المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

[الكتاب الثاني] كتابُ الصَّلاةِ ‌ ‌[الباب الأول] بابُ المواقيتِ الصلاةُ - لغةً - - سبل السلام شرح بلوغ المرام - ت حلاق - جـ ٢

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

[الكتاب الثاني] كتابُ الصَّلاةِ

[الباب الأول] بابُ المواقيتِ

الصلاةُ - لغةً - الدعاءُ، سميتْ هذهِ العبادةُ الشرعيةُ باسمِ الدعاءِ؛ لاشتمالها عليهِ، (والمواقيتُ) جمعُ ميقاتٍ، والمرادُ بهِ: الوقتُ الذي عيَّنهُ اللَّهُ لأداءِ هذهِ العبادةِ، وهوَ القدرُ المحدودُ للفعلِ منَ الزمانِ.

‌مواقيت الصلاة

1/ 140 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَقْتُ الظهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضرْ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوسَطِ، وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشمْسُ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(1)

في "صحيحه"(1/ 427 رقم 173/ 612).

قلت: وأخرجه أحمدُ في "المسند"(1/ 210)، والنسائي (1/ 260 رقم 522)، وأبو داود (1/ 280 رقم 396)، والطيالسي في "المسند"(رقم 2249)، والطحاوي في شرح معاني الآثار، (1/ 150)، والبيهقي (1/ 366)، وأبو عوانة في "المسند"(1/ 349 - 350).

ص: 5

(عَنْ عبدِ اللَّهِ بن عمرِو [بن العاص]

(1)

رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: وَقْتُ الظُّهْرِ إذا زَالَتِ الشمسُ) أي: مالتْ إلى جهةِ المغربِ، وهوَ الدلوكُ الذي أرادهُ - تعالى - بقولهِ:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}

(2)

، (وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُل كَطُولِهِ) أي: ويستمرُّ وقتُها حتَّى يصيرَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله، فهذَا تعريفُ أول وقتِ الظهرِ وآخرهِ، فقولُهُ:"وكان" عطفٌ على زالتْ كما قرَّرنا، أي: ويستمرُّ وقتُ الظهرِ إلى صيْرورةِ ظلِّ الرجلِ مثله، (مَا لمْ يَحْضرْ وَقْتُ العَصْرِ) وحضورُهُ بمصيرِ ظلِّ كلِّ شيءٍ مثله كما يفيدهُ مفهومُ هذا، وصريحُ غيرهِ (وَوَقْتُ العَصْرِ) يستمرُّ (مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ). وقد عيَّن آخرَهُ في غيرهِ بمصيرِ ظلِّ الشيءِ مثليْهِ. (وَوَقْتُ صَلاةِ الْمَغْربِ) مِنْ عندِ سقوطِ قرصِ الشمسِ ويسمرُّ (ما لمْ يغِبِ الشَّفَقُ) الأحمر، [وتفسيرهُ بالحمرةِ سيأتي نصًّا]

(3)

. (وَوَقْتُ صَلاةِ العِشَاءِ) من غيبوبةِ الشفقِ، ويستمرُّ (إلى نِصْفِ اللَّيلِ الأَوْسَطِ)، المرادُ بهِ الأولُ. (وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ) أولُهُ (مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ)، ويستمرُّ (مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ. رواهُ مسلمٌ)، وتمامهُ في مسلم:"فإذا طَلَعتِ الشمسُ فأمسكْ عن الصلاةِ؛ فإنها تطلعُ بينَ قرني الشيطان"

(4)

.

الحديثُ أفادَ تعيينَ [أكثر]

(5)

الأوقاتِ الخمسةِ أولًا وآخرًا، فأولُ وقتِ الظهرِ زوالُ الشمسِ، وآخرهُ مصيرُ ظلِّ الشيءِ مثلِهِ. وذكرُ الرجلِ في الحديثِ تمثيلًا، وإذا صارَ كذلكَ فهوَ أولُ العصرِ، ولكنهُ يشاركهُ الظهرَ في قدرِ ما يتسعُ لأربعِ ركعاتٍ، فإنهُ يكونُ وقتًا لهما، كما يفيدُه حديثُ جبريل

(6)

: فإنه صلَّى

(1)

زيادة من (أ).

(2)

سورة الإسراء: الآية 78.

(3)

في (أ): "يأتي تفسيره بالحمرة أيضًا".

(4)

في (ب): "شيطان".

(5)

زيادة من (ب).

(6)

أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 330)، والترمذي (1/ 281 رقم 150)، والنسائي (1/ 255)، والدارقطني (1/ 257 رقم 3)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 195)، والبيهقي (1/ 368) كلهم من حديث جابر بن عبد الله.

وقال الترمذي: قال محمد - يعني البخاري - أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الحاكم هذا حديث صحيح مشهور. ووافقه الذهبي. ووافقهما الألباني في "الإرواء"(1/ 271).

قلت: إن الحديث صحيح. وانظر: "نصب الراية"(1/ 222 - 223). =

ص: 6

بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم الظهرَ في اليومِ الأولِ بعدَ الزوالِ، وصلَّى بهِ العصرَ عندَ مصيرِ ظلِّ الشيءِ مثلِهِ في الوقتِ الذي صلَّى فيهِ العصرَ اليومَ الأولَ. فدلَّ على أن ذلكَ وقتٌ يشتركُ فيهِ الظهرُ والعصرُ، وهذا هوَ الوقتُ المشتركُ وفيهِ خلافٌ، فمنْ أثبتهُ فحجتهُ ما سمعتَهُ، ومَنْ نفاهُ تأوَّلَ قولَهُ:"وصلَّى بهِ الظهرَ في اليومِ الثاني حينَ صارَ ظلُّ الشيءِ مثلَهُ"، بأنَّ معناهُ فرغَ منْ صلاةِ الظهرِ في ذلكَ الوقتِ وهوَ بعيدٌ. ثمَّ يستمرُّ وقتُ العصرِ إلى اصفرارِ الشمسِ، وبعدَ الاصفرارِ ليسَ بوقتٍ للأداءِ بلْ وقتُ قضاءٍ، كما قالهُ أبو حنيفةَ [كذا في الشرح وغيره]

(1)

. وقيلَ: بلْ أداءٌ إلى بقيةٍ تَسَعُ ركعةً لحديثِ: "منْ أدركَ ركعةً مِنَ العصرِ قبلَ أنْ تغيبَ الشمسُ فقدْ أدركَ العصرَ"

(2)

، وأولُ وقتِ المغرب إذا وجبتِ الشمسُ، أيْ: غربتْ. كما وردَ عندَ الشيخينِ

(3)

وغيرِهما، وفي لفظٍ

(4)

: "إذا غربتْ"، وآخرُه: ما لم يغبِ الشفقُ.

وفيهِ دليلٌ على اتساعِ وقتِ المغربِ، وعارضهُ حديثُ جبريل" فإنهُ صلَّى بهِ صلى الله عليه وسلم المغربَ في وقتٍ واحدٍ في اليومينِ، وذلكَ بعدَ غروبِ الشمس، والجمعُ بينهمَا أنهُ ليسَ في حديثِ جبريلَ حصرٌ لوقتهمَا في ذلكَ؛ ولأنَّ أحاديثَ تأخيرِ المغربِ إلى غروب الشفقِ متأخرةٌ، فإنَّها في المدينةِ، وإمامةُ جبريلَ في مكةَ، فهي زيادةٌ تفضَّلَ اللَّهُ بها. لو قيلَ: إنَّ حديثَ جبريلَ دالٌّ على أنهُ لا وقتَ

= قلت: وحديث إمامة جبريل رواه جماعة من الصحابة: منهم "ابن عباس" و"أبو مسعود" و"أبو هريرة" و"عمرو بن حزم" و"أبو سعيد الخدري" و"أنس بن مالك" و"ابن عمر".

انظر تخريجها في: "نصب الراية"(1/ 221 - 226)، و"إرواء الغليل"(1/ 268 - 270)، وكتابنا "إرشاد الأمة .. " جزء الصلاة.

(1)

زيادة من (أ).

(2)

أخرجه البخاري (2/ 56 رقم 579)، ومسلم (1/ 424 رقم 163/ 608)، وأبو داود (1/ 288 رقم 412)، والترمذي (1/ 353 رقم 186)، والنسائي (1/ 257)، وابن ماجه (1/ 356 رقم 1122)، ومالك (1/ 10 رقم 15)، وأحمد (2/ 254) وغيرهم من حديث أبي هريرة.

(3)

البخاري (2/ 41 رقم 560) و (2/ 47 رقم 565)، ومسلم (1/ 446 رقم 233/ 646) من حديث محمد بن عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

(4)

أخرجه البخاري (2/ 41 رقم 561)، ومسلم (1/ 441 رقم 216/ 636)، وأبو داود (1/ 291 رقم 417)، والترمذي (1/ 304 رقم 164).

من حديث سلمة بن الأكوع.

ص: 7

لها إلَّا الذي صلَّى فيهِ. وأولُ العشاءِ غيبوبةُ الشفقِ [الأحمر]

(1)

ويستمرُّ إلى نصفِ الليلِ

(2)

، وقد ثبتَ في الحديثِ التحديدُ لآخرهِ بثُلُثِ الليلِ

(3)

، لكنَّ أحاديثَ النصفِ صحيحةٌ فيجبُ العملُ بها، وأولُ وقتِ صلاةِ الصبح طلوعُ الفجرِ، ويستمرُّ إلى طلوعِ الشمسِ.

فهذا الحديثُ الذي في مسلمٍ

(4)

، قدْ أفادَ أولَ كلِّ وقتٍ منَ الخمسةِ وآخرَه.

(1)

زيادة من (أ).

(2)

• للحديث الذي أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 5)، وأبو داود في "السنن"(1/ 293 رقم 422)، والنسائي (1/ 268)، وابن ماجه (1/ 226 رقم 693)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 451) من حديث أبي سعيد، قال:"صلينا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ العَتْمَةِ فلم يخرُجْ حتى مضى نَحْو شطر الليلِ، فقال: "خذوا مقاعدكم"، فأخذنا مقاعِدَنا فقال: "إن الناسَ قد صَلُّوا وأخذُوا مضاجعَهُمْ، وإنكم لم تزالُوا في صلاةِ ما انتظرْتُم الصلاةُ، ولولا ضَعْفُ الضَّعِيفِ وسَقَمُ السقيمِ لأخَّرْتُ هذِهِ الصلاةَ إلى شَطْرِ الليلِ"، وهو حديث صحيح.

وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود وغيره.

• وللحديث الذي أخرجه البخاري (2/ 51 رقم 572)، ومسلم (1/ 443 رقم 222/ 640)، عن أنس قال: أخَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاةَ العِشاءِ إلى نصفِ الليل، ثم صلَّى ثم قال:"قد صلَّى الناسُ وناموا، أما إنكم في صلاةٍ ما انتظرتُموها". واللفظ للبخاري.

(3)

للحديث الذي أخرجه أحمد في "المسند"(1/ 333)، وأبو داود (1/ 274 رقم 393)، والترمذي (1/ 278 رقم 149)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 147)، والدارقطني (1/ 258 رقم 6)، والحا كم (1/ 193)، والبيهقي (1/ 364)، وابن خزيمة (1/ 168 رقم 325) وغيرهم.

عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أمَّني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين .. وصلَّى بي العشاء إلى ثلث الليل

"، وإسناده حسن.

(4)

في "صحيحه"(1/ 429 رقم 178/ 614).

عن أبي موسى عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ أَتَاهُ سائلٌ يسألُهُ عن مواقيتِ الصلاةِ؟ فلم يَرُدَّ عليهِ شيئًا. قال: فأقامَ الفجر حين انشقَّ الفجرُ، والناسُ لا يكادُ يَعْرِفُ بعضُهم بعضًا، ثم أمَرَهُ فأقامَ بالظهرِ حينَ زالتِ الشمسُ. والقائلُ يقولُ: قد انتصفَ النهارُ، وهو كانَ أعلمَ منهم، ثم أمرَهُ فأقامَ بالعصرِ والشمسُ مرتفعةٌ، ثم أمرهُ فأقامَ بالمغرب حينَ وقعتِ الشمسُ، ثم أمرَهُ فأقامَ العشاءَ حينَ غابَ الشفقُ، ثمَّ أخَّرَ الفجرَ من الغَدِ حتى انصرفَ منها، والقائلُ يقولُ: قد طَلَعَتِ الشمسُ أو كادتْ، ثم أخَّرَ الظُّهْرَ حتى كانَ قريبًا من وقتِ العصرِ بالأمسِ، ثم أخرَ العصرَ حتى انصرفَ منها، والقائلُ يقولُ: قد احمرَّتِ الشمسُ، ثم أخَّرَ المغربَ حتى كان عِنْدَ سُقُوطِ الشفقِ، ثم أخرَ العِشاءَ حتى كانَ ثُلُثُ الليلِ الأوَّلُ، ثم أصبحَ فدعا السائلَ فقال:"الوقتُ بين هذين".

ص: 8

وفيه دليلٌ أن لوقتِ كلِّ صلاةِ أوَّلًا وآخِرًا، وهلْ يكونُ بعدَ الاصفرارِ وبعدَ نصفِ الليلِ وقتٌ لأداءِ العصرِ والعشاءِ أوْ لا؟ هذا الحديثُ يدلُّ على أنهُ ليسَ بوقتٍ لهما، ولكنَّ حديثَ:"مَنْ أدركَ ركعةً منَ العصرِ قبلَ غروبِ الشمسِ فقدْ أدركَ العصرَ"

(1)

، فإنهُ يدلُّ على أن بعدَ الاصفرارِ وقتًا للعصرِ، وإنْ كانَ في لفظِ:"أدركَ" ما يشعرُ بأنهُ إذا كانَ تراخيهِ عن الوقتِ المعروفِ لعذرٍ أو نحوِهِ. ووردَ في الفجرِ مثلُهُ وسيأتي، ولم يردْ مثلُه في العشاءِ، ولكنهُ وردَ في مسلم

(2)

: "ليسَ في النومِ تفريطٌ، إنما التفريط على مَنْ لم يصلِّ الصلاةً حتى يجيءَ وقتُ الصلاةِ الأخرى"؛ فإنهُ دليلٌ على امتدادِ وقتِ كلِّ صلاةٍ إلى دخولِ وقتِ الأخْرى، إلا أنهُ مخصوصٌ بالفجرِ، فإنَّ آخرَ وقتِها طلوعُ الشمسِ، وليس بوقتٍ للتي بعدَها، وبصلاةِ العشاءِ فإنَّ آخرَه نصفُ الليلِ وليسَ وقتًا للتي بعدها. وقد قسمَ الوقتُ إلى اختياريٍّ واضطراريٍّ، ولم يقمْ دليلٌ ناهضٌ على غيرِ ما سمعتَ. وقد استوفينا الكلامَ على المواقيتِ في رسالةٍ بسيطةٍ سمَّيناها:"اليواقيتُ في المواقيتِ"

(3)

.

(1)

أخرجه مالك (1/ 10 رقم 15)، وأحمد في "المسند"(2/ 254)، والبخاري (2/ 56 رقم 579)، ومسلم (1/ 424 رقم 163/ 608)، وأبو داود (1/ 288 رقم 412)، والترمذي (1/ 353 رقم 186)، والنسائي (1/ 257)، وابن ماجه (1/ 356 رقم 1122) وغيرهم من حديث أبي هريرة.

(2)

في "صحيحه"(1/ 472 رقم 311/ 681) من حديث أبي قتادة.

ولفظه: "أما إنهُ ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يُصلِّ الصلاة حتى يجيءَ وقتُ الصلاةِ الأخرى

".

وأخرجه أبو داود (1/ 307 رقم 441)، وابن الجارود (رقم 153)، والبيهقي (2/ 216) مختصرًا بلفظِ:"ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى".

وأخرجه أحمد (5/ 298)، والترمذي (1/ 334 رقم 177)، وابن ماجه (1/ 228 رقم 698)، بلفظ:"ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكرها".

(3)

مخطوط/ جامع - 50/ مجاميع.

وقال الزركلي في "الأعلام"(6/ 38): مخطوطة بمكتبة عمر سميط تريم حضرموت رسالة.

أعاننا الله على الحصول عليها من أجل خدمتها.

ص: 9

2/ 141 - وَلَهُ

(1)

مِنْ حَدِيثِ بُريْدَةَ في الْعَصْرِ: "وَالشمْسُ بَيضَاءُ نَقِيَّةٌ". [صحيح]

(وَلَهُ) أي: لمسلم (مِنْ حديثِ بُرَيْدَةَ)

(2)

بضمِ الموحَّدةِ فراءٍ فمثناةٍ تحتيةٍ [ساكنةٍ]

(3)

فدالٍ مهملةٍ فتاءِ تأنيثٍ.

‌ترجمة بُريدة

هو أبو عبد اللَّهِ، أو أبو سهلٍ، أو أبو الحصيبِ بُرَيْدَةُ بنُ الحُصَيْبِ، بضمِّ الحاءِ المهملةِ فصادٍ مهملةٍ مفتوحةٍ فمثناةٍ تحتيةٍ ساكنةٍ فموحَدةٍ، الأسلميِّ. أسلمَ قبلَ بدرٍ ولمْ يشهدْها، وبايعَ بيعةَ الرِّضوانِ. سكنَ المدينةَ ثم تحولَ إلى البصرةِ، ثم خرجَ إلى خُراسانَ غازيًا، فماتَ بمروٍ زمن يزيدَ بن معاويةَ سنةَ اثنتينِ، أو ثلاثٍ وستينَ. (في العصر) أي: في بيانِ وقتِها. (والشمسُ بيضاءُ نقيةٌ) بالنونِ والقافِ ومثناةٍ تحتيةٍ مشدَّدةٍ، أي لم يدخلْها شيءٌ من الصفرةِ.

3/ 142 - وَمِنْ حَدِيثِ أَبي مُوسى: "وَالشمْسُ مُرْتَفِعَة". [صحيح]

(وَمِنْ حَدِيث أبي مُوسى) أي: ولمسلم

(4)

منْ حديثِ أبي مُوسى

(5)

.

(1)

أي لمسلم في "صحيحه"(1/ 428 رقم 176/ 613).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 349)، والترمذي (1/ 286 رقم 152)، والنسائي (1/ 258)، وابن ماجه (1/ 219 رقم 667)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم / 151)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 148)، والدارقطني (1/ 262 رقم 25)، والبيهقي (1/ 371).

(2)

انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(5/ 346 - 361)، و"طبقات ابن سعد"(4/ 241 - 243) و (7/ 365)، و"التاريخ الكبير"(2/ 141 رقم 1977)، و"الجرح والتعديل"(2/ 424 رقم 1684)، و"معجم الطبراني"(2/ 19 - 23 رقم 99)، و"مجمع الزوائد"(9/ 398)، و"الإصابة"(1/ 241 رقم 629)، و"الاستيعاب"(2/ 41 - 43 رقم 218)، و"شذرات الذهب"(1/ 70).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في "صحيحه"(1/ 429 رقم 614).

قلت: وأخرجه النسائي (1/ 260 رقم 523)، وأبو داود (1/ 279 رقم 395).

(5)

انظر ترجمته في: "المعرفة والتاريخ"(1/ 267، 270)، و"أخبار القضاة"(1/ 283 - 287)، و"المستدرك"(3/ 464 - 467)، و"جامع الأصول"(9/ 79 - 81 رقم 6621)، و"مجمع الزوائد"(9/ 358 - 360)، و"معرفة القراء"(1/ 39 - 40 رقم 6)، و"تهذيب =

ص: 10

‌ترجمة أبي موسى

وهوَ عبدُ اللَّهِ بنُ قيسٍ الأشعريُّ أسلمَ قديمًا بمكةَ، وهاجرَ إلى الحبشةِ، وقيلَ: رجعَ إلى أرضهِ ثمَّ وصلَ إلى المدينةِ معَ وصولِ [مهاجرِي]

(1)

الحبشةِ. ولَّاهُ عمرُ بنُ الخطابِ البصرةَ بعدَ عزلِ المغيرةِ سنةَ عشرينَ، فافتتحَ أبو مُوسَى الأهوازَ، ولم يزلْ على البصرةِ إلى صدرِ خلافةِ عثمانَ، فعزلهُ فانتقلَ إلى الكوفةِ، وأقامَ بها ثم أقرَّهُ عثمانُ عاملًا على الكوفةِ إلى أن قتلَ عثمانُ. ثمَّ انتقلَ بعدَ أمرِ التحكيمِ إلى مكةَ، ولم يزلْ بها حتَّى ماتَ سنةَ خمسينَ، وقيلَ: بعدَها، ولهُ نيفٌ وستونَ سنةً. (والشمسُ مرتفعةٌ) أي: وصلَّى العصرَ وهي مرتفعةٌ لم تملْ إلى الغروبِ.

وفي الأحاديثِ ما يدلُّ على المسارعةِ بالعصرِ، وأصْرحُ الأحاديثِ في تحديدِ أولِ وقتِها حديثُ جبريلَ

(2)

عليه السلام أنهُ صلَّاها بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وظلُّ الرجلِ مثلُه، وغيرُه مِنَ الأحاديثِ كحديثِ بريدةَ، وحديثِ أبي موسى محمولةٌ عليهِ.

4/ 143 - وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ في أقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ بالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ أبي بَرْزَةَ)

(4)

بفتحِ الموحدةِ وسكونِ الراءِ فزايٍ فهاءٍ.

= التهذيب" (5/ 317 - 318 رقم 625)، و"الإصابة" (6/ 194 - 196 رقم 4889)، و"الاستيعاب" (7/ 3 - 7 رقم 1639).

(1)

في (أ): "مهاجرة".

(2)

تقدم تخريجه من حديث جابر بن عبد الله، ومن حديث ابن عباس أثناء شرح الحديث رقم (1/ 140).

(3)

البخاري (2/ 26 رقم 547)، ومسلم (1/ 447 رقم 647).

قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 281 رقم 398)، والنسائي (1/ 246 رقم 495).

(4)

انظر ترجمته في: "الإصابة"(11/ 35 رقم 120) و (10/ 152 - 154 رقم 8810)، =

ص: 11

‌ترجمة أبي برزة

اسمُهُ نَضْلةُ، بفتحِ النونِ فضادٍ ساكنةٍ معجمةٍ، ابنُ عبيدٍ، وقيلَ: ابنُ عبدِ اللَّهِ، أسلمَ قديمًا وشهدَ الفتحَ، ولم يزلْ يغزو معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى تُوُفيَ صلى الله عليه وسلم، فنزلَ بالبصرةِ، ثمَّ غزا خراسانَ، وتوفيَ بمروٍ، وقيلَ: بغيرِها سنةَ ستينَ. (الأسلميِّ قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلِّي العصرَ، ثمَّ يرجعُ أحدُنا) أي: بعدَ صلاتِهِ (إلى رَحْلِهِ) بفتحِ الراءِ وسكونِ الحاءِ المهملةِ وهو مسكنهُ (في أقصى المدينةِ) حالٌ منْ رَحْلِهِ، وقيلَ: صفةٌ لهُ. (والشمسُ حيَّةٌ) أي: يصلُ إلى رحلِهِ حالَ كونها حيةً، أي بيضاءَ قويةَ الأثرِ حرارةً ولونًا وإنارةً. (وكانَ يستحبُّ أنْ يؤخرَ [منْ]

(1)

العشاءِ)، لم يبينْ إلى متَى، وكأنهُ يريدُ مطلقَ التأخيرِ، وقد بينهُ غيرُهُ منَ الأحاديثِ، (وكانَ يكرة النومَ قبلَها) لئلَّا يستغرقَ النائمُ فيهِ حتَّى يخرجَ اختيارُ وقتِها. (والحديثَ) التحادثَ معَ الناسِ (بَعْدَهَا)[فينامُ]

(2)

عَقِبَ تكفيرِ الخطيئةِ بالصلاةِ؛ [فتكون]

(3)

خاتمةَ عملِهِ؛ ولئلا يشتغلَ بالحديثِ عنْ قيامِ آخرِ الليلِ، إلَّا أنَّهُ قد ثبتَ أنهُ صلى الله عليه وسلم كان يسْمُرُ [معَ]

(4)

أبي بكرٍ في أمرِ المسلمينَ، (وكانَ ينفتلُ) بالفاءِ فمثناةٍ بعدَها فوقيةٍ مكسورةٍ، أي: يلتفتُ إلى مَنْ خلفَهُ أو ينصرفُ (منْ صلاةِ الغَدَاةِ) الفجرِ (حينَ يَعْرِفُ الرجُلُ جَلِيسَهُ) أي: بضوءِ الفجرِ؛ لأنهُ كانَ مسجدُهُ صلى الله عليه وسلم ليسَ فيهِ مصابيحُ، وهوَ يدلُّ [على]

(5)

أنهُ كانَ يدخلُ فيها والرجلُ لا يَعْرفُ جلِيسَهُ، وهوَ دليلُ التبكير بها، (وكانَ يقرأُ بالستينَ إلى المائةِ)؛ يريدُ أنهُ إذا اختصرَ قرأ بالستين في صلاتِهِ في الفجرِ، وإذا طوَّلَ فإلى المائةِ منَ الآياتِ (متفقٌ عليهِ). فيهِ ذكر [وقت](5) صلاةِ العصرِ، والعشاءِ، والفجرِ منْ دونِ تحديدٍ للأوقاتٍ، وقدْ سبقَ في الذي مضَى ما هُوَ أصرحُ وأشملُ.

= و"الاستيعاب"(10/ 295 - 269 رقم 2609)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 179 - 180 رقم 285)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 23 رقم 99)، و"تاريخ بغداد"(1/ 182 - 183 رقم 21)، و"الكنى والأسماء"(1/ 19)، و"حلية الأولياء"(2/ 32 - 33 رقم 130)، و"الجمع بين رجال الصحيحين"(2/ 534 رقم 2079).

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (أ): "لينام".

(3)

في (أ): "وتكون".

(4)

في (أ): "عند".

(5)

زيادة من (ب).

ص: 12

5/ 144 - وَعِنْدَهُمَا

(1)

مِنْ حديثِ جَابِرٍ: وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا يُقَدِّمُهَا، وَأَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا؛ إِذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَأُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بغَلَسٍ. [صحيح]

(وَعِنْدَهُمَا) أي: الشيخينِ، المدلولِ عليهما بقوله: متفقٌ عليهِ (مِنْ حديثِ جابرٍ: والعِشَاءَ أحيانًا يقدِّمها) أولَ وقتِها (وأحيانًا يؤخِّرُهَا) عنهُ كما فصَّلهُ قولهُ: (إذا رآهمْ) أي: الصحابةَ (اجتمعُوا) في أولِ وقتِها (عجَّلَ) رفقًا بهمْ، (وإذا رآهم أبطأوا) عنْ أولهِ (أخَّرَ) مراعاةً [لما هوَ]

(2)

الأرفقُ بهمْ، وقدْ ثبتَ

(3)

عنهُ أنهُ لولًا خوفُ المشقةِ عليهمْ لأخَّرَ بِهِمْ، (والصبحَ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصليها بغَلسٍ) الغَلَسُ - محركةً - ظلمةُ آخِرِ الليلِ، كما في القاموسِ

(4)

، وهوَ أولُ الفجرِ، ويأتي ما يعارضهُ في حديث رافعِ بن خديْج.

‌التغليس بالفجر

6/ 145 - وَلمُسْلِمٍ

(5)

مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. [صحيح]

(ولمسلمٍ) وحدَه (منْ حديثِ أبي موسى: فأقامَ الفجرَ حينَ انشقَّ الفجرُ، والناسُ لا يكادُ يعرفُ بعضُهم بعضًا)، وهوَ كما أفادهُ الحديثُ الأولُ.

‌الحثُّ على المسارعة بصلاة المغرب

7/ 146 - وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ

(1)

أي: البخاري (2/ 41 رقم 560)، ومسلم (1/ 446 رقم 233/ 646).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد (3/ 5)، وأبو داود (1/ 293 رقم 422)، والنسائي (1/ 268)، وابن ماجه (1/ 226 رقم 693)، والبيهقي (1/ 451) من حديث أبي سعيد قال: صلينا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاة العَتمة

فقال:

ولولا ضَعْفُ الضعيفِ، وسَقَمُ السقيمِ، لأخَّرتُ هذ الصلاةَ إلى شطرِ الليل"، وقد تقدم.

(4)

"المحيط"(ص 723).

(5)

في "صحيحه"(1/ 429 رقم 614)، وقد تقدَّم تخريجه في الحديث (رقم 3/ 142).

ص: 13

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصرُ مَوَاقِع نَبْلِهِ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْ رافعِ بن خَدِيجٍ)

(2)

بفتحِ الخاءِ المعجمةِ، وكسرِ الدالِ المهملةِ، فمثناةٍ تحتيةٍ فجيمٍ.

‌ترجمة رافع بن خديج

ورافعٌ هوَ: أبو عبدِ اللَّهِ، ويقالُ: أبو خديجٍ الخزرجيُّ الأنصاريُّ الأوسيُّ منْ أهلِ المدينةِ، تأخرَ عن بدرٍ لصغرِ سنِّه، وشهدَ أُحُدًا وما بعدَها، أصابهُ سهمٌ يومَ أُحدٍ فقالَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أنا أشهدُ لكَ يومَ القيامةِ"

(3)

، وعاشَ إلى [زمان]

(4)

عبدِ الملكِ بن مروانَ، ثمَّ انقضتْ جراحتُه فماتَ سنةَ ثلاثٍ أو أربعٍ وسبعينَ، ولهُ ستٌّ وثمانونَ سنةً، وقيل:[ومائة]

(5)

، زمن يزيدَ بن معاويةَ.

(1)

البخاري (2/ 40 رقم 559)، ومسلم (1/ 441 رقم 217/ 637).

قلت: وأخرجه أبو عوانة (1/ 361).

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(3/ 299 رقم 1024)، و"المعارف"(306 - 307)، و"الجرح والتعديل"(3/ 479 رقم 2150)، و"المستدرك"(3/ 561 - 562)، و"مرآة الجنان"(1/ 186) و"العبر"(1/ 61) و"البداية والنهاية"(9/ 4)، و"مجمع الزوائد"(9/ 345 - 346)، و"المطالب العالية"(4/ 110 رقم 4093)، و"معجم الطبراني الكبير"(4/ 238 - 288 رقم 421)، و"الكامل في التاريخ"(2/ 136، 151) و (3/ 115، 191) و (4/ 364)، و"تاريخ الطبري"(1/ 556، 558، 570).

(3)

أخرجه أحمد في "المسند"(6/ 378) من طريق عمرو بن مرزوق، عن يحيى بن عبد الحميد بن رافع بن خديج، أخبرتني جدتي امرأة رافع أن رافعًا رمى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أو يوم خيبر - قال: أنا أشك - بسهم في ثنْدُوَتهِ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انزع السهم، قال: يا رافع إن شئتَ نزعتُ السهم والقُطْبَةَ جميعًا، وإن شئتَ نزعتُ السهمَ وتركتُ القُطْبَةَ وشَهِدْتُ لك يوم القيامةِ أنكَ شهيدٌ، قال: يا رسول الله بل انزع السهم واترك القطبة واشهد لي يوم القيامة أني شهيد، قال: فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم السهم وترك القطبة.

وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(4/ 239 رقم 4242)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 345 - 346) وقال: امرأة رافع إن كانت صحابية وإلا فإني لم أعرفها وبقية رجاله ثقات.

(4)

في (أ): "زمن".

(5)

زيادة من (أ).

ص: 14

(قالَ: كنَّا نصلِّي المغربَ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فينصرفُ أحدُنا، وإنهُ ليبصرُ مواقعَ نَبْلِهِ)، بفتحِ النونِ وسكونِ الموحدةِ، وهي السهامُ العربيةُ، لا واحدَ لها منْ لفظِها، وقيلَ: واحدُها نَبْلَةٌ كتمرٍ وتمرةٌ (مُتفقٌ عليه).

والحديثُ فيهِ دليلٌ على المبادرةِ بصلاةِ المغربِ بحيثُ ينصرفُ مِنْهَا والضوءُ باقٍ، وقدْ كثرَ الحثُّ على المسارعةِ بهَا.

‌أفضل وقت العشاء آخره

8/ 147 - وَعَنْ عَائِشةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ بِالْعِشَاءِ، حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، وَقَالَ:"إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي".

رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالتْ: أَعْتَمَ) بفتحِ الهمزة وسكونِ العينِ المهملةِ فمثناةٍ فوقيةٍ مفتوحةٍ، يقالُ: أعتمَ إذا دخلَ في العَتَمَةِ، والعتَمَةُ محركةً: ثلثُ الليلِ الأولِ بعدَ غيبوبةِ الشَّفَقِ، كما في القاموسِ

(2)

، (رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ بالعشاءِ)[أيْ]

(3)

: أخَّرَهَا (حتى ذَهَبَ عامةُ الليلِ) كثيرٌ منهُ لا أكثرُهُ، (ثمَّ خرجَ فصلَّى، وقالَ: إنهُ لوقْتُها) أي: المختارُ والأفضلُ (لولا أنْ أشقَّ على أمتي) أي: لأخَّرْتُها إليهِ. (رواهُ مسلمٌ).

وهوَ دليلٌ على أن وقتَ العشاءِ ممتدٌّ، وأنَّ آخرَهُ أفضلُهُ، وأنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يراعي الأخفَّ على الأمةِ، [وأنه]

(4)

تركَ الأفضلَ وقتًا. وهي بخلافِ المغربِ فأفضلُهُ أولُه، وكذلكَ غيرُه إلَّا الظهرَ أيام [شدَّة]

(5)

الحرِّ، كما يفيدُه [الحديث التاسع](5).

‌الإبرادُ بالظهر

9/ 148 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اشْتَدَّ

(1)

في "صحيحه"(1/ 442 رقم 219/ 638).

قلت: وأخرجه النسائي (1/ 267 رقم 536)، وأحمد (6/ 150)، والبيهقي (1/ 376، 450)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 557 رقم 2114)، وهو حديث صحيح.

(2)

"المحيط"(ص 1465).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في (أ): "وإن".

(5)

زيادة من (أ).

ص: 15

الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ، فَإِن شدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَّنَمَ" [صحيح]

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

.

(وَعَنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأبْرِدُوا) بهمزةٍ مفتوحةٍ مقطوعةٍ وكسرِ الراءِ (بالصَّلاةِ) أي: صلاةِ الظهرِ؛ (فإنَّ شدةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) بفتحِ الفاءِ وسكونِ المثناةِ التحتيةِ فحاءٍ مهملةٍ، أي: سعةِ انتشَارِهَا وتنفسِها، (متفقٌ عليهِ). يقالُ: أبردَ إذَا دخلَ في وقتِ البردِ، كأظهرَ إذا دخل في [وقتِ]

(2)

الظهرِ، كمَا يُقَالُ: أنجدَ وأتهمَ إذا بلغَ نجدًا وتهَامةَ، ذلكَ في الزمانِ وهذَا في المكانِ.

والحديثُ دليلٌ على وجوبِ الإبرادِ بالظهرِ عندَ شدةِ الحرِّ؛ لأنهُ الأصلُ في الأمر، وقيلَ: إنهُ للاستحبابِ. وإليهِ ذهبَ الجمهورُ، وظاهرُهُ عامٌّ للمنفردِ والجماعةِ، والبلدِ الحارِّ وغيرِهِ، وفيهِ أقوالٌ غيرُ هذِهِ. وقيلَ: الإبرادُ سُنَّةٌ، والتعجيلُ أفضلُ؛ لعمومِ أدلةِ فضيلةِ أولِ الوقتِ، وأجيبَ بأنَّها عامةٌ مخصوصةٌ بأحاديثِ الإبرادِ، وعُورِضَ حديثُ الإبرادِ بحديثِ خبَّابٍ:"شَكَوْنَا إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حرَّ الرَّمْضَاءِ في جباهِنَا وأكُفِّنَا فلمْ يُشْكِنَا"، أي: لمْ يُزِلْ شكوانَا.

وهوَ حديثٌ صحيحٌ رواهُ مسلمٌ

(3)

. وأجيبَ عنهُ بأجوبةٍ: أحسنُها بأنَّ الذي

(1)

البخاري (2/ 15 رقم 533 - 534) و (1/ 18 رقم 536)، ومسلم (1/ 430 رقم 180/ 615).

قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 284 رقم 402)، والترمذي (1/ 295 رقم 157)، والنسائي (1/ 284 - 285)، وابن ماجه (1/ 222 رقم 677)، وابن الجارود (رقم 156)، والطحاوي في شرح معاني الآثار" (1/ 186)، وابن خزيمة (1/ 170 رقم 329)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 274)، والبيهقي (1/ 437)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (10/ 349)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 204 رقم 361)، والدارمي (1/ 274)، وأحمد (2/ 238)، والطبراني في "الصغير" (1/ 236 رقم 384) عنه.

وفي الباب عن جماعة وقد عُدَّ متواترًا.

انظر: "قطفُ الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" للسيوطي (ص 75 - 77 رقم 24)، و"نظم المتناثر من الحديث المتواتر" للكتاني (ص 56 رقم 62).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في "صحيحه"(1/ 433 رقم 189/ 619).

قلت: وأخرجه الطيالسي في "المسند"(ص 141 رقم 105)، وأحمد في "المسند"=

ص: 16

شكوهُ شدةُ الرمضاءِ في الأكفِّ والجباهِ، وهذهِ لا تذهبُ عن الأرضِ إلَّا آخرَ الوقتِ أوْ بعدَ آخرِهِ، ولذَا قالَ لهمْ صلى الله عليه وسلم:"صلُّوا الصلاةَ لوقتِها"، كما ذلكَ ثابتٌ في روايةِ خبابٍ هذهِ بلفظِ:"فلمْ يشكنا"، وقال:"صَلُّوا الصَلاةَ لوقْتِها"، رواها ابنُ المنذرِ؛ فإنهُ دالٌّ [على]

(1)

أنَّهمْ طلبوا تأخيرأ زائدًا عنْ وقتِ الإبرادِ، فلا يعارضُ حديثَ الأمرِ بالإبرادِ، وتعليل الإبرادِ بأنَّ شدةَ الحرِّ منْ فيحِ جهنمَ، يعني: وعندَ شدَّتِه يذهبُ الخشوعُ الذي هوَ روحُ الصلاةِ، وأعظمُ المطلوبِ منْها.

قيلَ: وإذا كانَ العلةُ ذلكَ فلا يُشْرعُ الإبرادُ في البلادِ الباردةِ. وقالَ ابنُ العربيِّ في القبسِ: ليسَ في الإبرادِ تحديدٌ، إلَّا ما وردَ في حديثِ ابن مسعودٍ - يعني الذي أخرجهُ أبو داودَ

(2)

، والنسائيُّ

(3)

، والحاكمُ

(4)

مِنْ طريقِ الأسودِ عنهُ -: "كانَ قَدْرُ صلاةِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ في الصيفِ ثَلاثَة أقدامٍ إلى خمسةِ أقدامٍ، وفي الشتاءِ خمسةَ أقدامٍ إلى سبعةِ أقدامٍ"، ذكرهُ المصنفُ في "التلخيص"

(5)

. وقد بيَّنَّا ما فيهِ، وأنهُ لا يتمُّ بهِ الاستدلالُ في المواقيتِ، وقد عرفتَ أن حديثَ الإبرادِ يخصِّصُ فضيلةَ صلاةِ الظهرِ في أولِ وقتِها بزمانِ شدةِ الحرِّ، كما قيلَ: إنهُ مخصصٌ [بالفجر]

(6)

.

‌الإسفار بالفجر

10/ 149 - وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَصْبِحُوا بالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لأجُورِكُمْ". [صحيح]

= (5/ 108)، والنسائي (1/ 247)، وابن ماجه (1/ 222 رقم 675)، والبيهقي (1/ 438)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(9/ 234) من حديث خَبَّاب.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "السنن"(1/ 282 رقم 400).

(3)

في "السنن"(1/ 250 رقم 503).

(4)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 182).

(5)

(1/ 182).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(2/ 202 - 203 رقم 360). وهو حديث صحيح، وقد صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود".

(6)

في (أ): "في الفجر".

ص: 17

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(1)

، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

، وَابْنُ حِبَّانَ

(3)

.

(وَعَنْ رَافِعِ بن خَديجٍ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أصْبِحُوا بالصُّبْحِ) وفي رواية: "أسفِروا"؛ (فإنهُ أعظمُ لأجورِكُم. رواهُ الخمسةُ، وصحَّحهُ الترمذيُّ، وابنُ حبانَ) وهذا لفظُ أبي داودَ، وبهِ إحتجتِ الحنفيةُ على تأخيرِ الفجرِ إلى الإسفارِ. وأجيبَ عنهُ بأنَّ استمرارَ صلاتِهِ صلى الله عليه وسلم بِغَلَسٍ، وبما أخرجَ أبو داودَ

(4)

منْ حديثِ أنسٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم أسفرَ بالصبحِ مرةً، ثمَّ كانتْ صلاتُهُ بعدُ بغلسٍ حتى ماتَ"، يُشعرُ بأنَّ المرادَ بأصْبِحُوا غيرُ ظاهرِهِ، فقيلَ:[إن]

(5)

المرادَ بهِ تحققُ طلوعِ الفجرِ، وأنَّ أعظمَ ليسَ للتفضيلِ. وقيل:[المرادُ]

(6)

بهِ إطالةُ القراءةِ في صلاةِ الصبحِ حتى يخرجَ منها مُسْفِرًا. وقيلَ: المرادُ بهِ الليالي المقمرةُ، فإنهُ لا يتضحُ أولُ الفجرِ معهَا؛ لغلبةِ نورِ القمرِ لنورِه، أوْ أنهُ فعلهُ صلى الله عليه وسلم مرةً واحدةً لعذرٍ، ثمَّ استمرَّ على خلافهِ،

(1)

وهم أحمد في "المسند"(3/ 465)، وأبو داود (1/ 294 رقم 424)، والترمذي (1/ 289 رقم 154)، والنسائي (1/ 272)، وابن ماجه (1/ 221 رقم 672).

(2)

في "السنن"(1/ 290).

(3)

في "الإحسان"(3/ 23 رقم 1489).

قلت: وأخرجه الطيالسي في "المسند"(ص 129 رقم 959)، والدارمي (1/ 277)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 178)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 94)، وفي "ذكر أخبار أصبهان"(2/ 329)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1/ 408 رقم 458)، والبيهقي (1/ 457)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(13/ 45)، وغيرهم، وهو حديث صحيح.

وقد صحَّحه الألباني في "الإرواء" رقم (258) وأجاد وأفاد في الكلام عليه.

(4)

لم أجده في "سنن أبي داود" من حديث أنس، واللَّه أعلم.

بل أخرجه أبو داود في "السنن"(1/ 278 رقم 394) من حديث أبي مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نزل جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبرني بوقتِ الصلاةِ، فصليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه"، يحسب بأصابعه خمس صلوات، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهر حين تزول الشمس، وربما أخَّرها حين يشتد الحر، .. وصلَّى الصبح مرةً بغَلس ثم صلَّى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد إلى أن يسفر". وأخرجه البخاري (3/ 2 رقم 521)، والنسائي (1/ 245 رقم 494)، وابن ماجه (1/ 220 رقم 668) مختصرًا.

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (أ): "أراد".

ص: 18

كما [يفيده]

(1)

حديثُ أنسٍ. وأما الردُّ على حديثِ الإسفارِ بحديثِ عائشة

(2)

عندَ ابن أبي شيبةَ وغيرِهِ بِلفظِ: "ما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ لوقتِها الآخَرِ حتى قبضهُ اللَّهُ"، فليس بتامٍ؛ لأنَّ الإسفارَ ليسَ آخرَ وقتِ صلاةِ الفجرِ، بلْ آخرُهُ ما يفيدُه:

‌من أدرك من الصبح أو العصرِ ركعة فقد أدركها

11/ 150 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ أدركَ مِنَ الصبحِ رَكْعَةً قبلَ أنْ تطلعَ الشمسُ)، أي: وأضافَ إليها أخرَى بعدَ طلوعِها، (فقدْ أدركَ الصبحَ) ضرورةَ أنهُ ليسَ المرادُ مَنْ صلَّى ركعةً فقطْ. والمرادُ فقدْ أدركَ صلاتَهُ أداءً لوقوعِ ركعةٍ في الوقتِ، (ومنْ أدركَ ركعةً من العصرِ) ففعلَها (قبلَ أنْ تغربَ الشمسُ فقدْ أدركَ العصرَ)، وإنْ فعلَ الثلاثَ بعدَ الغروبِ، (متفقٌ عليهِ). وإنما حملْنا الحديثَ على ما ذكرناهُ منْ أن المرادَ الإتيانُ بالركعةِ بعدَ الطلوعِ، وبالثلاثِ بعدَ الغروبِ

(1)

في (أ): "أفاده".

(2)

• أخرجه الحاكم (1/ 190)، والدارقطني (1/ 249 رقم 18): من طريق الليث، عن أبي النضر، عن عمرة، عن عائشة قالت: ما صلَّى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصلاة لوقتها الآخر حتى قبضه الله.

قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

• وأخرجه الحاكم (1/ 190)، والدارقطني (1/ 249 رقم 17): من طريق الليث، عن خالد بن يزيد عن سعيد بن هلال عن إسحاق بن عمر عن عائشة رضي الله عنها قالت:"ما صلَّى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله".

وفي سنده: إسحاق بن عمر، عن عائشة، تركه الدارقطني ["الميزان" (1/ 195)].

(3)

البخاري (2/ 56 رقم 579)، ومسلم (1/ 424 رقم 163/ 608).

قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 288 رقم 412)، والترمذي (1/ 353 رقم 186)، والنسائي (1/ 257)، وابن ماجه (1/ 356 رقم 1122)، ومالك (1/ 10 رقم 15)، وأحمد في "المسند"(2/ 254) وغيرهم.

ص: 19

للإجماعِ على أنهُ ليسَ المرادُ مَنْ أَتَى بركعةٍ فقطْ من الصلاتينِ صارَ مدرِكًا لهما. وقدْ وردَ في الفجرِ صريحًا في روايةِ البيهقي

(1)

بلفظ: "مَنْ أدركَ مِنَ الصبحِ ركعةً قبلَ أنْ تطلعَ الشمسُ، وركعة بعدَ أنْ تطلعَ [الشمسُ]

(2)

، فقدْ أدركَ الصلاةَ"، وفي روايةٍ

(3)

: "مَنْ أدركَ مِنَ الصبحِ ركعةً قبلَ أنْ تطلعَ الشمسُ فليصلِّ إليها أخْرى"، وفي العصر مِنْ حديثِ أبي هريرةَ

(4)

بلفظِ: "مَنْ صلَّى مِنَ العصرِ ركعةً قبلَ أنْ تغربَ الشمسُ ثمَّ صلَّى ما بقيَ بعدَ غروبِها لم يفُتْهُ العصرُ". والمرادُ مِنَ الركعةِ الإتيانُ بها بواجباتِها منَ [قراءةِ]

(5)

الفاتحةِ، واستكمالِ الركوعِ والسجودِ. وظاهرُ الأحاديثِ أنّ الكلَّ أداءٌ، وأنَّ الإتيان ببعضِها قبلَ خروج الوقتِ ينسحبُ حكمهُ على ما بعدَ خروجهِ، فضلًا مِنَ اللَّهِ، ثمَّ مفهومُ ما ذُكِرَ أَنهُ مَنْ أدركَ دونَ ركعةٍ لا يكونُ مُدْرِكًا للصلاةِ، إلَّا أن الحديث الثاني عشر وهو قوله:

12/ 151 - وَلِمُسْلِمٍ

(6)

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها نَحْوَهُ، وَقَالَ:"سَجْدَةً" بَدَلَ "ركعةً". ثُمَّ قَالَ: وَالسَّجْدَةُ إِنَّمَا هِيَ الرَّكْعَةُ. [صحيح]

(وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها نحوُهُ وقالَ: "سجدةٍ" بدلَ "ركعة")؛ فإنهُ ظاهرٌ أن مَنْ أدركَ سجدةً صارَ مُدْرِكًا للصلاةِ، إلَّا أن قولَه (ثمَّ قَالَ) أي الراوي، ويحتملُ أنهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(والسجدةُ إنَّما هيَ الركعةُ) يدفعُ أنْ يرادَ بالسجدةِ نفسُها؛ لأنَّ هذَا التفسيرَ إنْ كانَ مِنْ كلامِه صلى الله عليه وسلم فلا إشكالَ، وإنْ كانَ منْ كلامِ الراوي فهوَ أعرفُ بمَا رَوَى. وقالَ الخطابيُّ: المرادُ بالسجدةِ الركعةُ بسجودِهَا وركوعِها، والركعةُ إنَّما تكونُ تامةً بسجودِها، فسمِّيتْ على هذَا المعنى سجدةً اهـ. ولو بقيتِ السجدةُ على بابِها لأفادتْ أن مَنْ أدركَ ركعةً بإحدى سجدتيْها صارَ مُدْرِكًا، وليسَ بمرادٍ لورودِ سائرِ الأحاديثِ بلفظِ الركعةِ، فتُحملُ روايةُ السجدةِ عليها فيبقى مفهومُ مَنْ أدركَ ركعةً سالمًا عما يعارضُه. ويحتملُ أن من أدركَ سجدةً فقدْ صارَ

(1)

في "السنن الكبرى"(1/ 378 - 379).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "السنن الكبرى"(1/ 379).

(4)

أخرجه أبو عوانة (1/ 358).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في "صحيحه"(1/ 424 رقم 164/ 609).

ص: 20

مدرِكًا للصلاةِ كمنْ أدركَ ركعةً، ولا يُنافي ذلكَ ورودُ مَنْ أدركَ ركعةً لأنَّ مفهومَه غيرُ مرادٍ بدليلِ:"مَنْ أدركَ سجدةً"، ويكُونُ اللَّهُ تعالى قدْ تفضَّلَ فجعلَ مَنْ أدركَ سجدة مُدْرِكًا كمنْ أدركَ ركعة، ويكونُ إخبارُهُ صلى الله عليه وسلم بإدراكِ الركعةِ قبلَ أنْ يعلِّمهُ اللَّهُ جعلَ منْ أدركَ السجدةَ مدركًا للصلاةِ، فلا يردُّ أنهُ قدْ علمَ أن مَنْ أدركَ الركعة فقدْ أدركَ الصلاةَ بطريقِ الأَوْلَى. وأما قولُهُ: والسجدةُ إنَّما هي الركعةُ، فهوَ محتملٌ أنهُ مِنْ كلامِ الراوي، وليس بحجةٍ، وقولُهم: تفسيرُ الراوي مقدَّمٌ، كلامٌ أغلبيٌّ، وإلَّا فحديثُ:"فرُبَّ مُبَلَّغٍ أوعَى مِنْ سامعٍ"

(1)

، وفي لفظ:"أفقهُ"

(2)

، يدلُّ على أنهُ يأتي بعدَ السلفِ مَنْ هوَ أفقهُ منْهم. ثمَّ ظاهرُ الحديثِ أن مَنْ أدركَ الركعةَ مِنْ صلاةِ الفجرِ، أو العصرِ، لا تكرهُ الصلاةُ في حقهِ عندَ طلوعِ الشمس وعندَ غروبها، وإنْ كانا وقتيْ كراهةٍ، ولكنْ في حقِّ المتنفِّلِ فقطْ، وهوَ الذي أفادهُ الحديث الثالث عشر وهو:

‌بيان الأوقات التي تكره فيها الصلاة

13/ 152 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ

(1)

أخرجه الترمذي (7/ 417 - مع التحفة) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه (1/ 85 رقم 232)، وأحمد (1/ 166 - "الفتح الرباني") من حديث ابن مسعود.

قلت: مدار حديث ابن مسعود في كل طرقه على أبنه: عبد الرحمن، وهو مدلس من المرتبة الثالثة، ولم يصرِّح بالسماع. ولكن يشهد له: حديث زيد بن ثابت الذي أخرجه الترمذي (7/ 415 - مع التحفة) وقال: حديث حسن.

وأبو داود (10/ 94 - مع العون)، وأحمد (1/ 164 - "الفتح الرباني")، وابن ماجه (1/ 84 رقم 230).

وكذلك يشهد له: حديث جبير بن مطعم الذي أخرجه أحمد (1/ 165 - "الفتح الرباني")، وابن ماجه (1/ 85 رقم 231).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره. وقد صحَّحه الترمذي والألباني في "صحيح الجامع"(6/ 29 رقم 6640).

(2)

أخرجه الترمذي (7/ 415 - مع التحفة) وقال: حديث حسن، وأبو داود (10/ 94 - مع العون)، وأحمد (1/ 164 - (الفتح الرباني")، وابن ماجه (1/ 84 رقم 230) من حديث زيد بن ثابت وقد تقدم آنفًا.

ص: 21

الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

، ولفظ مسلم:"لا صلاة بعد صلاة الفجر". [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سمعت رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: (لا صَلاةَ) أي نافلةً (بعدَ الصُّبْحِ)، أي صلاتُه أو زمانهُ (حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ولا صَلَاةَ بعدَ العَصْرِ) أيْ صلاتُهُ أو وقتُه (حتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ. مُتفقٌ عليهِ. ولفظُ مسلمٍ: لا صلاةَ بعدَ صلاة الفجرِ). فعينت المرادَ مِنْ قولِهِ: بعد الفجرِ، فإنهُ يحتملُ ما ذكرْناهُ كما وردَ في روايةِ:"لا صلاةَ بعدَ صلاةَ العصرِ"، نسبَها ابنُ الأثيرِ إلى الشيخينِ، وفي روايةٍ:"لا صلاةَ بعدَ طلوعِ الفجرِ إلا ركعتي الفجرِ"

(2)

، ستأتي. فالنفيُ قدْ توجهَ إلى ما بعدَ فعلِ صلاةِ الفجرِ، وفعلِ صلاةِ العصرِ، ولكنهُ بعدَ طلوعِ الفجرِ لا صلاةَ إلَّا [نافلتَهُ]

(3)

فقطْ. وأما بعدَ دخولِ العصرِ فالظاهرُ إباحةُ النافلةِ مطلقًا ما لم يصلِّ العصرَ، وهذا نفيٌ للصلاةِ الشرعيةِ، [لا الحسية]

(4)

؛ وهوَ في معنى النهي والأصلُ فيهِ التحريمُ، فدلَّ على تحريمِ النفلِ في هذينِ الوقتينِ مطلقًا. والقولُ بأنَّ ذاتَ السببِ تجوزُ كتحيةِ المسجدِ مثلًا وما لا سببَ لها لا تجوزُ، قدْ بينَّا أنهُ لا دليلَ عليهِ في حواشي شرح العمدةِ

(5)

، وأما صلاتُهُ صلى الله عليه وسلم ركعتينِ بعدَ [صلاةِ]

(6)

العصرِ في منزلهِ كما أخرجهُ البخاريُّ

(7)

منْ حديثِ عائشةَ: "ما تركَ السجدتينِ بعدَ العصرِ عندي قطٌّ"، وفي لفظٍ

(8)

: "لم يكن يدعُهُمَا سِرًّا ولا عَلانِيةً"؛ فقدْ أجيبَ عنهُ بأنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّاهُمَا قضاءً لنافلةِ الظهر لما فاتتْهُ ثمَّ استمرَّ عليهمَا، لأنهُ كانَ إذا عملَ عملًا أثبتهُ، فدلَّ علَى جوازِ قضاءِ الفائتةِ في وقتِ الكراهةِ، وبأنهُ مِنْ خصائصهِ جوازُ النفلِ

(1)

البخاري (2/ 61 رقم 586)، ومسلم (1/ 567 رقم 288/ 827).

قلت: وأخرجه النسائي (1/ 277، 278)، وابن ماجه (1/ 395 رقم 1249)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 319 رقم 775)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 59 - 60).

(2)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 465) و (2/ 465 - 466) من حديث عبد الله بن عمرو.

وانظر: "نصب الراية" للزيلعى (1/ 256).

(3)

في (ب): "نفلَهُ".

(4)

زيادة من (أ).

(5)

(2/ 83 - 85).

(6)

في (أ): "صلاته".

(7)

في "صحيحه"(2/ 64 رقم 591).

(8)

للبخاري في "صحيحه"(32/ 64 رقم 592).

ص: 22

في ذلكَ الوقتِ كما دلَّ لهُ حديثُ أبي داودَ

(1)

عنْ عائشة: "أنهُ كانَ يصلِّي بعدَ العصرِ وينْهى عنْها، وكانَ يواصلُ وينهى عن الوصالِ".

وقد [ذهبت]

(2)

طائفةٌ منَ العلماءِ إلى أنهُ لا كراهةَ للنفلَ بعدَ [فعل]

(3)

صلاتي الفجرِ والعصرِ لصلاتهِ صلى الله عليه وسلم هذهِ بعدَ العصرِ، ولتقريرهِ صلى الله عليه وسلم لمن رآهُ يصلِّي بعدَ صلاةِ الفجرِ نافلةَ الفجرِ

(4)

. [ولكنْ]

(5)

يقالُ: هذانِ دليلانِ على جوازِ قضاءِ النافلةِ في وقتِ الكراهةِ، لا أنَّهما دليلانِ على أنهُ لا يكرهُ النفلُ مطلقًا؛ إذِ الأخصُّ لا يدلُّ على رفعِ الأعمِّ بلْ يخصصهُ، وهوَ مِنْ تخصيصِ الأقوالِ بالأفعالِ، على أنهُ يأتي النصُّ على أن مَنْ فاتتْهُ نافلةُ الظهرِ فلا يقضيْها بعدَ العصرِ، ولأنه لو تعارضَ القولُ والفعلُ كانَ القولُ مقدَّمًا عليه. فالصوابُ أن هذينِ الوقتينِ يحرُمُ فيهمَا [أداء]

(6)

النوافلُ كما تحرمُ في الأوقاتِ الثلاثة التي أفادَهَا الحديث الرابع عشر:

14/ 153 - وَلَهُ

(7)

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

في "السنن"(2/ 59 رقم 1280) وفي إسناده: محمد بن إسحاق بن يسار، وقد اختلف في الاحتجاج بحديثه. قاله المنذري في "المختصر"(2/ 83).

قلت: والحديث ضعيف. وقد ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.

(2)

في (ب): "ذهب".

(3)

زيادة من (أ).

(4)

يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود (2/ 51 رقم 1267)، والبيهقي (2/ 483) عن قيس بن عمرو، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الصبح ركعتان"، فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرج الترمذي نحوه (2/ 284 رقم 422)، وأعله بأن محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس بن عمرو، لكن للحديث طرق وشواهد يرقى بها إلى الصحة، ذكرها العلامة أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (2/ 286 - 287).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود".

(5)

في (ب): "ولكنه".

(6)

في (ب): "إذًا".

(7)

أي لمسلم في "صحيحه"(1/ 568 رقم 831/ 293).

قلت: وأخرجه الطيالسي (ص 135 رقم 1001)، وأحمد (4/ 152)، وأبو داود (3/ 531 رقم 3192)، والترمذي (3/ 348 رقم 1030)، والنسائي (1/ 275)، وابن ماجه (1/ 486 رقم 1519)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 151)، والبيهقي (2/ 452)، وابن حبان في "صحيحه"(3/ 46 رقم 1549).

ص: 23

يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وأَنْ نَقْبُرَ فِيهنَّ مَوْتَانًا:"حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْس بَازغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَتَضَيفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ". [صحيح]

(وَلَهُ) أي لمسلمٍ (عَنْ عُقْبَةَ)

(1)

بضمِّ العينِ المهملةِ وسكونِ القافِ فموحَّدةٍ مفتوحةٍ.

‌ترجمة عقبة بن عامر

(ابن عَامِرٍ) هو أبو حماد، أو أبو عامر، عقبة بن عامر الجهني. كان عاملًا لمعاوية على مصر، وتوفي بها سنةَ ثمانٍ وخمسينَ، وذكرَ خليفةُ أنهُ قتلَ يومَ النهَرَوانِ معَ عليٍّ عليه السلام، وغلَّطهُ ابنُ عبدِ البرِّ.

(ثلاثُ ساعاتٍ كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينهانا أنْ نُصَلِّيَ فيهنَّ وأنْ نَقْبُرَ)، بضمِ الباءِ وكسرِها، (فيهنَّ موتانا: حينَ تطلعُ الشمسُ بَازِغَةً حَتَّى ترتفِعَ)، بيَّنَ قدْرِ ارتفاعِها الذي عندَه تزولُ الكراهةُ حديثُ عَمرِو بن عَبَسَةَ بلفظِ:"وترتفعُ قِيْس رُمْحٍ، أو رُمْحينِ"، وقِيْسُ: بكسرِ القاف وسكونِ المثناةِ التحتيةِ فسينِ مهملةٍ؛ أي قَدْرَ. أخرجهُ أبو داودَ

(2)

، والنسائيُّ

(3)

. (وحينَ يقومُ قائمُ الظهيرةِ) في حديث ابنِ عبسةَ: "حتى يعدلَ الرُّمْحُ ظلَّهُ". (حَتَّى تزولَ الشمسُ) أي: تميلُ عنْ كبدِ السماءِ، (وحينَ تَتَضَيَّفُ) بفتحِ المثناةِ الفوقيةِ فمثناةٌ بعدَها وفتحِ الضادِ المعجمةِ وتشديدِ الياءِ وفاءٍ؛ أي تميلُ (الشمس للغروبِ)؛ فهذهِ ثلاثةُ أوقاتٍ [إن]

(4)

انضافتْ إلى الأوَّلَينِ

(1)

انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(4/ 143، 201)، و"طبقات ابن سعد"(4/ 343 - 344)، و"التاريخ الكبير"(6/ 430 رقم 2885)، و"المعارف"(279)، و"الجرح والتعديل"(6/ 313 رقم 1741)، و"المستدرك"(3/ 467 - 470)، و"تهذيب التهذيب"(7/ 216 - 217 رقم 440)، و"الإصابة"(7/ 21 - 23 رقم 5594)، و "الاستيعاب"(8/ 100 - 101 رقم 1824)، و"شذرات الذهب"(1/ 64).

(2)

في "السنن"(2/ 56 رقم 1277).

(3)

في "السنن"(1/ 279 - 280 رقم 572).

قلت: وأخرجه مسلم مطولًا (1/ 570 رقم 294/ 832).

(4)

زيادة من (ب).

ص: 24

كانتْ خمسةً، إلَّا أن الثلاثةَ تختصُّ بكراهةِ أمرينِ: دفنِ الموتى، والصلاةِ. والوقتانِ الأوَّلانِ يختصانِ بالنهيِ عن الثاني منهمَا.

وقدْ وردَ تعليلُ النهي عنْ هذهِ الثلاثةِ في حديثِ ابن عَبَسَةَ عندَ منْ ذكرَ "بأنَّ الشمسَ عندَ طلوعِها تطلعُ بينَ قرني شيطانِ"، فيصلِّي لها الكفارُ، وبأنهُ عندَ قيامِ قائمِ الظهيرةِ تُسْجَر جهنمُ وتفتحُ أبوابُها، وبأنَّها تغربُ بينَ قرني شيطانٍ، ويصلِّي لها الكفارُ. ومعنى قولهِ:(قائمُ الظهيرةِ) قيامُ الشمسِ وقتَ الزوالِ، منْ قولهمْ قامتْ بهِ دابتُه وقفتْ، والشمسُ إذا بلغتْ وسطَ السماءِ أبطأتْ حركةُ الظلِّ إلى أنْ تزولَ فيتخيلُ الناظرُ المتأملُ أنَّها وقفتْ وهي سائرةٌ. والنهيُ عنْ هذه الأوقاتِ الثلاثةِ عامٌ بلفظهِ لفرضِ الصلاةِ ونفلِها. والنهيُ للتحريم كما عرفتَ مِنْ أنهُ أصلُه، وكذَا يحرمُ قبرُ الموتَى فيها، ولكنَّ فرضَ الصلاةِ أَخرجهُ [حديث]

(1)

: "منْ نامَ عنْ صلاتهِ"

(2)

الحديثُ. وفيهِ: "فوقتُها حينَ يذكُرُها"، ففي أيِّ وقتٍ ذكرَها، أو استيقظَ من نومهِ أتى بِهَا، وكذا مَنْ أدركَ ركعة قبلَ غروبِ الشمسِ، وقبلَ طلوعِها لا يحرمُ عليهِ بلْ يجبُ عليهِ أداؤُها في ذلكَ الوقتِ؛ فيخُصُّ النهيُ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

أخرجه البخاري (2/ 70 رقم 597)، ومسلم (1/ 477 رقم 684)، والترمذي (1/ 335 رقم 178)، وأبو داود (1/ 307 رقم 442)، والنسائي (1/ 293 رقم 613)، وابن ماجه (1/ 227 رقم 696)، والدارمي (1/ 280)، والبيهقي (2/ 218)، وأحمد (3/ 216، 243، 267، 269، 282) من طرق .. من حديث أنس.

قلت: وأخرج مسلم في "صحيحه": (1/ 471 رقم 309/ 680)، وأبو داود (1/ 302 رقم 435)، وأبو عوانة (2/ 253) والبيهقي (2/ 217)، وابن ماجه (1/ 227 رقم 697) وغيرهم، عن أبي هريرة أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قفلَ من غزوةِ خيبر، سارَ ليلةً حتى إذا أَدْرَكَهُ الكرَى عَرَّسَ وقالَ لبلالٍ:"اكْلأْ لَنَا الليلَ" فصَلَّى بلالٌ ما قُدِّرَ، ونامَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ. فَلَمَّا تقارَبَ الفجرُ استندَ بلالٌ إلى راحلتِهِ مواجهَ الفجر. فَغَلَبتْ بلالًا عيناهُ وهوَ مستندٌ إلى رَاحِلَتِهِ، فلم يستيقظْ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بلالٌ ولا أحَدٌ من أصحابهِ حتى ضربَتْهُمْ الشمسُ. فكانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أوَّلَهُمُ استيقاظًا، ففزعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال:"أيْ بلالُ"، فقال بلالٌ: أخذ بنفسي الذي أخذَ - بأبي أنتَ وأمِّي يا رسولَ اللَّهِ - بنفسِكَ. قال: "اقتادُوا" فاقتادوا رواحِلَهُم شيئًا. ثم توضَّأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأمر بلالًا فأقامَ الصلاة، فصلَّى بهِمُ الصُّبْحَ. فلما قضى الصلاةُ، قال: "من نسي الصلاة فليُصَلِّها إذا ذكرَهَا، فإن الله قال:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} طه (14).

ص: 25

بالنوافلِ دونَ الفرائضِ. وقيلَ: بلْ يعمُّهما بدليلِ أنهُ صلى الله عليه وسلم لما نام [في الوادي]

(1)

عنْ صلاةِ الفجرِ، ثمَّ استيقظَ لم يأتِ بالصلاةِ في ذلكَ الوقتِ، بلْ أخَّرَها إلى أنْ خرجَ الوقتُ المكروهُ

(2)

. وأُجيبَ عنهُ أولًا: بأنهُ صلى الله عليه وسلم لم يستيقظْ هوَ وأصحابهُ إلَّا حينَ أصابَهُم حرُّ الشمسِ كما ثبتَ في الحديثِ، ولا يوقظُهم حرُّها إلَّا وقدِ ارتفعتْ وزالَ وقتُ الكراهةِ. وثانيًا: بأنهُ قدْ بينَ صلى الله عليه وسلم وجهَ تأخيرِ أدائِها عندَ الاستيقاظِ بأنَّهم في وادٍ حضرَ فيهِ الشيطانُ، فخرجَ صلى الله عليه وسلم عنهُ وصلَّى في غيرِه. وهذا التعليلُ يشعرُ بأنهُ ليسَ التأخيرُ لأجلِ وقتِ الكراهةِ لوْ سُلِّم أنهمْ استيقظُوا ولمْ يكنْ قدْ خرجَ [الوقت]

(3)

، فتحصل منَ الأحاديثِ أنها تحرمُ النوافلُ في الأوقاتِ الخمسةِ، وأنهُ يجوزُ أنْ تُقْضَى النوافلُ بعدَ صلاةِ الفجرِ، وبعدَ صلاةِ العصرِ، أما صلاةُ العصرِ فلِما سلفَ منْ صلاتهِ صلى الله عليه وسلم قاضيًا لنافلةِ الظهرِ بعدَ العصرِ إنْ لم نقلْ إنهُ خاصٌّ بهِ. وأما صلاةُ الفجرِ فلتقريرِهِ لِمنْ صلَّى نافلةَ الفجرِ بعدَ صلاتهِ. وأنها تصلَّى الفرائضُ في أيِّ الأوقات الخمسةِ لنائمٍ، وناسٍ، ومؤخِّرٍ عمدًا، وإنْ كانَ آثمًا بالتأخيرِ، والصلاةُ أداءٌ في الكلِّ ما لمْ يخرجْ وقتُ العاملِ فهيَ قضاءٌ في حقِّه. ويدلُّ على تخصيصِ وقتِ الزوالِ يومُ الجمعةِ منْ هذهِ الأوقاتِ بجوازِ النفلِ فيهِ الحديثُ الآتي، وهوَ قولُهُ:

‌تخصيصُ زوالِ الجمعةِ عن عموم النهي عن النافلةِ

15/ 154 - والْحُكْمُ الثَّاني

(4)

عِنْدَ الشَّافِعيِّ مَنْ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ

(5)

بِسَنَدٍ ضَعيفٍ، وَزَادَ:"إِلَّا يَوْمَ الْجُمْعَةِ". [ضعيف]

(1)

في (أ): "بالوادي".

(2)

يشير المؤلف إلى الحديثِ الذي أخرجه البخاري (1/ 447 رقم 344)، ومسلم (1/ 474 رقم 312/ 682) عن عمران بن حُصينٍ. قال:"كنتُ مع نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسيرٍ لَهُ، فأدْلجْنَا لَيْلَتَنَا، حتى إذا كان في وَجْهِ الصُّبْحِ عَرَّسْنَا فغلبَتْنَا أَعْيُنُنَا حتى بزَغَت الشمسُ. قال: فكان أوَّلَ من استيقظ منا أبو بكر، وكُنَّا لا نُوقِظُ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم من منامِهِ إذا نامَ حتى يستيقظ، ثم استيقظ عُمَرُ. فقامَ عِنْدَ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يكبِّرُ ويرفعُ صوتَهُ بالتكبير حتى استيقظ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلما رفعَ رأسَهُ ورأى الشمسَ قد بزغتْ قالَ: "ارتحِلُوا" فسارَ بنا حتى إذا ابيضتِ الشمسُ نزلَ فصلَّى بنا الغداةَ

".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

وهو النهي عن الصلاةِ وقت الزوال.

(5)

• أخرجه الشافعي في "الأم"(1/ 226 - 227)، والبيهقي (2/ 464) من طريقه عن =

ص: 26

(والحكمُ الثاني) وهوَ النهيُ عن الصلاةِ وقتَ الزوالِ. والحكمُ الأولُ النهيُ عنْها عندَ طلوعِ الشمسِ، إلا أنهُ تسامحَ المصنفُ في تسميتهِ حكمًا؛ فإنَّ الحكمَ في الثلاثةِ الأوقاتِ واحدٌ، وهوَ النَهيُ عن الصلاةِ فيها. وإنَّما هذا الثاني أحدُ محلاتِ الحكمِ لا أنهُ حكمٌ ثانٍ. وفسَّرَ الشارحُ الحكمَ الثاني بالنهيِ عن الصلاةِ في الأوقاتِ الثلاثةِ كما أفادهُ حديثُ أَبي سعيدٍ

(1)

، وحديثُ عقبةَ، لكنْ فيهِ أنهُ الحكمُ الأولُ؛ لأنَّ الثاني هوَ النهيُ عنْ قبرِ الأمواتِ، فإنهُ الثاني في حديث عقبة

(2)

، وفيهِ أنهُ يلزمُ أن زيادةَ استثناءِ يومِ الجمعةِ يعمُّ الثلاثةَ الأوقاتِ في عدمِ الكراهةِ، وليسَ كذلكَ اتفاقًا، إنَّما الخلافُ في ساعةِ الزوالِ يومَ الجمعةِ (عندَ الشافعي منْ حديثِ أبي هريرةَ بسندٍ ضعيفٍ، وزادَ) فيهِ: (إلَّا يومَ الجمعةِ). [والحديثُ المشارُ إليهِ]

(3)

أخرجهُ البيهقيُّ في المعرفةِ

(4)

منْ حديثِ عطاءٍ بن عِجلانَ عنْ أبي نضرةَ، عنْ أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ قالا:"كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينْهى عن الصلاةِ نصفَ النهارِ إلَّا يومَ الجمعةِ"، [وقال]

(5)

: إنَّما كانَ ضعيفًا لأنَّ فيهِ إبراهيمَ بنَ يحيى

(6)

، وإسحاقَ بنَ عبدِ اللَّهِ بنَ أبي فروةَ

(7)

؛ وهما ضعيفانِ، ولكنهُ يشهدُ لهُ الحديث السادس عشر وهو قوله:

= إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة به.

وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى: كذاب رافضي، قاله ابن معين كما في "الميزان"(1/ 58)، وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك (المرجع السابق)، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة: متروك. قاله الدارقطني في "الضعفاء"(رقم 95)، وانظر:"الميزان"(1/ 193 رقم 768)، و"المجروحين"(1/ 131).

• وأخرجه البيهقي (2/ 464) من طريق أبي خالد الأحمر، عن شيخ من أهل المدينة يقال له: عبد الله، عن سعيد المقبري به ..

• وله طريق ثالث من رواية: "محمد بن عمر الواقدي" وهو متروك ["الضعفاء الصغير" للبخاري (رقم 334)].

• ورابع فيه "عطاء بن عجلان" وهو منكر الحديث ["الضعفاء الصغير" للبخاري (رقم 279)].

(1)

تقدم تخريجه (رقم 13/ 152).

(2)

تقدم تخريجه (رقم 14/ 153).

(3)

في (أ): "وهذا الحديث".

(4)

(3/ 438 رقم 5228).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

وهو متروك. انظر: "الميزان"(1/ 58) وغيرها. وقد تقدم.

(7)

وهو متروك. انظر: "الميزان"(1/ 193 رقم 768) وغيرها. وقد تقدم.

ص: 27

16/ 155 - وَكَذَا لأَبِي دَاوُدَ

(1)

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ نَحْوهُ. [ضعيف]

(وكذا لأبي داودَ عنْ أبي قتادةَ نحوَهُ) ولفظهُ: وَكرهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ نصفَ النهارِ إلَّا يومَ الجمعةِ وقالَ: "إنَّ جهنمَ تُسَجَّرُ إلَّا يومَ الجمعةِ". وقالَ أبو داودَ

(2)

: إنهُ مرسلٌ وفيهِ ليثُ بنُ أبي سليمٍ وهوَ ضعيفٌ

(3)

، إلَّا أنهُ أيَّدهُ فعلُ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فإنهمْ كانُوا يصلونَ نصفَ النهارِ يومَ الجمعةِ، ولأنهُ صلى الله عليه وسلم حثَّ على التبكيرِ إليها ثمَّ رغَّبَ في الصلاةِ إلى خروجِ الإمامِ من غيرِ تخصيصٍ ولا استثناءٍ. ثمَّ أحاديثُ النهيِ عامةٌ لكلِّ محلٍّ يُصلَّى فيهِ إلا أنه قد خصَّها بمكة قوله:

‌لا يكره الطواف ولا الصلاةُ عند البيتِ في أي ساعة

17/ 156 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلِ أَوْ نَهَارٍ". [صحيح]

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(4)

، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ

(5)

، وَابْنُ حِبَّانَ

(6)

.

‌ترجمة جبير بن مطعم

(وَعَنْ جُبَيْرٍ)

(7)

بضمِّ الجيمِ وفتحِ الموحدةِ وسكونِ المثناةِ التحتيةِ فراءٍ

(1)

في "السنن"(1/ 653 رقم 1083).

(2)

في "السنن"(1/ 653 - 654): إنه مرسل. مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل - صالح بن أبي مريم - لم يسمع من أبي قتادة.

(3)

قاله ابن حجر في "التلخيص"(1/ 189 رقم 274).

قلت: والخلاصة أن الحديث ضعيف، واللَّه أعلم.

(4)

وهم: أحمد (4/ 80)، وأبو داود (2/ 449 رقم 1894)، والترمذي (3/ 220 رقم 868)، والنسائي (5/ 223 رقم 2924)، وابن ماجه (1/ 398 رقم 1254).

(5)

في "السنن"(3/ 220).

(6)

في "صحيحه"(3/ 46 - 47 رقم 1551 و 1552).

(7)

انظر ترجمته في: "العقد الثمين"(8/ 403 - 410 رقم 877)، و"الاستيعاب"(2/ 131 - 134 رقم 312)، و"شذرات الذهب"(1/ 64)، و"تهذيب التهذيب"(2/ 56 رقم 102)، و"البداية والنهاية"(8/ 48، 70)، و"مرآة الجنان"(1/ 162 - 163)، و"تهذيب الأسماء =

ص: 28

(ابن مُطْعِم) بضمِّ الميمِ وسكونِ الطاءِ، وكسرِ العينِ المهملةِ. هوَ أبو محمدٍ جبيرُ بنُ مطعمٍ بن عديٍّ بن نوفلِ القرشيِّ النوفليِّ، كنيتُه أبو أميةَ. أسلمَ قبلَ الفتحِ، ونزلَ المدينةَ، وماتَ بها سنةَ أربعٍ، أو سبعٍ، أو تسعٍ وخمسينَ. وكان جبيرُ عالمًا بأنسابِ قريشٍ. قيلَ إنهُ أخذَ ذلكَ مِنْ أبي بكر.

(قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يا بني عبدِ مَنَافٍ، لا تمنعُوا أحدًا طافَ بهذا البيتِ وصلَّى أَيَّةَ ساعةٍ شاءَ منْ ليلٍ أو نهارٍ. رواهُ الخمسةُ، وصحَّحهُ الترمذيُّ، وابنُ حبانَ)، وأخرجهُ الشافعيُّ

(1)

، وأحمدُ

(2)

، والدارقطنيُّ

(3)

، وابنُ خزيمه

(4)

، والْحاكمُ

(5)

مِنْ حديثِ جبيرٍ أيضًا. وأخرجهُ الدارقطنيُّ

(6)

منْ حديثِ ابن عباسٍ، وأخرجهُ غيرُهم. وهوَ دالٌّ على أنهُ لا يكرهُ الطوافُ بالبيتِ، ولا الصلاةُ فيهِ في أيِّ ساعةٍ [شاء]

(7)

من ساعاتِ الليلِ [أو]

(8)

النهارِ. وقدْ عارضَ ما سلفَ، فالجمهورُ عملُوا بأحاديث النهيِ ترجيحًا لجانبِ الكراهةِ، ولأنَّ أحاديثَ النهي ثابتةٌ في الصحيحينِ وغيرِهما، وهي أرجحُ منْ غيرِها. وذهبَ الشافعيُّ وغيرُهُ إلى العملِ بهذَا الحديثِ.

قالوا: لأن أحاديثَ النهي قدْ دخلَها التخصيصُ بالفائتةِ، والمنومِ عنها، والنافلةِ التي تُقْضَى؛ [فضعَّفُوا]

(9)

جانبَ عمومِها، فتخصصُ أيضًا بهذا الحديثِ. ولا تكرهُ النافلةُ بمكةَ في أي ساعةٍ منَ الساعاتِ، وليسَ هذا خاصًّا بركعتي الطوافِ، بلْ يعمُّ كلَّ نافلةٍ، لروايةِ ابن حبانَ في صحيحه

(10)

: "يا بَنِي

= واللغات" (1/ 146 - 147 رقم 103)، و"الجرح والتعديل" (2/ 512 رقم 2113)، و"التاريخ الكبير" (2/ 223 رقم 2274)، و"العبر" (1/ 45)، و"الجمع بين رجال الصحيحين" (1/ 76 رقم 288).

(1)

في "الأم"(1/ 174).

(2)

في "المسند"(4/ 81، 82، 83، 84).

(3)

في "السنن"(1/ 423 - 425 رقم 1، 2، 5، 7، 8).

(4)

في "صحيحه"(2/ 263 رقم 1280).

(5)

في "المستدرك"(1/ 448)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في "الإرواء" (2/ 239) وقال: وقد صرح أبو الزبير بالسماع في رواية النسائي وغيره.

(6)

في "السنن"(1/ 425 - 426 رقم 10).

(7)

زيادة من (أ).

(8)

في (ب): "و".

(9)

في "ب": "فضعف".

(10)

في "صحيحه"(3/ 46 رقم 1550).

ص: 29

عَبْدِ المُطلبِ، إنْ كانَ لكمْ منَ الأمرِ شيءٌ فَلا أَعْرِفَنَّ أَحَدًا منكم يمنعُ مَنْ يُصلِّي عندَ البيتِ أيَّ ساعةٍ شَاءَ مِنْ لَيلٍ أو نهارٍ". قالَ في "النجم الوهاجِ": وإذا قلنا بجواز النفلِ يعني في المسجدِ الحرامِ في أوقاتِ الكراهةِ فهلْ يختصُّ ذلكَ بالمسجدِ الحرامِ، أو يجوزُ في جميعِ بيوتِ حرمِ مكةَ؟ فيهِ وجهانِ، والصوابُ [أنه]

(1)

يعمُّ جميعَ الحرمِ

(2)

.

‌الشفق: الحمرة

18/ 157 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ". [ضعيف]

رَوَاهُ الدَّارقُطْنِيُّ

(3)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(4)

، وَغَيْرُهُ وَقَفَهُ على ابْنِ عُمَرَ.

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: الشَّفَقُ الحُمْرَةُ. رواهُ الدارقطنيُّ، وصححهُ ابنُ خزيمةَ. وغيرُه وقفَهُ على ابن عمرَ). وتمامُ الحديثِ: "فإذا غابَ الشفقُ وجبتِ الصلاةُ"، وأخرجهُ ابنُ خزيمةَ في صحيحه

(5)

منْ حديثِ ابن عمرَ مرفوعًا. وقالَ البيهقيُّ

(6)

: رُوِيَ هذا الحديثَ عنْ عليٍّ، وعمرَ، وابنِ عباسٍ، وعُبادةِ بن الصامتِ، وشدادِ بن أوسٍ، وأبي هريرةَ، ولا يصحُّ منْها شيءٌ.

قلتُ: البحثُ لُغويٌّ، والمرجعُ فيهِ إلى أهلِ اللغةِ. وابنُ عمرَ منْ أهلِ اللغةِ،

(1)

في (أ): "أن".

(2)

قلت: ليس المراد من هذا الحديث إباحة الصلاة في الأوقات المذكورة بل هي نهي لبني عبد مناف من التعرُّض للمصلِّي في أي وقت شاء، لما كانوا يزعمون لأنفسهم من السلطان على البيت وعلى زائريه، فهو حجر عليهم كف به أيديهم عن التعرض للناس.

(3)

في "السنن"(1/ 269 رقم 3، 4).

(4)

في "صحيحه"(1/ 182 - 183 رقم 354).

(5)

(رقم 354) وقال: فلو صحَّت هذه اللفظة في هذا الخبر لكان في هذا الخبر بيان أن الشفق الحمرة. إلا أن هذه اللفظة تفرَّد بها "محمد بن يزيد" إن كانت حفظت عنه. وإنما قال أصحاب شعبة في هذا الخبر: ثور الشفق، مكان ما قاله محمد بن يزيد: حمرة الشفق.

(6)

في "السنن الكبرى"(1/ 373).

قلت: وانظر "التلخيص"(1/ 176 رقم 250).

ص: 30

وقحُّ العربِ، فكلامُه حجةٌ، وإنْ كانَ موقوفًا عليه. وفي "القاموس"

(1)

: الشفقُ محركةً: الحمرةُ في الأُفُقِ منَ الغروبِ إلى العِشاءِ وإلى قَرِيبهِا أو إلى قريبِ العَتَمَةِ. اهـ.

‌الحق أن للمغرب وقتين

والشافعيُّ يرى أن وقتَ المغرب عقيبَ غروب الشمسِ بما يتسعُ لخمسِ ركعاتٍ، ومضيّ قدرُ الطهارةِ، وسترُ العورةِ، وَأذانٌ وإقامةٌ، لَا غيرُ. وحجتُه حديثُ جبريلَ

(2)

أنهُ صلَّى بهِ صلى الله عليه وسلم المغربَ في اليومينِ معًا في وقت واحدٍ عقيبَ غروب الشمسِ. قالَ: فلوْ كانَ للمغربِ وقتٌ ممتدٌ لأخَّرهُ إليهِ كما أخَّرَ الظهرَ إلى مصيرِ ظلِّ الشيءِ مثلِهِ في اليومِ الثاني، وأجيبَ عنهُ بأنَّ حديثَ جبريلَ متقدمٌ في أولِ فرضِ الصلاةِ بمكةَ اتفاقًا، وأحاديثُ أن آخِرَ وقتِ المغربِ الشفقُ متأخرةٌ واقعةٌ في المدينةِ أقوالًا وأفعالًا، فالحكمُ لها، وبأنَّها أصحُّ إسنادًا منْ حديثِ توقيتِ جبريلَ، فهيَ مقدمةٌ عندَ التعارضِ.

وأما الجوابُ بأنَّها أقوالٌ، وخبرُ جبريلَ فعلٌ، فغيرُ ناهضٍ؛ فإنَّ خبرَ جبريلَ فِعْلٌ وقولٌ، فإنهُ قالَ لهُ صلى الله عليه وسلم بعدَ أنْ صلَّى بهِ الأوقاتَ الخمسةَ:"ما بينَ هذينِ الوقتينِ وقتُ لكَ ولأمتكَ". نعمْ لا بينيةَ بينَ المغربِ والعشاءِ على صلاةِ جبريلَ، فيتمُّ الجوابُ [عنه]

(3)

بأنهُ فِعلُ [فقط](3) بالنظرِ إلى وقتِ المغربِ، والأقوالُ مقدمةٌ على الأفعالِ عندَ التعارضِ على الأصحِّ. وأما هنا فما ثمَّ تعارضٌ، إنما الأقوالُ أفادتْ زيادةً في الوقتِ للمغربِ منَّ اللَّهُ بها.

قلتُ: لا يخفى أنهُ كانَ الأوْلى تقديمُ هذا الحديثِ في أولِ بابِ الأوقاتِ عقبَ أولِ حديثٍ فيهِ، وهوَ حديثُ عبدِ اللَّهِ بن عمرَ رضي الله عنه. واعلمْ أن هذَا القولَ [هوَ]

(4)

قولُ الشافعي في الجديدِ، وقوله [في]

(5)

القديمُ أن [لها]

(6)

وقتينِ، أحدُهما: هذا، والثاني: يمتدُّ إلى مغيبِ الشفقِ. وصحَّحهُ أئمةٌ منْ أصحابِهِ كابنِ خزيمةَ، والخطابيِّ، والبيهقيِّ، وغيرِهم. وقدْ ساقَ النوويُّ في "شرحِ المهذبِ"

(7)

الأدلةَ على امتدادهِ إلى

(1)

"المحيط"(ص 1159).

(2)

تقدم تخريجه رقم الحديث (1/ 140).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (أ): "لهما".

(7)

(3/ 30).

ص: 31

الشفقِ، فإذا عرفتَ الأحاديثَ الصحيحةَ تعيّنَ القولُ بهِ جزْمًا؛ لأنَّ الشافعيَّ نصَّ عليهِ في القديمِ، وعلَّقَ القولَ بهِ في الإملاءِ على ثبوتهِ. وقد ثبتَ الحديثُ بلْ أحاديثُ.

‌ما هو الفجر الذي تجب به الصلاة؟

19/ 158 - وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْفَجْرُ فَجْرَانِ: فَجْرٌ يُحَرِّمُ الطَّعَامَ وَتَحِلُّ فِيهِ الصَّلاةُ، وَفَجْرٌ تَحْرُمُ فِيهِ الصَّلاةُ - أيْ صَلاةُ الصبْحِ - وَيَحِلُّ فيهِ الطعَامُ". [صحيح]

رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(1)

، وَالْحَاكِمُ

(2)

، وَصَحَّحَاهُ.

(وَعَن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الفَجْرُ) أي لغةً (فَجْرَانِ: فجْرٌ يحرِّمُ الطعامَ) يريدُ على الصائم، (وَتَحِلُّ فيهِ الصلاةُ)، أي: يدخل وقتُ وجوبِ صلاةِ الفجرِ، (وَفَجْرٌ تَحْرُمُ فيهِ الصلاة، أي: صلاةُ الصبحِ)، فسَّرَهُ بها لئلَّا يُتَوَهَّمَ أنها تحرمُ فيه [مطلقُ الصلاة]

(3)

. والتفسيرُ يحتملُ أنهُ منهُ صلى الله عليه وسلم، وهوَ الأصلُ، ويحتملُ أنهُ منَ الراوي (وَيَحِلُّ فيهِ الطعامُ. رواهُ ابن خزيمةَ، والحاكمُ، وصحَّحاهُ)، لما كانَ الفجرُ لغةً مشتركًا بينَ الوقتينِ، وقدْ أطلقَ في بعضِ أحاديثِ الأوقاتِ أن أولَ صلاةِ الصبحِ الفجرُ: بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم المرادَ بهِ، وأنهُ الذي لهُ علامةٌ ظاهر واضحةٌ، وهي التي أفادَها الحديث العشرون وهو قوله:

20/ 159 - وَلِلْحَاكِم

(4)

مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ في الَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ:"إِنَّهُ يَذْهَبُ مُسْتَطِيلًا في الأُفُقِ"، وفي الآخَرِ:"إِنَّهُ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ". [صحيح]

(1)

في "صحيحه"(1/ 184 رقم 356)، وقال: لم يرفعه في الدنيا غير أبي أحمد الزبيري.

(2)

في "المستدرك"(1/ 191).

وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين في عدالة الرواة ولم يخرجاه، وأظن أني رأيته من حديث عبد الله بن الوليد عن الثوري موقوفًا، واللَّه أعلم. ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه البيهقي (1/ 457) و (4/ 216)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(3/ 58).

وأورده المحدث الألباني في "الصحيحة"(رقم 693)، وهو حديث صحيح.

(3)

في (أ): "مطلقًا".

(4)

في "المستدرك"(1/ 191) وقال الحاكم: إسناده صحيح، ووافقه الذهبي.

ص: 32

(وَلِلْحَاكِمِ منْ حديثِ جَابِر نحوُهُ)، نحوُ حديثِ ابن عباسٍ ولفظُهُ في "المستدرك":"الفجر فجرانِ. فأما الفجرُ الذي يكونُ كذنبِ السِّرْحَانِ فلا يُحلُّ الصلاةَ، ويُحلُّ الطعامَ. وأما الذي يذهبُ مستطيلًا في الأُفقِ فإنهُ يُحِلُّ الصلاةَ ويُحَرِّمُ الطعامَ"، وقدْ عرفتَ معنى قولِ المصنفِ:(وزادَ في الذي يحرمُ الطعامَ: "إنهُ يذهبُ مستطيلًا) أي: ممتدًا (في الأفقِ)، وفي روايةٍ للبخاري

(1)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم مدَّ يدَه منْ عنْ يمينِهِ ويسارِهِ"(وفى الآخرِ:) وهوَ الذي لا تحلُّ فيهِ الصلاةُ ولا يحرمُ فيهِ الطعامُ أي وقالَ في الآخرِ (إنهُّ) في صفتهِ (كذنب السِّرْحَانِ) بكسرِ السينِ المهملة وسكونِ الراءِ فحاءٍ مهملةٍ وهوَ الذئب. والمرادُ أَنهُ لا يذهبُ مستطيلًا ممتدًا بلْ يرتفعُ في السماءِ كالعمود، وبينَهما ساعةٌ، فإنهُ يظهرُ الأولُ وبعدَ ظهورهِ يظهرُ الثاني ظهورًا بيِّنًا. فهذَا فيهِ بيانُ وقتِ الفجرِ وهوَ أولُ وقتهِ، وآخرُه ما يتسعُ لركعةٍ كما عرفتَ. ولما كانَ لكلِ وقتٍ أولٌ وآخِرٌ بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم الأفضلَ منْهما في الحديث الآتي وهوَ:

‌أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها

21/ 160 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الأَعْمَالِ الصَّلاةُ في أَوَّلِ وَقْتِهَا". [صحيح]

رَوَاهُ التِّرْمِذيُّ

(2)

، وَالْحَاكِمُ

(3)

، وَصحّحَاهُ، وَأَصْلُهُ في الصَّحِيحَيْنِ

(4)

.

(1)

في "صحيحه"(2/ 103 رقم 621) من حديث ابن مسعود.

(2)

في "السنن"(1/ 326 رقم 173) بلفظ: "الصلاةُ على مواقيتها"، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(3)

في "المستدرك"(1/ 188 - 189) وقال: "قد روى هذا الحديث جماعة عن شعبة ولم يذكر هذه اللفظة غير حجاج بن الشاعر عن علي بن حفص، وحجاج حافظ ثقة، وقد احتج مسلم بعلي بن حفص المدايني".

قلت: بل احتج مسلم بحجاج بن الشاعر كما في "الجمع بين رجال الصحيحين" لابن القيسراني (1/ 99 رقم 388)، وبعلي بن حفص المدايني أيضًا كما في رجال "صحيح مسلم" لابن منجويه (2/ 54 رقم 1132).

(4)

البخاري (2/ 9 رقم 527) و (6/ 3 رقم 2782) و (10/ 400 رقم 5970) و (13/ 510 رقم 7534)، ومسلم (1/ 89 - 90 رقم 137، 138، 139، 140/ 85). =

ص: 33

(وَعَنِ ابن مسْعودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال الصلاةُ في أولِ وقتِها"، رواهُ الترمذيُّ، والحاكم، وصحَّحاهُ. وأصلهُ في الصحيحينِ)، أخرجهُ البخاريُّ

(1)

عن ابن مسعودٍ بلفظِ: "سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ العملِ أحبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصلاةُ لوقتِها" وليسَ فيهِ لفظُ "أولِ"، [فالحديث دلَّ]

(2)

على أفضليةِ الصلاةِ في أولِ وقتِها، على كلِّ عملٍ منَ الأعمالِ كما هوَ ظاهرُ التعريفِ [للأعمالِ]

(3)

باللامِ، وقدْ عُورِضَ بحديثِ: ("أفضلُ الأعمالِ إيمانٌ باللَّهِ"

(4)

. ولا يخْفَى أنهُ معلومٌ أن المرادَ مِنَ الأعمالِ في حديثِ ابن مسعودٍ ما عدَا الإيمانَ؛ فإنهُ إنما سألَ عن أفضلِ أعمالِ أهلِ الإيمانِ، فمرادهُ غيرُ الإيمانِ.

قال ابنُ دقيقِ العيدِ: الأعمالُ هنا أي في حديثِ ابن مسعودٍ محمولةٌ على البدنيةِ، فلا تتناولُ أعمالَ القلوبِ، فلا [تعارضُ]

(5)

حديثَ أبي هريرةَ

(6)

"أفضلُ

= قلت: وأخرجه أحمد (1/ 451)، (1/ 409 - 410) و (1/ 439)، والطيالسي (ص 49 رقم 372)، والنسائي (1/ 292)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 266)، والدارقطني (1/ 246 رقم 4)، وابن خزيمة (1/ 169 رقم 327).

(1)

في "صحيحه"(13/ 510 رقم 7534) كما تقدم.

(2)

في (ب): "والحديث دليل".

(3)

زيادة من (أ).

(4)

أخرجه الطيالسي (1/ 20 رقم 16 - منحة المعبود)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 156) من حديث جابر.

وقال أبو نعيم: غريب من حديث محمد بن المنكدر، عن جابر. واللفظة الأخيرة مشهورة ثابتة.

قلت: وأخرج البخاري (5/ 148 رقم 2518)، ومسلم (1/ 89 رقم 136/ 84)، والحميدي في "المسند"(1/ 72 رقم 131)، وابن الجارود (رقم 969)، والبغوي في "شرح السنة"(9/ 353 رقم 2418)، والدارمي (2/ 307)، وابن حبان في "الإحسان"(1/ 183 رقم 152)، وأبو عوانة (1/ 62 - 63)، والنسائي في "العتق" كما في "الأطراف"(9/ 195) - وفي "المجتبى"(6/ 19 رقم 2129)، وابن منده في "الإيمان"(1/ 394 رقم 1/ 232) - وأحمد في "المسند"(5/ 150، 171)، والبيهقي (6/ 273) و (9/ 272) و (10/ 273) من طرق

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمانٌ باللَّه .. ".

(5)

في (أ): يتعارض.

(6)

أخرجه البخاري (1/ 77 رقم 26) و (3/ 381 رقم 1519)، ومسلم (1/ 88 رقم 135/ 83)، والنسائي (8/ 93 رقم 985) و (5/ 113 رقم 2624) و (6/ 19 رقم 3130)، =

ص: 34

الأعمالِ الإيمانُ باللَّهِ عز وجل"، ولكنَّها قدْ وردتْ أحاديثُ أُخَرُ في أنواعٍ منْ أعمالِ البرِ بأنها أفضلُ الأعمالِ، فهي التي تُعارِضُ حديثَ البابِ ظاهِرًا. وقدْ أجيبَ بأنهُ صلى الله عليه وسلم أخبرَ كلَّ مخاطَبٍ بِمَا هوَ أليقُ بهِ، وهُوَ بهِ أقْوَمُ وإليهِ أرغبُ، ونفعهُ فيهِ أكثرُ، فالشجاعُ أفضلُ الأعمالِ في حقِّه الجهادُ؛ فإنهُ أفضلُ منْ تخلِّيهِ للعبادةِ، والغنيُّ أفضلُ الأعمالِ في حقِّه الصدقةُ وغيرُ ذلكَ، أوْ أن كلمةَ "مِنْ" مقدرةٌ؛ والمرادُ منْ أفضلِ الأعمالِ، أوْ كلمةِ "أفضلَ" لمْ يردْ بهَا الزيادةُ بلِ الفضلُ المطلقُ. وعورضَ بتفضيلِ الصلاةِ في أولِ وقتِها على ما كانَ منها في غيرهِ بحديثِ العشاءِ؛ فإنهُ قالَ صلى الله عليه وسلم: "لولا أنْ أشقَّ على أمتي لأخَّرْتُها"

(1)

، يعني إلى النصف أو قريبٍ منه، و [بحديث]

(2)

الإصباحِ أو الإسفارِ بالفجر

(3)

، وبأحاديثِ الإبرادِ بالظهرِ

(4)

، والجوابُ أن ذلكَ تخصيصٌ لعمومِ أولِ الوقتِ، ولا معارضةَ بينَ عامٍ وخاصٍ، وأما القولُ بأنَّ ذكرَ أولِ وقتِها تفردَ بهِ عليُّ بنُ حَفْصٍ مِنْ بين أصحابِ شعبةَ، وأنَّهم كلُّهمْ رووهُ بلفظِ: على وقتِها، منْ دونِ ذكرِ أولٍ، فقدْ أجيبَ عنهُ منْ حيثُ الروايةِ: بأنَّ تفردَهُ لا يضرُّ، فإنهُ شيخٌ صدوقٌ منْ رجالِ مسلم

(5)

. ثمَّ قدْ صححَ هذهِ الروايةَ الترمذيُّ

(6)

، والحاكمُ

(7)

، وأخرجَها ابنُ خزيمةَ

= وابن منده في "الإيمان"(1/ 390 رقم 1/ 227)، والبيهقي (5/ 262) و (9/ 157)، وأحمد في "المسند"(2/ 264، 268، 287، 330، 348، 388، 521، 531)، والبغوي في "شرح السنة"(7/ 3 رقم 1840)، والترمذي (4/ 185 رقم 1658)، وأبو عوانة (1/ 61 - 62) من طرق

عنه.

(1)

أخرجه الترمذي (1/ 310 رقم 167)، وابن ماجه (1/ 226 رقم 691)، وأحمد في "المسند"(2/ 250، 433)، والحاكم (1/ 146).

عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشُقَّ على أمتي لأمرتُهُم أن يؤخِّروا العشاء إلى ثُلُثِ الليلِ أو نصفِهِ".

وقال الترمذي: وهو حديث حسن صحيح.

قلت: وهو حديث صحيح، وانظر الحديث رقم (8/ 147).

(2)

في (أ): "كحديث".

(3)

وهو حديث صحيح. تقدَّم تخريجه: رقم (6/ 145) ورقم (10/ 149).

(4)

وهو حديث صحيح. تقدَّم تخريجه: رقم (9/ 148).

(5)

(2/ 54 رقم 1132) لابن منجويه كما تقدم آنفًا.

(6)

في "السنن"(1/ 326) كما تقدم.

(7)

في "المستدرك"(1/ 189) كما تقدَّم.

ص: 35

في صحيحه

(1)

، ومنْ حيثُ الدرايةِ أن لفظَ روايةٍ على وقتِها: تفيدُ معنى لفظِ أولٍ؛ لأنَّ كلمةَ عَلَى تقتضي الاستعلاء على جميعِ الوقتِ. وروايةُ لوقتِها باللام تفيدُ ذلكَ، لأنَّ المرادَ لاستقبالِ وقتِها، ومعلومٌ ضرورةً شرعيةً أنها لا تَصِحُّ قبلَ دخولِهِ، فتعينَ أن المرادَ لاستقبالِكُمُ الأكثرَ منْ وقتِها، وذلكَ بالإتيانِ بها في أولِ وقتِها، ولقوله تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}

(2)

؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم كانَ دأبَهُ دائمًا الإتيانِ بالصلاةِ في أولِ وقتِها، ولا يفعلُ إلَّا الأفضلَ، [أي بما]

(3)

ذكرناهُ، ولحديثِ عليٍّ عندَ أبي داودَ

(4)

: "ثلاثٌ لا تُؤَخَّرُ"، ثمَّ ذكرَ منها:"الصلاةَ إذا حضرَ وقتُها". والمرادُ أن ذلكَ الأفضلُ، وإلَّا فإن تأخيرَها بعد حضورِ وقتِها جائزٌ، ويدلُّ له أيضًا قولُهُ.

‌حديث: أول الوقت رضوان الله، موضوع

22/ 161 - وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَأَوْسَطُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ، وآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ". [موضوع]

أَخْرَجَهُ الدَّارقُطْنيُّ

(5)

بسندٍ ضعيفٍ جدًّا.

(وَعَنْ أبي مَحْذورَةَ)

(6)

بفتحِ الميمِ وسكونِ الحاءِ المهملةِ وضمِّ الذالِ المعجمةِ بعدَ الواوِ راءٌ.

(1)

(1/ 169 رقم 327) كما تقدم.

(2)

سورة الأنبياء: الآية 90.

(3)

زيادة من (ب).

(4)

لم أجده في "سنن أبي داود".

وقد أخرجه أحمد في "المسند"(1/ 150)، والترمذي (1/ 320 رقم 171)، وابن ماجه (1/ 476 رقم 1486)، والحاكم (2/ 162) عن علي رضي الله عنه به.

وقال الترمذي: حديث غريب حسن.

وقال الحاكم: غريب صحيح. وأقرَّه الذهبي.

وضعَّفه الألباني في "ضعيف الجامع"(رقم 2562).

(5)

في "السنن"(1/ 249 رقم 22).

قلت: وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(1/ 255)، والبيهقي (1/ 435 - 436).

وفي إسناده يعقوب بن الوليد وهو متروك. وكذلك إبراهيم بن زكريا أبو إسحاق حدث عن الثقات بالبواطيل.

وخلاصة القول: أن الحديث موضوع، واللَّه أعلم.

(6)

انظر ترجمته في: "الاستيعاب"(12/ 132 رقم 3162)، و"الإصابة" (12/ 12 رقم =

ص: 36

‌ترجمة أبي محذورة

اختلفُوا في اسمهِ على أقوالٍ أصحُّها سمرةُ بنُ [مِعْيَر]

(1)

بكسرِ الميمِ وسكونِ العينِ المهملةِ وفتحِ المثناةِ التحتيةِ. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: إنهُ اتفقَ العالمونَ بطَريقِ أنساب قريشٍ أن اسمَ أبي محذورةَ أوسٌ. وأبو محذورةَ مؤذنُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أسلمَ عامَ الفتحِ، وأقامَ بمكةَ إلى أنْ ماتَ يؤذنُ بها [للصلاةِ]

(2)

، ماتَ سنةَ تسعٍ وخمسينَ.

(أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: أولُ الوقتِ) أي للصلاةِ المفروضةِ (رضوانُ اللَّهِ)، أي يحصلُ بأدائِها فيهِ رضوانُ اللَّهِ تعالى عنْ فاعلِها، (وأوسطُهُ رحمةُ اللَّهِ) أي يحصلُ لفاعلِ الصلاةِ فيهِ رحمتُه، ومعلومٌ أن رتبةَ الرضوانِ أبلغُ، (وآخرُهُ عفوُ الله)، ولا عفوً إلَّا عن ذَنبٍ. (أخرجهُ الدارقطنيُّ بسندٍ ضعيفٍ)؛ لأنهُ منْ روايةِ يعقوبَ بن الوليدِ المدنيِّ

(3)

.

قالَ أحمدُ: كانَ من الكذابينَ الكبارِ، وكذَّبَهُ ابنُ معينٍ، وتركهُ النسائيُّ، ونسبهُ ابنُ حبانَ إلى الوضع، كذا في حواشي القاضي. وفي الشرحِ أن في إسنادِهِ إبراهيمَ بن زكريا البجليِّ

(4)

وهوَ متَّهمٌ، ولِذَا قالَ المصنفُ (جدًّا) مؤكدًا لضعفهِ، وقدَّمنا إعراب جدًّا، ولا يقالُ إنهُ يشهدُ لهُ قولُهُ:

23/ 162 - وَللتِّرْمِذِيِّ

(5)

مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، دونَ الأَوْسَطِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أيْضًا. [باطل]

= 1010)، و"التقريب"(2/ 469 رقم 22)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 243 رقم 1018).

(1)

في (أ) و (ب): مِعين والأشهر ما أثبتناه.

(2)

في (أ): "للصلوات".

(3)

أبو يوسف الأزدي، قال أبو داود وغيره: غير ثقة، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال أحمد: مزقنا حديثه. وقال أيضًا: كان من الكذابين الكبار، يضع الحديث.

انظر: "المجروحين"(3/ 137) و"الجرح والتعديل"(9/ 216)، و"الميزان"(4/ 455)، و"المغني"(2/ 759)، و"التقريب"(2/ 377)، و"لسان الميزان"(7/ 446).

(4)

قال أبو حاتم: حديثه منكر. وقال ابن عدي: حدَّث بالبواطيل.

انظر: "الميزان"(1/ 31 رقم 90)، و"الكامل" لابن عدي (1/ 254 - 255).

(5)

في "السنن"(1/ 321 رقم 172).

قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 249 رقم 20)، وابن حبان في "المجروحين"(1/ 138)، وابن الجوزي في "العلل"(1/ 888 رقم 652)، والبيهقي (1/ 435). وهو حديث باطل.

ص: 37

(وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حديثِ ابن عمرَ نحوَهُ) في ذكرِ أولِ الوقتِ وآخرِه (دونَ الأوسطِ وهوَ ضعيفٌ أيضًا)، لأنَّ فيهِ يعقوبَ بنَ الوليدِ أيضًا، [وفيه]

(1)

ما سمعتَ، وإنَّما قلْنا: لا يصحُّ شاهدًا؛ لأن الشاهدَ والمشهودَ لهُ فيهمَا مَنْ قالَ الأئمةُ إنهُ كذابٌ، فكيفَ يكونُ شاهدًا أو مشهودًا لهُ. وفي البابِ عنْ [جريرٍ]

(2)

، وابنِ عباسٍ

(3)

، وأنسٍ

(4)

، وكلُّها ضعيفةٌ. وفيهِ عنْ عليٍّ

(5)

عليه السلام من رواية موسى بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي. قَالَ البيهقيُّ

(6)

: إسنادُهُ فيما أظنُّ أصحُّ ما رُويَ في هذا البابِ، معَ أنهُ معلولٌ؛ فإنَّ المحفوظَ روايتُهُ عنْ جعفرَ بن محمدٍ عنْ أبيهِ موقوفًا، قالَ الحاكمُ: لا أعرفُ فيهِ حديثًا يصحُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عنْ أحدٍ منَ الصحابةِ، وإنَّما الروايةُ فيهِ عنْ جعفرَ بن محمدٍ عنْ أبيهِ موقوفًا.

قلتُ: إذا صحَّ هذا الموقوفُ فلهُ حكمُ الرفعِ، لأنهُ لا يقالُ في الفضائلِ بالرأْيِ، وفيهِ احتمالٌ. ولكنَّ هذهِ الأحاديثَ - وإنْ لم تصحَّ - فالمحافظةُ صلى الله عليه وسلم على الصلاةِ أولَ الوقتِ دالةٌ على أفضليتِهِ، وغيرُ ذلكَ منَ الشوهدِ التي قدَّمْنَاهَا

(7)

.

‌لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر

24/ 163 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا صَلاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَّا سَجْدتَينِ". [صحيح بطرقه]

(1)

في (أ): "فيها" وهو خطأ.

(2)

في (أ) و (ب): "جابر": والأصح "جرير". وقد أخرجه الدارقطني (1/ 249 رقم 21)، وفي سنده من لا يعرف. قاله ابن حجر في "التلخيص"(1/ 180).

(3)

أخرجه البيهقي في "الخلافيات" كما في "التلخيص"(1/ 180)، وفيه نافع أبو هرمز وهو متروك.

(4)

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 509)، وقال: هذا من الأحاديث التي يرويها بقية عن المجهولين. فإن عبد الله مولى عثمان، وعبد العزيز، لا يعرفان.

(5)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 436).

(6)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 180).

(7)

كحديث ابن مسعود رقم (21/ 160).

ص: 38

أَخْرَجَهُ الْخَمْسَة إِلَّا النَّسَائِيِ

(1)

.

وفي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

(2)

: "لا صَلاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتيِ الْفَجْرِ".

(وَعَنْ ابْنِ عمرَ رضي الله عنهما أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا صلاةَ بعدَ الفجر إلَّا سجدتينِ)، أي ركعتي الفجرِ كما يفسرُه ما بعدَهُ، (أخرجه الخمسةُ إلَّا النسائيُّ)، وأخرجهُ أحمدُ

(3)

، والدارَقطنيُّ

(4)

. قالَ الترمذيُّ

(5)

: إنه غريبٌ لا يُعْرَفُ إلَّا منْ حديثِ قدامةَ بن موسى

(6)

.

والحديثُ دليلٌ على تحريمِ النافلةِ بعدَ طلوعِ الفجرِ قبلَ صلاتهِ إلا سنةَ الفجرِ، وذلكَ لأنهُ - وإنْ كانَ لفظُه نفيًا - فهوَ في معنى النهي، وأصلُ النهي التحريمُ.

قالَ الترمذيُّ (5): أجمعَ أهلُ العلمِ على كراهةِ أنْ يصليَ الرجلُ بعدَ الفجرِ إلَّا ركعتيِ الفجرِ، قالَ المصنفُ

(7)

: "دعْوى الترمذي الإجماعَ عجيبٌ؛ فإنَّ الخلافَ فيهِ مشهورٌ، حكاهُ ابنُ المنذرِ وغيرُهُ. وقالَ الحسنُ البصريُّ: لا بأسَ بها، وكانَ مالكٌ يرى أنْ [يفعله]

(8)

مَنْ فاتتهُ الصلاةُ في الليلِ".

والمرادُ ببعدِ الفجرِ بعدَ طلوعهِ كما دلَّ [عليه]

(9)

قولهُ: (وفي روايةِ عبدِ الرزاق)، أي عن ابن عمرَ:(لا صلاةَ بعدَ طلوعِ الفجرِ إلَّا ركعتيِ الفجرِ)، وكما يدلُّ لهُ قولُهُ:

(1)

وهم: أحمد (2/ 104)، وأبو داود (2/ 58 رقم 1278)، والترمذي (2/ 278 رقم 419) واللفظ له. وابن ماجه (1/ 86 رقم 235) مختصرًا.

(2)

في "المصنف"(3/ 53 رقم 4760).

قلت: وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 251)، والبيهقي (2/ 465).

(3)

في "المسند"(2/ 104) كما تقدم.

(4)

في "السنن"(1/ 419 رقم 1، 2).

قلت: وأخرجه البيهقي (2/ 465)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 459 رقم 886).

(5)

في "السنن"(2/ 280).

(6)

وتعقبه الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 256) بذكر طرق أخرى له ثم قال: كل ذلك يعكِّر على الترمذي في قوله: "لا نعرفه إلا من حديث قدامة".

قلت: قدامة بن موسى هذا ثقة كما في "التقريب"(2/ 124).

وإنما علة الحديث من شيخه "أيوب بن حصين" فهو مجهول.

والحديث صحيح بطرقه التي أوردها الألباني في "الإرواء"(2/ 234 - 235).

(7)

في "تلخيصه"(1/ 191).

(8)

في (ب): "يفعل".

(9)

في (ب): "له".

ص: 39

25/ 164 - وَمِثْلُهُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ

(1)

عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه. [صحيح بطرقه]

(ومثلهُ للدارقطنيِّ عن ابن عمرِو بن العاصِ)؛ فإنهمَا فسَّرَا المرادَ ببعدِ الفجرِ، وهذَا وقتٌ سادسٌ منَ الأوقاتِ التي نُهِيَ عن الصلاةِ فيْها، وقدْ عرفتَ الخمسةَ الأوقاتِ مما مَضَى إلَّا أنَّهُ قدْ [عورض]

(2)

النهيُّ عن الصلاةِ بعدَ العصرِ [الذي]

(3)

هوَ أحدُ الستةِ الأوقاتِ.

‌صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر نافلة

26/ 165 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ:"شُغِلْتُ عَنْ رَكْعَتَينِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ"، فَقُلْتُ: أَفَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتَا؟ قَالَ: "لَا"، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

(4)

. [حسن]

(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَسَأَلْتُهُ)؛ في سؤالهِا ما يدلُّ على أنهُ صلى الله عليه وسلم لم يصلِّهِمَا قبلَ ذلكَ عندَها، أوْ أنَّها قدْ كانتْ علمتْ بالنهي فاستنكرت مخالفةَ الفعلِ لهُ. (فَقَالَ: شُغِلْتُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ)، قدْ بيَّنَ الشاغلَ لهُ صلى الله عليه وسلم أنهُ "أتاهُ ناسٌ منْ عبدِ القيس"

(5)

، وفي روايةٍ عن ابن عباسٍ عندَ الترمذي

(6)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم أتاهُ مالٌ

(1)

في "السنن"(1/ 246 رقم 2) و (1/ 419 رقم 3).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 355)، والبيهقي (2/ 465).

وقال البيهقي: في إسناده من لا يحتج به.

قلت: يعني "عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي"، وقد اختلف في الاحتجاج به.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بمجموع طرقه، واللَّه أعلم.

(2)

في (ب): "عارض".

(3)

في (أ): "التي".

(4)

في "المسند"(6/ 315)، وهو حديث حسن.

(5)

وهو جزء من حديث كريب عن أم سلمة وفيه قصة مطولة.

أخرجه البخاري (رقم 1233)، ومسلم (رقم 297/ 834)، وأبو داود (رقم 1273)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 457)، والدارمي (1/ 334).

(6)

في "السنن"(1/ 345/ رقم 184)، وقال: حديث حسن. =

ص: 40

فشغلهُ عن الركعتينِ بعدَ الظهرِ" (فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ)، أي قضاءً عنْ ذلكَ. وقدْ فهمتْ أمُّ سلمةَ أنَّهما قضاءٌ فَلِذَا قالتْ:(قُلْت: أَفَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتَا) أي كما قضيتَهما في هذا الوقتِ؟ (قَالَ: لا) أي لا تقضوهُما في هذا الوقتِ بقرينةِ السياقِ، وإنْ كانَ [النفي]

(1)

غيرَ مقيَّدٍ. (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ)، إلَّا أنهُ سكتَ عليهِ المصنفُ هنا. وقالَ بعدَ سياقه لهُ في فتحِ الباري:

(2)

إنَّها روايةٌ ضعيفةٌ لا تقومُ بها حجةٌ، ولم يبينْ هنالِكَ وجهَ ضعْفِها وما كانَ يحسنُ منهُ أن يسكتَ هنَا عمَّا قيلَ فيهِ.

والحديثُ دليلٌ على ما سلفَ منْ أن القضاءَ في ذلكَ الوقتِ كانَ منْ خصائصهِ صلى الله عليه وسلم. وقدْ دلَّ على هذَا حديثُ عائشةَ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يصلِّي بعدَ العصرِ وينْهى عنها، ويواصلُ وينْهى عن الوصالِ"، أخرجهُ أبو داودَ

(3)

. ولكنْ قالَ البيهقيُّ: الذي اختصَّ بهِ صلى الله عليه وسلم المداومةُ على الركعتينِ [بعد العصرِ]

(4)

، لا أصلُ القضاءِ اهـ.

ولا يخفى أن حديثَ أمِّ سلمةَ المذكورِ يردُّ هذا القولَ، ويدلُّ على أن القضاءَ خاصٌ بهِ أيضًا، وهذا الذي أخرجهُ أبو داودَ وهو الذي أشارَ إليهِ المصنفُ بقولهِ في الحديث السابعُ والعشرون:

27/ 166 - وَلأبي داودَ

(5)

عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِمَعْنَاهُ. [ضعيف]

(وَلأبي داودَ عائشةَ رضي الله عنها بمعناهُ)، تقدمَ الكلامُ فيهِ.

= قلت: هو من رواية جرير عن عطاء، وقد سمع منه بعد اختلاطه. فالحديث ضعيف، واللَّه أعلم.

(1)

في (أ): "النهي".

(2)

(2/ 64 - 65).

(3)

في "السنن"(رقم 1280).

وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد اختلف في الاحتجاج به، قاله المنذري في المختصر (2/ 83). قلت: وهو حديث ضعيف.

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "السنن"(رقم 1280).

وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد اختلف في الاحتجاج به، قاله المنذري في المختصر (2/ 83). قلت: وهو حديث ضعيف.

ص: 41

[الباب الثاني] بابُ الأذانِ

الأذانُ لغة: الإِعلامُ، قالَ اللَّهُ تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}

(1)

، وشرعًا: الإعلامُ بوقتِ الصلاةٍ بألفاظٍ مخصوصةٍ. وكانَ فرضهُ بالمدينةِ في السنةِ الأُولى منَ الهجرةِ، ووردتْ أحاديثُ تدلُّ على أنهُ شُرعِ بمكةَ، والصحيحُ الأولُ.

1/ 167 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: طَافَ بي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَذَكَرَ الأَذَانَ - بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ بِغَيْرِ تَرْجِيعٍ، والإِقَامَةَ فُرَادَى، إِلَّا قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ - قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنَّهَا لَرُؤَيا حَقٍّ" الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

(2)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(3)

، وَصَحّحَهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

، وَابْنُ خُزَيْمَةَ

(5)

. [صحيح]

‌ترجمة عبد الله بن زيد

(عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ)

(6)

هوَ أبو محمدٍ عبدُ اللَّهِ بْنُ زيدٍ، (ابن عبدِ ربِّهِ)

(1)

سورة التوبة، الآية:3.

(2)

في "المسند"(4/ 42 - 43).

(3)

في "السنن"(1/ 337 رقم 499).

(4)

في "السنن" مختصرًا (1/ 358 رقم 189) وقال: حديث حسن صحيح.

(5)

في "صحيحه"(1/ 193 رقم 371) و (1/ 197).

قلت: وأخرجه ابن ماجَهْ (رقم 706)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 390 - 391)، والدارمي (1/ 268 - 269)، وابن حبان (ص 94 رقم 287 - الموارد).

وهو حديث صحيح. قد صحَّحه جماعة من الأئمة كالبخاري والذهبي والنووي وغيرهم كما في إرواء الغليل للمحدث الألباني (1/ 265).

(6)

انظر ترجمته في: مسند أحمد (4/ 42 - 43)، وطبقات ابن سعد (3/ 536 - 537)، =

ص: 42

الأنصاريِّ الخزرجيِّ. شهدَ عبدُ اللَّهِ العقبةَ، وبدْرًا، والمشاهدَ بعدَها. ماتَ بالمدينةِ سنةَ اثنتينِ وثلاثينَ.

(قالَ: طافَ بي وأنا نائمٌ رجلٌ). وللحديثِ سببٌ؛ وهوَ ما في الرواياتِ أنهُ لما كثرَ الناسُ ذكرُوا أن يعلَموا وقتَ الصلاةِ بشيءٍ يجمعُهم لها فقالُوا: لو اتَّخذْنا ناقوسًا، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ذلكَ للنَّصارى"، فقالُوا: لو اتَّخذْنَا بُوقًا، قالَ:"ذلكَ لليهودِ"، فقالُوا: لو رفعنا نارًا، قالَ:"ذلكَ للمجوسِ"، فافترقُوا، فرأَى عبدُ اللَّهِ بنُ زيدٍ فجاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: طافَ بي، الحديثُ. وفي سننِ أبي داودَ

(1)

: "فطافَ بي وأنَا نائمٌ رجلٌ يحملُ ناقوسًا في يده، فقلتُ: يا عبدَ اللَّهِ، أتبيعُ الناقوسَ؟ قالَ: وما تصنعُ بهِ؟ قلتُ: ندعو بهِ إلى الصلاةِ، قالَ: أفلا أدلُّكَ على ما هُوَ خيرٌ منْ ذلكَ؟ قلتُ: بلى"، (فقالَ: تقول اللَّهُ أَكبرُ اللَّه أَكبرُ فذكرَ الأذانَ) أي إلى آخرهِ، (بتربيعِ التكبيرِ) تكريرهُ أربعًا ويأتي ما عاضدَهُ وما عارضَهُ (بغيرِ ترجيعٍ)، أي في الشهادتينِ، قالَ في شرحِ مسلمٍ

(2)

: هوَ العَوْدُ إلى الشهادتينِ [مرتين] برفعِ الصوت بعدَ قولهِمَا مرتينِ بخفضِ الصوتِ، ويأتي قريبًا. (والإقامة فرادَى) لا تكريرَ في شيءٍ منْ ألفاظِها (إلا قد قامتَ الصلاةَ)؛ فإنَّها تكررُ. (قالَ: فلما أصبحتُ أتيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: إِنها لرؤْيا حقٍّ، الحديثُ. أخرجهُ أحمدُ، وأبو داودَ، وصحَّحهُ الترمذيُّ، وابنُ خزيمةَ).

الحديثُ دليلٌ على مشروعيةِ الأذانِ للصلاةِ دعاءً للغائبينَ ليحضُروا إليْها، ولِذَا اهتمَّ صلى الله عليه وسلم في النظرِ في أمرٍ يجمعُهم للصلاةِ [فهو دعاء إلى الصلاة]

(3)

، وهوَ إعلامٌ بدخولِ وقتها أيضًا.

‌بيان حكم الأذان

واختلفَ العلماءُ في وجوبهِ: ولا شَكَّ أنهُ منْ شعارِ أهلِ الإسلامِ، ومنْ محاسنِ ما شرعهُ اللَّهُ. وأمَّا وجوبهُ فالأدلةُ فيهِ محتملةٌ، وتأتي. وكميةُ ألفاظهِ قدِ اختُلِفَ فيهَا، وهذا الحديثُ دلَّ على أنهُ يُكَبِّرُ في أولهِ أربعَ مراتٍ، وقدِ اختلفتِ

= والمعرفة والتاريخ (1/ 260)، والجرح والتعديل (5/ 57 رقم 265)، والمستدرك (3/ 335 - 336)، وتهذيب التهذيب (5/ 197 رقم 387)، والإصابة (6/ 90 - 91 رقم 4677).

(1)

رقم (499) كما تقدم.

(2)

للإمام النووي (4/ 81).

(3)

زيادة من (أ).

ص: 43

الروايةُ: فوردتْ بالتثنيةِ في حديثِ أبي محذورةَ

(1)

في بعضِ رواياتِهِ؛ وفي بعضها بالتربيع أيضًا، فذهب الأكثر إلى العمل بالتربيع لشهرة روايته ولأنَّها زيادةُ عدلٍ فهي مقبولةٌ. ودلَّ الحديثُ على عدمِ مشروعيةِ الترجيعِ. وقدِ اختلفَ [العلماء]

(2)

في ذلكَ، فَمَنْ قَالَ: إنهُ غيرُ مشروعٍ، عملَ بهذهِ الروايةِ، ومَن قالَ: إنهُ مشروعٌ، عملَ بحديثِ أبي محذورة وسيأتي

(3)

. ودلَّ على أن الإقامةَ تفردُ ألفاظُها إلَّا لفظَ الإقامةِ، فإنهُ يكررُها. وظاهرُ الحديثِ أنهُ يفردُ التكبيرَ في أولها، ولكنَّ الجمهورَ على أن التكبيرَ في أولِها يكررُ مرتينِ. قالُوا: ولكنهُ بالنظرِ إلى تكريرهِ في الأذانِ أربعًا كأنهُ غيرُ مكررٍ فيْها، وكذلكَ يكررُ في آخرهَا، ويكررُ لفظُ الإقامةِ، وتفردُ بقيةُ الألفاظِ. وقدْ أخرجَ البخاريُّ حديثَ:"أمر بلالٍ أنْ يُشْفِعَ الأذانَ ويوترَ الإقامةَ إلَّا الإقامةَ" وسيأتي

(4)

، وقدِ استدلَّ بهِ مَنْ قالَ: إن الأذانَ في كلِّ كلماتهِ مثْنَى مَثنى، وأَن الإقامةَ ألفاظُها مفردةٌ، إلَّا قدْ قامتِ الصلاةُ. وقدْ أجابَ أهلُ التربيعِ بأنَّ هذهِ الروايةَ صحيحةٌ دالةٌ على ما ذُكِرَ، لكنَّ روايةَ التربيعِ قدْ صحَّتْ بلا مريةٍ، وهي زيادةٌ منْ عدلٍ مقبولةً، فالقائلُ بتربيعِ التكبيرِ أولَ الأذانِ قدْ عملَ بالحديثينِ، ويأتي أن روايةَ:"يشفعُ الأذانَ" لا تدلُّ على عدمِ التربيعِ للتكبيرِ. هذَا ولا يخْفى أن لفظَ كلمةِ التوحيدِ في آخرِ الأذانِ والإقامةِ مفردةٌ بالاتفاقِ، فهوَ خارجٌ عن الحكمِ بالأمرِ بشفع الأذانِ. قالَ العلماءُ: والحكمةُ في تكريرِ الأذانِ وإفرادِ ألفاظِ الإقامةِ هي أن الأذانَ لإعلامِ الغائبينَ، فاحتيجَ إلى التكريرِ، ولذا يشرعُ فيهِ رفعُ الصوتِ وأنْ يكونَ على محلٍّ مرتفعٍ بخلافِ الإقامةِ؛ فإنها لإعلامِ الحاضرينَ، فلا حاجةَ إلى تكريرِ ألفاظها، ولذا شرعَ فيها خَفضُ الصوتِ والحدْرُ، وإنَّما كررتْ جملةُ:(قدْ قامتِ الصلاةُ)؛ لأنَّها مقصودُ الإقامةِ، (وزادَ أحمدُ في آخرهِ)[ظاهرُه]

(5)

في [آخر]

(6)

حديثِ عبدَ اللَّهِ بن زيدٍ [هذا]

(7)

.

(1)

قلت: رواية التثنية عن أبي محذورة وردت من طرق صحيحة في الظاهر، إلا أن جميعها معلول؛ لأنها غلط من بعض الرواة.

وكذلك رواية التثنية عن عبد الله بن زيد، فإنها باطلة عنه؛ لأنها وقعت غلطًا من بعض الرواة.

انظر تفصيل ذلك في كتابنا: "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الصلاة.

(2)

زيادة من (أ).

(3)

رقم (4/ 168).

(4)

رقم (5/ 169).

(5)

في (أ): "أي".

(6)

زيادة من (أ).

(7)

زيادة من (ب).

ص: 44

‌زيادة "الصلاة خير من النوم" في أذان الفجر الأول

2/ 168 - وَزَادَ أَحْمَدُ

(1)

في آخِرِهِ قِصّةَ قول بِلَال في أَذَانِ الْفَجْرِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ. [ضعيف]

(قصةُ قول بِلالٍ في أذانِ الفجرِ: الصلاةُ خيرٌ منَ النومِ) رَوَى الترمذيُّ

(2)

، وابنُ ماجَهْ

(3)

، وأحمدُ

(4)

منْ حديثِ عبدِ الرحمنِ بن أبي ليلى عنْ بلالٍ قَالَ: قالَ لي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُثَوِّبَنَّ في شيءٍ منَ الصلاةِ إلَّا في صلاةِ الفجرِ"، إلَّا أن فيهِ ضعيفًا، وفيهِ انقطاعٌ أيضًا. وكانَ على المصنفِ أنْ يذكرَ ذلكَ على عادتِه.

(1)

في "المسند"(4/ 42 - 43) وقد سبق الكلام عليه في الحديث السابق.

(2)

في "السنن"(1/ 378 رقم 198).

(3)

في "السنن"(1/ 237 رقم 715).

(4)

في "المسند"(6/ 14).

قلت: وأخرجه العقيلي في "الضعفاء"(1/ 75).

قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل المُلّائي، ولم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عُتَيْبَة، وإنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة.

وقال العقيلي: في حديث أبي إسرائيل وهم واضطراب.

قلت: لم يتفرد أبو إسرائيل بالحديث وإن لم يعرف ذلك الترمذي.

فقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 424) من طريق عبد الوهاب بن عطاء أنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "أمر بلال أن يثوِّب في صلاة الصبح ولا يثوِّب في غيرها".

ورجاله ثقات لكنه منقطع؛ لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلقَ بلالًا.

ثم أخرجه البيهقي (1/ 424)، وأحمد (6/ 14 - 15) من طريق علي بن عاصم ثنا عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا "أثوب إلا في الفجر". وقال البيهقي: "وهذا مرسل، فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلقَ بلالًا" اهـ.

قلت: وفي سنده عطاء بن السائب: صدوق اختلط [التقريب (2/ 22 رقم 191)].

وعلي بن عاصم: ضعيف [المغني (2/ 450 رقم 4290)].

ثم قال البيهقي (1/ 424): ورواه الحجاج بن أرطأة، عن طلحة بن مصرف وزبيد عن سويد بن غفلة أن بلالًا كان لا يثوّب إلا في الفجر، فكان يقول في أذانه: حيَّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، والحجاج مدلس.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، واللَّه أعلم.

ص: 45

ويقالُ: التثويبُ مرتينِ كما في سننِ أبي داودَ

(1)

، وليس "الصلاةُ خيرٌ منَ النومِ" في حديثِ عبدِ اللَّهِ بن زيدٍ، كما رُبَّما تُوهِمهُ عبارةُ المصنفِ حيثُ قالَ في آخرهِ: وإنَّما يريدُ أن أحمدَ ساقَ روايةَ عبدِ اللَّهِ بن زيدٍ ثمَّ وصلَ بها روايةَ بلالٍ.

3/ 169 - وَلاِبْنِ خُزَيْمَةَ

(2)

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ في الْفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ. [صحيح]

(وَلابْنِ خُزَيْمةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ) أي: طريقةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (إذا قالَ المؤذنُ في الفجرِ: حي على الفلاحِ) الفلاحُ: هوَ الفوزُ والبقاءُ، أي: هلمُّوا إلى سببِ ذلكَ. (قالَ: الصلاةُ خيرٌ منَ النَّومِ) وصححهُ ابنُ السكنِ

(3)

، وفي روايةِ النسائي

(4)

: (الصلاةُ خيرٌ منَ النومِ، الصلاةُ خيرٌ منَ النومِ، في الأذانِ الأولِ منَ الصبحِ) وفي هذا تقييدٌ لما أطلقتهُ الرواياتُ. قالَ ابنُ رسلانَ: وصححَ هذهِ الروايةِ ابنُ خزيمةَ

(5)

. قالَ: فشرعيةُ التثويبِ إنَّما [هي]

(6)

في الأذانِ الأولِ للفجرِ؛ لأنهُ لإيقاظِ النائمِ، وأمَّا الأذانُ الثاني فإنهُ إعلامٌ بدخولِ الوقتِ ودعاءٌ إلى الصلاةِ. ولفظُ النسائي في سننهِ الكبرى

(7)

منْ جهةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أبي محذورةَ قالَ: "كنتُ أؤذنُ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فكنتُ أقولُ - في أذانِ الفجرِ الأولِ - حي على الصلاة، حيَّ على الفلاحِ، الصلاةُ خيرٌ منَ النومِ، الصلاةُ خيرٌ

(1)

(1/ 340 رقم 500) من حديث أبي محذورة وهو حديث صحيح بطرقه.

(2)

في "صحيحه"(1/ 202 رقم 386).

قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 243 رقم 38)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 423) بإسناد صحيح. وكذا صحَّحه البيهقي، ومحمد مصطفى الأعظمي محقق صحيح ابن خزيمة.

تنبيه: وقع في صحيح ابن خزيمة "ابن عوف" وصوابه "ابن عون" بالنون كما في سنن البيهقي والدارقطني وهو "عبد الله بن عون".

(3)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 201).

(4)

في "السنن الصغرى"(2/ 7 رقم 633) من حديث أبي محذورة.

(5)

في "صحيحه"(1/ 200 - 202 رقم 385).

(6)

في (أ): "هو".

(7)

قلت: بل في (الصغرى)(2/ 13 - 14 رقم 647 و 648) من حديث أبي محذورة.

وانظر: "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" للمزي (9/ 286 رقم 12170).

ص: 46

منَ النومِ" قالَ ابنُ حزمٍ

(1)

: وإسنادهُ صحيحٌ اهـ. منْ تخريج الزركْشيِّ لأحاديثِ الرافعي. ومثلُ ذلكَ في سننِ البيهقي الكُبرَى

(2)

مِنْ حديثِ أَبي محذورةَ "أنهُ كانَ يثوِّبُ في الأذانِ الأولِ منَ الصبحِ بأمرهِ صلى الله عليه وسلم ". قلتُ: وعلى هذا ليسَ [الصلاةُ خيرٌ منَ النوم]

(3)

منْ ألفاظِ الأذانِ المشروعِ للدعاءِ إلى الصلاةِ والإخبارِ بدخولِ وقتِها، بلْ هوَ من الألفاظِ التي شُرِعَتْ لإيقاظِ النائمِ، فهوَ كألفاظِ التسبيح الأخيرِ الذي اعتادهُ الناسُ في هذهِ الأعصارِ المتأخرةِ عِوضًا عن الأذانِ الأولِ

(4)

. وإذا عرفتَ [ذلك]

(5)

؛ هانَ عليكَ ما اعتادهُ الفقهاءُ منَ الجدالِ في التثويبِ: هلْ هوَ منْ ألفاظِ الأذانِ أوْ لَا؟ وهلْ هوَ بدعةٌ أوْ لَا؟ ثمَّ المرادُ منْ معناهُ: اليقظةُ للصلاةِ، "خيرٌ منَ النومِ"، أي: الراحةُ التي يعتاضونها في الآجلِ خيرٌ منَ النومِ. ولنا كلامٌ في هذه الكلمةِ [أودعناها]

(6)

رسالةً لطيفةً.

‌زيادة الترجيع في الأذان

4/ 170 - وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الأَذَانَ، فَذَكَر فِيهِ التَّرْجِيعَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

(7)

.

(1)

في "المحلَّى بالآثار"(2/ 187 في المسألة 331).

(2)

1/ 422.

(3)

زيادة من (ب).

(4)

وهي من البدع التي بيَّنها العلماء.

قال الشقيري في "السنن والمبتدعات"(ص 49): "وقولهم - قبل الفجر على المنائر -: يا رب عفوًا بجاه المصطفى كرمًا: بدعة، وتوسل جاهلي، وكذا التسبيح، أو القراءة، أو الأشعار، بدع في الدين مغيرة لسنة الأمين صلى الله عليه وسلم

).

وقال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 157): "وقد رأينا من يقوم بالليل كثيًرا على المنارة فيعظ ويذكر، ومنهم من يقرأ سورًا من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم ويخلط على المتهجِّدين قراءتهم.

وكل ذلك من المنكرات.

وانظر كتابنا: "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الصلاة.

باب: "بدع الأذان والإقامة وما يتعلق بهما".

(5)

في (ب): "هذا".

(6)

"في (ب): "أودعناه".

(7)

في "صحيحه"(1/ 287 رقم 6/ 379). قال النووي في "شرح صحيح مسلم"(4/ 81) عقب الحديث: "هكذا وقع هذا الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول في أوله: =

ص: 47

وَلِكنْ ذَكَرَ التَّكْبِيرَ في أَوَّلهِ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ. وَرَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(1)

فَذَكَرُوهُ مُرَبّعًا. [صحيح]

(وعن أبي مَحْذُورةَ) تقدمَ ضبطُه وبيانُ حالهِ

(2)

، (أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم علمهُ الأذانَ) أي: ألقاهُ صلى الله عليه وسلم عليهِ بنفسِه في قصةٍ حاصلُها: أنهُ خرجَ أبو محذورةَ بعدَ الفتحِ إلى حنينٍ هوَ وتسعةٌ منْ أهلِ مكةَ، فلمَّا سمعُوا الأذانَ أَذَّنُوا استهزاءً بالمؤمنينَ، فقال صلى الله عليه وسلم:"قدْ سمعتُ في هؤلاءِ تأذينَ إنسانٍ حسنِ الصوتِ"، فأرسلَ إلينا فأذَّنَّا رجلًا رجلًا وكنتُ آخِرهم، فقالَ حينَ أذنتُ:"تعالَ" فأجْلَسَنِي بينَ يديهِ فمسحَ على ناصيتي وبرَّكَ عليَّ ثلاثَ مراتٍ ثم قالَ: "اذهبْ فأذنْ عندَ المسجد الحرامِ"، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، فعلِّمني، الحديثُ (فذكرَ فيه الترجيعَ) أي في الشهادتينِ. ولفظُهُ عندَ أبي داودَ

(3)

: "ثمَّ تقولُ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أن محمدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أن محمدًا رسولُ اللهِ، تخفضُ بها صوتكَ"، قيلَ: المرادُ أن يُسِمعُ مَنْ بقربهِ، قيلَ: والحكمةُ في ذلكَ أنْ يأتيَ بِهمَا أولًا بتدبرٍ وإخلاص، ولا يتأتَّى كمالُ ذلكَ إلا معَ خفضِ الصوتِ. قالَ:"ثمَّ ترْفعُ صوتكَ بالشهادةِ أشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أن محمدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أن محمدًا رسولُ اللهِ"؛ فهذا هو الترجيعُ الذي ذهب جمهورُ العلماءِ إلى أنهُ مشروعٌ لهذا الحديثِ الصحيحِ، وهوَ زيادةٌ على حديثِ عبدِ اللهِ بن زيدٍ، وزيادةُ العدلِ مقبولةٌ. وإلى عدمِ القولِ بهِ ذهبَ الهادي

= الله أكبر مرتين فقط، ووقع في غير مسلم أربع مرات. قال القاضي عياض رحمه الله: ووقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم أربع مرات" اهـ.

(1)

وهم: أحمد في "المسند"(3/ 409) و (6/ 401)، وأبو داود (رقم 502)، والنسائي (2/ 4 - 5)، والترمذي (رقم 192)، وابن ماجه (رقم 709).

قلت: وأخرجه أبو عوانة (1/ 330)، والدارمي (1/ 271)، والطيالسي (ص 193 رقم 1354)، وابن خزيمة (1/ 195 رقم 377)، وابن حبان (ص 95 رقم 288 - الموارد)، والدولابي في الكنى (1/ 52)، والدارقطني (1/ 238)، والبيهقي (1/ 416 - 417)، وابن الجارود (رقم 162)، من طرق عن همام بن يحيى. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: وسنده حسن.

(2)

عند الحديث رقم (22/ 161).

(3)

في "السنن"(1/ 340 رقم 500).

ص: 48

وأبو حنيفةَ وآخرونَ عملًا منْهم بحديثِ عبدِ اللهِ بن زيدِ الذي تقدَّمَ

(1)

. (أخرجهُ مسلمٌ، ولكنْ ذكرَ التكبيرَ في أولهِ)[أي في أول الأذان]

(2)

(مرتينِ فقطْ)، لا كما ذكرهُ عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ آنفًا، وبهذهِ الروايةِ عملتِ الهادويةُ ومالكٌ وغيرُهم. (ورواهُ) أي: حديثَ أبي محذورةَ هذَا (الخمسةُ)[هم]

(3)

أهلُ السننِ الأربعةِ، وأحمدُ (فذكروهُ) أي: الكبيرَ في أولِ الأذاقِ (مربعًا)، كرواياتِ حديثِ عبدِ اللهِ بن زِيدٍ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ في الاستذكارِ: التكبيرُ أربعُ مراتٍ في أولِ الأذانِ محفوظٌ منْ روايةِ الثقاتِ منْ حديثِ أبي محذورةَ، ومنْ حديثِ عبدِ اللهِ بن زيدٍ، وهي زيادةٌ يجب قَبولُها.

واعلمْ أنَّ ابنَ تيميةَ في المنتقَى

(4)

نسبَ التربيعَ في حديثِ أبي محذورةَ إلى روايةِ مسلمٍ، والمصنفُ لم ينسبهُ إليهِ بلْ نسبهُ إلى روايةِ الخمسةِ، فراجعتُ صحيحَ مسلم وشرحه

(5)

فقالَ النَّوويُّ: إنَّ أكثرَ أصولِه فيها التكبيرُ مرتينِ في أوله، وقالَ القاضي عياضٌ: إنَّ في بعضِ طرقِ الفارسي لصحيحِ مسلم ذكر التكبير أربع مراتٍ في أولهِ، وبهِ تعرفُ أنَّ المصنفَ اعتبرَ أكثر الرواياتِ، وابنُ تيميةَ اعتمدَ بعضَ طرقهِ فلا يُتَوَهمُ المنافاةُ بينَ كلامِ المصنفِ وابنِ تيميةَ. وقال ابن الأثير - في الجامع بعد سياقه الروايات وذكر روايات التربيع في أوله - وقال: وأخرج مسلم من هذه الروايات انتهى كلامه. وليس بصحيح؛ فقد أخرج مسلم الرواية بتربيع التكبير في أوله كما قرَّرنا. انتهى.

‌تربيع التكبير في أول الأذان

5/ 171 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ شَفْعًا، وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ إِلَّا الإِقَامَةَ - يَعْني: إلا قَد قَامَتِ الصَّلَاةُ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

، وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلمٌ الاسْتِثْنَاءَ. [صحيح]

(1)

رقم الحديث (1/ 167).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

(2/ 43 رقم 4).

(5)

(4/ 81).

(6)

البخاري رقم (605)، ومسلم (رقم 2/ 378).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 508)، والترمذي (رقم 193)، وابن ماجه (رقم 730)، والطيالسي (ص 280 - 281 رقم 2095)، وأحمد (3/ 103)، والدارمي (1/ 270)، =

ص: 49

(وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قالَ: أُمِرَ) بضمِّ الهمزةِ مبنيٌّ لما لمْ يسمَّ [فاعله]

(1)

، بُنِي كذلكَ للعلمِ بالفاعلِ؛ فإنهُ لا يأمرُ [بالأمور]

(2)

الشرعيةِ إلَّا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ويدلُّ له الحديثُ الآتي قريبًا (بلالٌ) نائبُ الفاعلِ (أنْ يَشْفَعَ) بفتح أولهِ (الأذانَ) يأتي بكلماتهِ (شفْعًا) أي: مثْنى مثْنى، أو أربعًا أربعًا، فالكلُّ يصدقُ عليهِ أنهُ شفعٌ، وهذا إجمالٌ بَيَّنَهُ حديثُ عبدِ اللهِ بن زيدٍ وأبي محذورةَ، [فشفعُ]

(3)

التكبير [أنْ]

(4)

يأتي بهِ أربعًا أربعًا، وشفعُ غيرهِ أن يأتي [بهِ]

(5)

مرتينِ مرتينِ، وهذا بالنظرِ إلى الأكثرِ، وإلَّا فإنَّ كلمةَ التهليلِ في آخرِه مرةً واحدةً اتفاقًا، (وَيُوتِرَ الإقامةَ) يفردُ ألفاظَها (إلَّا الإقامةَ) بَيَّنَ المرادَ بها بقولهِ:(يعني قدْ قَامَتِ الصلاةُ)؛ فإنهُ يشرعُ أنْ يأتيَ بهَا مرتينِ ولا يوترُها، (متفقٌ عليهِ، ولمْ يذكر مسلمٌ الاستثناءَ) أعني قولَه: (إلا الإقامةَ)؛ فاختلفَ العلماءُ في هذا على ثلاثةِ أقوالٍ: الأولُ للهادويةِ [فقالوا]:

(6)

تُشْرَعُ تثنية ألفاظِ الإقامةِ كلِّها لحديثِ: "إنَّ بلالًا كان يُثنِّي الأذانَ والإقامةَ"، رواهُ عبدُ الرزاقِ

(7)

والدارقطنيُّ

(8)

والطحاويُّ

(9)

. إلَّا أنهُ قدْ ادَّعى فيهِ الحاكمُ الانقطاعَ

(10)

، ولهُ طرقٌ فيها ضعفٌ

(11)

. وبالجملة لا تُعارضُ

= وابن الجارود (رقم: 159)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 132 - 133)، والدارقطني (1/ 239)، والبيهقي (1/ 412، 413)، وأبو عوانة (1/ 326، 327، 328)، وابن خزيمة (1/ 190 و 191)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 253، 254) من طرق كثيرة عن أبي قلابة، عنه.

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في (ب): "في الأصول".

(3)

في (أ): "أن يشفع".

(4)

في (أ): "أي".

(5)

في (أ): "بها".

(6)

في (أ): "قالوا".

(7)

في "المصنف"(1/ 462 رقم 1790).

(8)

في "السنن"(2/ 242 رقم 34).

(9)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 134).

كلهم من طريق معمر عن حماد عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد، به. وهو إسناد حسن.

(10)

قال ابن حجر في "التلخيص"(1/ 199): وروى الحاكم والبيهقي في الخلافيات والطحاوي (1/ 134) من رواية سويد بن غفلة، أن بلالًا كان يثني الأذان والإقامة.

وادَّعى الحاكم فيه الانقطاع، ولكن في رواية الطحاوي: سمعت بلالًا".

(11)

منها: ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 463 رقم 1791) من طريق الثوري عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن الأسود بن بلال، قال: كان أذانه وإقامته مرتين مرتين".

وأخرجه الدارقطنيُّ في "السنن"(1/ 242 رقم 35).

ص: 50

روايةُ التربيع في التكبيرِ روايةَ الإفرادِ في الإقامةِ لصحتِها، فلا يقالُ: إنَّ التثنيةَ في ألفاظِ [كلمات]

(1)

الإقامةِ زيادةُ عدل فيجبُ قبولُها؛ لأنكَ قدْ عرفتَ أنَّها لم تصحَّ. والثاني لمالك فقالَ: تفردُ ألفاظُ الإقامةِ حتَّى "قدْ قامتِ الصلاةُ". والثالثُ للجمهورِ: أنها تفرَدُ ألفاظُها إلَّا "قدْ قامتِ الصلاةُ" فتكرَّرُ؛ عملًا بالأحاديثِ الثابتةِ بذلكَ.

6/ 172 - وَللنَّسَائِيِّ

(2)

: أَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا. [صحيح]

(وَلِلنَّسَائِيِّ: أمَرَ) أي: عنْ أنسٍ بالبناءِ للفاعلِ، وهوَ (النبيُّ صلى الله عليه وسلم بلالًا)، وإنما أتَى بهِ المصنفُ ليفيدَ أن الحديثَ الأولَ المتفقِ عليهِ مرفوعٌ وإنْ وردَ بصيغةِ البناءِ للمجهولِ، قالَ الخطابيُّ

(3)

: إسنادُ تثنيةِ الأذانِ وإفرادُ الإقامةِ أصحُّها أي الرواياتِ وعليهِ أكثرُ علماءِ الأمصارِ، وجرى العملُ بهِ في الحرمينِ، والحجازِ، والشام، واليمنِ، وديارِ مصرَ، ونواحي الغربِ إلى أقصى حجرٍ منْ بلادِ الإسلامِ، ثمَّ عدَّ مَنْ قالهُ منَ الأئمةِ. قلتُ: وكأنهُ أرادَ باليمنِ مَنْ كانَ فيها شافعيَّ المذهبِ، وإلَّا فقدْ عرفتَ مذهبَ الهادويةِ، وهمْ سكانُ غالبِ اليمنِ، وما أحسنَ ما قالهُ بعضُ المتأخرينَ - وقدْ ذكرَ الخلافَ في ألفاظِ الأذانِ: هلْ مثْنى أو أربعٌ؟ أي: التكبيرُ في أولهِ - وهلْ فيهِ ترجيعُ الشهادتينِ أوْ لا، والخلافُ في الإقامةِ - ما لفظُه: هذهِ المسألةُ مِنْ غرائبِ الواقعاتِ يقلُّ نظيرها في الشريعةِ بلْ وفي العاداتِ، وذلكَ أن هذهِ الألفاظَ في الأذانِ والإقامةِ قليلةٌ محصورةٌ معيَّنةٌ، يصاحُ بها في كلِّ يومٍ وليلةٍ خمسَ مراتٍ في أعلى مكانٍ، وقدْ أمرَ كلَّ سامعٍ أنْ يقولَ كما يقولُ المؤذنُ وهمْ خيرُ القرونِ في غرةِ الإسلامِ شديدو المحافظة على الفضائلِ، ومع هذَا كلِّه لمْ يذكرْ خوضَ الصحابةِ ولا التابعينَ واختلافَهم فيها، ثمَّ جاءَ الخلافُ الشديدُ في المتأخرينَ، ثمَّ كلٌّ منَ المتفرقينَ أدلى بشيءٍ صالحٍ في الجملةِ وإنْ تفاوتَ وليسَ بينَ الرواياتِ تنافٍ لعدمِ المانعِ منْ أنْ يكونَ كلٌّ سنة، كما نقولُه. وقدْ قيلَ في أمثالِه كألفاظِ التشهدِ وصورةِ صلاةِ الخوفِ.

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في "السنن"(3/ 2 رقم 627) من حديث أنس.

(3)

في "معالم السنن"(1/ 272 - 273 - مع المختصر).

ص: 51

‌الالتفات يمينًا وشمالًا عند الحيعلتين في الأذانِ

7/ 173 - وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ، أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا، وَإِصْبَعَاهُ في أُذُنَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

، وَصَحُّحَهُ. [صحيح]

وَلاِبْنِ مَاجَهْ

(3)

: وَجَعَلَ إِصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ. [صحيح]

وَلأَبي دَاوُدَ

(4)

: لَوَى عُنُقَهُ لَمَّا بَلَغَ "حَيّ عَلَى الصَّلَاةِ" يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يَسْتَدِرْ. وَأَصْلُهُ في الصَّحِيحَيْنِ

(5)

. [صحيح]

‌ترجمة أبي جُحيفة

(وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ)

(6)

بضمِّ الجيمِ وفتحِ الحاء المهملةِ فمثناةٍ تحتيةٍ ساكنةٍ ففاءٍ، هوَ وهبُ بنُ عبدِ اللهِ، وقيلَ ابنُ مسلمٍ السُوائيِّ [بضمِّ السينِ المهملةِ وتخفيفِ الواوِ وهمزةٍ بعدَ الألفِ]

(7)

العامريٌّ. نزلَ الكوفةَ وكانَ منْ صغارِ الصحابةِ، توفي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولمْ يبلغْ الحلُمَ ولكنهُ سمعَ منهُ. جعلهُ عليٌّ على بيتِ المالِ، وشهدَ معهُ المشاهدَ كلَّها، توفيَ بالكوفةِ سنةَ أربعٍ وسبعينَ.

(قالَ: رأيت بلالًا يُؤَذِّن وأَتَتَبَّع [أي أنا]

(8)

فاهُ) أي أنظرُ إلى فيهِ متتبعًا (ههُنا) أي يَمنةً، (وههُنا) أي يَسرةً (وأصْبُعَاهُ) أي إبهامُهُمَا، ولمْ يردْ تعيينُ الأصبعينِ. وقالَ النوويُّ: هما المسبِّحتانِ (في أذنيه. رواهُ أحمدُ، والترمذيُّ، وصحَّحه. ولابنِ ماجه) أي:

(1)

في "المسند"(4/ 308).

(2)

في "السنن"(1/ 375 رقم 197)، وقال: حديث حسن صحيح.

(3)

في "السنن"(1/ 236 رقم 711).

(4)

في "السنن"(1/ 357 رقم 520).

(5)

البخاري (رقم 634)، ومسلم (رقم 249/ 503).

(6)

انظر ترجمته في: "الإصابة"(10/ 321 - 322 رقم 9167)، والاستيعاب (11/ 169 - 170 رقم 2891)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 201 - 202 رقم 307)، وتهذيب التهذيب (11/ 145 رقم 281)، وتاريخ بغداد (1/ 199 - 200 رقم 38)، وطبقات ابن سعد (6/ 63)، والكنى والأسماء (1/ 22)، ومشاهير علماء الأمصار (ت: 295).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

زيادة من (أ).

ص: 52

منْ حديثِ أبي جحيفةَ [أيضًا]

(1)

: (وجعلَ أصبعيهِ في أدنيهِ. ولأبي داودَ) منْ حديثهِ [أيضًا](1)(لوى عنقَهُ لما بلغَ "حيَّ على الصلاةِ" يمينًا وشمالًا)؛ هوَ بيانٌ لقولهِ: ههُنا وههُنا. (ولمْ يستدرْ) بجملةِ بدنِهِ (وأصلهُ في الصحيحينِ).

الحديثُ دلَّ على آدابٍ للمؤذنِ وهي: الالتفاتُ إلى جهةِ اليمينِ وإلى جهةِ الشمالِ، وقدْ بينَ محلَّ ذلكَ لفظُ أبي داودَ

(2)

حيثُ قالَ: (لوى عنقَه لما بلغَ حيَّ على الصلاةِ). وأصرحُ منهُ حديثُ مسلمٍ بلفظِ: "فجعلتُ أتتبعُ فاهُ ههنا وههنا يمينًا وشمالًا يقولُ: حي على الصلاةِ، حي على الفلاحِ"؛ ففيهِ بيانُ الالتفاتِ عندَ الحيعلتينِ. وبوَّبَ عليهِ ابنُ خزيمةَ

(3)

بقولهِ: "انحرافُ المؤذنِ عندَ قولهِ: حيَّ على الصلاةِ، حيَّ على الفلاح بفمهِ لا ببدنهِ كلِّهِ"، قالَ: وإنَّما يمكنُ الانحرافُ بالفمِ بِانحرافِ الوجهِ، ثمَّ ساقَ

(4)

مِنْ طريقِ وكيعٍ، "فجعلَ يقولُ في أذانهِ هكذا، وحرفَ رأسَهُ يمينًا وشمالًا". وأما روايةُ أن بلالًا استدارَ في أذانهِ فليستْ بصحيحةٍ

(5)

، وكذلكَ روايةُ أنهُ صلى الله عليه وسلم أمرهُ أنْ يجعلَ أُصبعيهِ في أذنيهِ روايةٌ ضعيفةٌ

(6)

. وعنْ أحمدَ بن حنبلَ: لا

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "السنن"(رقم: 520) وقد تقدم.

(3)

في "صحيحه"(1/ 202) رقم الباب (41).

(4)

أي: ابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 203).

(5)

أخرجه ابن ماجه (رقم 711)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 395) من طريق الحجاج بن أرطأة، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: أتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالأَبْطَحِ وهو في قُبَّةٍ حَمْرَاءَ فخرج بلالٌ فأذَّنَ فاستدارَ في أذانِهِ، وجعلَ إِصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ" وإسنادهَ ضعيف؛ لعنعنة الحجاج بن أرطأة فإنه مدلس. لكن تابعه سفيان عن عون، أخرجه أحمد (4/ 308) وسنده صحيح على شرط الشيخين.

وقال البيهقي: "ويحتمل أن يكون الحجاج أراد بالاستدارة إلتفاته في حي على الصلاة، حي على الفلاح، فيكون موافقًا لسائر الرواة. والحجاج بن أرطأة ليس بحجَّاج، والله يغفر لنا وله". اهـ.

وانظر: "نصب الراية" للزيلعي (1/ 277، 278).

(6)

أخرج ابن ماجه في "السنن"(رقم 710): حدثنا هشامُ بنُ عمَّار، ثنا عبد الرحمن بنُ سَعدِ بن عمارِ بن سَعْدِ مؤذن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، حدثني أبي، عَنِ أبيه، عن جَدِّهِ؛ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بلالًا أنْ يجعلَ إِصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ، وقال:"إِنَّهُ أَرْفعُ لصوتكَ".

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 153 رقم 265): "هذا إسناد ضعيف؛ لضعف أولاد سعد القرط: عمار، وسعد، وعبد الرحمن .. ".

قلت: وهو حديث ضعيف. وكذا ضعَّفه الألباني في "الإرواء"(رقم: 231)، ويغني عنه =

ص: 53

يدورُ إلَّا إذا كانَ على منارةٍ قصدًا لإسماعِ أهلِ الجهتينِ. وذكرَ العلماءُ أن فائدةَ التفاتهِ أمران، أحدُهما: أنهُ أرفعُ لصوتهِ، وثانيهمَا: أنهُ علامةٌ للمؤذنِ ليعرفَ مَنْ يراهُ على بُعدٍ أوَ منْ كانَ بهِ صممٌ أنهُ يؤذنُ، وهذَا في الأذانِ. وأما الإقامةُ فقال الترمذيُّ

(1)

: إنهُ استحسنَهُ الأوزاعيُّ.

8/ 174 - وَعَنْ أَبِي مَحْذُوَرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْجَبَهُ صَوْتُهُ، فَعَلَّمَهُ الأَذَانَ. رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَةَ

(2)

. [صحيح]

(وعنْ أَبي مَحْذورَةَ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أعجبهُ صوتُهُ فعلَّمه الأذانَ. رواهُ ابن خزيمةَ) وصحَّحهُ. وقدْ قدَّمنَا القصةَ واستحسانَهُ صلى الله عليه وسلم لصوتهِ وأمرَهُ لهُ بالأذانِ بمكةَ. وفيهِ دلالةٌ على أنهُ يستحبُّ أنْ يكونَ صوتُ المؤذنِ حَسَنًا.

‌لا يؤذَّن للعيد ولا يقال الصلاة جامعة

9/ 175 - وَعَن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم الْعِيدَيْنِ، غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ، بِغَيْرِ أَذَان وَلَا إِقَامَةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ جَابِرٍ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْت مَعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم العِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ) أي: بلْ مرَّاتٍ كثيرةً (بغيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ)، أي: حالَ كونِ الصلاةِ غيرَ مصحوبةٍ بأذانٍ ولا إقامةٍ (رواهُ مسلمٌ).

فيهِ دليلٌ على أنهُ لا يشرعُ لصلاةِ العيدينِ أذانٌ ولا إقامةَ، وهوَ كالإجماعِ. وقد رُوِي خلافُ هذَا عن ابن الزبيرِ ومعاويةَ وعمرَ بن عبدِ العزيزِ قياسًا منهمْ

= حديث أبي جحيفة، قال: رأيت بلالًا يُؤَذنُ ويَدورُ، ويُتْبعُ فاهُ ها هنا وها هنا، وإصْبَعَاهُ في أذنيهِ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في قُبَّةٍ لهُ حمراءُ

"، أخرجه الترمذي (رقم 197)، وأحمد في "المسند" (4/ 308)، وإسناده صحيح.

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(1)

في "السنن"(1/ 377).

(2)

في "صحيحه"(1/ 195 رقم 377) وقد تقدم في حديث (رقم: 4/ 170).

(3)

في "صحيحه"(2/ 604 رقم 887).

قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 680 رقم 1148)، والترمذي (2/ 412 رقم 532)، وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 54

للعيدينِ على الجمعةِ، وهوَ قياسٌ غيرُ صحيحٍ، بلْ فعلُ ذلكَ بدعةٌ؛ إذْ لم يُؤْثَرْ عن الشارعِ ولا عنْ خلفائهِ الراشدينَ. ويزيدُهُ تأكيدًا قولُهُ:

10/ 176 - وَنَحْوُهُ في الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ

(1)

عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَغَيْرِهِ. [صحيح]

(وَنَحْوُهُ) أي: نحوُ حديثِ جابرِ بن سمرَةَ (في المتفقِ عليهِ) أي: الذي اتفقَ على إخراجهِ الشيخانِ (عن ابن عباسٍ رضي الله عنه وغيره) منَ الصحابةِ. وأما القولُ بأنهُ يقالُ في العيدِ عوضًا عن الأذانِ: الصلاةُ جامعةٌ، فلمْ تردْ بهِ سنةٌ في صلاةِ العيدينِ، قالَ في الهدي النبويِّ

(2)

: "وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلَّى أخذَ في الصلاةِ - أي: صلاةِ العيدِ - منْ غيرِ أذانٍ، ولا إقامةٍ، ولا قولِ الصلاةُ جامعةٌ. والسنَّةَ: أنْ لا يفعلَ شيءٌ منْ ذلكَ". وبهِ يُعْرفُ أن قولَه في الشرحِ: ويستحبُّ في الدعاءِ إلى الصلاةِ في العيدينِ وغيرِهما مما لا يُشْرَعُ فيهِ أذانٌ كالجنازةِ: الصلاةُ جامعةٌ، غيرُ صحيحٍ، إذْ لا دليلَ على الاستحبابِ، ولوْ كانَ مُسْتَحَبًّا لما تركهُ صلى الله عليه وسلم والخلفاءُ الراشدونَ منْ بعدهِ، نعمْ ثبتَ ذلكَ في صلاةِ الكسوتِ لا غيرُ، ولا يصحُّ فيهِ القياسُ؛ لأنَّ ما وجدَ سببهُ في عصرهِ ولم يفعلْه ففِعلُه بعدَ عصرهِ بدعةٌ فلا يصحُّ إثباتُه بقياسٍ ولا غيرِهِ.

‌مشروعية الأذان للفائتة

11/ 177 - وَعَنْ أَبي قَتَادَةَ رضي الله عنه في الْحَدِيثِ الطَّويلِ في نَوْمِهِمْ عَنِ الصَّلَاةِ - ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، فَصَلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كما كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ أبي قَتَادَةَ - في الحديثِ الطَّويلِ في نَوْمِهِمْ عَنِ الصَّلَاةِ -) أي: عنْ صلاةِ

(1)

البخاري (رقم 960)، ومسلم (رقم 886).

(2)

أي في "زاد المعاد في هدي خير العباد"(1/ 442).

(3)

في "صحيحه"(1/ 472 رقم 310/ 681).

قلت: وأخرجه البخاري (595)، وأبو داود (437، 438، 439، 440، 441)، والترمذي (177) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (1/ 294 - 295) و (2/ 105 - 106)، وابن ماجه (698).

ص: 55

الفجرِ، وكانَ عندَ قُفُولِهم منْ غزوةِ خيبرَ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: هوَ الصحيحُ (ثمَّ أذنَ بلالٌ) أي بأمرهِ صلى الله عليه وسلم كما في سننِ أبي داودَ

(1)

، ثمَّ "أمرَ بلالًا أنْ ينادي بالصلاةِ فنودي بِها"، (فصلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كما كانَ يصنعُ كلَّ يومٍ. رواهُ مسلمٌ).

فيهِ دلالةٌ على شرعيةِ التأذينِ للصلاةِ الفائتةِ بنومٍ ويلحقُ بها المنسيةُ؛ لأنهُ صلى الله عليه وسلم جمعُهما في الحكمِ حيثُ قالَ: "منْ نامَ عنْ صلاتهِ أو نسيَها"

(2)

الحديثَ. وقدْ رَوَى مسلمٌ

(3)

منْ حديثِ أبي هريرةَ أنهُ صلى الله عليه وسلم: "أمرَ بلالًا بالإقامةِ ولمْ يذكرِ الأذانَ"، وبأنهُ صلى الله عليه وسلم لما فاتتهُ الصلاةُ يومَ الخندقِ أمرَ لها بالإقامةِ ولمْ يذكرِ الأذانَ كما في حديثِ أبي سعيدٍ عندَ الشافعيِّ

(4)

. وهذهِ لا تعارضُ روايةَ أبي قتادةَ؛ لأنهُ مثبتٌ، وخبرُ أبي هريرةَ وأبي سعيدٍ ليسَ فيهمَا ذكرُ الأذانِ بنفي ولا إثباتٍ، فلا معارضةَ؛ إذْ عدمُ الذكرِ لا يعارضُ الذكرَ.

‌تعدُّد الأذان والإقامة في الصلاتين المجموعتين

12/ 178 - وَلَهُ

(5)

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بها الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ. [صحيح]

(وَلَهُ) أي: لمسلم (عَنْ جَابِرٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى المُزْدَلِفَةَ) أي: منصرفًا

(1)

(438) كما تقدم.

(2)

أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684) من حديث أنس بلفظ:"مَنْ نَسِيَ صلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَها، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ".

وفي لفظ لمسلم (315/ 684): "مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذا ذَكَرَهَا".

(3)

في "صحيحه"(309/ 680).

(4)

في "الأم"(1/ 106).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة (2/ 99 رقم 996)، وابن حبان (4/ 241 رقم 2879)، والدارمي (1/ 358)، والنسائي (2/ 17 رقم 661)، والطيالسي (1/ 78 رقم 323 - منحة المعبود)، وأحمد في "المسند"(3/ 25، 67 - 68)، والبيهقي (3/ 251) و (1/ 402)، وأبو يعلى الموصلي (2/ 471 رقم 1296)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 321) من طرق. وهو حديث صحيح.

(5)

أي لمسلم في "صحيحه"(147/ 1218).

قلت: وأخرجه النسائي مقطعًا (2/ 15 رقم 655) و (2/ 16 رقم 656).

ص: 56

[عنْ]

(1)

عرفاتٍ، (فصلَّى بها المغربَ والعشاءَ)، جمعَ بينهما (بأذانٍ واحدٍ وإقامتينٍ). وقدْ رَوَى البخاريُّ

(2)

منْ حديثِ ابن مسعود: "أنهُ صلَّى أي [في المزدلفة]

(3)

المغربَ بأذانٍ وإقامةٍ، والعشاءِ بأذانٍ وإقامةٍ، وقال: رأيتُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يفعلهُ"، ويعارضُهما معًا قولُهُ:

13/ 179 - وَلَهُ

(4)

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: جَمَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ. وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ

(5)

: لِكُلِّ صَلَاةٍ، وفي رِوَايَةٍ لَهُ

(6)

: وَلَمْ يُنَادِ في وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. [صحيح]

(ولهُ) أي: لمسلمٍ (عن ابن عمرَ رضي الله عنه جمعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينَ المغربِ والعشاءِ بإقامةٍ واحدةٍ)[لكل صلاة]

(7)

. وظاهرهُ أنهُ لا أذانَ فيهمَا. [والحديث]

(8)

صريحٌ في مسلمٍ أن ذلكَ بالمزدلفةِ فإنَّ فيهِ: قال سعيدُ بنُ جبير أفضْنَا معَ ابن عمرَ حتى أتينَا جَمْعًا أي: المزدَلفةَ، فإنهُ اسمٌ لها، وهو بفتحِ الجيمِ وسكونِ الميمِ، فصلَّى بها المغربَ والعشاءَ بإقامةٍ واحدةٍ ثمَّ انصرفَ، وقال: هكذَا صلَّى بنا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم هذَا المكانِ. وقد دلَّ على أنهُ لا أذانَ [فيهما]

(9)

، وأنهُ لا إقامةَ إلا واحدةً للصلاتينِ، وقدْ دلَّ قولُهُ:(زادَ أبو داودَ) أي: منْ حديثِ ابن عمرَ (لكلِّ صلاةٍ) أي: أنهُ أقامَ لكلِّ صلاةٍ؛ لأنهُ زادَ بعدَ قولهِ: بإقامة واحدةٍ لكلِّ صلاةٍ، فدلَّ على أن لكلِّ صلاةٍ إقامةً. فروايةُ مسلمٍ تقيَّدُ بروايةِ أبي داودَ هذهِ.

(وفي روايةٍ لهُ) أي: لأبي داودَ عن ابن عمرَ (ولم يناد في واحدةٍ منْهما)؛ وهوَ صريحٌ في نفي الأذانِ. وقدْ تعارضتْ هذهِ الرواياتُ فجابرٌ أثبتَ أذانًا واحدًا وإقامتينِ، وابنُ عمرَ نفى الأذانَ وأثبتَ الإقامتينِ، وحديثُ ابن مسعودٍ الذي ذكرناهُ أثبتَ الأذانينِ والإقامتينِ، فإنْ قلْنا: المثبتُ مقدَّمٌ على النافي عملْنا بخبرِ

(1)

في (ب): "من".

(2)

في "صحيحه"(1675).

(3)

في (ب): "بالمزدلفة".

(4)

أي لمسلم في "صحيحه"(290/ 1288).

(5)

في "السنن"(2/ 475 رقم 1928).

(6)

أي لأبي داود (1928).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في (ب): "وهو".

(9)

في (ب): "بهما".

ص: 57

ابن مسعودٍ. والشارحُ رحمه الله قالَ: يقدَّمُ خبرُ جابرٍ، أي: لأنهُ مثبتٌ للأذانِ على خبرِ ابن عمرَ؛ لأنهُ نافٍ لهُ، ولكنْ نقولُ:[بل]

(1)

نقدمُ خبرَ ابن مسعودٍ لأنهُ أكثرُ إثباتًا

(2)

.

‌أذان بلال قبل الفجر لإيقاظ النائم

14/ 180 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيلٍ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يُناديَ ابْنُ أمِّ مَكتُومٍ"، وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ، أَصْبَحْت. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

، وَفي آخِرِهِ إِدْراجٌ

(4)

. [صحيح]

(1)

زيادة من (ب).

(2)

ذكر ابن القيم في شرحه على أبي داود (5/ 405 - 410 مع العون) اختلاف أهل العلم في هذه المسألة، ثم قال: "والصحيح في ذلك كله: الأخذ بحديث جابر، وهو الجمع بينهما بأذان وإقامتين لوجهين اثنين:

(إحداهما): أن الأحاديث سواه مضطربة مختلفة:

• فهذا حديث ابن عمر في غاية الاضطراب، كما تقدم، فروي عن ابن عمر من فعله الجمع بينهما بلا أذان ولا إقامة، رروي عنه الجمع بينهما بإقامة واحدة. وروي عنه الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة، وروي عنه مسندًا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم: الجمع بينهما بإقامة واحدة، وروي عنه مرفوعًا الجمع بينهما بإقامتين، وعنه أيضًا مرفوعًا: الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة لهما، وعنه مرفوعًا الجمع بينهما دون ذكر أذان ولا إقامة، وهذه الروايات صحيحة عنه، فيسقط الأخذ بها، لاختلافها واضطرابها.

• وأما حديث ابن مسعود فإنه موقوف عليه من فعله.

• وأما حديث ابن عباس فغايته: أن يكون شهادة على نفي الأذان والإقامة الثابتين، ومن أثبتهما فمعه زيادة علم، وقد شهد على أمر ثابت عاينه وسمعه.

قلت: المحفوظ أنه من حديث ابن عمر وليس من حديث ابن عباس.

• وأما حديث أسامة فليس فيه [إلا] الإتيان بعدد الإقامة لهما، وسكت عن الأذان، وليس سكوته عنه مقدمًا على حديث من أثبته سماعًا صريحًا، بل لو نفاه جملة لقدِّم عليه حديث من أثبته، لتضمنه زيادة علم خفيت على النافي.

(الوجه الثاني): أنه قد صح من حديث جابر في جمعه صلى الله عليه وسلم بعرفة: أنه جمع بينهما بأذان وإقامتين، ولم يأت في حديث ثابت قط خلافه.

والجمع بين الصلاتين بمزدلفة كالجمع بينهما بعرفة، لا يفترقان إلا في التقديم والتأخير، فلو فرضنا تدافع أحاديث الجمع بمزدلفة جملة لأخذنا حكم الجمع من جمع عرفة" اهـ.

(3)

البخاري (622، 623) و (1918، 1919)، ومسلم (1092).

(4)

المُدْرَج: هو زيادة الراوي الصحابي فمن دونه في متن الحديث أو سنده يحسبها من يروي=

ص: 58

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ بِلالًا يؤَذنُ بِليلٍ) قدْ بيَّنت روايةُ البخاريِّ أن المرادَ بهِ قُبَيْلَ الفجرِ، فإنَّ فيها:"ولم يكنْ بينَهما إلَّا أنْ يرقى ذَا وينزلَ ذَا"، وعندَ الطحاويِّ

(1)

بلفظِ: "إلَّا أنْ يصعدَ هذَا وينزلَ هذَا"، (فكلُوا واشربُوا حتى ينادي ابنُ أمِّ مكْتُوم)، واسمُه عمروٌ (وكانَ) أي ابنُ أمِّ مكتومٍ (رجلًا أعمى لا ينادي حتَّى يقالَ له أصبْحَتَ أصْبَحْتَ)، أي دخلتَ في الصباحِ. (متفقٌ عليهِ، وفي آخرهِ إدراجٌ)، أي كلامٌ ليسَ مِنْ كلامهِ صلى الله عليه وسلم يريدُ بهِ قولَهُ:"وكانَ رجلًا أعمى إلى آخرهِ". ولفظُ البخاريِّ هكذَا: "قالَ: وكانَ رجلًا أعمى بزيادةِ لفظِ قالَ"، وبَيَّنَ [الشارحُ]

(2)

فاعلَ قالَ أنهُ ابنُ عمرَ، وقيلَ الزهريُّ، فهوَ كلامٌ مدرجٌ منْ كلام أحدِ الرجلينِ. وفي الحديثِ شرعيةُ الأذانِ قبلَ الفجرِ لا لما شُرعَ لهُ الأذانُ؛ فإنَّ الأذانَ شُرعَ كما سلفَ للإِعْلامِ بدخولِ الوقتِ، ولدعاءِ السامعينَ لحضورِ الصلاةِ، وهذا الأذانُ الذي قبلَ الفجرِ قدْ أخبرَ صلى الله عليه وسلم بوجهِ شرعيتِه بقولهِ:"ليوقظَ نائمَكم، ويُرجعَ قائمكَم"، رواهُ الجماعةُ إلا الترمذيَّ

(3)

. والقائمُ هُو الذي يصلِّي صلاةَ الليلِ ورجوعُه عَوْدة إلى نومهِ أو قعودُه عنْ صلائهِ إذا سمعَ الأذانَ، فليسَ للإعلامِ بدخولِ وقتٍ، ولا لحضورِ الصلاةِ، وإنَّما هوَ كالتسبيحةِ الأخيرةِ التي تفعلُ في هذهِ الأعصارِ، غايتُه أنهُ كانَ بألفاظِ الاذانِ، وهوَ مثلُ النداءِ الذي أحدثهُ عثمانُ في يومِ الجمعةِ لصلاتِها؛ فإنهُ كان يأمرُ بالنداءِ [لها]

(4)

في محلٍّ يقالُ لهُ الزوراءُ

(5)

[ليجتمعَ]

(6)

الناسُ للصلاةِ، وكان ينادِي لها بألفاظِ الأذانِ

= الحديث أنها منه - لعدم فصلها عن الحديث - وليست منه.

انظر: "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" لابن كثير. تأليف أحمد محمد شاكر (ص 69 - 73) لتشاهد الأمثلة على جميع أنواع المدرج.

(1)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 138).

(2)

في (أ): "الشراح".

(3)

وهم: البخاري (621)، ومسلم (1093)، وأبو داود (2347)، والنسائي (4/ 148 رقم 2170)، وابن ماجه (1696)، وأحمد (1/ 386، 392، 435) كلهم من حديث ابن مسعود.

(4)

في (أ): "إليها".

(5)

الزوراء: ممدود، وبعد الواو راء، هو موضع بالمدينة عند السوق قرب المسجد، وذكر الداودي أنه مرتفع كالمنار.

[مشارق الأنوار (1/ 315)].

(6)

في (ب): "فيجتمع".

ص: 59

المشروعِ، ثمَّ جعلهُ الناسُ مِنْ [بعدهِ]

(1)

تسبيحًا بالآيةِ والصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فذِكرُ الخلافِ في المسألةِ، والاستدلالُ للمانع وللمجيزِ لا يلتَفِتُ إليهِ مَنْ همُّهُ العملُ بما ثبتَ. وفي قولِه:"كلُوا واشربُوا"، أَيْ: أيُّها المريدونَ للصيامِ "حتى يؤذِّنَ ابن أمّ مكتومٍ"، ما يدل على إباحةِ ذلكَ إلى أذانهِ. وفي قولهِ:"إنهُ كانَ لا يؤذنُ" أي: ابنُ أمِّ مكتومٍ "حتَّى يقالَ لهُ أصبحتَ أصبحتَ"، ما يدلُّ على جوازِ الأكلِ والشربِ بعدَ دخولِ الفجرِ. وبهِ قالَ جماعةٌ، ومَنْ منعَ مِنْ ذلكَ قالَ: معنى قولهِ: "أصبحتَ أصبحتَ" قاربتَ الصباحَ، وأنَّهم يقولونَ لهُ ذلكَ عندَ آخرِ جزءٍ منْ أجزاءِ الليلِ، وأذانهُ يقعُ في أولِ جزءٍ منْ طلوعِ الفجرِ.

‌ما يؤخذ من الحديث

وفي الحديث دليلٌ على جواز اتخاذِ مؤذنَينِ في مسجدٍ واحدٍ، ويؤذنُ واحدٌ بعدَ واحدٍ، وأما أذانُ اثنينِ معًا، فمنعهُ قومٌ وقالُوا: أولُ منْ أحدثهُ بنو أميةَ. وقيلَ: لا يكرهُ إلَّا أنْ يحصلَ بذلكَ تشويشٌ، قلتُ: وفي هذا المأخذِ نظرٌ؛ لأنَّ بِلالًا لم يكنْ يؤذنُ للفريضةِ - كما عرفتَ - بل المؤذنُ لها واحدٌ [هو ابنُ أمِّ مكتومٍ]

(2)

.

واستُدِلَّ بالحديثِ على جوازِ تقليدِ المؤذنِ الأعمى والبصيرِ، وعلى جوازِ تقليدِ الواحدِ، وعلى جوازِ الأكلِ والشربِ معَ الشكِّ في طلوعِ الفجرِ؛ إذ الأصلُ بقاءُ الليلِ، وعلى جوازِ الاعتمادِ على الصوتِ في الروايةِ إذا عرفهُ، وإنْ لم يشاهدِ الراوي. وعلى جوازِ ذكرِ الرجلِ بما فيهِ منَ العاهةِ إذا كان القصدُ التعريفَ [بهِ ونحوَه]

(3)

، وجوازُ نسبتهِ إلى أمهِ إذا اشتهرَ بذلكَ.

15/ 181 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ بِلالًا أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ:"أَلَا إِن الْعَبْدَ نَام"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

، وَضَعَّفَهُ. [ضعيف]

(1)

في (ب): "بعد ذلك".

(2)

زيادة من (ب).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في "السنن"(1/ 363 رقم 532) و (1/ 365 رقم 533).

وقال أبو داود: وهذا الحديث لم يروه عن أيوب إلا حمَّاد بن سلمة.

وقال الحافظ في "الفتح"(2/ 103): "اتفق أئمة الحديث: علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والذهلي، وأبو حاتم، وأبو داود، والترمذي، والأثرم، والدارقطني، =

ص: 60

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ بِلالًا أَذَّنَ قَبْلَ الفَجْرِ فَأَمَرهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يرجِعَ فينادِي: "أَلَا إنَّ العبدَ نامَ". رواهُ أبو داودَ وضعفهُ)، فإنهُ قالَ عقبَ إخراجهِ: هذا حديثٌ لمْ يروِهِ عن أيوبَ إلا حمادُ بنُ سلمةَ. وقالَ المنذريُّ

(1)

: قالَ الترمذيُّ: هذا حديثٌ غيرُ محفوظٍ. وقالَ علي بنُ المدينيِّ: حديثُ حمادِ بن سلمةَ غيرُ محفوظٍ، وأخطأ فيه أي: أخطأ في رفعه، والصواب وقفه على ابن عمر، وأنه الذي وقع له ذلك مع مؤذِّنه. وقدِ استدلَّ بهِ مَنْ قالَ لا يُشْرَعُ الأذانُ قبلَ الفجرِ. ولا يخْفى أنهُ لا يقاومُ الحديثَ الذي اتفقَ عليهِ الشيخانِ، ولو ثبتَ أنهُ صحيحٌ لَتُؤُوّلَ على أنَّهُ قبلَ شرعيةِ الأذانِ الأولِ، [فإن]

(2)

بلالًا هوَ المؤذنُ الأولُ الذي أمرَ صلى الله عليه وسلم عبدَ اللهِ بنَ زيدٍ أنْ يُلْقي عليهِ ألفاظَ الأذانِ، ثمَّ اتخذَ ابنَ أمّ مكتومٍ بعدَ ذلكَ مؤذنًا معَ بلالٍ، فكانَ بلالٌ يؤذن الأذانَ الأولَ لما ذكرهُ صلى الله عليه وسلم منْ فائدةِ أذانهِ، ثمَّ إذا طلعَ الفجرُ أذنَ ابنُ أمِّ مكتومٍ.

‌يقول سامع المؤذن كما يقول المؤذن

16/ 182 - وَعَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مثْلَمَا يَقُولُ الْمُؤذنُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ: إذا سمعتمُ النداءَ فقولُوا

= على أن حمَّادًا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب، وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه" اهـ.

قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 139)، والدارقطني (1/ 244 رقم 48)، والبيهقي (1/ 383)، والترمذي تعليقًا (1/ 394).

وقال: هذا حديث غير محفوظ ..

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف.

(1)

في "المختصر"(1/ 286).

(2)

في (ب): "فإنه كان".

(3)

البخاري (611)، ومسلم (10/ 383).

قلت: وأخرجه أبو داود (522)، والترمذي (208) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (2/ 23)، وابن ماجه (720)، والدارمي (1/ 272)، والطيالسي (ص 294 رقم 2214)، ومالك (1/ 67 رقم 2)، وأحمد في "المسند"(3/ 6).

ص: 61

مثلَما يقول المؤذِّنُ. متفقٌ عليه). فيهِ شرعيةُ القولِ لمنْ سمعَ المؤذنَ أنْ يقولَ كما يقولُ على أي حالٍ كانَ منْ طهارةٍ وغيرِها، ولو جُنُبًا أوْ حائضًا، إلا حالَ الجماعِ، وحالَ التخلي لكراهةِ الذكرِ فيهمَا. وأما إذا كانَ السامعُ في حالِ الصلاةِ ففيهِ أقوالٌ: الأقربُ أنه يؤخِّرُ الإجابةَ إلى بعدِ خروجهِ منْها. والأمرُ يدلُّ على الوجوب علَى السامعِ لا علَى مَنْ رآهُ فوقَ المنارةِ ولمْ يسمعْهُ، أوْ كانَ أصمَّ. وقدِ اختُلِفَ في وجوبِ الإجابةِ، فقالَ بهِ الحنفيةُ وأهلُ الظاهرِ وآخرونَ، وقالَ الجمهورُ: لا يجبُ، واستدلُّوا بأنهُ صلى الله عليه وسلم سمعَ مؤذنًا [فلما كبَّرَ قالَ:"على الفطرةِ"]

(1)

، فلما تشهَّدَ قالَ:"خرجتَ منَ النَّارِ"، أخرجهُ مسلمٌ

(2)

. قالُوا: فلو كانتِ الإجابةُ واجبةً لقالَ صلى الله عليه وسلم كما قالَ المؤذنُ، فلمَّا لم يقلْ دلَّ على أن الأمرَ في حديثِ أبي سعيدٍ للاستحبابِ، وتُعقِّبَ بأنهُ ليسَ في كلامِ الراوي ما يدلُّ على أنهُ صلى الله عليه وسلم لمْ يقلْ كما قالَ، فيجوزُ أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ مِثْلَ قولهِ ولم ينقلْه الراوي اكتفاءً بالعادةِ، ونقلَ الزائدَ. وقولُه:"مثلَما يقولُ"، يدلُّ أنهُ يتبعُ كلَّ كلمةٍ [يسمعُها]

(3)

فيقولُ مثلَها. وقدْ روتْ أمُّ سلمةَ أنهُ صلى الله عليه وسلم "كانَ يقولُ كما يقولُ المؤذنُ حتَّى يسكتَ"، أخرجهُ النسائيُّ

(4)

. فلو لمْ يجاوبهُ حتى فرغَ منَ الأذانِ استُحِبَّ لهُ

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في "صحيحه"(9/ 382).

قلت: وأخرجه الترمذي (1618)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن خزيمة (1/ 208 رقم 400)، وأبو عوانة (1/ 336) من حديث أنس.

(3)

في (أ): "سمعها".

(4)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(2/ 91) من حديث أم حبيبة.

قلت: وأخرج حديث أم حبيبة أحمد في "المسند"(6/ 326)، وابن ماجه (719)، وابن خزيمة (1/ 215 رقم 412)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 143)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 204).

وهو حديث ضعيف؛ لأن مداره على "عبد الله بن عُتبة بن أبي سفيان" وهو مجهول. وقال الذهبي في "الميزان"(2/ 459 رقم 4441): "لا يكاد يُعْرَف، تفرَّدَ عنه أبو المليح بن أسامة"، وقال الحافظ في "التقريب" (1/ 431 رقم 459): مقبول. والظاهر أن الحافظ اعتبر أن جهالة العين قد ارتفعت برواية ابن خزيمة له في "صحيحه"، فيعتبر توثيقًا من ابن خزيمة، وبه صارت جهالتُهُ جهالة حال فقط، فقال فيه: مقبول.

وأما الحافظ الذهبي فاعتبرها جهالة عين، وهذا هو الراجح. =

ص: 62

التداركُ إنْ لمْ يَطُلِ الفصلُ. وظاهرُ قولهِ" [في]

(1)

النداءِ" أنهُ يجيبُ كل مؤذن أذَّن بعد الأول، وإجابةُ الأول أفضلُ. قال في الشرح: إلا في الفجر والجمعة، فهمَا سواءٌ لأنَّهما مشروعانِ. قلتُ: يريدُ الأذانَ قبلَ الفجر، والأذانَ قبلَ حضورِ الجمعةِ، ولا يخفَى أن الذي قبلَ الفجرِ قدْ صحَّتْ مشروعيتُه، وسمَّاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أذانًا في قولهِ: "إنَّ بلالًا يؤذنُ بليلٍ"، فيدخُلُ تحتَ حديثِ أبي سعيدٍ، وأمَّا الأذانُ قبلَ الجمعةِ فهوَ مُحْدَثٌ بعدَ وفاتهِ صلى الله عليه وسلم ولا يُسمَّى أذانًا شرعيًّا

(2)

. وليسَ المرادُ منَ المماثلةِ أنْ يرفعَ صوتَه كالمؤذنِ، لأنَّ رفعهُ لصوتهِ لقصدِ الإعلامِ بخلافِ المجيبِ، ولا يكفي إمرارة الإجابةَ على خاطرهِ؛ فإنهُ ليسَ بقولٍ، وظاهرُ حديثِ أبي سعيدٍ والحديثِ الآتي وهوَ:

17/ 183 - وَللْبُخَارِيِّ

(3)

عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه مِثْلُهُ. [صحيح]

(وللبخاريِّ عنْ معاويةَ [مثلُه) أَي]

(4)

مثلُ حديث أبي سعيدٍ: أن السامَع يقولُ [كما يقول]

(5)

المؤذنُ في جميعِ ألفاظِه إلَّا في الحيعلتينِ فيقولُ ما أفادهُ الحديث الثامن عشر وهو قوله:

18/ 184 - وَلمُسْلِمٍ

(6)

عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي فَضْلِ الْقَوْلِ كما يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ كَلِمَةً كَلِمَةً، سِوَى الحيْعلَتَينِ، فَيَقُولُ:"لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ". [صحيح]

= • فائدة: سقط "عبد الله بن عتبة" في رواية أحمد، فيوهم صحة السند فتنبَّه.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

هذا هو الصواب، ونرى أن يقتصر على الأذان المشروع عند خروج الإمام وصعوده على المنبر، لزوال السبب المبرر لزيارة عثمان رضي الله عنه.

انظر: "الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة" للمحدث الألباني (1/ 58 - 63).

(3)

في "صحيحه"(رقم 613).

قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(4/ 91 - 92)، والنسائي (2/ 25 رقم 677)، وابن خزيمة (1/ 216 رقم 414)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 409)، والدارمي (1/ 272)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 479 رقم 1844).

(4)

زيارة من (ب).

(5)

في النسخة (ب): "كقول".

(6)

في "صحيحه"(12/ 385).

قلت: وأخرجه أبو داود (527).

ص: 63

(ولمسلمٍ عنْ عمرَ في فضلِ القولِ كما يقولُ المؤذنُ كلمة كلمةً سِوى الحيعلتينِ) حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفلاحِ؛ فإنهُ يخصصُ ما قبله [في الحيعلتين أو بعده]

(1)

. (فيقولُ) أي السامعُ: (لا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ) عندَ كلِّ واحدةٍ منْهمَا، وهذا المتنُ هوَ الذي رواهُ معاويةُ [كما في]

(2)

البخاريِّ، وعمرُ كما في مسلمٍ، وإنَّما اختصرَ المصنفُ فقالَ: وللبخاريِّ عنْ معاويةَ أي القولُ كما يقولُ المؤذن إلى آخرِ ما ساقهُ في روايةِ مسلمٍ عنْ عمرَ. إذا عرفتَ هذَا فيقولُها أربعَ مراتٍ. ولفظُه عندَ مسلمٍ

(3)

: "إِذَا قَالَ المُؤَذنُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ فقالَ أحدُكُمْ: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ" إلى أنْ قالَ: " [فإذَا قالَ]

(4)

: حيَّ على الصّلَاةِ [قَالَ]

(5)

لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ، ثمَّ قالَ حيَّ على الفَلاحِ قَالَ: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ"، فيحتملُ أنهُ يريدُ إذا قالَ حيَّ عَلَى الصلاةِ [حَوْقَلَ]

(6)

وإذَا قالَها ثانيًا [حوقلَ](6)، ومثلُهُ حيَّ على الفلاحِ فيكنْ أربعًا، ويحتملُ أنَّها تكفي [حوقلة]

(7)

واحدةٌ عندَ الأُولى منَ الحيعلتينِ. وقدْ أخرج النسائيُّ

(8)

، وابنُ خزيمةَ

(9)

، حديثَ معاويةَ، وفيهِ:"يقولُ ذلكَ".

وقولُ المصنف: "في فضلِ القولِ"، لأنَّ آخرَ الحديثِ أنَّهُ قالَ:"إذَا قالَ السامعُ ذلكَ مِنْ قلبهِ دخلَ الجنةَ". والمصنفُ لم يأتِ بلفظِ الحديثِ بلْ بمعناهُ. هذَا والحولُ هوَ الحركةُ، أي لا حركةَ ولا استطاعةَ إلَّا بمشيئةِ اللهِ، وقيلَ: لا حولَ في دفعِ شرٍّ ولا قوةَ في تحصيلِ خيبر إلَّا بِاللهِ، وقيلَ: لا حولَ عنْ معصيةِ اللهِ إلا بعصمتهِ، ولا قوةَ على طاعتهِ إلَّا بمعونتهِ. وحُكيَ هذَا عن ابن مسعودٍ مرْفوعًا.

واعلمْ أن هذَا الحديثَ مقيِّدٌ لإطلاقِ حديثِ أبي سعيدٍ

(10)

الذي فيهِ: "فقولُوا مثلَما يقولُ"، أي: فيمَا عدَا الحيعلةِ. وقيلَ: يَجْمَعُ السامعُ بينَ الحيعلةِ

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في (أ): "عند".

(3)

تقدم رقم (12/ 385).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في (أ): "فقال".

(6)

في (أ): "حولق.

(7)

في (أ): "حولقة".

(8)

في "السنن"(2/ 25 رقم 677) كما تقدم،

(9)

في "صحيحه"(1/ 216 رقم 414) كما تقدم.

(10)

تقدم تحت رقم (16/ 182).

ص: 64

[والحوقلةِ]

(1)

عملًا بالحديثين، والأولُ أَوْلَى، لأنهُ تخصيصٌ للحديثِ العامِّ أوْ تقييدٌ لمطلقه؛ ولأنَّ المعنى مناسبٌ لإجابةِ الحيعلةِ مِنَ السامعِ [بالحوقلةِ](1)؛ فإنه لما دُعِيَ إلى ما فيه الفوزُ والفلاحُ والنجاةُ وإصابةُ الخيرِ ناسبَ أنْ يقولَ هذا أمرٌ عظيمٌ لا أستطيعُ معَ ضعفي القيامَ بهِ إلَّا إذا وفَّقني اللهِ بحولهِ وقوتهِ، ولأنَّ ألفاظَ الأذانِ ذكرُ اللهِ فناسبَ أن يجيبَ بها، إذْ هوَ ذكرٌ لهُ تعالَى، وأما الحيعلةُ فإنَّما هيَ دعاءٌ إلى الصلاةِ، والذي يدعُو إليها هوَ المؤذنُ، وأما السامعُ فإنَّما عليهِ الامتثالُ والإقبالُ على ما دعي إليهِ، وإجابتُه في ذكرِ اللهِ لا فِيْما عداهُ. والعملُ بالحديثينِ كما ذكرنَا هوَ الطريقةُ المعروفةُ في حملِ المطلقِ على المقيَّدِ، أو تقديمِ الخاصِّ على العامِّ، [فهو]

(2)

أَوْلَى بالاتباعِ.

وهلْ يجيبُ عندَ الترجيعِ أوْ لَا يجيبُ وعندَ التثويبِ؟ فيهِ خلافٌ. وقيلَ يقولُ في جوابِ التثويبِ: صدقتَ وبررتَ، وهذا استحسانٌ منْ قائلهِ، وإلَّا فليسَ فيهِ سنةٌ تعتمدُ.

(فائدةٌ): أخرجَ أبو داودَ

(3)

عنْ بعضِ أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم: أن بلالًا أخذَ في الإقامةِ، فلمَّا أنْ قالَ قدْ قامتِ الصلاةُ قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أقامَها اللهُ وأدامَها". قالَ: وفي سائرِ الإقامةِ بنحوِ حديثِ عمرَ في الأذانِ انتهى. يريدُ بحديثِ عمرَ ما ذكرهُ المصنفُ وسقناهُ في الشرحِ منْ متابعةِ المقيمِ في ألفاظِ الإقامةِ كلِّها.

‌النهي عن أخذ الأجرة على الأذان

19/ 185 - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْني إِمَامَ قَوْمي، فَقَالَ: "أَنْتَ إِمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ، وَاتَّخذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأخُذُ عَلَى أَذَانِهِ

(1)

في (أ): "حولقة".

(2)

في (ب): "فهي".

(3)

في "السنن"(1/ 361 رقم 528).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 411)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم: 104) من حديث أبي أمامة، وإسناده واهٍ؛ محمد بن ثابت وهو العبدي ضعيف، ومثله شهر بن حوشب، والرجل الذي بينهما مجهول.

فالحديث ضعيف، ضعفه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 211)، والنووي في "المجموع"(3/ 122)، والألباني في "الإرواء"(1/ 258 رقم 241).

ص: 65

أَجْرًا"، أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ

(1)

، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

، وَصَحّحَهُ الْحَاكِمُ

(3)

. [صحيح]

‌ترجمة عثمان بن أبي العاص

(وَعَنْ عثمانَ بن أبي العاصِ)

(4)

، هوَ أبو عبدِ اللهِ عثمانُ بنُ أبي العاصِ بن بشرٍ الثقفيُّ، استعملَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الطائف، فلمْ يزل عليها مدةَ حياتهِ صلى الله عليه وسلم وخلافةَ أبي بكر وسنينَ منْ خلافةِ عمرَ، ثمَّ عزلهُ وولاهُ عُمَانَ والبحرينِ، وكانَ منَ الوافدينَ عليهِ صلى الله عليه وسلم في وفدِ ثقيفٍ، وكانَ أصغرَهم سنًا لهُ سبعٌ وعشرونَ سنة، ولما تُوُفيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عزمتْ ثقيفٌ على الرِدَّةِ فقالَ لهمْ: يا ثقيفُ كنتمْ آخرَ الناسِ إسلامًا فلا تكونُوا أولَهم ردةً، فامتنعُوا من الردةِ. ماتَ بالبصرةِ سنةَ إحدى وخمسينَ

(5)

. (أنه قالَ: يا رسولَ اللهِ، اجعلني إمامَ قومي، قالَ: أنتَ إمامُهُمْ، واقْتَدِ بأَضْعَفِهِمْ)، أي: اجعلْ أضعفَهم [بمرض]

(6)

أو زَمَانَةٍ أو نحوِهِما قدوةً لكَ تصلِّي بصلاتَه تخفيفًا، (واتخذ مؤذنًا لا يَأْخُذ عَلَى ادانِهِ أَجرًا. أخرجهُ الخمسةُ، وحسَّنهُ الترمذيُّ، وصحَّحهُ الحاكمُ).

الحديثُ يدلُّ على جوازِ طلبِ الإمامةِ في الخيرِ. وقدْ وردَ في أدعيةِ عبادِ الرحمنِ الذينَ وصفَهم اللهُ بتلكَ الأوصافِ أنَّهم يقولونَ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}

(7)

وليسَ منْ طلبِ الرياسةِ المكروهةِ؛ فإن ذلكَ فيما يتعلقُ برياسةِ الدنيا

(1)

وهم: أحمد في "المسند"(4/ 21، 217)، وأبو داود (531)، والترمذي (209)، والنسائي (2/ 23)، وابن ماجه (714).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 429)، وأبو عوانة (2/ 86 - 87)، والحاكم (1/ 199، 201) من طرق ثلاثة.

(2)

في "السنن"(1/ 410).

(3)

في "المستدرك"(1/ 199، 201) على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وصحّح الحديث الألباني في "الإرواء"(رقم: 1492).

(4)

انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(4/ 21 - 22، 216، 218)، وطبقات ابن سعد (5/ 508 - 509)، والتاريخ الكبير (6/ 212 رقم 2196)، والمعارف (268، 555)، والمعرفة والتاريخ (1/ 273)، والإصابة (6/ 388 رقم 5433)، وتهذيب التهذيب (7/ 117 - 118 رقم 270)، وشذرات الذهب (1/ 36).

(5)

هنا كلمة زائدة من (أ) وهي (سنة).

(6)

في (أ): "لمرض".

(7)

سورة الفرقان: الآية 74.

ص: 66

التي لا يعانُ مَنْ طلبَها ولا يستحقُّ أنْ يُعطاها كما يأتي بيانُه، وأنهُ يجبُ على إمامِ الصلاةِ أنْ يلاحظَ حالَ المصلينَ خلفَه، فيجعلُ أضعفَهم كأنهُ المقتدي بهِ فيخففُ لأجلهِ، ويأتي في أبوابِ الإمامةِ في الصلاةِ تخفيفهُ، وأنهُ يتخذُ المتبوعُ مؤذنًا ليجمعَ الناسَ للصلاةِ، وأنَّ مِنْ صفةِ المؤذنِ المأمورِ باتخاذهِ أنْ لا يأخذَ على أذانهِ أجرًا، أي أجرةً، وهوَ دليلٌ على أن مَنْ أخذَ على أذانهِ أجرًا ليسَ مأمورًا باتخاذهِ، وهلْ يجوزُ له أَخذُ الأجرةِ؟ فذهب الشافعيةُ إلى جوازِ أخذِه الأجرةَ معَ الكراهةِ. وذهبتِ الهادويةُ والحنفيةُ إلى أنَّها تحرمُ عليهِ الأجرةُ لهذا الحديثِ.

قلتُ: ولا يخفَى أنهُ لا يدلُّ على التحريمِ. وقيلَ: يجوزُ أخذُها على التأذينِ في محلٍّ مخصوصٍ؛ إذْ ليستْ على الأذان حينئذٍ بلْ على ملازمةِ المكانِ كأجرةِ الرصدِ.

20/ 186 - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيؤَذنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ"، الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ

(1)

. [صحيح]

‌ترجمة مالك بن الحويرث

(وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ)

(2)

بضمِّ الحاءِ المهملةِ وفتحِ الواوِ وسكونِ المثناةِ

التحتيةِ وكسرِ الراءِ وثاءٍ مثلثةٍ. هوَ [أبو]

(3)

سليمانَ مالكُ بنُ الحويرث الليثيُّ، وفَدَ

على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأقامَ عندَهُ عشرينَ ليلةً، وسكنَ البصرةَ، وماتَ سنةَ أربع وتسعينَ بها.

(قالَ: قالَ [لنا]

(4)

النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إذا حَضَرَتِ الصلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، الحديثُ أخرجهُ السبعةُ). هوَ مختصرٌ منْ حديثٍ طويل أخرجهُ البخاريُّ

(5)

بألفاظٍ أحدُها قالَ مالكُ: "أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في نفرٍ منْ قَوْمي؛ فأقمنَا عندَهُ عشرينَ ليلةً، وكانَ رَحيمًا رَفيقًا، فلمَّا رَأَى شَوقَنا إلى [أهلينَ]

(6)

قَالَ: ارجعُوا، فكونُوا فيهمْ، وعَلِّموهمْ وصَلُّوا، فإذَا حَضَرتِ الصلاةُ فَلْيُؤَذنْ لكمْ أحدُكم، وليؤُمَّكُم أكبَرُكم".

(1)

أخرجه أحمد (5/ 53)، والبخاري (685)، ومسلم (674)، وأبو داود (589)، والترمذي (205)، والنسائي (2/ 8 رقم 634)، وابن ماجه (979).

(2)

انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(10/ 12 رقم 13)، والإصابة (9/ 43 رقم 7611)، والاستيعاب (9/ 307 رقم 2261)، وأسد الغابة (4/ 277).

(3)

في (ب): "بن" وهو خطأ.

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "صحيحه"(628).

(6)

في (أ): "أهلنا".

ص: 67

زادَ في روايةٍ:

(1)

"وصَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي"، فساقَ المصنفُ قطعةً منهُ هي موضعُ ما يريدُه منَ الدلالةِ على الحثِّ على الأذانِ. ودليلُ إيجابهِ الأمرُ بهِ.

وفيهِ أنهُ لا يشترطُ في المؤذنِ غيرُ الإيمانِ؛ لقولهِ: "أحدِكمْ".

‌ينتظرُ المؤذنُ وقتًا يتسع لحضور من يريد الجماعة

21/ 187 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالٍ: "إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ، وَاجْعَلْ بَينَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ مِقْدَارَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أكلِهِ"، الْحَدِيثَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

، وَضَعَّفَهُ. [ضعيف]

(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ لبلالٍ: "إذا أذنت فترسَّلْ)، أي: رتلْ ألفاظهُ، ولا تعجلْ وتسْرع في سردِها، (وإذا أقمتَ فاحدُرْ) بالحاءِ والدالِ المهملتينِ، والدالُ مضمومةٌ فراءٌ، والحدرُ الإسراعُ (واجعلْ بينَ أذانِكَ واقامتِكَ [مقدارَ]

(3)

ما يفرغ الآكلُ مِنْ أكلِهِ) أي: تمهلْ وقْتًا يقدرُ فيهِ فراغُ الآكلِ منْ أكلهِ (الحديثَ)، بالنصبِ على أنهُ مفعولُ فعلٍ محذوفٍ، أي قرأَ الحديث أوْ أتمَّ [الحديث]

(4)

أو نحوَه، ويجوزُ رفعُه على خبريةِ مبتدإ محذوفٍ، وإنَّما يأتونَ بهذه العبارةِ إذا لم يستَوفُوا لفظَ الحديثِ، ومثلُه قولُهم الآيةَ والبيتَ. وهذا الحديثُ لم يستوفِهِ المصنفُ وتمامُهُ:"والشاربُ من شربهِ، والمعتصز إذا دخلَ لقضاءِ الحاجةِ، ولا تقومُوا حتى تروني". (رواهُ الترمذيُّ وضعفهُ). قالَ

(5)

: لا نعرفهُ إلَّا منْ حديثِ عبدِ المنعمِ، وإسنادهُ مجهولٌ. وأخرجه الحاكمُ

(6)

أيضًا، ولهُ شاهدٌ

(1)

أي في "صحيح البخاري"(631).

(2)

في "السنن"(1/ 373 رقم 195).

قلت: وأخرجه السهمي في تاريخ جرجان (153 - 154)، والبيهقي (1/ 428). وهو حديث ضعيف سيأتي الكلام عليه من المؤلف.

(3)

في (أ): "قدر".

(4)

زيادة من (أ).

(5)

أي الترمذي في "السنن"(1/ 374).

(6)

في "المستدرك"(1/ 204) وقال: هذا حديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائدة، والباقون شيوخ البصرة، وهذه سنة غريبة لا أعرف لها إسنادًا غير هذا. وقال الذهبي: قال الدارقطنيُّ: عمرو بن فائدة متروك.

قلت: وانظر: التلخيص الحبير (1/ 200 رقم 294)، و"نصب الراية"(1/ 275).

ص: 68

منْ حديثِ أبي هريرةَ

(1)

، ومنْ حديثِ سلمانَ [أخرجهما]

(2)

أبو الشيخ

(3)

، ومنْ حديثِ أبيّ بن كعبٍ أخرجهُ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ

(4)

، وكلُّها واهيةٌ إلَّا أنهُ يقويِّها المعنى الذي شرعَ لهُ الأذانُ؛ فإنهُ نداءٌ لغيرِ الحاضرينَ ليحضرُوا للصلاةِ فلا بدَّ منْ تقديرِ وقتٍ يتسعُ [للتأهب]

(5)

للصلاةِ وحضورِهَا، وإلَّا لضاعتْ فائدةُ النداءِ. وقدْ ترجمَ البخاريُّ

(6)

: "بابُ كمْ بينَ الأذانِ والإقامة" ولكنْ لمْ يثبتِ التقديرُ. قالَ ابنُ بطالٍ: لا حدَّ لذلكَ غيرُ تمكن دخولِ الوقتِ واجتماعِ المصلينَ. وفيهِ دليل على شرعيةِ الترسلِ في الأذان؛ لأنَّ المرادَ منه الإعلامُ للبعيدِ، وهوَ معَ الترسلِ أكثرُ إبلاغًا، وعلى شرعيةِ الحدرِ والإسراع في الإقامةِ؛ لأنَّ المرادَ منْها إعلامُ الحاضرينَ، فكان الإسراعُ بها أنسبَ ليفرغَ مِنْها بسرعةٍ، فيأتي بالمقصودِ وهَو الصلاةُ.

‌هل يشترط للأذان والإقامة الطهارة

22/ 188 - وَلَهُ

(7)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يُؤَذنُ إِلَّا مُتَوَضِّئٌ"، وَضَعَّفَهُ أَيْضًا. [ضعيف]

(1)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 428) وقال: الإسناد الأول أشهر، يعني طريق جابر.

(2)

في (ب): أخرجه.

(3)

ابن حبان في كتاب الأذان والإقامة - كما في "فيض القدير"(1/ 159). و"كنز العمال"(7/ 694 رقم 20961).

(4)

في "زوائد المسند"(3/ 41 رقم 293 - الفتح الرباني)، وأورده الهيثمي (2/ 4) وقال: رواه عبد الله بن أحمد من زياداته من رواية أبي الجوزاء عن أبي، وأبو الجوزاء لم يسمع من أبي.

(5)

في (ب): "للذاهب".

(6)

في "صحيحه"(2/ 106 رقم الباب 14).

(7)

أي للترمذي في "السنن"(1/ 389 رقم 200).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 397) من طريق هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم عن معاوية بن يحيى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا.

ثم قال البيهقي: "هكذا رواه معاوية بن يحيى الصدفي، وهو ضعيف. والصحيح رواية يونس بن يزيد الأيلي وغيره عن الزهري، قال: قال أبو هريرة: "لا يُنَادِي بالصلاة إلا متوضئ".

ص: 69

(وله) أي [للترمذي]

(1)

، (عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لا يؤذن إلَّا متوضئٌ"، وضعفهُ أيضًا) أي كما ضعفَ الأولَ فإنهُ ضعفَ هذا بالانقطاعِ، إذْ هوَ عن الزهريِّ، عنْ أبي هريرةَ. قالَ الترمذيُّ

(2)

: والزهريُّ لمْ يسمعْ مِنْ أبي هريرةَ، والراوي عن الزهريِّ ضعيفٌ، وروايةُ الترمذيِّ

(3)

منْ روايةِ يونسَ عن الزهريِّ عنهُ موقوفًا إلَّا أنهُ بلفظِ: "لا يُنادِي"، وهذا أصحُّ. ورواهُ أبو الشيخِ

(4)

في كتابِ الأذانِ منْ حديثِ ابن عباسٍ بلفظ: "إنَّ الأذانَ متصلٌ بالصلاةِ فلا يؤذِّنْ أحدُكم إلَّا وهو طاهرٌ"، وهوَ دليلٌ على اشتراطِ الطهارةِ للأذانِ مِنَ الحدثِ الأصغرِ، ومنَ الحدثِ الأكبرِ بالأوْلى. وقالتِ الهادويةُ: يشترطُ فيهِ الطهارةُ منَ الحدثِ الأكبرِ، فلا يصحُّ أذانُ الجنُبِ، ويصحُّ منْ غيرِ المتوضئِ عملًا بهذَا الحديثِ كما قالهُ في الشرحِ.

قلتُ: ولا يَخْفَى أن الحديثَ دالٌّ على شرطيةِ كونِ المؤذنِ متوضئًا فلا وجهَ لما قالوهُ منَ التفرقةِ بينَ الحديثينِ، وأما استدلالهم لصحتهِ منَ المحْدِثِ حدثًا أصغرَ بالقياسِ على جوازِ [قراءةِ]

(5)

القرآنِ فقياسٌ في مقابلةِ النصِّ لا يعملُ بهِ عندَهم في الأصولِ. وقدْ ذهبَ أحمدُ [وآخرونَ]

(6)

إلى أنهُ لا يصحُّ أذانُ المحْدِثِ حَدثًا أصغرَ عملًا بهذَا الحديثِ، وإنْ كانَ فيهِ ما عرفتَ والترمذيُّ صححَ وَقْفَهُ على أبي هريرةَ. وأمَّا الإقامةُ فالأكثرُ على شرطيةِ الوضوءِ لها قالُوا: لأنهُ لمْ يَردْ [أنَّها وقعتْ]

(7)

على خلافِ ذلكَ في عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا يخْفَى ما فيهِ، وقالَ قومٌ: تجوز [بغيرِ]

(8)

وضوءٍ وإن كانَ مكروهًا. وقالَ آخرونَ: تجوزُ [بغير]

(9)

كراهةٍ.

(1)

في (ب): "الترمذي"

(2)

في "السنن": (1/ 390).

(3)

في "السنن"(1/ 390 رقم 201) وهو حديث ضعيف على كل حال، للانقطاع بين الزهري وأبي هريرة.

(4)

في كتاب "الأذان"، كما في "كنز العمال"(7/ 696 رقم 20976).

(5)

في (أ): "قراءته".

(6)

في (أ): "وغيره".

(7)

في (أ): "أنه وقع".

(8)

في (ب): "على غير".

(9)

في (ب): "بلا".

ص: 70

يصح أن يقيم من لم يؤذن

23/ 189 - وَلَهُ

(1)

عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ"، وَضَعَّفَهُ أَيْضًا. [ضعيف]

‌ترجمة زياد بن الحارث

(وَلَهُ) أي الترمذيِّ (عنْ زيادِ بن الحارثِ)

(2)

هوَ زيادُ بنُ الحارثِ الصُّدَائيُّ، بايعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم[وأذنَ]

(3)

بينَ يديهِ، يعدُّ في البصريينَ، وصُدَاءُ، بضمِّ الصادِ المهملةِ وتخفيفِ الدالِ المهملةِ، وبعدَ الألفِ همزةٌ، اسمُ قبيلةٍ. (قالَ: قالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ أَذنَ) عطفٌ على ما قبلَه، وهوَ قولُه صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أخا صُداءٍ قدْ أذنَ"، ([فهو])

(4)

يقيمُ. وضعفهُ أيضًا) أي كما ضعفَ ما قبلَه. قالَ الترمذيُّ

(5)

: إنَّما يعرفُ منْ حديثِ زيادِ بن أَنْعُمَ الإفْريقيِّ، وقدْ ضعفهُ القطانُ وغيرُه. وقالَ البخاريُّ: هوَ مقاربُ الحديثِ، وضعفهُ أبو حاتمٍ وابنُ حبانَ، وقالَ الترمذيُّ

(6)

: والعملُ على هذا عندَ أكثرِ أهلِ العلمِ أن مَنْ أذنَ فهوَ يقيمُ. والحديثُ دليلٌ على أن الإقامةَ حقٌّ لمنْ أذنَ فلا تصحُّ منْ غيرِهِ، وعليهِ الهادويةُ، وعضدَ حديثَ البابِ حديثُ ابن عمرَ بلفظٍ:"مهلًا يا بلالُ، فإنَّما يقيمُ مَنْ أذنَ"، أخرجهُ الطبراني

(7)

، والعقيليُّ

(8)

، وأبو الشيخِ

(9)

،

(1)

أي للترمذي في "السنن"(1/ 383 رقم 199).

قلت: وأخرجه أبو داود (514)، وابن ماجه (717)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 399)، وأحمد في "المسند"(4/ 169). وهو حديث ضعيف، وقد ضعفه البغوي والبيهقي، وأنكره سفيان الثوري - كما في "الإرواء" للمحدث الألباني (1/ 255 رقم 237).

(2)

انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(3/ 310 رقم 661)، والإصابة (4/ 27 رقم 2844)، و"الاستيعاب"(4/ 34 رقم 825)، و"أسد الغابة"(2/ 213).

(3)

في (أ): "فأذن".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "السنن"(1/ 384).

(6)

في "السنن"(1/ 385).

(7)

في "الكبير"(12/ 435 رقم 13590).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 3) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه: سعيد بن راشد السماك وهو ضعيف.

(8)

في "الضعفاء"(2/ 105).

(9)

عزاه إليه صاحب "كنز العمال"(7/ 695 رقم 20970).

ص: 71

وإنْ كانَ قدْ ضعفهُ أبو حاتمٍ

(1)

، وابنُ حبانَ

(2)

. وقالتِ الحنفيةُ وغيرُهمْ: تجزئُ إقامةُ غيرِ مَنْ أذنَ؛ لعدمِ نهوضِ الدليلِ على ذلكَ ولما يدلُّ لهُ:

24/ 190 - وَلأَبِي دَاوُدَ

(3)

مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا رَأَيْتُهُ - يَعْني الأَذَانَ - وَأَنَا كُنْتُ أُرِيدُهُ، قَالَ:"فَأقِمْ أَنْتَ"، وَفِيهِ ضَعْفٌ أَيْضًا. [ضعيف]

(وَلأَبي دَاوُدَ [مِنْ]

(4)

حديثِ عبدِ اللهِ بن زيدٍ) [أي]

(5)

: ابن عبد ربهِ الذي تقدمَ حديثه أولَ البابِ (أنهُ قالَ) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم لما أمرهُ أن يلقيهُ على بلالٍ (أنا رأيتهُ - يعني الأذانَ -) في المنامِ، (وأنا كنت أريده، قالَ: فأقمْ أنت. وفيهِ ضعفٌ [أيضًا])

(6)

لمْ يتعرضِ الشارحُ رحمه الله لبيانِ وجههِ، ولا بيَّنَه أبو داودَ بلْ سكتَ عليهِ، لكنْ [ذكرَ]

(7)

الحافظُ المنذريُّ

(8)

أنهُ ذكرَ البيهقيُّ

(9)

أن في إسنادِه ومتنهِ اختلافًا. وقالَ أبو بكرٍ الحازمي: في إسنادهِ مقالٌ، وحينئذٍ فلا يتمَّ بهِ الاستدلالُ. نعمْ الأصلُ جوازُ كونِ المقيمِ غيرَ المؤذنِ، والحديثُ يقوي ذلكَ الأصلَ.

25/ 191 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ

(1)

في "العلل"(1/ 123).

(2)

في "المجروحين"(1/ 324).

وخلاصة القول: أن حديث ابن عمر ضعيف لا تقوم به الحجة.

وقال المحدث الألباني في "الضعيفة"(1/ 55): "ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه سبب لإثارة النزاع بين المصلين كما وقع ذلك غير مرة، وذلك حين يتأخر المؤذن عن دخول المسجد لعذر، ويريد بعض الحاضرين أن يقيم الصلاة، فما يكون من أحدهم إلا أن يعترض عليه محتجًا بهذا الحديث، ولم يدر المسكين أنه حديث ضعيف لا يجوز نسبته إليه صلى الله عليه وسلم عن أن يمنع به الناس من المبادرة إلى طاعة الله تعالى، ألا وهي إقامة الصلاة" اهـ.

(3)

في "السنن"(1/ 351 رقم 512).

قلت: وأخرجه الطيالسي (ص 148 رقم 1103)، والبيهقي (1/ 399)، وهو حديث ضعيف.

(4)

في (أ): "في".

(5)

زيادة من (ب).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

في (ب): "قال".

(8)

في "المختصر"(1/ 280).

(9)

في "السنن الكبرى"(1/ 399).

ص: 72

بِالأذَانِ، وَالإِمَامُ أَمْلَكُ بِالإِقَامَةِ"، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ

(1)

وَضَعَّفَهُ. [ضعيف]

- وَللْبَيْهَقِيِّ

(2)

نَحْوُهُ عَنْ عَليٍّ رضي الله عنه مِنْ قَوْلِهِ. [ضعيف]

(وَعَنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: المؤذنُ أملكُ بالأذانِ) أي وقته موكولٌ إليه، لأنهُ أمينٌ عليهِ (والإمامُ أملكُ بالإقامةِ) فلا يقيمُ إلَّا بعدَ إشارتهِ (رواهُ ابن عديٍّ

(3)

.

‌ترجمة ابن عدي

هوَ الحافظُ الكبيرُ الإمامُ الشهيرُ أبو أحمدَ عبدُ اللهِ بنُ عديٍّ الجرجانيُّ، ويعرفُ أيضًا بابنِ القصارِ صاحبُ كتابِ الكاملِ في الجرْحِ والتعديلِ، كانَ أحدَ الأعلامِ، ولدَ سنةَ تسعٍ وسبعينَ ومائتينِ، سمعَ على خلائقَ وعنهُ أممٌ. قالَ ابنُ عساكر: كان ثقةً على لحْنٍ فيهِ. قالَ حمزةُ السهميُّ: كانَ ابنُ عديٍّ حافظًا متقنًا لم يكنْ في زمانهِ أحدٌ مثلَه. قالَ الخليليُّ: كانَ عديمَ النظيرِ حِفْظًا وجلالةً، سألتُ [عنه محمد بن]

(4)

عبدَ اللهِ بن محمدٍ الحافظَ فقالَ: زرُّ قميصِ بن عديٍّ أحفظُ منْ عبدِ الباقِي بن قانعٍ، تُوفيَ في جُمَادَى الآخرةِ سنةَ خمسٍ وستينَ وثلثمائةٍ، (وضعفهُ) لأنهُ أخرجهُ في ترجمةِ شريكٍ القاضي، وتفردَ بهِ شريكٌ. وقالَ البيهقيُّ

(5)

: ليسَ بمحفوظٍ، ورواهُ أبو الشيخِ

(6)

وفيهِ ضعفٌ.

(1)

في "الكامل"(4/ 1327).

وقال: وهذا بهذا اللفظ لا يروى إلا عن شريك - ابن عبد الله بن أبي شريك النخعي أبو عبد الله الكوفي القاضي المشهور - من رواية يحيى بن إسحاق عنه.

قلت: وشريك هذا صدوق، يخطئ كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلًا فاضلًا عابدًا، شديدًا على أهل البدعِ [التقريب: 1/ 351 رقم 643)].

(2)

في "السنن الكبرى"(2/ 19).

(3)

انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ (3/ 940 - 942)، وطبقات السبكي (3/ 315 - 316)، وشذرات الذهب (3/ 51)، والنجوم الزاهرة (4/ 111)، وطبقات الحفاظ للسيوطي (ص 380 - 381)، وتاريخ جرجان (ص 226 رقم 443).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في "السنن الكبرى"(2/ 19).

(6)

في كتاب "الأذان" من حديث أبي هريرة - كما في "كنز العمال"(7/ 694 رقم 20963).

ص: 73

والحديثُ دليلٌ على أن المؤذنَ أملكُ بالأذانِ، أي [أن]

(1)

ابتداءَ وقتِ الأذانِ إليهِ لأنهُ [الأمينُ]

(2)

على الوقتِ والموكولُ بارتقابهِ، وعلى أن الإمامَ أملكُ بالإقامةِ فلا يقيمُ إلَّا بعدَ إشارةِ الإمام بذلكَ. وقدْ أخرجَ البخاريُّ

(3)

: "إِذَا أُقِيمَتِ الصلاةُ فلا تقومُوا حتى تَرَوْني"، فدلَّ على أن المقيمَ يقيمُ وإنْ لم يحضرِ الإمامُ، فإقامتُه غيرُ متوقفةٍ على إذْنهِ كذَا في الشرح، ولكنْ قدْ وردَ "أنهُ كانَ بلالٌ قبلَ أنْ يقيمَ يأتي إلى منزلهِ صلى الله عليه وسلم بالصلاةِ"

(4)

. والإيذانُ لها بعدَ الأذانِ استئذانٌ في الإقامةِ. وقالَ المصنفُ: إنَّ حديثَ البخاريِّ معارضٌ بحديثِ جابرِ بن سمرةَ: "أن بلالًا كان لا يقيمُ حتَّى يخرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "

(5)

. قالَ: ويُجمعُ بينَهما بأنَّ بلالًا كانَ يراقبَ وقتَ خروجِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا رآهُ [يشرعُ]

(6)

في الإقامةِ قبل أنْ يراهُ [عامة]

(7)

الناسِ، [فإذا]

(8)

رأوهُ قامُوا اهـ. وأمَّا تعيينُ وقتِ قيامِ [المؤتمِّين]

(9)

إلى الصلاةِ فقالَ مالكٌ في الموطإِ

(10)

: لمْ أسمعْ في قيامِ الناسِ حينَ تقامُ الصلاةُ حدًا محدودًا إلا أني أَرَى ذلكَ على طاقةِ الناسِ، فإنَّ منهمُ الثقيلَ والخفيفَ. وذهبَ الأكثرونَ إلى أن الإمامَ إنْ كان معَهم في المسجدِ لم

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (أ): "أمين".

(3)

في "صحيحه"(638).

قلت: وأخرجه مسلم (1/ 422 رقم 654)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 312 رقم 440)، وأبو داود (1/ 368 رقم 539)، والترمذي (2/ 395)، والنسائي (2/ 31 رقم 687)، والدارمي (1/ 289)، وابن خزيمة (3/ 14 رقم 1526)، والبيهقي (2/ 25 - 21)، وأحمد (5/ 304)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 391)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 551).

(4)

أخرج البخاري في "صحيحه"(6310) عن عائشة رضي الله عنها.

قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرةَ ركعة، فإذا طلعَ الفجرُ صلَّى ركعتين خفيفتين، ثم اضطَجَع على شِقِّه الأيمن حتى يجيء المؤذِّنُ فيُؤذِنه".

وأخرجه: مسلم (736)، والنسائي (2/ 30 رقم 685)، وأحمد في "المسند"(6/ 74، 83، 85، 248) وغيرهم.

(5)

أخرجه: مسلم (160/ 606)، وأبو داود (537)، والترمذي (202)، وقال: حديث حسن صحيح.

(6)

في (أ): "شرع".

(7)

في (ب): "غالب".

(8)

في (ب): "ثم إذا".

(9)

في (أ): "المأمومين".

(10)

(1/ 71).

ص: 74

يقومُوا حتى تفرغَ الإقامةُ. وعنْ أنسٍ أنهُ كانَ يقومُ إذا قالَ المؤذنُ: قدْ قامتِ الصلاةُ، رواهُ ابنُ المنذرِ وغيرُه. وعنِ ابن المسيبِ إذا قالَ المؤذنُ: اللهُ أكبرُ وجبَ القيامُ، وإذا قالَ: حيَّ على الصلاةِ عدلتِ الصفوفُ، وإذا قالَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ كبَّرَ الإمامُ، ولكنَّ هذا رأيٌ منهُ لمْ يذكرْ فيهِ سنةً، (وللبيهقيِّ نحوُهُ) أي: نحوُ حديثِ أبي هريرةَ (عنْ عليٍّ عليه السلام مِنْ قولهِ).

‌الدعاء بين الأذان والإقامة

26/ 192 - وَعَنْ أَنَس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُرَدُّ الدعَاءُ بَينَ الأَذَانِ والإِقَامَةِ"، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

(1)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(2)

. [صحيح]

- وَعَنْ جَابرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَالَ - حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ -: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَنسٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ والإقَامةِ. رواه النسائي، وصحَّحهُ ابن خزيمةَ). والحديثُ في مرفوعِ سننِ أبي داودَ

(4)

أيضًا. ولفظهُ هكذَا: عنْ أنسِ بن مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يُرَدُّ الدعاءُ بينَ الأذانِ والإقامةِ" اهـ. ثم قال المنذريُّ

(5)

: وأخرجهُ الترمذيُّ

(6)

، والنسائيُّ في

(1)

في عمل اليوم والليلة (رقم: 67 و 68 و 69).

(2)

(1/ 222 رقم 427) وهو حديث صحيح. وسيأتي باقي تخريجه.

(3)

وهم: أبو داود (529)، والترمذي (211)، والنسائي في "السنن"(2/ 26 رقم 680) وفي عمل اليوم والليلة رقم (46)، وابن ماجه (722).

قلت: وأخرجه البخاري في "صحيحه"(614) و (4719)، وأحمد (3/ 354)، والبيهقي (1/ 410)، وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (95)، وابن خزيمة (1/ 220 رقم 420)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 284) وقال: حديث صحيح، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 146).

(4)

(برقم 521).

(5)

في "المختصر"(1/ 283).

(6)

في "السنن"(212) وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 75

عمل [اليومِ والليلةِ]

(1)

اهـ.

والحديثُ دليلٌ على قَبولِ الدعاءِ في هذهِ المواطنِ إذْ عدمُ الردِّ يرادُ بهِ القبولُ والإجابةُ، ثمَّ هوَ عامٌّ لكلِّ دعاءٍ، ولا بدَّ منْ تقييدهِ بمَا في الأحاديثِ غيرِهِ منْ أنهُ ما لمْ يكنُ دعاءً بإثمٍ أوْ قطيعةِ رحمٍ. هذا وقدْ وردَ تعيينُ أدعيةٍ تقالُ بعدَ الأذانِ، وهوَ ما بينَ الأذانِ والإقامةِ [الأول]

(2)

أن يقولَ: "رضيتُ باللهِ رَبًّا وبالإسلامِ دِينًا وبمحمدٍ رسولًا"، قالَ صلى الله عليه وسلم: " [إنَّ]

(3)

منْ قالَ ذلكَ غُفِرَ لهُ ذنبُه"

(4)

. الثاني: أنْ يصلِّيَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعدَ فراغهِ منْ إجابةِ المؤذنِ. قالَ ابنُ القيمِ في الهدي: [و]

(5)

أكملُ ما يصلَّى بهِ ويصلُ إليهِ كما علَّمَ أمتهُ أن يصلُّوا عليهِ، فلا صلاةَ عليهِ أكملُ منْها. قلتُ: وستأتي صفتُها في كتابِ الصلاةِ

(6)

إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

الثالثُ: أنْ يقولَ بعدَ صلاتهِ عليهِ: "اللهمَّ ربَّ هذهِ الدعوةِ التامةِ، والصلاةِ القائمةِ آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدْتَهُ". [و]

(7)

هذَا في صحيح البخاري

(8)

. وزادَ غيرُهُ

(9)

: "إنكَ لا تخلفُ الميعادَ".

(1)

رقم (67 و 68 و 69). وفي المخطوط (يوم وليلة) والصواب ما أثبتناه.

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 155، 119، 254)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 410)، وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (102)، وابن حبان في "الإحسان"(1694)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 289 رقم 425) وقال: حديث حسن. وقد صحَّحه الدكتور فاروق حمادة في تحقيقه لكتاب اليوم والليلة للنسائي (ص 168). وما بين القوسين من (ب)، وأما (أ) فهي (يوم وليلة) والأول أصح.

(2)

في (أ): "الأولى".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

أخرجه مسلم (13/ 386)، وأبو داود (525)، والترمذي (210)، والنسائي (2/ 26 رقم 679)، وابن ماجه (721)، وأحمد في "المسند"(1/ 181)، ووهم الحاكم فاستدركه (1/ 203) وصححه ووافقه الذهبي. وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (97)، والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (73).

كلهم من طرق عن الليث بن سعد، عن حُكَيْم بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد عن سعد بن أبي وَقَّاص به.

(5)

زيادة من (أ).

(6)

رقم الحديث (49/ 300).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

(614) وقد تقدم قريبًا.

(9)

كالبيهقي (1/ 410) زيادتين شاذَّتين. وهما: "إنك لا تخلف الميعاد"، و"اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة". =

ص: 76

الرابعَ: أنْ يدعوَ لنفسهِ بعدَ ذلكَ، ويسألَ الله مِنْ فضلِهِ كما في السننِ

(1)

عنهُ صلى الله عليه وسلم: "قلْ: [مثلَما يقولُ]

(2)

أي: [المؤذنُ]

(3)

، فإذا انتهيتَ فسلْ تعطه"، وَرَوَى أحمدُ بنُ حنبلٍ

(4)

[عنهُ صلى الله عليه وسلم]

(5)

أنهُ [قالَ](5): "مَنْ قالَ حينَ ينادي المنادِي: اللهمَّ ربَّ هذهِ الدعوةِ القائمةِ، والصلاةِ النافعةِ صلِّ على محمدٍ وارضَ عنهُ رضًا لا سُخْطَ بعدَه استجابَ اللهُ دعوتَه". وأخرجَ الترمذيُّ

(6)

مِنْ حديثِ أم سلمةَ رضي الله عنها قالتْ: "علمني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أقولَ عندَ أذانِ المغربِ: اللهمَّ هذَا إقبالُ لَيْلِك وَإِدْبَارُ نَهارِكَ وأصوَاتُ دُعَاتِكَ فاغفرْ لي".

وأخرجَ الحاكمُ

(7)

عنْ أبي أمامةَ يرفعهُ قالَ: "كانَ إذا سمعَ المؤذنَ قالَ: اللهمَّ ربَ هذهِ الدعوةِ المستجابةِ المستجابِ لها، دعوةِ الحقِّ، وكلمةِ التقوى، توفَّني عليْها، وأحيني عليْها، واجعلْني مِنْ صالحي أهلِها عملًا يومَ القيامةِ".

وقدْ عيَّنَ صلى الله عليه وسلم ما يُدْعَى بهِ أيضًا لما قالَ: "الدُّعَاءُ بينَ الأذَانِ والإقامَةِ لا

= • والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 146) زيادة شاذة مدرجة. وهي: "سيدنا محمد".

• وابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم: 95): زيادة مدرجة، وهي:"والدرجة الرفيعة". انظر: الإرواء (1/ 260 - 261).

(1)

أبو داود (524)، والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (44)، وابن حبان في "الإحسان"(1693)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 290 رقم 427)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 410)، من طرق عن عبد الله بن عمرو. وهو حديث حسن لغيره.

(2)

في (أ): "كما يقولون".

(3)

في (أ): "المؤذنون".

(4)

في "المسند"(3/ 337) من حديث جابر.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 332) وقال: "رواه أحمد والطبراني في "الأوسط"، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف" اهـ.

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في "السنن"(3589) قال الترمذي: "هذا حديث غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه".

وحفصةُ بنتُ أبي كثير لا نعرفها ولا أباها" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف.

(7)

في "المستدرك"(1/ 546 - 547).

قلت: وأخرجه ابن السنِّي في عمل اليوم والليلة (رقم 98).

كلاهما من طريق الوليد بن مسلم. وهو صدوق يدلس وقد عنعنه. وصحَّحه الحاكم =

ص: 77

يُرَدُّ"، قالُوا: فما نقولُ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: "سَلُوا الله العفوَ والعافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ". قالَ ابنُ القيمِ

(1)

: إنهُ حديثٌ صحيحٌ

(2)

.

وذكرَ البيهقيُّ

(3)

أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ عندَ كلمةِ الإقامةِ: "أقامَها اللهُ وأدامَها".

وفي المقامِ أدعيةٌ أخَرُ.

* * *

= وإسناده واهٍ، وهو حديث صحيح لغيره.

انظر: "الصحيحة"(3/ 402 - 403 رقم 1413).

(1)

في "زاد المعاد"(2/ 394).

(2)

أخرجه الترمذي (3594) عن أنس بن مالك رضي الله عنه من رواية يحيى بن اليمان عن الثوري، وقال الترمذي: وقد زاد يحيى بن اليمان في هذا الحديث هذا الحرف. قالوا: فماذا نقول؟ قال: "سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة". قال أحمد: يحيى بن اليمان ليس بحجة. وقال ابن معين: ليس بالقوي، وقال البخاري: فيه نظر. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ.

["التاريخ الكبير" (8/ 313)، و"الكاشف" (3/ 239 رقم 6386)، و"الميزان" (4/ 416)].

وقد أخرج الحديث مختصرًا أبو داود (521)، والترمذي (212) بلفظ:"لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة"، وفي "سنده" زيد العمي وهو ضعيف ["الميزان" (2/ 102)].

لكن أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 155 و 225) من طريق بريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك مرفوعًا بلفظ:"الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا"، وإسناده صحيح. وصحَّحه ابن خزيمة (1/ 222 رقم 427)، وابن حبان (1694). وانظر تخريج الحديث رقم (26/ 192).

(3)

في "السنن الكبرى"(1/ 411)، وهو حديث ضعيف تقدَّم الكلام عليه في الحديث رقم (18/ 184).

ص: 78

[الباب الثالث] بابُ شروطِ الصلاة

الشرطُ لغةً: العلامةُ، ومنهُ قولُه تَعَالَى:{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}

(1)

أي: علاماتُ الساعةِ، وفي لسانِ الفقهاءِ: ما يلزمُ مِنْ عدمِه العدمُ.

1/ 193 - عَنْ عَليِّ بْنِ طَلْقٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ في الصَّلاةِ فَلْيَنْصَرِفْ، وليتوضأ وَلْيُعِدِ الصَّلَاةَ"، رَوَاهُ الْخَمْسَة

(2)

وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ

(3)

. [ضعيف]

(عَنْ عليِّ بن طلقٍ) تقدمَ طلقُ بنُ عليٍّ في نواقضِ الوضوءِ، قالَ ابنُ عبدِ البرِّ:

(4)

أظنهُ والدَ طلقِ بن علي الحنفيِّ. ومالَ أحمدُ والبخاريُّ إلى أن عليَّ بنَ طلقٍ، وطلقُ بنُ عليٍّ اسمٌ لذاتٍ واحدةٍ.

(قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا فَسَا أحدُكُم في الصَّلَاةِ)[- أي في صلاته كما يشعر به السياق -]

(5)

(فلينصرف وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدِ الصَّلَاةَ. رواهُ الخمسةُ، وصحَّحهُ ابن حبانَ)، كأنهُ عبرَ بهذهِ العبارةِ اختصارًا وإلَّا فأصلُها: "وأخرجهُ ابنُ حبانَ

(1)

سورة محمد: الآية 18.

(2)

وهم: أحمد (1/ 86)، وأبو داود (205) و (1005)، والترمذي (1164) و (1166)، والنسائي في "عشرة النساء" رقم:(137 و 138 و 139 و 140). ولم أجده عند ابن ماجه، والله أعلم.

(3)

في "الإحسان"(4/ 4 رقم 2234) و (6/ 201 رقم 4189).

قلت: وأخرجه الدارقطنيُّ (1/ 153 رقم 10)، والبيهقي (2/ 255)، والبغوي في (شرح السنة" (3/ 277 رقم 752)، والداارمي (1/ 260) وغيرهم: وهو حديث ضعيف.

(4)

في "الاستيعاب"(8/ 220 رقم 1856).

(5)

زيادة من (أ).

ص: 79

وصححهُ". وقدْ تقدمتْ لهُ هذهِ العبارةُ مرارًا، ويحتملُ أن ابنَ حبانَ صححَ أحاديثَ أخرجَها غيرُهُ، ولم يخرجْها هوَ، وهوَ بعيدٌ. وقدْ أعلَّ الحديثَ ابنُ القطانِ بمسلمِ بن سلامٍ الحنفي، فإنهُ لا يُعْرَفُ. وقالَ الترمذيُّ

(1)

: قالَ البخاريُّ: لا أعلمُ لعليِّ بن طلقٍ غيرَ هذا الحديثِ الواحدِ.

والحديثُ دليلٌ على أن الفساءَ ناقضٌ للوضوءِ، وهوَ مجمعٌ عليهِ، ويقاسُ عليهِ غيرُهُ منَ النواقضِ، وأنهُ تبطلُ بهِ الصلاةُ. وقدْ تقدمَ حديثُ عائشةَ

(2)

فيمنْ أصابهُ قيءٌ في صلاتهِ أو رُعافٌ؛ فإنهُ ينصرفُ ويبني على صلاتهِ حيثُ لمْ يتكلمْ وهوَ معارضٌ لهذَا

(3)

. وكلٌّ منهمَا فيهِ مقالٌ، والشارحُ جنحَ إلى ترجيحِ هذَا قالَ: لأنهُ مثبتٌ لاستئنافِ الصلاةِ، وذلكَ نافٍ، وقدْ يقالُ: هذا نافٍ لصحةِ الصلاةِ وذلكَ مثبتٌ لها، فالأوْلَى الترجيحُ بأنَّ هذَا قال بصحتِه ابنُ حبانَ، وذلكَ لمْ يقلْ أحدٌ بصحتهِ، فهذَا أرجحُ مِنْ حيثُ الصحةِ

(4)

.

‌ستر العورة في الصلاة

2/ 194 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ"، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيَّ

(5)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(6)

. [صحيح]

(وَعَنْ عَائشةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا يَقْبَل اللَّه صَلَاةَ حَائِضٍ). المرادُ بهَا المكلَّفةُ وإنْ تكلَّفتْ بالاحتلام مثلًا، وإنَّما عبرَ بالحيضِ نظرًا إلى الأغلبِ (إلَّا بخمارٍ) بكسرِ الخاءِ المعجمةِ آَخرهُ راءٌ، هو [هنا]

(7)

ما يُغَطَّى بهِ الرأسُ والعُنُقُ.

(1)

في "السنن"(3/ 468).

قلت: عيسى بن حطَّان، ومسلم بن سَلَّام كلاهما لا يُعرف. وقال ابن القطان: وهذا حديث لا يصح، فإن مسلم بن سَلَّام الحنفي أبا عبد الملك مجهول الحال كما في "نصب الراية"(2/ 62).

وخلاصة القول: أن حديث علي بن طلق ضعيف، والله أعلم.

(2)

تقدم تخريجه رقم (8/ 68)، وهو حديث ضعيف.

(3)

أي لحديث علي بن طلق رقم (1/ 193) وهو حديث ضعيف.

(4)

قلت: لقد أراحنا الله من تعب الترجيح بين الحديثين لضعفهما.

(5)

وهم أحمد (6/ 150 و 218 و 259)، وأبو داود (641)، والترمذي (377)، وقال: حديث حسن، وابن ماجَهْ (655).

(6)

في "صحيحه"(1/ 380 رقم 775).

(7)

زيادة من (ب).

ص: 80

(رواهُ الخمسة إلَّا النسائيَّ، وصححة ابن خزيمةَ). وأخرجهُ أحمدُ

(1)

، والحاكمُ

(2)

، وأعلَّهُ الدارقطنيُّ

(3)

، وقالَ: إنَّ وقْفَهُ أشبهُ [بالصواب]

(4)

. وأعلهُ الحاكمُ

(5)

بالإرسالِ. ورواهُ الطبرانيُّ في الصغيرِ والأوسطِ

(6)

منْ حديثِ أبي قتادةَ بلفظِ: "لا يقبلُ اللهُ منِ امرأةٍ صلاة حتَّى تُوَارِي زينتَها، ولا منْ جاريةٍ بلغتِ المحيضَ حتى تختمرَ". ونَفْيُ القَبولِ المرادُ بهِ هنا نفي الصحةِ والإجزاءِ. وقدْ يطلق القَبولُ ويرادُ بهِ كونُ العبادةِ بحيثُ يترتبُ عليها الثوابُ، فإذا نَفَى [كانَ نفيًا لما يترتبُ]

(7)

عليها منَ الثوابِ لا نفيًا للصحةِ، كما وردَ: "إنَّ الله لا يقبلُ صلاةَ الآبقِ

(8)

، ولا مَنْ في جوفهِ خمرٌ"

(9)

كذا قيلَ. وقد بيَّنَّا في رسالةِ الإسبالِ

(1)

في "المسند"(6/ 150، 218، 259). كما تقدم.

(2)

في "المستدرك"(1/ 251). وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأظن أنه لخلاف فيه على قتادة" ووافقه الذهبي.

ثم أخرجه من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن مرسلًا.

وهذا المرسل علقه أبو داود عقب الموصول (1/ 422) كأنه يعلَّه به إذ ليس بعلة، فإن حماد بن سلمة ثقة، وقد وصله عن قتادة، عن محمد بن سيرين عن صفية، عن عائشة، فهذا إسناد آخر لقتادة، وهو غير إسناده المرسل عن الحسن، فهو شاهد جيد للموصول، لا سيما وقد تابع حماد بن سلمة على وصله سميُّه حماد بن زيد، كما أخرجه ابن حزم في "المحلى"(3/ 219).

(3)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 279 رقم 440).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في "المستدرك"(1/ 251). وتقدم آنفًا الكلام عليه.

(6)

أخرجه الطبراني في الصغير (2/ 54) والأوسط رقم (7606) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 52) وقال: "تفرد به إسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي. قلت: ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله موثوقون". وانظر: "نصب الراية"(1/ 296)، والتلخيص الحبير (1/ 279).

(7)

في (أ): "كون نفيه لما ترتب".

(8)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه مسلم (125/ 71) عن الشعبيِّ؛ قالَ: كانَ جريرُ بنُ عبدِ اللهِ يُحَدِّثُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذا أبَقَ العبدُ لم تُقبل لهُ صلاةٌ".

(9)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه الطبراني في "الكبير"(7/ 154 رقم 6672)، عن السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من شَرِبَ مُسْكِرًا ما كانَ لَمْ يقبلِ اللهُ لَهُ صلاةً أربعينَ يومًا".

وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 70) وقال: وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو متروك، ونقل عن ابن معين في رواية: لا بأس به، وضعفه في روايتين. =

ص: 81

وحواشي [شرحِ]

(1)

العمدةِ

(2)

أن نفي القبولِ يلازمُ نفيَ الصحةِ، وفي قولهِ:"إلَّا بخمارٍ"، ما يدلُّ على أنهُ يجبُ على المرأةِ سترُ رأسِها وعنقِها ونحوهِ مما يقعُ عليه الخمارُ. ويأتي في حديثِ أبي داودَ

(3)

منْ حديثِ أمِّ سلمةَ في صلاةِ المرأةِ في درعٍ وخمارٍ ليس عليها إزارٌ، وأنهُ قالَ صلى الله عليه وسلم:"إذا كانَ الدرعُ سابغًا يغطي ظهورَ قدميْها"؛ فيدلُّ على أنهُ لا بدَّ في صلاتِها منْ تغطيةِ رأسِها وَرَقَبتِهَا كمما أفادَه حديثُ الخمارِ، ومنْ تغطيةِ بقيةِ بدنِها حتَّى ظهْرِ قدميْها كما أفادَه حديثُ أمِّ سلمةَ، ويباحُ كشفُ وَجْهِهَا حيثُ لمْ يأتِ دليل بتغطيتهِ، والمرادُ كشفهُ عندَ صلاتِها بحيثُ لا يَرَاها أجنبيٌّ، فهذهِ عورتُها في الصلاةِ، وأما عورتُها بالنظرِ إلى نظرِ الأجنبيِّ إليها فكلها عورةٌ ما يأتي تحقيقُه. وذِكرُه هنا وجَعْلُ عورتِها في الصلاةِ هي عورتُها بالنظرِ إلى نظرِ الأجنبي، وذكرُ الخلافِ في ذلكَ ليسَ محلُّه هنا؛ إذْ لَها عورةٌ في الصلاة، وعورةٌ في نظرِ الأجانبِ، والكلامُ [الآن]

(4)

في الأولِ والثاني يأتي [في]

(5)

محلِّهِ.

3/ 195 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "إِذا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَالْتَحِف بِهِ في الصَّلاةِ"، وَلمُسْلِمٍ:"فَخَالِفْ بَينَ طَرَفَيهِ، وَاِن كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ [له: إن]

(7)

كانَ الثوب واسعًا فالتحفْ بهِ - يعني - في الصلاةِ. ولمسلمٍ: فخالفْ بينَ طرفيهِ)؛ وذلكَ بأنْ يجعلَ شيئًا منهُ على عاتقهِ، (وإنْ كانَ ضيقًا فاتزرْ بهِ. متفقٌ عليهِ). الالتحافُ في معنى الارتداء وهوَ

= قلت: ورد فيمن أتى عرَّافًا في الحديث الذي أخرجه مسلم (125/ 2230) عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عَرَّافًا فسألَهُ عن شيءٍ لم تُقبلْ لَهُ صلاةُ أربعين ليلةً".

(1)

زيادة من (أ).

(2)

(1/ 85).

(3)

رقم (5/ 197).

(4)

في (أ): "هنا".

(5)

زيادة من (ب).

(6)

البخاري (361)، ومسلم (196/ 766) و (3010).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 328)، ومالك (1/ 141 رقم 34)، وأبو داود (634).

(7)

في (ب): "إذا".

ص: 82

أن يتزرَ بأحدِ طرفي الثوبِ ويرتدي بالطرفِ الآخرِ. وقولُهُ: (يعْني في الصلاةِ) الظاهرُ أنهُ مدرجٌ منْ كلامِ أحدِ الرواةِ قيَّدَ بهِ أخذًا منَ القصةِ؛ فإنَّ فيْها أنهُ قالَ جابرٌ: "جئتُ إليهِ صلى الله عليه وسلم وهوَ يصلِّي وعليَّ ثوبٌ فاشتملتُ بهِ وصليتُ إلى جانبهِ، فلما انصرفَ قالَ لي صلى الله عليه وسلم: "ما هذَا الاشتمالُ الذي رأيتُ؟ "، قلتُ: كان ثوبٌ، قالَ: "فإنْ كانَ واسعًا فالتحفْ بهِ، وإذَا كانَ ضيقًا فاتزرْ بهِ". فالحديثُ قدْ أفادَ أنهُ إذا كانَ الثوبُ واسعًا التحف بهِ بعدَ اتزاره بطرفيهِ، [وإنْ]

(1)

كانَ ضيقًا اتزرَ بهِ لسترِ عورتهِ. فعورةُ الرجلِ منْ تحتِ السرةِ إلى الركبةِ على أشهر الأقوالِ.

4/ 196 - وَلَهُمَا

(2)

مِنْ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيءْ". [صحيح]

(ولهمَا) أي الشيخينِ (منْ حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه: لا يصلِّي أحدُكمْ في الثوبِ الواحدِ ليسَ على عاتقهِ منهُ شيءٌ)، أي إذا كانَ واسعًا كما دلَّ لهُ الحديثُ الأولُ. والمرادُ ألا يتزرَ في وسطهِ، ويشدَّ طرفي الثوبِ في حقويهِ، بلْ يتوشحُ بهِ على عاتقهِ

(3)

، فيحصلُ السترُ لأعالي البدنِ. وَحَمَلَ الجمهورُ هذا النهيَ على التنزيهِ، كما حملُوا الأمرَ في قولهِ:"فالتحفْ بهِ" على الندبِ، وحملَهُ أحمدُ على الوجوبِ، وأنَّها لا تصحُّ صلاةُ مَنْ قدرَ على ذلكَ فتركهُ. وفي روايةٍ عنهُ: تصحُّ الصلاةُ ويأثمُ، فجعلَه على الروايةِ الأُوْلَى منَ الشرائطِ، وعلى الثانيةِ منَ الواجباتِ. واستدلَّ الخطابيُّ للجمهورِ بصلاتهِ صلى الله عليه وسلم في ثوبٍ واحدٍ كانَ أحدُ طرفيهِ على بعضِ نسائهِ وهي نائمةٌ قالَ: ومعلومٌ أن الطرفَ الذي هوَ لابسُهُ منَ الثوبِ غيرُ متسعٍ لأنْ يتزرَ بهِ ويفضلَ منهُ ما كانَ لعاتقهِ.

(1)

في (ب): "إذا".

(2)

أي للبخاري ومسلم.

أخرجه البخاري (359)، ومسلم (516).

قلت: وأخرجه أبو داود (626)، والنسائي (2/ 71 رقم 769)، وابن عبد البر في "التمهيد"(6/ 372).

(3)

العاتِقُ: مَوْضِعُ الرِّداءِ من المَنْكب يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ. والتذكيرُ أفصَحُ وأشهَرُ. [القاموس الفقهي ص 241].

ص: 83

قلت: وقدْ يجابُ عنهُ [أن]

(1)

مرادَ أحمدَ معَ القدرةِ على ثوبٍ آخر لا أنهُ لا تصحُّ صلاتُه، أو يأثمُ، كما صرحَ بهِ قولُه لا تصحُّ صلاةُ مَنْ قدرَ على ذلكَ، ويحتملُ أنهُ في تلكَ الحالةِ لا يقدرُ على غيرِ ذلكَ الثوبِ، بلْ صلاتهُ فيهِ والحالُ أنَّ بعضَهُ على النائمِ أكبرُ دليلٍ على أنهُ لا يجدُ غيرَهُ.

5/ 197 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ في دِرْعٍ وَخِمَارٍ، بِغَيْرِ إِزَارٍ؟ قَال:"إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطي ظُهُورَ قَدَمَيهَا"، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

، وَصَحَّحَ الأَئِمَّةُ وَقْفَهُ. [صحيح]

(وَعَنْ أمِّ سَلمةَ: أنَّها سَألَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: أَتُصَلِّي المَرْأَة في دِرْع وَخِمَارٍ بغيرِ إِزَارٍ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ الدِّرْعُ)[في النهاية: درع المرأة قميصها]

(3)

(سَابِغًا) بسينٍ مهملةٍ فموحدةٍ بعدَ الألفِ فغينٍ معجمةٍ، أي: واسعًا (يغطي ظهورَ قدميْها. أخرجه أبو داودَ، وصححَ الأئمة وقْفَهُ). وقدْ تقدمَ بيانُ معناهُ، ولهُ حكمُ الرفعِ، وإنْ كانَ موقوفًا؛ إذِ الأقربُ أنهُ لا مسرحَ للاجتهادِ [في ذلكَ]

(4)

. قدْ أخرجهُ مالكٌ

(5)

، وأبو داودَ

(6)

موقوفًا، ولفظه: عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ قالت: تصلي في الخمار والدرع السابغ إذا غيَّب ظهور قدميها.

(1)

في (ب): "بأن".

(2)

في "السنن"(1/ 420 رقم 640).

قلت: وأخرجه البيهقي (2/ 233)، والدارقطني (2/ 62 رقم 16)، والحاكم (1/ 250)، وقال: حديث صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي.

وقال ابن الجوزي في "التحقيق": (وهذا الحديث فيه مقال، وهو أن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، ضعفه يحيى. وقال أبو حاتمٍ الرازي: لا يحتج به. والظاهر أنه غلط في رفع هذا الحديث، فإن أبا داود أخرجه أيضا (1/ 420 رقم 639).

قلت: ومالك (1/ 142 رقم 36) - من طريق مالك عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة

الحديث. ولم يرفعه. قال أبو داود: هكذا رواه مالك وابن أبي ذئب وبكر بن مضر، وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة من قولها: لم يذكر أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم) - كما في "نصب الراية"(1/ 299 - 300).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في (ب): "فيه".

(5)

في "الموطأ": (1/ 142 رقم 36).

(6)

في "السنن"(1/ 420 رقم 639).

ص: 84

‌إذا أشكلت عليه القبلة اجتهد وصلَّى

6/ 198 - وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَأَشْكَلَتْ عَلَيْنَا الْقِبْلَةُ، فَصَلَّيْنَا. فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَنَزَلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} "

(1)

، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

وَضَعَّفَهُ. [حسن]

(1)

سورة البقرة: الآية 115.

(2)

في "السنن"(5/ 205 رقم 2957).

قلت: وأخرج ابن ماجه (1020) نحوه من طريق الطيالسي، وهذا في "مسنده"(ص 156 رقم 1145)، وعنه البيهقي (2/ 11)، والدارقطني (1/ 272 رقم 5)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 179 - 180).

وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان أبي الربيع، عن عاصم بن عبيد الله، وأشعثُ يُضعف في الحديث. وقال ابن القطان في "كتابه": الحديث معلول بأشعث وعاصم، فأشعث مضطرب الحديث ينكر عليه أحاديث، وأشعث السمان سيء الحفظ، يروي المنكرات عن الثقات، وقال: فيه عمرو بن علي: متروك - كما في "نصب الراية"(1/ 304).

قلت: وعلة الحديث عاصم هذا، فإنه سيء الحفظ، وبقية رجاله عند الطيالسي ثقات رجال مسلم، عدا أشعث بن سعيد السمان، وقد تابعه عنده عمرو بن قيس وهو الملائي احتج به مسلم.

وللحديث شاهد من حديث جابر أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 271 رقم 4)، والحاكم (1/ 206)، والبيهقي (2/ 10) من طريق محمد بن سالم عن عطاء عنه قال:"كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير - أو سير - فأظل لنا غيم فتحيَّرنا فاختلفنا في القبلة فصلى كل واحد منا على حدة، فجعل كل واحد منا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمرنا بالإعادة، وقال: "قد أجزأت صلاتكم".

وقال الحاكم: هذا حديث محتج برواته كلهم، غير محمد بن سالم فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح.

وتعقبه الذهبي بقوله: "هو أبو سهل واهٍ".

قلت: وضعفه الدارقطنيُّ والبيهقي، وقد توبع، فأخرجه الدارقطنيُّ في "السنن"(1/ 271 رقم 2)، والبيهقي (2/ 10) من طريق أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري. قال: وجدت في كتاب أبي: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء به نحوه.

وعبد الملك هذا ثقة من رجال مسلم، لكن أحمد بن عبيد الله العنبري ليس بالمشهور.

وقال عنه ابن حجر في "لسان الميزان"(1/ 319): ذكره ابن حبان في "الثقات"، فقال: =

ص: 85

‌ترجمة عامر بن ربيعة العنزي

(وَعَنْ عَامرِ بن ربيعةَ رضي الله عنه)

(1)

هوَ أبو عبدِ اللهِ عامرُ بنُ ربيعةَ بن مالكٍ العَنْزيُّ، بفتحِ العينِ المهملةِ وسكونِ النونِ، وقيلَ: بفتحِها والزاي، نسبة إلى عَنْزِ بن وائلٍ، ويقال له العَدويُّ. أسلمَ قديمًا وهاجرَ الهجرتينِ وشهدَ المشاهدَ كلَّها، ماتَ سنةَ اثنتينِ، أوْ ثلاثٍ، أو خمسٍ وثلاثينَ (قالَ: كنَّا مَعَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ مظلمةٍ فَأَشْكَلَتْ عَلَيْنَا القِبْلَة فَصَلَّيْنَا)، ظاهرُهُ منْ غيرِ نظرٍ في الأماراتِ. (فلمَّا طلعتِ الشمسُ إذا نحن صلَّيْنَا إلى غيرِ القبلةِ فنزلتْ:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، أخرجه الترمذيُّ وضعفهُ)؛ لأنَّ فيه أشعثَ بنَ سعيدٍ السمانَ، وهوَ ضعيفُ الحديثُ

(2)

.

والحديثُ دليلٌ على أن مَنْ صلَّى إلى غيرِ القبلةِ لظلمةٍ أو غيمٍ أنَّها تجزئُه صلاتُه سواءٌ كانَ معَ النظرِ في الأماراتِ والتحرِّي أوْ لَا، وسواءٌ انكشفَ لهُ الخطأُ في الوقتِ أو بعدَه. ويدلُّ لهُ ما رواهُ الطبرانيُّ

(3)

منْ حديثِ معاذِ بن جبلٍ قالَ: " [صلَّيت]

(4)

معَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم في يومِ غيمٍ في سفرٍ إلى غيرِ القبلةِ، فلمَّا قضَى صلاتَهُ [تجلَّتِ]

(5)

الشمسُ، فقلْنا: يا رسول اللهِ صلينَا إلى غيرِ القبلةِ، [فقال]

(6)

: "قدْ رُفِعَتْ صلاتُكم بحقِّها إلى اللهِ"، وفيهِ أبو عبلةَ وقدْ وثقُه ابنُ حبانَ

(7)

. وقدِ اختلفَ العلماءُ في هذَا الحكمِ، فالقولُ بالإجزاءِ مذهبُ

= روى عن ابن عيينة وعنه ابن الباغندي لم تثبت عدالته، وابن القطان تبع ابن حزم في إطلاق التجهيل على من لا يطلعون على حاله. وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(1)

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(3/ 386 - 387)، و"التاريخ الكبير"(6/ 445 رقم 2943)، والمعارف (87)، والمعرفة والتاريخ (3/ 380)، والجرح والتعديل (6/ 320 رقم 1790)، والاستيعاب (5/ 287 - 289 رقم 1227)، والإصابة (5/ 277 - 278 رقم 4374)، وتهذيب التهذيب (5/ 55 - 56 رقم 105).

(2)

قال أحمد: مضطرب الحديث، ليس بذاك. وقال الدارقطنيُّ: متروك.

وقال ابن معين: ليس بشيء.

["المجروحين" (1/ 172)، و"الجرح والتعديل" (2/ 272)، و"الميزان" (1/ 263)].

(3)

في "الأوسط" كما في "المجمع"(2/ 15) وقال الهيثمي: "وفيه أبو عبلة والد إبراهيم ذكره ابن حبان في "الثقات"، واسمه شمر بن يقظان".

(4)

في (ب): "صلينا".

(5)

في (ب): "انجلت".

(6)

في (ب): "قال".

(7)

في "الثقات": (4/ 367).

ص: 86

الشعبيِّ، والحنفية، والكوفيينَ فيما عدَا مَنْ صَلَّى بغيرِ تحرٍّ وتيقَّنَ الخطأ؛ فإنهُ حَكَى في البحرِ

(1)

الإجماعَ على وجوبِ الإعادةِ عليهِ، فإنْ تمَّ الإِجماعُ خصَّ بهِ عمومَ الحديثِ. وذهبَ آخرونَ إلى أنهُ لا تجبُ عليهِ الإعادةُ إذا صلَّى بتحرٍّ وانكشفَ له الخطأُ وقدْ خرجَ الوقتُ، وأما إذا تيقنَ الخطأَ والوقتُ باقٍ وجبتْ عليهِ الإعادةُ لتوجهِ الخطابِ معَ بقاءِ الوقتِ، فإنْ لمْ يتيقَّنْ فلا يأمنُ منَ الخطأ في الآخرِ، فإنْ خرجَ الوقتُ فلا إعادةَ للحديثِ، واشترطُوا التحرِّي إذِ الواجبُ عليهِ تيقنُ الاستقبالِ، فإنْ تعذرَ اليقينُ فعلَ ما أمكنهُ منَ التحزي، فإنْ قصَّرَ فهوَ غيرُ معذورٍ إلَّا إذا تيقَّنَ الإصابةَ. وقالَ الشافعي: تجبُ الإعادةُ عليهِ في الوقتِ وبعدهُ لأنَّ الاستقبالَ واجبٌ قطعًا وحديثُ السريةِ فيهِ ضعيفٌ.

قلتُ: الأظهرُ العملُ بخبرِ السريةِ لتقويهِ بحديثِ معاذٍ بلْ هوَ حجةٌ وحدَهُ

(2)

والإجماعُ قد عرفَ كثرةُ دعواهم لهُ ولا يصِحُّ.

7/ 199 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَينَ الْمَشرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ"، رَوَاهُ الترْمِذِيُّ

(3)

، وَقَوَّاهُ الْبُخَارِيُّ. [صحيح]

(1)

(1/ 209).

(2)

لأنه حديث حسن كما تقدم آنفًا.

(3)

في "السنن"(2/ 171 رقم 342 رقم 343)، وابن ماجه (1011)، من طريق أبي معشر عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا.

وقال الترمذي: حديث أبي هريرة قد روي من غير هذا الوجه. وقد تكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قِبل حفظه، واسمه: نجيح، قال مدمد: لا أروي عنه شيئًا، وقد روى عنه الناس.

وقال النسائي (4/ 172): "وأبو معشر المدني، اسمه: نجيح، وهو ضعيف، ومع ضعفه أيضًا اختلط، عنده أحاديث مناكير منها: محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة

"، قلت: فذكر هذا الحديث.

• وأخرجه الترمذي أيضًا (344). من طريق عبد الله بن جعفر المَخْرَمِيِّ، عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة به. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقال محمد - يعني البخاري -: حديث عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، أقوى من حديث أبي معشر وأصح.

• وللحديث شاهد من حديث ابن عمر مرفوعًا. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 271 رقم 2)، =

ص: 87

(وَعَنْ أَبِي هرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب قِبْلَةٌ. رَوَاه التِّرْمِذِيُّ [وقوَّاه البخاري])

(1)

. وفي التلخيصِ

(2)

حديثُ: "ما بينَ المَشرقِ والمغربِ قبلةٌ" رواهُ الترمذيُّ عنْ أبي هريرةَ مرفوعًا، وقالَ: حسنْ صحيحٌ. فكانَ عليهِ هنَا أنْ يذكرَ تصحيحَ الترمذيِّ لهُ على قاعدته، ورأيناهُ في الترمذيِّ

(3)

بعدَ سياقهِ لهُ بسندهِ، [وساقه](1) مِنْ طريقينِ حسَّن إحداهُما [وصحَّحَها]

(4)

ثم قَالَ:

(5)

"وقدْ رويَ عنْ غيرِ واحدٍ مِنَ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "ما بينَ المشرقِ والمغربِ قبلةٌ"؛ منهمْ: عمرُ بنُ الخطابُ

(6)

، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ (7)، وابنُ عباسٍ

(7)

. وقالَ ابنُ عمرَ: إذا جَعَلْتَ المغربَ عنْ يمينِكَ، والمشرقَ عنْ يسارِكَ فما بينَهما قِبْلةٌ إذا استقبلتَ القبلةَ. وقالَ ابنُ المباركِ: ما بينَ المشرقِ والمغربِ قبلة لأهلِ المشرقِ" اهـ.

والحديثُ دليلٌ على أن الواجبَ استقبالُ الجهةِ لا العين في حقِّ مَنْ تعذَّرتْ عليهِ العينُ، وقد ذهبَ إليهِ جماعةٌ منَ العلماءِ لهذا الحديثِ. ووجهُ الاستدلالِ بهِ على ذلكَ أن المرادَ أن بينَ الجهتينِ قبلةً لغيرِ المعاينِ وَمنْ في حكمهِ؛ لأنَّ

= والحاكم (1/ 206)، والبيهقي (2/ 9) عن يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن المجبِّر عن نافع عنه.

وقال الحاكم: صحيح، وابن مجبر ثقة. قلت: كلا بل هو ضعيف ["الميزان" (3/ 621 رقم 7839)] لكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 270 رقم 1)، والحاكم (1/ 250) من طريق أبي يوسف يعقوب بن يوسف الواسطي ثنا شعيب بن أيوب ثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع به.

وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، فإن شعيب بن أيوب ثقة وقد أسنده".

ووافقه الذهبي.

قلت: ولكن شعيبًا لم يخرج له الشيخان شيئًا، إنما أخرج له أبو داود فقط. وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

زيادة من (أ).

(2)

لابن حجر (1/ 213).

(3)

أي في "سننه" رقم (342 و 343 و 344) - كما تقدم آنفًا.

(4)

في (أ): "وصححه".

(5)

أي الترمذي في "سننه"(2/ 174 - 175).

(6)

أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 196 رقم 8) بإسناد منقطعٍ، وعبد الرزاق في "المصنف"(2/ 345 رقم 3633)، والبيهقي (2/ 9) موصولًا.

قلت: ويشهد له ما تقدم من حديث أبي هريرة وابن عمر.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 362).

ص: 88

المعاينَ لا تنحصرُ قبلتُه بينَ الجهتينِ المشرقِ والمغرب بلْ كلُّ الجهاتِ في حقّهِ سواءٌ متى قابلَ العينَ أوْ شطرَها، فالحديثُ دليلٌ على أن ما بينَ الجهتينِ قبلةً، وأنَّ الجهةَ كافيةٌ في الاستقبالِ، وليسَ فيهِ دليلٌ على أن المعاينَ يتعيَّنُ عليهِ العينُ بلْ لا بدَّ مَن الدليلِ على ذلكَ، وقولُه تعالَى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

(1)

خطابٌ لهُ صلى الله عليه وسلم وهوَ في المدينةِ، واستقبالُ العينِ فيْها متعسّرٌ أو متعذرٌ إلا ما قيلَ في محرابهِ صلى الله عليه وسلم، لكنَّ الأمرَ بتوليتهِ وجهَهُ شطرَ المسجدِ الحرام عامٌّ لصلاتهِ في محرابهِ وغيرهِ. وقولُه:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (1) دالٌّ على كفايةِ الجهةِ؛ إذِ العينُ في كلِّ محلٍّ [تتعذرُ]

(2)

على كلّ مصلٍّ، وقولُهم يقسمُ الجهاتِ حتى يحصلَ لهُ أنهُ توجهَ إلى العينِ تَعَمُّقٌ لم يردْ [عليه]

(3)

دليل، ولا فعلَهُ الصحابةُ، وهمْ خيرُ قبيلٍ، فالحقُّ أن الجهةَ كافيةٌ ولو لمنْ كانَ في مكةَ وما يليْها.

‌صلاة النافلة على الراحلة صحيحة

8/ 200 - وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

، زَادَ الْبُخَارِيُّ

(5)

: "يُومِئُ بِرَأسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُهُ في الْمَكْتُوبَةِ". [صحيح]

(وَعَنْ عَامِرِ بن رَبيعَةَ رضي الله عنه قَالَ: رأيت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصلِّي على راحلتهِ حيثُ توجهتْ بهِ. متفقٌ عليهِ). هوَ في البخاريِّ

(6)

عنْ عامرِ بن ربيعةَ بلفظِ: "كانَ يسبِّحُ على الراحلةِ"، وأخْرجهُ

(7)

عن ابن عمرَ بلفظِ: "كان يسبِّحُ على ظهرِ راحلتهِ"، وأخرجَ الشافعيُّ

(8)

نحوَهُ منْ حديثِ جابرٍ بلفظِ: "رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصلِّي وهوَ على راحلتهِ النوافلَ". وقولُهُ: (زَادَ البخاريُّ: يومئُ برأسهِ) أي في سجودهِ وركوعهِ. زادَ ابنُ خزيمةَ

(9)

: "ولكنهُ يخفضُ السجدتينِ منَ الركعةِ"، (ولم يكنْ

(1)

سورة البقرة: الآية 144.

(2)

في (أ): "يتعذر".

(3)

في (ب): "به".

(4)

البخاري (1093)، ومسلم (40/ 701).

(5)

في "صحيحه"(1097).

(6)

في "صحيحه"(1097).

(7)

أي البخاري في "صحيحه"(1105).

(8)

في "بدائع المنن"(1/ 66).

(9)

في "صحيحه"(1270).

ص: 89

يصنعُه) أي هذَا الفعلَ وهوَ الصلاةُ على ظهرِ الراحلةِ (في المكتوبةِ) أي الفريضةِ.

الحديثُ دليلٌ على صحة [صلاةِ]

(1)

النافلةِ على الراحلةِ، وإنْ فاتهُ استقبالُ القبلةِ. وظاهرُهُ سواءٌ كانَ على محملٍ [أم لا]

(2)

، وسواءٌ كانَ السفرُ طويلًا أو قصيرًا، إلا أن في روايةِ رزينٍ في حديثِ جابرٍ زيادةً في سفر القصر، وذهب إلى شرطية هذا جماعة من العلماء، وقيل: لا يشترط، بل يجوزُ في الحضرِ، وهو مرويٌّ عنْ أنسٍ منْ قولهِ وفعلهِ

(3)

. والراحلةُ هي الناقةُ. والحديثُ ظاهرٌ في جوازِ ذلكَ للراكبِ، وأمَّا الماشي فمسكوتٌ عنهُ. وقدْ ذهبَ إلى جوازهِ جماعةٌ منَ العلماءِ قياسًا على الراكبِ بجامعِ التيسيرِ للمتطوعِ، إلَّا أنهُ قيلَ لا يُعْفَى لهُ عدمُ الاستقبالِ في ركوعهِ وسجودِه وإتمامِهمَا، وأنهُ لا يمشي إلَّا في قيامهِ وتشهدِه، ولهمْ في جوازِ مشيْهِ عندَ الاعتدالِ منَ الركوعِ قولانِ. وأما اعتدالُه بينَ السجدتينِ فَلا يمشي فيهِ؛ إذْ لا يمشي إلَّا معَ القيامِ وهوَ يجبُ عليهِ القعودُ بينَهمَا، وظاهرُ قولهِ:(حيثُ توجهتَ) أنهُ [لا يَعْتدِلُ]

(4)

لأجلِ الاستقبالِ لا في حالِ صلاتهِ، ولا في أولها، إلَّا أن في [الحديث التاسع وهو]

(5)

قوله:

9/ 201 - وَلأَبي دَاوُدَ

(6)

مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه: "وَكَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهُ رِكَابِهِ". وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. [حسن]

(ولأبي داودَ منْ حديثِ أنسٍ: وكانَ إذَا سافرَ فأرادَ أنْ يتطوَّعَ استقبلَ بناقتهِ القبلةَ، [فكبر فصلّى]

(7)

حيثُ كانَ وجه رِكَابه. واسنادهُ حسنٌ) ما يدلُّ على أنهُ عندَ تكبيرةِ الإحرامِ يستقبلُ القبلةَ، وهي زيادةٌ مقبولةٌ [حديثها]

(8)

حسنٌ فيُعملُ بهَا. وقولُهُ: (ناقتُهُ)، وفي الأولِ (راحلتُه) هما بمعنًى واحدٍ، وليسَ بشرطٍ أنْ يكونَ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (ب): "أولًا".

(3)

أخرجه البخاري (1100)، ومسلم (41/ 702)، ومالك في "الموطأ"(1/ 151)، والنسائي (741).

(4)

في (أ): "لا يعدل".

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في "السنن"(2/ 21 رقم 1225)، وقال المنذري في "المختصر" (2/ 59): إسناده حسن.

(7)

في (أ): "وكبر ثم صلى".

(8)

في (ب): "حديثه".

ص: 90

ركوبُهُ على ناقةٍ بلْ قدْ صحَّ في روايةِ مسلمٍ

(1)

: صلى الله عليه وسلم صلَّى على حمارِه". وقولُهُ: (إذا سافرَ) تقدَّمَ أن السفرَ شرطٌ عندَ بعضِ العلماءِ، وكأنهُ يأخذُهُ منْ هذَا وليس بظاهرٍ في الشرطيةِ، وفي هذا الحديثِ والذي قبلَه أن ذلكَ في النفلِ لا الفرضِ بلْ صرَّحَ البخاريُّ

(2)

أنهُ لا يصنَعُهُ في المكتوبةِ إلَّا أنهُ قدْ وردَ في روايةِ الترمذيِّ

(3)

والنسائي

(4)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم أتى إلى مضيقٍ هوَ وأصحابه والسماءُ مِنْ فوقهِم، والبلَّةُ من أسفلَ منْهم، فحضرتِ الصلاةُ، فأمرَ المؤذنَ [فأذن]

(5)

وأقامَ، ثمَّ تقدمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على راحلتهِ فصلَّى بهمْ يومئُ إيماءً، [فيجعلُ]

(6)

السجودَ أخفضَ منَ الركوعِ". قالَ الترمذيُّ: حديثٌ غريبٌ. وثبتَ ذلكَ عنْ أنسٍ منْ فعلِهِ

(7)

، وصححهُ عبدُ الحقِّ، وحسنهُ الثوريُّ، وضعفهُ البيهقيُّ. وذهبَ البعضُ إلى أن الفريضةَ تصحُّ على الراحلةِ إذا كانَ مستقبلَ القبلةِ في هودجٍ، ولوْ كانتْ سائرةً كالسفينةِ؛ فإنَّ الصلاةَ تصحُّ فيها إجماعًا

(8)

.

قلتُ: وقدْ يُفَرَّقُ بأنهُ قدْ يتعذرُ في البحرِ وجدانُ الأرضِ، فعُفي عنهُ بخلاف راكب الهودجِ. وأمَّا إذا كانتِ الراحلةُ واقفةً، فعندَ الشافعيِّ تصحُّ الصلاةُ للفريضةِ كما تصحُّ عندهمْ في الأرجوحةِ المشدودةِ بالحبالِ، وعلى السريرِ المحمولِ على الرجالِ إذا كانُوا واقفينَ، والمرادُ منَ المكتوبةِ التي كُتِبَتْ على جميعِ المكلَّفينَ، فلا يردُّ عليهِ أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يوترُ على راحلتِه والوترُ واجبٌ عليهِ.

(1)

في "صحيحه"(41/ 702) من حديث أنس.

(2)

في "صحيحه"(2/ 574)(الباب)(9).

(3)

في "السنن"(2/ 266 رقم 411) من حديث عمرو بن عثمان بن يعلى بن مُرّةَ. وقال: هذا حديث غريبٌ تَفرَّدَ به عمرُ بن الرماحِ البلخيُّ لا يُعْرَفْ إلا من حديثه. قلت: وعمرو وأبوه عثمان مجهولان.

(4)

لم يروه النسائي أصلًا، ولم ينسبه المزي في الأطراف (9/ 119 رقم 11851) إلا للترمذي. والحديث أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 173 - 174)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(11/ 182 - 183)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 7).

وقد ضعَّفه البيهقي وهو كما قال.

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (أ): "يجعل".

(7)

أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 151) وقد تقدم.

(8)

انظر: "الدُّرَر الثمينة في حكم الصلاة في السفينة" تأليف: أحمد بن محمد الحموي.

تحقيق: مشهور حسن محمود سلمان.

ص: 91

‌المواضع المنهي عن الصلاة فيها

10/ 202 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الأَرْضُ كلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

. وَلَهُ عِلَّةٌ. [صحيح]

(وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الأَرْضُ كلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ، رَوَاه التِّرْمِذِي. وَلَهُ عِلَّةٌ)؛ وهيَ الاختلافُ في وصْلهِ وإرسالهِ، فرواهُ حمادُ موصولًا عنْ عمروِ بن يحيَى، عنْ أبيهِ، عنْ أبي سعيدٍ، ورواهُ الثوريُّ مرسلًا عنْ عمرِو بن يحيَى، عنْ أبيهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وروايةُ الثوريِّ أصحُّ وأثبتُ. وقالَ الدارقطنيُّ

(2)

: المحفوظُ المرسلُ، ورجحهُ البيهقيُّ.

والحديثُ دليلٌ على أن الأرضَ كلَّها تصحُّ فيها الصلاةُ ما عدَا المقبرة، وهي التي تدفنُ فيها الموتَى، فلا تصحُّ فيها الصلاةُ، وظاهرُه سواءٌ كانَ على القبرِ أو بينَ القبورِ، وسواءٌ كانَ قبرَ مؤمنٍ أو كافرٍ، فالمؤمنُ تكرمةً لهُ، والكافرُ بعدًا منْ خبثه، وهذَا الحديثُ يخصِّصُ:"جُعلتْ لي الأرضُ كلُّها مسجدًا"

(3)

الحديثُ، وكذلكَ الحمامُ؛ فإنهُ لا تصحُّ فيهِ الصلاةُ، فقيلَ للنجاسةِ فيختصُّ بما فيهِ النجاسةُ منهُ، وقيلَ: تكرهُ لا غيرُ. وقالَ أحمدُ بنُ حنبل: لا تصحُّ فيهِ الصلاةُ ولوْ على سطحهِ، عملًا بالحديثِ. وذهبَ الجمهورُ إلى صحتِها ولكنْ معَ كراهتهِ.

(1)

في "السنن"(2/ 131 رقم 317).

قلت: وأخرجه أبو داود (492)، وابن ماجه (745)، والحاكم (1/ 251)، والبيهقي (2/ 434 - 435)، والدارمي (1/ 323)، وأحمد (3/ 83 - 96)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 67 رقم 198)، من طرق عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري به.

قال الألباني في "إرواء الغليل"(1/ 320): "وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد صحَّحه كذلك الحاكم والذهبي، وأعله بعضهم بما لا يقدح، وقد أجبنا عن ذلك في "صحيح أبي داود" (507)، وذكرت له هناك طريقًا آخر صحيحًا هو في منجاة من العلة المزعومة، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أسانيده جيدة، ومن تكلم فيه فما استوفى طرقه. وقد أشار إلى صحَّته الإمام البخاري في جزء القراءة ص 4" اهـ.

(2)

في "العلل"(11/ 321 س 2310).

(3)

وهو جزء من حديث جابر بن عبد الله.

أخرجه البخاري (335)، ومسلم (3/ 521).

ص: 92

وقدْ وردَ النهيُ معلَّلًا بأنهُ محلُّ الشياطينِ، والقولُ الأظهرُ معَ أحمدَ، ثمَّ ليسَ التخصيصُ لعمومِ حديثِ:"جُعلتْ لي الأرضُ مسجدًا"

(1)

بهذينِ المحلينِ فقطْ، بلْ بما يفيدُه الحديثُ الآتي وهوَ قولُهُ:

11/ 203 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى "أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنِ: الْمزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالْحَمّامِ، وَمَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللهِ تَعَالى" رَوَاهُ التّرْمِذِيُّ

(2)

، وَضَعَّفَهُ. [ضعيف]

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى: أَنْ يُصلى في سبع: الْمزَبْلَةِ) وهي مجتمعُ إلقاءِ الزبلِ، (والمَجْزَرَةِ) محلِّ جَزْرِ الأنعامِ، (والمَقْبَرَةِ) وهما بزنةِ مفعلةٍ بفتحِ العينِ، [وكذا مزبل بفتح الموحدة وجاء ضمها كما في القاموس]

(3)

ولحوقِ التاءِ بهما شاذٌّ، (وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ) ما تقرعهُ الأقدامُ بالمرورِ عليْها، (والحمَّامِ) تقدمَ فيهِ الكلامُ، (وَمَعَاطنِ) بفتحِ الميمِ فعينٍ مهملةٍ وكسرِ الطاءِ المهملةِ فنونٍ (الإبلِ)، وهوَ مبركُ الإبلِ حولَ الماءِ، (وفوقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللهِ تعالى، رواهُ الترمذيُّ وضعفهُ)؛ فإنهُ قالَ بعدَ إخراجهِ ما لفظهُ

(4)

: "وحديثُ ابن عمرَ ليسَ بذاكَ القويِّ، وقدْ تُكلمَ في زيدِ بن جَبِيرةَ منْ قِبَلِ حفظهِ"، وجبيرةُ بفتحِ الجيمِ وكسرِ الموحدةِ فمثناةٍ تحتيةٍ فراءٍ. وقالَ البخاريُّ

(5)

فيهِ: متروكٌ. وقدْ تكلفَ استخراجَ علل للنهي عنْ هذهِ المحلاتِ، فقيلَ:[المقبرةُ]

(6)

والمجزرةُ للنجاسةِ، وقارعةُ الطريقِ كذلكَ، وقيلَ: لأنَّ فيه حقًّا للغيرِ، فلا تصحُّ فيها الصلاةُ واسعةً كانتْ أو ضيقةً لعمومِ النهي،

(1)

تقدم وهو جزء من حديث صحيح.

(2)

في "السنن"(2/ 178 رقم 346).

قلت: وأخرجه ابن ماجه (746)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 383).

قال البيهقي: تفرد به زيد بن جَبِيرة.

قلت: هو متروك. فالحديث ضعيف وقد ضعفه الألباني في الإرواء رقم (287).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

أي الترمذي في "السنن"(2/ 179).

(5)

في "الضعفاء الصغير" رقم (125): "منكر الحديث".

قلت: وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل"(3/ 559): "ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا، متروك الحديث، لا يكتب حديثه".

(6)

في (أ): "المزبلة".

ص: 93

وَمَعَاطِنُ الإبلِ وَرَدَ التعليلُ فيها منصوصًا بأنَّها [مأوى]

(1)

الشياطينِ، أخرجهُ أبو داودَ

(2)

، ووردَ بلفظِ:(مَبَارِكُ الإبلِ)، و [في]

(3)

لفظٍ: (مزابلُ الإبلِ)، وفي أَخْرى:(مناخُ الإبلِ)، وهي أعمُّ منْ معاطنِ الإبلِ. وعلَّلُوا النهيَ عن الصلاةِ على ظهرِ بيتِ اللهِ، وقيدوهُ بأنهُ إذا كانَ على طرفٍ بحيثُ يخرجُ [منه]

(4)

عنْ هوائِها لمْ تصحَّ صلاتُه وإلَّا صحَّتْ، إلا أنهُ لا يخفَى أن هذَا التعليلَ أبطلَ معنَى الحديثِ؛ فإنهُ إذا لمْ يستقبلْ بطلتِ الصلاةُ لعدمِ الشرطِ لا لكونِها على ظهرِ الكعبةِ، فلوْ صحَّ هذَا الحديثُ لكانَ بقاءُ النهي على ظاهره في جميعِ ما ذُكِرَ هوَ الواجبَ، وكانَ مخصِّصًا لعمومِ:"جعلتْ ليَ الأرضُ مسجدًا"

(5)

، لكنْ قدْ عرفتَ ما فيهِ، إِلَّا أن الحديثَ في القبورِ منْ بين هذهِ المذكوراتِ قدْ صحَّ كما يفيدهُ:

‌تحريم الصلاة إلى القبر

12/ 204 - وَعَنْ أَبي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيهَا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(6)

. [صحيح]

‌ترجمة أبي مرثد الغنوي

(وَعَنْ أَبي مَرْثَدٍ)

(7)

بفتحِ الميمِ وسكونِ الراءِ وفتحِ المثلثةِ (الْغَنَوِيِّ) بفتحِ [الغين]

(8)

المعجمةِ والنونِ. وهوَ مَرْثَدُ بنُ أبي مرثدٍ، أسلمَ هوَ وأبوهُ، وشهدَا بدرًا، وقُتِلَ مرثدُ يومَ غزوةِ الرجيعِ شهيدًا في حياتهِ صلى الله عليه وسلم.

(1)

في (أ): "من".

(2)

في "السنن"(1/ 128 رقم 184) من حديث البراء بن عازب.

(3)

زيادة من (ب).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

وهو حديث صحيح تقدم قريبًا.

(6)

في "صحيحه"(98 - 972).

قلت: وأخرجه النسائي (2/ 67 رقم 760)، وأبو داود (3229)، والترمذي (1050)، وأحمد (4/ 135)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 515) وأورده ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 229 - 230) وقال: هذا حديث ثابت من جهة الإسناد.

(7)

انظر ترجمته في: "الإصابة"(9/ 162 رقم 7872)، و"الاستيعاب"(10/ 60 - 66 رقم 2264)، و"أسد الغابة"(4/ 344 - 345).

(8)

زيادة من (ب).

ص: 94

(قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا. رَوَاهُ مَسْلِمٌ)، وفيهِ دليلٌ على النهي عن الصلاةِ [إلى]

(1)

القبرِ، والأصلُ التحريمُ. ولمْ يذكرِ المقدارَ الذي يكونُ بهِ النهيُ عن الصلاةِ إلى القبرِ. والظاهرُ أنهُ ما يعدُّ مستقبلًا له عُرْفًا. ودلَّ على تحريمِ الجلوسِ على القبرِ. وقدْ وردتْ بهِ أحاديثُ كحديثِ جابرٍ

(2)

في وَطءِ القبرِ، وحديثِ أبي هريرةَ:"لأنْ يَجْلِسَ أَحدُكُم على جَمْرَةٍ؛ فَتُحْرِقَ ثيابَهُ، فتخلُصَ إلى جِلْدِهِ خَيْرٌ لهُ مِنْ أنْ يجلسَ على قبرٍ"، أخرجهُ مسلمٌ

(3)

. وقدْ ذهبَ إلى تحريمِ ذلكَ جماعةٌ منَ العلماءِ، وعنْ مالكٍ أنهُ لا يكرهُ القعودُ عليْها ونحوُه، وإنَّما النهيُ عن القعودِ لقضاءِ الحاجةِ. وفي الموطأ

(4)

عنْ عليّ [بن أبي طالب]

(5)

عليه السلام: "أنهُ كانَ يَتَوَسَّدُ القبرَ ويضطجعُ عليهِ"، ومثلُهُ في البخاريِّ

(6)

عن ابن عمر، وعنْ غيرِه. والأصلُ في النهي التحريمُ كما عرفتَ غيرَ مرةٍ، وفعلُ الصحابيِّ لا يعارضُ الحديثَ المرفوعَ إلَّا أنْ يُقَالَ: إنَّ فعلَ الصحابي دليلٌ لحملِ النهي على الكراهةِ ولا يخْفَى بُعدُهُ.

‌الصلاة بالنعلين

13/ 205 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا جَاءَ أَحَدْكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى في نَعْلَيهِ أَذى أَوْ قَذَرًا فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا"، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(8)

. [حسن]

(1)

في (ب): "على".

(2)

أخرجه مسلم (970)، والترمذي (1052)، والنسائي (4/ 88 رقم 2029).

(3)

في "صحيحه"(971).

قلت: وأخرجه أبو داود (3228)، والنسائي (4/ 95)، وابن ماجه (1566)، والبغوي في "شرح السنة"(5/ 409 رقم 1519).

(4)

(1/ 233 رقم 34).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

(3/ 222 رقم الباب 81).

(7)

في "السنن"(1/ 426 رقم 655).

(8)

في "صحيحه"(2/ 107 رقم 1017).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 20)، والدارمي (1/ 320)، وابن سعد في "الطبقات"(1/ 480)، والحاكم (1/ 260)، والبيهقي (2/ 402)، وابن حبان في "الموارد"(ص 107 رقم 360)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 388 رقم 1516)، وابن أبي شيبة في=

ص: 95

(وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا جَاءَ أَحَدُكمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَنْظُرْ) أي نعليهِ كما دلَّ لهُ قولُه: (فَإِنْ رَأَى فلي نَعْلَيْهِ أذًى أَوْ قَذَرًا) شكٌّ منَ الراوي، (فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ). اختُلِفَ في وصلِهِ وإرسالِهِ، ورجَّحَ أبو حاتمٍ

(1)

وصلَه، ورواهُ الحاكمُ منْ حديثِ أنسٍ

(2)

، وابنِ مسعودٍ

(3)

، ورواهُ الدارقطنيُّ منْ حديثِ ابن عباسٍ

(4)

، وعبدِ اللهِ بن

= "المصنف"(2/ 417)، والطيالسي (1/ 84 رقم 360 - منحة المعبود).

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي.

وقال النووي في "المجموع": (1/ 95): حديث حسن رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(1)

في "العلل"(1/ 121 رقم 330) بقوله: والمتصل أشبه؛ لأنه اتفق اثنان عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

في "المستدرك"(1/ 139 - 140) عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخلع نعليه في الصلاة قط إلا مرة واحدة خلع فخلع الناس، فقال:"ما لكم؟ "، قالوا: خلعتَ فخلعنا، فقال:"إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرًا أو أذى". قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، فقد احتج بعبد الله بن المثنى ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.

قلت: وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 56): وقال: "رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح، ورواه البزار باختصار".

(3)

في "المستدرك"(1/ 140) عنه: قال: خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه فخلع من خلفه فقال: "ما حملكم أن خلعتم نعالكم"؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال:"إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرًا فخلعتهما لذلك، فلا تخلعوا نعالكم"، قال إبراهيم: فكانوا لا يخلعون نعالهم. قال: ورأيت إبراهيم يصلي في نعليه.

قلت: وأخرجه البزار (1/ 290 رقم 606)، والطبراني في "الكبير"(10/ 83 رقم 9972)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 56): وقال: "رواه البزار، والطبراني في "الأوسط"، و"الكبير"؛ قال البزار: "لا نعلم رواه هكذا إلا أبو حمزة" وأبو حمزة هو ميمون الأعور ضعيف.

• تنبيه: في المستدرك المطبوع بياض في بعض جمل الحديث.

(4)

في "السنن"(1/ 399) عن ابن عباس: "خذوا زينتكم عند كل مسجد"، قال: الصلاة في النعلين، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه، فخلعهما فخلع الناس، فلما قضى الصلاة قال:"لم خلعتم نعالكم؟ "، قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال:"إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: إن فيها دم حَلَمة". وفيه "صالح بن بيان" متروك، قاله الدارقطنيُّ. وفيه أيضا "فُرات بن السائب" منكر الحديث، قاله البخاري.

["الميزان" (2/ 290 رقم 3775) و (3/ 341 رقم 6689)].

• دم حَلَمة: بفتح الحاء واللام، واحد الحَلَم، العظيم من القراد.

ص: 96

الشخِّيرِ

(1)

، وإسنادُهُمَا ضعيفٌ.

[وفي]

(2)

الحديثِ [دليل]

(3)

على شرعيةِ الصلاةِ في النعالِ

(4)

، وعلى أن مسحَ النعلِ منَ النجاسةِ مطهرٌ لهُ منَ القذرِ والأذَى، والظاهرُ فيهمَا عندَ الإطلاقِ النجاسةُ سواءٌ كانت [النجاسة]

(5)

رطبةً أو جافةً، ويدلُّ لهُ سببُ الحديثِ، وهوَ إخبار جبريلَ لهُ صلى الله عليه وسلم أن في نعلهِ أَذًى فخلَعهُ في صلاتهِ واستمرَّ فيهَا؛ فإنهُ سببُ هذَا، وأنَّ المصلِّيَ إذا دخلَ في الصلاةِ وهوَ متلبسٌ بنجاسةٍ غيرُ عالمٍ بها أوْ ناسَيًا لها ثمَّ عرفَ بها في أثناءِ صلاتهِ أنهُ يجبُ عليهِ إزالتُها، ثمَّ يستمرُّ في صَلاتِه ويبني على ما [قد](6) صلَّى، وفي الكلِّ خلافٌ إلَّا أنهُ لا دليلَ للمخالفِ يقاومُ [هذا](6) الحديثَ فلا نطيلُ بذكرهِ. ويؤيدُ طهوريةَ النعالِ بالمسحِ بالترابِ الحديثُ [الآتي وهوَ]

(6)

:

‌تطهر النعل بالدَّلك في التراب

14/ 206 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمُ الأذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبّانَ

(8)

. [صحيح لغيره]

(وَعَنْ أَبِي هرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الأَذَى بِخفَّيْهِ) أي: [مثلًا أو]

(9)

نعليهِ، أوْ أيِّ ملبوسٍ لقدميهِ (فَطَهُورُهمَا) أي: الخفينِ (التُّرَابُ.

(1)

لم أجده في سنن الدارقطني.

وقد أخرجه الطبراني في "الكبير" - كما في "مجمع الزوائد"(2/ 56) - عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلع نعليه، وهو في الصلاة، فخلع الصف الذي يليه نعالهم، فخلع الصف الذين يلونهم أيضًا نعالهم، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لم خلعتم نعالكم؟ "، قالوا: خلعت يا رسول الله، فخلع الصف الذي يليك نعالهم، فخلعنا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتاني جبريل عليه السلام فذكر أن في نعلي قذرًا فخلعتهما فصلُّوا في نعالكم" قال الهيثمي: وفيه الربيع بن بدر، وهو ضعيف.

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في (ب): "فيه دلالة".

(4)

انظر: "شرعية الصلاة في النعال"، تأليف: أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي.

(5)

زيادة من (أ).

(6)

زيادة من (أ).

(7)

في "السنن"(3086).

(8)

في "الإحسان"(2/ 340 رقم 1401).

(9)

زيادة من (ب).

ص: 97

أَخْرَجَهُ أَبو دَاودَ وَصَحَّحَه ابْن حِبّانَ)، وأخرجَه ابنُ السكنِ

(1)

، والحاكمُ

(2)

، والبيهقي

(3)

منْ حديثِ أبي هريرةَ، وسندُهُ ضعيفٌ. وأخرجهُ أبو داودَ

(4)

منْ حديثِ عائشةَ، وفي البابِ غيرُ هذهِ بأسانيدَ لا تخلُو عنْ ضعي إلَّا أنهُ يشدُّ بعضُها بعضًا. وقدْ ذهبَ الأوزاعيُّ إلى العملِ بهذهِ الأحاديثِ، وكذا النَّخَعِيُّ، وَقَالا: يجزيهِ أنْ يمسحَ خفيهِ إذا كانَ فيهمَا نجاسةٌ بالترابِ ويصلِّي فيهمَا.

ويشهدُ لهُ أن أمَّ سلمةَ سألتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: إني أمرأةٌ أطيلُ ذيلي وأمشي في المكانِ القذرِ فقال: "يطهرُهُ ما بعدَهُ". أخرجهُ أبو داودَ

(5)

، والترمذيُّ

(6)

، وابن ماجَهْ

(7)

، ونحوُهُ:"أن امرأةً منْ بني عبدِ الأشهلِ قالتْ: قلتُ يا رسول اللَّهِ، إنَّ لنَا طريقًا إلى المسجدِ منتنةً فكيفَ نفعلُ إذا مُطِرْنا؟ فقال: "أليسَ منْ بعدِها طريقٌ هي أطيبُ منْها؟ "، قلتُ: بلى، قال: "فهذهِ بهذهِ"، أخرجهُ أبو داودَ

(8)

، وابنُ ماجَهْ

(9)

. قال الخطابي

(10)

: وفي إسنادِ الحديثينِ مقالٌ وتأولهُ الشافعي بأنهُ

(1)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 278).

(2)

في "المستدرك"(1/ 166).

(3)

في "السنن الكبرى"(2/ 430).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة (1/ 148 رقم 292)، والعقيلي في "الضعفاء" (2/ 257): من طريق محمد بن كثير الصنعاني عن الأوزاعي، عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه، عن أبي هريرة به. وإسناده حسن، محمد بن عجلان: ثقة، اختلطت عليه أحاديث أبي هريرةَ، ولكن يشهد لها الرواية الآتية التي أخرجها أبو داود (1/ 267 رقم 385)، وابن حبان (2/ 340 رقم 1400)، والبيهقي (2/ 430)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 166): من طريق الوليد عن الأوزاعي عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِذَا وَطِئَ أَحَدُكم بِنَعلهِ الأذى، فإنَّ الترابَ له طَهُورٌ"، وإسناده صحيح.

(4)

في "السنن"(387) وهو حديث صحيح.

(5)

في "السنن"(383).

(6)

في "السنن"(143).

(7)

في "السنن"(531).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 290)، ومالك (1/ 24 رقم 16)، والدارمي (1/ 189) وغيرهم. وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

(8)

في "السنن"(384).

(9)

في "السنن"(533).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 435)، والبيهقي (2/ 434)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (143). وهو حديث صحيح، وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

(10)

ذكره المنذري في "المختصر"(1/ 227).

ص: 98

إنَّما هوَ فيما جَرَى على ما كانَ يابِسًا لا يعلقُ بالثوبِ منه شيءٌ. قلت: ولا يناسبُ قولَها إذا مُطِرْنَا. وقالَ مالكٌ: معنى كونِ الأرضِ يُطَهِّرُ بعضُها بعضًا، أنْ يطأَ الأرضَ القذرةَ ثمَّ يصلُ للأرضِ الطيبةِ اليابسةِ؛ فإنَّ بعضَها يطهرُ بعضًا. أما النجاسةُ تصيبُ الثوبَ أو الجسدَ فلا يطهرُها إلا الماءُ قالَ: وهوَ إجماعٌ.

قيلَ: ومما يدلُّ لحديثِ البابِ، وأنهُ على ظاهرِه ما أخرجهُ البيهقيّ

(1)

عنْ أبي المعلَّى عنْ أبيهِ عنْ جدهِ قالَ: "أقبلتُ مع عليّ بن أبي طالبٍ إلى الجمعةِ - وهوَ ماشٍ - فحالَ بينَهُ وبينَ المسجدِ حوضٌ منْ ماءٍ وطينٍ، فخلعَ نعليهِ وسراويلهِ، قالَ: قلتُ: هاتِ يا أميرَ المؤمنينَ أحملْه عنكَ، قالَ: لا، فخاضَ فلما جاوزهُ لبسَ نعليهِ وسراويلَه ثمَّ صلَّى بالناسِ ولمْ يغسلْ رجليهِ". ومنَ المعلومِ أن الماءَ المجتمعَ في القرى لا يخلُو عن النجاسةِ.

‌النهي عن الكلام في الصلاة

15/ 207 - وَعَنْ مُعَاوِيةَ بْنِ الْحَكَمِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرآنِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ) هوَ معاويةُ بنُ الحكمِ السّلميُّ كانَ ينزلُ المدينةَ،

(1)

في "السنن الكبرى"(2/ 434). وقال البيهقي: معاذ بن العلاء هو: ابن عمار أبو غسان.

وروي من وجه آخر عن علي. وروينا عن الأسود وعلقمة وسعيد بن المسيب ومجاهد، وجماعة من التابعين في معناه.

(2)

في "صحيحه"(33/ 537).

قلت: وأخرجه أبو داود (931)، والنسائي (3/ 14 - 18)، وابن الجارود رقم (212)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 446)، والبيهقي (2/ 249 - 250)، والدارمي (1/ 353)، وأحمد (5/ 447 و 448)، وأبو عوانة (2/ 141 - 142)، والبخاري في "خلق أفعال العباد"(ص 38 - 39)، والطيالسي (ص 150 رقم 1105)، وابن خزيمة (2/ 35 رقم 859)، وفي كتاب التوحيد (ص 121)، وعثمان بن سعيد في الرد على المريسي (ص 95)، والطبراني في "الكبير"(19/ 398 - 399) وغيرهم، من طرق عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحَكم .. به مطولًا ومختصرًا.

ص: 99

وعدادهُ في أهلِ الحجازِ، (قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ هذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِير، وَقِرَاءَة الْقُرآنِ. رَوَاه مُسْلِمٌ). وللحديثِ سببٌ حاصلُهُ: "أنهُ عطس [في الصلاة]

(1)

رجلٌ فشمَّتهُ معاويةُ وهوَ في الصلاةِ، فأنكرَ عليهِ مَنْ لديهِ منَ الصحابةِ بما أفهمَه ذلكَ ثمَّ قالَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ ذلكَ: إنَّ هذهِ الصلاةَ - الحديثُ" ولهُ عدةُ ألفاظٍ. والمرادُ منْ عدمِ الصلاحيةِ عدمُ صِحَّتِها، ومنَ الكلامِ مكالمةُ الناسِ ومخاطبتُهم كما هوَ صريحُ السببِ. فدلَّ على أن المخاطبةَ في الصلاةِ تبطلُها سواءٌ كانتْ لإصلاحِ الصلاةِ أوْ غيرِهَا، وإذا احتيِجَ إلى تنبيهِ [الداخلِ]

(2)

فيأتي حكمُهُ وبماذَا [يثبت]

(3)

.

ودلَّ الحديثُ على أن تكلم الجاهلِ في الصلاةِ لا يُبِطلُها، وأنهُ معذورٌ لجهلهِ، فإنه صلى الله عليه وسلم لمْ يأمرْ معاويةَ بالإعادةِ. وقولُهُ:(إنَّما هوَ) أي الكلامُ المأذونُ فيهِ في الصلاةِ أو الذي يصلحُ فيْها، (التسبيحُ والتكبيرُ وقراءة القرآنِ)، أي إنَّما يشرعُ فيها ذلكَ وما انضمَّ إليهِ منَ الأدعيةِ ونحوِها [لدليلهِ الآتي وهوَ]

(4)

:

16/ 208 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَلّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}

(5)

فَأمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. [صحيح]

(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرقَمَ أنَّهُ قَالَ: إِنْ كنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم). والمرادُ ما لا بدَّ منهُ منَ الكلام، كردِّ السلامِ ونحوِهِ، لا أنَّهم كانُوا يتحادثونَ فيها تحادثَ المتجالسينَ، كما يدلُّ لهُ قولُه: (يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (أ): "للداخل".

(3)

في (أ): "ينبه"

(4)

زيادة من (أ).

(5)

سورة البقرة: الآية 238.

(6)

البخاري (1200)، ومسلم (35/ 539).

قلت: وأخرجه أبو داود (949)، والترمذي (405)، والنسائي (3/ 18)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 450)، والبيهقي (2/ 248)، وأحمد (4/ 368).

ص: 100

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ) وهي صلاةُ العصرِ على أكثرِ الأقوالِ، وقد ادُّعِيَ فيهِ الإجماعُ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} ؛ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللّفْظُ لِمُسْلِمٍ).

قالَ النوويُّ في شرحِ مسلمٍ

(1)

: "فيهِ دليلٌ على تحريمِ جميعِ أنواعِ كلامِ الآدميينَ"، وأجمعَ العلماءُ على أن المتكلمَ فيها عامَدًا عالمًا بتحريمهِ لغيرِ مصلحتِها، ولغيرِ إنقاذِ هالكٍ وشبههِ مبطلٌ للصلاةِ، وذكرَ الخلافَ في الكلام لمصلحتِها، ويأتي في شرح حديثِ ذي اليدينِ في أبوابِ السهوِ

(2)

. وفهمَ الصحابة الأمرَ بالسكوتِ من قولهِ: {قَانِتِينَ} ، لأنهُ أحدُ معاني القنوتِ، ولهُ أحدَ عشرَ معنى معروفةٌ

(3)

، وكأنَّهم أخذُوا خصوصَ هذَا المعنى من القرائنِ، أوْ منْ تفسيرهِ صلى الله عليه وسلم لهمْ ذلكَ. والحديثُ فيهِ أبحاثٌ قدْ سُقْنَاها في حواشي شرحِ العمدةِ

(4)

. فإنِ اضطرَّ المصلِّي إلى تنبيه غيرِه، فقدْ أباحَ لهُ الشارعُ نوعًا منَ الألفاظِ كما يفيدُهُ الحديثُ.

‌ماذا يصنع من نابه أمر وهو في الصلاة

17/ 209 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "التسْبِيحُ للرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(5)

، زَادَ مُسْلِمٌ:"في الصَّلاةِ". [صحيح]

(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ)، وفي روايةٍ:"إذا نَابَكم أمرٌ فالتسبيحُ للرجالِ". (وَالتَّصْفِيقُ للِنِّسَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ مُسْلِمٌ: في الصَّلَاةِ)، وهوَ المرادُ منَ السياقِ وإنْ لم ياتِ بلفظهِ. والحديثُ دليلٌ على أنهُ

(1)

(5/ 27).

(2)

رقم الحديث (2/ 314).

(3)

انظر: "لسان العرب"(11/ 313 - 314).

(4)

(2/ 476 - 481 رقم 108).

(5)

البخاري (1203)، ومسلم (106 و 107/ 422).

قلت: وأخرجه النسائي (3/ 11 رقم 1207 و 1208 و 1209 و 1210)، وابن ماجه (1034)، والترمذي (369)، وأبو داود (939)، وأحمد (2/ 261)، وابن خزيمة (2/ 51 رقم 894)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 252)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 660) و (4/ 1570) و (6/ 2121) و (7/ 2701)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(14/ 27)، والدارقطني (2/ 83 رقم 1)، والطيالسي (1/ 109 رقم 499 - منحة المعبود"، والبيهقي (2/ 246 و 247).

ص: 101

يُشرعُ لمنْ نابهُ في الصلاةِ أمرٌ منَ الأمورِ كأنْ [يريدَ تنبيهَ الإمامِ على]

(1)

أمرٍ سَهَا عنْهُ، وتنبيهَ المارّ أو مَنْ يريدُ منهُ أمرًا وهوَ لا يدري أنهُ يصلّي فينبههُ على أنهُ في [صلاةٍ]

(2)

، فإنْ كانَ المصلّي رجلًا قالَ: سبحانَ اللَّهِ. وقدْ وردَ في البخاريّ

(3)

بهذَا اللفظِ وأُطلِقَ فيما عداهُ

(4)

. وإنْ كانتِ المصليةُ امرأةً نبهتْ بالتصفيقِ، وكيفيته كما قالَ عيسى بنُ أيوبَ أن تضربَ بأُصبُعَينِ منْ يمينِها على كفّها اليُسرى. وقدْ ذهبَ إلى القولِ بهذَا الحديثِ جمهورُ العلماءِ، وبعضُهم فَصَّلَ بلا دليلٍ ناهضٍ فقالَ: إنْ كانَ ذلكَ للإعلامِ بأنهُ في صلاةٍ فلا يبطلُها، وإنْ كانَ لغيرِ ذلكَ فإنهُ يبطلُها ولو كانَ فتحًا على الإمامِ، قالُوا: لِما أخرجهُ أبو داودَ

(5)

منْ قولهِ صلى الله عليه وسلم: "يا علي، لا تفتحْ على الإمامِ في الصلاةِ". وأجيبَ بأنَّ أبا داودَ ضعفهُ بعدَ سياقهِ لهُ، فحديثُ البابِ باقٍ على إطلاقهِ لا تخرجُ منهُ صورةٌ إلا بدليلٍ.

ثمَّ الحديثُ لا يدلُّ على وجوبِ التسبيحِ تنبيهًا أو التصفيقِ، إِذْ ليسَ فيه أمرٌ، إلَّا أنهُ قد وردَ بلفظِ الأمرِ في روايةِ

(6)

: "إذا نابَكَم أمرٌ فليسبّحِ الرجالُ وليصفّق النساءُ". وقدِ اختلفَ في ذلكَ العلماءُ. قالَ شارحُ التقريبِ: الذي ذكرهُ أصحابُنا، ومنْهمُ الرافعيُّ والنوويُّ أنهُ سنةٌ، وحكاهُ عن الأصحابِ ثمَّ قالَ بعدَ [كلامٍ]

(7)

: والحق انقسامُ التنبيهِ في الصلاةِ إلى ما هوَ واجبٌ ومندوبٌ ومباحٌ بحسبِ ما يقتضيهِ الحالُ.

‌البكاء والأنين لا يبطل الصلاة

18/ 210 - وَعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَفي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ، مِنَ الْبُكَاءِ. أَخْرَجَهُ

(1)

في (أ): "ينبه على الإمام في".

(2)

في (ب): "الصلاة".

(3)

في "صحيحه"(2690) من حديث سهل بن سعد الساعدي.

(4)

كما في "صحيح مسلم"(102/ 421) من حديث سهل أيضًا.

(5)

في "السنن"(1/ 559 رقم 908)، وقال أبو داود: أبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها. قلت: وهو حديث ضعيف. وقد ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.

(6)

أخرجه البخاري (13/ 182 رقم 7190) من حديث سهل بن سعد الساعدي.

(7)

في (أ): "كلامه".

ص: 102

الْخَمْسَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ

(1)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(2)

. [صحيح]

‌ترجمة مطرف بن عبد الله بن الشخير

(وَعَنْ مُطَرِّفٍ)

(3)

بضمِّ الميمِ، وفتحِ [الطاءِ]

(4)

المهملةِ، وتشديدِ الراءِ، المكسورةِ، وبالفاءِ (ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخَيرِ) بكسرِ الشينِ المعجمةِ وكسرِ الخاءِ المعجمةِ المشددةِ، ومطرفٌ تابعيٌّ جليلٌ (عَنْ أَبِيهِ) عبدِ اللَّهِ بن الشِّخيرِ، وهوَ ممنْ وَفَدَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بني عامرٍ يُعَدُّ في البصريينَ (قَالَ: رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصَلِّي وَفي صَدْرِهِ أزِيزٌ) بفتحِ الهمزةِ فزاي مكسورة فمثناةٍ تحتيةٍ ساكنةٍ فزاي، وهوَ صوتُ القِدْرِ عندَ غَلَيَانِها (كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ) بكسرِ الميمِ وسكونِ الراءِ وفتحِ الجيمِ، هوَ القِدْرُ، (مِنَ البكَاءِ) بيانٌ للأزيزِ (أَخْرَجَهُ الْخَمْسَة). [همْ عندَهُ على ما ذكرهُ في الخطبةِ مَنْ عدَا الشيخينِ، فهمْ أصحابُ السننِ، وأحمدُ إلَّا أنهُ هنا أرادَ بهمْ غيرَ ذلكَ وهمْ أهلُ السننِ الثلاثةِ، وأحمدُ كما بينهُ بقولهِ]

(5)

: (إلَّا ابْنَ مَاجَهْ وَصَحَّحَه ابْن حِبَّانَ)، وصححهُ أيضًا ابنُ خزيمةَ

(6)

، والحاكمُ

(7)

. ووهمَ مَنْ قالَ: إنَّ مسلمًا أخرجهُ، ومثلُه ما رُوِيَ "أن عمرَ صلَّى صلاةَ الصبحِ وقرأَ سورةَ يوسفَ حتَّى بلغَ إلى قولهِ:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} فَسُمِعَ نشيجُهُ"، أخرجهُ البخاريُّ

(8)

(1)

وهم: أحمد (4/ 25 و 26)، وأبو داود (904)، والنسائي (3/ 13)، والترمذي في "الشمائل" رقم (315).

(2)

في "صحيحه" رقم (665).

(3)

انظر ترجمته في: "الحلية"(2/ 198)، و"الإصابة"(9/ 321 رقم 8318)، و"شذرات الذهب"(1/ 110)، و"تذكرة الحفاظ"(1/ 64)، و"التاريخ الكبير"(7/ 396)، و"النجوم الزاهرة"(1/ 214)، و"المعرفة والتاريخ"(2/ 80 و 90).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في "صحيحه"(2/ 53 رقم 900).

(7)

في "المستدرك"(1/ 264).

قلت: وأخرجه البيهقي (2/ 251)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 244 رقم 729) وهو حديث صحيح.

(8)

تعليقًا (2/ 206) الباب (70).

ص: 103

مقطوعًا، ووصلهُ سعيدُ بنُ منصورٍ

(1)

وأخرجهُ ابنُ المنذرِ

(2)

. والحديثُ دليلٌ على أن مِثْلَ ذلكَ لا يُبْطلُ الصلاةَ وقِيْسَ عليهِ الأنينُ.

19/ 211 - وَعَنْ عَليٍّ قَالَ: كَانَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَدْخَلَانِ، فَكُنْتُ إِذَا أَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ لي. رَوَاهُ النَّسَائيُّ

(3)

، وَابْنُ مَاجَهْ

(4)

. [ضعيف]

(وَعَنْ عَليٍّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَدْخَلَانِ) بفتحِ الميمِ ودالٍ مهملةٍ وخاءٍ معجمةِ، تثنيةُ مَدْخَل بزنِةِ مقتلٍ، أي: وقتانِ أدخلُ عليهِ فيهمَا، (فَكُنْتُ إِذَا أَتَيْتُهُ وَهُوَ يصَلِّي تَنَحْنَحَ لِي. رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) وصححهُ ابنُ السكنِ

(5)

. وقدْ رُويَ بلفظِ

(6)

: "سبَّحَ" مكانَ "تنحنحَ" منْ طريقٍ أخرى ضعيفةٍ.

والحديثُ دليلٌ على أن التنحنحَ غيرُ مبطلٍ للصلاةِ، وقد ذهبَ إليهِ الناصرُ والشافعي عملًا بهذا الحديثِ، وعندَ الهادويةِ أنهُ مفسدٌ إذا كانَ بحرفينِ فصاعدًا إلحاقًا لهُ بالكلامِ المفسدِ، قالُوا: وهذا الحديثُ فيهِ اضطرابٌ، [ولكنْ قدْ سمعتُ أن روايةَ تنحنحَ صحَّحها ابنُ السكنِ، وروايةُ سبَّحَ ضعيفةٌ فلا تتمُّ دعوى الاضطرابِ]

(7)

. ولو ثبتَ الحديثانِ معًا لكانَ الجمعُ بينهمَا بأنهُ صلى الله عليه وسلم كان تارةً يسبِّحُ، وتارةً يتنحنحُ [تنحنحًا]

(8)

. [ولكن قد عرفت أن رواية تنحنح صحَّحها ابن السكن، ورواية سبح ضعيفة. ولا تتم دعوى الاضطراب؛ إذ لا يكون

(1)

في سننه (5/ 405 رقم 1138) بسند صحيح، عن ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد سمع عبد الله بن شداد بهذا، وزاد:"في صلاة الصبح".

(2)

من طريق عبيد الله بن عمير، عن عمر نحوه - كما في "الفتح"(2/ 206).

(3)

في "السنن"(3/ 12).

(4)

في "السنن"(2/ 1222 رقم 3708).

قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(1/ 80). ومداره على "عبد الله بن نجي" قال الحافظ في "التلخيص"(1/ 283 رقم 452): "واختلف عليه فقيل: عنه عن علي، وقيل: عن أبيه عن علي، وقال يحيى بن معين: لم يسمعه عبد الله من علي، بينه وبين علي أبوه" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

ذكر ذلك ابن حجر في "التلخيص": (1/ 283 رقم 452).

(6)

أخرجه أحمد (2/ 22 رقم 570 - شاكر)، وهو حديث ضعيف أيضًا.

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في (ب): "صحيحًا".

ص: 104

الاضطراب إلا في الأحاديث الصحيحة كما علم في علوم الحديث]

(1)

.

‌السلام على المصلي وكيف يرد عليه المصلي

20/ 212 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قُلْتُ لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْتَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي؟ قَال: يَقُولُ هَكَذَا، وَبَسَطَ كَفَّهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

، وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

وَصَحَّحَهُ. [صحيح]

(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قُلْتُ لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْتَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْهِمْ)، أي على الأنصارِ كما دلَّ لهُ السياقُ (حِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي؟ قَالَ: يَقُولُ هكَذَا، وبَسَطَ كَفَّهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ)، وأخرجهُ أيضًا أحمدُ

(4)

، والنسائي

(5)

، وابنُ ماجه

(6)

. وأصلُ الحديثِ "أنهُ خرجَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلِّي فيهِ، فجاءتِ الأنصارُ وسلَّمُوا عليهِ، فقلتُ لبلالٍ: كيفَ رأيتَ؟ الحديثَ". ورواهُ أحمدُ

(7)

وابنُ حبانَ

(8)

، والحاكمُ

(9)

أيضًا منْ حديثِ ابن عمرَ "أنهُ سألَ صهيبًا عنْ ذلكَ" بدل بلالٍ. وذكرَ الترمذيّ

(10)

أن الحديثينِ صحيحانِ جميعًا. والحديثُ دليلٌ أنهُ إذا سلَّمَ أحدٌ على المصلِّي ردَّ عليه السلام بالإشارةِ دونَ النطقِ. وقدْ أخرجَ مسلمٌ

(11)

عن جابرٍ: أن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعثهُ لحاجةٍ قال: ثمَّ

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في "السنن"(927).

(3)

في "السنن"(368) وقال: حديث حسن صحيح.

(4)

في "المسند"(6/ 12).

(5)

في "السنن"(3/ 5 رقم 1187) قلت: في رواية النسائي، عوض "بلال"، "صهيب".

(6)

في "السنن"(1017) قلت: وفى رواية ابن ماجه، عوض "بلال"، "صهيب".

(7)

في "المسند"(2/ 10).

(8)

في "الإحسان"(4/ 14 رقم 2255).

(9)

في "المستدرك"(3/ 12)، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(2/ 336 رقم 3597)، والدارمي (1/ 316)، والبيهقي (2/ 259)، وابن خزيمة (2/ 49 رقم 888). وهو حديث صحيح.

(10)

في "السنن"(2/ 205).

(11)

في "صحيحه"(1/ 383 رقم 36/ 540).

قلت: وأخرجه ابن ماجه (1018)، والنسائي (3/ 6 رقم 1189)، والبيهقي (2/ 258)، وأحمد في "المسند"(3/ 334).

ص: 105

أدركتهُ وهوَ يصلِّي فسلمتُ عليهِ، فأشارَ إليَّ فلما فرغَ دعاني وقالَ: إنكَ سلَّمتَ [عليَّ](1)، فاعتذرَ إليهِ بعدَ الردّ بالإشارةِ. و [أمَّا]

(1)

حديثُ ابن مسعودٍ

(2)

: "أنَّهُ سلَّمَ عليهِ صلى الله عليه وسلم وهوَ يصلِّي فلمْ يردَّ عليهِ صلى الله عليه وسلم، ولا ذكرَ الإشارةَ بلْ قالَ لهُ بعدَ فراغهِ منَ الصلاةِ: "إنَّ في الصلاةِ شغلًا"، إلا أنهُ قدْ ذكرَ البيهقيُّ

(3)

في حديثهِ "أنهُ صلى الله عليه وسلم أَوْمأَ له برأسهِ".

‌أقوال العلماء في ردِّ السلام في الصلاة على من سلَّم على المصلي

وقدِ اختلفَ العلماءُ في ردّ السلامِ في الصلاةِ على مَنْ سَلَّمَ على المصلِّي، فذهبَ جماعةٌ إلى أنهُ يردُّ باللفظِ، وقالَ جماعةٌ: يردُّ بعدَ السلامِ مِنَ الصلاةِ، وقالَ قومٌ: يردُّ في نفسهِ، وقالَ قومٌ: يردُّ بالإشارة كما أفادهُ هذا الحديثُ، وهذَا هوَ أقربُ الأقوالِ للدليلِ، وما عداهُ لمْ يأتِ بهِ دليلٌ. قيلَ: وهذَا الردُّ بالإشارةِ استحبابٌ بدليلِ أنهُ لمْ يردَّ صلى الله عليه وسلم بهِ على ابن مسعودٍ بلْ قالَ لهُ: "إنَّ في الصلاةِ [لشغلًا]

(4)

".

قلتُ: قدْ عرفتَ منَ روايةِ البيهقيِّ أنهُ صلى الله عليه وسلم ردَّ عليهِ بالإشارةِ برأسهِ، ثمَّ اعتذرَ إليهِ عن الردّ باللفظِ [له]

(5)

، لأنهُ الذي كانَ يردُّ بهِ عليهمْ في الصلاةِ فلمَّا حَرُمَ الكلام ردَّ عليهِ صلى الله عليه وسلم بالإشارةِ ثمَّ أخبره أن الله أحدث من أمره "أن لا يتكلَّموا في الصلاة"، فالعجب من قول من قال: يرد باللفظِ معَ أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ هذا، أيْ:"أن اللَّهَ أحدثَ منْ أمرهِ [أن لا يتكلَّموا في الصلاة] (5) "في الاعتذارِ عنْ ردّهِ على ابن مسعودٍ السلامَ باللفظِ، وجعلَ ردَّهُ السلامَ في الصلاةِ كلامًا، وأنَّ اللَّهَ نَهَى عنهُ. والقولُ بأنهُ مَنْ سَلَّمَ على المصلِّي لا يستحقُّ جوابًا يعني بالإشارةِ، ولا [باللفظِ]

(6)

: يردُّهُ رَدَّهُ صلى الله عليه وسلم على الأنصارِ، وعلى جابرٍ بالإشارةِ، ولو كانُوا لا

(1)

زيادة من (ب).

(2)

أخرجه البخاري (1199) و (1216) و (3875)، ومسلم (538)، وأبو داود (923)، والنسائي (3/ 19)، وأحمد في "المسند"(1/ 409)، والبيهقي (2/ 248)، والطبراني في "الكبير"(10/ 135 رقم 10124)، وابن خزيمة (2/ 34 رقم 855)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 235 رقم 724) وغيرهم.

(3)

في "السنن الكبرى"(2/ 260).

(4)

في (ب): "شغلًا".

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (أ): "لفظ".

ص: 106

يستحقونَ لأخبرَهم بذلكَ ولم يردَّ عليهمْ. وأما كيفيةُ الإشارةِ ففي المسندِ

(1)

منْ حديثِ صهيبٍ قالَ: "مررتُ برسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهوَ يصلِّي فسلَّمتُ عليهِ فردّ عليَّ إشارةً"، قالَ الراوي: لا أعلمهُ إلَّا قالَ: "إشارةً بأصبُعِهِ". وفي حديثِ ابن عمرَ

(2)

في وصفهِ لردهِ صلى الله عليه وسلم السلامَ على الأنصارِ "أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ هكذَا، وبسطَ جعفرُ بنُ عونٍ - الراوي عن ابن عمرَ - كفَّهُ وجعلَ بطنَه أسفلَ، [وجعلَ]

(3)

ظهرَهُ إلى فوقٍ"، فتحصلُ منْ هذَا أنه [يجيب المصلي بالإشارة إما برأسه، أو بيديه، أو بإصبعه، والظاهر أنه واجب لأن الرد بالقول] (3) واجبٌ وقدْ تعذرَ في الصلاةِ فبقيَ الردُّ بأيِّ ممكنٍ، وقدْ أمكنَ بالإشارةِ وجعلَهُ الشارعُ ردًا، وسماهُ الصحابةُ ردًا، ودخلَ تحتَ قولهِ تعالَى: {أَوْ رُدُّوهَا}. وأما حديثُ أبي هريرةَ أنهُ قالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أشارَ في الصلاةِ إشارةً تفهمُ عنهُ فليُعِدْ صلاتَه" ذكرهُ الدارقطنيُّ

(4)

، فهوَ حديثٌ باطلٌ، لأنهُ منْ روايةِ أبي غطفانَ عنْ أبي هريرةَ، وهوَ رجلٌ مجهولٌ.

‌حمل الصبيان في الصلاة وطهارة ثيابهم وأبدانهم

21/ 213 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَة رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ

(1)

(4/ 332).

قلت: وأخرجه الترمذي (367)، والنسائي (3/ 5 رقم 1186)، وأبو داود (925)، والبيهقي (2/ 258)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 454) وغيرهم.

وهو حديث حسن بشواهده، وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

(2)

تقدم تخريجه رقم (20/ 212).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في "السنن"(2/ 83 رقم 2).

قلت: وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 427 رقم 726)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 453).

وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن إسحاق مجروح، وأبو غطفان مجهول.

قلت: ابن إسحاق ثقة إلا أنه مدلس وقد عنعن.

وقال الدارقطني: "قال لنا ابن أبي داود: أبو غطفان هذا رجل مجهول، وآخر الحديث زيادة في الحديث. ولعله من قول ابن إسحاق. والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير في الصلاة - كما تقدم في الأحاديث السابقة - " اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف جدًّا. وانظر: "نصب الراية" للزيلعي (2/ 90 - 91).

ص: 107

حَامِلٌ أُمَامةَ - بِنْتَ زَيْنَبَ - فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

.

وَلمُسْلِمٍ

(2)

: وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ في الْمَسْجِدِ. [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه عَنْه قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصَلِّي وَهوَ حَامِلٌ أمَامَةَ) بضمِّ الهمزةِ (بِنْتَ زَيْنَبَ)، هي أمُّها؛ وهي زينبُ بنتُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبوها أبو العاصِ بنُ الربيعِ، (فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإذَا قَامَ حَمَلَهَا). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلمُسْلِمٍ زيادةٌ:(وَهوَ يَؤُمّ النَّاسَ في الْمَسْجِدِ). في قولهِ: "كان يصلِّي" ما يدلُّ على أن هذه العبارةَ لا تدلُّ على التكرارِ مطلقًا؛ لأنَّ هذَا الحمْلَ لأُمامةَ وقعَ منهُ صلى الله عليه وسلم مرةً واحدة لا غيرُ.

والحديثُ دليلٌ على أن حمْلَ المصلِّي في الصلاةِ حيوانًا آدميًا أوْ غيرَهُ لا يضرُّ صلاتَهُ، سواءٌ كان ذلكَ لضرورةٍ أو غيرِها، وسواءٌ كانَ في صلاةِ فريضةٍ أو غيرِها، وسواءٌ كانَ إمامًا أو منفردًا. وقدْ صرَّحَ في روايةِ مسمٍ أنهُ كانَ إمامًا فإذَا جازَ في حالِ الإمامةِ جازَ في حالِ الانفرادِ، [وإذا جازَ]

(3)

في الفريضةِ جازَ في النافلةِ بالأَولى. وفيهِ دلالةٌ على طهارةِ ثيابِ الصبيانِ وأبدانِهم، وأنهُ الأصلُ ما لمْ تظهرِ النجاسةُ، وأنَّ الأفعالَ التي مثلَ هذهِ لا تبطلُ الصلاةَ؛ فإنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يحملُها ويضعُها. وقدْ ذهبَ إليهِ الشافعيُّ، ومنعَ غيرُه منْ ذلكَ وتأولُوا الحديثَ بتأويلات

بعيدةٍ منْها أنهُ خاصٌّ بهِ صلى الله عليه وسلم، ومنْها أن أُمامةَ كانتْ تعلقُ بهِ منْ دونِ فعل منهُ، ومنْها أنهُ للضرورةِ، ومنهمْ مَنْ قالَ: إنهُ منسوخٌ. وكلُّها دَعَاوى بغيرِ برهان واضحٍ. وقدْ أطالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في شرحِ العمدةِ

(4)

القولَ في هذَا وزدناهُ إيضاحًا في حواشيْها.

‌لا تبطل الصلاة بقتل الحية والعقرب فيها

22/ 214 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْتُلُوا

(1)

البخاري (516) و (5996)، ومسلم (543).

قلت: وأخرجه أبو داود (917 و 918 و 919 و 920)، والنسائي (2/ 45 رقم 711) و (3/ 10 رقم 1204 و 1205)، ومالك في "الموطأ"(1/ 170 رقم 81)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 263 رقم 741)، وأحمد (5/ 295 - 296)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 262 - 263) و (2/ 311 - 312).

(2)

في "صحيحه"(42/ 543).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

(1/ 238 - 242 رقم 13).

ص: 108

الأَسْوَدَيْنِ في الصَّلاةِ: الْحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ"، أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ

(1)

وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(2)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْتُلُوا الأَسْوَدَيْنِ في الصَّلَاةِ: الْحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ. أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ)، ولهُ شواهدُ كثيرةٌ

(3)

. والأسودانِ اسمٌ يطلقُ على الحيةِ والعقرب على أي لونٍ كانَا كما يفيدهُ كلامُ أئمةِ اللغةِ، [فلا]

(4)

يُتَوهَّمُ أنهُ خاصٌّ بذي اللونِ الأسودِ فيهمَا. وهوَ دليل على وجوبِ

(1)

وهم: أبو داود (921)، والترمذي (390)، والنسائي (3/ 10 رقم 1202)، وابن ماجه (1245).

(2)

في "الإحسان"(4/ 42 رقم 2346).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(3/ 267 رقم 744)، والطيالسي في "منحة المعبود"(1/ 109 رقم 502)، والحاكم (1/ 256)، والبيهقي (2/ 266)، والدارمي (1/ 354)، وأحمد في "المسند"(2/ 233، 248، 255، 473، 475، 490).

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

(3)

منها: حديث عائشة قالت: "كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلي في بيتي، فأقبلَ عليُّ بن أبي طالب فقام إلى جَنْبهِ عن يمينِهِ، فأقبلتْ عقربٌ نحوَ النبي صلى الله عليه وسلم فلما دنتْ منه صُدَّتْ عنه، ثمَ أقبلتْ نحو عليٍّ، فأخذَ النعلَ فقتلها وهو يُصلِّي. فلما قضى صلاتَهُ قال: قاتَلَهَا الله، أقبلتْ نحوَ النبي صلى الله عليه وسلم صُدَّتْ عنه، ثم أقبلتْ إليَّ تريدُني. فلم يَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بقتلِهَا في الصلاةِ بأسًا".

أخرجه أبو يعلى في "المسند"(8/ 184 رقم 383/ 4739) وإسناده ضعيف، والبيهقي (2/ 266) وإسناده ضعيف أيضًا.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 84) وقال: "رواه الطبراني في "الأوسط" وأبو يعلى، وفي طريق الطبراني: "عبد الله بن صال" كاتب الليث.

قال: عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة مأمون وضعفه الأئمة أحمد وغيره، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير معاوية بن يحيى الصدفي، وأحاديثه عن الزهري مستقيمة كما قال البخاري، وهذا منها. وضعفه الجمهور" اهـ.

قلت: إن هذا النقل عن البخاري غير مستقيم، قال البخاري في "التاريخ الكبير" (7/ 336):"معاوية بن يحيى الصدفي الدمشقي - وكان على بيت مال بالري - عن الزهري، روى عنه هقل بن زياد أحاديث مستقيمة كأنها من كتاب، روى عنه عيسى بن يونس، وإسحاق بن سليمان أحاديث مناكير كأنها من حفظه" اهـ.

(4)

في (أ): "و".

ص: 109

قتلِ الحيةِ والعقربِ في الصلاةِ إذْ هوَ الأصلُ في الأمرِ. وقيلَ: إنهُ للندبِ، وهو دليلٌ على أنْ الفعلَ الذي لا يتمُّ قتلُهُمَا إلَّا بهِ لا يبطلُ الصلاةَ سواءٌ كانَ بفعلٍ [يسير]

(1)

أوْ كثيرٍ، وإلى هذَا ذهبَ جماعةٌ منَ العلماءِ.

وذهبتِ الهادويةُ إلى أن ذلكَ يفسدُ الصلاةَ، وتأَوَّلُوا الحديثَ بالخروجِ منَ الصلاةِ قياسًا [على]

(2)

سائرِ الأفعالِ الكثيرةِ التي تَدْعُو إليها الحاجةُ وتعرضُ وهوَ يصلِّي، كإنقاذِ الغريقِ ونحوِه؛ فإنهُ يخرجُ لذلكَ منْ صلاتِهِ، وفيهِ لغيرِهم تفاصيلُ أخرُ لا يقومُ عليْها دليلٌ.

والحديثُ حجةٌ للقولِ الأولِ. وأحاديثُ الباب اثنانِ وعشرونَ، [وفي الشرحِ ستةٌ وعشرونَ]

(3)

.

* * *

(1)

في (ب): "قليل".

(2)

في (ب): "عن".

(3)

زيادة من (أ).

ص: 110

[الباب الرابع] باب سترة المصلِّي

‌تشديد الوعيد في المرور بين المصلي وسترته

1/ 215 - عَنْ أَبِي جُهَيمِ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي مَاذَا عَلَيهِ مِنَ الإثْم لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيرًا لهُ مِنْ أَن يَمُرَّ بَينَ يَدَيْهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، وَوَقَعَ في الْبَزَّارِ

(2)

مِنْ وَجْه آخَرَ: "أَربْعِينَ خَريفًا". [صحيح]

(عنْ أبي جُهَيمٍ) بضم الجيمِ، مصغرُ جهمٍ، وهوَ عبدُ اللَّهِ بنُ جهيمٍ. وقيلَ: هوَ عبدُ اللَّهِ بنُ الحارثِ بنُ الصِمَّةِ، بكسرِ المهملةِ وتشديدِ الميمِ، الأنصاريِّ، لهُ حديثان [يعني اتفق الشيخان على إخراجهما]

(3)

هذا أحدُهما، والآخرُ في السلامِ على مَنْ يبولُ. وقالَ فيهِ أبو داودَ: أبو الجهيمِ بنُ الحارثِ بنُ الصمةِ. وقدْ قيلَ: أن راويَ حديثِ البولِ رجلٌ آخرُ هوَ عبدُ اللَّهِ بنُ الحارثِ، والذي هنَا عبدُ اللَّهِ بنُ جُهَيْمٍ، وأنَّهما اثنانِ.

(قَالَ: قالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَي الْمُصَلَّي مَاذَا عَلَيْهِ الإثم) لفظُ مِنَ الإثم ليسَ منْ ألفاظِ البخاريِّ ولا مسلمٍ، بلْ قال المصنفُ في فتحِ

(1)

البخاري (510)، ومسلم (261/ 507).

قلت: وأخرجه أبو داود (701)، والترمذي (336)، والنسائي (2/ 66)، وابن ماجه (945)، ومالك في "الموطأ"(1/ 154 رقم 34)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 454 رقم 543)، وأحمد (4/ 169)، وأبو عوانة (2/ 44)، والبيهقي (2/ 268).

(2)

عزاه إليه الهيثمي في "المجمع"(2/ 61) وقال: رجاله رجال الصحيح.

(3)

زيادة من (أ).

ص: 111

الباري

(1)

: إنَّها لا توجدُ في البخاري إلَّا عندَ بعضِ رُواتِهِ، وقدحَ فيهِ بأنهُ ليسَ منْ أهلِ العلمِ، قالَ: وقدْ عِيْبَ على الطبريِّ نسبتُها إلى البخاريِّ في كتابه الأحكام، وكذَا عِيْبَ على صاحب العُمدةِ نسبتُها إلى الشيخينِ، معًا اهـ. فالعجبُ [منْ]

(2)

نسبةِ المصنفِ لها هنَا إلى الشيخينِ، فقدْ وقعَ لهُ منَ الوهمِ ما وقعَ لصاحبِ العمدةِ، (لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَربَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ). وليسَ فيهِ ذكرٌ مميزٌ الأربعينَ (ووقَعَ في الْبَزَّارِ) أي منْ حديثِ أبي جهيمٍ (مِنْ وَجْه آخَرَ) أي منْ طريق رجالها غيرِ رجالِ المتفقِ عليهِ (أَرْبَعِينَ خَريفًا) أي عامًا، أُطِلقَ الخريفُ على العامِ منْ إطلاقِ الجزءِ على الكلِّ.

والحديثُ دليلٌ على تحريمِ المرورِ بينَ يدي المصلِّي، أي ما بينَ موضع جبهتهِ في سجودهِ وقدميهِ، وقيلَ غيرُ هذَا، وهوَ عامٌّ في كلِّ مصلٍّ فرضًا أوْ نفلًا سواءٌ كانَ إمامًا أو منفردًا، وقيلَ يختصُّ بالإمامِ والمنفردِ إلَّا المأموم فإنهُ لا يضرهُ مَنْ مرَّ بينَ يديهِ، لأنَّ سترةَ الإمامِ سترةٌ لهُ، وإمامهُ سترةٌ لهُ. إلَّا أَنهُ قدْ رُدَّ هذَا القولُ بأنَّ السترةَ إنَّما تَرْفَعُ الحرجَ عن المصلّي لا [عن]

(3)

المارِّ، ثمَّ ظاهرُ الوعيدِ يختصُّ بالمارِّ لا بِمنْ وقفَ عامدًا مثلًا بينَ يدي المصلِّي، أوْ قعدَ، أو رَقَدَ. ولكنْ إذا كانتِ العلةُ فيهِ التشويشَ على المصلِّي فهوَ في معنى المارِّ.

2/ 216 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ - عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي، فَقَالَ:"مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْل"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

(4)

. [صحيح]

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَتْ: سُئِلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ: مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْل)، بضم الميمِ وهمزةٍ ساكنةٍ وكسرِ الخاءِ المعجمةِ. وفيْها لغاتٌ أُخرُ (الرَّحْل) هوَ العودُ الذي في آخرِ الرحلِ (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

وفي الحديث ندبٌ للمصلي إلى اتخاذِ سترةٍ، وأنهُ يكفيهِ مثلُ مؤخرةِ الرحلِ

(1)

(1/ 585).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (أ): "على".

(4)

في "صحيحه"(243، 244/ 500).

قلت: وأخرجه النسائي (2/ 62 رقم 746).

ص: 112

وهي قدرُ ثُلُثَي ذراعٍ، وتحصلُ بأيِّ شيءٍ أقامهُ بينَ يديهِ، قال العلماءُ

(1)

:

‌ما الحكمة من السترة؟

" والحكمةُ في السترةِ كفُّ البصرِ عما وراءَها، ومنعُ مَنْ [يجتازُ]

(2)

بقربهِ". وأُخِذَ مِنْ هذَا أنهُ لا يكفي الخطُّ بينَ يدي المصلّي وإنْ كانَ قدْ جاءَ به حديثٌ أخرجهُ أبو داودَ

(3)

إلَّا أنهُ ضعيفٌ مضطربٌ [ويأتي للمصنف تحسينه ورد قول من قال أنه مضطرب]

(4)

. وقدْ أخذَ بهِ أحمدُ بنُ حنبلٍ فقال: يكفي الخطُّ. وينبغي لهُ أن يدنُوَ منَ السترةِ ولا يزيدَ ما بينَهُ وبينَها على ثلاثةٍ أذُرع فإنْ لمْ يجدْ عَصًا أو نحوَها جمعَ أحجارًا، أوْ تُرَابًا، أو متاعَهُ. قال النوويُّ

(5)

: استحبَّ أهلُ العلمِ الدنوَّ مَن السترةِ بحيثُ يكونُ بينَهُ وبينَها قَدْرَ مكانِ السجودِ وكذلكَ بينَ الصفوفِ. وقدْ وردَ الأمرُ بالدنوِّ منْها، وبيانِ الحكمةِ في اتخاذِها، وهوَ ما رواهُ أبو داودَ

(6)

وغيرُه منْ حديثِ سهلٍ بن أبي حَثْمَةَ مرفوعًا: "إذا صلَّى أحدُكُم إلى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْها، لا يَقْطَعُ الشيطانُ عليه صلاتَهُ". ويأتي في الحديثِ الرابع ما يفيدُ ذلكَ. والقول بأنَّ أقلَّ السترةِ مثلُ مؤخرةِ الرحلِ يردُّهُ الحديثُ [الآتي]

(7)

:

‌مقدار ما يجزئ في السترة

3/ 217 - وَعَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنيِّ قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكمْ في الصلاةِ وَلَو بِسَهْم"، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ

(8)

. [حسن]

(1)

كما في "شرح صحيح مسلم بشرح النووي"(4/ 216).

(2)

في (أ): "تجاوز" وما في (ب)"موافق لما في شرح مسلم".

(3)

في "السنن"(1/ 443 رقم 689)، وإسناده ضعيف.

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في "المجموع شرح المهذب"(3/ 247).

(6)

في "السنن"(695).

قلت: وأخرجه النسائي (2/ 62 رقم 748)، وإسناده صحيح.

وقد صحَّح الألباني الحديث في صحيح أبي داود.

(7)

في (ب): "الرابع ما يفيد ذلك".

(8)

في "المستدرك"(1/ 252).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 278)، والطبراني في "الكبير" (7/ 114 =

ص: 113

‌ترجمة سبرة بن معبد

(وَعَنْ سَبْرَةَ)

(1)

بفتحِ السينِ [المهملة]

(2)

وسكونِ الموحدةِ، وهوَ أبو ثُرَيّة، بضمِّ المثلثةِ وفتحِ الراءِ وتشديدِ المثناةِ التحتيةِ، وهوَ سبرةُ (بن مَعْبَدٍ الْجُهَنيِّ)، سكنَ المدينةَ وعدادُهُ في البصريينَ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكُمْ في الصلَاةِ وَلَوْ بِسَهْم. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ). فيهِ الأمرُ بالسترةِ وحملهُ الجماهيرُ على الندبِ، وعرفتَ أن فائدةَ اتخاذِها أنهُ معَ اتخاذِها لا يقطعُ الصلاةَ شيءٌ، ومعَ عدمِ اتخاذِها يقطعُها ما يأتي. وفي قولهِ:(ولوْ بسهمٍ) ما يفيدُ أنَّها تجزئُ السترةَ غلظتْ أو دقتْ، وأنهُ ليسَ أقلُّها مثلَ مؤخرةِ الرحلِ كما قيلَ.

قالُوا: والمختارُ أنْ يجعلَ السترةَ عن يمينِهِ أو شمالِهِ ولا يصمدُ إليْها.

‌مرور الحمار والمرأة والكلب الأسود بين يدي المصلي

4/ 218 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقْطَعُ صَلاةَ الرّجُلِ الْمُسْلِمِ - إذَا لم يكُنْ بَينَ يَدَيْهِ مِثْلُ مُؤخِرَةِ الرَّحْلِ - الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الأسوَدُ - الحَدِيثَ"، وَفِيهِ:"الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيطَانٌ"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبي ذَرٍّ) بفتحِ الذالِ المعجمةِ وقدْ تقدمتْ ترجمتُه

(4)

(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَقْطَعُ صَلَاةَ المرءِ الْمُسْلِمِ) أي يفسدُها أو يقلِّلُ ثوابَها (إذَا لم يكُنْ

= رقم 6539 و 6540 و 6541 و 6542)، وأحمد (3/ 404)، وأبو يعلى في "المسند"(2/ 239 رقم 4/ 941).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 58) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(1)

انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(3/ 393 - 394 رقم 847)، والثقات لابن حبان (3/ 176)، و"التاريخ الكبير للبخاري"(4/ 187 رقم 2430)، و"الإصابة"(4/ 120 رقم 3081)، و"الاستيعاب"(4/ 129 رقم 908)، و"الطبقات لابن سعد"(4/ 348).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "صحيحه"(1/ 365 رقم 265/ 510).

(4)

في الحديث رقم (7/ 122).

ص: 114

بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْل مُؤخِرَةِ الرَّحْلِ)، أي مثلًا، وإلَّا فقدْ أجزأَ السهمُ كما عرفتَ، (الْمَرْأَةُ) هوَ فاعلُ يقطعُ أي مرورُ المرأةِ، (وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ، الحديث)، أي: أتمَّ الحديثَ. وتمامهُ: "قلتُ: فما بالُ الأسودِ منَ الأحمرِ منَ الأصفرِ من الأبيضِ؟ قالَ: يا ابنَ أخي، سألتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عما سألتني [عنه]

(1)

فقالَ: الكلبُ الأسودُ شيطانٌ". (وفيهِ: الكلبُ الأسودُ شيطانٌ)، الجارُّ يتعلقُ بمقدَّرٍ أي وقالَ [فيه]

(2)

، (أَخْرَجَه مُسْلِمٌ)، وأخرجهُ الترمذيُّ

(3)

، والنسائيُّ

(4)

، وابنُ ماجه

(5)

مختَصَرًا ومطولًا.

الحديثُ دليلٌ على أنهُ يقطعُ صلاةَ مَنْ لا سترةَ لهُ مرورُ هذهِ المذكوراتِ، وظاهرُ القطعِ الإبطالُ.

وقدِ اختلفَ العلماءُ في العملِ بذلكَ، فقالَ قومٌ:[يقطعهَا]

(6)

المرأةُ، والكلبُ الأسودَ دونَ الحمارِ، لحديثٍ وردَ في ذلكَ عن ابن عباس "أنهُ مرَّ بينَ يدي الصفِّ على حمارٍ - والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي - ولمْ يعدِ الصلاةَ، ولا أمرَ أصحابَه بإعادتِها"، أخرجهُ الشيخان

(7)

. فجعلوهُ مخصَّصًا لما هُنَا. وقال أحمدُ: يقطعُها الكلبُ الأسودُ. قالَ: وفي نفسي منَ المرأةِ والحمارِ، أمَّا الحمارُ فلحديثِ ابن عباسٍ، وأما المرأةُ فلحديثِ عائشةَ عندَ البخاريّ

(8)

أنَّها قالتْ: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلِّي منَ الليلِ وهيَ معترضةٌ [في قبلته]

(9)

؛ فإذا سجدَ غمزَ

(1)

زيادة من (أ).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في "السنن"(338).

(4)

في "السنن"(2/ 63 رقم 750).

(5)

في "السنن"(952).

قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(5/ 151)، والدارمي (329)، والبيهقي (2/ 274)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 462 رقم 551)، وأبو داود في "السنن"(702).

(6)

في (أ): "تقطعه".

(7)

البخاري (861)، ومسلم (254/ 504)، قلت: وأخرجه أحمد (1/ 219، 264)، وأبو داود (رقم 715)، والترمذي (337)، والنسائي (2/ 64)، وابن ماجه (947)، والبيهقي (2/ 277) وغيرهم.

(8)

في "صحيحه"(382).

قلت: وأخرجه مسلم (512)، وأحمد (6/ 126)، وأبو داود (712 و 714)، والنسائي (1/ 101 - 102)، وابن ماجه (956)، والبيهقى (2/ 275).

(9)

في (ب): "بين يديه".

ص: 115

رجليْها، فكفتْهُمَا فإذا قامَ بسطتْهُمَا"؛ فلوْ كانتِ الصلاةُ يقطعُها مرورُ المرأةِ لقطعَها اضطجاعُها بينَ يديهِ. وذهبَ الجمهورُ إلى أنهُ لا يقطعُها شيءٌ، وتأولُوا الحديثَ بأنَّ المرادَ بالقطعِ نقضُ الأجرِ لا الإبطالُ. قالُوا: لشغلِ القلب بهذهِ الأشياءِ. ومنهمْ مَنْ قالَ: هذَا الحديثُ منسوخٌ بحديثِ أبي سعيدٍ الآتي

(1)

: "لا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيءٌ"، ويأتي الكلامُ عليهِ. وقدْ وردَ:"أنهُ يقطعُ الصلاةَ اليهوديُّ، والنصراني، والمجوسيُّ، والخنزيرُ"، وهوَ ضعيف أخرجهُ أبو داودَ

(2)

منْ حديثِ ابن عباسٍ وضعَّفَهُ.

5/ 219 - وَلَهُ

(3)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ دُونَ الْكَلْبِ. [صحيح]

(وَلَهُ)، أي: لمسلمٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ)[دُونَ الْكَلْب]

(4)

، أي نحوَ حديثِ أبي ذرٍّ (دونَ الكدبِ) كذَا في نسخٍ بلوغِ المرامِ، ويريدُ أن لفظَ الكلبِ لمْ يذكرْ في حّديثِ أبي هريرةَ، ولكنْ راجعتُ الحديثَ فرأيتُ لفظَهُ في مسلمٍ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يقطعُ الصلاةَ المرأةُ، والحمارُ، والكلبُ، ويقي [منْ]

(5)

ذلكَ مثلُ مؤخِرَةِ الرَّحْلِ".

6/ 220 - وَلأَبِي دَاوُدَ

(6)

وَالنَّسَائِيِّ

(7)

عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ رضي الله عنهما نَحْوُهُ، دُونَ

آخِره. وَقَيّدَ الْمَرْأَةَ بِالْحَائِضِ. [ضعيف]

(1)

رقم الحديث (9/ 223).

(2)

في "السنن"(1/ 453 رقم 704).

وقال أبو داود: في نفسي من هذا الحديث شيء. كنت أذاكر به إبراهيم وغيره فلم أر أحدًا جاء به عن هشام ولا يعرفه، ولم أر أحدًا جاء به عن هشام وأحسب الوهم من ابن أبي سمينة - يعني محمد بن إسماعيل البصري مولى بني هاشم - والمنكر فيه ذكر المجوسي. وفيه:"على قذفةٍ بحجر"، وذكر الخنزير وفيه نكارة.

قال أبو داود: ولم أسمع هذا الحديث إلا من محمد بن إسماعيل - ابن أبي سمينة - وأحسبه وهم، لأنه كان يحدثنا من حفظه.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف.

(3)

أي لمسلم في "صحيحه"(رقم 266/ 511).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في "السنن"(703).

(7)

في "السنن"(2/ 64 رقم 751).

ص: 116

(وَلأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحوهُ دُونَ آخرِهِ. وَقَيّدَ الْمَرْأَةَ بِالْحَائِضِ). في أبي داودَ عنْ شعبةَ قالَ: حدثنَا قتادةُ قالَ: سمعتُ جابرَ بنَ زيدٍ يحدثُ عن ابن عباسٍ رفعهُ شعبةُ قالَ: "يقطعُ الصلاةَ المرأةُ الحائضُ والكلبُ"، وأخرجهُ النسائيُّ

(1)

، وابنُ ماجه

(2)

. وقولُهُ: (دونَ آخرهِ) يريدُ أنهُ ليسَ في حديثِ ابن عباسٍ آخرُ حديثِ أبي هريرةَ الذي في مسلمٍ

(3)

، وهوَ قولَهُ:"ويقي منْ ذلكَ مِثْلُ مُؤخِرَةِ الرَّحْلِ"؛ فالضميرُ في آخرهِ في عبارةِ المصنفِ لآخرِ حديثِ أبي هريرةَ، معَ أنهُ لم يأتِ بلفظهِ كما عرفتَ، ولا يصحُّ أنهُ يريدُ دونَ آخرِ حديثِ أبي ذرٍّ

(4)

كما لا يخْفَى منْ أَنَّ حقَّ الضمير عودُهُ إلى الأقرب، ثمَّ راجعتُ سننَ أبي داودَ

(5)

وإذا لفظُهُ: "يقطعُ الصلاةَ المرأةُ الحائضُ والكلبُ" اهـ. فاحتملتْ عبارةُ المصنفِ أن مرادَهُ دونَ آخرِ حديثِ أبي ذرٍّ، وهوَ قولُهُ:"الكلبُ الأسودُ شيطانٌ"، أوْ دونَ آخرِ حديثِ أبي هريرةَ، وهوَ ما ذكرناهُ. والأولُ أقربُ؛ لأنهُ ذكرَ لفظَ حديثِ أبي ذرٍّ دونَ لفظِ حديثِ أبي هريرةَ، وإنْ صحَّ أنْ يعيدَ إليهِ الضميرَ، وإنْ لم يذكرْهُ إحالةً على الناظرِ، واللَّه أعلم.

وتقييدُ المرأةِ بالحائضِ يقتضي معَ صحةِ الحديثِ حملُ المطلقِ على المقيدِ، فلا تقطعُ إلا الحائضُ كما أنهُ أُطْلِقَ الكلبُ عنْ وصفِهِ بالأسودِ في بعضِ الأحاديثِ، وقيدَ في بعضهِا بهِ، وحملوا المطلقَ على المقيدِ وقالُوا: لا يقطعُ إلَّا الأسودُ، فتعينَ في المرأةِ الحائضِ [والأسود]

(6)

حملُ المطلقِ على المقيدِ

(7)

.

‌يدفع المصلي المار بين يديه بلطف فإن لم يندفع دفعهُ بشدة

7/ 221 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكمْ إِلَى شَيءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَينَ يَدَيْهِ فَلْيَدفَعْهُ،

(1)

رقم (751) وقد تقدم آنفًا.

(2)

في "السنن"(949)، قلت: حديث ابن عباس: ضعيف.

(3)

رقم (266/ 511) وقد تقدم آنفًا.

(4)

رقم (4/ 218) وقد تقدم.

(5)

رقم (703) وقد تقدم آنفًا.

(6)

زيادة من (أ).

(7)

انظر المجموع للإمام النووي (3/ 250 - 251).

ص: 117

فَإنْ أَبى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإنَّمَا هُوَ شَيطَانٌ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. وفي رِوَايَةٍ

(2)

: "فَإِن مَعَهُ الْقَرِينَ". [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرَيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا صَلَّى أحَدُكمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْترهُ مِنَ النَّاسِ) مما سلفَ تعيينهُ منَ السترةِ وقدْرِها، وقدرِ كَمْ يكونُ بينَها وبينَ المصلِّي (فَأَرَادَ أحَد أَنْ يَجْتَازَ) أي: يمضي (بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدفَعْهُ) ظاهرهُ وجوبًا، (فَإِنْ أَبَى) أي عن الاندفاعِ (فَلْيُقَاتِلْه) ظاهرهُ كذلك، (فَإِنَّمَا هوَ شَيْطَانٌ)؛ تعليلٌ للأمرِ بقتالهِ، أو لعدمِ اندفاعهِ، أو لهمَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وفِي رِوَايَةٍ) أي لمسلمٍ منْ حديثِ أبي هريرةَ:(فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ). في القاموسِ

(3)

: القرينُ الشيطانُ المقرونُ بالإِنسانِ لا يفارقهُ. وظاهرُ كلام المصنفِ أن روايةَ: (فإن معهُ القرينَ) متفقٌ عليْها بينَ الشيخينِ منْ حديثِ أَبي سعيدٍ، ولمْ أجدْها في البخاريِّ، ووجدتُها في صحيحِ مسلمٍ، لكنْ مِنْ حديثِ أبي هريرةَ. والحديثُ دالٌ بمفهومهِ [على]

(4)

أنهُ إذا لمْ يكنْ للمصلِّي سترةٌ فليسَ لهُ دفعُ المارِّ بينَ يديهِ، وإذا كانَ لهُ سترةٌ دفعهُ. قالَ القرطبيُّ: بالإشارةِ ولطيفِ المنعِ، [فإنْ]

(5)

لمْ يمتنعْ عن الاندفاعِ قاتلَهُ أي [دفعهُ]

(6)

دفْعًا أشدَّ منَ الأولِ. قالَ: وأجمَعُوا أنهُ لا يلزمُ أنْ يقاتلهُ بالسلاحِ لمخالفةِ ذلكَ قاعدةَ الصلاةِ منَ الإقبالِ عليْها، والاشتغالِ بها والخشوع. هذَا كلامُه. وأطلقَ جماعةٌ أن له قتالَه حقيقةً، وهوَ ظاهرُ اللفظِ. والقولُ بأَنهُ يدفعهُ بلعنهِ وسبِّهِ، يردهُ لفظُ هذَا الحديثِ، ويؤيدُه فعلُ أبي سعيدٍ راوي الحديثِ معَ الشابِّ الذي أرادَ أنْ يجتازَ بينَ يديهِ وهوَ يصلِّي، أخرجهُ البخاريّ

(7)

عنْ

(1)

البخاري (509)، ومسلم (259/ 505).

قلت: وأخرجه أبو داود (700)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 460 - 461)، والبيهقي (2/ 267)، ومالك في "الموطأ"(1/ 154 رقم 33)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 455 رقم 544)، وابن خزيمة (2/ 15 رقم 817)، وأحمد (3/ 63).

(2)

أي لمسلم في "صحيحه"(260/ 506) من حديث ابن عمر. وليست من حديث أبي سعيد كما قال ابن حجر، ولا من حديث أبي هريرة كما قال الأمير الصنعاني.

(3)

"المحيط"(ص 1579).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في (أ): "فإذا".

(6)

في (أ): "دافعه".

(7)

في "صحيحه"(509).

ص: 118

أبي صالحٍ السمانِ قالَ: "رأيتُ أبا سعيدٍ الخُدريِّ في يومِ جُمعةٍ يُصلّي إلى شيءٍ يَسْترُه منَ الناسِ، فأرادَ شابٌّ منْ بنِي أبي مُعَيْطٍ أنْ يجتازَ بينَ يدِيه فدفعَهُ أبو سعيدٍ في صدرهِ، فنظرَ الشابُّ فلمْ يجدْ مَسَاغًا إلَّا بينَ يديهِ فعادَ ليجتازَ فدفعَهُ أبو سعيدٍ أشدَّ منَ الأولى - الحديثَ". وقيلَ يردهُ بأسهلِ الوجوهِ، فإنْ أَبَى فبأشدَّ، ولوْ أدَّى إلى قتلهِ، فإنْ قَتَلَهُ فلا شيءَ عليهِ؛ لأنَّ الشارعَ أباحَ قتلَهُ. والأمرُ في الحديثِ، وإنْ كانَ ظاهرُه الإيجابُ لكنْ قالَ النووي

(1)

: لا أعلمُ أحدًا منَ الفقهاءِ قالَ بوجوبِ هذَا الدفعِ، بلْ صرحَ أصحابُنا بأنهُ مندوبٌ. ولكنْ قالَ المصنفُ: قدْ صرحَ بوجوبهِ أهلُ الظاهرِ، وفي قولهِ:(فإنَّما هوَ شيطانٌ) تعليل بأنَّ فعلَه فعلُ الشيطانِ في إرادةِ التشويشِ على المصلِّي، وفيهِ دلالة على جوازِ إطلاقِ لفظِ الشيطانِ على الإنسانِ الذي يريدُ إفسادَ صلاةِ المصلِّي وفِتْنَتِهِ في دينهِ كما قالَ تعالى:{شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}

(2)

. وقيلَ: المرادُ بأنَّ الحاملَ لهُ على ذلكَ شيطانٌ، ويدلُّ لهُ روايةُ مسلمٍ

(3)

: (فإنَّ معهُ القرينُ). وقدِ اختُلِفَ في الحكمةِ المقتضيةِ للأمرِ بالدفعِ فقيلَ: لدفعِ الإثم عن المارِّ، وقيلَ:[لدفعِ الخلل]

(4)

الواقعِ بالمرورِ في الصلاةِ، وهذا الأرجحُ لأَنَّ عنايةَ المصلِّي بصيانةِ صلاتِهِ أهمّ منْ دفعهِ الإثمَ عنْ غيرِه.

قلتُ: ولو قيلَ: إنهُ لهما معًا لما بَعُدَ فيكونُ لدفعِ الإثمِ عن المارِّ الذي أفادهُ حديثُ: "لو يعلمُ المارُّ"

(5)

، ولصيانةِ الصلاةِ عن النقصانِ مِنْ أجرِها، فقدْ أخرجَ أبو نعيم

(6)

عنْ عمرَ: "لو يعلمَ المصلي ما ينقصُ منْ صلاتِهِ بالمرورِ بينَ يديهِ ما صلَّى إلَّا إلى شيءٍ يسترهُ مِنَ الناسِ". وأخرجَ ابنُ أبي شيبةَ

(7)

(1)

في "شرحه لصحيح مسلم"(4/ 223).

(2)

سورة الأنعام: الآية 112.

(3)

المتقدمة (رقم: 260/ 506) من حديث ابن عمر.

(4)

في (أ): "للخلل".

(5)

أخرجه مالك (1/ 154 رقم 34)، والبخاري (510)، ومسلم (261/ 507)، وأبو داود (701)، والترمذي (236)، والنسائي (2/ 66)، وابن ماجه (945) من حديث أبي الجهم.

(6)

عزاه إليه ابن حجر في "الفتح"(1/ 584).

(7)

في "المصنف"(1/ 282).

وقال ابن حجر في "الفتح": "فهذان الأثران - أي أثر عمر وابن مسعود - مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي، ولا يختص بالمار، وهما وإن كانا موقوفين لفظًا فحكمهما حكم الرفع، لأن مثلهما لا يقال بالرأي" اهـ.

ص: 119

عن ابن مسعودٍ: "إنَّ المرورَ بينَ يدي المصلِّي يقطعُ نصفَ صلاتهِ"، ولهما حكمُ الرفعِ وإنْ كانا موقوفينِ، إلَّا أنهُ في الأولِ فيمنْ لمْ يتخذْ سترةً، والثاني مطلقٌ فيحملُ عليهِ. وأمَّا مَنِ اتخذَ السترةَ فلا نقصَ في صلاتهِ بمرورِ المارِّ لأنهُ قدْ صرَّحَ الحديثُ أنهُ معَ اتخاذِ السترةِ لا يضرُّهُ مرورُ مَنْ مرَّ، فأمرهُ بدفعهِ للمارِّ لعلَّ وجهَهُ إنكارُ المنكرِ على المارِّ لتعدِّيه ما نهاهُ عنهُ الشارعُ، ولذا يقدَّمُ الأخفُّ على الأغلظِ.

8/ 222 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءِ وجْهِهِ شَيئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلْيَخُطَّ خَطًا، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَن مَرَّ بَينَ يَدَيْهِ"، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَابْنُ مَاجَهْ

(2)

، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبّان

(3)

، وَلَمْ يُصِبْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُضْطَّرِبٌ، بَلْ هُوَ حَسَنٌ

(4)

. [ضعيف]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلْيَخطَّ خَطًا، ثمَّ لَا يَضُرُّهُ مَن مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبّان. وَلَمْ يُصِبْ مَنْ زَعَمَ) وهوَ ابنُ الصلاحِ

(5)

(أَنَّهُ مُضْطَّرِبٌ)؛ فإنهُ أوردهُ مثالًا للمضطربِ

(1)

في "المسند"(2/ 249).

(2)

في "السنن"(1/ 303 رقم 943).

(3)

في "الإحسان"(4/ 49 رقم 2369).

قلت: وأخرجه أبو داود (689)، والطيالسي (ص 338 رقم 2592)، والبيهقي (2/ 270)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 451 رقم 541) وقال: في إسناده ضعيف.

(4)

بل هو ضعيف.

قال ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 199): "وهذا الحديث عند أحمد بن حنبل ومن قال بقوله، حديث صحيح، وإليه ذهبوا، ورأيت أن علي بن المديني كان يصحِّح هذا الحديث ويحتج به، وقال أبو جعفر الطحاوي إذا ذكر هذا الحديث: أبو عمرو بن محمد بن حُرَيْث، هذا مجهول، وجدُّه أيضًا مجهول، ليس لهما ذكر في غير هذا الحديث، ولا يحتج بمثل هذا من الحديث" اهـ.

وقال السيوطي في "تدريب الراوي"(1/ 264): "وقد حكى تضعيف هذا الحديث عن ابن عيينة، فقال عنه: لم نجد شيئًا نشدّ به هذا الحديث، ولم يجئ إلا من هذا الوجه، وضعَّفه أيضًا الشافعي والبيهقي والنووي في الخلاصة" اهـ.

(5)

في "علوم الحديث" تحقيق وشرح الدكتور: نور الدين عتر (ص 94 - 95).

ص: 120

[فيهِ]

(1)

. (بَلْ هُوَ حَسَنٌ) ونازعَهُ المصنف في النكتِ. وقدْ صححهُ أحمدُ وابنُ المديني

(2)

. وفي مختصرِ السننِ

(3)

قالَ سفيانُ بنُ عيينةَ: لمْ نجدْ شيئًا نشدُّ بهِ هذَا الحديثَ، ولم يجئْ إلَّا مِنْ هذَا الوجهِ، وكانَ إسماعيلُ بنُ أميةَ إذَا حدَّثَ بهذا الحديثِ يقولُ: هلْ عندكمْ شيءٌ تشدونهُ بهِ؟ وقدْ أشارَ الشافعيُّ إلى ضعفهِ. وقال البيهقيُّ: لا بأسَ بهِ في مثلِ هذا الحكمِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.

والحديثُ دليلٌ على أن السترةَ تجزئُ بأي شيءٍ كانتْ. وفي مختصر السنن (3) قال سفيانُ بنُ عيينةَ: رأيتُ شُرَيكًا صلَّى بِنَا في جنازةٍ العصرَ فوضعَ قَلنْسُوَتَهُ بينَ يدَيهِ

(4)

. وفي الصحيحينِ

(5)

مِنْ روايةِ ابن عمرَ أنهُ صلى الله عليه وسلم "كانَ يعرضُ راحلتَهُ فيصلِّي إليها". وقدْ تقدمَ أنهُ [أي المصلِّي]

(6)

إِذَا لَمْ يجدْ جَمَعَ ترابًا أو أحجارًا. واختارَ أحمدُ بنُ حنبلٍ أنْ يكونَ الخطُّ كالهلال. وفي قولهِ: (ثمَّ لا يضرُّهُ شيءٌ) ما يدلُّ أنهُ يضرُّهُ إذا لم يفعلْ إمَّا بنقصانٍ منْ صلاتهِ، أو بإبطالِها على ما ذكرَ أنهُ يقطعُ الصلاةَ، إذْ في المرادِ بالقطعِ الخلافُ كما تقدمَ. وهذا فيما إذا كانَ المصلِّي إمامًا أو منفردًا لا إذا كانَ مؤتَمًّا؛ فإنَّ الإِمامَ سترةٌ لهُ أو سترتُه سترةٌ لهُ [كما سلف]

(7)

قريبًا. وقد بوبَ لهُ البخاريُّ

(8)

، وأبو داودَ

(9)

. وأخرجَ الطبراني في الأوسطِ

(10)

مِنْ حديثِ أنسٍ مرفُوعًا: "سترةُ الإمامِ [سترةٌ]

(11)

لمِنْ خلْفَهُ"، وإنْ كانَ فيهِ ضعيفٌ. واعلمْ أن الحديثَ عامٌ في الأمرِ باتخاذِ السترةِ في الفضاءِ وغيرِه، فقدْ ثبتَ أنهُ صلى الله عليه وسلم "كانَ إذا صلَّى إلى جدارٍ جعلَ بينَهُ وبينَهُ قَدْرِ ممرّ الشاةِ"

(12)

، ولمْ يكنْ يتباعدُ منهُ بلْ أمرَ بالقربِ منَ السترةِ، وكانَ إذا صلَّى إلى

(1)

زيادة من (أ).

(2)

كما في "التلخيص الحبير"(1/ 286 رقم 460).

(3)

للمنذري (1/ 340).

(4)

أي في فريضة حضرت.

(5)

البخاري (507)، ومسلم (502).

(6)

زيادة من (أ).

(7)

في (ب): "وقد سبق".

(8)

في "صحيحه"(1/ 571) رقم الباب: (90).

(9)

في "السنن"(1/ 455) رقم الباب (111).

(10)

عزاه إليه الهيثمي في "المجمع"(2/ 62) وقال: فيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف.

(11)

زيادة من (أ).

(12)

أخرجه البخاري (496)، ومسلم (262/ 508)، وأبو داود في "السنن"(696) من حديث سهل.

ص: 121

عودٍ أو عمود أو شجرةٍ جعلَهُ على جانبهِ الأيمن أو الأيسرِ، ولم يصمدْ لهُ صمْدًا، وكانَ يُرْكِزُ الحربةَ في السفرِ أو العنَزةِ فيصلِّي إليها فتكونُ سترتُهُ، وكانَ يعرضُ راحلتَهُ فيصلِّي إليها. وقاسَ الشافعيةُ على ذلكَ بسطَ المصلِّي لنحوِ سجادةٍ بجامعِ إشعارِ [المار]

(1)

أنهُ في الصلاةِ وهوَ صحيحٌ.

9/ 223 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ شَيءٌ، وَادْرَأُوا مَا اسْتَطَعْت"، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وفي سَنَدِهِ ضَعْفٌ

(2)

. [ضعيف]

(وَعَنْ أَبي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيءٌ وَادْرَأُوا مَا اسْتَطَعْتم. أَخْرَجَهُ أَبو دَاوُدَ، وفي سَنَدِهِ ضَعْفٌ). في مختصرِ المنذريِّ

(3)

: في إسنادهِ مجالدُ، وهوَ ابن سعيدِ بنَ عميرٍ الهمداني الكوفي، وقد تكلمَ فيهِ غيرُ واحدٍ

(4)

، وأخرجَ لهُ مسلمٌ حديثًا مقرونًا بغيرِه منْ أصحابِ الشعبيِّ. وأخرجَ نحوَه أيضًا الدارقطني منْ حديثِ أنسٍ

(5)

وأبي أمامةَ

(6)

، والطبرانيُّ

(7)

منْ حديثِ جابرٍ، وفي إسنادِهِما ضعفٌ.

وهذَا الحديثُ معارضٌ لحديثِ أبي ذرٍّ وفيهِ: أنهُ يقطعُ صلاةَ مَنْ ليسَ لهُ سترةٌ، المرأةُ والحمارُ والكلبُ الأسودُ. ولما تعارضَ الحديثانِ اختلفَ نظرُ

(1)

في "المطبوع"[الكفار] والصواب ما أثبتناه.

(2)

في "السنن"(1/ 460 رقم 719).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(2/ 461 رقم 550)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 190)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 280).

(3)

(1/ 350).

(4)

قال أحمد: ليس بشيء. وقال ابن معين وغيره: لا يحتج به.

انظر: ["الميزان" (3/ 438) و"المجروحين" (3/ 10)].

(5)

أخرجه الدارقطني في "السنن"(1/ 367 رقم 3). بسند ضعيف. انظر: "التعليق المغني".

(6)

أخرجه الدارقطني في "السنن"(1/ 368 رقم 6)، والطبراني في "الكبير"(8/ 193 رقم 7688)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 62) وقال: إسناده حسن. قلت: كيف يكون إسناده حسن وفيه "عفير بن معدان" ليس بثقة.

(7)

في "الأوسط" كما في "المجمع"(2/ 62) وقال: فيه يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف. وقد ذكره ابن حبان في "الثقات".

ص: 122

العلماءِ فيهمَا، فقيلَ: المرادُ بالقطعِ في حديثِ أبي ذرٍّ نقصُ الصلاةِ لشغلِه القلبَ بمرورِ المذكورات، وبعدم القطع في حديث أبي سعيدٍ عدمُ البطلانِ، أي أنهُ لا يبطلُها شيءٌ، وإنْ نقصَ ثوابُها بمرور ما ذكر في حديث أبي ذر.

وقيلَ: حديثُ أبي سعيدٍ

(1)

هذَا ناسخ لحديثِ أبي ذرٍّ، وهذَا ضعيفٌ لأنهُ لا نسخَ معَ إمكانِ الجمعِ لما عرفتَ؛ ولأنهُ لا يتمُّ النسخُ إلَّا بمعرفةِ التاريخِ، ولا يعلمُ هنَا المتقدمُ منَ المتأخرِ، على أنهُ لو تعذرَ الجمعُ بينَهما لرجعَ إلى الترجيحِ، وحديثُ أبي ذرٍّ أرجحُ لأنهُ أخرجهُ مسلمٌ في صحيحهِ، وحديثُ أبي سعيدٍ في سندهِ ضعفٌ كما عرفتَ.

* * *

(1)

قلت: حديث أبي سعيد حديث ضعيف لا يُعتد به في الأحكام.

ص: 123

[الباب الخامس] بابُ الحثِّ على الخشوعِ في الصلاة

في القاموس

(1)

: الخشوعُ الخضوعُ أو قريبٌ منَ الخضوعِ، أو هوَ في البدنِ، والخشوعُ في الصوتِ، والبصرِ والسكونِ والتذللِ. وفي الشرحِ: الخضوعُ تارةً يكونُ في القلبِ، وتارةً يكونُ من قِبَلِ البدنِ، كالسكوتِ. وقيلَ: لا بدَّ منِ اعتبارهِما. حكاهُ الفخرُ الرازيُّ في تفسيرِه. ويدل على أنهُ منْ عملِ القلبِ حديثُ عليٍّ عليه السلام: "الخشوعُ في القلبِ"، أخرجهُ الحاكم

(2)

.

قلت: ويدلُّ لهُ حديثُ: "لو خشعَ قلبُ هذَا لخشعتْ جوارحُهُ"

(3)

، وحديثُ الدعاءِ في الاستعاذةِ:"وأعوذُ بكَ منْ قلبٍ لا يخشعُ"

(4)

. وقدِ اختُلِفَ في وجوبِ الخشوعِ في الصلاةِ؛ فالجمهورُ على عدمِ وجوبهِ. وقدْ أطالَ الغزاليُّ في

(1)

"المحيط"(ص 921).

(2)

في "المستدرك"(2/ 293) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وأورده ابن حجر في "الفتح"(2/ 225) وعزاه للحاكم وسكت عليه. وكذلك سكت عليه الشيخ مقبل في "المستدرك"(2/ 462 - 463 رقم 3539).

(3)

وهو حديث موضوع.

أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(ص 317)، من حديث أبي هريرة، وأورده السيوطي في "الجامع الصغير"(5/ 319 رقم 7447 - مع الفيض) ورمز لضعفه. وانظر كلام المناوي على الحديث.

وقد حكم عليه الألباني في "إرواء الغليل"(2/ 92 رقم 373) بالوضع.

قلت: وأخرجه موقوفًا ابن المبارك في "الزهد"(ص 419 رقم 1188): "أخبرنا معمر عن رجل عن سعيد بن المسيب به"، ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي شيبة.

(4)

وهو جزء من حديث زيد بن أرقم أخرجه مسلم (73/ 2722)، وأحمد (4/ 371)، والنسائي (8/ 260).

ص: 124

الإحياء

(1)

الكلامَ في ذلكَ، وذكرَ أدلةَ وجوبهِ، وادَّعَى النوويُّ

(2)

الإجماعَ على عدمِ وجوبِه.

‌النهي عن الاختصار في الصلاة لأنه فعل اليهود

1/ 224 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجلُ مُخْتَصِرًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَجْعَل يَدهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ.

(عَنْ أَبِي هرَيْرَةَ رضي الله عنه: نَهي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) هذَا إخبارٌ مِنْ أبي هريرةَ عنْ نهيهِ صلى الله عليه وسلم ولمْ يأتِ بلفظهِ الذي أفادَ النهيَ، لكنَّ هذَا لهُ حكمُ الرفعِ (أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجلُ)، ومثلهُ المرأةُ (مُخْتَصِرًا) بضمِ الميمِ وسكونِ الخاءِ المعجمةِ، وفتحِ المثناةِ الفوقيةِ، فصادٍ مهملةٍ مكسورةٍ فراءٍ، وهوَ منتصِبٌ على الحالِ، وعاملُه يصلِّي، وصاحبُها الرجلُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظ لِمسْلِمٍ) وفسَّرهُ المصنفُ [أيضًا]

(4)

بقولهِ: (وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَجْعَل يَدَهُ) اليُمنَى أو اليُسْرى (عَلَى خَاصِرَتِهِ) كذلكَ، [أي الخاصرةِ اليمنى أو اليسرى](4)، أو هُما معًا عليهمَا، إلا أن تفسيرَهُ بما ذكرَ يعارضُهُ ما في القاموسِ

(5)

منْ قولهِ: وفي الحديثِ: "المختصِرونُ يومَ القيامةِ على وجوهِهمْ النورُ"

(6)

، أي المصلونَ بالليلِ؛ فإذا تعبُوا وضعُوا أيديَهم على خواصرِهم اهـ.

(1)

(1/ 159 - 172).

(2)

في "المجموع"(4/ 313).

(3)

البخاري (1219 و 1220)، ومسلم (46/ 545).

قلت: وأخرجه أبو داود (947)، والترمذي (383)، والنسائي (2/ 127 رقم 890)، وأحمد (2/ 399)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 48).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

"المحيط"(ص 492).

(6)

لم أعثر عليه.

قال أبو بكر محمد بن المنذر في "الأوسط"(3/ 262): "وقد ذكر بعض أهل العلم أن الصلاة التي من أجلها نهي عن الاختصار في الصلاة، أن ذلك راحة أهل النار. ورووا فيه حديثًا عن أبي هريرة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الاختصار في الصلاة راحة أهل النار"، أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (2/ 57 رقم 909) بإسناد صحيح - وممن كره الاختصار في الصلاة ابن عباس، وعائشة أم المؤمنين، ومجاهد، وأبو مجلز، والنخعي، ومالك، والأوزاعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي. =

ص: 125

إلا [أنني]

(1)

لم أجدِ الحديثَ مخرَّجًا؛ فإنْ صحَّ فالجمعُ بينَهُ وبينَ حديثِ الكتابِ أنْ يتوجَه النهيُ إلى مَنْ فعلَ ذلكَ [بغير]

(2)

تعب كما يفيدُهُ قولُهُ في تفسيرِه: فإذا تعبُوا، إلَّا أنَّهُ يخالفُه تفسيرُ النهايةِ، فإنهُ قالَ أرادَ أنّهم يأتونَ ومعَهم أعمالٌ صالحةٌ يتكئونَ عليها. في القاموس

(3)

: الخاصِرَةُ الشاكِلَةُ، وما بينَ الحَرْقَفَةِ والقُصَيْرَى. وفسَّرَ الحَرْقَفَةَ بعظمِ الحجبةِ أي رأسِ الوركِ. وهذا التفسيرُ الذي ذكرَهُ المصنفُ عليهِ الأكثرُ. وقيلَ: الاختصارُ في الصلاةِ هوَ أن يأخذَ بيدِهِ عَصَا يتوكأ عليْها، وقيلَ: أن يختصرَ السورةَ، ويقرأ من آخرِها آية أو آيتينِ. وقيلَ: أن يحذفَ منَ الصلاةِ فلا يمدُّ قيامَها، وركوعَها، وسجودَها، وحدودَها. والحكمةُ في النهي عنهُ بيّنها قولُهُ:

2/ 225 - وَفي الْبُخَارِيِّ

(4)

عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ ذلِكَ فِعْلَ الْيَهُودِ في صَلَاتِهِمْ. [صحيح]

(وَفي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ ذلِكَ) أي: الاختصارُ في الصلاةِ (فِعْلَ الْيَهُودِ في صَلَاتِهِمْ)، وقدْ نُهِينَا عن التشبهِ بهمْ في جميعِ أحوالِهم، فهذَا وجهُ حكمةِ النهي لا ما قيلَ إنهُ فعلُ الشيطانِ، أوْ إنَّ إبليسَ أُهْبِطَ مِنَ الجنةِ كذلكَ، أوْ إنهُ فِعْلُ المتكبرينَ؛ لأنَّ هذه عللٌ تخمينيةٌ، وما وردَ منصوصًا أي عن الصحابيِّ، [هوَ العمدةُ لأنهُ أعرف]

(5)

بسببِ الحديثِ، ويحتملُ أنهُ مرفوعٌ [وهو العمدة]

(6)

، وما وردَ في الصحيحِ مقدمٌ على غيرِه لورودِ هذهِ الأشياءِ أثرًا.

وفي ذكرِ المصنفِ للحديثِ في بابِ الخشوعِ ما يشعرُ بأنَّ العلةَ في النهي عن الاختصارِ أنهُ ينافي الخشوعَ.

‌يقدم العَشاء إذا حضر على الصلاة

3/ 226 - وَعَنْ أَنَسٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ

= انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 47 - 48)، و"المصنف" لعبد الرزاق (2/ 3/ 21 - 275) اهـ.

(1)

في (ب): "أني".

(2)

في (أ): "لغير".

(3)

"المحيط"(ص 492).

(4)

في "صحيحه"(3458).

(5)

في (أ): "فإنه عارف".

(6)

زيادة من (أ).

ص: 126

فَابْدَأُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلوا الْمَغْرِبَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْ أنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ) ممدودٌ كسماءٍ، طعامُ العشيِّ كما في القاموس

(2)

، (فَابْدَأوا بِهِ) أي بأكلهِ، (قَبْلَ أَنْ تصَلُّوا الْمَغْرِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وقدْ وردَ بإطلاقِ لفظِ الصلاةِ. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: فيحملُ المطلقُ على المقيدِ، ووردَ بلفظِ

(3)

: "إذا وُضِعَ العشاءُ وأحدُكم صائمٌ" فلا يقيدُ بهِ لما عرفَ في الأصولِ منْ أن ذكرَ حكم الخاصِّ الموافقِ لا يقتضي تقييدًا ولا تخصيصًا. والحديثُ دالٌّ على إيجابِ تقديمِ أكلِ العَشَاءِ إذا حضرَ على صلاةِ المغربِ. والجمهورُ حملوهُ على الندبِ. وقالتِ الظاهريةُ: بلْ يجبُ تقديمُ أكلِ العَشَاءِ، فلوْ قدمَ الصلاةَ [بطلت]

(4)

عملًا بظاهرِ الأمرِ. ثمَّ الحديثُ ظاهرٌ [في]

(5)

أنهُ يقدمُ العشاءُ مطلقًا، سواءً كانَ محتاجًا إلى الطعام أوْ لا، وسواءٌ خشيَ فسادَ الطعامِ أو لا، وسواءً كانَ خفيفًا أوْ لَا. وفي [تأويل]

(6)

الحديثِ تفاصيلُ أخرُ بغيرِ دليلٍ، بلْ تتبَّعُوا علةَ الأمرِ بتقديمِ الطعامِ فقالُوا:[هوَ]

(7)

تشويشُ الخاطرِ بحضورِ الطعامِ، وهو يُفْضِي إلى ترك الخشوعِ في الصلاةِ، وهي علةٌ ليسَ عليْها دليل إلَّا ما يُفْهَمُ مِنْ كلامِ بعضِ الصحابةِ؛ فإنهُ أخرجَ ابنُ أبي شيبةَ

(8)

عنْ أبي هريرةَ وابنِ عباسٍ "أنَّهما كانَا يأكلانِ طعامًا، وفي التنورِ شواءٌ، فأرادَ المؤذنُ أنْ يقيمَ الصلاةَ، فقالَ لهُ ابنُ عباسٍ: لا تعجلْ لا نقوم وفي أنفسِنا منهُ شيءٌ"، وفي روايةٍ

(9)

: "لئلَّا يعرضُ لنا في صلاتِنا". وله

(10)

عن الحسنِ بن عليّ عليه السلام أنهُ

(1)

البخاري (672) و (9/ 584 رقم 5463)، ومسلم (64/ 557).

قلت: وأخرجه الترمذي (2/ 184 رقم 353) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (2/ 11 رقم 853).

(2)

"المحيط"(ص 1691).

(3)

ذكره ابن حجر في "الفتح"(2/ 160) وصحَّحه.

(4)

في (ب): "لبطلت".

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في (ب): "معنى".

(7)

في (أ): "هي".

(8)

وسعيد بن منصور - كما في "الفتح"(2/ 161) بإسناد حسن.

(9)

أخرجها ابن أبي شيبة - كما في "الفتح"(2/ 161).

(10)

أي لابن أبي شيبة - كما في "الفتح"(2/ 161).

ص: 127

قَالَ: "العَشاءُ قبلَ الصلاة يذهِبُ النفسَ اللوَّامِةَ"، ففي هذهِ الآثارِ إشارةٌ إلى التعليلِ بما ذكرَ. ثمَّ هذا إذا كانَ الوقتُ موسَعًا. واختُلِفَ إذا تضيَّقَ بحيثُ لو قدمَ أكلَ العَشَاءَ خَرجَ الوقتُ فقيلَ: يقدّمُ الأكلَ وإنْ خرجَ الوقتُ محافظةً على تحصيلِ الخشوعِ في الصلاةِ، قيلَ: وهذَا على قولِ مَنْ يقولُ بوجوبِ الخشوعِ في الصلاةِ، وقيلَ: بلْ يبدأُ بالصلاةِ محافظةً على حرمةِ الوقتِ، وهوَ قولُ الجمهورِ منَ العلماءِ. وفيهِ أن حضورَ الطعامِ عذرٌ في تركِ الجماعةِ عندَ مَنْ أوجبَها وعندَ غيرِهِ. قيلَ: وفي قولهِ: (فابدأوا) ما يشعرُ بأنهُ إذا كانَ حضورُ الصلاةِ وهوَ يأكلُ فلا يتمادى فيهِ. وقد ثبتَ عن ابن عمر

(1)

أنهُ كانَ إذا حضرَ عشاؤُه وسمعَ قراءةَ الإمامِ في الصلاةِ لمْ يقمْ حتَّى يفرغَ منْ طعامهِ. وقد [قيسَ]

(2)

على الطعامِ غيرهُ مما يحصلُ بتأخيرِه تشويشُ الخاطرِ فالأوْلى البَدَاءةُ بهِ.

‌النهي عن تقليب الحصى ومسحه في الصلاة إلا لضرر

4/ 227 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَامَ أَحَدُكمُ في الصلاةِ فَلا يَمْسَحُ الْحَصَى، فَإِن الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ"، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(3)

بِإِسْنَادٍ

(1)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 575 رقم 2189)، وأحمد (2/ 148)، والبخاري معلقًا (2/ 159).

(2)

في (أ): "أقيس".

(3)

وهم: أحمد في "المسند"(5/ 150 و 179)، وأبو داود (رقم 945)، والترمذي (رقم 379)، وقال حديث حسن. والنسائي (رقم 1191)، وابن ماجه (رقم 1027).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(3/ 157 - 158 رقم 662 و 663) وقال: هذا حديث حسن. وابن حبان (ص 131 رقم 481 - الموارد)، والدارمي (1/ 322)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(2/ 183)، والبيهقي (2/ 284) والحميدي في "المسند"(1/ 70 رقم 128) وغيرهم.

قلت: وفيه أبو الأحوص هذا لا يعرف اسمه، وقد تكلم فيه يحيى بن معين وغيره - كما قاله المنذري في "المختصر"(1/ 444).

وقال النووي في "المجموع"(4/ 96): فيه جهالة. وقال الحافظ نفسه في "التقريب"(2/ 389 رقم 14): "مقبول" أي عند المتابعة وإلا فليِّن الحديث كما نص عليه في المقدمة. وقال الألباني في "الإرواء"(2/ 98): "وما علمت أحدًا تابعه على هذا الحديث. فهو ضعيف" اهـ.

ص: 128

صحِيح، وَزَادَ أَحْمَدُ

(1)

: "وَاحِدَةً أَوْ دَعْ". [صحيح]

(وَعَنْ أَبي ذرٍّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا قَامَ أَحدُكم في [الصلاة]

(2)

أي دخلَ فيْها (فلا يَمْسَحُ الحصَى) أي منْ جبهتهِ أوْ من محلِّ سجودهِ، (فإنَّ الرحمةَ تواجههُ. رواة الخمسة بإسنادٍ صحيحٍ، وزادَ أحمدُ) في روايتهِ: (واحدةً أو دعْ). في هذَا النقلِ قلقٌ لأنهُ يفهمُ أنهُ زادَ أحمدُ على هذا اللفظِ الذي ساقهُ المصنفُ، ومعناهُ على هذَا فلا يمسحُ واحدةً أو دعْ وهوَ غيرُ مرادٍ، ولفظُهُ عندَ أحمدَ عنْ أبي ذرٍّ:"سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عنْ كلِّ شيءٍ حتَّى سألتُهُ عنْ مسحِ الحصاةِ فقالَ واحدةً أو دعْ" أي امسحْ واحدةً أو اتركِ المسح. فاختصارُ المصنفِ أخلَّ بالمعنَى، كأنهُ اتَّكلَ في بيانِ معناهُ على لفظِه لمنْ عرفَهُ، ولوْ قالَ: وفي روايةٍ لأحمدَ الإذْنُ بمسحةٍ واحدةٍ لكانَ واضحًا.

والحديثُ دليلٌ على النهي عنْ مسحِ الحصاةِ بعدَ الدخولِ في الصلاةِ لا قبلَه، فالأوْلَى لهُ أنْ يفعلَ ذلكَ لئَلَّا يشغلَ بالُه وهوَ في الصلاةِ. والتقييدُ بالحصَى أو الترابِ كما في روايةٍ للغالبِ. ولا يدلُّ على نفيهِ عمَّا عداهُ. قيلَ: والعلةُ في النهي المحافظةُ على الخشوعِ كما يفيدهُ سياقُ المصنفِ للحديثِ في هذا البابِ، أوْ لِئَلَّا يكثرُ العملُ في الصلاةِ. وقدْ نص الشارعُ على العلةِ بقولِهِ: فإنَّ الرحمةَ تواجههُ. أي: تكونُ تلقاءَ وجهِهِ فلا يغيرُ ما تعلقَ بوجههِ مِنَ الترابِ والحصَى ولا ما [يسجدُ]

(3)

عليهِ، إلَّا أنْ يُولِمَهُ فلهُ ذلكَ ثمَّ النهيُ ظاهرٌ في التحريمِ.

5/ 228 - وَفي الصَّحِيحِ

(4)

عَنْ مُعَيْقِيب نَحْوَه بِغَيْرِ تَعْلِيلٍ. [صحيح]

‌ترجمة معقيب بن أبي فاطمة

(وفي الصحيحِ) أي المتفقِ عليهِ (عنْ مُعَيقيب)

(5)

بضمّ الميمِ وفتحِ العينِ

(1)

في "المسند": (5/ 163).

(2)

في (أ): "صلاته".

(3)

في (أ): "سجد".

(4)

أي المتفق عليه. البخاري (رقم 1207)، ومسلم (رقم 47/ 546).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 946)، والترمذي (رقم 380)، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (3/ 7 رقم 1192)، وابن ماجه (رقم 1026).

(5)

انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(3/ 426)، و "طبقات ابن سعد"(4/ 116 - 118)، =

ص: 129

المهملةِ والمثناةِ التحتيةِ وكسر القافِ بعدَها تحتيةٌ ساكنة بعدَها موحَّدةٌ، هوَ معيقيبُ بنُ أبي فاطمةَ الدوسيِّ، شهدَ بدرًا وكانَ أسلمَ قديمًا بمكةَ، وهاجرَ إلى الحبشةِ الهجرةَ الثانيةَ، وأقامَ بهَا حتَّى قدمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، وكانَ على خاتمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، واستعملَهُ أبو بكرٍ رضي الله عنه وعمرُ على بيتِ المالِ، ماتَ سنةَ ستٍ وأربعينَ، وقيلَ في آخرِ خلافةِ عثمانَ، (نحوَهُ) أي: نحوُ حديثِ أبي ذرٍّ، ولفظُهُ:"لا تمسح الحصَى وأنتَ تصلِّي، فإنْ كنتَ لا بدَّ فاعلًا فواحدةٌ لتسويةِ الحصى"(بغيرِ تعليلٍ) أي: ليسَ فيهِ أن الرحمةَ تواجههُ.

‌كراهة الالتفات في الصلاة

6/ 229 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الالْتِفَاتِ في الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: "هُوَ اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشيطَانُ مِنْ صَلاةِ الْعَبْدِ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(1)

. [صحيح]

- وَللتِّرْمِذِيّ

(2)

وَصَحّحَهُ: "إِيَّاكِ وَالالْتِفَاتَ في الصَّلاةِ، فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَابُدّ فَفي التَّطَوُّعِ". [ضعيف]

(وَعنْ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفاتِ في الصلاةِ [قالَ]

(3)

: هوَ اختلاسٌ) بالخاءِ المعجمةِ فمثناةٍ فوقيةٍ آخرَهُ سينٌ مهملةٌ، هوَ الأخذُ للشيءِ على غفلةٍ، (يختلسهُ الشيطانُ منْ صلاةِ العبدِ. رواهُ البخاريُّ). قالَ

= و"المعارف"(316، 584)، و"تهذيب التهذيب"(10/ 227 - 228 رقم 453)، و"الإصابة"(9/ 266 رقم 8159)، و"الاستيعاب"(10/ 259 - 261 رقم 2459)، و"شذرات الذهب"(1/ 48).

(1)

في "صحيحه"(رقم 751) و (رقم 3291).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 910)، والترمذي (رقم 590)، وقال: حديث حسن غريب. والنسائي (3/ 8)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 237)، وصحَّحه ووافقه الذهبي.

(2)

في "السنن" من حديث أنس بن مالك (2/ 484 رقم 589). وقال: حديث حسن غريب.

قلت: وفيه علي بن زيد بن جدعان: ضعيف.

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 371): ورواية سعيد عن أنس غير مشهورة.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف.

(3)

في (أ): "فقال".

ص: 130

الطيبي

(1)

: سماهُ اختلاسًا لأنَّ المصلِّي يُقْبلُ على ربِّه تَعَالى، [ويترصَّدُ]

(2)

الشيطانُ فواتَ ذلكَ عليهِ فإذا التفتَ استلبهَ [ذلكَ]

(3)

. وهوَ دليل على كراهةِ [الالتفاتِ]

(4)

في الصلاةِ، وحملَهُ الجمهورُ على ذلك إذا كانَ التفاتًا لا يبلغُ إلى استدبارِ القبلةِ بصدرهِ أو عنقهِ كلِّه، وإلَّا كانَ مبطلًا للصلاةِ. وسببُ الكراهةِ نقصانُ الخشوعِ كما أفادَهُ إيرادُ المصنفِ للحديثِ في هذا البابِ، أو تركُ استقبالِ القبلةِ ببعض البدنِ، أولما فيه منَ الإعراضِ عن التوجهِ إلى الله تَعَالى كما أفادهُ ما أخرَجهُ أحمدُ

(5)

وابنُ ماجهَ

(6)

منْ حديثِ أبي ذرٍّ: "لا يزالُ اللَّهُ مقبلًا على العبدِ في صلاتِهِ ما لم يلتفتْ؛ فإذَا صرفَ وجهَهُ انصرفَ" أخرجهُ أبو داودَ

(7)

، والنسائيُّ

(8)

.

(وللترمذيِّ) أي: عنْ [عائشةَ]

(9)

وصححهُ (إياكِ) بكسرِ الكافِ، لأنهُ خطابُ المؤنثِ، (والالتفاتُ) بالنصبِ لأنهُ محذَّرٌ منهُ (في الصلاةِ فإنهُ هلكةٌ)، لإخلالهِ بأفضلِ العباداتِ. وأيُّ هَلَكَةٍ أعظمُ منْ هلكةِ الدينِ، (فإنْ كانَ لا بدَّ) مِنَ الالتفاتِ (ففي التطوعِ)، قيلَ: والنهيُ عن الالتفاتِ إذا كانَ لغيرِ حاجةٍ وإلَّا فقدْ ثبتَ "أن أبا بكرٍ رضي الله عنه التفتَ لمجيءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صلاةِ الظهرِ"، "والتفتَ الناسُ لخروجهِ صلى الله عليه وسلم في مرضِ موتهِ حيثُ أشارَ إليهمْ، ولوْ لم يلتفتُوا ما علمُوا بخروجهِ ولا إشارتهِ، وأقرَّهم على ذلكَ".

‌لا يبصق المصلي أمامه ولا عن يمينه ولكن عن شماله أو تحت قدمه

7/ 230 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كانَ أَحَدُكُمْ في

(1)

ذكره ابن حجر في "الفتح"(2/ 235).

(2)

في (ب): "يرتصد".

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في (أ): "ذلك".

(5)

في "المسند"(5/ 172).

(6)

لم يخرجه ابن ماجه.

(7)

في "السنن"(رقم 909).

(8)

في "السنن"(3/ 8).

قلت: وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 236)، وابن خزيمة (1/ 244 رقم 482)، والطحاوي في "المشكل"(2/ 183)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 251 رقم 733). وقال المنذري في "المختصر"(1/ 429)"وفيه أبو الأحوص - هذا - لا يعرف له اسم، وهو مولى بني ليث، وقيل: مولى بني غِفار، ولم يرو عنه غير الزهري، قال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال أبو أحمد الكَرابيسِيُّ: ليس بالمتين عندهم".

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف.

(9)

كذا قال المؤلف والصواب عن أنس كما تقدم آنفًا.

ص: 131

الصَّلاةِ فَإنهُ يُنَاجِي رَبّهُ، فَلَا يَبْصُقَنَّ بَينَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

وَفي رِوَايَةٍ: "أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ".

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كانَ أحدكم في الصلاةِ؛ فإنه يناجي رَبَّه)، وفي روايةِ في البخاريّ:"فإنَّ ربهُ بينَهُ وبينَ القبلةِ". والمرادُ منَ المناجاةِ إقبالهُ تعالى عليهِ بالرحمةِ والرضوانِ (فلا يبصقنَّ بينَ يديهِ ولا عن يمينهِ) قدْ عُلّلَ في حديث أبي هريرةَ بأن عنْ يمينِهِ مَلَكًا، (ولكنْ عنْ شمالِهِ تحتَ قدمِهِ. متفقٌ عليهِ، وفي روايةٍ: أو تحتَ قدمِهِ). الحديثُ نَهَى عن البصاقِ إلى جهةِ القبلةِ، أو جهةِ اليمينِ، إذَا كانَ العبدُ في الصلاةِ. وقدْ وردَ النهيُ مطلقًا عنْ أبي هريرةَ وأبي سعيدٍ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "رأى نخامةً في جدارِ المسجدِ فتناولَ حصاة فحتَّها وقالَ: إذا تنخَّمَ أحدُكم فلا يتنخمنَّ قِبلَ وجهِهِ ولا عنْ يمينهِ، وليبصقنَّ عنْ يسارهِ، أوْ تحتَ قدمهِ اليسرَى"، متفقٌ عليهِ

(2)

. وقدْ جزمَ النوويُّ

(3)

بالمنع في كل حالةٍ داخلَ الصلاةِ وخارجَها، سواءٌ كانَ في المسجدِ أو غيرهِ. وقدْ أَفادهُ حديثُ أنسٍ في حقِّ المصلِّي إلَّا أن غيرَهُ منَ الأحاديثِ قدْ أفادتْ تحريمَ البُصاقِ إلى القبلةِ مُطْلقًا في مسجد وغيرِهِ، وَلمصلٍ وغيرِهِ؛ ففي صحيحِ ابن خزيمةَ

(4)

، وابنِ حبانَ

(5)

منْ حديثِ حذيفةَ مرفوعًا: "منْ تَفَلَ تجاهَ القبلةِ جاءَ يومَ القيامةِ وتفلتهُ بينَ عينيهِ". ولابنِ خزيمةَ

(6)

منْ حديثِ ابن عمرَ مرفوعًا: "يبعثُ صاحبُ النخامةِ في القبلةِ

(1)

البخاري (رقم 412) و (رقم 413)، ومسلم (رقم 54/ 551).

(2)

البخاري (رقم 410 و 411)، ومسلم (رقم 548).

(3)

في "شرح صحيح مسلم"(5/ 39).

(4)

في "صحيحه"(2/ 62 رقم 925) و (2/ 278 رقم 1314) و (3/ 83 رقم 1663).

(5)

في "الإحسان"(3/ 78 رقم 1637).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 3824)، والبيهقي (3/ 76) وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

(6)

في "صحيحه"(2/ 278 رقم 1313).

قلت: وأخرجه ابن حبان في "الإحسان"(3/ 77 - 78 رقم 1636)، والبزار في الكشف (1/ 208 رقم 413). وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (283).

ص: 132

يومَ القيامةِ وهي في وجههِ". وأخرجَ أبو داودَ

(1)

وابنُ حبانَ

(2)

منْ حديثِ السائبِ بن خلادٍ: "أن رجلًا أمَّ قومًا فبصقَ في القبلةِ، فلمَّا فرغَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلِّي [لكمْ]

(3)

". ومِثلُ البصاقِ إلى القبلةِ البصاق عن اليمينِ؛ فإنهُ منْهيٌّ عنهُ مطلقًا أيضًا. وجزم بالمنع منه النووي في كل حال داخل الصلاة وخارجها في مسجد وغيره. وأخرجَ عبدُ الرزاقِ

(4)

عن ابن مسعودٍ: "أنهُ كرهَ أنْ يبصقَ عنْ يمينهِ وليسَ في الصلاةِ". وعنْ معاذِ بن جبل

(5)

[قالَ]

(6)

: "ما بصقتُ عنْ يميني منذُ أسلمتُ". وعنْ عمرَ بن عبدِ العزيزِ

(7)

أنهُ نَهَى عنهُ أيضًا. وقدْ أرشدَ صلى الله عليه وسلم إلى أي جهةٍ يبصقُ فقالَ: "عنْ شمالِه تحتَ قدمهِ"؛ فبينَ الجهةَ أنَّها جهةُ الشمالِ، والمحلَّ أنهُ تحتَ القدمِ. ووردَ في حديثِ أنسٍ عِندَ أحمدَ ومسلمٍ بعدَ قولِهِ:"ولكنْ عنْ يسارهِ، أو تحتَ قدمهِ - زيادةٌ: ثمَّ أخذَ طرفَ ردائهِ فبصقَ فيهِ وردَّ بعضَهُ على بعضٍ فقالَ: أو يفعلُ هكَذَا". وقولُه: أو تحتَ قدمِه خاصٌّ بمنْ ليسَ في المسجدِ، وأمَّا إذا كانَ فيهِ ففي ثوبهِ لحديثِ:"البصاقُ في المسجدِ خطيئة"

(8)

، إلَّا أنهُ قدْ يقالُ: المرادُ البصاقُ إلى جهةِ القبلةِ أو جهةِ اليمينِ خطيئةٌ لا تحتَ القدمِ أوْ عنْ شمالهِ، لأنهُ قدْ أذِنَ فيهِ الشارعُ ولا يأذنُ في

(1)

في "السنن"(1/ 324 رقم 481).

(2)

في "الإحسان"(3/ 77 رقم 1634).

قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(4/ 56): وهو حديث حسن. وقد حسنه الألباني في صحيح أبي داود.

(3)

في (أ): "بكم".

(4)

في "المصنف": (1/ 435 رقم 1699).

قلت: وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 20) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

(5)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 435 رقم 1700).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 435 رقم 1701).

(8)

أخرجه البخاري (رقم 415)، ومسلم (رقم 552)، وابن خزيمة (2/ 276 رقم 1309)، والترمذي (رقم 572)، وقال: حديث حسن صحيح، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 380 رقم 488)، والطيالسي في "منحة المعبود"(1/ 83 رقم 350)، وأبو عوانة (1/ 405) وغيرهم كما سيأتي عند الحديث رقم (12/ 247).

ص: 133

خطيئةٍ. هذَا وقدْ سمعتُ أنهُ علَّلَ صلى الله عليه وسلم النهيَ عن البصاقِ على اليمينِ بأنَّ عنْ يمينهِ مَلَكًا فَأُورِدَ سؤالٌ وهوَ: أن على الشمالِ أيضًا مَلَكًا وهوَ كاتبُ السيئاتِ؟ وأجيبَ بأنهُ اختصَّ بذلكَ مَلَك اليمينِ تخصيصًا لهُ وتشريفًا وإكرامًا. وأجابَ بعض المتأخرينَ بأنَّ الصلاةَ أمُّ الحسناتِ البدنيةِ فلا دَخْلَ لكاتبِ السيئاتِ فيْها. واستشهد لذلكَ بما أخرجهُ ابنُ أبي شيبةَ

(1)

منْ حديثِ حذيفةَ موقوفًا في هذا الحديثِ: "ولا عنْ يمينهِ؛ فإنَّ عنْ يمينهِ كاتبُ الحسناتِ". وفي الطبرانيِّ

(2)

منْ حديثِ أمامةَ في هذا الحديثِ: "فإنهُ يقومُ بينَ يدي اللَّهِ وَمَلَكٌ عنْ يمينهِ وقرينُه عنْ يسارِهِ"، وإذا ثبتَ هذا فالتفْلُ يقعُ على القرينِ وهوَ الشيطانُ، ولعلَّ مَلَكَ اليسارِ [حينئذٍ بحيثُ]

(3)

لا يصيبُه شيءٌ منْ ذلكَ أوْ أنهُ يتحولُ في الصلاةِ إلى جهةِ اليمينِ.

‌وجوب إزالة ما يلهي المصلي عن الخشوع

8/ 231 - وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا. فَقَالَ لَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هذَا، فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لي في صِلَاتي"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(4)

. [صحيح]

(وعنهُ) أي: أنسٍ رضي الله عنه (قالَ: كانَ قِرَام) بكسرِ القافِ وتخفيفِ الراءِ، السترُ الرقيقُ، وقيلَ: الصفيقُ منْ صوفٍ ذي ألوانٍ (لعائشةَ سترتْ بهِ جانبَ بَيْتِها، فقالَ لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أميطي [عنَّا]

(5)

أي: أزيلي [عنا]

(6)

(قِرَامَكِ هذا؛ فإنهُ لا تزالُ تصاويرُهُ تعرضُ)، بفتحِ المثناةِ الفوقيةِ وكسرِ الراءِ (لي في صلاتي. رواهُ البخاريُّ).

في الحديثِ دلالةٌ على إزالةِ ما يشوِّشُ على المصلِّي صلاتَهُ مما في منزلهِ أو في

(1)

في "المصنف"(2/ 364).

(2)

عزاه إليه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 19) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" من رواية عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد كلاهما ضعيف.

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في "صحيحه"(رقم 374) و (رقم 5959).

قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(3/ 151 و 283).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

زيادة من (أ).

ص: 134

محلِّ صلاتهِ. ولا دليلَ فيهِ على بطلانِ الصلاةِ، لأنه لم يُرْوَ أنهُ صلى الله عليه وسلم أعادَها، ومثلُهُ:

9/ 232 - وَاتَّفَقَا

(1)

عَلَى حَدِيثِهَا

(2)

في قِصَّةِ أَنْبِجَانِيَّةِ أَبي جَهْمٍ، "فَإِنَّها أَلْهَتْني عَنْ صَلَاتي". [صحيح]

(واتفقَا) أي: الشيخانِ (على حديثِها) أي: عائشةَ (في قصةِ أنبجانيةِ) بفتحِ الهمزةِ وسكونِ النونِ وكسرِ الموحدةِ وتخفيفِ الجيمِ وبعدَ النونِ ياءُ النسبةِ؛ كساءٌ غليظٌ لا عَلَم فيهِ، (أبي جهمٍ) بفتحِ الجيمِ وسكونِ الهاءِ، هو عامرُ بنُ حذيفةَ (وفيهِ: فإنَّها) أي: الخميصةُ "وكانتْ ذاتَ [أعلامٍ]

(3)

أهداها لهُ صلى الله عليه وسلم أبو جَهْم"؛ فالضميرُ لها، وإنْ لمْ يتقدمْ في كلام المصنفِ ذكرُها. ولفظُ الحديثِ عنْ عائشةَ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في خميصةٍ لها أعلامٌ، فنظرَ إلى أعلامِها نظرةً، فلمَّا انصرفَ [قال]

(4)

: اذهبُوا بخميصتي هذهِ إلى أبي جهمٍ وأتوني بأنبجانيةِ أبي جهم؛ فإنَّها ألهتني آنفًا عنْ صلاتي"، هذا لفظُ البخاريِّ، وعبارةُ المصنفِ تفهمُ أن ضميرَ فإنَّها للأنبجانيةِ، [ومنه يعرف أنه كان الأولى أن يقول المصنف قصة خميصة أبي جهم ألهتني عن صلاتي]

(5)

وكذا ضمير (ألهتني عنْ صلاتي) وذلكَ أن أبا جهمٍ أَهْدَى للنبيِّ صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلامٌ [كما روى مالكٌ في الموطأِ

(6)

عن عائشةَ قالتْ: "أَهْدَى أبو جهمٍ بنُ حذيفةَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصةً لها علم، فشهدَ فيها الصلاةَ، فلمَّا انصرفَ قال: ردِّي هذهِ الخميصةَ إلى أبي جهمٍ". وفي روايةٍ

(7)

عنْها: "كنتُ أنظرُ إلى عَلمِهَا وأنا في الصلاةِ فأخافُ أنْ يفتني"]

(8)

.

(1)

أي البخاري ومسلم. البخاري (رقم 752) و (رقم 373) و (رقم 5817)، ومسلم (رقم 61 و 62 و 63/ 556).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 4053)، والنسائي (2/ 72 رقم 771)، وابن ماجه (رقم 3550)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 432 رقم 523) و (3/ 255 رقم 738)، والبيهقي (2/ 423).

(2)

أي عائشة رضي الله عنها.

(3)

في (أ): "علم".

(4)

في (أ): "فقال".

(5)

في (ب): (وكذا ضمير "ألهتني عن صلاتي").

(6)

(1/ 97 رقم 67).

(7)

البخاري (رقم 373).

(8)

في النسخة (أ): "فشهد فيها الصلاة فلما انصرف قال: ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم، وفي رواية عنها (1) كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصلاة فأخاف أن يفتنني". =

ص: 135

وقالَ ابنُ بطال: إنَّما طلبَ منهُ ثوبًا غيرَها ليُعْلِمَهُ أنهُ لم يردَّ [عليه]

(1)

هديتَه استخفافًا به.

وفي الحديث دليلٌ على كراهةِ ما يشغلُ [المصلي]

(2)

عن الصلاةِ منَ النقوش [ونحوها]

(3)

مما يشغلُ القلبَ، وفيهِ مبادرتُهُ صلى الله عليه وسلم إلى صيانةِ الصلاةِ عمَّا يلهي، وإزالةُ ما يشغلُ عن الإقبالِ عليْها. قالَ الطيبي: فيهِ إيذانٌ بأنَّ للصورِ والأشياءِ الظاهرةِ تأثيرًا في القلوبِ الطاهرةِ والنفوسِ الزكيةِ فضلًا عما دونَها. وفيهِ كراهةُ الصلاةِ على المفارشِ والسجاجيدِ المنقوشةِ، وكراهةِ نقشِ المساجدِ ونحوِهِ.

‌النهي عن رفع البصر في الصلاة

10/ 233 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِيَنْتَهِينَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّماءِ في الصَّلاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيهِمْ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

. [صحيح]

(وَعَنْ جَابرِ بْنِ سَمرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِيَنْتَهِينَّ)[بكسرِ]

(5)

اللامِ وفتحِ المثناةِ التحتيةِ وسكونِ النونِ وفتحِ المثناةِ الفوقيةِ وكسرِ الهاء، (أقوَامٌ يَرفَعونَ أَبْصَارَهمْ إِلَي السَّماءِ في الصّلاةِ) أي: إلى [ما فوقهم]

(6)

مطلقًا (أَوْ لَا تَرجِعُ إِلَيْهِمْ. رَوَاه مُسْلِمٌ).

قالَ النوويُّ في شرحِ مسلم

(7)

: فيهِ النهيُ الأكيدُ والوعيدُ الشديدُ في ذلكَ، وقدْ نقلَ الإجماعُ على ذلكَ. والنهيُ يفيدُ تحريمهُ. وقالَ ابنُ حزمٍ: تبطلُ بهِ الصلاةُ. قالَ القاضي عياضُ: واختلفُوا في غيرِ الصلاةِ في الدعاءِ، فكرهَهُ قومٌ وجَوَّزهُ الأكثرونَ.

= كما روى مالك في "الموطأ (2) عن عائشة قالت: "أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلام".

(1)

زيادة من (ب).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في (أ): "وغيرها".

(4)

في "صحيحه"(رقم 117/ 428).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 108)، وابن ماجه (رقم 1045)، والبيهقي (2/ 283)، والطبراني في "الكبير"(2/ 201 - 202 رقم 1817 و 1818 و 1819 و 1820 و 1821).

(5)

في (ب): "بفتح".

(6)

في (أ): "ما فوقه".

(7)

(4/ 152).

ص: 136

11/ 234 - وَلَهُ

(1)

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وهُوَ يُدَافِعَهُ الأَخْبَثَانِ". [صحيح]

(وَلَهُ) أي لمسلمٍ (عَنْ عَائِشَةَ [قَالَتْ]

(2)

: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ). تقدمَ الكلامُ في ذلكَ إلَّا أن هذَا يفيدُ أنَّها لا تقامُ الصلاةُ في موضعٍ حضرَ فيهِ الطعامُ، وهوَ عامٌ للنفلِ والفرضِ، وللجائعِ وغيرِهِ. والذي تقدمَ أخصُّ مِنْ هذَا، (ولَا) أي لا صلاةَ، (وهُوَ) أي المصلي (يُدَافِعَة الأَخْبَثَانِ) البولُ والغائطُ، ويلحقُ بهمَا مدافعةُ الريحِ فهذَا معَ المدافعةِ، وأمَّا إذا كانَ يجدُ في نفسهِ ثِقَلُ ذلكَ وليسَ هناك مدافعةٌ فلا نَهْيَ عن الصلاةِ معهُ، ومَعَ المدافعةِ فهيَ مكروهةٌ، قيلَ: تنزيهًا لنقصانِ الخشوعِ، فلو خَشي خروجَ الوقتِ إنْ قدَّمَ التبرزَ وإخراجَ الأخبثينِ قدمَ الصلاةَ، وهي صحيحةٌ مكروهةٌ، كذَا قال النوويُّ

(3)

، ويستحبُّ إعادتُها، وعنِ الظاهريةِ أنَّها باطلةٌ.

‌النهي عن التثاؤب في الصلاة

12/ 235 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "التثاؤُبُ مِنَ الشيطَانِ، فَإذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

، وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

، وَزَادَ:"فَي الصَّلاةِ". [صحيح]

(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: التَّثَاؤبُ مِنَ الشيْطَانِ)، لأنهُ يصدرُ عن الامتلاءِ والكسلِ، وهمَا مما يحبهُ الشيطانُ، فكأنَّ التثاؤبَ منهُ (فَإذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ) أي: يمنعهُ ويمسكهُ (مَا اسْتَطَاعَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالترْمِذِيُّ وَزَادَ) أيْ: الترمذيُّ (فِي الصَّلَاةِ) فقيَّدَ الأمرَ بالكظمِ بكونهِ في الصلاةِ، ولا ينافي النهيَ عنْ

(1)

أي لمسلم في "صحيحه"(رقم 67/ 560).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 89)، وأحمد (6/ 73)، والبيهقي (3/ 71).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "شرحه لصحيح مسلم"(5/ 46).

(4)

في "صحيحه"(رقم 56/ 2994).

(5)

في "السنن"(رقم 370)، وقال: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه البيهقي (2/ 289)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 243 رقم 728).

ص: 137

تلكَ الحالةِ مُطْلقًا لموافقةِ المقيَّدِ والمطلقِ في الحكمِ، وهذهِ الزيادةُ هي في البخاريّ

(1)

[أيضًا]

(2)

.

وفيهِ

(3)

بعدَها: "ولا يقلْ: ها، فإنَّما ذلكَ منَ الشيطانِ يضحكُ منهُ". وكلُّ هذَا مما ينافي الخشوعَ.

وينبغي أنْ يضعَ يدَهُ على فيهِ لحديثٍ: "إذا تثاءبَ أحدُكم فليضَعْ يدَهُ على فيهِ؛ فإن الشيطانَ يدخلُ معَ التثاؤبِ"، وأخرجهُ أحمدُ

(4)

، والشيخانِ

(5)

، وغيرُهمْ.

* * *

(1)

قلت: هذه الزيادة ليست في البخاري بل هي عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري (4/ 2293 رقم 59/ 2995).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

أي في الحديث الذي أخرجه البخاري (رقم 3289)، وطرفاه (رقم 6223 و 6226) من حديث أبي هريرة.

(4)

في "المسند"(3/ 93).

(5)

البخاري في "الأدب المفرد" رقم (949)، ومسلم في "صحيحه"(رقم 57/ 2995) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 138

[الباب السادس] باب المساجد

المساجدُ جمعُ مسجدٍ، بفتحِ العينِ وكسرِها، فإنْ أريدَ بهِ المكانَ المخصوصَ فهوَ بكسرِ العينِ لا غيرُ، وإنْ أريدَ بهِ موضعَ السجودِ وهوَ موضعُ وقوعِ الجبهةِ في الأرضِ فإنهُ بالفتحِ لا غيرُ، وفي فضائلِ المساجدِ أحاديثُ

(1)

واسعةٌ، وأنَّها أحبُّ البقاعِ إلى اللَّهِ، وأنَّ "مَنْ بَنَى للَّهِ مسجدًا من مال حلال بَنَى اللَّهُ لهُ بَيْتًا في الجنةِ"

(2)

. وأحاديثُها في مجمعِ الزوائدِ

(3)

وغيرِه.

1/ 236 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ في الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيّبَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(4)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(5)

، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحّحَ إِرْسَالَهُ

(6)

. [صحيح]

(1)

منها: ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(رقم 288/ 671): عن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"أحَبُّ البلادِ إلى اللهِ مساجِدُها، وأبغضُ البلادِ إلى اللهِ أسواقُها".

ومنها: ما أخرجه الإمامُ البخاري في "صحيحه"(رقم 450)، ومسلم في "صحيحه" (رقم 533) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال عندَ قولِ الناسِ فيه حين بنى مسجدَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم: إنكم أكثَرْتم، وإني سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من بنى مسجدًا - قال بُكيرٌ: حَسِبتُ أنهُ قال: - يبتغي به وجهَ اللَّهِ، بنى اللَّهُ له مِثلَهُ في الجنة".

(2)

أخرجه ابن حبان في "المجروحين"(1/ 334)، والذهبي في "الميزان"(2/ 202)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 1125)، وابن القيسراني في "التذكرة"(ص 205 رقم 763) من حديث أبي هريرة.

وفيه: سليمان بن داود اليمامي يروي المقلوبات، ويحيى بن أبي كثير ضعيف كثير الخطأ. وسليمان بن داود الخولاني دمشقي صدوق.

وخلاصة القول: أن الحديث موضوع.

(3)

(2/ 7 - 10).

(4)

في "المسند"(6/ 279).

(5)

في "السنن"(رقم 455).

(6)

في "السنن"(رقم 594). =

ص: 139

(عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ببِنَاءِ الْمَسَاجِدِ في الدُّورِ) يحتمل أن المرادَ بها البيوت، [وهي المنازل بناء على أَنه يطلق عليها لفظ الدار. وفي القاموس

(1)

: الدار المحل يجمع البناء والعرْض بسكون الراء والبلد ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم وموضع القبلة انتهى]

(2)

. ويحتملُ أن [المرادَ]

(3)

المحالُّ التي تبنى فيها الدورُ (وَأَنْ تُنَظَّفَ) عن الأقذارِ (وَتطَيّبَ. رَوَاهُ أَحْمَد، وَأَبُو دَاودَ، وَالتَّرمِذِيّ، وَصَحّحَ إِرسَالَهُ)، والتطييبُ بالبخورِ ونحوِهِ. والأمرُ بالبناءِ للندبِ لقولهِ:"أينَما أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاة فَصَلِّ"، أخرَجهُ مسلمٌ

(4)

ونحوهُ عندَ غيرِهِ

(5)

. قيلَ: وعلى إرادةِ المعنَى الأول [في الدورِ]

(6)

؛ ففي الحديثِ دليلٌ على أن المساجدَ شرطُها قصدُ التسبيلِ إذْ لو كانَ يتمُّ [ما بنى]

(7)

مسجدًا بالتسميةِ لخرجت تلكَ الأماكنُ التي اتُخِذَتْ في المساكنِ عنْ ملكِ أهلِها، وفي شرحِ السُّنَّة

(8)

أن المرادَ المحالُّ التي فيها الدورُ، ومنهُ:{سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}

(9)

؛ لأنهمْ كانُوا يسمونَ المحلَّة التي اجتمعتْ فيْها القبيلةُ دارًا. قالَ سفيانُ: بناءُ [المساجدِ]

(10)

في الدورِ يعني القبائلِ.

‌تغليظ النهي عن اتخاذ القبور مساجد

2/ 237 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ اتخَذُوا

= قلت: وأخرجه ابن ماجه (رقم 758)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 399 رقم 499).

وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وإعلال الترمذي له بالإرسال لا يضر؛ لأن الوصل من الثقة زيادة مقبولة.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

"المحيط" ص 503.

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في (أ): "يراد".

(4)

في "صحيحه"(رقم 1/ 520) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

(5)

كالإمام أحمد بن حنبل في "المسند"(5/ 156 و 157 و 160)، وابن خزيمة (2/ 268 رقم 1290)، والبيهقي (2/ 433)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 32)، والبخاري في "صحيحه"(6/ 458 رقم 3425)، وأبو عوانة (1/ 392)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 402) كلهم من حديث أبي ذر.

(6)

في (أ): "بالدور".

(7)

زيادة من (أ).

(8)

للإمام البغوي (2/ 397).

(9)

سورة الأعراف: الآية 145.

(10)

في (أ): "المسجد".

ص: 140

قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

، وَزَادَ مُسْلِمٌ

(2)

: "وَالنصَارَى". [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي هرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهودَ) أي: لعنَ كما جاءَ في روايةٍ، وقيلَ معناهُ قَتَلَهُمْ وأهلكَهُمْ (اتخذوا قبورَ أنبيائهمْ مساجدَ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ). وفي مسلم

(3)

عنْ عائشةَ قالتْ: "إنَّ أمَّ حبيبةَ، وأمَّ سلمةَ ذَكَرَتَا لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بالحبشةِ فيها تصاويرُ، فقالَ: إنَّ أولئكَ إذا كانَ فيهُمْ الرجلُ الصالحُ فماتَ بَنَوْا على قبرهِ مسجدًا، وصوَّرُوْا تلكَ التصاويرَ، أولئكَ شرارُ الخلقِ عندَ اللَّهِ يومَ القيامةِ". واتخاذُ القبورِ مساجدَ أعمُّ منْ أنْ يكونَ بمعْنَى الصلاةِ إليها، أو بمعنَى الصلاةِ عليْها. وفي مسلمٍ:

(4)

"لا تَجلِسُوا على القُبورِ، ولا تُصَلُّوا إليْها ولا عليْها"، قالَ البيضاويُّ: لما كانتِ اليهودُ والنَّصَارى يسجدونَ لقبورِ أنبيائِهم تعظيمًا لشأنِهم، ويجعلونَها قبلة يتوجهونَ في الصلاةِ نحوَها اتخذُوها أوثانًا، لعنَهم ومنعَ المسلمينَ منْ ذلكَ. قالَ: وأما مَنِ اتخذَ مسجدًا في جوارِ صالحٍ وقصدَ التبركَ بالقربِ منهُ، لا لتعظيمٍ لهُ، ولا لتوجهِ نحوَهُ، فلا يدخلُ في ذلكَ الوعيدُ.

قلتُ: قولُهُ لا لتعظيمٍ لهُ، يقالُ اتخاذِ المساجدِ بقربهِ وقصدُ التبركِ بهِ تعظيمٌ لهُ. ثمَّ أحاديثُ النَّهْي مطلقةٌ، ولا دليلَ على التعليلِ بما ذكرَ. والظاهرُ أن العلةَ سدَّ الذريعةِ والبعدُ عن التشبهِ بعَبَدَةِ الأوثانِ الذينَ [يعظِّمونَ]

(5)

الجماداتِ التي لا تسمعُ ولا تنفعُ ولا تضرُّ، ولما في إنفاقِ المالِ في ذلكَ منَ العبثِ والتبذيرِ الخالي عن النفعِ بالكليةِ. ولأنهُ سببٌ لإيقادِ السُّرُجِ عليها الملعونُ فاعلُه. ومفاسدُ ما يُبْنَى علَى القبورِ منَ المشاهدِ والقِبَابِ لا تُحْصَرُ.

(1)

البخاري (رقم 437)، ومسلم (رقم 20/ 530)، وأبو داود (رقم 3227)، والنسائي (4/ 95 رقم 2047)، وأحمد (2/ 284)، وأبو عوانة (1/ 400)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 80)، وابن عبد البر في "التمهيد"(6/ 383).

(2)

في "صحيحه"(1/ 377 رقم 21/ 530).

(3)

في "صحيحه"(رقم 528).

قلت: وأخرجه البخاري (رقم 1341)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 415 رقم 509)، والنسائي (2/ 41 رقم 704)، والبيهقي (4/ 80)، وأحمد (6/ 51).

(4)

في "صحيحه"(رقم 97/ 972). من حديث أبي مَرْثَد الغنويِّ.

(5)

في (أ): "يعظم".

ص: 141

وقدْ أخرجَ أبو داودَ

(1)

، والترمذيُّ

(2)

، والنسائيُّ

(3)

، وابنُ ماجَهْ

(4)

عن ابن عباسٍ قالَ: "لعنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زائراتِ القبورِ والمتخذينَ عليها المساجدَ والسُّرُجَ". وقد أوضحنا ذلك في رسالتنا المسمَّاة: "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"

(5)

.

(وَزَادَ مُسْلِمٌ: وَالنَّصَارَى) زادَ في حديثِ أبي هريرةَ هذَا بعدَ قولهِ اليهودِ. وقدِ استشكلَ ذلكَ لأنَّ النصارى ليسَ لهمْ نبي إلَّا عيسى عليه السلام؛ إذْ لا نبيَّ بينَهُ وبينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهوَ حيٌّ في السماءِ. وأجيبَ بأنهُ كانَ فيهمْ أنبياءُ غيرُ مرسلينَ كالحواريينَ ومريمَ في قول، أو أن المرادَ منْ قولهِ: أنبيائِهم المجموعُ منَ اليهودِ والنَّصارى، أوِ المرادُ الأنبياءُ وكبارُ أتباعِهْمِ، واكتفَى بذكرِ الأنبياءِ. ويؤيدُ ذلكَ قولُه في روايةِ مسلمٍ

(6)

: "كانُوا يَتَّخِذُونَ قُبورَ أنبيائِهمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ"، ولهذَا لما أفردَ النَّصَارى كما في الحديث الثالث وهو قوله:

3/ 238 - وَلَهُمَا

(7)

مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: "كَانُوا إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا"، وَفيهِ:"أُولئكَ شِرَارُ الْخَلْقِ". [صحيح]

(وَلَهُمَا) أي: البخاريِّ ومسلمٍ (مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ فِيهِمُ) أي النَّصَارَى (الرَّجُلُ الصَّالِحُ [بنَوْا على قبرهِ مسجدًا. وفيهِ: أولئكَ شرارُ الخلَقِ) اسمُ

(1)

في "السنن"(رقم 3236).

(2)

في "السنن"(رقم 320) وقال: حديث حسن.

(3)

في "السنن"(4/ 94 رقم 2043).

(4)

في "السنن"(رقم 1575).

قلت: وأخرجه ابن حبان (رقم 788 - موارد)، والطبراني في "الكبير"(12/ 148 رقم 12725)، والحاكم (1/ 374)، والبيهقي (4/ 78) وغيرهم. وهو حديث حسن بشواهده ما عدا لفظ (السُّرُج).

انظر: الإرواء للألباني (3/ 213) والضعيفة رقم (225).

(5)

وقد طبعت الرسالة مرتين بتحقيقنا على مخطوطتين، ولله الحمد والمنة.

(6)

في "صحيحه"(رقم 23/ 532).

(7)

أي للبخاري ومسلم.

البخاري (رقم 427 ورقم 434 ورقم 1341)، ومسلم (رقم 528).

قلت: وأخرجه النسائي (2/ 41 رقم 704)، وأبو عوانة (1/ 400 - 401)، وابن سعد في "الطبقات"(2/ 239 - 240).

ص: 142

الإشارةِ عائدٌ إلى الفريقينِ، وكفى بهِ ذمًا]

(1)

. ولما أفردَ اليهودَ كما في حديثِ أبي هريرةَ قالَ: "أنبيائِهم"، وأحسنُ منْ هذَا أنْ يقالَ: أنبياءُ اليهودِ أنبياءُ النَّصَارَى؛ لأنَّ النَّصارى مأمورونَ بالإيمانِ بكلِّ رسولٍ، فرسلُ بني إسرائيلَ يُسَمَّوْنَ أنبياءَ في حقّ الفريقينِ. والمرادُ منَ الاتخاذِ أعمُّ منْ أنْ يكونَ ابتداعًا أو اتباعًا، فاليهودُ ابتدعتْ والنصارى اتبعتْ.

‌جواز دخول الكفار المساجد لحاجة من غير إيذاء

4/ 239 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ. الْحَدِيثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي هرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا، فَجَاءَتْ بِرَجلٍ فَرَبَطوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ. الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). الرجلُ هوَ ثمامةُ بنُ أثالٍ، صرحَ بذلكَ في الصحيحينِ وغيرِهمَا، وليسَ فيهِ أنَّ الربطَ عن أمرِهِ صلى الله عليه وسلم، ولكنهُ صلى الله عليه وسلم قررَ ذلكَ لأنَّ في القصةِ أنهُ كانَ يمرُّ بهِ ثلاثةَ أيامٍ ويقولُ:"ما عندَك يا ثمامةُ - الحديثَ". وفيهِ دليلٌ على جوازِ ربطِ الأسيرِ بالمسجدِ وإنْ كانَ كافرًا، وأن هذَا [مخصِّصٌ]

(3)

لقولهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المسجدَ لذكرِ اللَّهِ والطاعةِ". وقدْ أنزلَ صلى الله عليه وسلم وفدَ ثقيفٍ في المسجدِ

(4)

. قالَ الخطابيُّ

(5)

: فيهِ جوازُ دخولِ المشركِ المسجدَ إذا كانَ

(1)

زيادة من (ب) ما عدا: "بنوا على قبره مسجدًا" فهي من (أ).

(2)

البخاري (رقم 462 ورقم 469 ورقم 2422 ورقم 2423 ورقم 4372)، ومسلم (رقم 59 و 60/ 1764).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 2679)، والنسائي (2/ 46 رقم 712)، والبغوي في "شرح السنة"(11/ 80 رقم 2712)، وأحمد (2/ 452)، والبيهقي (6/ 319) و (9/ 65 - 66)، وابن حبان (ص 568 رقم 2281)، وابن خزيمة (1/ 125 رقم 253).

(3)

في (ب): "تخصيص".

(4)

أخرجه أحمد في "الفتح الرباني"(21/ 207 - 208 رقم 449)، وأبو داود (3/ 420 - 421 رقم 3026)، والطيالسي في "المسند"(ص 126 رقم 939) كلهم من حديث عثمان بن أبي العاص.

وأورده المنذري في "المختصر"(4/ 244 رقم 2907) وقال: "قد قيل: إن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص".

قلت: لم يصرح الحسن وحميد بالسماع، وهما مدلسان، فيكون الحديث ضعيفًا، والله أعلم.

(5)

في "معالم السن"(1/ 244 - مع المختصر).

ص: 143

لهُ فيهِ حاجةٌ مثلَ أنْ يكونَ لهُ غريمٌ في المسجدِ لا يخرجُ إليهِ، ومثلَ أنْ يحاكمَ إلى قاضٍ هوَ في المسجدِ. وقدْ كانَ الكفارُ يدخلونَ مسجدَهُ صلى الله عليه وسلم ويطيلونَ فيهِ الجلوسَ. وقدْ أخرجَ أبو داودَ

(1)

منْ حديثِ أبي هريرةَ: "أن اليهودَ أَتَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهوَ في المسجدِ". وأما قولُهُ تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}

(2)

؛ فالمرادُ بهِ لا يُمكَّنونَ منْ حجٍّ ولا عمرةٍ كما وردَ في القصةِ التي بَعَثَ لأجلِها صلى الله عليه وسلم بآياتِ براءةَ إلى مكةَ. وقولُهُ: "فلا يحجنَّ بعدَ هذا العامِ مشركٌ"

(3)

، وكذلكَ قولُهُ تعالى:{مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ}

(4)

لا يتمُّ بها دليلٌ على تحريمِ المساجدِ على المشركينَ لأنَّها نزلتْ في حقِّ مَنِ استولى عليْهَا وكانتْ لهُ الحكمةُ والمَنْعَةُ كما وقعَ في سببِ [نزولِ الآيةِ الكريمة]

(5)

؛ فإنَّها نزلتْ في شأنِ النَّصَارى واستيلائِهمْ على بيتِ المقدسِ، وإلقاءِ الأَذَى فيهِ والأزبالِ، أوْ أنَّها نزلتْ في شأنِ قريشٍ ومَنْعُهُمْ له صلى الله عليه وسلم عامَ الحديبيةِ عن العمرةِ. وأما دخولُهُ منْ غيرِ استيلاءِ ومنعٍ وتخريب فلمْ تفدْهُ الآيةُ الكريمةُ، وكأنَّ المصنفَ ساقهُ لبيانِ جوازِ دخول المشركِ المسجدَ، وهوَ مذهبُ إمامهِ فيما عدَا المسجدَ الحرامَ.

‌جواز إنشاد الشعر في المساجد

5/ 240 - وَعَنْهُ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه مَرَّ بِحَسَّانَ يُنْشِدُ في الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ، وَفِيه مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

(وَعَنْه) أي أبي هريرةَ (أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه مَرَّ بِحَسَانَ)

(7)

بالحاءِ المهملةِ مفتوحة

(1)

في "السنن"(رقم 488): وفيه رجل من مزينة مجهول. وهو حديث ضعيف.

(2)

سورة التوبة: الآية 28.

(3)

أخرجه البخاري (رقم 369)، ومسلم (رقم 435/ 1347)، وأبو داود (رقم 1946)، والنسائي (5/ 234) من حديث أبي هريرة.

(4)

سورة البقرة: الآية 114.

(5)

في (أ): "النزول".

(6)

البخاري (رقم 3212)، ومسلم (رقم 151/ 2485).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 5014)، والنسائي (2/ 48 رقم 716).

(7)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(3/ 29 رقم 120)، والمعارف (2/ 128، 143)، والمعرفة والتاريخ (1/ 235)، و"الجرح والتعديل"(3/ 233 رقم 1026)، و"الإصابة" =

ص: 144

فسينٌ مشددةٌ، هوَ ابنُ ثابت شاعرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يُكْنَى أبا عبدِ الرحمنِ، أطالَ ابنُ عبدِ البرِّ في ترجمتهِ في الاستيعابِ قالَ: وتوفيَ حسانُ قبلَ الأربعينَ في خلافةِ عليٍّ صلى الله عليه وسلم، وقيلَ: بلْ ماتَ سنةَ خمسينَ وهوَ ابنُ مائةٍ وعشرينَ سنةً، (يُنْشِدُ) بضمِ حرفِ المضارعةِ وسكونِ النونِ وكسرِ الشينِ المعجمةِ. (في المسجدِ فلحظ إليهِ)؛ أي نظرَ إليهِ، وكأنَّ حسانَ فَهِمَ منهُ نظرَ الإنكارِ (فَقَالَ: قَدْ كُنْت أُنشِدُ فيه، وفِيهِ) أي المسجد (مَنْ هُوَ خَيرٌ مِنْكَ) يعني رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وقدْ أشارَ البخاريُّ في باب بَدْءِ الخلقِ في هذه القصةِ أن حسانًا أنشدَ في المسجدِ ما أجابَ بهِ المشركينَ عنهُ صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث [دلالةٌ]

(1)

على جوازِ إنشادِ الشعرِ في المسجدِ. وقدْ عارضَهُ أحاديثُ. أخرجَ ابنُ خزيمةَ

(2)

، وصححهُ الترمذيُّ

(3)

منْ حديثِ عمرِو بن شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّه قالَ: "نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ تناشدِ الأشعارِ في المسجدِ"، ولهُ شواهدُ. وجمعَ بينَها وبينَ حديثِ البابِ بأنَّ النَّهْي محمولٌ على تناشدِ أشعارِ الجاهليةِ وأهل البطالةِ، وما لمْ يكنْ فيهِ غرضٌ صحيحٌ، والمأذونُ فيِهِ ما سَلِمَ مِنْ ذلكَ. وقيلَ: المأذونُ فيهِ مشروطٌ بأنْ لا يكونَ ذلكَ مما يشغلُ مَنْ في المسجدِ.

‌السؤال عن الضالة في المساجد منهي عنه

6/ 241 - وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّة فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا الله عَلَيكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهذَا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

. [صحيح]

= (2/ 237 - 238 رقم 1700)، و"الاستيعاب"(3/ 13 - 31 رقم 510)، و"مجمع الزوائد"(9/ 377)، و"تهذيب التهذيب"(2/ 216 - 217 رقم 450).

(1)

في (أ): "دليل".

(2)

في "صحيحه"(3/ 158 رقم 1816).

(3)

في "السنن"(2/ 139 رقم 322) وقال: حديث حسن.

قلت: وأخرجه النسائي (2/ 47 رقم 714) و (2/ 48 رقم 715)، وأبو داود (رقم 1079). وهو حديث حسن. وقد حسنه الألباني في صحيح أبي داود.

(4)

في "صحيحه"(رقم 79/ 568).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 473)، وابن ماجه (رقم 767)، وأحمد (2/ 349)، وابن خزيمة (2/ 273 رقم 1302)، والبيهقي (6/ 196) و (2/ 447) و (10/ 102 - 103)، وأبو عوانة (1/ 406).

ص: 145

(وَعَنْهُ) أي أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ) بفتحِ المثناةِ التحتيةِ، وسكونِ النونِ، وضمِّ الشينِ المعجمةِ، مِنْ نَشَدَ الدابةَ إذا طَلَبها (ضَالَّة فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ) عقوبةً لهُ لارتكابهِ في المسجدِ ما لا يجوزُ. وظاهرُهُ أنهُ يقولهُ جَهْرًا، وأنهُ واجبٌ؛ (فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهذَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) أي: بلْ بنيتْ لذكرِ اللَّهِ والصلاةِ والعلمِ والمذاكرةِ في الخيرِ ونحوِهِ.

والحديثُ دليلٌ على تحريمِ السؤال عن ضالةِ الحيوانِ في المسجدِ، وهلْ يلحقُ بهِ السؤالُ عنْ غيرها منَ المتاعِ، ولو ذهبَ في المسجدِ؟ قيلَ: يلحقُ للعلةِ؛ وهي قولُهُ: فإنَّ المساجدَ لمْ تُبْنَ لِهذَا، وأنَّ مَنْ ذهبَ عليهِ متاعٌ فيهِ أوْ في غيرِهِ قعدَ في بابِ المسجدِ يسألُ الخارجينَ والداخلينَ إليهِ. واختُلِفَ أيضًا في تعليمِ الصبيانِ القرآنَ في المسجدِ، وكأنَّ المانعَ يمنعُه لما فيه مِنْ رفعِ الأصواتِ المنهيِّ عنهُ في حديثِ واثلةَ:"جَنبُوا مساجدَكم مجانينَكم وصبيانَكم ورفعَ أصواتِكم"، أخرجهُ عبدُ الرزاق

(1)

والطبرانيُّ في الكبيرِ

(2)

وابنُ ماجَهْ

(3)

.

‌يحرم البيع والشراء في المساجد

7/ 242 - وَعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ: لَا أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ"، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

(4)

، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ

(5)

. [صحيح]

(1)

في "المصنف"(1/ 442 رقم 1727) مرسلًا.

(2)

(8/ 156 رقم 7601) وفيه العلاء بن كثير ضعيف الحديث.

(3)

في "السنن"(1/ 347 رقم 750) وإسناده ضعيف.

قلت: وأخرجه العقيلي في "الضعفاء"(3/ 347 - 348)، وأورده القاري في "الأسرار المرفوعة"(رقم 154)، والفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص 37).

والخلاصة: أن الحديث ضعيف. وانظر: "مصباح الزجاجة"(1/ 162 رقم 284).

(4)

في عمل اليوم والليلة رقم (176).

(5)

في "السنن"(3/ 610 رقم 1321) وقال: حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 154)، والدارمي (1/ 326)، وابن حبان (ص 99 رقم 313 - الموارد)، وابن خزيمة (2/ 274 رقم 1305)، والحاكم (2/ 56)، والبيهقي (2/ 447)، وابن الجارود، رقم (562).

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وصحَّحه الألباني في "الإرواء"، رقم (1295).

ص: 146

(وَعَنْه) أي أبي هريرةَ (أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ)[أي]

(1)

يشتري (فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ: لَا أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ). فيهِ دلالةٌ على تحريمِ البيعِ والشراءِ في المساجدِ وأنهُ يجبُ على مَنْ رَأَى ذلكَ فيهِ أنْ يقولَ لكلٍّ مِنَ البائعِ والمشتري: لا أربحَ اللَّهُ تجارتَكَ، يقولُ جَهْرًا زَجْرًا للفاعلِ لذلكَ، والعلةُ هي قولُهُ فيما سلفَ: "فإنَّ المساجدَ لمْ تُبْنَ

(2)

لذلكَ". وهلْ ينعقدُ البيعُ؟ قالَ الماورديُّ

(3)

: إنهُ ينعقدُ اتفاقًا.

‌لا تقام الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها

8/ 243 - وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَا يُسْتَقَادُ فِيهَا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(4)

، وَأَبُو دَاوُدَ بِسَنَدِ ضَعِيفٍ

(5)

. [حسن]

‌ترجمة حكيم بن حزام

(وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ)

(6)

بالحاءِ المهملةِ مكسورةٍ والزاي. وحكيمٌ صحابيٌّ كانَ منْ أشرافِ قريشٍ في الجاهليةِ والإسلامِ. [أسلمَ عامَ الفتحِ، عاشَ مائةً

(1)

زيادة من (أ).

(2)

هنا لفظ (تكن) زيادة من (أ).

(3)

هو الإمام العلامة، أقضى القضاة، أبو الحسن، علي بنُ محمدِ بن حبيب البصريُّ، الماورديُّ، الشافعي، صاحبُ التصانيف الحسان، منها:"التفسير" و"كتاب الحاوي" و"الأحكام السلطانية" و"قوانين الوزارة" و"الأمثال" و"أدب الدنيا والدين" وغيرها. مات في ربيعِ الأول سنة خمسين وأربعِ مئة، وقد بلغ سِتًا وثمانين سنة.

[انظر: النجوم الزاهرة (5/ 64) و"تاريخ بغداد" (12/ 102 - 103)، و"المنتظم" (8/ 199 - 200)، و"طبقات السبكي" (5/ 267 - 285)].

(4)

في "المسند"(3/ 434).

(5)

في "السنن"(4/ 629 رقم 4490).

(6)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(3/ 11 رقم 42)، و"المعارف"(311)، و"الجرح والتعديل"(3/ 202 رقم 876)، و"تهذيب أسماء واللغات"(1/ 166 - 167 رقم 127)، و"تهذيب التهذيب"(2/ 384 - 385 رقم 775)، و"العقد الثمين"(4/ 221 - 223 رقم 1068)، و"الاستيعاب"(3/ 53 - 55 رقم 538)، و"تاريخ الطبري"(2/ 485)، و"مرآة الجنان"(1/ 160).

ص: 147

وعشرينَ سنةً؛ ستونَ في الجاهليةِ، وستونَ في الإسلامِ]

(1)

، وتوفيَ بالمدينةِ سنةَ أربعٍ وخمسينَ، ولهُ أربعةُ أولادٍ صحابيونَ كلُّهم، عبدُ اللَّهِ، وخالدٌ، وَيحْيى، وهشامٌ.

(قَالَ: قَالَ رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُسْتَقَادُ فِيهَا)، أي يقامُ القَوَدُ فيْها (رَوَاهُ أحْمَدُ وَأَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ)، ورواهُ الحاكمُ

(2)

، وابنُ السكنِ

(3)

، وأحمدُ بنُ حنبلٍ

(4)

، والدارقطنيُّ

(5)

، والبيهقيُّ

(6)

. وقالَ المصنفُ في التلخيصِ

(7)

: لا بأسَ بإسنادِهِ. والحديثُ دليل على تحريمِ إقامةِ الحدودِ في المساجدِ، وعلى تحريمِ الاستقادةِ فيْها.

‌جواز النوم وبقاء المريض في المسجد

9/ 244 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ، لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ. مُتَّفَق عَلَيْهِ

(8)

. [صحيح]

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ)

(9)

.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "المستدرك"(4/ 378).

(3)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(4/ 77).

(4)

في "المسند"(3/ 434) وقد تقدم.

(5)

في "السنن"(3/ 86 رقم 14).

(6)

في "السنن الكبرى"(8/ 328).

(7)

(4/ 78).

قلت: وسكت عليه الحاكم ورجاله ثقات غير زُفر بن وَثيمَة، قال في "الميزان" (2/ 71 رقم 2868): وقد ذكر له هذا الحديث: "وضعفه عبد الحق، أعني الحديث. وقال ابن القطان: علته الجهل بحال زفر، تفرد عنه الشعيثي. قلت: وقد وثقه ابن معين ودُحيم". وقد تابعه العباس بن عبد الرحمن المدني عند أحمد (3/ 434) والظاهر أنه مولى بني هاشم، وهو في عداد المجهولين. والجملة الأخيرة منه لها شاهد من حديث ابن عباس عند الحاكم (4/ 369) ويدخل فيها الجملة الأولى، فإنها أعم منها كما هو ظاهر. والجملة الوسطى يشهد لها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد تقدم في نهاية شرح الحديث رقم (5/ 238)، وانظر:"إرواء الغليل" للمحدث الألباني (7/ 361 رقم 2327).

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(8)

البخاري: (رقم 463)، ومسلم (رقم 65/ 1769).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 3101)، والنسائي (2/ 45 رقم 710)، وأحمد (6/ 56).

(9)

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(3/ 420 - 436)، و"التاريخ الكبير" (4/ 65 رقم =

ص: 148

‌ترجمة سعد بن معاذ

هوَ ابنُ معاذٍ، بضمِّ الميمِ فعينٍ مهملةٍ بعدَ الألفِ ذالٌ معجمةٌ، [وسعد]

(1)

هوَ أبو عمروٍ سعدُ بنُ معاذٍ الأوسيِّ، أسلمَ بالمدينةِ بينَ العقبةِ الأُوْلَى والثانيةِ، وأَسْلَمَ بإسلامهِ بنُو عبدِ الأشهلِ، وسماهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيِّدَ الأنصارِ، وكانَ مِقدَامًا مُطاعًا شَرِيْفًا في قومهِ مِنْ كبارِ الصحابةِ، شهدَ بدرًا وأُحدًا، وأصيبَ يومَ الخندقِ في أُكْحُلِهِ فلمْ يرقأْ دمُهُ حتَّى ماتَ بعدَ شهر، توفيَ في شهرِ ذي القعدةِ سنةَ خمسٍ منَ الهجرةِ.

(يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أي نصبَ عليهِ (خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ) أي: ليكونَ مكانُهُ قريبًا منهُ صلى الله عليه وسلم فيعودُهُ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). فيهِ دلالةٌ على جوازِ النومِ في المسجدِ وبقاءِ المريضِ فيهِ وإنْ كانَ جريحًا، وضربِ الخيمةِ وإنْ منعتْ منَ الصلاةِ.

‌اللعب المباح في المسجد

10/ 245 - وَعَنْهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُني، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ - الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

(وَعَنْهَا) أي عنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُني وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، الْحَدِيثَ مُتفَقٌ عَلَيْهِ). قدْ بينَ في روايةٍ للبخاريِّ

(3)

أنَّ لِعَبَهُمْ كانَ بالدَّرَقِ وَالحِراب، وفي روايةٍ لمسلم

(4)

: يلعبونَ في المسجدِ بالحرابِ، وفي روايةٍ للبخاريّ

(5)

: وكانَ يومَ عيدٍ، فهذَا يدلُّ على جوازِ مثلِ ذلكَ في المسجدِ في يومِ مَسَرَّةٍ. وقيلَ: إنهُ منسوخٌ بالقرآنِ والسنةِ، أنها القرآنُ فقولُهُ

= 1977)، و"الجرح والتعديل"(4/ 93 رقم 411)، و"الاستيعاب"(4/ 163 - 167 رقم 958)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 214 - 215 رقم 206)، و"العبر"(1/ 7)، و"مجمع الزوائد"(8/ 309 - 310)، و"تهذيب التهذيب"(10/ 173 رقم 360)، و"الإصابة"(4/ 171 - 172 رقم 3197).

(1)

زيادة من (أ).

(2)

البخاري (رقم 988)، ومسلم (رقم 17/ 892).

(3)

في "صحيحه"(2/ 440 رقم 950).

(4)

في "صحيحه"(2/ 609 رقم 18/ 892).

(5)

في "صحيحه"(2/ 440 رقم 950).

ص: 149

تعالى: {في بيُوتٍ أَذنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}

(1)

، وأما السنةُ فبحديثِ: "جَنِّبُوا مساجدَكم صبيانَكم

(2)

، [ومجانينكم، وسلِّ سيوفكم، وإقامة حدودكم وخصوماتكم، وجمِّروها في الجُمَع، واجعلوا على أبوابها المطاهر". أخرجه ابنُ عدي، والطبراني في الكبير، والبيهقي، وابن عساكر. وكان يقول القائل بالنسخ أنه إذا نهى عن الخصومة وسل السيوف فبالأولى عن اللعب بالحراب، وفيه بُعد]

(3)

، وتُعُقّب بأنه حديثٌ ضعيفٌ، وليسَ فيهِ ولا في الآيةِ تصريحٌ [بما]

(4)

ادَّعاهُ، ولا عرفَ التاريخُ فيتمُّ النسخُ. وقدْ حُكِيَ أن لعبهَم كانَ خارجَ المسجدِ، وعائشةُ كانتْ في المسجدِ. وهذَا مردودٌ بما ثبتَ في بعضِ طرقِ هذا الحديث

(5)

أن عمرَ أنكرَ عليهمْ لعبَهم في المسجدِ، فقال لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"دعْهُم"، وفي بعض ألفاظِهِ

(6)

أنهُ قال صلى الله عليه وسلم لعمرَ: "لتعلم اليهودُ أن في دينِنَا فسحةً، وأني بُعِثْتُ بحنيفيةٍ سمحةٍ"، وكأنَّ عمرَ بَنَى عَلَى الأصلِ في تنزيهِ المساجدِ فبينَ لهُ صلى الله عليه وسلم أن التعمقَ [والتشددَ]

(7)

ينافي قاعدةَ شريعتِهِ صلى الله عليه وسلم منَ التيسيرِ والتسهيلِ، وهذا يدفعُ قول الطبريِّ

(8)

: إنهُ يُغْتَفَرُ للحبشِ ما لا يُغْتَفَرُ لغيرِهم فيقرُّ حيثُ وردَ، ويدفعُ قول مَنْ قال: إنَّ اللعبَ بالحرابِ ليس لعبًا مجردًا بلْ فيهِ تدريبُ الشجعانِ على مواضعِ الحروبِ، والاستعدادِ للعدوِّ، ففي ذلكَ منَ المصلحةِ التي تجمعُ عامةَ المسلمينَ

(1)

سورة النور: الآية 36.

(2)

وهو حديث ضعيف تقدَّم تخريجه في نهاية شرح الحديث رقم (6/ 241).

(3)

زيادة من (أ). وبدل الزيادة في (ب): "الحديث".

(4)

في (أ): "لما".

(5)

في صحيح البخاري (رقم 988).

(6)

أخرجه أحمد في "المسند"(6/ 116 و 233)، والديلمي (2/ 110) بسند حسن. وأورده ابن حجر في "الفتح"(2/ 444) وسكت عليه.

وأخرجه الحميدي في "المسند"(1/ 123 - 124 رقم 254) بلفظ: "العبوا، يا بني أرفدة! تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة" ورجاله ثقات. إلا أن التيمي هذا لم يذكروا له رواية عن الصحابة، سوى أبي أمامة بن سهل بن حنيف، فإنه معدود في الصحابة، وله رؤية، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فما أظن التيمي سمع من عائشة.

ولكن الحديث بمجموع طرقه صحيح.

[الصحيحة للمحدث الألباني (4/ 443 - 444 رقم 1829)، و"كشف الخفاء"(1/ 251 رقم 658).

(7)

في (ب): "التشديد".

(8)

ذكره ابن حجر في "الفتح"(2/ 444).

ص: 150

ويحتاجُ إليها في إقامةِ الدينِ فأجيزَ فعلُها في المسجدِ. هذا وأما نظرُ عائشةَ إليهمْ وهمْ يلعبونَ وهي أجنبيةٌ ففيهِ دلالةٌ على جوازِ نظرِ المرأةِ إلى جملةِ الناسِ منْ دونِ تفصيلِ لأفرادِهم كما تنظرُهم إذا خرجتْ للصلاةِ في المسجدِ، وعندَ الملاقاة في الطرقات. ويأتي تحقيقُ هذهِ المسئلةِ في محلّها.

‌المبيت والمقيل والخيمة في المسجد

11/ 246 - وَعَنْهَا أَنَّ وَليدَةَ سَوْدَاءَ كَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَتْ تَأْتِيني فَتَحَدَّثُ عِنْدِي - الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْهَا) أي عَائِشَةَ (أَنَّ وَلِيدَة) الوليدةُ: الأَمةُ (سَوْدَاءَ [كان]

(2)

لَهَا خِبَاءٌ) بكسرِ الخاءِ المعجمةِ وموحدةٍ فهمزةٍ ممدودةٍ، الخيمةُ منْ وَبَرٍ أو غيرِهِ، وقيلَ: لا تكونُ إلَّا منْ شعرٍ (فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَتْ تَأتِيني فَتَحَدُّثُ عِنْدِي - الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). والحديثُ برُمَّتهِ في البخاريِّ عنْ عائشةَ: "أَنَّ وَليدةَ سَوداءَ كانتْ لحيٍّ منَ العرب فأعتَقُوها فكانتْ معَهم، فخرجتْ صَبِيَّة لهم عليْها وشاحٌ

(3)

أحمرُ منْ سُيورٍ

(4)

. قالتْ: فَوَضَعَتْهُ أو - وَقعَ منْها - فمرَّت حُدَيَّاةٌ

(5)

وهوَ مُلْقًى فَحسِبَتْهُ لحمًا فَخَطِفَتْهُ قالتْ: فالتمَسوهُ فلم يَجدوهُ، فاتهموني بهِ فجعلُوا يفتشوني حتَّى فَتَّشُوا قُبُلهَا، قالتْ: إني واللَّهِ لقائمةٌ معهُم إذْ مرتِ الحدياةُ فألقتْهُ، قالتْ: فوقعَ بينَهم، فقلتُ: هذا الذي اتهمتموني بهِ زعمتمْ وأنا منه بريئةٌ وها هُوَ ذَا، قالتْ: فجاءتْ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأسلمتْ، قالتْ عائشةُ: فكانَ لها خباءٌ في المسجدِ أو حِفْشٌ

(6)

فكانتْ تأتيني فَتَحَدَّثُ عندي قالتْ فلا تجلسُ إلَّا قالتْ:

ويومَ الوِشاحِ مِنْ تعاجيبِ رَبّنَا

إلَّا أنَّهُ مِنْ دارةِ الكفرِ نجاني

(1)

البخاري (رقم 439) و (رقم 3835). ولم أجده في مسلم.

(2)

في (ب): "فكان".

(3)

وشاح: نسيج من جلد مرصَّع بالجواهر، تشده المرأة بين عاتقها وكشحها.

(4)

سيور: جمع سير، وهو ما يقطع من الجلد.

(5)

حُدَيَّاة: هي طائر، قيل يأكل الجرذان. وهي الحِدأة، وهي من الحيوانات المأذون بقتلها للمحرم وفي الحرم.

(6)

حِفْش: بيت صغير قليل الارتفاع.

ص: 151

قَالَتْ عائشةُ: [فقلت]

(1)

لها ما شأنُكِ لا تَقعُدِينَ إلَّا قُلتِ هذا؟ فحَدّثَتني بهذا الحديثِ". [فهذا]

(2)

الذي أشار إليهِ المصنفُ بقولهِ (الحديثَ).

وفي الحديثِ دلالةٌ على إباحةِ المبيتِ والمقيلِ في المسجدِ لمنْ ليسَ لهُ مسكنٌ منَ المسلمينَ، رجلًا كان أو امرأةٌ عندَ [مْنِ الفتنةِ] وجوازِ ضربِ الخيمةِ لهُ ونحوِها.

‌تنظيف المساجد عن القاذورات

12/ 247 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْبُصَاقُ في الْمَسْجِدِ خَطِيئَة وَكَفارَتُهَا دَفْنُها"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْبُصَاقُ) في القاموسِ

(4)

: البُصَاقُ كغُرابٍ، والبُساقُ والبزاقُ: ماءُ الفمِ إذا خرجَ منهُ، وما دامَ فيهِ فهوَ ريقٌ، وفي لفظٍ للبخاريِّ: البزاقُ، ولمسلمٍ: التفلُ، (في الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُها دَفْنُهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

الحديثُ دليل على أن البصاقَ في المسجدِ خطيئةٌ والدفنُ يكفّرُها، وقدْ عارضَهُ ما تقدمَ منْ حديثِ فليبصقْ عنْ يسارهِ، أو تحتَ قدمهِ؛ فإنَّ ظاهرَهُ سواءٌ كانَ في المسجدِ أو غيرِهِ. قالَ النوويُّ: هما عمومانِ لكنَّ [عموم]

(5)

الثاني مخصوصٌ بمَا إِذَا لمْ يكنْ في المسجدِ، ويبقَى عمومُ الخطيئةِ إذا كانَ في المسجدِ منْ دونِ تخصيصِ، وقالَ القاضي عياضُ: إنَّما يكونُ البصاقُ في المسجدِ خطيئة إذا لم يدفنْه، وأما إذا [أراد]

(6)

دفنَه فلَا. وذهبَ إلى هذا أئمةٌ منْ أهلِ الحديثِ، ويدلُّ لهُ حديثُ أحمدَ

(7)

، والطبرانيّ

(8)

بإسنادٍ حسنٍ منْ حديثِ أبي أمامةَ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (أ): "فهو".

(3)

البخاري (رقم 415)، ومسلم (رقم 552).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 475)، والترمذي (رقم 572). وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (2/ 50 رقم 723)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 380 رقم 488)، وأحمد (3/ 173 و 232 و 274 و 277)، والبيهقي (2/ 291)، وأبو عوانة (1/ 404 و 405)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 365)، والطيالسي (1/ 83 رقم 350 - منحة المعبود)، وابن خزيمة (2/ 276 رقم 1309)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(9/ 396).

(4)

"المحيط"(1120).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

في "المسند"(3/ 183، 289).

(8)

في "الكبير"(8/ 341 رقم 8092).=

ص: 152

مرفوعًا: "منْ تنخَّعَ في المسجدِ فلمْ يدفنْهُ فسيئةٌ، فإنْ دَفَنَهُ فحسنةٌ"؛ فلم يجعلْه سيئة إلَّا بقيدِ عدمِ الدفنِ. ونحوهُ حديثُ أبي ذرّ عندَ مسلمٍ

(1)

مرفُوعًا: "وَجَدْتُ في مَسَاوِي أمتي النُّخَاعةَ تكونُ في المسجدِ لا تُدْفنُ"، وهكذَا فهمَ السلفُ ففي سننِ سعيدِ بن منصورٍ

(2)

عنْ أبي عبيدةَ بن الجراحِ: "أنهُ تنخَّمَ في المسجدِ ليلةً، فنسيَ أنْ يدفنَها حتى رجعَ إلى منزلهِ، فأخذَ شعلة منْ نارٍ ثمَّ جاءَ فطلبَها حتَّى دفنَها، وقالَ: الحمدُ للَّهِ حيثُ لمْ تكْتَبْ عليَّ خطيئةٌ الليلةَ"؛ فدلَّ على أنهُ فهمَ أن الخطيئةَ مختصة بمنْ تركهَا، وقَدَّمْنَا وجْهًا منَ الجمعِ، وهوَ أن الخطيئةَ حيثُ كانَ التفلُ عن اليمينِ أوْ إلى جهةِ القبلةِ، لا إذا كانَ عن الشمالِ أو تحتَ القدمِ؛ فالحديثُ هذَا مخصصٌ بذلكَ ومقيدٌ بهِ، قالَ الجمهورُ: والمرادُ - أي منْ دَفْنِها -[دفنُها]

(3)

في ترابِ المسجدِ ورملِهِ وحصاهُ، وقولُ مَنْ قَالَ: المرادُ مِنْ دفْنِها إخراجُها منَ المسجدِ بعيدٌ.

‌النهي عن زخرفة المساجد وتشييدها

13/ 248 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ"، أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ

(4)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(5)

. [صحيح]

= وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 18) وقال: "رواه أحمد والطبراني في "الكبير"، إلا أنه قال: خطيئة وكفارتها دفنها. ورجال أحمد موثوقون".

(1)

في "صحيحه"(1/ 390 رقم 57/ 553).

(2)

وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 365 - 366)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 434 رقم 1696).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

وهم: أحمد (3/ 134 و 145 و 152 و 230 و 283)، وأبو داود (رقم 449)، والنسائي (رقم 689)، وابن ماجه (رقم 739).

(5)

في "صحيحه"(2/ 282 رقم 1323).

قلت: وأخرجه ابن حبان (ص 99 رقم 308 - الموارد)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 350 رقم 464).

وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

ص: 153

(وَعَنْهُ) أي أنسٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى) يتفاخرُ (النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ) بأنْ يقولَ واحدٌ مسجدي [خير]

(1)

مِنْ مسجدِكَ، علوًا وزينةً وغيرَ ذلكَ. (أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحَه ابْنُ خُزَيْمَةَ).

الحديثُ مِنْ أعلامِ النبوةِ. وقولُهُ: (لا تقومُ الساعةُ) قدْ يؤخذُ منهُ أنهُ منْ أشراطِها، والتباهي إمَّا بالقولِ كما عرفتَ، أوْ بالفعلِ كأنْ يبالغَ كلُّ واحدٍ في تزيينِ مسجدهِ ورفع بِنائهِ وغيرِ ذلكَ. وفيهِ دلالة مفهمة بكراهةِ ذلكَ، وأنهُ منْ أشراطِ الساعةِ، وأنَّ الله لا يحبُّ تشييدَ المساجدِ ولا عمارتِها إلَّا بالطاعةِ.

14/ 249 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ"، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عما قَالَ: قَالَ رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ. أَخْرَجَه أَبو دَاوُدَ، وَصَحَّحَه ابْن حِبَّانَ). وتمامُ الحديثِ: قالَ ابنُ عباسٍ: "لَتُزَخْرِفُنَّها كما زَخْرَفَت اليهودُ والنَّصَارى"، وهذَا مدرجٌ

(4)

منْ كلامِ ابن عباس، كأنهُ فهمهُ منَ الأخبارِ النبويةِ منْ أن هذهِ الأمةَ تحذُو حذوَ بني إسرائيلَ. والتشييدُ

(1)

في (ب): "أحسن".

(2)

في "السنن"(رقم 448).

(3)

في "صحيحه"(3/ 70 رقم 1613).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(2/ 348 رقم 463)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 313).

وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

(4)

المدرج في اللغة: اسم مفعول من أدرج، تقول: أدرجت الثوب والكتاب طويته، وتقول: أدرجت الكتيب في الكتاب جعلته في دَرْجه أي في طيه وثنيه.

وفي الاصطلاح: ما يدخله الراوي على الأصل المروي متصلًا به سواء كان الاتصال بآخر المروي، أو بأوله، أو في أثنائه، دون فصل بذكر قائله، بحيث يلتبس على من لم يعرف الحال، فيتوهم أن الجميع من ذلك الأصل المروي.

ويعرف الإدراج:

(أ) بورود الحديث من رواية أخرى تفصل القدر المدرج عما أدرج فيه.

(ب) بالتنصيص على ذلك من الراوي نفسه، أو من بعض الأئمة المطَّلعين.

(حـ) باستحالة كون ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

[انظر كتابنا: "مدخل إرشاد الأمة

" الفائدة الثالثة: شذرات من علوم الحديث رقم (3) ذكر أنواع تشترك في الصحيح والحسن والضعيف].

ص: 154

رفعُ البناءِ وتزيينُه بالشِّيدِ، وهوَ الجصُّ، كذَا في الشرحِ. والذي في القاموسِ

(1)

: شادَ الحائِطَ يَشِيدُهُ طَلاهُ بالشِّيدِ، وهوَ ما [يطلَى به الحائطُ]

(2)

منْ جِصٍّ [ونحوهِ]

(3)

انتهى. فلمْ يجعلْ رفعَ البناءِ منْ مسمَّاهُ. [وأما قوله تعالى: {فِي بيُوُتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ}

(4)

ففي الكشاف رفعها بناؤها. كقوله: {بَنَاهَا (27) سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا}

(5)

، {وَإِذْ يَرفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ}

(6)

. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي المساجد تبنى، أو تعظيمها والرفع من قدرها. وعن الحسن ما أمر الله بالرفع بالبناء ولكن التعظيم]

(7)

. والحديثُ ظاهرٌ في الكراهة أو التحريمِ لقولِ ابن عباسٍ كما زخرفتِ اليهودُ والنَّصارى، فإنَّ التشبهَ بهمْ محرمٌ، وذلكَ أنهُ ليسَ المقصودُ منْ بناءِ المساجدِ إلَّا أنْ [تَكِنَّ]

(8)

الناسَ منَ الحرِّ والبردِ، وتزيينُها يشغلُ القلوبَ عن الإقبال على الطاعةِ، ويذهب الخشوع الذي هوَ روحُ جسمِ الصلاة. والقولُ بأنهُ يجوزُ تزيينُ المحرابِ باطلٌ. قالَ المهديُّ في البحرِ

(9)

: إنَّ تزيينَ الحرمينِ لم يكنْ برأي ذي حلٍّ وعقد، ولا سكوتِ رضا، أي منَ العلماءِ، وإنَّما فَعَلَهُ أهلُ الدولِ الجبابرةِ مِنْ غيرِ مؤاذنةٍ لأحدٍ منْ أهلِ الفضلِ، وسكتَ المسلمونَ والعلماءُ منْ غيرِ رضًا. و [هذا]

(10)

كلامٌ حسنٌ.

وفي قولهِ صلى الله عليه وسلم: (ما أمرتُ) إشعارٌ بأنهُ لا يحسنُ ذلكَ؛ فإنهُ لو كانَ حسنًا لأمرهُ اللَّهُ بهِ صلى الله عليه وسلم. وأخرجَ البخاريُّ

(11)

منْ حديثِ ابن عمرَ: "أن مسجدهُ صلى الله عليه وسلم كانَ على عهدهِ صلى الله عليه وسلم مَبنِيًا باللبِنِ، وسَقفهُ الجَريدُ، وعَمَدُهُ خَشبُ النَّخل، فلمْ يَزِدْ فيهِ أبو بكرٍ شَيئًا، وزادَ فيهِ عُمرُ وبَناهُ على بنائهِ في عَهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم باللّبنِ والجَريدِ، وأعادَ عَمدُهُ خَشَبًا، ثمَّ غَيَّرهُ عُثمانُ فزادَ فيهِ زيادةً [كبيرة]

(12)

، وبنى جدرانه بالأحجارِ المنقوشةِ، والجصِّ، وجعلَ عَمَدهُ مِنْ حِجارةٍ منقوشةٍ، وسَقَفَهُ بالساجِ". قالَ ابنُ بطالٍ

(13)

: وهذَا

(1)

"المحيط"(ص 373).

(2)

في (أ): "طُلي به حائط".

(3)

في (أ): "وغيره".

(4)

سورة النور: الآية 36.

(5)

سورة النازعات: الآيتان 27 - 28.

(6)

سورة البقرة: الآية 127.

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في (ب): "وهو".

(9)

(1/ 222).

(10)

في (أ): "يقي".

(11)

في "صحيحه"(رقم 446).

(12)

في (أ): "كثيرة".

(13)

ذكره ابن حجر في "الفتح"(1/ 540).

ص: 155

يدلُّ على أن السنةَ في بنيانِ المساجدِ القصدُ وتركُ الغلوِّ في [تحسينها]

(1)

؛ فقدْ كانَ عمرُ معَ كثرةِ الفتوحاتِ في أيامهِ، وكثرةِ المالِ عندَهُ لم يغيِّر المسجدَ عمَّا كانَ عليهِ، وإِنَّما احتاجَ إلى تجديدِهِ؛ لأنَّ جريدَ النخلِ كانَ قدْ نَخَرَ في أيامهِ، ثمَّ قالَ عندَ عمارتِهِ:"أَكِنَّ الناسَ منَ المطرِ، وإياكَ أن تحمِّرَ أو تصفِّر، فتفتِنَ الناسَ"

(2)

، ثمَّ كانَ عثمانَ والمالُ في زمنهِ أكثرُ فَحَسَّنَهُ بما لا يقتضِي الزخرفةَ، ومعَ ذلكَ أنكرَ بعضُ الصحابةِ عليهِ. وأولُ مَنْ زخرفَ المساجدَ الوليدُ بنُ عبدِ الملكِ، [وذلك]

(3)

في أواخرِ عصرِ الصحابةِ، وسكتَ كثيرٌ منْ أهلِ العلمِ عنْ إنكارِ ذلكَ خوفًا من الفتنةِ.

15/ 250 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتي، حَتى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

، وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

، وَاسْتَغْرَبَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(6)

. [ضعيف]

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عُرِضَتْ عَلَى أُجُورُ أُمَّتِي حَتى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَاسْتَغْرَبَهُ وَصَحَّحَه ابْنُ خزَيْمَةَ). القذاةُ بزنةِ حصاةٍ، هي مستعملةٌ في كلِّ شيءٍ يقعُ في البيتِ وغيرِه إذا كانَ يسيرًا، وهذا إخبارٌ بأنَّ ما يخرجهُ الرجلُ منَ المسجدِ وإنْ قلَّ وحَقُرَ

(1)

في (أ): "تحسينه".

(2)

علقه البخاري (1/ 539) وقال الحافظ: وهو طرف من قصة تجديد المسجد النبوي.

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في "السنن"(رقم 461).

(5)

في "السنن"(5/ 178 رقم 2916).

قال: الترمذي: هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلا من هذا الوجه.

قال: وذاكرتُ به محمدَ بن إسماعيل فلم يَعْرِفْهُ واسْتَغْرَبهُ.

قال محمد - أي البخاري - ولا أعرِفُ للمُطَّلِب بن عبدِ اللَّهِ سماعًا مِنْ أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا قَوَلَهُ: حدثني من شَهِدَ خُطبَة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وسمِعْتُ عبدَ اللَّهِ بنَ عبدِ الرحمن، يقولُ: لا نَعْرِفُ للمطلِب سماعًا مِنْ أحَدٍ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم. قالَ عبدُ اللَّهِ: وأَنكرَ عليُّ بنُ المدينيِّ أن يكوَنَ المطلِبُ سَمِعَ من أنسٍ.

قلت: وعلة الحديث الانقطاع.

(6)

في "صحيحه"(2/ 271 رقم 1197).

قلت: وأخرجه البيهقي (2/ 440)، وعبد الرزاق في "المصنف"(3/ 391 رقم 5977).

وهو حديث ضعيف.

ص: 156

مأجورٌ فيهِ؛ لأنَّ فيهِ تنظيفُ بيتِ اللَّهِ، وإزالةُ ما يؤذي المؤمنينَ. ويفيدُ بمفهومهِ أن مِنَ الأوزارِ إدخالَ القذاةِ إلى المسجدِ.

‌تحية المسجد

16/ 251 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ لله قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يصَلِّيَ رَكعَتَينِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسَ حَتَّى يصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) الحديثُ. نَهَى عن جلوسِ الداخلِ إلى المسجدِ إلَّا بعدَ صلاتهِ ركعتينِ، وهُما تحيةُ المسجدِ. وظاهرهُ وجوبُ ذلكَ، وذهبَ الجمهورُ إلى أنهُ ندبٌ واستدلُّوا بقولهِ صلى الله عليه وسلم للذي رآهُ يتخطَّى:"اجلسْ فقدْ آذيتَ"

(2)

، ولم يأمرهُ بصلاتِهمَا، وبأنهُ قالَ صلى الله عليه وسلم لمنْ علمهُ الأركانَ الخمسةَ فقالَ: لا أزيدُ عليْها: "أفلحَ إنْ صدقَ"

(3)

. والأولُ مردودٌ بأنهُ لا دليلَ على أنهُ لم يصلِّهِمَا؛ فإنهُ يجوزُ أنهُ صلَّاهُما في طرفِ المسجدِ، ثمَّ جاءَ يتخطَّى الرقابَ. والثاني بأنهُ قدْ وجبَ غيرُ ما ذُكِرَ كصلاةِ الجنائزِ ونحوِها، ولا مانعَ مِنْ أنهُ وجبَ بعدَ قولِهِ:(لا أزيدُ) واجباتٌ وأعلمَهُ صلى الله عليه وسلم بهَا.

ثمَّ ظاهرُ الحديثِ أنهُ يصليهمَا في أيِّ وقتٍ شاءَ ووقتِ الكراهةِ، وفيهِ خلافٌ، وقرَّرناهُ في حواشي شرحِ العمدةِ

(4)

أنهُ لا يصليْهِمَا مَنْ دخلَ المسجدَ،

(1)

البخاري (رقم 444)، ومسلم (رقم 69، 70/ 714).

قلت: وأخرجه أبو داود (1/ 318 رقم 467)، والترمذي (2/ 129 رقم 316)، والنسائي (2/ 53)، وابن ماجه (رقم 1013)، وأحمد (5/ 295)، والبيهقي (3/ 53 و 194)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 168).

(2)

أخرجه أبو داود (رقم 1118)، والنسائي (3/ 103 رقم 1399)، وأورده البغوي في "شرح السنة" (4/ 268). كلهم من حديث عبد الله بن بُسْرٍ: بإسناد حسن. وقال ابن حجر في "التلخيص"(2/ 71): وضعَّفه ابن حزم بما لا يقدح.

قلت: وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

(3)

أخرجه البخاري (رقم 46 - البغا)، ومسلم (رقم 8/ 11)، وأبو داود (رقم 391)، والنسائي (رقم 458)، والبيهقي (2/ 466)، وأحمد (1/ 162)، ومالك (1/ 175 رقم 94)، كلهم من حديث طلحة بن عبيد الله.

(4)

(3/ 125 - 127).

ص: 157

أي: أوقاتِ الكراهةِ، وقرَّرْنَا أيضًا أن وجوبَهما هوَ الظاهرُ لكثرةِ الأوامرِ الواردةِ [به]

(1)

، وظاهر أنهُ إذا جلسَ ولمْ يصلِّهِمَا لا يشرعُ لهُ أنْ يقومَ فيصلّيهِمَا. وقالَ جماعةٌ: يشرعُ لهُ التداركُ لما رواهُ ابنُ حبانَ في صحيحهِ

(2)

منَ حديثِ أبي ذرّ أنهُ دخلَ المسجدَ فقالَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ركعتَ ركعتينِ؟ قالَ: لا، قالَ: قمْ فاركعْهُما". وترجمَ عليهِ ابنُ حبانَ تحيةَ المسجدِ لا تفوتُ بالجلوسِ، وكذلكَ ما يأتي منْ قصةِ سُلَيْكٍ الغطفانيِّ

(3)

. وقولُهُ (ركعتينِ) لا مفهومَ لهُ في جانبِ الزيادةِ، بلْ في جانبِ القلةِ، فلا تتأدَّى سنةُ التحيةِ بركعةٍ واحدةٍ. قالَ في الشرحِ: وقدْ أخرجَ منْ عمومِ المسجدِ المسجدَ الحرامِ فتحيتُهُ الطوافُ، وذلكَ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بدأَ فيهِ بالطوافِ. قلتُ: هكذَا ذكرهُ ابنُ القيمِ في الهدي

(4)

. وقدْ يقالُ: إنهُ لم يجلسْ فلا تحيةَ للمسجدِ الحرامِ؛ إذ التحيةُ إنَّما تُشرعُ لمِنْ جلسَ، والداخلُ المسجدِ الحرامِ يبدأُ بالطوافِ، ثمَّ يصلِّي صلاةَ المقامِ؛ فلا يجلسُ إلَّا وقدْ صلَّى، نعمْ لوْ دخلَ المسجدَ الحرامَ وأرادَ القعودَ قبلَ الطوافِ فإنهُ يشرعُ لهُ [صلاةُ]

(5)

التحيةِ [كغيرهِ]

(6)

منَ المساجدِ، وكذلكَ قدِ استثْنَوا صلاةَ العيدِ؛ لأنهُ صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ قبلها ولا بعدَها، ويجابُ عنهُ بأنهُ صلى الله عليه وسلم ما جلسَ حتَّى يتحققَ في حقِّهِ أنهُ تركَ التحيةَ، بلْ وصلَ إلى الجبَّانةِ أوْ إلى المسجدِ، فإنهُ صلَّى العيدَ في مسجدهِ مرةً واحدةً ولم يقعدْ بلْ وصلَ إلى المسجدِ ودخلَ في صلاةِ العيدِ، وأمَّا الجبَّانةُ فلا تحيةَ لها؛ إذْ ليستْ بمسجدٍ إِذًا، وأما إذا اشتغلَ الداخلُ بالصلاةِ كأنْ يدخلَ وقدْ أقيمتِ الفريضةُ، فيدخلُ فيها فإنَّها تجزئُهُ عنْ ركعتي التحيةِ، بلْ هوَ منهيٌّ عنْهَا بحديث:"إذا أقيمتِ الصلاةُ فلا صلاةَ إلَّا المكتوبةَ"

(7)

.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "الإحسان"(1/ 287 رقم 362) وإسناده ضعيف.

(3)

رقم الحديث (12/ 425).

(4)

(2/ 128).

(5)

في (ب): "ركعتي".

(6)

في (ب): "كسائر".

(7)

أخرجه أحمد (2/ 517)، ومسلم (رقم 63/ 710)، وأبو داود (رقم 1266)، والترمذي (2/ 282 رقم 421)، والنسائي (2/ 116 - 117)، وابن ماجَهْ (رقم 1151) من حديث أبي هريرة.

قلت: وفي الباب، عن ابن عمر، وجابر، وأنس.

انظر تخريجها في كتابنا: "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الصلاة.

ص: 158

[الباب السابع] بابٌ صفةِ الصلاةِ

‌حديث المسيء لصلاته وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم له

1/ 252 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتى تَطمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتى تَطمئِن سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذلِكَ في صَلَاِتكَ كلِّهَا"، أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ

(1)

، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ

(2)

، وَلابنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ

(3)

: "حَتَّى تَطمئِنَّ قَائِمًا". [صحيح]

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ) مخاطبًا للمسيءِ في صلاتِه، وهوَ خلادُ بنُ رافعٍ:(إذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضوءَ). تقدمَ أن [إسباغَ الوضوءِ]

(4)

إتمامُهُ، (ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فكبِّرْ) تكبيرةَ الإحرامِ، (ثُمَّ اقرَأْ مَا تَيَسّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ). فيهِ أنهُ لا يجبُ دعاءُ الاستفتاحِ؛ إذْ لو وجبَ لأمرهُ بهِ، وظاهرُهُ أنهُ

(1)

وهم: أحمد (2/ 437)، والبخاري (رقم 793)، ومسلم (رقم 45/ 397)، وأبو داود (رقم 856)، والترمذي (2/ 103 رقم 303)، والنسائي (2/ 124 رقم 884)، وابن ماجه (رقم 1060).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 15، 37، 62، 372)، وأبو عوانة 21/ 103 - 104)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 3 رقم 552).

(2)

في "صحيحه"(11/ 549 رقم 6667).

(3)

في "السنن"(1/ 336 رقم 1065) وقد تقدم.

(4)

في (أ): "إسباغه".

ص: 159

يجزئُه منَ القرآنِ غيرُ الفاتحةِ ويأتي تحقيقُهُ. (ثُمَّ ارْكَعْ حَتى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا) فيهِ إيجابُ [الرجوعِ]

(1)

، والاطمئنانِ فيهِ (ثُمَّ ارْفَعْ) منَ الركوعِ (حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا) منَ الركوعِ، (ثُمَّ اسْجُدْ حَتى تَطْمَئِنَّ ساجدًا) فيهِ أيضًا [وجوبُ]

(2)

السجودِ، ووجوبُ الاطمئنانِ فيهِ. (ثُمَّ ارْفَعْ) منَ السجودِ (حَتى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا) بعدَ السجدة الأُوْلَى (ثُمَّ اسْجُدْ) الثانيةَ (حَتى تَطْمئنَّ سَاجِدًا) كالأُولى؛ فهذهِ صفةُ ركعةٍ منْ ركعاتِ الصلاةِ قيامًا، وتلاوة، ورُكُوعًا، واعتدالًا منهُ، وسجودًا، وطمأنينة، وجلوسًا بينَ السجدتينِ، ثمَّ سجدةً باطمئنانٍ كالأُولى؛ فهذهِ صفةُ ركعةٍ كاملةٍ، (ثُمَّ افْعَلْ ذلِكُ) أي جميعَ ما ذُكِرَ منَ الأقوال والأفعالِ إلَّا تكبيرةَ الإحرامِ؛ فإنَّها مخصوصةٌ بالركعةِ الأُولَى لما عُلمَ شَرعًا منْ عدمِ تكرارِها، (في صَلَاتِكَ) في ركعاتِ صلاتِكَ (كُلِّهَا. أَخْرَجهُ السَّبْعَةُ) بألفاظٍ متقاربةٍ، (وَ) هذا (اللَّفْظُ) الذي ساقهُ [المصنفُ]

(3)

هُنَا (لِلبُخَارِيِّ) وحدَهُ، (وَلاِبْنِ مَاجَهْ) أي منْ حديثِ أبي هريرةَ (بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ)، أي باسنادٍ رجالُهُ رجالُ مسلم، (حتَّى تطمئنَّ قائمًا) عِوَضًا عنْ قولِهِ في لفظِ البخاريِّ: حتَّى تعتدلَ؛ فدلَّ على إيجابِ الاطمئنانِ عندَ الاعتدالِ منَ الركوعِ، (ومثلُهُ) أي مثلُ ما أخرجهُ ابنُ ماجهْ ما في قولِهِ:

2/ 253 - وَمِثْلُهُ في حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِع

(4)

عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ: "حَتى تَطمَئِنَّ قَائِمًا". [صحيح]

(1)

في (أ): "الركوع".

(2)

في (أ): "إيجاب".

(3)

زيادة من (أ).

(4)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد (4/ 340)، وابن حبان في "صحيحه"(3/ 138 رقم 1784)، والنسائي (2/ 225 رقم 1136) و (2/ 20 رقم 667) و (2/ 193 رقم 1053)، وأبو داود (رقم 858) و (رقم 859) و (رقم 857) و (رقم 860 و 861)، والترمذي (2/ 100 رقم 302)، وابن ماجه (رقم 460)، والدارمي (1/ 305 - 306)، والطيالسي في "المسند"(ص 196 رقم 1372)، وابن خزيمة (1/ 274 رقم 545)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 232)، وفي "مشكل الآثار"(4/ 386)، والبيهقي (2/ 102، 133 - 134، 345، 372 - 373 - 380)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 241 - 242)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 6 رقم 553)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 194)، والطبراني في "الكبير"(5/ 35 رقم 4520) و (5/ 36 رقم 4521) و (5/ 37 رقم 4522 و 4523 و 4524 و 4525) =

ص: 160

- ولأَحْمَدَ: "فَأَقِمْ صُلْبَكَ حَتى تَرْجِعَ الْعِظَامُ".

- وَللنَّسَائِي وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَديث رِفَاعَةَ بْنِ رَافِع: "إِنَّهَا لَا تُتِمُّ صَلاةُ أَحَدِكُمْ حَتى يُسْبغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللهُ تَعَالَى وَيَحْمَدَهُ وَيُثْني عَلَيهِ"، وَفِيهَا:"فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرآن فَأقَرَأَ، وَإِلَّا فَاحْمَدِ الله وَكبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ".

- وَلأَبي دَاوُدَ: "ثُمَّ اقْرَأ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَبِمَا شَاءَ اللهُ".

- وَلاِبْنِ حِبَّانَ: "ثُمَّ بِمَا شِئْتَ".

(في حَدِيثِ رِفَاعَةَ)

(1)

بكسرِ الراءِ، هوَ ابنُ رافعٍ، صحابي أنصاريٌّ، شهدَ بدرًا وأُحُدًا وسائرَ المشاهدِ معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وشهدَ معَ علي عليه السلام الجملَ وصفينَ، وتُوُفيَ أولَ إمارةِ معاويةَ. (عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ) فإنهُ عندَهما بلفظِ:(حَتى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا، وفي لفظٍ لأحمدَ: فَأَقِمْ صُلْبَكَ حَتي تَرْجِعَ العِظَامُ)، أي التي انخفضتْ حالَ الركوعِ ترجعُ إلى ما كانتْ عليهِ حالَ القيامِ للقراءةِ؛ وذلكَ بكمالِ الاعتدالِ.

(وللنسائيِّ وأبي داودَ منْ حديثِ رفاعةَ بن رافعٍ) أي مرفوعًا (إنَّهَا لَا تُتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتى يُسْبغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ) في آيةِ المائدةِ

(2)

، (ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهُ) تكبيرةَ الإحرامِ، (وَيَحْمَدَهُ) بقراءةِ الفاتحةِ إلَّا أن قولُهُ: ([فإنْ]

(3)

كانَ معكَ قرآن) يشعرُ

(5/ 38 رقم 4526) و (5/ 39 رقم 4527 و 4528) و (5/ 40 رقم 4529)، وعبد الرزاق في "المصنف"(2/ 370 رقم 3739) من طرق، ورواه بعضهم مطولًا، وبعضهم مختصرًا.

قال الترمذي: حديث حسن.

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، بعد أن أقام همام بن يحيى إسناده، فإنه حافظ ثقة، وكل من أفسد قوله!! فالقولَ قول همام، ولم يخرجاه بهذه السياقة" اهـ. ووافقه الذهبي.

قلت: قد وهما في ذلك، فمن علي بن يحيى بن خلّاد، وأباه لم يخرج لهما مسلم شيئًا. والخلاصة: أن الحديث صحيح.

(1)

انظر ترجمته في: "الإصابة"(3/ 281 رقم 1951)، و"أسد الغابة"(2/ 178 - 179)، و"تهذيب التهذيب"(3/ 243 رقم 530).

(2)

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].

(3)

في (أ): "إن".

ص: 161

بأنَّ المرادَ بقولَهِ يحمدُه غيرُ القراءةِ، وهوَ دعاءُ الافتتاحِ، فيؤخذُ منهُ وجوبُ مطلقِ الحمدِ والثناءِ بعدَ تكبيرةِ الإحرامِ. ويأتي الكلامُ في ذلك، (وَيُثْنِي عَلَيْهِ) بهَا.

(وفيْها) أي في روايةِ النسائيِّ وأبي داودَ عن رِفاعةَ: (فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقَرَأْ وَإِلَّا) أي وإنْ لمْ يكنْ معكَ قرآنٌ (فَاحْمَدِ اللَّهَ)، أيْ ألفاظِ الحمدُ للَّهِ، والأظهرُ أنْ يقولَ: الحمدُ لله، (وَكَبِّرْهُ) بلفظِ: اللَّهُ أكبرُ، (وَهَلِّلْهُ) بقولِ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ؛ فدلَّ [على]

(1)

أن هذهِ عوض [القراءة]

(2)

لِمَنْ ليسَ لهُ قرآنٌ يحفظهُ. (وَلأَبي دَاوُدَ [أي]

(3)

منْ روايةِ رفاعةَ: ثمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ، وَلاِبْنِ حِبَّانَ: ثمَّ بِمَا شِئْتَ).

هذا حديثٌ جليلٌ يعرفُ بحديثِ المسيءِ صلاتُهُ، وقد اشتملَ على تعليم ما يجبُ في الصلاة وما لا تتمُّ إلا به، فدلَّ على وجوب الوضوءِ لكلِّ قائم إلى الصلاةِ وهوَ كما دلتْ عليهِ الآيةُ:{إِذَا قُمتُمْ إِلَى الْصَّلَاة}

(4)

، والمرادُ لمنْ كانَ محدِثًا كما عُرِفَ مِنْ غيرِهِ. وقدْ فصَّلَ ما أجملتْهُ رواية البخاري روايةُ النسائيِّ بلفظِ:"حتَّى يسبغَ الوضوءَ كما أمرهُ اللَّهُ فيغسلُ وجهَهُ ويديْهِ إلى المرفقينِ، ويمسحُ برأسِهِ ورجليْهِ إلى الكعبينِ". وهذا التفصيلُ دلَّ على عدمِ وجوبِ المضمضة والاستنشاقِ، ويكونُ هذا قرينة على حملِ الأمرِ بهمَا حيثُ وردَ علىَ الندبِ، ودلَّ على [وجوب]

(5)

استقبالِ القبلةِ قبلَ تكبيرةِ الإحرامِ. وقدْ تقدمَ وجوبُهُ وبيانُ عفوِ الاستقبالِ للمتنفلِ الراكبِ، ودلَّ على وجوبِ تكبيرةِ الإحرام، وعلى تعيينِ [ألفاظِها]

(6)

روايةُ الطبرانيِّ لحديثِ رفاعةَ بلفظِ: "ثمَّ يقولُ اللهُ أكبرُ"، وروايةُ ابن ماجَهْ

(7)

التي صحَّحها ابنُ خزيمةَ

(8)

، وابنُ حبانَ

(9)

منْ حديثِ أبي حُمَيْدٍ مِنْ فعلِهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا قامَ إلى الصلاةِ اعتدلَ قائمًا، ورفع يديه، ثمَّ قالَ اللَّهُ أكبرُ"، ومثلُهُ أخرجهُ البزارُ

(10)

منْ حديثِ عليٍّ عليه السلام بإسنادٍ صحيح على شرطِ مسلمٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا قامَ إلى الصلاةِ قالَ: اللَّهُ أكبرُ"، فهذَا يبينُ أن المرادَ مِنْ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (أ): "عن القرآن".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

سورة المائدة: الآية 6.

(5)

في (ب): "إيجاب".

(6)

في (أ): "لفظها".

(7)

في "السنن"(1/ 280 رقم 862).

(8)

في "صحيحه"(1/ 297 رقم 587).

(9)

في "الإحسان"(3/ 169 رقم 1862).

(10)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 217).

ص: 162

تكبيرةِ الإحرامِ هذا اللفظُ. ودلَّ على وجوبِ قراءةِ القرآنِ في الصلاةِ سواء كانَ الفاتحةُ أو غيرُها لقولهِ: "ما تيسَّرَ مَعكَ منَ القرآنِ"، وقولُهُ:"فإنْ كانَ معكَ قرآنٌ"، ولكنَّ روايةَ أبي داودَ بلفظِ:"فاقرأ بأم الكتابِ"، وعندَ أحمد وابنِ حبانَ:"ثمَّ أقرأ بأمِّ القرآنِ، ثمَّ اقرأ بما شئتَ". وترجمَ لهُ ابنُ حبانَ

(1)

(بابُ فرضِ المصلِّي فاتحةَ الكتابِ في كلّ ركعةٍ) فمعَ تصريحِ الروايةِ بأمِّ القرآنِ يُحْمَلُ قولُه: ما تيسرَ معكَ على الفاتحةِ؛ لأنَّها كانتْ المتيسرة لحفظِ المسلمينَ لها أو يحملُ أنهُ صلى الله عليه وسلم عرفَ منْ حالِ المخاطبِ أنهُ لا يحفظُ الفاتحةَ، ومنْ كانَ كذلكَ وهوَ يحفظُ غيرَها فلهُ أن يقرأَهُ، أو أنهُ منسوخٌ بحديثِ تعيينِ الفاتحةِ، أوْ أن المرادَ ما تيسرَ فيما زادَ على الفاتحةِ. ويؤيدُهُ روايةُ أحمدَ وابنِ حبانَ؛ فإنَّها عيَّنتِ الفاتحةَ وجعلتْ ما تيسَّرَ لما عدَاها، فيحتملُ أن الراوي حيثُ قالَ ما تيسرَ ولمْ يذكرِ الفاتحةَ ذهلَ عنْها، ودلَّ على إيجابِ غيرِ الفاتحةِ معها لقولهِ بأمّ الكتابِ وبما شاءَ اللَّهُ أو شئتَ.

‌ما يدل عليه حديث المسيء صلاته

ودلَّ على أن مَنْ [لمْ]

(2)

يحفظِ القرآنَ يجزئُه الحمدُ والتكبيرُ والتهليلُ، وأنهُ لا يتعينُ عليهِ منهُ قدرٌ مخصوصٌ، ولا لفظٌ مخصوصٌ. وقدْ وردَ تعيينُ الألفاظِ بأنْ يقولَ: سبحانَ اللَّهِ، والحمدُ للَّهِ، ولا إلهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللَّهِ. ودلَّ على وجوبِ الركوعِ ووجوبِ الاطمئنانِ فيهِ. وفي لفظٍ لأحمدَ

(3)

بيانُ كيفيتِهِ فقالَ: "فإذا ركعتَ فاجعلْ راحتيْكَ على ركبتيْكَ، وامددْ ظهرَكَ، ومكِّنْ ركوعَك"، وفي روايةٍ

(4)

: "ثمَّ [تكبرُ وتركعُ حتى تطمئنَّ مفاصلَك وتسترخي"]

(5)

. ودلَّ على وجوبِ الرفعِ منَ الركوعِ، وعلى وجوبِ الانتِصابِ قائمًا، وعلى وجوبِ الاطمئنانِ [قائمًا]

(6)

لقولهِ: " [حتى

(1)

في "الإحسان"(3/ 138).

(2)

في (أ): "لا".

(3)

في "المسند"(4/ 340).

(4)

أخرجها النَّسَائِي (2/ 225 رقم 1136).

(5)

في (أ): "يكبر ويركع حتى تطمئن مفاصله ويسترخي".

(6)

زيادة من (أ).

ص: 163

تطمئنَّ]

(1)

قائمًا". وقدْ قالَ المصنفُ

(2)

: إنَّها بإسنادِ مسلمٍ وقدْ أخرجَها السراجُ أيضًا بإسنادٍ على شرطِ البخاريِّ، فهيَ على شرطِ الشيخينِ. ودلَّ على وجوبِ السجودِ والطمأنينةِ فيهِ. وقدْ فصَّلتْها روايةُ النسائيِّ

(3)

عنْ إسحاقَ بن أبي طلحة بلفظِ: "ثمَّ يكبرَ ويسجدُ حتى يُمَكِّنَ وجهَهُ وجبَهتُه حتَّى تطمئنَّ مفاصلُه وتسترخي". ودلَّ على وجوبِ القعودِ بينَ السجدتينِ، وفي روايةِ النسائيّ

(4)

: "ثمَّ يكبرُ فيرفعُ رأسَهُ حتَّى يستويَ قاعدًا على مقعدتِهِ ويقيمَ صلبَهُ"، وفي روايةٍ

(5)

: "فإذا رفعتَ رأسَكَ فاجلِسْ على فخذِكَ اليسرَى"؛ فدلَّ على أن هيئةَ القعودِ بينَ السجدتينِ بافتراشِ اليُسرى.

ودلَّ على أنهُ يجبُ أنْ يفعلَ كلَّ ما ذكرَ في بقيةِ ركعاتِ صلاتهِ إلا تكبيرةَ الإحرامِ؛ فإنهُ معلومٌ أن وجوبَها خاصٌّ بالدخولِ في الصلاةِ أولَ ركعةٍ، ودلَّ على إيجابِ القراءةِ في كلِّ ركعةٍ وعلى ما عرفتَ منْ تفسيرِ ما تيسرَ بالفاتحةِ فتجبُ الفاتحةُ في كلّ ركعةٍ، وتجبُ قراءةُ ما شاء معهَا في كلّ ركعةٍ. ويأتي الكلامُ على إيجابِ ما عدَا الفاتحةِ في الآخرتينِ، والثالثةِ منَ المغربِ.

‌كل ما ذكر في حديث المسيء فهو واجب

(واعلمْ) أن هذَا حديثٌ جليلٌ تكررَ منَ العلماءِ الاستدلالُ بهِ على وجوبِ كلِّ ما ذُكِرَ فيهِ، وعدمُ وجوب كلِّ ما لا يذكرُ فيهِ. أمَّا الاستدلالُ على أن كلَّ ما ذُكِرَ فيهِ واجبٌ فلأنهُ ساقهُ صلى الله عليه وسلم بلفظِ الأمرِ بعدَ قولِهِ:"لنْ تتمَّ الصلاةُ" إلَّا بما ذكرَ فيهِ، وأمَّا الاستدلالُ بأنَّ كلَّ ما لمْ يُذْكَرْ فيهِ لا يجبُ فلأنَّ المقامَ مقامُ تعليمِ الواجباتِ في الصلاةِ، فلوْ تركَ ذكرَ بعضَ ما يجبُ لكانَ فيهِ تأخيرُ البيانِ عنْ وقتِ الحاجةِ، وهوَ لا يجوزُ بالإجماعِ؛ فإذا حصرتْ ألفاظُ هذَا الحديثِ الصحيحِ أُخِذَ منْها بالزائدِ، ثمَّ إنْ عارضَ الوجوبَ الدالَّ عليهِ ألفاظُ هذَا الحديثِ أوْ عدمُ الوجوبِ دليلٌ أقْوَى منهُ عملَ بهِ، وإنْ جاءتْ صيغةُ أمرٍ بشيءٍ لمْ يذكرُ في هذا

(1)

في (أ): "ويطمئن".

(2)

أي ابن حجر. قلت: وفي كلامه نظر.

(3)

في "السنن"(رقم 1136).

(4)

في "السنن"(رقم 1136).

(5)

أخرجها ابن حبان في "الإحسان"(3/ 138 رقم 1784).

ص: 164

الحديثِ [احتملَ]

(1)

أنْ يكونَ هذا الحديثُ قرينةً على حملِ الصيغةِ على الندبِ، واحتملَ البقاءَ على الظاهرِ فيحتاجُ إلى مرجِّع للعملِ بهِ. ومنَ الواجباتِ المتفَقِ [عليها]

(2)

ولمْ تُذْكَرْ في هذا الحديثِ النيةُ. قلتُ: كَذَا في الشرحِ.

ولقائلٍ أنْ يقول: قولُهُ إذا قمتَ إلى الصلاةِ دال على إيجابِها، إذْ ليسَ النيةُ إلَّا القصدُ إلى فعلِ الشيءِ. وقولُهُ: فتوضأ أي قاصدًا لهُ ثمَّ قال: والقعودُ الأخيرُ أي منَ الواجبِ المتفقِ عليهِ ولم يذكرُه في الحديثِ، ثمَّ قال: ومنَ المختلَفِ فيهِ التشهدُ الأخيرُ، والصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم فيهِ، والسلامُ في آخرِ الصلاةِ.

3/ 254 - وَعَنْ أَبي حُمَيْدٍ السّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ؛ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِع رِجْلَيْهِ الْقبْلَةَ، وَإِذَا جَلَسَ في الرّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنى، وَإِذَا جَلَسَ في الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ونَصَبَ الأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ أبِي حُمَيْدٍ)

(4)

بصيغةِ التصغيرِ (السّاعِدِيِّ)، هوَ أبو حميدِ ابن عبدِ الرحمنِ بن سعد الأنصاريِّ الخزرجيِّ الساعديِّ، منسوبٌ إلى ساعدةَ وهوَ أبو الخزرجِ، المدنيُّ، غلبَ عليهِ كنيتُهُ، ماتَ [في أواخر]

(5)

ولايةِ معاويةَ.

(قَالَ: رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ) أي للإحرامِ (جَعَلَ يَدَيْهِ) أي كفيهِ (حَذْوَ)

(1)

في (أ): "حمل".

(2)

في (ب): "عليه".

(3)

في "صحيحه"(رقم 828)، وفرقه البخاري في مواضع من "صحيحه" معلَّقًا مجزومًا به. قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 730 و 731 و 732 و 733 و 734 و 735)، والترمذي (2/ 45 رقم 260) و (2/ 105 رقم 304) و (2/ 107 رقم 305)، وابن ماجه (رقم 862 و 863)، والنسائي مختصرًا (1/ 187)، وأحمد في "المسند"(5/ 424).

(4)

انظر ترجمته في: "الإصابة"(11/ 89 رقم 303)، و"الاستيعاب"(11/ 199 رقم 2921)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 85 رقم 339).

(5)

في (ب): "آخر".

ص: 165

بفتحِ الحاءِ المهملةِ وسكونِ الذالِ المعجمةِ (مَنْكِبَيْهِ)، وهذا هوَ رفعٌ [لليدين]

(1)

عندَ تكبيرةِ الإحرامِ، (وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ). تقدمَ بيانهُ في روايةِ أحمدَ

(2)

لحديث المسيءِ صلاتُه: "فإذا ركعتَ فاجعلْ راحتيْكَ على ركبتيْكَ، وامددْ ظهرَكَ، ومكِّنْ ركوعَك"، (ثُمَّ هَصَرَ) بفتحِ الهاءِ فصادٍ مهملةٍ مفتوحةٍ فراءٍ (ظَهْرَهُ)، قال الخطابيُّ

(3)

: أي ثناهُ في استواءٍ مِنْ غيرِ تقويسٍ، وفي روايةٍ للبخاريِّ:(ثمَّ حَنَى) بالحاءِ المهملةِ والنونِ، وهوَ بمعناهِ، وفي روايةٍ:"غيرَ مقنعٍ رأسَهُ ولا مصوِّبهُ"، وفي روايةٍ:"وفرَّجَ بينَ أصابعهِ"، (فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ) أي منَ الركوعِ (اسْتَوَى) زادَ أبو داودَ:"فقالَ سمعَ اللَّهُ لمنْ حمدهُ اللهمَّ ربَّنَا لكَ الحمدُ ورفعَ يديهِ"، وفي روايةٍ لعبدِ الحميدِ زيادةٌ:"حتَّى يحاذِيَ بهمَا منكبيهِ مُعْتَدِلًا"، (حَتى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ) بفتحِ الفاءِ والقافِ آخرَهُ راءٌ، جمعُ فقارةٍ؛ وهي عظامُ الظهرِ. وفيْها روايةٌ بتقديمِ القافِ على الفاءِ (مَكَانَة)؛ وهي التي عبَّرَ عنْها في حديثِ رِفَاعَةَ

(4)

بقولَهِ: "حتَّى تَرجعَ العِظَامُ"، (فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ) أي لهما، وعندَ ابن حبانَ:"غيرَ مفترشٍ ذراعيْهِ"(وَلَا قَابِضِهِمَا)، بأنْ يضمَّهُمَا إليهِ (وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ)، ويأتي بيانُهُ في شرحِ حديثِ

(5)

: "أُمِرْتُ أنْ أسجدَ على سبعةِ أعظُمٍ"، (وَإِذَا جَلَسَ في الرَّكْعَتَيْنِ) جلوسَ التشهدِ الأوسطِ (جلس على رجلهِ اليُسرى، نصبَ اليمنى، وإذا جلس في الركعةِ الأخيرةِ) للتشهدِ الأخيرِ (قدمَ رجلَهُ اليسرى ونَصَب [اليمنى]

(6)

، وقعدَ على مَقْعَدَتِهِ. أخرجهُ البخاريُّ) حديثُ أبي حميدٍ هذَا رُوِيَ عنهُ قولًا، وَرُوِيَ عنهُ فعلًا واصفًا فيهمَا صلاتَهُ صلى الله عليه وسلم، وفيه بِيانُ صلاتِهِ صلى الله عليه وسلم، وأنهُ كانَ عندَ تكبيرةِ الإحرامِ يرفعُ يديهِ حَذْوَ مِنْكَبَيْهِ، ففيهِ دليلٌ عَلَى أَنَّ ذلكَ منْ أفعالِ الصلاةِ، وأنَّ رفعَ اليدينِ مقارِنٌ للتكبيرِ، وهوَ الذي دلَّ عليهِ حديثُ وائلِ بن حجرٍ عندَ أبي داودَ

(7)

: وقدْ وردَ تقديمُ الرفعِ على التكبيرِ

(1)

في (ب): "اليدين".

(2)

في "المسند"(4/ 340) كما تقدَّم قريبًا.

(3)

ذكره ابن حجر في "الفتح"(2/ 308). والذي في "معالم السنن"(الخطابي (1/ 357 - مع المختصر): "هصر ظهره: معناه ثنى ظهره وخفضه، وأصل الهصر: أن يأخذ بطرف الشيء ثم يجذبه إليه، كالغصن من الشجرة، ونحوه، فينهصر، أي ينكسر من غير بينونة" اهـ.

(4)

تقدم رقم (2/ 253).

(5)

رقم (31/ 282).

(6)

في (ب): "الأُخْرى".

(7)

في "السنن"(1/ 465 رقم 726).

ص: 166

وعكسُهُ، فوردَ بلفظِ: رَفَعَ يديْه ثمَّ كَبَّرَ، وبلفظِ: كبَّرَ ثمَّ رفعَ يديْهِ. وللعلماءِ قولانِ، (الأولُ): مقارنةُ الرفعِ للتكبيرِ، (والثاني): تقديمُ الرفع على التكبيرِ. ولمْ يقلْ أحدٌ بتقديم التكبيرِ على الرفع فهذهِ صفتُهُ. وفي المنهاجِ

(1)

وشرحِهِ "النجمُ الوهاجُ": والأولُ رفعُهُ [وهو الأصحّ]

(2)

معَ ابتدائِهِ لمَا رَوَاهُ الشيخانِ

(3)

عن ابن عمرَ: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يرفعُ يديْهِ حَذْوَ مِنْكَبَيْهِ حينَ يكبِّرُ،"؟ فيكونُ ابتدَاؤُهُ معَ ابتدائهِ، [ولا استصحابَ]

(4)

في انتهائهِ؛ فإنْ فرغَ منَ التكبيرِ قبلَ تمامِ الرفعِ أوْ بالعكسِ أتمَّ الآخرُ، فإنْ فرغَ منْهما حطَّ يديْهِ ولمْ يستدم الرفعَ. (والثاني): يرفعُ غيرَ مكبِّرٍ ثمَّ يكبِّرُ - ويداه قارَّتانِ - فإذا فرغَ أرسلَهُمَا؛ لأنَّ أَبا داودَ رواهُ

(5)

كذلكَ بإسنادِ حسنٍ. وصححَ هذا البغداديُّ، واختارهُ الشيخُ النووي، ودليلُه في مسلم

(6)

منْ روايةِ ابن عمرَ.

(والثالثُ) يرفعُ معَ ابتداءِ التكبيرِ، ويكونُ انتهاؤُه معَ انتهائِه، ويحطُّهُمَا بعدَ فراغِ التكبيرِ لا قبلَ فراغِهِ؛ لأنَّ الرفعَ للتكبيرِ فكانَ معهُ، وصحَّحهُ المصنفُ

(7)

ونسبهُ إلى الجمهورِ. انتهى بلفظهِ وفيهِ

(8)

تحقيقُ الأقوالِ وأدلتها. ودلَّتِ الأدلةُ أنهُ مِن العمل المخيَّرِ فيهِ، فلا يتعينُ شيءٌ [بعينه]

(9)

.

وأمَّا حكمهُ، فقالَ داودُ، والأوزاعيُّ، والحُمَيْدِيُّ شيخُ البخاريِّ، وجماعةٌ: إنهُ واجبٌ لثبوتِهِ مِنْ فعلِهِ صلى الله عليه وسلم؛ فإنهُ قالَ المصنفُ

(10)

: إنهُ رَوَى رفعَ اليدينِ في

(1)

وانظر: "المغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" للشيخ محمد الخطيب الشربيني (1/ 152 - 153).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

البخاري (رقم 735)، ومسلم (رقم 390).

قلت: وأخرجه مالك (1/ 75 رقم 16)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 72 رقم 211)، وأحمد في "المسند"(1/ 147)، والدارمي (1/ 285)، وأبو داود (رقم 721)، والترمذي (2/ 35 رقم 255)، وابن ماجه (رقم 858)، وأبو عوانة (2/ 90)، والدارقطني (1/ 287 - 288 رقم 2)، والبيهقي (2/ 26)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 157) وغيرهم من طرق عنه.

(4)

في (ب): "استحباب".

(5)

في "السنن"(1/ 467 رقم 730) من حديث أبي حميد الساعدي.

(6)

في "صحيحه"(1/ 292 رقم 22/ 390).

(7)

في "الفتح"(2/ 218).

(8)

أي في "الفتح"(2/ 218 - 222).

(9)

في (ب): "بحكمه".

(10)

في "الفتح"(2/ 220).

ص: 167

أول الصلاةِ خمسونَ صحابيًا، منهمْ: العشرةُ المشهودُ لهم بالجنةِ

(1)

. وَرَوَى

(1)

قلت: وهو كما قال، وسأورد ما وقع لي الآن منهم:

1 -

حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 73) وقال: رواته ثقات.

2 -

حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أخرجه البيهقي (2/ 73 - 74).

3 -

حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخرجه أحمد (1/ 93)، والبخاري في "قرَّة العينين برفع اليدين في الصلاة"(رقم 1 و 9)، وأبو داود (1/ 475 - 476 و 744)، والترمذي (5/ 487 رقم 3423)، وابن ماجه (1/ 280 - 281 رقم 864)، والدارقطني (1/ 287 رقم 1)، والبيهقي (2/ 74) وهو حديث حسن.

4 -

حديث ابن عمر رضي الله عنه: أخرجه البخاري (رقم 735)، ومسلم (رقم 390) وغيرهم وقد تقدم تخريجه قريبًا.

5 -

حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أخرجه البخاري (رقم 737)، ومسلم (رقم 391)، وأبو داود (رقم 745)، والنسائي (2/ 123)، وابن ماجه (رقم 859)، وأبو عوانة (2/ 94)، والدارقطني (1/ 292)، والبيهقي (2/ 71)، والدارمي (1/ 285)، وأحمد (3/ 346)، والطيالسي في "المسند"(ص 176 رقم 1253).

6 -

حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه البخاري في "قرة العينين

" رقم: (8)، وابن ماجه (866)، والدارقطني (1/ 290 رقم 11) وهو حديث حسن.

7 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في "قرة العينين

" رقم: (56)، وابن ماجه (رقم 860)، وأبو داود (رقم 738)، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 224) وهو حديث حسن.

8 -

حديث أبي موسى رضي الله عنه: أخرجه الدارقطني (1/ 292 رقم 16)، ورجاله ثقات.

9 -

حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (1/ 473 رقم 739)، وهو حديث صحيح.

10 -

حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (1/ 327) و (1/ 474 رقم 740)، وابن ماجه (1/ 281 رقم 865)، وهو حديث صحيح.

11 -

حديث عمر الليثي رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه (1/ 280 رقم 861)، والطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 48 - 49 رقم 104)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 358). ووهم ابن ماجه فسماه "عمير بن حبيب" وإنما هو "عمير بن قتادة".

12 -

حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: أخرجه البيهقي (2/ 77).

13 -

حديث وائل بن حجر رضي الله عنه: أخرجه الطيالسي في "المسند"(ص 137 رقم 1020)، وأحمد (4/ 316 - 317)، والدارمي (1/ 285 - 286)، والبخاري في "قرة العينين

" رقم (10)، ومسلم (1/ 301 رقم 54/ 401)، وأبو داود (1/ 465 رقم 724 - 726)، والنسائي (2/ 123)، وابن ماجه رقم (867)، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 223)، والدارقطني (رقم 14)، والبيهقي (2/ 71).=

ص: 168

البيهقيُّ عن الحاكمِ قال: لا نعلم سنةٌ اتفقَ [على روايتَها]

(1)

عنْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الخلفاءُ الأربعةُ، ثمَّ العَشَرَةُ المشهودُ لهمْ بالجنةِ فَمَنْ بعدَهم منَ الصحابةِ معَ تفرُّقِهم في البلادِ الشاسعةِ غيرَ هذهِ السنةِ. قالَ البيهقيُّ: هوَ كما قالَ أستاذُنا أبو عبدِ اللَّهِ. قالَ الموجبونَ: قد ثبتَ الرفعُ عندَ تكبيرةِ الإحرامِ هذا الثبوتَ. وقدْ قالَ صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي"

(2)

، فَلِذَا قلْنَا بالوجوبِ. وقالَ غيرُهم: إنهُ سنةٌ منْ سننِ الصلاةِ، وعليهِ الجمهورُ، وزيدُ بنُ عليٍّ، والقاسمُ، والناصريُّ، والإمامُ يحيى. وبهِ قالتِ الأئمةُ الأربعةُ منْ أهلِ المذاهبِ، ولمْ يخَالفْ فيهِ ويقولُ إنهُ ليسَ سنةً إلا الهادي. وبهذَا تعرفُ أن مَنْ رَوَى عن الزيديةِ أنَّهم لا يقولونَ بهِ فقدْ عمَّمَ النقلَ بِلا علم هذَا، وأما إلى أي محلٍّ يكونُ الرفعُ فروايةُ أبي حُمَيْدٍ هذه

(3)

تفيدُ أنهُ إلى مقابلِ المنكبينِ، والمنكبُ مجمعُ رأسِ عظمِ الكتفِ والعضدِ، وبهِ أخذتِ الشافعيةُ. وقيلَ: إنهُ يرفعُ حتَّى يحاذيَ بهمَا فروعَ أذنيهِ لحديثِ وائل بن حجرٍ

(4)

بلفظه: "حتَّى حاذَى أذنيْهِ" وجُمِعَ بينَ الحديثينَ بأنَّ المرادَ أنهُ يحاذي بظهرِ كفيهِ المنكبينِ، وبأطرافٍ أناملِهِ الأذنينِ، كما تدلُّ لهُ روايةٌ [لوائل]

(5)

عندَ أبي داودَ

(6)

بلفظِ: "حتَّى كانتْ حيالَ منكبيهِ، ويحاذي بإبهاميهِ أذنْيهِ". وقولُهُ: (أمكنَ يديْهِ منْ ركبتيهِ) قدْ فسرَ هذَا الإمكانَ روايةُ أبي داودَ

(7)

:

=14 - حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في "الكبير"(20/ 74 رقم 139) وسنده ضعيف؛ لأن فيه "الخصيب بن جحدر" كذاب.

15 -

حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه؛ أخرجه الطبراني في "الكبير"(17/ 240 رقم 668 - 670) وسنده حسن.

وانظر: كتاب "قرة الحينن برفع اليدين في الصلاة" للإمامِ البخاري. تحقيق: أحمد الشريف. راجعه: مقبل بن هادي الوادعي.

(1)

في (أ): "عليها الحفاظ رواها".

(2)

أخرجه البخاري (رقم 631)، ومسلم (رقم 24/ 391)، وأبو داود (رقم 589)، والترمذي (1/ 399 رقم 205)، والنسائي (2/ 77)، وا بن ماجه (رقم 979). من حديث مالك بن الحويرث إلا أن مسلمًا عنده أصله.

(3)

رقم الحديث (3/ 254).

(4)

تقدم رقم (13).

(5)

في (أ): "وائل".

(6)

في "السنن": (1/ 465 رقم 724). وفيه "حتى كانتا".

(7)

في "السنن"(1/ 471 رقم 734).

ص: 169

"كأنهُ قابضٌ عَليْهِمِا"، وقولُهُ:(هصرَ ظهرَهُ) تقدمَ قولُ الخطابيِّ فيهِ، وتقدمَ في روايةِ:"ثمَّ حَنَى" بالحاءِ المهملةِ والنونِ، وهوَ بمعناهُ، وفي روايةِ:"غيرَ مقنعٍ رأسَه ولا مصوِّبهُ"، وفي روايةِ:"وفرَّجَ بينَ أصابِعِه"، [وقد سبقتْ]

(1)

.

وقولُهُ: (حتَّى يعودَ كلَّ فَقارٍ) المرادُ منهُ كمالُ الاعتدالِ، وتفسِّرهُ روايةُ:"ثمَّ يمكثُ قائمًا حتَّى يقعَ كلُّ عضو [موقعهُ] "

(2)

. وفي ذكرهِ كيفيةِ الجلوسينِ: الجلوسِ الأوسطِ والأخيرِ دليلٌ على تغايرِهِما، وأنهُ في الجلسةِ الأخيرةِ يتوركُ أي يفضي بورِكِه إلى الأرضِ وينصبُ رجلَه اليمنى. وفيهِ خلافٌ بينَ العلماءِ سيأتي. وبهذا الحديثِ عملَ الشافعي ومَنْ تابَعَهُ.

‌دعاء الاستفتاح عن علي بن أبي طالب

4/ 255 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ - إِلى قَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَئي وَأَنا عَبْدُكَ - إِلَى آخِرِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

، وَفي رِوَايَةٍ لَهُ

(4)

: إِنَّ ذَلِكَ في صَلَاةِ اللَّيْلِ. [صحيح]

(وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنْ رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: وَجَّهْت وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ) أي قصدتُ بعبادتي، (إلى قَوْلِهِ مِنَ

(1)

في (أ): "وتقدم".

(2)

في (ب): "موضعَهُ".

(3)

في "صحيحه"(رقم 201/ 771).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 760)، والترمذي (5/ 485 رقم 3421)، والنسائي (2/ 129 رقم 897)، وأحمد في "المسند"(2/ 100 رقم 729 - شاكر)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 233)، والبيهقي (2/ 32).

(4)

أي لمسلم.

قلت: لم أجده عند مسلم ولا عند أصحاب السنن، والله أعلم.

ولكن قال الحافظ في "الفتح"(2/ 230): "وورد فيه - يعني الدعاء بين التكبير والقراءة - أيضًا حديث: "وجهت وجهي إلخ"، وهو عند مسلم من حديث علي لكن قيده بصلاة الليل" اهـ.

وتعقبه ابن باز بقوله: "هذا وهم من الشارح رحمه الله، وليس في رواية مسلم تقييد بصلاة الليل، فتنبَّه، والله أعلم" اهـ.

ص: 170

الْمُسْلِمِينَ)، وفيهِ روايتانِ أنْ يقول:[وأنا أول المسلمينَ بلفظِ الآيةِ، ورِواية]

(1)

: وأنَا مِنَ المسلمينَ، وإليها أشارَ المصنفُ

(2)

.

(اللَّهُمَّ أَنتَ الْمَلِكُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، إِلَى آخِرِهِ. رَوَاه مُسْلِمٌ)، تمامُهُ:"ظَلَمْتُ نفسي، واعتَرَفْتُ بذنبي فَاغفِرْ لي ذنوبي جَمِيعًا؛ إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذنوبَ إلا أنتَ، واهدِني لأحسنِ الأخْلاقِ؛ لا يهدي لأحسَنِها إلا أنْتَ، وَاصْرِفْ عنِّي سيئَها لا يَصْرِفُ عني سَيّئهَا إلا أنْتَ، لبيكَ وسعَدْيكَ والخيرُ كلُّهُ في يديكَ، والشرُّ ليسَ إليكَ، أنا بكَ وإليكَ، تباركتَ وتعاليتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ". وقولُهُ: (فطرَ السمواتِ والأرضَ) أي: ابتدأَ خلْقَهُما منْ غيرِ مثالٍ [سبق]

(3)

، وقولُهُ:(حنيفًا) أي مائلًا إلى الدينِ الحقِّ وهوَ الإسلامُ، وزيادةُ (وما أنا من المشركينَ) بيانٌ للحنيفِ، وأيضًا لمعناهُ. والنسكُ العبادةُ وكلُّ ما يتقربُ بهِ إلى اللَّهِ. وعطْفُهُ على الصلاةِ مِنْ عطفِ العامِ على الخاصِّ. وقولُهُ:(ومحيايَ ومماتي) أي: حياتي وموتي للَّهِ، أي: هوَ المالكُ لهما والمختصّ بِهَمَا. وقولُهُ: (ربِّ العالمينَ) الربُّ الملكُ، والعالمينَ جمعُ عَالَمٍ، مشتقٌّ منَ العلم وهو اسمٌ لجميعِ المخلوقاتِ كذا قيلَ. وفي القاموسِ

(4)

: العالَمِ الخَلْقُ كُلُّهُ، أَو مَا حَواهُ بَطْنُ الفَلَكِ، ولا يُجْمَعُ فاعل بالواوِ والنونِ غَيْرُهُ، وغَيْرُ ياسَمٍ

(5)

.

وقولُهُ: (لا شريكَ له)[تأكيد]

(6)

لقولهِ ربّ العالمينَ المفهومِ منهُ الاختصاصُ، وقولُهُ:(اللَّهمَّ أنتَ الملكُ) أي: مالكُ لجميعِ المخلوقاتِ. وفي قوله: (ظلمتُ نفسي)، اعترافٌ بظلمِ نفسِهِ، قدَّمَهُ على سؤالِ المغفرةِ. ومعنَى (لبيكَ) أقيمُ على طاعتِكَ وامتثالِ أمرِكَ إقامةً متكررةً، (وسعديْكَ) أي: أُسْعِدُ أمَرَكَ وأتبعُهُ إسعادًا متكررًا. ومعنَى: (الخيرُ كلُّهُ في يديكَ) الإقرارُ بانَّ كلَّ خيرٍ واصلٍ إلى العبادِ ومرجوٍّ وصولُهُ فهوَ في يديهِ تَعَالَى. ومعنى (والشرُّ ليسَ إليكَ) أي ليسَ مما يَتَقَرَّبُ إليكَ بهِ، أي يضافُ إليكَ؛ فلا يقالُ: يا ربّ الشرُّ، أو لا يصعدُ إليكَ؛

(1)

زيادة من (ب).

(2)

هنا جملة مكررة من (أ) وهي: "ورواية بلفظ الآية وأنا أول المسلمين".

(3)

في (أ): "سابق".

(4)

"المحيط"(ص 1472).

(5)

هو الياسمين.

(6)

في (أ): "تأكيدًا".

ص: 171

فإنهُ إنما يصعدُ إليه الكلمُ الطيبُ. ومعنَى: (أنا بكَ وإليكَ) أي: التجائي [وانتهائي]

(1)

إليكَ، وتوفيقي بكَ. ومعنى:(تباركتَ) استحققتَ الثناءَ أو ثبتَ الخيرُ عندَك، فهذَا ما يقالُ في الاستفتاح مطلقًا، (وفي روايةٍ لهُ) أي لمسلمٍ:(أن ذلكَ) كانَ يقولُهُ صلى الله عليه وسلم (في صلاةِ الليلِ)[لم نجده في مسلم هذا الذي ذكره المصنف من أنه كان يقول في صلاة الليل، وإنما ساق حديث علي عليه السلام هذا في قيام الليل. وقد]

(2)

نقلَ المصنفُ في التلخيصِ

(3)

عن الشافعيِّ، وابنِ خزيمةَ أنهُ يقالُ في المكتوبةِ، وأنَّ حديثَ عليٍّ عليه السلام وردَ فيها، فعَلى كلامِهِ هُنَا يحتملُ أنهُ مختصٌّ بها هذَا الذكرُ، ويحتملُ أنهُ عامٌ، وأنهُ يخيَّرُ العبدُ بينَ قولِه عقيبَ التكبيرِ، أو قولِ ما أفادَهُ:

‌دعاء الاستفتاح عن أبي هريرة

5/ 256 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا كَبَّرَ للِصّلَاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ:"أَقُولُ: اللَّهُمّ بَاعِدْ بَيني وَبَينَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَينَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّني مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْني مِنْ خَطَايَايَ بالْمَاءِ وَالثلْجِ وَالْبَرَدِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

. [صحيح]

(وعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ في الصّلَاةِ) أي تكبيرةَ الإحرامِ (سَكَتَ هُنَيْهَةً) بضمِ الهاءِ فنونٍ فمثناةٍ [تحتية]

(5)

فهاءٍ مفتوحةٍ [فهاء]

(6)

، أي ساعةً لطيفةً (قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَسَأَلْتُهُ) أي عنْ سكوتِهِ ما يقولُ فيهِ؟ (قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ) المباعدةُ المرادُ بها محوُ ما حَصَلَ منْها، أو العصمةُ عمَّا

(1)

في (أ): "وانتمائي".

(2)

زيادة من (أ).

(3)

قلت: بل في "الفتح"(2/ 230).

(4)

البخاري (رقم 744)، ومسلم (رقم 147/ 598).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 231)، والدارمي (1/ 283 - 284)، وأبو داود (رقم 781)، والنسائي (2/ 128 - 129)، وا بن ماجه (رقم 805)، والبيهقي (2/ 195)، والدارمي (1/ 336 رقم 3)، وأبو عوانة (2/ 98).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في (ب): "فنون".

ص: 172

يأتي منْها (كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) فكما لا يجتمعُ المشرقُ والمغربُ لا يجتمعُ هوَ وخطاياهُ. (اللَّهُمَّ نَقِّني مِنْ خَطَايَايَ كَمَا ينَقَّى الثَّوْب الأبيَضُ مِنَ الدَّنَسِ) بفتحِ الدالِ المهملةِ والنونِ فسينٍ مهملةٍ، في القاموسِ

(1)

أنهُ الوسخُ، والمرادُ أزلْ عني الخطايا [بهذه]

(2)

الإنابةِ. (اللَّهمَّ اغْسِلْني مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ) بالتحريكِ، جمعُ بردةٍ. قالَ الخطابيُّ

(3)

: ذكرَ الثلجَ والبردَ تأكيدًا، أوْ لأنَّهما ماءانِ لم تستعْملهُما الأيدي. وقال ابنُ دقيقِ

(4)

العيدِ: عبَّرَ بذلكَ عنْ غايةِ المحو؛ فإنَّ الثوبَ الذي تكررَ عليهِ ثلاثةُ أشياءَ منقيةً يكونُ في غايةِ النَّقَا. وفيهِ أقوالُ أُخَرُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وفي الحديثِ دليلٌ على أنهُ يقولُ هذا الذكرَ بينَ التكبيرةِ والقراءةِ سرًا، وأنهُ يخيرُ بينَ هذا الدعاءِ والدعاءِ الذي [سلف]

(5)

في حديثِ عليٍّ عليه السلام، أو يجمعُ بينهمَا.

‌دعاء الاستفتاح عن عمر

6/ 257 - وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلهَ غَيْرُكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، بسندٍ مُنْقَطِعٍ

(6)

. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْصُولًا

(7)

وَمَوْقُوفًا

(8)

. [موقوف]

(وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقولُ) أي بعدَ تكبيرةِ الإحرامِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهمَّ وَبِحَمْدِكَ) أي: أسبِّحُكَ حالَ كوني متلبِّسًا بحمدِكَ (وتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلهَ غَيْرُكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ). قالَ الحاكمُ

(9)

: قدْ صحَّ عنْ عمرَ. وقالَ في الهدَى النبويِّ

(10)

: إنَّهُ قدْ صحَّ عنْ عمرَ أنهُ كانَ يستفتحُ بهِ في مقامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويجهرُ بهِ ويعلِّمُهُ الناسَ، وهوَ بهذَا الوجهِ في حكمِ المرفوعِ، ولذَا فالَ الإمامُ

(1)

"المحيط"(ص 704).

(2)

في (أ): "كهذه".

(3)

ذكره ابن حجر في "الفتح"(2/ 230).

(4)

في "أحكام الأحكام"(1/ 213).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في "صحيحه"(رقم 52/ 399) موقوفًا على عمر.

قلت: وأخرجه ابن حجر في "الوقوف على ما في صحيح مسلم" من (الموقوف) رقم (14).

(7)

في "السنن"(رقم 6).

(8)

في "السنن"(رقم 7، 8، 9، 10).

(9)

في "المستدرك"(1/ 235).

(10)

أي في "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن قيم الجوزية (1/ 205).

ص: 173

أحمدُ: أمَّا أنا فأذهبُ إلى ما رُويَ عنْ عمرَ، ولوْ أن رجلًا استفتحَ ببعضِ ما رَوَى [لكانَ]

(1)

حَسَنًا. وقدْ [روى]

(2)

في التوجهِ ألفاظ كثيرةٌ، والقولُ بأنهُ يُخَيَّرُ العبدُ بينَها قولٌ حَسَنٌ، وأما الجمعُ بينَ هذَا وبينَ وجَّهتُ وجهيَ الذي تقدمَ [فقدْ وردَ]

(3)

في حديث ابن عمرَ، رواهُ الطبرانيُّ في الكبير

(4)

، وفي رُوَاتِهِ ضعفٌ. (والدَّارَقُطْنِيُّ) عطفٌ على مسلمٍ، أي رواهُ الدارقطنيُّ (مَوْصُولًا)[وَمَوْقُوفًا]

(5)

على عمرَ، وأخرجهُ أبو داودَ

(6)

، والحاكمُ

(7)

منْ حديثِ عائشةَ مرفوعًا [قالتْ]

(8)

: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا استفتحَ الصلاةَ قالَ: سبحانكَ" الحديثُ. ورجالُ إسنادهِ ثقاتٌ، وفيهِ انقطاعٌ، وأعلَّهُ أبو داودَ، وقالَ الدارقطنيُّ: ليسَ بالقويِّ.

7/ 258 - وَنَحْوَه عَنْ أبي سَعِيدٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا عِنْدَ الْخَمْسَةِ

(9)

، وَفِيهِ:

(1)

في (أ): "كان".

(2)

في (ب): "ورد".

(3)

في (أ): "فورد".

(4)

(12/ 353 - 354 رقم 13324). وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 107) وقال: فيه عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف.

(5)

في (أ): "وهو موقوف".

(6)

في "السنن"(1/ 491 رقم 776).

(7)

في "المستدرك"(1/ 235).

قلت: وأخرجه الترمذي (2/ 11 رقم 243)، وابن ماجه (رقم 806)، والدارقطني (1/ 299 رقم 5).

قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وحارثة قد تُكلم فيه من قبل حفظه" اهـ. قلت: قد عرفه غير الترمذي من حديث غير حارثة. كما أخرجه أبو داود والدارقطني والحاكم ورجاله ثقات وبالطريقين يتقوى حديثها.

وقال أبو داود: وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب، لم يرده إلَّا طلق بن غنام، وقد روى قصة الصلاة عن بديل جماعة لم يذكروا فيه شيئًا من هذا" اهـ.

قلت: ولحديث عائشة شاهد من حديث أبي سعيد الخدري سيأتي رقم (7/ 258).

والخلاصة: أن حديث عائشة صحيح، والله أعلم.

(8)

زيادة من (أ).

(9)

وهم: أحمد (3/ 50)، والترمذي (2/ 9 رقم 242)، وأبو داود (رقم 775)، والنسائي (2/ 132)، وابن ماجه (رقم 804).

قلت: وأخرجه الدارمي (1/ 282)، والبيهقي (2/ 34 - 35)، والدارقطني (1/ 298 رقم 4)، وهو حديث صحيح.

انظر: "إرواء الغليل"(2/ 51 - 52).

ص: 174

وَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ التَّكبِيرِ: "أَعوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، منْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفَثِهِ". [صحيح]

(وَنَحْوَه) أي نحوَ حديثٍ عمرَ (عَنْ أَبي سَعِيدٍ مَرْفوعًا عِنْدَ الخَمْسَةٍ وفِيهِ، وَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبيرِ: "أَعوذ بِاللَّهِ السَّمِيعِ" لأقوالهم (الْعَلِيمِ) بأقوالهِم وأفعالِهم وضمائرِهمْ (مِنْ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) المرجومِ (مِنْ هَمْزِهِ) المراد به الجنون (ونَفْخِهِ) بالنونِ فالفاءِ فالخّاء [المعجمة]

(1)

؛ والمرادُ بهِ الكبرُ (وَنَفَثِهِ) بالنونِ والفاءِ والمثلثة؛ المرادُ بهِ الشِّعْرُ وكأنه أرادَ بهِ الهجاء.

والحديثُ دليلٌ على الاستعاذةِ وأنَّها بعدَ التكبيرةِ، والظاهرُ أنَّها أيضًا بعدَ التوجهِ بالأدعيةِ لأنَّها تعوُّذُ القراءةَ [وهوَ]

(2)

قبلَها.

8/ 259 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةَ: بِالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذلِكَ. وَكَانَ إِذَا رَفَعَ مِنَ الركُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتى يَسْتَوِيَ قَائِمًا. وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتى يَسْتَوِيَ جالسًا. وَكَانَ يَقُولُ في كلِّ رَكعَتَينِ التَّحِيَّةَ. وَكَان يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنى. وَكَانَ يَنْهى عَنْ عُقبَةِ الشّيْطَانِ، وَيَنْهى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السّبُعِ. وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

(3)

، وَلَهُ عِلَّةٌ. [صحيح بشواهده]

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (أ): "وهي".

(3)

في "صحيحه"(رقم 240/ 498).

قلت: وأخرجه أبو عوانة (2/ 94، 164، 189، 221)، وأبو داود (رقم 783)، والبيهقي (2/ 15، 113، 172)، وأحمد (6/ 31، 192)، والطيالسي (رقم: 1547)، عن بديل بن ميسرة عن أبيه عن أبي الجوزاء عنها.

قلت: هذا الإسناد ظاهره الصحة ولذلك أخرجه مسلم في "صحيحه" لكنه معلول، فقد قال الحافظ ابن عبد البر في "الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف" (ص 161):"رجال إسناد هذا الحريث كلهم ثقات إلا أنهم يقولون - أي أئمة الحديث - إن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة وحديثه عنها إرسال" اهـ. وقد أشار البخاري إلى ذلك في ترجمة أبي الجوزاء واسمه: "أوس بن عبد الله، فقال: "في إسناده نظر". قال الحافظ في "تهذيب التهزيب" (1/ 336): "وقول البخاري في إسناده نظر، يريد أنه لم يسمع من مثل=

ص: 175

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِح) أي يفتتحُ (الصَّلَاةَ

بِالتَّكْبِيرِ)، أيْ [يقولُ]

(1)

: اللَّهُ أكبرُ، كما وردَ بهذَا اللفظِ في الحليةِ لأبي نعيمٍ

(2)

.

والمرادُ تكبيرةُ الإحرامِ، ويقال لها تكبيرةُ الافتتاح، (وَالْقِرَاءَةَ) منصوبٌ معطوفٌ على الصلاةِ، أي ويستفتحُ القراءةَ (بِالْحَمْدُ) بضمِّ الدالِ على الحكايةِ، (للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يشْخِصْ) بضمِّ المثناةِ التحتيةِ فشينٍ فخاءٍ معجمتين فصادٍ مهملةٍ، (رَأْسَهُ) أي لمْ يرفعْه (وَلَمْ يُصَوِّبْهُ) بضمِّها أيضًا وفتحِ الصادِ المهملةِ وكسرِ الواوِ المشددةِ، أي لم يخفضْهُ خفضًا بليغًا، بلْ بينَ الخفضِ والرفعِ، وهوَ التسويةُ كما دلَّ لهُ قولُهُ:(وَلكِنْ بَيْنَ ذلِكَ) أيْ بينَ المذكورِ منَ الخفضِ والرفعِ (وَكَانَ إِذَا رَفَعَ) أي: رأسَهُ (مِنَ الرُّكوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتى يَسْتَوِيَ قَائِمًا) تقدمَ في حديثِ أبي هريرةَ في أولِ البابِ: "ثمَّ ارفعْ حتَّى تعتدلَ قائمًا". (وَ) كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السجودِ أي الأولِ (لَمْ يسْجدْ) الثانية (حَتى يَسْتِويَ بينَهمَا) جالسًا. وتقدمَ: "ثم ارفعْ حتَّى تطمئنَّ جالسا"، (وكانَ يقول في كلِّ ركعتينِ) أي بعدَهما (التحيةَ) أي يتشهدُ بالتحياتِ [للَّهِ]

(3)

كما يأتي، ففي الثلاثيةِ والرباعيةِ المرادُ بهِ الأوسطَ، وفي الثنائيةِ الأخيرَ. (وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنى) ظاهرُهُ أن هذا جلوسُهُ في جميعِ الجلساتِ بينَ السجودينَ وحالَ التشهدينِ. وتقدَّمَ في حديثِ أبي حميدٍ

(4)

: "وإذا جلسَ في الركعتينِ جلسَ على رجلهِ اليُسرى ونَصبَ اليُمنى"، (وَكَانَ يَنْهى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ) بضمِّ العينِ المهملةِ وسكونِ القافِ فموحَّدةٍ، ويأتي تفسيرُها. (وَيَنْهى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجل ذِرَاعَيْهِ افتِرَاشَ السّبعِ) بأنَّ يبسطهُمَا في سجودهِ، وفسرَ السبعَ بالكلبِ، ووردَ في روايةِ بلفظهِ:(وَكَانَ يَخْتِتم الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ. أَخْرَجَهُ فسْلِمٌ وَلَه عِلَّةٌ)، وهي أنهُ أخرجهُ مسلمٌ منْ روايةِ أبي الجوزاءِ، بالجيمِ والزاي، عنْ عائشةَ، قالَ ابنُ عبدِ البرِّ

(5)

: هوَ مرسلٌ، أبو الجوزاءِ لم يسمع منْ عائشةَ. وأُعِلَّ أيضًا بأنهُ أخرجهُ مسلمٌ منْ طريقِ الأوزاعيِّ مكاتبةً.

=ابن مسعود وعائشة وغيرهما لا أنه ضعيف عنده".

ولكن لسائره - أي الحديث - شواهد كثيرة متعددة، فهو صحيح بشواهده إن شاء الله.

(1)

في (أ): "بقوله".

(2)

(3/ 63).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

رقم الحديث (3/ 254).

(5)

في "الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف"(ص 161).

ص: 176

والحديثُ فيهِ دلالةٌ على تعيينِ التكبيرِ عندَ الدخولِ في الصلاةِ. وتقدمَ الكلامُ فيهِ في حديثِ أبي هريرةَ أولَ البابِ

(1)

. واستدلَّ بقولِها: "والقراءةُ بالحمدِ" على أن البسملةَ ليستْ منَ الفاتحةِ، وهوَ قولُ أنسٍ وأُبي منَ الصحابةِ، وقالَ بهِ مالكٌ، وأبو حنيفةَ، وآخرونَ، وحجَّتُهم هذا الحديثِ. وقد أجيبَ عنهُ بأنَّ مرادهَا بالحمدِ لله ربِّ العالمينَ السورةُ نفسُها لا هذَا اللفظُ؛ فإنَّ الفاتحةَ تُسَمَّى بالحمدِ للَّهِ ربّ العالمينَ، كما ثبتَ في صحيحِ البخاريّ

(2)

؛ فلا حجةَ فيهِ على أن البسملةَ ليستْ منَ الفاتحةِ. ويأتي الكلامُ [عليهِ]

(3)

مُسْتَوْفَى في حديثِ أنسٍ

(4)

قريبًا. وتقدمَ الكلامُ على أنهُ في ركوعهِ لا يرفعُ رأسَهُ ولا يخفضُهُ كما تقدمَ على قولِهِ: (وكانَ إذا رفعَ رأسَه) إلى قولِهِ: (وكانَ يقول التحيةَ). والمرادُ بها الثناءُ المعروفُ بالتحياتِ للَّهِ الآتي لفظُهُ في حديثِ ابن مسعود

(5)

[إن]

(6)

[شاء اللَّهُ تعالى]

(7)

، ففيه شرعيةُ التشهدِ الأوسطِ والأخيرِ. ولا يدلُّ على الوجوب لأنهُ فعلٌ إلَّا أنْ يقال إنهُ بيانٌ لإجمالِ الصلاةِ في القرآنِ المأمورِ بهَا وُجُوبًا. والأَفعالُ لبيانِ الواجبِ واجبةٌ أوْ يقالْ بإيجابِ أفعالِ الصلاةِ لقولهِ صلى الله عليه وسلم:"صلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي"

(8)

. وقدِ اختُلِفَ في التشهدينِ، فقيلَ واجبانِ، وقيلَ [سنتانِ]

(9)

، وقيلَ الأولُ سنةٌ والأخيرُ واجبٌ. ويأتي الكلامُ في حديثِ ابن مسعودٍ إنْ شاءَ اللَّهَ تعالَى على التشهدِ الأخير، وأما الأوسطِ فإنهُ استدلَّ مَنْ قالَ بالوجوب بهذا الحديثِ كما قررناهُ، وبقولهِ صلى الله عليه وسلم:"إذا صلَّى أحدُكمْ فليقلْ التحياتُ للَّهِ"

(10)

الحديثَ. ومَنْ قالَ بأنَّها سنةٌ استدلَّ بأنهُ صلى الله عليه وسلم لما سَهَا عنهُ لمْ يعدْ لأدائِهِ وجبره بسجودِ السهوِ ولوْ وجبَ لمْ يجبرْهُ سجودُ السهوِ كالركوعِ وغيرِهِ منَ الأركانِ. وقدْ ردَّ هذا الاستدلالُ بأنهُ يجوزُ أنْ يكونَ الوجوبُ معَ الذكرِ فإن نسيَ حتَّى دخلَ في

(1)

رقم الحديث (1/ 252).

(2)

(رقم 4474).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

رقم الحديث (14/ 265).

(5)

رقم الحديث (46/ 297).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

وهو حديث صحيح، تقدَّم تخريجه في شرح الحديث رقم (3/ 254).

(9)

في (أ): "مسنونان".

(10)

وهو حديث صحيح، سيأتي تخريجه رقم (46/ 297).

ص: 177

فرضٍ آخرَ [جبره]

(1)

سجودُ السهوِ، [وفي] (2) قولِها:(وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنى)، [ما]

(2)

يدل أنَّهُ كانَ جلوسهُ صلى الله عليه وسلم بينَ السجدتينِ وحالَ التشهدِ، وقدْ ذهبَ إليهِ الهادويةُ، والحنفيةُ، ولكنَّ حديثَ أبي حميدٍ

(3)

الذي تقدَّمَ فرَّقَ بينَ الجُلوسينِ فجعلَ هذا صفة الجلوسِ [بعد]

(4)

الركعتينِ، وجعلَ صفةَ الجلوسِ الأخيرِ تقديمَ رجلهِ اليُسرى ونَصْبَ الأخرى، والقعودَ على مَقْعَدِتِهِ، وللعلماءِ خلافٌ في ذلكَ، والظاهرُ أنهُ مِنَ الأفعالِ المخيَّرِ فيْها. وفي قولِها:(يَنْهَى عنْ عُقْبَةِ الشيطانِ) أي في القعودِ، وفُسِّرَتْ بتفسيرينِ، أحدِهما: أنْ يفترشَ قدميْهِ [ويجلس بأَليتيهِ]

(5)

على عقبيهِ، ولكنَّ هذه القَعْدَةَ اختارَها العبادلةُ في القعودِ [غير]

(6)

الأخيرِ، وهذه تُسَمَّى إقعاءً، وجعلوا المنهيَّ عنهُ هو الهيئةُ الثانيةُ تسمَّى أيضًا إقعاءً؛ وهو أنْ يلصقَ [الرجل]

(7)

أليتيهِ في الأرض وينصبَ ساقيهِ وفخذيهِ، ويضعَ يديهِ على الأرضِ، كما يقعي الكلبُ. وافتراشُ الذراعينِ تقدَّمَ أنهُ بَسْطُهُمَا على الأرضِ حالَ السجودِ. وقدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم عن التشبهِ بالحيواناتِ، نهى عن بروكٍ كبُروكِ البعير

(8)

، والتفات كالتفاتِ الثعلب

(9)

، وافتراشٍ كافتراشِ السَّبُعِ

(10)

،

(1)

في (أ): "يجبره".

(2)

زيادة من (ب).

(3)

رقم الحديث (3/ 254).

(4)

في (أ): "بين".

(5)

في (أ): "ويجعل إليتيه".

(6)

زيادة من (ب).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه أحمد (2/ 381)، والدارمي (3/ 301)، وأبو داود (رقم 840)، والنسائي (2/ 207)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 254)، والدارقطني (1/ 344 - 345 رقم 3)، والبيهقي (2/ 99) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه"، وهو حديث صحيح.

(9)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه أحمد (2/ 311) بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أمرني رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بثلاث، ونهاني عن ثلاث: أمرني بركعتي الضحى كل يوم، والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ونهاني عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب".

(10)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه مسلم (رقم 240/ 498)، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترِشَ الرجلُ ذراعيهِ افتراشَ السَّبُعِ"، وهو حديث صحيح.

ص: 178

وإقعاء كإقعاءِ الكلب

(1)

، ونقرٍ كنقرِ الغرابِ

(2)

، ورفعِ الأيدي وقتَ السلامِ كأذنابِ خيلٍ شُمُسٍ

(3)

. وفي قولِها: (وكانَ يختمُ الصلاةَ بالتسليمِ) دلالةٌ على شرعيةِ التسليمِ، وأما إيجابهُ فَيُسْتَدَلُّ لهُ بما قدَّمْنَاهُ سابِقًا.

‌سنة رفع اليدين عند الركوع والرفع منه

9/ 260 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكَبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

. [صحيح]

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ) بفتحِ الحاءِ المهملةِ وسكونِ الذالِ المعجمةِ، أي: مقابلَ (مَنْكَبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ). تقدمَ في حديثِ

(1)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه أحمد (1/ 146)، والترمذي (2/ 72 رقم 282)، وابن ماجه (رقم 895)، والبيهقي (2/ 120)، عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ:"يا عليُّ لا تُقْعِ إقعاءَ الكلبِ"، هكذا رواه ابن ماجه مختصرًا وهو عند أحمد مطولًا وهو حديث حسن.

(2)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود (رقم 862)، وابن حبان في "الإحسان"(4/ 21 رقم 2274)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 161 رقم 666)، والنسائي (2/ 214)، وأحمد (3/ 428 و 448)، والدارمي (1/ 303)، عن عبد الرحمن بن شِبْل الأنصاري قال: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينهى عن ثلاثِ خِصَالٍ في الصلاة: عن نَقْرَةِ الغُرَابِ، وعنِ افتراش السَّبُعِ، وأن يُوطِنَ الرجُلُ المكان كما يُوطِنُ البعيرِ"، وهو حديث حسن بشاهده.

(3)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه مسلم (رقم 431)، وأبو داود (رقم 998)، والنسائي (3/ 61 رقم 1318)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 206 رقم 699)، عن جابر بن سَمُرَةَ قال: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: السلامُ عليكم ورحمةُ اللَّهِ، السلامُ عليكم ورحمةُ اللَّهِ. وأشارَ بيدِهِ إلى الجانبين. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"عَلَام تُومِئونَ بأيدِيكُمْ كأنَّهَا أذنابُ خَيْلٍ شُمُسٍ؟ إنما يكفي أحدُكُمْ أن يضعَ يدَهُ على فَخِذِهِ، ثم يُسَلِّمُ على أخيهِ من على يمينهِ وشمالِهِ". وهو حديث صحيح.

(4)

البخاري (رقم 735)، ومسلم (رقم 21/ 390).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 721)، والترمذي (2/ 35 رقم 255)، وابن ماجه (رقم 858)، وأبو عوانة (2/ 90)، والدارقطني (1/ 287 رقم 2)، والبيهقي (2/ 26)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 157)، والدارمي (1/ 285)، وأحمد (1/ 147)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 72 رقم 211)، ومالك (1/ 75 رقم 16)، والنسائي (2/ 121، 122). وهو حديث صحيح.

ص: 179

أبي حُمَيْدٍ الساعديِّ

(1)

. (وإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ) رفعَهُما، (وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ) أي: أرادَ أنْ يرفعَهُ (مِنَ الرُّكُوعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). فيهِ شرعيةُ رفعِ اليدينِ في هذهِ الثلاثةِ المواضعِ، أمَّا عندَ تكبيرةِ الإحرامِ فتقدمَ فيهِ الكلامُ، وأما عندَ الركوعِ والرفعِ مِنْهُ فهذَا الحديثُ دلَّ على مشروعيةِ ذلكَ. قالَ محمدُ بن نصرٍ المروزيِّ: أجمعَ علماءُ الأمصارِ على ذلكَ إلَّا أهلَ الكوفةِ. قلتُ: والخلافُ فيهِ للهاوديةِ مطلقًا في المواضعِ الثلاثةِ، واستُدِلَّ للهادي عليه السلام في البحرِ

(2)

بقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "ما لي أراكم [الحديث]

(3)

"، قلتُ: وهوَ إشارةٌ إلى حديثِ جابرِ بن سمرةَ أخرجَهُ مسلمٌ

(4)

، وأبو داودَ

(5)

، والنسائيُّ

(6)

، ولفظهُ عنهُ قَالَ:"كنَّا إذا صَلَّيْنَا معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قلْنا بأيدينَا السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللَّهِ وأشارَ بيديهِ إلى الجانبينِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: علامَ تُوْمِئُونَ بأيديْكمْ، ما لي أرى أيديْكم كأذنابِ خيلِ شُمسٍ، اسكنُوا في الصلاةِ، وإنما يكفي أحدَكم أنْ يضعَ يدَهُ على فَخِذِهِ، ثمَّ يسلِّمَ على أخيهِ عنْ يمينهِ وشمالهِ" انتهى بلفظهِ. وهوَ حديثٌ صريحٌ في أنهُ كانَ ذلكَ في إيمائِهم بأيديهمْ عندَ السلامِ، والخروجِ منَ الصلاةِ، وسببهُ صريحٌ في ذلكَ.

وأما قولُهُ: "اسكنُوا في الصلاةِ" فهوَ عائدٌ إلى ما أنكرهُ عليهمْ منَ الإيماءِ إلى كل حركة في الصلاةِ؛ فإنهُ معلومٌ أنَّ الصلاةَ مركبةٌ منْ حركاتٍ وسكونٍ وذكرِ [الله]

(7)

، قالَ المقبليُّ في المنارِ

(8)

على كلامِ الإمامِ المهديِّ: إنْ هذا كان غفلةً منَ الإمامِ إلى هذَا الحد فقدْ أبعدَ، وإنْ كانَ معَ معرفتهِ حقيقةُ الأمرِ، فهوَ أورعُ وأرفعُ منْ ذلكَ، والإكثارُ في هذا لجاجٌ مجردٌ، وأمرُ الرفعِ أوضحُ منْ أنْ تورَدَ لهُ

(1)

رقم الحديث (3/ 254).

(2)

(1/ 239 - 240).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في "صحيحه" رقم (431) وقد تقدَّم.

(5)

في "السنن" رقم (998) وقد تقدم.

(6)

في "السنن" رقم (1318) وقد تقدَّم.

(7)

في (أ): "لله".

(8)

وهو: "المنار في المختار من جواهرِ البحر الزخار، حاشية العلامة المجتهد صالح بن مهدي المقبلي على البحر الزخار"(1/ 173 - 174) وتمام قوله: " .. وإن تكلف أتباعه لإذاعتها، فهو عدو في صورة صديق عند التوفيق، وقد انفرد الأنبياء بالعصمة، والذي وافق الهادي ممن بعده من ديدن الأتباع في كل فرقة، ومن تقدمه أو تأخر أو عاصره: كزيد بن علي، والناصر والمؤيد، وأحمد بن عيسى وغيرهم، نصوا على الرفع، وحسن الظن بالقاسم يقتضي صحة رواية الرفع عنه وترجيحها

" اهـ.

ص: 180

الأحاديثُ المفرداتُ، وقدْ كثرتْ كثرةً لا تُوَازَى، وصحَّتْ صحةً لا تمنعُ، ولذَا لم يقعِ الخلافُ المحققُ فيهِ إلا للهادي فقطْ، فَهِيَ منَ النوادرِ التي تقعُ لأفرادِ العلماءِ مثلِ مالك والشافعيِّ وغيرِهما، ما أحدٌ منْهم إلَّا لهُ نادرةٌ ينبغي أنْ تغمرَ في [جنبِ فضلِهِ]

(1)

وتجتنبَ"، انتهى. وخالفتِ الحنفية فيْما عدا الرفعَ عندَ تكبيرةِ الإحرامِ، واحتجُّوا بروايةِ مجاهدٍ

(2)

: "أنهُ صلَّى خلف ابن عمرَ فلمْ يرهُ يفعلُ ذلكَ"، وبما أخرجهُ أبو داودَ

(3)

منْ حديثِ ابن مسعودٍ: "بأنهُ رَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يرفعُ يديهِ عندَ الافتتاحِ ثمَّ لا يعودُ". وأجيبَ بأنَّ الأولَ فيهِ أبو بكرٍ بنُ عياشٍ

(4)

وقدْ ساءَ حِفْظُهُ، ولأنهُ معارَضٌ بروايةِ نافعٍ وسالمٍ ابن ابن عمرَ لذلكَ، وهما مثبتانِ، ومجاهدُ نافٍ، والمثبتُ مقدَّمٌ، وبأنَّ تركهُ لذلكَ إذا ثبتَ كما رواهُ مجاهدُ يكونُ

(1)

في (أ): "جناب فضل".

(2)

أخرجها البخاري في "قرة العينين برفع اليدين في الصلاة" رقم (15) وقال البخاري: قال يحيى بن معين: حديث أبي بكر - بن عياش - عن حصين إنما هو توهم لا أصل له.

(3)

في "السنن"(رقم 748).

قلت: وأخرجه أحمد (1/ 388)، والترمذي (2/ 40 رقم 257)، والنسائي (2/ 182)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 224)، وابن حزم في "المحلَّى"(3/ 235)، قال أبو داود: هذا حديث مختصر من حديث طويل، ولي هو بصحيح على هذا اللفظ".

وقال الترمذي: حدي حسن. وقد صححه ابن حزم وأحمد شاكر والألباني وغيرهم.

وقال أحمد شاكر: " .. وما قالوه في تعليله لي بعلة، ولكنه لا يدل على ترك الرفع في المواضع الأخرى؛ لأنَّه نفي، والأحاديث الدالة على الرفع إثبات، والإثبات مقدم، ولأن الرفع سنة، وقد يتركها مرة أو مرارًا، ولكن الفعل الأغلب والأكثر هو السنة، وهو الرفع عند الركوع وعند الرفع منه.

وقد جعل العلماء الحفاظ المتقدمون هذه المسألة - مسألة رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه - من مسائل الخلاف العويصة، وألف فيها بعضهم أجزاء مستقلة ثم تبعهم من بعدهم في خلافهم، وتعصب كل فريق لقوله، حتى خرجوا به عن حد البحث، إلى حد العصبية والتراشق بالكلام، وذهبوا يصحِّحون بعض الأسانيد أو يضعِّفون، انتصارًا لمذاهبهم، وتركوا - أو كثير منهم - سبيل الأنصاف والتحقيق، والمسألة أقرب من هذا كله، فإن الرفع في الموضعين المختلف عليهما ثابت بأحاديث صحاح جدًّا، وليس في رواية من روى ترك الرفع إلا ما قلنا: أن المثبت مقدم على النافي.

وقد ثبت الرفع أيضًا في موضع ثالث، وهو عند القيام إلى الركعة الثالثة

" اهـ.

(4)

ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه.

ص: 181

مبيِّنًا لجوازِه، وأنهُ لا يراهُ واجبًا، وبأنّ الثاني وهو حديثُ ابن مسعودٍ لم يثبتْ كما قالَ الشافعيُّ، ولوْ ثبتَ لكانت روايةُ ابن عمرَ مقدَّمةٌ عليهِ لأنَّها إثباتٌ، وذلكَ نفْيٌ، والإثباتُ مقدَّمٌ. وقدْ نقلَ البخاريُّ عن الحسنِ

(1)

، وحميدِ بن هلالِ

(2)

أن الصحابةَ رضي الله عنهم كانُوا يفعلونَ ذلكَ. قالَ البخاريُّ

(3)

: ولمْ يستثنِ الحسنُ أحدًا. ونقلَ عن شيخهِ عليٍّ بن المديني أنهُ قالَ: حق على المسلمينَ أنْ يرفعُوا أيدَيهُمْ عندَ الركوعِ والرفعِ منهِ لحديثِ ابن عمرَ هذا، وزادَ البخاريُّ

(4)

في موضع آخرَ بعدَ كلامِ ابن المديني: وكانَ علي أعلمَ أهلِ زمانِهِ. قالَ

(5)

: ومَنْ زَعَمَ أنهُ بدعةٌ فقدْ طعنَ في الصحابةِ ويدل لهُ قولُهُ:

10/ 261 - وَفي حَدِيثِ أَبي حُمَيْدٍ، عِنْدَ أَبي دَاوُدَ

(6)

: يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكَبَيْهِ. ثُمَّ يُكَبِّرُ. [صحيح]

(وَفي حَدِيثِ أَبي حُمَيْدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتى يحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكَبَيْهِ ثمَّ يُكَبِّرُ). تقدمَ حديثُ أبي حميدٍ منْ روايةِ البخاريِّ، لكنْ ليسَ فيهِ ذكرُ الرفعِ إلَّا عندَ تكبيرةِ الإحرامِ، بخلافِ حديثهِ عندَ أبي داودَ ففيهِ إثباتُ الرفعِ في الثلاثةِ المواضع كما أفادُه حديثُ ابن عمرَ، ولفظُهُ عندَ أبي داودَ

(7)

: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إذا قامَ إلى الصلاةِ اعتدلَ قائمًا، ورفعَ يدْيهِ حتَّى يحاذيَ بهمَا منكبيهِ، فإذَا أرادَ أنْ يركعَ رفعَ يديْهِ حتى يحاذَي بهمَا منكبيهِ - الحديثُ [تمامه]

(8)

: ثمَّ قالَ: اللَّهُ أكبرُ وركعَ، ثمَّ اعتدلَ ولم يصوِّبْ رأسَهُ، ولمْ يقنعْ، ووضعَ يديهِ على ركبتيهِ، ثمَّ قالَ: سمعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ورفعَ يديهِ، واعتدلَ حتَّى رجعَ كلُّ عَظْمٍ إلى موضعِهِ معتدلًا - الحديثَ"، فأفادَ رفعُهُ صلى الله عليه وسلم يديهِ في الثلاثةِ المواضعِ، وكانَ على

(1)

في "قرة العينين برفع اليدين في الصلاة" رقم (28)، وهو موقوف.

(2)

في "المرجع السابق" رقم (29)، وهو حديث حسن.

(3)

في "المرجع السابق"(ص 26).

(4)

في "المرجع السابق"(ص 9).

(5)

أي البخاري، في "المرجع السابق"(ص 54).

(6)

في "السنن"(1/ 467 رقم 730) وقد تقدم.

(7)

في "السنن"(1/ 467 رقم 730) من حديث أبي حميد الساعدي.

ولم أجده بهذا اللفظ من حديث ابن عمر، والله أعلم.

(8)

زيادة من (ب).

ص: 182

المصنفِ أنْ يقولَ بعدَ قولِهِ ثمَّ يكبرُ: الحديثَ، ليفيدَ أن الاستدلالَ بهِ جميعَهُ، فإنهُ قدْ يتوهمُ أن حديثَ أبي حميدٍ ليسَ فيهِ إلَّا الرفعُ عندَ تكبيرةِ الإحرامِ، كما أن [قولَهُ]

(1)

:

11/ 262 - وَلمُسْلِمٍ

(2)

عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، لَكِنْ قَالَ: حَتى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ. [صحيح]

(وَلِمُسْلِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ نحوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ) أي في الرفعِ في الثلاثةِ المواضعِ (لَكِنْ قَالَ حَتى [يحَاذِيَ]

(3)

بِهِمَا) أي اليدينِ (فُرُوعَ أُذُنَيْهِ) أطرافَهُمَا، فخالفَ روايةَ ابن عمرَ وأبي حميدٍ في هذا اللفظِ. فذهبَ البعضُ إلى ترجيحِ روايةِ ابن عمرَ لكونِها متَّفَقًا عليْها، وجمعَ آخرونَ بينَهما، فقالُوا: يحاذي بظهرِ كفيهِ المنكبينِ، وبأطرافِ أناملِهِ الأذنينِ، [وأيَّدُوا ذلكَ]

(4)

بروايةِ أبي داودَ

(5)

عنْ وائل بلفظِ: حتَّى كانتْ حيالَ منكبيهِ وحاذى بإبهاميهِ أذنيْهِ"، وهذا جمعٌ حسنٌ.

‌السنة وضع اليدين على الصدر في الصلاة

12/ 263 - وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرِ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنى عَلَى الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ. [صحيح بطرقه]

أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(6)

.

‌ترجمة وائل بن حجر

(وَعَنْ وَائِلِ)

(7)

بفتحِ الواوِ وألفٍ فهمزةٍ، هوَ أبو هُنَيْدِ، بضمِ الهاءِ وفتح

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في "صحيحه"(رقم 26/ 391).

(3)

في (أ): "حاذى".

(4)

في (ب): "تأيدوا لذلك".

(5)

في "السنن"(1/ 465 رقم 724)، وهو حديث ضعيف. وفيه "حتى كانتا".

(6)

في "صحيحه"(1/ 243 رقم 479) وإسناده ضعيف؛ لأن مؤملًا وهو ابن إسماعيل سيء الحفظ، لكن الحديث صحيح جاء من طرق أخرى بمعناه، وفي الوضع على الصدر أحاديث تشهد له. قاله الألباني.

(7)

انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(4/ 315 - 319 و 6/ 398 - 399)، و"التاريخ الكبير"(8/ 175 - 176 رقم 2607)، و"الجرح والتعديل"(9/ 42 رقم 179)، و"مجمع الزوائد"(9/ 373 - 376)، و"تهذيب التهذيب"(11/ 96 - 97 رقم 189)، و"الإصابة"(10/ 294 - 295 رقم 9101)، و"الاستيعاب"(11/ 44 - 46 رقم 2736).

ص: 183

النونِ (ابْنِ حُجْرِ) بن ربيعةِ الحضرميِّ، كانَ أبوهُ منْ ملوكِ حضرموتَ. وفدَ وائلٌ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأسلمَ، ويقالُ إنهُ صلى الله عليه وسلم بَشَّرَ أصحابَهُ قبلَ قدومهِ [فقالَ]

(1)

: "يقدمُ عليكمْ وائلُ بنُ حجرٍ منْ أرضٍ بعيدةٍ طائعًا راغبًا في اللَّهِ عز وجل، وفي رسولهِ، وهوَ بقيةُ أبناء الملوكِ، فلمَّا دخلَ عليهِ صلى الله عليه وسلم رحَّبَ بهِ وأدناهُ منْ نفسهِ، وبسطَ لهُ رداءَهَ فأجلسهُ عليهِ، وقالَ: اللَّهمَّ باركْ على وائلٍ وولدِهِ، [واستعملهُ]

(2)

على الأقيالِ منْ حضرموتَ"

(3)

. رَوَى لهُ الجماعةُ إلا البخاريَّ، وعاشَ إلى زمنِ معاويةَ وبايعَ لهُ.

(قَالَ: صَلَّيْت مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنى عَلَى يدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ. أَخْرَجَهُ ابْن خزَيْمَةَ)، [وأخرجَ]

(4)

أبو داودَ

(5)

والنسائيُّ

(6)

بلفظِ: "ثمَّ وضعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى ظَهِرِ كفِّهِ اليُسْرَى والرُّسْغَ والسَّاعدِ" الرسغُ، بضمّ الراءِ وسكونِ السينِ المهملةِ، بعدَها معجمة، هوَ المفصلُ بينَ الساعدِ والكفِّ.

والحديثُ دليلٌ على مشروعيةِ الوضع المذكورِ في الصلاةِ ومحلُّهُ على الصدرِ كما أفادَ هذَا الحديثُ. وقالَ النوويُّ في المنهاجِ

(7)

: [ويجعلُ]

(8)

يديْهِ تحتَ صدرهِ. قالَ في شرحه النجمَ الوهاجُ: عبارةُ الأصحابِ "تحتَ صدرهِ" يريدُ: والحديثُ بلفظِ: "على صدرهِ"، قالَ: وكأنَّهمْ جعلُوا التفاوتَ بينَهما يسيرًا. وقدْ ذهبَ إلى مشروعيتهِ زيدَ بنُ عليٍّ، وأحمدُ بنُ عِيْسَى. ورَوَى أحمدُ بْنُ عِيْسَى حديثَ وائلٍ هذَا في كتابهِ الأمالي، وإليهِ ذهبتِ الشافعيةُ والحنفيةُ

(9)

. وذهبتِ الهادويةُ إلى عدمِ مشروعيتهِ، وأنهُ يبطلُ الصلاةَ لكونهِ فعلا كثيرًا

(10)

. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ

(11)

لم يأتِ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهِ خلاف، وهوَ قولُ جمهورِ الصحابةِ

(1)

في (أ): "وقال".

(2)

في (أ): "فاستعمله".

(3)

أخرجه الطبراني في "الصغير"(2/ 284 - 287 رقم 1176)، وفي "الكبير"(22/ 46 رقم 117).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(9/ 374 - 376) وقال: رواه الطبراني في "الصغير والكبير"، وفيه "محمد بن حجر" وهو ضعيف.

(4)

في (أ): "وأخرجه".

(5)

في "السنن"(رقم 727).

(6)

في "السنن"(2/ 126 رقم 889). من حديث وائل بن حجر، وهو حديث صحيح.

(7)

(1/ 181 - مع المغني).

(8)

في (ب): "وجعل".

(9)

انظر: "المجموع شرح المهذب للنووي"(3/ 313).

(10)

انظر: "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماءِ الأمصار"(1/ 241 - 242).

(11)

ذكره الشوكاني في "نيل الأوطار"(2/ 186)، والزرقاني في "شرح الموطأ"(1/ 321).

ص: 184

والتابعينَ. قال: وهوَ الذي ذكرهُ مالكٌ في الموطأِ

(1)

، ولم يحكِ ابنُ المنذرِ وغيرهُ عنْ مالكِ، ورُوي عنْ مالك الإرسال وصارَ إليهِ أكثرُ أصحابهِ

(2)

.

‌حجة من قال بوجوب الفاتحة في كل ركعة

13/ 264 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا صلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأ بِأُمِّ الْقُرآنِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

- وَفِي رِوَايةٍ لابْنِ حِبَّانَ

(4)

وَالدَّارقُطْنيِّ

(5)

: "لَا تُجْزِئُ صَلاة لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ"[إسناده صحيح]

- وَفي أُخْرَى، لأَحْمَدَ

(6)

، وَأَبي دَاوُدَ

(7)

، وَالتّرْمِذِيِّ

(8)

، وَابْنِ حِبَّانَ

(9)

: "لَعلَّكُمْ تَقْرَأونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟ "، قُلْنَا: نَعَمْ، قَال:"لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأَ بِهَا". [ضعيف]

(1)

(1/ 159 رقم 47).

قلت: وأخرجه البخاري في "صحيحه"(رقم 740) عن سهل بن سعدٍ، قال:"كان الناسُ يؤمرونَ أن يضعَ الرجلُ اليدَ اليمنَى على ذِراعِه اليُسرَى في الصلاة. قالَ أبو حازمٍ: لا أعلمُهُ إلا يَنْمِي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم".

• يَنْمِي: نَمَيْتُ الحديثِ أُنْمِيه: إذا بلَّغتَه على وجه الإصلاح وطلب الخير، وكل شيء نَمَيْتَه فقد رفعتَه. فإذا أرَدْتَه على وجه الفساد، قلت: نَمَّيْته بالتشديد.

(2)

انظر: "شرح الموطأ" للزرقاني (1/ 321).

(3)

البخاري (رقم 756)، ومسلم (رقم 34/ 394).

قلت: وأخرجه الشافعي في "الأم"(1/ 129)، وأحمد (5/ 314)، والدارمي (1/ 283)، وأبو داود (رقم 822)، والترمذي (2/ 25 رقم 247)، والنسائي (2/ 137)، وابن ماجه (رقم 837)، والدارقطني (1/ 321 رقم 17)، والبيهقي (2/ 38) وغيرهم.

(4)

في "الإحسان"(3/ 136 رقم 1779).

(5)

في "السنن"(1/ 322) وقال: إسناده صحيح.

(6)

في "المسند"(5/ 322).

(7)

في "السنن"(1/ 515 رقم 823).

(8)

في "السنن"(2/ 116 رقم 311).

(9)

في "الإحسان"(3/ 137 رقم 1782).

قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 318 رقم 5)، وابن خزيمة (3/ 36 - 37 رقم 1581)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 321)، والحاكم (1/ 238)، وغيرهم. وانظر تخريجنا لبلوغ المرام رقم الحديث (13/ 264) رقم (3).

ص: 185

‌ترجمة عبادة بن الصامت

(وَعَنْ عُبَادَةَ)

(1)

بضمّ العينِ المهملةِ وتخفيفِ الموحدةِ وبعدَ الألفِ دالٌ مهملةٌ، [وهو]

(2)

أبو الوليدِ عبادةُ (بن الصَّامِتِ) بنُ قيسٍ الخزرجيِّ الأنصاريِّ السالميِّ، كانَ مِنْ نقباءِ الأنصارِ، وشهدَ العقبةَ الأولى والثانيةَ والثالثةَ، وشهدَ بَدْرًا والمشاهدَ كلَّها، وجَّهَهُ عمرُ إلى الشامِ قاضيًا ومعلمًا، فأقامَ بحمصَ، ثمَّ انتقلَ إلى فلسطينَ وماتَ بها في الرملةِ، وقيلَ في بيتِ المقدسِ سنةَ أربعٍ وثلاثينَ، وهوَ ابنُ اثنتينِ وسبعينَ سنةً. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا صَلَاة لِمَنْ لَمْ يَقْرَأ بأمُّ الْقُرآنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). هوَ دليل على نفي الصلاةِ الشرعيةِ إذا لم يقرأْ فيْها المصَلِّي بالفاتحةِ؛ لأنَّ الصلاةَ مركبةٌ منْ أقوالٍ وأفعالٍ، والمركَّب ينتفي بانتفاءِ جميعِ أجزائهِ، وبانتفاءِ البعضِ، ولا حاجةَ إلى تقديرِ نفي الكمالِ؛ لأنَّ التقديرَ إنَّما يكونُ عندَ تعذرِ صدقِ نفي الذاتِ إلَّا أنَّ الحديثَ الذي أفادهُ قولُهُ:(وفي روايةٍ لابنِ حبانَ والدارقطنيِّ: لا تجزئُ صلاةٌ لا يَقْرَأُ فيها بفاتحةِ الكتاب) فيهِ دلالةٌ على أنّ النفيَ متوجهٌ إلى الإجزاءِ، وهوَ كالنفي للذاتِ في المآلِ؛ لأنَّ ما لَا يجزئُ فليسَ بصلاةٍ شرعيةٍ. والحديثُ دليل على وجوبِ قراءةِ الفاتحةِ في الصلاةِ، ولا يدلّ على إيجابِها في كلِّ ركعةٍ بلْ في الصلاةِ جملةً، وفيهِ احتمالُ أنهُ في كلّ ركعةٍ لأنَّ الركعةَ تُسَمَّى صلاةً. وحديثُ المسيءِ صلاتُهُ قدْ دلَّ على أن كلَّ ركعةٍ تُسَمَّى صلاةً لقولهِ صلى الله عليه وسلم بعدَ أنْ علَّمهُ ما يفعلُه في كل ركعةٍ:"وافعلْ ذلكَ في صلاتِكَ كلِّها"

(3)

؛ فدلَّ على إيجابِها في كلِّ ركعةٍ لأنهُ أمرهُ أنْ يقرأَ [فيها]

(4)

بفاتحةِ الكتابِ. وإلى وجوبِها في كلِّ ركعةٍ ذهبتِ الشافعيةُ وغيرُهم. وعندَ الهادويةِ وآخرينَ أنَّها لا تجبُ قراءتُها في كلِّ ركعةٍ، بلْ في جملةِ الصلاةِ،

(1)

انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(5/ 114)، و"طبقات ابن سعد"(3/ 546)، و"التاريخ الكبير"(6/ 92 رقم 1809)، و"المعارف"(255، 327)، و"الجرح والتعديل"(6/ 95 رقم 492)، و "المستدرك"(3/ 354)، و"الاستيعاب"(5/ 323 - 326 رقم 1372)، و"الإصابة"(5/ 322 - 324 رقم 4490)، و"مجمع الزوائد"(9/ 320)، و"تهذيب التهذيب"(5/ 97 - 98 رقم 189).

(2)

في (أ): "فها هو".

(3)

تقدم تخريجه رقم (1/ 252).

(4)

زيادة من (ب).

ص: 186

والدليلُ ظاهرٌ [معَ أهل القولِ الأولِ]

(1)

. وبيانهُ منْ وجهينِ، (الأولِ): أن في بعضِ ألفاظِه بعدَ تعليمهِ صلى الله عليه وسلم لهُ ما ذكرهُ منَ القراءةِ والركوعِ والسجودِ والاطمئنانِ [إلى]

(2)

[آخرِه أنهُ]

(3)

قالَ الراوي: فوصفَ [أي](2) رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ هكذَا أربعَ ركعاتٍ حتَّى فرغَ ثمَّ قالَ: "لا تتمُّ صلاةُ أحدِكم حتَّى يفعلَ ذلكَ". ومعلومٌ أن المرادَ منْ قولِهِ: يفعلُ ذلِكَ أيْ كلَّ ما ذكرَهَ منَ القراءةِ بأمِّ الكتاب وغيرها في كلِّ ركعةٍ لقولهِ: فوصفَ الصلاةَ هكذا أربعَ ركعاتٍ، (والثاني): أن ما ذكرهُ صلى الله عليه وسلم معَ القراءةِ منْ صفاتِ الركوعِ والسجودِ والاعتدالِ ونحوِهِ مأمورٌ بهِ في كل ركعةٍ كما يفيده هذا الحديث، والمخالف في قراء الفاتحة في كل ركعة لا يقولُ إنهُ يكفي الركوعُ والسجودُ والاطمئنانُ في ركعةٍ واحدةٍ منْ صلاتهِ أوْ يفرقُها في [ركعاتِها]

(4)

، فكيفَ يقولُ إنَّ القراءةَ بالفاتحةِ تنفردُ منْ بين هذهِ المأموراتِ بأنَّها لا تجبُ إلَّا في ركعةٍ واحدةٍ، أو [يفرقُ]

(5)

بينَ الركعاتِ، وهذا تفريقٌ بينَ أجزاءِ الدليلِ بلا دليلٍ، فتعيَّنَ حينئذٍ أن المرادَ منْ قولهِ:"ثمَّ افعلْ ذلكَ في صلاتِكَ كلّها"، في ركعاتِها. ثمَّ رأيتُ بعدَ كتب هذا أنهُ أخرجَ أحمدُ

(6)

، والبيهقيُّ

(7)

، وابنُ حبانَ

(8)

بسندٍ صحيحٍ أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ لخلادِ بن رافع وهوَ المسيءُ صلاتَهُ: "ثمَّ اصنعْ ذلكَ في كلِّ ركعةٍ"، ولأنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يقرأُ بها في كلِّ ركعةٍ كما رواهُ مسلمٌ وقالَ:"صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي"

(9)

. ثمَّ ظاهرُ الحديثِ [وجوبُ قراءتِها]

(10)

في سريةٍ وجهريةٍ للمنفردِ والمؤتَمِّ، أما المنفردُ فظاهرٌ، وأما المؤتمُّ فدخولُهُ في ذلكَ واضحٌ وزادهُ إيضاحًا في قولهِ:(وفي أخْرَى) منْ روايةِ عُبَادَةَ (لأَحْمَدَ، وَأَبَي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَأونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: لا تفعلُوا إلا بفاتحةِ الكتاب فإنهُ لا صلاةَ لمنْ لمْ يقرأْ بِها)؛ فإنهُ [دليل]

(11)

عَلَى

(1)

في (أ): "مع من قال بالوجوب".

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (أ): "ثم".

(4)

في (ب): "الركعات".

(5)

في (ب): "تفريق".

(6)

في "الفتح الرباني"(3/ 155 - 156 رقم 482).

(7)

في "السنن الكبرى"(2/ 373).

(8)

في "الإحسان"(3/ 138 - 139 رقم 1784). كلهم من حديث رِفاعة بن رافع.

(9)

وهو حديث صحيح. تقدم تخريجه في "شرح الحديث" رقم (3/ 254).

(10)

في (أ): "وجوبها".

(11)

في (ب): "دل".

ص: 187

إيجابِ فراءةِ الفاتحةِ خلفَ الإمامِ تخصيصًا كما دلَّ اللفظُ الذي عندَ الشيخينِ لعمومهِ، وهوَ أيضًا ظاهرٌ في عمومِ الصلاةِ الجهريةِ والسريةِ، وفي كلِّ ركعةٍ أيضًا، وإلى هذا ذهبَ الشافعيةُ. وذهبتِ الهادويةُ إلى [أنْ]

(1)

لا يقرأَها المؤتمُّ خلفَ إمامِهِ في الجهريةِ إذا كانَ يسمعُ قراءتَه، ويقرأَها في السريةِ، وحيثُ لا يسمعُ في الجهريةِ. وقالتِ الحنفيةُ: لا يقرأُها المأمومُ في سريةٍ ولا جهريةٍ. وحديثُ عبادةَ حجةٌ على الجميعِ، واستدلالُهم بحديثِ:"مَنْ صلَّى خلفَ الإمامِ فقراءةُ الإمامِ قراءةٌ لهُ"

(2)

معَ كونهِ ضعيفًا قالَ المصنفُ في التلخيصِ

(3)

بأنهُ مشهورٌ منْ حديثِ جابرٍ، ولهُ طرقٌ عنْ جماعةٍ منَ الصحابةِ كلُّها معلولة انتهى. وفي المنتقى رواهُ الدارقطني

(4)

منْ طرقٍ كلِّها ضعاف والصحيحُ أنهُ مرسلٌ: لا يتم [به]

(5)

الاستدلالُ لأنهُ عام؛ لأنَّ لفظَ قراءةِ الإمامِ اسمُ جنسٍ مضافٍ يعمّ كلَّ ما يقرأهُ الإمامُ، وكذلكَ قولهُ تَعَالى:{وَإذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَه وَأَنصِتُوا}

(6)

، وحديثُ:"إذا قرأ فأَنْصِتُوا"

(7)

، فإنَّ هذه

(1)

في (أ): "أنه".

(2)

أخرجه مالك في "الموطأ": - رواية محمد بن الحسن الشيباني - (رقم 117)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 159)، والدارقطني (1/ 325 - رقم 4)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(13/ 94) من طرق .. من حديث جابر، بلفظ الكتاب.

قلت: وأخرجه ابن ماجه (رقم 850)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 217)، والدارقطني (1/ 331 رقم 20)، وابن عدي "الكامل"(6/ 2107)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (رقم: 1050)، وأبو نعيم في "الحلية" (7/ 334) من طرق .. عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءَةُ الإمام له قراءةٌ".

وقد حسَّنه الألباني في "الإرواء"(رقم: 500)، وقال:"روى عن جماعة من الصحابة: (منهم) عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وابن عباس. وفي الباب عن أبي الدرداء، وعلي، والشعبي مرسلًا" اهـ.

وانظر: "نصب الراية" للزيلعي (2/ 6 - 10).

(3)

(1/ 232). قلت: انظر: طرق الحديث في "الإرواء"(2/ 268 - 279 رقم 500 و"نصب الراية" للزيلعي (2/ 6 - 10).

(4)

في "السنن"(1/ 331 رقم 20) و (1/ 323 رقم 1) و (1/ 325 رقم 4) و (1/ 327 رقم 9).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

سورة الأعراف: الآية 204.

(7)

قلت: ورد من حديث أبي هريرة، ومن حديث أبي موسى الأشعري:

• أما حديث أبي هريرة، فقد أخرجه أحمد (2/ 420)، وأبو داود (رقم 604)، والنسائي (2/ 141)، وابن ماجه (رقم 846)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 217)،=

ص: 188

عموماتٌ في الفاتحةِ وغيرِها، وحديثُ عبادةَ خاصٌّ بالفاتحةِ، فيختصُّ بهِ العامةُ ثمّ اختلفَ القائلونَ بوجوبِ قراءتِها خلفَ الإمامِ فقيلَ في محلِّ سكتاتهِ بينَ الآياتِ، وقيلَ في سكوتهِ بعدَ تمامِ قراءةِ الفاتحةِ، ولا دليلَ على هذينِ القولينِ في الحديثِ، بلْ حديثُ عبادةَ دالٌّ أنَّها تُقْرَأُ عندَ قراءةِ الإمامِ الفاتحةَ، ويزيدهُ إيضاحًا ما أخرجهُ أبو داودَ

(1)

منْ حديثِ عبادةَ: "أنهُ صلَّى خلفَ أبي نعيمٍ وأبو نعيمٍ يجهرُ بالقراءةِ - فجعلَ عبادةُ يقرأُ بأمّ القرآنِ، فلمَّا انصرفُوا منَ الصلاةِ قالَ لعبادةَ بعضُ مَنْ سمَعهُ يقرأ: سمعتُكَ تقرأُ بأمِّ القرآنِ، وأبو نعيمٍ يجهرُ. قالَ: أجلْ، صلَّى بِنَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعضَ الصلواتِ التي يُجْهَرُ فيها بالقراءةِ قال: فالتبستْ عليهِ القراءةُ، فلمَّا فرغَ أقبلَ علينا بوجهه فقالَ: هل تقرأونَ إذا جهرتُ بالقراءةِ؟ فقالَ بعضُنَا: نعمْ إنَّا نصنعُ ذلكَ، قالَ: فلا وأَنَا أقولُ: ما لي ينازعُني القرآنُ فلا تقرَأوا بشيءٍ إذا جَهَرْتُ إلَّا بأمِّ القرآنِ"؛ فهذَا عُبَادةُ راوي الحديثِ قرأَ بِها جَهْرًا خلفَ الإمامِ لأنهُ فهمَ مِنْ كلامه صلى الله عليه وسلم أنه يقرأُ بها خلفَ الإمامَ جَهْرًا، وإنْ نازعهُ. وأمَّا أبو هريرةَ فإنه أخرجَ عنهُ أبو داودَ

(2)

أنهُ لما حدثَ بقولهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صلَّى

= والدارقطني (1/ 327 رقم 10) عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبَّر فكبِّروا وإذا قرأ فأنصتوا" الحديث، وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

• وحديث أبي موسى الأشعري أخرجه مسلم (رقم 12/ 404)، وأبو داود (رقم 972)، والدارقطني (1/ 330 رقم 17)، والبيهقي (2/ 156) عنه في حديث طويل .. قال فيه:"إن النبي صلى الله عليه وسلم خطبنا فبيَّن لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال: "إذا صلَّيتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدُكم، فإذا كبَّر فكبِّروا وإذا قرأ فأنصتوا"، الحديث.

(1)

في "السنن"(رقم 824).

قلت: وأخرجه البيهقي (2/ 165)، والدارقطني (1/ 319 رقم 9)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 238 - 239) وقال: هذا متابع لمكحول في روايته عن محمود بن الربيع وهو عزيز وإن كان رواية إسحاق بن أبي فروة فإني ذكرته شاهدًا. وقال الذهبي: ابن أبي فروة هالك.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

(2)

في "السنن"(1/ 512 رقم 821).

قلت: وأخرجه مالك (1/ 84 رقم 39)، والشافعي في "الأم"(1/ 129)، والطيالسي (ص 334 رقم 2561)، وأحمد (2/ 285)، والترمذي (2/ 25 رقم 247)، والنسائي (2/ 135)، ومسلم (رقم 41/ 395)، والبيهقي (2/ 39)، وابن ماجه (رقم 838) وغيرهم.

ص: 189

صلاةً لا يقرأُ فيها بأمِّ القرآنِ فهيَ خِداجٌ، فهيَ خِداجٌ، فهيَ خِداجٌ غيرُ تمام"، قالَ لهُ الراوي عنهُ وهوَ أبو السائبِ مولى هشام بن زِهرةَ: يا أبا هريرةَ، إني أكونُ أحيانًا وراءَ الإمامِ فغمزَ ذراعي، وقالَ: اقرأْ بها في نفسكَ - الحديثَ.

وأخرج

(1)

عنْ مكحولٍ أنهُ كانَ يقولُ: اقرأْ في المغربِ والعشاءِ والصبحِ بفاتحةِ الكتابِ في كلِّ ركعةٍ سرًا، [ثمَّ]

(2)

قالَ مكحولٌ: اقرأْ بِها فيما جهرَ بهِ الإمامُ إذا قرأَ بفاتحةِ الكتابِ وسكتَ سرًا، فإنْ لمْ يسكتْ قرأتَها قبله ومعهُ وبعدَهُ لا تتركْها على حالٍ. وقدْ أخرج أبو داودَ

(3)

منْ حديثِ أبي هريرةَ: "أنهُ أمرهُ صلى الله عليه وسلم أنْ ينادَى في المدينةِ أنهُ لا صلاةَ [إلا بقراءةِ فاتحةِ]

(4)

الكتابِ فما زادَ"، وفي لفظٍ

(5)

: إلَّا "بقرآنٍ ولو بفاتحةِ الكتابِ فما زادَ"، إلَّا أنهُ [أخرج البخاري من حديث أبي هريرة:"وإن لم يزد على أم القرآن أجزأت". ولابن خزيمة من حديث ابن عباس أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب]

(6)

، يحملُ على المنفردِ جمعًا بينَه وبينَ حديثِ عبادةَ الدالِّ على أنهُ لا يقرأُ خلفَ الإمامِ إلَّا بفاتحةِ الكتابِ.

‌حجة من لا يجهر بالبسملة في الصلاة والجمع بين أحاديثها

14/ 265 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاةَ بِالْحَمْدِ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(7)

. [صحيح]

- زَادَ مُسْلِمٌ

(8)

: لَا يَذْكُرُونَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا في آخِرِهَا. [صحيح]

(1)

يعني أبا داود في "السنن"(رقم 525). وقال المنذري في "المختصر"(1/ 391): هذا منقطع. مكحول لم يدرك عبادة بن الصامت.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "السنن"(1/ 512 رقم 819)، وهو حديث ضعيف.

(4)

في (أ): "إلا بفاتحة".

(5)

في "السنن" لأبي داود (رقم 820)، وهو حديث صحيح.

(6)

زيادة من (أ).

(7)

البخاري (رقم 743)، ومسلم (رقم 399).

(8)

في "صحيحه"(رقم 55/ 399).

ص: 190

- وَفي رِوَايَةٍ لأَحْمَدَ

(1)

، وَالنَّسَائِيِّ

(2)

، وَابْنِ خُزْيَمَةَ

(3)

: لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرّحِيمِ. [إسناده صحيح]

- وفي أُخْرَى لابْنِ خُزَيْمَةَ

(4)

: كَانُوا يُسِرُّونَ. [إسناده ضعيف]

وعلى هذا يُحْمَلُ النَّفيُ في روايةِ مُسلمٍ خِلافًا لِمَنْ أعَلَّها.

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعمَرَ كَانوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاةَ بِالْحَمْدِ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أي: القراءةَ في الصلاةِ بهذَا اللفظِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وَلَا يتمُّ هنَا أنْ يقالَ ما قلْناهُ في حديثِ عائشةَ إنَّ المرادَ بالحمدِ للَّهِ ربِّ العالمينَ السورةُ، فلا يدلُّ على حذفِ البسملةِ، بلْ يكونُ دليلًا عليْها؛ إذْ هيَ منْ مسمَّى السورةِ لقولهِ:(زَادَ مُسْلِمٌ: لَا يَذْكرُونَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" في أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا في آخِرِهَا)، زيادةً في المبالغةِ في النفي، وإلَّا فإنهُ ليسَ في آخرِها بسملةٌ، ويحتملُ أنْ يريدَ بآخرِها السورةَ الثانيةَ التي تُقْرَأُ بعدَ الفاتحةِ. والحديثُ دليل أن الثلاثةَ كانُوا لا يُسْمِعُونَ مَنْ خَلْفَهم لفظَ البسملةِ عندَ قراءةِ الفاتحةِ جَهْرًا مَعَ احتمالِ أنَّهم يقرأونَ البسملةَ سِرًا، ولا يقرأونَها أصلًا، إلَّا أن قولَهُ:(وَفي رِوَايَةٍ) أي عن أنسٍ (لأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ خزَيْمَةَ: لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرّحِيمِ) يدلُّ بمفهومهِ أنهمْ يقرأونَها سرًا، ودلَّ قولُهُ:(وَفي أُخرَى) أي روايةٍ أُخْرَى عَنْ أنسٍ (لابْنِ خُزَيْمَةَ: كَانُوا يسِرُّونَ) فمنطوقهُ [على]

(5)

أنَّهم كانُوا يقرأونَ بها سِرًا، ولذَا قالَ المصنفُ:(وعلى هذَا) أي على قراءةِ النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمرَ البسملةِ سرًا (يحملُ النفيُ في روايةِ مسلمٍ) حيثُ قالَ: [لا يذكرونَ، أي]

(6)

لا يذكرونَها جهرًا (خلافًا لمنْ أعلَّها) أي أَبْدَى علةً لما زادهُ مسلمٌ. والعلةُ هي أن الأوزاعيَ روى هذهِ الزيادةَ عنْ قتادة مكاتبةً، وقدْ وردتْ هذهِ العلةُ بأنَّ الأوزاعيَ لم ينفردْ بها بلْ قدْ رواها غيرُه روايةً صحيحةً. والحديثُ قد استدلَّ بهِ مَنْ يقولُ: إن البسملةَ لا يجهرُ بها في الفاتحةِ ولا في غيرِها بناء على أن قولَهُ ولا في آخرِها مرادٌ بهِ أولَ السورة [الثانية]

(7)

، ومَنْ أثبتَها

(1)

في "المسند"(3/ 264).

(2)

في "السنن"(2/ 134 - 135).

(3)

في "صحيحه"(1/ 249 - 255 رقم 495 و 496 و 497).

(4)

في "صحيحه"(1/ 255 رقم 498).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

زيادة من (ب).

ص: 191

قالَ: المرادُ أنهُ لمْ يجهرْ بها الثلاثةُ حالَ جهرِهمْ بالفاتحةِ بلْ يقرأونَها سرًا كما قررهُ المصنفُ. وقدْ أطالَ العلماءُ في هذهِ المسألةِ الكلامَ، وألَّفَ فيها بعضُ الأعلامِ، وبيَّنَ [على]

(1)

أن حديثَ أنسٍ مضَّطِربٌ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ في الاستذكارِ بعدَ سردهِ رواياتِ حديثِ أنسٍ هذه ما لفظهُ: هذَا الاضطرابُ لا تقومُ معهُ حجةٌ لأحدٍ منَ الفقهاءِ الذينَ يقرأونَ بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ، والذينَ لا يقرأونَهَا، وقدْ سُئِلَ عنْ ذلكَ أنسٌ فقالَ: كبرتْ سِنِّي ونسيتُ، انتهى، فلا حجةَ فيهِ. والأصلُ أن البسملةَ مِنَ القرآنِ، وأطالَ الجدالَ بينَ العلماءِ مِنَ الطوائفِ لاختلافِ المذاهبِ، والأقربُ أنهُ صلى الله عليه وسلم كان يقرأُ بها تارةً جَهْرًا وتارةً يُخفيْها. وقد طولنا البحثَ في حواشي شرحِ العمدةِ

(2)

بما لا زيادةَ عليهِ. واختارَ جماعةٌ منَ المحققينَ أنها مثلُ سائرِ آياتِ القرآنِ يجهرُ بها فيما يجهرُ فيهِ ويُسِرُّ بها فيما يُسِرُّ فيهِ. وأما الاستدلالُ بكونهِ صلى الله عليه وسلم لمْ يقرأُ بها في الفاتحةِ، ولا في غيرِها في صلاتهِ على أنَّها ليستْ بآيةٍ، والقراءةُ بها تدلُّ على أنَّها آيةٌ فلا ينهضُ؛ لأنَّ تركَ القراءةِ بها في الصلاةِ لو ثبتَ لا يدلُّ على نفي قُرْآنِيَّتِها، فإنهُ ليسَ الدليلُ على القرآنيةِ الجهرُ بالقراءةِ بالآيةِ في الصلاةِ، بلِ الدليلُ أعمُّ منْ ذلكَ. وإذا انتفَى الدليلُ الخاصُّ لم ينتفِ الدليلُ العامُّ.

15/ 266 - وَعَنْ نُعَيْمِ الْمُجْمِرِ، قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَرَأَ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، حَتى إِذَا بَلَغَ (ولَا الضالين) قَالَ:"آمِينَ"، وَيَقُولُ كُلَّمَا سَجَدَ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الْجُلُوسِ: اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ يَقُولُ إِذَا سَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَد إِني لأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

(3)

، وَابْنُ خُزَيْمَةَ

(4)

. [صحيح]

(1)

زيادة من (أ).

(2)

(2/ 208 - 213).

(3)

في "السنن"(2/ 134).

(4)

في "صحيحه"(رقم 499).

قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 199)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 184)، والدارقطني (1/ 305 رقم 14)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 232)، والبيهقي (2/ 46)، وابن عبد البر في "الاستذكار"(2/ 176).

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين. ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.=

ص: 192

‌ترجمة نعيم المُجمر

(وَعَنْ نُعَيْمِ)

(1)

بضمّ النونِ وفتحِ العينِ المهملةِ، مصغرٌ (الْمُجْمِرِ) بضمِّ الميم وسكونِ الجيمِ وكسرِ الميمِ وبالراءِ، ويقالُ: وتشديدُ الميمِ الثانيةِ، ذكرهُ الحلبيُّ في شرحِ العمدةِ، هوَ أبو عبدِ اللَّهِ مولى عمرَ بن الخطابِ، سمعَ منْ أبي هريرةَ وغيرِهِ، وسُمِّيَ مجمرًا لأنهُ أُمِرَ أنْ يجمرَ مسجدَ المدينةِ كلَّ جمعةٍ حينَ ينتصفَ النهارُ.

(قَالَ: صَلَّيْت وَرَاءَ أَبِي هرَيْرَةَ، فَقَرَأَ بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، ثمَّ قَرَأَ بأمِّ الْقرآنِ حَتى إِذَا بَلَغَ وَلَا الضالينَ قَالَ: آمِينَ، وَيَقَول كلَّمَا سَجَدَ وَإذَا قَامَ مِنَ الْجُلُوسِ) أي التشهدِ الأوسطِ، وكذلكَ إذا قامَ مِنَ السجدةِ الأُوْلى والثانيةِ (اللَّهُ أكبَرُ)، وهوَ تكبيرُ النَّقْلِ، (ثمَّ يَقولُ) أي: أبو هريرةَ رضي الله عنه (إذَا سَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أي: روحي في تصرُّفِهِ (إِني لأَشْبَهُكُمْ صَلَاة بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاه النَّسَائِيُّ وَابْن خزَيْمَةَ)، وذكرهُ البخاريُّ تعليقًا، وأخرجهُ السراجُ، وإبنُ حبانَ

(2)

، وغيرُهم وبَوَّبَ عليهِ النسائيُّ

(3)

(الجهرُ ببسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ) وهوَ أصحُّ حديثٍ وردَ في ذلكَ، فهوَ مَؤيِّدٌ للأصلِ، وهوَ كون - البسملةِ حكمُهُا حكمُ الفاتحةِ في القراءةِ جَهْرًا [وسرًا]

(4)

؛ إذْ هوَ ظاهرٌ في أنهُ كانَ صلى الله عليه وسلم يقرأُ بالبسملة لقولِ أبي هريرةَ: إني لأشبُهكم صلاةً برسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وإنْ كانَ محتملًا أنهُ يريدُ في أكثرِ أفعالِ الصلاةِ وأقوالِها، إلَّا أنهُ خلافُ الظاهرِ، ويبعدُ مِنَ الصحابيِّ أنْ يبتدعَ في صلاتهِ شيئًا لم يفْعلهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فيها، ثمَّ يقولُ: والذي نفسي بيده إني لأشبهُكم. وفيهِ دليل على شرعيةِ التأمينِ للإمامِ. وقدْ أخرجَ الدارقطنيُّ في السننِ

(5)

منْ حديثِ وائلٍ بن

=قلت: "سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم أبو العلاء المعري: ثقة معروف حديثه في الكتب الستة".

قال ابن حزم وحده: ليس بالقوي. ["الميزان": (2/ 162)، وتجريد أسماء الرواة الذين تكلم فيهم ابن حزم جرحًا وتعديلًا مقارنة مع أقوال أئمة "الجرح والتعديل" (ص 114 رقم 252)].

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(8/ 92)، و"الجرح والتعديل"(8/ 460)، و"تهذيب التهذيب"(10/ 414 رقم 839)، و"سير أعلام النبلاء"(5/ 227 رقم 94).

(2)

في "الإحسان"(3/ 143 رقم 1794).

(3)

في "السنن"(2/ 134).

(4)

في (ب): "وإسرارًا".

(5)

(1/ 334 رقم 3).

ص: 193

حجرٍ: "سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا قالَ: غيرِ المغضوبِ عليهمْ ولا الضالينَ، قال: آمينَ، يمدُّ بها صوتَهُ"، وقالَ إنهُ حديثٌ صحيحٌ، ودليلٌ على تكبيرِ النقلِ ويأتي ما فيهِ مُسْتَوْفَى في حديثِ أبي هريرةَ.

16/ 267 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذا قَرَأتُمُ الْفَاتِحَةَ فَاقْرَأُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فَإنَّهَا إِحْدَى آيَاتِهَا"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ

(1)

، وَصَوَّبَ وَقْفَه

(2)

. [ضعيف]

(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا قَرَأْتُمُ الْفَاتِحَةَ فَاقْرَأُوا بِسْمِ إلا الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؛ فَإِنَّهَا إِحْدَى آيَاتِهَا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ وَصَوَّبَ وَقْفَهُ). لا يدلُّ الحديثُ [هذا]

(3)

على الجهرِ بها، ولا الإسرارِ، بلْ يدلُّ على الأمرِ بمطلقِ قراءتِها. وقدْ ساقَ الدارقطنيُّ

(4)

في السننِ لهُ أحاديثَ في الجهرِ ببسمِ اللَّهِ الرحمنِ

(1)

في "السنن"(1/ 312 رقم 36).

قلت: وأخرجه البيهقي (2/ 45).

(2)

قال الدارقطني في "علله": "هذا الحديث يرويه نوح بن أبي بلال، واختلف عليه فيه، فرواه عبد الحميد بن جعفر عنه، واختلف عنه، فرواه المعافى بن عمران عن عبد الحميد عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا، ورواه أسامة بن زيد. وأبو بكر الحنفي عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة موقوفًا، وهو الصواب" اهـ - كما في "نصب الراية"(1/ 343).

(3)

في (أ): "هنا".

(4)

(1/ 302 رقم 2) من حديث علي بن أبي طالب.

وفيه عيسى بن عبد الله، قال الدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروي عن آبائه أشياء موضوعة.

(1/ 303 رقم 5) من حديث علي بن أبي طالب وعمار.

(1/ 303 رقم 6) من حديث ابن عباس.

وفيه: أبو الصلت الهروي، هو عبد السلام بن صالح الهروي، قال أبو حاتم: لم يكن عندي بصدوق، وقال العقيلي والدارقطني: رافضي خبيث، وقال ابن عدي: متهم، وقال النسائي: لي بثقة.

(1/ 304 رقم 10) من حديث ابن عمر.

وفيه: أحمد بن رشد بن خثيم الهلالي: أحمد بن رشد ضعيف أتى بخبر باطل.

(1/ 307 رقم 20) من حديث أبي هريرة.=

ص: 194

الرحيمِ في الصلاةِ واسعةً مرفوعةً: عنْ عليٍّ عليه السلام، وعنْ عمارٍ، وعنِ ابن عباسٍ، وعنِ ابن عمرَ، وعنْ أبي هريرةَ، وعنْ أمِّ سلمةَ، وعنْ جابرٍ، وعنْ أنسٍ بن مالكٍ، ثمَّ قالَ

(1)

بعدَ سردِ أحاديثِ هؤلاءِ وغيرهم ما لفْظُهُ: "ورَوى الجهرَ ببسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أصحابهِ ومِنْ أزواجهِ غيرُ مَنْ سمَّيْنَا. كَتَبْنَا أحاديثَهم بذلكَ في كتابِ الجهرِ بها مفرَدًا، واقتصرْنا على ما ذكرْنَا هنا طلبًا للاختصارِ والتخفيف"، انتهى لفظُهُ. والحديثُ دليل على قراءةِ البسملةِ وأنَّها إحدى آياتِ الفاتحةِ، وتقدَّمَ الكلامُ في ذلكَ.

‌تأمين الإمام والمأموم في الصلاة

17/ 268 - وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ: "آمِينَ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ وحَسّنَهُ

(2)

، وَالْحَاكِمُ وَصَحّحَهُ

(3)

. [صحيح بطرقه]

(وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ: "آمِينَ"، رَوَاهُ الدَّارَقطْنيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ). قَالَ الحاكمُ: إسنادهُ صحيحٌ على شرطِهِمَا. وقالَ البيهقيُّ

(4)

: حسنٌ صحيحٌ.

والحديثُ دليل على أنهُ يُشْرَعُ للإمامِ التأمينُ بعدَ قراءةِ الفاتحةِ جهرًا، وظاهرُهُ في الجهريةِ [وفي]

(5)

السريةِ، وبشرعيتهِ قالتِ الشافعيةُ. وذهبتِ الهادويةُ إلى عدمِ شرعيتهِ لما يأتي. وقالتِ الحنفيةُ: يُسِرُّ بها في الجهريةِ. ولمالكٍ قولانِ،

= • (1/ 312 رقم 37) من حديث أم سلمة. وقال الدارقطني: إسناده صحيح وكلهم ثقات.

(1/ 308 رقم 22) من حديث جابر.

وفيه لجهم بن عثمان عن جعفر، قال الذهبي: جهم بن عثمان عن جعفر الصادق لا يدرى من ذا، وبعضهم وهَّاه.

(1/ 308 رقم 26) من حديث أنس بن مالك.

(1)

أي الدارقطني في "السنن"(1/ 311).

(2)

في "السنن"(1/ 335 رقم 7) وقال: هذا إسناد حسن.

(3)

في "المستدرك (1/ 223) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

(4)

في "السنن الكبرى"(2/ 57).

(5)

زيادة من (ب).

ص: 195

(الأولُ): كالحنفيةِ، (والثاني):[أنهُ]

(1)

لا يقولُها. والحديثُ حجةٌ بينةٌ للشافعيةِ. وليسَ في الحديثِ تَعُرُّضٌ لتأمينِ المأمومِ والمنفردِ. وقدْ أخرجَ البخاريُّ

(2)

في شرعيةِ التأمين للمأمومِ منْ حديثِ أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا أمَّنَ الإمامُ فأمِّنوا؛ فإنهُ مَنْ وَافقَ تأمينُهُ تأمينَ الملائكةِ غَفَرَ اللَّهُ لهُ ما تقدَّمَ منْ ذنبِهِ". وأخرجه أيضًا

(3)

منْ حديثِهِ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذا قالَ الإمامُ ولا الضالينَ فقولُوا آمينَ" الحديثَ. وأخرجَ أيضًا

(4)

منْ حديثهِ مرفوعًا: "إذا قالَ أحدُكم آمينَ، وقالتِ الملائكةُ في السماءِ آمينَ؛ فوافقَ أحدُهما الآخرَ غفرَ اللَّهُ له ما تقدَّمَ منْ ذنبهِ". فدلتِ الأحاديثُ على شرعيتهِ للمأمومِ، والأخيرُ يعمُّ المنفردَ. وقد حملهُ الجمهورُ مِنَ القائلينَ بهِ على الندبِ، وعنْ بعضِ [أهل الظاهرِ]

(5)

أنهُ للوجوبِ عملًا بظاهرِ الأمرِ فأَوْجَبُوهُ على كلِّ مصلٍّ. واستدلتِ الهادويةُ على أنهُ بدعةٌ مفسدةٌ للصلاةِ بحديثِ: "إنَّ هذه الصلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ منْ كلامِ الناسِ"

(6)

[الحديث]

(7)

. ولا يتمُّ بهِ الاستدلالُ لأنَّ [هذَا]

(8)

قامَ الدليلُ على أنهُ مِنْ أذكار الصلاةِ كالتسبيحِ ونحوِهِ، وكلامُ الناسِ المرادُ بهِ مكالمتُهُمْ ومخاطبتهُمْ كما عرفتَ.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "صحيحه"(رقم 780).

قلت: وأخرجه مسلم (رقم 72/ 410)، وأبو داود (رقم 936)، والترمذي (2/ 30 رقم 250)، والنسائي (2/ 144)، وابن ماجه (رقم 852)، وأحمد (2/ 459)، ومالك (1/ 87 رقم 11)، والبيهقي (2/ 56 - 57)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 60 رقم 587).

(3)

أي البخاري في "صحيحه"(رقم 782).

قلت: وأخرجه مسلم (رقم 87/ 415)، وأبو داود (رقم 935)، والنسائي (2/ 144)، وأحمد (2/ 440)، ومالك (1/ 88 رقم 47)، وعبد الرزاق في "المصنف"(2/ 97 رقم 2644).

(4)

أي البخاري في "صحيحه"(رقم 781).

قلت: وأخرجه مسلم (رقم 75/ 410)، والنسائي (2/ 144، 145)، ومالك في "الموطأ"(1/ 88 رقم 46)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 62 رقم 590).

(5)

في (أ): "الظاهرية".

(6)

تقدم تخريجه رقم (15/ 207).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في (أ): "قد".

ص: 196

18/ 269 - وَلأَبي دَاوُدَ

(1)

وَالتّرْمِذِيّ

(2)

مِنْ حَدِيثِ وَائِل بْنِ حُجْرٍ نحوُهُ. [صحيح]

(وَلأَبي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ وَائِل بْنِ حُجْرٍ نحوُهُ) أي: نحوُ حديثِ أبي هريرةَ. ولفظُهُ في السننِ: "إذا قرأ الإمامُ ولا الضالينَ قالَ آمينَ، ورفعَ بها صوتَهُ". وفي لفظٍ لهُ عنْهُ: "أنهُ صلَّى خلفَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فجهرَ بآمينَ". وآمينُ بالمدِّ والتخفيفِ في جميعِ الرواياتِ، وعنْ جميعِ القراءِ، وحُكِيَ فيها لغاتٌ، ومعناها: اللَّهمَّ استجبْ، وقيلَ غيرُ ذلكَ.

‌ماذا يصنع من لم يحسن شيئًا من القرآن

19/ 270 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي أَوْفى رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِني لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرآنِ شَيْئًا، فَعَلِّمْني مَا يُجْزِئُني مِنْهُ. فَقَالَ؟ "قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ، وَلَا إِلهَ إِلَّا الله، واللهُ أكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَليِّ الْعَظِيمِ"، الحَدِيث. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(3)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(4)

، وَالنَّسَائِي

(5)

. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(6)

، وَالدَّارَقُطْني

(7)

، وَالْحَاكِمُ

(8)

. [حسن]

‌ترجمة عبد الله بن أبي أوفى

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفى)

(9)

هوَ أبو إبراهيمَ، أوْ محمدٍ، أو معاويةَ،

(1)

في "السنن"(رقم 932).

(2)

في "السنن"(2/ 27 رقم 248)، وقال: حديث حسن.

قلت: وأخرجه ابن ماجه (رقم 855). وهو حديث صحيح، انظر:"الصحيحة"(1/ 755).

(3)

في "المسند"(4/ 353، 356، 382).

(4)

في "السنن"(رقم 832).

(5)

في "السنن"(2/ 143 رقم 924).

(6)

في "الإحسان"(3/ 147 - 148 رقم 1805 و 1806 و 1807).

(7)

في "السنن"(1/ 313 - 314 رقم 1 و 2 و 3).

(8)

في "المستدرك"(1/ 241) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

قلت: وأخرجه الحميدي (2/ 313 رقم 717)، وعبد الرزاق في "المصنف"(2/ 121 رقم 2747)، والبيهقي (2/ 381)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 227)، وابن خزيمة (1/ 273 رقم 544) من طرق

والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(9)

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(4/ 301 - 302 و 6/ 21)، و"التاريخ الكبير"=

ص: 197

واسمُ أبي أَوْفَى علقمةُ بنُ قيسِ بن الحرْثِ الأسلميِّ، شهدَ الحديبيةَ وخيبرَ وما بعدَهما، ولمْ يزلْ [في المدينةِ]

(1)

حتَّى قبضَ صلى الله عليه وسلم، فتحولَ إلى الكوفةِ وماتَ بها، وهوَ آخرُ مَنْ ماتَ بالكوفةِ منَ الصحابةِ. (قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِني لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْني مَا يُجْزِئُني [مِنْهُ، فَقَالَ]

(2)

: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ، وَلَا إِلهَ إِلَّا الله، واللَّهُ أَكبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِّي الْعَظِيمِ. الْحَدِيثَ)

(3)

بالنصبِ، أي أتمَّ الحديثَ. وتمامُهُ في سننِ أبي داودَ: "قالَ: - أي الرجلَ - يا رسولَ اللَّهِ، هذَا للَّهِ فما لي؟ قالَ: قلِ اللَّهمَّ ارحمْني وارزقني، وعافني واهدني، فلمَّا قامَ قالَ هكذَا [بيديهِ]

(4)

، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أمَّا هذَا فقدْ ملأَ [يديهِ]

(5)

منَ الخيرِ" انتَهَى. إلَّا أنهُ ليسَ في سننِ أبي داودَ: العليِّ العظيمِ، (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّان، وَالدَّارَقُطْنيُّ، وَالْحَاكِمُ).

الحديثُ [دليل]

(6)

على أن هذه الأذكارَ قائمةٌ مقامَ القراءةِ للفاتحةِ وغيرِها لمنْ لا يحسنُ ذلكَ. وظاهرُهُ أنهُ لا يجبُ عليهِ تَعُلُّمُ القرآنِ ليقرأَ بهِ في الصلاةِ؛ فإنَّ معنَى لا أستطيعُ لا أحفظُ الآنَ منهُ شيئًا، فلمْ يأمرْهُ بِتَحَفُّظِهِ، وأمرَهُ بهذهِ الألفاظِ، معَ أنهُ يمكنهُ حفظُ الفاتحةِ كما يحفظُ هذهِ [الألفاظ]

(7)

. وقدْ تقدمَ في حديثِ المسيءِ صلاتُهُ.

‌قراءة الفاتحة في كل ركعة وتطويل الأولى

20/ 271 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ - في الرّكْعَتَيْنِ الأُوْلَيَيْنِ - بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، ويُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيانًا، وَيُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الأُوْلَى، وَيَقْرَأُ في الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(8)

. [صحيح]

= (5/ 24 رقم 40)، و"المعرفة والتاريخ"(1/ 265)، و"الجرح والتعديل"(5/ 120 رقم 552)، و"مشاهير علماء الأمصار" (ت: 320)، و"الجمع بين رجال الصحيحين"(1/ 242 - 243 رقم 888)، و"تهذيب التهذيب"(5/ 132 - 133 رقم 260)، و"الإصابة"(7/ 201 رقم 6159)، و"الاستيعاب (6/ 110 - 112 رقم 1478)، و"مرآة الجنان" (1/ 207).

(1)

في (أ): بالمدينة.

(2)

في (أ): "قال".

(3)

في "السنن"(رقم 832).

(4)

في (أ): "بيده".

(5)

في (أ): "يده".

(6)

زيادة من (ب).

(7)

زيادة من (أ).

(8)

البخاري (رقم 776)، ومسلم (رقم 155/ 451). =

ص: 198

(وَعَنْ أَبي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصلِّي بِنَا فَيَقْرَأ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ في الرّكْعَتَيْنِ الأُوْلَيَيْنِ) بيائينِ تثنيةُ أُوْلَى (بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)، أي في كلِّ ركعةٍ منْهمَا، (وَسُورَتَيْنِ) أي: يقرأُهُما في كلِّ ركعةٍ سورةً، (وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيانًا)، وكأنهُ منْ هُنَا علمُوا مقدارَ قراءتِهِ، (وَيُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الأُوْلَى)؛ يجعلُ السورةَ فيها أطولَ مِنَ التي في الثانيةِ، (وَيَقْرَأ في الأُخْرَيَيْنِ) تثنيةُ أُخْرى [بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ]

(1)

منْ غيرِ زيادةٍ عليْها (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

[في الحديث دلالة]

(2)

على شرعيةِ قراءةِ الفاتحةِ في الأربعِ الركعاتِ في كلِّ واحدةٍ، وقراءةِ سورةٍ معَها في كلِّ ركعةٍ منَ الأوليينِ، وأنَّ هذَا كانَ عادَتهُ صلى الله عليه وسلم كما يدلُّ لهُ كانَ يصلّي؛ إذْ هيَ عبارةٌ تفيدُ الاستمرارَ غالبًا، وإسماعُهم الآيةَ أحيانًا دليل على أنهُ لا يجبُ الإسرارُ في السِّريةِ، وأنَّ ذلكَ لا يقتضي سجودَ السهوِ. وفي قولهِ: أحيانًا ما يدلُّ على أنهُ تكررَ ذلكَ منهُ صلى الله عليه وسلم. وقدْ أخرجَ النسائيُّ

(3)

منْ حديثٍ البراءِ قالَ: "كنَّا نصلِّي خَلْفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ، ونَسْمَعُ مِنْهُ الآيةَ بعدَ الآيةِ منْ سُورَةِ لُقْمَانَ، والذَّارِياتِ". وأخرجَ ابنُ خزيمةَ

(4)

منْ حديثٍ أنسٍ نحوَه، ولكنْ قالَ:"سبِّح اسمَ ربِكَ الأعْلَى، وهل أتاكَ حديثُ الغاشيةِ". وفي الحديث دليل على تطويلِ الركعةِ الأُولى. ووجهُه ما أخرجَه عبدُ الرزاقِ

(5)

في آخرِ حديثِ أبي قتادةَ هذَا: "وظَنَّنَا أنهُ يُريدُ بذلكَ أنْ يُدْرِكَ الناسُ الركعةَ الأولى"، [وأخرجَ أبو داودَ منْ حديثِ]

(6)

عبدِ الرزاقِ عنْ عطاءٍ: "إني لأحبُّ أنْ يطَوِّلَ الإمامُ الركعةَ الأولى" من كل صلاة حتى يكثر الناس في الأولى، ويقصر

= قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 798)، والنسائي (2/ 164 - 165 رقم 975)، وأحمد في "المسند"(5/ 305 و 311).

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في (ب): "فيه دليل".

(3)

في "السنن"(2/ 163 رقم 971)، وهو حديث حسن.

(4)

في "صحيحه"(1/ 257 رقم 512) بإسناد صحيح.

قلت: وأخرجه ابن حبان في "الإحسان"(3/ 153 رقم 1821)، وقد تحرَّفت فيه "قتادة" إلى "عبادة".

وأخرجه - مختصرًا - الطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 208)، والنسائي (2/ 163 - 164 رقم 972).

(5)

في "المصنف"(1/ 104 رقم 2675).

(6)

العبارة في "الفتح"(2/ 244): (ولأبي داود وابن خزيمة نحوه من رواية أبي خالد عن سفيان، عن معمر وروى).

ص: 199

في الثانية. والظاهر أن التطويل يكون بطول السورة في الركعة الأولى. وقدِ ادَّعَى ابنُ حبانَ [أن]

(1)

التطويل إِنَّما هوَ بترتيلِ القراءةِ فيْها معَ استواءِ المقروءِ. وقدْ رَوَى مسلمٌ

(2)

منْ حديثٍ حفصةَ: "كانَ يرتلُ السورةَ حتَّى تكونَ أَطْولَ منْ أطولَ منْها"، وقيلَ: إِنَّما طالتِ الأُولى بدعاءِ الافتتاحِ والتعوذِ، وأما القراءةُ فيها فهمَا سواءٌ. وفي حديثٍ أبي سعيدِ الآتي

(3)

ما يرشدُ إلى ذلكَ. وقالَ البيهقيُّ

(4)

: يطول في الأُولى إنْ كانَ ينتظرُ أحدًا، وإلا فيسوي بينَ الأوليينِ. وفيهِ دليل على أنهُ لا يزادُ في الأخريينِ على الفاتحةِ، وكذلكَ الثالثةُ في المغربِ، وإنْ كانَ مالكٌ قدْ أخرجَ في الموطأِ

(5)

منْ طريقِ الصّنَابحيِّ أنهُ سمعَ أبا بكرٍ يقرأُ فيها: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}

(6)

الآيةَ. وللشافعيِّ قولانِ في استحبابِ قراءةِ السورةِ في الأخريينِ. وفيهِ دليل علَى جوازه أنْ يخبرَ الإنسانُ بالظنِّ فإن معرفةَ القراءةِ بالسورةِ لا طريقَ فيهِ إلى اليقينِ. وإسماعُ الآيةِ أحيانًا لا يدلُّ على قراءةِ كلِّ [السورةِ]

(7)

. وحديثُ أبي سعيدٍ الآتي يدلُّ على الإخبارِ عنْ ذلكَ بالظنِّ، وكذَا حديثُ خبابٍ

(8)

حينَ سُئِلَ: "بمَ كنتمْ تعرفونَ قراءةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الظهرِ والعصرِ؟ قالَ: باضطرابِ لحيتهِ"، ولوْ كانُوا يعلمونَ قراءتَه فيهمَا بخبرٍ عنهُ صلى الله عليه وسلم لذكرُوهُ.

‌مقدار قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة

21/ 272 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَحْزُرُ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ في الرّكْعَتَينِ الأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "صحيحه"(رقم 118/ 733).

قلت: وأخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 137 رقم 21)، والترمذي (2/ 211 رقم 373)، والنسائي (3/ 223 رقم 1658). وقال الترمذي حديث حسن صحيح.

(3)

رقم (21/ 270).

(4)

في "السنن الكبرى"(2/ 66).

(5)

(1/ 79 رقم 25)، وإسناده صحيح.

(6)

سورة آل عمران: الآية 8.

(7)

في (ب): "سورة".

(8)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(رقم 761)، وأبو داود (رقم 801)، عن عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي قال: قلنا لخباب .. الحديث.

ص: 200

قَدْرَ: {الم (1) تَنْزِيلُ} والسَّجْدَةِ. وَفي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ. وَفي الأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَالأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَحْزُرُ) بفتحِ النونِ وسكونِ الحاءِ المهملةِ وضمّ الزاي، نخرصُ ونقدِّرُ. وفي قولهِ:(كنا نحزُرُ) ما يدلّ على أن المقدرينَ لذلكَ جماعةٌ. وقدْ أخرجَ ابنُ ماجَهْ

(2)

روايةَ أن الحازرينَ ثلاثونَ رجلًا منَ الصحابةِ، (قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَحَزَزنَا قِيَامَة في الرّكْعَتَيْنِ الأولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ آلم تنزيل السَّجْدَةِ)، أي في كلّ ركعةٍ بعدَ قراءةِ الفاتحةِ، (وَفي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ).

فيهِ دلالَةٌ على قراءةِ غيرِ الفاتحةِ معَها في الأخريينِ، [ويزيدهُ]

(3)

دلالةٌ [على ذلكَ]

(4)

قولُهُ: (وَفي الأُولَيَيْنِ منَ العصرِ عَلَى قَدْرِ الأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ). ومعلومٌ أنهُ كانَ يقرأُ في الأُوليينِ منَ العصرِ سورةً غيرَ الفاتحةِ، (وَالأُخْرَيَيْنِ) أي منَ العصرِ (على النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ)، أي منَ الأوليينِ منهُ (رَوَاه مُسْلِمٌ). الأحاديثُ في هذَا قدِ اختلفتْ فقدْ وردَ أنَّهَا "كانتْ صلاة الظهرِ تُقَامُ فيذهبُ الذاهبُ إلى البقيعِ، فيقضي حاجَتهُ، ثمَّ يأتي إلى أهلِهِ، فيتوضأُ [ويدركَ]

(5)

النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الركعةِ الأُولى مما يطيلُها"، أخرجهُ مسلمٌ

(6)

، والنسائيَّ

(7)

عنْ أبي سعيدٍ، وأخرجَ أحمدُ

(8)

ومسلمٌ

(9)

منْ حديثٍ أبي سعيدٍ أيضًا: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقرأُ في صلاةِ الظهرِ في الركعتينِ الأُوليينِ في كلِّ ركعةٍ قَدْرَ ثلاثينَ آيةً، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية أوْ قالَ

(1)

في "صحيحه"(رقم 157/ 452).

قلت وأخرجه أبو داود (رقم 804)، والنسائي (1/ 237)، وأحمد (3/ 2)، والبيهقي (2/ 66).

(2)

في "السنن"(1/ 271 رقم 828).

وهو حديث ضعيف، لكن المرفوع منه له طريق آخر عند مسلم كما تقدم آنفًا دون لفظة القياس.

(3)

في (أ): "ويؤيده".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في (أ): "فيدرك".

(6)

في "صحيحه"(رقم 454).

(7)

في "السنن"(2/ 164 رقم 973).

(8)

في "المسند"(3/ 2) وقد تقدم.

(9)

في "صحيحه"(رقم 157/ 452) وقد تقدم.

ص: 201

نصفَ ذلكَ. وفي العصرِ في الركعتينِ الأوليينِ في كلِّ ركعةٍ قدرَ خمسَ عشْرةَ آيةً، وفي الأخريينِ قدرَ نصفِ ذلكَ". هذا لفظُ مسلمٍ، وفيهِ دليل على أنهُ لا يقرأُ في الأخريينِ منَ العصرِ إلَّا الفاتحةَ، وأنهُ يقرأُ في الأخريينِ منَ الظهرِ غيرَها معَها، وتقدمَ حديثُ أبي قتادةَ

(1)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يقرأُ في الأخريينِ منَ الظهرِ بأمِّ الكتابِ، ويسمعُنا الآيةَ أحيانًا". وظاهرُهُ أنهُ لا يزيدُ على أمِّ الكتابِ فيهمَا، ولعلَّهُ أرجحُ منْ حديثٍ أبي سعيدٍ منْ حيثُ الروايةُ لأنهُ اتفقَ عليهِ الشيخانِ منْ حيثُ الروايةُ، ومنْ حيثُ الدرايةُ، لأنهُ إخبارٌ مجزومٌ بهِ، وخبرُ أبي سعيدٍ انفردَ بهِ مسلمٌ، ولأنهُ خبرٌ عنْ حُزْرٍ وتقديرٍ وتَظَنُّنٍ، ويحتملُ أنْ يجمعَ بينهَما بأنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يصنعُ هذا تارةً فيقرأُ في الأخريينَ غيرَ الفاتحةِ معَها ويقتصرُ فيهما أحيانًا

(2)

، فتكونُ الزيادةُ عليْها [فيهما سنة]

(3)

تفعلُ أحيانًا وتتركُ أحيانًا.

22/ 273 - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَ فُلَانٌ يُطِيلَ الأُوْلَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفي الْعِشَاءِ بِوَسَطِهِ، وَفي الصُّبْحِ بِطِوالِهِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هذَا. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ

(4)

. [صحيح]

‌ترجمة سليمان بن يسار

(وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ)

(5)

هوَ أبو أيوبَ سليمانُ بنُ يسارٍ بفتحِ المثناةِ التحتيةِ وتخفيفِ السينِ المهملة، وهوَ مولى ميمونةَ أمِّ المؤمنينَ وأخو عطاءِ بن يسارٍ منْ أهلِ المدينةِ وكبارِ التابعينَ. كانَ فقيهًا فاضلًا ثقةً عابدًا ورِعًا حجةً، وهوَ أحدُ الفقهاءِ السبعةِ. (قَالَ: كَانَ فُلَانٌ) في شرح السنةِ للبغويِّ أن فلانًا يريدُ بهِ

(1)

تقدم تخريجه (20/ 271).

(2)

هنا لفظ (عليها) زيادة من (أ).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في "السنن"(رقم 983) وهو حديث صحيح.

(5)

انظر ترجمته في: شذرات الذهب" (1/ 134)، والنجوم الزاهرة (1/ 252)، و"غاية النهاية" (ت: 1396)، و"تهذيب التهذيب" (4/ 199 رقم 391)، و"حلية الأولياء" (2/ 190)، و"تذكرة الحفاظ" (1/ 85)، و"المعرفة والتاريخ" (1/ 549)، و"تاريخ البخاري الكبير" (4/ 41)، و"طبقات ابن سعد" (5/ 174).

ص: 202

أميرًا [كان]

(1)

على المدينةِ قيلَ اسمهُ (عمرُو بنُ سلمةَ) وليسَ هوَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ كما قيلَ لأنَّ ولادةَ عمرَ بن عبدِ العزيزِ كانتْ بعدَ وفاةِ أبي هريرةَ، والحديثُ مصرحٌ بأنَّ أبا هريرةَ صلَّى خلفَ فلانٍ هذَا (يُطِيلَ الأُوْلَيَيْنِ في الظُّهْرِ، وَيخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بقِصَارِ الْمفَصَّلِ) اختُلِفَ في أولِ المفصلِ فقيلَ إنَّها منَ الصافاتِ، أو الجاثيةِ، أَو القتالِ، أو الفتحِ، أو الحجراتِ، أو الصفِ، أو تباركَ، أو سبحِ، أو الضُّحى، واتُّفِقَ أنَّ منتهاهُ آخرُ القرآنِ، (وَفي الْعِشَاءِ بِوَسَطِهِ وَفي الصُّبْحِ بِطِوَالِهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ). قالَ العلماءُ: السنةُ أنْ يقرأَ في الصبحِ والظهرِ بطوالِ المفصلِ، ويكونُ الصبحُ أطولَ، وفي العشاءِ والعصرِ بأوسطِهِ، وفي المغربِ بقصارهِ. قالُوا: والحكمةُ في تطويلِ الصبحِ والظهرِ أنَّهما وقْتَا غفلةٍ بالنومِ في آخرِ الليلِ والقائلةِ فطولُهما ليدْرِكَهُما [المتأخرونَ لغفلةٍ أوْ نومِ ونحوهما]

(2)

، وفي العصرِ ليستْ كذلكَ بلْ هيَ في وقتِ الأعمالِ فخُفَّتْ لذلكَ، وفي المغربِ لضيقِ الوقتِ، فاحتيجَ إلى زيادةِ تخفيفِها ولحاجةِ الناسِ إلى عشاءِ صائِمِهمْ وضيفهِمْ، وفي العشاءِ لغلبةِ النومِ ولكنَ وقتَها واسعٌ فأشبهتِ العصرَ هكذا قالُوه. وستعرفُ اختلافَ أحوالِ صلاتهِ صلى الله عليه وسلم مما يأتي قريبًا بما لا يتمُّ بهِ هذا التفصيلُ.

‌قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب

23/ 274 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه) تقدمَ [ضبطُهُما]

(4)

وبيانُ حالِ جبيرٍ

(5)

(قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). قدْ بيَّنَ في فتحِ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (أ): "المتأخر لفعله أو نحوها".

(3)

البخاري (رقم 765)، ومسلم (رقم 174/ 463).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 811)، والنسائي (2/ 169 رقم 987)، ومالك في "الموطأ"(1/ 78 رقم 23) وأحمد (4/ 84)، وابن ماجه رقم (832).

(4)

في (أ): "ضبطه".

(5)

في الحديث رقم (17/ 156).

ص: 203

الباري

(1)

أن سَمَاعهُ لذلكَ كانَ قبلَ إسلامه، وهوَ دليل على أن المغربَ لا يختصُّ بقصارِ المفصّلِ. وقدْ وردَ أنهُ صلى الله عليه وسلم قرأَ في المغربِ بـ {المَصَ}

(2)

، وأنهُ قرأَ فيهَا بالصافاتِ، وأنهُ قرأَ فيْها بحم الدخانِ

(3)

، وأنهُ قرأَ فيْها سبحِ اسمَ ربكَ الأعلى

(4)

، وأنهُ قرأَ فيْها بالتينِ والزيتونِ

(5)

، وأنهُ قرأَ فيْهَا بالمعوذتينِ، [وأنهُ قرأَ فيْها]

(6)

بالمرسلاتِ

(7)

، وأنهُ كانَ يقرأُ فيها بقصارِ المفصَّلِ

(8)

، وكلُّها أحاديثُ صحيحةٌ. وأمَّا المداومة في المغربِ على قُصَارَى المفصلِ؛ فإنما هوَ فعلُ مروانَ بن الحكمِ، وقدْ أنكرَ عليهِ زيدُ بنُ ثابتٍ، وقالَ لهُ: "مَا لَكَ تقرأُ بقصارِ المفصَّلِ، وقدْ رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأُ في المغربِ بطولى الطوليينِ [تثنيةُ طولى، والمرادُ بهمَا الأعرافُ والأنعامُ، والأعرافُ أطولُ منَ الأنعامِ، إلى هنا]

(9)

(1)

(2/ 248).

(2)

يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه النسائي (2/ 169 - 170 رقم 989 و 990)، وأبو داود (رقم 812)، والبخاري - مختصرًا - (رقم 764). من حديث زيد بن ثابت.

(3)

يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه النسائي (2/ 169 رقم 988) من حديث عبد الله بن عتبة بن مسعود. وفي سنده "معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي المدني" لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وباقي رجاله ثقات.

(4)

يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه الطبراني في "الكبير" - كما في "مجمع الزوائد" - (2/ 118) من حديث عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب وقال الهيثمي: "وفيه حجاج بن نصير ضعفه ابن المديني وجماعة ووثقه ابن معين في رواية ووثقه ابن حبان " اهـ. قلت: والأرجح قول من ضعفه. انظر: "الميزان"(2/ 205 - 206 ت 1751/ 2599).

(5)

يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه الطبراني في "الكبير" - كما في "مجمع الزوائد" - (2/ 118) من حديث عبد الله بن يزيد: وقال الهيثمي: "وفيه جابر الجعفي وثقة شعبة وسفيان، ضعفه بقية الأئمة" اهـ. قلت: والأرجح قول من ضعفه. انظر: "الميزان"(2/ 103 - 107 ت 1427/ 2506).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (رقم 763)، ومسلم (رقم 173/ 462)، ومالك في "الموطأ"(1/ 78 رقم 24)، وأبو داود (1/ 508 رقم 810)، والترمذي (2/ 112 رقم 308) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (2/ 168 رقم 985 و 986) وغيرهم من حديث أم الفضل.

(8)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 79 رقم 25) من حديث عبد الله الصنابحي بإسناد صحيح.

(9)

زيادة من (ب).

ص: 204

أخرجهُ البخاريُّ

(1)

، وهي الأعرافُ. وقدْ أخرجَ النسائيُّ

(2)

: أنهُ صلى الله عليه وسلم فرقَ الأعرافَ في ركعتيْ المغربِ. وقدْ قرأَ في العشاءِ بالتينِ والزيتونِ

(3)

، ووقَّتَ لمعاذٍ فيها بالشمسِ وضحَاهَا، وبالليلِ إذا يغشَى، وسبحِ اسمَ ربِّكَ الأعلى ونحوِها

(4)

". والجمعُ بَيْنَ هذهِ الرواياتِ أنهُ وقعَ ذلكَ منهُ صلى الله عليه وسلم باختلافِ الحالاتِ والأوقاتِ والأشغالِ عدمًا ووجُودًا.

‌قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في فجر الجمعة

24/ 275 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ {الم (1) تَنْزِيلُ} السَّجْدَةِ، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(5)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ {الم (1) تَنْزِيلُ} السَّجْدَةِ) أي في الركعةِ الأُولى، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} أي في الثانيةِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). فيهِ دليل على أن ذلكَ كانَ دأبُهُ صلى الله عليه وسلم في تلكَ الصلاةِ، وزادَ استمرارُهُ على ذلكَ بيانًا قولُهُ:

25/ 276 - وَلِلطَّبَرَانيِّ

(6)

مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: يُدِيمُ ذلِكَ. [ضعيف]

(1)

في "صحيحه"(رقم 764).

(2)

في "السنن"(2/ 169 - 170 رقم 989 و 990)، وهو حديث صحيح.

(3)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (رقم 767)، ومسلم (رقم 464)، ومالك في "الموطأ"(1/ 79 رقم 27)، وأبو داود (رقم 1221)، والترمذي (2/ 115 رقم 310)، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (2/ 173 رقم 1000) من حديث البراء بن عازب.

(4)

يشير المؤلف إلى الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري (رقم 700 و 701، ورقم 705 و 711 ورقم 6106)، ومسلم (رقم 465)، وأبو داود (رقم 790 و 791 ورقم 793)، والنسائي (2/ 97 رقم 831) من حديث جابر رضي الله عنه.

(5)

البخاري (رقم 891 و 1068)، ومسلم (رقم 880).

قلت: وأخرجه النسائي (2/ 159 رقم 955).

(6)

في "الصغير"(2/ 120 رقم 887) و (2/ 178 رقم 986)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 168) وقال:" - هو عند ابن ماجَهْ" خلا قوله: يديم ذلك - رواه الطبراني في "الصغير" ورجاله موثقون" اهـ.

ص: 205

(وَلِلطَّبَرَانيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يُدِيمُ ذلِكَ) أي: يجعلهُ عادةً دائمةً لهُ. قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ

(1)

: السرُّ في قراءتِهمَا في صلاةِ فجرِ الجمعةِ أنَّهما تضمَّنَتَا ما كان وما يكونُ في يومِهِمَا، فإنَّهما اشْتَمَلَتَا على خَلْقِ آدمَ وعلى ذكرِ المعادِ وحشرِ العبادِ، وذلكَ يكونُ يومَ الجمعةِ، ففي قراءَتِهمَا تذكيرٌ للعبادِ بما كانَ فيهِ ويكونُ.

قلت: ليعتبروا بذكرِ ما كانَ ويستدُّوا لما يكونُ.

‌ما يقول في الركوع والسجود

26/ 277 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَمَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا يَسْأَلُ، وَلَا آيَةُ عَذَابٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْهَا. أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ

(2)

، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْت مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا يَسْأَلُ) أي: يطلبُ منَ اللَّهِ رحمتَهُ، (وَلَا آيَةُ عَذَابٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْهَا) مما ذُكِرَ فيْها. (أَخْرَجَه الْخَمْسَةُ، وَحسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ). في الحديثِ دليل على أنهُ ينبغي للقارئِ في الصلاةِ تَدَبُّرُ ما يقرؤُهُ، وسؤالُ اللَّهِ رحمتَه، والاستعاذةُ منْ عذابهِ. ولعلَّ هذَا كانَ في صلاةِ الليلِ، وإنَّما قلْنا ذلكَ لأنَّ حديثَ حذيفةَ مطلقٌ، ووردَ تقييدُهُ بحديثِ عبدِ الرحمنِ ابن أبي ليلى عنْ أبيهِ: قالَ: "سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

في "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(24/ 204 - 206).

(2)

وهم: أحمد في المسند (5/ 384)، وأبو داود (رقم 871)، والترمذي (2/ 48 رقم 262)، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (3/ 225 - 226 رقم 1664)، وابن ماجه (رقم 888).

قلت: وأخرجه مسلم (رقم 203/ 772). ولفظه: "عن حذيفة، قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلَةٍ، فافتتحَ البقرة، فقلتُ: يركعُ عندَ المائةِ. ثم مضى، فقلتُ: يُصلي بها في رَكْعَةِ. فمضى. فقلتُ: يركعُ بها. ثُمَّ افتتحَ النساءَ فقرأهَا. ثم افتتحَ آلَ عمِرانَ فقرأها يقرأُ مترسِّلًا. إذا مَرَّ بآيةٍ فيها تسبيحٍ سبَّحَ، وإذا مرَّ بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوذٍ تَعَوَّذَ. ثم ركعَ فجعلَ يقولُ: "سبحانَ ربيَ العظيمِ" فكان ركوعُهُ نحوًا من قيامِهِ. ثم قال: "سمع اللهُ لمنْ حَمِدَهُ"، ثم قامَ طويلًا قريبًا مَما ركعَ. ثم سجدَ فقال: "سبحان ربيَ الأعلى" فكان سجودُهُ قريبًا من قيامه".

(3)

في "السنن"(2/ 49).

ص: 206

يقرأُ في صلاةٍ ليستْ بفريضةٍ، فمرَّ بذكرِ الجنةِ والنارِ فقالَ: أعوذُ باللَّهِ منَ النارِ، ويلٌ لأهلِ النارِ" رواهُ أحمدُ

(1)

، وابنُ ماجَهْ

(2)

بمعناهُ. وأخرجَ أحمدُ

(3)

عنْ عائشةَ: "قمتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ التمامِ، فكانَ يقرأُ بالبقرةِ، والنساء، وآلِ عمرانَ ولا يمرُّ بآيةٍ فيها تخويفٌ إلَّا دَعَا اللَّهَ عز وجل واستعاذَ، ولا يمرُّ بآيةٍ فيْها استبشارٌ إلَّا دَعَا اللَّهَ عز وجل ورَغِبَ إليهِ". وأخرجَ النسائيُّ

(4)

، وأبو داودَ

(5)

منْ حديثٍ عوفِ بن مالكٍ: "قمتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فبدأَ فاستاكَ، وتوضأَ، ثمَّ قامَ فصلَّى فاستفتحِ بالبقرةَ؛ لا يمرُّ بآيةٍ رحمةٍ إلَّا وقفَ [يسأل]

(6)

، ولا يمرُّ بآيةٍ عذابٍ إلَّا وقفَ وتعوَّذ" الحديثَ. وليسَ لأبي داودَ ذكْرُ السواكِ والوضوءِ، فهذَا كلُّهُ في النافلةِ كما هوَ صريحٌ الأولِ، وفي قيامِ الليلِ كما يفيدُهُ الحديثانِ الآخرانِ؛ فإنهُ لمْ يأتِ عنهُ صلى الله عليه وسلم في روايةٍ قطُّ أنهُ أمَّ الناسَ بالبقرةِ وآلِ عمرانَ في فريضةٍ أصلًا. ولفظُ: قمتُ، يُشعِرُ أنهُ في الليلِ، [فتمّ ما ترجَّيْنا بقولِنَا]

(7)

. ولعلَّ هذَا في صلاةِ الليلِ، فهذَا باعتبارِ ما ورد، فلوْ فعلَهُ أَحدٌ في الفريضةِ فلعلهُ لا بأسَ [فيه]

(8)

، ولا يخلُّ بصلاتِهِ سيَّما إذا كانَ منفردًا [لئلا]

(9)

يشقَّ على غيرهِ [إذا]

(10)

كانَ إمامًا. وقولُها: (ليلةَ التمامِ)، في القاموس

(11)

: وليلةُ التِّمامِ ككِتابِ، وليلٌ تِماميٌ: أطولُ ليالي الشتاءِ، أو هي ثلاثٌ لا يُسْتبانُ نُقْصانُها، أوْ هي إذا بَلَغَتِ اثْنَتَي عَشْرَةَ ساعةً فصاعدًا، انتهى.

‌قراءة القرآن حرام حال الركوع والسجود

27/ 278 - وعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا وَإِني نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرآنَ رَاكعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ

(1)

في "المسند"(4/ 347).

(2)

في "السنن"(1/ 429 رقم 1352)، وهو حديث ضعيف.

(3)

في "المسند"(6/ 119) وفيه ابن لهيعة، فيه مقال.

(4)

في "السنن"(2/ 191 رقم 1049).

(5)

في "السنن"(رقم 873). وحديث عوف بن مالك حسن.

(6)

في (ب): "فسأل".

(7)

في (أ): "فيتم ما شرحناه بقوله".

(8)

في (أ): "لمن فعله فيها".

(9)

في (أ): "لا".

(10)

في (أ): "إن".

(11)

"المحيط": (ص 1399).

ص: 207

فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابُ لَكُمْ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَا وَإِنِي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا)؛ فكأنهُ قيلَ فماذا تقولُ فيْهِمَا؟ فقالَ: (فَأَمّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ)، قدْ بيَّنَ كيفيةَ هذا التعظيمِ حديثُ مسلمٍ

(2)

عنْ حذيفةَ: "فجعلَ يقولُ أي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سبحانَ ربيَ العظيمِ". (وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ) بفتحِ القافِ، وكسرِ الميمِ، ومعناهُ حقيقٌ (أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

الحديثُ دليل على تحريمِ قراءةِ القرآنِ حالَ الركوعِ والسجودِ؛ لأنَّ الأصلَ في النهي التحريمُ. وظاهرُهُ وجوبُ تسبيحِ الركوعِ [والسجود]

(3)

، ووجوبُ الدعاءِ [في السجودِ]

(4)

للأمرِ بهمَا. وقدْ ذهبَ إلى ذلكَ أحمدُ بنُ حنبلٍ، وطائفةٌ منَ المحدثينَ. وقالَ الجمهورُ: إنهُ مستحبٌ لحديثِ المسيءِ صلاتِهِ؛ فإنهُ لمْ يعلِّمْهُ صلى الله عليه وسلم ذلكَ، ولو كانَ واجبًا لأمرهُ بهِ. ثمَّ ظاهرُ قولهِ:(فعظِّمُوا فيهِ الربَّ) أنها تجزئُ المرةُ الواحدةُ، ويكونُ بها ممتثلًا ما أُمِرَ بهِ. وقدْ أخرجَ أبو داودَ

(5)

منْ حديثٍ ابن مسعودٍ: "إِذَا ركَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثلاثَ مراتٍ سبحانَ ربيَ العظيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ" ورواهُ الترمذيُّ

(6)

، وابنُ ماجَهْ

(7)

، إِلَّا أنهُ قالَ أبو داودَ فيهِ: إرسالٌ. وكذَا قال البخاريُّ، والترمذيُّ. وفي قولهِ:"ذلكَ أدناهُ"، ما يدلُّ على أَنَّها لا تجزئُ المرةُ الواحدةُ. والحديثُ دليل على مشروعيةِ الدعاءِ حالَ السجودِ بأي دعاءٍ كانَ، منْ طلبِ خيرِ الدنيا والآخرةِ، والاستعاذةِ من شرِّهِمَا، وأنهُ محل الإجابةِ. وقد بينَ بعضَ الأدعيةِ ما أفادهُ قولُهُ:

(1)

في "صحيحه"(رقم 207/ 479).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 876)، والنسائي (2/ 189 - 190)، وأحمد (1/ 219)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 87 - 88)، وفي "دلائل النبوة"(7/ 196)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 90).

(2)

في "صحيحه"(رقم 203/ 772) وقد تقدم.

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في (أ): "فيه".

(5)

في "السنن"(رقم 886) وقال: هذا مرسل. عون لم يدرك عبد الله.

(6)

في "السنن"(2/ 46 رقم 261) وقال: حديث ابن مسعود ليس إسنادُه بمتصل، عون بن عبد الله بن عُتبة لم يلق ابن مسعود.

(7)

في "السنن"(1/ 287 رقم 890). وهو حديث ضعيف. وانظر: "نصب الراية" للزيلعي (1/ 375 - 376).

ص: 208

‌الدعاء في السجود وتعظيم الرب في الركوع

28/ 279 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ [رَبَّنَا]

(2)

وَبِحَمْدِكَ). الواو للعطفِ، والمعطوفُ عليهِ ما يفيدهُ ما قبلهُ، والمعطوفُ يتعلقُ بحمدكَ. والمعنى أنزِّهكَ وأتلبسُ بحمدِكَ، ويحتملُ أنْ تكونَ للحالِ، والمرادُ أسبِّحكُ وأنا متلبسٌ بحمدِكَ، أي حالَ كوني متلبسًا بهِ. (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

الحديثُ وردَ بألفاظٍ منْها

(3)

أنَّها قالتْ عائشةُ: "ما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ أنْ أُنزلتْ عليهِ إذا جاءَ نصرُ اللَّهِ والفتحُ إلَّا يقولُ سبحانكَ رَبَّنَا وبحمدِكَ اللَّهُمَّ اغفرْ لي". والحديثُ دليل على أنَّ هذَا منْ أذكارِ الركوعِ والسجودِ ولا ينافيهِ حديثُ: "أمَّا الركوعُ فعظِّمُوا فيهِ الربَّ"، لأنَّ هذَا الذكرَ زيادةٌ على ذلكَ التعظيمِ الذي كانَ يقولُهُ صلى الله عليه وسلم، فَيُجْمَعُ بينهُ وبينَ هذَا. وقولُهُ:(اللهمَّ اغفرْ لي) امتثالٌ لقولهِ تعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}

(4)

، وفيهِ مسارعتُه صلى الله عليه وسلم إلى امتثالِ ما أمرهُ اللَّهُ بهِ قيامًا بحقِّ العبوديةِ، وتعظيمًا لشأنِ الربوبيةِ، زادهُ اللَّهُ شرفًا وفضلًا، وقد غُفِرَ لهُ ما تقدمَ منْ ذنبهِ وما تأخرَ.

‌ما يقول عند كل خفض ورفع

29/ 280 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكِبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ:"سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ:"رَبَّنَا ولَكَ الْحَمْدُ"، ثُمَّ يُكَبِّرُ

(1)

البخاري (رقم 817)، ومسلم (رقم 484).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 877)، والنسائي (2/ 219 رقم 1122) و (2/ 220 رقم 1123) و (2/ 190 رقم 1047)، وابن ماجه (رقم 889)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 86).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(رقم 4967). ومسلم (رقم 219/ 484).

(4)

سورة النصر: الآية 3.

ص: 209

حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَع، ثُمَّ يَفْعَلُ ذلِكَ في الصَّلَاةِ كلِّها، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ) أيْ إذا قامَ فيْها (يُكبِّرُ)، أيْ تكبيرةَ الإحرامِ (حِينَ يَقُومُ). فيهِ دليل أنهُ لا يتوجهُ، ولا يصنعُ قبلَ التكبيرةِ شيئًا. (ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ) تكبيرةَ النقْلِ، (ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أي أجابَ اللَّهُ مَنْ حَمِدَهُ؛ فإنَّ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ تعالى متعرِّضًا لثوابهِ استجابَ اللَّهُ لهُ وأعطاهُ ما تعرضَ لهُ، فناسبَ بعدَهُ أنْ يقولَ: ربَّنا ولكَ الحمدُ (حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَة مِنَ الرُّكُوعِ)، فهذَا في حالِ أخذ في رفعِ صلبهِ منْ هويه للقيامِ (ثمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) بإثباتِ الواوِ للعطفِ على مقدرٍ، أي: ربَّنا أطعناكَ وحمدناكَ، أو للحالِ، أوْ زائدةٌ. ووردَ في روايةٍ بحذفِها، وهي نسخةٌ في بلوغِ المرامِ

(2)

. (ثمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا) تكبيرَ النقْلِ، (ثمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَع رَأْسَهُ)، أي منَ السجودِ الأولِ، (ثمَّ يُكَبِّرْ حِينَ يَسْجُدُ) أي السجدة الثانية، (ثمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ) أي منَ السجدةِ الثانيةِ. هذا كلُّهُ تكبيرُ النقلِ، (ثُمَّ يَفْعَلُ ذلِكَ) أي ما ذكرَ ما عدا التكبيرةَ الأولى التي للإحرامِ (في الصَّلَاةِ كلِّها) أي ركعاتِها كلِّها. (وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ) للتشهدِ الأوسطِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

الحديثُ دليل على [مشروعية]

(3)

ما ذُكِرَ فيهِ منَ الأذكارِ، فأما أولُ التكبيرِ [فهي]

(4)

تكبيرةُ الإحرامِ. وقدْ تقدمَ الدليلُ على وجوبِها منْ غيرِ هذا الحديثِ. وأما ما عداها منَ التكبيرِ الذي وصفهُ فقدْ كانَ وَقَعَ منْ بعضِ أمراءِ بني أميةَ تركُهُ تساهلًا، ولكنهُ استقرَّ العملُ منَ الأمةِ على فعلهِ في كلِّ خفضٍ ورفعٍ، في كلِّ

(1)

البخاري (رقم 789)، ومسلم (رقم 28/ 392).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(3/ 90 رقم 613)، وأبو داود (رقم 836)، وأبو عوانة (2/ 95)، والدارمي (1/ 285)، والبيهقي (2/ 67)، وأحمد (2/ 270)، والنسائي (2/ 235).

(2)

رقم الحديث (29/ 280).

(3)

في (ب): "شرعية".

(4)

في (أ): "فهو".

ص: 210

ركعةٍ خمسَ تكبيراتٍ كما عرفتَهُ منْ [لفظ]

(1)

هذا الحديث، ويزيدُ في الرباعيةِ والثلاثيةِ تكبيرَ النهوض منَ التشهدِ [الأوسط]

(2)

، فيتحصلُ في المكتوباتِ الخمسِ بتكبيرةِ الإحرامِ أربعٌ وتسعونَ تكبيرةً، ومنْ دونِها تسعُ وثمانونَ تكبيرةً. واختلفَ العلماءُ في حكمِ تكبيرِ النقلِ، فقيلَ: إنهُ واجبٌ. ورَويَ قولًا لأحمدَ بن حنبلٍ، وذلكَ لأنهُ صلى الله عليه وسلم داومَ عليهِ. وقدْ قالَ:"صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي"

(3)

. وذهبَ الجمهورُ إلى نَدْبِهِ، لأنهُ صلى الله عليه وسلم لم يعلِّمْه المسيءَ صلاتِهِ، وإنَّما علَّمَهُ تكبيرةَ الإحرامِ، وهوَ موضعُ البيانِ للواجبِ. ولا يجوزُ تأخيرُهُ عنْ وقتِ الحاجةِ. وأجيبَ عنهُ بأنهُ قدْ أخرجَ تكبيرةَ النقلِ في حديث المسيءِ أبو داودَ

(4)

منْ حديثٍ رفاعةَ بن رافعٍ؛ فإنهُ ساقهُ وفيهِ: "ثمَّ يقولُ: اللَّهُ أكبرُ، ثمَّ يركعُ" وذَكَرَ فيهِ قولَهُ: سمعَ اللَّهُ لمنْ حَمِدَهُ، وبقيَّةُ تكبيراتِ النقلِ. [وأخرجها الترمذيُّ

(5)

، والنسائيُّ

(6)

. ولِذَا ذهبَ أحمدُ، وداودُ إلى وجوبِ تكبيرةِ النقلِ]

(7)

. وظاهرُ قولِهِ: يكبرُ حينَ كذا وحينَ كذا أن التكبيرَ يقارن هذه الحركات فيشرع في التكبير عند ابتدائه للركن، وأما القول بأنه يمد التكبير حتى يتمَّ الحركةَ كما في الشرحِ وغيرهِ، فلا وجهَ لهُ، بلْ يأتي باللفظِ منْ غيرِ زيادةٍ على أدائهِ ولا نقصانٍ منهُ. وظاهرُ قولهِ:(ثمَّ يقولُ: سمعَ اللهُ لمنْ حَمِدَهُ رَبَّنا لكَ الحمدُ) أنهُ يشرعُ ذلكَ لكلِّ مصلٍّ منْ إمامٍ ومأمومٍ؛ إذْ [هوَ]

(8)

حكايةٌ لمطلقِ صلاتِهِ صلى الله عليه وسلم، وإنْ كانَ يحتملُ أنهُ حكايةٌ لصلاتهِ صلى الله عليه وسلم إمامًا؛ إذِ المتبادرُ منَ الصلاةِ عندَ إطلاقِها الواجبةُ. وكانت صلاتهُ صلى الله عليه وسلم الواجبةُ جماعةً، وهوَ الإمامُ فيها، إلَّا أنهُ لو فرضَ هذَا فإنَّ قولَهُ صلى الله عليه وسلم:"صلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي"

(9)

أمرٌ لكلِّ مصلٍّ أنْ يصلِّي كصلاتهِ صلى الله عليه وسلم منْ إمامِ [أوَ]

(10)

منفردٍ، [وإليه]

(11)

ذهبتِ الشافعيةُ،

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (ب): "الأول".

(3)

وهو حديث صحيح تقدَّم تخريجه.

(4)

في "السنن"(رقم 857) وقد تقدم رقم (2/ 253).

(5)

في "السنن"(2/ 100 رقم 302) وقد تقدم.

(6)

في "السنن"(2/ 225 رقم 1136) وقد تقدم.

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في (أ): "وهما".

(9)

وهو حديث صحيح تقدَّم تخريجه.

(10)

في (ب): "و".

(11)

في (ب): "و".

ص: 211

والهادويةُ، وغيرُهم إلى أن التسميعَ مطلقًا لمتنفلٍ أو مفترضٍ للإمامِ والمنفردِ والحمدُ للمؤتمِ لحديثِ:"إذا قالَ الإمامُ سمعَ اللَّهُ لمنْ حمدَه فقولُوا ربَّنا لكَ الحمدُ" أخرجهُ أبو داودَ

(1)

. وأجيبَ بأنَّ قولَهُ: "إذا قالَ الإمامُ سمعَ اللَّهُ لمنْ حمدهُ فقولُوا ربَّنا لكَ الحمدُ" لا ينفي قولطَ المؤتمِّ سمعَ اللَّهُ لمنْ حمدهُ، وإنَّما يدلُّ على أنهُ يقولُ المؤتمُّ ربنا لكَ الحمدُ عقبَ قولِ الإمامِ سمعَ اللَّهُ لمنْ حمدهُ، والواقعُ هوَ ذلكَ لأنَّ الإمامَ يقولُ سمعَ اللَّهُ لمنْ حمدهُ في حالِ انتقالهِ، والمأمومُ يقولُ التحميدَ في حالِ اعتدالهِ، واستُفيْدَ الجمعُ بينهَما منَ الحديثِ الأولِ.

قلتُ: لكنْ أخرجَ أبو داودَ

(2)

عن الشعبيِّ: "لا يقولُ المؤتمُّ خلْفَ الإمامِ سمعَ اللَّهُ لمنْ حمدهُ ولكنْ يقولُ ربنا لكَ الحمدُ"، ولكنهُ موقوفٌ على الشعبيِّ، فلا تقومُ بهِ حجة. وقد ادَّعى الطحاويُّ، وابنُ عبدِ البرِّ الإجماعَ على كونِ المنفردِ يجمعُ بينهَما. وذهبَ آخرونَ إلى أنهُ يجمعُ بينهَما الإمامُ والمنفردُ ويحمدُ المؤتمُّ. قالُوا: والحجةُ جمعُ الإمامِ بينَهما لاتحادِ حكمِ الإمامِ والمنفردِ.

‌ما يقول عند الاعتدال من الركوع

30/ 281 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأَسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: "اللَّهُمّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلءَ السّمَواتِ وَالأَرْضِ، وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ - وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ - اللَّهُمّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(1)

في "السنن": (رقم 848).

قلت: وأخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 88 رقم 47)، والبخاري (رقم 796)، ومسلم (رقم 71/ 409)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 112 رقم 630)، والترمذي (2/ 55 رقم 267) وقال: حديث حسن صحيح.

(2)

في "السنن"(رقم 849)، وهو حسن مقطوع.

(3)

في "صحيحه"(1/ 347 رقم 205/ 477).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 847)، والنسائي (2/ 198 رقم 1068)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 94)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 239).

ص: 212

(وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: اللَّهُمّ) لمْ أجدْ لفظَ اللهمَّ في مسلمٍ في روايةٍ أبي سعيدٍ، ووجدتُها في روايةِ ابن عباسٍ

(1)

(رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلءَ) بنصبِ الهمزةِ على المصدريةِ، ويجوزُ رفعهُ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ (السّموَاتِ وَالأَرْضِ)، وفي سننِ أبي داودَ

(2)

وغيرِه؛ "وَمِلءَ الأرضِ" وهي في روايةٍ ابن عباسٍ عندَ مسلمٍ؛ فهذهِ الروايةُ كلُّها ليستْ لفظَ أبي سعيدٍ لعدمِ وجودِ [لفظ]

(3)

اللهمَّ في أولهِ، ولا لفظَ ابن عباسٍ لوجودِ ملءِ الأرضِ فيْها، (وملءَ ماشئتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ) بضمِّ الدالِ على البناءِ للقطعِ عن الإضافةِ ونيةِ المضافِ إليهِ، (أَهْلَ) بنصبهِ على النداءِ أو رفعهِ أي أنتَ أهلُ (الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ) بالرفعِ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، وما مصدريةٌ تقديرِه هذا، أي قولُه: اللهمَّ لكَ الحمدَ أحقُّ قولِ العبدِ وإنما لم يجعلْ (لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ) خبرًا وأحقُّ مبتدأ لأنهُ محذوفٌ في بعضِ الرواياتِ، فجعلناهُ جملة استئنافية إذا حذفَ تمَّ الكلامُ منْ دونِ ذكْرِهِ. وفي الشرحِ جعلَ أحقَّ مبتدأ، وخبرُهُ لا مانعَ لما أعطيتَ، وفي شرحِ المهذبِ

(4)

نقلًا عن ابن الصلاحِ معناهُ: أحقُّ ما قالَ العبدُ قولُهُ لا مانعَ لما أعطيتَ إلى آخرهِ. وقولُهُ: (وكلنا لك عبدُ) اعتراضٌ بينَ المبتدأ والخبرِ، قالَ: أو يكونُ قولُهُ: أحقَّ ما قالَ [العبدُ]

(5)

خَبرًا لما قبلَهُ أي قولُه: ربَنا لكَ الحمدُ إلى آخرهِ أحقُّ ما قالَ العبدُ. قالَ: والأولُ أَوْلى. قالَ النوويُّ

(6)

: لما فيهِ منْ كمالِ التفويضِ إلى اللَّهِ تعالى، والاعترافِ بكمالِ قدرتهِ، وعظمتهِ، وقهرهِ، وسلطانهِ، وانفرادهِ بالوحدانيةِ، وتدبيرِ مخلوقاتهِ انتهى. (مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ)، ثمَّ استأنفَ فقالَ:(اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

الحديثُ دليلٌ على مشروعيةِ هذَا الذكرِ في هذا الركنِ لكلِّ مصلٍّ، وقدْ جعلَ الحمدَ كالأجسامِ وجعلهُ سادًا لما ذكرهُ منَ الظروفِ مبالغةً في كثرةِ الحمدِ، وزادَ مبالغةً بذكرِ ما يشاؤهُ تعالى مما لا يعلمهُ العبدُ، والثناءُ الوصفُ بالجميلِ،

(1)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(رقم 206/ 478).

(2)

رقم (847) كما تقدم.

(3)

زيادة من (أ).

(4)

(3/ 415)

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في المجموع "شرح المهذب"(3/ 415).

ص: 213

والمدحُ، والمجدُ، والعظمةُ، ونهايةُ الشرفِ. والجَدُّ بفتحِ الجيمِ معناهُ الحظُّ، أي: لا ينفعُ ذا الحظِّ منْ عقوبتكَ حظُّهُ بلْ ينفعهُ العملُ الصالحُ، ورُويَ بالكسرِ للجيمِ أي لا ينفعهُ جِدُّهُ واجتهادُه، وقد ضعفتْ روايةُ الكسرِ.

‌أعضاء السجود

31/ 282 - وَعنَ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُم: عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَينِ، وَأَطرَافِ الْقَدَمَينِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنَ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَي سَبْعَةِ أَعْظُم: عَلَى [الْجَبْهَةِ]

(2)

وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطرَافِ الْقَدَمَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ). وفي روايةٍ

(3)

: "أُمِرْنَا" أي أيُّها الأمةُ، وفي روايةٍ

(4)

: "أُمِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ". والثلاثُ الرواياتِ للبخاريِّ. وقولُهُ: (وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ)[فسَّرْتها]

(5)

روايةُ النسائيُّ

(6)

. قالَ ابنُ طاوسٍ: "ووضعَ يدَهُ على جبهتهِ وأمرَّها على أنفهِ وقالَ: هذا واحدٌ"، قال القرطبيُّ: هذا يدلُّ على أن الجبهةَ الأصلُ في السجودِ، والأنفُ تبعٌ لها. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ

(7)

: معناهُ أنهُ جعلَهُما كأنَّهما عضوٌ واحدٌ وإلّا لكانتِ الأعضاءُ ثمانيةً. والمرادُ منَ اليدينِ الكفَّانِ. وقدْ وقعَ بلفظِهما في روايةٍ، والمرادُ منْ قولهِ:(وأطرافِ القدمينِ) أنْ يجعلَ قدميْهِ قائمتينِ على بطونِ أصابِعِهمَا، وعقباهُ مرتفعتانِ، فيستقبلُ بظهورِ قدميهِ القبلةَ، وقدْ وردَ هذا في حديثٍ أبي حميدٍ في صفةِ السجودِ. وقيلَ: يندبُ ضمُّ أصابعِ اليدينِ لأنَّها لو انفرجتْ انحرفتْ رؤوسُ بعضِها عن القبلةِ، وأما أصابعُ الرجلينِ فقد تقدمَ في

(1)

البخاري (رقم 812)، ومسلم (رقم 490).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 890)، بلفظ:"على سبعة آراب"، والترمذي (2/ 62 رقم 273)، والنسائي (2/ 208 رقم 1093)، والطبراني في "الكبير"(11/ 51 رقم 11014).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

أخرجها البخاري (رقم 810).

(4)

أخرجها البخاري (رقم 809).

(5)

في (ب): "يفسره".

(6)

في "السنن"(2/ 209 - 210 رقم 1098).

(7)

في "إحكام الأحكام"(1/ 224).

ص: 214

حديثٍ أبي سعيدٍ الساعدي في بابِ صفةِ الصلاةِ بلفظِ: "واستقبل بأصابعِ رجليهِ القبلةَ". هذا والحديثُ دليلٌ على وجوبِ السجودِ على ما ذُكِرَ؛ لأنهُ ذكرهُ صلى الله عليه وسلم بلفظِ الإخبارِ عنْ أمرٍ اللَّهِ لهُ، أوْ لَهُ ولأُمَّتِهِ، والأمرُ لا يردُّ إلَّا بنحوِ صيغةِ أفعلُ، وهي تفيدُ الوجوبَ. وقدِ اختُلِفَ في ذلكَ، فالهادويةُ، وأحدُ قوليْ الشافعيِّ أنهُ للوجوبِ لهذا الحديثِ. وذهبَ أبو حنيفةَ إلى أنهُ يجزئُ السجودُ على الأنفِ فقطْ مستدلًا بقولهِ:"وأشارَ بيدهِ إلى أنفهِ". قالَ المصنفُ في فتحِ الباري

(1)

: قدِ احْتُجَّ لأبي حنيفة بهذَا في السجودِ على الأنفِ، قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ

(2)

: والحقُّ أَنَّ مثلَ هذَا لا يعارضُ التصريحَ بالجبهةِ، وإنْ أمكنَ أنْ يعتقدَ أنَّهما كعضوٍ واحدٍ، فذلكَ في التسميةِ والعبارةِ، لا في الحكمِ الذي دلَّ عليهِ أنتهى. واعلمْ أنهُ وقعَ هنا في الشرحِ أنهُ ذهبَ أبو حنيفةَ، وأحدُ قولي الشافعيِّ، وأكثرُ الفقهاءِ إلى أنَّ الواجبَ الجبهةُ فقطْ لقولهِ صلى الله عليه وسلم في حديث المسيءِ صلاتِهِ: " [ومكِّنْ]

(3)

جبهتكَ"؛ فكانَ قرينةً على حملِ الأمرِ هنا على غيرِ الوجوبِ. وأجيبَ عنهُ بأنَّ هذَا لا يتمُّ إلَّا بعدَ معرفةِ تقدمِ هذَا على حديثٍ المسيءِ صلاتِهِ، ليكونَ قرينةً على حملِ الأمرِ على الندبِ. وأما لو فرضَ تأخرُهُ لكانَ في هذا زيادةُ شرعٍ ويمكنُ أنْ تتأخرَ شرعيتُه، ومعَ جهلِ التاريخِ يرجحُ العملُ بالموجبِ لزيادةِ الاحتياطِ، كذا قالهُ الشارحُ، وجعلَ السجودَ على الجبهةِ والأنفِ مَذْهبًا للعترةِ، فحولنَا عبارتَه إلى الهادوية معَ أنهُ ليس مذهبهم إلا السجودُ على الجبهةِ فقطْ كما في البحرِ

(4)

وغيرِه

(5)

، ولفظُ الشرحِ هنَا: والحديثُ فيهِ دلالةٌ على وجوبِ السجودِ على ما ذكر فيهِ. وقد ذهبَ إلى هذا العترةُ وأحدُ قوليْ الشافعيِّ انتهِى. وعرفتَ أنهُ وَهِمَ في قولهِ: إنَّ أبا حنيفةَ يوجبهُ على الجبهةِ؛ فإنهُ يجيزُهُ عليْها أو على الأنفِ، وأنهُ مخيَّر في ذلكَ. هذا الذي في الشرح، والذي في البحر أنهُ يقول أبو حنيفة أيهما سجد أجزأه لأنهما عضو واحدةٌ انتهى. فجعل الخلاف بأبي حنيفة وحده دون أصحابه، وفي عيون المذاهب للطحاوي أن أبا حنيفة يقول لو اقتصر على الأنف

(1)

(2/ 296).

(2)

في "إحكام الأحكام"(1/ 224).

(3)

في (ب): "تمكن".

(4)

(1/ 266 - 267 و 268).

(5)

"كالتاج المذهب"(1/ 92).

ص: 215

جاز، وعندهما والثلاثة بلا عذر انتهى. فدلَّ على أنه لا يقول بإجزاء السجود على الأنف فقط إلَّا أبو حنيفة وأنَّ صاحبيه محمد بن الحسن وأبا يوسف يخالفانه، فلا ينبغي نسبة ذلك إلى الحنفية، ثمَّ ظاهرهُ وجوبُ السجودِ على العضوِ جميعهِ ولا يكفي بعضُ ذلكَ، والجبهةُ يضعُ منْها على الأرضِ ما أمكَنهُ بدليلٍ:"وتمكِّنْ جبهتَكَ"، وظاهرُهُ أنهُ لا يجبُ كشفُ شيءٍ منْ هذهِ الأعضاء لأنَّ مُسَمَّى السجودِ عليْها يصدقُ بوضعِها منْ دونِ كشْفِها، ولا خلافَ أن كشفَ الركبتينِ غيرُ واجبٍ لما يخافُ منْ كشفِ العورةِ، واختلفَ في الجبهةِ فقيلَ يجبُ كشفُها لما أخرجهُ أبو داود في المراسيلِ

(1)

: "أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَأَى رجلًا يسجدُ إلى جنبه

(2)

وقدِ اعتمَّ على جَبْهَتِهِ فحسرَ عنْ جبهتِه"، إلَّا أنهُ قدْ علقَ البخاريُّ

(3)

عن الحسنِ: "كانَ أصحابُ رسولِ صلى الله عليه وسلم يسجدونَ وأيديْهِمْ في ثيابِهمْ ويسجدُ الرجلُ منْهم على عمامتِهِ". ووصلَهُ البيهقيُّ

(4)

وقالَ: هذا أصحُّ ما في السجودِ موقوفًا على الصحابةِ. وقدْ وردتْ أحاديثُ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يسجدُ على كورِ عمامتهِ" منْ حديثٍ ابن عباسٍ أخرجه أبو نعيمٍ في الحليةِ

(5)

، وفي إسناده ضعفٌ، ومنْ حديثٍ ابن أبي أَوْفَى أخرجهُ الطبرانيُّ في الأوسطِ

(6)

وفيهِ ضعفٌ، ومنْ حديثٍ جابرٍ عندَ ابن عديٍّ

(7)

وفيهِ متروكانِ

(8)

، ومنْ حديثٍ أنسٍ عندَ

(1)

(ص 116 - 117 رقم 84)، وقال الشيخ شعيب:"صالح بن خَيْوانَ: ذكره ابن حبان في "الثقات" (4/ 373) وروى عنه جمع، ووثقه العجلي (ص 225 رقم 683) - وباقي رجاله ثقات. وابن لهيعة: هو عبد الله، قد توبع، ورواية ابن وهب عنه صحيحة" اهـ.

(2)

وفي "المراسيل" يسجد بجبينه.

(3)

في "صحيحه"(1/ 492). ووصل الأثر عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 400 رقم 1566)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 266)، والبيهقي كما سيأتي:

(4)

في "السنن الكبرى"(2/ 106).

(5)

(8/ 55) من حديث سعيد بن جبير.

(6)

أورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 125) وقال: فيه سعيد بن عنبسة، فإن كان الرازي فهو ضعيف. وإن كان غيره فلا أعرفه.

(7)

في "الكامل"(5/ 1781).

(8)

وهما: "عَمرو بن شَمِر" و"جابر الجُعْفي".

وانظر لترجمة عمرو: "المجروحين"(2/ 75)، و"الميزان"(3/ 268) و"الجرح والتعديل"(6/ 239)، و"التاريخ الكبير"(6/ 344). =

ص: 216

ابن أبي حاتمٍ في العللِ

(1)

وفيهِ ضعيفٌ. وذكرَ هذهِ الأحاديثَ وغيرِها البيهقيُّ ثمَّ قالَ

(2)

: أحاديثُ "كانْ يسجدَ على كورِ عمامتهِ" لا يثبتُ [فيها]

(3)

شيءٌ يعني مرفوعًا، والأحاديثُ منَ الجانبين غيرُ ناهضةٍ على الإيجابِ. وقولُهُ:"سجدَ على جبهتهِ" يصدقُ على الأمرينِ، وإنْ كانَ معَ عدمِ الحائلِ أظهرُ فالأصلُ جوازُ الأمرينِ.

وأما حديثُ خبابٍ

(4)

: "شكوْنَا إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حرَّ الرمضاءِ في جباهِنا وأكُفِّنا فلم يُشْكِنَا"

(5)

الحديثَ، فلا دلالةَ فيهِ على كشفِ هذهِ الأعضاءِ ولا عدمهِ، وفي حديثٍ أنسٍ عندَ مسلمٍ

(6)

: "أنهُ كانَ أحدُهم يبسطُ ثوبَهُ منْ شدةِ الحرِّ ثمَّ يسجدُ عليهِ" ولعلَّ هذَا مما لا خلافَ فيهِ، [أوالخلاف]

(7)

في السجودِ على محمولهِ فهوَ محلُّ النزاعِ وحديثُ أنسٍ محتملٌ.

‌مجانبة الذراعين عن الجنبين في السجود

32/ 283 - وَعَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتى يَبْدُو بَيَاضُ إِبطَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(8)

. [صحيح]

‌ترجمة عبد الله بن مالك بن بُحينة

(وَعَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ)

(9)

هو عبدُ اللَّهِ بنُ مالكِ بنُ بُحَيْنةَ، بضمِّ الباءِ الموحدةِ

= وانظر لترجمة جابر: "المجروحين"(1/ 208)، و"الميزان"(2/ 379)، و"الجرح والتعديل"(2/ 497)، و"التاريخ الكبير"(2/ 210).

(1)

(1/ 187 رقم 535) وقال أبو حاتم: هذا حديث منكر.

(2)

في "السنن الكبرى"(2/ 106).

(3)

في (أ): "بها".

(4)

أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 5)، ومسلم (رقم 619)، والنسائي (1/ 247 رقم 497).

(5)

فلم يُشْكِنا: أشْكَيْتُ الرجلَ: إذا أزَلتَ شكواه، ولم يُشْكِنَا أي: لم يُزِل شكوانا.

(6)

في "صحيحه"(1/ 433 رقم 191/ 620).

(7)

في (أ): "إنما الخلاف".

(8)

البخاري (رقم 807)، ومسلم (رقم 495).

قلت: وأخرجه النسائيُّ (2/ 212 رقم 1106)، وأحمد (5/ 345)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 114).

(9)

انظر ترجمته في: "الإصابة"(6/ 204 - 205 رقم 4919)، و"الاستيعاب"(7/ 9 - 10 رقم 1646).

ص: 217

وفتحِ الحاءِ المهملةِ وسكونِ المثناةِ التحتيةِ، وبعدَها نونٌ، وهوَ اسم لأمِّ عبدِ اللَّهِ، واسمُ أبيهِ مالكُ بنُ القِشْبِ بكسرِ القافِ وسكونِ الشينِ المعجمةِ فموَّحدةِ، الأزديِّ. ماتَ عبدُ اللَّهِ في ولايةِ معاويةَ بينَ سنةِ أربعٍ وخمسينَ، وثمانٍ وخمسينَ (أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ) بفتحِ الفاءِ وتشديدِ الراءِ آخرُه جيمٌ، (بَيْنَ يَدَيْهِ) أي باعدَ بينَهما، أي نحَّى كلَّ يدٍ عن الجنبِ الذي يليْها (حَتى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

الحديثُ دليلٌ على فعلِ هذهِ الهيئةِ في الصلاةِ، قيلَ: والحكمةُ في ذلكَ أنْ يظهرَ كلُّ عضوٍ بنفسهِ ويتميزَ حتى يكونَ الأنسانُ الواحدُ في سجودهِ كأنهُ عددٌ. ومُقْتَضَى هذا أنْ يستقلَّ كلُّ عضوٍ بنفسهِ ولا يعتمدُ بعضُ الأعضاءِ على بعضٍ. وقد ورد هذا المعنى مصرَّحًا به فيما أخرجه الطبراني

(1)

وغيره من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف: "أنه قال: لا تفترش افتراش السبع، واعتمد على راحتيك، وأبِّد ضبعيك؛ فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك"، وعند مسلم

(2)

من حديث مَيْمُونَة: "كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يجافي بيديه؛ فلو أن بَهيمة أرادت أَنْ تَمُرَّ مَرَّتْ". وظاهر الحديث الأول وهذا مع قوله صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي"

(3)

يقتضي الوجوب، ولكنه قد أخرج أبو داود

(4)

من حديث أبي هريرة ما يدل على أن ذلك غير واجب بلفظ: "شَكَا أَصْحَابُ النبي صلى الله عليه وسلم له مَشَقَّةَ السُّجُودِ عليهم إذا تَفَرَّجُوا

(1)

لم أعثر عليه من حديث ابن عمر؟!!

(2)

في "صحيحه"(رقم 237/ 496).

(3)

وهو حديث صحيح تقدَّم تخريجه.

(4)

في "السنن"(1/ 556 رقم 902).

قلت: وأخرجه الترمذي (رقم 286)، والبيهقي (2/ 116 - 117)، والحاكم (1/ 229)، وابن حبان في "الإحسان"(3/ 192 - 193 رقم 1915)، وأبو يعلى في "المسند"(12/ 18 رقم 824/ 6664)، وفي "المعجم"(ص 81 رقم 28)، وأحمد في "المسند"(2/ 339 - 340)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 230).

قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا من هذا الوجه" من حديثِ الليثِ عن ابن عجلان.

وقد روى هذا الحديث سفيان بن عيينة وغير واحد عن سُمَيٍّ، عن النعمان بن أبي عياش، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا. وكأنه رواية هؤلاء أصح من رواية الليث".

قلت: لم ينفرد به الليث بل توبع، مع العلم أن الليث ثقة مأمون لا يضر تفرده.

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

ص: 218

فقالَ: استعينوا بالرُّكبِ". وترجم له

(1)

(الرخصة في ترك التفريج). قال ابن عجلان أحد رواته: وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا أطال السجود. وقوله: حتى يُرى بياض إبطيه، ليس فيه كما قيل دلالة على أنه لم يكن صلى الله عليه وسلم لابسًا لقميص لأنه وإن كان لابسًا له فإنه قد يبدو منه أطراف إبطيه، لأنها كانت أكمام قمصان أهل ذلك العصر غير طويلة فيمكن أن يرى الإبط من كمِّها، ولا دلالة فيه على أنه لم يكن على إبطيه شعر كما قيل، لأنه يمكن أن المراد يرى أطراف إبطيه لا باطنهما حيث الشعر، فإنه لا يرى إلَّا بتكلف، وإن صح ما قيل [إنّ]

(2)

من خواصه أنه ليس على إبطيه شعر فلا إشكال.

33/ 284 - وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ، وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

‌ترجمة البراء بن عازب

(وَعَنْ الْبَرَاءِ)

(4)

بفتحِ الموحدةِ، فراءٍ [وقيلَ بالقصرِ]

(5)

ثمَّ همزةٍ ممدودةٍ، هوَ أبو عمارةَ في الأشهرِ، وهوَ (ابْنِ عَازِبٍ) بعيني مهملةٍ فزايٌ بعدَ الألفِ مكسورةٌ فموحدةٌ، ابن الحارثِ الأوسيِّ الأنصاريِّ الحارثيِّ. أولُ مشهدٍ شهدهُ الخندقُ، نزلَ

(1)

أبو داود في "السنن"(1/ 556) الباب (159).

(2)

في (أ): "إنه".

(3)

في "صحيحه"(رقم 494).

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 283)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 113)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 329 رقم 656).

وأخرجه الترمذي: (رقم 371) بلفظ: "عن أبي إسحاق، قال: قلت للبراءِ بن عازبٍ: أين كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يضعُ وجهه إذا سجد؟ فقال: بين كفيه"، وقال: حديث حسن صحيح.

(4)

انظر ترجمته في: "تاريخ الطبري"(2/ 533)، و"الإصابة"(1/ 234 رقم 615)، و"الاستيعاب"(1/ 288 - 291 رقم 173)، و"تهذيب التهذيب"(1/ 372 رقم 785)، و (شذرات الذهب" (1/ 77 - 78)، و"مرآة الجنان"(1/ 176)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 132 - 133 رقم 80)، و"تاريخ بغداد"(1/ 177 رقم 16)، و"التاريخ الكبير"(2/ 117 رقم 1888)، و"المعارف"(326)، و"العبر"(1/ 58).

(5)

زيادة من (ب).

ص: 219

الكوفةَ وافتتحَ الريَّ سنةَ أربعٍ وعشرينَ في قولٍ، وشهدَ معَ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بن أبي طالب عليه السلام الجَمَلَ، وصفينَ، والنهروانَ. ماتَ بالكوفةِ أيامَ مصعبِ بن الزبيرِ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَع مِرْفَقَيْكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

الحديثُ دليلٌ على وجوبِ هذهِ الهيئةِ للأمرِ بها، وحملَهُ العلماءُ على الاستحبابِ. قالُوا: والحكمةُ فيهِ أنهُ أشبهُ بالتواضعِ، وأتمُّ في تمكينِ الجبهةِ والأنفِ من الأرضِ، وأبعدُ منْ هيئةِ الكُسَالَى، فإنَّ المنبسطَ يشبهُ الكلبَ، ويشعرُ حالُهُ بالتهاونِ بالصلاةِ، وقلةِ الاعتناءِ بها، والإقبالِ عليْها.

‌المرأة تضم بعضها إلى بعض في السجود

وهذا في حقِّ الرجلِ لا المرأةِ؛ فإنَّها تخالفُهُ في ذلكَ لما أخرجهُ أبو داودَ في مراسيلهِ

(1)

عنْ زيدِ

(2)

بن أبي حَبيب: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على امرأتينِ تصليانِ فقالَ: إذا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بعضَ اللَّحْمِ إلى الأرضِ؛ فإنَّ المرأةَ في ذلكَ لَيْسَتْ كالرَّجُلِ". قالَ البيهقيَّ

(3)

: وهذَا المرسلُ أحسنُ منْ موصولَيْنِ فيهِ يعني منْ حديثينِ موصولينِ ذكرَهُما البيهقيُّ في سننهِ

(4)

وضَعَّفَهُمَا. ومنَ السنةِ تفريجُ الأصابعِ في الركوعِ لما رواهُ أبو داودَ

(5)

منْ حديثٍ أبي حُمَيْدٍ الساعديِّ: "أنهُ كانَ صلى الله عليه وسلم يمسكُ يديْهِ على ركبتيهِ كالقابضِ عليْهِمَا، ويفرِّجُ بينَ أصابعهِ". ومنَ السنةِ في الركوعِ أن يوترَ يديه فيجافي عنْ جنبيهِ كما في حديثٍ أبي حُمْيَدٍ عندَ أبي داودَ

(6)

بهذَا اللفظِ، ورواة ابنُ خزيمةَ

(7)

بلفظِ: "ونحَّى يديْه عنْ جنبيهِ"، وتقدمَ قريبًا. وذكر المصنفُ حديثَ ابن بُحينةَ - هذا الذي ذكرهُ في بلوغِ المرامِ - في التلخيصِ

(8)

[مرتينِ، أولًا: في وصفِ ركوعهِ، وثانيًا: في وصفِ سجودِه]

(9)

، دليل

(1)

(ص 117 - 118 رقم 87) ورجاله ثقات.

(2)

في "المراسيل"(ص 118)"يزيد"، وكذلك في "السنن الكبرى"(2/ 223).

(3)

في "السنن الكبرى"(2/ 223).

(4)

(2/ 222 - 223)(الأول) من حديث أبي سعيد. و (الثاني) من حديث عبد الله بن عمر.

(5)

في "السنن"(1/ 468 رقم 731).

(6)

في "السنن"(1/ 471 رقم 734).

(7)

في "صحيحه"(1/ 322 رقم 637)، وإسناده ضعيف.

(8)

(10/ 242) و (1/ 255).

(9)

زيادة من (ب).

ص: 220

على التفريجِ في الركوع وهوَ صحيحٌ؛ فإنهُ قالَ: "إذا صلَّى فرَّجَ بينَ يديْهِ حتَّى يبدُو بياضُ إِبْطَيْهِ"؛ فإنهُ يصدق على حالهِ الركوعِ والسجودِ.

34/ 285 - وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: كَانَ إِذَا رَكَعَ فَرّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ

(1)

. [حسن]

(وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَكَعَ فَرّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) أي أصابعِ يديْهِ (وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ). قالَ العلماءُ: الحكمةُ في ضمِّهِ أصابعَهُ عندَ سجودِهِ لتكونَ متوجهةً إلى سَمْتِ القبلةِ.

‌كيفية قعود العليل إذا صلَّى من قعود

35/ 286 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

(2)

، وَصَحّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ). وَرَوَى البيهقيُّ

(4)

منْ حديثٍ عبدِ اللَّهِ بن الزبيرِ عنْ أبيهِ: "رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدعُوا هكذَا، ووضعَ يديهِ على ركبتيهِ وهوَ متربعٌ جالسٌ". ورواهُ البيهقيُّ

(5)

عنْ حميدٍ: "رأيتُ أَنسًا يصلِّي على فراشِهِ"، وعلقهُ البخاريُّ

(6)

. قالَ العلماءُ: وصفةُ التربُّعِ أنْ يجعلَ باطنَ قدمهِ اليمنى تحتَ الفخذِ اليُسرى، وباطنَ اليُسرى تحتَ اليُمنى، مطمئِنًا، وكفيهِ على ركبتيهِ مفرِّقًا أناملَه كالراكعِ.

(1)

في "المستدرك"(1/ 224) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 112)، والدارقطني (1/ 339 رقم 3)، والطبراني في "الكبير" - كما في "مجمع الزوائد" (2/ 135) - وقال الهيثمي: وإسناده حسن.

(2)

في "السنن"(3/ 224 رقم 1661) وقال: ولا أحسبُ هذا الحديث إلَّا خطأ.

قلت: هذا ظن والسند صحيح فلا يجوز إعلاله به.

(3)

في "صحيحه"(2/ 89 رقم 978).

والخلاصة: أن حديث عائشة صحيح.

(4)

في "السنن الكبرى"(2/ 305).

(5)

في "السنن الكبرى"(2/ 305).

(6)

في "صحيحه"(1/ 491) وأسنده البخاري في "صحيحه" رقم (385 و 542 و (208) عن أنس بمعناه. وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (191/ 620)، وفيه اللفظ المذكور هنا لكن سياقه أتم. وانظر كلام الحافظ في "تغليق التعليق"(2/ 218 - 219).

ص: 221

والحديثُ دليلٌ على كيفيةِ قعودِ العليلِ إذا صلَّى مَنْ قعودٍ، إذِ الحديثُ واردٌ في ذلكَ، وهوَ في صفةِ صلاتهِ صلى الله عليه وسلم لما سقطَ عنْ فرسهِ فانفكتْ قدمُهُ فصلَّى متربِّعًا، وهذهِ القعدةُ اختارَها الهادويةُ في قعودِ المريضِ لصلاتهِ، ولغيرِهم اختيارٌ آخرُ. والدليلُ معَ الهادويةِ وهوَ هذَا الحديثُ.

‌شرعية الدعاء في القعود بين السجدتين

36/ 287 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السّجْدَتَيْنِ: "اللَّهُمّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْني، وَاهْدِني، وَعَافِني، وَارْزُقْني". رَوَاهُ الأرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَاللَّفْظُ لأَبِي دَاوُدَ

(1)

، وَصَحّحَهُ الْحَاكِمُ

(2)

. [صحيح]

(وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السّجْدَتَيْنِ: اللَّهُمّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْني، وَاهْدِني، وَعَافِني، وَارْزُقْني. رَوَاهُ الأَرْبَعَة إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَاللَّفْظُ لأَبِي دَاوُدَ وَصَحّحَهُ الْحَاكِمُ)، ولفظُ الترمذيِّ:"واجبرني" بدلَ وارحمني، ولم يقلْ وعافني. وجمعَ ابنُ ماجه في لفظِ روايتهِ بينَ ارحمني واجبرني، ولمْ يقلْ اهدِني ولا عافني، وجمعَ الحاكمُ بينَهما إلَّا أنهُ لم يقلْ وعافني. والحديثُ دليل على شرعيةِ الدعاءِ في القعودِ بينَ السجدتينِ، وظاهرُهُ أنهُ كانَ صلى الله عليه وسلم يقولُهُ جَهْرًا.

‌جلسة الاستراحة سنَّة

37/ 288 - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه: أَنَّهُ رَأَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(3)

. [صحيح]

(1)

وهم: أبو داود (رقم 850)، والترمذي (رقم 284)، وابن ماجه (رقم 898).

(2)

في "المستدرك"(1/ 271 - 272)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وأبو العلاء كامل بن العلاء ممن يجمع حديثه في الكوفيين. ووافقه الذهبي. مع أن حبيب بن ثابت مدلس وقد عنعن. وانظر:"التلخيص الحبير"(1/ 258).

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس صحيح، والله أعلم.

(3)

في "صحيحه"(2/ 302 رقم 823).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 844)، والترمذي (رقم 287)، والنسائي (2/ 234)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 123).

ص: 222

(وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه: أَنَّهُ رَأَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وفي لفظٍ له

(1)

: "فإذَا رَفعَ رأسَهُ منَ السجدةِ الثانيةِ جلسَ واعتمدَ على الأرضِ ثمَّ قامَ". وأخرجَ أبو داودَ

(2)

منْ حديثٍ أبي حُمَيْدٍ في صفةِ صلاتهِ صلى الله عليه وسلم وفيهِ: "ثمَّ أهوى ساجدًا، ثم ثَنى رجلَيْهِ وقعد حتى رجعَ كلُّ عُضْوٍ في موضعِهِ ثمَّ نهضَ". وقدْ ذكرتْ هذهِ القعدةُ في بعضِ ألفاظِ روايةٍ حديثٍ المسيءِ صلاتهِ. وفي الحديثِ دليل على شرعيةِ هذهِ القعدةِ بعدَ السجدةِ الثانيةِ منَ الركعةِ الأُولى والركعةِ الثالثةِ، ثمَّ ينهضُ لأداءِ الركعةِ الثانيةِ أو الرابعةِ، وتُسَمَّى جلسةَ الاستراحةِ. وقدْ ذهبَ إلى القولِ بشرعيَّتِها الشافعيُّ في أحدِ قوليْهِ، وهوَ غيرُ المشهورِ عنهُ، والمشهورُ عنهُ وهوَ رأيُ الهادويةِ والحنفيةِ، ومالكٍ، وأحمدَ، وإسحاقَ أنهُ لا يشرعُ القعودُ هذَا، مستدلينَ بحديثِ وائلِ بن حجرٍ في صفةِ صلاتهِ صلى الله عليه وسلم بلفظِ:"فكانَ إذا رفعَ رأْسَهُ منَ السجدتينِ استوى قائمًا"، أخرجهُ البزارُ

(3)

في مُسْنَدهِ، إِلَّا أنهُ ضعَّفَهُ النوويُّ

(4)

، وبما رواهُ ابنُ المنذرِ

(5)

منْ حديثٍ النَّعمانِ بن أبي عياشٍ: "أدركتُ غيرَ واحدٍ منْ أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فكانَ إذا رفعَ رأسَهُ منَ السجدةِ في أولِ ركعةٍ، وفي الثالثةِ قامَ كما هوَ ولم يجلسْ". ويجابُ عن الكلِّ بأنهُ لا منافاةَ إذْ مَنْ فعلَها فلأنَّها سنةٌ، ومَنْ تركَها فكذلكَ. وإنْ كانَ ذكرُها في حديثٍ المسيءِ يشعرُ بوجوبِها لكنْ لمْ يقلْ بهِ أحدٌ فيما أعلمُ.

‌القنوت وموضعه والجمع بين أحاديثه

38/ 289 - وَعَنْ أَنْسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا، بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

(1)

أي للبخاري في "صحيحه"(رقم 824).

(2)

في "السنن"(1/ 467 رقم 730).

(3)

عزاه إليه الهيثمي في "المجمع"(2/ 134 - 135) وقال: وفيه محمد بن حجر، قال البخاري: فيه بعض النظر، وقال الذهبي: له مناكير.

(4)

في "المجمع شرح المهذب"(3/ 441).

(5)

في "الأوسط"(3/ 195 رقم 1497). وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 395).

(6)

البخاري (رقم 3861 - البغا)، ومسلم (رقم 304/ 677).

ص: 223

- وَلأَحْمَدَ

(1)

وَالدَّارَقُطْنيِّ

(2)

نَحْوَهُ مِنْ وَجْهٍ آاخَرَ، وَزَادَ: وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتى فَارَقَ الدُّنْيَا. [ضعيف]

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ) ووردَ تعيينُهم أنَّهم رعلٌ، وعصيةُ، وبنو لحيانَ (ثُمَّ تَرَكَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

لفظهُ في البخاريِّ

(3)

مطوَّلًا عنْ عاصمٍ الأحولِ قالَ: "سألتُ أنسَ بنَ مالكٍ عن القنوتِ فقالَ: قدْ كانَ القنوتُ، قلتُ: قبلَ الركوعِ أوْ بعدَهُ؟ قالَ: قبلهُ، قلتُ: فإنَّ فلانًا أخبرني عنكَ أنكَ قلتَ بعدَ الركوعِ، قالَ: كذبَ، إنما قنتَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعدَ الركوعِ شهرًا أُراهُ كانَ بعثَ قومًا يقالُ لهمُ القراءُ زهاءَ سبعينَ رجلًا إلى قومٍ منَ المشركينَ، فغدرُوا وقتلُوا القراءَ دونَ أولئكَ، وكانَ بينهَم وبينَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عهدٌ، فقنتَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعُو عليهمْ".

(وَلأَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنيِّ نحوُهُ) أي منْ حديثٍ أنسٍ (مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَزَادَ: فأمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتى فَارَقَ الدُّنْيَا)؛ فقولُهُ في الحديثِ الأولِ: "ثمَّ تركهُ " أي فيما عدا الفجرِ، ويدلُّ أنهُ أرادهُ قولُهُ:"فلمْ يزلْ يقنتُ [في كلِّ صلاتهِ"، هذَا]

(4)

والأحاديثُ عنْ أنسٍ في القنوتِ قدِ اضطربتْ وتعارضتْ في صلاةِ الغداةِ، وقدْ جمعَ بينَها في الهدي النبوي

(5)

فقالَ: أحاديثُ أنسٍ كلُّها صحاحٌ يُصدّقُ بعضُها بعضًا، ولا تناقضَ فيها، والقنوتُ الذي ذكرهُ قبلَ الركوعِ غيرُ الذي ذكرهُ بعدَهُ، والذي وقَّتهُ غيرُ الذي أطلقهُ، فالذي ذكرهُ قبلَ الركوعِ هوَ إطالةُ القيامِ للقراءةِ الذي قالَ فيهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ القيامِ"

(6)

، والذي ذكرهُ بعدُ هوَ إطالةُ القيامِ للدعاءِ، ففعلَهُ شهرًا يدعوَ على قومٍ، ويدعُو لقوم، ثمَّ استمرَّ تطويلُ هذا الركنِ للدعاءِ والثناءِ إلى أنْ فارقَ الدنيا كما دلَّ لهُ الحديث:"أن أَنَسًا كانَ إِذا رفعَ رأسهُ منَ الركوعِ انتصبَ قائمًا حتَّى يقولَ القائلُ قدْ نسِي، وأخبرَهم أن هذه صفةُ صلاتهِ صلى الله عليه وسلم"، أخرجهُ عنهُ في الصحيحينِ

(7)

. فهذَا هوَ القنوتُ الذي قالَ فيهِ أنسٌ: "إنهُ ما زال صلى الله عليه وسلم عليهِ

(1)

في "المسند"(3/ 162).

(2)

في "السنن"(2/ 39 رقم 9).

(3)

في "صحيحه"(رقم 2999 - البغا).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

(1/ 282).

(6)

أخرجه مسلم (رقم 164/ 756).

(7)

البخاري (رقم 821)، ومسلم (رقم 195 - 472).

ص: 224

حتَّى فارقَ الدنيا". والذي تركهُ هوَ الدعاءُ على أقوامٍ منَ العربِ، وكانَ بعدَ الركوعِ، فمرادُ أنسٍ بالقنوتِ قبلَ الركوعِ وبعدَه الذي أخبرَ أنهُ ما زالَ عليهِ: هوَ إطالةُ القيامِ في هذينِ المحلينِ بقراءةِ القرآنِ، وبالدعاءِ، هذا مضمونُ كلامهِ. ولا يخْفَى أنهُ لا يوافقُ قولَهُ: "[وأما]

(1)

في الصبحِ فلمْ يزلْ يقنتُ حتَّى فارقَ الدنيا"، وأنهُ دلَّ أن ذلكَ خاصٌّ بالفجرِ. وإطالةُ القيامِ بعدَ الركوعِ عامٌّ للصلواتِ كلها.

وأمَّا حديثُ أبي هريرةَ الذي أخرجهُ الحاكمُ

(2)

وصححهُ: "بأنهُ كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا رفعَ رأسَهُ منَ الركوعِ منْ صلاةِ الصبحِ في الركعةِ الثانيةِ يرفعُ يديْهِ فيدعُو بهذا الدعاءِ: اللَّهُمَّ اهدِني فيمنْ هديتَ إلى آخرهِ"، ففيهِ عبدُ اللَّهِ بنُ سعيدٍ المقبري

(3)

، ولا تقومَ بهِ حجةٌ. وقدْ ذهبَ إلى أن الدعاءَ [عقيبَ]

(4)

آخرِ ركوعٍ منَ الفجرِ سنةُ جماعةٍ منَ السلفِ، ومنَ الخلفِ الهادي، والقاسمُ، وزيدُ بنُ عليٍّ، والشافعيُّ. وإنِ اختلفُوا في ألفاظهِ فعندَ الهادي بدعاءٍ منَ القرآنِ، وعندَ الشافعيِّ بحديثِ:"اللهمَّ اهدني فيمنْ هديتَ إلى آخرهِ".

‌القنوت في النوازل

39/ 290 - وَعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ. صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(5)

. [صحيح]

(وَعَنْهُ) أي أنسٍ (أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ. صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ). أَمَّا دعاؤُه لقومٍ فكما ثبتَ أنهُ كانَ يدعُو للمستضعفينَ منْ أهلِ مكةَ، وأما دعاؤُه على قومٍ فكما عرفتُهُ قريبًا. ومنْ هُنَا قالَ بعضُ العلماءِ:

(1)

في (ب): "فأما".

(2)

لم أعثر عليه!

(3)

قال عنه ابن معين: ليس بشيء. وقال مرة: ليس بثقة.

وقال الفلاس: منكر الحديث، متروك.

انظر: "التاريخ الكبير"(5/ 105)، و"المجروحين"(2/ 9)، و"الجرح والتعديل"(5/ 71)، و "الميزان"(2/ 429)، و"التقريب"(1/ 419).

(4)

في (ب): "عقب".

(5)

في "صحيحه"(1/ 314 رقم 620) بإسناد صحيح. وأورده المحدِّث الألباني في "الصحيحة" رقم (639).

ص: 225

يُسَنُّ القنوتُ في النوازلِ، فيدعو بما يناسبُ الحادثةَ. وإذا عرفتَ هذا فالقولُ بأنهُ يسن في النوازلِ قولٌ حسنٌ تأسيًا بما فعلهُ صلى الله عليه وسلم في دعائِهِ على أولئكَ الأحياءِ منَ العربِ، إلَّا أنهُ قدْ يقالُ: قدْ نزلَ بهِ صلى الله عليه وسلم حوادثٌ كحصارِ الخندقِ وغيرِه، ولم يُرْوَ أنهُ قنتَ فيهِ، ولعلَّهُ يقالُ التركُ لبيانِ الجوازِ. وقدْ ذهبَ أبو حنيفةَ وأبو يوسفَ إلى أنهُ منهيٌّ عن القنوتِ في الفجرِ، وكأنَّهم استدلُّوا بقولِهِ:

‌النهي عن القنوت في الفجر

40/ 291 - وَعَنْ سَعْد بْنِ طَارِقِ الأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لأَبي: يَا أَبَتِ، إِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعلِيٍّ، أَفَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ

(1)

. [صحيح]

‌ترجمة سعد بن طارق الأشجعي

(وَعَنْ سَعيدٍ) كذَا في نُسَخِ البلوغِ سعيدٌ وهوَ سعدٌ

(2)

بغيرِ مثناةٍ تحتيةٍ، (ابْنِ طَارِقِ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: قُلْتُ لأَبي) وهوَ طارقُ بنُ أَشْيَمِ بفتحِ الهمزةِ فشينٍ معجمةٍ فمثناةٍ تحتيةٍ مفتوحةٍ، بزِنَةِ أحمرَ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: يعدُّ في الكوفيينَ. روى عنهُ ابنهُ أبو مالكِ سعدُ بنُ طارقٍ (يَا أَبَتِ إِنَّكَ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلَيٍّ، أَفَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؛ فَقَالَ: أَيْ بنيَّ مُحْدَثٌ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ). وقدْ رُوِيَ خلافَه عمنْ ذُكِرَ، والجمعُ بينهَما أنهُ وقعَ القنوتُ لهم تارةً، وتركوهُ أُخْرَى. وأمَّا أبو حنيفةَ ومنْ ذُكِرَ معهُ فإنَّهم جعلوهُ منهيًا عنهُ لهذا الحديثِ، لأنهُ إذا كانَ محدثًا فهوَ بدعةٌ، والبدعةُ منْهِيٌّ عنْها.

(1)

وهم: أحمد (6/ 394)، والترمذي (رقم 402)، وقال: حديث حسن صحيح.

والنسائي (2/ 204 رقم 1080)، وابن ماجه (رقم 1241).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(3/ 122 رقم 638)، والبيهقي (2/ 213)، والطيالسي في "المسند" (ص 189 رقم 1328) وغيرهم. وهو حديث صحيح. وكذلك صحَّحه الألباني في "الإرواء" (رقم: 435).

(2)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(4/ 58)، و"الجرح والتعديل"(4/ 86 - 87)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 88)، و"ميزان الاعتدال"(2/ 122)، و"تهذيب التهذيب"(3/ 410 رقم 880).

ص: 226

‌القنوت الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي

41/ 292 - وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: عَلَّمَني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ في قُنُوتِ الْوِتْرِ: "اللَّهُمَّ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِني فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّني فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيما أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَاليْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(1)

. وَزَادَ الطَّبَرَانيُّ

(2)

، وَالْبَيْهَقيُّ

(3)

: "وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ"، زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ

(4)

فِي آخرِهِ: "وَصَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّبيِّ". [حسن]

‌ترجمة الحسن بن علي رضي الله عنهما

-

(وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام)

(5)

هوَ أبو محمدٍ الحسنُ بنُ عليٍّ سِبْطُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، [وريحانته]

(6)

، ولدَ في النصفِ منْ شهرِ رمضانَ سنةَ ثلاثٍ منَ

(1)

وهم: أحمد (1/ 199)، وأبو داود (رقم 1425)، والترمذي (2/ 328 رقم 464)، والنسائي (3/ 248 رقم 1745)، وابن ماجه (1178).

قلت: وأخرجه الدارمي (1/ 373 - 374)، وابن الجارود (رقم: 272)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 321)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 128 رقم 640)، وابن خزيمة (2/ 151 - 152 رقم 1095)، وابن حبان (رقم 512 و 513 - الموارد)، والطيالسي (ص 163 رقم 1179)، والطبراني في "الكبير"(3/ 73 - 77 رقم 2701 و 2702 و 2703 و 2704 و 2705 و 2706 و 2707 و 2708 و 2711 و 2712 و 2713)، والدولابي في "الكُنى"(1/ 161)، والحاكم (3/ 172)، والبيهقي (2/ 209 و 497 - 498)، وغيرهم من طرق.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن، لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه .. ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئًا أحسنَ من هذا" اهـ.

قلت: وهو حديث حسن، انظر:"نصب الراية"(2/ 125)، و"إرواء الغليل"(رقم 429).

(2)

في "الكبير"(3/ 73 رقم 2701) و (3/ 74 رقم 2703 و 2704 و 27505) و (3/ 75 رقم 2707).

(3)

في "السنن الكبرى"(2/ 209).

(4)

في "السنن"(3/ 248 رقم 1746).

(5)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(2/ 286)، و"الجرح والتعديل"(3/ 19)، و"الحلية" لأبي نعيم (2/ 35)، و"تاريخ بغداد"(1/ 138)، و"جامع الأصول"(9/ 27 - 36)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 158 رقم 118)، و"وفيات الأعيان"(2/ 65)، و"مجمع الزوائد"(9/ 174 - 179)، و"الإصابة"(2/ 242 رقم 1715).

(6)

زيادة من (أ).

ص: 227

الهجرةِ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ

(1)

: إنهُ أصحُّ ما قيلَ في ذلكَ. وقالَ أيضًا: كانَ الحسنُ حليمًا، ورِعًا، فاضلًا. ودعاهُ ورعُهُ وفضلُه إلى أنهُ تركَ الدنيا والملكَ رغبةً فيما عندَ اللَّهِ، بايعوهُ بعدَ أبيهِ عليه السلام، فبقيَ نحوًا منْ سبعةِ أشهرٍ خليفةً بالعراقِ وما وراءَها منْ خراسانَ، وفضائله لا تُحصَى. وقدْ ذكرنَا منْها شطرًا صالحًا في الروضةِ النديةِ

(2)

. وفاتهُ سنةَ إحدى وخمسينَ بالمدينةِ النبويةِ، ودفنَ في البقيعِ. وقدْ أطالَ ابنُ عبدِ البرِّ في الاستيعابِ في عدِّهِ لفضائلهِ.

(قَالَ: عَلَّمَني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ في قُنُوتِ الْوِتْرِ) أي في دعائهِ، وليسَ فيهِ بيانٌ لمحلهِ، (اللَّهُمَّ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِني فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّني فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيما أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ مَا قَضَيْتَ؛ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَزَادَ الطَّبَرَانيُّ وَالْبَيْهَقيُّ) بعدَ قولِهِ: وَلا يذلُّ مَنْ واليتَ: (وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ. زَادَ النَّسَائِيَّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ في آخرِهِ: وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبيِّ) إلَّا أنهُ قالَ المصنفُ في تخريجِ أحاديثِ الأذكارِ

(3)

: إنَّ هذهِ الزيادةَ غريبة لا تثبتُ لأنَّ فيها عبدَ اللَّهِ بنَ علي لا يُعْرَفُ وعلى القولِ بأنهُ عبدُ اللَّهِ بنُ عليٍّ بن الحسينِ بن عليٍّ فالسندُ منقطعٌ، فإنهُ لم يسمع منْ عمِّه الحسنِ. ثمَّ قالَ: فتبينَ أن هذَا الحديثَ ليسَ منْ شرطِ الحسنِ لانقطاعهِ، أو جهالةِ رُوَاتهِ انتَهى. فكانَ عليه أنْ يقولَ:[إن هذه الزيادة لا تثبت]

(4)

.

والحديثُ دليلٌ على مشروعيةِ القنوتِ في صلاةِ الوترِ، وهوَ مجمعٌ عليهِ في النصفِ الأخيرِ منْ رمضانَ. [وذهبَ]

(5)

الهادويةُ وغيرهُم إلى أنهُ يشرعُ أيضًا في غيرهِ، إلَّا أن الهادويةَ لا يجيزونَهُ بالدعاءِ منْ غيرِ القرآنِ. والشافعيةُ يقولونَ: إنهُ يقنتُ بهذَا الدعاءِ في صلاةِ الفجرِ ومستندُهم في ذلكَ قولهُ:

42/ 293 - وَللْبَيْهَقيِّ

(6)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا دُعَاءً نَدْعُو بِهِ في الْقُنُوتِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْح. وَفي سَنَدِهِ ضَعْفٌ. [ضعيف]

(1)

في "الاستيعاب"(3/ 99 رقم 555).

(2)

"شرح التحفة العلوية" في مناقب الإمام علي.

(3)

(2/ 143 - 144).

(4)

في (ب): "ولا تثبت هذه الزيادةُ".

(5)

في (ب): "وذهبت".

(6)

في "السنن الكبرى"(2/ 210).

ص: 228

(وَلِلْبَيْهَقيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا دُعَاء نَدْعُو بِهِ في الْقُنُوتِ مِنْ صلاةِ الصُّبْح).

قلت: أجملهُ هنا وذكرَهُ [المصنف]

(1)

في تخريجِ الأذكارِ

(2)

منْ روايةٍ البيهقيِّ وقالَ: "اللهمَّ اهدني - الحديثَ" إلى آخرهِ، رواهُ البيهقيُّ

(3)

منْ طرقٍ أحدُها عنْ بُريدٍ [بالموحدةِ والراءِ، وتصغيرُ بُرْدٍ وهوَ ثقبةُ]

(4)

بنُ أبي مريمَ، سمعتُ ابنَ الحنفيةِ وابنَ عباسٍ يقولانِ:"كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقنتُ في صلاةِ الصبحِ ووترِ الليلِ بهؤلاءِ الكلماتِ". وفي إسنادهِ مجهولٌ. ورُويَ منْ طريقٍ أُخْرى وهي التي ساقَ المصنفُ لفظَها عن ابن جُرَيْجٍ بلفظِ: "يعلِّمُنا دعاءً ندعُو بهِ في القنوتِ، وصلاةِ الصبحِ". وفيهِ عبدُ الرحمنِ بن هرمزٍ

(5)

ضعيفٌ، ولذَا قالَ المصنفُ:(وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ).

‌يقدم المصلي يديه قبل ركبته عند الهويِّ للسجود

43/ 294 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكِ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيهِ قَبْلَ رُكْبَتَيهِ"، أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ

(6)

، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ ابْنِ حُجْرٍ. [صحيح]

(1)

زيادة من (أ).

(2)

(2/ 143 - 144).

(3)

في "السنن الكبرى"(2/ 210).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

قلت: ليس هو الأعرج، لأن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أبو داود المدني مولى ربيعة بن الحارث ثقة - كما في "التقريب"(1/ 501 رقم 1142).

(6)

أخرجه أبو داود (رقم 840)، والنسائي (2/ 207 رقم 1091)، وأحمد (2/ 381)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 134 - 135 رقم 643)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 139)، والدارمي (1/ 303)، والطحا وي في "مشكل الآثار"(1/ 65 - 66)، والبيهقي (2/ 99 - 100)، والدارقطني (1/ 344 رقم 3).

كلهم من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، قال: ثنا محمد بن عبد اللَّهِ بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال الألباني: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير محمد بن عبد الله بن الحسن وهو المعروف بالنفس الزكية العلوي، وهو ثقة كما قال النسائي وغيره، وتبعهم الحافظ في "التقريب"(2/ 176 رقم 370)، ولذلك قال النووي في "المجموع"(3/ 421)، والزرقاني في شرح المواهب" (7/ 320): إسناده جيد.

وقد أعلَّه بعضهم بثلاث علل: =

ص: 229

(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكِ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ. أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ).

هذا الحديثُ أخرجهُ أهلُ السننِ، وعلَّلَهُ البخاريُّ، والترمذيُّ، والدارقطنيُّ. قالَ البخاريُّ

(1)

: محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بن الحسنِ لا يُتَابَعُ عليهِ، وقالَ: لا أدري سمعَ منْ أبي الزنادِ أمْ لَا. وقالَ الترمذيُّ

(2)

: غريبٌ لا نعرفُهُ منْ حديثٍ أبي الزنادِ إلَّا من هذا الوجه. وقدْ أخرجهُ النسائيُّ منْ حديثٍ أبي هريرةَ أيضًا عنهُ: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم"، ولمْ يذكر فيهِ "وليضع يديهِ قبلَ ركبتيهِ". وقدْ أخرجَ ابنُ أبي داودَ منْ حديثٍ أبي هريرةَ:"أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا سجدَ بدأَ بيديهِ قبلَ ركبتيه"

(3)

، ومثلَه أخرجَ الدراورْدِيُّ منْ حديثٍ ابن عمرَ

(4)

، وهوَ الشاهدُ الذي سيشيرُ المصنفُ إليهِ

(5)

. وقد أخرجَ ابنُ خزيمةَ في صحيحهِ

(6)

منْ حديثٍ مُصْعَبِ بن سعدِ بن

= الأولى: تفرَّد الدراوردي به عن محمد بن عبد الله.

الثانية: تفرد محمد هذا عن أبي الزناد.

الثالثة: قول البخاري: لا أدري أسمع محمد بن عبد الله بن حسن من أبي الزناد أم لا.

وهذه العلل ليست بشيء ولا تؤثر في صحة الحديث البتة.

أما الجواب عن الأولى والثانية، فهو أن الدراوردي وشيخه ثقتان فلا يضر تفردهما بالحديث.

وأما الثالثة؛ فليست بعلة إلا عند البخاري بناء على أصله المعروف وهو اشتراط معرفة اللقاء. وليس ذلك بشرط عند جمهور المحدثين بل يكفي عندهم مجرد إمكان اللقاء مع أمن التدليس. وهذا متوفر هنا. فالحديث صحيح بلا ريب.

على أن الدراوردي لم يتفرد به بل توبع عليه في الجملة، فقد أخرجه أبو داود (رقم 841)، والنسائي (2/ 207 رقم 1090)، والترمذي (رقم 269) من طريق عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن به مختصرًا بلفظ:"يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل" فهذه متابعة قوية، فإن ابن نافع ثقة أيضًا من رجال مسلم كالدراوردي.

انتهى من "إرواء الغليل"(2/ 78 - 79) بتصرف.

(1)

في "التاريخ الكبير"(1/ 139).

(2)

في "السنن"(2/ 58).

(3)

أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 254).

(4)

أخرجه ابن خزيمة (1/ 318 رقم 627)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 226)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 100) وإسناده صحيح. والبخاري معلقًا (2/ 290 الباب 128).

(5)

في الحديث رقم (44/ 295).

(6)

(1/ 319 رقم 628) وإسناده ضعيف جدًّا، إسماعيل بن يحيى بن سلمة متروك كما في "التقريب"(1/ 75 رقم 562)، وابنه إبراهيم ضعيف. وانظر:"فتح الباري"(2/ 291).

ص: 230

أبي وقاصٍ عنْ أبيهِ قالَ: "كنَّا نضعُ اليدينِ قبلَ الركبتينِ، فأُمِرْنَا بوضعِ الركبتينِ قبلَ اليدينِ".

والحديثُ دليلٌ على أنهُ يقدِّمُ المصلِّي يديهِ قبلَ ركبتيهِ عندَ الانحطاطِ إلى السجودِ. وظاهرُ الحديثِ الوجوبُ لقولهِ: لا يبركنَّ؛ وهوَ نَهْيٌ، وللأمرِ بقولهِ:"وليضعْ". قيلَ: ولمْ يقلْ أحدٌ بوجوبهِ فتعينَ أنهُ مندوبٌ. وقدِ اختلفَ العلماءُ في ذلكَ؛ فذهب الهادويةُ، وروايةٌ عنْ مالكٍ، والأوزاعيِّ إلى العملِ بهذَا الحديثِ حتَّى قالَ الأوزاعي: أدركْنَا الناسَ يضعونَ أيديَهمْ قبلَ رُكَبِهمْ. وقالَ ابنُ أبي داودَ: وهوَ قولُ أصحابِ الحديثِ. وذهبتِ الشافعيةُ، والحنفيةُ، وروايةٌ عنْ مالكٍ إلى العملِ بحديثِ وائلٍ، وهوَ قولُهُ؛ (وَهُوَ) أي حديثُ أبي هريرةَ هذَا (أَقْوَى) في سندهِ (مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ) وهوَ أنهُ قَالَ:

44/ 295 - رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ

(1)

. [ضعيف]

فَإِنَّ لِلأَوّلِ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا صَحّحَهُ

(1)

وهم: أبو داود (رقم 828)، والترمذي (رقم 268)، والنسائي (2/ 20 - رقم 1089)، وابن ماجه (رقم 882).

قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 255)، والدارمي (1/ 303)، والدارقطني (1/ 345 رقم 6)، والبيهقي (2/ 98)، والحا كم (1/ 226)، وابن خزيمة (1/ 318 رقم 626)، وابن حبان في "الإحسان"(3/ 190 رقم 1909)، والحازمي في "الاعتبار"(ص 222).

قال الترمذي؛ هذا حديث حسن غريب، لا نعرفُ أحدًا رواهُ مثلَ هذا عن شَرِيك.

وقال الحاكم: احتج مسلم بشريك! ووافقه الذهبي! وليس كما قالا فإن مسلمًا أخرج له في المتابعات كما صرح بذلك المنذري في خاتمة "الترغيب والترهيب"(4/ 571).

وقال ابن القيم في "زاد المعاد"(1/ 223) وقد ذكر الحديث: "هو الصحيح".

وخالفهم الدارقطني، فقال عقبه:"تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به" اهـ. وخالفهم أيضًا البيهقي (2/ 99) بقوله: "هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلًا، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تعالى" اهـ.

وانظر: "الإرواء" رقم (357).

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 231

ابْنُ خُزَيْمَةَ

(1)

، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَوْقُوفًا

(2)

. [إسناده صحيح]

(رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ. أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ. فَإِنَّ لِلأَوَّلِ) أي حديثٍ أبي هريرةَ (شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمرَ صَحَحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ). تقدمَ ذِكْرُ الشاهدِ هذَا قريبًا

(3)

. (وَذَكَرَهُ) أي الشاهد (الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَوْقُوفًا) فقالَ: "قالَ نافعٌ: كانَ [ابنُ عمرَ]

(4)

يضعُ يديهِ قبلَ ركبتيهِ". وحديثُ وائلٍ أخرجهُ أصحابُ السننِ الأربعةِ، وابنُ خزيمةَ

(5)

، وابنُ السكنِ

(6)

في صحيحيْهِمَا منْ طريقِ شُرَيْكٍ، عنْ عاصمِ بن كُلَيْبٍ، عنْ أبيهِ. قالَ البخاريُّ، والترمذيُّ، وابنُ أبي داودَ، والبيهقيُّ: تفردَ بهِ شريكٌ، ولكنْ لهُ شاهدٌ عنْ عاصمٍ الأحولِ، عنْ أنسٍ قالَ:"رأَيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انحطَّ بالتكبيرِ حتى سبقتْ ركبتاهُ يديهِ"، أخرجهُ الدارقطنيُّ

(7)

، والحاكمُ

(8)

، والبيهقيُّ

(9)

. وقالَ الحاكمُ: هوَ علَى شرطِهِمَا

(10)

. وقالَ البيهقيُّ: تفردَ بهِ العلاءُ بنُ العطارِ، والعلاءُ مجهولٌ. وهذَا حديثُ وائلٍ هوَ دليلُ الحنفيةِ والشافعيةِ، وهوَ مرويٌّ عنْ عمرَ أخرجهُ عبدُ الرزاقِ

(11)

، وعنِ ابن مسعودٍ أخرجهُ الطحاويُّ

(12)

. وقالَ بهِ أحمدُ، وإسحاقُ، وجماعةٌ منَ العلماءِ. وظاهرُ كلامِ المصنفِ ترجيحُ حديثٍ أبي هريرةَ وهوَ خلافُ مذهبِ إمامهِ

(1)

(1/ 318 رقم 627)، وإسناده صحيح.

(2)

في "صحيحه"(2/ 290 الباب 128) قلت: ووصله الحاكم (1/ 226)، والبيهقي (2/ 100).

(3)

في شرحه للحديث رقم (43/ 294).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "صحيحه"(1/ 318 رقم 626)، وإسناده ضعيف كما تقدم.

(6)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 254).

(7)

في "السنن"(1/ 345 رقم 7).

(8)

في "المستدرك"1/ 226).

(9)

في "السنن الكبرى"(2/ 99).

قلت: وأخرجه الحازمي في "الاعتبار"(ص 222) وابن حزم في "المحلَّى"(4/ 129).

قال الدارقطني والبيهقي: (تفرد به العلاء بن إسماعيل). قلت: وهو مجهول كما قال ابن القيم في "زاد المعاد"(1/ 229). وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 188 رقم 539): "هذا حديث منكر".

(10)

قال الألباني في "الضعيفة"(2/ 331): "وأما قول الحاكم والذهبي: هذا حديث صحح على شرط الشيخين، فغفلة كبيرة منهما عن حال العلاء هذا، مع كونه ليس من رجال الشيخين .. "، قلت: وانظر: "لسان الميزان"(4/ 182 - 183).

(11)

في "المصنف"(2/ 176 رقم 2955).

(12)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 256).

ص: 232

الشافعيِّ، وقالَ النوويُّ

(1)

: لا يظهرُ ترجيحُ أحدُ المذهبينِ على الآخرَ. ولكنَّ أهلَ هذا المذهبِ رجَّحُوا حديثَ وائلٍ، وقالُوا في [حديث]

(2)

أبى هريرةَ: إنهُ مضطربٌ؛ إذْ قدْ رُوِيَ عنهُ الأمرانِ. وحقَّقَ ابنُ القيمِ المسألةَ وأطالَ فيها

(3)

، وقالَ: إنَّ في حديثٍ أبي هريرةَ قلبًا منَ الراوي حيثُ قالَ: وليضعْ يديهِ قبلَ ركبتيهِ، وإنَّ أصلَهُ: وليضعْ ركبتيهِ قبلَ يديهِ. قالَ: ويدلُّ عليهِ أولُ الحديثِ، وهوَ قولُهُ: فلا يبركْ كما يبركُ البعيرُ؛ فإنَّ المعروفَ مِنْ بروكِ البعيرِ هوَ تقديمُ اليدينِ على الرجلينِ. وقدْ ثبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم الأمرُ بمخالفةِ سائرِ الحيواناتِ في هيئاتِ الصلاةِ؛ فَنَهَى عن التفاتٍ كالتفاتِ الثعلبِ، وعنِ افتراشٍ كافتراشِ السَّبُعِ، وإقعاءٍ كإقعاءِ الكلْبٍ، ونقْرِ كنقرِ الغرابِ، ورفعِ الأيدي كأذنابِ خيلٍ شُمسٍ؛ أي حالَ السلامِ، وقدْ تقدمِ

(4)

، ويجمعُها قولُنا:

إذا نحنُ قمنا للصلاة

فإنَّنَا نُهينَا عن الإتيانِ فيها بستةِ

بروكِ بعير والتفاتٍ كثعلب

ونقرِ غرابٍ في سجودِ الفريضةِ

وإقعاءِ كلبٍ أوْ كبسطِ ذراعهِ

وأذنابِ خيلٍ عندَ فعلِ التحيةِ

وزدْنا على ما ذكرهُ فِي الشرحِ قولَنا:

وزدْنا كتدبيحِ الحمارِ بمدِّهِ

لعنقٍ وتصويبٍ لرأسِ بركعةِ

هذا السابعُ وهوَ بالدالِ [المهملة]

(5)

، بعدَها موحدةٍ ومثناةٍ تحتيةٍ وحاءٍ مهملةٍ، ورُوِيَ بالذالِ المعجمةِ. قيلَ: وهوَ تصحيفٌ. قالَ في النهايةِ

(6)

: هوَ أنْ يُطأطئَ المصلِّي رأسَهُ حتَّى يكونَ أَخْفَضُ منْ ظَهْرِهِ، انتهَى. إلَّا أنَّهُ قالَ النوويُّ: حديثُ التدبيحِ ضعيفٌ. وقيلَ: كانَ وضعُ اليدينِ قبلَ الركبتينِ [أول الأمر](5)، ثمَّ أُمِرُوا بوضعِ الركبتينِ قبلَ اليدينِ. وحديثُ ابن خزيمةَ

(7)

الذي أخرجهُ عنْ سعدِ بن أبي وقاصٍ، وقدَّمناهُ قريبًا يشعرُ بذلكَ. وقولُ المصنفِ: إنَّ لحديثِ أبي هريرةَ شاهدًا يقوَى بهِ، مُعَارضٌ بأنَّ لحديثِ وائلٍ أيضًا شاهدًا قدْ قدْمنَاهُ. وقالَ الحاكمُ، إنهُ على شرطِهِمَا. وغايتهُ وإنْ لم يتمَّ كلامَ الحاكمِ فهوَ مثلُ شاهد [حديث](5)

(1)

في "المجموع شرح المهذب"(3/ 421).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في "زاد المعاد"(1/ 223 - 231).

(4)

انظر الأحاديث المشار إليها في شرح الحديث رقم (8/ 259).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

(2/ 97).

(7)

في "صحيحه"(1/ 319 رقم 628) وإسناده ضعيف جدًّا، وقد تقدم في شرح الحديث رقم (43/ 294).

ص: 233

أبي هريرةَ الذي تفردَ بهِ شريكٌ؛ فقدِ اتفقَ حديثُ وائلٍ، وحديثُ أبي هريرةَ في القوةِ. وعلى تحقيقِ ابن القيِّم فحديثُ أبي هريرةَ عائدٌ إلى حديثٍ وائلٍ، وإنَّما وقعَ فيهِ قلبٌ ولا ينكرُ ذلكَ، فقدْ وقعَ القلبُ في ألفاظِ الحديثِ.

‌وضع اليدين على الركبتين في الجلوس

45/ 296 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَالْيُمْنى عَلَى الْيُمْنى، وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ، وأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ

(2)

: وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِالَّتي تَلِي الإِبْهَامَ. [صحيح]

(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَالْيُمْنَى عَلَى الْيُمْنى، وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ)، قالَ العلماءُ: خُصَّتِ السبابةُ بالإشارةِ لاتصالها بنياطِ القلبِ، فتحريكُها سببٌ لحضورهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِالَّتي تَلِي الإِبْهَامَ)، ووضعَ اليدينِ على الركبتينِ مُجْمَعٌ على استحبابهِ.

‌قبض الأصابع في التشهد وتحريك السبابة

وقولُهُ: "وعقدَ ثلاثًا وخمسينَ" قالَ المصنفُ في التلخيصِ: صورتُها أنْ يجعلَ الإبهامَ (مفتوحةً)

(3)

تحتَ [المسبِّحةَ]

(4)

. وقولُه: "وقبضَ أصابِعَهُ كُلَّها"، أي أصابعَ يدِهِ اليُمنى، قبضَها على الراحةِ، وأشارَ بالسبابةِ، [وقوله: التي تلي الإبهام، وصف كاشف لتحقيق السبابة، وقوله]

(5)

: في روايةِ وائلِ ابن حجرٍ: "حَلَّقَ بينَ الإبهامِ والوُسْطى"، أخرجهُ ابنُ ماجَه

(6)

: فهذهِ ثلاثُ هيئاتٍ جعلَ الإبهامَ تحتَ المسبِّحةِ

(1)

في "صحيحه"(رقم 115/ 580).

(2)

أي لمسلم في "صحيحه"(رقم 116/ 580). قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 987)، والنسائي (2/ 236 - 237 رقم 1260) و (3/ 36 رقم 1266)، والترمذي (رقم 294)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 130)، وابن ماجه (رقم 295).

(3)

(1/ 262) وفيه " معترضة" بدل "مفتوحة".

(4)

في (أ): "السبابة".

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في "السنن"(1/ 295 رقم 912)، وهو حديث صحيح.

ص: 234

مفتوحةً. وسكتَ في هذهِ عنْ بقيةِ الأصابع هلْ تُضَمُّ إلى الراحةِ، أو تبقى منشورةً على الركبةِ؟ (الثانيةُ): ضمُّ الأصابعِ كلِّها على الراحةِ والإشارةِ بالمسبِّحةِ. (الثالثةُ): التحليقُ بينَ الإبهامِ والوسْطَى، ثمَّ الإشارةُ بالسبابةِ. وورد بلفظِ الإشارة كما هُنَا، وكما في حديثٍ ابن الزبيرِ:"أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يشيرُ بالسبابةِ ولا يحرِّكُها". أخرجهُ أحمدُ

(1)

، وأبو داودَ

(2)

، والنسائيُّ

(3)

، وابنُ حبانَ في صحيحهِ

(4)

.

‌الحكمة من الإشارة بالسبابة

وعندَ ابن خزيمةَ

(5)

، والبيهقيِّ

(6)

منْ حديثٍ وائلٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم رفعَ أُصبُعهُ فرأيتهُ يحرِّكُها يدعُو بهَا". قالَ البيهقيُّ

(7)

: يحتملُ أنْ يكونَ مرادَهُ بالتحريكِ الإشارةُ لا تكريرُ تحريكِها حتَّى لا يعارِضَ حديثَ ابن الزبيرِ. وموضعُ الإشارةِ عندَ قولهِ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، لما رواهُ البيهقيُّ منْ فعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وينْوي بالإشارةِ التوحيدَ والإخلاصَ فيهِ، فيكونُ جامعًا في التوحيدِ بينَ القولِ والفعلِ والاعتقادِ، ولذلكَ نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الإشارةِ بالإصبعينِ وقالَ:"أحِّد أحِّد"

(8)

لمنْ رآهُ يشر بأصبعيهِ، ثمَّ الظاهرُ أنهُ مخيرٌ بينَ هذهِ الهيئاتِ. ووجهُ الحكمةِ شغلُ كلِّ عضوٍ بعبادةٍ. ووردَ في اليدِ اليُسرى عندَ الدارقطنيِّ

(9)

منْ حديثٍ ابن عمرَ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم

(1)

في "المسند"(4/ 3).

(2)

في "السنن"(1/ 603 رقم 989).

(3)

في "السنن"(3/ 37 - 38 رقم 1270).

(4)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 262 رقم 402).

(5)

في "صحيحه"(1/ 354 رقم 714).

(6)

في "السنن الكبرى"(2/ 132) بإسناد صحيح.

(7)

في "السنن الكبرى"(2/ 132).

(8)

أخرجه النسائي (3/ 38 رقم 1272)، والترمذي (رقم 3557). وقال: حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة. وله شاهد عند النسائي (38/ 3 رقم 1273) من حديث سعد: ولفظه: "عن سعد قال: مر عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصابعي، فقال؛ أحِّد أحِّد. وأشار بالسبابة"، وإسناده صحيح.

(9)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 261 رقم 395).

قلت: وأخرج مسلم في "صحيحه"(رقم 113/ 579)، من حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا قعدَ يَدْعُو، وضعَ يَدَهُ اليُمْنى على فخذِهِ اليُمنى، ويدَهُ =

ص: 235

ألقمَ كفَّهُ اليُسرى ركبتَهُ"، وفسَّرَ الإلقامَ بعطفِ الأصابعِ على الركبةِ. وذهبَ إلى هذا بعضُهم عملًا بهذهِ الروايةِ. قالَ: وكأنَّ الحكمةَ فيهِ منعُ اليدِ عن العبثِ.

‌طريقة العرب في عد الحساب

واعلمْ أن قولَهُ في حديثٍ ابن عمرَ: (وعقدَ ثلاثًا وخمسينَ) إشارةٌ إلى طريقةٍ معروفةٍ، تواطأتْ عليْها العربُ في عقودِ الحسابِ، وهي أنواعٌ منَ الآحادِ، والعشراتِ، والمئينَ، والألوفِ. أما الآحادُ فللواحدِ عقدُ الخنصرِ إلى أقربِ ما يليهِ منْ باطنِ الكفِّ، وللاثنينِ عقدُ البنصرِ معَها كذلكَ، وللثلاثةِ عقدُ الوسُطى معَها كذلكَ، وللأربعةِ حلُّ الخنصرِ، وللخمسةِ حلُّ البنصرِ معَها دونَ الوسْطى، وللستةِ عقدُ البنصرِ وحلُّ جميعِ الأناملِ، وللسبعةِ بسطُ الخنصرِ إلى أصلِ الإبهامِ مما يلي الكفَّ، وللثمانيةِ بسطُ البنصرِ فوقَها كذلكَ، وللتسعةِ بسطُ الوسْطَى فوقَها كذلكَ. وأما العشراتُ فلَها الإبهامُ والسبابةُ، فللعشرةِ الأُولى عقدُ رأسِ الإبهامِ على طرفِ السبابةِ، وللعشرينَ إدخالُ الإبهامِ بينَ السبابةِ والوْسطى، وللثلاثينَ عقدُ رأسِ السبابةِ على رأسِ الإبهامِ عكسَ العشرةِ، وللأربعينَ تركيبُ الإبهامِ على العقد الأوسطِ منَ السبابةِ، وعطفُ الإبهامِ إلى أصلِها، وللخمسينَ عطفُ الإبهامِ إلى أصلِها، وللستينَ تركيبُ السبابةِ على ظهرِ الإبهامِ عكسَ الأربعينَ، وللسبعينَ إلقاءُ رأسِ الإبهامِ على العقدِ الأوسطِ منَ السبابةِ، وردُّ طَرَفِ السبابةِ إلى الإبهامِ، وللثمانين ردُّ طرفِ السبابةِ إلى أصلِها وبسطُ الإبهامِ على جَنْبِ السبابةِ منْ ناحيةِ الإبهامِ، وللتسعينَ عطفُ السبابةِ إلى أصلِ الإيهامِ وضمِّها بالإبهامِ، وأمَّا المئينُ فكالآحادِ إلى تسعمائةٍ في اليدِ اليُسرى، والألوفُ كالعشراتِ في اليُسرى.

‌أصح ما روي في التشهد حديث ابن مسعود

46/ 297 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: الْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيّاتُ للَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ

= اليُسرى على فخذِهِ اليُسرى، وأشارَ بإِصِبَعِهِ السبابَةِ. ووضعَ إبهامَهُ على إصْبَعِهِ الوسطى وَيُلْقِمُ كفَّهُ الْيُسْرَى رُكَبتهُ".

ص: 236

عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَن مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ لِيَتَخَيّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]

- وَللنَّسَائِيِّ

(2)

: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ.

- وَلأَحْمَدَ

(3)

: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ التَّشهُّدَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمهُ النَّاسَ. [ضعيف]

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: الْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقلْ: التَّحِيّاتُ)، جمعُ تحيةٍ، ومعناها: البقاءُ، والدوامُ، أو العظمةُ، أو السلامةُ منَ الآفاتِ، أو كلُّ أنواعِ التعظيمِ (للَّهِ، وَالصَّلَوَات) قيلَ: الخمسُ أو ما هوَ أعمُّ منَ الفرضِ، أو النفلِ، أو العباداتِ كلِّها، أو الدعواأتِ أو الرحمةِ. وقيلَ: التحيَّاتُ: العباداتُ القوليةُ، والصلواتُ: العباداتُ الفعليةُ. (والطيباتُ) أي ما طابَ مِنَ الكلامِ وحَسُنَ أنْ يُثْنَى بهِ على اللَّهِ، أو ذكرُ اللَّهِ، أوِ الأقوالُ الصالحةُ، أوِ الأعمالُ الصالحةُ، أو ما هوَ أعمُّ منْ ذلكَ. وطيبُها كونُها كاملةً خالصةً عن الشوائبِ. والتحيَّاتُ مبتدأٌ خبرُها للَّهِ، والصلواتُ والطيباتُ عطفٌ عليهِ،

(1)

البخاري (رقم 831 و 835 و 1202 و 6230 و 6265 و 6328) و 7381)، ومسلم (رقم 55 و 56 و 57 و 58 و 59/ 402).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 968)، والترمذي (رقم 289)، والنسائي (2/ 239 - 241) و (3/ 40 و 41)، وابن ماجه (رقم 899)، وأحمد (1/ 382 و 413 و 427 - 428 و 431 و 439 و 440 و 464)، وأبو عوا نة (2/ 229 و 230)، والدارمي (1/ 308)، وابن خزيمة (1/ 348 - 349 رقم 703)، والدارقطني (1/ 350 رقم 4)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 138)، والبغوي في شرح السنة" (3/ 180 رقم 678)، والطيالسي (ص 33 رقم 249)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم 205) من طرق عنه

(2)

في "السنن"(3/ 40 رقم 1277).

(3)

في "المسند"(1/ 376) وإسناده ضعيف، وله علَّتان.

(الأولى): الانقطاع بين أبي عبيدة وأبيه ابن مسعود، فإنه لم يسمع منه كما يقول الترمذي وغيره.

(الثانية): ضعف خصيف الجزري. قال الحافظ في "التقريب"(1/ 224): صدوق سيء الحفظ خلط بأخره.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف. وقد ضعَّفه الألباني في "الإرواء"(رقم: 322).

ص: 237

وخبرُهما محذوفٌ، وفيهِ تقاديرُ أُخَرُ. (السَّلَامُ) أي: السلامُ الذي [يعرفه]

(1)

كلُّ أحدٍ. (عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) خصُّوهُ صلى الله عليه وسلم أولًا بالسلامِ عليهِ لعظمِ حقِّهِ عليْهمْ، وقدموهُ على التسليمِ على أنفسِهم لذلكَ، ثم أتبعوهُ بالسلامِ عليهمْ في قولِهمْ:(السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ). وقد وردَ أنهُ يشملُ كلَّ عبدٍ صالحٍ في السماءِ والأرضِ، وفُسِّرَ الصالحُ بأنهُ القائمُ بحقوقِ اللَّهِ وحقوقِ عبادِه، ودرجاتُهم متفاوتةٌ. (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ) لا مستحقَّ للعبادةِ بحقٍّ غيرُهُ؛ فهوَ قصرُ إفرادٍ لأنَّ المشركينَ كانُوا يعبدونهُ ويشركونَ معهُ غيرَهُ. (وَأَشْهَدُ أَن مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) هكذَا هو بلفظِ عبدِهِ ورسولِهِ في جميعِ رواياتِ الأمهاتِ الستِّ. ووهمَ ابنُ الأثيرِ في جامعِ الأصولِ

(2)

فساقَ حديثَ ابن مسعودٍ بلفظِ: "وأنَّ محمدًا رسولُ اللَّهِ" ونسبَهُ إلى الشيخينِ وغيرِهما، وتبعهُ على وهْمِهِ صاحبُ تيسيرِ الوصولِ

(3)

، وتبعَهُمَا على الوهمِ الجلالُ في ضوءِ النهارِ

(4)

، وزادَ أنهُ لفظُ البخاريِّ، ولفظُ البخاريِّ كما قالهُ المصنفُ فتنبَّه، (ثمَّ لِيَتَخَيّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَاريِّ).

قالَ البزارُ

(5)

: "أصحُّ حديثٍ عندي في التشهد حديثُ ابن مسعودٍ، يُرْوَى عنهُ منْ نيفٍ وعشرينَ طريقًا، ولا نعلمُ رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التشهدِ أثبتُ منهُ، ولا أصحُّ إسنادًا، ولا أثبتَ رجالًا، ولا أشدَّ تضافرًا بكثرةِ الأسانيدِ والطرقِ. وقالَ مسلمٌ: إنَّما أجمع الناسُ على تشهدِ ابن مسعودٍ لأنَّ أصحابَهُ لا يخالفُ بعضُهم بعضًا، وغيرهُ قدِ اختلفَ عنهُ أصحابهُ. وقالَ محمدُ بنُ يحيى الذهلي: هوَ أصح ما رُوِيَ في التشهدِ". وقدْ رَوَى حديثَ التشهدِ أربعةٌ وعشرونَ صحابيًا بألفاظٍ مختلفةٍ، اختارَ الجماهيرُ منْها حديثَ ابن مسعودٍ. والحديثُ فيهِ دلالةٌ على وجوبِ التشهدِ لقولهِ:"فليقلْ"، وقدْ ذهبَ إلى وجوبهِ أئمةٌ منَ الآلِ وغيرُهم منَ العلماءِ. وقالتْ طائفةٌ: إنهُ غيرُ واجبٍ لعدمِ تعليمهِ صلى الله عليه وسلم المسيءَ صلاتِهِ. ثمَّ اختلفُوا في الألفاظِ التي تجبُ عندَ مَنْ أَوْجَبَهُ أوْ عندَ مَنْ قالَ إنهُ سنةٌ. وقدْ سمعتَ [أرجحية]

(6)

حديثٍ ابن مسعودٍ، وقدِ اختارهُ الأكثرُ فهوَ الأرجحُ. وقدْ

(1)

في (ب): "يعرف".

(2)

(5/ 396).

(3)

(2/ 288) ط: دار الفكر.

(4)

(1/ 508).

(5)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 264).

(6)

في (أ): "راجحية".

ص: 238

رجَّحَ جماعةٌ غيرَهُ منْ ألفاظِ التشهدِ الواردةِ عن الصحابةِ. وزادَ ابنُ أبي شيبةَ

(1)

قولَ: "وحدَهُ لا شريكَ لهُ" في حديث ابن مسعودٍ منْ روايةٍ أبي عبيدةَ عنْ أبيه، وسندُهُ ضعيفٌ. لكنْ ثبتتْ هذهِ الزيادةُ منْ [حديث]

(2)

أبي موسى عندَ مسلمٍ

(3)

. وفي حديثٍ عائشةَ الموقوفِ في الموطأِ

(4)

، وفي حديثٍ ابن عمرَ عندَ الدارقطنيِّ

(5)

إلَّا أنهُ بسندٍ ضعيفٍ. وفي سننِ أبي داودَ

(6)

: "قالَ ابنُ عمرَ: زدت فيهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ". وظاهرُه أنهُ موقوفٌ على ابن عمرَ وقولُهُ: "ثمَّ ليتخيْر منَ الدعاءِ [أعجبَه]

(7)

"، زادَ أبو داودَ

(8)

: فيدعُو بهِ. ونحوُه للنسائي منْ وجهٍ آخر

(9)

بلفظِ: فليدعُ. وظاهرُه الوجوبُ أيضًا للأمرِ بهِ، وأنهُ يدعُو بما شاءَ منْ خير الدنيا والآخرةِ. وقدْ ذهبَ إلى وجوبِ الاستعاذةِ الآتيةِ طاوسُ فإنهُ أمرَ ابنَهُ بالإعادةِ للصلاةِ لمَّا لمْ يَتَعَوَّذْ منَ الأربعِ الآتي ذكرُها، وبهِ قالَ بعضُ الظاهريةِ. وقالَ ابنُ حزمٍ

(10)

: ويجبُ أيضًا في التشهدِ الأولِ، والظاهرُ معَ القائلِ بالوجوبِ.

‌ما يدعو به بعد التشهد

وذهبَ الحنفيةُ، والنخعيُّ، وطاوسُ إلى أنهُ لا يدعُو في الصلاةِ إلَّا بما يوجدُ في القرآنِ. وقالَ بعضُهم: لا يدعُو إلَّا بما كانَ مأثورًا. ويردُّ القولينِ قولُهُ صلى الله عليه وسلم: "ثمَّ ليتخيرْ منَ الدعاءِ أعجبَهُ"، وفي لفظٍ:"ما أحبَّ"، وفي لفظٍ

(1)

عزاه إليه ابن حجر في "الفتح"(2/ 315).

(2)

في (أ): "من رواية".

(3)

في "صحيحه"(رقم 404) بدون هذه الزيادة. مع أن ابن حجر في "الفتح"(2/ 315) نسب هذه الزيادة لمسلم.

قلت: وقد أخرج هذه الزيادة النسائي (2/ 242 رقم 1173)، وأبو داود (رقم 973) وهو حديث صحيح.

(4)

(1/ 91، - 92 رقم 56)، وإسناده صحيح. وهو موقوف حكمه حكم الرفع. لأن مثله لا يقال بالرأي.

(5)

في "السنن"(1/ 351 رقم 7) وقال: موسى بن عبيدة وخارجة ضعيفان.

(6)

(1/ 593 - 594 رقم 971). وهو حديث صحيح.

(7)

في (أ): "ما أعجبه".

(8)

في "السنن"(1/ 591 - 592 رقم 968) وقد تقدم.

(9)

في "السنن"(2/ 238 رقم 1163).

(10)

في "المحلى بالآثار"(2/ 300).

ص: 239

للبخاريِّ: "منَ الثناءِ ما شاءَ"؛ فهوَ إطلاقٌ للداعي أنْ يدعوَ بما أرادَ. وقالَ ابنُ سيرينَ: لا يدعُو في الصلاة إلَّا بأمر الآخرةِ. وقدْ أخرجَ سعيدُ بنُ منصورٍ

(1)

منْ حديثٍ ابن مسعودٍ: "فَعَلَّمَنَا [التشهدَ في الصلاةِ، أي النبيُّ صلى الله عليه وسلم]

(2)

ثمَّ يقولُ: إذا فرغَ أحدُكم منَ التشهدِ فليقلْ: اللهمَّ إني أسألكَ منَ الخيرِ كلِّه ما علمتُ منه وما لمْ أعلمُ، وأعوذُ بكَ من الشرِّ كلِّه ما علمتُ منهُ وما لمْ أعلمْ، اللَّهم إني أسألكَ من خيرِ ما سألكَ منهُ عبادكَ الصالحونَ، وأعوذُ بكَ منْ شرِّ ما استعاذَكَ منهُ عبادَكَ الصالحونَ. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً}

(3)

الآيةَ.

‌الأدلة على وجوب التشهد

ومنْ أدلةِ وجوب التشهدِ ما أفادَهُ قولُهُ: (وَلِلنَّسَائِيَ) أي: منْ حديث ابن مسعودٍ: (كنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ) حذفَ المصنفُ تمامهُ وهوَ: "السلامُ على اللَّهِ، السلامُ على جبريلَ وميكائيلَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا تقولُوا هَذا ولكنْ قولُوا التحيَّاتُ [لله]

(4)

إلى آخرهِ"، ففي قولهِ يفرضُ عليه دليل على الإيجابِ، إلَّا أنهُ أخرجَ النسائيُّ

(5)

هذَا الحديثَ منْ طريقِ ابن عيينةَ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ في الاستذكارِ: تفردَ ابنُ عيينةَ بذلكَ. وأخرجَ مثلَهُ الدارقطنيُّ

(6)

، والبيهقيُّ

(7)

، وصحَّحاهُ. (وَلأَحْمَدَ) أي منْ حديثٍ ابن مسعودٍ وهوَ منْ أدلةِ الوجوب أيضًا:(أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ التَّشهُّدَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمهُ النَّاسَ)، أخرجهُ أحمدُ

(8)

عن أبي عبيدةَ عنْ عبدِ اللَّهِ قالَ: "علمهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التشهدَ وأمرهُ أن يعلمهُ الناسَ التحياتُ [لله]

(9)

وذكرَهُ إلخ".

(1)

عزاه إليه ابن حجر في "الفتح"(2/ 321).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 296 - 297).

(2)

في (أ): "النبي صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة".

(3)

سورة البقرة: الآية 201.

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في "السنن"(2/ 239).

(6)

في "السنن"(1/ 350 رقم 4) وقال: هذا إسناد صحيح.

(7)

في "السنن الكبرى"(2/ 138) وقال: قال علي - أي الدارقطني -: هذا إسناد صحيح.

وهو حديث صحيح. وقد صححه الألباني في "الإرواء" رقم (319).

(8)

في "المسند"(1/ 376)، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم.

(9)

زيادة من (أ).

ص: 240

‌تشهُّد ابن عباس

47/ 298 - وَلِمُسْلِمٍ

(1)

عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ: "التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ للَّهِ - إِلَى آخِرِهِ". [صحيح]

(وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ للَّهِ

إلخ) تمامهُ: "السلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُهُ، السلامُ علينا وعلى عبادِ اللَّهِ الصالحينَ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، وأشهدُ أن محمدًا رسولُ اللَّهِ". هذا لفظُ مسلمٍ، وأبي داودَ

(2)

. ورواهُ الترمذيُّ

(3)

وصحَّحهُ كذلكَ، لكنهُ ذكرَ السلامَ منكرًا. ورواهُ ابنُ ماجه

(4)

كمسلمٍ لكنهُ قالَ: "وأَشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ". ورواهُ الشافعيُّ

(5)

، وأحمدُ

(6)

بتنكيرِ السلامِ أيضًا، وقالا فيهِ: "وأنَّ محمدًا [عبده ورسوله]

(7)

. ولمْ يذكرْ أشهدُ، وفيهِ زيادةُ المباركاتِ، وحذفَ الواوَ منَ الصلواتِ ومن الطيباتِ. وقدِ اختارَ الشافعيُّ تشهُّدَ ابن عباسٍ هذَا، قالَ المصنفُ

(8)

: إنهُ قالَ الشافعيُّ لما قيلَ لهُ كيفَ صرتَ إلى حديثٍ ابن عباسٍ في التشهدِ؟ قالَ: لما رأيتُهُ واسعًا، وسمعتُهُ عن ابن عباسٍ صحيحًا كانَ عندي أجمعَ وأكثرَ لفظًا منْ غيرِه، فأخذتُ بهِ غيرَ معنِّفٍ لمنْ [أخذ]

(9)

بغيرِه مما صحَّ.

‌وجوب التحميد والثناء والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

-

48/ 299 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِع رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا

(1)

في "صحيحه"(رقم 60/ 403).

(2)

في "السنن"(1/ 596 رقم 974).

(3)

في "السنن"(2/ 83 رقم 290)، وقال: حديث حسن غريب صحيح.

(4)

في "السنن"(1/ 291 رقم 900).

(5)

في "ترتيب المسند"(1/ 97 رقم 276) وفي "الأم"(1/ 140).

(6)

في "المسند"(1/ 292).

قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 350 رقم 2)، والبيهقي (2/ 140).

(7)

زيادة من (أ).

(8)

في "فتح الباري"(2/ 316).

(9)

في (ب): "يأخذ".

ص: 241

يَدْعُو في صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"عَجِلَ هذَا" ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ:"إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاء عَلَيهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَالثَّلَاثَةُ

(2)

، وَصَحّحَهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

، وَابْنُ حِبَّانَ

(4)

، وَالْحَاكِمُ

(5)

. [حسن]

‌ترجمة فضالة بن عبيد

(وَعَنْ فَضَالَة)

(6)

بفتحِ الفاءِ بزنةِ سحابةَ، هوَ أبو محمد فضالةُ (ابْنِ عُبَيْدٍ) بصيغةِ التصغيرِ لعبدٍ، أنصاري أوسيٍّ، أولُ مشاهدِه أُحُدٌ، ثمَّ شهدَ ما بعدَها، وبايعَ تحتَ الشجرةِ، ثمَ انتقلَ إلى الشامِ، وسكنَ دمشقَ، وتولَّى القضاءَ بها، وماتَ بها، وقيلَ غيرُ ذلكَ. (قَالَ: سَمِعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو في صَلَاتِهِ وَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عَجِلَ هذَا) أي بدعائهِ قبلَ تقديمِ أمرينِ، (ثُمَّ دَعَاهُ فقَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكمْ فَلْيَبْدَأ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ) هوَ عطفٌ تفسيريّ، ويحتملُ أنْ يرادَ بالتحميدِ نفسهِ وبالثناءِ مَا هوَ أعمُّ [بأي]

(7)

عبارةِ، فيكونُ منْ عطفِ العامِ على الخاصِّ، (ثُمَّ يُصَلِّي) هوَ خبر، أي ثمَّ هوَ يصلِّي عطفَ جملةً على جملةٍ، فلِذَا لم تجزمْ، (عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ) من خيرِ الدنيا

(1)

في "المسند"(6/ 18).

(2)

وهم: أبو داود (رقم 1481)، والترمذي (رقم 3477) وقال: حسن صحيح، والنسائي (3/ 44 رقم 1284).

(3)

في "السنن"(5/ 517).

(4)

في "الإحسان"(3/ 208 رقم 1957).

(5)

في "المستدرك"(1/ 230 و 268) وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي. وفي السند أبو هانئ واسمه حميد بن هانئ قال في "التقريب" (1/ 204 رقم 614): لا بأس به. فهو حسن الإسناد فقط.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(6)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(7/ 124) و"المعرفة والتاريخ"(1/ 341)، و"أخبار القضاة"(3/ 200)، و"الجرح والتعديل"(7/ 77)، و"المستدرك"(3/ 473)، و"الحلية"(2/ 17)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 50 رقم 53)، و"تهذيب التهذيب"(8/ 241 رقم 499)، و"الإصابة"(8/ 97 رقم 6986).

(7)

في (ب): "أي".

ص: 242

والآخرةِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالثَّلَاثَةُ، وَصَحّحَهُ التِّزْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ).

الحديثُ دليلٌ على وجوبِ ما ذُكِرَ منَ التحميدِ والثناءِ والصلاةِ عليه صلى الله عليه وسلم، والدعاءِ بما شاءَ، وهوَ موافقٌ في المعنى لحديثِ ابن مسعودٍ وغيرِه؛ فإنَّ أحاديثَ التشهدِ تتضمنُ ما ذكرَ منَ الحمدِ والثناءِ وهي مبيِّنةٌ لما أجملَهُ هذا، ويأتي الكلامُ في الصلاةِ عليهِ صلى الله عليه وسلم. وهذَا إذا ثبتَ أن هذَا الدعاءَ الذي سمعهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم منَ ذلكَ الرجلِ كانَ في قعدةِ التشهدِ، وإلَّا فليسَ في هذَا الحديثِ دليلٌ على أنهُ كانَ ذلكَ حالَ قعدةِ التشهدِ إلَّا أن ذكرَ المصنف لهُ هُنَا يدلُّ على أنهُ كانَ في قعودِ التشهدِ وكأنهُ عرفَ ذلكَ منْ سياقهِ، وفيهِ دليلٌ على تقديمِ الوسائلِ بينَ يدي المسائلِ، و [هو]

(1)

نظيرُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، حيثُ قدَّمَ الوسيلةَ وهي العبادةُ على طلب الاستعانةِ.

‌وجوب الصلاة والسلام على النبي وآله في الصلاة

49/ 300 - وَعَنْ أَبي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قالَ:"قُولُوا اللَّهُمّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَالسّلَامُ كَمَا عَلِمْتُمْ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. وَزَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(3)

فِيهِ: فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا؟ [صحيح]

‌ترجمة أبي مسعود الأنصاري

(وَعَنْ أَبي مَسْعُودٍ)

(4)

الأنصاريِّ. أبو مسعودٍ اسمهُ عقبةُ بنُ

(1)

في (ب): "هي".

(2)

في "صحيحه"(1/ 305 رقم 65/ 405).

قلت: وأخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 165 - 166 رقم 67)، وأبو داود (رقم 980 و 981)، والترمذي (رقم 3220)، والنسائي (3/ 45 - 46 رقم 1285)، وفي "عمل اليوم والليلة"(رقم 48).

(3)

في "صحيحه"(1/ 351 - 352 رقم 711) بإسناد حسن.

(4)

انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(4/ 118 - 126) و (5/ 272 - 275)، و"طبقات=

ص: 243

[عمروِ]

(1)

بنُ ثعلبةَ الأنصاري الخزرجيِّ البدريِّ، شهدَ العقبةَ الثانيةَ وهوَ صغيرٌ، ولمْ يشهدْ بدرًا وإنما نزلَ بهِ فنسبَ إليهِ. سكنَ الكوفةَ وماتَ بها في خلافةِ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ عليه السلام (قَالَ: قَالَ بَشَيرُ بْنُ سَعْدٍ)

(2)

.

‌ترجمة بشير بن سعد الأنصاري

هوَ أبو النعمانِ بشيرُ بنُ سعد بن ثعلبةَ الأنصاريِّ الخزرجيِّ والدُ النعمانِ بن بشيرٍ، شهدَ العقبةَ وما بعدَها (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عليك) يريدُ في قولِهِ تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

(3)

، (فَكَيْفَ نُصَلِّيِ عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ) أي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وعندَ أحمدَ

(4)

ومسلمٍ

(5)

زيادةٌ: "حتَّى تمنيْنَا أنهُ لمْ يسأَلْهُ"، (ثُمَّ قالَ: قُولُوا: اللَّهُمّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَي مُحَمَّدٍ وَعَلَي آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ في الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ). الحميدُ صيغةُ مبالغةٍ فعيلٌ بمعنى مفعولٍ، يستوي فيهِ المذكرُ والمؤنثُ، أي: إنكَ محمودٌ بمحامدِكَ اللائقهِ بعظمةِ شأنكَ، وهوَ تعليلٌ لطلبِ الصلاةِ، أي: لأنكَ محمودٌ ومنْ محامدِكَ إفاضتُكَ أنواعَ العناياتِ وزيادةِ البركاتِ على نبيِّكَ الذي تقربَ إليكَ بامتثالِ ما أهَّلْتَهُ لهُ من أداءِ الرسالةِ، ويحتملُ أنَّ حميدًا بمعنَى حامدٍ، أي: إنكِ حامدٌ مَنْ يستحقُّ أنْ يُحْمَدَ، ومحمدٌ منْ أحقِّ عبادكَ بحمدِكَ، وقَبولِ دعاءِ مَنْ يدعو لهُ ولآلهِ، وهذَا أنسبُ بالمقامِ. (مجيدٌ) مبالغةُ ماجدِ، والمجدُ الشرفُ (وَالسّلَامُ كَمَا عَلِمْتُمْ) بالبناءِ للمجهولِ وتشديدِ اللامِ، وفيهِ روايةٌ بالبناءِ للمعلومِ، وتخفيف اللَّامِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَزَادَ ابْنُ خزَيْمَةَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا؟) وهذهِ الزيادةُ رَوَاهَا أيضًا ابنُ حبانَ

(6)

، والدارقطنيُّ

(7)

،

= ابن سعد" (6/ 16)، و"التاريخ الكبير" (6/ 429 رقم 2884)، و"الجرح والتعديل" (6/ 313 رقم 1740)، و"تهذيب التهذيب" (7/ 220 - 221 رقم 447)، و"الإصابة" (7/ 24 - 25 رقم 5599)، و"الاستيعاب" (8/ 102 - 103 رقم 1827).

(1)

في المطبوع "عامر" والتصويب من مصادر الترجمة المتقدمة.

(2)

انظر ترجمته في: "الإصابة"(1/ 262 رقم 691)، و"الاستيعاب"(2/ 12 رقم 193).

(3)

سورة الأحزاب: الآية 56.

(4)

في "المسند"(5/ 273 - 274).

(5)

في "صحيحه" رقم (65/ 405) كما تقدم.

(6)

في "الإحسان"(3/ 207 رقم 1956).

(7)

في "السنن"(1/ 354 - 355 رقم 2).

ص: 244

والحاكمُ

(1)

. وأخرجَها أبو حاتمٍ

(2)

، وابنُ خزيمةُ

(3)

، في صحيحيْهما. وحديثُ الصلاةِ أخرجهُ الشيخانِ

(4)

عنْ كعبِ بن عُجْرَةَ، عنْ أبي حُمَيْدٍ الساعديِّ

(5)

. وأخرجهُ البخاريُّ

(6)

عنْ أبي سعيدٍ، والنسائيّ

(7)

عنْ طلحةَ، والطبرانيُّ

(8)

عنْ سهلِ بن سعدٍ، وأحمدُ

(9)

والنسائيُّ

(10)

عنْ زيدِ بن خارجةَ.

والحديثُ دليلٌ على وجوبِ الصلاةِ عليهِ صلى الله عليه وسلم في الصلاةِ لظاهرِ الأمرِ؛ (أعني) قولُوا، وإلى هذا ذهبَ جماعةٌ منَ السلفِ، والأئمةُ، والشافعيُّ، وإسحاقُ. ودليلُهم الحديثُ معَ زيادتهِ الثابتةِ، ويقتضي أيضًا وجوبَ الصلاةِ على الآلِ، وهوَ قولُ الهادي، والقاسمِ، وأحمدَ بن حنبلٍ. ولا عذرَ لمنْ قالَ بوجوبِ الصلاةِ عليهِ صلى الله عليه وسلم مستدلًا بهذَا الحديث منَ القولِ بوجوبِها على الآلِ؛ إذِ المأمورُ بهِ واحدٌ، ودعوى النوويِّ وغيرهِ الإجماع على أن الصلاةَ على الآلِ مندوبةٌ غيرُ مسلَّمةٍ

(11)

، بلْ نقولُ الصلاةُ عليهِ صلى الله عليه وسلم لا تتمُّ ويكونُ العبدُ ممتثلًا بها حتَّى يأتي بهذا اللفظِ النبويِّ الذي فيهِ ذكرُ الآلِ لأنهُ قالَ السائلُ:"كيفَ نصلي عليكَ؟ "، فأجابهُ بالكيفيةِ إنَّها الصلاةُ عليهِ وعلى آلهِ، فمنْ لم يأتِ بالآلِ فما صلَّى عليهِ بالكيفيةِ التي أمرَ بها، فلا يكونُ ممتثلًا للأمرِ، فلا يكونُ مصليًا عليهِ صلى الله عليه وسلم،

(1)

في "المستدرك"(1/ 268).

(2)

في "الإحسان"(رقم 1956) وقد تقدم.

(3)

في "صحيحه"(رقم 711) وقد تقدم.

(4)

البخاري (رقم 4797)، ومسلم (رقم 406).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 976)، والترمذي (رقم 483)، والنسائي (3/ 47 - 48)، وابن ماجه (رقم 904)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 190 رقم 681).

(5)

أخرجه البخاري (رقم 6360)، ومسلم (رقم 69/ 407)، ومالك في "الموطأ"(1/ 165 رقم 66)، وأبو داود (رقم 979)، والنسائي (3/ 49 رقم 1294)، وابن ماجه (رقم 905).

(6)

في "صحيحه"(11/ 152 رقم 6358).

قلت: وأخرجه النسائي (3/ 49 رقم 1293).

(7)

في "السنن"(3/ 48 رقم 1290 و 1291)، وهو حديث حسن.

(8)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 263).

(9)

في "المسند"(1/ 199).

(10)

في "السنن"(3/ 48 - 49 رقم 1292) وإسناده حسن.

(11)

قال النووي في "المجموع"(3/ 465): " .. وفي وجوبها - أي الصلاة - على الآل وجهان، وحكاهما إمام الحرمين والغزالي قولين، والمشهور وجهان "الصحيح" المنصوص وبه قطع جمهور الأصحاب أنها لا تجب. والثاني تجب .. ".

ص: 245

وكذلكَ بقيةُ الحديثِ منْ قولهِ: "كما صليتَ إلى آخرهِ" يجبُ إذْ هوَ منَ الكيفيةِ المأمورِ بهَا، ومَنْ فَرَّقَ بينَ ألفاظِ هذهِ الكيفيةِ بإيجاب بعضِها وندبِ بعضِها فلا دليلَ لهُ على ذلكَ. وأما استدلالُ المهديِّ في البحر

(1)

[للمخالف]

(2)

على أن الصلاةَ على الآلِ سنةٌ بالقياسِ على الأذانِ فإنَّهم لم يذكرُوا معهُ صلى الله عليه وسلم فيهِ فكلامٌ باطلٌ، فإنهُ كما قيلَ لا قياسَ معَ النصِّ [ولأنه لم]

(3)

يذكرِ الآلَ في تشهدِ الأذانِ لا ندبًا ولا وجوبًا؛ ولأنهُ ليسَ في الأذانِ دعاءٌ لهُ صلى الله عليه وسلم، بلْ شهادةٌ بأنهُ رسولُ اللَّهِ، والآلُ لم يأتِ تعبدٌ بالشهادةِ بأنَّهم آلهُ. ومنْ هنَا تعلمُ أن حذفَ لفظِ الآلِ منَ الصلاةِ كما يقعُ في كتبِ الحديثِ ليسَ على ما ينبغي، وكنتُ سُئِلْتُ عتهُ قديمًا فأجبتُ [بأنه]

(4)

قدْ صحَّ عندَ أهلِ الحديثِ بلا ريبٍ كيفيةُ الصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهمْ رواتُها وكأنَّهم حذفُوها خطأ تقيةً لما كانَ في الدولةِ الأمويةِ مَنْ يكرهُ ذكرَهم، ثمَّ استمرَّ عليهِ عملُ الناسِ متابعةً من الآخرِ للأوَّلِ، [وإلا فلا]

(5)

وجهَ لهُ. وبسطتُ هذا الجوابَ في حواشي شرحِ العمدةِ بسطًا شافيًا

(6)

.

‌من هم آل النبي صلى الله عليه وسلم

-

وأمَّا مَنْ هُم الآلُ ففي ذلكَ أقوالٌ، الأصحُّ أنهمْ مَنْ حرِّمَتْ عليهمُ الزكاةُ، فإنهُ بذلكَ فسَّرهمْ زيدُ بن أرقمَ، والصحابيُّ أعرفُ بمرادِه صلى الله عليه وسلم، فتفسيرُه قرينةٌ على تعيينِ المرادِ منَ اللفظِ المشتركِ. وقد فسَّرهمْ بآلِ عليٍّ، وآلِ جعفرَ، وآلِ عقيلٍ، وآلِ العباسِ. فإنْ قيلَ يحتملُ أنْ يرادَ بقولهِ:"إذا نحنُ صلينا عليكَ في صلاتنا"، أي: إذا فحنُ دعونا لكَ في دعائِنا، فلا يدلُّ على إيجابِ الصلاةِ عليهِ في الصلاةِ، (قلتُ): الجوابُ منْ وجهينِ، الأولِ: المتبادرِ في لسانِ الصحابةِ منَ الصلاةِ في قولهِ صلاتُنا الشرعيةُ لا اللغويةُ، والحقيقةُ العرفيةُ مقدمةٌ إذا تردَّدتْ بينَ المعنيينِ. الثاني: أنهُ قد ثبتَ وجوبُ الدعاءِ في آخرِ التشهدِ كما عرفتَ منَ الأمرِ

(1)

(1/ 277).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في (ب): "لأنه لا".

(4)

في (ب): "أنهُ".

(5)

في (ب): "فلا".

(6)

(3/ 22).

ص: 246

بهِ، والصلاةُ عليهِ صلى الله عليه وسلم قبلَ الدعاءِ واجبةٌ لما عرفتَ منْ حديثٍ فضالةَ

(1)

، وبهذَا يتمُّ إيجابُ الصلاةِ عليهِ بعدَ التشهدِ قبلَ الدعاءِ الدالِّ على وجوبهِ.

‌يتعوَّذ من أربع بعد التشهد

50/ 301 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلَيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذّابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمَنِ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

وَفي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ

(3)

: "إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ". [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ) مطلقٌ في التشهدِ الأوسطِ والأخيرِ، (فَلَيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ) بَيَّنَها بقولهِ:(يَقُولُ: اللَّهُمّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمَنِ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ)، هذه الروايةُ قيَّدتْ إطلاقُ الأولى، وأبانتْ أن الاستعاذةَ المأمورَ بها بعدَ التشهدِ الأخيرِ. ويدلُّ التعقيبُ بالفاءِ أنَّها تكونُ قبلَ الدعاءِ المخيَّرِ فيهِ بما شاءَ.

والحديثُ دليلٌ على وجوبِ الاستعاذةِ مما ذكرَ، وهوَ مذهبُ الظاهرية. وقالَ ابنُ حزمٍ منْهم: ويجبُ أيضًا في التشهدِ الأولِ عملًا منهُ بإطلاقِ اللفظِ المتفقِ عليهِ، وأمرِ طاوسَ ابنَه بإعادةِ الصلاةِ لمَّا لمْ يستعذْ فيها، [فكأنه]

(4)

يقولُ بالوجوبِ وبطلانِ الصلاةِ منْ ترْكها. والجمهورُ حملُوهُ على الندبِ.

(1)

تقدم رقم (48/ 299).

(2)

البخاري (رقم 1377)، ومسلم (رقم 128/ 588).

(3)

في "صحيحه"(1/ 412 رقم 130/ 588).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 237)، والدارمي (1/ 310)، وأبو داود (رقم 983)، والنسائي (رقم 1310)، وابن ماجه (رقم 909)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 207)، والبيهقي (2/ 154).

(4)

في (ب): "فإنه".

ص: 247

‌ما يُستفاد من حديث أبي هريرة

وفيه [دلالةٌ]

(1)

على ثبوتِ عذابِ القبرِ، والمرادُ منْ فتنةِ المحيا ما يعرضُ للإنسانِ مدةَ حياتِه منَ الافتتانِ بالدنيا، والشهواتِ، والجهالاتِ، وأعظمُهها والعياذُ باللَّهِ أمرُ الخاتمةِ عندَ الموتِ. وقيلَ هيَ الابتلاءُ معَ عدمِ الصبرِ. وفتنةُ المماتِ قيل: المرادُ بها الفتنةُ عندَ الموتِ أضيفتْ إليهِ لقربها منهُ، ويجوزُ أنْ يرادَ بها فتنةَ القبرِ، وقيلَ أرادَ بها السؤالَ معَ الحيرةِ. وقدْ أخرجَ البخاريُّ

(2)

: "إنكمْ تُفْتَنُونَ في قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قريبًا منْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ". ولا يكونُ هذا تكريرٌ لعذابِ القبرِ لأنَّ عذابَ القبرِ متفرعٌ على ذلكَ. وقولُهُ: "فتنةِ [المسيحِ]

(3)

الدجالِ"، قالَ [العلماء]

(4)

أهلُ اللغةِ: الفتنةُ الامتحانُ والاختبارُ، وقدْ يطلقُ على القتلِ، والإحراقِ، والتهمةِ، وغيرِ ذلكَ. والمسيحُ بفتحِ الميمِ وتخفيفِ السينِ المهملةِ، وآخِرَهُ حاءٌ مهملةٌ، وفيهِ ضبطٌ آخرَ، وهذَا الأصحُّ. ويطلقُ على الدجالِ وعلى عِيْسى، ولكنْ إذا أريدَ بهِ الدجالُ قُيِّدَ باسمهِ، [سُمِّيَ]

(5)

المسيحُ لمسحهِ الأرضَ، وقيلَ لأنهُ ممسوحُ العينِ. وأما عيْسى عليه السلام فقيلَ لهُ المسيحُ لأنهُ خرجَ منْ بطنِ أمِّهِ ممسوحًا بالدهنِ، وقيلَ لأنَّ زكريا مسحهُ، وقيلَ لأنهُ كانَ لا يمسحُ ذا عاهةٍ إلَّا بَرِئَ، وذكرَ صاحبُ القاموسِ

(6)

أنهُ جمعَ في وجهِ تسميتهِ بذلكَ خمسينَ قولًا.

‌ما كان يدعو به أبو بكر الصديق في الصلاة

51/ 302 - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْني دُعاءً أَدْعُو بهِ في صَلَاتي، قَالَ قُلْ:"اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفِسي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةَ مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْني، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفورُ الرَّحِيمُ"، مُتَّفَق عَلَيْهِ

(7)

. [صحيح]

(1)

في (أ): "دليل".

(2)

في "صحيحه"(رقم: 86 - البغا).

قلت: وأخرجه مسلم (رقم 11/ 905) من حديث أسماء.

(3)

زيادة من (ب).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في (أ): "يسمى".

(6)

(308 - 309).

(7)

البخاري (رقم 834) ومسلم (رقم 48/ 2705). =

ص: 248

(وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: علِّمْني دُعَاءً أَدْعُو بهِ في صَلَاتي، قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفِسي ظُلْمًا كَثِيرًا)، يُرْوَى بالمثلثةِ، وبالموحدةِ، فيخيرُ الداعي بينَ اللفظينِ، ولا يجمعُ بينَهما لأنهُ لمْ يردْ إلَّا أحُدهما. (وَلَا يَغِفْرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) إقرارٌ بالوحدانيةِ، (فَاغْفِرْ لِي) استجلابٌ للمغفرةِ، (مَغْفِرَةً) نكَّرَها للتعظيمِ، أي: مغفرةً عظيمةً وزادَها تعظيمًا بوصفِها بقولهِ: (مِنْ عِنْدِكَ)، لأنَّ ما يكونُ منْ عندهِ تعالى لا تحيطُ بوصفهِ عبارةٌ، (وَارْحَمْني إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفورُ الرَّحِيمُ) توسلٌ إلى نيلِ مغفرةِ اللَّهِ ورحمتهِ بصفتيْ غفرانهِ ورحمتهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

‌ما يُستفاد من حديث أبي بكر

الحديثُ دليلٌ على شرْعيةِ الدعاءِ في الصلاةِ على الإطلاقِ منْ غيرِ تعيينِ محلِّ لهُ، ومنْ محلاتهِ بعدَ التشهدِ والصلاةِ عليهِ صلى الله عليه وسلم والاستعاذةِ لقولهِ:"فليتخيرْ منَ الدعاءِ ما شاءَ". والإقرارُ [بظلم]

(1)

نفسهِ اعترافٌ بأنهُ لا يخلُو [أحد]

(2)

البشرِ عن [ظلم]

(3)

نفسهِ بارتكابهِ ما نُهيَ عنهُ أو تقصيرِه عنْ أداءِ ما أُمِرَ بهِ. وفيهِ التوسلُ إلى اللَّهِ تعالى بأسمائهِ عندَ طلبِ الحاجاتِ، واستدفاعِ المكروهاتِ، وأنهُ يأتي منْ صفاتهِ في كلِّ مقامٍ ما يناسبُه، كلفظِ الغفورِ الرحيمِ عندَ طلبِ المغفرةِ، ونحوِ:{وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} عندَ طلبِ الرزقِ. والقرآنُ والأدعيةُ النبويةِ مملوءةٌ بذلكَ.

وفي الحديثِ دليلٌ على طلب التعليمِ منَ العالمِ سيَّما في الدعواتِ المطلوبِ فيها جوامعُ الكلمُ. واعلمْ أَنهُ قدْ وردَ في الدعاءِ بعدَ التشهدِ ألفاظٌ غيرُ ما ذكِرَ. أخرجَ النسائيُّ

(4)

عنْ جابرٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ في صلاتهِ بعدَ التشهدِ: أَحْسَنُ الكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وأَحْسَنُ الهدي هَدْيُ مُحمدٍ". وأخرجَ أبو داودَ

(5)

عن

= قلت: وأخرجه النسائي (3/ 35 رقم 1302)، وفي "عمل اليوم والليلة" (رقم: 179)، والترمذي (رقم 3531)، وابن ماجه (رقم 3835)، وأحمد (1/ 4، 7)، والبيهقي (2/ 154)، وابن خزيمة (2/ 29 رقم 846)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 202 رقم 694)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم: 159).

(1)

في (أ): "بظلمه".

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (أ): "ظلمه".

(4)

في "السنن"(3/ 58 رقم 1311)، بإسناد صحيح.

(5)

في "السنن"(1/ 592 رقم 969)، وهو حديث ضعيف.

ص: 249

ابن مسعودٍ "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يعلِّمُهُمْ منَ الدعاءِ بعدَ التشهدِ اللهمَّ أَلِّفْ على الخيرِ بينَ قلوبِنَا، وأصلحْ ذاتَ بَيْنِنَا، واهدِنَا سُبُلَ السلامِ، ونجِّنا منَ الظلماتِ إلى النورِ، وجنِّبنا الفواحشَ والفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ، وباركْ لنا في أسماعِنا، وأبصارِنا، وقلوبِنا، وأزواجِنا، وذرياتِنا، وتبْ علينا إنكَ أنتَ التوابُ الرحيمُ، واجعلْنا شاكرينَ لنعمتِكَ مثنينَ بها قابليْها وأتِمَّها علينا"، أخرجهُ أبو داودَ

(1)

. وأخرجَ أبو داودَ

(2)

أيضًا عنْ بعضِ الصحابةِ أنهُ صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: "كيفَ تقولُ في الصلاةِ؟ "، قالَ: أتشهَّدُ ثمَّ أقولُ: اللَّهمَّ إني أسألكَ الجنةَ، وأعوذُ بكَ منَ النارِ، أما إني لا أحسنُ دنْدنَتكَ ولا دندنةَ معاذٍ، فقالَ صلى الله عليه وسلم:"حولَ ذلكَ نُدَنْدِنُ أنا ومعاذٌ"، ففيهِ أنهُ يدعو الإنسانُ بأيِّ لفظٍ شاءَ منْ مأثورٍ وغيرِهِ.

‌وجوب التسليم على اليمين والشمال

52/ 303 - وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ:"السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ"، وَعَنْ شِمَالِهِ:"السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بإِسْنَادٍ صَحِيحٍ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ). هذا الحديثُ أخرجهُ أبو داودَ منْ حديثِ علقمةَ بن

(1)

في "السنن"(1/ 592 رقم 969)، وهو حديث ضعيف.

(2)

في "السنن"(1/ 501 رقم 792). وأخرجه أحمد في "المسند"(3/ 474) من الطريق نفسه.

وأخرجه ابن ماجه (رقم 910) و (رقم 3847)، وابن حبان في "الإحسان"(2/ 114 - 115 رقم 865) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة.

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 112 - 113): "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات" اهـ.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في "السنن"(رقم 997).

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 316)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 269)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 178)، وهو حديث صحيح. انظر:"الإرواء"(2/ 3431).

ص: 250

وائلٍ، عنْ أبيهِ ونسبهُ المصنفُ في التلخيصِ

(1)

إلى عبدِ الجبارِ بن وائلٍ، وقالَ: لمْ يسمعْ منْ أبيهِ فأعلَّه بالانقطاعِ، وهُنَا قالَ صحيحٌ. وراجعْنا سننَ أبي داودَ فرأيناهُ رواهُ عنْ علقمةَ بن وائلٍ، عنْ أبيهِ. وقدْ صحَّ سماعُ علقمةَ عنْ أبيهِ، فالحديثُ سالمٌ عن الانقطاعِ، فتصحيحهُ هنا هوَ الأَوْلى وإنْ خالفَ ما في التلخيصِ. وحديثُ التسليمتينِ رواهُ خمسةَ عشرَ من الصحابةِ

(2)

بأحاديثَ مختلفةٍ، ففيه

(1)

(1/ 271).

(2)

قلت: بل ضِعف ذلك، وهم:

1 -

عبد الله بن مسعود

2 -

سعد بن أبي وقاص

3 -

عمار بن ياسر

4 -

البراء بن عازب

5 -

سهل بن سعد

6 -

عدي بن عمير

7 -

طلق بن علي

8 -

المغيرة بن شعبة

9 -

واثلة بن الأسقع

10 -

وائل بن حجر

11 -

يعقوب بن الحصين

12 -

أبو رمثة

13 -

جابر بن سمرة

14 -

عبد الله بن عمر

15 -

أبو هريرة

16 -

أبو السيد

17 -

أبو حميد

18 -

أوس بن أوس

19 -

أبو موسى الأشعري

20 -

علي بن أبي طالب

21 -

أبو مالك الأشعري

22 -

أبو مالك الأشجعي

23 -

عقبة بن عامر

24 -

سمرة بن جندب

25 -

جابر بن عبد الله

26 -

عبد الله بن زيد

27 -

أزهر بن منقذ

28 -

رجل من الصحابة

29 -

أعرابي من الصحابة.

1 -

فحديث ابن مسعود: أخرجه الطيالسي (ص 37 رقم 286)، وأحمد (1/ 444)، والدارمي (1/ 310 - 311)، ومسلم (رقم 117/ 581)، وأبو داود (رقم 996)، والترمذي (رقم 295)، والنسائي (3/ 63)، وابن ماجه (رقم 914)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 209)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 267)، والدارقطني (1/ 356 - 357 رقم 3)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 285)، والبيهقي (2/ 177) وابن حبان في "الإحسان"(3/ 223 رقم 1990)، وهو حديث صحيح.

2 -

وحديث سعد بن أبي وقاص: أخرجه مسلم (رقم 119/ 582)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 98 رقم 281)، والدارمي (1/ 310)، وأبو عوانة (2/ 237)، والنسائي (3/ 61)، وابن ماجه (رقم 915)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 267)، والدارقطني (1/ 356 رقم 1)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 176)، والبيهقي (2/ 178)، وهو حديث صحيح.

3 -

وحديث عمار بن ياسر: أخرجه ابن ماجه (رقم 916)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 268)، والدارقطني (1/ 356 رقم 2)، وهو حديث صحيح.

4 -

وحديث البراء بن عازب: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 299)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 269)، والدارقطني (1/ 357 رقم 5)، والبيهقي (2/ 177) من وجهين عنه. =

ص: 251

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 5 - وحديث سهل بن سعد: أخرجه الشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 98 رقم 283)، وأحمد (5/ 338). إسناده ضعيف يصلح في الشواهد، ويشهد له الأحاديث المتقدمة.

6 -

وحديث عدي بن عمير الحضرمي أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 269).

7 -

وحديث طلق بن علي: أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 269).

8 -

وحديث المغيرة بن شعبة: أخرجه المعمري في "اليوم والليلة"، والطبراني وفي إسناده نظر - كما في "التلخيص"(1/ 271).

9 -

وحديث واثلة بن الأسقع: أخرجه الشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 98 رقم 284)، وسنده ضعيف.

10 -

وحديث وائل بن حجر: تقدم تخريجه رقم (52/ 303).

11 -

وحديث يعقوب بن حصين: أخرجه أبو نعيم في "المعرفة، وفيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو متروك - كما في "التلخيص" (1/ 271).

12 -

وحديث أبي رمثة: أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 269)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 270). وقال: صحيح على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي بأن المنهال ضعفه ابن معين وأشعث فيه لين.

13 -

وحديث جابر بن سمرة: أخرجه أحمد (5/ 86)، ومسلم (رقم 120/ 431)، وأبو داود (رقم 998)، والنسائي (3/ 61 - 62)، وأبو عوانة (2/ 238 - 239)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 268)، والبيهقي (2/ 178).

14 -

وحديث عبد الله بن عمر: أخرجه الشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 99 رقم 285)، وأحمد (2/ 72)، والنسائي (3/ 62)، والطحاوي في شرح المعاني" (1/ 268)، والبيهقي (2/ 178) من طرق وبألفاظ متعددة. وهو حديث صحيح.

15 -

16 - 17 - وحديث أبي هريرة وأبي السيد وأبي حميد: أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 260) من حديث محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس بن سهل الساعدي، وكان في مجلس فيه أبوه، وأبو هريرة، وأبو السيد، وأبو حميد الساعدي، وأنهم تذاكروا الصلاة

الحديث.

18 -

وحديث أوس بن أوس: أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 269)، والطبراني في "الكبير"(1/ 188 - 189 رقم 596 و 597)، ورجاله ثقات.

19 -

وحديث أبي موسى الأشعري: أخرجه ابن ماجه (رقم 917)، وأحمد (4/ 392)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 267) بسند صحيح.

20 -

وحديث علي بن أبي طالب: أخرجه ابن ماجه (رقم 917)، وأحمد (4/ 392)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 267) بسند صحيح.

21 -

وحديث أبي مالك الأشعري: أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 269). =

ص: 252

صحيحٌ، وحسنٌ، وضعيفٌ، ومتروكٌ، وكُلُّها بدونِ زيادةِ وبركاتُهُ إلَّا في روايةِ وائلٍ هذهِ، وروايةٍ عن ابن مسعودٍ، وعندَ ابن ماجه، وعندَ ابن حبانَ. ومعَ صحةِ إسنادِ حديثِ وائلٍ كما قالَ المصنفُ هنا يتعينُ قبولُ زيادتهِ؛ إذْ هيَ زيادةُ عدْلٍ. وعدمُ ذكرِها في روايةِ غيرهِ ليستْ روايةً لعدمها. قالَ الشارحُ: إنهُ لم يرَ مَنْ قالَ بوجوبِ زيادةِ وبركاتُهُ إلَّا أنهُ قالَ: قالَ الإمامُ يحيى: إذا زادَ وبركاتُهُ ورضوانُهُ وكرامتُهُ أجزأَ إذ هي زيادةُ فضيلةٍ، وقدْ عرفتَ أن الواردَ زيادةُ وبركاتُهُ وقدْ صحتْ، ولا عذرَ عن القولِ بها. وقالَ بهِ السرخسيُّ، والإمامُ، والرويانيُّ في الحليةِ، وقولُ ابنُ الصلاحِ: إنها لم تثبتْ قدْ تعجبَ منهُ المصنفُ

(1)

. وقالَ هي ثابتةٌ عندَ ابن حبانَ في صحيحهِ، وعندَ أبي داودَ، وعندَ ابن ماجه. قالَ المصنفُ: إلَّا أنهُ قالَ ابنُ رسلانَ في شرحِ السننِ: لم نجدْها في ابن ماجْه.

قلتُ: راجعْنا [سنن]

(2)

ابن ماجَهْ

(3)

منْ نسخةٍ صحيحةٍ مقروءةٍ فوجدْنا فيهِ ما لفظهُ: بابُ التسليمِ حدَّثَنَا محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنُ نُمَيْرٍ، حدَّثنا [عُمَرُ]

(4)

بنُ عُبَيْدٍ عن أبي إسحاقَ، عن ابن الأَحْوَصِ

(5)

، عنْ عبدِ اللَّهِ "أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يُسَلِّمُ عنْ يمينهِ، وعنْ شمالهِ حتَّى يُرَى بياضُ خَدِّهِ: السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُه"، انتهى بلفظهِ. وفي تلقيحِ الأفكارِ تخريجُ الأذكارِ للحافظِ ابن حجرٍ لما

22 - وحديث أبي مالك الأشجعي: أخرجه محمد بن الحسن في "الحجة"(1/ 142).

= 23 - وحديث عقبة بن عامر: أخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده". رقم (176 - الزوائد)، وهو ضعيف جدًّا. فيه الواقدي.

24 -

وحديث سمرة بن جندب: أخرجه الدارقطني (1/ 358 - 359 رقم 8) وفيه من لا يُعرف.

25 -

وحديث جابر بن عبد الله: ذكره الترمذي في "السنن"(2/ 90).

26 -

وحديث عبد الله بن زيد: أخرجه أبو عوانة (1/ 238).

27 -

وحديث أزهر بن منقذ: أخرجه ابن منده في "الصحابة" من طريق عمير بن جابر عنه. وقال: غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه. وفيه علي بن قرين، وقد كذبه ابن معين وموسى بن هارون وغيرهما، كما في "الإصابة"(1/ 44).

28، 29 - وحديث الرجل والأعرابي. أخرج كلًا منهما أحمد (5/ 59 - 60).

(1)

في "التلخيص"(1/ 271).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "السنن"(1/ 296 رقم 914).

(4)

في (أ): "عمرو "وهو مخالف للصواب.

(5)

في (ب): "أبي الأحوص" وهو مخالف للصواب.

ص: 253

ذكرَ النوويُّ أن زيادةَ وبركاتُهُ زيادةٌ فَرْدَةٌ ساقَ الحافظُ طُرُقًا عدةً لزيادةِ وبركاتُهُ ثمَّ قالَ: فهذهِ عدةُ طرقٍ ثبتتْ بهَا وبركاتُهُ، بخلافِ ما يوهِمُهُ كلامُ الشيخ أنَّها روايةٌ فَرْدَةٌ، انتهَى كلامُهُ. (وحيثُ) ثبتَ أن التسليمتينِ منْ فعلهِ صلى الله عليه وسلم في الصلاةِ، وقدْ ثبتَ قولُهُ صلى الله عليه وسلم:"صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي"

(1)

، وثبتَ حديثُ:"تحريمُها التكبيرُ وتحليلُها السلامُ"، أخرجهُ أصحابُ السننِ

(2)

بإسنادٍ صحيحٍ؛ فيجبُ التسليمُ لذلكَ. وقدْ ذهبَ إلى القولِ بوجوبهِ الهادويةُ والشافعيةُ. وقالَ النوويُّ

(3)

: إنهُ قولُ جمهورِ العلماءِ منَ الصحابةِ والتابعينَ ومَنْ بعدَهم. وذهبتِ الحنفيةُ وآخرونَ إلى أنهُ سنةٌ، مستدلينَ على ذلكَ بقولهِ صلى الله عليه وسلم في حديثِ ابن عمرٍو

(4)

: "إذا رفعَ الإمامُ رأسهُ منَ السجدةِ وقعدَ ثمَّ أحدثَ قبلَ التسليمِ فقدْ تمتْ صلاتُهُ"؛ فدلَّ على أنَّ التسليمَ ليسَ بركنٍ واجبٍ وإلَّا لوجبتِ الإعادةُ، ولحديثِ المسيءِ صلاتُهُ، فإنَّهُ صلى الله عليه وسلم

(1)

أخرجه البخاري (رقم 631)، ومسلم (رقم 24/ 391)، من حديث مالك بن الحُوَيْرث.

(2)

وهم: أبو داود (رقم 618) والترمذي (رقم 3)، وابن ماجه (رقم 275)، ولم يخرجه النسائي، انظر:"تحفة الأشراف"(7/ 442 رقم 10265).

قلت: وأخرجه الشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 70 رقم 206)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 229)، وأحمد (1/ 129)، والدارمي (1/ 175)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 273)، والدارقطني (1/ 379 رقم 1)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 372)، والبيهقي (2/ 173) من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن الحنفية، عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الترمذي: "إنه أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه".

وفي الباب: عن أبي سعيد، وابن عباس، وعبد الله بن زيد، وأنس وابن مسعود موقوفًا عليه، وعائشة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

انظر تخريج أحاديثهم في كتابنا: "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الصلاة.

(3)

في "المجموع"(3/ 481).

(4)

أخرجه أبو داود (رقم 617)، والترمذي (رقم 408)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 274 - 275)، والدارقطني (1/ 379 رقم 1)، والبيهقي (2/ 176) كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. لا من حديث ابن عمر كما في المطبوع.

قال ابن عبد البَرِّ في "الاستذكار"(2/ 250): "تفرد به الإقريقي، وهو عند أهل النقل ضعيف. وضعف الألباني الحديث في "ضعيف الجامع" (رقم: 734) وكذلك النووي في "المجموع" (3/ 481).

ص: 254

لمْ يأمرْهُ بالسلامِ، وأجيبَ [عنهُ]

(1)

بأنَّ حديثَ ابن عمرٍو ضعيفٌ باتفاقِ الحفَّاظِ؛ فإنهُ أخرجهُ الترمذيُّ

(2)

وقالَ: هذا حديثٌ إسنادُهُ ليسَ بذاكَ القويِّ، وقدِ اضطَّربُوا في إسنادهِ. وحديثُ المسيءِ صلاتُهُ لا ينافي الوجوبَ؛ فإنَّ هذهِ زيادةٌ وهيَ مقبولةٌ، والاستدلالُ بقولهِ تعالى:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}

(3)

على عدمِ وجوبِ السلامِ استدلالٌ غيرُ تامٍّ؛ لأنَّ الآيةَ مجملةٌ بيَّنَ المطلوبَ منهَا فعلُهُ صلى الله عليه وسلم، ولوْ عملَ بها وحدَها لما وجبتِ القراءةُ ولا غيرُها. ودلَّ الحديثُ على وجوبِ التسليمِ على اليمينِ واليسارِ، وإليهِ ذهبتِ الهادويةُ وجماعةٌ. وذهبَ الشافعيُّ إلى أن الواجبَ تسليمةٌ واحدةٌ والثانيةُ مسنونةٌ.

قالَ النوويُّ

(4)

: أجمعَ العلماءُ الذينَ يعتدُّ بهمْ [على]

(5)

أنهُ لا يجبُ إلا تسليمةٌ واحدةٌ؛ فإنِ اقتصرَ عليها استُحِبَّ لهُ أنْ يسلِّمَ تلقاءَ وجههِ، فإنْ سلَّمَ تسليمتينِ جعلَ الأُولى عنْ يمينهِ والثانيةَ عنْ يسارهِ، ولعلَّ حجةَ الشافعيِّ حديثُ عائشةَ:"أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا أوترَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا في الثامِنَةِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ، وَيَذْكُرُهُ، وَيَدْعُو، ثمَّ يَنْهَضُ ولا يُسلِّمَ، ثمَّ يصلِّي التاسِعَةَ فيجلس ويذكُرُ اللَّهَ ويدعُو ثمَّ يسلِّمُ تسليمةً"، أخرجهُ ابنُ حبانَ

(6)

، وإسنادهُ على شرطِ مسلمٍ. وأجيبَ عنهُ بأنهُ لا يعارضُ حديثَ الزيادةِ كما عرفتَ منْ قبولِ الزيادةِ إذا كانتْ منْ عدلٍ، وعندَ مالكٍ أن المسنونَ تسليمةٌ واحدةٌ، وقدْ بيَّنَ ابنُ عبدِ البرِّ ضَعْفَ أدلةِ هذا القولِ منَ الأحاديثِ. واستدلَّ المالكيةُ على كفايةِ التسليمةِ الواحدةِ بعملِ أهلِ المدينةِ، وهوَ عملٌ توارثوهُ كابرًا عنْ كابرٍ. وأجيبُ عنهُ بأنهُ قدْ تقررَ في الأصولِ أن عَملَهم ليسَ بحجةٍ. وقولُه:(عنْ يمينِهِ وعنْ شمالِهِ) أي منحَرفًا إلى الجهتينِ؛ بحيثُ يُرَى بياضُ خدِّهِ كما وردَ في روايةِ سعدٍ: "رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سلم عنْ يمينهِ وعنْ شمالهِ حتَّى كأني أنظرُ إلى صفحةِ خدِّه"، وفي لفظٍ:"حتَّى أَرَى بياضَ خدِّهِ"، أخرجهُ مسلمٌ

(7)

والنسائيُّ

(8)

.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "السنن"(2/ 261 رقم 408).

(3)

سورة الحج: الآية 77.

(4)

في "المجموع"(3/ 482).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في "الإحسان"(4/ 72 رقم 2433) بإسناد صحيح.

وانظر: "مسند الموصلي"(8/ 110 رقم 4650) لتمام تخريجه والتعليق عليه.

(7)

في "صحيحه"(رقم 119/ 582).

(8)

في "السنن"(3/ 61)، وقد تقدم تخريجه قريبًا.

ص: 255

‌ما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم في دبر كل صلاة مكتوبة

53/ 304 - وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ"، مُتّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شعْبَة أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقول فِي دُبُرِ) قالَ في القاموسِ

(2)

: الدُّبُرُ بضمِّ الدالِ وبضمتينِ نقيضُ القُبُلِ منْ كلِّ شيءٍ: عَقِبُهُ ومؤخَّرُهُ. وقالَ في الدُّبُرُ محركةَ الدالِ والباءِ بالفتحِ، الصلاةُ في آخرِ وقتِها، وتسكنُ الباءُ، ولا يقالُ بضمتينِ فإنهُ مِنْ لحنِ المحدثينِ، (كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَة لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، اللَّهمّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ) ووقعَ عندَ عبدِ ابن حميدٍ

(3)

بعدَهُ: "ولا رادَّ لما قضيتَ"، (وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ)، زادَ الطبرانيُّ

(4)

منْ طريقٍ أُخْرى عن المغيرةِ بعدَ قولهِ: لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ: "يُحْيي ويميتُ وهوَ حيٌّ لا يموتُ بيدهِ الخيرُ"؛ ورواتُهُ موثقونَ، وثبتَ مثلُه عندَ البزارُ

(5)

منْ حديثِ عبدِ الرحمنِ بن عوفٍ بسندٍ صحيحٍ، لكنهُ في القولِ إذا أصبحَ وإذا أمسى ومعنَى:(لا مانعَ لما أعطيت) أن مَنْ قضيتَ له بقضاء منْ رزقٍ أو غيرِه [فلا]

(6)

يمنعهُ

(1)

البخاري (رقم 844)، ومسلم (رقم 593).

قلت: وأخرجه أبو داود (1505)، والنسائي (3/ 70 رقم 1341)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 225 رقم 715)، والحميدي (2/ 337 رقم 762)، وابن خزيمة (1/ 365 رقم 742)، وعبد بن حميد في "المنتخب"(ص 150 رقم 390).

(2)

"المحيط"(ص 498).

(3)

في المنتخب من "المسند"(ص 150 - 151 رقم 391).

(4)

عزاه إليه الهيثمي في "مجمع الزوائد" وقال: رجاله رجال الصحيح.

(5)

(4/ 25 رقم 3106 - كشف الأستار) وقال البزار: لا نعلمه يروى عن عبد الرحمن بن عوف إلا بهذا الإسناد، ولا نعلم روى سهيل بن عبد الرحمن عن أبيه إلا هذا الحديث. وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 113)، وقال: رواه البزار، وفيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، وهو متروك.

(6)

في (ب): "لا".

ص: 256

أحدٌ عنهُ. ومعنى (لا معطي لما منعتَ)[أنهُ]

(1)

مَنْ قضيتَ له بحرمانٍ لا معطي لهُ. والجَدُّ بفتحِ الجيمِ كما سلفَ. قالَ البخاريُّ: معناهُ الغِنى؛ والمرادُ لا ينفعهُ ولا ينجيهِ حظُّه في الدنيا بالمالِ والولدِ والعظمةِ والسلطانِ، وإمَّا ينجيهِ فضلُكَ ورحمتُكَ. والحديثُ دليلٌ على استحبابِ هذا الدعاءِ عقبَ الصلوات لما اشتملَ على توحيدِ اللَّهِ، ونسبةِ الأمرِ كلِّهِ إليهِ، والمنعُ والإعطاءُ وتمامُ القدرةِ.

‌كان صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ دُبُر الصلاة من الجبن

54/ 305 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَاصٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوّذُ بِهِنّ [دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ]

(2)

: "اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عذَابِ الْقَبْرِ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوّذ بِهِنّ [دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ] (2): اللَّهُمَّ إِني أَعُوذ بِكَ). أي: ألتجئُ إليكَ (مِنَ الْبُخْلِ) بضمِّ الموحدةِ، وسكونِ الخاءِ، المعجمةِ، وفيهِ لغاتٌ. (وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ) بزنةِ البخلِ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذ بِكَ مِنْ عَذابِ الْقَبْرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قولُهُ: دبرَ الصلاةِ هنا، وفي الأولِ يحتملُ أنهُ قبلَ الخروجِ؛ لأنَّ دبرَ الحيوانِ منهُ وعليهِ بعضُ أئمةِ الحديث، ويحتملُ أنهُ بعدَها وهوَ الأقرب. والمرادُ بالصلاةِ عندَ الإطلاقِ المفروضةُ. والتعوذُ من البخلِ قدْ كثرَ في الأحاديث، قيلَ: والمقصودُ منهُ منعُ ما يجبُ بذلُه منَ المالِ شرعًا أو عادةً. والجبنُ هوَ المهابةُ للأشياءِ والتأخرُ عنْ فعلِها، ويقالُ منهُ جبانُ كسحابِ لِمَنْ قَامَ بهِ، والمتعوَّذُ منهُ هو التأخرُ عن الإقدامِ بالنفسِ إلى الجهادِ الواجب، والتأخرِ عن الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ ونحوِ ذلكَ. والمرادُ منَ الردِّ إلى أرذلِ العمرِ هوَ بلوغُ الهرمِ

(1)

في (أ): "أي".

(2)

في (أ): دبر الصلاة.

(3)

في "صحيحه"(رقم 2822) و (رقم 6365) و (رقم 6370) و (رقم 6374) و (رقم 6390). قلت: وأخرجه الترمذي (رقم 3567) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (8/ 266 رقم 5478 و 5479).

ص: 257

والخوفِ حتى يعودَ كهيئتهِ الأولى في أوانِ [الطفولة]

(1)

ضعيفَ البنية، سخيفَ العقلِ، قليلَ الفهمِ، وأما فتنةُ الدنيا فهي الافتتانُ بشهواتِها وزخارِفها حتَّى تلهيهِ عن القيامِ بالواجباتِ التي خُلِقَ لها العبدُ، وهي عبادةُ بارئِه وخالقهِ. وهوَ المرادُ منْ قولِهِ تعالَى:{أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}

(2)

، وتقدمَ الكلامُ على عذابِ القبرِ.

‌الاستغفار والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل دبر الصلاة

55/ 306 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثَلَاثًا، وَقَالَ:"اللَّهُمّ أَنْتَ السّلامُ وَمِنْكَ السّلامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإكْرَامِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ) أيْ سلَّمَ منْها (اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثَلَاثًا) بلفظِ: أستغفرُ اللَّهَ، وفي الأذكارِ للنوويِّ

(4)

: قيلَ للأوزاعي وهوَ أحدُ رواةِ هذا الحديثِ: كيفَ الاستغفارُ؟ قالَ: تقولُ: أستغفرُ اللَّهَ أستغفرُ اللَّهَ. (وقَالَ: اللَّهمّ أَنْتَ السّلَامُ وَمِنْكَ السّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

والاستغفارُ إشارةٌ إلى أن العبدَ لا يقومُ بحقِّ عبادةِ مولاهُ لما يعرضُ لهُ منَ الوسواسِ والخواطرِ؛ فَشُرِعَ لهُ الاستغفارُ تداركًا لذلكَ، وشرعَ له أن يصفَ ربهُ بالسلامِ كما وصفَ بهِ نفسَهُ. والمرادُ ذو السلامةِ منْ كلِّ نقصٍ وآفةٍ، مصدرٌ وُصِفَ بهِ للمبالغةِ، (ومنكَ السلامُ) أي: منكَ نطلبُ السلامةَ منْ شرورِ الدنيا والآخرةِ، والمرادُ بقولهِ ذو الجلالِ والإكرامِ: ذو الغنى المطلَقِ والفضلِ التامِّ، وقيلَ الذي عندَهُ الحلالُ والإكرامُ لعبادهِ المخلصينَ، وهوَ منْ عظائمِ صفاتهِ تعالى، ولِذَا قالَ صلى الله عليه وسلم: "ألِظُّوا

(5)

بيا ذا الجلالِ والإكرامِ"

(6)

. ومرَّ برجلٍ يصلِّي

(1)

في (ب): "الطفولية".

(2)

سورة الأنفال: الآية 28.

(3)

في "صحيحه"(رقم 135/ 591).

قلت: وأخرجه النسائي (3/ 68 رقم 1337)، وابن ماجه (رقم 928)، وأبو داود (رقم 1513)، والترمذي (رقم 300) وقال: حديث حسن صحيح.

(4)

ص 139.

(5)

قال ابن الأثير في "النهاية"(4/ 252): "يقال: أَلَظَّ بالشيء يُلِظُّ إِلْظَاظًا، إذا لَزِمَهُ وثابرَ عليه" اهـ.

(6)

أخرجه الترمذي (رقم 3525) من حديث أنس بن مالك، وقال: هذا حديثَ غريبٌ وليسَ بمحفوظ. =

ص: 258

وهوَ يقولُ: يا ذا الجلالِ والإكرامِ، فقالَ:"قدْ استجيبَ لكَ".

56/ 307 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ سَبّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلاثينَ، وكَبّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاِثينَ، فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى

(2)

: أَنَّ التّكْبِيرَ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ. [صحيح]

(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ سَبّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثَينَ) يقولُ: سبحانَ اللَّهِ، (وَحَمِدَ اللَّهَ ثلاثًا وثلاثين) يقولُ: الحمدُ للَّهِ، (وكبَّرَ اللَّهَ ثلاثًا وثلاثينَ) يقولُ: اللَّهُ أكبرُ، (فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ) عددُ أسماءِ اللَّهِ الحسنَى (وَقَالَ تَمَامَ الْمائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)، هوَ ما يعلُو عليهِ عندَ اضطرابهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى) لمسلمٍ عنْ أبي هريرةَ (أن التكبيرَ أربعٌ وثلاثونَ)، وبهِ تتمُّ المائةُ، فينبغي العملُ بهذا تارةً، وبالتهليلِ أُخْرى ليكونَ قدْ عملَ بالروايتينِ. وأمَّا الجمعُ بينهَما كما قالَ الشارحُ وسبقَهُ غيرُهُ فليسَ بوجهٍ لأنَّه لم يردِ الجمعُ بيَنهما، ولأنهُ يخرجُ العددُ عن المائةِ هذَا. وللحديثِ سببٌ وهوَ: "أن فقراءَ المهاجرينَ أَتَوا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسولَ اللَّهِ، قدْ ذهبَ أهلُ الدثورِ بالدرجاتِ العُلَى والنعيمِ المقيمِ، فقالَ: وما ذلكَ؟ قالوا: يصلونَ كما

= وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 499) من حديث أبي هريرة. وفيه "رشدين بن سعد" ضعيف من قبل حفظه، وهو ممن يكتب حديثه في المتابعات.

وأخرجه أحمد في "المسند"(4/ 177)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 498 - 499)، وصححه ووافقه الذهبي. والبخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 280)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1/ 402 - 403 رقم 693)، والطبراني في "الكبير"(5/ 64 رقم 4594) من حديث ربيعة بن عامر، وأورده الهيثمي في "المجمع" (10/ 158) وقال: رواه الطبراني وفيه "يحيى بن عبد الحميد الحماني" وهو ضعيف.

والخلاصة: أن الحديث صحيح. انظر مزيدا من الكلام عليه في تخريج الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي لمسند الشهاب القضاعي.

(1)

في "صحيحه"(رقم 146/ 597).

(2)

لمسلم في "صحيحه"(رقم 596).

ص: 259

نصلِّي، ويصومونَ كما نصومُ، ويتصدَّقونَ ولا نتصدَّقُ، ويعتقونَ ولا نعتقُ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلِّمُكم شيئًا تدركونَ بهِ مَنْ سبقَكم، وتسبقونَ بهِ مَنْ بعدَكم، ولا يكونُ أحدٌ أفضلَ منْكم إلَّا مَنْ صَنَعَ مثلَ ما صنعتُم! قالوا: بلى، قالَ [سبِّحوا]

(1)

اللَّهَ، الحديثَ"، وكيفيةُ التسبيح وأخوَيْهِ كما ذكرناهُ. وقيلَ: يقولُ سبحانَ اللَّهِ، والحمدُ للَّهِ، واللَّهُ أكبرُ ثلاثًا وثلاثينَ. وقدْ وردَ في البخاريِّ

(2)

مِنْ حديثِ أبي هريرةَ أيضًا: "يسبّحونَ عشْرًا، ويحمِدونَ عشْرًا، ويكبرونَ عشْرًا". وفي صفةٍ أُخْرى

(3)

: "يسبحونَ خمسًا وعشرينَ تسبيحةً، ومثلَها تحميدًا، ومثلَها تكبيرًا، ومثلَها لا إله إلا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، فتتمُّ مائة". وأخرجَ أبو داود

(4)

منْ حديثِ زيدِ بن أرقمٍ: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ: اللهمَّ ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ، أنا شهيد أنكَ أنتَ الربُّ وحدَكَ لا شريكَ لكَ، اللهمَّ ربَّنا وربَّ كلّ شيءٍ إنَّا نشهدُ أن محمدًا صلى الله عليه وسلم عبدُكَ ورسولُكَ، اللهمَّ ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ أنَّا شهيدُ أن العبادَ كلَّهم إخوَةٌ، اللهمَّ ربَّنا وربَّ كلِّ شيء اجعلْني مخلِصًا لكَ وأهلي في كلِّ ساعةٍ منَ الدنيا والآخرةِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، استمعْ واستَجِبْ اللَّهُ أكبرُ، اللَّهُ أكبرُ الأكبرُ، اللَّهُ نورُ السمواتِ والأرضِ، اللَّهُ أكبرُ الأكبرُ، حسبَي اللَّهُ ونعمَ الوكيلُ، اللَّهُ أكبرُ الأكبرُ". وأخرجَ أبو داودَ

(5)

منْ حديثِ عليٍّ عليه السلام: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا سلَّمَ منَ الصلاةِ قالَ: اللَّهمَّ اغفرْ لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أسرفتُ، وما أنتَ أعلمُ بهِ مني، أنتَ المقدِّمُ، وأنتَ المؤخِّرُ،

(1)

في (أ): "تسبحون".

(2)

في "صحيحه"(رقم 6329).

(3)

أخرجه النسائي (30/ 76 رقم 1351) من حديث ابن عمر.

(4)

في "السنن"(رقم 1508) وفي سنده داود بن راشد الطفاوي وهو لين الحديث. قال المنذري في "المختصر"(2/ 149): "وأخرجه النسائي".

وقال الدارقطني: تَفَرَّدَ به مُعْتَمِر بن سليمان عن داود الطُّفاوي عن أبي مسلم البجلي عن زيد بن أرقم.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، وقد ضعفه الألباني في ضعيف أبى داود.

(5)

في "السنن"(رقم 1509).

وهو جزء من حديث طويل أخرجه الترمذي (رقم 3421). وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. وصحَّحه الألباني أيضًا في صحيح أبي داود.

ص: 260

لا إلهَ إلَّا أنتَ". وأخرجَ أبو داودَ

(1)

، والنسائيُّ

(2)

منْ حديثِ عقبْةَ بن عامرٍ: "أمرني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أقرأَ بالمعوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ". وأخرجَ مسلمٌ

(3)

منْ حديثِ البراءِ أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ بعدَ الصلاةِ: "ربِّ قِني عذابَكَ يومَ تبعثُ عبادَكَ". ووردَ بعدَ صلاةِ المغربِ، وبعدَ صلاةِ الفجرِ بخصوصِهِما قولُ:"لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ، ولهُ الحمدُ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ عشْرَ مراتٍ"، أخرجهُ أحمدُ

(4)

؛ وهوَ زيادةٌ على ما ذُكِرَ في غيرِهما. وأخرجَ الترمذيُّ

(5)

عنْ أبي ذرٍّ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قَالَ في دُبُرِ صلاةِ الفجرِ، وهوَ ثانٍ رجليْهِ، قبلْ أنْ يتكلَّمَ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ، يحيي ويميتُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، عشر مراتٍ، كتبَ اللَّهُ لهُ عشْرَ حسناتٍ، ومحا عنهُ عشْرَ سيئاتٍ، ورفعَ لهُ عشْرَ درجاتٍ، وكانَ يومَهُ ذلكَ في حِرْزٍ مِنْ كلِّ مَكْروهٍ، وحِرْزٍ منَ الشيطانِ، ولم يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ في ذلكَ اليومِ إِلَّا الشركَ باللَّهِ عز وجل"، قالَ الترمذيُّ: غريبٌ حسنٌ صحيحٌ. وأخرجهُ النسائيُّ

(6)

منْ حديثِ معاذٍ

(1)

في "السنن" رقم (1523).

(2)

في "السنن"(3/ 68 رقم 1336).

قلت: وأخرجه الترمذي في "السنن"(رقم 2903) وقال: هذا حديث حسن غريب.

وأخرجه أحمد (4/ 155 و 159) من طريقين وأخرجه أيضًا ابن حبان (رقم: 2347 - الموارد".

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح. انظر: "الصحيحة" للألباني (رقم: 1514).

(3)

في "صحيحه"(رقم 62/ 709).

(4)

في "الفتح الرباني"(4/ 69 - 70 رقم 794) من حديث أبي أيوب.

(5)

في "السنن"(5/ 515 رقم 3474) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

قلت: في سنده شهر بن حوشب، صدوق كثير الإرسال والأوهام كما قال الحافظ في "التقريب"(1/ 355). وقد ضعف الحديث الألباني في "ضعيف الترمذي"، وفي "ضعيف الجامع" رقم (5750).

(6)

في "اليوم والليلة"(رقم 126).

قلت: وأخرجه ابن السني في "اليوم والليلة" أيضًا (رقم: 140). وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 108 - 109)، وقال: رواه الطبراني من طريق عاصم بن منصور ولم أجد من وثقه ولا ضعفه، وبقية رجاله ثقات. وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/ 305 - 306 رقم 5) وقال: رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني بإسناد حسن واللفظ له.

قلت: خلاصة القول أن الحديث حسن، والله أعلم.

ص: 261

وزادَ فيهِ: "بيدهِ الخيرُ"، وزادَ فيه أيضًا:"وكانَ لهُ بكلِّ واحدةٍ قالَها عِتْقُ رَقَبةٍ"، وأخرجَ الترمذيُّ

(1)

، والنسائيُّ

(2)

منْ حديثِ عمارةَ بن شبيبٍ قَالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ لا إلهَ إِلَّا اللَّهُ وحدَهُ لَا شريكَ لهُ، لهُ. الملكُ ولهُ الحمدُ، يحيي ويميتُ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، عشْرَ مراتٍ على إِثْرِ المغربِ، بعثَ اللَّهُ لهُ ملائكةً يحفظونهُ منَ الشيطانِ الرجيمِ حتَّى يصبحَ، كتبَ لهُ بها عشرُ حسناتٍ، ومحا عنهُ عشْرَ سيئاتٍ موبقاتٍ، وكانتْ لهُ [تعدلُ]

(3)

عشْرَ رقباتٍ مؤمناتٍ". قالَ الترمذيُّ: حسنٌ لا نَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، ولا نَعْرِفُ لِعِمَارَةَ سَمَاعًا منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وأمَّا قراءةُ الفاتحةِ بنيةِ كذا، وبنيةِ كذَا، كما يفعلُ الآنَ، فلمْ يردْ بها دليلٌ بلْ هي بدعةٌ. وأما الصلاةُ على النبيِّ بعدَ تمامِ التسبيحِ وأخويهِ منَ الثناءِ فالدعاءُ بعدَ الذكرِ سنةٌ، والصلاةُ عليهِ صلى الله عليه وسلم أمامَ الدعاءِ كذلكَ سنةٌ، [إنَّما]

(4)

الاعتيادُ لذلكَ، وجعلُهُ في حكمِ السننِ الراتبةِ، ودعاءُ الإمامِ مستقبلًا القبلةَ، مستدبرًا للمأمومينَ، فلمْ يأتِ بهِ سُنَّةٌ، بلْ الذي وردَ أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يستقبلُ المأموينَ إذا سلَّمَ. قالَ البخاريُّ

(5)

: (بابُ يستقبلُ الإمامُ الناسَ إذا سلَّمَ). ووردَ حديثُ سمرةَ بن جندبٍ

(6)

، وحديثُ زيدِ بن خالدٍ

(7)

: " [أنه]

(8)

كانَ إذا صلَّى صلاةً أقبلَ علينا بوجههِ". وظاهرُهُ المداومةُ على ذلكَ.

57/ 308 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "أُوصيكَ يَا مُعاذُ: لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي علَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ

(1)

في "السنن"(رقم 3534) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ليثِ بن سعدٍ، ولا نعرفُ لِعمَارَةَ سماعًا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(2)

في "عمل اليوم والليلة"(رقم: 577 مكرر).

وقد حسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(رقم: 472).

(3)

في (أ): "بعدل".

(4)

في (أ): "أما".

(5)

في "صحيحه"(2/ 333 رقم الباب 156).

(6)

أخرجه البخاري (رقم 845).

(7)

أخرجه البخاري (رقم 846)، ومسلم (رقم 125/ 71).

(8)

زيادة من (أ).

ص: 262

عِبَادَتِكَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(2)

، وَالنَّسَائِيُّ

(3)

بِسَنَدٍ قَويٍّ

(4)

.

(وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ)؛ هو نَهْيٌ مِنْ ودعهِ إلَّا أنهُ هجرَ ماضيْهِ في الأكثرِ استغناءً عنهُ بترك. وقدْ وردَ قليلًا، وقرئَ ما ودَّعَكَ ربُّكَ، (دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوَيٍّ). النهيُ أصلُهُ التحريمُ فيدلُّ على إيجابِ هذهِ الكلماتِ دُبُرَ الصلاةِ، وقيلَ: إنهُ نَهْيُ إرشادٍ ولا بدَّ منْ قرينةٍ على ذلكَ، وقيلَ: يحتملُ أنها في حقِّ معاذٍ نَهْيُ تحريمٍ وفيهِ بُعْدٌ، وهذهِ الكلماتُ عامةٌ لخير الدنيا والآخرةِ.

‌قراءة آية الكرسي وقل هو الله أحد بعد الصلاة

58/ 309 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتوبَةٍ لمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

(5)

، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(6)

. [صحيح]

وَزَادَ فِيهِ الطَّبَرَانيُّ

(7)

: "وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ".

(وَعَنْ أَبي أُمَامَةَ) رضي الله عنه هوَ إياسٌ - على الأصحِّ كما قالهُ ابنُ عبدِ البرِّ

(8)

-

(1)

في "المسند"(5/ 245، 247).

(2)

في "السنن"(رقم 1522).

(3)

في "السنن"(3/ 53 رقم 1303).

قلت: وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(رقم: 109)، وابن حبان (رقم 2345 - الموارد)، وابن خزيمة (1/ 369 رقم 751)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 273) و (3/ 273)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(رقم 118).

وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

(4)

أي: بسند صحيح.

(5)

في "عمل اليوم والليلة"(رقم: 100).

(6)

عزاه إليه المنذري في "الترغيب والترهيب"(2/ 453 رقم 6).

(7)

في "الكبير"(8/ 134 رقم 7532)، وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 102)، وقال: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بأسانيد واحدها جيد. وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(رقم: 124)، وصحَّحه الألباني في "الصحيحة" رقم (972).

(8)

في "الاستيعاب"(11/ 131 - 132 رقم 2853).

ص: 263

ابنُ ثعلبةَ الحارثيِّ الأنصاريِّ الخزرجيِّ، لمْ يشهدْ بدْرًا [إلَّا أنهُ]

(1)

عذرَهُ صلى الله عليه وسلم عن الخروج لعِلَّتِهِ بمرضِ والدتهِ، وأبو أمامةَ الباهليِّ تقدمَ فِي أولِ الكتابِ

(2)

؛ [فإذا]

(3)

أُطْلِقَ فالمرادُ بهِ هذَا، وإذا أريدَ الباهليُّ قُيِّدَ بهِ.

(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتوبَةٍ) أي مفروضةٍ (لمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخولِ الجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْت. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحّحَه ابْن حِبَّانَ، وَزَادَ فِيهِ الطَّبَرَانيُّ: وَقلْ هوَ اللَّهُ أَحَدٌ). وقدْ وردَ نحوُهُ منْ حديثِ عليٍّ عليه السلام بزيادةِ: "مَنْ قَرأَها حينَ يأخذُ مضجعهُ أمَّنَهُ اللَّهُ على دارهِ، ودارٍ جارهِ، وأهلِ دُوَيْرَاتٍ حولَهُ". رواهُ البيهقيُّ في شعبِ الإيمانِ

(4)

، وضعَّفَ إسنادُهُ. وقولُهُ:"لمْ يمْنعه مِنْ دخولِ الجنةِ إلَّا الموتُ"، هوَ على حذفِ مضافٍ، أي: لا يمنعهُ إلَّا عدمُ موتِهِ، حُذِفَ لدلالةِ المعنَى عليه، وأختُصَّتْ آية الكرسيِّ بذلكَ لما اشتملتْ عليهِ من أصولِ الأسماءِ والصفاتِ الإلهيةِ، والوحدانيةِ، والحياةِ، والقيُّوميةِ، والعلمِ، والملكِ، والقدرةِ، والإرادةِ. وقلْ هوَ اللَّهُ أحدٌ متمحضةٌ لذكرِ صفاتِ الربِّ تَعَالَى.

‌أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله في الصلاة بيان لما أُجْمل من الأمر بالصلاة

59/ 310 - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِث رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(5)

. [صحيح]

(وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). هذَا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ في دلالتهِ على أن أفعالَهُ صلى الله عليه وسلم في الصلاةِ، وأقوالَه، بيانٌ لما أُجْمِلَ منَ الأمرِ بالصلاةِ في القرآنِ، وفي الأحاديثِ. وفيهِ دلالةٌ على وجوبِ التأسي بهِ صلى الله عليه وسلم فيما فعلَهُ في الصلاةِ، فكلُّ ما حافظَ عليهِ منْ أفعالِها وأقوالها وجبَ على الأمةِ، إلَّا لدليلٍ يخصِّصُ شيئًا منْ ذلكَ.

(1)

في (أ): "لأنه".

(2)

عند الحديث رقم (3/ 3).

(3)

في (أ): "وهو إذا".

(4)

(2/ 458 رقم 2395) وقال: إسناده ضعيف.

(5)

في "صحيحه"(رقم 631).

ص: 264

وقدْ أطالَ العلماءُ الكلامَ في الحديث، واستوفاهُ ابنُ دقيقِ العيدِ في [شرحِ]

(1)

العمدةِ

(2)

، وزدْناهُ تحقيقًا في حواشيْها

(3)

.

‌صلاة المريض على قدر استطاعته

60/ 311 - وَعَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبْيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعلَى جَنْبٍ؛ وَإِلَّا فَأَوْمِ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(4)

. [صحيح]

(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ صلى الله عليه وسلم: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لمْ تَسْتَطِعْ) أي: الصلاةَ قائمًا (فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ) أي: وإنْ لم تستطعِ الصلاةَ قاعدًا (فَعلَى جَنْبٍ وَإِلَّا) أي: وإنْ لم تستطعِ الصلاةَ على جنبٍ (فَأَوْمِ). لمْ نجدْهُ في نُسَخِ [بلوغ المرام]

(5)

منسوبًا. وقدْ أخرجهُ البخاريُّ دونَ قولهِ: وإلَّا فأومِ. والنسائيُّ

(6)

، وزادَ:"فإنْ لمْ تستطعْ فمستلقٍ، لا يكلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وسْعَهَا".

(1)

زيادة من (ب).

(2)

المسمَّى: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام"(1/ 216 - 217).

(3)

(2/ 280 - 282).

(4)

في "صحيحه"(رقم 1117).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 952)، والترمذي (رقم 372)، وابن ماجه (رقم 1223)، وأحمد (4/ 426)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 109 رقم 983)، وابن خزيمة (2/ 89 رقم 979) و (2/ 242 رقم 1250)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 231).

(5)

في (ب): "البلوغ".

(6)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 225 رقم 334)، ولم يعزه صاحب التحفة إلى النسائي (8/ 185 رقم 10832).

قلت: وأخرجه البخاري (رقم 1115)، وأبو داود (رقم 951)، والنسائي (3/ 223 رقم 1660)، والترمذي (رقم 371)، وابن ماجه (رقم 1231)، وأحمد (4/ 433، 435، 442، 443)، والبيهقي (2/ 491)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 108 رقم 982)، من طرق عن حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين قال: سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الذي يُصَلِّي قاعدًا قال: من صلى قائمًا فهو أفضلُ، ومن صَلَّى قاعدًا فله نِصفُ أَجْرِ القائم، ومن صَلَّى نائمًا فله نصف أجْرِ القاعِدِ".

ص: 265

وقدْ [روى]

(1)

الدارقطنيُّ

(2)

منْ حديثِ عليٍّ عليه السلام بلفظِ: "فإنْ لم تستطعْ أنْ تسجدَ أومِ واجعلْ سجودَكَ أخفضَ منْ ركوعِكَ، فإنْ لم يستطعْ أنْ يصلِّيَ قاعدًا صلَّى على جَنْبِهِ الأَيمنِ، مستقبلَ القبلةِ، فإنْ لم يستطعْ أنْ يصلِّيَ على جَنْبِهِ الأيمنِ صلَّى مستلقيًا، رجلاهُ مما يلي القبلةَ" وفي إسنادهِ ضَعْفٌ، وفيهِ متروكٌ. وقالَ المصنفُ

(3)

: لم يقعْ في الحديثِ ذكرُ الإيماءِ، وإنَّما أوردهُ الرافعيُّ قالَ: ولكنهُ وردَ في حديثِ جابرٍ: "إنِ استطعتَ وإلَّا فأومِ إيماءً، واجعلْ سجودَك أخفضَ منْ ركوعِكَ" أخرجهُ البزارُ

(4)

، والبيهقيُّ في المعرفةِ

(5)

. قالَ البزارُ

(6)

: وقدْ سُئلَ عنهُ أبو حاتمٍ فقالَ: الصوابُ عنْ جابرٍ موقُوفًا، ورفعهُ خطأ. وقدْ رُوِيَ أيضًا منْ حديثِ ابن عمرَ

(7)

، وابنِ عباسٍ

(8)

، وفي إسناديْهِمَا ضعْفٌ. والحديثُ [يدل]

(9)

على أنهُ لا يصلِّي الفريضةَ قاعدًا إلا لعذرٍ، وهوَ عدمُ الاستطاعةِ، ويلحقُ بهِ ما إذا خشي ضررًا لقولهِ تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}

(10)

، وكذَا قولُهُ:"فإنْ لمْ تستطعْ فعلى جَنْبٍ". وفي قولهِ في حديثِ الطبرانيِّ: "فإنْ نالتْهُ مشقةٌ فجالِسًا، فإنْ نالتْهُ مشقةٌ فنائمًا، أي مضطجعًا، وفيهِ

(1)

في (ب): "رواه".

(2)

في "السنن"(2/ 42 رقم 1) فيه حسين بن زيد، ضعفه علي بن المديني والحسن بن الحسين العرني، قال الحافظ: هو متروك. وقال النووي: هذا حديث ضعيف.

(3)

في "التلخيص"(1/ 226).

(4)

(1/ 274 - 275 رقم 568)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 148) وقال:"رواه البزار وأبو يعلى بنحوه، إلا أنهُ قال: "أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عاد مريضًا فرآه يصلي على وسادة فرمى بها فأخذ عودًا يصلي عليه فرمى به" ورجال البزار رجال الصحيح.

(5)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(1/ 226). وهنا سقط ما قاله البزار.

(6)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1/ 227).

(7)

أخرجه الطبراني في "الكبير" - كما في "المجمع"(2/ 148) وقال الهيثمي: "فيه حفص بن سليمان المنقري وهو متروك واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه، والصحيح أنه ضعفه والله أعلم، وقد ذكره ابن حبان في الثقات" اهـ.

(8)

أخرجه الطبراني في "الأوسط" - كما في "المجمع"(2/ 149) - وقال: لم يروه عن ابن جريج إلا حلس بن محمد الضبعي. قلت: - أي الهيثمي - ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات.

(9)

في (ب): "دليل".

(10)

سورة الحج: الآية 78.

ص: 266

حجةٌ على مَنْ قالَ: إنَّ العاجزَ عن القعود تسقطُ عنهُ الصلاةُ، وهوَ يدلُّ على أن مَنْ نالتْهُ مشقةٌ ولو بالتألم [يباح]

(1)

لهُ الصلاةُ منْ قعودٍ، وفيهِ خلافٌ. والحديثُ مَعَ مَنْ قالَ إنَّ التألمَ يبيحُ ذلكَ، ومِنَ المشقةِ صلاةُ مَنْ يخافُ دورانَ رأسِهِ إنْ صلَّى قائمًا في السفينةِ، أوْ يخافُ الغرقَ أبيحَ لهُ القعودُ. هذَا ولمْ يبينِ الحديثُ هيئةَ القعودِ على أي صفةٍ، ومقتضَى صحتُهُ على أي هيئةٍ شاءَها المصلِّي، وإليهِ ذهبَ جماعةٌ منَ العلماءِ. وقالَ الهادي وغيرُهُ: إنهُ يتربعُ واضعًا يدَهُ على رُكبتيْهِ، ومثلُه عندَ الحنفيةِ، وذهبَ زيدُ بنُ عليٍّ وجماعةٌ إلى أنهُ مثلُ قعودِ التشهدِ. قيلَ: والخلافُ في الأفضلِ. قالَ المصنفُ في فتحِ الباري

(2)

: اخْتُلِفَ في الأفضلِ؛ فعندَ الأئمةِ الثلاثةِ التربعُ وقيل: مفترشًا، وقيل: متورِّكًا، وفي كلِّ منْها أحاديثُ. وقولُهُ في الحديثِ:[فعلى]

(3)

جنبٍ، الكلامُ في الاستطاعةِ هنا كما مرَّ، وهوَ هنا مطلقٌ، وقيَّدَهَ [في]

(4)

حديثِ عليٍّ عليه السلام عندَ الدارقطنيُّ

(5)

على جنبهِ الأيمنِ مستقبلَ القبلةِ بوجههِ، وهوَ حجةُ الجمهورِ، وأنهُ يكونُ على هذهِ الصفةِ كتوجُّهِ الميتِ في القبرِ، ويؤخذُ منَ الحديثِ أنهُ لا يجبُ شيءٌ بعدَ تعذرِ الإيماءِ [على الجنبِ]

(6)

. وعنِ الشافعيِّ والمؤيدِ: يجب الإيماءُ بالعينينِ والحاجبينِ، وعن زفرَ: الإيماءُ بالقلبِ. وقيلَ: يجبُ إمرارُ القرآنِ والذكرِ على اللسانِ، ثمَّ على القلبِ، إلَّا أن هذهِ [الكلمة لم تأت]

(7)

في الأحاديث، وفي الآية:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}

(8)

، وإنْ كانَ عدمُ الذكرِ لا ينفي الوجوبَ بدليلٍ آخر وقدْ وجبتِ الصلاةُ على الإطلاقِ وثبتَ:"إذا أُمِرْتمْ بأمرٍ فأتوا منهُ ما استطعتُم"

(9)

؛ فإذا استطاعَ شيئًا مما يفعلُ في الصلاةِ وجبَ عليهِ لأنهُ مستطيعٌ لهُ.

(1)

في (أ): "أبيح".

(2)

(2/ 586).

(3)

في (ب): "على".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "السنن"(2/ 42 - 43 رقم 1)، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم قريبًا.

(6)

زيادة من (ب).

(7)

في (أ): "كلمة لم يأت".

(8)

سورة النساء: الآية 103.

(9)

أخرجه البخاري (رقم 6858 - البغا)، ومسلم (رقم 412/ 1337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 267

‌لا يتخذ المريض ما يسجدُ عليه

61/ 312 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَرِيضٍ - صَلَّى عَلَى وِسَادَةٍ، فَرَمَى بِهَا - وَقَالَ:"صَلِّ عَلَى الأرضِ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَإِلَّا فَأَوْمِ إِيمَاءً، وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ"، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بسندٍ قَوِيٍّ

(1)

، وَلَكِنْ صَحّحَ أَبُو حَاتِمٍ وَقْفَهُ

(2)

. [ضعيف]

(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَرِيضٍ - صَلَّى عَلَى وِسَادَةٍ فَرَمَى بِهَا - وَقَالَ: صَلِّ عَلَى الأَرْضِ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَإلَّا فَأَوْمِ إِيمَاءً، وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكوعِكَ. رَوَاه الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ، وَلكِنْ صَحّحَ أَبو حاتم وَقْفَهُ).

الحديثُ أخرجهُ البيهقيُّ في المعرفةِ منْ طريقِ سفيانَ الثوريِّ، وفي الحديثِ: "فرمى بها وأخذَ عودًا ليصلِّي عليهِ فأخذَهُ [ورمى]

(3)

بهِ" وذكرَ الحديثَ. وقالَ البزارُ

(4)

: لا يُعْرَفُ أحدٌ رواهُ عن [سفيان]

(5)

الثوريِّ غيرُ أبي بكرٍ الحنفيِّ. وقدْ سُئِلَ عنهُ أبو حاتمٍ فقالَ: الصوابُ عنْ جابرٍ موقوفًا، ورفْعُهُ خطأٌ.

وقد رَوَى الطبرانيُّ

(6)

منْ حديثِ طارقِ بن شهابٍ عن ابن عمرَ قالَ: "عادَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مريضًا فذكرهُ". وفي إسنادهِ ضعفٌ. والحديثُ دليل على أنهُ لا يتخذِ المريضُ ما يسجدُ عليهِ حيثُ تعذرَ سجودُه على الأرضِ، وقد أرشدَهُ إلى أنهُ يفصِلُ بينَ ركوعهِ وسجودهِ، ويجعلُ سجودَهُ أخفضَ منْ ركوعهِ، فإنْ تعذَّرَ عليهِ القيامُ والركوعُ فإنهُ يومئُ منْ قعودٍ لهما جاعلًا الإيماءَ بالسجودِ أخفضَ منَ الركوعِ، أوْ لم يتعذرْ عليهِ القيامُ فإنهُ يومئُ للركوعِ منْ قيامٍ، ثمَّ يقعدُ ويومئُ للسجودِ منْ قعودٍ. وقيلَ: في هذهِ الصورةِ يومئُ لهما منْ قيامٍ ويقعدُ للتشهدِ، وقيلَ: يومئُ لهما كليْهما منَ القعودِ ويقومُ للقراءةِ، وقيلَ: يسقطُ عنهُ القيامُ ويصلِّي قاعدًا؛ فإنْ صلَّى قائمًا جازَ، وإنْ تعذَّرَ عليهِ القعودُ أومأَ لهما منْ قيامٍ.

(1)

في "السنن الكبرى"(2/ 306).

(2)

ذكره الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(1/ 227).

(3)

في (أ): "فرمى".

(4)

في "كشف الأستار"(1/ 275).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في "الكبير"(12/ 269 - 270 رقم 13082). وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 148) وقال: "رواه الطبراني في "الكبير" وفيه: حفص بن سليمان المنقري وهو متروك.

واختلفت الرواية عن أحمد في "توثيقه"، والصحيح أنه ضعفه. والله أعلم" اهـ.

ص: 268

‌الباب الثامن باب سجود السهو وغيره (من سجود التلاوة والشكر)

‌التشهد الأول يُجبر بسجود السهو

1/ 313 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوْلَييْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ، وَانْتَظر النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهَوَ جَالِسٌ. وَسَجَدَ سَجَدْتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ. أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ

(1)

، وَهَذَا اللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ

(2)

: يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِس، ويَسْجُد، وَيَسْجُدُ النَّاسُ مَعَهُ، مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ. [صحيح]

(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بحَيْنَةَ رضي الله عنه) تقدَّمَ ضبطُه وترجمتُه

(3)

، وتكررَ على الشارحِ ترجمتُه فأعادَها هنا (أَنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأْولَيَينِ)

(1)

وهم: البخاري (رقم 1230)، ومسلم (رقم 85/ 570)، وأبو داود (رقم 1034)، والترمذي (رقم 391)، والنسائي (3/ 20)، وابن ماجه (رقم 1206)، وأحمد (5/ 345، 346).

قلت: وأخرجه ابن الجارود (رقم: 242)، والبيهقي (2/ 134، 340، 343، 352)، والدارمي (1/ 352 - 353)، ومالك (1/ 96 رقم 66)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 290)، وأبو عوانة (2/ 193 - 194)، وابن خزيمة (2/ 114 رقم 1029)، والدارقطني (1/ 377 رقم 2)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 438) من طرق عن الأعرج عنه.

(2)

في "صحيحه"(1/ 399 رقم 86/ 570).

(3)

في شرح الحديث رقم (32/ 283).

ص: 269

بالمثناتينِ التحتَّيتين، (وَلَمْ يَجْلِسْ) هوَ تأكيدٌ لقامَ مِنْ "بابِ أقولُ لهُ ارحلْ لا تقيمنَّ عندنَا". (فَقَامَ النَّاسُ مَعَه حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهَوَ جَالِسٌ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْن قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ. أَخْرَجَه السَّبْعَة، وَهَذَا اللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ).

الحديثُ دليلٌ على أن تركَ التشهدِ الأولِ سهوًا يجبرهُ سجودُ السهوِ، وقولُهُ صلى الله عليه وسلم:"صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي"

(1)

يدلُّ على وجوبِ التشهدِ الأولِ، وجبرانُهُ هنا عندَ تركِهِ دلَّ على أنهُ وإنْ كانَ واجبًا فإنهُ [يُجْبَرُ بسجودِ]

(2)

السهوِ، والاستدلالُ على عدمِ وجوبهِ بأنهُ لو كانَ واجبًا لما جَبَرَهُ [سجود السهو]

(3)

؛ إذْ حقَّ الواجبِ أنْ يفعلَ بنفسهِ لا يتمُّ إذْ يمكنُ أنهُ كما قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ واجبُ، ولكنهُ إنْ تُرِكَ سهوًا جبرَهُ سجودُ السهوِ، وحاصلُهُ أنهُ لا يتمٌّ الاستدلالُ على عدمِ وجوبِهِ حتَّى يقومَ الدليلُ أن كلَّ واجبٍ لا يجزئُ عنهُ سجودُ السهوِ إنْ تُرِكَ سهوًا، وقولُهُ:"كبَّر" دليلٌ على شرعيةِ تَكبيرةِ الإحرامِ لسجودِ السهوِ، وأنَّها غيرُ مختصةٍ بالدخولِ في الصلاةِ، وأنهُ يُكَبِّرُها وإنْ كانَ لمْ يخرجْ منْ صلاتِهِ بالسلامِ منْها. وأما تكبيرةُ النقل فلمْ تذكرْ هنَا، ولكنَّها ذكرتْ في قولهِ:(وَفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ) أيْ: عنْ عبدِ اللَّهِ بن بحينةَ (يُكَبِّرُ فِي كلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِس، ويَسْجُد وَيَسْجُدُ النَّاسُ مَعَهُ) فيهِ دليلٌ على شرعيةِ تكبيرِ النَّقْلِ كما سلفَ في الصلاةِ. وقولُهُ: (مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ) كأنهُ عرفَ الصحابيُّ ذلكَ منْ قرينةِ الحالِ، فهذَا لفظٌ مدرجٌ

(4)

منْ كلامِ الراوي، ليسَ حكايةً لفعلهِ صلى الله عليه وسلم الذي شاهدَهُ، ولا لقولهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ فيهِ دليلٌ على أن محلَّ مثلِ هذَا السجودِ قبلَ السلامِ، ويأتي [ما يخالف هذا]

(5)

والكلامُ عليهِ. وفي روايةِ مسلمٍ دلالةٌ على وجوبِ متابعةِ الإمامِ. وفي الحديثِ دلالةٌ أيضًا على وجوبِ متابعتهِ وإنْ تركَ ما هذَا حالهُ، فإنهُ صلى الله عليه وسلم

(1)

وهو حديث صحيح وقد تقدَّم مرارًا.

(2)

في (أ): "يجبره سجود".

(3)

في (ب): "السجود".

(4)

المُدْرَج: هو زيادة الراوي الصحابي فمن دونه في متن الحديث وسنده، يحسبها من يروي الحديث أنها منه - لعدم فصلها عن الحديث - وليست منه.

انظر: "الباعث الحثيث شرح اختصار الحديث" لابن كثير. تأليف أحمد محمد شاكر "ص 69 - 73".

(5)

في (ب): "ما يخالفه".

ص: 270

أقرَّهم على متابعتهِ معَ تَرْكِهمْ للتشهدِ عَمْدًا، وفيهِ تأملٌ لاحتمالِ أنهُ ما ذكرَ أنهُ [تركَ]

(1)

وتركُوا إلا بعدَ تَلَبُّسهِ وَتَلبُّسِهِمْ بواجبٍ آخرَ.

‌نية الخروج مع ظن التمام وكلام الجاهل والناسي لا يبطل الصلاة

2/ 314 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صلاتَيَ الْعَشِيِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: قُصِرَتِ الصَّلَاةُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذَا الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قُصِرَتِ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ:"لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ"، فَقَالَ: بَلَى، قَدْ نَسِيتَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمّ كَبّرَ، ثُمّ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبّرَ، ثُمّ وَضَعَ رَأْسَهُ، فَكَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبّرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]

- وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ

(3)

: صَلَاةَ الْعَصْرِ. [صحيح]

- وَلأَبي دَاوُدَ

(4)

، فَقَالَ:"أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ "، فَأَوْمَأُوا: أيْ نَعَمْ، وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، لَكِنْ بِلَفْظِ: فَقَالُوا. [صحيح]

- وَفي رِوَايَةٍ لَهُ

(5)

: وَلَمْ يَسْجُدْ حَتى يَقَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ. [ضعيف]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ) هوَ بفتحِ العينِ المهملةِ وكسرِ الشينِ المعجمةِ وتشديدِ المثناةِ التحتيةِ، قالَ الأزهريُّ

(6)

:

(1)

في (أ): "تركه".

(2)

البخاري (رقم 1229)، ومسلم (رقم 97/ 573).

(3)

في "صحيحه"(رقم 99/ 573).

(4)

في "السنن"(رقم 1008).

(5)

في "السنن"(رقم 1012).

(6)

ذكره ابن منظور في "لسان العرب"(9/ 228).

ص: 271

[هو]

(1)

ما بينَ زوالِ الشمسِ وغروبها، وقدْ عيَّنَها أبو هريرةَ في روايةٍ لمسلمٍ أنَّها الظهرُ، وفي أُخرى أنَّها العصرُ ويأتي. وقدْ جمعَ بينَهمَا بأنَّها تعددتِ القصةُ، (رَكْعَتَيْنِ [ثُمَّ سَلَّمَ]

(2)

، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِي الْقَوْمِ) المصلينَ (أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ فَهَابَا أَنْ يكَلِّمَاهُ) أي: بأنهُ سلَّم على ركعتينِ، (وَخَرَجَ) منَ المسجدِ (سَرَعَانَ النَّاسِ) بفتحِ السينِ المهملةِ وفتحِ الراءِ، هوَ المشهورُ، وُيرَوى بإسكانِ الراءِ همُ المسرعونَ إلى الخروجِ، قيلَ: وبضمِّها، وسكونِ الراءِ، على أنهُ جمعُ سريعٍ كقفيزٍ وقفزانَ. (فَقَالُوا [أَقُصِرَتِ])

(3)

بضمِّ القاف وكسرِ الصادِ (الصَّلَاة)، ورُوِيَ بفتحِ القافِ وضمِّ الصادِ. وكلاهما صحيحٌ، والأولُ أشهرُ. (ورَجُلٌ يَدْعُوهُ) أي: يسميهِ (النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذَا الْيَدَيْنِ)، وفي روايةٍ [رجلٌ]

(4)

يُقالُ لهُ الخِرباقُ [بنُ عمرو](4) بكسرِ الخاءِ المعجمةِ وسكونِ الراءِ فباءٍ موحدةٍ آخرَهُ قافٌ، لُقِّبَ ذي اليدينِ لطولٍ كانَ في يديهِ. وفي الصحابةِ رجلٌ آخرَ يقالُ لهُ ذو الشمالينِ وهوَ غيرُ ذي اليدينِ. ووهمَ الزهريُّ فجعلَ ذا اليدينِ وذا الشمالينِ واحدًا. وقدْ بيَّنَ العلماءُ وهْمَهُ

(5)

(فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قصِرَتِ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في (أ): "قصُرت".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 185 - 186).

"ذو اليدين الصحابي رضي الله عنه مذكور في كتاب الصلاة في هذه الكتب اسمه الخرباق بن عمرو بخاء معجمة مكسورة وبموحده وقاف وهو من بني سُليم وهو الذي قال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت حين سلم في ركعتين.

وليس هو ذا الشمالين الذي قتل يوم بدر، لأن ذا الشمالين خزاعي قتل يوم بدر، وذو اليدين سلمي عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمانًا حتى روى المتأخرون من التابعين عنه. واستدل العلماء لما ذكرناه بأن أبا هريرة شهد قصة السهو في الصلاة .. وقد اجتمعوا على أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة بعد بدر بخمس سنين، وكان الزهري يقول إن ذا اليدين هو ذو الشمالين وأنه قتل ببدر وأن قصته في الصلاة كانت قبل بدر تابعه أصحاب أبي حنيفة على هذا وقالوا كلام الناسي في الصلاة يبطلها وادَّعوا أن الحديث منسوخ، والصواب ما سبق. وقد أطنب أعلام المحدثين في إيضاح هذا ومن أحسنهم له إيضاحًا الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتاب "التمهيد" في شرح "الموطأ". وقد لخصت مقاصد ما ذكره مع ما ذكره غيره في "شرح صحيح مسلم"، وفي "شرح المهذب". قال ابن عبد البر، واتفقوا على أن الزهري غلط في هذه القصة، والله أعلم". اهـ.

ص: 272

الصَّلَاة؟) أي: شرعَ اللَّهُ قصرَ الرباعيةِ إلى اثنتينِ (فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تْقْصَرْ)، أي: في ظنِّي (فَقَالَ: بَلَى قَدْ نَسِيتُ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سَلَّمَ، ثُمّ كَبّرَ ثمّ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثمَّ رَفَع رَأْسَهُ [فَكَبّرَ]

(1)

، [ثمّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أطْوَلَ، ثمَّ رَفَع رَأْسَهُ وَكَبّرَ]

(2)

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ).

‌فوائد قيمة في حديث ذي اليدين

[هذا](2) الحديثُ قدْ أطالَ العلماءُ الكلامَ عليهِ، وتعرَّضوا لمباحثَ أصوليةٍ وغيرَها. وأكثرُهمْ استيفاءً لذلكَ القاضي عياضُ، ثمَّ المحققُ ابنُ دقيقِ العيدِ في شرحِ العمدةِ

(3)

، وقدْ وفَّينا المقامَ حقَّهُ في حواشيْها

(4)

. والمهمُّ هنَا الحكمُ الفرعيُّ المأخوذُ منهُ، وهوَ أن الحديثَ دليلٌ على أن نيةَ الخروجِ منَ الصلاةِ وقطعِها إذا كانتْ بناءً على ظنِّ التمامِ لا يوجبُ بطلانَها، ولو سلَّمَ التسليمتينِ، وأنَّ كلامَ الناسي لا يبطلُ الصلاةَ، وكذا كلامُ مَنْ ظنَّ التمامَ. وبهذَا قالَ جمهورُ العلماءِ منَ السلفِ والخلفِ، وهوَ قولُ ابن عباسٍ، وابنِ الزبيرِ، وأخيْهِ عروةَ، وعطاءٍ، والحسنِ وغيرهِم. وقالَ بهِ الشافعيُّ، وأحمدُ، وجميعُ أئمةِ الحديثِ. وقالَ بهِ الناصرُ منْ أئمةِ الآلِ. وقالتِ الهادويةُ والحنفيةُ: التكلُّمُ في الصلاةِ ناسيًا أو جاهلًا يبطلُها مستدلينَ بحديثِ ابن مسعودٍ

(5)

، و [حديثِ]

(6)

زيدِ بن أرقمٍ

(7)

في النَّهي عن التكلمِ في الصلاةِ، وقالُوا: هما ناسخانِ لهذا الحديثِ. وأجيبَ بأنَّ حديثَ ابن مسعودٍ كانَ بمكةَ متقدِّمًا على حديث البابِ بأعوامٍ، والمتقدمُ لا ينسخُ المتأخرَ، وبأنَّ حديثَ زيدِ بن أرقمٍ، وحديثَ ابن مسعودٍ [أيضًا]

(8)

عمومانِ، وهذا الحديثُ خاصٌّ بمنْ تكلَّمَ ظانًّا لتمامِ صلاتهِ، فَيُخَصُّ بهِ [الحديثانِ المذكورانِ]

(9)

، فتجتمعُ الأدلةُ منْ غيرِ إبطالٍ لشيءٍ منْها. ويدلُّ الحديثُ أيضًا

(1)

في (أ): "وكبر".

(2)

زيادة من (ب).

(3)

(2/ 25 - 38).

(4)

(2/ 413 - 445).

(5)

وهو حديث صحيح، تقدَّم عند شرح الحديث رقم (20/ 212).

(6)

زيادة من (أ).

(7)

وهو حديث صحيح، تقدَّم تخريجه رقم (16/ 208).

(8)

زيادة من (ب).

(9)

في (أ): "الحديثين المذكورين".

ص: 273

[على]

(1)

أن الكلامَ عمدًا لإصلاحِ الصلاةِ لا يبطلُها كما في كلامِ ذي اليدينِ. وقولُهُ: "فقالُوا" يريدُ الصحابةُ: "نعم" كما في روايةٍ تأتي، فإنهُ كلامٌ عَمْدٌ لإصلاحِ الصلاةِ. وقدْ رُوِيَ عنْ مالكٍ أنَّ الإِمامَ إذَا تَكَلَّمَ بما تكلَّمَ بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم منَ الاستفسار والسؤالِ عندَ الشكِّ وإجابةِ المأمومِ: أنَّ الصلاةَ لا تفسدُ. وقدْ أجيبَ بأنهُ صلى الله عليه وسلم تكلَّمَ معتقدًا للتمامِ، وتكلَّمَ الصحابةُ معتقدينَ للنسخ، وظنُّوا حينئذٍ التمامَ. قلتُ: ولا يخفى أنَّ الجزمَ باعتقادِهم التمامَ محلُّ نظرٍ بلْ فيهمْ مترددٌ بينَ القصرِ والنسيانِ، وهوَ ذو اليدينِ. (نعمْ) سرعانُ الناسِ اعتقدُوا القصرَ ولا يلزمُ اعتقادُ الجميعِ، ولا يخفى أنهُ لا عذرَ عن العملِ بالحديثِ لمنْ يتفقُ لهُ مثلُ ذلكَ، وما أحسنَ كلامَ صاحبِ المنارِ؛ فإنهُ ذكرَ كلامَ [الهادوية ودعواهم]

(2)

نسخَهُ كما ذكرناهُ ثمَّ ردَّهُ بما رددناهُ ثمَّ قالَ: وأنا [أقولُ]

(3)

: أرجو اللَّهَ للعبدِ إذا لَقَيَ اللَّهَ عاملًا لذلكَ أن يثبتَهُ في الجوابِ بقولهِ صحَّ لي ذلكَ عنْ رسولِكَ، ولمْ أجدْ ما يمنعُهُ، وأنْ ينجوَ بذلكَ، ويثابَ على العملِ بهِ، وأخافُ على المتكلفينَ وعلى المجبرينَ على الخروجِ منَ الصلاةِ للاستئنافِ، فإنهُ ليسَ بأحوطَ كما تَرَى، لأنَّ الخروجَ بغيرِ دليلٍ ممنوعٌ، وإبطالٌ للعملِ.

وفي الحديثِ دليلٌ على أن الأفعالَ الكثيرةَ التي ليستْ منْ جنسِ الصلاةِ إذا وقعتْ سهوًا، أو معَ ظنِّ التمامِ لا تفسدُ بها الصلاةُ؛ فإنَّ في روايةٍ أنهُ صلى الله عليه وسلم خرجَ إلى منزلهِ، وفي أخرى يجرُّ رداءَهُ مغضبًا. وكذلكَ خروجُ سرعانِ الناسِ؛ فإنَّها أفعالُ كثيرةٌ قطعًا. وقد ذهبَ إلى هذا الشافعيِّ. وفيهِ دليلٌ على صحةِ البناءِ على الصلاةِ بعدَ السلامِ [سهوًا أو ظنًا للتمامِ، والجمهور عليه. وفيه دليل على صحة البناءِ على الصلاة]

(4)

وإنْ طالَ زمنُ الفصلِ بينهمَا. وقدْ رُويَ هذا عن ربيعةَ ونسبَ إلى مالكٍ وليسَ بمشهورٍ عنهُ، ومنَ العلماءِ مَنْ قَالَ: يختصُّ جوازُ البناءِ إذا كانَ الفصلُ بزمنٍ قريبٍ. وقيلَ: بمقدارِ ركعةٍ، وقيلَ: بمقدارِ الصلاةِ. ويدلُّ أيضًا [على أن]

(5)

سجودَ السهوِ [بعد السلام خلاف الحديث الأول، ويأتي فيه

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في (ب): "الهدي ودعواه".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في (ب): "أنه يجبرُ ذلك".

ص: 274

الكلام. ويدل أنه يجيز سجود السهو]

(1)

وجوبًا لحديثِ: "صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي"

(2)

. ويدلُّ أيضًا على أن سجودَ السهوِ لا يتعددُ بتعدُّدِ أسبابِ السهوِ. وأما تعيينُ الصلاةِ التي اتفقتْ فيها القصةُ، [فيدلُّ لهُ]

(3)

قولُهُ: (وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ) أي: منْ حديثِ أبي هريرةَ (صَلَاةَ الْعَصْرِ) عِوَضًا عنْ قولهِ في الروايةِ الأُولَى إحدى صلاتي العَشِيِّ، (وَلأَبي دَاوُدَ) أي: مِنْ حديثهِ أيضًا (فَقَالَ) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (أَصَدَقَ ذُو اليَدْينِ؟ فَأَوْمَأوا أيْ نَعَمْ، وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ بِلَفْظِ: فَقَالُوا).

قلت: وهيَ [في]

(4)

روايةٍ لأبي داودَ بلفظِ: "فقالَ الناسُ نعمْ"، وقالَ أبو داودَ: إنهُ لمْ يذكرْ فأومأوا إلَّا حمادُ بنُ زيدٍ (وفي روايةٍ لهُ) أي لأبي داودَ منْ حديثِ أبي هريرةَ: (وَلَمْ يَسْجُدْ حَتى يَقَّنَه اللَّهُ ذَلِكَ). ولفظُ أبي داودَ: "ولمْ يسجدُ سجدتيْ السهوِ حتَّى يقَّنهُ اللَّهُ ذلكَ". أي: صيرَ تسليمَهُ على ثنتينِ يقينًا عندهُ إما بوحيٍ أو تذكرٍ حصلَ لهُ اليقينُ [بهِ]

(5)

، واللَّهُ أعلمُ ما مستندُ أبي هريرةَ في [هذا]

(6)

.

‌هل للسهو تشهُّد

3/ 315 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ، فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسّنَهُ

(8)

، وَالْحَاكِمُ وَصَحّحَهُ

(9)

. [شاذ]

(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الحُصَيْنِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ،

(1)

زيادة من (أ).

(2)

وهو حديث صحيح تقدَّم تخريجه مرارًا.

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في (أ): "من".

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (أ): "ذلك".

(7)

في "السنن"(رقم 1039).

(8)

في "السنن"(رقم 395). وقال: حديث حسن غريب صحيح.

(9)

في "المستدرك"(1/ 323) وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(4/ 155 - 156 رقم 2660، 2662)، وابن خزيمة (2/ 134 رقم 1062)، والبيهقي (2/ 355)، والنسائي (3/ 26)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 297 رقم 761).

وهو حديث شاذ كما حققه الحافظ في "الفتح"(3/ 98 - 99)، والألباني في "الإرواء"(2/ 128 - 131 رقم 403).

ص: 275

ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحّحَهُ) في سياقِ حديثِ السننِ أن هذا السهوَ [هو]

(1)

سهوُهُ صلى الله عليه وسلم الذي في خبرِ ذي اليدينِ، فإنَّ فيهِ بعدَ أنْ ساقَ حديثَ أبي هريرةَ مثلَ ما سلفَ منْ سياقِ الصحيحينِ إلى قولهِ: ثمَّ رفعَ وكبَّرَ ما لفظهُ: "فقيلَ لمحمدٍ [أي]

(2)

ابن سيرينَ [الراوي]

(3)

سلَّمَ في السهوِ فقالَ: لمْ أحفظْهُ منْ أبي هريرةَ، ولكنْ نُبِّئْتُ أن عمرانَ بنَ الحصينِ قالَ: ثمَّ سلَّمَ". وفي السننِ أيضًا

(4)

منْ حديثِ عمران بن الحُصَيْنِ: "قالَ: سلَّمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في ثلاثِ ركعاتٍ منَ العصرِ، ثمَّ دخلَ، فقامَ إليهِ رجلٌ يقالُ لهُ الخرباقُ كانَ طويلَ اليدينِ - إلى قولهِ - فقالَ: أَصَدَقَ؟ فقالُوا: نعمْ، فصلَّى تلكَ الركعةَ، [ثم سلم]

(5)

، ثم سجدَ سجدتيْها، ثمَّ سلَّمَ" انتهَى. ويحتملُ أنَّها تعددتِ القصةُ.

وفي الحديثِ دليلٌ أنهُ [سجد]

(6)

عقيبَ الصلاةِ كما تدلُّ لهُ الفاءُ، وفيهِ تصريحٌ بالتشهدِ. قيلَ: ولمْ يقلْ أحدٌ بوجوبهِ. ولفظُ تَشهَّدَ يدلُّ أنهُ أَتَى بالشهادتينِ، وبهِ قالَ بعضُ العلماءِ. وقيلَ يكفي التشهدُ الأوسطُ، واللفظُ في الأولِ أظهرُ، وفيهِ دليلٌ على شرعيةِ التسليمِ كما تدلُّ لهُ روايةُ عمرانَ بن الحصينِ التي ذكرنَاها لا الروايةُ التي أتى بها المصنفُ، فإنّها ليستْ بصريحةٍ أن التسليمَ كانَ لسجدتي السهوِ، [فإنَّها تحتملُ]

(7)

أنهُ لم يكنْ صلى الله عليه وسلم سلَّمَ للصلاةِ، وأنهُ سجدَ [لهما]

(8)

قبلَ السلامِ، ثمَّ سلَّمَ تسليمَ الصلاةِ.

‌الشاك في الصلاة يبني على اليقين ويسجد للسهو

4/ 316 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاِتهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرْح الشَّكَّ وَلْيَبْنِ

(1)

زيادة من (أ).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

أخرجه أبو داود (رقم 1018)، والنسائي (3/ 26)، وابن ماجه (رقم 1215)، والشافعي في "ترتيب المسند"(رقم 357)، وأحمد في "المسند"(4/ 427)، والبيهقي (2/ 355)، ومسلم في "صحيحه"(1/ 404 رقم 101/ 574).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (ب): "يستحب".

(7)

في (أ): "لأنها يحتمل".

(8)

في (ب): "لها".

ص: 276

عَلَى مَا اسْتَيقَنَ. ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى تَمَامًا كَانَتَا تَرْغِيمًا للشَّيْطَانِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَح الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يسَلِّمَ؛ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا) في رباعيةِ (شَفَعْنَ) أي السجدتانِ (صَلَاتَهُ) صيَّرنَها شفعًا؛ لأنَّ السجدتينِ قامتا مقامَ ركعةٍ، وكأنَّ المطلوبَ منَ الرباعيةِ الشفعُ، وإنْ زادتْ على الأربعِ (وَإِنْ كَانَ صَلَّى تَمَامًا كانتا تَرْغِيمًا للشَّيْطَانِ) أي: إلصاقًا لأنفهِ بالرُّغامِ. والرُّغامُ بزنةِ غُرابٍ الترابُ، وإلصاقُ الأنفِ بهِ في قولِهمْ: رَغِمَ أَنفُهُ كنايةً عنْ [إذلاله]

(2)

وإهانتهِ، والمرادُ إهانةُ الشيطانِ حيثُ لبَسَ عليهِ صلاتَهُ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). الحديثُ [فيه دلالةٌ]

(3)

على أن الشاكَ في صلاتهِ يجبُ عليهِ البناءُ على اليقينِ عندَهُ، ويجبُ عليهِ أنْ يسجدَ سجدتين، وإلى هذا ذهبَ [جماهيرُ]

(4)

العلماءِ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ. و [ذهبت]

(5)

الهادويةُ وجماعةٌ منَ التابعينَ إلى وجوبِ الإعادةِ عليهِ حتى يستيقن، وقال بعضُهم: يعيدُ ثلاثَ مراتٍ؛ فإذا شكَ في الرابعةِ فلا إعادةَ عليه. والحديثُ معَ الأوَّلَيْنِ. والحديثُ ظاهرٌ في أن هذا حكمُ الشاكِّ مطلقًا مبتدأُ كانَ أو مبتلَى، وفرَّقَ الهادويةُ [بينهم]

(6)

فقالُوا في الأولِ يجبُ عليهِ الإعادةُ، وفي الثاني يتحرَّى بالنظرِ في الأماراتِ، فإنْ حصلَ له ظنُّ التمامَ أوِ النقصَ عملَ بهِ، وإنْ كانَ النظرُ في الأماراتِ لا يحصلُ لهُ بحسبِ العادةِ شيئًا فإنهُ يبني على الأقلِّ كما في هذا الحديثِ، وإنْ كانَ عادتُه أن يفيدَه النظرُ الظنَّ ولكنهُ لم يفدْه في هذهِ الحالةِ وجبَ عليه [أيضًا]

(7)

الإعادةُ، وهذا التفصيلُ يردُّ عليهِ هذا الحديثُ الصحيحُ، ويردَّ عليهِ

(1)

في "صحيحه"(رقم 88/ 571).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 83)، وأبو داود (رقم 1024)، والنسائي (3/ 27)، وابن ماجه (رقم 1210)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 241)، والدارقطني (1/ 371 رقم 20)، والبيهقي (2/ 331) وله عندهم ألفاظ.

(2)

في (أ): "ذلة".

(3)

في (أ): "دليل".

(4)

في (أ): "جماعة".

(5)

في (ب): "ذهب".

(6)

في (ب): "بينهما".

(7)

زيادة من (ب).

ص: 277

أيضًا حديثُ عبدِ الرحمنِ بن عوفٍ عندَ أحمدَ

(1)

قالَ: "سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِهِ فلمْ يدرِ واحدةً صلَّى أو اثنتينِ، فليجعلْها واحدةً، وإذا لمْ يدرِ ثنتينِ صلَّى أم ثلاثًا فليجعلْها ثنتينِ، وإذا لمْ يدرِ ثلاثًا صلَّى أو أربعًا فليجعلْها ثلاثًا، ثمَّ يسجدُ إذا فرغَ منْ صلاتهِ وهوَ جالسٌ قبلَ أنْ يُسلِّمَ سجدتينِ".

‌قيام الإمام إلى الخامسة لا يفسد صلاة المؤتم

5/ 317 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيء؟ قَالَ:"وَمَا ذَاكَ؟ " قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمّ سَلَّمَ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ:"إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاةِ شيءٌ أَنبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُوني، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاِتهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوابَ، فَلْيُتِمّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَين"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

[صحيح]

- وَفِي رِوَايةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "فَليُتِمّ ثَمّ يُسَلِّمْ ثُمّ يَسْجُد". [صحيح]

- وَلمُسْلِمٍ: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ سَجْدَتي السّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ. [صحيح]

(1)

في "المسند"(1/ 190).

قلت: وأخرجه الترمذي (رقم 398)، وابن ماجه (رقم 1209)، والبيهقي (2/ 332)، والحاكم (1/ 324 - 325) وغيرهم. من طريق محمد بن إسحاق عن مكحولَ عن كريب عن ابن عباس عنه. وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. كذا قال، ومكحول، وابن إسحاق مدلِّسان وقد عنعناه، فأنَّى له الحُسن فضلًا عن الصحة.

نعم صرَّح ابن إسحاق بالتحديث في رواية أحمد (1/ 193)، ولكنه أرسله عن مكحول، ووصله من طريق غيره، وفيه حسين بن عبد الله ضعيف. وللحديث شواهد يتقوَّى بها إلى الحسن.

انظر: "التلخيص الحبير"(2/ 5 رقم 476)، و"الصحيحة" للألباني (رقم: 1356).

(2)

البخاري (رقم 401) و (رقم 404) و (رقم 1226) و (رقم 6671) و (رقم 7249)، ومسلم (رقم 89، 90 و 91 و 92 و 93 و 94 و 95 و 96 و 572).

قلت: وأخرجه أحمد (1/ 379)، وأبو داود (رقم 1019)، والترمذي (رقم 392)، والنسائي (3/ 31)، وابن ماجه (رقم 1205)، والبيهقي (2/ 341).

ص: 278

(وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أي: إحدَى الرباعياتِ خمسًا، وفي روايةٍ أنهُ قالَ إبراهيمُ النخعيُّ:"زادَ أو نقصَ"، (فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيءٌ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا، فَثَنى رِجْلَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمّ سَلَّمَ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيءٌ [أَنْبَأتُكُمْ]

(1)

بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) في البشريةِ، وبَيَّنَ وجهَ المثليةِ بقولهِ (أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ؛ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُوني؛ وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِه) هلْ زادَ أو نقصَ (فَلْيَتَحَرَّ الصوابَ) بأنْ يعملَ بظنهِ منْ غيرِ تفْرقَةٍ بينَ الشكِّ في ركعةٍ أوْ ركنٍ. وقدْ فسَّرهُ حديثُ عبدِ الرحمنِ بن عوفٍ الذي قدمنَاهُ، (فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْن. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). ظاهرُ الحديثُ أنَّهم تابعوهُ صلى الله عليه وسلم على الزيادةِ، ففيهِ دليلٌ على أن متابعةَ المؤتمِّ للإمامِ فيما ظنهُ واجب لا يفسدُ صلاتَهُ؛ فإنهُ صلى الله عليه وسلم لمْ يأمرْهمْ بالإعادةِ. وهذا في حقِّ [أصحابه](2) في مثلِ هذهِ الصورةِ لتجويزهمْ التغييرَ في عصرِ النبوةِ، فأمَّا لو اتفقَ الآنَ قيامُ الإمامِ إلى الخامسةِ سبَّحَ لهُ مَنْ خَلْفَهُ، فإنْ لم يقعدْ انتظروهُ قعودًا حتى يتشهدُوا بتشهدِهِ، ويسملِّمُوا بتسليمهِ، فإنَّها لم تفسدْ عليهِ حتَّى يقالَ يعزلونَ بلْ فعلَ ما هوَ واجبٌ في حقِّهِ. وفي هذا دليلٌ على أن محلَّ سجودِ السهو بعدَ السلامِ، إلَّا أنهُ [قدْ]

(2)

يقالُ إنهُ صلى الله عليه وسلم ما عرفَ سهوَهُ في الصلاةِ إلَّا بعدَ أنْ سلَّمَ منْها، فلا يكونُ دليلًا. وقدِ اختلفتِ الأحاديثُ في محلِّ سجودِ السهوِ واختلفتْ بسببِ ذلكَ أقوالُ الأئمةِ، قالَ بعضُ أئمةِ الحديثِ: أحاديثُ باب سجودِ السهوِ [قدْ]

(3)

تعدَّدتْ، (منْها) حديثُ أبي هريرةَ

(4)

فيمنْ شكَّ [فلمْ]

(5)

يَدْرِ كَمْ صَلَّى، وفيهِ الأمرُ أنْ يسجدَ سجدتينِ، ولمْ يذكرُ موضعَهما، وهوَ حديثٌ أخرجهُ الجماعةُ، ولمْ يذكرُوا فيهِ محلَّ السجدتينِ، هلْ قبلَ السلامِ أو بعدَهُ. نعمْ عندَ أبي داودَ

(6)

، وابنِ ماجَه

(7)

، فيهِ زيادةٌ: "قبلَ

(1)

في (أ): "لأنبأتكم".

(2)

في (أ): "الصحابة".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

تقدم رقم (2/ 314).

(5)

في (أ): "ولم".

(6)

في "السنن"(رقم 1030 و 1031 و 1032).

(7)

في "السنن"(رقم 1216).

ص: 279

أنْ يسلِّم". وحديثُ أبي سعيدٍ

(1)

مَنْ شكَّ وفيهِ" [أنه]

(2)

يسجدُ سجدتينِ قبلَ [التسليمِ]

(3)

"، وحديثُ أبي هريرةَ

(4)

وفيهِ القيامُ إلى الخشبةِ، وأنهُ سجدَ بعدَ السلامِ، وحديثُ ابن بحينةَ

(5)

؛ وفيهِ السجودُ قبلَ السلامِ، ولما وردتْ هكذا اختلفتْ آراءُ العلماءِ في الأخذِ بها، فقالَ داودُ: تستعملُ في مواضعِها على ما جاءتْ بهِ ولا يقاسُ عليها، ومثلُه قالَ أحمدُ في هذه الصلاةِ خاصةً، [وخالفَ]

(6)

فيما سواها، فقالَ: يسجدُ قبلَ السلامِ لكلِّ سهوٍ. وقالَ آخرونَ: هوَ مخيرٌ في كلِّ سهوٍ إنْ شاءَ سجدَ بعدَ السلامِ وإنْ شاءَ قبلَ السلامِ في الزيادةِ والنقصِ. وقالَ مالكٌ: إنْ كانَ السجودُ لزيادةٍ سجدَ بعدَ السلامِ، وإنْ كانَ لنقصانٍ سجدَ قبلَه. وقالتِ الهادويةُ والحنفيةُ: الأصلُ في سجودِ السهوِ بعدَ السلامِ، وتأولُوا الأحاديثَ الواردةَ في السجودِ قبلَه [وستأتي أدلتَهم]

(7)

. وقالَ الشافعيُّ: الأصلُ السجودُ قبلَ السلامِ، وردَّ ما خالفَهُ منَ الأحاديث بادعائهِ نسخَ السجودِ بعدَ السلامِ. ورُويَ عن الزهريِّ

(8)

قالَ: "سجدَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سجدتيْ السهوِ قبلَ السلامِ وبعدَهُ، وآخرُ الأمرينِ قبلَ السلام. وأيَّدَهُ بروايةِ معاويةَ

(9)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم سجدَهَما قبلَ السلامِ"، وصحبتهُ متأخرةٌ. وذهبَ إلى مثلِ قولِ الشافعيِّ أبو هريرةَ، ومكحولٌ، والزهريُّ، وغيرُهم. قالَ في الشرحِ: وطريقُ الإنصافِ أن الأحاديثَ الواردةَ في ذلكَ قولًا وفعلًا فيها نوعُ تعارضٍ. وتقدُّمُ بعضِها، وتأخرُ

(1)

تقدم رقم (4/ 316).

(2)

في (أ): "أن".

(3)

في (أ): "السلام".

(4)

تقدم رقم (2/ 314).

(5)

قدم رقم (1/ 313).

(6)

في (ب): "وخالفه".

(7)

في (أ): "وتأتي أدلته".

(8)

ذكره البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 341)، والحازمي في "الاعتبار"(ص 300)، وهو حديث منقطع، لا يقع معارضًا للأحاديث الثابتة.

(9)

أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 439)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 334)، وأصله عند النسائي (3/ 33)، والدارقطني (1/ 375 رقم 4) إلا أن التصريح بالسجود قبل السلام إنما وقع صريحًا عند الآخرين، وهو من رواية محمد بن يوسف مولى عثمان عن أبيه أن معاوية بن أبي سفيان صلى بهم فقام وعليه جلوس فلم يجلس، فلما كان في آخر صلاته سجد سجدتين قبل أن يسلم. وقال: هكذا رأيت رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصنع. وهو حديث ضعيف.

ص: 280

البعضِ غيرُ ثابتٍ برواية صحيحةٍ موصولةٍ، حتَّى يستقيمَ القولُ بالنسخِ، فالأَوْلى الحملُ على التوسيعِ في جوازِ الأمرينِ. ومنْ أدلةِ الهادويةُ والحنفيةُ روايةُ البخاريِّ التي أفادَها [قَولُهُ]

(1)

: (وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ) أي: من حديث ابن مسعودٍ: (فَليُتِمّ، ثمّ يُسَلِّمْ، ثُمّ يَسْجُدْ) ما يدلُّ على أنهُ بعدَ السلامِ، وكذلكَ روايةُ مسلمٍ التي أفادَها [قولُهُ] (1):(وَلِمُسْلمٍ) أي: منْ حديثِ ابن مسعودٍ: (أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ سَجْدَتي السّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ) منَ الصلاةِ (وَالْكَلَامِ) أي: الذي خوطبَ بهِ وأجابَ عنهُ بما أفادهُ اللفظُ الأولُ. ويدلُّ لهُ أيضًا:

6/ 318 - وَلأَحْمَدَ

(2)

، وَأَبي دَاوُدَ

(3)

، وَالنَّسَائِيِّ

(4)

، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ مَرْفُوعًا:"مَنْ شَكَّ فِي صَلَاِتهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ"، وَصَحّحَه ابْنُ خُزَيْمَةَ

(5)

. [ضعيف]

(وَلأَحْمَدَ، وَأَبي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ مَرْفوعًا: مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا يسَلِّمُ. وَصَحّحَة ابْن خزَيْمَةَ)؛ فهذهِ أدلةُ مَنْ يقولُ إنهُ يسجدُ بعدَ السلامِ مطلقًا، ولكنهُ قدْ عارضَها ما عرفتَ. فالقولُ بالتخييرِ أقربُ الطرقِ إلى الجمعِ بينَ الأحاديثِ كما عرفتَ. قالَ الحافظُ أبو بكرٍ البيهقيِّ: رُوِّينَا [عن النبيِّ]

(6)

صلى الله عليه وسلم[أنه]

(7)

سجدَ للسهوِ قبلَ السلامِ، وأنهُ أمرَ بذلكَ. ورُوِّينَا أنهُ سجدَ بعدَ السلامِ، وأنهُ أمرَ [بهِ]

(8)

. وكلاهُما صحيحٌ ولهما شواهدُ يطولُ بذكرِهَا الكلامُ ثمَّ قالَ: الأشبهُ بالصوابِ جوازُ الأمرينِ جميعًا. قالَ: وهذا مذهبُ كثيرٍ منْ أصحابنَا.

(1)

في (أ): "بقوله".

(2)

في "المسند"(رقم: 1747 و 1752 و 1753 و 1761 - بتحقيق شاكر).

(3)

في "السنن"(رقم 1033).

(4)

في "السنن"(3/ 30).

وهو حديث ضعيف. وكذا ضعَّفه الألباني في ضعيف أبي داود والنسائي و"الجامع الصغير".

(5)

في "صحيحه"(2/ 116 رقم 1033) ثم قال: "هكذا قال أبو موسى: عن عقبة بن محمد بن الحارث. قال أبو بكر: وهذا الشيخ يختلف أصحاب ابن جريج في اسمه، قال حجاج بن محمد وعبد الرزاق: عتبة بن محمد، وهذا الصحيح حسب علمي" اهـ.

(6)

في (أ): "أنه".

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في (أ): "بذلك".

ص: 281

‌ماذا يصنع من قام للثالثة بدون تشهد

7/ 319 - وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَينِ، فَاسْتَتَمَّ قَائِمًا، فَلْيَمْضِ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنُ لَمْ يَسْتِتِمَّ قَائمًا فَلْيَجْلِسْ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

، وَابْنُ مَاجَهْ

(2)

، وَالدَّارَقُطْنيُّ

(3)

، وَاللَّفْظُ لَهُ، بِسَنَدٍ ضعِيفٍ. [صحيح لغيره]

(وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَاسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلْيَمْضِ)، ولا يعودُ للتشهدِ الأولِ، (وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ)، لمْ يذكرْ محلَّهمَا؛ (فَإِنَّ لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ) ليأتي بالتشهدِ الأولِ، (وَلَا سَهْوَ عَلَيهِ. رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ، وَابْن مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ). وذلكَ أن مدارَهُ في جميعِ طرقِهِ على جابرٍ الجعْفيِّ، وهوَ ضعيفٌ. وقدْ قالَ أبو داودَ

(4)

: ليسَ في كتابي عنْ جابرٍ الجعْفيِّ غيرُ هذا الحديثِ. وفي الحديثِ دلالةٌ على أنهُ لا يسجدُ للسهوِ إلَّا لفواتِ التشهدِ الأولِ، لا لفعلِ القيامِ، لقولهِ:"ولا سهوَ عليهِ". وقدْ ذهبَ إلى هذا جماعةٌ، وذهبتِ الهادويةُ، وابنُ حنبلٍ إلى أنهُ يسجدُ للسهوِ لما أخرجهُ البيهقيُّ

(5)

منْ حديثِ أنسٍ: "أنهُ تحركَ للقيامِ منَ الركعتينِ الأُخريينِ منَ العصرِ على جهةِ السهوِ، فسبَّحُوا فقعدَ، ثمَّ سجدَ للسهوِ"، وأخرجهُ الدارقطنيُّ

(6)

. والكلُّ منْ فعلِ أنسٍ موقوفٌ عليهِ، إلَّا أنَّ في بعضِ طُرقِهِ أنهُ قالَ:"هذهِ السنةُ". وقدْ رُجِّحَ حديثُ المغيرةِ عليهِ لكونهِ مرفوعًا، ولأنهُ يؤيدُهُ حديثُ ابن

(1)

في "السنن"(رقم 1036).

(2)

في "السنن"(رقم 1208).

(3)

في "السنن"(1/ 378 رقم 1).

قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(4/ 253، 254)، والبيهقي (2/ 343)، وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف جدًّا. لكن تابعه إبراهيم بن طهمان، وقيس بن الربيع عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 440). فالحديث صحيح بطرقه ومتابعاته.

انظر: "إرواء الغليل" للمحدث الألباني (2/ 109 - 111).

(4)

في "السنن"(1/ 629).

(5)

في "السنن الكبرى"(2/ 343).

(6)

في "العلل" - كما في "التلخيص"(2/ 6 رقم 480).

ص: 282

عمرَ مرفوعًا: "لا سهوَ إلا في قيام عنْ جلوسٍ، أوْ جلوسٍ عنْ قيامٍ"، أخرجهُ الدارقطنيُّ

(1)

، والحاكمُ

(2)

، والبيهقيُّ

(3)

، وفيهِ ضعفٌ. ولكنْ يؤيدُ ذلكَ أنَّها قدْ وردتْ أحاديثُ كثيرةٌ في الفعلِ القليلِ، وأفعالٍ صدرتْ منهُ صلى الله عليه وسلم، ومنْ غيرهِ معَ علمهِ بذلكَ، ولمْ يأمرْ فيها بسجودِ السهوِ، ولا سجدَ لما صدرَ عنهُ منْها. قلتُ: وأخرجَ النسائيُّ

(4)

مِنْ حديث ابن بُحَيْنَةَ "أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى فقامَ في الركعتينِ، فسبَّحوا لهُ فمضَى، فلما فرغَ منْ صلاتهِ سجدَ سجدتينِ، ثمَّ سلَّمَ"، وأخرجَ أحمدُ

(5)

، والترمذيُّ

(6)

، وصححهُ منْ حديثِ زيادِ بن علاقةَ قالَ:"صلَّى بنَا المغيرةُ بنُ شعبةَ، فلمَّا صلَّى ركعتينِ قامَ ولمْ يجلسْ، فسبَّحَ لهُ مَنْ خَلَفهُ، فأشارَ إليهمْ أن قومُوْا، فلمَّا فرغَ مِنْ صلاتِهِ سلَّمَ ثمَّ سجدَ سجدتينِ، وسلَّمَ، ثمَّ قالَ: هكذا صنعَ بِنَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ". إلَّا أن هذهِ فيمَنْ مضَى بعدَ أنْ [يسبِّحُوا]

(7)

لهُ، فيحتملُ أنهُ سجدَ لتركِ التشهدِ، وهوَ الظاهرُ.

‌ليس على من خلف الإمام سهو

8/ 320 - وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ سَهْوٌ، فَإِنْ سَهَا الإِمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ"، رَوَاهُ الترْمِذِيُّ

(8)

، وَالْبَيْهَقيُّ

(9)

بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]

(وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ سَهْوٌ: فَإِنْ سَهَا

(1)

في "السنن"(1/ 377 رقم 2).

(2)

في "المستدرك"(1/ 324) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

(3)

في "السنن الكبرى"(2/ 344 - 345).

(4)

في "السنن"(2/ 244).

(5)

في "المسند"(4/ 253).

(6)

في "السنن"(2/ 201 رقم 365) وقال: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 1037)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 439)، والبيهقي (2/ 344).

وهو حديث حسن، وكذلك حسَّنه الشيخ عبد القادر في "جامع الأصول"(5/ 533).

(7)

في (أ): "سبحوا".

(8)

عزوه للترمذي وهم لعله من بعض النساخ.

(9)

في "السنن الكبرى"(2/ 352) وقال: حديث ضعيف، وأبو الحسين هذا مجهول.

وأما خارجة بن مصعب فهو متروك، وكان يدلس عن الكذابين، ويقال: إن ابن معين كذبه"، قاله الحافظ في "التقريب" (1/ 210 - 211 رقم 7).

ص: 283

الإِمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ. رَوَاهُ [التِّرْمِذِيُّ]

(1)

، وَالْبَيْهَقيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ)، وأخرجه الدارقطنيُّ

(2)

في السننِ [بلفظٍ آخرَ]

(3)

، وفيهِ زيادةٌ: "وإنْ سَهَا مَنْ خَلْفَ الإمامِ، [فليسَ]

(4)

عليهِ سهوٌ والإمامُ كافيهِ"، والكلُّ منَ الرواياتِ فيها خارجةُ بنُ مصعبٍ ضعيفٌ

(5)

. وفي البابِ عن ابن عباسٍ

(6)

إلَّا أن فيهِ متْروكًا.

والحديثُ دليلٌ على أنهُ لا يجبُ على المؤتمِّ سجودُ السهوِ إذا سَهَا في صلاتِهِ، وإنَّما يجبُ عليهِ إذا سَهَا الإمامُ فقط، وإلى هذَا ذهبَ زيدُ بن عليٍّ، والناصرُ، والحنفيةُ، والشافعيةُ. وذهبَ الهادي إلى أنهُ يسجدُ للسهوِ لعمومِ [أدلةِ]

(7)

[سجود السهوِ]

(8)

للإمامِ والمنفردِ والمؤتمِّ. والجوابُ أنهُ لو ثبتَ هذا الحديثُ لكانَ مخصَّصًا لعموماتِ أدلةِ سجودِ السَّهوِ، ومعَ عدمِ ثبوتِهِ، فالقولُ قولُ الهادي

(9)

.

‌هل يُكتفى بسجودٍ واحد إذا تكرر السهو

9/ 321 - وَعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لِكلِ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(10)

، وَابْنُ مَاجَهْ

(11)

بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. [حسن لغيره]

(1)

في (أ): "البزار". قلت: لم أجده في "مسنده".

(2)

في "السنن"(1/ 377 رقم 1).

(3)

في (أ): "بلفظه".

(4)

في (أ): "فلا".

(5)

بل متروك كما تقدم.

(6)

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(5/ 1722) في ترجمة عمر بن عمرو أبو حفص الطحان العسقلاني. وهو في عداد من يضع الحديث.

(7)

في (أ): "أدلته".

(8)

زيادة من (ب).

(9)

تعقب الألباني الصنعاني في "الإرواء"(2/ 132) بقوله: "نحن نعلم يقينًا أن الصحابة الذين كانوا يقتدون به صلى الله عليه وسلم كانوا يسهون وراءه صلى الله عليه وسلم سهوًا يوجب السجود عليهم لو كانوا منفردين، هذا أمر لا يمكن لأحد إنكاره. فإذا كان كذلك، فلم ينقل أن أحدًا منهم سجد بعد سلامه صلى الله عليه وسلم، ولو كان مشروعًا لفعلوه، ولو فعل لنقلوه، فإذا لم ينقل، دل على أنهُ لم يشرع. وهذا ظاهر إن شاء الله تعالى

" اهـ.

(10)

في "السنن"(رقم 1038).

(11)

في "السنن"(رقم 1219).

قلت: وأخرجه البيهقي (2/ 237)، وأحمد (5/ 280).

وفيه: زهير بن سالم فإنه لم يوثقه أحد غير ابن حبان. وقال الدارقطني: منكر الحديث، فهو علة الحديث. فالحديث ضعيف من أجل زهير هذا لكن له شواهد يتقوى بها فهو بها حسن. انظر:"إرواء الغليل" للألباني (2/ 47 - 48).

ص: 284

(وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لِكلِّ سَهْوِ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ) قالُوا: لأنَّ في إسنادهِ إسماعيلَ بنَ عياشٍ، وفيهِ مقالٌ وخلافٌ. قالَ البخاريُّ

(1)

: إذا حدَّثَ عنْ أهلِ بلدِهِ يعني الشاميينَ فصحيحٌ، وهذا الحديثُ منْ روايتِهِ عن الشاميينَ، فتضعيفُ الحديثِ بهِ فيهِ نظرٌ.

والحديثُ دليلٌ لمسألتينِ، (الأُولى): أنهُ إذا تعددَ المقتضِي لسجودِ السهوِ تعددَ لكلِّ سهوٍ سجدتانِ، وقدْ حُكِي عن ابن أبي ليلَى. وذهبَ الجمهورُ إلى أنهُ لا يتعددُ السجودُ وإنْ تعددَ موجبُهُ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ ذي اليدينِ سلَّمَ وتكلَّمَ ومشَى ناسيًا ولم يسجدْ إلا سجدتينِ، ولئنْ قيلَ، إنَّ القولَ أَوْلى بالعملِ بهِ منَ الفعلِ، فالجوابُ أنهُ لا دلالةَ فيهِ على تعددِ السجودِ لتعددِ مقتضيْهِ، بلْ هوَ للعمومِ لكلِّ ساهٍ؛ فيفيدُ الحديثُ أن كلَّ مَنْ سَهَا في صلاتهِ بأيِّ سهْوٍ كان يشرعُ لهُ سجدتانِ، ولا يختصانِ بالمواضعِ التي [سَهَا فيها]

(2)

النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولا بالأنواعِ التي سَهَا بها. والحملُ على هذا المعنَى أَوْلَى مِنْ حملِهِ على المعنَى الأولِ، وإنْ كانَ هوَ الظاهرُ فيهِ، جمعًا بينَه وبينَ حديثِ ذي اليدينِ، على أن لكَ أنْ تقولَ: إنَّ حديثَ ذي اليدينِ لمْ يقعْ فيهِ السهوُ المذكورُ حالَ الصلاةِ؛ فإنهُ محلُّ النزاعِ فلا يعارضُ حديثُ [البابِ]

(3)

. (والمسألةُ الثانيةُ) يحتجُّ بهِ مَنْ يرى سجودَ السهوِ بعدَ السلامِ. وتقدمَ فيهِ تحقيقُ الكلامِ

(4)

.

‌حكم سجود التلاوة ومواضعه

10/ 322 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في

(1)

في "التاريخ الكبير"(1/ 370).

(2)

في (ب): "بيَّنها".

(3)

في (ب): "الكتاب".

(4)

وخلاصة القول: أن سجود السهو سجدتان قبل التسليم في موضعين: (الأول): إذا كان عن نقص، لحديث عبد الله بن بُحينة المتقدم رقم (1/ 311).

(الثاني): إذا كان عن شك لم يترجح فيه أحد الأمرين، لحديث أبي سعيد الخدري (رقم 4/ 314).

وسجدتان بعد التسليم في موضعين أيضًا. (الأول): إذا كان عن زيادة، لحديث عبد الله بن مسعود رقم (5/ 315).

(الثاني): إذا كان عن شك ترجح فيه أحد الأمرين، لحديث ابن مسعود.

وانظر: كتابنا: "الأدلة الرضية لمتن الدرر البهية في المسائل الفقهية"(ص 77 - 79).

ص: 285

{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}

(1)

، وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}

(2)

، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ). هذا منْ أحاديثِ سجودِ التلاوةِ، وهوَ داخلٌ في ترجمةِ المصنفِ الماضيةِ كما عرفتَ حيثُ قالَ: بابُ سجودِ السهوِ وغيرِهِ. والحديثُ دليلٌ على مشروعيةِ سجودِ التلاوةِ. وقدْ أجمعَ على ذلكَ العلماءُ، وإنَّما اختلفُوا في الوجوبِ، وفي مواضعِ السجودِ، فالجمهورُ [على]

(4)

أنهُ سنةٌ. وقالَ أبو حنيفةَ: واجبٌ غيرُ فرضٍ، ثمَّ هوَ سنةٌ في حقِّ التالي والمستمعِ [إنْ]

(5)

سجدَ التالي. وقيلَ: وإنْ لم يسجدْ، [وأما]

(6)

مواضعُ السجودِ فقالَ الشافعيُّ: يسجدُ فيما عدا المفصلِ

(7)

، فيكونُ أحدَ عشرَ موضِعًا.

وقالتِ الهادويةُ والحنفيةُ في أربعةَ عشرَ محلًا، إلَّا أنَّ الحنفيةَ لا يعدُّونَ في الحجِ إلَّا سجدةً، واعتبروا بسجدةِ سورةِ {ص} ، والهادويةُ عكسُوا ذلكَ كما ذَكَرَ [ذلك]

(8)

- المهدي [في البحرِ]

(9)

. وقالَ أحمدُ وجماعةٌ: يسجدُ في [خمسةَ]

(10)

عشر موضعًا عدُّوا سجدتي الحجِّ وسجدةَ {ص} .

(1)

سورة الانشقاق: الآية 1.

(2)

سورة العلق: الآية 1.

(3)

في "صحيحه"(رقم 108/ 578).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 1407)، والترمذي (رقم 573 و 574)، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (2/ 161 و 162)، وابن ماجه (رقم 1058).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في (أ): "إذا".

(6)

في (ب): "فأما".

(7)

وتسميته بالمفصَّل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة.

والمفصَّل: قيل: من أول سورة {ق} ، وقيل: من أول {الْحُجُرَاتِ} ، وقيل: غير ذلك. وأقسامه ثلاثة: طواله، وأوساطه، وقصاره.

فطواله: {ق} أو {الْحُجُرَاتِ} إلى {عَمَّ} أو {الْبُرُوجِ} .

- وأوساطه: من {عَمَّ} أو {الْبُرُوجِ} إلى {الضُّحَى} أو إلى {لَمْ يَكُنِ} .

- وقصاره: من {الضُّحَى} أو {لَمْ يَكُنِ} إلى آخر القرآن - على خلاف في ذلك.

[مباحث في علوم القرآن "للشيخ مناع القطان" (ص 145 - 146)].

(8)

في (أ): "الإمام".

(9)

(1/ 344). وما بين الحاصرتين زيادة من (ب).

(10)

في (أ): "خمس".

ص: 286

‌هل يشترط لسجود التلاوة ما يشترط للصلاة

واختلفوا أيضًا هلْ يشترطُ فيها ما يشترطُ في الصلاةِ منَ الطهارةِ وغيرِها؟ فاشترطَ ذلكَ جماعةٌ، وقالَ قومٌ: لا يشترطُ. وقالَ البخاريُّ

(1)

: كانَ ابنُ عمرَ يسجدُ على غيرِ وضوءٍ. وفي مسندِ ابن أبي شيبةَ

(2)

: "كانَ ابنُ عمرَ ينزلُ عنْ راحلتهِ فيهريقُ الماءَ، ثمَّ يركبُ فيقرأُ السجدةَ فيسجدُ وما يتوضأُ". ووافقَهُ الشعبيُّ على ذلكَ. ورُوِيَ عن ابن عمرَ أنهُ لا يسجدُ الرجلُ إلَّا وهوَ طاهرٌ. وجمعَ بينَ قولهِ وفعلهِ [بحمله]

(3)

على الطهارةِ منَ الحدثِ الأكبرِ.

قلتُ: والأصلُ أنهُ لا يشترِطُ الطهارةَ إلَّا بدليلٍ، وأدلةُ وجوبِ الطهارةِ وردتْ للصلاةِ، والسجدةُ لا تُسَمَّى صلاةً، فالدليلُ علَى مَنْ شَرطَ ذلكَ. وكذلكَ أوقاتُ الكراهةِ وردَ النهيُ عن الصلاةِ فيها فلا تشملِ السجدةِ الفرْدَةَ. وهذا الحديثُ دلَّ على السجودِ للتلاوةِ في المفصَّلِ، ويأتي الخلافُ في ذلكَ. ثمَّ رأيتُ لابنِ حزم كلامًا في شرحِ المحلَّى

(4)

لفظُهُ: (السجودُ في قراءةِ القرآنِ ليسَ [ركعةً أوْ]

(5)

ركعتينِ فليسَ صلاةً، وإذا كانَ ليسَ صلاةً فهوَ جائزٌ بلا وضوءٍ، وللجنب والحائضِ، وإلى غيرِ القبلةِ كسائرِ الذِّكرِ، ولا فرقَ إذْ لا يلزمُ الوضوءُ إلَّا للصلاةِ، ولمْ يأتِ بإيجابهِ لغيرِ الصلاةِ قرآن، ولا سنةٌ، ولا إجماعٌ، ولا قياسٌ؛ فإنْ قيلَ: السجودُ منَ الصلاةِ، وبعضُ الصلاةِ صلاةٌ، قُلْنَا: والتكبيرُ بعضُ الصلاةِ، [وقراءة القرآن بعض الصلاة]

(6)

، والجلوسُ والقيامُ والسلامُ بعضُ الصلاةِ، فهلْ [يلتزمونَ]

(7)

أنْ لا يفعلَ أحدٌ شيئًا منْ هذهِ الأفعالِ والأقوال إلَّا وهوَ على وضوءٍ، هذا لا يقولونَهُ ولا يقولهُ أحدٌ)، انتهَى [بتلخيص]

(8)

.

‌سجد صلى الله عليه وسلم في {ص}

11/ 323 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: {ص} لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ

(1)

في "صحيحه"(2/ 553) رقم الباب (5).

(2)

في "المصنف"(2/ 14).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

ذكر ابن حزم في "المحلَّى بالآثار"(3/ 330 - 331) كلامًا قريبًا من ذلك.

(5)

في (أ): "ركعة ولا".

(6)

زيادة من (أ).

(7)

في (أ): "يلزمون".

(8)

زيادة من (أ).

ص: 287

السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِيهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: {ص} لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِيهَا. رَوَاه الْبُخَارِيُّ) أي: ليستْ مما وردَ في السجودِ فيها أمرٌ، ولا تحريضٌ، ولا تخصيصٌ، ولا حثٌ، وإنَّما وردَ بصيغةِ الإخبارِ عنْ داودَ عليه السلام بأنهُ فعلَها وسجدَ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم فيها اقتداءً بهِ لقولهِ تعالى:{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}

(2)

. وفيهِ [دلالةٌ]

(3)

على أن المسنوناتِ قدْ يكونُ بعضُها آكدَ منْ بعضٍ. وقدْ [وردَ أنهُ]

(4)

قالَ صلى الله عليه وسلم: "سجدَهَا داودُ توبةً، وسجدْناها شكرًا"

(5)

. ورَوَى ابنُ المنذرِ وغيرُه

(6)

بإسناد حسنٍ عنْ عليِّ بن أبي طالبٍ عليه السلام: "أن العزائمَ {حم} و {اقْرَأْ} و {الم (1) تَنْزِيلًا} ، وكذَا ثبتَ عن ابن عباسٍ في الثلاثةِ الأُخَرِ، وقيلَ: الأعرافُ و {سُبْحَانَكَ} و {حم} و {الم} ، أخرجهُ ابنُ أبي شيبةَ

(7)

.

‌سجد صلى الله عليه وسلم النجم

12/ 324 - وَعَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ بِالنَّجْمِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(8)

. [صحيح]

(وَعَنْهُ) أي: ابن عباسٍ (أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ بِالنَّجْمِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، هوَ دليلٌ على السجودِ في المفصَّلِ، كما أن الحديثَ الأولَ دليلٌ على ذلكَ، وقدْ خالفَ فيهِ مالكٌ، وقالَ: لا سجودَ [لتلاوةٍ]

(9)

في المفصَّلِ. وقد قدَّمنَا لكَ الخلافَ في أولِ المفصَّلِ [أي في أول سورة منه خلاف كبير كما في الإتقانِ وغيره]

(10)

محتجًا بما رُوِيَ عن ابن عباسٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم لمْ يسجدْ في شيء منَ المفصَّلِ منذُ

(1)

في "صحيحه"(رقم 1069).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 1409)، والترمذي (رقم 577)، وأحمد (1/ 359 - 360).

(2)

سورة الأنعام: الآية 90.

(3)

في (أ): "دليل".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

أخرجه النسائي (2/ 159 رقم 957)، والطبراني في "الكبير"(12/ 34 رقم 12386)، وهو حديث صحيح. انظر:"التلخيص الحبير"(2/ 8 - 9).

(6)

كابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 17).

(7)

في "المصنف"(2/ 17).

(8)

في "صحيحه"(رقم 1071).

قلت: وأخرجه الترمذي (رقم 575)، وقال: حديث حسن صحيح.

(9)

في (أ): "للتلاوة".

(10)

زيادة من (أ).

ص: 288

تحوَّلَ إلى المدينةِ"، أخرجهُ أبو داودَ

(1)

، وهوَ ضعيفُ الإسنادِ؛ فيهِ أبو قدامةَ، واسمهُ الحارثُ بنُ عبيدِ اللَّهِ إياديٌّ بصريٌّ، ولا يُحْتَجَّ بحديثهِ كما قالَ الحافظُ المنذريُّ في مختصرِ السننِ

(2)

، ومحتجًا أيضًا بقولِهِ:

13/ 325 - وَعَنْ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: قَرَاتُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ، فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى النَّبيِّ النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا. مَتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وزيدُ بنُ ثابتٍ منْ أهلِ المدينةِ، وقراءتهُ بها كانتْ في المدينةِ. قالَ مالكٌ فأيَّدَ حديثَ ابن عباسٍ. وأجيبَ عنهُ بأنهُ تركَ السجودَ تارةً، وفعلَه تارةً، دليلُ السنيةِ أو لمانعٍ عارَضَ ذلكَ، ومعَ ثبوتِ حديثِ زيدٍ فهوَ نافٍ، وحديثُ غيرِه وهوَ ابنُ عباسٍ مثبتٌ، والمثبتُ مقدَّمٌ.

‌في سورة الحج سجدتان

14/ 326 - وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ رضي الله عنه قَالَ: فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِسَجْدَتَيْنِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ

(4)

. [إسناده صحيح]

‌ترجمة خالد بن معدان

(وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ رضي الله عنه)

(5)

بفتحِ الميمِ وسكونِ العينِ المهملةِ وتخفيفِ الدالِ المهملة، [وخالد]

(6)

هوَ أبو عبدِ اللَّهِ خالدُ بنُ معدانَ الشامي الكلاعي بفتحِ

(1)

في "السنن"(رقم 1403)، وهو حديث ضعيف.

(2)

(2/ 117).

(3)

البخاري (رقم 1073)، ومسلم (رقم 106/ 577).

قلت: وأخرجه أبو داود (رقم 1404)، والترمذي (رقم 576) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (2/ 160 رقم 960).

(4)

(رقم: 78) بسند صحيح.

(5)

انظر ترجمته في: "تاريخ البخاري"(3/ 176)، و"المعارف"(ص 625)، و"الحلية"(5/ 210)، و"النجوم الزاهرة"(1/ 252)، و"شذرات الذهب"(1/ 126)، و"تهذيب التهذيب"(3/ 102 رقم 222).

(6)

زيادة من (ب).

ص: 289

الكافِ، تابعيٌ منْ أهلِ حمصَ. قالَ: لقيتُ سبعينَ رجلًا منْ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانَ منْ ثقاتِ الشاميينَ، ماتَ سنةَ أربعٍ ومائةٍ، وقيلَ [سنة]

(1)

ثلاثٍ.

(قَالَ: فضِّلَتْ سُورَة الْحَجِّ بِسَجْدَتَيْنِ. رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ)، كذا نسبهُ المصنفُ إلى مراسيلِ أبي داودَ، وهوَ موجودٌ في سننةِ

(2)

مرفوعًا منْ حديثِ عقبةَ بن عامرٍ بلفظِ: "قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، في سورةِ الحجِّ سجدتانِ؟ قالَ: نعمْ ومَنْ لم يسجدْهما فلا يقرأْهُما". فالعجبُ كيفَ نسبهُ المصنفُ إلى المراسيلِ معَ وجودِهِ في سننهِ مرفوعًا، ولكنهُ قدْ وصلَ في:

15/ 327 - وَرَوَاهُ أَحْمَدُ

(3)

، وَالترْمِذِيُّ،

(4)

مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ، وَزَادَ: فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهَا، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ. [صحيح]

(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ، وَزَادَ) أي: الترمذيُّ في روايتهِ: ([فَمَنْ]

(5)

لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهَا) بضمير مفردٍ، أي: السورةَ، أوْ آية السجدةِ. [ويرادُ]

(6)

الجنسُ، (وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ)؛ لأنَّ فيهِ ابنَ لهيعةٍ

(7)

. قيلَ: إنهُ [تفرَّدَ]

(8)

بهِ، وأيَّدَهُ الحاكمُ

(9)

بأنَّ الروايةَ صحَّتْ فيهِ من قولِ عمرَ وابنهِ،

(1)

زيادة من (ب).

(2)

(رقم 1402).

(3)

في "المسند"(4/ 151 و 155).

(4)

في "السنن"(رقم 578) وقال: هذا حديث ليس إسنادُهُ بذاكَ القوي.

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(3/ 304 رقم 765)، والدارقطني (1/ 157)، والحاكم (1/ 221) و (2/ 390)، وهو حديث صحيح.

(5)

في (أ): "ومن".

(6)

في (أ): "ونريد".

(7)

وهو ضعيف من قبل حفظه، لكن الراوي عنه عند أبي داود، والحاكم، عبد الله بن وهب، وعند أحمد: عبد الله بن يزيد، وهما أحد العبادلة الذين يرى النقاد أن حديثهم عنه صحيح، لأنهم سمعوا منه قبل احتراق كتبه. فالحديث صحيح، والله أعلم.

(8)

في (أ): "انفرد".

(9)

في "المستدرك"(2/ 390 - 391).

قلت: وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 11): - عن عمر أنه سجد في "الحج" سجدتين. ثم قال: إن هذه السورة فضلت على سائر السور بسجدتين.

- وعن ابن عباس، قال: في سورة الحج سجدتان.

- وعن علي أنه سجد في الحج سجدتين.

- وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، أن أبا الدرداء سجد في الحج سجدتين. =

ص: 290

وابنِ مسعودٍ، وابن عباسٍ، وأبي الدرداء، وأبي موسى، وعمارٍ، وساقَها موقوفةً عليْهم، وأكدهُ البيهقيُّ بما رواهُ في المعرفةِ منْ طريقِ خالدِ بن معدانَ. وفي الحديثِ ردٌّ على أبي حنيفةَ وغيرِه ممنْ قالَ:[إنهُ ليسَ بواجبٍ كما قالَ]

(1)

إنهُ ليسَ في سورة الحجِّ إلا سجدةٌ واحدة في الأخيرة منْها.

وفي قولهِ: (ولمنْ لم يسجدْهما فلا يقرأها) تاكيدٌ لشرعيةِ السجودِ فيْها، ومنْ قالَ بإيجابهِ فهوَ منْ أدلتهِ، ومنْ قالَ ليسَ بواجب قالَ: لما تركَ السنةَ وهوَ سجودُ التلاوةِ بفعلِ المندوبِ وهوَ القرآنُ كانَ الأليقُ الاعتناءُ بالمسنونِ، وأنْ لا يتركَهُ، [فإذا]

(2)

تركهُ فالأحسنُ لهُ أنْ لا يقرأَ السورةَ.

‌رأي عمر في السجود التلاوة

16/ 328 - وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(3)

، وَفِيْهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ

(4)

. [صحيح]

(وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ) أي: بآيتهِ (فَمَنْ [سَجَدَ]

(5)

فَقَدْ أَصَابَ) أي: السنةَ، (وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيْهِ) أيْ: البخاريِّ عنْ عمرَ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودِ) أي: لمْ يجعلْه فرضًا (إلَّا أَنْ نَشَاءَ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ). فيه دلالةٌ على أن عمرَ كانَ لا يرى وجوبَ سجودِ التلاوةِ، واستدلَّ بقولهِ:"إلَّا أنْ نشاءَ"، [أي]

(6)

أنَّ منْ شرعَ في السجودِ وجبَ عليهِ إتمامهِ لأنهُ مخرجٌ منْ بعضِ حالاتِ عدمِ فرضيةِ السجودِ، وأجيبَ بأنهُ استثناءٌ منقطعٌ. [والمرادُ]

(7)

ولكنَّ ذلكَ موكولٌ إلى مشيئِتنَا.

= وفي "الموطأ"(1/ 206 رقم 14) عن عبد الله بن دينار، أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يسجد في سورة الحج سجدتين.

وهذه شواهد يشدُّ بعضُها بعضًا.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (أ): "فإن".

(3)

في "صحيحه"(رقم 1077).

(4)

(1/ 206 رقم 16).

(5)

في (أ): "سجدها".

(6)

زيادة من (أ).

(7)

زيادة من (ب).

ص: 291

‌سجود التلاوة والتكبير له وموضعه وما يقول فيه

17/ 329 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرّ بِالسَّجْدَةِ كَبّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ فِيهِ لينٌ. [ضعيف]

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرآنَ، فَإِذَا مَرَ بِالسَّجْدَةِ كَبّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

بِسَنَدِ فِيهِ لِينٌ)، لأنهُ منْ روايةِ عبدِ اللَّهِ المكبرِ العمري، وهوَ ضعيفٌ. وأخرجهُ الحاكمُ

(2)

منْ روايةِ عُبَيْدِ اللَّهِ المصغرِ، وهوَ ثقةٌ. وفي الحديثِ دلالة على التكبيرِ وأنهُ مشروعٌ. وكان الثوريُّ يعجبهُ هذا الحديثُ. قالَ أبو داودَ: يعجبهُ لأنهُ كبَّرَ. وهلْ هوَ تكبيرُ الافتتاحَ أوِ النقلِ؟ الأولُ أقربُ، ولكنهُ يجتزئُ بها عنْ تكبيرة النقلِ لعدمِ ذكرِ تكبيرةٍ أُخْرى، وقيلَ: يكبرُ لهُ وعدمُ الذكرِ ليسَ دليلًا. قالَ بعضُهم: ويتشهدُ ويسلِّمُ قياسًا للتحليلِ على التحريمِ. وأجيبَ بأنهُ لا يجزئُ [هذا]

(3)

القياسُ فلا دليلَ على ذلكَ.

وفي الحديثِ دليلٌ على شرعيةِ سجودِ التلاوةِ للسامعِ لقولهِ: وسجدْنا. وظاهرُهُ سواءٌ كانَا مصليَينِ معًا أو أحدُهما في الصلاةِ، وقالتِ الهادويةُ: إذا كانتِ الصلاةُ فرضًا أخَّرَها حتَّى يسلِّم، قالُوا: لأنَّها زيادةٌ عن الصلاةِ فتفسدُها، ولما رواهُ نافعُ عن ابنِ عمرَ [أنهُ]

(4)

قالَ: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأُ علينَا السورةَ في غيرِ الصلاةِ، فيسجد ونسجدُ معهُ"، أخرجهُ أبو داودَ

(5)

. قالُوا: ويشرعُ لهُ أنْ يسجدَ إذا كانتِ الصلاةَ نافلةً لأنَّ النافلةَ مخففٌ فيْها.

(1)

في "السنن"(رقم 1413).

قلت: وأخرجه البيهقي (2/ 325) وسكت عليه البيهقي، فتعقَّبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بقوله:"في سنده عبد الله بن عمر أخو عبيد الله متكلم فيه، ضعفه ابن المديني، وكان يحيى بن سعيد لا يحدِّث عنه، وقال ابن حنبل: كان يزيد الأسانيد، وقال صالح بن محمد: لين، مختلط الحديث" اهـ.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف. وقد ضعَّفه الألباني في "الإرواء"(رقم 472).

(2)

في "المستدرك"(1/ 222) وقال: إنه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

(3)

في (أ): "هنا".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "السنن"(رقم 1412).

قلت: وأخرجه البخاري (رقم 1075)، ومسلم (رقم 575).

ص: 292

وأجيبَ عن الحديثِ بأنهُ استدلالٌ بالمفهومِ. وقدْ ثبتَ منْ فعلهِ

(1)

صلى الله عليه وسلم أنهُ قرأَ سورةَ الانشقاقِ في الصلاةِ وسجدَ وسجدَ مَنْ خَلْفَهُ. وكذلكَ سورةَ تنزيلِ السجدةِ

(2)

، قرأَ بها وسجدَ فيْها. وقدْ أخرجَ أبو داودَ

(3)

، والحاكمُ

(4)

، والطحاويُّ

(5)

منْ حديثِ ابن عمرَ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم سجدَ في الظهرِ فرأى أصحابهُ أنهُ قرأَ آيَةَ سجدةٍ فسجدُوها".

واعلمْ أنهُ قدْ وردَ الذكرُ في سجودِ التلاوةِ بأنْ يقولَ: "سجدَ وجهي للذي خلقَه وصوَّرَه وشقَّ سمعَه وبصرَه بحولِهِ وقُوَّتهِ"، أخرجهُ أحمدُ

(6)

، وأصحابُ السننِ

(7)

، والحاكمُ

(8)

، والبيهقيُّ

(9)

، وصحَّحهُ ابنُ السكنِ

(10)

وزادَ في آخرهِ: "ثلاثًا"، وزادَ الحاكمُ في آخرهِ:"فتباركَ اللَّهُ أحسنُ الخالقينَ"، وفي حديثِ ابن عباسٍ

(11)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ في سجودِ التلاوةِ: اللَّهم اكتبْ لي بها عندَكَ أجْرًا، واجعلْها لي عندَك ذُخْرًا، وضعْ عنِّي بها وِزرًا، وتقبَّلْها منِّي كما تقبَّلْتَها منْ عبدِكَ داودُ".

(1)

يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (رقم 1074)، ومسلم (رقم 107/ 578)، ومالك (1/ 205 رقم 12) أن أبا هريرة قرأ لهم - {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} - فسجد فيها. فلما انصرفَ أخبرهُمْ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سجد فيها.

(2)

يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (رقم 891)، ومسلم (رقم 880) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الفجر يوم الجمعة:{الم (1) تَنْزِيلًا} و {هَلْ أَتَى} .

(3)

في "السنن"(رقم 807) وفي "سنده" أمية وهو مجهول.

(4)

في "المستدرك"(1/ 221).

(5)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 207 - 208).

(6)

في "المسند"(6/ 217).

(7)

وهم: أبو داود (رقم 1414)، والترمذي (580)، والنسائي (2/ 222 رقم 1129)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(8)

في "المستدرك"(1/ 220) وصحَّحه ووافقه الذهبي.

(9)

في "السنن الكبرى"(2/ 325).

(10)

ذكر ذلك ابن حجر في "التلخيص"(2/ 10).

وهو كما قال ابن السكن.

(11)

أخرجه الترمذي (رقم 579)، وابن ماجه (رقم 1053)، وفي "سنده": الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد المكي وفيه كلام. وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 202) وصحَّحه ووافقه الذهبي.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

ص: 293

‌سجود الشكر مشروعيته وما يشترط فيه

18/ 330 - وَعَنْ أَبي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كَانَ إِذَا جَاءَهُ خَبَرٌ يَسُرُّهُ خَرَّ سَاجِدًا للَّهِ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ

(1)

. [حسن]

(وَعَنْ أَبي بَكْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا جَاءَهُ أمرٌ يَسُرُّهُ خَرَّ سَاجِدًا للَّهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَة إِلَّا النَّسَائيَّ). هذَا مما شملتْهُ الترجمةُ بقولهِ: وغيرُهُ، وهوَ دليلٌ على شرعيةِ سجودِ الشكرِ. وذهبَ إلى شرعيتهِ الهادويةُ، والشافعيُّ، وأحمدُ، خلافًا لمالكٍ، وروايةٌ لأبي حنيفةَ بأنهُ لا كراهةَ [فيه]

(2)

، ولا ندبَ. والحديثُ دليلٌ للأَوَّلينِ. وقد سجدَ صلى الله عليه وسلم في آيةِ {ص} وقالَ: " [إنما]

(3)

هي لنَا شكرٌ".

واعلمْ أنهُ قدِ اختُلِفَ هلْ يشترطُ لها الطهارةُ أمْ لا؟ فقيلَ: يشترطُ قياسًا على الصلاةِ، وقيلَ: لا يشترطُ لأنَّها ليستْ بصلاةٍ وهوَ الأقربُ كما قدَّمْنَاهُ، وقالَ المهدي

(4)

: إنهُ يكبرُ لسجودِ الشكرِ، وقالَ أبو طالبٍ: ويستقبلُ القبلةَ، وقالَ الإمامُ يحيى: ولا يسجدُ للشكرِ في الصلاةِ قولًا واحدًا؛ إذْ ليسَ منْ توابِعِها، قيلَ: ومُقْتَضَى شرعيتهِ حدوثُ نعمةٍ أو اندفاعُ مكروهٍ، فيفعلُ ذلكَ في الصلاةِ، ويكونُ كسجودِ التلاوةِ.

19/ 331 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: سَجَدَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ:"إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَاني، فَبَشَّرَني، فَسَجَدْتُ للَّهِ شُكْرًا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(5)

وَصَحّحَهُ الْحَاكِمُ

(6)

. [صحيح بطرقه وشواهده]

(1)

وهم: أحمد في "المسند"(5/ 45)، وأبو داود (رقم 2774)، والترمذي (رقم 1578)، وابن ماجه (رقم 1394)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وقد حسنه الألباني في "الإرواء"(2/ 226 رقم 474).

(2)

في (أ): "فيها".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في "البحر"(1/ 346).

(5)

في "المسند"(1/ 191)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 287) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات.

(6)

في "المستدرك"(1/ 222 - 223)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وزاد:"وما في سجدة الشكر أصح منه"، قلت: وهو حديث صحيح لطرقه وشواهده.

ص: 294

(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه سَجَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَع رَأْسَهُ [فَقَالَ]

(1)

: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَاني فَبَشَّرَني). وجاءَ تفسيرُ البُشْرى بأنهُ تَعَالَى قَالَ: "مَنْ صلَّى عليهِ صلى الله عليه وسلم صلاةً صلَّى اللَّهُ عليهِ بها عشْرًا"، رواهُ أحمدُ في المسندِ

(2)

منْ طرقٍ، (فَسَجَدْتُ للَّهِ شكْرًا. رَوَاه أَحْمَدُ، وَصَحّحَه الْحَاكِمُ)، وأخرجهُ البزارُ

(3)

، وابنُ أبي عاصمٍ في فضلِ الصلاةِ عليه صلى الله عليه وسلم

(4)

. قالَ البيهقيُّ

(5)

: وفي البابِ عنْ جابرٍ

(6)

، وابنِ عُمرَ

(7)

، وأنسٍ

(8)

، وجريرٍ

(9)

، وأبي جحيفةَ

(10)

.

20/ 332 - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَلِيًا إِلَى الْيَمَنِ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - قَالَ: فَكَتَبَ عَلِيٌّ بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكِتَابَ خَرّ سَاجِدًا شُكْرًا للَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ

(11)

. وَأَصلُهُ فِي الْبُخَاريِّ

(12)

. [صحيح]

(1)

في (أ): "وقال".

(2)

انظر هذه الطرق في: "الفتح الرباني"(4/ 184 - 185 رقم 921).

(3)

(1/ 358 رقم 749 - كشف الأستار)، وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 282)، وقال: رواه البزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.

(4)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص الحبير"(2/ 11).

(5)

في "السنن الكبرى"(2/ 371).

(6)

أخرجه الطبراني في "الأوسط" - كما في "المجمع"(2/ 289) وقال الهيثمي: وفيه يوسف بن محمد بن المنكدر وثقه أبو زرعة، وضعفه جماعة.

(7)

أخرجه الطبراني في "الأوسط" - كما في "المجمع"(2/ 289) وقال الهيثمي: وفيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف.

(8)

فلينظر من أخرجه.

(9)

أخرجه الطبراني في "الكبير" - كما في "المجمع"(2/ 289) وقال الهيثمي: وفيه الحسن بن عمارة ضعفه شعبة وجماعة كثيرة، وقال عمر بن علي: صدوق كثير الخطأ والوهم.

(10)

فلينظر من أخرجه.

(11)

في "السنن الكبرى"(2/ 369). وقال: "أخرج البخاري صدر هذا الحديث عن أحمد بن عثمان عن شريح بن مسلمة عن إبراهيم بن يوسف فلم يسقه بتمامه، وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه.

(12)

في "صحيحه"(رقم: 4092 - البغا).

ص: 295

(وعن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعَثَ علِيًا

(1)

إلى الْيَمَنِ، فذكر الحديثَ. قَالَ: فَكَتَبَ عليٌّ بإسْلامِهِمْ، فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكِتَابَ سَاجِدًا شُكْرًا للَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ. رواه الْبَيْهَقِيُّ وَأَصلُهُ فِي الْبُخَاريِّ).

وفي معناه سجودُ كعبِ بن مالكٍ

(2)

لمَّا أنزل اللَّهُ توبتَه، فإنهُ يدلُّ على أن شرعيةَ ذلك كانت متقرِّرةً عندهم.

تمَّ بحمد الله المجلَّد الثاني من

"سُبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام"

ولله الحمد والمنَّة

ويليه المجلد الثالث

وأوله: (الباب التاسع)

بابُ صلاة التطوع

* * *

(1)

هنا كلمة (عليكم) زائدة من (أ).

(2)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (رقم 4418)، ومسلم (رقم 53/ 2769).

ص: 296