يثبت فيه شيءٌ).
[وأخرجه]
(3)
البزارُ، وأحمدُ، وابنُ ماجَهْ، والدارقطنيُّ، وغيرُهمْ. قال الترمذيُّ
(4)
: إنه قال محمد - يعني البخاريَّ - إنهُ أحسنُ شيء في هذا الباب، لكنهُ ضعيفٌ؛ لأنَّ في رواتهِ مجهولينَ. وروايةُ أبي سعيدٍ الخدريِّ [التي]
(5)
أَخرجَهَا الترمذيُّ وغيرهُ منْ روايةِ كثيرِ بن زيدٍ، عنْ ربيح، [عنْ]
(6)
عبدِ الرحمن، [عنْ](6) أبي سعيدٍ، ولكنَّهُ قدحَ في كثير بن زيدٍ وفي ربيحٍ أيضًا.
وقد روى الحديثُ في التسميةِ من حديثِ عائشةَ
(7)
، وسهلِ بن سعدٍ
(8)
،
(1)
انظر ترجمته في: (الإصابة)(4/ 61) رقم (2917).
(2)
قلت: بل أخرجه الترمذي في (سننه)(1/ 37) رقم (25) كما تقدم.
(3)
في النسخة (أ): (وأخرج حديث سعيد بن زيد).
(4)
في (السنن)(1/ 39).
(5)
زيادة من النسخة (أ).
(6)
في النسخة (أ): (بن).
(7)
أخرجه البزار (1/ 137) رقم (261)(كشف الأستار). وأبو يعلى في (المسند)(8/ 142) رقم (331/ 4687) و (8/ 227) رقم (440/ 4796) و (8/ 278) رقم (508/ 4864)، والدارقطني (1/ 72) رقم (4)، وابن أبي شيبة في (المصنف)(1/ 3)، وأورده الهيثمي في (المجمع) (1/ 220) وقال:(رواه أبو يعلى، وروى البزار بعضه): (إذا بدأ بالوضوء سمّى)، ومدار الحديثين على حارثة بن محمد وقد أجمعوا على ضعفه.
وأخرجه ابن عدي في (الكامل)(2/ 616) في ترجمة حارثة بن محمد هذا، وقال ابن عدي:(وبلغني عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه نظر في جامع إسحاق بن راهويه فإذا أول حديث قد أخرج في جامعه هذا الحديث، فأنكره جدًّا، وقال: أول حديث في الجامع يكون عن حارثة)؟ اهـ.
(8)
أخرجه ابن ماجه (1/ 140) رقم (400).
قال البوصيري في (مصباح الزجاجة)(1/ 111) رقم (166): (هذا إسناد ضعيف؛ لاتفاقهم =
وأبي سَبْرَةَ
(1)
، وأمِّ سَبْرَةَ
(2)
، وعليٍّ
(3)
، وأنسٍ
(4)
وفي الجميعِ مقالٌ، إلَّا أن هذه الرواياتِ يُقَوِّي بعضُها، فلا تخلُو عنْ قوةٍ
(5)
. ولذا قالَ ابنُ أبي شيبةَ: ثبتَ لنا أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالهُ. وإذا عرفتَ هذا، فالحديثُ قدْ دلَّ على مشروعيةِ التسميةِ في الوضوءِ. وظاهرُ قولِهِ:(لا وضوءَ) أنهُ لا يصحُّ، ولا يُوجدُ منْ دونِها إذ الأصلُ في النفيِ الحقيقةُ.
أقوال العلماء في التسمية
وقدْ اختلف العلماءُ في ذلك: فذهبت الهادويةُ إلى أنَّها فرضٌ على الذاكرِ. وقال أحمدُ بن حنبلٍ والظاهريةُ: بلْ وعلى الناسِي، وفي أحد قولَيِ الهادي أنَّها سنَّةٌ، وإليهِ ذهبتِ الحنفيةُ والشافعيةُ؛ لحديثِ أبي هريرةَ:(منْ ذكرَ اللَّهَ في أول وضوئِه طَهُرَ جَسَدُهُ كلُّهُ، وإذا لم يذكرِ اسم اللَّهِ لم يطهرْ منه إلا موضعَ الوضوء)، أخرجهُ الدارقطنيُّ
(6)
وغيرُهُ، وهو ضعيفٌ.
= على ضعف عبد المهيمن، رواه الدارقطني في (سننه)(1/ 71) رقم (3)، والحاكم في (المستدرك)(1/ 269) من طريق عبد المهيمن، لكن لم ينفرد يه عبد المهيمن، فقد تابعه عليه أبيّ أخو عبد المهيمن كما رواه الطبراني في (المعجم الكبير)(6/ 121) رقم (5698) و (5699) اهـ.
(1)
أخرجه الدولابي في (الكنى)(1/ 36)، وأورده الهيثمي في (المجمع) (1/ 228) وقال: رواه الطبراني في (الكبير)، وفيه يحيى بن أبي يزيد بن عبد الله بن أنيس ولم أر من ترجمه.
(2)
عزاه إلى أبي موسى في (المعرفة) الحافظ في (التلخيص)(1/ 75) وضعفه.
(3)
أخرجه ابن عدي في (الكامل)(5/ 1883) في ترجمة عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه عن جده عن علي، وقال: إسناده ليس بمستقيم.
(4)
أخرجه الدارقطني في (السنن)(1/ 71) رقم (1).
(5)
قلت: والخلاصة أن الحديث حسن بمجموع طرقة، انظر:(التلخيص الحبير)(1/ 72 - 76)، و (إرواء الغليل) للألباني (1/ 122 - 123).
(6)
في (السنن)(1/ 74) رقم (12) من حديث أبي هريرة، وهو حديث ضعيف.
قال الذهبي: وفيه مرداس بن محمد بن عبد الله، عن محمد بن أبان الواسطي، لا أعرفه، وخبره منكر في التسمية على الوضوء، ومحمد بن أبان هو الواسطي محدِّث شهير، روى عن مهدي بن ميمون، وهشيم والطبقة، فيه مقال، قال الأزدي: ليس بذاك، وقال ابن حبان في (الثقات): ربما أخطأ. [(التعليق المغني على الدارقطني) (1/ 74) التعليقة (6)].
قال البيهقيُّ - في (السنن)
(1)
بعد إخراجه -: وهذا - أيضًا - ضعيفٌ، أبو بكر الدَّاهري - يريدُ أحد رواته - غير ثقة عند أهل العلم بالحديث. وبهِ استدلَّ من فرَّقَ بينَ الذاكرِ والناسِي قائلًا: إنَّ الأولَ في حقِّ العامدِ وهذا في حقِّ الناسِي.
وحديث أبي هريرةَ هذا الأخيرُ - وإن كانَ ضعيفًا - فقد عضدهُ في الدلالة على عدمِ الفرضيةِ حديثُ: (توضأ كما أمرك اللَّهُ)، وقد تقدَّمَ، وهوَ الدليل على تأويلِ النفيِ في حديث الباب بأنَّ المرادَ لا وضوءَ كاملًا. على أنهُ قدْ رُوي هذا الحديث بلفظِ:(لا وضوءَ كاملٌ)، إلَّا أَنهُ قال المصنفُ: إنهُ لم نره بهذا اللفظ. وأما القول بأنَّ هذا مثبتٌ ودال على الإيجاب فيرجحُ، ففيهِ أنهُ لم يثبتْ ثبوتًا يقضي بالإيجابِ، بلْ طرقُهُ كما عرفتَ.
وقدْ دلَّ على السُنِّيةِ حديثُ: (كلُّ أمرٍ ذي بالٍ)
(2)
؛ فيتعاضدُ هوَ وحديثُ البابِ على مطلقِ الشرعيةِ وأقلُّها النُدبية.
الفصل بين المضمضة والاستنشاق
19/ 47 - وَعَنْ طَلْحَةَ بن مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ.
أَخْرَجَهُ أَبو دَاوُدَ
(3)
بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]
ترجمة طلحة بن مصرِّف
(وَعَنْ طلحةَ)
(4)
هوَ أبو محمدٍ، أو أبو عبد اللَّهِ طلحةُ (ابن مصرِّف) بضم
(1)
(الكبرى)(1/ 44) من حديث ابن عمر.
(2)
وهو حديث ضعيف.
تقدم تخريجه في أول الكتاب. وانظر: (إرواء الغليل) رقم (1، 2).
(3)
في (السنن)(1/ 96) رقم (139).
وفيه ليث بن أبي سليم صدوق، اختلط أخيرًا، ولم يتميز حديثه فتُرك. قاله ابن حجر في (التقريب)(1/ 138) رقم (9)، ومُصَرِّف مجهول. والخلاصة: أن الحديث ضعيف.
(4)
انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد)(6/ 308) و (حلية الأولياء)(5/ 14) و (العِبر)(1/ 106) و (شذرات الذهب)(1/ 145) و (الجمع بين رجال الصحيحين)(1/ 230) رقم (855)، و (التاريخ الكبير)(4/ 346) رقم (3080)، و (الجرح والتعديل)(4/ 473)، و (غاية النهاية في طبقات القراء)(1/ 343) رقم (1488).
الميم وفتحِ الصادِ المهملةِ، وكسرِ الراءِ المشدَّدةِ وفاءٍ. وطلحةُ أحد الأعلامِ الأثباتِ من التابعينَ، ماتَ سنةَ اثنتي عشرةَ ومائةٍ، (عنْ أبيهِ) مصرِّفٍ، (عنْ جدِّهِ) كعبِ بن عمرو الهمداني، ومنهم منْ يقولُ: ابنُ عُمرَ بضمِ العينِ المهملةِ. قالَ ابنُ عبد البرِّ: والأشهرُ ابنُ عَمرٍو لهُ صحبةٌ، ومنهم منْ ينكرُهَا، ولا وجه لإنكارِ من أنكر ذلكَ.
ثمَّ ذكرَ هذا الحديثَ: (قالَ: رَأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يفصلُ بين المَضمضةِ والاستنشاقِ. أخرجه أبو داودَ بإسنادٍ ضعيفٍ)؛ لأنهُ منْ روايةِ ليثِ بن أبي سليمٍ وهو ضعيفٌ. قالَ النوويُّ
(1)
: اتفق العلماء على ضعفهِ؛ ولأنَّ مصرِّفًا والدَ طلحةَ مجهولَ الحال. قالَ أبو داودَ: وسمعتُ أحمدَ يقولُ: ابنُ عيينةَ زعموا أنهُ كانَ ينكرهُ يقولُ: إيشْ هذا طلحةُ بنُ مصرِّفٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ؟
والحديثُ دليلٌ على الفصل بين المضمضة والاستنشاقِ، بأنْ يؤخذَ لكلِّ واحدٍ ماءٌ جديدٌ. وقدْ دلَّ لهُ - أيضًا - حديثُ عليٍّ عليه السلام وعثمانَ أنهما أفردَا المضمضة والاستنشاقَ ثمَّ قالا: هكذا رأينا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم توضأَ. أخرجه أبو عليٍّ ابنُ السكنِ في صحاحهِ
(2)
. وذهبَ إلى هذا جماعةٌ.
وذهبتِ الهادويةُ إلى أن السنةَ الجمعُ بينَهما بغَرفةٍ؛ لما أخرجهُ ابنُ ماجه
(3)
منْ حديثِ عليّ عليه السلام: (أنه تمضمضَ فاستنشقَ ثلاثًا من كفٍّ واحدةٍ)، وأخرجهُ أبو داودَ
(4)
.
والجمع بينهما وردَ منْ حديث عليٍّ منْ ستّ طرقٍ
(5)
، [وتأتي إحدَاها
(1)
في (تهذيب الأسماء واللغات)(2/ 74 - 75) رقم (98).
(2)
كما في "التلخيص"(1/ 79).
(3)
في (السنن)(1/ 142) رقم (404)، وهو حديث صحيح.
(4)
في (السنن)(1/ 81) رقم (111)، وهو حديث صحيح.
(5)
(الأولى): عن أبي حَيَّةَ - بن قيس الوادعي الهمداني وهو ثقة - قال: (رأيتُ عَليًّا توضَأ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ حتَّى أَنْقَاهُمَا، ثمَّ مضمضَ ثلاثًا واستنشقَ ثلاثًا، وغَسَلَ وَجَهْهُ ثلاثًا، وذراعيْهِ ثلاثًا، ومسحَ رأسهُ مَرَّةً، ثمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ إلى الكعبين
…
)، أخرجه الترمذيُّ (1/ 67) رقم (48) واللفظ له. وأخرجه أبو داود (1/ 83 - 84) رقم (116) مختصرًا. وهو حديث صحيح. =
قريبةً]
(1)
، وكذلكَ منْ حديثِ عثمانَ عندَ أبي داودَ
(2)
وغيرِهِ، وفي لفظٍ لابنِ حبَّانِ
(3)
: (ثَلاثَ مَرَّاتٍ منْ ثَلاثِ حَفَنَاتٍ)، وفي لفظ للبخاريِّ
(4)
: (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ منْ غَرْفَةٍ وَاحدةٍ). ومعَ ورود الروايتينِ - الجمعُ وعدمُهُ - فالأقربُ التخييرُ، وأن الكلَّ سُنَةٌ، وإنْ كان رواية الجمع أكثرَ وأصحَّ. وقدْ اختار في الشرحِ التخييرَ، وقالَ: إنهُ قولُ الإمام يحيى.
= (الثانية): عن زِرِّ بن حُبَيْش عنه، أخرجه أبو داود (1/ 83) رقم (114) من حديث المنهال بن عمرو عنه. وأعلَّه أبو حاتم بأنه إنما يُروى عن المنهال عن أبي حَيَّة عن علي. (العلل) لابن أبي حاتم (1/ 21) رقم (28).
(الثالثة): عن عبد خير عن علي: (أُتيَ بإناءٍ فيه ماءٌ وطَسْتٍ، فأفرغَ من الإناءِ على يمينهِ، فغسل يديه ثلاثًا، ثمَّ تمضمض ونثرَ من الكف الذي يأخذ فيه، ثمَّ غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى ثلاثًا، وغسل يده الشمال ثلاثًا، ثمَّ مسح برأسه مرة، ثمّ غسل رجله اليمنى ثلاثًا، ورجله الشمال ثلاثًا). أخرجه أبو داود (1/ 81) رقم (111) و (1/ 82) رقم (112) و (1/ 83) رقم (113)، والنسائي (1/ 68) رقم (92) و (1/ 68) رقم (93) و (1/ 69) رقم (94). وفي رواية لابن ماجه (1/ 142) رقم (404)(فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، من كفٍّ واحد)، وأخرجه ابن حبان (2/ 196) رقم (1053) إلا أنه لم يقل: من كفٍّ واحد.
(الرابعة): عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: رأيت عليًا توضأ، فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه واحدة، ورفعه. أخرجه أبو داود (1/ 83) رقم (115) بسند صحيح.
(الخامسة): عن ابن عباس عنه أخرجه أبو داود (1/ 84) رقم (117) مطولًا، والبزار - كما في (التلخيص الحبير) (1/ 80) - وقال: لا نعلم أحدًا روى هذا هكذا إلا من حديث عبيد الله الخولاني، ولا نعلم أن أحدًا رواه عنه إلا محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، وقد صرَّح ابن إسحاق بالسماع فيه. وأخرجه ابن حبان (2/ 206) رقم (1077) من طريقه مختصرًا. وقد حسَّن الألباني الحديث في صحيح أبي داود.
(السادسة): عن النّزَّالِ بن سَبْرَةَ عن علي. أخرجه ابن حبان (2/ 197) رقم (1054)، وفيه:(فأخذ كفًا فتمضمض، واستنشق، وفي آخره: ثمَّ قام فشرب فضله وهو قائم).
وأصله في البخاري مختصرًا (10/ 81) رقم (5615) ورقم (5616).
(1)
رقم الحديث (20/ 48). في النسخة (ب): (ويأتي أحدها قريبًا).
(2)
في (السنن)(1/ 80) رقم (108) و (1/ 81) رقم (109).
(3)
في (صحيحه)(2/ 204 - 205) رقم (1074) من حديث عبد الله بن زيد، وليس من حديث عثمان كما يوهم كلام المؤلف رحمه الله.
(4)
في (صحيحه)(1/ 303) رقم (199) أيضًا من حديث عبد الله بن زيد.
واعلم أنَّ الجمعَ قدْ يكونُ بغَرفةٍ واحدةٍ، وبثلاثٍ منها كما أرشد إليه ظاهرُ قولهِ في الحديثِ:(مِنْ كفٍّ واحدٍ ومن غرفةٍ واحدةٍ)، وقدْ يكون الجمعُ بثلاثِ غرفاتٍ، لكلِّ واحدةٍ من الثلاثِ المرَّاتِ غَرفةٌ - كما هوَ صريحٌ - ثلاثُ مراتٍ من ثلاثِ حَفَنَاتٍ.
قالَ البيهقيُّ في السنن
(1)
بعد ذكرهِ الحديثَ: يعني - واللَّهُ أعلمُ - أنهُ مضمضَ واستنثرَ كلَّ مرةٍ منْ غرفةٍ واحدةٍ، ثمَّ فعلَ ذلكَ ثلاثًا منْ ثلاث غرفاتٍ. قالَ: ويدلُّ لهُ حديثُ عبد الله بن زيدٍ، ثمَّ ساقهُ بسندهِ
(2)
وفيهِ: (ثمَّ أدخلَ يدهُ في الإناءِ [فمضمض]
(3)
، واستنشقَ واستنثرَ ثلاثَ مَرَّاتٍ من ثلاثِ [غَرفَاتٍ]
(4)
منْ [مَاءٍ])
(5)
ثمَّ قالَ: رواهُ البخاريُّ في الصحيح، وبه يتضحُ أنهُ يتعينُ هذا الاحتمالُ.
الجمع بين المضمضة والاستنشاق
20/ 48 - وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه في صِفَةِ الْوُضُوءِ - ثُمَّ تمَضْمَضَ صلى الله عليه وسلم واسْتَنْثَرَ ثَلاثًا: يُمَضْمِضُ وَيَنْثُرُ منَ الكفِّ الَّذِي يأخُذُ مِنْهُ الْمَاءَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
والنَّسائيُّ
(7)
[صحيح]
(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه في صِفَةِ الوُضُوءِ - ثُمَّ تَمَضْمَضَ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَنْثَرَ [ثلَاثةً]
(8)
يُمَضْمِضُ ويَنثرُ مِنَ الكَفِّ الذيْ يأخُذُ مِنْهُ الماءَ. أَخْرَجَهُ أبو دَاؤدَ والنسائيُّ). هذا مِنْ أدلةِ الجمعِ، ويُحْتَمَلُ أنهُ من غَرْفَةٍ واحدةٍ أو من ثلاثِ غَرْفَاتٍ.
21/ 49 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ - في صِفَةِ الْوُضُوءِ - (ثُمَّ أَدْخَلَ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، يَفْعَلُ ذلِكَ ثَلاثًا)، متَّفَقٌ عَلَيْهِ
(9)
. [صحيح]
(1)
و
(2)
في (السنن الكبرى)(1/ 50).
(3)
في النسخة (أ): (فتمضمض).
(4)
في النسخة (ب): (غرف).
(5)
في النسخة (أ): (الماء).
(6)
في (السنن)(1/ 81) رقم (111) و (1/ 82) رقم (112) و (1/ 83) رقم (113).
(7)
في (السنن)(1/ 67) رقم (91) و (1/ 68) رقم (92) و (93) و (1/ 69) رقم (94).
وقد تقدم تخريج الحديث أثناء شرح الحديث رقم (19/ 47).
(8)
في النسخة (أ): (ثلاثًا).
(9)
البخاري (1/ 297) رقم (191)، ومسلم (1/ 210) رقم (18/ 235).
وقد تقدم تخريجه رقم الحديث: (4/ 32).
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن زيدٍ رضي الله عنه في صفةِ الوضوءِ) أي وضوئهُ صلى الله عليه وسلم (ثمَّ أدخلَ صلى الله عليه وسلم يدَهُ) أيْ في الماءِ، (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ). لمْ يَذكرِ الاستنثارَ؛ لأنَّ المرادَ إنَّما هوَ ذكرُ اكتفائِهِ بكفٍّ [واحدةٍ
(1)
منَ الماءِ لما يدخلُ في الفم والأنفِ، وأما دفعُ الماءِ فليسَ من مقصودِ الحديثِ، (من كَفٍّ واحِدةٍ) الكفُّ يُذَكَّرُ ويؤنَّثُ. (يفعلُ ذلكَ ثلاثًا. متفقٌ عليهِ).
هوَ ظاهرٌ في أنهُ كفاهُ كفٌّ واحدٌ للثلاثِ المراتِ، وإنْ كانَ يحتملُ أنهُ أرادَ بهِ فعلَ كلٍّ منهما منْ كفٍّ [واحدٍ]
(2)
: يغترفُ في كلِّ [مرة]
(3)
واحدةً منَ الثلاثِ.
والحديثُ كالأول [منْ أدلة]
(4)
الجمع، وهذا الحديثُ والأولُ مقتطَعانِ منَ الحديثين الطويلين فِي صفةِ الوضوءِ، وقدْ تقدمَ مثلُ هذَا، [إلَّا أن]
(5)
المصنفَ إنَّما يقتصرُ على موضعِ الحُجَّةِ الذي يريدُه، كالجمعِ هُنَا.
إعادة الوضوء من مثل الظفر لم يصبه الماء
22/ 50 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا وَفِي قَدَمِهِ مِثْلُ الظُّفْرِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَقَالَ: (ارْجعْ فَأحْسِنْ وُضُوءَكَ). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
، وَالنَّسَائيُّ
(7)
. [صحيح]
(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم رَجلًا وفي قَدَمِهِ مِثْلُ الظُّفْرِ)، بضمِّ الظاء المعجمةِ والفاء، وفيهِ لغاتٌ أخرُ أجودُها ما ذكرَ، وجمعُهُ أظفارٌ، وجمعُ الجمعِ أظافير (لَمْ يُصِبْهُ المَاءُ) أي ماءُ [وضوئه]
(8)
، (فَقَالَ) لَهُ: (ارْجِعْ فَأحْسِنْ وُضُوءَكَ.
(1)
في النسخة (ب): (واحد).
(2)
في النسخة (ب): (واحدة).
(3)
زيادة من النسخة (أ).
(4)
في النسخة (أ): (مراد له).
(5)
في النسخة (أ): (لأن).
(6)
في (السنن)(1/ 120) رقم (173).
(7)
لم أجده في (سنن النسائي الصغرى)، ولعلَّه في (الكبرى).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 218) رقم (665)، وأبو عوانة (1/ 253)، والبيهقي (1/ 83)، وأحمد وابنه عبد الله في (زوائد المسند)(3/ 146). والدارقطني (1/ 108) رقم 5)، والسهمي في (تاريخ جرجان) ص (402)، وأبو نعيم في (الحلية)(8/ 330)، وابن خزيمة (1/ 84) رقم (164)، وسنده حسن.
وانظر: (نصب الراية)(1/ 36)، و (إرواء الغليل)(1/ 127).
(8)
في النسخة (أ): (الوضوء).
أَخْرَجَهُ أبو دَاودَ والنَّسائيَّ). وقدْ أخرجَ مثلَهُ مسلمٌ
(1)
منْ حديثِ جابرٍ عنْ عمرَ إلَّا أنهُ قيلَ: إنهُ موقوفٌ على عمرَ.
وقد أخرجَ أبو داودَ
(2)
من طريقِ خالدِ بن مِعدانَ، عنْ بعضِ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:(أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلِّي - وفي ظهرِ قدمِهِ لُمْعَةٌ قدر الدِّرهمِ لمْ يصبْها الماءُ - فأمرهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يعيدَ الوضوءَ والصلاةَ). قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ لما سُئِلَ عنْ إسنادِهِ: جيدٌ. نعمْ وهو دليلٌ على وجوبِ استيعابِ أعضاءِ الوضوءِ بالماءِ، نصًا في الرِّجْلِ، وقياسًا في غيرهَا. وقد ثبتَ حديثُ:(ويلٌ للأعقابِ منَ النارِ)
(3)
، قالهُ صلى الله عليه وسلم في جماعةٍ لم يمسَّ أعقابهَم الماءُ. وإلى هذا ذهبَ الجمهورُ.
ورُوِيَ عنْ أبي حنيفةَ إنهُ قالَ: يُعْفَى عنْ نصفِ العضوِ، أو ربعِهِ، أو أقلَّ منَ الدِّرهمِ، رواياتٌ حكيتْ عنهُ، [هكذا في كتب المقالات، وأنكرها عنه
(1)
في (صحيحه)(1/ 215) رقم (31/ 243)، وأحمد في (المسند)(1/ 21، 23)، وابن ماجه (1/ 218) رقم (666).
(2)
في (السنن)(1/ 121) رقم (175).
قال البيهقي: هو مرسل وكذا قال ابن القطان، وفيه بحث، وقد قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا إسناد جيد؟ قال: نعم، قال: فقلت: إذا قال رجل من التابعين: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يسمِّه، فالحديث صحيح؟ قال: نعم. وأعله المنذري بأن فيه (بقية)، وقال عن بحير: وهو مدلس، لكن في (المسند) و (المستدرك) تصريح بقية بالتحديث، وفيه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
…
(التلخيص الحبير)(1/ 96).
وصحَّحه الألباني في (الإرواء)(1/ 127).
(3)
ورد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وأبي هريرة رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها.
• أما حديث عبد الله بن عمرو، فأخرجه البخاري (1/ 265) رقم (163)، ومسلم (1/ 214) رقم (26، 27/ 241)، وأبو داود (1/ 73) رقم (97)، والنسائي (1/ 77) رقم (111)، وابن ماجه (1/ 154) رقم (450)، والدارمي (1/ 179)، وأحمد في (المسند)(2/ 193) و (205 و 211 و 226).
• وأما حديث أبي هريرة، فقد أخرجه البخاري (1/ 267) رقم (165)، ومسلم (1/ 214 - 215) رقم (28) و (29) و (30/ 242)، والترمذي (1/ 58) رقم (41)، والنسائي (1/ 77) رقم (110)، وابن ماجه (1/ 154) رقم (453)، والدارمي (1/ 179)، وأحمد (2/ 228) و (284 و (389) و (406) و (482).
• وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم (1/ 213) رقم (205/ 240)، وابن ماجه (1/ 154) رقم (451)، ومالك (1/ 19) رقم (5).
أصحابه الموجودون في هذه الأعصار، وقالوا: إنه ليس بقول أبي حنيفة، ولا أحد من أتباعه]
(1)
.
وقد استدلَّ بالحديثِ - أيضًا - على وجوبِ الموالاةِ، حيثُ أمرَهُ أن يعيدَ الوضوءَ، ولم يقتصرْ على أمرهِ [بِغَسْلِ]
(2)
ما تركهُ.
قيلَ: ولا دليلَ فيهِ؛ لأنهُ أرادَ التشديدَ عليه في الإنكارِ، والإشارةَ إلى أن مَنْ تركَ شيئًا فكأنَّهُ تركَ الكلَّ، ولا يخفَى ضعفُ هذا القولِ، فالأحسنُ أنْ يُقَالَ: إنَّ قولَ الراوي: أَمَرَهُ أنْ يعيدَ الوضوءَ، أي: غَسْلَ ما تركَهُ. وسمَّاهُ إعادةً باعتبارِ ظنِّ المتوضئَ، فإنهُ صلَّى ظانًا بأنهُ قدْ توضَّأَ وضوءًا مجزئًا، وسمَّاهُ وضُوءًا في قولِهِ: يعيدُ الوضوءَ؛ لأنهُ وضوءٌ لغةً.
وفي الحديثِ دليلٌ على أن الجاهلَ والناسيَ حُكْمُهُمَا في التركِ حكمُ العامِدِ.
الاقتصاد في ماء الوضوء
23/ 51 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: (كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
. [صحيح]
(وَعَنْهُ) أي [عن]
(4)
أنس بن مالكٍ ([قال]
(5)
: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتوضأُ بالمدِّ)، تقدَّمَ تحقيق قدرهِ، (ويغتسلُ بالصاعِ)؛ وهوَ أربعةُ أمدادٍ، ولِذَا قال:(إلى خمسةِ أمدادٍ) كأنهُ قال: بأربعةِ أمدادٍ إلى خمسة [أمداد]
(6)
(متفقٌ عليهِ). وتقدَّمَ أنهُ صلى الله عليه وسلم توضأَ بثلثي مدٍّ. وقَدَّمْنَا أنهُ أقلُّ ما قُدِّرَ بهِ ماءُ وضوئِه
(7)
صلى الله عليه وسلم، ولو أَخَّرَ المصنفَ ذلكَ الحديثَ إلى هُنَا، أوْ قدَّمَ هذَا لكانَ أَوْفَقَ لحسنِ الترتيبِ.
(1)
زيادة من النسخة (أ).
(2)
في النسخة (أ): (أن يغسل).
(3)
البخاري (1/ 304) رقم (201)، ومسلم (1/ 258) رقم (51/ 325)، قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 72) رقم (95)، وأبو عوانة (1/ 233).
• المد= (544) غرامًا.
• الصاع= (4 × 544) = (2176) غرامًا.
انظر كتابنا: (الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والموازين الشرعية).
(4)
زيادة من النسخة (ب).
(5)
زيادة من النسخة (أ).
(6)
زيادة من النسخة (ب).
(7)
تقدم من حديث عبد الله بن زيد رقم (10/ 38)، وهو حديث حسن.
وظاهرُ هذا الحديثِ أن هذا غَايةُ ما كانَ ينتهي إليهِ وضوؤهُ صلى الله عليه وسلم وغسلُهُ، ولا ينافيهِ حديثُ عائشةَ الذي أخرجهُ البخاريُّ
(1)
: (أنهُ صلى الله عليه وسلم توضأَ مِنْ إِناءٍ واحدٍ يقالُ لهُ: الفَرَقُ) بفتحِ الفاءِ والراءِ، وهوَ إناءٌ يسعُ تسعةَ عشرَ رِطْلًا؛ لأنهُ ليسَ في حديثِهَا أنهُ كانَ ملآنًا ماءً، بلْ قولُها:(منْ إناءٍ)، يدلُّ على تبعيضِ ما توضأَ منهُ.
وحديثُ أنسٍ هَذا، [والحديث]
(2)
الذي سلفَ عنْ عبدِ اللَّهِ بن زيدٍ، يرشدانِ إلى تقليلِ ماءِ الوضوءِ، والاكتفاءِ باليسيرِ منهُ. وقدْ قالَ البخاريُّ
(3)
: وَكَرِهَ أَهْلُ العِلمِ فيهِ - أي [في]
(4)
ماءِ الوضوءِ - أنْ يتجاوزَ فعلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ما يُقال بعد الوضوء
24/ 52 - وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُسْبغُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ). [صحيح]
أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(5)
، وَالتِّرْمِذِي
(6)
وَزَادَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، واجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ).
(1)
أخرج البخاري في (صحيحه)(1/ 363) رقم (250) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنتُ أغتسِلُ أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، مِنْ قَدَح يقالُ له: الفَرَق).
• الفَرَقُ= (8253) غرامًا.
(2)
زيادة من النسخة (أ).
(3)
في (صحيحه)(1/ 232) الباب الأول من كتاب الوضوء.
(4)
زيادة من النسخة (أ).
(5)
في (صحيحه)(1/ 209) رقم (17/ 234).
(6)
في (سننه)(1/ 77) رقم (55).
قلت: وأخرجه أحمد (4/ 145 - 146، 153)، وأبو عوانة (1/ 225)، وأبو داود (1/ 118) رقم (169)، والنسائي (1/ 92) رقم (148)، وابن ماجه (1/ 159) رقم (470)، والبيهقي (1/ 78) و (2/ 280) من طرق عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب .. ولم يذكر الترمذي في سنده عقبة بن عامر، وأعلَّه الترمذي بالاضطراب وليس كذلك، فإنه أضطراب مرجوح.
فالحديث صحيح، واللَّه أعلم.
ترجمة عمر بن الخطاب
(وَعَنْ عُمَرَ)
(1)
بضمِّ العينِ المهملةِ، منقولٌ من جمع عُمْرةَ.
هوَ أبو حفصٍ عُمرُ بنُ الخطابِ القرشيُّ، يجتمعُ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في كعبِ بن لؤيٍّ. أسلمَ سنةَ ستٍّ من النبوةِ، وقيلَ: سنةَ خمسٍ، بعدَ أربعينَ رجلًا. وشهدَ المشاهدَ كلَّها معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولهُ مشاهدُ في الإسلامِ وفتوحاتٌ في العراق والشامِ. وتوفيَ [في]
(2)
غُرَّةِ المحرمِ سنةَ أربع وعشرينَ، طعنهُ أبو لؤلؤةَ غلامُ المغيرةِ بن شعبةَ، وخلافتُهُ عشرُ سنينَ ونصفٌ.
(قَالَ: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الوُضُوءَ) تقدَّمَ أنهُ إتمامُهُ (ثمَّ يقولُ) بعدَ [إتمامِهِ]
(3)
: (أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللَّهُ - وحدَهُ لا شريكَ لهُ - وأشهدُ أن محمدًا عَبدُهُ ورسولُهُ، إلَّا فتِحَتْ له أبوابُ الجنةِ).
[هو]
(4)
منْ باب {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} عبَّرَ عن الآتي بالماضي؛ لِتَحَقُّقِ وقوعِهِ.
والمرادُ: تفتحُ لهُ يومَ القيامةِ يدخلُ مِنْ أيِّها شاءَ.
(أخرجهُ مسلمٌ)، وأبو داود
(5)
، [وابن ماجه]
(6)
، [وابن حبان]
(7)
، (والترمذيُّ، وزادَ: اللهمَّ اجعلنْي منَ التوابينَ واجعلنْي منَ المتطهِّرينَ) جمعَ بينَهما؛ إلمامًا بقولهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ}
(8)
.
ولما كانتِ التوبةُ طهارةَ الباطنِ منْ أدرانِ الذنوبِ، والوضوءُ طهارةَ الظاهرِ عن الأحداثِ المانعةِ عن التقرُّبِ إليهِ تَعَالى، ناسبَ الجمعُ بينَهما [في]
(9)
طلبِ ذلكَ منَ اللَّهِ تعالى غايةَ المناسبةِ في طلبِ أنْ يكونَ السائلُ محبوبًا للَّهِ، وفي زمرةِ المحبوبينَ لهُ.
(1)
انظر ترجمته في: (الإصابة)(7/ 74) رقم (5731)، و (الاستيعاب)(8/ 242) رقم (1878)، و (جامع الأصول)(8/ 606 - 625) رقم (6427 - 6454)، و (أسد الغابة)(4/ 52 - 78)، و (الرياض المستطابة) ص (147 - 155).
(2)
زيادة من النسخة (ب).
(3)
في النسخة (أ): (تمامه).
(4)
في النسخة (أ): (هذا).
(5)
في (السنن)(1/ 118) رقم (169) كما تقدم.
(6)
في (السنن)(1/ 159) رقم (470) كما تقدم، وما بين الحاصرتين زيادة من النسخة (ب).
(7)
في (الإحسان)(3/ 325) رقم (1050)، وما بين الحاصرتين زيادة من النسخة (أ).
(8)
سورة البقرة: الآية (222).
(9)
في النسخة (ب): (أي).
وهذهِ الروايةُ - وإنْ قالَ الترمذيُّ - بعدَ إخراجه الحديثَ -: في إسنادهِ اضطرابٌ - فصدرُ الحديثِ ثابتٌ في مسلمٍ، وهذهِ الزيادةُ قدْ رَوَاهَا البزارُ
(1)
، والطبرانيُّ في "الأوسط"
(2)
، منْ طريقِ ثوبانَ بلفظِ:"منْ دَعَا بوضوءٍ فتوضأَ، فساعةَ فَرَغَ منْ وضوئهِ يقولُ: أشهدُ أنْ لا إلَه إلَّا اللَّهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ اجعلْنِي منَ التوَّابينَ، واجعلني منَ المتطهِّرينَ"، ورواهُ ابنُ ماجَه
(3)
منْ حديثِ أنسٍ، وابنُ السنيِّ في "عمل اليوم والليلةِ"
(4)
، والحاكمُ في "المستدرك"
(5)
منْ حديثِ أبي سعيدٍ بلفظِ: "منْ توضأَ فقالَ: سبحانَكَ اللَّهم وبحمدِكَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ، كُتِبَ في رقٍّ ثمَّ طُبعَ بطابَعٍ، فلا يُكسَرُ إلى يومِ القيامة"، وصحَّحَ النسائيُّ أنهُ موقوفٌ
(6)
. وهذا الذكرُ عقيبَ الوضوءِ.
قال النوويُّ: قالَ أصحابُنَا: ويُسْتَحَبُّ - أيضًا - عقيبَ الغسلِ.
وإلى هُنا انتهى بابُ الوضوءِ. ولمْ يذكرِ المصنفُ مِنَ الأذكارِ فيه إلَّا حديثَ التسميةِ في أوَّلهِ، وهذا الذكرُ في آخرِهِ. وأمَّا حديثُ الذكرِ معَ غَسْلِ كلِّ عضوٍ، فلمْ يذكرْهُ للاتفاقِ على ضعفهِ.
(1)
عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 101) وسكت عليه.
(2)
أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 239) وقال: "رواه الطبراني في "الأوسط" - (رقم 4895) - و"الكبير" (2/ 100 رقم 1441) باختصار. وقال في "الأوسط": تفرَّد به مسور بن مورع ولم أجد من ترجمه، وفيه أحمد بن سهيل الورَّاق ذكره ابن حبان في "الثقات"، وفي إسناد الكبير أبو سعيد البقال، والأكثر على تضعيفه، ووثقه بعضهم".
قلت: وأخرجه ابن السنِّي في "عمل اليوم والليلة"(رقم: 32) من حديث ثوبان، وفيه أبو سعيد الأعور، وهو ضعيف.
(3)
في "السنن"(1/ 159 رقم 469)، وهو حديث ضعيف.
(4)
(رقم 30).
قلت: وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(رقم 81) مرفوعًا، و (رقم 82) موقوفًا.
وذكره الهيثمي في "المجمع"(1/ 244) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" رقم (1455) ورجاله رجال الصحيح.
وصحَّحه الألباني في "الإرواء"، وصحَّحه مرفوعًا وموقوفًا الدكتور فاروق حمادة محقِّق "عمل اليوم والليلة" للنسائي (ص 173).
(5)
(1/ 564) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
(6)
في "عمل اليوم والليلة"(ص 173).
قالَ النوويُّ: الأدعيةُ في أثناءِ الوضوءِ لا أصلَ لها، ولمْ يذكرْهَا المتقدِّمونَ. وقالَ ابنُ الصَّلاحِ: لم يصحَّ فيهِ حديثٌ
(1)
.
هذَا ولا يَخْفَى حسنُ خَتْمِ المصنِّفِ بابَ الوضوءِ بهذا الدعاء الذي يقالُ عندَ تمامِ الوضوءِ فعلًا، فقَالَهُ عندَ تمامِ أدلتِهِ تأليفًا.
وعقَّبَ الوضوءَ بالمسحِ على الخفينِ؛ لأنهُ منْ أحكامِ الوضوءِ فقالَ:
* * *
(1)
وتعقَّبه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 100) بقوله: "روي فيه عن علي، من طرق ضعيفة جدًّا، أوردها المستغفري في "الدعوات"، وابن عساكر في "أماليه" وهو من رواية أحمد بن مصعب المروزي، عن حبيب بن أبي حبيب الشيباني عن أبي إسحاق السبيعي عن علي، وفي إسناده من لا يعرف.
ورواه صاحب مسند الفردوس من طريق أبي زرعة الرازي عن أحمد بن عبد الله بن داود، حدثنا محمود بن العباس، حدثنا المغيث بن بُديل عن خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد، عن الحسن عن علي نحوه، ورواه ابن حبان في الضعفاء، من حديث أنس نحو هذا، وفيه عباس بن صهيب، وهو متروك. ورواه المستغفري من حديث البراء بن عازب، وليس بطوله، وإسناده واه اهـ.
قلت: إن هذا التعقُّب لا طائل تحته، واللَّه أعلم.
[الباب الخامس] باب المسح على الخُفين
أيْ بابُ ذكرِ أدلة شرْعيةِ ذلكَ. والخُفُّ: نعلٌ منْ أدمٍ يغطي الكعبين، [والجُرْمُوقُ
(1)
خفٌّ كبيرٌ يُلْبَسُ فوقَ خُفِّ كبير، والجوربُ فوقَ الجُرْمُوقِ يغطي الكعبينِ بعض التغطيةِ دونَ النعلِ، وهي تكونُ دونَ الكعابِ]
(2)
.
1/ 53 - عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَوضَّأ، فَأَهْوَيْت لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ:"دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ". فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. [صحيح]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
.
- وَللأَرْبَعَةِ عَنْهُ إِلَّا النَّسَائِيَّ
(4)
: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ.
وفي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ. [ضعيف]
(1)
بضم الجيم والميم مُعرَّب وهو خُفٌّ فوق خفٍّ. "تحرير ألفاظ التنبيه" أو "لغة الفقه" للنووي (ص 35).
(2)
زيادة من المطبوع.
(3)
البخاري (1/ 309 رقم 206)، ومسلم (1/ 230 رقم 79/ 274).
(4)
وهم: أبو داود (1/ 116 رقم 165)، والترمذي (1/ 162 رقم 97)، وابن ماجه (1/ 183 رقم 550).
قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى"(رقم 84)، وأحمد في "المسند"(4/ 251)، والدارقطني (1/ 195 رقم 6)، والبيهقي (1/ 290).
من طريق الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيْوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة.
قال أبو داود (1/ 117): "وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء". =
(عَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم) أيْ: في سفرٍ، كما صرَّحَ بهِ البخاريُّ. وعندَ مالكٍ
(1)
، وأبي داودَ تعيينُ السفرِ أنهُ في غزوةِ تبوكٍ، وتعيينَ الصلاةِ أنَّها صلاةُ الفجرِ، (فتوضأَ) أي: أخذَ في الوضوءِ، كما صرَّحتْ بهِ الأحاديثُ، ففي لفظٍ:"تمضمضَ واستنشقَ ثلاثَ مراتٍ"، وفي أخرى:"فمسحَ برأسهِ"، فالمرادُ بقولهِ:"توضأْ" أخذَ فيهِ، لا أنهُ استكملهُ، كما هوَ ظاهرٌ للفظِ، (فَأَهْوَيْتُ) أيْ: مددتُ يدي، أوْ قصدتُ الهويَّ منَ القيامِ إلى القعودِ (لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ)، كأنهُ لم يكنْ قدْ علمَ برخصةِ المسحِ، أو علمَها وظنَّ أنهُ صلى الله عليه وسلم سيفعلُ الأفضلَ، بناءً على أن الغَسْلَ أفضلُ، ويأتي فيهِ الخلافُ، أوْ جوَّزَ أنهُ لم يحصلْ شَرطُ المسحِ، وهذا الأخيرُ أقربُ لقولِهِ:(فَقَالَ: دَعْهُمَا) أي: الخفينِ (فإني أدخلْتُهما طاهرتينِ) حالٌ من القدمينِ، كما تبينُه روايةُ أبي داودَ:"فإني أدخلتُ القدمينِ الخفينِ، وهُما طاهرتانِ".
(فمسحَ عليهمَا. متفقٌ عليه) بينَ الشيخينِ. ولفظهُ هُنَا للبخاريِّ. وذكرَ البزارُ أنهُ رُويَ عن المغيرةِ مِنْ ستينَ طريقًا، وذكرَ منها ابنُ مَنْدَهْ خمسةً وأربعينَ طريقًا"
(2)
.
والحديثُ دليلٌ على جوازِ المسحِ على الخفينِ في السفرِ؛ لأنَّ هذا الحديثَ ظاهرٌ فيه [كما عرفت]
(3)
، وأمَّا في الحَضَرِ، فسيأتي الكلامُ عليهِ في الحديثِ الثالث
(4)
.
= وقال الترمذي (1/ 163): "وهذا حديث معلول، لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم".
قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح، لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة، قال: حُدِّثت عن كاتب المغيرة: مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُذكر فيه المغيرة".
قلت: وهو حديث ضعيف.
انظر: "التلخيص الحبير"(1/ 159 - 160)، و"نصب الراية"(1/ 181 - 182).
(1)
في "الموطأ"(1/ 35 رقم 41).
(2)
ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 158).
(3)
زيادة من النسخة (أ).
(4)
حديث علي رضي الله عنه رقم (4/ 56).
وقدِ اختلفَ العلماءُ في جوازِ ذلكَ، فالأكثرُ على جوازِهِ سفرًا لهذا الحديثِ، وحضرًا لغيرهِ منَ الأحاديثِ. "قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: فيهِ أربعونَ حديثًا عن الصحابةِ مرفوعةٌ [وموقوفة].
وقال ابنُ أبي حاتمٍ: فيهِ عنْ أحدٍ وأربعينَ صحابيًا.
وقال ابنُ عبد البرِّ في "الاستذكارِ": رَوى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم المسحَ على الخفينِ نحوٌ منْ أربعينَ مِنَ الصحابةِ. ونقلَ ابنُ المنذرِ عن الحسنِ البصريِّ قالَ: حدثني سبعونَ منْ أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ كانَ يمسحُ على الخفينِ. وذكرَ أبو القاسِمِ ابنُ مَنْدَهْ أسماءَ مَنْ رواهُ في تذكرتِهِ، فبلغُوا ثمانينَ صحابيًا"
(1)
. والقولُ بالمسحِ قولُ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ عليه السلام، وسعدِ بن أبي وقاصٍ، وبلالٍ، وحذيفَة، وبُريدَة، وخزيمةَ بن ثابتٍ، وسلمانَ، وجريرٍ البجليِّ، وغيرِهمْ.
قالَ ابنُ المباركِ: ليسَ في المسحِ على الخفَّينِ بينَ الصحابةِ اختلافٌ، لأنَّ كلَّ مَنْ رُوِيَ عنهُ إنكارُهُ فقدْ رُوِيَ عنهُ إثباتُهُ.
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: لا أعلمُ أنهُ رُوِيَ عَنْ أحدٍ منَ السلفِ إنكارُهُ إلَّا عنْ مالكٍ، معَ أن الروايةَ الصحيحةَ عنهُ مصرِّحةٌ بثباتِهِ.
قالَ المصنفُ: قدْ صرَّحَ جمعٌ منَ الحفاظِ بأنَّ المسحَ متواترٌ.
وقالَ بهِ أبو حنيفَةَ والشافعيُّ وغيرُهُما، مستدلينَ بما سمعت
(2)
. وروي عن
(1)
ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 158).
(2)
قلت: لقد بلغ أسماء من روى المسح على الخفين من الصحابة ثمانون، منهم: أُبَيُّ بنُ عِمارَةَ، أُسَامَة بنُ زَيْد، أُسامَةُ بن شريك، أنس بن مالك، أوس بن أبي أوس الثقفي، بُديل: حليف لبني لخم، البراء بن عازب، بُرَيْدَةُ بنُ الحُصَيْب، بلال، ثوبان، جابرُ بن سمُرة، جابرُ بنُ عبدِ الله، جَرِيرُ بنُ عبدِ الله البجلي، حُذَيْفَةُ، خَالد بن عرفظة، خزيمةُ بن ثابت، ربيعة بن كعب الأسلمي، زيد بن خريم، سعد بن أبي وقاص، سلمان الفارسي، سَهْلُ بنُ سَعْدٍ الساعديُّ، شبيب بن غالب، الشريد بن سويد، صفوانُ بنُ عَسَّال، عبادة بن الصامت، عبد الله بن رواحة، عبد الله بن عباس، عبد الله بن عمر، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن مغفل، عبد الرحمن بن بلال، عبد الرحمن بن حسنة، عصمة بن مالك، علي بن أبي طالب، عمار بن ياسر، عمر بن الخطاب، عَمْرُو بنُ أُميَّة الضمري، عَمْرُو بنُ حزم، عَمْرُو بن بلال، عوف بن مالك الأشجعي، عائشة، قيس بن سعد، =
الهادويةِ والإماميةِ والخوارجِ القولُ بعدمِ جوازِهِ، واستدلُّوا بقولِهِ تعالى:{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
(1)
، قالوا: فعيَّنتِ الآيةُ مباشرةَ الرجلينِ بالماءِ، واستدلُّوا - أيضًا - بما سلفَ في بابِ الوضوءِ منْ أحاديثِ التعليمِ، وكلُّها عيَّنتْ غَسْلَ الرجلينِ.
قالوا: والأحاديثُ التي ذكرتُم في المسحِ منسوخةٌ بآيةِ المائدةِ، والدليلُ على النسخِ قولُ عليٍّ عليه السلام: سبقَ الكتابُ الخُفينِ
(2)
، وقولُ ابن عباسٍ: ما مسحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعد المائدةِ
(3)
.
وأُجِيْبَ (أوَّلًا): بأنَّ آيةَ الوضوءِ نزلتْ في غزوة المُرَيْسيعِ
(4)
، ومسحهُ صلى الله عليه وسلم في
= كَعْب بن عَجْرَة، مَالك بن ربيعة، مالك بن سعد، مسلم والد عوسجة، معقل بن يسار، المغيرَةُ بنُ شُعْبَةَ، ميمونة أم المؤمنين، يسار بن سويد الجهني، يعلى بن مرة، أبو أمامة سهل بن حنيف، أبو أيوب الأنصاري، أبو بكر الصديق، أَبُو بَكْرَةَ نفيع بن الحارث، أبو بردة، أبو برزة، أبو ذر، أبو زيد، أبو سعيد الخدري، أبو طلحة، أبو موسى الأشعري، أبو هريرة، أم سعد الأنصارية
…
وقد قمت بتخريج أحاديثهم في كتابي "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الطهارة. فانظره إن شئت.
(1)
سورة المائدة: الآية 6.
(2)
أورده البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 272) وقال عقبه: "ولم يرو ذلك عنه بإسنادٍ موصول يثبت مثله".
قلت: وقد روى الإمام المهدي في "البحر"(1/ 70) عن علي رضي الله عنه القول بمسح الخفين.
(3)
لأنه لم يثبت له مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين بعد نزول المائدة فلما ثبت رجع إليه.
ذكره البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 272).
وقال النووي في "المجموع"(1/ 478): "وأما ما روي عن علي وابن عباس وعائشة من كراهة المسح فليس بثابت بل ثبت في "صحيح مسلم" (1/ 232 رقم 276) - وغيره - كأحمد في "المسند" (1/ 96) عن علي رضي الله عنه أنه روى المسح على الخفين عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
".
قلت: أما عائشة، فقد ثبت عنها في "صحيح مسلم"(1/ 232 رقم 276) أنها أحالت بعلم ذلك إلى علي رضي الله عنه وعلي أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة فيه.
(4)
المُرَيسيع: ماء لبني المُصْطَلِق يقالُ له: المُرَيسيع، من ناحية قُدَيد إلى الساحل. لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم فيه واقتتلوا، فهزَم الله بني المصطلقِ. وكانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست. "السيرة النبوية" لابن هشام (3/ 401).
غزوة تبوك
(1)
كما عرفت - والمريسيع قبلها اتفاقًا، فكيف ينسخ المتقدِّم المتأخِّر؟
(وثانيًا): بأنه لو سُلِّم تأخر آية المائدةِ، فلا منافاةَ بينَ المسح والآيةِ؛ لأنَّ قولَه تعالى:{وَأَرْجُلَكُمْ}
(2)
مطلقٌ، وقيَّدتهُ أحاديثُ المسحِ على الخفِّ، أوْ عامٌّ وخصَّصتْهُ تلكَ الأحاديثُ. وأمَّا ما رُوي عنْ عليٍّ عليه السلام فهوَ حديثٌ منقطعٌ، وكذا ما رُوِيَ عن ابن عباسٍ، معَ أنهُ يخالفُ ما ثبتَ عنهمَا منَ القولِ بالمسحِ.
وقد عارضَ حديثَهما ما هوَ أصحُّ منهما، وهو حديثُ جريرٍ البجليِّ
(3)
؛ فإنهُ لما رُوِيَ أنهُ رأى رسولَ اللَّهِ يمسحُ على خُفَّيهِ، قيلَ لهُ: هلْ كانَ ذلكَ قبلَ المائدةِ أوْ بعدَها؟ قالَ: وهلْ أسلمتُ إلَّا بعدَ المائدةِ؟ وهوَ حديثٌ صحيحٌ.
وأمَّا أحاديثُ التعليم فليسَ فيها ما ينافي جوازَ المسحِ على الخفينِ، فإنَّها كلَّها فيمنْ ليسَ عليهِ خُفَّانِ، فأيُّ دلالةٍ على نفي ذلكَ، على أنهُ قدْ يقالُ: قد ثبتَ في آيةِ المائدةِ القراءةُ بالجرِّ لأرجلِكمْ عطفًا على الممسوحِ وهوَ الرأسُ، فيحملُ على مسحِ الخفينِ كما بيَّنَتْهُ السنةُ، ويتمُّ ثبوتُ المسحِ بالسنَّةِ والكتابِ، وهوَ أحسنُ الوجوهِ التي تُوَجَّهُ بها قراءةُ الجرِّ.
[ما يشترط للمسح على الخفَّين]
إذا عرفتَ هذا، فللمسحِ [عند القائلينَ به]
(4)
شرطانِ:
(1)
تبوك: موضع بين وادي القُرَى والشام، وقيل بركة لأبناء سعد من بني عُذرة؛ وقال أبو زيد: تبوك بين الحِجر وأول الشام على أربع مراحل من الحجر نحو نصف طريق الشام، وهو حصن به عين ونخل وحائط ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .... " "معجم البلدان" (2/ 14).
وكانت غزوة تبوك في رجب سنة تسع، "السيرة النبوية" لابن هشام (4/ 215).
(2)
سورة المائدة: الآية 6.
(3)
أخرجه البخاري (1/ 494 رقم 387)، ومسلم (1/ 227 رقم 272)، وأبو داود (1/ 107 رقم 154)، والترمذي (1/ 155 رقم 93)، والنسائي (1/ 81)، وابن ماجه (1/ 180 رقم 543)، وابن خزيمة (1/ 94 رقم 186)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 81، 82)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(3/ 191)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 270)، والطيالسي (ص 92 رقم 668)، وأحمد (4/ 358)، والدارقطني (1/ 193 رقم - 5)، وعبد الرزاق (1/ 194 رقم 756)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 108)، وابن أبي شيبة (1/ 176) واستدركه الحاكم (1/ 169) لزيادة وقعت عنده.
(4)
زيادة من النسخة (أ).
الأول: ما أشارَ إليهِ الحديثُ - وهوَ لبسُ الخفَّينِ - معَ كمالِ طهارةِ القدمينِ، وذلكَ بأنْ يلبسهما وهوَ على طهارةٍ تامةٍ: بأن يتوضأَ حتَّى يكملَ وضوءَه ثمَّ يلبسُهما، فإذا أحدثَ بعدَ ذلك حدثًا أصغرَ جاز المسحُ عليهما، بناءً على أنهُ أريدَ "بطاهرتينِ" الطهارةُ الكاملةُ، وقدْ قيلَ: بلْ يُحْتَمَلُ أنهمَا طاهرتانِ عن النجاسةِ، يُروَى عنْ داودَ. ويأتي منَ الأحاديثِ ما يقويِّ القولَ الأولَ.
والثاني: مستفادٌ منْ مُسَمَّى الخفِّ؛ فإنَّ المرادَ بهِ الكاملُ؛ لأنهُ المتبادرُ عندَ الإطلاقِ، وذلكَ بأنْ يكونَ ساترًا قويًا، مانعًا نفوذَ الماءِ، غيرَ مخرَّقٍ، فلا يُمْسَحُ على ما لا يسترُ العقِبينِ، ولا على مخرَّقٍ يبدو منهُ محلُّ الفرْضِ، ولا على منسوجٍ؛ إذْ لا يمنعُ نفوذَ الماءِ، ولا مغصوبٍ؛ لوجوبِ نزعهِ.
هذَا وحديثُ المغيرةِ لم يبيِّنْ كيفيةَ المسحِ، ولا كميتَهُ ولا محلَّهُ، ولكنَّ الحديث الثاني الذي أفادهُ قولُ المصنفِ (وللأربعةِ عنهُ إلا النسائيَّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مسحَ أعلى الخفِّ وأسفَلهُ، وفي إسنادِهِ ضعفٌ) بَيَّنَ أن محلَّ المسحِ أعلَى الخفِّ وأسفَلَهُ، ويأتي مَنْ ذهبَ إليهِ، ولكنهُ قدْ أشارَ إلى ضعفهِ، وقد بَيَّنَ وجهَ ضعفِهِ في "التلخيص"
(1)
، وأنَّ أئمةَ الحديثِ ضعَّفوهُ بكاتبِ المغيرةِ هذا، وكذلكَ بَيَّنَ محلَّ المسحِ وعارضَ حديثَ المغيرةِ هذَا.
كيفية المسح على الخفين
2/ 54 - وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرأيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاهُ، وَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ). [حسن]
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
(2)
.
قولُه: (وَعَنْ عَليٍّ عليه السلام أنهُ قالَ: لو كَانَ الدِّينُ بالرأي) أيْ: بالقياسِ،
(1)
(1/ 159 - 160).
(2)
في "السنن"(1/ 114 رقم 162)، وهو حديثٌ حسن.
قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 199 رقم 23)، والبيهقي (1/ 292)، والدارمي (1/ 181)، وابن أبي شيبة (1/ 181) من رواية عبد خير عن علي رضي الله عنه.
وملاحظةِ المعاني (لكانَ أسْفَلُ الخُفِّ أَوْلَي بالمَسْحِ مِنْ أَعْلاه) أي: ما تحتَ القدَمينِ [أولى]
(1)
بالمسحِ منَ الذي هوَ [على]
(2)
أعلاهُما؛ لأنهُ الذي يباشرُ المشيَ، ويقعُ على ما ينبغي إزالتُهُ، بخلافِ أعلاهُ، وهوَ ما [غطى] ظهْرَ القدمِ. (وَقَدْ رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يمسحُ عَلى ظاهِرِ خُفَّيْهِ. أخرجهُ أبو داودَ بإسنادٍ حسنٍ)، وقالَ المصنفُ في "التلخيص"
(3)
: إنهُ حديثٌ صحيحٌ.
والحديثُ فيهِ إبانةٌ لمحلِّ المسحِ على الخفينِ، وأنهُ ظاهرُهُما لا غيرُ، ولا يُمسحُ أسفلُهُما. وللعلماءِ في ذلك قولانِ:
أحدُهُما: أن يغمسَ يديهِ في الماءِ، ثمَّ يضعُ باطنَ كفِّهِ اليسرَى تحتَ عقِب الخُفِّ، وكفَّهُ اليُمنى عَلَى أطرافِ أصابعِهِ، ثمَّ يُمِرُّ اليُمنى إلى ساقِهِ، واليُسرَى إلىَ أطرافِ أصابعهِ، وهذا للشافعيِّ.
واستدلَّ لهذهِ الكيفيةِ بما وردَ في حديثِ المغيرةِ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم مسحَ على خفَّيهِ، ووضعَ يدَهُ اليمنى على خُفِّهِ الأيمنِ، ويدَهُ اليسرى على خفهِ الأيسرِ، ثمَّ مسحَ أعلاهُما مسحةً واحدةً، كأنِّي أنظرُ أصابَعهُ على الخفينِ"، رواه البيهقيُّ
(4)
، وهوَ منقطعٌ، على أنهُ لا يفي بتلكَ الصفةِ.
وثانيهمَا: مسحُ أعلى الخُفِّ دونَ أسفلِهِ، وهي التي أفادَها حديثُ عليٍّ عليه السلام هذا، وأمَّا القدرُ المجزئُ منْ ذلكَ فقيلَ: لا يُجزئُ إلَّا قدرَ ثلاثِ أصابعَ بثلاثِ أصابعَ، وقيل: ثلاث ولوْ بأصبعٍ، وقيلَ: لا يجزئُ إلَّا إذا مسحَ أكثرِهِ، وحديثُ عليٍّ، وحديثُ المغيرةِ المذكورانِ في الأصلِ ليسَ فيهما تعرضٌ لذلكَ.
نعمْ قد رُوِي عنْ عليٍّ عليه السلام: "أنهُ رأى رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يمسحُ على ظهرِ الخُفِّ خطوطًا بالأصابعِ". قالَ النوويُّ
(5)
: إنهُ حديثٌ ضعيفٌ. ورُوي عنْ
(1)
في النسخة (ب): "أحق".
(2)
زيادة من النسخة (ب).
(3)
(1/ 160).
قلت: لكن البيهقي (1/ 292) قال: "وعبد خير لم يحتج به صاحبا الصحيح".
(4)
في "السنن الكبرى"(1/ 292). وقال الذهبي في "المهذب في اختصار السنن الكبرى"(1/ 292): "فيه انقطاع ما".
(5)
في "المجموع شرح المهذب"(1/ 522).
جابرٍ
(1)
: "أنهُ صلى الله عليه وسلم أرَى بعضَ مَنْ علَّمَهُ المسحَ أنْ يمسحَ بيدِه منْ مُقدَّمِ الخفَّينِ إلى أصلِ الساقِ مرةً، وفرَّجَ بينَ أصابعهِ". قالَ المصنفُ
(2)
: إسنادُهُ ضعيف جدًّا، فعرفتَ أنهُ لمْ يَردْ في الكيفيةِ ولا الكميةِ حديثٌ يُعْتَمَدُ عليهِ إلا حديثٌ عليٍّ في بيانِ محلِّ المسحِ. والظاهرُ أنهُ إذا فعلَ المكلَّفُ ما يُسَمَّى مسحًا على الخفِّ لغةً أجزأهُ. وأمَّا مقدارُ زمانِ جوازِ المسحِ فقدْ أفادَهُ:
توقيت المسح على الخفين
3/ 55 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأَمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، ولَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ". [حسن]
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(3)
، وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ
(5)
وَصَحّحَاهُ.
ترجمة صفوان بن عسَّال
(وَعَنْ صَفْوَانَ)
(6)
بفتحِ الصَّادِ المهملةِ، وسكونِ الفاءِ (ابن عَسَّالٍ) بفتحِ المهملةِ، وتشديدِ السينِ المهملةِ وباللامِ، المراديِّ، سكنَ الكوفةَ.
(قالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمُرنَا إذَا كنَّا سَفْرًا) جمعُ سافِرَ كتَجْرَ جمعُ تاجِر (ألَّا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أيامٍ وليالِيَهُنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) أي: فَنَنْزَعُها، ولو قبلَ مرورِ
(1)
أخرجه ابن ماجه في "السنن"(1/ 183 رقم 551).
قال السندي في "شرح سنن ابن ماجه"(1/ 196): الحديث لم يذكره صاحب "الزوائد" وهو فيما أراه من الزوائد. وفي سنده بقية، وهو متكلم فيه. وهذا الحديث والذي قبله غير موجود في نسخة حلب. وانظر:"مصباح الزجاجة"(1/ 135 رقم 228).
وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه" عن الحديث بأنه ضعيف جدًّا.
(2)
في "التلخيص الحبير"(1/ 160).
(3)
في "السنن"(1/ 83 رقم 127).
(4)
في "السنن"(1/ 159 رقم 96)، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
(5)
في "صحيحه"(1/ 99 رقم 196).
(6)
انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(4/ 376 رقم 750)، و"تاريخ الصحابة الذين روي عنهم الأخبار" لأبي حاتم محمد بن حبان البستي (ص 135 رقم 663)، و"الثقات"(3/ 191).
الثلاثِ، (وَلَكِنْ) لا ننزعهنَّ (منْ غائطٍ وبولٍ ونومٍ)، أي: لأجلِ هذه الأحداثِ، إلَّا إذا مرَّتِ المدةُ المقدَّرةُ، (أخرجه النسائيُّ، والترمذيُّ، واللفظُ لهُ، وابنُ خزيمةَ، وصحَّحاهُ) أي: الترمذيُّ وابنُ خزيمة.
ورواهُ الشافعيُّ
(1)
، وابنُ ماجه
(2)
، وابنُ حبانَ
(3)
، والدَّارقطني
(4)
، والبيهقيُّ
(5)
. وقالَ الترمذيَّ
(6)
عن البخاريِّ: إنهُ حديثٌ حسنٌ. بلْ قالَ البخاريُّ: ليسَ في التوقيت شيءٌ أصحَّ منْ حديمثِ صفوانَ بن عسَّالٍ المرادِيِّ. وصححهُ الترمذيُّ والخطابيُّ.
والحديثُ دليلٌ على توقيتِ إباحةِ المسحِ على الخفينِ للمسافرِ ثلاثةَ أيامٍ ولياليهنَّ. وفيهِ دلالةٌ على اختصاصهِ بالوضوءِ دونَ الغسلِ وهو مجمعٌ عليهِ. وظاهرُ قولهِ: "يأمرُنا" الوجوبُ، ولكنَّ الإجماعَ
(7)
صرفَهُ عنْ ظاهرهِ فبقيَ للإباحة [أو الندب]
(8)
.
وقدْ اختلفَ العلماءُ: هلِ الأفضلُ المسحُ على الخفينِ أو خلعُهما وغسلُ القدمينِ؟ قال المصنفُ
(9)
عن ابن المنذرِ: والذي اختاره أن المسحَ أفضلُ، وقال النوويُّ
(10)
: صرَّحَ أصحابُنا بأنَّ الغُسْلَ أفضلُ بشرطِ أنْ لا يتركَ المسحَ رغبةً عن السنةِ، كما قالُوا في تفضيلِ القصرِ على الإتمامِ.
(1)
في "ترتيب المسند"(1/ 41 رقم 122).
(2)
في "السنن"(1/ 161 رقم 478).
(3)
في "صحيحه"(2/ 308 رقم 1317).
(4)
في "السنن"(1/ 196 رقم 15).
(5)
في "السنن"(1/ 276) و (1/ 289).
قلت: وأخرجه الطيالسي (ص 160 رقم 1166)، وابن أبي شيبة (1/ 177 - 178)، وأحمد (4/ 239)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 96)، والدولابي في "الكنى"(1/ 179)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 82)، وأبو نُعيم في "الحلية"(7/ 308 رقم 390)، وهو حديثٌ حسنٌ.
وانظر: "نصب الراية" للزيلعي (1/ 182 - 183)، و"إرواء الغليل" للألباني (1/ 140 - 141 رقم 104).
(6)
في "السنن"(1/ 161).
(7)
ذكره المنذري في كتابه "الإجماع"(ص 34 رقم 14).
(8)
في النسخة (ب): "وللندب".
(9)
في "فتح الباري"(1/ 305 - 306).
(10)
في "المجموع"(1/ 478 - المسألة الرابعة).
4/ 56 - وَعَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِب رضي الله عنه قَالَ: جَعَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ثلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً للْمُقيمِ - يَعْنِي في الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ -. [صحيح]
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(1)
.
(وَعَنْ عليٍّ عليه السلام قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ - يعني في المسحِ على الخفين -)، هذَا مُدْرَجٌ مِنْ كَلامِ عليٍّ رضي الله عنه أو منْ غيرِهِ منَ الرواةِ. (أخرجهُ مسلمٌ). وكذلكَ أخرجهُ أبو داودَ
(2)
، والترمذيُّ
(3)
، وابنُ حبانَ
(4)
.
والحديثُ دليل على توقيت المسح على الخفين للمسافر كما سلف في الحديث قبله، ودليلٌ على مشروعيةِ المسحِ للمقيمِ - أيضًا -، وعلى تقديرِ زمانِ إباحتِهِ بيومٍ وليلةٍ [للمقيم](5). وإنَّما زادَ [النبي صلى الله عليه وسلم]
(5)
في المدَّة للمسافرِ؛ لأنهُ أحقُّ بالرخصةِ منَ المقيمِ؛ لمشقةِ السفر.
المسح على العصائب والتساخين
5/ 57 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ - يَعْنِي الْعَمَائِمَ - وَالتّسَاخِينَ - يَعْنِي الخِفَافَ. [حسن]
(1)
في "صحيحه"(1/ 232 رقم 85/ 276).
(2)
أي الطيالسي في "المسند"(ص 15 رقم 92).
(3)
أشار إليه الترمذي في "السنن"(1/ 159) بقوله: "وفي الباب عن علي
…
".
(4)
في "صحيحه"(2/ 311 - 312 رقم 1328).
قلت: وأخرجه الحميدي (1/ 25 رقم 46)، وعبد الرزاق (1/ 202 رقم 788)، وابن أبي شيبة (1/ 177)، وأحمد في "المسند"(1/ 96)، والدارمي (1/ 181)، والنسائي (1/ 84)، وابن ماجه (1/ 183 رقم 552)، وابن خزيمة (1/ 97 رقم 194)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 81)، وأبو عوانة (1/ 261)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 83)، والبيهقي (1/ 275)، وأبو يعلى في "المسند"(1/ 229 رقم 4/ 264)، وهو حديث حسن.
(5)
زيادة من النسخة (أ).
رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
، وَأَبُو دَاوُدَ
(2)
، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
(3)
.
ترجمة ثوبان
(وَعَنْ ثَوْبَانَ)
(4)
بفتحِ المثلثةِ تثنيةُ ثوبٍ، وهوَ أبو عبدِ اللَّهِ أو أبو عبدِ الرحمنِ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: والأولُ أصحُّ. ابنُ بُجْدُدٍ - بضم الموحدةِ وسكونِ الجيمِ وضمِّ الدالِ المهملةِ الأولَى - وقيلَ: ابنُ جُحْدَرٍ - بفتحِ الجيمِ وسكونِ الحاءِ المهملةِ فدالٍ مهملةٍ فراءٍ - وهوَ منْ أهلِ السَّرَاةِ، موضعٌ بينَ مكةَ والمدينةِ. وقيلَ: منْ حِمْيَرٍ، أصابهُ سَبيٌ فشراهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولمْ يزلْ ملازمًا لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سفرًا وحضرًا، إلى أنْ تُوُفِيَ صلى الله عليه وسلم، فنزلَ الشامَ، ثمَّ انتقلَ إلى حِمصَ، فتوفيَ بها سنةَ أربعٍ وخمسينَ. (قَالَ: بعثَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سريةً" فأمرهُم أن يمسحُوا على العصائبِ - يعني العمائم)، [فسمِّيتْ عصابةً]
(5)
، لأنهُ يعصبُ بها الرأسُ، (والتَّسَاخِينُ) بفتح المثناة، بعدَها سينٌ مهملةٌ، وبعدَ الألفِ
(1)
في "المسند"(5/ 281).
(2)
في "السنن"(1/ 101 رقم 146).
(3)
في "المستدرك (1/ 169). وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وتعقبه الزيلعي في "نصب الراية" (1/ 165) فقال: "وفيه نظر؛ فإنه من رواية ثور بن يزيد عن راشد بن سعد به، وثور لم يرو له مسلم، بل انفرد به البخاري، وراشد بن سعد لم يحتج به الشيخان.
وقال أحمد: لا ينبغي أن يكون راشد سمع من ثوبان، لأنه مات قديمًا. وفي هذا القول نظر، فإنهم قالوا: إن راشدًا شهد مع معاوية صفين، وثوبان مات سنة (54 هـ). ومات راشد سنة (108 هـ)، ووثقه ابن معين وأبو حاتم، والعجلي، ويعقوب بن شيبة، والنسائي. وخالفهم ابن حزم فضعفه، والحق معهم" اهـ.
قلت: وقد جزم البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 292) بان راشد بن سعد سمع من ثوبان وكفى بهذا حجة في إثبات سماعه من ثوبان.
قلت: وأخرج الحديث الدولابي في "الكنى"(1/ 114)، والطبراني في "الكبير"(2/ 86 رقم 1409)، وهو حديث حسن.
(4)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(7/ 400)، و"التاريخ الكبير"(2/ 181 رقم 2128)، و"الجرح والتعديل"(2/ 469 - 470 رقم 1907)، و"معجم الطبراني الكبير"(2/ 91 - 103 رقم 172)، و"حلية الأولياء"(1/ 180 - 183 رقم 31) و (1/ 350)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 140 - 141 رقم 96)، و"تهذيب التهذيب"(2/ 28 رقم 54)، و"العِبر"(1/ 42)، و"الإصابة"(2/ 29 رقم 963)، و"الاستيعاب"(2/ 106 رقم 283).
(5)
في النسخة (أ): "سميت عصائب".
خاءٌ معجمةٌ، فمثناةٌ تحتيةٌ، فنونٌ. جمعُ تَسْخَانٍ. قالَ في القاموس
(1)
: التَّسَاخِينُ المراجِلُ والخِفَافُ. وفسَّرَهَا الراوي بقولهِ: (يعني الخِفَافَ) جمعُ خُفٍّ. والظاهرُ أنهُ وما قبلَهُ فِي قولهِ: - يعني العمائمِ - مدرجٌ في الحديثِ منْ كلامِ الراوي.
(رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، وصححهُ الحاكمُ).
ظاهرُ [الحديثِ]
(2)
أنهُ يجوزُ المسحُ على العمائمِ كالمسحِ على الخفَّينِ. وهلْ يشترطُ فيها الطهارةُ للرأسِ والتوقيتُ كالخفينِ؟ لم نجدْ فيهِ كلامًا للعلماء. ثمَّ رأيتُ بعدَ ذلكَ في حواشي القاضي عبدِ الرحمنِ على بلوغِ المرامِ، أنهُ يشترطُ في جوازِ المسحِ على العمائم أنْ يعتمَّ الماسحُ بعدَ كمالِ الطهارةِ كما يفعلُ الماسحُ على [الخُفِّ أيضًا]
(3)
. وقالَ: وذهبَ إلى المسحِ على العمائمِ بعضُ العلماءِ، ولم يذكرْ لما ادَّعاهُ دليلًا. وظاهرهُ - أيضًا - أنهُ لا يشترطُ للمسحِ عليها عُذْرٌ، وأنهُ يجزئُ مسحُها وإنْ لم يمسَّ الرأسَ ماءٌ أصلًا.
وقالَ ابنُ القيم
(4)
: إنهُ صلى الله عليه وسلم مسحَ علَى العِمامةِ فقطْ، ومسحَ على الناصيةِ وكمَّلَ [على العِمامةِ]
(5)
، وقيلَ: لا يكونُ ذلكَ إلَّا للعذرِ؛ لأنَّ في الحديثِ هذا عندَ أبي داودَ
(6)
: "أنهُ صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأصابَهُم البردُ، فلما قَدِمُوا على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمرَهُم أنْ يمسحُوا على العصائب والتَّسَاخِينِ"؛ فيُحملُ ذلكَ على العذرِ، وفي هذَا الحملِ بُعد، وإن جنحَ إلى الَقولِ بهِ في الشرح، لأنهُ قد ثبتَ المسحُ على الخفينِ والعِمامةِ منْ غيرِ عذرٍ في غير هذا [الحديث]
(7)
.
6/ 58 - وَعَنْ عُمَرَ
(8)
رضي الله عنه مَوْقُوفًا. [أثر عمر إسناده قوي]
(1)
"المحيط"(ص 1555)، و"النهاية"(1/ 189).
(2)
زيادة من النسخة (أ).
(3)
في النسخة (ب): "الخفين".
(4)
في "زاد المعاد"(1/ 199).
(5)
في النسخة (أ): "بالعمامة".
(6)
في "السنن"(1/ 101 رقم 146) من حديث ثوبان، وهو حديث صحيح.
(7)
زيادة من (ب).
(8)
أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرجه الدارقطني (1/ 203 رقم 1).
وقال الآبادي في "التعليق المغني": قال صاحب التنقيح: إسناده قوي، وأسد بن موسى صدوق، وثقه النسائيُّ وغيره. ولم يعلُّه ابن الجوزي في التحقيق بشيء، وإنما قال: هو محمول على مدة الثلاث.
- وَعَنْ أَنَسٍ
(1)
مَرْفُوعًا -: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلا يَخْلَعْهُمَا - إِنْ شَاءَ - إِلَّا مِن الْجَنَابَةِ".
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. [حديث أنس شاذ]
تعريف الموقوف
(وَعَنْ عُمَرَ مَوْقوفًا) الموقوفُ
(2)
: هوَ ما كانَ منْ كلامِ الصحابيِّ ولمْ ينسبْهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(وعنْ أنسٍ مرفُوعًا) إليه صلى الله عليه وسلم (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فلبسَ خفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا). تقييدُ اللبسِ والمسح ببعدِ الوضوءِ دليلٌ على أنهُ أريدَ بطاهرتين فِي حديثِ المغيرةِ، وما في معناهُ الطهارةُ المحقَّقةُ منَ الحدثِ الأصغرِ، (وَلْيُصَلِّ فيهمَا وَلا يَخْلَعْهُمَا إنْ شَاءَ)، قيَّدَهُما بالمشيئةِ دَفْعًا لما يفيدُه ظاهرُ الأمرِ منَ الوجوبِ، وظاهرُ النهيِ منَ التحريمِ، (إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ)، فقدْ عرفتَ أنهُ يجبُ خلعُهما. (أخرجه الدارقطنيُّ، والحاكمُ وصحَّحهُ).
والحديثُ قد أفادَ شرطيَّةَ الطهارةِ، وأطلقَهُ عن التوقيتِ، فهوَ مقيدٌ بهِ، كما يفيدُهُ حديثُ صفوانَ [بن عسَّالٍ رضي الله عنه]
(3)
، وحديثُ عليٍّ عليه السلام.
7/ 59 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيلَةً، إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ: أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا). [حسن]
(1)
حديث أنس أخرجه الدارقطني (1/ 203 رقم 2)، والبيهقي (1/ 279)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 181)، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وصرَّح بأنه تفرَّد به عبد الغفار، وهو ثقة، والحديث شاذ. وانظر:"نصب الراية" للزيلعي (1/ 179).
(2)
الموقوف ومطلقهُ يختص بالصحابي، ولا يُستعمل فيمن دونه إلا مقيدًا، وقد يكون إسناده متَّصلًا وغيرَ متَّصل، وهو الذي يسمِّيه كثير من الفقهاء والمحدِّثين أيضًا: أثَرًا. وعزاه ابنُ الصَّلاح إلى الخراسانيين: أنهم يسمُّون الموقوف أثرًا.
قال: وبلغنا عن أبي القاسم الفُوراني أنه قال: الخبر ما كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأثَرُ: ما كان عن الصحابي.
"الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث"، للحافظ ابن كثير. تأليف: أحمد محمد شاكر (ص 43).
(3)
زيادة من (ب).
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(1)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزْيَمَةَ
(2)
.
ترجمة أبي بكرة
(وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ)
(3)
بفتحِ الموحدةِ، وسكونِ الكافِ، وراءٍ - اسمُهُ نُفيعُ - بضمِّ النونِ، وفتحِ الفاءِ، وسكونِ المثناةِ التحتيةِ، آخرُه عيْنٌ مهملةٌ - بنُ مَسْرُوحٍ [بفتح الميم، وسكون السين المهملة، وضم الراء وآخره حاء مهملة، كما في "جامع الأصول"]
(4)
. وقيلَ: ابنُ الحارث.
وكانَ أبو بَكْرَةَ يقولُ: أنا مولى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ويأبى أنْ ينتسب، وكان نزل من حصن الطائف عند حصاره صلى الله عليه وسلم لهُ في جماعةٍ مِنْ غلمانِ أهلِ الطائفِ وأسلمَ وأعتقَهُ صلى الله عليه وسلم وكانَ من فضلاءِ الصحابةِ.
قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: كان [مثلَ النضرِ بن عبادةَ]
(5)
، ماتَ بالبصرةِ سنةَ إِحدَى أو اثنتينِ وخمسينَ، وكانَ أولادُهُ أشرافًا بالبصرةِ بالعلمِ والولاياتِ، ولهُ عَقبٌ كثيرٌ.
(عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةَ أيامٍ ولَيَالِيَهُنَّ) أي: في المسحِ على الخُفينِ، (وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِذَا تَطَهَّرَ) أي: كلٌّ منَ المقيمِ والمسافرِ إذا تَطهَّر مِنَ الحدثِ الأصغرِ، (فلبسَ خُفَّيْهِ)، ليسَ المرادُ منَ الفاءِ التعقيبَ بلْ مجرَّدَ العطفِ، لأنهُ معلومٌ أنهُ ليسَ شرطًا في المسحِ، (أنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا. أخرجه الدارقطنيُّ، وصحَّحة ابنُ خزيمةَ)، وصحَّحهُ الخطابيُّ أيضًا. ونقلَ البيهقيُّ أن الشافعيَّ صحَّحهُ
(6)
. وأخرجهُ ابنُ حبانَ
(7)
، وابنُ الجارودِ
(8)
، وابنُ
(1)
في "السنن"(1/ 194 رقم 1).
(2)
في "صحيحه"(1/ 96 رقم 192).
(3)
انظر ترجمته في: "الإصابة"(10/ 183 رقم 8794)، و"الاستيعاب"(11/ 157 - 160 رقم 2877)، و"شذرات الذهب"(1/ 58)، و"العقد الثمين"(7/ 347 - 349 رقم 2603) و (8/ 29 - 30 رقم 2835)، و"البداية والنهاية"(5/ 278)، و"تهذيب التهذيب"(10/ 418 - 419 رقم 848)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 198 رقم 303)، و"الكامل في التاريخ"(3/ 489 - 443)، و"الكنى"(1/ 18)، و"العِبر"(1/ 41)، و"طبقات ابن سعد"(7/ 15 - 16).
(4)
زيادة من النسخة (أ): وأما في النسخة (ب): "مسروج" وهو تصحيف.
(5)
في (ب): مثل النصل من العبادة.
(6)
في "سنن حرملة"، "التلخيص الحبير"(1/ 157 رقم 215).
(7)
في "صحيحه"(2/ 309 رقم 1321).
(8)
في "المنتقى"(رقم 87).
أبي شيبة
(1)
، والبيهقيُّ
(2)
، والترمذيُّ في العللِ
(3)
.
والحديثُ مثلُ حديثِ عليٍّ عليه السلام في [إفادةِ]
(4)
مقدارِ المدةِ للمسافرِ والمقيمِ، ومثلُ حديثِ عمرَ وأنسٍ في شرطيةِ الطهارةِ، وفيهِ إبانةُ [أن]
(5)
المسحَ رُخصةٌ لتسميةِ الصحابيِّ لهُ بذلك.
دليل عدم توقيت المسح ضعيف
8/ 60 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ على الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: يَوْمًا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: وَيَوْمَيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَمَا شِئْتَ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
. [ضعيف]
وَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
ترجمة أُبي بن عمارة
(وَعَن أُبَيٍّ) بضمِّ الهمزةِ، وتشديدِ المثناةِ التحتيةِ، (ابْنِ عِمَارَةَ) بكسرِ العينِ المهملةِ، وهوَ المشهورُ، وقدْ تضمُّ. قالَ المصنفُ في "التقريب"
(7)
: "مدنيٌّ سكنَ
(1)
في "المصنف"(1/ 179).
(2)
في "السنن الكبرى"(1/ 281).
(3)
المفردة، "التلخيص الحبير"(1/ 175 رقم 215).
قلت: وأخرج الحديث الشافعي في "المسند"(1/ 42 رقم 123)، وابن ماجه (1/ 184 رقم 556)، والدولابي في "الكنى"(2/ 109)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 82)، وهو حديث حسن.
وقد حسَّنه النووي في "المجموع"(1/ 484) وغيره.
(4)
في النسخة (أ): "إفادته".
(5)
في النسخة (أ): "بان".
(6)
في "السنن"(1/ 109 رقم 158).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 178)، وابن ماجه (1/ 185 رقم 557)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 79)، والدارقطني (1/ 198 رقم 19)، والحاكم (1/ 170)، والبيهقي (1/ 278 - 279).
وهو حديث ضعيف. وقال النووي في "المجموع"(1/ 482)"اتفقوا على أنه ضعيف مضطرب لا يُحتج به"، وقال في "شرح مسلم" (3/ 176):"وهو حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث".
(7)
(1/ 48 رقم 320).
مصرَ له صُحبةٌ، في إسنادِ حديثهِ اضطرابٌ"، يريدُ هذَا الحديثَ ومثلَهُ.
قَالَ ابنُ عبدِ البرِّ في "الاستيعابِ"
(1)
: (أنهُ قَالَ: يا رسولَ اللَّهِ، أمسحُ على الخفينِ؟ قالَ: نعمْ، قالَ: يومًا؟ قَالَ: نعمْ، قالَ: ويومينِ؟ قالَ: نعمَ، قالَ: وثلاثةَ أيامٍ؟ قالَ: نعمْ وما شئتَ. أخرجهُ أبو داودَ وقالَ: ليسَ بالقويِّ).
قالَ الحافظُ المنذريُّ في "مختصرِ السننِ"
(2)
: وبمعناهُ - أي بمعنى ما قالهُ أبو داودَ - قالَ البخاريُّ: وقالَ الإمامُ أحمدُ: رجالُهُ لا يُعرَفُونَ. وقال الدارقطنيُّ
(3)
: هذا إسنادٌ لا يثبتُ اهـ.
وقالَ ابنُ حبَّانَ: لستُ أعتمدُ على إسنادِ خبرهِ. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: لا يثبتُ، وليسَ لهُ إسنادٌ قائمٌ. وبالغَ ابنُ الجوزيِّ
(4)
فعدَّهُ في الموضوعاتِ
(5)
.
وهوَ دليلٌ على عدمِ توقيتِ المسحِ في حضرٍ ولا سفرٍ، وهوَ مرويٌّ عنْ مالكٍ وقديمِ قولَيِ الشافعيِّ، ولكنَّ الحديثَ لا يقاوِمُ مفاهيمَ الأحاديثِ التي سلفتْ ولا يُدَانيها، ولو ثبتَ لكانَ إطلاقُهُ مقيَّدًا بتلكَ الأحاديثِ، كما يقيدُ هذا بشرطيةِ الطهارةِ التي [أفادتْها]
(6)
.
هذَا وأحاديثُ بابِ المسحِ تسعةٌ، وعدَّها في الشرحِ ثمانيةً، وَلا وجهَ لهُ.
* * *
(1)
(1/ 135 رقم 8).
قلت: وانظر ترجمته في "الإصابة"(1/ 25 رقم 29)، و"تهذيب التهذيب"(1/ 163 رقم 349).
(2)
(1/ 119 - 120).
(3)
في "السنن"(1/ 198).
(4)
في "العلل المتناهية"(1/ 358) وقال: هذا حديث لا يصح، قال أحمد بن حنبل: ورجاله لا يعرفون. وقال الدارقطني: هذا إسناد لا يثبت، وعبد الرحمن ومحمد وأيوب مجهولون.
(5)
وانظر: "التلخيص الحبير"(1/ 162 رقم 220)، و"نصب الراية"(1/ 177 - 178).
(6)
في النسخة (أ): "أفادته".
[الباب السادس] بابُ نواقضِ الوضوءِ
النواقضُ جمعُ ناقضٍ، والنقضُ في الأصلِ حلُّ المُبرَمٍ، استُعمِلَ في إبطالِ الوضوءِ بما عيَّنهُ الشارعُ مُبطلًا مجازًا، ثمَّ صارَ حقيقةً عُرفيَّةً. وناقضُ الوضوءِ ناقضٌ للتيمم فإنهُ بدلٌ عنهُ.
ما النوم الناقض للوضوء؟
1/ 61 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَهْدِهِ، يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رُؤُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّأُونَ. [صحيح]
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
، وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(2)
، وأَصْلُهُ في مُسْلِمٍ
(3)
.
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كانَ أصحابُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَي عَهْدِهِ يَنْتَظِرُونَ العِشَاءَ حتى تَخْقِقَ) منْ بابِ ضربَ يضربُ، أي: تميلَ (رُؤُوسُهُمْ)، أي: مِنَ النومِ (ثمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ. أخرجه أبو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الدارقُطنيُّ، وأصلُهُ في مسلم).
وأخرجهُ الترمذيُّ
(4)
وفيهِ: "يوقظَونَ للصلاةِ"، وفيهِ: "حتى إنِي لأسمعُ
(1)
في "السنن"(1/ 137 رقم 200).
(2)
في "السنن"(1/ 131 رقم 3) وقال: صحيح.
(3)
في "صحيحه"(1/ 284 رقم 125/ 376).
(4)
في "السنن"(1/ 113 رقم 78) بلفظ حديث الباب. وأما اللفظ الآتي فعزاه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 116) للترمذي.
قلت: وأخرجه البيهقي (1/ 119)، وعبد الرزاق (1/ 130 رقم 483)، وابن أبي شيبة (1/ 132)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 34 رقم 84)، وأحمد (3/ 268)، والبغوي في "شرح السنة"(1/ 338 رقم 163). وهو حديث صحيح بطرقه.
لأحدِهم غَطيطًا، ثمَّ يقومونَ فيصلُّونَ ولا يتوضأونَ"، وحملهُ جماعةٌ منَ العلماءِ على نوم الجالسِ. ودفعَ هذا التأويلُ بأنَّ في رواية عنْ أنسٍ:(يضعونَ جنوبَهم)[رواها]
(1)
يحيى القطانُ.
قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: يُحملُ على النومِ الخفيفِ. ورُدَّ بأنهُ لا يناسبهُ ذكرُ الغطيطِ والإيقاظِ، فإنهمَا لا يكونانِ إلَّا في نوم مستغرقٍ. وإذا عرفتَ هذَا، فالأحاديثُ قدِ اشتملتْ على خفقةِ الرأسِ، وعلَى الغطيطِ، وعلى الإيقاظِ، وعلى وضعِ الجنوبِ، وكلُّها وصفَتْ بأنَّهمْ كانُوا لا يتوضئونَ منْ ذلك.
أقوال العلماء في نقض الوضوء بالنوم
فاختلفَ العلماءُ في ذلكَ على أقوالٍ ثمانيةٍ:
الأولُ: أن النومَ ناقضٌ مطلقًا على كلِّ حالٍ، بدليلِ إطلاقِهِ في حديثِ صفوانَ بن عسالٍ
(2)
الذي سلفَ في مسحِ الخفينِ وفيهِ: "منْ بولٍ أو غائطٍ أو نومٍ".
قالُوا: فجعلَ مطلقَ النومِ كالغائطِ والبولِ في النقضِ، وحديثُ أنسٍ
(3)
بأيِّ عبارةٍ رُوي ليسَ فيهِ بيانُ أنَّهُ قرَّرهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على ذلكَ، ولا رآهم، فهُوَ فعلُ صحابيٍّ لا يُدرَى كيفَ وقعَ، والحجةُ إنما هي في أفعالهِ، وأقوالهِ، وتقريراتهِ صلى الله عليه وسلم.
[القولُ]
(4)
الثاني: أنهُ لا ينقضُ مطلقًا؛ لما سلفَ منْ حديثِ أنسٍ
(5)
وحكايةِ نومِ الصحابةِ على تلكَ الصفاتِ، ولوْ كانَ ناقضًا لما أقرَّهُم اللَّهُ عليه، ولأوحى إلى رسولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذلكَ، كما أوحيَ إليهِ في شأنِ نجاسةِ نعلِهِ، وبالأوْلَى صحةُ صلاةِ مَنْ خلفَهُ، ولكنهُ يردُّ عليهمْ حديثُ صفوانَ [بن عسالٍ
(6)
.
القولُ]
(7)
الثالثُ: أن النومَ ناقضٌ كلَّه، إنما يُعْفَى عنْ خَفْقَتَينِ وَلَو توالتَا،
(1)
في النسخة (ب): "رواه".
(2)
وهو حديث حسن، تقدم تخريجه رقم (3/ 55).
(3)
أي: حديث الباب (1/ 61)، وهو حديث صحيح.
(4)
زيادة من النسخة (أ).
(5)
أي: حديث الباب (1/ 61)، وهو حديث صحيح.
(6)
وهو حديث حسن، تقدم تخريجه رقم (3/ 55).
(7)
زيادة من النسخة (أ).
وعنِ الخفَقَاتِ المتفرِّقاتِ، وهو مذهبُ الهادويةِ. والْخَفْقَةُ هي ميلانُ الرأسِ منَ النُّعاسِ، وحدُّ الْخَفْقَةِ أنْ لا يستقرَّ رأسهُ منَ الميلِ حتَّى يستيقظَ، ومَنْ لمْ يُمِلْ رأسَهُ عُفِيَ لَهُ عَنْ قدرِ خَفْقَةٍ، وهي ميلُ الرأسِ فقطْ، حتى يصلَ ذقنهُ صدرَهُ، قياسًا على نومِ الخفقةِ، ويحملونَ أحاديث أَنَسٍ
(1)
على النُّعاسِ الذي لا يزولُ معهُ التمييزُ ولا يخفى بُعْدُهُ.
القول الرابعُ: أن النومَ ليس بناقضٍ بنفسهِ بلْ هوَ مظنَّةٌ [للنقضِ]
(2)
لا غيرُ، فإذا نامَ جالسًا ممكِّنًا مِقْعَدَتَهُ منَ الأرضِ لم ينتقضْ وإلَّا انتقضْ، وهوَ مذهبُ الشافعيِّ. واستدلَّ بحديثِ عليٍّ
(3)
عليه السلام: "العينُ وِكاءُ السَّهِ، فمنْ نَامَ فليتوضأْ". حسَّنَهُ الترمذيُّ إلا أنَّ فيهِ مَنْ لا تقومُ بهِ حجةٌ، وهُوَ بقيةُ بنُ الوليدِ
(4)
وقدْ عَنْعَنَهُ، وحملَ أحاديثَ أنسٍ على مَنْ نامَ ممكِّنًا مقعدتهُ، جَمْعًا بينَ الأحاديثِ، وقُيِّدَ حديثُ صفوانَ
(5)
بحديثِ عليٍّ عليه السلام هَذا. [وقال: معنى حديث علي رضي الله عنه أن النوم مظنة لخروج شيء من غير شعور، فالنوم ناقض لا بنفسه]
(6)
.
الخامسُ: أنهُ إذا نامَ على هيئةٍ من هيئاتِ المصلِّي راكعًا أو ساجدًا أو قائمًا فإنهُ لا ينقض وضوؤهُ، سواءٌ كانَ في الصلاةِ أو خارجَها، فإنْ نامَ مضطجعًا أو على قفاهُ نُقِضَ. واستُدلَّ لهُ بحديثِ: "إذا نامَ العبدُ في سجوده باهى اللَّهُ بهِ
(1)
أي حديث الباب (1/ 61)، وهو حديث صحيح.
(2)
في النسخة (أ): "النقض".
(3)
أخرجه أبو داود (1/ 140 رقم 203)، وأحمد (2/ 166 رقم 887 - شاكر)، وابن ماجه (1/ 161 رقم 477)، والبيهقي (1/ 118)، وهو حديث حسن.
• وأخرجه أحمد (4/ 96 - 97)، والدارمي (1/ 184)، والبيهقي (1/ 118) من حديث معاوية بن أبي سفيان، وهو حديث حسن.
(4)
بقية بن الوليد الحمصي: اختلف فيه كثيرًا، والحق أنه ثقة مأمون إذا حدَّث عن ثقة وصرَّح بالتحديث. وقد روى عنه شعبة، وهو لا يروي إلا عن ثقة. وقد ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 150 رقم 2012) فلم يذكر فيه جرحًا، وقد صرَّح عند أحمد بالسماع من شيخه الوضين بن عطاء الخزاعي وهو ثقة.
وانظر كلام الشيخ أحمد شاكر في: "تخريج مسند أحمد"(2/ 166 - 167).
(5)
وهو حديث حىس، تقدم تخريجه رقم (3/ 55).
(6)
زيادة من (أ).
الملائكةَ يقولُ: عبدِي روحهُ عندِي، وجسدهُ ساجدٌ بينَ يديَّ"، رواه البيهقيُّ
(1)
وغيرُهُ وقدْ ضُعِّفَ. قالُوا: فسمَّاهُ ساجدًا وهو نائمٌ، ولا سجودَ إلَّا بطهارةٍ. وأُجيبَ بأنهُ سمَّاهُ باعتبارِ أولِ أمرهِ أو باعتبارِ هيئتهِ.
السادسُ: أنهُ ينقضُ إلا نومُ الراكعِ والساجدِ للحديثِ الذي سبقَ، وإنْ كانَ خاصًّا بالسجودِ، فقدْ قاسَ عليهِ الركوعَ، كما قاسَ الذي قبلَهُ سائرَ هيئاتِ المصلِّي.
السابعُ: أنهُ لا ينقضُ النومُ في الصلاةِ على أيّ حالٍ، وينقضُ خارجَها.
وحجَّتهُ الحديثُ المذكورُ؛ [فإنه]
(2)
حجَّةُ الأقوالِ الثلاثةِ.
الثامنُ: أنَّ كثيرَ النومِ ينقضُ على كلّ حالٍ ولا ينقضُ قليلُهُ. وهؤلاءِ يقولونَ: إنَّ النومَ ليسَ بناقضٍ بنفسهِ، بلْ مظنةُ النقضِ، والكثيرُ مظنةٌ بخلافِ القليلِ، وحملُوا أحاديثَ أنسٍ
(3)
على القليلِ، إلَّا أنهمْ لم يذكرُوا قَدْرَ القليلِ ولا الكثيرِ حتى يُعْلمَ كلامُهم بحقيقتهِ، وهلْ هوَ داخلٌ تحتَ أحدِ الأقوالِ أم لا؟
فهذهِ أقوالُ العلماءِ في النومِ، اختلفتْ أنظارُهم فيهِ؛ لاختلافِ الأحاديثِ التي ذكرْناها، وفي البابِ أحاديثُ لا تخلُو عنْ قدْحٍ أعرضنْا عنْها.
والأقربُ القولُ بأنَّ النومَ ناقضٌ؛ لحديثِ صفوانَ، وقدْ عرفتَ أنهُ صحَّحهُ ابنُ خزيمةَ والترمذيُّ والخطابيُّ، ولكنَّ لفظَ النومِ في حديثهِ مطلقٌ، ودلالةُ الاقترانِ ضعيفةٌ، فلا يقالُ: قدْ قُرِنَ بالبولِ والغائطِ، وهما ناقضانِ على كلِّ حالٍ.
(1)
في "الخلافيات" من حديث أنس كما في "التلخيص الحبير"(1/ 120 رقم 163)، وقال:"فيه داود بن الزبرقان، وهو ضعيف".
وروي من وجه آخر، عن أبان عن أنس، وأبان متروك.
ورواه ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ"، من حديث المبارك بن فضالة، وذكره الدارقطني في "العلل"، من حديث عباد بن راشد، كلاهما عن الحسن عن أبي هريرة. بلفظ: "إذا نام العبد وهو ساجد، يقول الله: انظروا إلى عبدي، قال: وقيل عن الحسن بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: والحسن لم يسمع من أبي هريرة. اهـ.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف، وقد ضعَّفه وتكلَّم عليه المحدِّث الألباني في "الضعيفة" (رقم: 953) فأجاد وأفاد.
(2)
في النسخة (أ): "بأنه".
(3)
أي: حديث الباب (1/ 61)، وهو حديث صحيح.
ولما كانَ مطلقُ ورودِ حديثِ أنسٍ بنومِ الصحابةِ، وأنهمْ كانُوا لا يتوضئونَ ولو غطُّوا غطيطًا، وبأنهمْ كانُوا يضعونَ جنوبَهم، وبأنهمْ كانوا يُوقَظُونَ، والأصلُ جلالةُ قدرِهم، وأنهمْ لا يجهلونَ ما ينقضُ الوضوءَ، سِيَّما وقدْ حكاهُ أنسٌ عن الصحابةِ مطلقًا، ومعلومٌ أن فيهمُ العلماءَ العارفينَ بأمورِ الدينِ، خصوصًا الصلاة التي هي أعظمُ أركانِ الإسلامِ، وسِيَّما الذينَ كانُوا منهمْ ينتظرونَ الصلاةَ معهُ صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّهمْ أعيانُ الصحابةِ، وإذا كانُوا كذلكَ فَيُقَيَّدُ مطلقُ حديثِ صفوانَ بالنومِ المستغرِقِ، الذي لا يبقَى معهُ إدراكٌ، وَيُؤَوَّلُ ما ذكرهُ أنسٌ منَ الغطيطِ ووضعِ الجُنوبِ والإيقاظِ بعدمِ الاستغراقِ، فقدْ يغطُّ منْ هوَ في مبادئِ نومهِ قبلَ استغراقِهِ.
ووضعُ الجَنْبِ لا يستلزمُ الاستغراقَ؛ فقدْ كانَ صلى الله عليه وسلم يضعُ جَنْبَهُ بعدَ ركعتي الفجرِ ولا ينامُ، فإنهُ كانَ يَقومُ لصلاةِ الفجرِ بعدَ وضعِ جَنْبِهِ، وإنْ كانَ قدْ قيلَ: إنهُ منْ خصائصهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ لا ينقضُ نومُهُ وضوءَهُ، [على أن عدم]
(1)
ملازمةِ النومِ لوضعِ الجنْبِ معلومةٌ، والإيقاظُ قدْ يكونُ لمنْ هوَ في مبادئِ النومِ فينبَّهُ لئلَّا يستغرقَهُ النومُ.
هذَا وقدْ أُلحِقَ بالنومِ الإغماءُ والجنونُ والسُّكرُ بأيِّ مُسْكِرٍ، بجامعِ زوالِ العقلِ. وذكرَ في الشرحِ أنهمُ اتفقُوا على أن هذهِ الأمورَ ناقضةٌ، فإنْ صحَّ كانَ الدليلُ الإجماعَ
(2)
.
المستحاضة تتوضأ لكل صلاة
2/ 62 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ
(1)
في النسخة (ب): "فعدم".
(2)
قال ابن المنذر في كتابه "الإجماع"(ص 31 رقم 2): "وأجمعوا على أن خروج الغائط من الدُّبُر، وخروج البول من الذَّكرِ، وكذلك المرأة، وخروج المني، وخروج الريح من الدُّبُر، وزوال العقل بأي وجه زال العقل، أحداث، ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء" اهـ.
الصلَاةَ؟ قَالَ؟ "لا، إِنَّما ذَلكِ عِرْقٌ، وَلَيسَ بحَيْضٍ: فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذا أَدْبَرَتْ فَاغْسلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي". [صحيح]
[مُتَّفق عليه]
(1)
.
- وَللْبُخَارِيِّ
(2)
: "ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ".
وَأَشَارَ مُسْلِمٌ
(3)
إِلَى أَنَّهُ حَذَفَهَا عَمْدًا.
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ) حُبَيْشٌ بضَمِّ الحاءِ المهملةِ، وفتحِ الباءِ الموحدةِ، وسكونِ المثناةِ التحتيةِ، فشينٍ معجمةٍ. وفاطمةُ قرشيةٌ أَسَدِيةٌ؛ وهي زوجُ عبدِ اللَّهِ بن جحشٍ، (إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: يا رسولَ اللَّهِ، إني امرأةٌ أُسْتَحَاضُ) منَ الاستحاضةِ [وهي]
(4)
جريانُ الدمِ منْ فرجِ المرأةِ في غيرِ أوانِهِ، (فلا أطهرُ، أفأدعُ الصلاةَ؟ قالَ: لا إنما ذلِكِ) بكسرِ الكافِ خطابٌ للمؤنثِ، (عِرْقٌ) بكسرِ العينِ المهملةِ، وسكونِ الراءِ فقافٍ.
وفي "فتحِ الباري" أن هذا العِرْقَ يُسَمَّى العاذلَ، بعيْنٍ مهملةٍ، وذالٍ معجمةٍ. ويقالُ: عاذرٌ بالراءِ بدلًا عن اللام كما في "القاموس"
(5)
، (وليسَ بحيضٍ) فإنَّ الحيضَ يخرجُ منْ قَعْرِ رحمِ المرأةِ، فهَو إخبارٌ باختلافِ المخرجينِ، وهوَ ردٌّ لقولِها:(لا أطهرُ)، لأنَّها اعتقدتْ أن طهارةَ الحائضِ لا تُعْرَفُ إِلَّا بانقطاعِ الدمِ فَكَنَّتْ بعدمِ الطهرِ عن اتصالهِ، وكانت قدْ علمتْ أن الحائض لا تصلِّي، [فظنَّت]
(6)
أن ذلكَ الحكمَ مقترنٌ بجريانِ الدمِ، فأبانَ لها صلى الله عليه وسلم أنهُ ليسَ بحيضٍ، وأنَّها طاهرةٌ يلزمُها الصلاةُ.
(1)
البخاري (1/ 409 رقم 306) و (1/ 425 رقم 325) و (1/ 420 رقم 320) و (1/ 428 رقم 331) و (1/ 331 رقم 228)، ومسلم (1/ 262 رقم 62/ 333) و (1/ 263 - 264 رقم 63 و 64 و 65 و 66/ 334)، ومالك في "الموطأ"(1/ 61 رقم 104)، وأبو داود (1/ 194 رقم 282) و (1/ 209 رقم 298)، والترمذي (1/ 217 رقم 125)، والنسائي (1/ 183 - 185)، وابن ماجه (1/ 205 رقم 626).
(2)
في "صحيحه"(1/ 331 رقم 228).
(3)
في "صحيحه"(1/ 263).
(4)
في النسخة (ب): "وهو".
(5)
"المحيط"(ص 562) و (ص 1332).
(6)
في النسخة (أ): "وظنت".
(فَإِذا أقبلتْ حَيْضَتُكِ) بفتحِ الحاءِ ويجوزُ كسرُها، والمرادُ بالإقبالِ ابتداءُ دمِ الحيضِ (فَدَعِي الصَّلَاةَ) يتضمنُ نهيَ الحائضِ عن الصَّلاةِ، وتحريمَ ذلكَ عليها وفسادَ صلاتِها، وهُوَ إجماعٌ، (وَإِذَا أَدْبَرَتْ) هوَ ابتداءُ انقطاعِهَا (فاغْسِلي عَنْكِ الدَّمَ) أي: واغتسلي، وهوَ مستفادٌ من أدلةٍ أخْرَى (ثمَّ صلي. متفقٌ عليه).
الحديثُ دليلٌ على وقوعِ الاستحاضةِ، وعلى أن لها حكمًا يخالفُ حكمَ الحيضِ. وقد بيَّنهُ صلى الله عليه وسلم أكملَ بيانٍ، فإنَّهُ أفتاهَا بأنَّها لا تدعُ الصلاةَ معَ جريانِ الدمِ، وبأنَّها تنتظرُ وقتَ إقبالِ حيضتِها فتتركُ الصلاةَ فيها، وَإِذَا أَدْبَرَتْ غسلتِ الدمَ واغتسلتْ، كما وردَ في بعضِ طرقِ البخاريِّ
(1)
: "وَاغْتَسلِي"، وفي بعضهِا كروايةِ المصنفِ هنَا الاقتصارُ على غسلِ الدمِ.
والحاصلُ أنهُ قد ذكرَ الأمرَ أن في الأحاديثِ الصحيحةِ غسلُ الدمِ والاغتسالُ، وإنَّما بعضُ الرواةِ اقتصرَ على أحدِ الأمرينِ، والآخرُ على الآخرِ. ثمَّ أمرَهَا بالصلاةِ بعدَ ذلكَ. نعمْ إنَّما بقي الكلامُ في معرفتِها لإقبال [الحيضة وإدبارها]
(2)
معَ استمرارِ الدمِ بماذَا يكونُ، فإنهُ قدْ أعلمَ الشارعُ المستحاضةَ بأحكامِ إقبالِ الحيضةِ وإدبارِها، فدلَّ على أنها تميزُ ذلكَ بعلامةٍ.
بماذا يميز دم الحيض من الاستحاضة؟
وللعلماءِ في ذلكَ قولانِ:
(أحدُهما): أنَّها تميزُ ذلكَ بالرجوعِ إلى عادتِها، فإقبالُها وجودُ الدمِ في أولِ أيامِ العادةِ، وإدبارُها انقضاءُ أيامِ العادةِ، وورودُ الردِّ إلى أيام العادةِ في حديثِ فاطمةَ في بعضِ الرواياتِ
(3)
بلفظِ: "دعي الصلاةَ قَدْرَ الأيام التي كنتِ تحيضينَ فيهَا". وسيأتي في بابِ الحيضِ تحقيقُ الكلامِ على ذلك.
(الثاني): ترجعُ إلى صفةِ الدم، كما يأتي في حديثِ عائشةَ في قصةِ فاطمةَ بنتِ أبي حُبَيْشٍ هذهِ، بلفظِ: "إنَّ دمَ الحَيْضِ [دم]
(4)
أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كانَ ذلكَ
(1)
في "صحيحه"(1/ 425 رقم 325).
(2)
في النسخة (ب): "الحيض".
(3)
في "صحيح البخاري"(1/ 425 رقم 325)، وقد تقدم تخريج الحديث رقم (2/ 62).
(4)
زيادة من النسخة (أ).
فَأَمْسِكي عن الصَّلاةِ، وإذا كانَ الآخرُ فتوضَّئي وَصَلِّي"، ويأتي في بابِ الحيضِ
(1)
إنْ شاءَ اللَّهُ تعالَى - فيكونُ إقبالُ [الحيضة]
(2)
إقبالُ الصفةِ، وإدْبارُه إدبارَها، ويأتي - أيضًا - الأمرُ بالردِّ إلى عادةِ النساءِ، ويأتي تحقيقُ ذلكَ جميعًا. ويأتي بيانُ اختلافِ العلماءِ، وأنَّ كلًّا ذهبَ إلى القولِ بالعملِ بعلامةٍ منَ العلاماتِ.
(وللبخاريِّ) أي: منْ حديثِ عائشةَ هذا زيادةٌ (ثُمَّ توضئي لكلِّ صلاةٍ، وأشارَ مسلمٌ إلى أنة حذفَها عمْدًا)، فإنهُ قالَ في (صحيحهِ) بعدَ سياقِ الحديثِ: وفي حديثِ حمَّادٍ حرفٌ تركنَا ذكرَهُ.
قال البيهقيُّ: هوَ قولُه (توضئي) لأنَّها زيادةٌ غيرُ محفوظةٍ، وأنهُ تفردَ بها بعضُ الرواةِ عنْ غيرِهِ، ممنْ روى الحديثَ. ولكنه قد قرَّرَ المصنفُ فِي "الفتح"
(3)
أنَّها ثابتةٌ منْ طُرُقٍ ينتفي معَها تفردُ [ما قالهُ]
(4)
مسلمٌ.
واعلمْ أن المصنفَ ساقَ حديثَ [المستحاضةِ]
(5)
في [باب]
(6)
النواقضِ، وليسَ المناسبُ للبابِ إلَّا هذهِ الزيادةُ لا أصلَ الحديثِ، فإنهُ مِنْ أحكام بابِ الاستحاضةِ والحيضِ، وسيعيدُهُ هنالِكَ، فهذِه الزيادةُ هي الحجةُ على أَن دمَ الاستحاضةِ حدثٌ منْ جملةِ الأحداثِ ناقضٌ للوضوءِ، [ولهذا]
(7)
أمرَ الشارعُ بالوضوءِ منهُ لكلِّ صلاةٍ؛ لأنهُ إنَّما رفعَ الوضوءُ حُكْمَهُ لأجلِ الصلاةِ، فإذا فَرَغَتْ منَ الصلاةِ نُقِضَ وضوءُها، وهذا قولُ الجمهورِ أنها تتوضأُ لكلِّ صلاةٍ.
وذهبتِ الهادويةُ والحنفيةُ إلى أنَّها تتوضأُ لوقتِ كلِّ صلاةٍ، وأَنَّ الوضوءَ متعلِّقٌ بالوقتِ، وأنها تصلِّي بهِ الفريضةَ الحاضرةَ وما شاءتْ مِنَ النوافلِ، وتجمعُ بينَ الفريضتينِ على وجهِ الجوازِ، عندَ من يجيزُ ذلكَ أو لعذرٍ! وقالُوا: الحديثُ فيهِ مضافٌ مقدَّرٌ، وهوَ لوقتِ كلِّ صلاةٍ، فهوَ منْ مجازِ الحذفِ، ولكنهُ لا بدَّ منْ قرينةٍ توجِبُ التقديرَ.
وقدْ تكلَّفَ - في الشرحِ - إلى ذكرِ ما لعلهُ يقالُ: إنهُ قرينةٌ للحذفِ وضَعَّفَهُ.
(1)
وهو حديث صحيح، سيأتي تخريجه رقم (1/ 128).
(2)
في النسخة (ب): "الحيض".
(3)
(1/ 409).
(4)
في النسخة (أ): "من قاله".
(5)
في النسخة (ب): "الاستحاضة".
(6)
زيادة من النسخة (ب).
(7)
في النسخة (ب): "ولذا".
وذهبتِ المالكيةُ إلى أنهُ يُستحبُّ الوضوءُ، ولا يجبُ إلَّا لحدثٍ آخرَ، وسيأتي تحقيقُ ما في ذلكَ في حديثِ حمنةَ بنتِ جحشٍ، في بابِ الحيضِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالَى. وتأتي أحكامُ المستحاضةِ التي تجوزُ لها، وتفارقُ بها الحائضَ هنالكَ، فهُو محلُّ الكلامِ عليها.
وفِي الشرحِ سَرَدَهُ هنا، وأمَّا هنا فما ذَكَرَ حديثَها إلا باعتبارِ نقضِ الاستحاضةِ للوضوءِ.
المذي ينقض الوضوء فقط
3/ 63 - وَعَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فسَأَلَهُ: فَقَالَ: "فِيهِ الوُضُوءُ". [صحيح]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
(وَعَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً) بِزِنَةِ ضَرَّابٍ، صيغةُ مبالغةٍ منْ المَذْيِ، بفتحِ الميمِ، وسكونِ الذالِ المعجمةِ، وتخفيفِ الياءُ وفيهِ لغاتٌ. وهوَ ماءٌ أبيضُ لَزِجٌ رَقيقٌ يخرجُ عندَ الملاعبةِ أو تذكرِ الجماعِ أو إرادتِهِ، يقالُ: مَذَى زَيدٌ يمذي مثلُ مَضَى يمضي، وأمذى يُمذيْ مثلُ أَعْطَى يُعْطِي، (فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ).
ترجمة المقداد بن الأسود
هوَ
(2)
ابنُ الأسودِ الكنديُّ، (أنْ يَسْأَلَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أي: عمَّا يجبُ على
(1)
البخاري (1/ 230 رقم 132) و (1/ 283 رقم 178) و (1/ 379 رقم 269)، ومسلم (1/ 247 رقم 17، 18، 19/ 303)، وأبو داود (1/ 142 رقم 206) و (1/ 143 رقم 208، 209)، والترمذي (1/ 193 رقم 114)، والنسائي (1/ 96، 97) و (1/ 213 - 215)، ومالك (1/ 40 رقم 53)، وابن ماجه (1/ 168 رقم 504).
(2)
المقداد بن عمرو، ويقال له: المقداد بن الأسود.
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(3/ 161 - 163)، و"المستدرك"(3/ 348 - 350)، و"حلية الأولياء"(1/ 172 - 176)، و"الاستيعاب"(10/ 262 رقم 2561)، و"الإصابة"(9/ 273 رقم 8178)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 111 رقم 163)، و"العقد الثمين"(7/ 268 رقم 2516)، و"تهذيب التهذيب"(10/ 254 رقم 505)، و"شذرات الذهب"(1/ 39)، و"العبر"(1/ 25).
مَنْ أمذَى، فسألهُ (فَقَالَ: فِيهِ الوضُوءُ. متفقٌ عليهِ، واللفظُ للبخاريِّ)، وفي بعضِ ألفاظِه عندَ البخاريِّ
(1)
بعدَ هذَا: "فَاسْتَحْيَيْتُ أنْ أسألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظٍ
(2)
: "لمكانِ ابنتِهِ مني"، وفي لفظٍ لمسلم
(3)
: "لمكانِ فاطمةَ".
ووقعَ عندَ أبي داودَ
(4)
والنَّسائيِّ
(5)
، وابنِ خُزَيْمَةَ
(6)
عنْ عليٍّ صلى الله عليه وسلم بلفظِ: "كنتُ رجلًا مذَّاءً، فجعلتُ اغتسلُ منهُ في الشتاءِ حتى تشقَّقَ ظهري"، وزادَ في لفظٍ للبخاريِّ
(7)
فقالَ: "توضأْ واغسِل ذَكرَكَ"، وفي مسلمٍ
(8)
: "اغسلْ ذكَرَكَ وتوضأْ".
وقدْ وقعَ اختلافٌ في السائلِ: هلْ هوَ المقدادُ - كما في هذهِ الروايةِ - أو عمَّارٌ، كما في روايةٍ أُخْرى. وفي روايةٍ أُخْرى أَنَّ عليًّا رضي الله عنه هوَ السائلُ. وجمعَ ابنُ حِبانَ بينَ ذلكَ بأنَّ عليًّا عليه السلام أمرَ الْمِقْدَادَ أنْ يسألَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ سألَ بنفسهِ، إلَّا أنهُ قد تُعقبَ بأنَّ قولَهُ:"فاستحييتُ أنْ أسألَ لمكانِ ابنتهِ مني"، " دالٌّ على أنهُ رضي الله عنه لمْ يباشرِ السؤالَ، فنسبةُ السؤالِ إليهِ في روايةٍ مَنْ قالَ: إنَّ عليًّا سألَ مجازٌ؛ لكونِهِ الآمرَ بالسؤالِ.
والحديثُ دليلٌ على أن المذيَ ينقضُ الوضوءَ، ولأجلهِ ذكرهُ المصنفُ في هذا البابِ. ودليلٌ على أنهُ لا يُوجِبُ غُسْلًا، وهوَ إجماعٌ، وروايةُ:"توضأ واغسلْ ذكرَكَ"، لا تقتضي تقديمَ الوضوءِ؛ لأنَّ الواوَ لا تقتضي الترتيبَ؛ ولأنَّ لفظَ روايةٍ مسلمٍ تبيِّنُ المرادَ، وأمَّا إطلاقُ لفظِ (ذَكَرَكَ)، فهوَ ظاهرٌ في غَسْلِ الذكرِ كلِّهِ وليسَ كذلكَ، إِذِ الواجبُ غسلُ محلِّ الخارجِ، وإنَّما هوَ منْ إطلاقِ اسمِ الكلِّ على البعضِ، والقرينةُ ما عُلِمَ منْ قواعدِ الشرعِ.
وذهبَ البعضُ إلى أنهُ يغسلُهُ كلَّهُ، عملًا بلفظِ الحديثِ، وأيَّدهُ روايةُ
(1)
في "صحيحه"(2/ 283 رقم 178).
(2)
للبخاري في "صحيحه"(1/ 379 رقم 269)، ولمسلم (1/ 247 رقم 17/ 303).
(3)
في "صحيحه"(1/ 247 رقم 18/ 303).
(4)
في "السنن"(1/ 142 رقم 206).
(5)
لعله بهذا اللفظ في "الكبرى".
(6)
في "صحيحه"(1/ 15 رقم 20).
(7)
في "صحيحه"(1/ 379 رقم 269).
(8)
في "صحيحه"(1/ 247 رقم 17/ 303).
أبي داودَ
(1)
: "يغسلَ ذكرَهُ وأُنْثَيَيْهِ ويتوضأْ". وعندهُ
(2)
أيضًا: "فتغسلُ منْ ذلكَ فرجَكَ وأنثييكَ، وتوضأْ للصلاةِ"، إلَّا أن روايةَ غَسْلِ الأُنثيينِ قدْ طُعِنَ فيهَا، وأوضحناهُ في حواشي "ضوءِ النهارِ"
(3)
. وذلكَ أنَّها منْ روايةٍ عروةَ عنْ عليٍّ، وعروةُ لم يسمعْ منْ عليٍّ، إلَّا أنهُ رواهُ أبو عوانةَ في صحيحه
(4)
مِنْ طريقِ عبيدةَ عنْ عليٍّ بالزيادة.
قالَ المصَنفُ في "التلخيصِ"
(5)
: وإسنادُه لا مطعنَ فيهِ، فمعَ صِحَّتِهَا فلا عذرَ عن القولِ بهَا. وقيلَ: الحكمةُ فيهِ أنهُ إذا غَسَلَهُ كلَّهُ تقلَّصَ [فبطَلَ]
(6)
خروج المذي. واستدلَّ بالحديثِ على نجاسةِ المذي.
لمس المرأة الأجنبية لا ينقض الوضوء
4/ 64 - وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأ. [حسن]
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
(7)
وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ
(8)
.
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. أخرجهُ أحمدُ وَضعَّفَهُ البخاريُّ)، وأخرجهُ أبو داودَ
(9)
، والترمذيُّ
(10)
، والنسائيُّ
(11)
، وابنُ ماجهَ
(12)
.
قالَ الترمذيُّ
(13)
: سمعتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ يُضَعِّفُ هذا الحديثَ. وأبو داودَ
(14)
أخرجهُ منْ طريقِ إبراهيمَ التَّيْمِيِّ عنْ عائشةَ، ولمْ يسمعْ منْها شيئًا؛
(1)
في "السنن"(1/ 143 رقم 208).
(2)
في "السنن"(1/ 145 رقم 211) من حديث عبد الله بن سعد الأنصاري. وهو حديث حسن.
(3)
(1/ 88 - 89).
(4)
(1/ 273).
(5)
(1/ 117 رقم 156).
(6)
في (أ): فيبطل.
(7)
في "المسند"(6/ 210).
(8)
ذكر ذلك الترمذي في "السنن"(1/ 135).
(9)
في "السنن"(1/ 124 رقم 179).
(10)
في "السنن"(1/ 133 رقم 86).
(11)
في "السنن"(1/ 104 رقم 170).
(12)
في "السنن"(1/ 168 رقم 502).
(13)
في "السنن"(1/ 135).
(14)
في "السنن"(1/ 123 رقم 178).
فهوَ مرسلٌ. وقالَ النسائيُّ
(1)
: ليسَ في هذا الباب حديثٌ أحسنَ منهُ، ولكنهُ مرسلٌ. قالَ المصنفُ
(2)
: رُوِيَ مِنْ عَشْرَةِ أوجهٍ عنْ عائشةَ، أوْرَدها البيهقيُّ فِي "الخلافياتِ" وضعَّفَها.
وقالَ ابنُ حزمٍ: لا يَصِحُّ فِي هذا الباب شيءٌ، وإنْ صحَّ فهوَ محمولٌ على ما كانَ عليهِ الأمرُ قبلَ نزولِ الوضوءِ منَ اللمسِ. إذا عرفتَ هذا فالحديثُ دليلٌ على أنَّ لمسَ المرأةِ وتقبيلَها لا ينقضُ الوضوءَ، وهذا هوَ الأصلُ، والحديثُ مقرِّرٌ للأصلِ، وعليه العترة جميعًا، ومنَ الصحابةِ عليٌّ عليه السلام.
وذهبتِ الشافعيةُ إلى أن لمسَ مَنْ لا يحرمُ نكاحُها ناقضٌ للوضوءِ مستدلينَ بقولهِ تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}
(3)
، فلزمَ الوضوءُ منَ اللمسِ، قالُوا: واللمسُ حقيقةً في اليدِ، ويؤيدُ بقاءَهُ على معناهُ قراءةُ:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}
(4)
؛ فإنَّها ظاهرةٌ في مجردِ لمسِ الرجلِ منْ دونِ أنْ يكونَ مِنَ المرأةِ فعلٌ، وهذَا يحققُ بقاءَ اللفظِ على معناهُ الحقيقيِّ؛ فقراءةُ:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}
(5)
كذلكَ، إذِ الأصلُ اتفاقُ معنى القراءتينِ.
وأجيبَ عنْ ذلكَ بصرْفِ اللفظِ عنْ معناهُ الحقيقيِّ للقرينةِ، فَيُحْمَلُ على المجازِ، وهوَ هُنَا حملُ الملامسةِ على الجماعِ، واللمسُ كذلكَ، والقرينةُ حديث عائشةَ المذكورُ، وهوَ وإن قُدِحَ فيهِ بما سمِعتَ، فطرقُهُ يقوي بعضُها بعضًا
(6)
.
(1)
في "السنن"(1/ 104).
(2)
قال البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 127): وقد روينا سائر ما روي في هذا الباب وبينَّا ضعفها في "الخلافيات".
وخلاصة القول: أن الحديث حسن. وقد صحَّحه الشيخ أحمد شاكر في تحقيق وتخريج "سنن الترمذي"، والألباني في "صحيح أبي داود" وغيره. وحسَّنه الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تخريج "جامع الأصول"(7/ 204) التعليقة (1).
(3)
سورة المائدة: الآية 6، وسورة النساء: الآية 43.
(4)
سورة المائدة: الآية 6، وسورة النساء الآية 43، وانظر كتاب:"الحجةُ للقُراءِ السبعة"، لأبي علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي. (3/ 163 - 166).
(5)
سورة المائدة: 6، وسورة النساء: الآية 43.
(6)
وهو حديث حسن، كما تقدم.
وحديثُ عائشةَ في البخاريِّ
(1)
في أنَّها كانتْ تعترضُ في قِبْلَتِهِ صلى الله عليه وسلم، فإِذَا قَامَ يُصلِّي غمزَهَا فَقَبَضَتْ رِجْلَيْها، أي: عندَ سجودِهِ، وإذا قامَ بسطتْهُمَا، فإنهُ يؤيدُ حديثَ الكتابِ المذكورَ، ويؤيدُ بقاءَ الأصلِ، ويدلُّ على أنهُ ليسَ اللمسُ بناقضٍ.
وأمَّا اعتذارُ المصنفِ في "فتح الباري"
(2)
عنْ حديثِها هَذا بأنهُ يحتملُ أنهُ كان بحائلٍ، أو أنهُ خاصٌّ بهِ؛ فهو بعيدٌ مخالفٌ للظاهرِ، وقدْ فَسَّرَ عليُّ عليه السلام الملامسةَ بالجماعِ، وفسَّرَها حَبْرُ الأمةِ ابنُ عباسٍ بذلكَ، وهوَ المدعو لهُ بأنْ يعلّمَهُ اللَّهُ التأويلَ
(3)
.
فأخرجَ عنهُ عبدُ بنُ حميدٍ أنهُ فَسَّرَ الملامسةَ بعدَ أنْ وضعَ أصبعيهِ في أذنيهِ: ألا وهو النَّيْكُ. وأخرجَ عنهُ الطستيُّ أنه سألَ نافعَ بنَ الأزرقِ عن الملامسةِ ففسَّرَها بالجماعِ، معَ أن تركيبَ الآيةِ الشريفةِ وأسلوبَها يقتضي أن المرادَ بالملامسةِ الجماعُ، فإنهُ - تعالى - عدَّ منْ مقتضياتِ التيممِ المجيءَ منَ الغائطِ، تنبيهًا على الحدثِ الأصغرِ، وعدَّ الملامسَةَ تنبيهًا على الحدث الأكبرِ، وهوَ مقابلٌ لقولهِ - تعالى - في الأمرِ بالغُسْلِ بالماءِ:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}
(4)
، ولوْ حُمِلتِ الملامسةُ على اللمسِ الناقضِ للوضوءِ لفاتَ التنبيهُ على أن الترابَ يقومُ مقامَ الماءِ في رفعهِ للحدثِ الأكبرِ وخالفَ صدرَ الآيةِ، وللحنفيةِ تفاصيلُ لا [ينتهضُ]
(5)
عليها دليلٌ.
كل شيء على أصله حتى يتيقَّن خلاف ذلك
5/ 65 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ في بَطْنِهِ شَيئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيهِ: أَخَرَجَ مِنْهُ شَيءٌ، أَمْ لَا؟ فَلا يَخْرُجَنَّ مِنَ
(1)
قلت: بل متَّفَق عليه، أخرجه البخاري (1/ 491 رقم 382)، ومسلم (1/ 367 رقم 272/ 512).
(2)
(1/ 492).
(3)
كما في "زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي (2/ 92)، و"جامع البيان عن تأويل آي القرآن" لابن جرير الطبري (4/ ج 5/ 101 - 103).
قلت: واستظهر ابن رشد في "بداية المجتهد"(1/ 29) اللمس في الآية بالجماع.
(4)
سورة المائدة: الآية 6.
(5)
في النسخة (أ): "ينهض".
الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(1)
. [صحيح]
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ في بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ منهُ شَيْءٌ أَمْ لا؟ فَلا يخرجنَّ مِنَ المسجدِ) إذا كانَ فيهِ لإعادةِ الوضوءِ (حَتَّى يسْمَعَ صَوْتًا) للخارجِ (أَوْ يَجِدَ رِيحًا) لَهُ (أخرجهُ مسلمٌ). وليسَ السمعُ أوْ وجْدانُ الريحِ شَرْطًا في ذلكَ، بلِ المرادُ حصولُ اليقينِ.
وهذا الحديثُ الجليلُ أصلٌ مِنْ أصولِ الإسلامِ، وقاعدةٌ جليلةٌ مِنْ قواعدِ الفقهِ، وهُوَ أَنَّهُ دلَّ على أن الأشياءَ يُحكمُ ببقائِها على أُصُولِها حتى يتيقنَ خلافُ ذلكَ، وأنهُ لا أثرَ للشكِّ الطارئِ [عَقِبَها]
(2)
.
فمنْ حصلَ لهُ شكٌّ أو ظنٌ بأنهُ أحدثَ، وهوَ على يقينٍ منْ طهارتهِ لم يضرَّهُ ذلكَ حتى يحصلَ له اليقينُ، كما أفادهُ قوله:"حتى يَسْمَعَ صَوْتًا، أو يَجِدَ رِيحًا"؛ فإنهُ علَّقهُ بحصولِ ما يحسُّهُ، وذِكْرُهُمَا تمثيلٌ، وإلَّا فكذلكَ سائرُ النواقضِ كالمذي والودي، ويأتي حديثُ ابن عباسٍ
(3)
: "إنَّ الشيطانَ يأتي أحَدكُمْ فَيَنْفُخُ في مَقْعَدَتِه، فَيُخَيلُ إليه أنهُ أَحْدَثَ ولمْ يُحْدِث، فَلَا [يَنْصَرِفَنَّ]
(4)
حتَّى يسمعَ صَوْتًا أو يَجِدَ رِيحًا".
والحديثُ عامٌّ لمنْ كانَ فِي الصلاةِ أوْ خارجَها، وهو قولُ الجماهيرِ، وللمالكيةِ تفاصيلُ وفروقٌ بينَ مَنْ كانَ [داخلَ]
(5)
الصلاةِ أوْ خارجهَا، لا [ينتهضُ]
(6)
عليها دليلٌ.
لا حجة للقائلين بعدم نقض مسِّ الذكر للوضوء
6/ 66 - وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: مَسَسْتُ ذَكَرِي، أوْ
(1)
في "صحيحه"(1/ 276 رقم 99/ 362).
قلت: وأخرجه البيهقي (1/ 117)، والترمذي (1/ 109 رقم 75) وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود (1/ 123 رقم 177).
(2)
في النسخة (أ): "عليها".
(3)
وهو حديث حسن، سيأتي تخريجه رقم (6/ 76).
(4)
في النسخة (أ): "ينصرف".
(5)
في النسخة (أ): "داخلًا في".
(6)
في النسخة (أ): "ينهض".
قَالَ: الرَّجُل يَمَسُّ ذَكَرَهُ في الصَّلَاةِ، أَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا، إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ منْكَ". [صحيح]
أَخرَجَهُ الْخَمْسَة
(1)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(2)
، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِيني
(3)
: هُوَ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ.
(وَعَنْ طَلْقٍ) بفتحِ الطاءِ وسكونِ اللامِ (ابن عليٍّ) اليماميِّ الحنفيِّ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ
(4)
: إنهُ منْ أهلِ اليمامةِ، (قالَ: قَالَ رَجُلٌ: مَسَسْتُ ذَكَرِي، أوْ قالَ: الرجلُ يمسُّ ذكرَهُ في الصلاةِ، أَعليهِ وضوءٌ؟ فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا) أي: لا وضوءَ عليهِ، (إِنَّمَا هُوَ) أي: الذَّكَرُ (بَضْعَةٌ) بفتحِ الموحَّدةِ، وسكونِ الضادِ المعجمةِ، مِنْكَ) أيْ كاليدِ والرِّجْلِ ونحوهِمَا، وقد علمَ أنهُ لا وضوءَ منْ مسِّ البَضْعَةِ منه. (أخرجهُ الخمسةُ وصحَّحهُ ابنُ حبانَ، وقالَ ابنُ المَدينيِّ) بفتح الميمِ، فدالٍ مهملةٍ فمثناةٍ تحتيةٍ فنونٍ، نسبةٍ إلى جدهِ، وإلا فهو عَليُّ بنُ عبدِ اللهِ [المديني]
(5)
.
ترجمة ابن المديني
قال الذهبيُّ
(6)
: هوَ حافظُ العصرِ وقدوة أهلِ هذا الشأنِ.
أبو الحسني عليُّ بنُ عبدِ اللَّهِ صاحبُ التصانيفُ. ولدَ سنةَ إحدَى وستينَ ومائةٍ. ومنْ تلاميدهِ البخاريُّ وأبو داودَ.
وقالَ ابنُ مهديٍّ: علي بنُ المديني أعلمُ الناسِ بحديثِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ
(1)
وهم: أحمد في "مسنده"(4/ 23)، وأبو داود (1/ 127 رقم 182)، والترمذي (1/ 131 رقم 85)، والنسائي (1/ 101)، وابن ماجه (1/ 163 رقم 483).
(2)
(ص 77 رقم 207 - 209 - "الموارد").
(3)
ذكره ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 125).
(4)
في "الاستيعاب"(5/ 258 رقم 1300).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
في "تذكرة الحفاظ"(2/ 428 - 429).
قلت: وانظر ترجمته في: "الميزان"(3/ 138 - 141)، و"التاريخ الكبير"(6/ 284)، و"تاريخ بغداد"(11/ 458 - 473)، و"طبقات الحنابلة"(1/ 225 - 228)، و"طبقات الشافعية" للسبكي (2/ 145 - 150)، و"النجوم الزاهرة"(2/ 276 - 277).
النسائيُّ: كأنَّ عليَّ بنَ المديني خُلِقَ لهذا الشأنِ. قالَ العلَّامةُ محيي الدينِ النوويُّ
(1)
: [لعلي بن]
(2)
المديني نحوُ مائة مصنَّفٍ.
(هو أحسنُ منْ حديثِ بُسْرَةَ)، بضم الموحدةِ، وسكونِ السينِ المهملة، فراءٍ، ويأتي حديثُها قريبًا. وهذا الحديث رواهُ أحمدُ
(3)
، والدارقطنيُّ
(4)
. وقالَ الطحاويُّ
(5)
: إسنادُه مستقيمٌ غيرُ مضطربٍ، وصحَّحهُ الطبرانيُّ
(6)
وابنُ حزمٍ
(7)
، وضعَّفَهُ الشافعيُّ
(8)
، وأبو حاتمٍ، وأبو زُرعةَ
(9)
، [والبزَّار]
(10)
، والدَّارقطنيُّ
(11)
، والبيهقيُّ
(12)
، وابنُ الجوزيِّ
(13)
.
والحديثُ دليلٌ على ما هوَ الأصلُ منْ عدمِ نقضِ مس الذَّكَرِ للوضوءِ، وهوَ مرويٌّ عنْ عليٍّ عليه السلام، وعنِ الهادويةِ والحنفيةِ
(14)
. وذهبَ إلى أن مسَّهُ ينقضُ
(1)
في "تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 350 - 351 رقم 431).
(2)
في (ب): "لابن".
(3)
في "المسند"(4/ 23).
(4)
في "السنن"(1/ 149 رقم 17، 18).
(5)
في "شرح معاني الآثار"(1/ 76).
قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 139)، والبيهقي (1/ 134)، والحازمي في "الاعتبار"(ص 41 - 42)، والطيالسي (ص 147 رقم 1096)، وهو حديث صحيح.
(6)
ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(1/ 125).
(7)
في "المحلَّى بالآثار"(1/ 223).
(8)
ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(1/ 125).
(9)
في "العلل"(1/ 48).
(10)
زيادة من النسخة (أ).
(11)
في "السنن"(1/ 149 - 150).
(12)
في "السنن الكبرى"(1/ 135).
(13)
في "العلل المتناهية"(1/ 362).
قلت: وادَّعى في هذا الحديث النسخ ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون. انظر: "نصب الراية"(1/ 61)، و"معجم الكبير" للطبراني (8/ 402 رقم 8252)، و"عارضة الأحوذي"(1/ 117)، و"الاعتبار"(ص 41 - 48).
(14)
قال ابن حزم في "المحلَّى بالآثار"(1/ 223) ردًا عليهم: "هذا خبر صحيح؛ إلا أنهم لا حجة لهم فيه لوجوه:
(أحدها): أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مسِّ الفرج، هذا لا شك فيه، فإذا هو كذلك فحكمه منسوخ يقينًا، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء من مس الفرج، ولا يحل ترك ما تيقِّن أنه ناسخ والأخذ بما تيقن أنه منسوخ.
(وثانيهما): أن كلامه صلى الله عليه وسلم: "هل هو إلا بَضْعَة منك"، دليل بيِّن على أنه كان قبل الأمر=
الوضوءَ جماعةٌ منَ الصحابةِ والتابعينَ، ومنْ أئمةِ المذاهبِ أحمدُ والشافعيُّ، مستدلينَ بالحديث السابع وهو قوله:
مس الذكر ينقض الوضوء
7/ 67 - وَعَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأ". [صحيح]
أَخْرَجهُ الْخَمسَةُ
(1)
، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
، وَابْنُ حِبَّانَ
(3)
، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
(4)
: هو أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا البَابِ.
(وَعَنْ بُسْرَةَ) تقدَّم ضبطُ لفظِها؛ وهي بنتُ صفوانَ بن نَوفلٍ القرشيةِ الأسديةِ، كانتْ منَ المبيعاتِ
(5)
لهُ صلى الله عليه وسلم، رَوَى عنها عبدُ اللَّهِ بنُ عمرَ وغيرُهُ (أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ مسَّ ذكرَهُ فليتوضأْ. أخرجَهُ الخمسةُ، وصحَّحهُ الترمذيُّ، وابنُ حِبَّانَ، وقالَ البخاريُّ: هُوَ أصحُّ شيءٍ في هذا البابِ).
وأخرجهُ أيضًا الشافعي
(6)
، وأحمدُ
(7)
، وابنُ خزيمةَ
(8)
، والحاكمُ
(9)
، وابنُ الجارودِ
(10)
. وقال الدارقطنيُّ: صحيحٌ ثابتٌ، وصحَّحهُ يحيى بنُ معينٍ،
= بالوضوء منه؛ لأنه لو كان بعده لم يقل صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، بل كان يبيِّن أن الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلًا وأنه كسائر الأعضاء. اهـ.
قلت: وانظر "المجموع" للإمام النووي (2/ 42 - 43).
(1)
وهم: أحمد (6/ 406 - 407)، وأبو داود (1/ 125 رقم 181)، والترمذي (1/ 126 رقم 82)، والنسائي (1/ 100)، وابن ماجه (1/ 161 رقم 479).
(2)
في "السنن"(1/ 129).
(3)
في "صحيحه"(ص 78 رقم 211 - 214 "الموارد").
(4)
ذكره الترمذي في "السنن"(1/ 129).
(5)
في "الإصابة"(12/ 158): "كانت من المبايعات".
(6)
في "الأم"(1/ 33 - 34)، وفي "ترتيب المسند"(1/ 34 رقم 87).
(7)
في "المسند"(6/ 406 - 407).
(8)
في "صحيحه"(1/ 22 رقم 33).
(9)
في "المستدرك"(1/ 136).
(10)
في "المنتقى"(رقم 16، 17).
قلت: وأخرجه الطيالسي (ص 230 رقم 1657)، وعبد الرزاق (1/ 113 رقم 412)، =
والبيهقيُّ، والحازميُّ، والقدخُ فيهِ بأنهُ رواهُ عروةُ عنْ مروانَ، أو عنْ رجلٍ مجهولٍ، غيرُ صحيحٍ، فقدْ ثبتَ أن عروةَ سمعهُ منْ بُسْرَةَ منْ غيرِ واسطةٍ كما جزمَ بهِ ابنُ خزيمةَ وغيرُهُ منْ أئمةِ الحديثِ، وكذلكَ القدحُ فيهِ بأنَّ هشامَ بنَ عروةَ الراوي لهُ عنْ أبيهِ لم يسمعْهُ منْ أبيهِ غيرُ صحيحٍ، فقدْ ثبتَ أنهُ سمعهُ منْ أبيهِ، فاندفعَ الْقَدْحُ وصحَّ الحديثُ
(1)
.
وبهِ استدلَّ مَنْ سمعتَ منَ الصحابةِ والتابعينَ وأحمدَ والشافعيِّ على نقضِ مسِّ الذَّكَرِ للوضوءِ، والمرادُ مسُّهُ منْ غيرِ حائلٍ؛ لأنهُ أخرجِ ابنُ حبانَ في صحيحه
(2)
منْ حديثِ أبي هريرةَ: "إِذَا أَفْضَى أحدُكُمْ بِيَدِهِ إلى فرْجِهِ ليسَ دونَها حجابٌ ولا سِتْرٌ فقد وجَبَ عليهِ الوضوءُ"، وصحَّحهُ الحاكمُ وابنُ عبدِ البرِّ.
قالَ ابنُ السَّكَنِ: هُوَ أجودُ ما رُوِيَ في هذا البابِ
(3)
. وزعمتِ الشافعيةُ أن الإفضاءَ لا يكونُ إلا بباطنِ الكفِّ، وأنهُ لا نقضَ إذا مسَّ الذكرَ بظاهرِ كفِّه، وردَّ عليهم المحقِّقونَ بأنَّ الإفضاءَ لغةً الوصولُ، أعمُّ منْ أنْ يكونَ بباطنِ الكفِّ [أوْ ظهرِها]
(4)
.
قالَ ابنُ حزمٍ
(5)
: "لا دليلَ على ما قالوهُ لا مِنْ كتابٍ، ولا سُنَّةٍ، ولا إجماعٍ، ولا قولِ صاحبٍ، ولا قياسٍ، ولا رأي صحيح".
= والدارمي (1/ 185)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 71)، والدارقطني (1/ 146 - 147 رقم 1 - 4)، والحازمي في "الاعتبار"(ص 43)، والبيهقي (1/ 128 - 130)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(9/ 332)، وابن حزم (1/ 224 رقم المسألة 163)، ومالك في "الموطأ"(1/ 42 رقم 58)، والطبراني في "الصغير"(2/ 250 رقم 1113)، وهو حديث صحيح صحَّحه الألباني في "الإرواء" (رقم: 116).
(1)
انظر: "التلخيص الحبير"(1/ 122 رقم 165).
(2)
في "صحيحه"(2/ 222 رقم 1115).
قلت: وأخرجه الشافعي في "الأم"(1/ 34)، وأحمد (2/ 333)، والطحاوي في (شرح المعاني" (1/ 74)، والدارقطني (1/ 147 رقم 6)، والحاكم (1/ 138)، والبيهقي (1/ 131)، وهو حديث حسن لغيره.
(3)
ذكر ذلك ابن حجر في "التلخيص"(1/ 126).
(4)
في (أ): "أو ظاهرها".
(5)
في "المحلى بالآثار"(1/ 222).
وأيَّد [حديث]
(1)
بُسرَةَ أحاديثُ أخر عنْ سبعةَ عشرَ صحابيًّا مخرَّجةً في كتبِ الحديثِ، ومنهُمْ طلقُ بنُ عليٍّ
(2)
راوي حديثِ عدمِ النقضِ [روي عنه النقض أيضًا]
(3)
. وتأولَ مَنْ ذكرَ حديثَه في عدمِ النقضِ بأنهُ كانَ في أولِ الأمرِ، فإنهُ قدمَ في أولِ الهجرةِ قبلَ عمارتِهِ صلى الله عليه وسلم مسجِدَهُ، فحديثُهُ منسوخٌ بحديثِ بُسْرَةَ، فإنَّها متأخرةُ الإسلامِ، وأحسنُ منَ القولِ بالنسخِ القولُ بالترجيح، فإنَّ حديثٌ بُسْرَةَ أرجحُ؛ لكثرةِ مَنْ صحَّحهُ منَ الأئمةِ ولكثرةِ شواهدِهِ
(4)
؛ ولأنَّ بُسرةَ حدَّثَتْ بهِ في
(1)
في (ب): "أحاديث".
(2)
أخرجه أبو داود (1/ 127 رقم 182)، والترمذي (1/ 131 رقم 85)، والنسائي (1/ 101 رقم 165)، وابن ماجه (1/ 163 رقم 483) وغيرهم، وهو حديث صحيح.
(3)
زيادة من (أ).
(4)
منها: حديث جابر.
أخرجه الشافعي في "الأم"(1/ 34)، وابن ماجه (1/ 162 رقم 480)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 74)، والبيهقي (1/ 134)، وهو حديث صحيح لغيره.
ومنها: حديث أم حبيبة: أخرجه ابنُ ماجه (1/ 162 رقم 481)، والطحاوي في "معاني الآثار"(1/ 75)، والبيهقي (1/ 130)، والخطيب في "التاريخ"(11/ 73)، وهو حديث حسن لغيره.
ومنها: حديث عبد الله بن عمرو: أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 223)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 19)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 75)، والدارقطني (1/ 147 رقم 8)، والبيهقي (1/ 132)، وهو حديث صحيح.
ومنها: حديث زيد بن خالد: أخرجه أحمد (5/ 194)، والبزار (1/ 148 رقم 283 "كشف الأستار")، والطبراني في "الكبير"(5/ 243 رقم 5221 - 5222)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 73)، والبيهقي (1/ 334 - 335)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 244 - 245) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح إلا أن ابن إسحاق مدلِّس وقد قال: حدثني.
قلت: أي في رواية أحمد والطحاوي.
ومنها: حديث سعد بن أبي وقاص: أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 42 رقم 59) عن سعد موقوفًا عليه، وكذلك البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 131).
ومنها: حديث عائشة: أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 73، 74)، وهو حديث ضعيف ضعَّفه النووي في "المجموع"(2/ 35).
• وورد عن عائشة موقوفًا بالسند الصحيح أنها قالت: "إذا مسَّت المرأة فرجها بيدها فعليها الوضوء"، أخرجه الحاكم (1/ 138)، والبيهقي (1/ 133).
• وأما ما أخرجه الدارقطني (1/ 147 - 148) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للذين يمسُّون فروجَهُم ثم يصلُّون ولا يتوضؤون"، قالت عائشة: بأبي أنت وأمي هذا =
دارِ المهاجرينَ والأنصارِ، وهمْ متوافرونَ، ولمْ يدفعْهُ أحدٌ، بلْ عَلِمْنَا أن بعضَهم صارَ إليهِ، وصارَ إليهِ عروةُ عنْ روايتِها، فإنهُ رجعَ إلى قولِهَا، وكانَ قبلَ ذلكَ يدفعهُ، وكانَ ابنُ عمرَ يحدِّثُ بهِ عنْها، ولمْ يزلْ يتوضأُ منْ مسِّ الذكرِ إلى أنْ ماتَ.
قالَ البيهقيُّ: يكفي في ترجيحِ حديثِ بسرةَ على حديثِ طلقٍ بن عليٍّ أنهُ لمْ يخرجْهُ صاحِبَا الصحيحِ، ولم يحتجَّا بأحدٍ منْ رواتِهِ، وقدْ احتجَّا بجميعِ رواةِ حديثِ بُسْرَةَ، ثمَّ إنَّ حديثٌ طلقٍ منْ روايةٍ قيسِ بن طلقٍ. قالَ الشافعيُّ: قدْ سألنَا عنْ قيسِ بن طلقٍ فلمْ نجدْ مَنْ يعرفُهُ، فما يكونُ لنا قَبولُ خبرهِ.
وقالَ أبو حاتمٍ وأبو زرعةَ: قيسُ بنُ طلقٍ ليسَ [ممن]
(1)
تقومُ بهِ حجةٌ، وَوَهّيَاهُ. وأما مالكٌ فلما تعارضَ الحديثانِ [عنده]
(2)
قال بالوضوءِ مِنْ مسِّ الذَّكَرِ ندبًا لا وجوبًا.
لا يتوضأ من الرُّعاف والقيء والقَلْس
8/ 68 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَصَابَةُ قَيءٌ، أَوْ رُعَافٌ، أَوْ قَلْسٌ، أَوْ مَذيٌ، فَلْيَنْصرِفْ فَلْيَتَوَضَّأ، ثُمّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاِتهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ"، [ضعيف]
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ
(3)
، وَضَعّفَهُ أَحْمَدُ
(4)
وَغَيْرُهُ
(5)
.
= للرجال أفرأيت النساء؟ قال: "إذا مسَّتْ إحداكنَّ فرجها فلتتوضأ للصلاة". وهو حديث موضوع، لأن عبد الرحمن بن عبد الله كذاب.
ومنها: حديث ابن عباس: أخرجه ابن عدي في "الكامل"(4/ 1418) وفي إسناده الضحاك بن حجوة وهو منكر الحديث.
(1)
في (ب): "فيمن".
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في "السنن"(1/ 385 رقم 1221)، وهو حديث ضعيف.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 399): "هذا إسناد ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل عن الحجازيين وهي ضعيفة. رواه الدارقطني في سننه - (1/ 154 رقم 15) - من طريق إسماعيل بن عياش به. ورواه البيهقيُّ في "السنن الكبرى" (2/ 255) من طريق داود بن رشيد عن إسماعيل عن ابن جريج عن أبيه وعن ابن أبي مليكة عن عائشة، وله شواهد في "مصنف ابن أبي شيبة" عن الشعبي والحكم والقسم وسلام وغيرهم، وروى الترمذي في "الجامع" بعضه من حديث أبي الدرداء اهـ.
(4)
قال أحمد: الصواب عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. كما في "التلخيص"(1/ 275). قلت: وقد ضعف الحديث الألباني في "ضعيف الجامع"(رقم: 5434).
(5)
كالبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 255).
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَصَابَهُ قَيءٌ، أوْ رُعَافٌ، أو قَلْسٌ) بفتحِ القافِ، وسكونِ اللامِ وفتحِها، وسينٍ مهملةٍ (أوْ مَذْيٌ) أيْ مَنْ أصابهُ ذلكَ في صلاتهِ (فَلْيَتْصَرِفْ) مِنْهَا (فليتوضأْ ثمَّ لِيَبْنِ على صلاتهِ وهوَ في ذلكَ) أيْ: في حالِ انصرافهِ ووضوئهِ (لَا يَتَكلَّم).
(أخرجه ابن ماجهَ، وضعَّفَه أحمدُ وغيرُهُ). وحاصلُ ما [ضعَّفوه]
(1)
بهِ أن رفْعَهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم غلطٌ، والصحيح أنهُ مرسلٌ. قالَ أحمدُ والبيهقيُّ: المرسلُ الصوابُ، فَمَنْ يقولُ: إنَّ المرسلَ حجةٌ، قالَ: ينقضُ ما ذكرَ فيهِ.
والنقضُ بالقيءِ مذهبُ الهادويةِ والحنفيةِ، وشرطتِ الهادويةُ أنْ يكونَ من المعدةِ، إِذْ لا يُسَمَّى قيئًا إلَّا مَا كانَ مِنْها، وأنْ يكونَ ملءَ الفمِ دَفْعَةً، لورودِ ما يقيدُ المطلقَ هنا، وهوَ "قيءُ ذارع ودَسْعةٍ - دفعةً - تملأُ الفمَ" كما في حديثِ عمارٍ، وإنْ كانَ قَدْ ضُعِّفَ. وعند زيدِ بن عليٍّ أنهُ ينقضُ مطلقًا؛ عملًا بمطلقِ هذا الحديثِ، وكأنهُ لم يثبتْ عندَهُ حديثُ عمارٍ.
وذهبَ جماعةٌ مِنْ أهلِ البيتِ، والشافعيِّ، ومالكٌ إلى أنَّ القيءَ غيرُ ناقضٍ، لعدمِ ثبوتِ حديثِ عائشةَ هذا مرفوعًا، والأصلُ عدمُ النقضِ، فلا يخرجُ عنهُ إلَّا بدليلٍ قويٍّ.
وأمَّا الرُّعافُ ففي نقضهِ الخلافُ - أيضًا - فَمَنْ قَالَ بنقضهِ، فهوَ عملَ بهذا الحديثِ، ومَنْ قالَ بعدمِ نقضهِ، فإنهُ عَمِلَ بالأصلِ، ولمْ يرفعْ هذا الحديثَ.
وأمَّا الدمُ الخارجُ مِنْ أيِّ موضعٍ منَ البدنِ غيرِ السبيلين، فيأتي الكلامُ عليهِ في حديثِ أنسٍ
(2)
: "أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وصلَّى ولمْ يتوضأُ".
وأمَّا القَلْسُ - وَهُوَ ما خرجَ مِنَ الحلقِ ملءَ الفمِ أَوْ دونَهُ وليسَ بقيءٍ، فإنْ عادَ فهوَ القيءُ - فالأكثرُ على أنهُ غيرُ ناقضٍ، لعدمِ نهوض الدليلِ، فلا يخرجُ [عن]
(3)
الأصلِ.
(1)
في (أ): "ضعفه".
(2)
وهو حديث ضعيف، سيأتي تخريجه قريبًا (15/ 75).
(3)
في النسخة (ب): "من".
وأمَّا المذيُّ فتقدَّمَ الكلامُ عليهِ، وأنهُ ناقضٌ إجماعًا
(1)
.
وأما ما أفادهُ الحديثُ: منَ البناءِ على الصلاةِ بعدَ الخروجِ منْها، وإعادةِ الوضوءِ حيثُ لم يتكلمْ، ففيهِ خلافٌ.
فَرُويَ عنْ زيدِ بن عليٍّ، والحنفيةِ، ومالكٍ، وقديم قولَي الشافعيِّ، أنهُ يَبني ولا تفسدُ صلاتُهُ، بشرط ألَّا يفعلَ مفسِدًا، كما أشارَ إليهِ الحديثُ بقولهِ:(لا يتكلَّم). وقالتِ الهادويةُ والناصرُ والشافعيُّ - في آخرِ قوليْهِ -: إنَّ الحدثَ يفسدُ الصلاة؛ لما سيأتي منْ حديثِ طلقِ بن عليٍّ: "إذا فَسَا أحدُكم في الصلاةِ فلينصرفْ وليتوضأْ، وليعُدِ الصلاةَ"، رواهُ أبو داود
(2)
، ويأتي الكلامُ عليهِ.
الوضوء من لحوم الإبل
9/ 69 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "إنْ شِئْتَ"، قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". [صحيح]
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(3)
.
(1)
تقدَّم الكلام عليه رقم (3/ 63).
(2)
في "السنن"(1/ 141 رقم 205) و (1/ 610 رقم 1005).
قلت: وأخرجه الترمذي (3/ 468 رقم 1164) وقال: حديث حسن، و (3/ 469 رقم 1166)، والبيهقي (2/ 255)، والدارقطني (1/ 153 رقم 10)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 277 رقم 752)، وابن حبان في "صحيحه"(4/ 4 رقم 2234)، وفي "الثقات"(3/ 262 - 263)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 139 رقم 529)، والدارمي (1/ 260)، والنسائي في "عشرة النساء"(ص 137 - 138 رقم 138 - 140) من طرق.
وهو حديث حسن بشواهده.
وانظر: "نصب الراية"(2/ 62)، و"الجوهر النقي"(2/ 254 - 255).
(3)
في "صحيحه"(1/ 275 رقم 360).
قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(5/ 102)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 70)، وابن ماجه (1/ 166 رقم 495)، وابن الجارود (رقم 25)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 158)، وفي معرفة "السنن والآثار"(1/ 402)، وابن خزيمة (1/ 21)، وأبو عوانة (1/ 270 - 271)، والطيالسي (ص 104 رقم 766).
ترجمة جابر بن سمُرة
(وَعَنْ جَابرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه)
(1)
بفتحِ السينِ المهملةِ، وضمِّ الميمِ، فراءٍ.
[هو]
(2)
أبو عبدِ اللَّهِ، وأبو خالدٍ، جابرُ بنُ سَمُرَةَ العامريُّ. نزلَ الكوفةَ وماتَ بها سنةَ أربعٍ وسبعينَ، وقيلَ:[سنة](2) ستٍّ وستينَ. (أن رجلًا سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الغَنَمِ؟) أي: منْ أكلِها؟ (قَالَ: إنْ شِئْتَ، قالَ: أَتَوَضَأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ. أخرجَهُ مسلمٌ)، وَرَوَى نحوَهُ أبو داودُ
(3)
، والترمذيُّ
(4)
، وابنُ ماجهَ
(5)
، وغيرُهم، منْ حديثِ البراءِ بن عازبٍ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "توضَّأوا منْ لحومِ الإبلِ ولا توضَّأوا منْ لحومِ الغنمِ". قالَ ابنُ خزيمةَ
(6)
: لمْ أرَ خِلافًا بينَ علماءِ الحديثِ أن هذا الخبرَ صحيحٌ مِنْ جِهةِ النقلِ؛ لعدالةِ ناقليهِ.
والحديثانِ دليلانِ على نقضِ لحومِ الإبلِ [للوضوء]
(7)
، وأنَّ مَنْ أكلَها انتقضَ وضوؤُه. وقالَ بهذَا أحمدُ، وإسحاقُ، وابنُ المنذرِ، وابنُ خزيمةَ، واختَارهُ البيهقيُّ، وحكاهُ عنْ أصحابِ الحديثِ مطلقًا، وحكي عن الشافعيِّ أنهُ قالَ: إنْ صحَّ الحديثُ في لحومِ الإبلِ قلتُ بهِ. قالَ البيهقيُّ
(8)
: قدْ صحَّ فيهِ حديثانِ: حديثُ جابرٍ، وحديثُ البراءِ.
(1)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(6/ 24)، و"تاريخ بغداد"(1/ 186 رقم 26)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 142 رقم 99)، و"تهذيب التهذيب"(2/ 35 رقم 62)، و"الاستيعاب"(2/ 117 - 118 رقم 300)، و"الإصابة"(2/ 42 رقم 1014)، و"البداية والنهاية (6/ 205) و (7/ 103)، و"تاريخ الطبري" (1/ 9) و (3/ 91)، و"معجم الطبراني الكبير" (2/ 194 - 257 رقم 194).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
في "السنن"(1/ 128 رقم 184).
(4)
في "السنن"(1/ 122 رقم 81).
(5)
في "السنن"(1/ 166 رقم 494).
قلت: وأخرجه أحمد (4/ 288 - 302)، وابن الجارود (رقم 26)، وابن حبان في "صحيحه"(2/ 226 رقم 1125)، وابن خزيمة (1/ 22 رقم 32)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 159)، وفي "معرفة السنن والآثار"(1/ 405) وغيرهم. وهو حديث صحيح، وقد صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود".
(6)
في "صحيحه"(1/ 22).
(7)
زيادة من "ب".
(8)
في "السنن الكبرى"(1/ 159).
وذهبَ إلى خلافهِ جماعةٌ منَ الصحابةِ والتابعين والهادويةُ، ويروى عن الشافعيِّ وأبِي حنيفةَ. قالوا: والحديثانِ إِما منسوخانِ بحديثِ: "إنهُ كانَ آخِرَ الأمرينِ منهُ صلى الله عليه وسلم عدمُ الوضوءِ مما مسَّتِ النارُ"، أخرجهُ الأربعةُ
(1)
، وابنُ حِبَّانَ
(2)
منْ حديثِ جابرٍ.
قالَ النوويُّ
(3)
: دعوى النسخِ باطلةٌ؛ لأنَّ هذا الأخيرَ عامٌّ، وذلكَ خاصٌّ، والخاصُّ مقدَّمٌ على العامِّ. وكلامهُ هذا مبنيٌّ على تقديمِ الخاصِّ على العامِّ مطلقًا، تقدَّمَ الخاصُّ أوْ تأخَّرَ، وهي مسألةٌ خلافيةٌ [فِي الأصولِ]
(4)
بينَ الأصوليينَ.
أو أن المرادَ بالوضوءِ التنظيفُ، وهوَ غسلُ اليدِ لأجلِ الزهومةِ، كما جاءَ في الوضوءِ منِ اللبنِ، وأنَّ لهُ دَسَمًا، والواردُ في اللبنِ التمضمضُ من شربهِ. وذهبَ البعض إلى أنَّ الأمرَ [الوارد]
(5)
في الوضوءِ من لحومِ الإبلِ للاستحبابِ لا للإيجابِ، وهوَ خلافُ ظاهرِ الأمرِ.
[قال الزركشي: "وإنما أمر الشارع بالوضوء من لحوم الإبل؛ لأنها خلقت من الجان، ولهذا أمر بالتسمية عند ركوبها، فأمر بالوضوء من أكلها، كما أمر بالوضوء عند الغضب؛ ليزول استيلاء الغضب" اهـ.
(1)
وهم: أبو داود (1/ 133 رقم 191)، والترمذي (1/ 116 رقم 80)، والنسائي (1/ 108)، وابن ماجه (1/ 164 رقم 489).
(2)
في "صحيحه"(2/ 230 رقم 1135).
قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 65، 67)، والبيهقي (1/ 155 - 156) و (1/ 154 - 155)، وأحمد (3/ 304)، والطيالسي (ص 233 رقم 1670)، والدولابي في "الكنى"(2/ 36)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 24)، وقد أعلَّ الحديث بعض العلماء كالشافعي كما في "التلخيص الحبير"(1/ 116)، وابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 64 رقم 168) وغيرهم.
وردَّ عليهم الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر في "شرح الترمذي"(1/ 117)، وابن التركماني في "الجوهر النقي"(1/ 156)، وابن حزم في "المحلى بالآثار"(1/ 226 - 227).
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، واللَّه أعلم.
(3)
في "المجموع"(2/ 59 - 60).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
زيادة من (أ).
قلت: وقد ورد أنها خلقت من الشياطين، وأن على ذروة كل بعير شيطانًا]
(1)
. أمَّا لحومُ الغنمِ فلا نقضَ بأكلِها بالاتفاقِ، كذا قيلَ، ولكنْ حُكِيَ في "شرحِ السنَّةِ"
(2)
وجوبُ الوضوءِ مما مسَّتِ النارُ، وعنْ عمرَ بن عبدِ العزيزِ أنهُ كانَ يتوضأُ مِنْ أكلِ السكرِ.
جواز تجديد الوضوء على الوضوء
قلتُ: وفِي الحديثِ مأخذٌ لتجديدِ الوضوءِ على الوضوءِ، فإنهُ حكمَ بعدمِ نقضِ الأكلِ مِنْ لحومِ الغنمِ، وأجازَ لهُ الوضوءَ، وهوَ تجديدٌ للوضوءِ على الوضوءِ.
الوضوء من غسل الميت وحمله
10/ 70 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَسّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوضَّأ". [حسن]
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
(3)
، وَالنَّسَائِيُّ
(4)
، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسّنَهُ
(5)
. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا
(1)
زيادة من (أ).
(2)
للإمام البغوي (1/ 349).
(3)
في "المسند"(2/ 433، 454، 472) من طريق ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة. وصالح ضعيف.
قلت: وأخرجه الطيالسي (ص 305 رقم 2314)، والبيهقي (1/ 303) من الطريق نفسه.
وأعلَّه البيهقي بقوله: "وصالح مولى التوأمة ليس بالقوي".
لكن تعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بقوله: "رواه عن صالح بن أبي ذئب، وقال قال ابن معينٍ: صالح ثقة حجة، ومالك والثوري أدركاه بعدما تغير، وابن أبي ذئب سمع منه قبل ذلك، وقال السعدي: حديث ابن أبي ذئب عنه مقبول لثبته وسماعه القديم منه. وقال ابن عدي: لا أعرف لصالح حديثًا منكرًا قبل الاختلاط" اهـ.
(4)
لم أعثر عليه في "السنن""المجتبى"، ولم يعزه المزي في "الأطراف" - (9/ 294 رقم 12184) و (10/ 291 رقم 14275) و (9/ 414 رقم 12726) - للنسائي، واللَّه أعلم.
(5)
في "السنن"(3/ 318 رقم 993)، وقال: حديث حسن.
قلت: وأخرجه أبو داود (3/ 512 رقم 3162)، وابن ماجه (1/ 470 رقم 1463) مختصرًا، وأحمد في "المسند"(14/ 106 رقم 7675 - شاكر) كلهم من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرةَ مرفوعًا، وإسناده صحيح إلا أن أبا داود أدخل بين=
يَصحُّ في هذَا الْبَابِ شَيءٌ
(1)
.
(وَعَنْ أَبِي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوضَّأْ. أخرجه أحمد، والنسائيُّ، والترمذيُّ، وحسَّنه. وقالَ أحمد: لا يصحُّ في هذا الباب شيءٌ)؛ وذلكَ لأنهُ أخرجهُ أحمدُ منْ طريقٍ فيها ضعيفٌ، ولكنْ قدْ حسَّنهُ الترمذيُّ
(2)
، وصحَّحهُ ابنُ حبانَ
(3)
؛ لورودهِ منْ [طرقٍ]
(4)
ليسَ فيها ضعفٌ، وذكرَ الماورديُّ أن بعضَ أصحابِ الحديث خرَّجَ لهُ مائةً وعشرينَ طريقًا
(5)
.
وقالَ أحمدُ: إنهُ منسوخٌ بما رواهُ البيهقيُّ
(6)
عن ابن عباسٍ أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ليسَ عليكمْ في غَسلِ ميِّتكمْ غُسلٌ إذا غسلتموهُ، إنَّ ميتَكم يموتُ طاهرًا وليسَ بنجسٍ، فحسبُكم أن تغسلوا أيديَكُمْ"، ولكنَّهُ ضعَّفهُ البيهقيُّ.
= أبي صالح وأبي هريرة "إسحاق مولى زائدة" وهو ثقة، وإعلاله بكونه روي موقوفًا عن أبي هريرة أيضًا ليس بشيءٍ؛ لأن الرفع زيادةٌ يجب قبولها إذا جاءت عن ثقةٍ.
قلت: وللحديث طريقان آخران عند أحمد (2/ 280)، وأبي داود (3/ 511 رقم 3161). وله شواهد من حديث عائشة وعلي، وحذيفة وأبي سعيد. انظر تخريجهما في كتابنا:"إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الطهارة.
وقال الحافظ في "التلخيص"(1/ 137): وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنًا. وأما قول أحمد: "لا يصح في هذا الباب شيء"، فهو مردود بما قدَّمنا من صحَّة الحديث.
(1)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(1/ 137) عن أحمد أن الحديث منسوخ، وكذا جزم بذلك أبو داود.
قلت: ونقل أبو داود في "مسائل الإمام أحمد"(ص 151) عندما سئل عن الغسل من غسل الميت؟ قال: يثبت فيه حديث أبي هريرة
…
(2)
في "السنن"(3/ 319).
(3)
في "صحيحه"(2/ 239 رقم 1158).
(4)
في النسخة (أ): "طريق".
(5)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(1/ 137) وقال: "وليس ذلك ببعيد".
(6)
في "السنن الكبرى"(3/ 398).
قلت: وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 386)، وقال: صحيح على شرط البخاري.
ووافقه الذهبي.
قلت: إنما هو حسن الإسناد كما قال الحافظ في "التلخيص"(1/ 138): لأن فيه عمرو بن عمرو، وفيه كلام. وقد قال الذهبي نفسه في "الميزان" (3/ 282) بعد أن ساق أقوال الأئمة فيه:"حديثه صالح حسن منحط عن الدرجة العليا من الصحيح".
وتعقَّبهُ المصنفُ
(1)
لأنهُ قالَ البيهقيُّ: هذا ضعيف، والحملُ فيهِ على أبي شيبةَ. فقالَ المصنفُ: أبو شيبةَ هو إبراهيمُ بنُ أبي بكرِ بن شيبةَ احتجّ بهِ النسائيُّ ووثقهُ الناسُ، ومَنْ فوقهُ احتجَّ بهمُ البخاريُّ، إلى أنْ قالَ: فالحديثُ حسنٌ. ثمَّ قالَ - في الجمعِ بينهُ وبينَ الأمرِ في حديثِ أبي هريرةَ -: إِنَّ الأمرَ للندبِ.
قلتُ: وقرينتهُ حديثُ ابن عباسٍ هذَا، وحديثُ ابن عمرَ عندَ عبدِ اللَّهِ بن أحمدَ
(2)
: "كنا نغسلُ الميتَ فمنَّا مَنْ يغتسلُ، ومنَّا مَنْ لا يغتسلُ".
قَالَ المصنفُ
(3)
: إسنادُه صحيحٌ، وهوَ أحسنُ ما جُمعَ بهِ بينَ هذهِ الأحاديثِ. وأما قولُهُ:(ومَنْ حملهُ فليتوضأ) فلا أعلمُ قائلًا يقولُ بأنهُ يجبُ الوضوءُ مِنْ [حملِ الميتِ]
(4)
ولا يندبُ.
قلتُ: ولكنهُ معَ نهوضِ الحديثِ لا عذرَ عن العملِ بهِ، ويفسرُ الوضوءُ بغسلِ اليدينِ كما [أفاده حديث ابن عباس ويكون للندب كما]
(5)
يفيدُه التعليلُ بقولهِ: "إن ميتَكمْ يموتُ طاهرًا"؛ فإنَّ لمسَ الطاهرِ لا يوجبُ غسلَ اليدينِ منهُ، فيكونُ في حملِ الميتِ غَسْلُ اليدينِ ندبًا تعبُّدًا، إذ المرادُ إذا حملهُ مباشرًا لبدنه [بقرينة]
(6)
السياقِ، ولقولهِ:"يموتُ طاهرًا"؛ فإنهُ لا يناسبُ ذلكَ إلَّا مَنْ يباشرُ بدنَه بالحملِ.
لا يمس القرآن إلا طاهر
11/ 71 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّ في الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ
(1)
في "التلخيص الحبير"(1/ 138).
(2)
أي: من طريقه.
أخرج الخطيب في "تاريخ بغداد"(5/ 424): من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل. قال لي أبي: كتبت حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: "كنا نغسل الميت فمنَّا من يغتسل ومنا من لا يغتسل؟ قال: قلت: لا، قال: في ذاك الجانب (المخرم) شاب يقال له: محمد بن عبد الله يحدِّث به عن أبى هشام المخزومي عن وهيب فاكتبه عنه".
وأخرجه الدارقطني في "السنن"(2/ 72 رقم 4).
(3)
في "التلخيص"(1/ 138).
(4)
في (أ): حملها.
(5)
زيادة من (أ).
(6)
في (أ): "لقرينة".
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بْنِ حَزْمٍ: "أَنْ لَا يَمَسَّ القُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ". [حسن بشواهده]
رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا
(1)
، وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ
(2)
، وَابْنُ حِبَّانَ
(3)
، وَهُوَ مَعْلُولٌ.
ترجمة عبد الله بن أبي بكر بن حزم
(وَعَنْ عَبدِ اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ)
(4)
.
هُوَ ابنُ أبي بكرٍ الصدِّيقِ، أمهُ وأمُّ أسماءَ واحدةٌ، أسلمَ قديمًا وشهدَ معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الطائفَ، وأصابهُ سهمٌ انتقضَ عليهِ بعدَ سنينَ فماتَ منهُ في شوالَ سنةَ إحدى عَشْرَة، وصلَّى عليهِ أبوهُ. (أن في الكتابِ الذي كَتَبَهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لعمرِو بن حَزْمٍ).
ترجمة عمرو بن حزم
هوَ عمرُو بنُ حزمٍ بن زيدٍ الخزرجيُّ البخاريُّ يُكْنَى أبا الضحاكِ. أولُ مشاهدهِ الخندقُ، واستعملهُ صلى الله عليه وسلم على نجرانَ، وهوَ ابنُ سبعَ عشْرةَ سنةً؛ ليفقِّهَهُمْ في الدينِ ويعلِّمَهُمْ القرآنَ، ويأخذَ صدقاتِهمْ، وكتبَ لهُ كتابًا فيهِ الفرائضُ والسننُ والصدقاتُ والدياتُ. وتوفيَ عمرُو بنُ حزمٍ في خلافةِ عمرَ [بالمدينة]
(5)
، ذكرَ هذا ابنُ عبدِ البرّ في "الاستيعابِ"
(6)
. (أنْ لا يمسَّ القرآنَ إلَّا طاهرٌ. رواهُ مالكٌ مرسلًا، ووصله النسائيُّ، وابنُ حبانَ، وهوَ معلولٌ).
حقيقةُ المعلولِ
(7)
: الحديثُ الذي يطَّلعُ على الوهمِ فيهِ بالقرائنِ وجمعِ الطرقِ فيقالُ لهُ: معلَّلٌ ومعلولٌ، والأجودُ أنْ يقالَ [فيه]
(8)
: المعَلُّ، مِنْ أَعلَّهُ.
(1)
في "الموطأ"(1/ 199 رقم 1).
(2)
في "السنن"(8/ 57 - 58 رقم 4853).
(3)
في "صحيحه"(ص 202 رقم 793 - "الموارد").
(4)
انظر ترجمته في: "الإصابة"(7/ 99 رقم 5805)، و"الاستيعاب"(8/ 299 - 300 رقم 1907)، و"أسد الغابة"(4/ 98 - 99).
(5)
في (أ): "في المدينة".
(6)
(8/ 300).
(7)
انظر: "قواعد التحديث" للقاسمي (ص 131)، و"شرح المنظومة البيقونيَّة"(ص 135 - 137).
(8)
زيادة من (أ).
والعلةُ: عبارةٌ عنْ أَسباب خفيةٍ غامضةٍ طرأتْ على الحديثِ؛ فأثَّرتْ فيهِ وقدَحتْ، وهوَ مِنْ أغمضِ أنواعِ الحديثِ وأدقِّها، ولا يَقومُ بذلكَ إلا من رزقهُ اللَّهُ فهمًا ثاقبًا، وحفظًا واسعًا، ومعرفةً تامةً بمراتبِ الرواةِ، وَمَلَكَةً قويةً بالأسانيدِ والمتونِ.
وَإِنَّمَا قالَ المصنفُ: إنَّ هذا الحديثَ معلولٌ؛ لأنهُ مِنْ روايةٍ سليمانَ بن داودَ، وهوَ متفقٌ على تركهِ، كما قاله ابنُ حزمٍ
(1)
، وَوَهِمَ في ذلكَ، فإنهُ ظنَّ أنهُ سليمانُ بنُ داودَ اليمانيُّ، وليسَ كذلكَ، بلْ هوَ سليمانُ بنُ داودَ الخولانيُّ
(2)
، وهوَ ثقةٌ أَثَنى عليهِ أبو زرعةَ وأبو حاتمٍ، وعثمانُ بنُ سعيدٍ، وجماعةٌ مِنَ الحفاظِ، واليمانيُّ هوَ المتفقُ على ضعفِهِ
(3)
، وكتابُ عمرِو بن حزمٍ تلقَّاهُ النَّاسُ بالقَبولِ.
قالَ ابنُ عبدِ البرِ: [إنهُ]
(4)
أشبهَ المتواترَ لتلقِّي الناسِ له بالقبولِ. وقالَ يعقوبُ بنُ سفيانَ: لا أعلمُ كتابًا أصحَّ منْ هذا الكتابِ؛ فإنَّ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والتابعينَ يرجعونَ إليهِ ويَدَعُونَ رأيهَم. وقال الحاكمُ
(5)
: قدْ شهدَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، وإمامُ عصرهِ الزهريُّ بالصحةِ لهذا الكتابِ.
وفي البابِ منْ حديثِ حكيمِ بن حزامٍ
(6)
: "لا يمسُّ القرآنَ إلَّا طاهرٌ"، وإنْ
(1)
في "المحلَّى"(10/ 364).
(2)
قلت: والجمهور على توثيقه.
انظر: "التاريخ الكبير"(4/ 10 رقم 1790)، و"الجرح والتعديل"(4/ 110 رقم 486)، و"الميزان"(2/ 200 - 202 رقم 3448)، و"الكامل"(3/ 1123 - 1124).
(3)
انظر ترجمته في: "الكامل"(3/ 1125 - 1126)، و"لسان الميزان"(3/ 83)، و"التاريخ الكبير"(4/ 11 رقم 1792)، و"الجرح والتعديل"(4/ 110 رقم 487).
(4)
زيادة من (أ).
(5)
في "المستدرك"(1/ 397).
(6)
أخرجه الطبراني في "الكبير"(3/ 229 رقم 3135)، و"الأوسط"(1/ 276 - 277 - "مجمع الزوائد")، والحاكم (3/ 485)، واللالكائي (2/ 345 رقم 574)، والدارقطني (1/ 222 رقم 6).
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي. وتعقَّبهما الألباني في "الإرواء"(1/ 159) بقوله: "أنَّى له الصحَّة وهو لا يروى إلا بهذا الإسناد كما قال الطبراني".
قلت: فيه "مطر بن طهمان الوراق" ضعَّفه الجمهور وأخرج له مسلم في "المتابعات".
انظر: "الميزان"(4/ 126). وفيه: "أبو حاتم سويد بن إبراهيم العطار"، ضعَّفه جماعة.
انظر: "الميزان"(2/ 247).
كانَ في إسنادِهِ مقالٌ، إلَّا أنهُ ذكرَ الهيثميُّ في "مجمعِ الزوائدِ"
(1)
منْ حديثِ عبدِ اللَّهِ بن عمرَ أنهُ قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يمسُّ القرآنَ إلَّا طاهرٌ".
قال الهيثميُّ: رجالهُ موثقونَ. وذكرَ لهُ شاهدين
(2)
، ولكنهُ يبقَى النظرُ في المرادِ من الطاهرِ، فإنهُ لفظٌ مشتركٌ يُطْلَقُ على الطاهرِ من الحدثِ الأكبرِ، والطاهرِ منَ الحدثِ الأصغرِ، ويطلقُ على المؤمنِ، وعلى مَنْ ليسَ على بدنهِ نجاسةٌ، ولا بدَّ لحملهِ على [معنى]
(3)
معيَّنٍ من قرينةٍ.
وأما قولُهُ تَعَالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}
(4)
، فالأوضحُ أن الضميرَ للكتابِ المكنونِ الذي سبقَ ذكرُهُ في صدرِ الآيةِ، وأنَّ "المطَهَّرون" همُ الملائكةُ.
ذكر الله على كل حال
12/ 72 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ.
(1)
(1/ 276).
قلت: وحديث عبد الله بن عمر أخرجه الطبراني في "الكبير"(12/ 313 رقم 13217)، وفي "الصغير"(2/ 277 رقم 1162)، والدارقطني (1/ 121 رقم 3)، والبيهقي (1/ 88)، واللالكائي في "أصول اعتقاد أهل السنة"(2/ 344 رقم 573)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (1/ 276) وقال:(رواه الطبراني في "الكبير" و"الصغير" ورجاله موثقون). وقال ابن حجر في "التلخيص"(1/ 131): "وإسناده لا بأس به، ذكر الأثرم أن أحمد احتج به".
وقال الطبراني: "لم يروه عن سليمان إلا ابن جريج ولا عنه إلا أبو عاصم، تفرَّد به سعيد بن محمد".
قلت: سعيد بن محمد مجهول الحال، ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد"(9/ 94) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وكذلك ابن ماكولا في "الإكمال"(1/ 562)، وبقية رجال الإسناد ثقات غير أن ابن جريج مدلس وقد عنعنه.
(2)
الأول: حديث حكيم بن حزام تقدم تخريجه آنفًا.
والثاني: حديث عثمان بن أبي العاص: أخرجه الطبراني في "الكبير"(9/ 33 رقم 8336)، وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 74).
وقال: "فيه إسماعيل بن رافع" ضعفه ابن معين والنسائي، وقال البخاري: ثقة مقارب الحديث.
(3)
زيادة من (أ).
(4)
سورة الواقعة: الآية 79. وانظر: تفسير ابن الجوزي "زاد المسير" (8/ 152)، و"تفسير ابن كثير" (4/ 319 - 320).
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ
(2)
. [صحيح]
(وَعَنْ عَائشةَ رضي الله عنها قالتْ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكرُ اللَّهَ عَلى كلِّ أحيانِهِ. رواهُ مسلمٌ وعلَّقهُ البخاريُّ).
والحديثُ مقرِّرٌ للأصلِ، وهوَ ذكرُ اللَّهِ على كلِّ حال منَ الأحوالِ، وهوَ ظاهرٌ في عموم الذكرِ، فتدخلُ تلاوةُ القرآنِ ولوْ كَانَ جُنُبًا، إلَّا أنهُ قدْ [خَصَّصَهُ]
(3)
حديثُ عليٍّ
(4)
عليه السلام الذي في بابِ الغُسلِ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرئُنا القرآنَ، ما لمْ يكن جُنُبًا"، وأحاديثُ أخرُ في معناهُ تأتي، وكذلكَ هوَ مخصَّصٌ بحالةِ الغائطِ، والبولِ، والجماعِ
(5)
.
والمرادُ بكلِّ أحيانِهِ معظمُها، كما قالَ اللَّهُ تعالى:{يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}
(6)
. والمصنفُ ذكرَ الحديثَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أن نواقضَ الوضوءِ مانعةٌ منْ ذكرِ اللَّهِ تَعَالَى.
النوم مظَنَّة لنقض الوضوء
13/ 73 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "العينُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنَانِ اسْتَطْلَق الْوِكَاءُ".
رَوَاهُ أَحْمَدُ
(7)
، وَالطَّبَرَانيُّ
(8)
. [حسن]
(1)
في "صحيحه"(1/ 282 رقم 117/ 373).
(2)
في "صحيحه"(2/ 114 - الباب 19).
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 24 رقم 18)، والترمذي (5/ 463 رقم 3384)، وابن ماجه (1/ 110 رقم 302)، وأحمد (6/ 70، 153، 278)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 44 رقم 274)، والبيهقي (1/ 90)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 893)، وأبو عوانة (1/ 217).
(3)
في النسخة (أ): "خصَّه".
(4)
وهو حديث ضعيف سيأتي تخريجه رقم (8/ 106).
(5)
لأنه قال في "فتح العلَّام": إذا حمل الذكر في الحديث على ذكر اللسان، وأما إذا أريد به الذكر بالجَنان فلا مانع من ذلك.
(6)
سورة آل عمران: الآية 191.
(7)
في "المسند"(4/ 96 - 97).
(8)
في "الكبير"(1/ 247)"مجمع الزوائد".
قلت: وأخرجه الدارمي (1/ 184)، والدارقطني (1/ 160 رقم 2)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 471).
- وَزَادَ: "وَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأ"، وَهذ الزِّيَادَةُ في هذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ
(1)
مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ دُونَ قَوْلِهِ: "اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ"، وَفِي كِلَا الإِسْنَادَيْنِ ضَعْفٌ
(2)
. [حسن]
ترجمة معاوية بن أبي سفيان
(وَعَنْ مُعَاوِيةَ)
(3)
.
هوَ ابنُ أبي سُفيانَ صخرِ بنْ حربٍ، هوَ وأبوهُ منْ مُسْلِمَةِ الفتحِ، ومنَ المؤلَّفةِ قلوبُهم، ولَّاهُ عمرُ الشامَ بعدَ موتِ يزيدَ بن أبي سفيانَ، ولمْ يزلْ بها متولِّيًا أربعينَ سنة إلى أنْ ماتَ سنةً ستينَ في شهرِ رجبٍ بدمشقَ، ولهُ ثمانٍ وسبعونَ سنةً.
(قَالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: العَيْنُ) أرادَ الجنسَ، والمرادُ العينانِ منْ كلِّ إنسانٍ
(1)
في "السنن"(1/ 140 رقم 203).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 161 رقم 477)، والبيهقي (1/ 118)، وهو حديث حسن. حسَّنه الألباني في "الإرواء"(رقم 133).
(2)
• في إسناد حديث معاوية: أبو بكر بن أبي مريم: ضعيف.
انظر ترجمته في: "الكبير"(9/ 9 رقم 55)، والمجروحين (3/ 146 - 147)، و"الميزان" 41/ 497 رقم 10006)، و"التقريب"(2/ 398 رقم 70)، و"لسان الميزان"(7/ 454 رقم 5398).
• في إسناد حديث علي: الوَضِيْنُ بن عطاء: صدوق سيء الحفظ ورُمِيَ بالقدر.
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(9/ 50 رقم 213)، و"الميزان"(4/ 334)، و"تقريب التهذيب"(2/ 331 رقم 34).
(3)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(3/ 32 - 33) و (7/ 406 - 407)، و"تاريخ الطبري"(1/ 135، 458، 637) و (3/ 45، 87، 138، 193) و (5/ 7)، و"تاريخ بغداد"(1/ 207 - 210 رقم 48)، و"جامع الأصول"(9/ 107 رقم 6656)، و"الكامل في التاريخ"(4/ 5 - 9)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 102 - 104 رقم 149)، و"البداية والنهاية"(1/ 150) و (6/ 178، 250)، و"مجمع الزوائد"(9/ 354 - 358)، و"العقد الثمين"(7/ 227 - 237 رقم 2477)، و"تهذيب التهذيب"(10/ 187 رقم 387)، و"المطالب العالية"(8/ 104 رقم 4085)، و"شذرات الذهب"(1/ 65)، و"العبر"(1/ 47)، و"الجرح والتعديل"(8/ 377 رقم 1723).
(وِكاءُ) بكسرِ الواوِ والمدِّ (السَّهِ) بفتحِ السين المهملةِ، وكسرِ الهاءِ هي الدُّبُر، والوكاءُ ما يربطُ بهِ الخريطةُ أو نحوهَا.
(فَإِذَا نَامَتِ العَيْنَانِ اسْتَطْلَقَ الوكَاءُ) أي: انحلَّ، (رواهُ أحمدُ والطبرانيُّ. وزادَ) الطبرانيُّ:(ومَنْ نامَ فَلْيَتَوَضأْ. وهذِهِ الزيادةُ في هذا الحديثِ) وهي قولُهُ: (ومنْ نامَ فليتوضأ)(عندَ أبي دَاوُدَ مِنْ حديثِ عَليٍّ عليه السلام ولفظهُ: "العينُ وكاءُ السَّهِ، فمنْ نامَ فليتوضأ"، (دونَ قولهِ: اسْتَطْلَقَ الوِكَاءُ. وفي كِلا الإسنادَيْنِ ضَعْفٌ). إسنادِ حديثِ معاويةَ، وإسنادِ حديثِ عليٍّ، فإنَّ في إسنادِ حديثِ معاويةَ: بقيةَ عنْ أبي بكرٍ بن أبي مريمَ، وهوَ ضعيفٌ، وفي حديث عليٍّ أيضًا: بقيةُ عن الوَضِينِ بن عطاء؟.
قالَ ابنُ أبي حاتمٍ
(1)
: سألتُ أبي عنْ هذينِ الحديثينِ فقالَ: ليسا بقويَّيْنِ. وقالَ أحمدُ
(2)
: حديثُ عليٍّ أثبتُ منْ حديثِ معاويةَ. وحَسَّنَ المنذريُّ، والنوويُّ، وابنُ الصَّلاحِ حديثَ عليٍّ
(3)
عليه السلام.
والحديثانِ يدلَّانِ على أن النَّومَ ليسَ بناقضٍ بنفسهِ، وإنَّما هوَ مَظَنَّةُ النقضِ، فَهُمَا مِنْ أدلَّةِ القائلينَ بذلكَ، ودليلٌ [على]
(4)
أنهُ لا ينقضُ إلا النومُ المستغرِقُ، وتقدَّمَ الكلامُ في ذلكَ. وكانَ الأَوْلَى بحسنِ الترتيبِ أنْ يذْكُرَ المصنفُ هذا الحديثَ عَقِبَ حديثِ أنسٍ في أولِ بابِ النواقضِ كما لا يَخْفَى.
14/ 74 - وَلأبي دَاوُدَ
(5)
- أَيْضًا - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا: "إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا". [منكر]
(1)
في "العلل"(1/ 47 رقم 106).
(2)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(1/ 118 رقم 159).
(3)
وحسَّنه الألباني في "الإرواء"(رقم 113).
(4)
في (أ): "في".
(5)
في "السنن"(1/ 139 رقم 202).
قلت: وأخرجه الترمذي (1/ 111 رقم 77)، والطبراني في "المعجم الكبير"(12/ 157 رقم 12748)، والدارقطني (1/ 159 رقم 1)، والبيهقي (1/ 121)، وأحمد (1/ 256) وهو منقطع؛ لأن أبا خالد الدالاني لم يسمع من قتادة. وانظر:"مختصر أبي داود"(1/ 144 رقم 190) للمنذري، فقد تكلم على الحديث فأجاد وأفاد.
والخلاصة: أنه حديث منكر، واللَّه أعلم.
وَفِي إسنادِه ضَعْفٌ أَيْضًا.
(وَلأَبِي دَاوُدَ أيضًا عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ مرفوعًا: إنَّما الوضُوء على مَنْ نَامَ مضْطَجِعًا، وفي إسنادِهِ ضعفٌ أيضًا)؛ لأنهُ قالَ أبو داودَ
(1)
: إنهُ حديثْ منكرٌ. وبَيَّنَ وَجْهَ [نَكَارتهِ]
(2)
، وفيه الحصر على أنهُ لا ينقضُ إلَّا نومُ المضْطَجعِ لا غيرُ، ولو استغرقَهُ النومُ، فالجمعُ بينهُ وبينَ ما مضَى مِنَ الأحاديثِ أنهُ خرجَ عَلَى الأغلبِ، فإنَّ الأغلبَ على مَنْ أرادَ النومَ الاضطجاعُ، فلا معارضةَ.
خروج الدم من البدن من غير السبيلين ليس بناقض للوضوء
15/ 75 - وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوضَّأ.
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنيُّ
(3)
وَليَّنَهُ
(4)
. [ضعيف]
(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوضَّأ. أخرجه الدارقطني وليَّنَهُ)، أي قالَ: هوَ ليِّن. وذلكَ؛ لأنَّ في إسنادهِ صالحَ بنَ مقاتلٍ، وليسَ بالقويِّ، وذكرهُ النوويُّ في فصلِ الضعيفِ
(5)
. والحديثُ دليلٌ، ومقرِّرٌ للأصلِ على أن خروجَ الدمِ منَ البدنِ غيرَ الفرجين لا ينقضُ الوضوءَ.
وفي البابِ أحاديثُ تفيدُ عدمَ نقضهِ عن ابن عمرَ
(6)
، .........................
(1)
في "السنن"(1/ 139).
(2)
في (أ): "إنكاره في السنن".
(3)
في "السنن"(1/ 151 رقم 2)، وفي سنده "صالح بن مقاتل". قال عنه الدارقطني: يُحدث عن أبيه ليس بالقوي.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف.
(4)
حديث أنس هذا ورد في المخطوطتين قبل الحديث السابق من حيث الترتيب.
(5)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(1/ 113 رقم 152).
(6)
أخرجه البخاري تعليقًا في "الوضوء"(1/ 280)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 145 رقم 553)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 138)، والبيهقي (1/ 141)، وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 172 رقم 65).
عن بكير بن عبد الله المزني أن ابن عمر عصر بثرةً بين عينيه، فخرج منها شيءٌ ففتَّه بين أصبعيه، ثم صلَّى ولم يتوضأ، وإسناده صحيح.
وابنِ عباسٍ
(1)
، وابنِ أبي أَوْفَى
(2)
.
وقد اختلفَ العلماءُ في ذلكَ: فالهادويةُ على أنهُ ناقضٌ بشرطِ أنْ يكونَ سائلًا يقطرُ، أو يكونَ قَدْرَ الشعيرةِ يسيلُ في وقتٍ واحدٍ منْ موضعٍ واحدٍ إلى ما يمكنُ تطهيرُهُ.
وقالَ زيدُ بنُ عليٍّ، والشافعيُّ، ومالكٌ، والناصرُ، وجماعةٌ من الصحابةِ والتابعينَ: إنَّ خروجَ الدمِ منَ البدنِ منْ غيرِ السبيلينِ ليسَ بناقضٍ؛ لحديثِ أنسٍ هذا، وما أيَّدهُ مِنَ الآثارِ عمنْ ذكرناهُ؛ ولقولهِ صلى الله عليه وسلم:"لا وضوءَ إلَّا مِنْ صوتٍ أوْ ريحٍ"، أخرجهُ أحمدُ
(3)
، والترمذيُّ وصحَّحهُ
(4)
. وأحمدُ
(5)
والطبرانيُّ
(6)
بلفظِ: "لا وضوءَ إلَّا منْ ريح أو سماعٍ"؛ ولأنَّ الأصلَ عدمُ النقضِ حتى يقومَ ما يرفعُ الأصلَ، ولمْ يقمْ دليل على ذلكَ.
نهي الشارع عن متابعة الوساوس والأوهام
16/ 76 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَأْتِي أَحَدَكُمْ
(1)
أخرج ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 172 رقم 64) عن ابن عباس، قال:"إذا كان الدم فاحشًا فعليه الإعادة، وإن كان قليلًا فلا إعادة عليه".
• وأخرج الشافعي كما في "التلخيص"(1/ 114) عن رجل عن ليث عن طاوس عن ابن عباس، قال:"اغسل أثر المحاجم عنك، وحسبك".
(2)
أخرجه البخاري تعليقًا في "الوضوء"(1/ 280)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 148 رقم 571)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 124)، وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 172 رقم 63).
عن عطاء بن السائب قال: رأيت عبد الله بن أبي أوفى بزق دمًا ثم قام فصلَّى. وإسناده صحيح.
(3)
في "المسند"(2/ 471).
(4)
في "السنن"(1/ 109 رقم 74)، وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1721 رقم 515)، والبيهقي (1/ 117). كلهم من حديث أبي هريرة، وهو حديث صحيح.
(5)
في "المسند"(3/ 426).
(6)
في "المعجم الكبير"(7/ 140 رقم 6622)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (1/ 242) وقال: فيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف الحديث ولم أر أحدًا وثقه، واللَّه أعلم.
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 172 رقم 516) كلهم من حديث السائب بن يزيد إلا الطبراني فقال: السائب بن خباب. وهو حديثٌ صحيح.
الشّيطَانُ في صَلاِتِهِ، فَيَنْفُخَ فِي مَقْعَدَتِه فَيُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ، وَلَمْ يُحْدِثْ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فَلا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا". [حسن]
أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ
(1)
.
وأَصْلُهُ في الصحِيحَيْنِ
(2)
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. [صح]
- وَلمُسْلِمٍ
(3)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه نَحْوُهُ. [صحيح]
(وَعَنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يأتي أَحَدَكُمُ الشيطان في صلاتهِ) حال كونهِ فيها، (فَيَنْفخ فِي مَقْعَدَتِهِ فَيخَيَّل إليهِ)، يحتملُ أنهُ مبني للفاعلِ، وفيهِ ضميرٌ للشيطانِ، وأنهُ الذي يخيلُ، أي: يوقعُ في خيال المصلِّي أنهُ أحدثَ، ويحتملُ أنهُ مبنيٌّ للمفعول ونائبه (أنهُ أَحْدَثَ ولمْ يحْدِثْ، فإِذَا وَجَدَ ذلكَ فلا يَنْصَرِفْ حتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أو يَجِدَ رِيحًا. أخرجَهُ الْبَزَّارُ)
(4)
.
ترجمة البزار
بفتحِ الموحَّدةِ، وتشديدِ الزايِ، بعدَ الألفِ راءٌ. وهوَ الحافظُ العلامةُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ عمرِو بن عبدِ الخالقِ البصريُّ، صاحبُ "المسندِ الكبير"
(1)
(1/ 147 رقم 281)"كشف الأستار". وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 242).
وقال: رواه الطبراني في "الكبير" والبزار بنحوه، ورجاله رجال الصحيح.
قلت: وهو حديث حسن.
(2)
البخاري (1/ 237 رقم 137)، ومسلم (1/ 276 رقم 98/ 361).
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 122 رقم 176)، والنسائي (1/ 98 رقم 160)، وابن ماجه (1/ 171 رقم 513).
(3)
في "صحيحه"(1/ 276 رقم 99/ 362).
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 123 رقم 177)، والترمذي (1/ 109 رقم 75) وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد"(4/ 334 - 335)، و"المنتظم"(6/ 50)، و"تذكرة الحفاظ"(2/ 653 - 654)، و"لسان الميزان"(1/ 237 - 239)، و"النجوم الزاهرة"(3/ 157 - 158)، و"شذرات الذهب"(2/ 209).
المعلَّلِ، أخذَ عن الطبراني وغيرِهِ، وذكرهُ الدارقطنيُّ وأثْنَى عليهِ، ولمْ يذكرِ الذهبيُّ ولادتَهُ ولا وفاتَهُ
(1)
.
والحديثُ تقدمَ ما يفيدُ معناهُ، وهوَ إعلامٌ منَ الشارعِ بتسليطِ الشيطانِ عَلَى العبادِ حتى في أشرفِ العباداتِ ليفسدَها عليهمْ، وأنهُ لا يضرُّهُم ذلكَ، ولا يخرجونَ عن الطهارةِ إلا بيقينٍ. وأصلهُ في الصحيحينِ منْ حديثِ عبدِ اللَّهِ بن زيدٍ.
(ولمسلمٍ عنْ أبي هريرةَ نحوُهُ) تقدَّمَ حديثُ أبي هريرةَ في هذا البابِ.
17/ 77 - وَللْحَاكِمِ
(2)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: "إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الشَّيطَانُ، فَقَالَ: إِنَّكَ أَحْدَثْتَ فَلْيَقُلْ: كَذَبْتَ". [حسن]
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(3)
بلفظِ: "فَلْيَقُلْ في نَفْسِهِ".
(وَلِلْحَاكِمِ عَنْ أبي سَعِيدٍ) هوَ الخدريُّ تقدمَ (مرفوعًا: إِذَا جَاءَ أَحَدَكُم الشيطانُ، فقالَ) أي: وسوسَ لهُ قائلًا: (إنكَ أحدثتَ فليقلْ: كذبتَ) يحتملُ أن يقولَهُ لفظًا أو في نفسهِ، ولكنَّ قولَهُ:(وأخرجهُ ابن حبانَ بلفظ: فليقلْ في نفسِهِ) بيَّنت أن المرادَ الآخرُ منهُ، وقد رُويَ حديثُ الحاكِمِ بزيادةٍ بعدَ قولهِ:(كذبتَ): "إلَّا مَنْ وجدَ ريحًا أو سمعَ صوتًا بِأُذُنِهِ"، وتقدمَ ما تفيدُهُ هذهِ الأحاديثُ. ولو ضمَّ المصنفُ هذهِ الرواياتِ إلى حديثِ أبي هريرةَ الذي قدَّمهُ، وأشارَ إليهِ هُنَا لكانَ أوْلَى بحسنِ الترتيبِ كما عرفتَ.
وهذهِ الأحاديثُ دالةٌ على حرصِ الشيطانِ على إفسادِ عبادةِ بني آدمَ خصوصًا [الصلاة]
(4)
وما يتعلقُ بها، وأنهُ لا يأتيْهمْ غالبًا إلَّا منْ بابِ التشكيكِ في الطهارةِ، تارةً بالقولِ، وتارةً بالفعلِ، ومِنْ هنا نعرفُ أن أهلَ الوسواسِ في الطهاراتِ امتثلُوا ما فعلهُ وقالهُ.
(1)
قلت: ذكر السمعاني في "الأنساب"(1/ 336) وفاته. فقال: توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين.
(2)
في "المستدرك"(1/ 134).
وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
(3)
في "صحيحه"(4/ 153 - 154 رقم 2656).
قلت: وأخرجه أحمد (3/ 12، 50، 51، 54).
(4)
في النسخة (أ): "الصلوات".
[الباب السابع] بابُ آدابِ قضاءِ الحاجةِ
الحاجةُ كنايةٌ عنْ خروجِ البولِ والغائطِ، وهوَ مأخوذٌ منْ قولِهِ صلى الله عليه وسلم:"إذا قعدَ أحدُكُم لحاجتِهِ"
(1)
. ويعبِّرُ [عنهُ]
(2)
الفقهاءُ ببابِ الاستطابةِ لحديثِ: "ولا [يستطيبُ]
(3)
بيمينهِ"
(4)
، والمحدِّثونَ: ببابِ التخلِّي، مأخوذ مِنْ قولِهِ صلى الله عليه وسلم:"إذا دخلَ أحدُكم الخلاءَ"
(5)
، والتبرُّزِ منْ قولهِ:"البرازُ في المواردِ"
(6)
سيأتي، فالكلُّ منَ العباراتِ صحيحٌ.
عدم اصطحاب ما فيه اسم الله
1/ 78 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ. [منكر]
(1)
وهو جزء من حديث أخرجه مسلم (1/ 224 رقم 265) من حديث أبي هريرة.
(2)
في (أ): "وعنها".
(3)
في (أ): "يستطب".
(4)
وهو جزء من حديث أخرجه البخاري (1/ 253 رقم 153) و (1/ 254 رقم 154)، ومسلم (1/ 225 رقم 65/ 267) من حديث أبي قتادة. واللفظ لمسلم.
(5)
وهو جزء من حديث أخرجه البخاري (1/ 252 رقم 152)، ومسلم (1/ 227 رقم 271) من حديث أن بن مالك.
(6)
وهو جزء من حديث أخرجه أبو داود (1/ 28 رقم 26)، وابن ماجه (1/ 119 رقم 328) من حديث معاذ بن جبل، وهو حديث صحيح. وقد صحّحه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه".
أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ
(1)
وَهُوَ مَعْلُول
(2)
.
(عَنْ أنسِ بن مالكٍ قَالَ: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ الخلاء)؛ بالخاءِ المعجمةِ ممدودٌ: المكانَ الخالي، كانُوا يقصدونهُ لقضاءِ الحاجةِ، (وضعَ خاتَمَهُ. أخرجه الأربعة وهوَ معلولٌ)؛ وذلكَ لأنهُ منْ روايةِ همامٍ، عن ابن جريجٍ، عن الزهريِّ، عنْ أنسٍ، ورواتهُ ثِقَاتٌ لكنَّ ابنَ جريجٍ لمْ يسمعْهُ منَ الزهريِّ، بلْ سمعهُ منْ زيادِ بن سعدٍ عن الزهريِّ، ولكنْ بلفط آخرَ، وهوَ أنهُ صلى الله عليه وسلم اتخذَ خاتمًا منْ وَرِقٍ ثمَّ ألقاهُ.
والوهمُ فيهِ منْ همامٍ، كما قالهُ أبو داودَ
(3)
. وهمامٌ ثقةٌ، كما قالهُ ابنُ معينٍ. وقال أحمدُ: ثبتٌ في كلِّ المشايخِ. وقد رُوِيَ الحديثُ مرفوعًا وموقوفًا [عنْ]
(4)
أنسٍ منْ غِيرِ طريقِ همامٍ. وأوردَ له البيهقيُّ
(5)
شاهدًا. ورواهُ الحاكمُ
(6)
أيضًا بلفظِ: "إِنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لبسَ خاتمًا نقشهُ محمدٌ رسولُ اللَّهِ،
(1)
وهم: أبو داود (1/ 35 - مع العون)، والترمذي (7/ 250 بشرح ابن العربي)، والنسائي (8/ 178)، وابن ماجه (1/ 110 رقم 303)، وهو حديث منكر.
قال أبو داود: هذا حديث منكر.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقال النَّسَائِي: هذا حديث غير محفوظ - كما في "التلخيص الحبير"(1/ 108).
وقال المنذري في "المختصر"(1/ 26): يترجح ما قاله الترمذي.
(2)
قال ابن قيم الجوزية في "تهذيب السنن"(1/ 31 - مختصر) بعد أن أورد جميع الروايات: "هذه الروايات كلها تدل على غلط همام، فإنها مجمعة على أن الحديث إنما هو في اتخاذ الخاتم ولبسه، وليس فيها شيء منها نزعه إذا دخل الخلاء، فهذا هو الذي حكم لأجله هؤلاء الحفاظ بنكارة الحديث وشذوذه".
والمصحِّح له لما لم يمكنه دفع هذه العلة حكم بغرابته لأجلها، فلو لم يكن مخالفًا لرواية من ذكر فما وجه غرابته؟
ولعل الترمذي موافق للجماعة فإنه صحَّحه من جهة السند لثقة الرواة واستغرابه لهذه العلة، وهي التي منعت أبا داود من تصحيح متنه، فلا يكون بينهما اختلاف. بل هو صحيح السند لكنه معلول، واللَّه أعلم".
(3)
في "السنن"(1/ 25).
(4)
في (أ): "على".
(5)
في "السنن الكبرى"(1/ 95) وقال: وهذا شاهد ضعيف، واللَّه أعلم.
(6)
في "المستدرك"(1/ 187).
وكانَ إذا دخلَ الخلاء وضعهُ"، [إلا أنه قال البيهقي - بعد سياقه: هذا شاهد ضعيف]
(1)
.
والحديثُ دليلٌ على الإبعادِ عندَ قضاءِ الحاجةِ، كما يرشدُ إليهِ لفظُ الخلاءِ، فإنهُ يطلقُ على المكانِ الخالي، وعلى المكانِ المعدِّ لقضاءِ الحاجةِ، ويأتي في حديثِ المغيرةِ
(2)
ما هوَ أصرحُ منْ هذَا بلفظ: "فانطلقَ حتَّى تَوَارى". وعندَ أَبِي دَاودَ
(3)
: "كانَ إذا أرادَ البرَازَ انطلقَ حتى لا يراهُ أحدٌ"، ودليلٌ على تبعيدِ ما فيهِ ذكرُ اللَّهِ عندَ قضاءِ الحاجةِ.
وقالَ بعضُهم: يحرمُ إدخالُ المصحفِ الخلاء لغيرِ ضرورةٍ. قيلَ: فلوْ غفلَ عن تنحيةِ ما فيهِ ذكرُ اللَّهِ حتى اشتغلَ بقضاءِ حاجتهِ، غيَّبهُ في فيهِ أو في عمامتهِ أو نحوِهِ، وهذا فعلٌ منهُ صلى الله عليه وسلم، وقدْ عرفَ وجههُ، وهوَ صيانةُ ما فيهِ ذكرُ اللَّهِ عز وجل عن المحلاتِ المُسْتَخْبَثَة، [فدل]
(4)
على ندبهِ وليسَ خاصًّا بالخاتمِ، بلْ في كلّ ملبوسٍ فيهِ ذكرُ اللَّهِ.
الاستعاذه عند دخول الكنيف
2/ 79 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ". [صحيح]
أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ
(5)
.
(1)
زيادة من (أ).
(2)
وهو حديث صحيح سيأتي (رقم 4/ 81).
(3)
في "السنن"(1/ 14 رقم 2)، من حديث جابر.
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 121 رقم 335)، وهو حديث صحيح.
(4)
في النسخة (ب): "قال".
(5)
وهم: أحمد في "المسند"(3/ 99، 101، 282)، والبخاري (1/ 242 رقم 142) و (11/ 129 رقم 6322)، ومسلم (1/ 283 رقم 122/ 375) و (1/ 284 رقم/ 375)، وأبو داود (1/ 16 رقم 5) و (1/ 15 رقم 4)، والترمذي (1/ 10 رقم 5) و (1/ 11 رقم 6)، والنسائي (1/ 20 رقم 19) وفي "عمل اليوم والليلة"(رقم 74)، وابن ماجه (1/ 109 رقم 298).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 1)، وابن حبان في "صحيحه"(2/ 342 رقم 1404)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 28)، وأبو عوانة (1/ 216)، والبغوي في=
(وَعَنْهُ) أي: عنْ أنسٍ رضي الله عنه (قال: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ الخلَاءَ) أي: أرادَ دخولَه (قالَ: اللهمَّ إِنِّي أعوذُ بكَ منَ الخُبْثِ)؛ بضمِّ الخاءِ المعجمةِ، وضمِّ الموحدةِ، ويجوزُ إسكانُها، جمعُ خبيثٍ، (والخبائث) جمعُ خبيثةٍ يريدُ [بالأولِ]
(1)
ذكورَ الشياطينِ، وبالثاني إناثَهم، (أخرجهُ السبعةُ).
ولسعيدِ بن منصورٍ كانَ يقولُ: "بسمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ" الحديثَ. قالَ المصنفُ في "الفتح"
(2)
: ورواهُ المعمريُّ، وإسنادهُ على شرطِ مسلمٍ، وفيهِ زيادةُ [البسملة]
(3)
ولمْ أرَها في غيرهِ. وإنما قلْنَا: [المراد بقوله: (دخل): أراد دخوله]
(4)
؛ لأنهُ بعدَ دخولِ الخلاءِ لا يقولُ ذلكَ.
وقد صرَّحَ بما قرَّرناهُ البخاريُّ في "الأدبِ المفردِ"
(5)
مِنْ حديثِ أنسٍ قالَ: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أرادَ أن يدخلَ الخلاء
…
" الحديثَ، وهذَا في الأمكنةِ المعدَّةِ لذلكَ بقرينةِ الدخولِ، ولذَا قال ابنُ بطالٍ: روايةُ (إذا أتى) أعمُّ؛ لشمولِهَا، ويشرعُ هذا الذكرُ في غيرِ الأماكنِ المعدَّةِ لقضاءِ الحاجةِ، وإنْ كانَ الحديثُ وردَ في الحشوشِ، وأنها تحضُرهَا الشياطينُ، ويشرعُ [القولُ بهذا]
(6)
في غيرِ الأماكنِ المعدَّةِ عندَ إرادةِ رفعِ ثيابهِ، وفيها قبلَ دُخُولِهَا.
وظاهرُ حديثِ أنسٍ أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يجهرُ بهذا الذكرِ، فيحسنُ الجَهرُ به.
الاستنجاء بالماء والحجارة
3/ 80 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الْخَلاء، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(7)
. [صحيح]
="شرح السنة"(1/ 376 رقم 186)، والبخاري في "الأدب المفرد"(رقم 692)، والدارمي (1/ 171)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 95) من طرق عن أنس به.
(1)
في (ب): "الأولى".
(2)
(1/ 244).
(3)
في (ب): "التسمية".
(4)
في (ب): "إذا أراد دخوله: لقوله دخل".
(5)
(رقم 692).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
البخاري (1/ 252 رقم 152)، ومسلم (1/ 227 رقم 70/ 271).
قلت: وأخرجه النَّسَائِي (1/ 42 رقم 45)، وأبو داود (1/ 38 رقم 43) بنحوه. والبغوي=
(وَعَنْ أَنَسٍ) كأنهُ تركَ الإضمارَ فلمْ يقلْ: (وعنهُ) لبعدِ الاسمِ الظاهرِ بخلافهِ في الحديثِ الثاني، وفي بعضِ النسخِ من بلوغِ المرامِ:(وعنهُ) بالإضمارِ أيضًا (قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلامٌ) الغلامُ: هوَ المترعرعُ، قيلَ: إلى حدِّ السبعِ السنينَ، وقيلَ: إلى الالتحاءِ. ويطلقُ على غيرِهِ مجازًا.
(نَحْوي إدَاوَةً) بكسرِ الهمزةِ: إناءٌ صغيرٌ منْ جلدٍ يُتَّخَذُ للماءِ، (مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً) بفتحِ العينِ المهملةِ، وفتحِ النونِ، فزايٍ: هي عصًا طويلةً في أسفلِها زجٌّ. ويقالُ: رمحٌ قصيرٌ.
(فيستنجي بالماءِ. متفقٌ عليهِ) المرادُ بالخلاءِ هُنَا الفضاءُ بقرينةِ العَنَزَةِ؛ لأنهُ كانَ إذا توضأَ صلَّى إليها في الفضاءِ، أو يستترُ بها بأنْ يضعَ عليها ثوبًا، أوْ لغيرِ ذلكَ منْ قضاءِ الحاجاتِ التي تعرضُ لهُ؛ ولأنَّ خدمتَهُ في البيوتِ تختصُّ بأهلهِ. والغلامُ الآخرُ اختلفَ فيهِ، فقيلَ: ابنُ مسعودٍ، وأُطِلْقَ عليهِ ذلكَ مجازًا. ويبعدهُ قولُهُ:(نحوي)، فإنَّ ابنَ مسعودٍ كانَ كبيرًا، فليسَ نحوَ أنس في سِنِّهِ. ويحتملُ أنهُ أرادَ نحوي في كونهِ كانَ يخدمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فيصحُّ، فإنَّ ابنَ مسعودٍ كانَ صاحبَ سوادِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحمل [نعله]
(1)
وسواكَهُ، أو لأنهُ مجازٌ كما في الشرح، وقيلَ: هوَ أبو هريرةَ، وقيلَ: جابرُ بنُ عبدِ اللَّهِ.
الأحكام الفقهية من الحديث
والحديثُ دليلٌ على جوازِ الاستخدامِ [للصغيرِ]
(2)
، وعلى الاستنجاءِ بالماءِ، ونُقِلَ عنْ مالكٍ أنهُ أنكرَ استنجاءَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالماءِ. والأحاديثُ قدْ أثبتتْ ذلكَ، فلا سماعَ لإنكارِ مالكٍ. قيلَ: وعلى أنهُ أرجحُ منَ الاستنجاءِ بالحجارةِ، وكأنهُ أخذهُ مِنْ زيادةِ التكلفِ بحملِ الماءِ بيدِ الغلامِ، ولو كانَ يساوي الحجارةَ أو هي أرجحُ منهُ لَمَا احتاجَ إلى ذلكَ.
والجمهورُ منَ العلماءِ على أنَّ الأفضلَ الجمعُ بينَ الحجارةِ والماءِ، فإنِ اقتصرَ على أحدِهما فالأفضلُ الماءُ، حيثُ لمْ يُردِ الصلاةَ، فإنْ أرادَها فخلافٌ:
=في "شرح السنة"(1/ 389 رقم 195)، وأحمد (3/ 171).
(1)
في (أ): "نعليه".
(2)
في (أ): "بالصغير".
فمَنْ يقولُ: تجزئُ الحجارةُ، لا يوجبهُ. ومَن يقولُ: لا تجزئُ، يوجبهُ.
ومِنْ آدابِ الاستنجاءِ بالماءِ مسحُ اليدِ بالتراب بعدَهُ، كما أخرجهُ أبو داودَ
(1)
منْ حديثِ أبي هريرةَ قالَ: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أَتَى الخَلاء أتيتُ بماء في تَوْرٍ، أو رَكْوَةٍ فاستنجَى منهُ، ثمَّ مسحَ يدَهُ عَلَى الأرضِ". وأخرجَ النسائيُّ
(2)
منْ حديثِ جريرٍ قالَ: "كنتُ معَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى الخلاء فَقَضَى حاجَتَهُ. ثمَّ قالَ: "يا جريرُ، هاتِ طهورًا"، فأتيتهُ بماءٍ فاستنْجَى، وقالَ بيدِهِ "فدلكَ بها الأرضَ"، ويأتي مثلُهُ في الغُسلِ.
يستحب الاستتار عند قضاء الحاجة
4/ 81 - وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "خُذِ الإِدَاوَةَ"، فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
. [صحيح]
(وَعَنِ المغيرَةِ بن شعْبَةَ قَالَ: قَالَ [لي] رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: خذِ الإِدَاوَةَ، فَانْطَلَقَ) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (حتى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ. متفقٌ عليه).
الحديثُ دليلٌ على التواري عندَ قضاءِ الحاجةِ، ولا يجبُ؛ إذِ الدليلُ فعلٌ، ولا يقتضِي الوجوبَ، لكنهُ يجبُ بأدلةِ سترِ العوراتِ عن الأعينِ.
(1)
في "السنن"(1/ 39 رقم 45).
قلت: وأخرجه النَّسَائِي (1/ 45 رقم 50)، وابن ماجه (1/ 128 رقم 358) وفي سنده شريك القاضي وفيه مقال، ولكن يشهد له حديث جرير الآتي، فهو به حسن. وقد حسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
(2)
في "السنن"(1/ 45 رقم 51).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 129 رقم 359) وفي سنده انقطاع. إبراهيم بن جرير بن عبد الله لم يسمع من أبيه. لكن يشهد له حديث أبي هريرة المتقدم آنفًا، فهو به حسن.
وقد حسنه الباني في "صحيح ابن ماجه".
• تَوْر: هو إناء من صُفْر أو حجارة كالإجَّانة، وقد يُتَوضأ منه. "النهاية"(1/ 199).
(3)
البخاري (1/ 473 رقم 363)، ومسلم (1/ 228 رقم 75/ 274).
قلت: وأخرجه النَّسَائِي (1/ 63 رقم 82)، وأبو عوانة (1/ 195، 257)، وأحمد في "المسند"(2/ 248، 250، 251، 255).
وقدْ وردَ الأمرُ بالاستتارِ منْ حديثِ أبي هريرةَ عندَ أحمدَ
(1)
، وأبِي داودَ
(2)
، وابنِ ماجَه
(3)
أنهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَتَى الغائطَ فليستترْ، فإنْ لمْ يجدْ إلَّا أنْ يجمعَ كَثِيبًا منْ رَمْلٍ فَلْيَستدْبِرهُ؛ فإنَّ الشيطانَ يلعبُ بمَقَاعِدِ بني آدمَ. مَنْ فعلَ فقدْ أحْسَنَ، ومنْ لا فَلا حَرَجَ"؛ فدلَّ على استحبابِ الاستتارِ، كما دلَّ على رفعِ الحرجِ، ولكنَّ هذَا غيرُ التواري عن الناسِ، بلْ هذَا خاصٌّ بقرينةِ (فإن الشيطانَ)؛ فلوْ كانَ في فضاء ليسَ فيهِ إنسانٌ استُحبَّ لهُ أنْ يستترَ بشيءٍ ولو بجمعِ كثيبٍ منْ رملٍ.
النهي عن التخلِّي في طريق الناس وظلِّهم
5/ 82 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللَّعَّانَينِ: الَّذِي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ ظِلِّهِمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(4)
. [صحيح]
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اتَّقُوا اللَّاعنين) بصيغةِ التثنيةِ، وفي روايةِ مسلم قالُوا: وما اللَّاعنانِ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الذي يتخلَّى في طريقِ الناسِ أوْ في ظلِّهمْ. رواة مسلمٌ).
قالَ الخطابي
(5)
: يريدُ باللَّاعنينِ الأمرينِ الجالبينِ للَّعْنِ، الحاملَينِ للناسِ عليهِ، والداعيَينِ إليهِ، وذلكَ أن مَنْ فعلَهُمَا لُعِنَ وشُتِمَ، يعني أن عادةَ الناسِ
(1)
في "المسند"(2/ 371).
(2)
في "السنن"(1/ 33 رقم 35).
(3)
في "السنن"(2/ 1157 رقم 3498 - مختصرًا) و (1/ 121 رقم 337).
قلت: وأخرجه الدارمي (1/ 169 - 170)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 42)، والبغوي في "شرح السنة"(12/ 118)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 121 - 122)، وابن حبان في "صحيحه"(2/ 343 رقم 1407)، والبيهقي (1/ 94) و (1/ 104).
وهو حديث ضعيف. ضعَّفه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 103)، والألباني في "المشكاة"(1/ 114 رقم 352/ 19).
(4)
في "صحيحه"(1/ 226 رقم 269).
قلت: وأخرجه أحمد (2/ 372)، وأبو داود (1/ 28 رقم 25)، والبيهقي (1/ 97)، وابن خزيمة (1/ 37 رقم 67)، والبغوي في "شرح السنة"(1/ 388 رقم 191).
(5)
في "معالم السنن"(1/ 3)"مختصر السنن".
لعنُه، فهوَ سببٌ، فانتسَابُ اللعنِ إليهما منَ المجازِ العقلي. [قالوا]
(1)
: وقدْ يكونُ اللاعنُ بمعْنى الملعونِ، فاعلٌ بمعْنى مفعولٍ، فهوَ كذلكَ منَ المجازِ.
والمرادُ بالذي يتخلَّى في طريقِ الناسِ أي: يتغوَّطُ فيما يمرُّ بهِ الناسُ، فإنهُ يؤذيهِم بِنَتَنِهِ واستقذارِهِ، ويؤدي إلى لعنهِ، فإنْ كانَ لعنُهُ جائزًا، فقدْ تسببَ إلى الدعاءِ عليهِ بإبعادهِ عن الرحمةِ، وإنْ كانَ غيرَ جائزٍ، فقدْ تسببَ إلى تأثيمِ غيرِهِ بلعنهِ.
فإنْ قلتَ: فأيُّ الأمرينِ أريدَ هنا؟ قلتُ: أخرجَ الطبرانيُّ في "الكبيرِ"
(2)
بإسنادٍ حسنهُ الحافظُ المنذريُّ
(3)
، عنْ حذيفةَ بن أسيدٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَنْ آذَى المسلمينَ في طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ"، وأخرجَ في "الأوسطِ"
(4)
والبيهقيُّ
(5)
، وغيرُهما برجالٍ ثقاتٍ - إلَّا محمدَ بنَ عمروٍ الأنصاريَّ - وقدْ وثقهُ ابنُ معينٍ - منْ حديثِ أبي هريرةَ سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:"مَنْ سلَّ سخيمتَهُ على طريقٍ مِنْ طرقِ المسلمينَ فعليهِ لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعينَ"؛ والسخيمةُ - بالسينِ المفتوحةِ المهملةِ، والخاءِ المعجمةِ، فمثناةٍ تحتيةٍ - العذرةُ.
(1)
في (أ): "قال".
(2)
(3/ 179) وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 204)، وقال: إسناده حسن.
(3)
في "الترغيب والترهيب"(1/ 134 رقم 4).
(4)
عزاه إليهِ الهيثمي في "المجمع"(1/ 204).
قلت وأخرجه الطبراني في "الصغير"(2/ 77 رقم 811) وقال: هذا الإسناد فيه محمد بن عمرو الأنصاري: ضعفه الأزدي. والحديث عند مسلم وأبي داود بغير هذا اللفظ - كما تقدم آنفًا -.
(5)
في "السنن الكبرى"(1/ 98).
قلت: وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 186) وصحَّحه ووافقه الذهبي، فوهما، فإن فيه محمد بن عمرو الأنصاري ضعفه ابن معين وغيره، ولذلك قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 105):"وإسناده ضعيف"، لكن له شاهدان يقوى بهما:
أحدهما: عن حذيفة بن أسيد - وقل تقدم.
والآخر: عن أبي ذر، أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 129) وسنده واهٍ. وفي الباب عن ابن عمر، أخرجه ابن ماجه (1/ 120 رقم 330)، والطبراني في "الكبير (12/ 281 رقم 13120)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 98 رقم 134): "هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة وشيخه، لكن للمتن شواهد صحيحة".
فهذهِ الأحاديثُ دالةٌ على استحقاقِهِ اللعنةَ، والمرادُ بالظل هنا مُسْتَظَلُّ الناسِ الذي اتَّخذوهُ مقيلًا ومُناخًا ينزلونهُ ويقعدونَ فيهِ، إذْ ليسَ كلُّ ظلِّ يحرُم القعودُ لقضاءِ الحاجةِ تحتهُ، فقدْ قعدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تحتَ حائشِ النخلِ
(1)
لحاجتِهِ، ولهُ ظلٌّ بلا شكٍّ.
قلتُ: يدلُّ لهُ حديثُ أحمدَ: (أو ظلٍّ يُسْتَظَلُّ بهِ).
الأماكن المنهي عن التخلي بها
6/ 83 - وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ
(2)
، عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه:"وَالْمَوَارِدِ"، وَلَفْظُهُ:"اتَّقُوا الْمَلاعِنَ الثلاثةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةَ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ". [حسن بشواهده]
(وَزادَ أبو داودَ عنْ مُعَاذٍ: وَالمَوارِدِ، وَلَفْظُهُ: اتَّقُوا الملاعِنَ الثَّلاثَةَ: البَرَازَ)، بفتحِ الموحدةِ، فراءٍ مفتوحةٍ آخِرَهُ زايٌ، وهوَ المتَّسعُ منَ الأرضِ، يُكْنى بهِ عن الغائطِ، وبالكسرِ المبارزةُ في الحرب، (في المَوَارِدِ) جمعُ موردٍ: وهوَ الموضعُ الذي يأتيهِ الناسُ: منْ رأسِ عينٍ، أوَ نَهَرٍ لشربِ الماءِ، أو للتوضي، (وَقَارِعَةً الطَّرِيقِ) المرادُ: الطريقُ الواسعُ الذي يقرعهُ الناسُ بأرجلِهِمْ، أي: يدقونهُ ويمرونَ عليهِ، (والظِّلِّ) تقدمَ المرادُ بهِ.
7/ 84 - وَلأَحْمَدَ
(3)
عَنِ ابْنِ عَبَّاس: "أَوْ نَقْعَ مَاءٍ"، وَفِيهِمَا ضَعْفٌ. [ضعيف]
(1)
أي: النخل الملتف المجتمع كأنه لالتفافه يحوش بعضه إلى بعض.
(2)
في "السنن"(1/ 28 رقم 26).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 119 رقم 328)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 167)، وقال: صحيح، ووافقه الذهبي. وفيه نظر؛ لأن أبا سعيد الحميري لم يسمع من معاذ ولا يعرف هذا الحديث بغير هذا الإسناد "التلخيص الحبير"(1/ 105).
قلت: وهو حديث حسن بشواهده.
(3)
في "المسند"(1/ 299).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 204) وقال: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة ورجل لم يسم.
وقال ابن حجر في "التلخيص"(1/ 105): "رواه أحمد وفيه ضعف لأجل ابن لهيعة، والراوي عن ابن عباس متهم".
(وَلأَحْمَدَ عن ابن عَبَّاسٍ: أوْ نَقْعَ ماءٍ) بفتح النونِ، وسكونِ القافِ، فعينٍ مهملةٍ. ولفظهُ بعدَ قولِهِ:"اتقوا الملاعنَ الثلاثَ: أَنْ يقعدَ أحدُكم في ظلٍّ يُسْتَظَلُّ بهِ، أوْ في طريقٍ، أو نقْعِ ماءٍ". ونَقعُ الماءِ: المرادُ بهِ الماءُ المجتمعُ كما في "النهاية"
(1)
.
(وفيهما ضعفٌ) أي: في حديثِ أحمدَ، وأبي داودَ، أما حديثُ أبي داودَ فلأنهُ قالَ أبو داودَ
(2)
[عقبهُ]
(3)
: وهوَ مرسل، وذلكَ لأنهُ منْ روايةِ أبي سعيدٍ الحميريِّ، ولمْ يدركْ مُعاذًا؛ فيكونُ منْقطعًا. وقدْ أخرجهُ ابنُ ماجه
(4)
مِنْ هذهِ الطريقِ، وأما حديثُ أحمدَ فلأنَّ فيهِ ابنَ لهيعةَ، والراوي عن ابن عباسٍ مبهمٌ
(5)
.
8/ 85 - وَأَخْرَجَ الطَبَرانِيُّ
(6)
النَّهْيَ عَنْ قضَاءِ الْحَاجَةِ تَحْتَ الأَشْجَارِ الْمُثمِرَةِ، وَضَفَّةِ النَّهْرِ الْجَارِي. من حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بسَنَدٍ ضَعِيفٍ. [إسناده ضعيف]
ترجمة الطبراني
(وأخرجَ الطبرانيُّ)
(7)
.
قَالَ الذهبيُّ: هوَ الإمامُ الحجةُ أبو القاسمِ سليمانُ بنُ أحمدَ الطبرانيُّ مسندُ الدنْيا، وُلدَ سنةَ ستينَ ومائتينِ، وسمعَ سنةَ ثلاثٍ وسبعينَ، وهاجرَ بمدائنِ الشامِ، والحرمينِ، واليمنِ، ومصرَ، وبغدادَ، والكوفةِ، والبصرةِ، وأصبهان، والجزيرةِ، وغيرِ ذلكَ، وحدَّثَ عنْ ألفِ شيخٍ أو يزيدونَ، وانَ منْ فرسانِ هذَا الشأنِ، معَ الصدقِ والأمانةِ، وأثَنى عليهِ الأئمةُ.
(1)
(5/ 108).
(2)
لم يذكر ذلك أبو داود في "السنن"(1/ 28 رقم 26).
(3)
في (ب): "عقيبه".
(4)
في "السنن"(رقم 328) كما تقدم آنفًا.
(5)
انظر: "التلخيص الحبير"(1/ 105).
(6)
في "الأوسط" و"الكبير" الشطر الأخير (1/ 204) كما في "مجمع الزوائد" وقال: فيه "فرات بن السائب وهو متروك الحديث".
(7)
انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة"(2/ 49 - 51)، و"المنتظم"(7/ 54)، و"معجم البلدان"(4/ 18 - 19)، و"تذكرة الحفاظ"(3/ 912 - 917)، و"ميزان الاعتدال"(2/ 195)، و"لسان الميزان"(3/ 73 - 75)، و"النجوم الزاهرة"(4/ 59 - 60)، و"شذرات الذهب"(3/ 30)، و"طبقات المفسرين" للداوودي (1/ 204 - 206).
(النَّهْيُ عَنْ قضاءِ الحاجةِ تحتَ الأشجارِ المثمرةِ) وإنْ لمْ تكنْ ظِلًا لأحدٍ، (وَضَفَّةِ) بفتحِ الضاد المعجمةِ، وكسرِها: جانبُ (النهرِ الجاري. منْ حديثِ ابن عمرَ بسندٍ ضعيفٍ).
لأنَّ في رُوَاتِهِ متروكًا، وهوَ فراتُ بنُ السائبِ، ذكرهُ المصنفُ في "التلخيص"
(1)
؛ فإذا عرفتَ هذَا، فالذي تحصَّل مِنَ الأحاديثِ ستةُ مواضعَ منهيٌّ عن التبرزِ فيها:
قارعةُ الطريقِ، ويقيدُ مطلقُ الطريقِ بالقارعةِ، والظلُّ، والمواردُ، ونَقْعُ الماءِ، والأشجارُ المثمرةُ، وجانبُ النهرِ، وزادَ أبو داودَ في مراسيلهِ
(2)
منْ حديثِ مكحولٍ: نهى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنْ أنْ يُبَالَ بأبوابِ المساجدِ.
النهي عن الكلام عند قضاء الحاجة
9/ 86 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَغَوَّطَ الرَّجُلانِ فَلْيَتَوَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَلا يَتَحَدَّثَا، فَإِن اللَّهَ يمقُتُ عَلَى ذَلِكَ". [ضعيف]
رَوَاهُ [أَحْمَد]
(3)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ، وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَهُوَ مَعْلُولٌ
(4)
.
(1)
(1/ 106 رقم 135).
قلت: وقال عنه البخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 130 رقم 583): تركوه منكر الحديث.
(2)
(رقم 3) هشام بن خالد. صدوق، ومَنْ فوقه ثقات من رجال الشيخين، إلا أن الوليد - وهو ابن مسلم -: مدلس وقد عنعن.
ومكحول: كنيتهُ: أبو عبد الله، شامي ثقة، ففيه، كثير الإرسال.
(3)
لم أجده في "مسند أحمد" من حديث جابر، واللَّه أعلم. وهي زيادة من (ب).
بل وجدته في "مسند أحمد"(3/ 36) من حديث أبي سعيد.
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 22 رقم 15)، وابن ماجه (1/ 123 رقم 342)، والبغوي في "شرح السنة"(1/ 381 رقم 190)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 99 - 100)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 157 - 158)، وابن خزيمة (1/ 39 رقم 71)،
والأصبهاني في "الحلية"(9/ 46) عن أبي سعيد به.
قال أبو داود: هذا لم يسنده إلا عكرمة بن عمار.
وقال الألباني: في "تمام المنة"(ص 58): "الحديث ضعيف لا يصح إسناده وله علتان:
الأولى: طعن العلماء في رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير.
والثانية: أن هلال بن عياض في عداد المجهولين.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف.
(4)
قلت: له علتان كما تقدم آنفًا.
(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذا تغوَّطَ الرَّجُلانِ فَلْيتوارَ) أي: يستترُ، وهوَ من المهموزِ، جزمَ بحذفِ الهمزةِ، (كلُّ واحدٍ منهمَا عنْ صاحبهِ)، والأمرُ للإيجابِ (ولا يتحدَّثَا) حالَ تغوُّطِهِمَا، (فإِنَّ اللَّهَ يمقتُ على ذلكَ) والمقتُ أشدُّ البغضِ (رواهُ أحمدُ وصحَّحه ابن السكنِ)
(1)
، بفتحِ السين المهملةِ، وفتحِ الكافِ.
ترجمة ابن السكن
وهوَ الحافظُ الحجةُ أبو علي سعيدُ بنُ عثمانَ بن سعيد بن السكنِ البغداديُّ نزلَ مصرَ، وولدَ سنةَ أربع وتسعينَ ومائتينِ، وعُنِيَ بهذا الشأنِ، وجمعَ وصنَّفَ وَبَعُدَ صيتُهُ. روى عنهُ أئمةٌ منْ أهلِ الحديثِ، توفيَ سنة ثلاثٍ وخمسينَ وثلثمائة.
ترجمة ابن القطان
(وابن القطان)
(2)
بفتحِ القافِ وتشديدِ الطاءِ: هوَ الحافظُ العلَّامةُ أبو الحسنِ عليُّ بنُ محمدِ بن عبدِ الملكِ الفارسيُّ الشهيرُ بابنِ القطانِ، كانَ منْ أبصرِ الناسِ بصناعةِ الحديثِ، وأحفظِهم لأسماءِ رجالِهِ، وأشدِّهم عنايةً بالروايةِ، ولهُ تآليفُ. حدَّثَ ودرسَ، ولهُ كتابُ "الوهمِ والإيهامِ" الذي وضعهُ على الأحكامِ الكُبرى لعبدِ الحقِّ؛ [وهوَ]
(3)
يدلُّ على حفظهِ وقوةِ فهمهِ، لكنهُ تعنَّتَ في أحوالِ الرجالِ. توفيَ في ربيعِ الأول سنةَ ثمانٍ وعشرينَ وستمائةِ.
(وهو معلولٌ). ولمْ يذكرْ في الشرحِ العلةَ، وهي ما [قالهُ]
(4)
أبو داودَ: لمْ يسندهُ إلا عكرمةُ بنُ عمارٍ العجليُّ اليمانيُّ، وقدْ احتجَّ بهِ مسلمٌ في صحيحهِ، وضعّفَ بعضُ الحفاظِ حديثَ عكرمةَ هذا عنْ يحيى بن أبي كثيرٍ. وقدْ أخرجَ مسلمٌ حديثَهُ عنْ يحيى بن أبي كثيرٍ، واستشهدَ البخاريُّ بحديثهِ عنهُ.
وقدْ رَوَى حديثَ النهيِ عن الكلامِ حالَ قضاءِ الحاجةِ أبو داودَ
(5)
،
(1)
انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ"(3/ 937 - 938)، و"النجوم الزاهرة"(3/ 338)، و "شذرات الذهب"(3/ 12).
(2)
انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ"(4/ 1407)، و "شذرات الذهب"(5/ 128).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
في (أ): "قال".
(5)
في "السنن"(1/ 22 رقم 15) كما تقدم.
وابنُ ماجه
(1)
منْ حديثِ أبي سعيدٍ، وابنُ خزيمةَ في صحيحه
(2)
، إلَّا أنهمْ رووهُ كلُّهم منْ روايةِ عياضِ بن هلالٍ، أو هلالِ بن عياضٍ. قالَ الحافظُ المنذريُّ
(3)
: لا أعرفهُ بجرحٍ ولا عدالةٍ، وهوَ [في]
(4)
عدادِ المجهولينَ.
والحديثُ دليلٌ على وجوبِ سترِ العورةِ، والنهي عن التحدُّثِ حالَ قضاءِ الحاجةِ، والأصلُ فيهِ التحريمُ، وتعليلُهُ بمقتِ اللَّهِ علَيهِ أي: شدةِ بغضهِ لفاعلِ ذلكَ، زيادةٌ في بيانِ التحريمِ. ولكنهُ ادَّعى في "البحر"
(5)
أنهُ لا يحرمُ إجماعًا، وأنَّ النهيَ للكراهةِ، فإنْ صحَّ الإجماعُ وإلَّا [فالأصل]
(6)
هوَ التحريمُ.
وقدْ تركَ صلى الله عليه وسلم ردَّ السلامِ الذي هوَ واجبٌ عندَ ذلكَ، فأخرجَ الجماعةُ
(7)
إلَّا البخاريُّ عن ابن عمرَ: "أن رجلًا مرَّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهوَ يبولُ - فسلَّمَ عليهِ فلمْ يردَّ عليهِ".
النهي عن الاستنجاء باليمين
10/ 87 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَمَسَّنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلا يَتَمَسّحْ مِنَ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ، ولَا يَتَنَفسْ في الإِنَاءِ".
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(8)
، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. [صحيح]
(1)
في "السنن"(1/ 123 رقم 342) كما تقدم.
(2)
(1/ 39 رقم 71) كما تقدم.
(3)
في "الترغيب والترهيب"(1/ 137 رقم 1) والحديث ضعيف كما تقدم.
(4)
في (أ): "من".
(5)
قلت: قال في "البحر"(1/ 46): ويكره الكلام حال قضاء الحاجة.
(6)
في (ب): "فإنَّ الأصل".
(7)
وهم: مسلم (1/ 281 رقم 115/ 370)، وأبو داود (1/ 22 رقم 16)، والترمذي (1/ 150 رقم 90) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (1/ 35 رقم 37)، وابن ماجه (1/ 127 رقم 353).
(8)
البخاري (1/ 254 رقم 154)، ومسلم (1/ 225 رقم 63/ 267).
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 31 رقم 31)، والترمذي (1/ 23 رقم 15)، والنسائي (1/ 25 رقم 24، 25)، وابن ماجه (1/ 13 رقم 310)، والدارمي (1/ 172)، وأحمد (5/ 310).
(وَعَنْ أَبي قتادةَ رضي الله عنه قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَا يَمَسَّنَّ أَحدُ ذَكَرَهُ بيمينِهِ وهوَ يُبولُ ولا يَتَمَسّحْ مِنَ الخَلَاءِ بِيَمِينِه)؛ كنايةٌ عن الغائطِ - كما عرفتَ أنهُ أحدُ ما يطلقُ عليهِ (ولا يَتَنَفَّسْ) يخرجُ نفسهُ (في الإناءِ) عندَ شربهِ منهُ. (متفقٌ عليهِ، واللفظُ لمسلمٍ).
وفيه دليلٌ على تحريمِ مسِّ الذكرِ باليمينِ حالَ البولِ؛ لأنهُ الأصلُ في النهيِ وتحريمُ التمسُّحِ بِهَا منَ الغائطِ، وكذلكَ منَ البولِ، لما يأتي [منْ]
(1)
حديثِ سلمانَ
(2)
. وتحريمُ التنفسِ في الإناءِ حالَ الشربِ. وإلى التحريمِ ذهبَ أهلُ الظاهرِ في الكلِّ عملًا بهِ كما عرفتَ وكذلكَ جماعة منَ الشافعيةِ في الاستنجاءِ.
وذهبَ الجمهورُ إلى أنهُ للتنزيهِ، وأجمل البخاريُّ
(3)
في الترجمةِ فقالَ: (بابُ النهي عن الاستنجاءِ باليمينِ) وذكرَ حديثَ الكتابِ.
قالَ المصنفُ في "الفتحِ"
(4)
: عبَّرَ بالنهي إشارةً إلى أنهُ لمْ يظهرْ لهُ هلْ للتحريمِ أو للتنزيهِ؟ أوْ أن القرينةَ الصارفةَ للنهي عن التحريمِ لم تظهرْ [له]
(5)
، وهذا حيثُ استنجَى بآلةٍ كالماءِ والأحجارِ، أما لَو باشرَ بيدهِ فإنهُ حرامٌ إجماعًا، وهذا تنبيهٌ على شرفِ اليمينِ وصيانَتِها عن الأقذارِ. والنهيُّ عن التنفسِ في الإناءِ، لئلَّا يقذرهُ على غيرِهِ، أوْ يسقطَ مِنْ فمهِ أو أنفهِ ما يفسدُهُ على الغيرِ. وظاهرهُ أنهُ للتحريمِ وحملَهُ الجماهيرُ على الأدبِ.
النهي عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة
11/ 88 - وَعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ رضي الله عنه أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أوْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ. [صحيح]
رَواهُ مُسْلِمٌ
(6)
.
(1)
في (أ): "في".
(2)
وهو حديث صحيح. سيأتي تخريجه رقم (11/ 88).
(3)
في "صحيحه"(1/ 253 الباب 18).
(4)
(1/ 253).
(5)
زيادة من (أ).
(6)
في "صحيحه"(1/ 223 رقم 262).=
ترجمة سلمان الفارسي
(وعن سلمان)
(1)
رضي الله عنه.
هوَ أبو عبدِ اللَّهِ سلمانُ الفارسيُّ ويقالُ لهُ: سلمانُ الخيرِ مولَى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أصلهُ منْ فارسَ، سافرَ لطلبِ الدينِ، وتنصَّرَ، وقرأَ الكُتُبَ، ولهُ أخبارٌ طويلةٌ نفيسةٌ، ثمَّ تنقَّلَ حتَّى انتَهَى إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فآمنَ بهِ وحسُنَ إسلامهُ، وكانَ رأسًا في أهلِ الإسلامِ. وقالَ فيهِ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"سلمانُ منَّا أهلَ البيتِ"
(2)
، وولاهُ عمرُ المدائنَ، وكانَ مِنَ المعمَّرينَ، قيلَ: عاشَ مائتينِ وخمسينَ سنة، وقيل: ثلثمائةٍ وخمسينَ. وكانَ يأكلُ مِنْ عملِ يدهِ ويتصدَّقُ بعطائهِ. ماتَ بالمدينةِ سنةَ [خمسينَ]
(3)
، وقيلَ: اثنتينِ وثلاثينَ.
(قالَ: لقدْ نَهَانا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نستقبلَ القبلةَ بغائطٍ أو بولٍ) المرادُ أنْ نستقبلَ بفروجِنَا عندَ خروجِ الغائطِ أو البولِ، (أوْ أنْ نستنجي باليمينِ) وهذا غيرُ
=قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 17 رقم 7)، والترمذي (1/ 24 رقم 16)، والنسائي (1/ 38 رقم 41)، وابن ماجه (5/ 111 رقم 316).
(1)
انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(5/ 437 - 444)، و"مشاهير علماء الأمصار" (ت: 274)، و"حلية الأولياء"(1/ 185 - 208 رقم 34)، و"الاستيعاب"(4/ 221 - 225 رقم 1014)، و"تاريخ بغداد"(1/ 163 - 171 رقم 12)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 226 - 228 رقم 219)، و"الإصابة"(4/ 223 - 225 رقم 3350) و (5/ 33 رقم 3774)، و"شذرات الذهب"(1/ 44)، و"مجمع الزوائد"(9/ 332 - 334).
(2)
أخرجه الحاكم في "المستدرك"(3/ 598)، والطبراني في "الكبير"(6/ 212 رقم 6040)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(3/ 418)، من حديث كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه عن جده، وأورده الهيثمي في "المجمع"(6/ 130)، وقال: رواه الطبراني، وفيه: كثير بن عبد الله المزني، وقد ضعفه الجمهور، وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات.
وقال الذهبي في "الميزان"(3/ 406 - 407) في ترجمته: قال ابن معين: ليس بشيء. وقال الشافعي وأبو داود: ركن من أركان الكذب، وضرب أحمد على حديثه. وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال أبو حاتم: ليس بالمتين. وقال النَّسَائِي: ليس بثقة .. وقال ابن حبان: عن أبيه عن جده نسخة موضوعة.
وأما الترمذي فروى من حديثه: "الصلحُ جائز بين المسلمين" وصحَّحه؛ فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي
…
".
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف جدًّا.
(3)
في (أ): "خمس".
النهي عنْ مسِّ الذَّكَرِ باليمينِ عندَ البولِ الذي مرَّ، (أوْ أنْ نستنجيَ بأقلَّ منْ ثلاثةِ أحجارٍ) الاستنجاءُ: إزالةُ النجوِ بالماءِ أو الحجارةِ (أوْ أنْ نستنجيَ برجيعٍ) وهوَ: الروْثُ (أو عظمٍ. رواهُ مسلمٌ).
الحديثُ فيهِ النهيُّ عن استقبالِ القبلةِ، وهي الكعبةُ كما فسَّرَهَا حديثُ أبي أيُّوبَ في قوله:"فوجدْنَا مراحيضَ قد بُنِيَتْ نحوَ الكعبةِ، فننحرفُ ونستغفرُ اللَّهَ"، وسيأتي
(1)
.
ثم قدْ وردَ النهيُ عن استدبارِها - أيضًا - كما في حديثِ أبي هريرةَ عندَ مسلمٍ
(2)
مرفوعًا: "إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ لِحاجَتِهِ فلا يستقبلِ الْقِبْلَةَ ولا يستدبرْهَا"، وغيرِهِ منَ الأحَاديثِ.
أقوال العلماء في النهي عن استقبال واستدبار القبلة عند قضاء الحاجة
واختلفَ العلماءُ: هلْ هذَا النهيُ للتحريمِ أوْ لا؟ علَى خمسةِ أقوالٍ:
الأولُ: أنهُ للتنزيهِ، بلا فرقٍ بينَ الفضاءِ والعمرانِ، فيكونُ مكروهًا، وأحاديثُ النهي محمولةٌ على ذلكَ بقرينةِ حديثِ جابرٍ:"رأيتُهُ قبلَ موتهِ بعامٍ مستقبلَ القبلةِ". أخرجهُ أحمدُ
(3)
، وابنُ حبانَ
(4)
، وغيرُهما، وحديثُ ابن عمرَ:
(1)
رقم الحديث (12/ 89).
(2)
في "صحيحه"(1/ 224 رقم 60/ 265).
(3)
في "المسند"(3/ 360).
(4)
في "صحيحه"(2/ 346 رقم 1417).
قلت: وأخرجه ابن الجارود (رقم 31)، والدارقطني (1/ 58 رقم 2)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 234)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 92)، والحاكم في "المستدرك (1/ 154)، وابن خزيمة (1/ 34 رقم 58)، وأبو داود (1/ 21 رقم 13)، والترمذي (1/ 15 رقم 9)، وابن ماجه (1/ 117 رقم 325).
قال الترمذي: حديث حسنٌ غريبٌ.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
قلت: وليس كما قالا. وابن إسحاق لم يُخرج له مسلم في الأصول، والذهبي نفسه صرَّح في "الميزان"(3/ 475) أن محمد بن إسحاق لم يُخرج له مسلم احتجاجًا، ومع ذلك فكل حديث يرويه الحاكم في "المستدرك" من طريق ابن إسحاق يقول فيه: "صحيح على =
"أنهُ رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقضي حاجتهُ مستقبلًا لبيتِ المقدسِ مستدبرًا للكعبةِ"، متفقٌ عليهِ
(1)
. وحديثُ عائشةَ: "فحوِّلوا مِقْعَدَتِي إلى القبلةِ"، [المرادُ بمقعدتهِ ما كانَ يقعدُ عليهِ حالَ قضاءِ حاجتهِ إلى القبلة]
(2)
، رواهُ أحمدُ
(3)
، وابنُ ماجه
(4)
، وإسنادُهُ حسنٌ.
وأولُ الحديثِ أنهُ ذُكِرَ عندَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قومٌ يكرهونَ أنْ يستقبِلُوا بفروجِهِم القبلةَ قال: "أراهمْ قدْ فعلُوا، استقْبلُوا بِمَقْعَدَتي القِبْلَةَ"؛ هذا لفظُ ابن ماجه. وقالَ الذهبيُّ في "الميزانِ"
(5)
في ترجمةِ خالدِ بن أبى الصلتِ: هذا الحديث منكرٌ.
الثاني: أنهُ محرَّمٌ فيهمَا؛ لظاهرِ أحاديثِ النهي. والأحاديثُ التي جعلتْ قرينةً على أنهُ للتنزيهِ محمولةٌ على أنَّها كانتْ لعذرٍ؛ ولأنَّها حكايةُ فعلٍ لا عمومَ لها.
الثالث: أنهُ مباحٌ فيهما. قالُوا: وأحاديثُ النهي منسوخةٌ بأحاديثِ الإباحةِ؛ لأنَّ فيها التقييدَ بقبلِ عامٍ ونحوِه، واستقواهُ في الشرح.
الرابعُ: يحرمُ في الصحاري دونَ العمرانِ؛ لأنَّ أحاديثَ الإباحةِ وردتْ في العمران فحُمِلتْ عليهِ، وأحاديثُ النهي عامةٌ. وبعدَ تخصيصِ العمرانِ بأحاديثِ فعلِهِ التي سلفتْ، بقيتِ الصحاري على التحريمِ. وقدْ قالَ ابنُ عمرَ: إنما نُهِي عنْ ذلكَ في الفضاءِ، فإذَا كانَ بينَك وبينَ القبلةِ شيءٌ يَسْتُرُكَ فلا بأسَ بهِ. رواهُ أبو داودَ
(6)
وغيرهُ. وهذا القولُ ليسَ بالبعيدِ؛ لبقاءِ أحاديثِ النهي على بابِها، وأحاديثُ الإباحةِ كذلك.
= شرط مسلم" ويوافقه الذهبي في كل ذلك. فتنبَّه.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن.
(1)
البخاري (1/ 246 رقم 145)، ومسلم (1/ 224 رقم 61/ 266).
قلت: وأخرجه أحمد (2/ 12)، وأبو داود (1/ 21 رقم 12)، والترمذي (1/ 16 رقم 11)، والنسائي (1/ 23 - 24)، وابن ماجه (1/ 116 رقم 322).
(2)
زيادة من النسخة (ب).
(3)
في "المسند"(6/ 137، 219).
(4)
في "السنن"(10/ 117 رقم 324) من حديث عائشة.
وهو حديث منكر. تكلَّم عليه الألباني في "الضعيفة"(2/ 354 رقم 947) فأجاد وأفاد، فانظره إن شئت.
(5)
(1/ 632 رقم 2432).
(6)
في "السنن"(1/ 20 رقم 11) من حديث ابن عمر، وهو حديث حسن.
الخامسُ: الفرقُ بينَ الاستقبالِ، فيحرمُ فيهما، ويجوزُ الاستدبارُ فيهمَا. وهوَ مردودٌ بورودِ النهي فيهمَا على سواءٍ.
فهذهِ خمسةُ أقوالٍ، أقربُها الرابعُ. وقدْ ذُكِرَ عن الشعبي أن سببَ النهي في الصحراءِ أنَّها لا تخلُو عنْ مصلِّ منْ مَلَكٍ، أو [آدميٍّ]
(1)
، أو جِنِّيٍّ، فربَّما وقعَ بصرُهُ على عورتِهِ. رواهُ البيهقيُّ
(2)
.
وقدْ سُئِلَ [أيْ الشعبيُّ]
(3)
عن اختلافِ الحديثينِ حديثِ ابن عمرَ أنهُ رآه صلى الله عليه وسلم يستدبرُ القبلةَ، وحديثِ أبي هريرةَ في النهي، فقال: صَدَقَا جميعًا، أما قولُ أبي هريرةَ فهوَ في الصحراءِ، فإنَّ للَّهِ عبادًا ملائكة وجِنًّا يصلّونَ؛ فلا يستقْبلهُمْ أحدٌ ببولٍ ولا غائطٍ ولا يستدبرْهم، وأما كُنُفُكم فإنما هي بيوتٌ بُنِيَتْ لا قبلةَ فيها.
وهذا خاصٌّ بالكعبةِ، وقد أُلْحِقَ بها بيتُ المقدسِ لحديثِ أبِي داودَ
(4)
: "نهى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن استقبالِ القبلتينِ بغائطٍ، أو بولٍ"؛ وهوَ حديثٌ ضعيفٌ لا يقْوى على رفعِ الأصلِ. وأضعفُ منهُ القولُ بكراهةِ استقبالِ القمرينِ؛ لما يأْتي في الحديثِ الثاني عشر
(5)
.
والاستنجاءُ باليمنى تقدَّمَ الكلامُ عليهِ. وقولُهُ: " [أوْ أنْ]
(6)
نستنجيَ بأقلَّ منْ ثلاثةِ أحجارٍ"، يدلُّ على أنهُ لا يجزئُ أقلُّ منْ ثلاثةِ أحجارِ، وقدْ وردَ كيفيةُ استعمالِ الثلاثِ في حديثِ ابن عباسٍ
(7)
: "حجرانِ للصفحتينِ، وحجرٌ للمسرَبةِ"
(1)
في (ب): "إنسي".
(2)
في "السنن الكبرى"(1/ 93).
(3)
زيادة من النسخة (ب).
(4)
في "السنن"(1/ 20 رقم 10).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 116 رقم 319) من حديث مَعْقِل بن أبي مَعْقِل الأسدي.
وهو حديث ضعيف. وقد ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".
(5)
من حديث أبي أيوب، وهو حديث صحيح.
(6)
في (أ): "بأن".
(7)
فلينظر من أخرجه؟
وقد أخرج الدارقطني (1/ 56 رقم 10)، والبيهقي (1/ 114) عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطابة فقال: "أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار: حجرين للصفحتين، وحجر للمسرَبة".=
وهي بسينٍ مهملةٍ، وراءٍ مضمومةٍ أو مفتوحةٍ: مَجْرَى الحَدَثِ مِنَ الدبرِ.
وللعلماءِ خلافٌ في الاستنجاءِ بالحجارةِ: فالهادويةُ أنهُ لا يجبُ الاستنجاءُ إلَّا على المتيممِ، أوْ من خَشيَ تعدِّي الرطوبةِ ولم تزلِ النجاسةُ بالماءِ، وفي غيرِ هذهِ الحالةِ مندوبٌ لا واجبٌ، وإنما يجبُ الاستنجاءُ بالماءِ للصلاةِ. وذهبَ الشافعيُّ إلى أنهُ مخيَّرٌ بينَ الماءِ والحجارةِ، أيَّهُمَا فعلَ أجزأَهُ، وإذا اكتفَى بالحجارةِ فلا بدَّ عندهُ منَ الثلاثِ المسَحَاتِ، ولو زالتِ العينُ بدونِها. وقيلَ: إذَا حصلَ الإنقاءُ بدونِ الثلاثِ أَجزأَ. وإذَا لمْ يحصلْ بثلاثٍ، فلا بدَّ مِنَ الزيادةِ، ويندبُ الإيتارُ، ويجب التثليثُ في القُبُلِ والدُّبُرِ، فتكونُ ستةَ أحجارٍ. ووردَ ذلكَ في حديثٍ.
قلتُ: إلَّا أن الأحاديثَ لم تأتِ في طلبهِ صلى الله عليه وسلم لابنِ مسعودٍ
(1)
، وأبي هريرةَ
(2)
، وغيرِهِما إلَّا بثلاثةِ أحجارٍ، وجاءَ بيانُ كيفيةِ استعمالِها في الدبرِ، ولم يأتِ في القُبُلِ، ولوْ كانتِ الستُّ مرادةً لطلَبَها صلى الله عليه وسلم عندَ إرادتِه التبرُّزَ]
(3)
، ولو في بعضِ الحالاتِ، فلوْ كانَ حجرٌ لهُ ستةُ أحرفٍ أجزأَ المسحُ بهِ.
ويقومُ غيرُ الحجارةِ مما يُنَقِّي مقامَها
(4)
خلافًا للظاهريةِ، فقالُوا بوجوبِ الأحجار تمسُّكًا بظاهرِ الحديثِ. وأجيبَ بأنهُ خَرَجَ على الغالبِ لأنهُ المتيسِّرُ. ويدلُّ على ذلكَ نهيهُ أنْ يُستنجَى برجيع أو عظمٍ، ولو تعيَّنتِ الحجارةُ لنهى عما
=وقال الدارقطني: إسناد حسن، وكذلك قال البيهقي.
وقال النووي في "المجموع"(1/ 106): حديث حسن.
(1)
أخرجه البخاري (1/ 256 رقم 156)، والنسائي (1/ 39 - 40)، والترمذي (1/ 25 رقم 17). عنه رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار
…
".
(2)
أخرجه أحمد (2/ 247، 250)، وأبو داود (1/ 18 رقم 8)، والنسائي (1/ 38 رقم 40)، وابن ماجه (1/ 114 رقم 313)، والبغوي في "شرح السنة"(1/ 356 رقم 173)، والبيهقي (1/ 102) و (1/ 112)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 43 - 44 رقم 80)، وابن حبان في "الإحسان"(2/ 253 رقم 1437)، والدارمي (1/ 172 - 173)، وأبو عوانة (1/ 200)، والشافعي في "الأم"(1/ 36) عنه من طرق
…
وهو حديث حسن. وقد حسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
(3)
في النسخة (أ): "للتبرز".
(4)
انظر: "المجموع" للنووي (2/ 112 - 113)، و"المغني" لابن قدامة (1/ 178 - 179).
[سواهُ]
(1)
، وكذلكَ نَهَى عن الحُممِ، فعندَ أبي داودَ
(2)
: "مرْ أُمَّتَكَ أنْ لا يستنجُوا بروثةٍ أو حُمَمَةٍ
(3)
؛ فإنَّ اللَّهَ - تَعَالى - جعلَ لنا فيها رِزْقًا"؛ فَنَهى صلى الله عليه وسلم عنْ ذلكَ.
وكذلكَ وردَ في العظمِ أنَّها منْ طعامِ الجنِّ كما أخرجَهُ مسلمٌ
(4)
منْ حديثِ ابن مسعودٍ وفيهِ أنهُ قالَ صلى الله عليه وسلم للجنِّ لما سألوهُ الزاد: "لكمْ كلُّ عظمٍ ذُكِرَ اسمُ اللَّهِ عليهِ أوفرَ ما يكونُ لحمًا، وكلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لدوابّكُمْ". ولا ينافيهِ تعليلُ الروثةِ بأنها رِكْسٌ في حديثِ ابن مسعودٍ
(5)
لمّا طلبَ منهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يأتيَهُ بثلاثةِ أحجارٍ، فأتاهُ بحجرينِ وروثةٍ فألقَى الروثةَ وقال:"إِنَّها رِكْسٌ"، فقدْ يُعَلَّلُ الأمرُ الواحدُ بِعِلَلٍ كثيرةٍ. ولا مانعَ - أيضًا - أنْ تكونَ رِجْسًا وتُجْعَلَ لدوابِّ الجنِّ أكلًا.
ومما يدلُّ على عدمِ النهي عن استقبالِ القمرينِ الحديثُ الآتي:
جواز استقبال أو استدبار القمرين
12/ 89 - وَللسّبْعَةِ
(6)
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: "وَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ، وَلا تَسْتَدْبِروهَا بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا". [صحيح]
ترجمة أبي أيوب الأنصاري
قولهُ: (وللسبعةِ منْ حديثِ أبي أيوبَ)
(7)
.
(1)
في النسخة (أ): "سواها".
(2)
في "السنن"(1/ 36 رقم 39)، وهو حديث صحيح.
(3)
الحُمَمَة: الفَحْمَة، وجَمْعُها حُمَم. "النهاية"(1/ 444).
(4)
في "صحيحه"(1/ 332 رقم 150/ 450).
(5)
وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري وغيره كما تقدم تخريجه قريبًا.
(6)
وهم: أحمد (5/ 415)، والبخاري (1/ 498 رقم 394)، ومسلم (1/ 224 رقم 264)، وأبو داود (1/ 19 رقم 9)، والترمذي (1/ 13 رقم 8)، والنسائي (1/ 23)، وابن ماجه (1/ 115 رقم 318).
(7)
انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(5/ 113 - 114)، و"معجم الطبراني الكبير"(4/ 117 رقم 37)، و"الاستيعاب"(3/ 159 - 162 رقم 600)، و"الإصابة"(3/ 56 - 57 رقم 1439)، و"المستدرك"(3/ 457 - 462)، و"مجمع الزوائد"(9/ 323)، و"تهذيب التهذيب"(3/ 79 - 80 رقم 174)، و"شذرات الذهب"(1/ 57).
واسمهُ خالدُ بنُ زيدٍ بن كليبٍ الأنصاريُّ، منْ أكابرِ الصحابةِ، شهدَ بدرًا، ونزلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حالَ قدومهِ المدينةَ عليهِ. ماتَ غازيًا سنةَ خمسينَ بالرومِ، وقيلَ: بعدَها.
والحديثُ مرفوعٌ، أولهُ أنهُ قالَ صلى الله عليه وسلم:"إذا أتيتُمُ الغائطَ" الحديثَ. وفي آخرِهِ منْ كلامِ أبي أيوبَ قالَ: فقدِمْنَا الشامَ؛ فوجدْنا مراحيضَ قد بُنيتْ نحوَ الكعبةِ
…
الحديثُ تقدَّمَ. فقولُهُ: (لا تسْتقبلُوا القبلةَ [ولا تستدْبرُوها]
(1)
ببولٍ أو غائطٍ، ولكنْ شرِّقُوا أو غرِّبُوا)، صريحٌ في جوازِ استقبالِ القمرينِ واستدبارِهما، إذْ لا بدَّ أن يكونَا في الشرقِ أوِ الغربِ غالبًا.
من أتى البول أو الغائط فليستتر
13/ 90 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرِ".
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
. [ضعيف]
(وَعَنْ عَائشةَ رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ أَتَى الغَائِطَ فلْيَسْتَتِرْ. رواهُ أبو داودَ).
هذا الحديثُ في "السننِ" نسبهُ إلى أبي هريرةَ، وكذلكَ في "التلخيص"
(3)
، وقالَ: "مدارهُ على أبي سعيدٍ الحبرانيِّ الحمصيِّ، وفيهِ اختلافٌ. قيلَ: إنهُ صحابيٌّ، ولا يصحُّ. والراوي عنهُ مختلفٌ فيهِ.
(1)
زيادة من النسخة (أ).
(2)
لم يخرجه من حديث عائشة. بل أخرجه من حديث أبي هريرة (1/ 33 رقم 35). قلت: وأخرجه أحمد (2/ 371)، وابن ماجه (2/ 1157 رقم 3498 مختصرًا)، وابن حبان في "صحيحه"(2/ 343 رقم 1407)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 137 مختصرًا)، والبيهقي (1/ 94).
وقال ابن حجر في "التلخيص"(1/ 103): "ومداره على أبي سعد الحبراني الحمصي وفيه اختلاف، وقيل: إنه صحابي، ولا يصح، والراوي عنه حصين الحبراني وهو مجهول، وقال أبو زرعة: شيخ. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في "العلل".
والخلاصة: أنه حديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
(1/ 103).
والحديثُ كالذي سلفَ دالٌّ على وجوبِ الاستتارِ، وقدْ قدَّمْنا شطرَه، ولفظهُ في "السننِ": عنْ أبي هريرةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اكتحلَ فليوترْ، مَنْ فَعلَ فقدْ أحسنَ، ومنْ لا فَلا حرجَ. ومنِ استجمرَ فليوترْ، منْ فعلَ فقدْ أحسنَ، ومَنْ لا فَلا حرجَ. ومَنْ أكلَ فما تخلَّلَ [فليلفظْ]
(1)
، وما لاكَ بِلسانهِ [فليبتلعْ]
(2)
، مَنْ فَعَلَ فقدْ أحسنَ، ومَنْ لا فلا حرجَ. ومَنْ أتَى الغائطَ فليستترْ، فإنْ لمْ يجدْ إلَّا أنْ يجمعَ كثيبًا مِنْ رملٍ فلْيستترْ بهِ، فإنَّ الشيطانَ يلعبُ بمقاعدِ بني آدمَ، مَنْ فعلَ فقد أحسنَ، ومَنْ لا فلا حرجَ".
فهذا الحديثُ الذي أخرجهُ أبو داودَ عنْ أبي هريرةَ، وليسَ لهُ هنَا عنْ عائشةَ روايةٌ، ثمَّ هوَ مضعَّفٌ بمنْ سمعت، فكانَ على المصنفِ أنْ يعزوهُ إلى أبي هريرةَ، وأنْ يشيرَ إلى ما فيهِ على عادتهِ في الإشارةِ إلى ما قيلَ في الحديثِ، وكأنهُ تركَ ذلكَ؛ لأنهُ قالَ [المصنف]
(3)
في "فتح الباري"
(4)
: إِنَّ إسنادهُ حسنٌ. وفي "البدرِ المنير": إنه حديثٌ صحيحٌ، صحَّحه جماعةٌ منهمُ ابنُ حبانَ
(5)
، والحاكمُ
(6)
، والنّوويُّ
(7)
.
ما يقول إذا فرغ من قضاء الحاجة
14/ 91 - وَعَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ قَالَ: "غُفْرَانَكَ". [صحيح]
أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ
(8)
، وَصَحّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ
(9)
.
(1)
في (أ): "فليلفظه".
(2)
في (أ): "فليبتلعه".
(3)
زيادة من (أ):
(4)
(1/ 257).
(5)
رقم 32 - موارد.
(6)
في المستدرك (4/ 137).
(7)
في المجموع (2/ 55)، وقال حديث حسن. وقال ابن حجر في "الفتح" (1/ 206): إسناده حسن.
(8)
وهم: أحمد (6/ 155)، وأبو داود (1/ 30 رقم 30)، والترمذي (1/ 12 رقم 7) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه (1/ 110 رقم 300)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(رقم 79).
(9)
في "المستدرك"(1/ 158).=
(وَعَنْهَا) أي: عائشة رضي الله عنها (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا خرجَ منَ الغائطِ قالَ: غفْرَانَكَ)؛ بالنصب على أنه مفعولُ فعلٍ محذوفٍ، أي: أطلبُ غفرانَكَ، (أخرجهُ الخمسة، وصحَّحهَ الحاكمُ، وأبو حاتم).
ولفظةُ (خرجَ) تشعرُ بالخروجِ منَ المكانِ - كما سلفَ في لفظِ (دخلَ) - لكنَّ المرادَ أعمُّ منهُ، ولوْ كانَ في الصحراءِ.
قيلَ: واستغفارُهُ صلى الله عليه وسلم منْ تركِهِ لذكرِ اللَّهِ وقتَ قضاءِ الحاجةِ؛ لأنهُ كانَ يذكرُ اللَّهَ على كلّ أحيانِهِ، فجعلَ تركَهُ لذكرِ اللَّهِ في تلكَ الحالِ تقصيرًا وعدَّهُ على نفسهِ ذنْبًا، فتداركَهُ بالاستغفار. وقيلَ: معناهُ التوبةُ من تقصيرهِ في شكرِ نعمتهِ التي أنعمَ بهِا عليهِ، فأطعمهُ، ثم هضمَهُ، ثم سهَّلَ خروجَ الأذَى منهُ، فرأى شكرَهُ قاصرًا عنْ بلوغِ حقِّ هذه النعمةِ، ففزعَ إلى الاستغفار منهُ، وهذَا أنسبُ ليوافقَ حديثَ أنسٍ قال: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا خرجَ منَ الخلاءِ قالَ: "الحمدُ للَّهِ الذي أذهبَ عني الأذى وعافاني"، رواهُ ابنُ ماجه
(1)
.
ووردَ في وصفِ نوحٍ عليه السلام أنهُ كان [يقولُ]
(2)
مِنْ جملةِ شكرِهِ [بعد الغائط]
(3)
: "الحمدُ للَّهِ الذي أذهبَ عني الأذَى، ولو شاءَ [حَبَسَهُ]
(4)
فيَّ"، وقدْ وصفهُ الله بأنهُ كانَ عبدًا شكورًا
(5)
.
= قلت: وأخرجه البيهقي (1/ 97)، والدارمي (1/ 174)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(رقم 23)، والبخاري في "الأدب المفرد"(رقم 693)، وابن خزيمة (1/ 48 رقم 90)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 379). وقال الألباني في "الإرواء" (1/ 91 رقم 52): صحيح، ثم قال: وصحَّحه الحاكم وكذا أبو حاتم الرازي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والنووي والذهبي.
(1)
في "السنن"(1/ 110 رقم 301)، وهو حديث ضعيف.
• قال البوصيري في "مصباح الزجاجة (1/ 92 رقم 120): "هذا حديث ضعيف. ولا يصح بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وإسماعيل بن مسلم المكي، متفق على تضعيفه، وفي طبقته جماعة يقال لكل منهم: إسماعيل بن مسلم يضعَّفوا" اهـ.
وضعَّف الألباني الحديث في "الإرواء"(1/ 91 - 92 رقم 53).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في (أ): "أن يقول بعد خروج الغائط".
(4)
في (أ): "لحبسه".
(5)
يشير إلى قوله تعالى في [الإسراء/ 3]: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} .
قلت: ويحتملَ أن استغفارَهُ للأمرينِ مَعًا، ولما لا نعلمُهُ. على أنهُ قدْ يقالُ: إنهُ صلى الله عليه وسلم وإنْ تركَ الذكرَ بلسانِهِ [حالةَ]
(1)
التبرزِ لمْ يتركْهُ بقلبهِ.
وفي البابِ منْ حديثِ أنسٍ
(2)
أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ: "الحمدُ للَّهِ الذي أحسنَ إليَّ في أولهِ وآخرِهِ"، وحديث ابن عمرَ
(3)
أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ إذا خرجَ: "الحمدُ للَّهِ الذي أذاقني لذَّتَهُ، وأبقى فيَّ قوتَهُ، وأذهبَ عني أذاهُ"، وكلُّ أسانيدِهَا ضعيفةٌ.
وقالَ أبو حاتمٍ: أصحُّ ما فيهِ حديثُ عائشةَ.
قلت: لكنهُ لا بأسَ في الإتيانِ بها جميعًا؛ شكرًا على النعمةِ، ولا يشترطُ الصحةُ للحديثِ في مثل هَذا
(4)
.
يستنجي في كل واحد من السبيلين بثلاثة أحجار
15/ 92 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَلَمْ أَجِدْ ثَالِثًا، فَأَتَيْتُهُ بِرَوْثَةٍ، فَأَخَذَهُمَا وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ:"هَذَا رِجْسٌ - أَوْ رِكْسٌ". [صحيح]
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
(5)
. وَزَادَ أَحْمَدُ
(6)
، وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(7)
: "ائْتِني بِغَيرِهَا".
(1)
في (أ): "حال".
(2)
أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(رقم 24)، وهو حديث ضعيف.
في إسناده "عبد الله بن محمد العدوي" منكر الحديث متَّهم بالوضع، لا يحل الاحتجاج به. "الكامل في الضعفاء" لابن عدي (4/ 1497 - 1499).
و"الوليد بن بُكير" ضعيف. "الميزان"(4/ 336 رقم 9358).
(3)
أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(رقم 25)، وهو حديث ضعيف.
في إسناده: "حبان بن علي العنزي" و"إسماعيل بن رافع" ضعيفان.
(4)
قلت: لا يُعمل بالحديث الضعيف حتى في فضائل الأعمال.
انظر دليل ذلك في كتابنا: "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة".
الفائدة الثالثة، المسألة الخامسة. ص 92 - 96.
(5)
في "صحيحه" 1/ 256 رقم 156).
(6)
في "المسند"(6/ 146 رقم 4299 - شاكر).
(7)
في "السنن"(1/ 55 رقم 5).=
ترجمة ابن مسعود
(وعنِ ابن مسعودِ)
(1)
.
(هو عبدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ). قالَ الذهبيُّ: هو الإمامُ الربانيُّ أبو عبدِ الرحمنِ، عبدُ اللهِ بنُ أمِّ عبدٍ الهُذلي، صاحبُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وخادمُهُ، وأحدُ السابقينَ الأوَّلينَ منْ كبارِ البدريينَ، ومنْ نبلاءِ الفقهاءِ والمقرَّبينَ.
أسلمَ قديمًا وحفظَ مِنْ فيِّ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سبعينَ سورةً. وقالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحبَّ أنْ يقرأ القرآنَ غضًّا كما أُنزِلَ، فليقرأْه على قراءةِ ابن أمِّ عبدٍ"
(2)
. وفضائلُهُ جمَّةٌ عديدَةٌ، توفيَ بالمدينةِ سنةَ اثنتينِ وثلاثينَ، ولهُ نحوٌ منْ ستينَ سنةً.
(قال: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الغائطَ؛ فأمرني أنْ آتيهُ بثلاثةِ أحجارٍ، فوجدت حجرينِ ولمْ أجدْ ثالثًا، فأتيتهُ بِرَوْثَةٍ فأخَذَهُما، وألقى الروثَة)، زادَ ابنُ خزيمة
(3)
أنَّها كانتْ روثةُ حمارٍ، (وقالَ: إنها رِكسٌ) بكسرِ الراءِ، وسكونِ الكافِ، في "القاموسِ"
(4)
: أنه الرجسُ. (أخرجهُ البخاريُّ. وزادَ أحمدُ والدارقطنيُّ: ائتني بغيرِها).
أخذَ بهذَا الحديثِ الشافعيُّ، وأحمدُ، وأصحابُ الحديثِ، فاشترطُوا أن لا تنقصَ الأحجارُ عن الثلاثِ، معَ مراعاةِ الإنقاءِ، وإذا لمْ يحصلْ بها زادَ حتى يَنْقَى. ويستحبُّ الإيتارُ، وتقدَّمتِ الإشارةُ إلى ذلكَ، ولا يجبُ الإيتارُ لحديثِ أبي داودَ
(5)
: "وَمَنْ لا فلا حرجَ"، تقدمَ.
= قلت: وأخرجه الترمذي (1/ 25 رقم 17)، وابن ماجه (1/ 114 رقم 314)، والبيهقي (1/ 108)، والطيالسي في "المسند"(ص 37 رقم 287)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10/ 73 رقم 9951)، وابن خزيمة (1/ 39 رقم 70).
(1)
انظر ترجمته في: "المسند" لأحمد (1/ 374 - 384)، و"حلية الأولياء"(1/ 124 - 139 رقم 21)، و"الاستيعاب"(7/ 20 - 35 رقم 1659)، و"تاريخ بغداد"(1/ 147 - 150 رقم 5)، و"طبقات الشيرازي"(24)، و"تذكرة الحفاظ"(1/ 13 - 16 رقم 5)، و"معرفة القراء" للذهبي (1/ 32 - 36 رقم 4)، و"مجمع الزوائد"(9/ 286 - 291).
(2)
أخرجه ابن ماجه (1/ 49 رقم 138)، وأحمد، (1/ 445)، وهو حديث صحيح.
(3)
في "صحيحه"(1/ 39 رقم 70).
(4)
"المحيط"(ص 708).
(5)
في "السنن"(1/ 33 رقم 35)، وهو حديث ضعيف، تقدم تخريجه عند الكلام على الحديث رقم (13/ 90).
قالَ الخطابيُّ: لوْ كانَ القصدُ الإنقاءَ فقطْ لَخَلا ذكرُ اشتراطِ العددِ عن الفائدةِ، فلما اشترطَ العددَ لفظًا، وعلمَ الإنقاءَ معنًى، دلَّ على إيجابِ الأمرينِ.
وأمَّا قولُ الطحاويِّ
(1)
: لوْ كانَ الثلاثُ شرطًا لطلبَ صلى الله عليه وسلم ثالثًا، فجوابهُ أنهُ قدْ طلبَ صلى الله عليه وسلم الثالثَ كما في روايةِ أحمدَ
(2)
، والدارقطنيِّ
(3)
، المذكورةِ في كلامِ المصنفِ، وقدْ قالَ في "الفتح"
(4)
: إنَّ رجالهُ ثقاتٌ.
على أنهُ لو لمْ تثبتِ الزيادةُ هذهِ، فالجوابُ على الطحاويِّ أنهُ صلى الله عليه وسلم اكتفَى بالأمرِ الأولِ في طلب الثلاثِ، وحينَ ألْقَى الروثةَ علمَ ابنُ مسعودٍ أنهُ لمْ يتمَّ امتثالهُ الأمرَ حتى يَأتيَ [بثالثةٍ]
(5)
، ثمَّ يحتملُ أنه صلى الله عليه وسلم اكتفَى بأحدِ أطرافِ الحجرينِ فمسحَ بهِ المسحةَ الثالثةَ، إذِ المطلوبُ تثليثُ المسح ولو بأطرافِ حجرٍ واحدٍ، وهذهِ الثلاثُ لأحدِ السبيلينِ. ويشترطُ للآخرِ ثلاثةٌ - أَيضًا - فتكون ستةً؛ لحديثٍ وردَ بذلكَ في مُسنَدِ أحمدَ، على أن في نفسي منْ إثباتِ ستةِ أحجارٍ [شيئًا]
(6)
؛ فإنهُ ما عُلم أنهُ طلب ستةَ أحجارٍ مع تكررِ ذلكَ منهُ مع أبي هريرةَ
(7)
وابنِ مسعودٍ
(8)
، وغيرهما.
والأحاديثُ بلفظِ: "من أتى الغائطَ"، كحديثِ عائشةَ:"إذا ذهب أحدكمُ إلى الغائطِ فليستطبْ بثلاثةِ أحجارٍ؛ فإنَّها تجزئُ عنهُ" عندَ أحمدَ
(9)
، والنسائيِّ
(10)
، وأبي داودَ
(11)
، والدارقطنيِّ
(12)
وقالَ: إسنادهُ حسنٌ صحيحٌ. معَ أن الغائطَ إذا أُطْلِقَ ظاهرٌ في خارجِ الدُّبر، وخارجُ القُبلِ يلازمهُ.
(1)
في "شرح معاني الآثار"(1/ 122).
(2)
في "المسند"(6/ 146 رقم 4299 - شاكر)، كما تقدم.
(3)
في "السنن"(1/ 55 رقم 5) كما تقدم.
(4)
(1/ 257).
(5)
في (أ): "بالثالثة".
(6)
في (أ): "شيءٌ".
(7)
وهو حديث حسن، وقد تقدم تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (11/ 88).
(8)
وهو حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (11/ 88).
(9)
في "المسند"(6/ 108).
(10)
في "السنن"(1/ 41 رقم 44).
(11)
في "السنن"(1/ 37 رقم 40).
(12)
في "السنن"(1/ 54 رقم 4).
وهو حديث حسن، وقد صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود".
وفي حديثِ خُزَيْمَةَ بن ثابتٍ: أنهُ صلى الله عليه وسلم سُئلَ عن الاستطابةِ فقالَ: "بثلاثةِ أحجارٍ ليسَ فيها رجيعٌ"، أخرجهُ أبو داودَ
(1)
. والسؤالُ عامٌّ للمَخرَجَيْنِ معًا أو أحدِهما، والمحلُّ محلُّ البيانِ. وحديثُ سلمانَ
(2)
بلفظ: أمَرَنَا أنْ لا نكتفيَ بدونِ ثلاثةِ أحجارٍ. [أخرجه مسلم]
(3)
، وهوَ مطلقٌ في المَخرَجَينِ.
ومَنِ اشترطَ الستةَ؛ فلحديثٍ أخرجهُ أحمدُ - ولا أدري ما صحتُهُ، فيُبحثُ عنهُ - ثم تتبعتُ الأحاديثَ الواردةَ في الأمرِ بثلاثةِ أحجارٍ، والنهي عن أقلَّ منها، فإذا هي كلُّها في خارجِ الدُّبرِ، فإنَّها بلفظِ النهي عن الاستنجاءِ بأقلَّ مِن ثلاثةِ أحجارٍ، [وبلفظِ الاستطابةِ بثلاثةِ أحجارٍ]
(4)
، وبَلفظِ الاستجمارِ:"إذا استجمرَ أحدَكم فليستجمرْ ثلاثًا"
(5)
، وبلفظ التمسُّحِ:"نَهَى صلى الله عليه وسلم أنْ يتمسَّحَ بعظمٍ"
(6)
.
إذا عرفتَ هذا، فالاستنجاءُ لغةً: إزالةُ النجو، وهو الغائطُ. والغائطُ كنايةٌ عن العَذِرَةِ، والعَذِرَةُ خارجُ الدُّبرِ كما يفيدُ ذلكَ كلامُ أهلِ اللغةِ، ففي "القاموسِ"
(7)
:
(1)
في "السنن"(1/ 37 رقم 41).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 114 رقم 315)، والبيهقي (1/ 103)، وأحمد، (5/ 213).
وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود".
(2)
أخرجه مسلم (1/ 223 رقم 57/ 262)، وأبو داود (1/ 17 رقم 7)، والترمذي (1/ 24 رقم 16)، وابن ماجه (1/ 115 رقم 316)، وابن الجارود (رقم 29)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 123)، والدارقطني (1/ 54 رقم 1)، والبيهقي (1/ 102)، وأحمد (5/ 437، 439)، والطيالسي (ص 91 رقم 654).
(3)
زيادة من (أ) وقد تقدم تخريج الحديث في التعليقة السابقة.
(4)
زيادة من (أ).
(5)
أخرجه الحاكم (1/ 158)، والبيهقي (1/ 104)، وأحمد (2/ 254، 360، 387)، وابن خزيمة (1/ 42 رقم 77)، وابن حبان في "صحيحه"(2/ 352 رقم 1434)، والبزار (1/ 127 رقم 239) من حديث أبي هريرة، وأورده الهيثمي في "المجمع" (1/ 211) وقال: رواه البزار، والطبراني في "الأوسط" ورجاله رجاله الصحيح اهـ.
قلت: لكن أبو عامر الخزاز واسمه: صالح بن رُستَم المزني - قال في "التقريب"(1/ 360 رقم 22): صدوق، كثير الخطأ.
وقال الذهبي: منكر، الحارث بن أبي أسامة ليس بمعتمد.
(6)
أخرجه مسلم (1/ 224 رقم 58/ 263)، وأبو داود (1/ 36 رقم 38)، وأحمد (3/ 336)، والبيهقي (1/ 110) كلهم من حديث جابر.
(7)
"المحيط"(ص 1723).
النَّجو ما يَخْرُجُ منَ البَطْنِ مِنْ ريحٍ أو غائطٍ. واسْتَنْجَى: اغْتَسَلَ بالماءِ منهُ، أو تَمَسَّحَ بالحَجَرِ. وفيهِ
(1)
: استطابَ اسْتَنْجَى، واسْتَجْمَرَ اسْتَنْجَى، وفيه
(2)
: التمسُّحُ إمرارُ اليدِ لإزالةِ الشيءِ السائلِ، أو المُتَلَطِّخِ اهـ.
فعرفت منْ هذا كلِّه أن الثلاثة الأحجارَ لم يردِ الأمرُ بها والنهيُّ عن أقلَّ منها إلا في إزالةِ خارجِ الدبرِ لا غيرُ، ولم يأتِ بها دليلٌ في خارجِ القُبُلِ، والأصلُ عدمُ التقريرِ بعددٍ، بل المطلوبُ الإزالةُ لأثرِ البولِ من الذكرِ، فيكفي فيهِ واحدةٌ مع أنهُ قدْ وردَ بيانُ استعمالِ الثلاثِ في الدُّبُر: بأنَّ واحدةً للمسرَبةِ واثنتينِ للصفحتينِ، ما ذاكَ إلَّا لاختصاصهِ بِهَا.
النهي عن الاستنجاء بالعظم والروث
16/ 93 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نهى أن يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أو رَوْثٍ وَقَالَ: "إنهُمَا لا يُطَهِّرَانِ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ وَصَحَّحَهُ
(3)
. [إسناده صحيح]
(وَعَنْ أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ يُستنجَى بعظمٍ أوْ رَوْثٍ، وقال: إنهما لا يطَهِّرَانِ. رواهُ الدَّارَقُطْنيَّ وصحَّحهُ).
وأخرجهُ ابنُ خُزَيمَةَ
(4)
بلفظهِ هذَا، والبخاريُّ
(5)
بقريبٍ منهُ، وزادَ فيهِ أنهُ قالَ لهُ أبو هُرَيَرَةَ لما فرغَ: ما بالُ العظمِ والروثِ؟ قال: "هي منْ طعامِ الجنِّ"، وأخرجهُ البيهقيُّ مطولًا
(6)
. كذا في الشرحِ، ولفظهُ في "سننِ البيهقي":"أنهُ صلى الله عليه وسلم قال لأبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه: "ابغني أحجارًا أستنفضُ بها، ولا تأتني بعظمٍ ولا روثٍ"، فأتيتهُ بأحجارٍ فِي ثوبِي، فوضعتُها إلى جنبهِ، حتى إذا فرغَ وقامَ تبعتهُ فقلتُ: يا
(1)
أي: في "القاموس المحيط"(ص 141) و (ص 469).
(2)
أي: في "القاموس المحيط"(ص 308).
(3)
في "السنن"(1/ 56 رقم 9)، وقال: إسناده صحيح.
قلت: وأخرجه العقيلي في "الضعفاء"(4/ 310).
(4)
عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 109) ولم أجده بهذا اللفظ في "صحيحه".
(5)
في "صحيحه"(7/ 171 رقم 3860).
(6)
في "السنن الكبرى"(1/ 107 - 108).
رسولَ اللَّهِ، ما بالُ العظمِ والرَّوثِ؟ فقال: "أتاني وفدُ نصيبينِ فسألونِي الزادَ فدعوتُ اللَّهَ لهم ألَّا يمرُّوا بروثيةٍ ولا عظمٍ إلا وجدُوا عليهِ طعامًا.
[والنهي]
(1)
في البابِ عن الزبير
(2)
، وجابرٍ
(3)
، وسهلِ بن حنيفٍ
(4)
، وغيرِهم بأسانيدَ فيها ما فيه مقالٌ، والمجموعُ يشهدُ بعضُها لبعض. وَعُلّلَ هنا بأنَّهُمَا لا يُطهِّرانِ، وَعُلّلَ بأنهما طعامُ الجنِّ، وعُلِّلَت الروثةُ بأنَّها ركسٌ. والتعليلُ بعدمِ التطهيرِ فيها عائدٌ إلى كونِها رِكْسًا. وأما عدمُ تطهيرِ العظمِ فلأنهُ لزجٌ لا يكادُ يتماسكُ، فلا ينَشِّفُ النجاسةَ، ولا يقطعُ البِلَّةَ.
ولما علَّل صلى الله عليه وسلم بأنَّ العظمَ والرَّوثةَ طعامُ الجنِّ، قال لهُ ابنُ مسعودٍ: وما يغني عنهمْ ذلكَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: "إنهمْ لا يجدونَ عظمًا إلا وجدُوا عليهِ لحمَهُ الذي كانَ عليهِ يومَ أُخِذَ، ولا وجَدُوا رَوثًا إلَّا وجدُوا فيهِ حبَّهُ الذي كان يومَ أُكِلَ"، رواهُ أبو عبدِ اللَّهِ الحاكمُ في "الدلائلِ". ولا ينافيهِ ما وردَ أن الرَّوثَ علفٌ لدوابِّهم كما لا يخْفى.
وفيهِ دليلٌ على أن الاستنجاءَ بالأحجارِ طهارةٌ لا يلزمُ معَها الماءُ وإن استُحبَّ؛ لأنهُ علّلَ بأنهما لا يطهِّرانِ، فأفادَ أن غيرَهما يُطَهِّرُ.
التنزُّه من البول وأن عامة عذاب القبر منه
17/ 94 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ القَبْرِ مِنْهُ". [حسن لغيره]
(1)
زيادة من (ب).
(2)
أخرجه الطبراني في "الكبير"(1/ 125 - رقم 251)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 209 - 210)، وقال الهيثمي: إسناده حسن.
ليس فيه غير بقية وقد صرَّح بالتحديث. وقال ابن حجر في "التلخيص"(1/ 109): رواه الطبراني بسند ضعيف. قلت: في "سنده" مجاهيل ثلاثة.
(3)
أخرجه مسلم (1/ 224 رقم 58/ 263)، وأبو داود (1/ 36 رقم 38)، وأحمد (3/ 336)، والبيهقي (1/ 110) عنه بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتَمَسَّحَ بعَظْم أو بِبَعْرٍ".
(4)
أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 487)، وقال ابن حجر في "التلخيص" (9/ 101):"إسناده واهٍ".
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ
(1)
.
(وَعَنْ أَبِي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: استَنْزِهُوا) منَ التنزُّهِ وهوَ البُعدُ بمعنى تنزَّهُوا، أو بمعنى اطلبُوا النزاهةَ (منَ البولِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ القَبْرِ)، أي: أكثرُ مَنْ يعذَّبُ فيهِ (منه)، أي: بسببِ ملابستهِ لهُ وعدمِ التنزُّهِ عنهُ. (رواهُ الدارقطنيُّ).
والحديثُ آمرٌ بالبعدِ عن البولِ، وأنَّ عقوبةَ عدمِ التنزهِ منهُ تُعجَّلُ في القبرِ، وقدْ ثبتَ حديثُ الصحيحينِ
(2)
: "أنهُ صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين يُعَذَّبَانِ، ثمَّ أخبرَ أن عذابَ أحدِهِما؛ لأنهُ كانَ لا يستنزهُ منَ البولِ، أوْ لأنهُ لا يستترُ منْ بولِهِ"، منَ الاستتارِ أي: لا يجعلُ بينَهُ وبينَ بولِهِ ساترًا يمنعهُ عن الملامسةِ لهُ، أوْ "لأنهُ لا يستبرئُ" منَ الاستبراءِ، أوْ "لأنهُ لا يتوقَّاهُ". وكلُّها ألفاظٌ واردةٌ في الرواياتِ، والكلُّ مفيدٌ لتحريمِ [ملامسةِ]
(3)
البولِ وعدمِ التحرُّزِ منهُ. وقدِ اختلفَ الفقهاءُ: هلْ إزالةُ النجاسةِ فرضٌ أوْ لا؟
فقالَ مالكٌ: إزالتُها ليستْ بفرضٍ.
وقالَ الشافعيُّ: إزالتُها فرضٌ ما عدَا ما يُعْفَى عنهُ منْها، واستدلَّ على الفرضيةِ بحديثِ التعذيبِ على عدمِ التنزُّهِ من البولِ، وهوَ وعيدٌ لا يكونُ إلَّا على تركِ فرضٍ، واعتذرَ لمالكٍ عن الحديثِ بأنهُ يحتملُ أنهُ عذبَ لأنهُ كانَ يتركُ البولَ يسيلُ عليهِ فيصلِّي بغيرِ طهورٍ؛ لأنَّ الوضوءَ لا يصحُّ معَ وجودِهِ. ولا يَخْفَى أن
(1)
في "السنن"(1/ 128 رقم 7)، وقال: الصواب مرسل.
(2)
البخاري (1/ 317 رقم 216) و (1/ 322 رقم 218) و (3/ 222 رقم 1361) و (3/ 242 رقم 1378) و (10/ 469 رقم 6052) و (10/ 472 رقم 6055)، ومسلم (1/ 240 رقم 111/ 292).
قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(1/ 370)، وأبو داود (1/ 25 رقم 20)، والنسائي (1/ 28 رقم 31)، والترمذي (1/ 102 رقم 70)، وابن ماجه (1/ 125 رقم 347)، والبيهقي (1/ 104)، وابن خزيمة (1/ 32 رقم 55)، وأحمد (1/ 225)، والدارمي (1/ 188 - 189)، وأبو عوانة (1/ 196)، والطيالسي (ص 344 رقم 2646) كلهم من حديث ابن عباس.
(3)
في النسخة (أ): "ملابسة".
أحاديثَ الأمرِ بالذهابِ إلى المخرجِ بالأحجارِ، والأمرِ بالاستطابةِ [دالةٌ]
(1)
على وجوبِ إزالةِ النجاسةِ. وفيهِ دلالةٌ على نجاسةِ البولِ.
والحديثُ نصٌّ في بولِ الإنسانِ؛ لأنَّ الألفَ واللامَ في البولِ في حديثِ البابِ عوضٌ عن المضافِ، أي: عنْ بولهِ، بدليلِ لفظِ البخاريِّ في صاحبِ القبرينِ فإنَّها بلفظِ:"كانَ لا يستنزهُ عنْ بولهِ"، ومَنْ حملهُ [علَى]
(2)
جميعِ الأبوالِ، وأدخلَ فيهِ أبوالَ الإبلِ - كالمصنفِ في "فتح الباري"
(3)
فقدْ تعسَّفَ، وقد بيَّنا وجهَ التعسُّفِ في هوامشِ "فتح الباري".
18/ 95 - وَلِلْحَاكِمِ
(4)
: "أَكثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ"، وَهُوَ صَحِيحُ الإِسْنَادِ. [صحيح]
(وَلِلْحَاكِمِ) أي: منْ حديثِ أبي هريرةَ (أكثرُ عذابِ القبرِ منَ البولِ، وهوَ صحيحٌ الإسنادِ)، هذَا كلامهُ هنَا. وفي "التلخيصِ"
(5)
ما لفظهُ: وللحاكمِ
(6)
، وأحمدَ
(7)
، وابنِ ماجَهْ
(8)
: "أكثرُ عَذابِ القَبْرِ مِنَ البَوْلِ"، وأعلَّهُ أبو حاتمَ
(9)
، وقالَ:"إنَّ رفعهُ باطلٌ" اهـ.
ولم يتعقبْهُ بحرفٍ، وهنَا جزمَ بصحَّتهِ فاختلفَ كلامُه - كما ترَى - ولم يتنبَّهِ الشارحُ رحمه الله لذلكَ؛ فأقرَّ كلامهُ هنَا.
(1)
في (ب): "دال".
(2)
في (ب): "في".
(3)
(1/ 321 - 322).
(4)
في "المستدرك"(1/ 183) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبي وقال: له شاهد.
(5)
(1/ 106 رقم 136).
(6)
في "المستدرك"(1/ 183) كما تقدم آنفًا.
(7)
في "المسند"(2/ 326، 388، 389).
(8)
في "السنن"(1/ 125 رقم 348).
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 101 رقم 141): هذا إسناد صحيح رجاله عن آخرهم محتج بهم في الصحيحين.
قلت: وأخرجه الآجري في "الشريعة"(ص 362، 363)، والدارقطني (1/ 128 رقم 8)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 122)، والبيهقي (2/ 412)، وهو حديث صحيح.
(9)
في "العلل"(1/ 366 رقم 1081).
والحديثُ يفيدُ ما أفادهُ الأولُ، واختُلِفَ في عدمِ الاستنزاهِ: هلْ هوَ منَ الكبائرِ أوْ منَ الصغائرِ؛ وسببُ الاختلافِ حديثُ صاحبي القبرينِ، فإنَّ فيهِ:"وما يعذَّبانِ في كبيرٍ، بلى إنهُ لكبيرٌ"، بعدَ أنْ ذكرَ أنهُ أحدُهما عذِّبَ بسببِ عدمِ الاستبراءِ منَ البولِ، فقيلَ: إن نفيهُ صلى الله عليه وسلم كبَر ما يعذَّبانِ فيهِ، يدلُّ على أَنهُ مِنَ الصغائرِ، وردَّ هذا بأنَّ قولَه:"بلى إنهُ لكبيرٌ" يردُّ هذَا. وقيلَ: "بلْ]
(1)
أرادَ أنهُ ليسَ بكبيرٍ في اعتقادِهما، أو في اعتقاد المخاطبينَ، وهوَ عندَ اللَّهِ كبيرٌ. وقيلَ: ليسَ بكبيرٍ [في مشقةِ]
(2)
الاحترازِ، وجزمَ بهذَا البغويُّ
(3)
ورجَّحهُ ابنُ دقيقِ العيدِ
(4)
، وقيلَ غيرُ ذلكَ، وعلى هذا فهوَ منَ الكبائرِ
(5)
.
يجلس لقضاء الحاجة معتمدًا على اليسرى
19/ 96 - وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الْخَلاءِ أنْ نَقْعُدَ عَلَى الْيُسْرَى، وَنَنْصِبَ الْيمْنَى. [ضعيف]
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
(6)
.
ترجمة سراقة بن مالك
(وعنْ سُرَاقَةَ)
(7)
رضي الله عنه بضمّ السينِ المهملةِ، وبعدَ الراءِ قافٌ.
هوَ أبو سفيانَ سراقةُ (ابنُ مالكٍ) ابنُ جُعْشُمٍ بضمِ الجيمِ، وسكونِ المهملةِ، وضمِّ الشينِ المعجمةِ، وهوَ الذي ساختْ قوائمُ فرسهِ لما لحقَ برسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حينَ خرجَ فارًّا منْ مكةَ، والقصةُ مشهورةٌ. قالَ سراقة في ذلكَ يخاطبُ أبا جهلَ:
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في (أ): "لمشقة".
(3)
في "شرح السنة"(1/ 371).
(4)
في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام"(1/ 62).
(5)
وقد أورده الذهبي في "كتاب الكبائر"(ص 104 - 105) الكبيرة الحادية والثلاثون.
(6)
في "السنن الكبرى"(1/ 96).
وقال الحازمي: في "سنده" من لا نعرفه ولا نعلم في الباب غيره.
(7)
انظر ترجمته في: "الإصابة"(4/ 126 رقم 3109)، و"الاستيعاب"(4/ 131 رقم 916)، و"أسد الغابة"(2/ 264 - 266).
أبا حَكَمٍ، واللَّهِ لو كنتَ شاهدًا
…
لأَمْرِ جوادِي حينَ ساختْ قَوَائِمُهْ
علِمتَ، ولم تَشكُكْ بانَّ محمدا
…
رسولٌ بِبُرهانٍ فمنْ ذا يقاوِمُهْ
منْ أبياتٍ. توفيَ سُراقةُ سنةَ أربعٍ وعشرينَ في صدرِ خلافةِ عثمانَ.
(قالَ: عَلَّمَنَا رَسُولٌ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الخَلاءِ أنْ نَقْعُدَ على اليُسْرَى) مِنَ الرِّجلينِ (ونَنْصِبَ اليُمْنى. رواهُ البيهقيُّ بسندٍ ضعيفٍ)، وأخرجهُ الطبرانيُّ
(1)
.
قالَ الحازميُّ
(2)
: في سندهِ من لا يُعرف، ولا يُعلم في البابِ غيرُهُ. قيلَ: والحكمةُ في ذلكَ أنهُ يكونُ أعونَ على خروجِ الخارجِ؛ لأنَّ المعدةَ في الجانبِ الأيسرِ. وقيلَ: ليكونَ معتمدًا على اليُسرى، ويقلُّ معَ ذلكَ استعمالُ اليُمنى لشرفها.
إذا بال أحدكم فلينتُر ذكره ثلاث مرات
20/ 97 - وَعَنْ عِيسَى بْنِ يَزْدَادَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ". [ضعيف]
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
(3)
.
(وَعَنْ عِيسَى بْنِ يَزْدَادَ)
(4)
رضي الله عنه قيلَ: بباءٍ موحَّدةٍ، وراءٍ مهملةٍ، ودالَينِ مهملتينِ بينهَمَا ألفٌ، وضبطَ بمثناةٍ تحتيةٍ وزايٍ معجمةٍ، وبقيتُهُ كالأولِ، (عَنْ أَبِيهِ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا بَالَ أحدُكمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهٌ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. رواهُ ابنُ ماجه بسندٍ
(1)
عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 107 رقم 138).
(2)
ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 107 رقم 138) وقال عقب كلام الحازمي: وادَّعى ابن الرفعة في "المطلب" أن في الباب عن أن فلينظر.
(3)
في "السنن"(1/ 118 رقم 326).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 97 رقم 131): رواه أبو داود في "المراسيل"، عن عيسى بن أزداد عن أبيه، وأزداد يقال: يزداد، لا تصح له صحبة، وزمعة ضعيف. ورواه الإمام أحمد في "مسنده" من هذا الوجه. ورواه مسدد في "مسنده"، حدثنا عيسى، حدثنا زمعة بن صالح، حدثني عيسى بن يزداد فذكره.
وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 291)، وفي "العلل" (1/ 41 رقم 89): حديث مرسل.
(4)
أو أزداد، اليماني، الفارسي، مجهول الحال. "التقريب"(2/ 103).
ضعيفٍ)، ورواهُ أحمدُ في "مسنده"
(1)
، والبيهقيُّ
(2)
، وابنُ قانعٍ
(3)
، وأبو نعيمٍ في "المعرفةِ"
(4)
، وأبو داودَ في "المراسيل"
(5)
، والعقيليُّ في "الضعفاء"
(6)
؛ كلُّهم منْ روايةِ عيسى المذكورِ.
قال ابنُ معينٍ: لا يُعْرَفُ عيسى ولا أبوهُ. وقالَ العقيليُّ: لا يتابعُ عليهِ، ولا يعرفُ إلَّا بهِ. وقالَ النوويُّ في "شرح المهذبِ"
(7)
: اتفقُوا على أنهُ ضعيفٌ إلَّا أن معناهُ في "الصحيحينِ" في روايةِ صاحبي القبرينِ على روايةِ ابن عساكرَ: "كانَ لا يستبرئُ مِنْ بولهِ"، بموحدةٍ ساكنةٍ أي: لا يستفرغُ البولَ جهدهُ بعدَ فراغِهِ منهُ فيخرجُ [منه]
(8)
بعدَ وضوئِه.
والحكمةُ في ذلكَ حصولُ الظنِّ بأنهُ لم يبقَ في المخرجِ ما يخافُ منْ خروجهِ. وقد أوجبَ بعضُهم الاستبراءَ لحديثِ أحدِ صاحبي القبرينِ هذا، وهو شَاهدٌ لحديثِ البابِ.
الجمع بين الحجارةِ والماء عند الاستنجاء
21/ 98 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سأل أَهْلَ قُبَاءٍ، فَقَالَ:"إِن الله يُثْنِي عَلَيكُمْ"، فَقَالُوا: إنَّا نُتْبعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ. [ضعيف]
رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعيفٍ
(9)
، وَأَصْلُهُ في أَبِي دَاوُدَ
(10)
.
- وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
(11)
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بِدُونَ ذِكْرِ الْحِجَارَةِ. [صحيح]
(1)
(4/ 347).
(2)
في "السنن الكبرى"(1/ 113).
(3)
في كتابه "معجم الصحابة"(3/ 238 قم 1222).
(4)
في "معرفة الصحابة"(5/ 2821) رقم 6679).
(5)
(رقم 4).
(6)
(3/ 381 - 382 رقم 1419).
(7)
(2/ 91).
(8)
زيادة من (أ).
(9)
(1/ 130 رقم 247)"كشف الأستار".
وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 212) وقال: "رواه البزار وفيه محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري، ضعفه البخاري والنسائي وغيرهما، وهو الذي أشار بجلد مالك".
(10)
في "السنن"(1/ 38 رقم 44).
(11)
لم أعثر على تصحيح ابن خزيمة فيما لديَّ من مراجع.=
(وَعَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سألَ أهلَ قُباءٍ) بضمِّ القافِ ممدودٌ مذكرٌ مصروفٌ، وفيه لغةٌ بالقصرِ وعدمِ الصرفِ ([فقالَ: إِنَّ اللَّهَ يثني عليكم]
(1)
، فقالُوا: إنا نُتْبِعُ الحجارةَ الماءَ. رواهُ البزارُ بسندٍ ضعيفٍ)، قالَ البزار
(2)
: لا نعلمُ أحدًا رواهُ عن الزهريِّ إلَّا محمد بن عبدِ العزيزِ، ولا عنهُ إلا ابنهُ. ومحمدٌ ضعيفٌ، وراويه عنهُ عبدُ اللَّهِ بنُ شبيب ضعيفٌ (وأصلهُ في أبي داودَ)، [والترمذي]
(3)
في "السننِ"
(4)
عنْ أبي هريرةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "نزلتْ هذهِ الآيةُ في أهلِ قباءَ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَّتَطَهَّرُوا}
(5)
"، قال: كانُوا يستنجونَ بالماءِ فنزلتْ فيهمْ هذهِ الآيةُ.
قالَ المنذريُّ: زادَ الترمذيُّ: غريبٌ. وأخرجهُ ابنُ ماجَهْ
(6)
، (وصحَّحه ابنُ خزيمةَ منْ حديثِ أبي هريرةَ بدونِ ذكرِ الحجارةِ).
قالَ النوويُّ في "شرحِ المهذبِ"
(7)
: المعروفُ في طرقِ الحديثِ أنهمْ كانُوا يستنجونَ بالماءِ، وليسَ فيهِ أنهمْ كانُوا يجمعونَ بينَ الماءِ والأحجارِ، وتبعهُ ابنُ الرِّفعةِ فقالَ: لا يوجدُ هذا في كتبِ الحديثِ، وكذا قالَ المحبُّ الطبريُّ نحوَهُ.
قالَ المصنفُ
(8)
: وروايةُ البزار واردةٌ عليهمْ، وإنْ كانتْ ضعيفةً.
قلتُ: يحتملُ أنهمْ يردونَ لا يوجدُ في كتبِ الحديثِ بسندٍ صحيح، ولكنَّ الأَوْلى الردُّ بما في الإلمامِ، فإنهُ صححَ ذلكَ. قالَ في "البدرِ": والنوويُّ معذورٌ؛ فإنَّ روايةَ ذلكَ [غريبةٌ]
(9)
في زوايا وخبَايا لوْ قُطِعَتْ إليها أكبادُ الإبْلِ لكانَ قليلًا.
قلتُ: يتحصلُ منْ هذَا كلِّه أن الاستنجاءَ بالماءِ أفضلُ منَ الحجارةِ، والجمعُ
=قلت: وانظر: "التلخيص الحبير"(1/ 112 رقم 151) فقد أورد الحديث وتكلَّم عليه ولم يذكر تصحيح ابن خزيمة له.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في "كشف الأستار"(1/ 131).
(3)
في (أ): "والذي".
(4)
(8/ 503) مع "التحفة" وقال: حديث غريب من هذا الوجه.
(5)
سورة التوبة: الآية 108.
(6)
في "السنن"(1/ 128 رقم 357).
(7)
(2/ 100).
(8)
في "التلخيص"(1/ 112).
(9)
زيادة من (ب).
بينهمَا أفضلُ منَ الكلِّ بعدَ صحةِ ما في الإلمامِ، ولمْ نجدْ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنهُ جمعَ بينهمَا. وعدةُ أحاديثِ بابِ قضاءِ الحاجةِ أحد وعشرونَ.
وقال في الشرحِ خمسةَ عشرَ، وكأنهُ عدَّ أحاديثَ الملاعن حديثًا واحدًا، ولا وجهَ له، فإنَّها أربعةُ أحاديثَ عنْ أبي هريرةَ عندَ مسلمٍ
(1)
، وعنْ معاذٍ عندَ أبي داودَ
(2)
، وعنِ ابن عباسٍ عندَ أحمدَ
(3)
، وعنِ ابن عمرَ عندَ الطبرانيِّ
(4)
، فقدِ اختلفتْ صحابةً ومخرِّجينَ. وعدَّ حديثي النهيِ عن استقبالِ القبلةِ واحدًا، وهما حديثانِ عنْ سلمانَ عندَ مسلمٍ
(5)
، وعنْ أبي أيوبَ عندَ السبعةِ
(6)
.
* * *
(1)
تقدم تخريجه رقم (5/ 82).
(2)
تقدم تخريجه رقم (6/ 83).
(3)
تقدم تخريجه رقم (7/ 84).
(4)
تقدم تخريجه رقم (8/ 85).
(5)
تقدم تخريجه رقم (11/ 88).
(6)
تقدم تخريجه رقم (12/ 89).
[الباب الثامن] بابُ الغسلِ وحكمُ الجُنُبِ
(الغُسلُ) بضم الغينِ المعجمةِ - اسمٌ للاغتسالِ، وقيلَ: إذا أريدَ بهِ الماءُ فهوَ مضمومُ [الغين]
(1)
، وأما المصدرُ فيجوزُ فيهِ الضمُّ والفتحُ، وقيلَ: المصدرُ بالفتحِ والاغتسالُ بالضمِّ، وقيلَ: إنهُ بالفتحِ فعلَ المغتسلِ، وبالضمِ الذي يُغْتَسَلُ بهِ، وبالكسرِ ما يجعلُ مِنَ الماءِ كالأشنانِ. (وحكمُ الجُنُبِ) أي: الأحكامُ المتعلقةُ بمنْ أصابتْهُ جنابةٌ.
1/ 99 - عَنْ أَبِي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ". [صحيح]
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(2)
، وَأَصْلُهُ في الْبُخَارِيِّ
(3)
.
(عَنْ أَبِي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الماءُ منَ الماء رواهُ مسلمٌ، وأصلُهُ في البخاريِّ)، أي: الاغتسالُ منَ الإنزالِ، فالماءُ الأولُ المعروفُ، والثاني: المنيُّ، وفيهِ منَ البديعِ الجناسُ التامُّ. وحقيقةُ الاغتسالِ إفاضةُ الماءِ على الأعضاءِ.
هل الدَّلك داخل في الغسل لغة؟
واخْتُلِفَ في وجوبِ الدَّلكِ، فقيلَ: يجبُ، وقيلَ: لا يجبُ، والتحقيقُ أن
(1)
زيادة من (أ).
(2)
في "صحيحه"(1/ 269 رقم 343).
(3)
في "صحيحه"(1/ 284 رقم 180).
قلت: ومسلم (1/ 269 رقم 83/ 345)، وابن ماجه (1/ 199 رقم 606)، والبيهقي (1/ 165)، والحازمي في "الاعتبار"(ص 31).
المسألة لغويةٌ، فإنَّ الواردَ في القرآنِ الغسل في أعضاءِ الوضوءِ، فيتوقفُ إثباتُ الدَّل فيهِ عَلى أنهُ منْ مسمَّاه، وأمَّا الغسلُ فوردَ بلفظِ:{وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}
(1)
.
وهذَا اللفظُ فيهِ زيادةٌ على مسمَّى الغسلِ، وأقلُّها الدَّلكُ، وما عدلَ عز وجل في العبارةِ إِلَّا لإفادةِ التفرقةِ بينَ الأمرين، [فأما]
(2)
الغسلُ فالظاهرُ أنهُ ليسَ من مسمَّاهُ الدَّلكُ، إذْ يقالُ: غسلَهُ العروقُ، وغسلَهُ المطرُ، فلا بدَّ من دليلٍ خارجيٍّ على شرطيةِ الدَّلكِ في غسلِ أعضاءِ الوضوءِ، بخلافِ كسرِ الجنابةِ والحيضِ، فقدْ وردَ فيهِ بلفظِ التطهيرِ كما سمعتَ، وفي الحيض:{فَإذَا تَطَهَّرْنَ}
(3)
، إلَّا أنهُ سيأتي في حديثِ عائشةَ وميمونةَ ما يدلُّ على أنهُ صلى الله عليه وسلم اكتفَى في إزالةِ الجنابةِ بمجردِ الغسلِ، وإفاضةِ الماءِ عن دونِ دلك، فاللَّهُ أعلمُ [بالنكتة]
(4)
التي لأجلِها عبَّر في التنزيلِ عنْ غسلِ أعضاءِ الوضوءِ بالغسلِ، وعنْ إزالةِ الجنابةِ [بالتطهيرِ]
(5)
معَ الاتحادِ في الكيفية.
وأما المسحُ فإنهُ الإمرارُ على الشيءِ باليدِ يصيبُ ما أصابَ، ويخطئُ ما أخطأ، فلا يقالُ: لا يبقَى فرقٌ بينَ الغسلِ والمسحِ إذا لمْ يشرط الدلكَ.
وحديث الكتاب ذكرهُ مسلمٌ كما نسبهُ المصنفُ إليهِ في قصةِ عتبانَ بن مالك. ورواهُ أبو داودَ
(6)
، وابنُ خزيمةَ
(7)
، وابنُ حبانَ
(8)
، بلفظِ الكتابِ، وَرَوَى البخاريُّ القصةَ ولمْ يذكر الحديثَ، ولذَا قالَ المصنفُ:(أصلهُ في البخاريِّ) وهو أنه صلى الله عليه وسلم قالَ لعتبانٌ بن مالكٍ: "إِذَا أُعْجِلْتَ، أو أُقْحِطْتَ، فَعَلَيْكَ الوُضوءُ".
والحديثُ لهُ طرقٌ عنْ جماعةٍ منَ الصحابةِ عنْ أبي أيوبَ
(9)
، وعنْ رافعٍ بن
(1)
سورة المائدة: الآية 6.
(2)
في (أ): "وأما".
(3)
سورة البقرة: الآية 222.
(4)
في (أ): "ما النكتة".
(5)
في (أ): "بالتطهر".
(6)
في "السنن": (1/ 148 رقم 217).
(7)
في "صحيحه"(1/ 117 رقم 233، 234).
(8)
في "صحيحه"(2/ 242 رقم 1165).
قلت: وأخرجه البيهقي (1/ 167)، وأبو عوانة (1/ 286)، وابن شاهين في "ناسخ الحديث ومنسوخه"(ص 41 رقم 6)، وأحمد (3/ 29، 36).
(9)
أخرجه أحمد (5/ 416، 421)، والنسائي (1/ 115 رقم 199)، والدارمي (1/ 194)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 54)، وهو حديث صحيح.
خديجٍ
(1)
، وعنْ عتبانَ بن مالكٍ
(2)
، وعنْ أبي هريرةَ
(3)
، وعنْ أنسٍ
(4)
.
والحديثُ دالٌّ بمفهومِ الحصرِ المستفادِ منْ تعريف المسندِ إليهِ - وقد وردَ عندَ مسلمٍ
(5)
بلفظِ: "إنَّما الماءُ من الماءِ" - على أنهُ لا غسلَ إلا مِنَ الإنزالِ ولا غسلَ منِ التقاءِ الختانينِ، وإليه ذهبَ داودُ، وقليلٌ منَ الصحابةِ والتابعينَ، وفي البخاريّ
(6)
: أنهُ سئلَ عثمانُ عمَّنْ يجامعُ امرأتَهُ ولمْ يُمنِ؟ فقالَ: يتوضأُ كما يتوضأُ للصلاةِ ويغسلُ ذكرهُ. وقال عثمانُ: سمعتُه منْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وبمثلِهِ قالَ عليٌّ، والزبيرُ، وطلحةُ، وأبيُّ بنُ كعبٍ، وأبو أيوبَ، ورفعهُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالَ البخاريُّ: الغسلُ أحوطُ. وقال الجمهورُ: هذا المفهومُ منسوخٌ بحديث أبي هريرةَ.
وجوب الغسل بالتقاء الختانين
2/ 100 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا جَلَسَ بَينَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(7)
. [صحح]
(1)
أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 143).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 264 - 265) وقال: رواه أحمد والطبراني في "الكبير" وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف.
(2)
أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 342).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 264)، وقال:"رواه أحمد وإسناده حسن".
(3)
أورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 265)، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفي البزار عنه:"إذا أتى أحدكم أهله فأقحط فلا غسل"، ورجال البزار رجال الصحيح، ورجال الطبراني موثقون إلا شيخ الطبراني محمد بن شعيب فإني لم أعرفه.
(4)
فلينظر من أخرجه؟
(5)
في "صحيحه"(1/ 269 رقم 343) كما تقدم.
(6)
في "صحيحه"(1/ 283 رقم 179) و (1/ 396 رقم 292).
(7)
البخاري (1/ 395 رقم 291)، ومسلم (1/ 271 رقم 87/ 348)، والنسائي (1/ 110 رقم 191)، وابن ماجه (1/ 200 رقم 610)، والدارقطني (1/ 113 رقم 7)، والدارمي (1/ 194)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 275)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 4 - 5)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 74)، وابن عدي في "الكامل"(1/ 365)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 163).
- وَزَادَ مُسْلِمٌ: "وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ". [صحيح]
(وَعَنْ أَبِي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذا جَلَسَ) أيْ: الرجلُ المعلومُ منَ السياق، (بينَ شعَبِهَا) أي: المرأةِ بضمِ الشينِ المعجمةِ وفتحِ العينِ المهملةِ فموحَّدةٍ، جمعُ شُعبةٍ، [وهو كناية عن الجماع]
(1)
، (الأربْع ثمَّ جَهَدَهَا) بفتحِ الجيمِ والهاءِ، معناهُ كدَّها بحركتهِ، [أي]
(2)
: بلغَ جهدَهُ في العمل بها (فَقَدْ وَجَبَ الغسلُ).
وفي مسلم
(3)
: ثمَّ اجْتَهَدَ. وعندَ أبي داودَ
(4)
: "وألزقَ الختانَ بالختانِ"
(5)
ثمَّ جهدَها.
قالَ المصنفُ في "الفتح"
(6)
: وهذا يدلُّ على أن الْجَهْدَ هنا كنايةٌ عنْ معالجةِ الإيلاجِ، (متفقٌ عليهِ. زادَ مسلمٌ: وإنْ لمْ يُنْزِلْ).
والشُّعَبُ الأربعُ قيلَ: يداها ورجلاهَا، وقيلَ: رجلاها وفَخِذَاها، وقيلَ: ساقَاها وفخذاهَا، وقيلَ غيرُ ذلكَ، والكلُّ كناية عن الجماعِ.
فهذا الحديثُ استدلَّ بهِ الجمهورُ على نسخِ مفهوم حديثِ: "الماءُ منَ الماءِ"، واستدلُّوا على أن هذَا آخرُ الأمرينِ في رواهُ أحمَدُ
(7)
وغيرُه منْ طريقِ الزهريِّ عن أبيِّ بن كعبٍ أنهُ قالَ: "إنَّ الفُتْيَا التي كانُوا يقولونَ: إنَّ الماءَ منَ الماءِ رخصةٌ كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رخَّصَ بهَا في أولِ الإسلامِ، ثمَّ أمرَ بالاغتسالِ بعدُ". صحَّحهُ ابنُ خزيمةَ
(8)
، وابنُ حبانَ
(9)
.
(1)
زيادة من (أ).
(2)
في (أ): "أو".
(3)
في "صحيحه"(1/ 271 رقم ( .. ) / 348).
(4)
في "السنن"(1/ 148 رقم 216).
(5)
هنا كلمة من (أ): "بدل".
(6)
(1/ 395).
(7)
في "المسند"(5/ 115 - 116).
قلت: وأخرجه الترمذي (1/ 183 رقم 110) و (1/ 184 رقم 111)، وابن ماجه (1/ 200 رقم 609)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 165).
(8)
في "صحيحه"(1/ 112 رقم 225).
(9)
في "صحيحه"(2/ 244 رقم 1170).
قلت: وللحديث طريق آخر موصول أخرجه أبو داود (1/ 147 رقم 215)، والدارمي=
وقالَ الإسماعيليُّ: إنهُ صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ، وهوَ صريحٌ في النسخِ، على أن [حديث]
(1)
الغسلِ، وإنْ لمْ ينزلْ، أرجحُ لو لم يثبتِ النسخُ؛ لأنهُ منطوقٌ في إيجابِ الغسلِ، وذلكَ مفهومٌ، والمنطوقُ مقدمٌ على العملِ بالمفهومِ، وإنْ كانَ المفهومُ موافقًا للبراءةِ الأصليةِ، والآيةُ تعضدُ المنطوقَ في إيجاب الغسلِ. فإنهُ قالَ تعالى:{وَإِن كنُتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}
(2)
.
قالَ الشافعي: إنَّ كلامَ العربِ يقتضي أن الجنابَةَ تطلقُ بالحقيقةِ على الجماعِ، وإنْ لم يكنْ فيهِ إنزالٌ. قال: فإنَّ كلَّ مَنْ خُوطِبَ بأنَّ فلانًا أجنَبَ عنْ فلانةٍ عُقلَ أنهُ أصابَها وإنْ لم ينزلْ، قالَ: ولم يُختلفْ أن الزنى الذي يجبُ بهِ الحدُّ هو الجماع ولو لم يكن منه إنزال اهـ.
فتعاضدَ الكتابُ والسنةُ على إيجابِ الغُسلِ منِ الإيلاجِ
(3)
.
تغتسل المرأة إذا رأت في نومها ما يرى الرجل
3/ 101 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الْمَرْأَةِ تَرَى في مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ - قَالَ: "تَغْتَسِلُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
. [صحيح]
- زَادَ مُسْلِمٌ
(5)
: فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَهَلْ يَكُونُ هذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ ". [صحيح]
(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في المرأةِ ترى في منامِها ما يرَى الرجلُ، قالَ: تغتسل. متفقٌ عليهِ. زادَ مسلمٌ: فقالتْ أمُّ سلمةَ: وهلْ يكون هذَا؟ قالَ: نعمْ فمنْ أينَ يكون الشَّبَهُ) بكسرِ الشينِ المعجمةِ، وسكونِ الموحدةِ، وبفتحهمَا، لغتان.
= (1/ 194)، والدارقطني (1/ 126 رقم 1)، والبيهقي (1/ 165 - 166). وقال الدارقطني: صحيح. وهو كما قال.
(1)
في (أ): "حدث".
(2)
سورة المائدة: الآية 6.
(3)
انظر: "نصب الراية"(1/ 82 - 84) و"شرح معاني الآثار"(1/ 53 - 62)، و"التلخيص الحبير"(1/ 134 - 135)، و"الاعتبار" تخريج د. القلعجي (ص 117 - 129).
(4)
قلت: أخرجه مسلم (1/ 250 رقم 29/ 310، 30/ 311، 31/ 312)، والنسائي (1/ 112 رقم 195)، وابن ماجه (1/ 197 رقم 601).
(5)
في "صحيحه"(1/ 250 رقم 30/ 311). من حديث أم سليم.
اتفقَ الشيخانِ على إخراجهِ منْ طرقٍ عنْ أمِّ سلمةَ
(1)
، وعائشةَ
(2)
، وأنسٍ
(3)
، ووقعتْ هذه المسألةُ لنساءٍ منَ الصحابياتِ، [كخولة]
(4)
بنتِ حكيمٍ عندَ أحمدَ
(5)
، والنسائيِّ
(6)
، وابنِ ماجَهْ
(7)
. ولسهلَة بنتِ سهيل عندَ الطبرانيِّ
(8)
، ولبُسرةَ بنتِ صفوانَ عندَ ابن أبي شيبةَ
(9)
.
والحديثُ دليلٌ على أن المرأةَ ترى ما يراهُ الرجلُ في منامهِ، والمرادُ إذا أنزلتِ الماءَ، كما في البخاريِّ قالَ:"نعمْ إذا رأتِ الماءَ"، أي: المنيَّ بعدَ الاستيقاظِ، وفي روايةِ:"هنَّ شقائقُ الرجال". [أخرجها الخمسة إلا النَّسَائِي من حديث عائشة]
(10)
، وفيه ما يدل على أن ذلك غالب من حال النساء كالرجال، وردُّ على من زعم أن منيَّ المرأة لا يبرز.
قولُهُ: "فمِنْ أَيَنَ يكونُ الشبهُ"؟ استفهامُ إنكارٍ، وتقريرٍ أن الولدَ تارةً يشبهُ أباهُ، وتارةً [يشبهُ]
(11)
أمَّهُ وأخوالَهُ، فأي [الماءين]
(12)
غلبَ كان الشبهُ للغالبِ.
(1)
أخرجه البخاري (1/ 228 رقم 130) و (1/ 388 رقم 282) و (6/ 362 رقم 3328) و (10/ 504 رقم 6091) و (10/ 523 رقم 6121)، ومسلم (1/ 251 رقم 313)، ومالك في "الموطأ"(1/ 51 رقم 85)، والنسائي (1/ 114 رقم 197)، والترمذي (1/ 209 رقم 122) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (1/ 197 رقم 600).
(2)
أخرجه مسلم (1/ 251 رقم 314)، والنسائي (1/ 112 رقم 196)، وأبو داود (1/ 162 رقم 237). وهو حديث صحيح.
(3)
تقدم تخريجه في الباب رقم الحديث (3/ 101)، وهو حديث صحيح.
(4)
في النسخة (ب): "لخولة".
(5)
في "المسند"(6/ 409) من طريقين.
(6)
في "السنن"(1/ 115 رقم 198) وفي إسناده عطاء الخراساني، قال الحافظ في "التقريب" (2/ 23 رقم 199): صدوق يهم كثيرًا ويرسل ويدلس
…
ولم يصح أن البخاري أخرج له.
(7)
في "السنن"(1/ 197 رقم 602) وفي إسناده: علي بن زيد وهو ضعيف. والخلاصة أن حديث خولة بنتِ حكيم: حسن.
(8)
عزاه له الهيثمي في "المجمع"(1/ 267) وقال: فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف.
(9)
في "المصنف"(1/ 81) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: قال: جاءت امرأة يقال لها بُسرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إحدانا ترى أنها مع زوجها في المنام، فقال:"إذا وجدتِ بللًا فاغتسلي يا بُسرة".
(10)
زيادة من (أ).
(11)
زيادة من (ب).
(12)
في (أ): "الماء".
كان صلى الله عليه وسلم يغتسل من أربع
4/ 102 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ من أَرْبَع: مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَوْمَ الجُمْعَةِ، وَمِنْ الحِجَامَةِ، وَمِنَ غُسلٍ المَيِّتِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
، وَصَحّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
(2)
. [ضعيف]
(وَعَنْ عَائشَةَ رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِل مِنْ أرْبَع: منَ الجَنَابَةِ، وَيَوْمَ الجمعَةِ، ومِنَ الحِجَامَةِ، [ومن]
(3)
غُسْلِ الميتِ. رواهُ أبو داودَ، وصحَّحه ابن خُزيمةَ)، ورواهُ أحمدُ
(4)
، والبيهقيُّ
(5)
. وفي إسنادهِ مصعبُ بنُ شيبةَ، وفيهِ مقالٌ.
والحديثُ دليلٌ على مشروعيةِ الغسلِ في هذهِ الأحوالِ الأربعةِ، فأما الجنابةُ فالوجوبُ ظاهرٌ، وأما الجمعةُ ففي حكمهِ ووقتهِ خلافٌ، أما حكمهُ فالجمهورُ على أنهُ مسنونٌ لحديثِ سمُرةَ:"مَنْ توضأَ يومَ الجمعةِ فبها ونَعِمَتْ، ومنِ اغتسلَ فالغسلُ أفضلُ"، يأتي قريبًا
(6)
.
وقالَ داودُ وجماعةٌ: إنهُ واجبٌ لحديثِ: "غسلُ الجمعةِ واجبٌ على كلِّ محتلِمٍ" يأتي قريبًا
(7)
، أخرجهُ السبعةُ من حديثِ أبي سعيدٍ.
(1)
في "السنن"(1/ 248 رقم 348) و (3/ 511 رقم 3160)، وقال أبو داود: وحديث مصعب ضعيف فيه خصال ليس العمل عليه.
(2)
في "صحيحه"(1/ 126 رقم 256).
(3)
في (ب): "و".
(4)
في "المسند"(6/ 152).
(5)
في "السنن الكبرى"(1/ 299).
قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 113 رقم 8)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 166 رقم 338)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 163) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأقرَّه الذهبي. كذا قالا، وفي سند الحديث مصعب بن شيبة وفيه مقال، وضعفه أبو زرعة وأحمد، والبخاري، وصحَّحه ابن خزيمة. قاله ابن حجر في "التلخيص"(1/ 137).
والخلاصة: أن الحديث ضعيف.
تنبيه: وقع في "المستدرك"(1/ 163) قوله: "ثنا زكريا بن أبي زائدة (و) مصعب بن شيبة" وهو خطأ طابع أو ناسخ، والصواب ما عند الجماعة:"زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة".
(6)
وهو حديث حسن بمجموع طرقه. وسيأتي تخريجه رقم (7/ 105).
(7)
وهو حديث صحيح. سيأتي تخريجه رقم (6/ 104).
وأجيبَ بأنهُ يُحملُ الوجوبُ على تأكيدِ السنيَّةِ. وأما وقتهُ ففيهِ خلافٌ - أيضًا - فعندَ الهادويةِ أنهُ من فجرِ الجمعةِ إلى عصرِها. وعندَ غيرِهم أنهُ للصلاةِ فلا يشرعُ بعدَها، [وعلى الأول يشرع بعدها]
(1)
ما لمْ يدخلْ وقتُ العصرِ، وحديثُ:"مَنْ أتى الجمعةَ فليغتسلْ"
(2)
دليلٌ للثاني، وحديثُ عائشةَ هذا يناسبُ الأولَ.
أما الغسلُ مِنَ الحِجَامةِ فقيلَ: هوَ سنةٌ، وتقدمَ حديثُ أنسٍ
(3)
: "أنه صلى الله عليه وسلم احتجمَ وصلَّى ولم يتوضأْ"؛ فدلَّ على أنهُ سنةٌ يفعلُ تارة - كما أفادهُ حديثُ عائشةَ هذا - ويتركُ أخرى، كما في حديثِ أنسٍ، ويُروَى عنْ علي عليه السلام الغسلُ منَ الحجامةِ سنة وإن تطهرتَ أجزأكَ.
وأما الغسلُ من غَسْلِ الميتِ فتقدمَ الكلامُ فيهِ، وللعلماءِ فيه ثلاثةُ أقوالٍ: أنهُ سنةٌ، وهوَ أقربُها، وأنهُ واجبٌ، وأنَّهُ لا يستحبُّ.
إيجاب غسل الكافر إذا أسلم
5/ 103 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه في قِصَّةِ ثُمَامَةَ بن أُثَالٍ، عِنْدَمَا أَسْلَمَ وَأَمَرَهُ النَّبي صلى الله عليه وسلم أنْ يَغْتَسِلَ. رَوَاهُ عَبْدُ الرّزَّاقَ
(4)
، وَأَصْلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(5)
. [صحيح]
(وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه) أنهُ قالَ: (في قصةِ ثمامةَ) بضمِ المثلثةِ، وتخفيفِ الميمِ، (ابن أثالٍ) بضمِ الهمزةِ، فمثلثةٍ مفتوحةٍ، وهوَ الحنفيُّ سيدُ أهلِ اليمامةِ، (عندَما أسلمَ) أي: عندَ إسلامهِ (وأمرهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يغتسلَ. رواة عبدُ الرزاقِ)
(6)
.
(1)
زيادة من (أ): وقال في الحاشية: وعند داود يستمر إلى غروب الشمس، ونصره ابن حزم وحقَّقنا ضعفه في حواشي "شرح العمدة".
(2)
أخرجه البخاري (2/ 356 رقم 877)، ومسلم (2/ 579 رقم 844)، والترمذي (2/ 364 رقم 492)، والنسائي (3/ 93 رقم 1376)، ومالك (1/ 102 رقم 5) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(3)
وهو حديث ضعيف، أخرجه الدارقطني (1/ 151 رقم 2) وفي سنده صالح بن مقاتل.
قال عنه الدارقطني: يحدث عن أبيه ليس بالقوي. وقد تقدم.
(4)
في "المصنف"(6/ 9 رقم 9834).
(5)
عند الشيخين: البخاري (8/ 87 رقم 4372)، ومسلم (3/ 1386 رقم 59/ 1764).
قلت: وأخرجه أبو داود (3/ 129 رقم 2679)، وأحمد (2/ 246، 452، 483).
(6)
انظر ترجمته في: "الكامل" لابن عدي (5/ 1948 - 1952)، و"تهذيب التهذيب" =
ترجمة عبد الرزاق الصنعاني
وهوَ الحافظُ الكبيرُ عبدُ الرزاقِ بنُ همام الصنعاني صاحبُ التصانيفِ، رَوَى عنْ عبيدِ اللهِ بن عمرَ، وعنْ خلائق، وعنهُ أحمدُ، اسحاقُ، وابنُ معينٍ، والذهليُّ. قالَ الذهبيُّ: وثقهُ غيرُ واحدٍ، وحديثهُ مخرَّجٌ في "الصِّحاحِ"، كانَ منْ أوعيةِ العلم، ماتَ في شوالَ سنةَ إحدى عشرةَ ومائتينِ، (وأصلُهُ متفقٌ عليهِ) بينَ الشيخينِ.
الحديثُ دليلٌ على شرعية الغُسل بعدَ الإسلامِ، وقولُه:"أمرَهُ"، يدل على الإيجابِ.
وقد اختلفَ العلماءُ في ذلكَ؛ فعندَ الهادويةِ أنهُ إذا كانَ قدْ أجنبَ حالَ كفرهِ وجبَ عليهِ الغسلُ للجنابةِ، وإنْ كانَ قدِ اغتسلَ حالَ كفرهِ فلا حكمَ لهُ، وحديثُ:"الإسلامُ يَجُبُّ ما قبلَه"
(1)
لا يوافقُ هذا القولَ، وعندَ الحنفيةِ أنهُ إنْ كانَ قدِ اغتسلَ حالَ كفرهِ فلا غسلَ عليهِ.
وعندَ الشافعيةِ وغيرِهم لا يجبُ الغسلُ عليهِ بعدَ إسلامِه للجنابةِ للحديثِ المذكورِ وهوَ: "إنَّ الإسلامَ يَجُبُّ ما قبلَه"، وأما إذا لم يكنْ أجنبَ حالَ كفرهِ؛ فإنهُ يستحبُّ لهُ الاغتسالُ لا غيره.
وأما أحمد فقالَ: يجبُ عليهِ مطلقًا لظاهرِ حديثِ الكتابِ، ولما أخرجهُ أبو داودَ
(2)
من حديثِ قيسِ بن عاصمٍ قالَ: "أتيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أريدُ الإسلامَ فأمرني أن أغتسلَ بماءٍ وسدرٍ"، وأخرجهُ الترمذيُّ
(3)
، والنسائيُّ
(4)
، بنحوِه.
= (6/ 278 - 281 رقم 611)، و"تذكرة الحفاظ"(1/ 346)، و"ميزان الاعتدال"(2/ 609 - 614 رقم 5044)، و"النجوم الزاهرة"(2/ 202)، و"شذرات الذهب"(2/ 27)، و"الجرح والتعديل"(6/ 38 - 39).
(1)
أخرجه أحمد (4/ 198 - 199، 204، 205)، والحاكم (3/ 454)، وأبو عوانة (1/ 70)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(4/ 351)، وابن كثير في "تفسيره"(4/ 418) من حديث عمرو بن العاص.
وهو حديث صحيح، وقد صحَّحه الألباني في "الإرواء"(5/ 121 رقم 1280).
(2)
في "السنن"(1/ 251 رقم 355).
(3)
في "السنن"(2/ 502 رقم 605). وقال: هذا حديث حسن.
(4)
في "السنن"(1/ 109 رقم 188).=
هل غسل الجمعة واجب؟
6/ 104 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "غُسلُ يَوْمِ الجُمْعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ". [صحيح]
أخْرَجَهُ السَّبْعَةُ
(1)
.
(وَعَنْ أبي سَعِيدٍ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: غُسْلُ يوم الجُمعَةِ واجبٌ على كُل مُحْتَلِمٍ. أخرجه السبعةَ). هذا دليلُ داودَ في إيجابهِ غسلَ الجمعةِ، والجمهورُ [يتأوَّلونهُ]
(2)
بما عرفتَ قريبًا، وقدْ قيلَ إنهُ [قد]
(3)
كانَ الإيجابُ أولَ الأمرِ [بالغسلِ لما كانُوا فيهِ منْ ضيقِ الحالِ، وغالبُ لباسِهم الصوفُ، وهمْ في أرضٍ حارةِ الهواءِ]
(4)
، فكانُوا يعرَقونَ عندَ الاجتماعِ لصلاةِ الجمعةِ؛ فأمرهم بالغسلِ، فلمَّا وسَّعَ اللَّهُ عليهم ولبسُوا القطن رخَّصَ لهم في ذلك.
= قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(5/ 61)، وابن حبان (ص 82 رقم 234)، الموارد، وابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 126 رقم 254، 255)، والطبراني في "الكبير"(18/ 338 رقم 866)، والبيهقي (1/ 171، 172)، وهو حديث صحيح.
قلت: ويشهد له حديث أبي هريرة الذي أخرجه أحمد (2/ 147 رقم 488)"الفتح الرباني"، وعبد الرزاق في "المصنف"(6/ 9 رقم 9834)، والبيهقي (1/ 171)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 125 رقم 253)، وابن حبان في "صحيحه" (2/ 269 رقم 1235) وأصله في "الصحيحين": البخاري (8/ 87 رقم 4372)، ومسلم (12/ 87)"بشرح النووي" وليس فيهما الأمر بالاغتسال بل فيهما أنه اغتسل.
(1)
وهم: أحمد (3/ 6)، والبخاري (2/ 344 رقم 858)، ومسلم (2/ 580 رقم 5/ 846)، وأبو داود (1/ 243 رقم 341)، والنسائي (3/ 93)، وابن ماجه (1/ 346 رقم 1089).
وأشار إليه الترمذي (2/ 364) في الباب (355).
قلت: وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (رقم: 284)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 116)، والبيهقي (3/ 188)، ومالك (1/ 102 رقم 4)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 133 رقم 394)، والدارمي (1/ 361)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 138)، والبغوي في شرح السنة" (2/ 160)، وابن خزيمة (3/ 122 رقم 1742)، والحميدي (2/ 323 رقم 736).
(2)
في (أ): "يؤولونه".
(3)
زيادة من (أ).
(4)
زيادة من (أ).
7/ 105 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ يَومَ الجمْعَةِ فَبِهَا وَنَعِمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالغُسْلُ أَفضَلُ". [حسن بمجموع طرقه]
رَوَاهُ الخَمْسَةُ
(1)
وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
ترجمة سمُرة بن جُنْدَب
(وَعَنْ سَمُرَةَ)
(3)
تقدمَ ضبطهُ (ابنُ جُنْدَبٍ) بضمِّ الجيمِ، وسكونِ النونَ، وفتحِ الدالِ المهملةِ، بعدَها موحدةٌ.
هوَ أبو سعيد - في أكثرِ الأقوالِ - سمُرةُ بنُ جندَبٍ الفزاريِّ حليفُ الأنصارِ، نزلَ الكوفةَ، وولي البصرةَ، وعدادهُ في البصريينَ، كانَ منَ الحفاظِ المكثرينَ بالبصرة، ماتَ آخرَ سنةِ تسع وخمسينَ.
(قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَن تَوضَّأ يومَ الجُمْعَةِ فبها) أي: بالسنَّةِ أخذَ (وَنَعِمَتْ) السنَّةُ، أو بالرخصةِ أخذَ ونعمتْ [الرخصة]
(4)
؛ لأنَّ السنةَ الغسلُ، أو
(1)
وهم: أحمد (5/ 8، 11، 16، 22)، وأبو داود (1/ 251 رقم 354)، والترمذي (2/ 369 رقم 497)، والنسائي (3/ 94).
- ولم يخرجه ابن ماجه من حديث سمرة بن جندب، إنما أخرجه من حديث أنس (رقم 1091).
(2)
في "السنن"(2/ 370).
قلت: وأخرج الحديث الطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 119)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 285)، والبيهقي (3/ 190)، وابن خزيمة (3/ 128 رقم 1757)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 164)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 352)، والطبراني في "الكبير"(7/ 199).
وقال الترمذي: حديث حسن.
قلت: فيه عنعنة الحسن. ولكن له شواهد تقويه من حديث أنس وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وجابر، وعبد الرحمن بن سمرة، وابن عباس. انظر تخريجها في:"نصب الراية"(1/ 91 - 93)، وكتابنا:"إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الطهارة.
والخلاصة: أن الحديث حسن بمجموع طرقه، واللَّه أعلم.
(3)
انظر ترجمته في: "شذرات الذهب"(1/ 65)"تهذيب التهذيب"(4/ 207 رقم 411)، "الإصابة"(4/ 257 رقم 3468)، "الاستيعاب"(4/ 256 - 259 رقم 1063)، "الجرح والتعديل"(4/ 154)"التاريخ الكبير"(4/ 176 - 177).
(4)
زيادة من (أ).
بالفريضةِ أخذَ ونَعِمَتِ الفريضةُ؛ فإنَّ الوضوء هوَ الفريضةُ، (ومن اغتسلَ فالغسل أفضلُ. أخرجه الخمسة، وحسَّنهُ الترمذيُّ). ومنْ صحَّحَ سماعَ الحسنِ من سَمُرةَ قال: الحديثُ صحيحُ، وفي سماعهِ منهُ خلافٌ.
والحديثُ دليلٌ على عدم وجوب الغسل، وهو كما عرفتَ دليلُ الجمهورِ على ذلكَ، وعلى تأويلِ حديثِ الإيجابِ، إلَّا أن فيهِ سؤالًا وهو: أنهُ كيفَ يُفَضَّلُ الغسلُ وهوَ سنَّةُ، على الوضوءِ، وهوَ فريضةٌ، والفريضةُ أفضلُ إجماعًا؟
والجوابُ: أنهُ ليسَ التفضيلُ على الوضوءِ نفسهِ بل على الوضوءِ الذي لا غسلَ معهُ، كأنهُ قالَ: منْ توضَأ واغتسلَ فهوَ أفضلُ ممن توضَأ فقط، ودلَّ لعدمِ [الفرضيةِ]
(1)
أيضًا حديثُ مسلم
(2)
: "منْ توضَّأ فأحسن الوضوء، ثمَّ أتى الجُمعةَ، فاستمعَ وأنصتَ، غُفِرَ لهُ ما بينَ الجمعةِ إلى الجمعةِ وزيادةُ ثلاثةِ أيامٍ"، ولداودَ أن يقول: هوَ مقيَّدٌ بحديثِ الإيجابِ، فالدليلُ الناهضُ حديثُ سمرةَ وإنْ كان حديثُ الإيجابِ أصحَّ، فإنهُ أخرجهُ السبعةُ بخلافِ حديثِ سمرةَ، فلم يخرجهُ الشيخانِ، فالأحوطُ للمؤمنِ أنْ لا يتركَ [غسلَ]
(3)
الجمعةِ.
وفي الهدي النبوي
(4)
: الأمرُ بالغسلِ يومَ الجمعةِ مؤكدٌ جدًّا، ووجوبهُ أقوى
(1)
في (أ): الفريضة.
(2)
في "صحيحه"(2/ 588 رقم 27).
قلت: وأخرج البخاري (2/ 385 رقم 902)، ومسلم (2/ 581 رقم 847) عن عائشة؛ أنها قالت: كان الناس ينتابون الجمعةَ من منازلهم من العوالي، فيأتونَ في العباءِ، ويصيبهم الغبارُ، فتخرج منهم الريحُ. فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنسانٌ منهم وهو عندي، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لو أنكم تَطَهَّرتم ليومِكم هذا".
وأخرج مسلم (2/ 580 رقم 4/ 845) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما عمر بن الخطاب يخطبُ الناسَ يوم الجمعة، إذ دخل عثمانُ بنُ عفان، فعرَّض به عُمَرُ فقال: ما بالُ رجالٍ يتأخَّرون بعد النداءِ؟ فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، ما زِدْتُ حين سمعتُ النداء أن توضأتُ، ثم أقبلتُ، فقال عمرُ: والوضوءَ أيضًا؟! ألم تسمعوا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إذا جاء أحدُكم إلى الجمعة فليغتسل".
وموضع الدلالة في الحديث أن عمر وعثمان ومن حضر الجمعة وهم الجمُّ الغفير أقرُّوا عثمان على ترك الغسل ولم يأمروه بالرجوع له، ولو كان واجبًا لم يتركه ولم يتركوا أمره بالرجوع له. قاله النووي في "المجموع"(4/ 535).
(3)
في (أ): الغسل يوم.
(4)
أي: "زاد المعاد في هدي خير العباد"(1/ 376).
من وجوبِ الوترِ، وقراءةِ البسملةِ في الصلاةِ، ووجوب الوضوءِ من مسِّ النساءِ، ووجوبهُ من مسِّ الذَّكرِ، ووجوبه من القهقهةِ في الصلاةِ، ومنَ الرُّعافِ، ومنَ الحجامةِ والقيءِ.
تحقيق عن الجُنب القرآن
8/ 106 - وعَنْ عليٍّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقرِئُنا القُرْآنَ مَا لَمْ يَكُن جُنُبًا. رَوَاه الخمْسَةُ
(1)
، وَهَذا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَصَحّحَهُ، وحَسّنهُ ابنُ حِبَّانَ
(2)
. [ضعيف]
(وَعَنْ عليٍّ عليه السلام قالَ: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقْرئُنا القرآن ما لمْ يكنْ جُنُبًا. رواهُ أحمدُ والخمسةُ)
(3)
هكذا في نُسَخِ "بلوغِ المرامِ"، والأَوْلَى: والأربعةُ، وقدْ وجدَ في بعضِها كذلكَ (وهذا لفظُ الترمذيِّ وحسنهُ وصحَّحهُ ابنُ حبانَ)، [وذكرهُ]
(4)
المصنفُ في "التلخيص"
(5)
أنهُ حَكَمَ بصحتهِ الترمذيُّ، وابنُ السكنِ، وعبدُ الحقِّ، والبغويُّ. وروى ابنُ خزيمة
(6)
بإسنادهِ عنْ شعبةَ أنهُ قال: هذا الحديثُ ثلثُ رأسِ مالي، وما أحدِّثُ بحديثٍ أحسنَ منهُ.
وأما قولُ النوويِّ
(7)
: "خالفَ الترمذيَّ الأكثرون، فضعَّفوا هذا الحديث"، فقد قال المصنف: إن تخصيصه للترمذي بأنهُ صحَّحهُ دليلٌ على أنهُ لم يرَ تصحيحَه لغيرِه، وقد قدَّمْنَا مَنْ صحَّحهُ غيرَ الترمذيِّ. وروى الدارقطنيُّ
(8)
عن
(1)
وهم: أحمد (1/ 83، 84، 107، 124، 134)، والنسائي (1/ 144 رقم 265، 266)، وأبو داود (1/ 155 رقم 229)، والترمذي (1/ 273 رقم 146)، وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه (1/ 195 رقم 594).
(2)
في "صحيحه"(2/ 85 رقم 796، 797).
(3)
الأوْلَى أن يقول: "والأربعة".
(4)
في (ب): "وذكر".
(5)
(1/ 139).
(6)
في "صحيحه"(1/ 104).
(7)
في "الخلاصة" - كما في "التلخيص الحبير"(1/ 139) - وقال النووي في "المجموع شرح المهذب"(2/ 159) عقب كلام الترمذي: "وقال غيره من الحفاظ المحقِّقين: هو حديث ضعيف" اهـ.
(8)
في "السنن"(1/ 118 رقم 6)، وقال: هو صحيح عن علي رضي الله عنه.
عليٍّ موقوفًا: اقرؤُا القرآن ما لم تصبْ أحَدكم جنابةٌ؛ فإن أصابتهُ فلا ولا حرفًا. وهذا يعضدُ حديثَ البابِ، إلا أنَّهُ قالَ ابنُ خزيمةَ
(1)
: لا حجةَ في الحديثِ لمن منعَ الجنبَ منَ القراءةِ، لأنهُ ليسَ فيهِ نهيٌ، وإنما هيَ حكايةُ فعلٍ، ولم يبيِّن صلى الله عليه وسلم أنهُ إنما [امتنعَ]
(2)
من ذلكَ لأجلِ الجنابةِ.
وروى البخاريُّ
(3)
عن ابن عباسٍ أنهُ لم يرَ بالقراءةِ للجنبِ بأسًا، والقولُ بأنَّ روايةَ:"لم يكن يحجبُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أو يحجزُهُ عن القرآنِ شيءٌ سوى الجنابةِ"، أخرجهُ أحمدُ
(4)
، وأصحابُ السننِ
(5)
، وابنُ خزيمةَ
(6)
، وابنُ حبانَ
(7)
، والحاكمُ
(8)
، والبزارُ
(9)
، والدارقطنيُّ
(10)
، والبيهقيُّ
(11)
، أصرحُ في الدليلِ على
(1)
ذكره ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 139).
(2)
في (أ): منع.
(3)
معلَّقًا (1/ 407) الباب السابع.
(4)
في "المسند"(1/ 83 و 84 و 107 و 124 و 134) كما تقدم.
(5)
أبو داود (1/ 155 رقم 229)، والترمذي (1/ 273 رقم 146)، والنسائي (1/ 144 رقم 265، 266)، وابن ماجه (1/ 195 رقم 594) كما تقدم.
(6)
في "صحيحه"(1/ 104 رقم 208).
(7)
في "صحيحه"(2/ 85 رقم 796، 797).
(8)
في "المستدرك"(4/ 107) وصحَّحه، ووافقه الذهبي.
(9)
(11/ 62 رقم 321)"كشف الأستار".
(10)
في "السنن"(9/ 111 رقم 15).
(11)
في "السنن الكبرى"(1/ 88 - 89).
قلت: وأخرجه أبو يعلى في "المسند"(1/ 247 رقم 27/ 287) و (1/ 288 رقم 88/ 348) و (1/ 326 رقم 146/ 406) و (1/ 436 رقم 319/ 579) و (1/ 459 رقم 363/ 623)، والبغوي في شرح السنة" (2/ 41 رقم 273) وقال: حسن صحيح، والحميدي في "المسند"(1/ 31 رقم 57)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 104)، وابن الجارود في المنتقى (رقم 94)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 1487)، والطيالسي (1/ 59 رقم 218 "منحة المعبود")، وغيرهم من طرق.
قلت: وصحَّحه ابن السكن وعبد الحق كما في "التلخيص الحبير"(1/ 139) وتوسط الحافظ في "الفتح" فقال (1/ 408): رواه أصحاب السنن، وصحَّحه الترمذي وابن حبان، وضعَّف بعضهم [أحد] رواته. والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة. وتعقبه الألباني في "الإرواء" (2/ 242) بقوله:"هذا رأي الحافظ في الحديث ولا نوافقه عليه، فإن الراوي المشار إليه وهو "عبد الله بن سلمة" قد قال الحافظ نفسه في ترجمته في "التقريب" (1/ 420): "صدوق تغير حفظه، وقد سبق أنه حدَّث بهذا الحديث في حالة التغير، فالظاهر أن الحافظ لم يستحضر ذلك حين حكم بحسن الحديث" اهـ.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
تحريم القراءةِ على الجنبِ من حديثِ البابِ: غيرُ ظاهرٍ؛ فإنَّ الألفاظَ كلَّها إخبارٌ عن [تركه]
(1)
صلى الله عليه وسلم القرآنَ حالَ الجنابةِ. ولا دليلَ في التركِ على حكمٍ معينٍ.
وتقدم حديثُ عائشة
(2)
: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يذكرُ اللَّهَ على كلِّ أحيانهِ"، وقدَّمْنَا أنهُ مخصَّصٌ بحديثِ عليٍّ عليه السلام هذا، ولكنَّ الحقَّ أنهُ لا ينهضُ على التحريمِ، بل يحتملُ أنهُ تركَ ذلكَ حالَ الجنابةِ للكراهةِ أو نحوها، إلا أنهُ أخرجَ أبو يعلى
(3)
من حديث عليٍّ عليه السلام قال: "رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم توضأَ ثمَّ قرأَ شيئًا منَ القرآنِ ثمَّ قالَ: "هكذا لمنْ ليسَ بجنبٍ، فأما الجنبُ فلا ولا آيةً"، قال الهيثميُّ
(4)
: "رجالُهُ موثقونَ"، وهوَ يدلُّ على التحريمِ، لأنهُ نَهْيٌ، وأصلُهُ ذلكَ، ويعاضدُ ما سلفَ.
وأما حديثُ ابن عباسٍ
(5)
مرفوعًا: "لو أن أحدَكم إذا أتى أهلَهُ فقالَ: بسمِ الله" الحديثَ؛ فلَا دلالةَ فيهِ على جوازِ القراءةِ للجنبِ، لأنهُ يأتي بهذا اللفظِ غيرَ قاصدٍ للتلاوةِ، لأنهُ قبلَ غشيانهِ أهلَهُ وصيروريهِ جُنُبًا. وحديثُ ابن أبي شيبةَ
(6)
أنه صلى الله عليه وسلم كانَ إذا غشيَ أهلَه فأنزلَ قالَ: "اللهمَّ لا تجعلْ للشيطانِ فيما رزقتني نصيبًا"، ليسَ فيه تسميةٌ فلا يُرَدُّ بهِ إشكالٌ.
من أتى ثم أراد أن يعود فليتوضأ
9/ 107 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا
(1)
في (أ): "ترك".
(2)
وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه رقم (12/ 72).
(3)
في "المسند"(1/ 400 رقم 264/ 524).
(4)
في "المجمع"(1/ 276).
(5)
أخرجه البخاري (11/ 191 رقم 6388)، ومسلم (2/ 1058 رقم 116/ 1434)، والترمذي (3/ 401 رقم 1092)، وأبو داود (2/ 617 رقم 2161)، وابن ماجه (1/ 618 رقم 1919)، وأحمد (1/ 217، 220، 243، 283، 286)، والبغوي في "شرح السنة"(5/ 119 رقم 1330)، والنسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"(5/ 212 رقم 6374)، والدارمي (2/ 145)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(رقم 608)، والبيهقي (7/ 149)، والطيالسي (رقم 2705)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(رقم 266)، والحميدي في "المسند"(1/ 239 رقم 516).
(6)
أي: ما رواه ابن أبي شيبة من طريق علقمة عن ابن مسعود، وكان إذا غشي أهله فأنزل قال
…
الحديث كما في "فتح الباري"(1/ 242).
أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأ بَينَهُمَا وُضُوءًا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
. [صحيح]
- زَادَ الْحَاكِمُ
(2)
: "فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ".
(وَعَنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدُكُمْ أهلَهُ ثمَّ أرادَ أنْ يعودَ) إلى إتيانِها، (فليتوضأ بينَهُمَا وضوءًا)، كأنهُ أكَّدهُ، لأنهُ قدْ يطلقُ على غَسْلِ بعضِ الأعضاءِ، فأبانَ بالتأكيدِ أنهُ أرادَ بهِ الشرعيَّ. وقدْ وردَ في روايةِ ابن خزيمةَ
(3)
، والبيهقيِّ
(4)
: "وضوءَهُ للصلاةِ"، (رواهُ مسلمٌ. زادَ الحاكمُ) عنْ أبي سعيدٍ:(فإنهُ أنشط للعوْدِ)، فيهِ دلالةٌ على شرعيةِ الوضوءِ لمنْ أرادَ معاودةَ أهلِه.
وقد ثبتَ أنهُ صلى الله عليه وسلم غشيَ نساءَهُ ولم يحدثْ وضوءًا بينَ الفعلينِ
(5)
. وثبتَ أنهُ اغتسلَ بعدَ غشيانِهِ عندَ كلِّ واحدةٍ
(6)
، فالكلُّ جائزٌ، [وإن كان الوضوء مندوبًا،
(1)
في "صحيحه"(1/ 249 رقم 27/ 308).
(2)
في "المستدرك"(1/ 152) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما أخرجاه إلى قوله: فليتوضأ، فقط، ولم يذكرا فيه:"فإنه أنشط للعود".
وهذه لفظة تفرَّد بها شعبة عن عاصم، والتفرد من مثله مقبول عندهما. ووافقه الذهبي.
(3)
في "صحيحه"(1/ 109 رقم 220).
(4)
في "السنن الكبرى"(7/ 192).
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 149 رقم 220)، والترمذي (1/ 261 رقم 141)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (1/ 142 رقم 262)، وابن ماجه (1/ 193 م 587)، والبيهقي (1/ 203 - 204، 204)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(3/ 239).
(5)
يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (1/ 377 رقم 268) و (1/ 391 رقم 284) و (9/ 112 رقم 5068) و (9/ 316 رقم 5215)، ومسلم (1/ 249 رقم 28/ 309)، وأبو داود (1/ 148 رقم 218)، والترمذي (1/ 259 رقم 140)، وقال: حسن صحيح، والنسائي (1/ 143 - 144).
عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدةِ من الليل والنهار وهُنَّ إحدى عشرةَ قال - أي: قتادة - قلتُ لأنس: أو كانَ يُطيقهُ؟ قال: كنا نتحدَّثُ أنه أُعطيَ قوَّةَ ثلاثينَ. وقال سعيدٌ عن قتادَةَ إنَّ أنسًا حدَّثَهم: تِسعُ نِسوَةٍ".
(6)
يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود في "السنن"(1/ 149 رقم 219)، وابن ماجه (1/ 194 رقم 590)، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم =
وإنما صرف الأمر عن الوجوب التعليل، وفعله صلى الله عليه وسلم]
(1)
.
عدم وجوب الوضوء على من أراد النوم جنبًا
10/ 108 - وَللأَرْبَعَةِ
(2)
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ، مِنْ غيرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً. وَهُوَ مَعْلُولٌ. [صحيح بشواهده]
(ولَلأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالتْ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينامُ وهوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً. وَهُوَ مَعْلولٌ)، بَيَّنَ المصنفُ العلةَ أنهُ منْ روايةِ أبي إسحاقَ عن الأسودِ، عَنْ عائشةَ. قَالَ أحمَدُ
(3)
: إنهُ ليسَ بصحيحٍ.
وقالَ أبو داودَ
(4)
: وَهْمٌ. ووجههُ أن أبا إسحاقَ لم يسمعْه منَ الأسودِ، وقدْ صحَّحهُ البيهقيُّ
(5)
وقالَ: إنَّ أبا إسحاقَ سمعهُ منَ الأسودِ، فبطلَ القولُ بأنهُ أجمعَ المحدِّثونَ بأنه خطأٌ منْ أبي إسحاقَ. قالَ الترمذيُّ
(6)
: وعلى تقديرِ صحتهِ فيحتملُ أن المرادَ لا يمسُّ ماء للغسلِ. قلتُ: فيوافقُ أحاديثَ "الصحيحينِ"؛ فإنَّها مصرَّحةٌ بأنهُ يتوضأُ ويغسلُ فرجَهُ لأجلِ النومِ والأكلِ والشربِ والجماعِ.
وقد اختلفَ العلماءُ هلْ هوَ واجبٌ أو غيرُ واجب؟ فالجمهورُ قالُوا بالثاني لحديثِ البابِ هذا؛ فإنهُ صريحٌ أنهُ لا يمسُّ ماءً، وحديثُ طوافهِ على نسائِهِ بغُسلٍ واحدٍ كذا قيلَ، ولا يخفى أنهُ ليسَ فيهِ على المدَّعي هنا دليل.
= طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلًا واحدًا؟ قال:"هذا أزكَى وأطيبُ وَأَطْهَرُ".
قال أبو داود: وحديث أنس - أي: السابق - أصح من هذا.
قلت: حديث أبي رافع حديث حسن، واللَّه أعلم.
(1)
زيادة من (أ).
(2)
وهم: أبو داود (1/ 154 رقم 228)، والترمذي (1/ 202 رقم 118)، وابن ماجه (1/ 192 رقم 581، 582، 583)، والنسائي في كتاب "عشرة النساء"(رقم 166). وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في "آداب الزفاف"(ص 116).
(3)
ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 140 رقم 187).
(4)
في "السنن"(1/ 155).
(5)
في "السنن الكبرى"(1/ 202).
(6)
ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 141).
وذهبَ داودُ وجماعةٌ إلى وجوبهِ لورودِ الأمرِ بالغسلِ عندَ مسلمٍ
(1)
: "ليَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيَنَمْ". وفي البخاريِّ
(2)
: "اغسلْ فرجَكَ ثمَّ توضأْ"، وأصلُهُ الإيجابُ. وتأولهُ الجمهورُ أنهُ للاستحبابِ جمعًا بينَ الأدلةِ، ولما رواهُ ابنُ خزيمةَ
(3)
وابنُ حبانَ
(4)
في صحيحيهمَا منْ حديثِ ابن عمرَ: أنهُ سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أينامُ أحدُنا وهوَ جُنُبُ؟ قالَ: "نعمْ ويتوضأُ إنْ شاء"، وأصلهُ في "الصحيحينِ"
(5)
دونَ قولهِ: "إنْ شاءَ"، إلَّا أن تصحيحَ مَنْ ذكرَها وإخراجُها في "الصحيح" منْ كتابهِ كافٍ في العملِ. ويؤيدُ حديثَ:"ولا يمسّ ماءً"، ولا يحتاجُ إلى تأَويلِ الترمذيِّ، ويعضدُ الأصلَ وهوَ عدمُ وجوبِ الوضوءِ على مَنْ أرادَ النومَ جنبًا كما قالهُ الجمهورُ.
صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم
-
11/ 109 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ، فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ في أُصُولِ الشَّعْرِ، ثُمَّ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(6)
، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ
(7)
. [صحيح]
12/ 110 - وَلَهُمَا
(8)
، مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ: ثُمَّ أَفْرَغَ عَلى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهَا الأَرْضَ. [صحيح]
(1)
في "صحيحه"(1/ 249 رقم 24/ 306).
(2)
في "صحيحه"(1/ 393 رقم 290).
(3)
في "صحيحه"(6/ 101 رقم 211).
(4)
في "صحيحه"(2/ 260 رقم 1213).
(5)
البخاري (1/ 392 رقم 287) و (1/ 393 رقم 289، 290)، ومسلم (1/ 248 رقم 306).
(6)
البخاري (1/ 360 رقم 248) و (1/ 382 رقم 272)، ومسلم (1/ 253 - 254 رقم 316).
قلت: وأخرجه مالك (1/ 44 رقم 67)، وأحمد (6/ 52)، وأبو داود (1/ 167 رقم 242)، والترمذي (1/ 174 رقم 104)، والنسائي (1/ 205)، وابن ماجه (1/ 190 رقم 574)، والدارمي (1/ 191).
(7)
في "صحيحه"(1/ 253 رقم 35/ 316).
(8)
البخاري (1/ 368 رقم 257)، ومسلم (1/ 254 - 255 رقم 317).
قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(6/ 330)، والدارمي (1/ 191)، وأبو داود (1/ 169 رقم 245)، والنسائي (1/ 204)، وابن ماجه (1/ 190 رقم 573)، والبيهقي (1/ 173) و (1/ 174).
- وَفي رِوَايَةٍ: فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، وَفي آخِرِهِ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمَنْدِيلِ، فَرَدّهُ، وَفِيهِ: وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ.
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابةِ)، أيْ: أرادَ ذلكَ (يَبْدَأ فَيَغْسِل يَدَيْهِ)، في حديثِ ميمونةَ:"مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا"، (ثم يُفْرِغُ) أيْ: الماءَ (بيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِل فَرْجَهُ ثمَّ يَتَوَضَّأ)، في حديث ميمونةَ "وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ"، (ثمَّ يأخُذ الماءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ في أصُولِ الشَّعْرِ) أيْ: شعرِ رأسهِ، وفي روايةِ البيهقيِّ
(1)
: "يخلِّلُ بها شقَّ رأسهِ الأيمنَ، فيتتبَّعُ بها أصولَ الشعرِ، ثمَّ يفعلُ بشقِّ رأسهِ الأيسرِ كذلكَ"، (ثمَّ حَفَنَ عَلَى رأسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ) الحَفْنَةُ - بالمهملةِ فنونٍ - ملءُ الكفِّ كما في "النهايةِ"
(2)
، وبكسرِ الحاءِ وفتحِها كما في "القاموس"
(3)
، وفي حديثِ ميمونةَ:"ثم أفْرَغَ على رأسهِ ثلاثَ حَفَنَاتٍ ملءَ كفيهِ"، إلَّا أن أكثرَ رواياتِ مسلمٍ: ملءَ كفِّهِ، بالإفرادِ، (ثمَّ أفاضَ) أيْ: الماءَ (على سائرِ جَسَدِهِ) أي: بقيتِهِ، ولفظُ حديثِ ميمونةَ:"ثمَّ غسلَ" بدلَ أفاضَ، (ثمَّ غسَلَ رجليهِ. متفق عليهِ واللفظُ لمسلمٍ).
(ولهمَا) أي: الشيخينِ (مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ) في صفةِ الغسلِ من ابتدائهِ إلى انتهائهِ، إلَّا أن المصنفَ اقتصرَ على ما لمْ يذكرْ في حديثِ عائشةَ فقطْ، (ثم أفْرَغَ على فَرْجِهِ، وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ ثمَّ ضَرَبَ بِهَا الأَرْضَ. وفي رِوَايَةٍ: فَمَسَحَها بالتُّرَابِ، وفَي آخِرِهِ: ثم أَتَيْتهُ بالمِنْدِيلِ) بكسرِ الميمِ، وهوَ معروفٌ (فَرَدَّهُ، وفيهِ: وَجَعَلَ يَنْفضُ الماءَ بِيدِهِ)، وقيلَ هذا اللفظُ في حديثِهِمَا:"ثم تنحَّى عنْ مقامهِ ذلكَ، فغسلَ رجليهِ، ثم أتيتهُ"، إلى آخرهِ.
وهذان الحديثانِ مشتملانِ على بيانِ كيفيةِ الغسلِ من ابتدائهِ إلى انتهائهِ؛ فابتداؤُه غسلُ اليدينِ قبلَ إدخالِهما في الإِناءِ إذا كانَ مستيقظًا منَ النومِ كما وردَ صريحًا، وكانَ الغسلُ منَ الإناءِ، وقدْ قيدَهُ في حديثِ ميمونةَ مرتينِ أو ثلاثًا، ثم غسلَ الفرجَ. وفي الشرحِ أن ظاهرَهُ مطلقُ الغسلِ فيكفي مرةً واحدةً، ودَلكُ
(1)
في "السنن الكبرى"(1/ 175) من حديث عائشة.
(2)
لابن الأثير (1/ 409).
(3)
"المحيط"(ص 1537).
الأرضِ لأجلِ إزالةِ الرائحةِ منَ اليدِ، ولم يذكرْ أنهُ أعادَ غَسْلَ الفرجِ بعدَ ذلكَ، معَ أنها إذا كانتِ الرائحةُ في اليدِ فهي باقيةٌ في الفرجِ، هذا ما يُفْهَمُ منَ الحديثِ.
ويدلُّ على أن الماءَ الذي يطهرُ بهِ محلُّ النجاسةِ طاهرٌ مطهرٌ، وعلى تشريكِ النيةِ للغسلِ الذي يزيلُ النجاسةَ برفعِها الحدثَ. واستدلَّ على أن بقاءَ الرائحةِ بعدَ غَسْلِ المحلِّ لا يضرُّ. ويدلُّ على أن غسلَ الجنابةِ مرةً واحدةً. هذَا كلامهُ، ويحتملُ أنَّها لم تبقَ رائحةٌ، بلْ ضربُ الأرضِ لإزالةِ لُزُوجَةِ اليدِ إنْ سُلِّمَ أنها تفارقُ الرائحةَ، وأما وضوءهُ قبلَ الغسلِ فإنهُ يحتملُ أنهُ وضوؤه للصلاةِ، وأنهُ يصحُّ قبلَ رفعِ الحدثِ الأكبرِ. وأنْ يكونَ غَسْلُ هذهِ الأعضاءِ كافيًا عنْ غسلِ الجنابةِ. وأنهُ تتداخلُ الطهارتانِ وهوَ رأي زيدِ بن عليّ والشافعيِّ وجماعةٍ.
ونقلَ ابنُ بطالٍ الإجماعَ على ذلكَ، ويحتملُ أنهُ غسلَ أعضاءَ الوضوءِ للجنابةِ وقدَّمَها تشريفًا لها، ثمَّ وضَّأها للصلاةِ، لكنَّ هذَا لمْ يُنْقَلْ أصلًا، ويحتملُ أنهُ وضَّاهَا للصلاةِ ثمَّ أفاضَ عليها الماءَ معَ بقيةِ الجسدِ للجنابةِ، ولكنَّ عبارة أفاضَ الماءَ على سائرِ جسدِهِ لا تناسبُ هذا؛ إذْ هيَ ظاهرةٌ أنهُ أفاضهُ على ما بقي منْ جسدهِ مما لمْ يمسَّهُ الماءُ، فإنَّ السائر الباقي لا الجميعُ.
قال في "القاموس"
(1)
: والسائرُ الباقي لا الجميعُ، كما توهَّمَ جماعاتٌ. فالحديثانِ ظاهرانِ في كفايةِ غسلِ أعضاءِ الوضوءِ مرةً واحدةً عن الجنابةِ والوضوءِ، وأنهُ لا يشترطُ في صحةِ الوضوءِ رفعُ الحدثِ الأكبرِ، ومَن قَالَ لا يتداخلانِ، وأنَّهُ يتوضأُ بعدَ كمالِ الغُسلِ لم ينهضْ لهُ على ذلكَ دليلٌ.
وقدْ ثبتَ في "سنن أبي داودَ"
(2)
: "أنهُ صلى الله عليه وسلم يغتسلُ ويُصلِّي الركعتينِ، وصلاةَ الغداةِ، ولا يمسُّ ماءً"؛ فبطلَ القولُ بأنهُ ليسَ في حديثِ ميمونةَ وعائشةَ أنهُ
(1)
"المحيط"(ص 517).
(2)
(1/ 173 رقم 250) من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ويُصلي الرَّكعتينِ وصلاةَ الغداةِ، ولا أراه يُحدث وضوءًا بعد الغُسل".
قلت: وأخرجه الترمذي (1/ 179 رقم 107)، والنسائي (1/ 137 رقم 252)، وابن ماجه (1/ 191 رقم 579)، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل"، وزاد ابن ماجه:"من الجنابة".
قال الترمذي: حديث حسنٌ صحيحٌ. وهو كما قال.
صلَّى بعدَ ذلكَ الغسلِ، ولا يتمُّ الاستدلالُ بالتداخلِ إلَّا إذا ثبتَ أنهُ صلَّى بعدَهُ.
قلْنا: قد ثبتَ في حديثِ السننِ صلاتُهُ بهِ. نعمْ لم يذكرِ المصنفُ في وضوءِ الغسلِ أنهُ مسحَ رأسَه، إلَّا أنْ يقالَ قدْ شملهُ قولُ ميمونةَ:"وضوءَه للصلاةِ".
وقولُها: "ثم أفاضَ الماءَ". الإفاضةُ: الإسالةُ. وقدِ استُدِلَّ بهِ على عدمِ وجوب الدَّلكِ، وعلى أن مسمَّى غسلٍ لا يدخلُ فيهِ الدلكُ لأنَّها عبَّرتْ ميمونةُ بالغسلِ، وعبَّرتْ عائشةُ بالإفاضةِ، والمعنى واحدٌ، والإفاضةُ لا دلكَ فيها فكذلكَ الغسلُ.
وقالَ الماورديُّ: لا يتمُّ الاستدلالُ بذلكَ، لأنَّ أفاضَ بمعنى غسلَ والخلافُ في الغسلِ قائمٌ. هذا وأما هلْ يُكَرِّرُ غَسْلَ الأعضاءِ ثلاثًا عندَ وضوءِ الغُسْلِ؟ فَلَمْ يذكرْ ذلكَ في حديثِ عائشةَ وميمونةَ، قالَ القاضي عياضُ: إنهُ لم يأتِ في شيءٍ منَ الرواياتِ ذلكَ.
قالَ المصنفُ: بلْ قد وردَ ذلكَ في روايةٍ صحيحةٍ عنْ عائشةَ. وفي قولِ ميمونة: "إنهُ صلى الله عليه وسلم أخَّرَ غسلَ الرجلينِ"، ولم يردْ في روايةِ عائشةَ، قيلَ: يحتملُ أنهُ أعادَ غسلَ رجليهِ بعدَ أنْ غسلَهما أوَّلًا للوضوءِ لظاهرِ قولِها: "توضأ وضوءه للصلاةِ"؛ فإنهُ ظاهرٌ في دخولِ الرجلينِ في ذلكَ.
وقد اختلفَ العلماءُ في ذلكَ، فمنهمْ مَنِ اختارَ غسلَهما أولًا، ومنهمْ منِ اختارَ تأخيرَ ذلكَ. وقد أُخِذَ منهُ جوازُ تفريقِ أعضاءِ الوضوءِ. وقولُ ميمونةَ:"ثمَّ أَتيتُهُ بالمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ"، فيهِ دليلٌ على عدمِ شرعيةِ التنشيفِ للأعضاءِ. وفيهِ أقوالٌ: الأشهرُ أنهُ يستحبُّ تركهُ، وقيلَ مباحٌ، وقيلَ غيرُ ذلكَ. وفيهِ دلالةٌ على أن نفضَ اليدِ منْ ماءِ الوضوءِ لا بأسَ بهِ، وقدْ عارضهُ حديثُ:"لا تنفضُوا أيديكم؛ فإنَّها مراوحُ الشيطانِ"
(1)
، إلَّا أنهُ حديث ضعيفٌ
(2)
لا يقاوِمُ حديثَ البابِ.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 36 رقم 73)، وابن حبان في "المجروحين"(1/ 203)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 490).
قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه؟ فقال: هذا حديث منكر. والبَخْتري: ضعيف الحديث، وأبوه مجهول". وكذا قال ابن عدي: أن الحديث منكر.
وخلاصة القول: أن الحديث موضوع. انظر: "الضعيفة" للمحدث الألباني (رقم 903).
(2)
قلت: بل هو موضوع كما تقدم.
هل تنقض المرأة شعرها في الغسل
13/ 111 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ شَعْرَ رَأْسِي، أَفَأَنْقُضُهُ لِغَسْلِ الْجَنَابَةِ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: وَالْحَيْضَةِ؟ قَالَ: "لا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأسِكِ ثَلاثَ حَثَياتٍ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
. [صحيح]
(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قالتْ: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إني امرأةٌ أشدُّ شعرَ رأْسي أفأنقضُهُ لغسلِ الجنابةِ؟ وفي روايةِ: والحيضةِ؟ فقال: لا، إِنَّما يكفيكِ أنْ تحثي على رأسِكِ ثلاثَ حثياتٍ. رواهُ مسلمٌ)، لكنَّ لفظهُ:"أشُدُّ ضَفْرَ رأسيْ" بدلَ: "شعرَ رأسيْ"، وكأنهُ رواهُ المصنفُ بالمعنَى، وضَفْرَ بفتحِ الضادِ وإسكانِ الفاءِ هوَ المشهورُ.
والحديثُ دليلٌ على أنهُ لا يجبُ نقضَ الشعرِ على المرأةِ في غُسلِها منْ جنابةٍ أو حيضٍ، وأنهُ لا يشترطُ وصولُ الماءِ إلى أصولِهِ وهي مسألةُ خلافٍ.
فعندَ الهادويةِ لا يجبُ النقضُ في غسلِ الجنابةِ، ويجبُ في الحيضِ والنفاسِ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم لعائشةَ:"انقضي شعرَك واغتسلي"
(2)
، وأجيبَ بأنهُ معارَضٌ
(1)
في "صحيحه"(1/ 259 رقم 58/ 330).
قلت: وأخرجه أحمد (6/ 315)، وأبو داود (1/ 173 رقم 251)، والترمذي (1/ 175 رقم 105) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (1/ 198 رقم 603)، والنسائي (1/ 131).
(2)
أخرجه ابن ماجه (1/ 210 رقم 641) بإسناد صحيح.
وقال الألباني في "الإرواء"(1/ 167): " .. لكني أشك في صحةِ هذه اللفظة: "واغتسلي" فإن الحديث في "الصحيحين" البخاري (1/ 417 رقم 317)، ومسلم (2/ 872 رقم 115/ 1211) وغيرهما من طرق عن هشام به أتم منه بدونها". قالت: خرجنا موافين لهلال ذي الحجة، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"من أحب أن يهلَّ بعمرةٍ فليُهل، فإني لولا أني أهدَيت لأهللت بعمرة"، فأهل بعضهم بعمرة وأهلَّ بعضهم بحج، وكنت أنا ممن أهلَّ بعمرة، فأدركني يوم عرفة وأنا حائض، فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "دعي عمرتك، وانقضي رأسك وامتشطي، وأهلِّي بحج
…
".
وكذلك أخرجاه البخاري (1/ 417 رقم 316)، ومسلم (2/ 870 رقم 112/ 1211) من طرق أخرى عن عروة به، دون قوله:"واغتسلي"، بل إن مسلمًا أخرجه (2/ 872 رقم 117/ 1211) من طريق أخرى عن وكيع عن هشام به إلا أنه لم يسق لفظه بل أحال على لفظ غيره عن هشام وليس فيه هذه الزيادة، والله أعلم.
بهذا الحديثِ، ويُجْمَعُ بينهُما بأنَّ الأمرَ بالنقضِ للندبِ، أو يجابُ بأنَّ شعرَ أمِّ سلمةَ كانَ خفيفًا فعلمَ صلى الله عليه وسلم أنهُ يصلُ الماءُ إلى أصولهِ. وقيلَ: يجبُ النقضُ إنْ لمْ يصلِ الماءُ إلى أصولِ الشعرِ، وإنْ وصلَ لخفَّةِ الشعرِ لم يجبْ نقضهُ، أو بأنهُ إنْ كانَ مشدودًا نُقِضَ، وإلَّا لمْ يجبِ نقضُهُ، لأنهُ يبلغُ الماءُ أصولَه.
وأما حديثُ: "بُلُّوا الشعرَ وأنقوا البَشَرَ"
(1)
، فلا يقْوى على معارضةِ حديثِ أمِ سلمةَ. وأما فعلهُ صلى الله عليه وسلم وإدخالُ أصابعهِ كما سلفَ في غسلِ الجنابةِ، ففِعلٌ لا يدلُّ على الوجوبِ، ثم هوَ في حقِّ الرجالِ، وحديثُ أمِّ سلمةَ في غُسْلِ النساءِ، هكذا حاصلُ ما في الشرحِ، إلا أنهُ لا يخفى أن حديثَ عائشةَ كانَ في الحجِّ، فإنَّها أحرمتْ بعمرةٍ ثم حاضتْ قبلَ دخولِ مكةَ، فأمرهَا صلى الله عليه وسلم أنْ تنقضَ رأسَها وتمتشطَ وتغتسلُ، وتهلَّ بالحجِّ، وهي حينئذٍ لم تطهرْ من حيضها فليسَ إلا غسلُ تنظيفٍ لا حيضٍ، فلا يعارضُ حديثَ أمِّ سلمةَ أصلًا، فلا حاجةَ إلى هذهِ التآويلِ التي في غايةِ الرِّكَّةِ، فإنَّ خفةَ شعرِ هذهِ دونَ هذهِ يفتقرُ إلى دليلٍ. والقولُ بأنَّ هذا مشدودٌ، وهذا [خلافُه]
(2)
- والعبارةُ عنهما من الراوي بلفظِ النقضِ - دعوى بغيرِ دليلٍ.
نعمْ في المسألةِ حديثٌ واضحٌ، فإنهُ أخرجَ الدارقطنيُّ في الأفرادِ
(3)
، والطبرانيُّ
(4)
، والخطيبُ في "التلخيص"
(5)
، والضياءُ المقدسيُّ
(6)
منْ حديثِ أنسٍ
(1)
وهو حديث ضعيف.
انظر تخريجه رقم (16/ 114).
(2)
في (ب): "بخلافه".
(3)
عزاه إليه الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 80).
(4)
في "المعجم الكبير"(1/ 260 رقم 755).
(5)
عزاه إليه الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 80).
(6)
في "المختارة"(ق 2/ 23)، "مسند أنس" كما في "الضعيفة"(2/ 342).
قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 182)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 273) وقال:"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه: سلمة بن صبيح اليحمدي ولم أجد من ذكره.
قلت: والخلاصة أن الحديث ضعيف لتفرُّد ابن صبيح به، وهو في عداد المجهولين.
وانظر: "الضعيفة" للمحدث الألباني (رقم 937).
مرفوعًا: "إذا اغْتَسَلتِ المرأةُ منْ حَيْضِها نَقَضَتْ شَعْرَهَا نَقضًا وَغَسَلَتْهُ بِخَطْمِيٍّ
(1)
، وَأُشْنَانٍ
(2)
، وإن اغْتَسَلَتْ مِنْ جَنَابَةِ صَبَّتْ الماءَ على رأسِهَا صبًّا وَعَصَرَتْهُ"؛ فهذَا الحديثُ معَ إخراجِ الضياءِ لهُ وهوَ يشترطُ الصحةَ فيما يخرجهُ، يثمرُ الظنُّ في العمل بهِ
(3)
، ويحملُ على الندبِ لذكرِ الخطميِّ والأشنانِ، إذْ لا قائلَ بوجوبِهِما فهوَ قرينةٌ على الندبِ
(4)
، وحديثُ أمِّ سلمةَ محمولٌ على الإيجابِ كما قال:"إنما يكفيك"، فإذا زادتْ نقضَ الشعر كانَ ندبًا.
ويدلُّ [على عدم]
(5)
وجوبِ النقضِ ما أخرجهُ مسلمٌ
(6)
وأحمدُ
(7)
: "أنهُ بلغَ عائشةَ أن ابنَ عمرَ كانَ يأمرُ النسَاءَ إذا اغْتَسَلْنَ أنْ يَنْقُضْنَ رؤوسَهُنَّ، فقالتْ:[يا عجبًا]
(8)
لابنِ عمرَ وهوَ يأمرُ النساءَ أنْ ينقُضْنَ شعرَهُنَّ، أفلا يأمُرُهُنَّ أن يَحْلِقْنَ رؤوسَهُنَّ؟ لقدْ كنتُ أَغْتَسِلُ أنا ورسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إناءٍ واحدٍ، فما أزيدُ أنْ أُفْرغَ على رأسي ثَلاثَ إِفْرَاغاتٍ"، وإنْ كان حديثُها في غسلِها منَ الجنابةِ. وظاهرُ ما نقلَ عن ابن عمرَ أنهُ كانَ يأمرُ النساءَ [بنقضِ الشعر مطلقًا]
(9)
في حيضٍ وجنابةٍ
(10)
.
(1)
الخَطْمِيُّ: والكَسْرُ أكثَرُ. شجرةٌ من الفصيلةِ الخُبَّازِيَّةِ، كثيرةُ النفع، يُدَقُّ وَرَقُها يابسًا، ويُجْعَلُ غَسْلًا للرأسِ، فينقِّيهِ. "القاموس الفقهي" سعدي أبو جيب (ص 118).
(2)
الأُشْنان: وهو بضم الهمزة وكسرها. حكاهما أبو عبيدة والجواليقي، قال: وهو فارسي مُعرَّب، وهو بالعربية "حُرْضَ". "تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص 32).
(3)
قال الألباني في "الضعيفة"(2/ 342 - 343) تعقيبًا على كلام الأمير الصنعاني: "وهذا مسلَّم بالنسبة لمن لم يقف على إسناده، وأما من وقف عليه، فقد يختلف الحكم بالنسبة له، ويرى خلاف ما ذهب الضياء إليه وعَّول عليه، كما هو الشأن في هذا الحديث. ورواية مسلم بن صبيح، وهو من الأدلة الكثيرة على أن الضياء رحمه الله متساهل في التصحيح كالحاكم، وإن كان هو أحسن حالًا منه كما شهد بذلك ابن تيمية رحمه الله" اهـ.
(4)
إذا عرفت ضعف الحديث فالاستدلال به على ما ذكر الصنعاني غير صحيح.
(5)
في (ب): "لعدم".
(6)
في "صحيحه"(1/ 260 رقم 59/ 331).
(7)
في "المسند"(2/ 135 رقم 467)"الفتح الرباني".
(8)
في (أ): "يا عجباه".
(9)
في (ب): "بالنقض".
(10)
قلت: الأقرب إلى الصواب: التفريق بين غسل الحيض فيجب فيه النقض، وبين غسل الجنابة فلا يجب، واللَّه أعلم.
نهي الجنب والحائض عن المكث في المسجد
14/ 112 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ"، رواهُ أَبُو داودَ
(1)
وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
(2)
. [ضعيف]
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ) أي: دخولَهُ والبقاءَ فيهِ (لِحائِضٍ وَلا جُنُبٍ. رواهُ أبو داودَ وصحَّحهُ ابنُ خزيمةَ)، ولا سماعَ لقولِ ابن الرفعةِ: إنَّ في رواتهِ متروكًا، لأنهُ قد ردَّ قولَه بعضُ الأئمةِ.
والحديثُ دليلٌ على أنهُ لا يجوزُ للحائضِ والجنبِ دخولَ المسجدِ، وهوَ قولُ الجمهورِ، وقالَ داودُ وغيرهُ، يجوزُ وكأنهُ بنى على البراءةِ الأصليةِ، وأنَّ هذا الحديثَ لا يرفعُها. وأما عبورُهما المسجدَ فقيلَ يجوزُ لقولهِ تعالى:{إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}
(3)
في الجُنبِ، وتقاسُ الحائضُ عليهِ، والمرادُ بهِ مواضعُ الصلاةِ.
وأجيبَ بأنَّ الآيةَ فيمنْ أجنبَ في المسجدِ، فإنهُ يخرجُ منهُ للغسلِ وهوَ خلافُ الظاهرِ، وفيه تأويلٌ آخرُ.
جواز اغتسال المرأة والرجل من إناء واحد
15/ 113 - وَعَنْها رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ
(1)
في "السنن"(1/ 157 رقم 232).
(2)
في "صحيحه"(2/ 284 رقم 1327).
قلت: وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 67 رقم 1715)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 442).
وضعَّف بعضهم هذا الحديث بأن راويه أفلت بن خليفة مجهول الحال كما في "التلخيص الحبير"(1/ 142).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 212 رقم 645)، من حديث أم سلمة وهو حديث ضعيف، أيضًا لجهالة أبي الخطاب وعدم توثيق محدوج.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف، واللَّه أعلم.
(3)
سورة النساء: الآية 43.
وَاحِدٍ، تَخْتِلَفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ
(2)
: وَتَلْتَقِي أَيْدِينَا. [صحيح]
(وَعَنْهَا) أي: عائشةَ (قالتْ: كُنْتُ اغْتَسِلُ أَنَا وَرَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءِ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فيهِ) أي: في الاغترافِ منهُ، (مِنَ الجنابةِ) بيانٌ [لأغتسل]
(3)
(متفقٌ عليهِ، زادَ ابنُ حبانَ: وتلتقي) أي تلتقي (أيدينَا) فيهِ.
وهوَ دليلٌ على جوازِ اغتسالِ الرجلِ والمرأةِ منْ ماءٍ واحدٍ في إناءٍ واحدٍ، والجوازُ هوَ الأصلُ. وقد سلفَ الكلامُ في هذا في بابٍ المياهِ.
16/ 114 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً، فَاغْسِلُوا الشعْرَ، وأَنْقُوا الْبَشَرَ". [ضعيف]
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
، وَالتِّرْمِذِيُّ
(5)
، وَضَعَّفَاهُ.
(وَعَنْ أَبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابةً فاغْسِلَّوا الشَّعْرَ)، لأنهُ إذا كانَ تحتَهَ جنابةٌ فبالأَوْلى أنها فيهِ ففرَّعَ غسلَ الشعرِ على الحكمِ بأنَّ تحتَ كلِّ شعرةٍ جنابةً (وَأَنْقُوا الْبَشَرَ. رواهُ أبو داودَ، والترمذيُّ، وضعَّفاهُ)، لأنهُ عندَهما من روايةِ الحارثِ بن وجيهٍ بفتحِ الواوِ، فجيمٍ فمثناةٍ تحتيةٍ. قالَ أبو داودَ
(6)
: وحديثهُ منكرُ، وهوَ ضعيفٌ. وقال الترمذيُّ
(7)
: غريبٌ لا نعرفهُ إلَّا منْ حديثِ الحارثِ، وهوَ شيخٌ ليسَ بذاكَ.
(1)
البخاري (1/ 373 رقم 261)، ومسلم (1/ 256 رقم 45/ 321).
(2)
في "صحيحه"(3/ 395 رقم 1111).
قلت: وأخرجه أبو عوانة (1/ 284)، وأحمد في "المسند"(6/ 192)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 186 - 187).
(3)
في (ب): "لنغتسل".
(4)
في "السنن"(1/ 171 رقم 248).
(5)
في "السنن"(1/ 178 رقم 106).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 196 رقم 597)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 612)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 387)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(1/ 431 - 432)، وفي "السنن الكبرى"(1/ 175)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 18)، كلهم من حديث الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن تحت كُلِّ شعرة جنابة فبلُّوا الشعر"، وفي لفظ:"فاغسلوا وأنقوا البشرة".
(6)
في "السنن"(1/ 173).
(7)
في "السنن"(1/ 178).
وقال الشافعيُّ
(1)
: هذا الحديثُ ليسَ بثابتٍ. وقالَ البيهقيُّ
(2)
: أنكرهُ أهلُ العلمِ بالحديثِ، البخاريُّ، وأبو داود، وغيرُهُما، ولكنْ في البابِ من حديثِ عليٍّ عليه السلام مرفوعًا:"مَنْ تركَ موضعَ شعرةٍ منْ جنابةٍ لمْ يغسلْها فُعِلَ بهِ كذا وكذا"، فمنْ ثمَّ عاديتُ رأسِي، فمن ثم عاديت رأسي ثلاثًا. وكانَ يجزُّهُ. وإسنادهُ صحيحٌ كما قالَ المصنفُ، ولكنْ قالَ ابنُ كثيرٍ في الإرشادِ: إنَّ حديثَ عليٍّ هذا مِنْ روايةِ عطاءِ بن السائبِ وهو سيِّءُ الحفظِ. وقال النوويُّ
(3)
: إنهُ حديثٌ ضعيفٌ.
قلتُ: وسببُ اختلافِ الأئمةِ في تصحيحهِ وتضعيفهِ: أن عطاءَ بنَ السائبِ اختلط في آخرِ عمرِه، فمنْ رَوَى عنهُ قَبْلَ اختلاطهِ فروايتهُ عنه صحيحةٌ، وَمَنْ رَوى عنهُ بعدَ اختلاطهِ فروايتهُ عنهُ ضعيفةٌ. وحديثُ عليٍّ
(4)
هذا اختلفوا هلْ رواهُ
(1)
ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 142 رقم 195).
(2)
في "معرفة السنن والآثار"(1/ 432).
وقال في "السنن الكبرى"(1/ 175): "تفرَّد به موصولًا الحارث بن وجيه، والحارث بن وجيه تكلموا فيه".
وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 29): "قال أبي: هذا حديث منكر. والحارث ضعيف الحديث".
قلت: وللحديث شواهد، من حديث عائشة، وأبي أيوب، وعلى ولكنها ضعيفة لا تقوى على دعم حديث أبي هريرة.
• أما حديث عائشة فقد أخرجه أحمد في "المسند"(6/ 115 - 111) بلفظ: "أجْمَرْتُ رأسي إجْمَارًا شديدًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة أما علمتِ أن على كل شعرة جنابة"، وفي سنده مبهم وباقي رجاله ثقات.
• أجْمَرْتُ رأسي: أي: جمعته وضفرته، يقال: أجمر شعره إذا جعله ذؤابة، والذؤابة الجَميرة، لأنها جُمِّرَتْ، أي: جُمِعَتْ. ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث"(1/ 293).
• وأما حديث أبي أيوب فقد أخرجه ابن ماجه في "السنن"(1/ 196 رقم 598)، بلفظ:"الصلواتُ الخمْسُ، والجمعَةُ إلى الجُمُعَةِ وأدَاءُ الأمانَةِ كفَارَةٌ لما بينها"، قلت: وما أداء الأمانة؟ قال: "غسل الجنابةِ فإنَّ تحت كل شعرة جنابة"، وفي سنده انقطاع. فقد قال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص 100):"لم يسمع أبو سفيان من أبي أيوب شيئًا".
(3)
في "المجموع"(2/ 184).
(4)
أخرجه أحمد في "المسند"(1/ 94)، والدارمي (1/ 192)، وأبو داود (1/ 173 رقم =
قبلَ [اختلاطه]
(1)
أو بعده، فَلِذَا اختلفُوا في تصحيحهِ وتضعيفهِ. والحقُّ [الوقوف]
(2)
عنْ تصحيحهِ وتضعيفهِ حتَّى يتبيَّنَ الحالُ فيهِ، وقيلَ: الصوابُ وقفُهُ على عليٍّ عليه السلام.
والحديثُ دليلٌ على أنهُ يجبُ غسلُ جميعِ البدنِ في الجنابةِ، ولا يُعْفَى عن شيءٍ منهُ. قيلَ: وهوَ إجماعٌ إلا المضمضةُ والاستنشاقُ ففيهما خلافٌ، قيل: يجبانِ لهذَا الحديثِ، وقيلَ: لا يجبانِ لحديثِ عائشةَ - الذي تقدَّمَ وميمونةَ - وحديثُ إيجابهمَا هذا غيرُ صحيح ولا يقاومُ ذلكَ.
وأما أنهُ صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءهَ للصلاةِ، ففعلٌ لا ينهضُ على الإيجابِ، إلا أنْ يقالُ: إنهُ بيانٌ لمُجملٍ، فإنَّ الغسلَ مُجملٌ في القرآنِ يبيِّنهُ الفعلُ.
17/ 115 - وَلأَحْمَدَ
(3)
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها نحوُهُ، وَفِيهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ. [ضعيف]
(ولأحمدَ عنْ عائشةَ نحوُهُ. وفيه راوٍ مجهولٌ). لمْ يذكرِ المصنفُ الحديثَ في "التلخيصِ"، ولا عيَّنَ مَنْ فيهِ. وإذا كانَ فيهِ مجهولٌ فلا تقومُ بهِ حجةٌ. وأحاديثُ البابِ عدَّتُها سبعة عشرَ.
* * *
= 249)، وابن ماجه (1/ 196 رقم 599)، والبيهقي (1/ 175)، وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 200) عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها ماء فَعَلَ الله تعالى به كذا وكذا من النار"، قال علي رضي الله عنه: فمن ثم عاديتُ شعرَ رأسي، وكان يَجُزُّ شعرَهُ. قال ابن حجر في "التلخيص" (1/ 142):"الصواب وقفه على علي".
فالحديث ضعيف، ضعفه النووي والألباني. انظر:"الضعيفة"(رقم 930).
(1)
في (ب): "الاختلاط".
(2)
في (ب): "الوقف".
(3)
في "المسند"(6/ 110 - 111).
قلت: وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 272) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أن فيه رجلًا لم يسم.
وقد تقدم الكلام عليه أيضًا عند شرح الحديث رقم (16/ 114).
[الباب التاسع] بابُ التيمُّم
التيمُّمُ هوَ في اللغةِ: القصدُ. وفي الشرعِ: القصدُ إلى الصعيدِ لمسحِ الوجهِ واليدينِ بنيَّةِ استباحةِ الصلاةِ ونحوِها. واختلفَ العلماءُ هلِ التيمُّمُ رخصةٌ أو عزيمةٌ؟ وقيلَ: هوَ لعدمِ الماءِ عزيمةٌ، وللعذرِ رخصةٌ.
جواز التيمُّم بجميع أجزاء الأرض
1/ 116 - عَنْ جَابِرِ بن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُعْطِيتُ خَمسًا، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ"، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
(1)
. [صحيح]
(عَنْ جَابرٍ) هوَ إذا أطلقَ [جابرُ]
(2)
(بنُ عبدِ اللَّهِ، أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ) متحدثًا بنعمةِ اللَّهِ ومبيِّنًا لأحكامِ شريعتهِ، (أُعْطِيتُ) حُذِفَ الفاعلُ للعلمِ بهِ (خَمْسًا) أي: خصالًا، أوْ فضائلَ، أو خصائصَ، والآخرُ يناسبهُ. قولُهُ:(لم يعْطَهُنَّ أحدٌ قبلي)، ومعلومٌ أنهُ لا يُعطاهنَّ أحدٌ بعدَهُ، فتكونُ خصائصَ له (إذِ الخاصةُ ما توجدُ في الشيءِ ولا توجدُ في غيرِهِ.
(1)
كان ينبغي على المصنف رحمه الله أن يقول بعد قوله: "وذكر الحديث"، متفق عليه.
البخاري (1/ 435 رقم 335) و (1/ 533 رقم 438) و (6/ 220 رقم 3122)، ومسلم (1/ 370 - 371 رقم 521).
قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(3/ 304)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 212) و (2/ 329) و (6/ 291) و (9/ 4)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 316).
(2)
زيادة من (ب).
ومفهومُ العددِ غيرُ مرادٍ لأنهُ قد ثبتَ أنهُ أعطيَ أكثرَ منَ الخمسِ. وقدْ عدَّها السيوطي في "الخصائصِ" فبلغتِ الخصائصُ زيادةً على المائتينِ، وهذا إجمالٌ فصَّلهُ، (نُصِرْتُ بالرُّعْبِ)؛ وهوَ الخوفُ (مسِيرَةَ شَهْرٍ) أي: بيني وبينَ العدوِّ مسافةُ شهرٍ.
وأخرجَ الطبراني
(1)
: "نُصرتُ بالرُّعبِ على عدوِّي مسيرةَ شهرينِ". وأخرجَ أيضًا
(2)
تفسيرَ ذَلكَ عن السائبِ بن يزيد [بلفظ]
(3)
: شهرٌ خلفيٌّ، وشهرٌ أماميٌّ. قيلَ: وإنما جعلَ مسافةَ شهرٍ لأنهُ لمْ يكنْ بينهُ صلى الله عليه وسلم وبينَ أحدٍ من أعدائهِ أكثرُ منْ هذهِ المسافةِ، وهي حاصلةٌ لهُ وإنْ كانَ وحدَه، وفي كونِها حاصلةٌ لأمتهِ خِلافٌ.
(وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرضُ مَسْجِدًا) موضعُ سجودٍ، ولا يختصُّ بهِ موضعٌ دونَ غيرِه، وهذهِ لم تكنْ لغيرهِ صلى الله عليه وسلم كما صرَّحَ بهِ في روايةٍ
(4)
: وكانَ مَنْ قَبْلِي إنما كانوا يصلُّون في كنائِسِهم"، وفي أخرى
(5)
: "ولم يكنْ أحدٌ منَ الأنبياءِ يصلِّي حتى يبلغَ محرابَهُ"؛ وهوَ نصٌّ [على]
(6)
أنَّها لم تكنْ هذهِ الخاصيَّةُ لأحدٍ منَ الأنبياءِ قبلهَ (وَطَهُورًا) بفتحِ الطاءِ أي: مطهِّرةٌ تستباحُ بها الصلاةُ.
وفيهِ دليلٌ أن الترابَ يرفعُ الحدثَ كالماءِ لاشتراكهمَا في الطهوريةِ، وقد يمنعُ ذلكَ، ويقالُ الذي لهُ منَ الطهوريةِ استباحةُ الصلاةِ بهِ كالماءِ. ويدلُّ على جوازِ التيممِ بجميعِ أجزاءِ الأرضِ، وفي روايةٍ: "وجُعِلَتْ لي الأرضُ كُلُّها،
(1)
أخرج الطبراني كما في "مجمع الزوائد"(8/ 259) عن ابن عباس قال: "نُصر رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوِّه مسيرة شهرين".
وقال الهيثمي: وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر وهو ضعيف.
(2)
أي: الطبراني كما في "مجمع الزوائد"(8/ 259)، وقال الهيثمي: وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو متروك.
(3)
في (ب): "بأنه".
(4)
أخرجها أحمد في "المسند"(2/ 222) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأصله في "الصحيحين".
(5)
أخرجه البزار من حديث ابن عباس كما في "مجمع الزوائد"(8/ 258) وقال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم.
(6)
زيادة من (ب).
ولأُمتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، وهوَ منْ حديثِ أبي أمامةَ عندَ أحمدَ
(1)
وغيرِه.
وأما مَنْ منعَ مِنْ ذلكَ مستدِلًّا بقولهِ في بعضِ رواياتِ "الصحيحِ": "وجُعِلَتْ تُرْبَتُها طَهُورًا" أخرَجَهُ مسلمٌ
(2)
؛ فلا دليلَ فيهِ على اشتراطِ الترابِ لما عرفتَ في الأصولِ منْ أن ذكرَ بعضِ أفرادِ العامِّ لا يُخَصَّصُ بهِ، ثمَّ هوَ مفهومُ لقب لا يعملُ بهِ عندَ المحقِّقينَ، نعمْ في قولهِ تعالى في آيةِ التيمم في المائدةِ:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}
(3)
، لفظ "منه" دليلٌ على أن المرادَ الترابُ، وذلكَ أن كلمةَ مِنْ للتبعيضِ كما قال في "الكشاف"
(4)
، حيثُ قالَ:"إنهُ لا يفهمُ أحدٌ منَ العربِ قولَ القائلِ مسحتُ برأسي من الدهنِ، ومنَ الترابِ، إلَّا معنى التبعيضِ" اهـ.
والتبعيضُ لا يتحققُ إلَّا في المسحِ مِنَ الترابِ، لا منَ الحجارةِ ونحوِها.
(فأيُّما رجلٍ) هوَ للعمومِ في قوةِ كلِ رجلٍ (أدركتْهُ الصلاة فليصل) أي: على كلِّ حالٍ وإنْ لم يجدْ مسجدًا ولا ماءً، أي: بالتيممِ، كما بيَّنتْهُ روايةُ أبي أمامةَ
(5)
: "فأيُّما رجلٍ منْ أمتي أدركتْهُ الصلاةُ فلم يجدْ ماءً وجدَ الأرضَ مسجدًا وطهورًا"، وفي لفظٍ
(6)
: "فعندَه طَهُورُه ومسْجِدُهُ"، وفيهِ أنهُ لا يجبُ على فاقدِ الماءِ طلبه (وذكرَ الحديث) أي: ذكرَ جابرٌ بقيةَ الحديثِ، فالمذكورُ في الأصلِ اثنتانِ ولنذكرْ بقيةَ الخمس.
فالثالثةُ: قولُه: "وأحِلَّتْ لي الغنائمُ"، وفي روايةٍ:"المغانمُ". قالَ الخطابي: كانَ مَنْ تقدَّمَ [أيْ: منَ الأنبياءِ]
(7)
على ضربينِ: منهمْ مَنْ لم يُؤذَنْ له
(1)
في "المسند"(5/ 248) ورجاله كلهم ثقات إلا سيَّارًا الأموي وهو صدوق.
(2)
في "صحيحه"(1/ 371 رقم 4/ 522) من حديث حذيفة.
(3)
سورة المائدة: الآية 6.
(4)
للزمخشري (1/ 270).
(5)
أخرجه البيهقيُّ في "السنن الكبرى"(1/ 212)، وقال الذهبي في "المهذب" في "اختصار السنن الكبرى" (1/ 223 رقم 799):"رواه الترمذي من حديث أسباط عن التيمي وصحَّحه".
(6)
أخرجه أحمد (2/ 187 رقم 7)"الفتح الرباني" ورجاله كلهم ثقات إلا سيَّارًا الأموي وهو صدوق وقد تقدم.
(7)
زيادة من (أ).
في الجهادِ فلمْ تكنْ لهمْ مغانمُ، ومنهمْ من أُذِنَ لهمْ فيهِ، ولكنْ إذا غنِمُوا شيئًا لم يحلَّ لهمْ أنْ يأكلُوه، وجاءتْ نارٌ فأحرقَتْهُ.
وقيل: أُجيزَ ليَ التصرفُ فيها بالتنفيلِ والاصطفاءِ، والصرفِ في الغانمينَ، كما قالَ اللَّهُ تعالى:{قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}
(1)
.
والرابعةُ: قولُهُ: "وأعطيتُ الشفاعةَ"، قدْ عدَّ في الشرح الشفاعاتِ اثنتي عشْرةَ شفاعةً، واختارَ أنَّ الكلَّ منْ حيثُ هو مختصٌ بهِ وإنْ كانَ بعض أنواعِها يكونُ لغيرِه، ويحتملُ أنهُ صلى الله عليه وسلم أرادَ بها الشفاعةَ العظمَى
(2)
في إراحةِ الناسِ [منَ]
(3)
الموقفِ، لأنَّها الفردُ الكاملُ، [ولذلك]
(4)
يظهرُ شرفُها لكلِّ مَنْ في الموِقفِ.
والخامسةُ: قولُهُ: "وكانَ النبيُّ يُبعثُ في قومِهِ خاصة، وبُعثتُ إلى الناسِ كافة"؛ فعمومُ الرسالةِ خاصٌّ بهِ، وأما نوحٌ فإنهُ بعثَ إلى قومهِ خاصة. نعم صارَ بعدَ إغراقِ مَنْ كذَّبَ بهِ مبعوثًا إلى أهلِ الأرضِ، لأنهُ لم يبقَ إلَّا مَنْ كان مؤمنًا بهِ، ولكنْ ليسَ العمومُ في أصلِ البعثةِ، وقيلَ غيرُ ذلكَ. وبهذا عرفتَ أنهُ صلى الله عليه وسلم مختصٌ بكلِّ واحدةٍ منْ هذهِ الخمسِ، لا أنهُ مختصٌّ بالمجموعِ. وأما الأفرادُ فقدْ شاركهُ غيرُهُ فِيهَا كما قيلَ: فإنهُ قولٌ مردودٌ.
وفي الحديثِ فوائدٌ جليلةٌ مبيَّنةٌ في الكتبِ المطوَّلةِ، وكان ينبغي للمصنفِ أنْ يقولَ بعدَ قولِهِ:"وذكرَ الحديثَ"، متفقٌ عليهِ، ثمَّ يعطفُ عليهِ قولَهُ: وفي حديثِ حذيفةَ إلى آخرهِ، لأنهُ بقي حديثُ جابرٍ غيرَ منسوبٍ إلى مُخْرِجٍ وإنْ كانَ قد فهمَ أنهُ متفقٌ عليه لعطفِ [الحديث الثاني أعني قوله]
(5)
:
2/ 117 - وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عِنْدَ مُسْلِمٌ
(6)
: "وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ". [صحيح]
[(حديث حذيفةَ عندَ مسلمٍ: وَجُعِلَتْ تُرْبتُها لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الماءَ)]
(7)
،
(1)
سورة الأنفال: الآية 1.
(2)
انظر: كتاب "الشفاعة" للشيخ أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي فقد أجاد وأفاد.
(3)
في (أ): "عن".
(4)
في (أ): "الذي".
(5)
زيادة من (أ).
(6)
في "صحيحه"(1/ 371 رقم 4/ 522).
(7)
زيادة من (ب).
هذَا القيدُ قرآنيٌّ معتبرٌ
(1)
في الحديثِ الأول كما بيَّناهُ.
3/ 118 - وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ
(2)
: "وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا". [حسن]
(وَعَنْ عَليٍّ رضي الله عنه عندَ أحمدَ: وجُعِلَ الترابُ لي طهورًا)، هوَ وما قبلَهُ دليلُ مَنْ قالَ إنهُ لا يجزئُ إلا الترابُ، وقد أجيبَ بما سلفَ منْ أن التنصيصَ على بعضِ أفرادِ العامِ لا يكونُ مخصِّصًا معَ أنهُ منَ العملِ بمفهومِ اللَّقبِ، [ولا يقولُه]
(3)
جمهورُ أئمةِ الأصولِ، ولكن الدليل على تعيين التراب ما قدَّمناه في الآية.
تعليم النبي صلى الله عليه وسلم التيمم لعمَّار
4/ 119 - وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدَ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ:"إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا"، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِين، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
. [صحيح]
وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
- وَفِي رِوَايةٍ لِلْبُخَارِيِّ
(5)
: "وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ". [صحيح]
(1)
يشير إلى قوله تعالى في [سورة المائدة: 6]: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} .
(2)
في "المسند"(1/ 98)، وصحَّح الشيخ أحمد شاكر إسناده.
قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 213 - 214).
(3)
في (أ): "ولا يقول به".
(4)
البخاري (1/ 455 رقم 347)، ومسلم (1/ 280 رقم 110/ 368).
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 227 رقم 321)، والنسائي (1/ 170).
(5)
في "صحيحه"(1/ 443 رقم 338). =
ترجمة عمَّار بن ياسر
(وَعَنْ عَمَّارٍ)
(1)
بفتحِ العينِ المهملةِ، وتشديدِ الميمِ، آخِرَهُ راءٌ.
هوَ أبو اليقظانِ عمَّارُ (بن ياسرٍ) بمثناةٍ تحتيةٍ، وبعدَ الألفِ سينٌ مهملةٌ مكسورةٌ، فراءٌ. أسلمَ عمَّارٌ قديمًا، وعُذِّبَ في مكةَ [- من الكفار -]
(2)
على الإسلامِ، وهاجرَ إلى الحبشةِ، ثمَّ إلى المدينةِ، وسمَّاهُ صلى الله عليه وسلم الطيبَ والمطيِّبَ، وهوَ منَ المهاجرينَ الأولينَ، شهدَ بدرًا والمشاهدَ كلَّها، وقُتلَ بصفِّينَ معَ عليٍّ عليه السلام وهوَ ابنُ ثلاث [وسبعينَ]
(3)
سنةً، وهوَ الذي قالَ لهُ صلى الله عليه وسلم:"تَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ"
(4)
.
(قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ فأَجْنَبْت)؛ أي: صرتُ جُنُبًا، وقدَّمْنَا أنهُ يقالُ: أجنبَ الرجلُ صارَ جُنبًا، ولا يقالُ: اجتنبَ، وإنْ كثرَ في لسانِ الفقهاءِ (فلمْ أجدِ الماءَ فتمرَّغت) بفتحِ المثناةِ الفوقيةِ، والميمِ، وتشديد الراءِ، فغينٍ
= قلت: وأخرجه مسلم (1/ 280 رقم 112/ 368)، وأبو داود (1/ 228 رقم 322)، والترمذي (1/ 268 رقم 144)، والنسائي (1/ 165 رقم 312) و (1/ 168 رقم 316)، وابن ماجه (1/ 188 رقم 569).
(1)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(3/ 246 - 264)، و"التاريخ الكبير"(7/ 25 رقم 107)، و"حلية الأولياء"(1/ 139 - 143 رقم 22)، و"الإصابة"(7/ 64 - 65 رقم 5699)، و"الاستيعاب"(8/ 224 - 235 رقم 1863)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 37 - 38 رقم 30)، و"العقد الثمين"(6/ 279 - 281 رقم 3045)، و"تاريخ بغداد"(1/ 150 - 153 رقم 6).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
في (أ): "وتسعين"، وهو مما قيل في سنة قتله.
(4)
أخرجه مسلم (4/ 2236 رقم 72/ 2916)، وأحمد في "المسند"(6/ 289، 300، 315)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 189)، والبغوي في "شرح السنة"(14/ 154 رقم 3952).
من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
قلت: وقد رواه جماعة من الصحابة، (منهم): أبو سعيد الخدري، وقتادة بن النعمان، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعثمان بن عفان، وحذيفة، وأبو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة بن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص وغيرهم. وقد قمت بتخريجها في كتابنا:"إعلام الأنام بعقائد الإسلام"، باب "الفتن" أعاننا الله على إتمامه.
معجمةِ، وفي لفظ:"فتمعَّكتُ" ومعناهُ: تقلَّبتُ (في الصعيدِ كما تتمرَّغ الدابة، ثمَّ أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلكَ له فقالَ: إنَّما كانَ يكفيكَ أنْ تقولَ) أي: تفعل. والقولُ يطلقُ على الفعلِ، كقولِهِمْ: قالَ بيدِهِ هَكَذَا. (بِيَدَيْكَ هكذا) بَيَّنَهُ بقولِهِ: (ثمَّ ضربَ بيديْهِ الأرضَ ضربةً واحدةً، ثمَّ مسحَ الشمالَ على اليمينِ، وظاهرَ كفيهِ ووجهه. متفقٌ عليه) بينَ الشيخين (واللفظُ لمسلمٍ).
استعملَ عمارٌ القياسَ، فرأى أنهُ لما كانَ الترابُ نائبًا عن الغسلِ فلا بدَّ منْ عمومهِ للبدنِ، فأبانَ لهُ صلى الله عليه وسلم الكيفيةَ التي تجزئهُ، وأراهُ الصفةَ المشروعةَ، وأعلمهُ أنها التي فُرضتْ عليهِ، ودلَّ أنهُ يكفي ضربةٌ واحدةٌ، ويكفي في اليدينِ مسحُ الكفينِ، وأنَّ الآيةَ مجملةٌ بيَّنها صلى الله عليه وسلم بالاقتصارِ على الكفينِ.
وأفادَ أن الترتيبَ بينَ الوجهِ والكفينِ غيرُ واجبٍ، وإنْ كانتِ الواوُ لا تفيدُ الترتيبَ، إلَّا أنّهُ قدْ وردَ العطفُ في روايةٍ [للبخاري]
(1)
للوجِهِ على الكفينِ بثمَّ، وفي لفظٍ لأبي داودَ
(2)
: " [ثمَّ]
(3)
ضربَ بشمالهِ على يمينهِ، وبيمينهِ على شمالِهِ على الكفينِ، ثمَّ مسحَ وجهَهُ".
وفي لفظِ للإسماعيليِّ ما هوَ أوضحُ منْ هذَا: "إنما يكفيكَ أنْ تضربَ بيديكَ على الأرضِ، ثم تنفضهُما، ثم تمسحُ بيمينِك على شمالِكَ، وبشمالكَ على يمينكَ، ثمَّ تمسحُ على وجهكَ"، ودلَّ [على]
(4)
أن التيممَ فرضُ مَنْ أجنبَ ولمْ يجدِ الماءَ.
وقدِ اختُلفَ في كميةِ الضرباتِ وقدرِ التيممِ في اليدينِ: فذهبَ جماعةٌ منَ السلفِ ومَنْ بعدَهم إلى أنَّها تكفي الضربةُ الواحدةُ، وذهبَ إلى أنَّها لا تكفي الضربةُ الواحدةُ جماعةٌ منَ الصحابةِ ومَنْ بعدَهم، وقالُوا: لا بدَّ منْ ضربتينِ؛ للحديثِ الآتي قريبًا، والذاهبونَ إلى كفايةِ الضرْبةِ جمهورُ العلماءِ وأهلُ الحديثِ، عملًا بحديثِ عمَّارٍ، فإنهُ أصحُّ حديثِ في البابِ، وحديثُ الضربتينِ يأتي
(1)
في (ب): "في البخاري".
(2)
في "السنن"(1/ 227 - 228 رقم 321).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
زيادة من (أ).
[على]
(1)
أنهُ لا يقْوى على معارضتهِ، قالُوا: وكلُّ ما عدَا حديثِ عمارٍ فهوَ [إمَّا]
(2)
ضعيفٌ، أو موقوفٌ كما يأتي.
وأما قَدْرُ ذلكَ في اليدينِ فقالَ جماعةٌ منَ العلماءِ وأهلُ الحديثِ: إنهُ يكفي في اليدينِ الراحتانِ وظاهرُ الكفينِ لحديثِ عمارٍ هذَا. وقد رويتْ عنْ عمارٍ رواياتٌ بخلافِ هذَا، لكنِ الأصحَّ ما في "الصحيحينِ". وقد كانَ يُفْتي بهِ عمارٌ بعدَ موتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقالَ آخرونَ: إنها [تجبُ]
(3)
ضربتانِ، ومسحُ اليدينِ معَ المرفقينِ، لحديثِ ابن عمرَ الآتي، ويأتي أنَّ الأصحَّ فيهِ أنهُ موقوفٌ، فلا يقاومُ حديثَ عمارٍ المرفوعَ الواردَ للتعليمِ.
ومنْ ذلكَ اختلافُهم في الترتيبِ بينَ الوجهِ واليدينِ، وحديثُ عمارٍ - كما عرفتَ - قاضٍ بأنهُ لا يجبُ، وإليهِ ذهبَ مَنْ قالَ: تكفي ضربةٌ واحدةٌ، قالوا: والعطفُ في الآيةِ بالواوِ لا ينافي ذلكَ. وذهبَ مَنْ قالَ بالضربتينِ إلى أنهُ لا بدَّ منَ الترتيبِ بتقديمِ الوجهِ على اليدينِ، واليمنى على اليسرى.
وفي حديثِ عمارٍ دلالةٌ على أن المشروعَ هوَ ضربُ الترابِ. وقالَ بعدمِ إجزاءِ غيرهِ الهادويةُ وغيرُهم، لحديثِ عمارٍ هذَا، وحديثِ ابن عمرَ الآتي. وقالَ الشافعي: يجزئُ وضعُ يدهِ في الترابِ لأنَّ في إحدى رِوايتي تيمُّمهِ صلى الله عليه وسلم منَ الجدارِ أنهُ وضعَ يدهُ.
(وفي روايةٍ) أي: منْ حديثِ عمارٍ (للبخاريِّ: وضربَ بكفَّيهِ الأرضَ، ونفخَ فيهمَا، ثمَّ مسحَ بهمَا وجهَة وكفَّيهِ) أي: ظاهرَهما - كما سلفَ - وهوَ كاللفظِ الأولِ إلَّا أنهُ خالفهُ بالترتيبِ وزيادةِ النفخِ، فأما نفخُ الترابِ فهوَ مندوبٌ، وقيلَ: لا يندبُ، وسلفَ الكلامُ في الترتيبِ.
وهذا التيممُ واردٌ في كفايةِ الترابِ للجُنُبِ الفاقدِ للماءِ، وقدْ قاسُوا عليهِ الحائضَ والنفساءَ، وخالفَ فيهِ ابنُ عمرَ وابنُ مسعودٍ. وأما كونُ الترابِ يرفعُ الجنابةَ أوْ لَا؟ فسيأتي في شرحِ حديثِ أبي هريرةَ وهو [حديثُ مائةٍ وتسعةَ عشر]
(4)
.
(1)
زيادة من (أ).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
في (أ): "الحديث السادس".
التيمم ضربة للوجهِ والكفين
5/ 120 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهٍ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَينِ). [ضعيف]
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(1)
، وَصَحَّحَ الأَئِمَّةُ وَقْفَهُ
(2)
.
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التيممُ ضربتانِ: ضربةٌ للوجهِ، وضربةٌ لليدينِ إلى المرفقين. رواهُ الدارقطنيُّ)، وقالَ في سننهِ عقبَ روايتهِ:"وقفهُ يحيى القطانُ وهشيمٌ وغيرُهما، وهوَ الصوابٌ" اهـ.
ولذَا قالَ المصنفُ: (وصحَّح الأئمةُ وَقْفَهُ) على ابن عمرَ. قالُوا: وإنهُ مِنْ كلامهِ، وللاجتهادِ مسرحٌ في ذلكَ. وفي معناهُ عدةُ رواياتٍ كلّها غيرُ صحيحةٍ، بلْ إمَّا موقوفةٌ أوْ ضعيفةٌ، فالعُمدةُ حديثُ عمارٍ، وبهِ جزمَ البخاريُّ في صحيحه
(3)
[فقال]
(4)
: (بابُ التيممِ للوجهِ والكفينِ).
قالَ المصنفُ في "الفتح"
(5)
"أيْ: هوَ الواجبُ المجزئُ، وأتَى بصيغةِ الجزمِ في ذلكَ - معَ شهرةِ الخلافِ فيهِ - لقوةِ دليلهِ، فإنَّ الأحاديثَ الواردةَ في صفةِ التيممِ لم يصحَّ منها سِوَى حديثِ أبي جُهَيمٍ
(6)
، وعمارٍ
(7)
، ومَا عداهُما فضعيفٌ أو مختلفٌ في رفعهِ وَوَقْفهِ، والراجحُ عدمُ رفعهِ.
(1)
في "السنن"(1/ 180 رقم 16).
قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 179)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 207).
(2)
قال الدارقطني: "كذا رواه علي بن ظبيان مرفوعًا. ووقفه يحيى بن القطان وهشيم وغيرهما. وهو الصواب" اهـ.
وقال الحافظ في "التلخيص"(1/ 151 رقم 207): "وهو ضعيف - علي بن ظبيان - ضعفه ابنُ القطان وابن معين وغير واحد" اهـ. والخلاصة: أن الحديث ضعيف.
(3)
(1/ 444) الباب الخامس.
(4)
في (أ): "قال".
(5)
(1/ 444).
(6)
أخرجه البخاري (1/ 441 رقم 337)، ومسلم (1/ 281 رقم 114/ 369). عن الأعرج، قال: سمعتُ عُميرًا مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد اللَّهِ بن يسار حتى دخلنا على أبي الجُهَيْم بن الحارثِ بن الصِّمَّةِ الأنصاريِّ فقال: أقبلَ النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ نحوِ بئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فلم يَرُدَّ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى أقبلَ على الجدارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ ويديْهِ ثُمَّ رَدَّ عليه السلام".
(7)
تقدم تخريجه رقم (4/ 119).
فأما حديثُ أبي جهيمٍ فوردَ بذكرِ اليدينِ مجمَلًا، وأما حديثُ عمارٍ فوردَ بلفظِ الكفينِ في "الصحيحين"، وبلفظِ المرفقينِ في "السنن"، وفي روايةٍ: إلى نصفِ الذراعِ، وفي روايةٍ: إلى الآباطِ.
فأما روايةُ المرفقين، وكذا نصفُ الذراع ففيهمَا مقالٌ. وأما روايةُ الآباطِ فقالَ الشافعي وغيرهُ: إنْ كانَ ذلكَ وقعَ بأمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فكلُّ تيمُّمٍ صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعدَه فهوَ ناسخٌ لهُ، وإنْ كانَ وقعَ بغيرِ أمرهِ فالحجةُ فيما أمرَ بهِ. ويؤيدُ روايةَ "الصحيحين" في الاقتصارِ على الوجهِ والكفينِ أن عمارًا كانَ يفتي بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بذلكَ، وراوي الحديثِ أعرفُ بالمرادِ بهِ مِنْ غيرهِ، ولا سيَّما الصحابيُّ المجتهدُ" اهـ.
الصعيدُ وضوء المسلم ما لم يجد الماءَ
6/ 121 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيُمِسّهُ بَشَرَتَهُ". [حسن]
رَوَاهُ الْبَزَّارُ
(1)
وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ
(2)
، لكِنْ صَوَّبَ الدَّارقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ
(3)
.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الصعيدُ) هوَ عندَ الأكثرينَ الترابُ. وعنْ بعضِ أئمةِ اللغةِ أنهُ وجهُ الأرضِ ترابًا كانَ أو غيرَهُ، وإنْ كانَ صخرًا لا ترابَ عليهِ، وتقدَّمَ الكلامُ في ذلكَ، (وضوءُ المسلمِ، وإنْ لم يجدِ الماءَ عشرَ سنين)، فيهِ دليلٌ على تسميةِ التيممِ وضوءًا، (فإذا وجدَ) أي: المسلمُ (الماءَ فليتَّق اللَّهَ وَلَيمِسَّه بَشرَتَهُ. رواهُ البزاز وصحَّحه ابن القطانِ)، تقدَّمَ الكلامُ على ضبطِ ألفاظِهما، والتعريفِ بحالِهما، (لكنْ صوَّبَ الدارقطنيُّ إرسالهُ).
(1)
(1/ 157 رقم 310)"كشف الأستار".
وقال: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ومقدم المقدمي ثقة معروف النسب. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 261) وقال: ورجاله رجال الصحيح.
(2)
ذكر ذلك الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 150).
(3)
ذكر ذلك الشوكاني في "نيل الأوطار"(1/ 259).
قالَ الدارقطني في كتابِ "العللِ": إرسالُهُ أصحُّ.
وفي قولهِ: (إذا وجدَ الماءَ) دليلٌ على أنهُ إنْ وجدَ الماءَ وجبَ إمساسُهُ بشَرَتَهُ، [فتمسَّكَ]
(1)
بهِ مَنْ قالَ: إنَّ الترابَ لا يرفعُ الحدثَ، وأنَّ المرادَ أنهُ يمسهُ بشَرتهُ، لما سلفَ منْ جنابةٍ، فإنها باقيةٌ عليها، وإنما أباحَ لهُ الترابَ للصلاةِ لا غيرُ، وإذا فرغَ منْها عادَ عليهِ حكمُ الجنابةِ، ولذا قالُوا: لا بدَّ لكلِّ صلاةٍ من تيمُّمٍ. واستدلُوا بحديثِ عمروٍ بن العاصِ
(2)
وقولُهُ صلى الله عليه وسلم: "صلَّيتَ بأصحابكَ وأنتَ جُنُبٌ"، وقولُ الصحابةِ لهُ صلى الله عليه وسلم: إنَّ عَمْرًا صلَّى بهمْ وهوَ جنُبٌ، فأقرَّهمْ على تسميتِهِ جُنُبًا.
ومنهمْ منْ قالَ: إنَّ الترابَ حكمُهُ حكمُ الماءِ يرفعُ الجنابةَ ويصلِّي بهِ ما شاءَ، وإذا وجدَ الماءَ لم يجبْ عليهِ أنْ يمسهُ إلا للمستقبلِ منَ الصلاةِ، واستدلُّوا بأنهُ تعالى جعلهُ بدلًا عن الماءِ فحكمهُ حكمهُ، وبأنهُ صلى الله عليه وسلم مسمَّاهُ طهورًا، وسمَّاهُ وضوءًا - كما سلفَ قريبًا.
والحقُّ أن التيممَ يقومُ مقامَ الماءِ، ويرفعُ الجنابةَ رفعًا مؤقتًا إلى حالِ وُجدانِ الماءِ، أما أنهُ قائمٌ مقامَ الماءِ؛ فلأنهُ تعالى جعلَهُ عِوَضًا عنهُ عندَ عدمهِ، والأصلُ أنهُ قائمٌ مقامَهُ في جميعِ أحكامِهِ، فلا يخرجُ عنْ ذلكَ إلا بدليلٍ.
وأما أنهُ إذا وجدَ الماءَ اغتسلَ، فلتسميتهِ صلى الله عليه وسلم عَمْرًا جُنُبًا، ولقولهِ صلى الله عليه وسلم:"فإذا وجدَ الماءَ فليتقِ اللَّهَ"؛ فإنَّ الأظهرَ أنهُ أمرَ بإمساسهِ الماءَ لسببَ قدْ تقدمَ على وُجدانِ الماءِ، إذْ إمساسهُ - لما يأتي من أسبابِ وجوبِ الغسلِ أو الوضوءِ - معلومٌ منَ الكتابِ والسنةِ، والتأسيسُ خيرٌ منَ التأكيدِ.
7/ 122 - وَللتِّرْمِذِيِّ
(3)
- عَنْ أَبِي ذَرٍّ نَحْوُهُ، وَصَحَّحَهُ
(4)
. [حسن]
(1)
في (ب): "وتمسك".
(2)
أخرجه البخاري تعليقًا (1/ 454) الباب السابع.
وأخرجه أحمد في "المسند"(4/ 203)، وأبو داود في "السنن"(1/ 338 رقم 334)، والدارقطني (1/ 178 رقم 12)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 177)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 225)، وابن حبان في "صحيحه"(2/ 304 - 305 رقم 1312).
وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود".
(3)
في "السنن"(1/ 211 رقم 124).
(4)
في "السنن"(1/ 213).
(وَلِلترمِذِيِّ عنْ أبي ذرٍ)
(1)
بذالٍ معجمةٍ مفتوحةٍ [قراءٍ]
(2)
.
ترجمة أبي ذر الغفاري
اسمُهُ جُندبُ - بضمِ الجيمِ، وسكونِ النونِ، وضمِّ الدالِ المهملةِ، وفتحِها أيضًا - ابنُ جُنادةَ بضمِ الجيمِ، وتخفيفِ النونِ، بعدَ الألفِ دالٌ مهملةٌ.
وأبو ذرٍّ منْ أعيانِ الصحابةِ وزُهَّادِهِم والمهاجرينَ، وهوَ أولُ مَنْ حيَّا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بتحيةِ الإسلامِ، وأسلمَ قديمًا بمكةَ، [يقالُ]
(3)
: كانَ خامسًا في الإسلامِ، ثمَّ انصرفَ إلى قومهِ إلى أن قدِمَ المدينةَ على النبيّ صلى الله عليه وسلم بعدَ الخندقِ، ثمَّ سكنَ بعدَ وفاتِهِ صلى الله عليه وسلم الربذة
(4)
إلى أنْ ماتَ بها سنةَ اثنتينِ وثلاثينَ في خلافةِ عثمانَ، وصلَّى عليهِ ابنُ مسعودٍ. ويقالُ: إنهُ ماتَ بعده بعشرةِ أيامٍ.
(نحوُهُ) أي: نحوُ حديثِ أبي هريرة ولفظهُ: "قالَ أبو ذرٍّ: اجتويتُ المدينةَ فأمرَ لي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بإبل، فكنتُ فيها، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هلك أبو ذرٍّ، [فقال]
(5)
: ما حالك؟ قلت: كنت أتعرضُ للجنابةٍ وليسَ قربي ماءٌ، قالَ: الصعيدُ طهورٌ لِمَنْ لمْ يجدِ الماءَ، ولو عشرَ سنينَ".
(وصحَّحهُ) أي: حديثَ أبي ذرٍّ "الترمذيُّ".
قالَ المصنِّفُ في "الفتح": إنهُ صحَّحهُ - أيضًا - ابنُ حبانَ
(6)
والدارقطنيُّ
(7)
.
(1)
انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(5/ 144) و"طبقات ابن سعد"(4/ 219 - 237)، و"التاريخ الكبير"(2/ 221 رقم 2265)، و"المعجم الكبير"(2/ 147 - 158 رقم 182)، و"المستدرك"(3/ 337 - 346)، و"حلية الأولياء"(1/ 156 - 170 رقم 26)، و"الاستيعاب"(2/ 169 - 177 رقم 340)، و"الإصابة"(2/ 103 رقم 1210)، و"جامع الأصول"(9/ 51 - 59 رقم 6594)، و"مجمع الزوائد"(9/ 327 - 332).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
الربذة: قرية من قرى المدينة قريبة من ذات عرق، فيها قبر أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
وانظر: "معجم البلدان"(3/ 24 - 25).
(5)
في (ب): "قال".
(6)
في "صحيحه"(ص 75 رقم 196)"الموارد".
(7)
في "السنن"(1/ 187 رقم 1 - 6). =
لا يعيد من صلَّى بالتيمُّم ثم وجد الماء في الوقت
8/ 123 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَجُلانِ في سَفَرٍ، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ - وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ - فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا، فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ في الْوَقْتِ. فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلاةَ وَالْوُضُوءَ، وَلَمْ يُعِدِ الآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَال للذي لَمْ يُعِدْ:"أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلاتُكَ"، وَقَالَ لِلآخَرِ:"لَكَ الأَجْرُ مَرَّتَينِ". [حسن]
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
وَالنَّسَائِيُّ
(2)
.
(وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدَرِي رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَجُلانِ في سَفَرٍ، فحضرتِ الصلاة) أي: وقتها (- وليسَ معهمَا ماءٌ - فتيمَّمَا صعيدًا طيبًا) هوَ الطاهرُ الحلالُ، وقدْ قيَّدَ اللَّهُ الصعيدَ بهِ في الآيتينِ في القرآنِ
(3)
، فإطلاقهُ في حديثِ أبي هريرةَ مقيدٌ بالآياتِ والأحاديثِ، (فصلَّيا ثمَّ وجدَا الماءَ في الوقت) أي: وقتِ الصلاةِ التي صلَّيَاها (فأعادَ أحدُهما الصلاةَ والوضوءَ) سمَّاهُ إعادةً تغليبًا، وإلا فلمْ يكنْ قدْ توضأَ، أو سمَّى التيممَ وضوءًا مجازًا. (وَلم يُعِدِ الآخرُ، ثم أتيا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلكَ لهُ فقالَ للذي لم يُعِدْ: أصبتَ السنةَ) أي: الطريقةَ الشرعيةَ (وأجزأتْكَ صلاتك)؛ لأنَّها وقعتْ في وقتِها، والماءُ مفقودٌ، فالواجبُ الترابُ، (وقالَ للآخرِ) الذي أعادَ (لكَ الأجرُ مرتينِ) أجرُ [الصلواتِ]
(4)
بالترابِ، وأجرُ الصلاةِ بالماءِ.
= قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 235 - 236 رقم 332، 333)، والنسائي (1/ 171)، وأحمد في "المسند"(5/ 146 - 147، 155)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 156 - 157)، والطيالسي في "المسند"(ص 66 رقم 484)، والحاكم (1/ 176 - 177)، والبيهقي (1/ 212)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 317) كلهم من حديث أبي ذر. وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي.
قلت: وانظر تفصيل الكلام عليه في "نصب الراية" للزيلعي (1/ 148 - 149).
والخلاصة: أن الحديث حسن.
(1)
في "السنن"(1/ 241 رقم 338).
(2)
في "السنن"(1/ 213 رقم 433).
(3)
يشير إلى قوله تعالى في [النساء: 43]: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} ، وفي [المائدة: 6]: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} .
(4)
في (أ): "الصلاة".
(رواهُ أبو داودَ والنسائيُّ)، وفي "مختصرِ السننِ" للمنذريِّ
(1)
أنهُ أخرجهُ النسائيُّ مسندًا ومرسلًا. وقالَ أبو داودَ
(2)
: إنهُ مرسل عنْ عطاءِ بن يسارٍ، لكنْ قالَ المصنفُ
(3)
: هذهِ الروايةُ رواها ابنُ السكنِ في صحيحه. [ولهُ]
(4)
شاهدٌ منْ حديثِ ابن عباسٍ رواهُ إسحاقُ في مسندهِ
(5)
: أنهُ صلى الله عليه وسلم بالَ ثمَّ تيممَ، فقيلَ لهُ: إنَّ الماءَ قريبٌ منكَ، قالَ: فلعلي لا أبلغهُ".
والحديثُ دليلٌ على جوازِ الاجتهادِ في عصرهِ صلى الله عليه وسلم، و [على]
(6)
أنهُ لا يجبُ الطلبُ والتلومُ لهُ [أي: الانتظارُ](6)، ودلَّ على [أنها]
(7)
لا تجبُ الإعادةُ على مَنْ صلَّى بالترابِ ثمَّ وجدَ الماءَ في الوقتِ بعدَ الفراغِ منَ الصلاةِ، وقيلَ: بلْ يعيدُ الواجدُ في الوقتِ؛ لقولهِ صلى الله عليه وسلم: "فإذا وجدَ الماءَ فليتقِ اللَّهَ وليمسه بشرتَهُ"، وهذَا قدْ وجدَ الماءَ.
وأجيبَ بأنه مطلقٌ فيمنْ وجدَ الماءَ بعدَ الوقتِ وقبلَ خروجهِ، وحالَ الصلاةِ وبعدَها، وحديثُ أبي سعيدٍ هذا فيمنْ لم يجدِ الماءَ في الوقتِ حالَ الصلاةِ، فهوَ مُقيدٌ، فيحملُ عليهِ المطيلقُ، فيكونُ معناهُ: فإذا وجدتَ الماءَ قبلَ الصلاةِ في الوقتِ فأمسهُ بشرتَكَ، أي: إذا وجدتَهُ وعليكَ جنابةٌ متقدمةٌ، فيقيَّدُ بهِ كما قدَّمناهُ.
واستدلَّ القائلُ بالإعادةِ في الوقتِ بقولهِ تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا}
(8)
والخطابُ متوجهٌ معَ بقاءِ الوقتِ، وأجيبَ بأنهُ بعدَ فعلِ الصلاةِ لم يبقَ للخطابِ توجهٌ إلى فاعلِها، وكيف وقدْ قالَ صلى الله عليه وسلم:"وَأَجْزَأَتْكَ صَلاتُكَ" للذي لم يُعدْ؟ إذِ الإجزاءُ عبارةٌ عنْ كونِ الفعلِ مسقطًا لوجوبِ إعادةِ العبادةِ. والحقُّ أنهُ قدْ أَجزأهُ.
(1)
(1/ 210).
(2)
في "السنن"(1/ 242).
(3)
في "التلخيص"(1/ 156).
قلت: والخلاصة أن الحديث حسن.
(4)
في (ب): "ولها".
(5)
عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 156).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
في (ب): "لأنه".
(8)
سورة المائدة: الآية 6.
9/ 124 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في قَولهِ عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} قَالَ: إذَا كَانَتْ بِالرَّجُلِ الْجِرَاحَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْقُرُوحُ، فَيُجْنِبُ، فَيَخَافُ أَنْ يَمُوتَ إنِ اغْتَسَلَ: تيَمَّمَ. [ضعيف]
رَوَاهُ الدَّارقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا
(1)
، وَرَفَعَهُ الْبَزَّارُ
(2)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
(3)
وَالْحَاكِمُ
(4)
.
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في قولهِ عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}، قالَ: إذا كانتْ بالرجلِ الجراحة في سبيلِ اللَّهِ) أي: الجهادِ. (والقروحُ) جمعُ قَرْحٍ، وهي البثورُ التي تخرجُ في الأبدانِ كالجُدَري ونحوه، (فيجنبُ) تصيبُهُ الجنابةُ (فيخافُ)[أي]
(5)
: يظنُّ (أن يَمُوتَ إنِ اغتسلَ تيمَّمَ. رواهُ الدارقطنيُّ موقوفًا) على ابن عباسٍ (ورفعهُ) إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم (البزارُ، وصحَّحهُ ابنُ خزيمةَ، والحاكمُ).
وقالَ أبو زرعةَ وأبو حاتمٍ
(6)
: أخطأَ فيهِ عليُّ بنُ عاصمٍ. وقالَ البزارُ: لا نعلمُ مَنْ رفعهُ عنْ عطاءٍ من الثقاتِ إلا جريرٌ، وقدْ قالَ ابنُ معينٍ: إنهُ سمعَ منْ عطاءٍ بعدَ [الاختلاط]
(7)
، وحينئذٍ فلا يتم رفعهُ.
وفيه دليلٌ على شرعيةِ التيممِ في حقِّ الجُنب، إنْ خافَ الموتَ، فأما لوْ لم يخفْ إلا الضررَ فالآيةُ - وهي قولُه تعالى -:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى}
(8)
، دالةٌ على إباحة [التيمُّم للمريض]
(9)
سواءٌ خافَ تَلفًا أو دونَه.
(1)
في "السنن"(1/ 177 رقم 9) موقوفًا.
(2)
عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 146) وقال البزار: "لا نعلم رفعه عن عطاء من الثقات إلا جريرًا، وذكر ابن عدي عن ابن معين أن جريرًا سمع من عطاء بعد الاختلاط".
(3)
في "صحيحه"(1/ 138 رقم 272).
(4)
في "المستدرك"(1/ 165).
قلت: وأخرجه البيهقيّ (1/ 224).
(5)
زيادة من (أ).
(6)
في "العلل"(1/ 25 - 26 رقم 40).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، واللَّه أعلم.
(7)
في (أ): "الاختلاف".
(8)
سورة النساء: الآية 43.
(9)
في (ب): "المرض للتيمم".
والتنصيصُ في كلامِ ابنُ عباسٍ على الجراحةِ والقروحِ إنما هوَ مجردُ أمثالٍ، وإلَّا فكلُّ مرضِ كذلكَ. ويحتملُ أن ابنَ عباسٍ يخصُّ هذينِ منْ بين الأمراضِ، وكذلكَ كونُها في سبيلِ اللَّهِ مثالٌ، فلوْ كانتِ الجراحةُ من سقطةٍ فالحكمُ واحدٌ، وإذْ كانَ مثالًا فلا ينفي جوازَ التيممِ لخشيةِ الضررِ إلَّا أن قولَهُ:(أن يموتَ) يدلُّ على أنهُ لا يجزئُ التيممُ إلا لمخافةِ الموتِ، وهوَ قولُ أحمدَ وأحدُ قولَي الشافعي. وأما الهادويةُ، ومالكٌ وأحدُ قولي الشافعي، والحنفيةُ، فأجازُوا التيممَ لخشيةِ الضررِ، قالُوا: لإطلاقِ الآيةِ.
وذهبَ داودُ والمنصورُ إلى إباحتهِ للمرضِ، وإن لم يخفْ ضررًا، وهو ظاهرُ الآيةِ.
10/ 125 - وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: انْكَسَرَتْ إِحْدَى زَنْدَيَّ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، "فأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه بِسَنَدٍ وَاهٍ جِدًا
(1)
. [باطل]
(وَعَنْ عليٍّ عليه السلام قالَ: انكسرتْ إحدى زنْدَيَّ)، بتشديدِ المثناةِ تثنيةُ زَنْدٍ، وهوَ مفصل طرفِ الذراعِ في الكفِّ. (فسألتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أيْ: عن الواجبِ منَ الوضوءِ في ذلكَ (فأمرني أنْ أمسحَ على الجبائرِ) هي ما يجبرُ بهِ العظمُ المكسورُ ويلفُّ عليهِ (رواه ابنُ ماجه بسندٍ واهٍ جدًّا) بكسرِ الجيمِ وتشديدِ الدالِ المهملةِ، وهوَ منصوبٌ على المصدرِ أي: أجدُ ضعفَه جدًّا.
والجِدُّ التحقيقُ كما في "القاموس"
(2)
؛ فالمرادُ أحققُ ضعفَهُ تحقيقًا.
والحديثُ أنكرهُ يحيى بنُ معينٍ، وأحمدُ، وغيرُهما، قالُوا: وذلكَ أنهُ منْ
(1)
في "السنن"(1/ 215 رقم 657).
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 143 رقم 249): "هذا إسناد فيه عمرو بن خالد كذبه أحمد وابن معين. وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: وكيع يضع الحديث. وقال الحاكم: يروي عن زيد بن علي الموضوعات".
وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 146 رقم 102): "سألت أبي عن حديث علي، فقال: حديث باطل لا أصل له. وعمرو بن خالد متروك الحديث" اهـ.
(2)
"المحيط"(ص 346).
روايةِ عمرِو بن خالدٍ الواسطيِّ
(1)
، وهوَ كذابٌ. ورواهُ الدارقطنيُّ
(2)
والبيهقيُّ
(3)
منْ طريقينِ أوهى منهُ.
قال النوويُّ
(4)
: اتفقَ الحفاظُ على ضعفِ هذا الحديثِ. وقالَ الشافعيُّ: لو عرفتُ إسنادَهُ بالصحةِ لقلتُ بهِ، وهذَا مما أستخيرُ اللَّهَ فيهِ. وفي معناهُ أحاديثُ أخرُ قال البيهقيُّ: إنهُ لا يصحُّ منها شيءٌ إلا أن الحديث الحادي عشر يقوِّيه وهو قوله:
المسح على الجبيرةِ
11/ 126 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه في الرَّجُلِ الَّذِي شُجَّ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمسَحُ عَلَيهَا وَيَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ". [حسن بشواهده]
رَوَاهُ أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ فيهِ ضَعْفٌ
(5)
، وَفِيهِ اخْتِلافٌ عَلَى رُوَاتِهِ.
(وَعَنْ جَابرِ رضي الله عنه في الرجلِ الذي شُجَّ) بضمِ الشينِ المعجمةِ، وجيمٍ - مِنْ شجَّهُ يشِجُّه بكسرِ الشينِ وضمِها - كَسَرَهُ، كما في "القاموس"
(6)
، (فَاغْتَسَلَ فماتَ:
(1)
انظر ترجمته في ""الجرح والتعديل" (6/ 230 رقم 1277)، و"الميزان" (3/ 257 رقم 6359)، و"التاريخ الكبير" (6/ 328 رقم 2543)، و"تهذيب التهذيب" (8/ 24 رقم 41).
(2)
في "السنن"(1/ 226 رقم 3).
(3)
في "السنن الكبرى"(1/ 228).
(4)
في "المجموع شرح المهذب"(2/ 324).
(5)
في "السنن"(1/ 239 رقم 336).
قلت: وأخرجه البيهقيُّ في "السنن الكبرى"(1/ 227)، والدارقطني في "السنن"(1/ 189 رقم 3) وله شاهدان عن ابن عباس.
الأول: أخرجه أبو داود (1/ 240 رقم 337)، وابن ماجه (1/ 189 رقم 5720)، والحاكم (1/ 165) وقال: حديث صحيح ووافقه الذهبي، وأشار إليه الدارقطني (1/ 191)، وأخرجه ابن حبان (1/ 76 رقم 201)، والدارمي (1/ 192) من حديث ابن عباس.
الثاني: أخرجه الحاكم (1/ 178)، والدارقطني (1/ 190) من حديث ابن عباس.
قلت: وخلاصة القول أن الحديث حسن بشواهده.
(6)
"المحيط"(ص 249).
إنما كانَ يكفيهِ أنْ يتيممَ ويعصبَ على جرحهِ خرقةً، ثم يمسحُ عليها، ويغسل سائرَ جسدهِ. رواهُ أبو داودَ بسندِ فيه ضعفٌ)، لأنهُ تفردَ بهِ الزبيرُ بنُ خُريقٍ
(1)
بضمِّ الخاءِ المعجمةِ، فراء مفتوحةٍ، ومثناةٍ تحتيةٍ ساكنةٍ وقافٍ. قالَ الدارقطنيُّ
(2)
: ليسَ بالقويِّ.
قلت: وقالَ الذهبيُّ
(3)
: إنهُ صدوقٌ (وفيهِ اختلافٌ على رواتهِ) وهوَ عطاءٌ، فإنهُ رواهُ [عنه]
(4)
الزبيرُ بن خُريقٍ عنْ جابرٍ، ورواهُ عنهُ الأَوزاعيُّ بلاغًا عنْ عطاء، عن ابن عباسٍ فالاختلافُ وقعَ في روايةٍ عطاءٍ: هلْ عنْ جابرٍ، أو عن ابن عباسٍ. وفي إحدَى الروايتينِ ما ليسَ في الأخرَى.
وهذَا الحديثُ، وحديثُ عليٍّ الأولُ قد تعاضدَا على وجوبِ المسحِ على الجبائرِ بالماءِ. وفيهِ خلافٌ بينَ العلماءِ، منهمْ مَنْ قالَ: يمسحُ؛ لهذينِ الحديثينِ - وإن كانَ فيهما ضعفٌ - فقدْ تعاضدا؛ ولأنهُ عضوٌ تعذَّرَ غسله بالماءِ فمسحَ ما فوقَه كشعرِ الرأسِ، وقياسًا على [مسحِ أعْلَى]
(5)
الخفينِ وعلى العمامةِ. وهذا القياسُ يقوي النصَّ.
قلت: مَنْ قالَ بالمسحِ عليهمَا قَوِيَ عندهُ المسحُ على الجبائرِ، وهوَ الظاهرُ. ثم في حديثِ جابرٍ دليلٌ على أنهُ يُجمَعُ بينَ التيممِ والمسح والغسلِ، وهوَ مشكلٌ؛ حيثُ جمعَ بينَ التيممِ والغسلِ، قيلَ: فيحملُ على أَنَّ أعضاءَ التيممِ كانتْ جريحةً فتعذَّرَ إمساسُها بالماءِ، فَعُدِلَ إلى التيممِ، ثم أفاضَ الماءَ على بقيةِ جسدِهِ، وأما الشجَّةُ فقدْ كانتْ في الرأسِ، والواجبُ فيهِ الغسلُ لكنْ تعذرَ لأجلِ الشجَّةِ، فكانَ الواجبُ عليهِ عصبَها والمسحَ عليْهَا، إلَّا أنهُ قالَ المصنفُ في "التلخيصِ"
(6)
: إنهُ لم يقعْ في روايةٍ عطاء عن ابن عباسٍ ذكرُ التيمم، فثبتَ أن
(1)
لين الحديث.
انظر ترجمته في: "التقريب"(1/ 258 رقم 18)، و"تهذيب التهذيب"(3/ 271 رقم 583).
(2)
في "السنن"(1/ 190).
(3)
في "الميزان"(2/ 67 رقم 2834) وثقهُ ابنُ حبان. وقال الذهبي في "الكاشف"(1/ 248 رقم 1632): وثق.
(4)
في (أ): "عنهما".
(5)
في (ب): "المسح على".
(6)
(1/ 147).
الزبيرَ بنَ خُريقٍ تفردَ بهِ، نبَّهَ على ذلكَ ابنُ القطانِ ثمَّ قالَ: ولم يقعْ في روايةٍ عطاءٍ ذكرُ المسحِ على الجبيرةِ، فهوَ مِنْ أفرادِ الزبير - أيضًا - انتهى.
ثمَّ سياقُ المصنفِ لحديثِ جابرٍ يدلُّ على أن قولَهُ: "إنَّما كانَ يكفيهِ" غيرُ مرفوع، وهوَ مرفوعٌ، وإنما لما اختصرهُ المصنفُ فاتتْهُ العبارةُ الدالةُ على رفعه.
وهوَ حديثٌ فيهِ قصةٌ، ولفظُها عندَ أبي داودَ
(1)
عن جابرٍ: خرجْنا في سفر؛ فأصابَ رجلًا منَّا حجرٌ فشجَّهُ في رأسهِ، ثم احتلمَ، فسألَ أصحابهُ [فقال]
(2)
: هلْ تجدونَ لي رخصةً في التيممِ؟ قالُوا: ما نجدُ لكَ رخصةً وأنتَ تقدرُ على الماءِ، فاغتسلَ فماتَ، فلما قدمْنَا على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بذلكَ فقالَ: "قتلوهُ قتلَهم اللَّهُ، ألا سألُوا [إن]
(3)
لمْ يَعلمُوا؟ فإنما شفاءُ العِيّ
(4)
السؤالُ، إنما كَان
…
" إلخ.
لم يصح في التيمم لكل صلاة شيء
12/ 127 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: "مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لا يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِالتَّيَمُّمِ إلَّا صَلاةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلصَّلاةِ الأُخرَى". [ضعيف]
رَوَاهُ الدَّارقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًا
(5)
.
(وَعَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ) أي: سنَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمرادُ طريقتُه وشرعهُ (أنْ لا يصَلِّيَ الرجُل) والمرأةُ أيضًا (بالتيممِ إلَّا صلاة واحدةً، ثمَّ يتيمَّم للصلاةِ الأخرَى. رواهُ الدارقطنيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ)، لأنهُ مِنْ روايةٍ الحسنِ بن عمارةَ، وهوَ ضعيفٌ (جدًّا)، نصبَ على المصدرِ كما عرفتَ.
(1)
في "السنن"(1/ 239 رقم 336) وقد تقدم.
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في (ب): "إذ".
(4)
العِيّ: بالكسر، الجهل. والمعنى أن الجهل داء وشفاؤه السؤال والتعلم. "لسان العرب"(9/ 512).
(5)
في "السنن"(1/ 185 رقم 5) وقال: فيه الحسن بن عمارة ضعيف. قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 221 - 222)، والحسن هذا متروك الحديث. انظر:"المجروحين"(1/ 229)، و"الميزان"(1/ 513)، و"الجرح والتعديل"(3/ 27).
وفي البابِ عنْ عليٍّ
(1)
رضي الله عنه وابنِ عمرَ
(2)
حديثانِ ضعيفانِ، وإن قيلَ: إنَّ أثرَ أبنِ عمرَ أصحُّ، فهوَ موقوفٌ، فلا تقومُ بالجميعِ حجةٌ.
والأصلُ أنهُ - تعالى - قَدْ جعلَ الترابَ قائمًا مقامَ الماء، وقدْ علمَ أنهُ لا يجبُ الوضوءُ بالماءِ إلَّا منَ الحدَثِ فالتيممُ مثلُه.
وإلى هذَا ذهبَ جماعةٌ منْ أئمةِ الحديثِ وغيرِهمِ، وهو الأقوَمُ دليلًا.
* * *
(1)
أخرجه الدارقطني (1/ 184 رقم 2)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 221)، وفيه:"الحجاج بن أرطاة" و"الحارث الأعور".
(2)
أخرجه الدارقطني (1/ 184 رقم 4)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 221)، وقالَ البيهقي: إسناده صحيح.
قلت: وقد أخرج الدارقطني (1/ 184 رقم 3)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 221)"عن قتادة أن عمرو بن العاص كان يُحدِث لكل صلاة تيمُّمًا. وكان قتادة يأخذ به"، وقال البيهقي: وهذا مرسل.
[الباب العاشر] بابُ الحيض
الحيضُ مصدرُ حاضتِ المرأةُ تحيضُ حيضًا ومحيضًا، فهي حائضٌ، ولما كانتْ لهُ أحكامٌ شرعيةٌ من أفعالٍ وتروكٍ، عقدَ لهُ المصنفُ بابًا ساقَ فيهِ ما وردَ فيه منْ أحكامهِ.
أحكام المستحاضة
1/ 128 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَقَال لَهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِن دَمَ الْحَيضِ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذلِكِ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلاةِ، فَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئي وَصَلِّي". [حسن]
رَوَاهُ أَبُو دَاودَ
(1)
وَالنَّسَائيُّ
(2)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(3)
وَالْحَاكِمُ
(4)
، وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِم
(5)
.
(1)
في "السنن"(1/ 197 رقم 286) و (1/ 213 رقم 304).
(2)
في "السنن"(1/ 123) و (1/ 185).
(3)
في "صحيحه"(2/ 318 رقم 1345).
(4)
في "المستدرك"(1/ 174) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه أيضًا الدارقطني في "السنن"(1/ 206 رقم 3)، والبيهقي (1/ 344)، والحاكم أيضًا في "المستدرك (1/ 175 - 176) بزيادة:"فإنما هو داء عرض أو ركضة من الشيطان أو عرق انقطع".
(5)
في "العلل"(1/ 50). وقال ابن أبي حاتم: قال أبي: لم يتابع محمد بن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر.
قلت: إن محمد بن عمرو - وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي - له أوهام، فحديثه لا يرقى إلى الصحة ولا ينزل عن الحسن.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، واللَّه أعلم.
(عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن فاطِمَةَ بِنْتَ أبي حُبَيْشٍ) تقدَّمَ ضبطُه في أولِ بابِ النواقضِ، (كانتْ تُسْتَحَاضُ) تقدمَ أنَّ الاستحاضةَ جريانُ الدمِ منْ فرجِ المرأةِ في غيرِ أوانهِ، وتقدمَ فيهِ: أنَّ فاطمةَ جاءتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: إني امرأةٌ أسْتَحَاضُ فلا أطهرُ، أفأدعُ الصلاةَ؟ (فقالَ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ دمَ الحيضِ دمٌ أسودُ يُعْرَفُ) بضمِّ حرفِ المضارَعةِ، وكسرِ الراءِ، أي: له عَرفٌ ورائحةٌ. وقيلَ: بفتحِ الراءِ أي: تعرفُه النساءُ. (فإذا كانَ ذلكِ) بكسرِ الكافِ (فأمسكي عن الصلاةِ، فإذا كانَ الآخرُ) أي: الذي ليسَ بتلكَ الصفةِ (فتوضئي وصلِّي. رواهُ أبو داودَ والنسائيُّ، وصحَّحه ابن حبانَ والحاكمُ، واستنكرهُ أبو حاتمِ)؛ لأنهُ من حديثِ عديِّ بن ثابتٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ، وجدُّهُ لا يُعْرَفُ، وقدْ ضعَّفَ الحديثَ أبو داودَ.
وهذا الحديثُ فيهِ ردُّ المستحاضةِ إلى صفةِ الدمِ بأنهُ إذَا كانَ بتلكَ الصفةِ فهوَ حيضٌ، وإلا فهي استحاضةٌ. وقدْ قالَ بهِ الشافعيُّ في حقِّ المبتدِأَةِ، وقد تقدمَ في النواقضِ أنهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لها:"إنما ذلكَ عِرْقٌ، فإذا أقبلتْ حيضتُكَ فدعيْ الصلاةَ، وإذا أدبرتْ فاغسلِي عنكِ الدمَ [وصلِّي] "
(1)
.
ولا ينافيهِ هذا الحديثُ، فإنهُ يكونُ قولُه:"إنَّ دمَ الحيضِ أسودُ يعرفُ"، بيانًا لوقتِ إقبالِ الحيضةِ وإدبارهَا، فالمستحاضةُ إذَا ميَّزتْ أيامَ حيضِها: إما بصفةِ الدمِ، أو بإتيانهِ في وقتِ عادتِها إنْ كانتْ معتادةً وعلمتْ بعادتها، ففاطمةُ هذه يحتملُ أنها كانتْ معتادةً فيكونُ قولهُ:"فإذا أقبلتْ حيضتُكِ"، أيْ: بالعادةِ، أو غيرَ معتادة، فيرادُ بإقبالِ حيضتِها بالصفةِ، ولا مانعَ منِ اجتماعِ المعرفينِ في حقِّها وحقِّ غيرِها.
هذا وللمستحاضةِ أحكامٌ [خمسةٌ]
(2)
، قد سلفتْ إشارةٌ إلى الوعدِ بِهَا.
منها: جوازُ وطئِها في حالِ جريانِ دمِ الاستحاضةِ عندَ جماهيرِ العلماءِ؛ لأنَّها كالطاهرِ في الصلاةِ والصومِ وغيرِهما، فكذا في الجماعِ؛ ولأنهُ لا يحرمُ إلَّا عنْ دليلٍ، ولم يأتِ دليل بتحريمِ جماعِهَا.
قال ابنُ عباسٍ: المستحاضةُ يأتيهَا زوجُها إذا صلَّتْ، الصلاةُ أعظمُ. يريدُ
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من (ب).
إذا جازتْ لها الصلاةُ ودمُها جارٍ وهي أعظمُ ما يُشْتَرَطُ لهُ الطهارةُ، جازَ جماعُها.
ومنها: أنَّها تُؤمَرُ بالاحتياطِ في طهارةِ الحدثِ والنجسِ، فتغسلُ فرجَها قبلَ الوضوءِ وقبلَ التيممِ، وتحشو فرجَها بقُطنةٍ أوْ خِرقةٍ، دفعًا للنجاسةِ، وتقليلًا لها، فإنْ لم [يندفع]
(1)
الدمُ بذلكَ شدَّتْ معَ ذلكَ على فرجِها وتلجَّمتْ واستثفرتْ، كما هو معروفٌ في الكتبِ المطولةِ، وليسَ بواجبٍ عليها، وإنما هوَ الأَوْلَى؛ تقليلًا للنجاسةِ بحسبِ القدرةِ، ثمَّ تتوضأُ بعدَ ذلكَ.
ومنها: أنهُ ليسَ لها الوضوءُ قبلَ دخولِ وقتِ الصلاةِ عندَ الجمهورِ، إذْ طهارتُها ضروريةٌ، فليسَ لها تقديمُهَا قبلَ وقتِ الحاجة.
المستحاضة تتوضأ لكل صلاة
2/ 129 - وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ
(2)
: "وَلْتَجْلِسْ في مِرْكَنٍ، فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةَ فَوْقَ الْمَاءِ فَلْتَغْتَسِلْ للِظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلُ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ غُسْلًا، وَتَتَوَضأُ فِيمَا بَينَ ذَلِكَ". [صحيح]
ترجمة أسماء بنت عميس
(وفي حديثِ أسماءَ بنتِ عُمَيْسٍ)
(3)
بضمِّ المهملةِ، وفتحِ الميمِ، وسكونِ المثناةِ التحتيةِ فسينٍ مهملةٍ.
(1)
في (أ): "يدفع".
(2)
في "السنن"(1/ 207 رقم 296).
قلت: وأخرجه ابن حزم في "المحلَّى بالآثار"(1/ 418 رقم المسألة 269)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 100 - 101)، والدارقطني في "السنن"(1/ 215 رقم 53)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 353 - 354). وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود".
(3)
انظر ترجمتها في: "مسند أحمد"(6/ 438)، و"طبقات ابن سعد"(8/ 280 - 285)، و"المعارف"(171، 173، 210، 282، 555)، و"الإصابة"(12/ 116 - 117 رقم 51)، و"الاستيعاب"(12/ 201 - 204 رقم 3230)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 427 - 428 رقم 2725)، و"مجمع الزوائد"(9/ 260)، و"شذرات الذهب"(1/ 15، 48).
هي امرأةُ جعفرَ [بن أبي طالب رضي الله عنه]
(1)
. هاجرتْ معهُ إلى أرضِ الحبشةِ، وَوَلَدَتْ لهُ هناكَ أولادًا: منهمْ عبدُ اللَّهِ.
ثمَّ لما قُتِلَ جعفرُ تزوَّجَها أبو بكرٍ الصديقُ، فولدتْ لهُ محمدًا، ولما ماتَ أبو بكرٍ تزوَّجَها عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه فولدتْ له يَحْيَى.
(عندَ أبي داودَ: ولتجلسْ) هوَ عطفٌ على ما قبلَهُ في الحديثِ؛ لأنَّ المصنفَ إنَّما ساقَ شطرَ حديثِ أسماءَ، لكنْ في لفظِ أبي داودَ عنْها هكذَا:"سبْحانَ اللَّهِ هذَا منَ الشيطانِ لتجلسْ" إلى آخره بدونِ واوٍ.
وفي نسخةٍ في "بلوغ المرامِ"(في مِرْكَنٍ) بكسرِ الميمِ: الإجَّانةُ التي تغسلُ فيهَا الثيابُ، (فإذا رَأَتْ صُفْرَةَ فوقَ الماءِ) الذي تقعدُ فيهِ، فتصبُّ عليها الماءَ، فإنَّها تظهرُ الصفرةُ فوقَ الماءِ (فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلُ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا واحِدًا، وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ غُسْلًا وَتَتَوَضَّأُ فيمَا بينَ ذَلِكَ).
هذا الحديثُ وحديثُ حَمنةَ الآتي
(2)
فيهِ الأمرُ بالاغتسالِ في اليومِ والليلةِ ثلاثَ مراتٍ، وقدْ بيَّنَ في حديثِ حمنةَ أن المرادَ إذا أخَّرتِ الظهرَ والمغربَ، ومفهومُه أنَّها إذا وقَّتتْ اغتسلتْ لكلِّ فريضةٍ. وقدِ اختلفَ العلماءُ: فرُويَ عنْ جماعةٍ منَ الصحابةِ والتابعينَ أنهُ يجبُ عليها الاغتسالُ لكلِّ صلاةٍ. وذهبَ الجمهورُ إلى [أنَّها]
(3)
لا يجبُ عليهَا ذلكَ، وقالُوا روايةُ أنهُ صلى الله عليه وسلم يأمرَها بالغسلِ لكلِّ صلاةٍ ضعيفةٌ، وبيَّنَ البيهقيُّ
(4)
ضعفَها. وقيلَ: بلْ هوَ حديثٌ منسوخٌ بحديثِ فاطمةَ بنتِ أبي حبيشٍ أنَّها تتوضَّأُ [لكلِّ]
(5)
صلاةٍ.
قلتُ: إلا أن النسخَ يحتاجُ إلى معرفةِ المتأخرِ، ثمَّ إنهُ قالَ المنذريُّ: إنَّ حديثَ أسماءَ بنتَ عميسٍ حسنٌ، فالجمعُ بينَ حديثِها وحديثِ فاطمةَ بنتِ أبي حبيشٍ أنْ يُقَالَ: إنَّ الغسلَ مندوبٌ بقرينةِ عدمِ أمرِ فاطمةَ بهِ واقتصارهِ على أمرِها بالوضوءِ، فالوضوءُ هو الواجبُ، وقد جنحَ الشافعيُّ إلى هذَا.
(1)
في (أ): "أم عبد الله بن جعفر".
(2)
رقم الحديث (3/ 130).
(3)
في (أ): "أنه".
(4)
في "السنن الكبرى"(1/ 354).
(5)
في (أ): "لوقت كل".
حديث حَمنة بنت جحش في استحاضتها
3/ 130 - وَعَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أسْتَفْتِيهِ، فَقَالَ:"إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذَا اسْتَنْقَأتِ فَصَلِّي أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ، وَصُومي وَصَلِّي، فَإِنَّ ذلِكَ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كُلّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ، ثُمَّ تَغْتَسِلي حِينَ تَطْهُرِينَ، وَتُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَينَ الصَّلاتَينِ فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الصُّبْحِ وَتُصَلِّينَ. قَالَ: وَهُوَ أَعْجَبُ الأمرَيْنِ إِلَيَّ". [حسن]
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائيَّ
(1)
، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
، وَحَسّنَهُ الْبُخَارِيُّ
(3)
.
(وَعَنْ حَمْنَةَ) بفتحِ الحاءِ المهملةِ، وسكونِ الميمِ، فنونٍ (بنتِ جحشٍ) بفتح الجيمِ، وسكونِ الحاءِ المهملةِ فشينٍ معجمةٍ هي: أختَ زينبَ أمِّ المؤمنين، وامرأةُ طلحة بن عبيدِ اللَّهِ (قالتْ: كنتُ أُستحاضُ حيضة كثيرةً شديدةً). في "سننِ أبي داودَ"
(4)
بيانٌ لكثرتِها، قالتْ:"إنَّما أثجُّ ثجًّا"، (فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أستفتيهِ فقال: إنما هي ركضةٌ من الشيطانِ) معناهُ: أنَّ الشيطانَ قدْ وجدَ سبيلًا إلى التلبيسِ عليها في أمرِ دينِها وطُهرِهَا وصلاتِها حتى أنْسَاها عادتَها، وصارتْ في التقديرِ، كأنّها ركضةٌ منهُ، ولا ينافي ما تقدَّمَ منْ أنهُ عرقٌ يقالُ لهُ: العاذلُ؛ لأنهُ يحمَلُ على أن الشيطانَ
(1)
وهم: أحمد في "المسند"(6/ 439، 381 - 382، 439 - 440)، وأبو داود في "السنن"(1/ 199 رقم 287)، والترمذي في "السنن"(1/ 221 رقم 128)، وابن ماجه (1/ 205 رقم 627).
(2)
في "السنن"(1/ 225).
(3)
في "السنن"(1/ 226).
قال الترمذي: وسألت محمدًا - البخاري - عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن [صحيح].
(4)
في "السنن" رقم الحديث (287).
ركضهُ حتَّى انفجرَ، والأظهرُ أنها ركضةٌ منهُ حقيقةً، إذْ لا مانعَ منْ حملِها عليهِ.
(فَتَحَيَّضِي ستةَ أيامٍ، أو سبعةَ أيامٍ، ثمَّ اغتسلي، فإذَا اسْتَنْقَأتِ فَصَلِّي أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ)[إنْ]
(1)
كانتْ أيامُ الحيضِ ستةً (أو ثَلاثَةً وَعِشْرِينَ)[إِنْ](1) كانتْ أيامُ الحيضِ سبعةً (وَصُومي وَصَلِّي) أي: ما شئتِ منْ فريضةٍ وتطوعٍ؛ (فإنَّ ذلكَ يُجْزِئُكِ وكذلِكَ فَافْعَلِي) فيما يستقبلُ منَ الشهورِ.
ولفظُ أبي داودَ: "فافعلي كلَّ شهرٍ"(كما تحيضُ النساءُ) في "سننِ أبي داودَ"(2) زيادةٌ: "وكما يطهرنَ ميقاتَ حيضهنَّ وطُهرهنَّ"، فيهِ الردُّ لها إلى غالبِ أحوالِ النساءِ.
(فإنْ قويتِ) أي: قدرتِ (على أنْ تؤخري الظهرَ وتعجِّلي العصرَ) هذا لفظُ أبي داود (2)، وقولُهُ:"وتعجِّلي العصرَ" يريدُ أنْ تؤخري الظهرَ، أي: فتأتي بها في آخرِ وقتِها قبلَ خروجِهِ، وتعجِّلي العصرَ فتأتي بهِ في أولِ وقتهِ، فتكونُ قدْ أتتْ بكلِّ صلاةٍ في وقتها، وجمعتْ بينَهما جمعًا صُوريًا.
(ثمَّ تَغْتَسِلي حينَ تَطْهُرِينَ) هذا اللفظُ ليسَ في "سننِ أبي داودَ"، بلْ لفظهُ هكذا:"فتغتسلينَ فتجمعينَ بينَ الصلاتينِ الظهرِ والعصرِ"، أي: جمعًا صُوريًا كما عرفت، (وتصلِّينَ الظهرَ والعصرَ جميعًا). هذا غيرُ لفظِ أبي داودَ كما عرفتَ.
(ثمَّ تؤخِّرينَ المغربَ والعشاءَ) لفظُ أبي داودَ
(2)
: "وتؤخِّرينَ المغربَ وتعجِّلينَ العِشَاءَ"، وما كانَ يحسنُ منَ المصنفِ حذفُ ذلكَ كما عرفتَ.
(ثم تغتسلينَ وتجمعينَ بينَ الصحتينِ فافعلي، وتغتسلينَ معَ الصبعِ وتُصَلِّينَ قالَ) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (وهوَ أعجبُ الأمرينِ إليَّ). ظاهرُهُ أنهُ منْ كلامهِ صلى الله عليه وسلم، إلَّا أنهُ قالَ أبو داودَ
(3)
: رواهُ عمرُو بنُ ثابتٍ عن [ابن]
(4)
عقيلٍ قالَ: فقالتْ حَمنةُ: "هذا أعجبُ الأمرينِ إليَّ، لم يجعلْهُ منْ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(رواهُ الخمسةُ إلَّا النسائيَّ وصحَّحهُ الترمذيُّ، وحسَّنهُ البخاريُّ)، قالَ المنذريُّ في "مختصر سننِ أبي داودَ"
(5)
: قالَ الخطابيُّ: "قد تركَ بعضُ العلماءِ القولَ بهذَا
(1)
في (أ): "إذا".
(2)
في "السنن" رقم الحديث (287).
(3)
في "السنن"(1/ 252).
(4)
في (أ): أبي وهو خطأ.
(5)
(1/ 185).
الحديثِ؛ لأنَّ ابنَ عقيلٍ راويهِ ليسَ بذاكَ"، وقالَ أبو بكرٍ البيهقيُّ: تفرَّدَ بهِ عبدُ اللَّهِ بنُ محمدِ بن عقيلٍ، وهوَ مختلفٌ في الاحتجاجِ بهِ. هذا آخرُ كلامهِ.
وقدْ أخرجهُ الترمذيُّ
(1)
، وابنُ ماجه
(2)
. وقالَ الترمذيُّ
(3)
: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقال أيضًا: وسألتُ محمدًا - يعني البخاريَّ - عنْ هذَا الحديثِ فقالَ: هوَ حديثٌ حسنٌ. وقالَ أحمدُ: هو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ اهـ.
فعرفتَ أن القولَ بأنهُ حديثٌ غيرُ صحيحٍ غير صحيح، بلْ قدْ صحَّحهُ الأئمةُ، وقدْ عرفتَ مما سقناهُ منْ لفظِ روايةٍ أبي داودَ أن المصنفَ نقلَ غيرَ لفظِ أبي داودَ منْ ألفاظ أحدِ الخمسةِ، ولكنْ لا بدَّ منْ تقييدِ ما أطلقتْهُ الرواياتُ بقولهِ: ("وتعجلينَ العشاءَ" كما قالَ: [وتعجلين]
(4)
العصرَ) لأنهُ أرشدَها صلى الله عليه وسلم إلى ذلكَ لملاحظةِ الإتيانِ بكلِّ صلاةٍ في وقتِها، هذهِ في آخرِ وقتها وهذهِ في أولِ وقتِها.
وقولُه في الحديثِ: "ستة أو سبعةَ أيامٍ" ليستْ فيهِ كلمةُ (أو) شكًا من الراوي ولا للتخييرِ، [بل]
(5)
للإعلامِ بأنَّ للنساءِ أحدَ العددينِ، فمنهنَّ مَنْ تحيضُ ستًا، ومنهنَّ منْ تحيضُ سبعًا، فترجعُ إلى مَنْ هي في سنِّها وأقربُ إلى مزاجِها، ثم قوله:"فإنْ قويتِ" يُشْعِرُ بأنهُ ليسَ بواجبٍ عليها، وإنَّما هوَ مندوبٌ لها، وإلَّا فإنَّ الواجبَ إنَّما هوَ الوضوءُ لكلِّ صلاةٍ بعدَ الاغتسالِ عن الحيضِ بمرورِ الستةِ أو السبعةِ الأيام، وهوَ الأمرُ الأولُ الذي أرشَدها صلى الله عليه وسلم إليهِ، فإنَّ في صدرِ الحديثِ:"آمرُكِ بَأمرينِ، أيَّهما فعلتِ أجزأَ عنكِ منَ الآخرِ، وإنْ قويتِ عليهمَا فأنتِ أعلمُ".
ثمَّ ذكرَ لها الأمرَ الأولَ أنها تحيضُ ستًا أو سبعًا، ثمَّ تغتسلُ وتصلِّي، كما ذكرهُ المصنفُ، وقد عُلمَ أنَّها تتوضأُ لكلِّ صلاةٍ؛ لأنَّ استمرارَ الدمِ ناقضٌ فلمْ يذكرْهُ في هذهِ الروايةِ، وقد ذكرهُ في غيرِهَا، ثمَّ ذكرَ الأمرَ الثاني منْ جمعِ الصلاتينِ والاغتسالِ كما عرفتَ.
(1)
في "السنن" رقم (128).
(2)
في "السنن" رقم (627).
(3)
في "السنن"(1/ 225، 226).
(4)
في (أ): "وتعجلي".
(5)
زيادة من (أ).
وفي الحديثِ دليلٌ على أنهُ لا يباحُ جمعُ الصلاتينِ في وقتِ أحدِهما للعذرِ، إذْ لو أُبِيحَ لعذرٍ لكانتِ المستحاضةُ أولَ مَنْ يباحُ لها ذلكَ، [ولم يبحْ لها ذلك]
(1)
بلْ أمرَهَا بالتوقيتِ كما عرفتَ.
المستحاضة تتحرَّى أيام عادتها
4/ 131 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ شَكَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ، فَقَالَ:"امْكُثي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي"؛ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(2)
. [صحيح]
- وَفِي رِوَايةٍ لِلْبُخَارِيِّ
(3)
: "وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ"، وَهِيَ لأبي دَاوُدَ
(4)
وَغَيْرِهِ
(5)
، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن أمَّ حبيبةَ) بالحاءِ المهملةِ المفتوحةِ (بنتَ جحشٍ) قيلَ: الأصحُّ أن اسمَها حبيبةٌ، وكنيتَها أمُّ حبيبٍ بغيرِ هاءٍ، وهي أختُ حَمنَة [التي]
(6)
تقدم حديثُها، (شكتْ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدمَ، فَقَالَ: أمكثي قدرَ ما كانتْ تحبسُكِ حيضُتُكِ)، أيْ: قبلَ استمرارِ جريانِ الدمِ، (ثم اغتسلي) أي: غسلَ الخروجِ عن الحيضِ. (فكانتْ تغتسلُ لكلِّ صلاةٍ) منْ غيرِ أمرٍ منهُ صلى الله عليه وسلم لها بذلكَ (رواهُ مسلمٌ. وفي روايةٍ للبخاريِّ: توضَّئي لكلِّ صلاةٍ، وهيَ) أي: الروايةُ (لأبي داودَ وغيرِهِ منْ وجهٍ آخرَ).
أمُّ حبيبةَ كانتْ تحتَ عبدِ الرحمنِ بن عوفٍ. وبناتُ جحشٍ ثلاثٌ: زينبُ أمُّ المؤمنينَ، وحَمنةُ، وأمُّ حبيبةَ، قيلَ: إنهنَّ كنَّ مستحاضاتٍ كلُّهن. وقدْ ذكرَ البخاريُّ ما يدلُّ على أنَّ بعضَ أمهاتِ المؤمنينَ كانتْ مستحاضةً، فإنْ صحَّ أن الثلاثَ مستحاضاتٌ فهي زينبُ، وقدْ عدَّ العلماءُ المستحاضاتِ في عصرهِ صلى الله عليه وسلم فبلغنَ عشرَ نسوةٍ.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في "صحيحه"(1/ 264 رقم 66/ 334).
(3)
في "صحيحه"(1/ 331 - 332 رقم 228).
(4)
في "السنن"(1/ 209 رقم 298).
(5)
كالنسائي في "السنن"(1/ 185).
(6)
في (أ): "الذي".
والحديثُ دليلٌ على إرجاعِ المستحاضةِ إلى أحدِ المعرِّفاتِ: وهي أيامُ عادتِها، وعرفتَ أن المعرِّفاتِ إما العادةُ التي كانتْ لها قبلَ الاستحاضةِ، أو صفةُ الدمِ بكونهِ أسودَ يعرفُ، أو العادةُ التي للنساءِ منَ الستةِ الأيامِ أو السبعةِ، أوْ إقبالِ الحيضةِ وإدبارِها، كلُّ هذهِ قد تقدَّمتْ في أحاديثِ المستحاضةِ، فبأيِّها وقعَ معرفةُ الحيضِ - والمرادُ حصولُ الظنِّ لا اليقين - عملت بهِ، سواءٌ كانتْ ذاتَ عادةٍ أو لا كما يفيدُه إطلاقُ الأحاديثِ، بلْ ليسَ المرادُ إلَّا ما يحصلُ لها ظنٌّ أنهُ حيضٌ، وإنْ تعدَّدتِ الأماراتُ كانَ أقوى في حقِّها، ثمَّ متى حصلَ ظنُّ زوالِ الحيضِ وجبَ عليها الغسلُ، ثمَّ [تتوضأ]
(1)
لكلِّ صلاةٍ أو تجمعُ جمعًا صُوريًا بالغسلِ.
وهلْ لها أنْ تجمعَ الجمعَ الصُّوريَّ بالوضوءِ؟ هذا لم يردْ بهِ النصُّ في حقِّها، إلَّا أنهُ معلومٌ جوازُهُ لكل أحدٍ من غيرِهِ.
وأما هلْ لها أنْ تصلِّيَ النوافلَ بوضوءِ الفريضةِ؟ فهذا مسكوتٌ عنهُ أيضًا، والعلماءُ مختلفونَ في ذلكَ كلِّه.
لا تعدُّ الكُدرةُ والصُّفرَةُ بعدَ الطهر حيضًا
5/ 132 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كُنَّا لا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا". [صحيح]
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(2)
، وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
، وَاللَّفْظُ لَهُ.
ترجمة أم عطية
(وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ)
(4)
.
(1)
في (أ): "توضأ".
(2)
في "صحيحه"(1/ 426 رقم 326).
(3)
في "السنن"(1/ 215 رقم 307).
قلت: وأخرجه النسائي (1/ 186 - 187)، وابن ماجه (1/ 212 رقم 647)، والبيهقي (1/ 337)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 317 رقم 1216)، والدارمي (1/ 215) ووهم الحاكم فاستدركه في "المستدرك"(1/ 174).
(4)
انظر ترجمتها في: "مسند أحمد"(6/ 407)، و"الجرح والتعديل"(9/ 465)، و"الإصابة"=
اسمُها نُسيبةُ - بضمِّ النونِ، وفتحِ السينِ المهملةِ، وسكونِ المثناةِ التحتيةِ، وفتحِ الموحدةِ - بنتُ كعبٍ. وقيلَ: بنتُ الحرث الأنصاريةُ، بايعتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم. كانتْ منْ كبارِ الصحابياتِ، وكانتْ تغزو معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تمرِّضُ المرضَى، وتداوي الجرحَى.
(قالتْ: كنَّا لا نعدُّ الكُدْرَةَ)
(1)
أيْ: ما هوَ بلونِ الماءِ الوسخِ الكدرِ، (والصُّفْرَةَ) هوَ الماءُ الذي تراهُ المرأةُ كالصديدِ يعلوه [صفرة]
(2)
اصفرارٌ (بعدَ الطُّهْرِ) أي: بعدَ رؤيةِ القَصَّةِ البيضاءِ والجفوفِ (شيئًا) أي: لا نعدُهُ حيضًا (رواه [البخاري و]
(3)
أبو داودَ واللفظُ لهُ).
وقولُها: (كنَّا) قدِ اختلفَ فيهِ العلماءُ، فقيلَ: لهُ حكمُ الرفعِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّ المرادَ كنَّا في زمانهِ صلى الله عليه وسلم معَ علمِهِ فيكونُ تقريرًا منهُ، وهذا رأيُ البخاريِّ وغيرِهِ مِنْ علماءِ الحديثِ فيكونُ حجةً.
وهوَ دليلٌ على أنهُ لا حكمَ لما ليسَ بدمٍ غليظٍ أسودَ يعرفُ، فلا يعدُّ حيضًا بعدَ أنْ ترى القَصَّةَ بفتحِ القافِ، وتشديدِ الصادِ المهملةِ.
قيلَ: إنه شيء كالخيطِ الأبيضِ يخرجُ منَ الرحمِ بعدَ انقطاعِ الدمِ أو بعدَ الجفوفِ، وهو أنْ يخرجَ ما يُحْشَى بِهِ الرحمُ جافًا، ومفهومُ قولِها:(بعدَ الطهرِ) أي بأحدِ الأمرينِ أن قبلهُ تعدُّ الكُدْرَةُ والصُّفْرَةُ شيئًا، أي: حيضًا، وفيهِ خلافٌ بينَ العلماءِ معروفٌ في الفروعِ.
يباح الاستمتاع بالحائض فيما دون الفرج
6/ 133 - وَعَنْ أَنَسٍ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اصْنَعُوا كُلَّ شَيءٍ إِلَّا النِّكَاحَ". [صحيح]
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(4)
.
= (13/ 253 رقم 1409)، و"الاستيعاب"(13/ 255 رقم 3587)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 482 رقم 2903).
(1)
الكُدْرَةُ: شيء كالصديد تَراهُ المرأةُ، ليس على لونِ شيءٍ من الدماءِ القوية، ولا الضعيفة. "القاموس الفقهي"(ص 316).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
في "صحيحه"(1/ 246 رقم 16/ 302). =
(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أن اليهودَ كانُوا إذا حاضتِ المرأةُ فيهم لم يُؤاكِلُوها، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اصنعُوا كلَّ شيءٍ إِلَّا النِّكاحَ، رواهُ مسلمٌ).
الحديثُ قد بيَّنَ المرادَ منْ قولهِ تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}
(1)
، أن المأمورَ بهِ منَ الاعتزالِ، والمنهيَّ عنهُ منَ القربانِ هوَ النكاحُ، أي: اعتزلُوا نكاحَهُنَّ ولا تقربوهنَّ لهُ، وما عدَا ذلكَ منَ المؤاكلةِ، والمجالسةِ، والمضاجعةِ، وغيرِ ذلكَ، جائزٌ، وقدْ كانَ اليهودُ لا [يساكنون]
(2)
الحائضَ في بيتٍ واحدٍ، ولا يجامعونَها، ولا يؤاكلونَها، كما صرَّحتْ بهِ روايةُ مسلمٍ.
وأما الاستمتاعُ منهنَّ فقدْ أباحهُ هذا الحديثُ كما يفيدُه أيضًا.
7/ 134 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
. [صحيح]
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يأمرني فأَتَّزِرُ، فيُباشرني وأنا حائضٌ. متفقٌ عليهِ)، أي: يلصقُ بشرتَهُ ببشَرتي فيما دونَ الإزارِ، وليسَ بصريحٍ بأنهُ يستمتعُ منها إنَّما فيهِ إلصاقُ البشرةِ بالبشرةِ.
والاستمتاعُ فيما بينَ الركبةِ والسرَّةِ في غيرِ الفرجِ أجازهُ البعضُ، وحجتهُ:"اصنعُوا كلَّ شيءٍ إلَّا النكاحَ"
(4)
، ومفهومُ هذا الحديثِ.
وقال بعضٌ بكراهتِهِ، وآخرُ بتحريمهِ، فالأولُ أوْلى للدليلِ. فأما لو جامعَ وهي حائضٌ فإنهُ يأثمُ إجماعًا، ولا يجبُ عليهِ شيءٌ. وقيلَ: تجبُ عليهِ الصدقةُ لما يفيدُه:
= قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 177 رقم 258)، والترمذي (5/ 214 رقم 2977)، والنسائي (1/ 187)، وابن ماجه (1/ 211 رقم 644)، والبيهقي (1/ 313)، والدارمي (1/ 245)، وأحمد في "المسند"(3/ 132)، والطيالسي (ص 273 رقم 2052).
(1)
سورة البقرة: الآية 222.
(2)
في (أ): "يساكنوا".
(3)
البخاري (1/ 403 رقم 302)، ومسلم (1/ 242 رقم 1/ 293).
قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 184 رقم 268)، والترمذي (1/ 239 رقم 132)، وابن ماجه (1/ 208 رقم 635)، وأحمد (6/ 174)، والدارمي (1/ 242)، والنسائي (1/ 185).
(4)
وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه (رقم 6/ 133).
كفارة من يأتي زوجته وهي حائض
8/ 135 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ - قَالَ: "يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ". [صحيح]
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
(1)
، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
(2)
وَابْنُ الْقَطَّانِ
(3)
، وَرَجَّحَ غَيْرُهُمَا وَقْفَهُ.
(وَعَنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأتَهُ وهيَ حائضٌ - قالَ: يتصدَّقُ بدينارٍ أو بنصفِ دينارٍ. رواهُ الخمسةُ وصحَّحهُ الحاكِمُ، وابنُ القطانِ، ورجَّحَ غيرُهما وقْفَهُ) على ابن عباسٍ.
(1)
وهم: أحمد في "المسند"(1/ 229، 230، 237، 286، 312، 325)، وأبو داود (1/ 181 رقم 264)، والنسائي (1/ 153)، والترمذي (1/ 245 رقم 137)، وابن ماجه (1/ 210 رقم 640).
(2)
في "المستدرك"(1/ 171 - 172) وقال: حديث صحيح .. فأما عبد الحميد بن عبد الرحمن، فإنه أبو الحسن عبد الحميد بن عبد الرحمن الجزري ثقة مأمون. ووافقه الذهبي. كذا قالا.
قلت: لقد وقع في كلام الحاكم خلط بين راويين اتفقا في اسميهما واسم أبيهما، وهما:"عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي أبو عمر المدني الثقة"، و"عبد الحميد بن عبد الرحمن، أبو الحسن، الجزري، مجهول".
والظاهر أنه أراد عبد الحميد بن عبد الرحمن العدوي، فاختلط عليه، فكناه بكنية الجزري. واللَّه أعلم. إذ أن كل من رواه من طريق شعبة عن الحاكم، إنما رواه عن عبد الحميد بن عبد الرحمن العدوي المدني، لا الجزري الشامي، وهو نفس طريق الحاكم ولكنه أخطأ في كنيته رحمه الله.
(3)
قال الحافظ في "التلخيص"(1/ 166): "وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه، وأقرَّ ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان وقوَّاه في الإلمام وهو الصواب" اهـ.
قلت: وقد أخرج الحديث الدارمي (1/ 254)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 108)، والبيهقي (1/ 314)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 127 رقم 315)، والدارقطني (3/ 286 رقم 155)، والطبراني في "الكبير"(11/ 381 رقم 12065) و (11/ 382 رقم 12066) و (11/ 401 رقم 12129، 12130، 12131، 12132) و (11/ 402 رقم 12133، 12134، 12135).
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح. وقد صحَّحه ابن التركماني وابن القيم وابن حجر والألباني. انظر "الإرواء"(رقم 197)، و"التلخيص الحبير"(1/ 165 - 166).
الحديثُ فيهِ رواياتٌ، هذهِ إِحدَاها، وهي التي خرَّجَ لرجالِها في "الصحيحِ"، وروايتُهُ معَ ذلكَ مضطربةٌ، [وَقَدْ]
(1)
قَالَ الشافعيُّ
(2)
: لو كانَ هذا الحديثُ ثابتًا لأخذنا بهِ، قالَ المصنفُ
(3)
: الاضطرابُ في إسنادِ هذا الحديثِ ومتنهِ كثيرٌ جدًّا. وقدْ ذهبَ إلى إيجابِ الصدقةِ الحسنُ وسعيدٌ لكنْ قالا: يُعْتِقُ رقبةً، قياسًا على مَنْ جامعَ في رمضانَ. وقالَ غيرُهما: بل يتصدَّقُ بدينارٍ أو بنصفِ دينارٍ، وقالَ الخطابيُّ
(4)
: قالَ أكثرُ أهلِ العلمِ: لا شيءَ عليهِ، وزعموا أن هذَا مرسلٌ أو موقوفٌ.
وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: حجةُ مَنْ لم يوجبْ اضطرابُ هذا الحديثِ، وأنَّ الذمَّةَ على البراءةِ، ولا يجبُ أنْ يثبتَ فيها شيءٌ لمسكينٍ ولا غيرِهِ، إلَّا بدليلٍ لا مَدْفَعَ فيهِ ولا مطعنَ عليهِ، وذلكَ معدومٌ في هذهِ المسألةِ.
قلتُ: أمَّا مَنْ صحَّ لهُ كابنِ القطانِ، فإنهُ أمعنَ النظرَ في تصحيحهِ، وأجابَ عنْ طرقِ الطعنِ فيهِ، وأقرَّه ابنُ دقيقِ العيدِ وقواهُ في كتابه "الإلمامِ"؛ فلا عذرَ لهُ عن العملِ بهِ. وأما منْ لمْ يصحَّ عندَه كالشافعيِّ، وابنِ عبدِ البرِّ، فالأصلُ براءةُ الذمةِ، فلا تقومُ بهِ الحجةُ على رفعها
(5)
.
ما يحرم على الحائض فعله
9/ 136 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(6)
، في حديثٍ طَويلٍ. [صحيح]
(1)
زيادة من (أ).
(2)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(1/ 166).
(3)
في المرجع السابق (1/ 166).
(4)
في "معالم السنن"(1/ 181) مع "السنن".
(5)
راجع ما كتبه أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر رحمه الله في "شرح الترمذي"(1/ 246 - 254)، فقد أجاد وأفاد في الرد على من زعم أن الحديث مضطرب.
وقد رجح هناك - فيما رجح - أن قوله: "أو نصف دينار" سهو من بعض الرواة. فراجع بحثه فإنه مفيد.
(6)
البخاري (1/ 405 رقم 304)، ومسلم (1/ 87 رقم 80).
(وَعَنْ أَبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أليسَ إذا حَاضَتِ المرأةُ لمْ تصَلِّ ولَم تَصُمْ. مُتفقٌ عليهِ في حديثٍ طويلٍ) تمامهُ: "فذلكَ منْ نقصانِ دينِها".
رَواهُ مسلمٌ
(1)
من حديثِ ابن عمرَ بلفظِ: "تمكثُ اللياليَ ما تصلِّي، وتفطرُ في شهرِ رمضانَ، فهذَا نقصانُ دينِها"؛ وهوَ إخبارٌ يفيدُ تقريرَها على تركِ الصومِ والصلاةِ، وكونهمَا لا يجبانِ عليهَا، وهوَ إجماعٌ
(2)
في أنَّهما لا يجبانِ حالَ الحيضِ، ويجبُ قضاءُ الصومِ لأدلةٍ أُخر
(3)
.
وأما كونُها لا تدخلُ المسجدَ فلحديثِ: "لا أحلُّ المسجدَ لحائضٍ ولا جُنُبٍ"، وتقدمَ
(4)
.
وأما أنَّها لا تقرأُ القرآنَ فلحديثِ ابنِ عمرَ
(5)
مرفوعًا: "ولا تقرأُ الحائضُ
(1)
في "صحيحه"(1/ 86 رقم 132/ 79).
(2)
ذكره ابن المنذر في كتابه "الإجماع"(ص 37 رقم 29).
(3)
منها: ما أخرجه أحمد في "المسند"(6/ 232)، والبخاري (1/ 421 رقم 321)، ومسلم (1/ 265 رقم 69/ 335)، والدارمي (1/ 233)، وأبو داود (1/ 180 رقم 263)، والترمذي (1/ 234 رقم 130)، والنسائي (1/ 191)، وابن ماجه (1/ 207 رقم 631).
عن مُعَاذَةَ قالت: سألتُ عائِشَةَ فقلتُ: ما بالُ الحائِضِ تَقْضي الصومَ ولا تقضي الصلاة؟ فقالتْ: أحَرُوريَّةٌ أنتِ؟ قلت: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةً، ولكني أسألُ. قالت: كانَ يُصِيبُنَا ذِلكَ فَنؤمَرُ بقضاءِ الصومِ ولا نؤمرُ بقضاءِ الصلاة".
• أحرورية أنت: نسبة إلى حروراء، وهي قرية بقرب الكوفة. كان أول اجتماع الخوارج بها.
ومعنى قول عائشة رضي الله عنها: إن طائفة الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض، وهو خلاف إجماع المسلمين. وهذا الاستفهام الذي استفهمته عائشة هو استفهام إنكاري، أي: هذه طريقة الحرورية، وبئست الطريقة.
(4)
رقم الحديث (14/ 112)، وهو حديث ضعيف.
(5)
أخرجه الترمذي (1/ 236 رقم 131)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 42)، وابن ماجه (1/ 195 رقم 595)، والعقيلي في "الضعفاء"(1/ 90)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 145)، والبيهقي (1/ 89)، والدارقطني (1/ 117).
قال الترمذي: حديث ابن عمر لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة .. وسمعت محمد بن إسماعيل - البخاري - يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير كأنه ضعَّف روايته عنهم.
قلت: وهذا من روايته عنهم، فهو منكر.
وانظر: "نصب الراية"(1/ 195)، و"الإرواء" للألباني (رقم 192).
ولا الجنبُ شيئًا منَ القرآنِ"، وإنْ كانَ فيهِ مقالٌ
(1)
.
[وكذلكَ]
(2)
لا تمسُّ المصحفَ لحديثِ عمرِو بن حزمٍ، تقدَّم
(3)
وتقدَّمتْ شواهدُه
(4)
، والأحاديثُ لا تقصرُ عن الكراهةِ لكلِّ ما ذُكرَ، وإنْ لمْ تبلغْ درجةَ التحريمِ؛ إذْ لا تخلُو عن مقالٍ في طرقِها، ودلالةُ ألفاظِها غيرُ صريحةٍ في التحريمِ.
الحائض تعملُ أعمال الحج إلا الطواف
10/ 137 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا جِئْنَا سَرِفَ حضْتُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي". [صحيح]
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(5)
، في حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالتْ: لَمَّا جِئْنَا) أي: عامَ حَجْةِ الوداعِ وكانتْ قدْ أحرمتْ معهُ صلى الله عليه وسلم، (سَرِفَ) بالسينِ المهملةِ مفتوحةً وكسرِ الراءِ، ففاءٍ، اسمُ محلٍّ منعهُ من الصرفِ للعلَميةِ والتأنيثِ، وهو محلٌّ بينَ مكةَ والمدينةِ.
(حِضْتُ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غيرَ أنْ لا تطوفي بالبيتِ حتى تَطْهُرِي. متفقٌ عليهِ في حديثٍ طويلٍ) فيهِ صفةُ حجهِ صلى الله عليه وسلم. وفيهِ دليل على أن الحائضَ يصحُّ منْها جميعُ أفعالِ الحجِّ غيرَ الطوافِ بالبيتِ، وهوَ مجمعٌ عليهِ.
واختُلِفَ في علَّتهِ، فقيلَ: لأنَّ مِنْ شرطِ الطوافِ الطهارةُ، وقيلَ: لكونِها ممنوعةً منْ دخولِ المسجدِ. وأما ركعتا الطوافِ فقدْ عُلم أنَّهما لا يصحَّانِ منْها، إذْ هُما مرتبتانِ على الطوافِ والطهارةِ.
(1)
بل هو حديث ضعيف كما تقدم.
(2)
في (أ): "كذا".
(3)
رقم الحديث (11/ 71).
(4)
رقم الحديث (8/ 106).
(5)
البخاري (1/ 407 رقم 305)، ومسلم (2/ 873 رقم 120/ 1211).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 44)، والبيهقي (5/ 3)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(3/ 157)، والبغوي في "شرح السنة"(7/ 124 رقم 1914)، والطيالسي في "المسند"(رقم 1413، 1507)، وأحمد في "المسند"(6/ 39، 137، 219، 273)، وابن ماجه (2/ 988 رقم 2963)، وأبو داود (2/ 382 رقم 1782).
11/ 138 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ:"مَا فَوْقَ الإِزَارِ". [ضعيف]
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
وَضَعَّفَهُ.
ترجمة معاذ بن جبل
[وَعَنْ مُعَاذٍ]
(2)
بضمِ الميمِ فعينٍ مهملةٍ خفيفةٍ آخِرَهُ ذالٌ معجمةٌ.
وهوَ أبو عبدِ الرحمنِ معاذُ بنُ جبلٍ الأنصاريُّ الخزرجيُّ، أحدُ مَنْ شهدَ العقبةَ مِنَ الأنصارِ، وشهدَ بدرًا وغيرَها مِنَ المشاهدِ، وبعثهُ صلى الله عليه وسلم إلى اليمنِ قاضيًا ومعلِّمًا، وجعلَ إليهِ قبضَ الصدقاتِ منَ العمَّالِ باليمنِ، وكانَ منْ أجلَّاءِ الصحابةِ وعلمائِهم. استعملهُ عمرُ على الشامِ بعدَ أبي عبيدةَ فماتَ في طاعونِ عمواسٍ سنةَ ثماني عشرةَ، وقيلَ: سبعَ عشرةَ، ولهُ ثمانٍ وثلاثونَ سنةً.
(أنهُ سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: ما يحلُّ للرجلِ منِ امرأتهِ وهي حائضٌ؟ قال: ما فَوْقَ الإِزارِ. رواهُ أبو داودَ وضعَّفهُ). وقالَ: ليسَ بالقويِّ.
والحديثُ دليلٌ على تحريمِ مباشرةِ محلِّ الإزارِ: وهوَ ما بينَ السرة [والركبة]
(3)
. والحديثُ قدْ عارضهُ حديثُ: "اصنعوا كلَّ شيءٍ إلا النكاحَ"
(4)
تقدَّمَ، وهوَ أصحُّ منْ هذا فهوَ أرجحُ منهُ، ولو ضمَّهُ المصنفُ إليهِ لكانَ أولى. وتقدَّمَ الكلامُ فيهِ، وفي حديثِ عائشةَ:"كانَ يأمرني فأتَّزرُ"
(5)
.
(1)
في "السنن"(1/ 146 رقم 213)، وقال:"وليس هو - يعني الحديث - بالقوي".
قلت: فيه سعيد بن عبد الله الأغطش مجهول الحال، فإنا لا نعرف أحدًا وثقه - كما في "التلخيص"(1/ 166)، والخلاصة: أن الحديث ضعيف.
(2)
انظر ترجمته في: "مسند الإمام أحمد"(5/ 227 - 248)، و"طبقات ابن سعد"(2/ 347 - 350)، و"التاريخ الكبير"(7/ 359 - 360 رقم 1554)، و"الجرح والتعديل"(8/ 244 - 245 رقم 110)، و"حلية الأولياء"(1/ 228 - 244 رقم 36)، و"الاستيعاب"(10/ 104 - 114 رقم 2416)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 98 - 100 رقم 143)، و"مجمع الزوائد"(9/ 311)، و"الإصابة"(9/ 219 - 221 رقم 8032).
(3)
في (أ): "إلى تحت الركبة".
(4)
وهو حديث صحيح، تقدم رقم (6/ 133).
(5)
وهو حديث صحيح، تقدم رقم (7/ 134).
12/ 139 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَقْعُدُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا. [حسن]
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ
(1)
، وَاللَّفْظُ لأَبِي دَاوُدَ.
وَفِي لَفْظٍ لَهُ
(2)
: وَلَمْ يَأْمُرْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَضَاءِ صَلاةِ النِّفَاسِ. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
(3)
[حسن]
(وَعَنْ أمِّ سَلمةَ رضي الله عنهما: كانتِ النفساءُ تقعدُ على عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعدَ نفاسِها أربعينَ يومًا. رواهُ الخمسةُ إلَّا النسائيَّ، واللفظُ لأبي داودَ. وفي لفظٍ: ولمْ يأمرْهَا صلى الله عليه وسلم بقضاءِ صلاةِ النفاسِ. وصحَّحهُ الحاكمُ) وضعَّفهُ جماعةٌ، لكنْ قالَ النوويُّ
(4)
: قولُ جماعةٍ مِنْ مصنفي الفقهاءِ إنَّ هذَا الحديثَ ضعيفٌ، مردودٌ عليهم.
ولهُ شاهد عندَ ابن ماجه
(5)
منْ حديثِ أنسٍ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وقَّتَ
(1)
وهم: أحمد في "المسند"(6/ 300، 303، 304، 309، 310)، وأبو داود (1/ 217 رقم 311)، والترمذي (1/ 256 رقم 139)، وابن ماجه (1/ 213 رقم 648).
قلت: وأخرجه الحا كم في "المستدرك"(1/ 175)، والبيهقي (1/ 341)، والدارمي (1/ 229)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 136 رقم 322).
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وتعقبهم الألباني في "الإرواء" (1/ 222) بقوله: وهو عندي حسن الإسناد فإن رجاله ثقات كلهم معروفون غير "مسة" هذه، فقال الحافظ في "التلخيص" (1/ 171):"مجهولة الحال، قال الدارقطني: لا تقوم بها حجة، وقال ابن القطان: لا يُعرف حالها، وأغرب ابن حبان فضعَّفه بكثير بن زياد فلم يصب" اهـ.
والخلاصة: أن الحديث حسن. وقد حسنه النووي في "المجموع"(2/ 525)، والألباني في "الإرواء"(رقم 201).
(2)
أي: لأبي داود في "السنن"(1/ 219 رقم 312).
(3)
في "المستدرك"(1/ 175).
(4)
في "المجموع شرح المهذب"(2/ 525).
(5)
في "السنن"(1/ 213 رقم 649).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 312 رقم 1198)، والدارقطني (1/ 220 رقم 66)، والبيهقي (1/ 343).
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 142 رقم 246): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
وتعقَّبه الألباني في "الإرواء"(1/ 223) بقوله: وهذا من أوهامه، فإنه ظن أن سلامًا هذا=
للنفساءِ أربعينَ يومًا إلَّا أنْ ترى الطُّهرَ قبلَ ذلكَ"، وللحاكم
(1)
مِنْ حديثِ عثمانَ بن أبي العاصِ: "وقَّتَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للنساءِ في نفاسهنَّ أربعينَ يومًا".
فهذهِ الأحاديثُ يعضدُ بعضُها بعضًا، وتدلُّ على أنَّ الدمَ الخارجَ عقيبَ الولادةِ حكمهُ يستمرُّ أربعينَ يومًا، تقعدُ فيهِ المرأةُ عن الصلاةِ وعنِ الصومِ، وإنْ لم يصرِّحْ بهِ الحديثُ فقدْ أفيدَ منْ غيرِهِ.
وأفادَ حديثُ أنسٍ أنها إذا رأتِ الطهرَ قبلَ ذلكَ طهرتْ، وأنهُ لا حدَّ لأقلِّهِ.
تمَّ بحمد الله المجلَّد الأول من
"سُبل السلام الموصلة إلى بلوغ المَرام"
ولله الحمد والمنَّة
ويليه المجلَّد الثاني
وأوله: (الكتاب الثاني)
كتاب الصلاة
(الباب الأول)
بابُ المواقيت
* * *
= هو أبو الأحوص، وإنما هو الطويل كما في البيهقي، لكن رواه عبد الرزاق من وجه آخر عن أنس مرفوعًا كما قال الحافظ.
وخلاصة القول: أن حديث أنس ضعيف، واللَّه أعلم.
(1)
في "المستدرك"(1/ 176).
قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 220 رقم 70).
وفيه: أبو بلال الأشعري وهو ضعيف. انظر: "الميزان" للذهبي (4/ 507 رقم 10040).
قلت: وفي الباب حديث عبد اللَّه بن عمرو، وجابر، وعائشة، وأبي الدرداء، وأبي هريرة.
انظر تخريجها في كتابنا: "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الطهارة.