المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[الباب التاسع] بابُ صلاةِ التطوعِ أي: صلاةُ العبدِ التطوعَ، فهُو مِنْ - سبل السلام شرح بلوغ المرام - ت حلاق - جـ ٣

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

[الباب التاسع] بابُ صلاةِ التطوعِ

أي: صلاةُ العبدِ التطوعَ، فهُو مِنْ إضافةِ المصدرِ إلى مفعولهِ، وحذفِ فاعلهِ. في "القاموسِ"

(1)

: صلاةُ التطوعِ: النافلةُ.

‌الترغيب في النوافل

1/ 333 - عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ مَالكٍ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "سَلْ"، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ:"أَوْ غَيْرَ ذلكَ"؟ فَقُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ:"فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

(عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَميِّ رضي الله عنه)

(3)

.

‌ترجمة ربيعة بن كعب بن مالك

هوَ من أهلِ الصُّفَّةِ

(4)

، كانَ خادمًا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، صحبهُ قديمًا ولازمهُ

(1)

"المحيط"(ص 962).

(2)

في "صحيحه"(1/ 353 رقم 226/ 489).

قلت: وأخرجه أبو داود (2/ 78 رقم 1320)، والنسائي (2/ 227 رقم 1138)، والبيهقي (2/ 486).

(3)

انظر ترجمته في: "التقريب"(1/ 248)، و"تهذيب التهذيب"(3/ 226 رقم 496)، و"الاستيعاب"(3/ 264 رقم 765)، و"الإصابة"(2/ 270 رقم 1911).

تنبيه: في بعض النسخ: ربيعة بن مالك، وهو نفسه؛ إذ هو: ربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر الأسلمي، كما تقدم في مصادر ترجمته.

(4)

هنا كلمة زائدة من (أ)، وهي (بالضم).

ص: 5

حضرًا وسفرًا، ماتَ سنةَ ثلاثٍ وستينَ منَ الهجرةِ، وكنيتهُ أبو فِراسٍ بكسرِ الفاءِ، فراءٍ آخِرَهُ سينٌ مهملةٌ.

(قال: قال لِي رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَلْ، فقلتُ: أسألُكَ مُرافَقَتَكَ في الجنةِ، فقالَ: أوَ غيرَ ذلكَ؟.

[قلت:]

(1)

هو ذاكَ، قالَ: فأعنِّي على نفسِكَ) أي: على نيلِ مرادِ نفسِك (بكثرةِ السجودِ. رواه مسلمٌ).

حمل المصنفُ السجودَ على الصلاةِ نفلًا، فجعلَ الحديثَ دليلًا على التطوعِ، وكأنهُ صرفَهُ عن الحقيقةِ كونُ السجودِ بغيرِ صلاةٍ غيرَ مرغَّبٍ فيهِ على انفرادهِ، والسجودُ وإنْ كانَ يصدقُ على الفرضِ، لكنَّ الإتيانَ بالفرائضِ لا بدَّ منهُ لكلّ مسلمٍ، وإنَّما أرشدَهُ صلى الله عليه وسلم إلى شيءٍ يختصُّ بهِ ينالُ به ما طلبَهُ. وفيه دلالةٌ على كمالِ إيمانِ المذكورِ وسموِّ همَّتهِ إلى أشرفِ المطالبِ وأغلى المراتبِ، [وعزفِ]

(2)

نفسهِ عن الدنيا وشهواتِها. ودلالةٌ على أن الصلاةَ أفضلُ الأعمالِ في حقِّ مَنْ كانَ مثلَهُ، فإنهُ لمْ يُرْشِدْهُ صلى الله عليه وسلم إلى نيلِ ما طلبهُ إلّا بكثرةِ الصلاةِ، معَ أن مطلوبهُ أشرفُ المطالبِ.

2/ 334 - وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قبْلَ الصُّبْحِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [صحيح]

وفي رِوَايَةٍ لَهُمَا: وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمْعَةِ فِي بَيْتِهِ

(3)

.

- وَلمُسْلِمٍ

(4)

: كَانَ إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. [صحيح]

(وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: حَفِظتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عشرَ ركعاتٍ) هذا إجمالٌ

(1)

في (أ): "فقلت".

(2)

في (أ): "وعزوب".

(3)

أخرجه البخاري (937 و 1165 و 1172 و 1180)، ومسلم (104/ 729).

قلت: وأخرجه أبو داود (1252)، والنسائي (873)، والترمذي (433، 434)، ومالك في "الموطأ"(1/ 166 رقم 69)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 444 - 445 رقم 867، 868).

(4)

في "صحيحه"(1/ 500 رقم 88/ 723).

ص: 6

[فصَّله]

(1)

بقولِه: (ركعتينِ قَبْلَ الظُّهْرِ، ورَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، ورَكْعَتَيْنِ بعدَ المَغْرِبِ في بيتهِ)، تقييدُها يدلُّ على أن ما عدَاها كانَ يفعلهُ في المسجدِ، وكذلكَ قولهُ:(وركعتينِ بعدَ العشاءِ في بيتهِ، وركعتينِ قبلَ الصبحِ) لم يقيدْهُما معَ أنهُ كانَ يصلّيهِمَا صلى الله عليه وسلم في بيتهِ، وكأنهُ تركَ التقييدَ لشهرةِ ذلكَ من فعلهِ صلى الله عليه وسلم، (متفقٌ عليه. وفي رواية لهما: وركعتينِ بعدَ الجمعةِ في بيتهِ)؛ فيكونُ قولُهُ: عشرَ ركعاتٍ نظرًا إلى التكرارِ كلَّ يومٍ.

(ولمسلم) أي: من حديث ابن عمرَ: (كان إذا طلعَ الفجرُ لا يصلّي إلَّا ركعتينِ خفيفتين) هما المعدودتانِ في العشرِ، وإنَّما أفادَ لفظُ مسلم خفَّتَهُمَا، وأنهُ لا يصلّي بعدَ [طلوعِه]

(2)

سواهُما، وتخفيفُهما مذهبُ مالك والشافعيِّ وغيرِهما. وقد جاءَ في حديثِ عائشة: "حتى أقولَ: أقَرأ [بأمِّ]

(3)

الكتابِ"؟ يأتي قريبًا

(4)

.

والحديثُ دليل على أن هذهِ النوافلَ للصلاة. وقدْ قيلَ في حكمةِ شرعِيَّتِها: إنَّ ذلكَ ليكونَ ما بعدَ الفريضةِ جبْرًا لما فرطَ فيها منْ آدابِها وما قبلَها كذلك، وليدخلْ [في]

(5)

الفريضةِ وقدِ انشرحَ صدرُه للإتيانِ بها، وأقبل قلبُهُ على فعلِها.

‌يجبر نقص صلاة الفرض بصلاة النفل وكذلك الزكاة

قلتُ: قد أخرج [أحمدُ]

(6)

، وأبو داودَ

(7)

، وابنُ ماجه

(8)

، والحاكمُ

(9)

منْ حديثِ تميمٍ الدَّاري قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أولُ ما يُحاسبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ صَلَاتُهُ، فإنْ كانَ أتمَّها كتبتْ لهُ تامَّة، وإنْ لَمْ يكنْ أتمَّها قالَ اللَّهُ لملائكتهِ: انظُروا هل تجدونَ لعبدي منْ تطوع فتكمِلونَ [بها]

(10)

فريضته، ثمَّ

(1)

في (أ): "فسره".

(2)

في (أ): "طلوع الفجر".

(3)

في (أ): "أمّ".

(4)

رقم الحديث (9/ 341).

(5)

في (ب): "إلى".

(6)

في "المسند"(4/ 103)، وما بين الحاصرتين زيادة من (ب).

(7)

في "السنن"(1/ 541 رقم 866).

(8)

في "السنن"(1/ 458 رقم 1426).

(9)

في "المستدرك"(1/ 262 - 263).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "كتاب الإيمان"(رقم 112)، وفي "المصنف"(11/ 41 - 42 رقم 10471)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(3/ 227)، وهو حديث صحيح.

(10)

في (أ): "به".

ص: 7

الزكاةُ كذلكَ، ثم تؤخذُ الأعمالُ على حسبِ ذلكَ"، انتهى. وهوَ دليل لما قيلَ من حكمةِ شرعِيَّتها.

وقولُهُ في حديثِ مسلمٍ

(1)

: "إنَّهُ لَا يُصلِّي بعدَ طلوعِ الفجرِ إلَّا ركعتين"، قدِ [استدلَّ]

(2)

بهِ منْ يَرَى كراهةَ النفلِ بعدَ طلوعِ الفجرِ، وقد قدَّمْنَا ذلكَ.

3/ 335 - وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، ورَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(3)

. [صحيح]

(وَعَنْ عائِشةَ رضي الله عنها أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كانَ لا يدعُ أربعًا قبلَ الظهرِ، وركعتينِ قبلَ الغداةِ. رواهُ البخاري)، لا ينافي حديثَ ابن عمرَ في قولهِ:"ركعتينِ قبلَ الظهرِ"؛ لأنَّ هذه زيادةٌ علمتْها عائشةُ ولم يعلمْها ابنُ عمَر، ثمَّ يحتملُ أنَّ الركعتينِ اللتينِ ذكرَهما من الأربع، وأنهُ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّيْها مَثْنَى، وأنَّ ابنَ عمرَ شاهدَ اثنتينِ فقطْ، ويحتملُ [أنَّهما]

(4)

منْ غيرِها، وأنهُ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّيهما أربعًا متصلةً، ويؤيدُ هذا حديثُ أبي أيوبَ عندَ أبي داودَ

(5)

، والترمذيِّ في "الشمائلِ"

(6)

، وابنِ ماجَهْ

(7)

، وابنِ خزيمةَ

(8)

بلفظِ: "أربعُ قبلَ الظهرِ ليسَ فيهنَّ تسليمٌ تفتحُ لهنَ أبوابُ السماءِ"، وحديثُ أنسٍ: "أربعٌ قبلَ الظهرِ كعدلِهنَّ بعدَ العشاء، [وأربعٌ بعدَ العشاءِ كعدلِهنَّ من ليلةِ القدْرِ]

(9)

"، أخرجهُ الطبراني في "الأوسطِ"

(10)

، وعلى هذا فيكونُ قبلَ الظهرِ ستٌّ ركعاتٍ، ويحتملُ أنهُ صلى الله عليه وسلم يصلِّي الأربعَ تارةً ويقتصرُ علَيْها، وعنها أخبرتْ عائشةُ، وتارةً يصلِّي ركعتينِ وعَنْهمَا أخبرَ ابنُ عُمرَ.

(1)

تقدَّم تخريجه قريبًا.

(2)

في (أ): "يستدل".

(3)

في "صحيحه"(3/ 58 رقم 1182).

(4)

في (أ): "أنه".

(5)

في "السنن"(2/ 53 رقم 1270).

(6)

(رقم 287).

(7)

في "السنن"(1/ 365 رقم 1157).

(8)

في ""صحيحه" (2/ 221 - 222 رقم 1214).

وسنده ضعيف، ولكنه حديث صحيح لغيره.

وكذلك صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"، وفي "مختصر الشمائل"(رقم 249).

(9)

زيادة من (أ).

(10)

في الأوسط رقم (2733) وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 230)، وقال: فيه يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف جدًّا.

ص: 8

‌حرص النبيّ صلى الله عليه وسلم على ركعتي الفجر

4/ 336 - وعَنْهَا رضي الله عنها قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

وَلِمُسْلِمٍ

(2)

: "رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".

(وعنها) أي: [عن]

(3)

عائشةَ (قالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على شيءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أشدَّ تعاهدًا منهُ على ركعتي الفجرِ. متفقٌ عليه). تعاهدًا: أي محافظةً. وقدْ ثبتَ أنهُ [كان لا يتركُهما]

(4)

حَضَرًا ولا سَفَرًا، وقدْ حُكِيَ وجوبُهما عن الحسنِ البصري.

(ولمسلم:) أي: عن عائشةَ مرفوعًا (ركعتا الفجرِ خيرٌ منَ الدنيا وما فيها) أي: أجرُهما خيرٌ من الدنيا، وكأنهُ أريدَ بالدنيا الأرضُ، وما فيها: أثاثُها ومتاعُها، وفيهِ [دليلٌ على]

(5)

الترغيبِ في فعلِهمَا، وأنَّهما ليستا بواجبتينِ، إذ لمْ يُذكرِ العقابُ في تركِهما، بلِ الثوابُ في فعلِهما.

5/ 337 - وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمِهِ وَلَيلَتِهِ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيتٌ فِي الجَنةِ" رَوَاهُ مِسْلِمٌ

(6)

. [صحيح]

وَفي رِوايةٍ

(7)

: "تَطَوّعًا". [صحيح]

- وَلِلْتِّرْمِذِيِّ

(8)

نَحوُهُ، وزَادَ: "أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَينِ بَعْدَهَا، ورَكْعَتَينِ

(1)

البخاري (1169)، ومسلم (94/ 724).

قلت: وأخرجه أبو داود (1254)، والنسائي (3/ 252)، والبيهقى (2/ 470).

(2)

في "صحيحه"(1/ 501 رقم 96/ 725).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 50 - 51)، والترمذي (416)، والنسائي (3/ 252)، والبيهقي (2/ 470).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في (أ): "ما كان يتركهما".

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في "صحيحه"(1/ 502 رقم 101/ 728).

(7)

لمسلم في "صحيحه"(102/ 728).

(8)

في "السنن"(2/ 274 رقم 415)، وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 9

بَعْدَ الْمَغْرِبِ، ورَكْعَتَينِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَينِ قَبْلَ صَلاةِ الفَجْرِ". [صحيح]

وَلِلْخَمْسَةِ

(1)

عَنْهَا: "مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَها حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى النَّارِ". [صحيح بطرقه]

‌ترجمة أم حبيبة

(وَعَنْ أمِّ حبيبةَ أمِّ المؤمنين) تقدَّمَ ذكرُ اسمِها وترجمتِها

(2)

(قالتْ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ صَلَّى اثنتي عشرةَ ركعة في يومهِ وليلتهِ)، كأنَّ المرادَ: في كلِّ يومٍ وليلةٍ لا في يوم منَ الأيامِ، [ولا في]

(3)

ليلةٍ منَ الليالي (بُنِيَ لهُ بهنَّ بيتٌ في الجنةِ)، ويأتي تفصيلُها في روايةِ الترمذي (رواهُ مسلمٌ. وفي رواية) أي: لمسلمٍ عن أم حبيبة: (تطوّعًا) تمييزٌ للاثنتي عشرةَ زيادةٌ في البيانِ، وإلَّا فإنهُ معلومٌ.

(وللترمذي) أي: عنْ أم حبيبةَ (نحوَهُ) أي: نحوُ حديثِ مسلمٍ، (وزادَ) تفصيلُ ما أجملَتْهُ روايةُ مسلمٍ: أربعًا قبلَ الظهرِ هي التي ذكرتْها عائشةُ في حديثِها السابقِ، (وركعتينِ بعدَها) هي التي في حديثِ ابن عمر، (وركعتينِ بعد المغربِ) هي التي قيَّدَها حديثُ ابن عمرَ بـ "في بيته"، (وركعتينِ بعدَ العشاءِ) هي التي قيَّدَها أيضًا بـ "في بيتهِ"، (وركعتينِ قبلَ صلاةِ الفجرِ) هي التي اتّفق عليها ابنُ عمرَ وعائشةُ في حديثهِمَا السابقين.

(وللخمسةِ عَنْها:) أي: عن أمِّ حبيبةَ (من حافظَ على أربع قبلَ الظهرِ، وأربعٍ

(1)

وهم: أحمد في "المسند"(6/ 326)، وأبو داود (1269)، والترمذي (428)، والنسائي (3/ 265)، وابن ماجه (1160).

قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 312)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 464)، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه.

(2)

وانظر: "تهذيب التهذيب"(12/ 488 رقم 2793)، و"الاستيعاب"(13/ 3 - 9 رقم 3344)، و"الإصابة"(12/ 260 - 263 رقم 432).

(3)

في (ب): "و".

ص: 10

بعدَها) يحتملُ أنَّها غيرُ الركعتينِ [المذكورتين]

(1)

سابقًا، ويحتملُ أن المرادَ: أربعٌ [فيها]

(2)

الركعتانِ اللَّتانِ مرَّ ذكرُهُما (حرَّمَة اللَّه على النارِ) أي: منعهُ عنْ دخولِها، كما يمنعُ الشيءُ المحرمُ ممنْ حرِّمَ عليه.

6/ 338 - وعَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ العَصْرِ". [صحيح]

(رَوَاهُ أحمَد

(3)

، وأبُو داوُدَ

(4)

، والترْمِذِيُّ، وحَسَّنَهُ

(5)

، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وصَحَّحَهُ)

(6)

.

(وعَنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسول اللَّهُ صلى الله عليه وسلم: رحمَ اللَّه امرءًا صلَّى أَرْبَعًا قبلَ العصرِ). هذهِ الأربعُ لم تُذكَرْ فيما سلفَ منَ النوافلِ، فإذا ضُمَّتْ إلى حديثِ أمِّ حبيبةَ الذي عندَ الترمذيِّ كانتِ النوافلُ قبلَ الفرائضِ وبعدَها ستَّ عشرةَ ركعةً، (رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والترمذيُّ، وحسَّنهُ، وابن خزيمةَ وصحَّحه)، وأما صلاةُ ركعتينِ قبلَ العصرِ فقطْ فيشملُهما حديثُ:"بينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ"[صحيح]

‌النفل قبل صلاة المغرب ثبت بالقول والفعل والتقرير

7/ 339 - وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ، صلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ"، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ:"لِمَنْ شَاءَ" كَرَاهِيَةَ

(1)

في (أ): "المذكورة".

(2)

في (أ): "منها".

(3)

في "المسند"(2/ 117).

(4)

في "السنن"(2/ 53 رقم 1271).

(5)

في "السنن"(2/ 295 رقم 430)، وقال: حديث غريب حسن.

(6)

في "صحيحه"(6/ 202 رقم 1193).

قلت: وأخرجه ابن حبان في "الإحسان"(4/ 77 رقم 2444)، وأبو يعلى في "المسند"(10/ 120 رقم 334/ 5748)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 470 رقم 893)، والبيهقي (2/ 473).

وقال ابن حجر في "التلخيص"(2/ 12): فيه محمد بن مهران، وفيه مقال، لكن وثّقه ابن حبان وابن عدي.

وقال الألباني في التعليق على ابن خزيمة: إسناده حسن، وحسّنه الترمذي، وأعلّ بغير حجة

قلت: وخلاصة القول أن الحديث صحيح، والله أعلم.

ص: 11

أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. رَوَاهُ البُخَارِيُّ

(1)

. [صحيح]

- وَفِي رِوَايَة لابْنِ حِبَّانَ

(2)

: أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَّى قَبْلَ المَغْرِبِ رَكعَتَيْنِ. [إسناده صحيح]

‌ترجمة عبد الله بن مغفَّل

(وعنْ عبدِ اللَّهِ بن مُغَفَّلٍ المُزَنيِّ)

(3)

بضمِ الميمِ، وفتحِ الغينِ المعجمةِ، وتشديدِ الفاءِ مفتوحةً، هو أبو سعيدٍ في الأشهرِ عبدُ اللَّهِ بْنُ مغفلٍ بن غنمٍ، كانَ مِنْ أصحابِ الشجرةِ، سكنَ المدينةَ، ثمَّ تحولَ إلى البصرةِ وابتَنَى بها دارًا، وكان أحدَ العشرةِ الذينَ بعثَهم عمرُ إلى البصرةِ يفقّهونَ الناسَ، وماتَ عبدُ اللَّهِ بها سنةَ ستينَ، وقيلَ: قبلَها بسنةٍ.

(عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: صَلّوا قَبْلَ المَغْرِبِ، صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ، ثمَّ قالَ في الثالثةِ: لِمَنْ شاءَ، كَراهيةَ) أي: لكراهيةِ (أن يتَّخِذَهَا النَّاسُ شنَّةً) أي: طريقةً مألوفةً لا يتخلَّفونَ عَنْهَا، فقد يؤدي إلى فواتِ أولِ الوقتِ (رواهُ البخاريُّ).

وهوَ دليلٌ على أنَّها تندبُ الصلاةُ قبلَ صلاةِ المغربِ، إذ هوَ المرادُ من قولهِ:"قبلَ المغربِ"، لا أنَّ المرادَ قبلَ الوقتِ لما علمَ منْ أنهُ منهيٌّ عن الصلاةِ فيه.

(وفي روايةِ لابنِ حبانَ) أي: منْ حديثِ عبدِ اللَّهِ المذكورِ (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى قبلَ المغربِ ركعتينِ) فثبتَ شرعيتُهما بالقولِ والفعلِ.

(1)

في "صحيحه"(3/ 59 رقم 1183) و (13/ 3337 رقم 7368).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(2/ 267 رقم 1289)، وأبو داود (1281)، والدارقطني (1/ 265 رقم 3)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 471 رقم 894)، والبيهقي (2/ 474).

(2)

في "الإحسان"(3/ 59 رقم 1586) بإسناد صحيح على شرط مسلم.

(3)

انظر ترجمته في: "المعارف"(297)، و"المعرفة والتاريخ"(1/ 256)، والحاكم في "المستدرك"(3/ 578)، و"تهذيب التهذيب"(6/ 38 رقم 75)، و"الإصابة"(6/ 223 رقم 4963)، و"الاستيعاب"(7/ 38 - 41 رقم 1667)، و"شذرات الذهب"(1/ 65)، و"مسند أحمد"(4/ 85 - 88) و (4/ 55 - 57، 272).

ص: 12

8/ 340 - وَلمُسْلِمٍ

(1)

عَنْ أنسٍ قالَ: كُنّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرَانَا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا. [صحيح]

(وَلِمسْلِمٍ عن أنس قالَ: كنَّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غرُوبِ الشَّمْسِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرَانَا فَلَمْ يَأمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا)، فتكونُ ثابتةً بالتقريرِ - أيضًا - فثبتتْ هاتانِ الركعتانِ بأقسامِ السنةِ الثلاثةِ، ولعلَّ أنَسًا لم يبلغْهُ حديثُ عبدِ اللَّهِ الذي فيهِ الأمرُ بهمَا، وبهذهِ تكونُ النوافلُ عشرينَ ركعةً [تضافُ]

(2)

إلى الفرائضِ، وهي سبعَ عشرةَ [ركعةً](3)، فيتمُّ لِمَنْ حافظَ على هذهِ النوافلِ في اليومِ والليلةِ سبعٌ وثلاثونَ ركعةً، [وثلاثُ ركعاتٍ الوترُ، تكونُ أربعينَ ركعةً في اليومِ والليلةِ]

(3)

.

وقال ابنُ القيمِ

(4)

: إنهُ كان صلى الله عليه وسلم يحافظُ في اليومِ والليلةِ على أربعينَ ركعةً: سبعَ

(5)

عشْرةَ الفرائضُ، واثنتي عَشْرةَ التي روتْ أمُّ حبيبةَ، وإحدى عشْرةَ صلاة الليل، فكانتْ أربعينَ ركعةً]، انتهَى.

ولا يَخْفَى أنهُ بلغَ عددُ ما ذكرَ هنا منَ النوافلِ غيرِ الوترِ اثنتينِ وعشرينَ إن جعلْنا الأربعَ قبلَ الظهرِ وبعدَهُ داخلةً تحتَها الاثنتانِ اللَّتانِ في حديثِ ابن عمرَ، ويزادُ ما في حديثِ أمِّ حبيبةَ التي بعدَ العشاءِ، فالجميعُ أربع وعشرونَ ركعةً من دونِ الوترِ والفرائضِ.

‌ما يقرأ في ركعتي الفجر

9/ 341 - وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إني أقُولُ: أقَرأَ بأُمِّ الكِتَابِ؟ مُتَّفَق عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

(1)

في "صحيحه"(1/ 573 رقم 302/ 836) من حديث أنس بن مالك.

(2)

في (ب): "مضافة".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في "زاد المعاد"(1/ 327).

(5)

في "المخطوط ""سبعة"، والصواب ما أثبتناه، واعلم أنني لا أنبّه على ذلك لكثرته وأكتفي بالتصويب.

(6)

البخاري (1171)، ومسلم (92، 93/ 724).

قلت: وأخرجه أبو داود (1255)، والنسائي (2/ 156 رقم 946)، ومالك في "الموطأ"(1/ 127 رقم 30)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 454 رقم 882).

ص: 13

(وعَنْ عائشةَ رضي الله عنها قالَتْ: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخفِّفُ الركعتينِ اللَّتينِ قبلَ الصبحِ) أي: نافلةَ الفجرِ (حتَّى إني أقولُ: أقَرَأ بأمِّ الكتابِ) يعني أمْ لا؟ لتخفيفهِ [قيامَهُمَا]

(1)

، (متفقٌ عليهِ).

وإلى [تخفيفهما]

(2)

ذهبَ الجمهورُ، ويأتي تعيينُ [قدر]

(3)

ما يقرأُ فيهمَا، وذهبتِ الحنفيةُ إلى تطويلِهِمَا، ونُقِلَ عَنِ النخعيِّ، وأوردَ فيهِ البيهقي

(4)

حديثًا مرسلًا عن سعيدِ بن جبيرٍ، وفيهِ راوٍ لم يسمَّ، وما ثبتَ في "الصحيحِ" لا يعارضُهُ مثلُ ذلكَ.

10/ 342 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الفَجْرِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}

(5)

، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحدٌ}

(6)

، رواهُ مُسْلِمٌ

(7)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأَ في ركعتي الفجرِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} أي: في الأولى بعدَ الفاتحةِ و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحدٌ} أي: في الثانيةِ بعدَ الفاتحةِ (رواهُ مسلمٌ)، وفي رواية لمسلم أي: عن أبي هريرةَ

(8)

: "قرأ الآيتينِ أي - في ركعتي الفجرِ -: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} - إلى آخر الآية في البقرة

(9)

- عوضًا عنْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} ، و {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} - الآيةُ

(1)

في (أ): "قيامها".

(2)

في (أ): "تخفيفها".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

قال ابن حجر في "الفتح"(3/ 47): "وأورد البيهقي فيه حديثًا مرفوعًا من مرسل سعيد بن جبير وفي سنده راوٍ لم يسم" اهـ.

(5)

سورة الكافرون: الآية 1.

(6)

سورة الإخلاص: الآية 1.

(7)

في "صحيحه"(1/ 502 رقم 98/ 726).

(8)

هذا سبق قلم، والصواب: عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد أخرجه مسلم عنه من طريقين:

(الأولى منهما): (1/ 502 رقم 99/ 727): أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يقرأُ في ركعتي الفجر، في الأولى منهما:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآية التي في البقرة [136]، وفي الآخِرَةِ منهما:{آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)} [آل عمران: 52].

(والطريق الثانية): (1/ 502 رقم 100/ 727): "كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأُ في ركعتي الفجر: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]، والتي في آلِ عمران: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] وكلاهما رواهما عنه سعيد بن يسار، فتنبّه".

(9)

سورة البقرة: الآية 136.

ص: 14

في آل عمرانَ

(1)

- عوضًا عن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ". وفيهِ دليلٌ على جوازِ الاقتصارِ على آيةٍ من وسطِ السورةِ.

‌الضجعة على الجنب الأيمن بعد ركعتي الفجر سنة

11/ 343 - وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(2)

. [صحيح]

(وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى رَكْعَتَيِ الفجرِ اضطجعَ على شقِّهِ الأيمنَ. رواهُ البخاريُّ).

العلماءُ في هذهِ الضَّجْعةِ بينَ مفرِطٍ ومفرِّطٍ ومتوسطٍ: فأفرطَ جماعةٌ مِنْ أهلِ الظاهرِ منهُم ابن حزم

(3)

، ومن تابعه فقالوا بوجوبها، وأبطلوا صلاة الفجر بتركها، وذلك لفعلهِ المذكورِ في هذا الحديثِ، ولحديثِ الأمرِ بِها في حديثِ أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إذا صَلَّى أحدُكم الركعتينِ قبلَ الصبحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلى جنبهِ الأيمنِ"، قال الترمذيُّ

(4)

: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، وقالَ ابنْ تيميةَ: ليسَ بصحيحٍ، [لأنَّه تفردَ به]

(5)

[عبدُ الواحد بنُ زيادٍ]

(6)

وفي حفظهِ مقالٌ.

(1)

سورة آل عمران: الآية 64.

(2)

في "صحيحه"(3/ 43 رقم 1160).

قلت: وأخرجه مسلم (743)، وأبو داود (1262)، وابن ماجه (1198)، وأحمد (6/ 254).

(3)

في "المحلَّى بالآثار"(2/ 227 رقم المسألة 341).

(4)

في "السنن"(2/ 281 رقم 420)، وهو حديث صحيح.

وقال الألباني في تعليقه على "المشكاة"(رقم 1206): إسناده صحيح، ومن أعلّه فما أصاب، كما بيّنته في "التعليقات الجياد".

قلت: وأخرجه أبو داود (2/ 47 رقم: 126)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 460 رقم 887)، وابن حبان في "الإحسان"(4/ 81 رقم 2459)، وابن خزيمة (2/ 167 رقم 1120)، وغيرهم.

(5)

في (أ): "لأن فيه".

(6)

في المخطوط (أ) و (ب): "عبد الرحمن بن زياد"، والصواب ما أثبتناه. انظر المراجع المتقدمة، وكذلك "الميزان" للذهبي (2/ 672 رقم 5287).

ص: 15

قالَ المصنفُ

(1)

: والحقُّ أنهُ تقومُ بهِ الحجةُ إلا أنهُ صرفَ الأمرَ عن الوجوبِ ما وردَ منْ عدمِ مداومتِهِ صلى الله عليه وسلم على فعلِها.

وفرَّطَ جماعةٌ فقالُوا بكراهتِها، واحتجُّوا بأنَّ ابنَ عمرَ كانَ لا يفعلُ ذلكَ، ويقولُ:"كفى بالتسليمِ" أخرجهُ عبدُ الرزاقِ

(2)

، وبأنهُ كانَ يحصبُ مَنْ يفعلُها. وقالَ ابنُ مسعودِ:"ما بالُ الرجلِ إذا صلَّى الركعتينِ تمعَّكَ كما يتمعَّكُ الحمارُ".

وتوسطَ [فيها]

(3)

طائفةٌ منهمْ مالكٌ وغيرُه، فلمْ يَرَوْا بها بأسًا لمن فعلَها راحةً، [وكرهوها]

(4)

لمنْ فعلَها استنانًا. ومنهمْ مَنْ قال باستحبَابِها على الإطلاق سواءٌ فعلَها استراحةً أم لا. قيلَ: وقدْ شرعتْ لمنْ يتهجدُ منَ الليلِ؛ لما أخرجهُ عبدُ الرزاقِ

(5)

عن عائشةَ كانتْ تقولُ: "إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمْ يضطجعْ لسنةٍ لكنهُ كانَ يدأبُ ليلهُ فيضطجعُ ليستريحَ منهُ". وفيهِ راوٍ لمْ يُسَمَّ. وقالَ النوويُّ

(6)

: المختارُ أنَّها سنةٌ؛ لظاهرِ حديث أبي هريرةَ.

قلتُ: وهوَ الأقربُ، وحديثُ عائشةَ لو صحَّ فغايتُهُ أنهُ إخبارٌ عن فهمِهَا، وعدمُ استمرارِهِ صلى الله عليه وسلم عليها دليلُ سُنِّيَتِها، ثمَّ إنهُ يسنُّ على الشقِّ الأيمنِ. قالَ ابنُ حزمٍ: فإنْ تعذَّرَ على الأيمنِ، فإنهُ يومئُ ولا يضطجعُ على الأيسرِ.

12/ 344 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَينِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ، فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ الأيمَنِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(7)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(8)

، والترْمِذِي وَصَحَّحَهُ

(9)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبِي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذا صلَّى أحدُكم الركعتينِ قبلَ

(1)

في "الفتح"(3/ 44).

(2)

في "المصنف"(3/ 42 رقم 4720).

(3)

زيادة من (ب)

(4)

في (أ): "كرهوا".

(5)

في "المصنف"(3/ 43 رقم 4722).

(6)

في "شرح صحيح مسلم"(9/ 16).

(7)

في "المسند"(2/ 415).

(8)

في "السنن"(2/ 47 رقم 1261).

(9)

في "السنن"(2/ 281 رقم 420).

وهو حديث صحيح، تقدم الكلام عليه أثناء شرح الحديث (رقم 11/ 343).

ص: 16

صلاةِ الصبحِ فليضطجعْ على جنبهِ الأيمنِ. رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والترمذيُّ، وصحَّحه). تقدَّمَ الكلامُ وأنهُ صلى الله عليه وسلم [كان]

(1)

يفعلُها، وهذهِ روايةٌ في الأمرِ بها، وتقدمَ أنهُ صرفهُ عن الإيجابِ ما عرفتَ، وعرفتَ كلامَ [العلماء]

(2)

فيهِ.

‌نافلة الليل مثنى مثنى

13/ 345 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوترُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

- وَللْخَمْسَةِ

(4)

- وَصحَّحَهُ ابْنُ حِبّانَ

(5)

- بِلَفْظِ: "صَلاةُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ مَثْنى مَثْنى"، وَقَالَ النسَائيُّ

(6)

: هَذَا خَطَأ. [صحيح]

(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَلاة الليلِ مثنى مثنى، فإذا خَشِيَ أحدُكم الصبحَ صلَّى ركعةً واحدةً توترُ لهُ ما قدْ صلَّى. متفقٌ عليهِ). الحديثُ دليلٌ على مشروعيةِ نافلةِ الليلِ مثْنى مَثْنى، فيسلِّمُ على كلِّ ركعتينِ. وإليهِ ذهبَ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (ب): "الناس".

(3)

البخاري (990)، ومسلم (145/ 749).

قلت: وأخرجه أبو داود (1326)، الترمذي (437)، والنسائي (3/ 227 - 228)، وابن ماجه (1320)، وأحمد (2/ 5)، ومالك (1/ 123 رقم 13) وغيرهم.

(4)

وهم: أحمد في "المسند"(2/ 26، 51)، وأبو داود (1295)، والترمذي (597)، والنسائي (3/ 227 رقم 1666)، وقال: هذا الحديث عندي خطأ، وابن ماجه (1322).

قلت: وأخرجه الدارقطني (1/ 417)، والبيهقي (2/ 487)، وابن خزيمة (2/ 214 رقم 1210)، والدارمي (1/ 340)، والطيالسي (1/ 117 رقم 542 "منحة المعبود")، وصحَّحه البخاري والألباني، وهو كما قالا.

وللمزيد من الكلام على هذا الحديث انظر: "التلخيص"(2/ 22)، و "الدراية"(1/ 200)، و"التمهيد"(13/ 185 - 186)، و"نصب الراية"(2/ 143 - 145)، وقد ضعَّف أحمد وغيره زيادة "والنهار"، وأيّده ابن تيمية في "الفتاوى"(21/ 289).

(5)

في "الإحسان"(4/ 86 رقم 2474)، وإسناده جيد، إلّا أن الثقات من أصحاب ابن عمر لم يذكروا فيه:"صلاة النهار".

(6)

في "السنن"(3/ 227).

ص: 17

جماهيرُ العلماءِ، وقالَ مالكٌ: لا تجوزُ الزيادةُ على اثنتينِ؛ لأنَّ مفهومَ الحديثِ الحصرُ لأنهُ في قوةِ: ما صلاةُ الليلِ إلَّا مثْنى مثْنى [فيسلم]

(1)

؛ لأنَّ تعريفَ المبتدأ قدْ يفيدُ ذلكَ على الأغلبِ، وأجابَ الجمهورُ بأنَّ الحديثَ وقعَ جوابًا لمنْ سألَ عن صلاةِ الليلِ، فلا دلالةَ فيهِ على الحصرِ، وبأنهُ لو سلمَ فقدْ عارضَهُ فعلُهُ صلى الله عليه وسلم وهوَ ثبوتُ إيتارهِ بخمسٍ، كما في حديثِ عائشة عندَ الشيخينِ

(2)

، والفعلُ قرينةٌ على عدمِ إرادةِ الحصرِ، وقولُهُ:"فإذا خشي أحدُكم الصبحَ أوترَ بركعةٍ" دليل على أنهُ لا يوترُ بركعةٍ واحدةٍ إلّا لخشيةِ طلوعِ الفجرِ، وإلَّا أوترَ بخمسٍ أو سبع أو نحوِها، لا بثلاثٍ للنهي عن الثلاث، فإنهُ أخرجَ الدارقطنيُّ

(3)

، والحاكمُ

(4)

، وابنُ حبانَ

(5)

من حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: "أوتِرُوا بخمسٍ، أو [بسبعٍ]

(6)

، أو بتسعٍ

(7)

، أو إحدى عشرةَ"، زادَ الحاكمُ: "ولا توتِرُوا بثلاثٍ لا تشبَّهُوا بصلاةِ المغرب". قالَ المصنفُ

(8)

: ورجالهُ كلُّهم ثقاتُ، ولا يضرهُ وقفُ مَنْ وقفَهُ، [إلا أنَّهُ]

(9)

قد عارضَهُ حديثُ أبي أيوبَ: "مَنْ أحبَّ أنْ يوترَ بثلاثٍ فليفعلْ"، أخرجهُ أبو داود

(10)

، والنسائيُّ

(11)

، وابنُ ماجَهْ

(12)

، وغيرُهم. وقدْ جُمِعَ بَينَهما بأنَّ النهيَ عن الثلاثِ إذا كانَ يقعدُ للتشهدِ الأوسط؛

(1)

زيادة من (أ).

(2)

أخرجه مسلم (123/ 237)، وأحمد (6/ 230)، والدارمي (1/ 371)، وأبو داود (1338)، والترمذي (459)، والنسائي (3/ 240)، والبيهقي (3/ 27) من رواية هشام بن عروة عن أبيه عنها رضي الله عنها، قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي من الليلِ ثلاثَ عَشْرَةَ ركعةً، يُوترُ من ذلكَ بخمسٍ، لا يجلسُ في شيءٍ إلا في آخِرِهَا".

وأخرجه مالك (1/ 121 رقم 10)، والبخاري (1170) من طريقه عن هشام بدون زيادة:"ويوتر من ذلك بخمسٍ"، بل قال: عنها، قالت:"كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلّي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلّي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين".

(3)

في "السنن"(2/ 24 رقم 1).

(4)

في "المستدرك"(1/ 304).

(5)

في "الإحسان"(4/ 68 رقم 2420).

(6)

في (أ): "سبع".

(7)

في (أ): "تسع".

(8)

في "التلخيص"(2/ 14 رقم 511).

(9)

في (أ): "و".

(10)

في "السنن"(2/ 132 رقم 1322).

(11)

في "السنن"(3/ 238).

(12)

في "السنن"(1/ 376 رقم 1190).

وهو حديث صحيح، سيأتي تخريجه في الحديث (رقم 15/ 347).

ص: 18

لأنَّهُ يشبهُ المغربَ، وأمَّا إذا لم يقعدْ إلَّا في آخرِها فلا يشبهُ المغربَ، وهوَ جمعٌ حسنٌ

(1)

، وقد أيَّدهُ حديثُ عائشةَ عندَ أحمدَ

(2)

، والنسائي

(3)

، والبيهقي

(4)

، والحاكم

(5)

: "كان صلى الله عليه وسلم يوترُ بثلاثٍ لا يجلس إلَّا في آخرهن"، ولفظُ أحمدَ:"كانَ يوترُ بثلاثٍ لا يفصلُ بينَهنَّ"، ولفظُ الحاكِم:"لا يقعدُ"[هذا]

(6)

. وأمّا مفهومُ أنهُ لا يوترُ بواحدةٍ إلَّا لخشيةِ طلوعِ الفجرِ، فإنهُ يعارضُهُ حديثُ أبي أيوبَ هذا فإنَّ فيهِ:"ومَنْ أحبَّ أنْ يوترَ بواحدةٍ فليفعلْ"، وهوَ أقوى منْ مفهوم حديثِ الكتابِ، وفي حديثِ أبي أيوبَ دليلٌ على صحةِ الإحرامِ بركعةٍ واحدةٍ، وسَيأتي قريبًا.

(وللخمسةِ) أي: منْ حديثِ أبي هريرةَ

(7)

(وصحَّحهُ ابنُ حبانَ بلفظِ: صلاةُ الليلِ والنهارِ مَثْنى مَثْنى، وقالَ النسائيُّ: هذَا خطأٌ)، أخرجَهُ المذكورُونَ من حديثِ عليِّ بن عبدِ اللَّهِ البارقي الأزْدي عن ابن عمرَ بهذَا، وأصلُهُ في "الصحيحينِ" بدونِ ذكرِ النهارِ. وقالَ ابنُ عبد البرِّ

(8)

: لم يقلْهُ أحدٌ عن ابن عمرَ غيرُ عليٍّ وأنكروهُ عليهِ، وكانَ ابنُ معينٍ يضعفُ حديثَهُ هذَا ولا يحتجُّ بهِ، ويقولُ: إنَّ نافعًا وعبدَ اللَّهِ بنَ دينارٍ وجماعةً رَوَوْهُ عن ابن عمرَ بدونِ ذكرِ النهارِ، ورَوَى بسندهِ عن يحيى بن معينٍ أنهُ قالَ: صلاةُ الليلِ والنهارِ مثنى مثنى، قالَ: بأي حديثٍ؟ فقيل: بحديثِ الأزدي. قالَ: ومَن الأزدي حتَّى أقبلَ منهُ، قالَ النَّسَائِيُّ: هذا الحديثُ عندي خطأٌ، وكذا قالَ الحاكمُ في "علومِ الحديثِ"

(9)

، وقالَ الدارقطنيُّ في

(1)

انظر: "فتح الباري"(2/ 471).

(2)

في "المسند"(6/ 155 - 156).

(3)

في "السنن"(3/ 234 - 235 رقم 1698).

(4)

في "السنن الكبرى"(3/ 28).

(5)

في "المستدرك (1/ 304) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

قلت: بل هو معلول.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، وانظر:"إرواء الغليل"(2/ 150 - 152 رقم 421).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

هذا سبق قلم. والصواب: من حديث ابن عمر، وهذا ما ذكره الصنعاني رحمه الله بعد سطرين.

(8)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(2/ 22).

(9)

(ص 58).

ص: 19

"العللِ"

(1)

: ذكرُ النهارِ فيه وهمٌ، وقالَ الخطابيُّ

(2)

: رَوَى هذا الحديثَ طاوسُ ونافعٌ وغيرُهما عن ابن عمرَ، فلمْ يذكرْ أحدٌ فيهِ النهارَ إلَّا أن سبيلَ الزيادةِ منَ الثقةِ أنْ تقبلَ، وقالَ البيهقي: هذا حديثٌ صحيحٌ، قالَ: والبارقي احتجَّ بهِ مسلمٌ، والزيادةُ منَ الثقةِ مقبولَةٌ، انتهَى كلامُ المصنفِ في التلخيصِ

(3)

. فانظرْ إلى كلامِ الأئمةِ في هذهِ الزيادةِ فقدِ اختلفُوا فيها اختلافًا شديدًا، ولعلَّ الأمْرَيْنِ جائزانِ. وقالَ أبو حنيفةَ: يخيّرُ في النهارِ بينَ أنْ يصلِّيَ ركعتينِ ركعتينِ، أوْ أربعًا أربعًا ولا يزيدُ على ذلكَ. وقدْ أخرجَ البخاريُّ ثمانيةَ أحاديثَ في "صلاةِ النهارِ ركعتينِ"

(4)

.

‌فضل صلاة الليل

14/ 346 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيلِ"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

(5)

. [صحيح]

(1)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(2/ 22).

(2)

في "معالم السنن"(2/ 65 - مع سنن أبي داود).

(3)

(2/ 22).

(4)

ستة منها موصولة، واثنان معلقان:

(أولها): حديث جابر في صلاة الاستخارة (3/ 48 رقم 1162)، وطرفاه رقم (6382 و 7390).

(وثانيها): حديث أبي قتادة في تحية المسجد (3/ 48 رقم 1163).

(وثالثها): حديث أنس في صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم (3/ 48 رقم 1164)، وأطرافه رقم (727 و 860 و 871 و 874).

(ورابعها): حديث ابن عمر في "رواتب الفرائض"(3/ 48 رقم 1165).

(وخامسها): حديث جابر في صلاة التحية والإمام يخطب (3/ 49 رقم 1166).

(وسادسها): حديث ابن عمر عن بلال في صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكعبة (3/ 49 رقم 1167).

(وسابعها): قوله: وقال أبو هريرة: أوصاني النبيّ صلى الله عليه وسلم بركعتي الضحى (3/ 49).

(وثامنها): قوله: وقال عتبان بن مالك: "غدا عليَّ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه بعد ما امتدَّ النهارُ وصَفَفْنَا وراءَه، فركع ركعتين"(3/ 49).

(5)

في صحيحه (2/ 821 رقم 202/ 1163).

قلت: وأخرجه الترمذي (438) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (1613)، وأبو داود (2429)، وأحمد في (المسند)(2/ 344)، والحاكم في "المستدرك (1/ 307)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.=

ص: 20

(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَفْضَل الصلاةِ بعد الفريضةِ) فإنَّها أفضلُ الصلاةِ (صلاةُ الليل. أخرجه مسلمٌ)، يحتملُ أنهُ أُريد بالليلِ جوفُهُ لحديثِ أبي هريرةَ عندَ الجماعةِ إلّا البخاريَّ

(1)

، قالَ:"سُئلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الصلاةِ أفضلُ بعدَ المكتوبةِ؟ قالَ: الصلاةُ في جوفِ الليلِ"، وفي حديثِ عمرو بن عَبْسَةَ عندَ الترمذي وصحَّحهُ

(2)

: "أقربُ ما يكونُ الربُّ منَ العبدِ في جوفِ الليلِ الآخرِ، فإنِ استطعتَ أنْ تكونَ ممنْ يذكرُ اللَّهَ في تلكَ الساعةِ فكنْ"، وفي حديثِهِ أيضًا عندَ أبي داودَ

(3)

: "قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ الليلِ أسمعُ؟ قالَ: جوفُ الليلِ الاخِرُ فصلِّ ما شئتَ، فإنَّ الصلاةَ فيهِ مشهودةٌ مكتوبةٌ"، والمرادُ من جوفهِ الآخِرِ هوَ الثلثُ [الآخِرُ]

(4)

كما وردتْ بهِ الأحاديثُ.

‌حجة من قال بوجوب الوتر

15/ 347 - وَعَنْ أبِي أَيُّوبَ الأنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَن أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ"، رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ إِلَّا التّرْمِذِيَّ

(5)

، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(6)

، وَرَجَّحَ النَّسَائِي وَقْفَهُ. [صحيح]

=وابن المبارك في "الزهد"(ص 427 رقم 1214)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(2/ 101).

(1)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(203/ 1163)، وأحمد (2/ 303 و 329)، والبيهقي (3/ 4)، وابن خزيمة (2/ 176 رقم 1134).

[وانظر تخريج الحديث رقم (14/ 346)].

(2)

في "السنن"(5/ 569 - 570 رقم 3579)، وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصحّحه الألباني في "صحيح الترمذي" رقم (2833).

(3)

في "السنن"(2/ 56 - 57 رقم 1277).

قلت: وأخرجه النَّسَائِي (572)، وأخرجه مسلم مطولًا في "صحيحه"(294/ 832).

(4)

في (أ): "الأخير".

(5)

وهم: أبو داود (1422)، والنسائي (3/ 238)، وابن ماجه (1190).

(6)

في "الإحسان"(4/ 63 رقم 2403).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 418)، والدارمي (1/ 371)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 291)، والدارقطني (2/ 22 - 23 رقم 1، 4، 7)، والحاكم في "المستدرك"=

ص: 21

(وعن أبي أيوبَ الأنصاريِّ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الوترُ حقٌّ على كلِّ مسلمٍ) هوَ دليلٌ لمنْ قالَ بوجوبِ الوترِ (مَنْ أحبَّ أنْ يوترَ بخمسٍ فليفعلْ، ومنْ أحبَّ أن يوترَ بثلاثٍ فليفعلْ)، قد قدَّمْنا الجمعَ بينَه وبَينِ ما عارضَه، (ومَنْ أَحبَّ أنْ يوترَ بواحدةٍ) مِنْ دونِ أن يضيفَ إليها غيرَها، كما هو الظاهرُ (فليفعلْ. رواهُ الأربعة إلَّا الترمذيَّ، وصحَّحه ابن حبانَ ورجَّحَ النسائيُّ وقْفَه)، وكذا صحَّحَ أبو حاتمٍ، والذهلي، والدارقطنيُّ في العللِ، والبيهقيُّ وغيرُ واحدةٍ وقْفَهُ، قالَ المصنفُ

(1)

: وهوَ الصوابُ.

قلت: ولهُ حكمُ الرفعِ إذْ لا مسرحَ للاجتهادِ فيهِ أي في المقادير. والحديثُ دليلٌ على إيجابِ الوترِ، ويدلُّ له أيضًا حديثُ أبي هريرةَ عندَ أحمدَ

(2)

: "مَنْ لمْ يوترْ فليسَ منَّا"، وإلى وجوبهِ ذهبتِ الحنفيةُ.

= (1/ 302 - 303)، والبيهقي (3/ 23).

كلهم من رواية الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب، إلَّا أنهم اختلفوا عن الزهري فرفعه أكثرهم ووقفه أقلّهم، قال الحافظ في "التلخيص" (2/ 13):"وصحَّح أبو حاتم والذهلي والدارقطني في "العلل" والبيهقي وقفه، وهو الصواب".

قلت: وليس كذلك، ولا يمكن أن يكون هو الصواب؛ لأن الواقع ينادي بصحة رفعه بلا تردد

وقد صحَّح الألباني الحديث في صحيح أبي داود.

(1)

في "التلخيص"(2/ 13).

(2)

في "المسند"(2/ 443)، وفيه "خليل بن مرة" وهو منكر الحديث، وفي الإسناد انقطاع بين معاوية بن قرة وأبي هريرة كما قال أحمد. انظر:"التلخيص الحبير"(2/ 21)، و"نصب الراية"(2/ 113).

وأخرج أحمد (5/ 357)، وأبو داود (1419)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(2/ 136)، وابن أبي شيبة (2/ 297)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 305 - 306)، والبيهقي (2/ 470): عن أبي المنيب عبيد الله بن عبد الله حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعًا بلفظ: "الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منّا، قالها ثلاثًا".

قال الحاكم: "حديث صحيح، وأبو المنيب العتكي مروزي ثقة يجمع حديثه"، وتعقبه الذهبي بقوله:"قلت: قال البخاري: عنده مناكير"، وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

وقد تكلَّم عليه المحدِّث الألباني في "الإرواء"(رقم 417)، وانظر:"نصب الراية"(2/ 112)، و"التلخيص الحبير"(2/ 20 - 21).

ص: 22

‌حجة من قال بعدم وجوب الوتر

وذهبَ الجمهورُ إلى أنهُ ليسَ بواجبٍ، مستدلينَ بحديثِ عليٍّ رضي الله عنه:"الوترُ ليسَ بحتم كهيئةِ المكتوبةِ، ولكنهُ سنة سنَّها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم". ويأتي

(1)

، ولفظُهُ عندَ ابن ماجَةْ

(2)

: "إنَّ الوترَ ليسَ بحتمٍ ولا كصلاتكُم المكتوبةِ، ولكنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أوترَ وقالَ: يا أهلَ القرآنِ، أوتِرُوا فإنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يحبُّ الوتر".

وذكرَ المجدُ بنُ تيميةَ

(3)

: أن ابنَ المنذرِ رَوَى حديثَ أبي أيوبَ بلفظِ: "الوترُ حقٌّ وليسَ بواجبٍ"، وبحديثِ:"ثلاثٌ هنَّ عليَّ فرائِضُ ولكُم تطوعٌ"

(4)

، وعدَّ فرائضٌ منها الوترُ، وإنْ كانَ ضعيفًا فلهُ متابعاتٌ يتأيّدُ بها، على أن حديثَ أبي أيوبَ الذي استدلّ بهِ على الإيجاب قد عرفتَ أن الأصحَّ وقْفُه عليه [إلّا أنهُ]

(5)

سبقَ أن لهُ حكمَ المرفوع [ولكنه]

(6)

لا يقاومُ الأدلةَ الدالةَ على عدمِ الإيجاب، والإيجابُ قد أطلق على المسنونِ تأكيدًا، كما سلفَ في غسلِ الجمعةِ.

وقولُه: (بخمس أو بثلاث) أي: ولا يقعد إلّا في آخرها، ويأتي حديث عائشة في الخمس، وقوله:(بواحدةٍ) ظاهرهُ مقتصرًا عليها. وقد رُوِيَ فعلُ ذلكَ عن جماعةٍ منَ الصحابةِ، فأخرجَ محمدُ بنُ نصرٍ وغيرُهُ بإسنادٍ صحيحٍ عن السائبِ بن يزيدَ:"أن عمرَ قرأ القرآنَ ليلةً في ركعةٍ لم يصلِّ غيرَها"

(7)

، ورَوَى البخاريُّ

(8)

: "أن معاويةَ أوترَ بركعةٍ، وأنَّ ابنَ عباسٍ استصْوَبَهُ".

‌الوتر ليس بواجب

16/ 348 - وَعَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: لَيْسَ الوِتْرُ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ

(1)

رقم الحديث (16/ 348)، وهو حديث صحيح.

(2)

في "السنن"(1/ 370 رقم 1169).

(3)

في "المنتقى"(3/ 29 رقم 4 - مع النَّيْل).

(4)

أخرجه أحمد في "المسند"(1/ 231)، والبيهقي (2/ 468) و (9/ 294)، والدارقطني (2/ 21 رقم 1)، والحاكم (1/ 300)، وسكت عليه الحاكم، وقال الذهبي: هو غريب منكر.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف. انظر: "التلخيص الحبير"(2/ 18).

(5)

في (ب): "وإنْ".

(6)

في (ب): "فهو".

(7)

ذكره ابن حجر في "الفتح"(2/ 482)، ولكن قال:"عثمان" بدل "عمر".

(8)

في "صحيحه"(7/ 103 رقم 3764 و 3765).

ص: 23

المَكْتُوبَةِ، وَلَكِنْ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ

(1)

، والنَّسَائِيّ

(2)

، وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَ

(3)

. [صحيح بشواهده]

(وعَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قالَ: ليسَ الوترُ بحتمٍ كهيئةِ المكتوبةِ، و [لكنْ]

(4)

سُنَّةٌ سنَّهَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رواهُ الترمذيُّ وحسَّنَهُ، والنسائي، والحاكمُ وصحَّحهُ). تقدَّمَ أنه منْ أدلةِ الجمهورِ على عدمِ الوجوبِ. وفي حديثِ علي هذا عاصمُ بنُ ضمرةَ تكلَّمَ فيهِ غيرُ واحدٍ، وذكرُه القاضي الخيمي في حواشيهِ على بلوغِ المرامِ، ولم أجدْه في التلخيصِ

(5)

بل ذُكِرَ هنا أنهُ صحَّحهُ الحاكمُ ولم يتعقبْهُ فما أدري مِنْ أينَ نقلَ القاضي، ثمَّ رأيتُ في التقريبِ

(6)

ما لفظُه: عاصمُ بنُ ضمرَة السلولي الكوفي صدوقٌ منَ الثالثةِ ماتَ سنةَ أربعٍ وسبعينَ. انتهى. وفي التلخيص: رواه النَّسَائِي والترمذي من طريق عاصم بن ضمرة، وصحَّحه الحاكم. انتهى]

(7)

.

17/ 349 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ في شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنَ القَابِلَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ، وَقَالَ:"إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيكُمْ الوِتْرُ"، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ

(8)

. [حسن]

(1)

في "السنن"(2/ 316 رقم 453) وقال: حديث حسن.

(2)

في "السنن"(3/ 228 - 229).

(3)

في "المستدرك"(1/ 300).

قلت: وأخرجه أبو داود (1416)، وابن ماجه (1169)، وابن خزيمة (2/ 136 رقم 1067)، وأحمد (4/ 273 رقم 1045 - الفتح الرباني).

قال الألباني في تعليقه على ابن خزيمة: "إسناده ضعيف لاختلاط أبي إسحاق - وهو السبيعي - وعنعنته، وفي ابن ضمرة كلام يسير، لكن الحديث حسن بل صحيح له ما يشهد له

" اهـ.

(4)

في (أ): "لكنه".

(5)

بل هو موجود فيه، فانظره (2/ 14 رقم 509).

(6)

(1/ 384 رقم 13).

(7)

زيادة من (أ).

(8)

في "الإحسان"(4/ 64 رقم 2406)، وإسناده ضعيف.

قلت: وأخرجه الطبراني في "الصغير"(1/ 317 رقم 525 - الروض الداني)، وأبو يعلى في "المسند"(3/ 336 رقم 35/ 1802).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 172 - 173) وقال: "رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير، وفيه: عيسى بن جارية وثّقه ابن حبان وغيره، وضعَّفه ابن معين" اهـ.

ص: 24

(وَعَنْ جابرِ بن عبدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قامَ في شهرِ رمضانَ، ثمَّ انتظرُوهُ منَ [الليلة]

(1)

القابلة فلم يخرجْ وقالَ: إنِّي خشيت أن يكتبَ عليكمُ الوترُ. رواهُ ابن حبانُ) أبعدَ المصنفُ النجعةَ. والحديثُ في البخاري

(2)

إلَّا أنهُ بلفظ: "أنْ تفرضَ عليكمْ صلاةُ الليل، وأخرجهُ أبو داودَ

(3)

من حديثِ عائشةَ ولفظُه: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في المسجدِ فصلَّى بصلاتهِ ناسٌ، ثمَّ صلَّى من القابلةِ فكثرَ الناسُ، ثمَّ اجتمعُوا [في]

(4)

الليلةِ الثالثةِ فلم يخرجْ إليهمْ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا أصبحَ قالَ: قدْ رأيتُ الذي صنعتُم، ولم يمنعْني منَ الخروجِ إليكمْ إلا أني خشيتُ أنْ تفرضَ عليكم"، هذا والحديثُ في البخاري

(5)

بقريبٍ من هذا.

واعْلَمْ أنهُ قدْ أشكلَ التعليلُ لعدمِ الخروجِ بخشيةِ الفرضيةِ عليهمْ معَ ثبوتِ [حديثِ]

(6)

: " [هي]

(7)

خمسٌ وهنَّ خمسونَ، لا يُبَدَّلُ القولُ لديَّ"

(8)

. فإذا أمنَ التبديلُ كيفَ يقعُ الخوفُ من الزيادةِ. وقدْ نقلَ المصنفُ عنهُ أجوبة كثيرةً وزيَّفَها، وأجابَ بثلاثةِ أجوبةٍ قالَ إنهُ فتحَ الباري عليهِ بها، وذكرَها واستجودَ منها أن خوفَهُ صلى الله عليه وسلم كانَ مِنَ افتراضِ قيامِ الليلِ، يعني جعلَ التهجُّدِ في المسجدِ جماعةً شرطًا في صحةِ التنفُّلِ بالليلِ، قالَ: ويومئُ إليهِ قولُهُ في حديثِ زيدِ بن ثابتٍ

(9)

: "حتَّى خَشِيتُ أنْ يُكْتَبَ عليكمْ، ولو كتبَ عليكمْ ما قمتمْ بهِ، فصلُّوا أيَّها الناسُ في بيوتِكُم"، فمنعَهم منَ التجمعِ في المسجدِ إشفاقا عليهمْ منِ اشتراطهِ. انتهى.

(1)

زيادة من (أ).

(2)

(رقم 696 - البغا) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

في "السنن"(2/ 104 رقم 1373)، وهو حديث صحيح.

(4)

في (أ): "من".

(5)

(رقم 882 - البغا)، ومسلم (761) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(6)

زيادة من (أ).

(7)

في (أ): "هن".

(8)

حديث المراجعة لتخفيف الصلاة، أخرجه البخاري (13/ 478 - 479 رقم 7517) بهامش الفتح، روايته عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة.

وأخرجه مسلم (263/ 163) عن أنس بن مالك عن أبي ذر.

(9)

أخرجه البخاري (13/ 24 رقم 7290)، ومسلم (781)، وأبو داود (1447)، والنسائي (3/ 197 - 198 رقم 1599)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 129 رقم 994)، وأحمد (5/ 13 رقم 1113 - الفتح الرباني).

ص: 25

قلتُ: ولا يخفَى أنهُ لا يطابقُ قولَهُ: "أنْ تفرضَ عليكمْ صلاةُ الليلِ" كما في البخاري

(1)

، فإنهُ ظاهرٌ أنهُ خشيةَ فرضِها مطلقًا، وكانَ ذلكَ في رمضانَ فدلَّ على أنهُ صلَّى بهم ليلتينِ. وحديثُ الكتابِ أنهُ صلَّى بهمْ ليلةً واحدةً في روايةِ أحمدَ

(2)

: "إنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى بهمْ ثلاثَ ليالٍ وغصَّ المسجدُ بأهلهِ في الليلةِ الرابعةِ"، وفي قولهِ:"خشيتُ أنْ يكتبَ عليكمُ [الوترّ] "

(3)

، دلالةٌ على أن الوترَ غيرُ واجبٍ.

واعلم أن مَنْ أثبتَ صلاةَ التراويحِ وجعلها سنةً في قيامٍ رمضانَ استدلَّ بهذا الحديثِ على ذلكَ، وليسَ فيه دليلٌ على كيفيةِ ما يفعلونهُ ولا كميّتهِ، فإنَّهم يصلونَها جماعةً عشرين [ركعةً]

(4)

يتروَّحونَ بينَ كلِّ ركعتينِ. فأمّا الجماعةُ فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بهم جماعة، ثم ترك خشية أن يفرض عليهم، ثم إن أولُ مَنْ جَمَعَهُمْ على إمام عمر

(5)

، وقال:"إنها بدعةٌ" كما أخرجهُ مسلمٌ

(6)

في صحيحهِ، وأخرجهُ

(7)

غيرُهُ من حديثِ أبي هريرةَ: "أنه صلى الله عليه وسلم كانَ يرغِّبهُم في قيامِ رمضانَ من غيرِ أنْ يأمُرَهُمْ فيهِ بعزيمةٍ فيقول: "مَنْ قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذَنْبِهِ"، قال: وتُوُفِّيَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والأمرُ على ذلكَ، وفي خلافةِ أبي بكرٍ

(1)

(رقم 696 - البغا) من حديث عائشة.

(2)

(5/ 6 - 7 رقم: 1108 - الفتح الرباني) من حديث عائشة.

(3)

زيادة من (ب).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

قلت: بل صلاتها جماعة مشروعة بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري (2012)، ومسلم (178):

عن عائشة رضي الله عنها أخبرت أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ ليلةً من جوفِ الليلِ فصلّى في المسجد وصلّى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدّثوا فاجتمع أكثرُ منهم، فصلَّى فصلُّوا معَهُ، فأصبحَ الناسُ فتحدَّثُوا فكثرَ أهلُ المسجد من الليلة الثالثةِ، فخرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فصلَّى بصلاتهِ، فلما كانت الليلةُ الرابعةُ عجزَ المسجدُ عن أهلهِ حتى خرج لصلاةِ الصبح، فلما قضى الفجر أقبلَ على الناسِ فتشهدَ ثم قال:"أما بعدُ فإنهُ لم يَخْفَ عليَّ مكانكم، ولكني خشيتُ أن تفرضَ عليكم فتعجزوا عنها، فتوفّي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والأمرُ على ذلك".

(6)

قلت: بل أخرجه البخاري في "صحيحه"(4/ 250 رقم 2010) عن عبد الرحمن بن عبد القاريِّ، وكذلك أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 114 رقم 3)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 118 رقم 990).

(7)

البخاري (2009)، ومسلم (174/ 759)، ومالك (1/ 113 رقم 2)، وأبو داود (1371)، والترمذي (808) وغيرهم.

ص: 26

[وصدرًا]

(1)

من خلافةِ عمرَ"، زادَ في روايةٍ عندَ البيهقي

(2)

: "قال عروةُ: فأخبرني عبدُ الرحمنِ القاري أن عمرَ بنَ الخطابِ خرجَ ليلةً فطاف في رمضان في المسجدِ وأهلُ المسجدِ أوزاعٌ متفرقونَ يصلِّي الرجلُ لنفسهِ ويصلِّي الرجلُ فيصلِّي بصلاتهِ الرهطُ، فقالَ عمر: واللَّهِ لأظنُّ لو جَمَعْنَاهُمْ على قارئٍ واحد [لكان أمثلَ، فعزمَ عمرُ على أنْ يجمعهُمْ على قارئٍ واحدٍ]

(3)

، فأمرَ أبيَّ بن كعب أنْ يقومَ بهم في رمضانَ فخرجَ عمرُ والناسُ يصلّونَ بصلاتهِ، فقال عمرُ:"نِعْمَ البدعةُ هذهِ". وساقَ البيهقيُّ في السننِ

(4)

عدة رواياتٍ في هذا المعنَى. إذا عرفتَ هذا عرفت أن عمرَ هو الذي جعلها جماعة وسمّاها بدعةً. وأمّا قولُه: "ونِعْمَ البِدعةُ"، فليسَ في البدعة ما يمدحُ بل كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ

(5)

.

واعلمْ أنهُ يتعينُ حملُ قولهِ: "بدعةٌ" على جمعهِ لهم على معيَّنٍ وإلزامِهم بذلكَ

(6)

، لا أنهُ أرادَ أن الجماعةَ بدعةٌ، فإنه صلى الله عليه وسلم قد جمَعَ بهم كما عرفتَ.

‌عدد ركعات القيام في رمضان

وأمَّا الكميَّةُ - وهي جعلُها عشرينَ ركعةً - فليسَ فيهِ حديث مرفوعُ إلَّا ما رَوَاهُ عبدُ بنُ حميدٍ

(7)

، والطبرانيُّ

(8)

منْ طريقِ أبي شيبةَ إبراهيمَ بن عثمانَ، عن

(1)

في (أ): "صدر"، والصواب ما في (ب).

(2)

في "السنن الكبرى"(2/ 493).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

(2/ 493 - 494).

(5)

ويقول ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم"(ص 276): "

أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة، مع حسنها، وهذه تسمية لغوية، لا تسمية شرعية. وذلك: أن "البدعة" في اللغة تعمّ كل ما فعل ابتداء من غير سابق، وأما البدعة الشرعية: فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي

" اهـ.

(6)

انظر كتابنا: "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة"، الفائدة الرابعة:"البدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة".

(7)

في "المنتخب"(ص 218 رقم 653).

(8)

في "الكبير والأوسط" - كما في "مجمع الزوائد"(3/ 172)، وقال الهيثمي:"وفيه أبو شيبة إبراهيم، وهو ضعيف" اهـ.

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 394)، والبيهقي (2/ 496)، والخطيب في "الموضح"(1/ 382)، وابن عدي في "الكامل"(1/ 240).=

ص: 27

الحكمِ، عنْ مقسمٍ، عن ابن عباسٍ:"أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يصلِّي في رمضانَ عشرينَ ركعةً والوترَ". قالَ في سُبُل الرشادِ

(1)

: أبو شيبةَ ضعَّفَهُ أحمدُ، وابنُ معينٍ، والبخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داودَ، والترمذيُّ، والنسائي وغيرُهم، وكذَّبَهُ شعبةُ، [و]

(2)

قالَ ابنُ معينٍ: ليسَ بثقةٍ، وعدَّ هذا الحديثَ من منكراتِهِ

(3)

.

وقالَ الأذرعيُّ في المتوسطِ

(4)

: "وأمَّا ما نُقِلَ أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى في الليلتينِ [اللَّتينِ]

(5)

خرجَ فيهما عشرينَ ركعةً فهو منكرٌ". وقالَ الزركشي في الخادمِ

(6)

: "دَعْوَى أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى بهمْ في تلكَ الليلةِ عشرينَ ركعة لم تصحَّ، بل الثابتُ في الصحيحِ الصلاةُ من غيرِ ذكرٍ بالعددِ"، وجاء في روايةِ جابرٍ:"أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى بهمْ ثماني ركعاتٍ والوترَ، ثمَّ انتظرُوهُ في القابلةِ فلم يخرجْ إليهمْ"، رواهُ ابنُ حبانَ

(7)

، [وابنُ خُزيمةَ]

(8)

في صحيحهِما، انتهى. وأخرجَ البيهقي

(9)

روايةَ ابن

= قال البيهقي: "تفرّد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، وهو ضعيف" اهـ.

قال ابن حجر في "الفتح"(4/ 254): "وأمّا ما رواه ابن أبي شيبة من حديث ابن عباس: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي في رمضان عشرين ركعة والوتر"، فإسناده ضعيف، وقد عارضه حديث عائشة الذي في الصحيحين - سيأتي رقم (20/ 352) - مع كونها أعلم بحال النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلًا من غيرها، والله أعلم" اهـ.

وسبقه إلى هذا المعنى الحافظ الزيلعي في "نصب الراية"(2/ 153).

وقال السيوطي في "الحاوي للفتاوي"(1/ 347): "هذا الحديث ضعيف جدًّا لا تقوم به حجَّة

".

وخلاصة الأمر: أن الحديث ضعيف جدًّا كما علمت.

(1)

وهو لا يزال مخطوطًا.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

قلت: انظر ترجمة إبراهيم بن عثمان هذا في "التاريخ الكبير"(1/ 310)، و"المجروحين"(1/ 104)، و"الجرح والتعديل"(2/ 115)، و"الميزان"(1/ 47)، و"التقريب"(1/ 39).

(4)

وهو كتاب في فقه الشافعي لا يزال مخطوطًا، أفاده الدكتور حسن الأهدل، والشيخ عبد الله الحَبْشي.

(5)

في (ب): "التي".

(6)

وهو كتاب في فقه الشافعية شرح روضة الطالبين للنووي، لا يزال مخطوطًا، أفاده الدكتور حسن، والشيخ عبد الله أيضًا.

(7)

في "الإحسان"(4/ 62 رقم 2401) و (4/ 64 رقم 2406).

(8)

في "صحيحه"(2/ 138 رقم 1070).

وإسناده حسن، عيسى بن جارية فيه لين.

(9)

في "السنن الكبرى"(2/ 496).

ص: 28

عباسٍ من طريقِ أبي شيبَةَ ثمَّ قالَ: إنهُ ضعيفٌ وساقَ رواياتٍ

(1)

: "أن عمرَ أمرَ أُبَيًا وتميمًا الداريَّ يقومانِ بالناسِ بعشرينَ ركعةً"، وفي روايةٍ:"أنهمْ كانُوا يقومونَ في زمنِ عمرَ بعشرينَ ركعةً"، [وفي روايةٍ: بثلاثٍ وعشرينَ ركعةً]

(2)

، وفي روايةٍ:"أنَّ عليًّا رضي الله عنه كانَ يؤمُّهُم بعشرينَ ركعةً ويوترُ بثلاثٍ"، قالَ: وفيه قوةٌ.

إذا عرفتَ هذا علمتَ أنهُ ليسَ في العشرينَ روايةٌ مرفوعةٌ

(3)

، بل يأتي حديثُ عائشةَ المتفقُ عليهِ قريبًا

(4)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم ما كان يزيدُ في رمضانَ ولا غيرهِ على إحدَى عشْرَةَ ركعةً"، فعرفتَ من هذا كلِّهِ أنَّ صلاةَ التراويحِ على هذا الأسلوبِ الذي اتفقَ عليهِ الأكثرُ - بدعةٌ، نعمْ قيامُ رمضانَ سنةٌ بلا خلافٍ والجماعةُ في نافلتهِ لا تنكرُ، [وقدْ]

(5)

ائتمَّ ابنُ عباسٍ رضي الله عنه وغيرُه بهِ صلى الله عليه وسلم في صلاةِ الليلِ، لكنْ جعلُ هذهِ الكيفيةِ والكميةُ سنةً والمحافظةُ عليها هوَ الذي نقولُ إنهُ بدعةٌ، وهذا عمرُ رضي الله عنه خرجَ أوَّلًا والناسُ أوزاعُ متفرِّقونَ، منهم مَنْ يصلِّي منفردًا، ومنهمْ مَنْ يصلِّي جماعةً على ما كانُوا [عليه]

(6)

في عصرهِ، وخيرُ الأمورِ ما [كانت]

(7)

على عهدهِ. وأما تسميتُها بالتراويحِ فكأنَّ وجهَهُ ما أخرجَهُ البيهقي

(8)

منْ حديثِ عائشةَ قالتْ: "كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصلِّي أربعَ ركعاتٍ في الليلِ، ثمَّ يتروَّحُ، فأطالَ حتَّى رحمتُهُ" الحديث. قالَ البيهقي (8): تفردَ بهِ المغيرةُ بنُ [زياد]

(9)

وليسَ بالقويِّ، فإنْ ثبتَ فهوَ أصلٌ في تروُّحِ الإمامِ في صلاةِ التراويحِ. انتهى.

‌الاقتداء بالصحابة ليس تقليدًا

وأمَّا حديثُ: "عليكمْ بسنّتي وسنّة الخلفاءِ الراشدينَ بعدي، تمسَّكُوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجذِ"، أخرجهُ أحمدُ

(10)

، وأبو داودَ

(11)

، وابنُ ماجَهْ

(12)

،

(1)

في المرجع السابق (2/ 496).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

وزيادة في استبانة ذلك، انظر:"صلاة التراويح" للمحدث الألباني.

(4)

رقم الحديث (20/ 352).

(5)

في (أ): "فقد".

(6)

زيادة من (أ).

(7)

في (ب): "كان".

(8)

في "السنن الكبرى"(2/ 497).

(9)

في (ب): "دياب"، وهو خطأ. انظر:"معجم الجرح والتعديل لرجال السنن الكبرى"(ص 162).

(10)

في "المسند"(4/ 126 - 127).

(11)

في "السنن"(5/ 13 رقم 4607).

(12)

في "السنن"(1/ 15 رقم 42).

ص: 29

والترمذيُّ

(1)

وصحَّحهُ، [و] الحاكمُ

(2)

، وقالَ: على شرطِ الشيخينِ، ومثلُهُ حديثُ:"اقتَدُوا باللذين مِنْ بعدي: أبي بكرٍ وعمرَ"، أخرجهُ الترمذيُّ

(3)

، وقال: حسنٌ، وأخرجهُ أحمدُ

(4)

، وابنُ ماجَهْ

(5)

، وابنُ حبانَ

(6)

، ولهُ طرقٌ فيها مقالٌ إلَّا أنهُ يقوّي بعضُها بعضًا، فإنهُ ليسَ المرادُ بسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ إلَّا طريقتُهم الموافقةُ لطريقتهِ صلى الله عليه وسلم من جهادِ الأعداءِ، وتقويةِ شعائرِ الدين، ونحوِها، فإنَّ الحديثَ عامٌّ لكلِّ خليفةٍ راشدٍ لا يخصُّ الشيخينِ

(7)

، ومعلومٌ من قواعدِ الشريعةِ أنْ ليسَ لخليفةٍ راشدٍ أنْ يشرعَ

(8)

طريقةً غيرَ ما كانَ عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم،

(1)

في "السنن"(5/ 44 رقم 2676)، وقال: حديث حسن صحيح.

(2)

في "المستدرك"(1/ 95 - 97) وقال: هذا حديث صحيح ليس له علّة ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه الدارمي (1/ 44 - 45)، وابن حبان (1/ 104 رقم 5 - الإحسان)، وابن أبي عاصم في كتاب "السنة"(1/ 17 و 29)، والآجري في "الشريعة"(ص 46 - 47)، وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم"(2/ 181 - 182).

كلهم من حديث العرباض بن سارية، وهو حديث صحيح.

(3)

في "السنن"(5/ 609 رقم 3662)، وقال: حديث حسن.

(4)

في "المسند"(5/ 382 و 385 و 402).

(5)

في "السنن"(1/ 37 رقم 97).

(6)

في "الموارد"(ص 538 رقم 2193).

قلت: وأخرجه الحاكم (3/ 75)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(2/ 83 - 84)، والحميدي في "مسنده"(1/ 214 رقم 449)، وابن سعد في "الطبقات"(2/ 334)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 109)، والخطيب في "تاريخه"(12/ 20)، والبغوي في "شرح السنة"(14/ 101 رقم 3894 و 3895) كلّهم من حديث حذيفة، وهو حديث صحيح.

• وأخرجه الترمذي (5/ 672 رقم 3805) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه

، والحاكم (3/ 75 - 76) وقال: إسناده صحيح، وردّه الذهبي بقوله: سنده واهٍ، والبغوي في "شرح السنة" (14/ 102 رقم 3896) وقال: حديث كريب، كلّهم من حديث ابن مسعود.

• وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 666) من حديث أنس بإسناد جيد.

والخلاصة: أن الحديث صحيح. وانظر: "الصحيحة" للمحدث الألباني (3/ 233 - 236 رقم 1233).

(7)

يا اللعجب! كيف يقال: حديث عام لكل خليفة؟ والتنصيص على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بالذات. فالحديث لا يشمل غيرهما لأنَّه صلى الله عليه وسلم نصق عليهما، والقياس مخالف للنص.

(8)

قلت: إن عمر رضي الله عنه لم يشرع جديدًا في تجميع المسلمين على إمام واحد؛ لأن صلاتها جماعة مشروعة، وإنما ترك النبيّ صلى الله عليه وسلم الحضور في الليلة مخافة أن تفرض على =

ص: 30

[ثمَّ]

(1)

عمرُ رضي الله عنه نفسُه الخليفةُ الراشدُ سمَّى ما رآهُ من تجميعِ صلاتهِ ليالي رمضانَ بدعةً، ولمْ يقلْ: إنَّها سنةٌ، فتأمّلْ. على أن الصحابةَ رضي الله عنهم خالفُوا الشيخينِ في مواضعَ ومسائلَ

(2)

، فدلَّ [على]

(3)

أنّهم لم يحملُوا الحديثَ على أن ما قالُوهُ وفعلُوهُ حجةٌ. وقدْ حقَّقَ البرماويُّ الكلامَ في شرح ألفيتهِ في أصولِ الفقهِ، معَ أنهُ قالَ: إنَّما الحديثُ الأولُ يدل [أنه]

(4)

إذا [اتفق]

(5)

الخلفاءُ الأربعةُ على قولٍ كانَ حجةً لا إذا انفردَ واحدٌ منهم، والتحقيقُ أن الاقتداءَ ليسَ هو التقليدَ بل هوَ غيرُه كما حقَّقناهُ في شرحِ نظمِ الكافلِ

(6)

في بحثِ الإجماعِ.

18/ 350 - وَعَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ"، قُلْنَا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْوِتْرُ مَا بَينَ صَلاةِ العِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ"، رَوَاهُ الْخمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ

(7)

، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ

(8)

. [صحيح]

= المسلمين، فلما انقطع الوحي بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمن ما خاف منه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلّة تدور مع المعلول وجودًا وعدمًا، فبقيت السنة للجماعة لزوال العارض، فجاء عمر رضي الله عنه بصلاتها جماعة إحياءً للسنة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإضافة لما ذُكر: لم يُعلم من الصحابة مخالف في ذلك، فكان إجماعًا.

(1)

في (أ): "هذا".

(2)

قلت: لكن لم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه قد خالف في صلاة التراويح.

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في (أ): "أنهم".

(5)

في (ب): "اتّفقوا".

(6)

المسمى: "إجابة السائل شرح بغية الآمل"(ص 151 - 153).

(7)

أخرجه أبو داود (1418)، والترمذي (452)، وابن ماجه (1168)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 101 رقم 975)، والدارقطني (2/ 30 رقم 1)، والبيهقي (2/ 469)، والطبراني في "الكبير"(4/ 200 رقم 4136).

(8)

في "المستدرك"(1/ 306) وقال: صحيح الإسناد، وأقرّه الذهبي في "التلخيص"، لكنه قال في "الميزان" (2/ 501):"عبد الله بن أبي مرة الزوفي، له عن خارجة في الوتر لم يصح. قال البخاري: لا يعرف سماع بعضهم من بعض" اهـ.

وقال الحافظ في "التلخيص"(2/ 16): "وضعفه البخاري، وقال ابن حبان: إسناد منقطع، ومتن باطل" اهـ.=

ص: 31

- وَرَوَى أَحْمدُ

(1)

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ نَحْوَهُ.

‌ترجمة خارجة بن حذافة

(وعنْ خارجةَ)

(2)

بالخاءِ المعجمةِ، فراءِ بعدَ الألفِ، فجيمٍ هوَ:(ابنُ حذافةَ) بضمِّ المهملةِ، فدالٍ [بعدها]

(3)

معجمةٍ، ففاءِ بعدَ الألفِ، وهوَ قرشيٌّ عدويٌّ، كانَ يعدلُ بألفِ فارسٍ، رُوِيَ: أنَّ عمروَ بنَ العاصِ استمدَّ من عمرَ بثلاثةِ آلافِ فارسٍ فأمدَّهُ بثلاثةٍ وهمْ: خارجةُ بنُ حذافةَ، والزبيرُ بنُ العوامِ، والمقدادُ بنُ الأسودِ. وُلِّيَ خارجةَ القضاءَ بمصرَ لعمرِو بن العاصِ، وقيلَ: كانَ على شرطتهِ، وعدادُهُ في أهلِ مصرَ، قتلَه الخارجيُّ ظنًّا منهُ أنهُ عمرُو بنُ العاصِ، حينَ تعاقدتِ الخوارجِ على قتلِ ثلاثةٍ: عليٍّ عليه السلام، ومعاويةَ وعمروِ بن العاصِ رضي الله عنهما، فتمَّ أمرُ اللهِ في أميرِ المؤمنينَ علي عليه السلام دونَ الآخرين. وإلى الغلطِ بخارجةَ أشارَ من قالَ شعرًا:

= وقال الألباني في "الإرواء"(2/ 157 - 158): "أما الانقطاع فمجرَّد دعوى لا دليل عليها"، وإنّما العلة جهالة ابن راشد - الزوفي - هذا، وهو الذي وثقه ابن حبان وحده بناء على قاعدته الواهية في توثيق من لم يُعرف بجرح!

وأما أن المتن باطل فهو من عنت ابن حبان وغلوائه، وإلّا فكيف يكون باطلًا وقد جاءت له شواهد كثيرة يقطع الواقف عليها بصحَّته، كيف لا وبعض طرقه صحيح لذاته؟!

" اهـ.

وانظر طرق الحديث وشواهده في: "الإرواء"(2/ 158 - 159)، و"نصب الراية"(2/ 109 - 112)، و"التلخيص الحبير"(2/ 16).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح دون قوله: "هي خير لكم من حمر النعم".

(1)

في "المسند"(6/ 397) وفيه ابن لهيعة، ولكن ابن لهيعة لم ينفرد به فقال الإمام أحمد (6/ 7): ثنا علي بن إسحاق ثنا عبد الله - يعني ابن المبارك - أنا سعيد بن يزيد حدثني ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم جمعة فقال: "إن أبا بصرة حدثني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله زادكم صلاة وهي الوتر فصلّوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر

""، وإسناده صحيح.

(2)

انظر ترجمته في: "الإصابة"(3/ 47 رقم 1408)، و"الاستيعاب"(3/ 149 رقم 591).

(3)

زيادة من (ب).

ص: 32

فليتَها إذْ فدتْ عمرًا بخارجةٍ

فدتْ عليًّا بمنْ شاءتْ منَ البشرِ

وكانَ قتلُ خارجةَ سنةَ أربعينَ.

(قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ أمدَّكم بصلاةٍ هي خيرٌ لكم من حُمُرِ النعمِ، قلنا: وما هيَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الوترُ ما بينَ صلاةِ العشاءِ إلى طلوعِ الفجرِ. رواهُ الخمسة إلَّا النسائيّ، وصحَّحه الحاكمُ).

قلتُ: قالَ الترمذيُّ

(1)

[عقيبَ]

(2)

إخراجه لهُ: حديثُ خارجةَ بن حذافة [حديثٌ]

(3)

غريبٌ لا نعرفُهُ إلّا من حديثِ يزيد بن أبي حبيبٍ، وقد وهمَ بعضُ المحدثينَ في هذا الحديثِ. ثمَّ ساقَ الوهم فيه، فكان يحسنُ من المصنفِ التنبيه على ما قاله الترمذيُّ هنا. وفي الحديثِ ما يفيدُ عدم وجوبِ الوترِ لقولهِ:"أمدَّكم"، فإنَّ الإمدادَ: هو الزيادةُ بما يقوّي المزيدَ عليهِ، يقالُ: مدَّ الجيشَ وأمدَّهُ إذا زادَهُ وألحقَ بهِ ما يقويهِ ويكثرهُ، ومدَّ الدواةَ وأمدَّها: زادَها ما يصلحُها، ومددتُ السراجَ والأرضَ: إذا أصلحتُهما بالزيتِ والسمادِ. [وتقدم الخلافُ في وجوبِ الوترِ وعدمِهِ]

(4)

.

فائدة في حكمةِ شرعيةِ النوافلِ: أخرجَ أحمدُ

(5)

، وأبو داودَ

(6)

، وابنُ ماجَهْ

(7)

، والحاكمُ

(8)

، من حديثِ تميم الداريِّ مرفوعًا:"أولُ ما يحاسبُ به العبدُ يومَ القيامةِ صلاتهُ فإنْ كان أتمَّها كتبتْ له تامةً، وإنْ لم يكن أتمَّها قال اللَّهُ تعالى لملائكتهِ: "انظرُوا هل تجدونَ لعبدي من تطوُّع فتكملونَ بها فريضته، ثمَّ الزكاةُ كذلكَ، [ثمَّ الصيامُ كذلكَ]

(9)

، ثمَّ تؤخذ الأعمالُ على حسبِ ذلكَ". [وأخرجهُ]

(10)

الحاكمُ في الكُنَى

(11)

منْ حديثِ ابن عمرَ مرفوعًا: "أولُ ما افترضَ اللَّهُ على أمتي الصلواتُ الخمسُ، وأولُ ما يرفعُ من أعمالِهم الصلواتُ الخمسُ،

(1)

في "السنن"(2/ 315).

(2)

في (أ): "عقب".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في "المسند"(4/ 103).

(6)

في "السنن"(1/ 541 رقم 866).

(7)

في "السنن"(1/ 458 رقم 1426).

(8)

في "المستدرك"(1/ 262 - 263)، وهو حديث صحيح.

تقدم تخريجه في شرح الحديث رقم (2/ 334)

(9)

زيادة من (أ).

(10)

في (أ): "وأخر".

(11)

عزاه إليه صاحب "كنز العمال"(7/ 276 رقم 18859).

ص: 33

وأولُ ما يُسألونَ عنهُ الصلوات الخمسُ، فمنْ كانَ ضيّعَ شيئًا منها يقولُ اللهُ تبارك وتعالى: انظرُوا هل تجدونَ لعبدي نافلةً مِنْ صلواتٍ تتمّون بها ما نقصَ منَ الفريضةِ، وانظُروا [في]

(1)

صيامِ عبدي شهرَ رمضانَ، فإنْ كانَ ضيَّعَ شيئًا منه فانظُرا هل تجدونَ لعبدي نافلة منْ صيامٍ تتمون بها ما نقصَ منَ الصيامِ، انظُروا في زكاةِ عبدي، فإنْ كانَ ضيِّعَ شيئًا [منها](1)، فانظُروا هو تجدونَ لعبدي نافلةً من صدقةٍ تتمُّونَ بها ما نقصَ من الزكاةِ فيؤخذُ ذلكَ على فرائضِ اللهِ، وذلكَ [برحمةِ]

(2)

اللهِ وعدلهِ، فإنْ وجدَ لهُ فضلٌ وضعَ في ميزانهِ، وقيلَ له: ادخلِ الجنةَ مسرورًا، وإنْ لم يوجدْ لهُ شيءٌ من ذلكَ أمرتْ الزبانيةُ فأخذتْ بيديهِ ورجليهِ، ثمَّ قُذِفَ في النارِ"، وهوَ كالشرحِ والتفصيل لحديثِ تميمٍ الداريِّ. (ورَوَى أحمدُ عن عمروِ بن شعيبٍ عنْ أبيهِ عن جدِّهِ نحوَهُ)، أي نحوَ حديثِ خارّجةَ فشرحُه شرحُهُ.

‌تأكيد سنيَّة الوتر

19/ 351 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الوِترُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوْتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا"، أخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ

(3)

، وصَحَّحَهُ الحَاكم

(4)

. [ضعيف]

- وَلَهُ شَاهدٌ ضَعِيفٌ عَن أَبى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عِنْدَ أَحْمَدَ

(5)

. [ضعيف]

(1)

في (أ): وأخرج.

(2)

في (أ): "رحمة".

(3)

في "السنن"(2/ 139 رقم 1419).

(4)

في "المستدرك"(1/ 305 - 306).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 357)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(2/ 136)، وابن أبي شيبة (2/ 297)، والبيهقي (2/ 470).

قال الحاكم: "حديث صحيح. وأبو المنيب العتكي مروزي ثقة يجمع حديثه"، وتعقَّبه الذهبي بقوله:"قلت: قال البخاري عنده مناكير". وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف. وانظر: "نصب الراية"(2/ 112)، والتلخيص الحبير" (2/ 20 - 21)، و"إرواء الغليل" رقم (417).

(5)

في "المسند"(2/ 443).

وفيه "خليل بن مرة" وهو منكر الحريث، وفي الإسناد انقطاع بين معاوية بن قرة وأبي هريرة كما قال أحمد.

انظر: "التلخيص الحبير"(3/ 21)، و"نصب الراية"(2/ 113).

ص: 34

‌ترجمة عبد الله بن بريدة

(وَعَنْ عبدِ اللَّهِ بن برَيْدَةَ)

(1)

بضمِّ الموحدةِ، بعدَها راءٌ مهملةٌ مفتوحةٌ، ثمَّ مثناةٌ تحتيةٌ ساكنةٌ، فدالٌ مهملةٌ مفتوحةٌ هو: ابنُ الحُصيبِ - بضمِّ الحاءِ المهملةِ، وفتحِ الصادِ المهملةِ، والمثنَّاةِ التحتيةِ، والباءِ الموحدةِ - الأسلميُّ. وعبدُ اللَّهِ منْ ثقات التابعينَ، سمعَ أباهُ وسمرةَ بنَ جندبٍ وآخرينَ، وتولَّى قضاءَ مروٍ، وماتَ بها، (عن أبيهِ) بريدةَ بن الحصيبِ، تقدمَ ذكرُهُ. (قالَ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الوترُ حقٌّ) أي: لازمٌ، فهوَ من أدلةِ الإيجاب (فمنْ لم يوتِرْ فليسَ منَّا. أخرجَه أبو داودَ بسند لينٍ)؛ لأنَّ فيه عبدَ اللَّهِ بنَ عبدِ اللَّهَ العتكيَّ، ضعَّفهُ البخاريُّ والنسائيُّ. وقالَ أبو حاتمٍ: صالحُ الحديث، (وصحَّحه الحاكمُ). وقالَ ابنُ معينٍ: إنهُ موقوفٌ (ولَه شاهدٌ ضعيفٌ عن أبي هريرةَ عندَ أحمدَ) رواهُ بلفظِ: "فَمَنْ لمْ يوترْ فليس منَّا"، وفيه الخليلُ بنُ مرةَ منكَرُ الحديثِ، وإسنادُه منقطعٌ كما قالهُ أحمدُ، ومعنى - ليس منَّا: ليسَ على سنَّتِنا وطريقتِنا، والحديث محمولٌ على تأكُّدِ السنيةِ للوِترِ جمعًا بينَه وبينَ الأحاديثِ الدالةِ على عدمِ الجوب.

20/ 352 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ في رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. قَالَتْ عَاثِشَةُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ:"يَا عَائِشَةُ، إِن عَينَيَّ تَنَامَانَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

- وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا

(3)

عَنْهَا: كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ، ويُوتِرُ بِسَجْدَةٍ، ويَرْكَعُ رَكْعَتَي الفَجْرِ، فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. [صحيح]

(وَعَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ما كانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يزيدُ في رمضانَ ولا في غيرهِ

(1)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(5/ 51)، و"الجرح والتعديل"(5/ 13)، و"شذرات الذهب"(1/ 151)، و"تهذيب التهذيب"(5/ 137 رقم 270).

(2)

البخاري (1147)، ومسلم (125/ 738).

قلت: وأخرجه أبو داود (1341)، والترمذي (439)، والنسائي (3/ 234)، ومالك في "الموطأ"(1/ 120 رقم 9).

(3)

البخاري (1140)، ومسلم (128/ 738).

ص: 35

على إحدى عَشْرةَ ركعةً)، ثمَّ فصَّلتْها بقولها:(يصلِّي أربعًا) يحتملُ أنَّها متَّصلاتٌ، وهوَ الظاهرُ، ويحتملُ أنها [مفصَّلاتٌ]

(1)

وهوَ بعيدٌ، إلَّا أنهُ يوافقُ حديثَ:"صلاةُ الليلِ مَثْنى مَثْنى". (فَلا تَسألْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ) نهتْ عن سؤالِ ذلكَ إمَّا [أنهُ]

(2)

لا يقدرُ المخاطبُ على مثلهِ فأيُّ حاجةٍ لهُ في السؤالِ، أو لأنهُ قد علمَ حسنهنَّ وطولهنَّ لشهرتهِ فلا يسألُ عنهُ، أو لأنَّها لا تقدرُ تصفُ ذلكَ، (ثمَّ يصلِّي أربعًا فلا تسألْ عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثمَّ يصلِّي ثلاثًا، قالتْ [عائشة]

(3)

: فقلت: يا رسولَ اللَّهِ، أتنامُ قبلَ أنْ تُوتِرَ) كأنهُ كانَ ينامُ بعدَ الأربعِ، ثمَّ يقومُ فيصلِّي الثلاثَ، وكأنهُ كانَ قد تقرّرَ عندَ عائشةَ أن النومَ ناقضٌ للوضوءِ، فسألتْهُ فأجابَها بقولهِ:(قال: يا عائشة إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامانِ ولا ينامُ قلبي)، دلَّ على أن الناقضَ نومُ القلبِ وهوَ حاصلٌ معَ كلِّ مَنْ نامَ مستغرقًا، فيكونُ منَ الخصائص أن النومَ لا ينقضُ وضوءَهُ صلى الله عليه وسلم، وقد صرَّحَ المصنفُ بذلكَ في التلخيصِ

(4)

. واستدلَّ بهذا الحديثِ وبحديثِ ابن عباسٍ

(5)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم نامَ حتَّى نفخَ، ثمَّ قامَ فصلَّى ولم يتوضأ"، وفي البخاريِّ

(6)

: "إنَّ الأنبياءَ تنامُ أعينهُم ولا تنامُ قلوبُهم"، (متفقٌ عليه). اعلمْ [أنهُ]

(7)

قدِ اختلفتِ الرواياتُ عن عائشةَ في كيفيةِ صلاتهِ صلى الله عليه وسلم في الليل وعددِها، فقد رُويَ عنها سبعٌ وتسعٌ

(8)

، وإحدى عشرةَ

(9)

، سوَى ركعتي الفجرِ، ومنها [هذه]

(10)

(1)

في (ب): "منفصلات".

(2)

في (أ): "لأنَّه".

(3)

زيادة من (أ).

(4)

وكذلك في "فتح الباري" عند كلامه على حديث عمران بن الحصين في صاحبة المزادتين من "كتاب التيمّم"(1/ 450 - 451).

(5)

أخرجه البخاري (6316)، ومسلم (763).

(6)

في "صحيحه"(6/ 579 رقم 3570)، ومسلم (162/ 262) من حديث أنس بن مالك.

(7)

في (أ): "أنها".

(8)

في حديث طويل أخرجه مسلم (139/ 746)، وأبو داود (1342)، والنسائي (3/ 240، 241)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 30)، وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها.

(9)

أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 120 رقم 8)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 191 رقم 539)، وأحمد في "المسند"(6/ 35)، ومسلم (121/ 736)، وأبو داود (1335)، والنسائي (3/ 234)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 283) وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها.

(10)

في (أ): "هنا".

ص: 36

الروايةُ التي أفادَها قولُه: (وفي روايةٍ لهما)، أي: الشيخينِ (عنها) أي: عن عائشةَ (كان يصلِّي منَ الليلِ عشرَ ركعاتٍ)، وظاهرُهُ أنَّها موصولةٌ لا قعودَ فيها، (ويوترُ بسجدةٍ) أي: ركعةٍ (ويركعُ ركعتي الفجرِ) أي: بعد طلوعهِ، (فتلكَ) أي الصلاةُ في الليل معَ تغليبِ ركعتي الفجرِ، أوْ [فتلك]

(1)

الصلاةُ جميعًا (ثلاثَ عشرةَ ركعةً). وفي روايةٍ: "أنهُ كانَ يصلِّي منَ الليلِ ثلاثَ عشرةَ ركعةً، ثمَّ يصلِّي إذا سمعَ النداءَ ركعتينِ خفيفتينِ، فكانتْ خمسَ عشَرةَ ركعةً"

(2)

. ولما اختلفتْ ألفاظُ حديثِ عائشةَ زعمَ البعضُ أنهُ حديثٌ مضطربٌ، وليس كذلكَ، بل الرواياتُ محمولةٌ على أوقاتٍ متعدِّدةٍ [مختلفة]

(3)

، وأوقات مختلفةٍ بحسبِ النشاطِ وبيانِ الجوازِ، وأنَّ الكلَّ جائزٌ، وهذا لا يناسبهُ قولُها:"ولا في غيرهِ"، [بل]

(4)

الأحسنُ أنْ يقال: إنَّها أخبرتْ عن الأغلبِ من فعلِهِ صلى الله عليه وسلم، فلا ينافيهِ ما خالفَهُ؛ لأنهُ إخبارٌ عن النادرِ.

21/ 353 - وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهَا

(5)

. [صحيح]

(وعنْها) أي: عائشةَ (قالَتْ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلِّي منَ الليلِ ثلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً) لم تفصِّلها وتبيِّن على كمْ كانَ يسلِّمُ كما ثبتَ ذلكَ في الحديثِ السابق، إنَّما [ثبت]

(6)

هذا في الوترِ بقولِها: (ويوتِرُ منْ ذلكَ) أي: العددِ المذكورِ (بخمسٍ لا يجلسُ في شيء إلَّا في آخرِها)، كأنَّ هذا أحدُ أنواعِ إيتارهِ صلى الله عليه وسلم، كما أن الإيتارَ بثلاثٍ أحدُها كما أفادَهُ حديثُها السابقُ.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 121 رقم 10)، والبخاري (1170) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في (ب): "و".

(5)

أخرجه مسلم (123/ 237)، وأحمد في "المسند"(6/ 230)، والدارمي (1/ 371)، وأبو داود (1338)، والترمذي (459)، والنَّسَائِي (3/ 240)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 27).

وقد أخرجه البخاري بدون زيادة: "ويوتر ذلك بخمس" عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلّي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين".

(6)

في (أ): "بينت".

ص: 37

‌بيان وقت الوتر وأنه الليل كله

22/ 354 - وَعَنْهَا رضي الله عنها قَالَتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا

(1)

. [صحيح]

(وعنْها) أي: عائشة (قالتْ: مِنْ كلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)، أي: منْ أولهِ، وأوسطهِ، وآخرهِ، (وانتهى وِتْرُهُ إلى السَّحرِ. متفقٌ عليهما) أي:[على]

(2)

الحديثينِ. وهذا الحديث بيانٌ لوقتِ الوترِ، وأنهُ الليلُ كلُّه منْ بعدِ صلاةِ العشاءِ، وقدْ أفادَ ذلكَ حديثُ خارجةَ

(3)

، حيثُ قالَ: "الوترُ ما بينَ صلاةِ العشاءِ إلى

(1)

أي: على الحديثين رقم (21/ 253 و 22/ 254).

أخرجه البخاري (996)، ومسلم (745)، وأبو داود (1435)، والنَّسَائِي (3/ 230 رقم 1681)، والترمذي (2/ 318 رقم 457)، وقال: حديث حسن صحيح.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

أخرجه أبو داود (1418)، والترمذي (452)، وابن ماجه (1168)، والطبرانى في "الكبير"(4/ 200 رقم 4136)، والحاكم (1/ 306)، والبيهقي (2/ 478)، والدارقطني (2/ 30 رقم 1).

وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلَّا من حديث يزيد بن أبي حبيب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وهذا من عجائبه، فقد قال في ترجمة ابن راشد الزوفي - "الميزان" (2/ 420 رقم 4305) - وقد ذكر له هذا الحديث:"رواه عنه يزيد بن أبي حبيب، وخالد بن يزيد، قيل: لا يعرف سماعُهُ من أبي مرة، قلت: ولا هو بالمعروف، وذكره ابن حبان في الثقات".

وقال ابن حجر في "التقريب"(1/ 413 رقم 287): أنه مستور.

ثم قال الذهبي في "الميزان"(2/ 501 رقم 4594) في ترجمة عبد الله بن أبي مرة: "له عن خارجة في الوتر لم يصح، قال البخاري: لا يُعرف سماع بعضهم من بعض".

وقال الحافظ في "التلخيص"(2/ 16): "وضعفه البخاري، وقال ابن حبان: إسناد منقطع، ومتن باطل".

وقال الألباني في "الإرواء"(2/ 157 - 158): "أما الانقطاع فمجرد دعوى لا دليل عليها، وإنّما العلة جهالة ابن راشد هذا، وهو الذي وثّقه ابن حبان وحده بناء على قاعدته الواهية في توثيق من لم يُعرف بجرح!

وأما أن المتن باطل فهو عنت ابن حبان وغلوائه، وإلّا فكيف يكون باطلًا وقد جاءت له شواهد كثيرة يقطع الواقف عليها بصحته، كيف لا وبعض طرقه صحيح لذاته؟!

".

وانظر هذه الشواهد في: "الإرواء"(2/ 158 - 159)، و"التلخيص الحبير"(2/ 16)، و"نصب الراية"(1/ 109).

وخلاصة القول: أن حديث خارجة صحيح دون قوله: "هي خير لكم من حُمُر النعم".

ص: 38

طُلوعِ الفجرِ". وقد ذكرْنا أنواعِ الوترِ التي وردتْ في حاشيةِ ضوءِ النهارِ

(1)

.

‌يستحب الدوام على فعل الخير

23/ 355 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيلِ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

.

(وعَنْ عبدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بن العاصِ قالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يا عبدَ اللَّهِ لا تَكُنْ مِثْلَ فلانٍ كانَ يقومُ منَ الليلِ فَتَرَكَ قيامَ الليلِ، متفقٌ عليهِ). قولُهُ: "مثلَ فلانٍ" قال المصنفُ في فتحِ الباري

(3)

: لم أقفْ على تسميته في شيءٍ منَ الطرقِ، وكأنّ إبهامَ هذا القصدِ [للسترِ]

(4)

عليهِ.

قالَ ابنُ العربي: في هذا الحديثِ دليلٌ على أن قيامَ الليلِ ليسَ بواجبٍ، إذْ لو كانَ واجبًا لم يكتفِ لتاركهِ بهذا القدرِ بلْ كانَ يذمهُ أبلغَ ذمٍ، وفيهِ استحبابُ الدوامِ على ما اعتادَهُ المرءُ منَ الخيرِ منْ غيرِ تفريطٍ، ويُستنبطُ منهُ كراهةُ قطعِ العبادةِ.

24/ 356 - وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ؟ فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ

(5)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(6)

. [صحيح لغيره]

(وَعَنْ عليِّ [بن أبي طالب]

(7)

عليه السلام قالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أوتِرُوا يا أهلَ القرآنِ، فإنَّ اللَّهِ وترٌ)، في النهايةِ

(8)

: أي واحدٌ في ذاتهِ لا يقبلُ الانقسامَ ولا

(1)

(1/ 423 - 426).

(2)

البخاري (1152)، ومسلم (1159)، والنسائي (3/ 253 رقم 1763)، وابن خزيمة (2/ 173 رقم 1129).

(3)

(3/ 37 - 38).

(4)

في (أ): "الستر".

(5)

وهم: أحمد في "المسند"(1/ 148)، وأبو داود (2/ 127 رقم 1416)، والترمذي (453)، والنسائي (3/ 228 رقم 1675)، وابن ماجه (1169).

(6)

في "صحيحه"(2/ 136 رقم 1067)، وإسناده ضعيف لاختلاط أبي إسحاق - وهو السبيعي - وعنعنته، وفي ابن ضمرة كلام يسير، لكن الحديث صحيح لما يشهد له.

(7)

زيادة من (أ).

(8)

(5/ 147).

ص: 39

التَّجزِئةَ، واحدٌ في صفاتهِ لا شبيهَ لهُ ولا مِثْلَ، واحِدٌ في أفعالِهِ [لا]

(1)

شريكَ لَهُ ولا مُعينَ، (يحبُّ الوترَ) يُثيبُ عليهِ ويقبلُه من عاملهِ، (رواهُ الخمسةُ، وصحَّحهُ ابنُ خزيمةَ).

المرادُ بأهلِ القرآنِ: المؤمنونَ لأنَّهم الذينَ صدَّقُوا القرآنَ، وخاصةً مَنْ يتولَّى حفظَه ويقومُ بتلاوتهِ ومراعاةِ حدودهِ وأحكامهِ. والتعليلُ بأنه تعالى وترٌ، فيهِ - كما قالَ القاضي عياضٌ -: أن كلَّ ما ناسبَ الشيءَ أدْنَى مناسبةٍ كانَ أحبَّ إليهِ، وقد عرفتَ أن الأمرَ للندبِ للأدلةِ التي سلفتْ الدالةِ على عدمِ وجوبِ الوترِ.

‌إذا أوتر ثم أراد أن يتنفَّل فماذا يصنع؟

25/ 357 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاِتِكُمِ باللَّيلِ وِتْرًا"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

(وَعَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: اجعلوا آخرَ صلاتِكُم بالليلِ وِتْرًا. متفقٌ عليهِ)، في فتحِ الباري

(3)

: أنهُ اختلفَ السلفُ في موضعينِ:

أحدِهما: في مشروعيةِ ركعتينِ بعدَ الوترِ من جلوسٍ.

والثاني: مَنْ أوترَ ثمَّ أرادَ أن يتنفلَ منَ الليلِ هل يكتفي بوتره الأولِ ويتنفلُ ما شاءَ، أو يشفعُ وترهُ بركعةٍ ثمَّ يتنفلُ، ثمَّ إذا فعلَ هذا هل يحتاجُ إلى وترٍ آخرَ أوْ لا؟

أمَّا (الأولُ) فوقعَ عندَ مسلمٍ

(4)

من طريقٍ: أبي سلمةَ عن عائشةَ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يصلّي منَ الليلِ ركعتينِ بعدَ الوترِ وهوَ جالسٌ". وقد ذهبَ إليهِ بعضُ أهلِ العلمِ، وجعلَ الأمرَ في قولِهِ:"اجعلُوا آخرَ صلاتكُم بالليلِ وترًا" مختصًا بمنْ

(1)

في (أ): "فلا".

(2)

البخاري (998)، ومسلم (151/ 751).

وأخرجه أبو داود (1438)، والنسائي (3/ 230 رقم 1682)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 86 رقم 965).

وابن خزيمة (2/ 144 رقم 1082)، وأحمد في "المسند"(2/ 20 و 102).

(3)

(2/ 480 - 481).

(4)

في "صحيحه"(1/ 509 رقم 126/ 738).

ص: 40

أوترَ آخرَ الليلِ، وأجابَ مَنْ لم يقلْ بذلك بأنَّ الركعتينِ المذكورتينِ هما ركعتا الفجرِ، وحملَهُ النوويُّ

(1)

على أنهُ صلى الله عليه وسلم فعلَ ذلكَ لبيانِ جوازِ النفل بعدَ الوترِ، وجوازِ التنفلِ جالسًا. وأمَّا (الثاني): فذهبَ الأكثرُ إلى أنهُ يصلِّي شَفْعًا ما أرادَ ولا ينقضُ وترَهُ الأولَ عملًا بالحديثِ:

26/ 358 - وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا وِتْرَانِ فِي لَيلَةٍ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

، وَالثَّلَاثَةُ

(3)

، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(4)

. [صحيح]

وهو (وَعَنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: سمعت رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: لا وتران في ليلةٍ. رواهُ أحمدُ والثلاثة، وصحَّحهُ ابن حبانَ)؛ فدلَّ على أنهُ لا يوترُ بلْ يصلِّي شفعًا ما شاءَ، وهذا نظر إلى ظاهرِ فعلهِ، وإلَّا فانَّهُ لما شفعَ وترَه الأولَ لم يبقَ إلَّا وترٌ واحدٌ هوَ ما يفعلُه آخرًا، وقد رُوِيَ عن ابن عمرَ أنهُ قالَ لما سئلَ عن ذلكَ:"إذا كنتَ لا تخافُ الصبحَ ولا النومَ فاشفعْ، ثمَّ صلِّ ما بدا لك، ثمَّ أوترْ"

(5)

.

‌ما يقرأ في الوتر

27/ 359 - وَعَنْ أُبيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(6)

،

(1)

في "شرحه لصحيح مسلم"(6/ 21).

(2)

في "المسند"(4/ 23).

(3)

وهم: أبو داود (1439)، الترمذي (2/ 333 رقم 470)، والنسائي (3/ 229 - 230 رقم 1679)، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.

(4)

في "الإحسان"(4/ 74 - 75 رقم 2440) وهو حديث صحيح. صحَّحه الشيخ أحمد شاكر، والشيخ عبد القادر الأرنؤوط في "جامع الأصول"(6/ 62).

(5)

أخرجه محمد بن نصر من طريق: سعيد بن الحارث، أنه سأل ابن عمر عن ذلك فقال: الأثر

كما في "فتح الباري"(2/ 481).

وأخرج مالك في "الموطأ"(1/ 125) بإسناد صحيح عن نافع (مولى ابن عمر) رضي الله عنهم، قال:"كنتُ مع عبد الله بن عمر بمكةَ والسماءُ مُغِيمَةٌ، فخشيَ عبد الله الصبحَ، فأوترَ بواحدةٍ، ثم انكشفَ الغيمُ، فرأى أن عليه ليلًا، فَشَفَعَ بواحدةٍ، ثم صلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فلما خشيَ الصبحَ أوترَ بواحدةٍ".

(6)

في "المسند"(5/ 123).

ص: 41

وَأَبُو دَاوُد

(1)

، وَالنَّسَائِيُّ

(2)

. وَزَادَ: وَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرهِنَّ. [صحيح]

‌ترجمة أبي بن كعب

(وعنْ أُبيِّ بن كَعْبٍ

(3)

رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوترُ) أي: يقرأ في صلاةِ الوترِ (بسبحِ اسمَ ربِّكَ الأعْلَى) أي: في الأُولى بعدَ قراءةِ الفاتحةِ، (وقلْ يا أيُّها الكافرونَ) أيْ: في الثانيةِ بعدَها، (وقلْ هوَ اللَّهُ أحدٌ) أيْ في الثالثةِ بعدَها، (رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ وزاد) أي: النسائيّ: (ولا يسلِّمُ إلَّا في آخرِهنَّ). الحديثُ دليلٌ على الإيتارِ بثلاثٍ؛ وقدْ عارضَهُ حديثُ: "لا توتِرُوا بثلاثٍ"[وهو]

(4)

عنْ أبي هريرةَ صحَّحهُ الحاكمُ

(5)

. وقدْ صحَّحَ الحاكمُ عن ابن عباسٍ

(1)

في "السنن"(2/ 132 رقم 1423).

(2)

في "السنن"(3/ 244).

قلت: وأخرجه ابن ماجه (1171)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (271)، والدارقطني (2/ 31 رقم 1 و 2)، والبيهقي (3/ 38).

والبغوي في "شرح السنة"(4/ 98 رقم 972)، وابن حبان في "الإحسان"(4/ 71 رقم 2427)، والطيالسي (1/ 120 رقم 562 - منحة المعبود)، وهو حديث صحيح.

(3)

انظر ترجمته في: "مسند أحمد"(5/ 113 - 114)، و"الطبقات" لابن سعد (3/ 498 - 502)، و"التاريخ الكبير"(2/ 39 - 40 رقم 1615)، و"المعارف"(261)، "الجرح والتعديل"(2/ 290 رقم 1057)، و"حلية الأولياء"(1/ 250 - 256 رقم 39)، و"الاستيعاب"(1/ 126 - 135 رقم 6)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 108 - 110 رقم 44)، و"مجمع الزوائد"(9/ 311 - 312)، و"تهذيب التهذيب"(1/ 164 رقم 350)، و"الإصابة"(1/ 26 - 27 رقم 32)، و"شذرات الذهب"(1/ 32 - 33)، و"سير أعلام النبلاء"(1/ 389 - 402 رقم 82).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "المستدرك"(1/ 304).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 31)، وفي "معرفة السنن والآثار"(4/ 72 رقم 5509)، والدارقطني (2/ 24 رقم 1) و (2/ 26 - 27 رقم 2) من طرق، وابن حبان في "الإحسان"(6/ 185 رقم 2429)، وقال الدارقطني عن رقم (1): رواته كلهم ثقات. وقال ابن حجر في "التلخيص"(2/ 14 رقم 511): ورجاله كلهم ثقات، ولا يضره وقف من أوقفه. وانظر:"فتح الباري"(2/ 481).

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

ص: 42

وعائشةَ

(1)

كراهيةَ الوترِ بثلاثٍ. وقدْ قدَّمْنَا وجهَ الجمعِ، ثمَّ الوترُ بثلاثٍ أحدُ أنواعهِ كما عرفتَ فلا يتعينُ فيهِ. فذهبتِ الحنفيةُ

(2)

، والهادويةُ

(3)

إلى تعيينِ الإيتارِ بالثلاثِ تُصَلَّى موصولةً، قالُوا: لأنَّ الصحابةَ أجمعُوا على أن الإيتارَ بثلاثٍ موصولةٍ جائزٌ، واختلفوا فيما عداهُ. فالأخذُ بهِ أخذٌ بالإجماعِ؛ ورُدَّ عليهم بعدمِ صحةِ الإجماعِ ما عرفتَ.

28/ 360 - وَلأَبِي داوُدَ

(4)

، والتِّرْمِذِيِّ

(5)

نَحْوُهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَفِيهِ: كُلّ سُورَةٍ في رَكْعَةٍ، وفي الأخيرَةِ:{قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ. [حسن]

(ولأبي داودَ، والترمذيِّ نحوُه) أي: نحوُ حديثِ أبيّ (عن عائشةَ، وفيه كلُّ سورةٍ) منْ "سبِّح" و"الكافرونَ"(في ركعةٍ) من الأولى والثانيةِ، كما بينَّاهُ، (وفي الأخيرةِ {قُل هُوَ اللَّهُ أَحدٌ} والمُعَوِّذتينِ). في حديثِ عائشةَ لينٌ؛ لأنَّ فيهِ خصيفًا الجزري

(6)

، ورواهُ ابنُ حبانَ

(7)

، والدارقطنيّ

(8)

من حديثِ يحيى بن سعيدٍ عن عمرةَ عن عائشةَ. قالَ العقيليُّ

(9)

: إسنادهُ صالحٌ. وقالَ ابنُ

(1)

في "المستدرك"(1/ 304).

قلت: وأخرجه النَّسَائِي (3/ 234 رقم 1698)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 31)، وقال النووي في "المجموع" (4/ 22): رواه النَّسَائِي بإسناد حسن.

(2)

"الهداية شرح بداية المبتدي"(1/ 66).

(3)

"التاج المذهب"(1/ 157).

(4)

في "السنن"(2/ 133 رقم 1424).

(5)

في "السنن"(2/ 326 رقم 463) وقال: "هذا حديث حسن غريب".

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 227)، وابن ماجه (1173)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 38)، وحسّنه ابن حجر في "نتائج الأفكار"(1/ 512).

(6)

هو صدوق سيء الحفظ، انظر:"العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد رقم (3187) و (4498) و (4926)، و"ميزان الاعتدال"(1/ 653 - 654)، و"التقريب"(1/ 224 رقم 126).

(7)

في "الإحسان"(6/ 188 رقم 2432).

(8)

في "السنن"(2/ 43 - 35 رقم 17 و 18).

قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 305) و (2/ 520)، والبيهقي (3/ 37 و 38)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 285)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 99 رقم 973) من طرق. وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

وقال ابن حجر في "نتائج الأفكار"(1/ 513 - 514): "وهو حديث حسن".

(9)

في "الضعفاء"(2/ 125): "وحديث ابن عباس صالح الإسناد".

ص: 43

الجوزيِّ

(1)

: أنكرَ أحمدُ، ويحيى بنُ معينٍ زيادةَ المعوِّذتينِ. ورَوَى ابنُ السكن لهُ شاهدًا من حديثِ عبدِ اللَّهِ بن سرجسٍ بإسنادٍ غريبٍ.

‌وقت الوتر

29/ 361 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

- وَلابْنِ حِبَّانَ

(3)

: "مَن أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَلَمْ يوتِرْ فَلَا وِتْرَ لَهُ". [صحيح]

(وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: أوتروا قبلَ أن تصبحُوا. رواهُ مسلمٌ) هوَ دليلٌ على أن الوترَ قبلَ الصبحِ، (ولابنِ حبانَ)[أي]

(4)

: منْ حديثِ أبي سعيدٍ؛ (مَنْ أدركَ الصبحَ ولمْ يوترُ فلا وترَ لهُ)، [وهوَ]

(5)

دليلٌ على أنهُ لا يشرعُ الوترُ بعدَ خروجِ الوقتِ، وإمَّا أنهُ لا يصحُّ قضاؤُهُ فلا؛ إذِ المرادُ مَنْ تركَهُ متعمِّدًا فإنهُ قدْ فاتتْهُ السنةُ العظمى حتَّى أنهُ لا يمكنهُ تداركُه، وقدْ حَكَى ابنُ المنذرِ عنْ جماعةٍ منَ السلفِ أن الذي يخرجُ بالفجرِ وقتُهُ الاختياريُّ، [وأمَّا]

(6)

وقتُه الاضطراريُّ [فيبقى](5) إلى قيامِ صلاةِ الصبح، وأمَّا مَنْ نامَ عن وترهِ أو نسيَهُ فقدْ بيَّنَ حكمَهُ الحديثُ:

‌يقضي الوتر إذا خرج وقته

30/ 362 - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَامَ عَنِ الوِتْرِ أوْ نَسِيَهُ

(1)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(2/ 19 رقم 533).

(2)

في صحيحه (1/ 519 رقم 160/ 754).

قلت: وأخرجه الترمذي (468)، وابن ماجه (1189)، والبيهقي (2/ 478)، وابن خزيمة (2/ 147 رقم 1089)، والطيالسي (رقم 2163)، وأحمد (3/ 13، 35، 37، 71)، والنسائي (3/ 231 رقم 1684)، وعبد الرزاق في "المصنف"(3/ 8 رقم 4589).

(3)

في "الإحسان"(6/ 168 رقم 2408) بإسناد صحيح على شرط الصحيح.

قلت: وأخرجه ابن خزيمة (2/ 148 رقم 1092)، والحاكم (1/ 301 - 302)، وعنه البيهقي (2/ 478).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في (أ): "ويبقى".

ص: 44

فَلْيُصَلِّ إِذا أَصْبَحَ أَوْ ذَكَرَ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ

(1)

. [صحيح]

وهوَ قولهُ: (وعنهُ) أي عنْ أبي سعيدٍ (قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ نامَ عن الوترِ، أو نسيهُ، فليصلِّ إذا أصبحَ أو ذكر) لفٌّ ونشرٌ مرتب، [أصبحَ]

(2)

حيثُ كانَ نائمًا، أو ذكرَ إذا كان ناسيًا (رواهُ الخمسةُ إلَّا النسائيَّ)، فدلَّ على أن مَنْ نامَ عن وترهِ أو نسيَهُ فحكمُهُ حكمُ مَنْ نامَ عن الفريضةِ أو نسيَها، [فإنه]

(3)

يأتي بها عندَ الاستيقاظِ أو الذكرِ، والقياسُ أنهُ أداءٌ كما عرفتَ فيمنْ نامَ عن الفريضةِ أو نسيَها.

31/ 363 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتر آخِرَ اللَّيلِ، فَإنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيلِ مَشْهُودَةٌ، وَذلِكَ أَفْضَلْ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

. [صحيح]

(وعنْ جابرٍ رضي الله عنه)[هوَ ابنُ عبدِ اللَّهِ]

(5)

(قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ خافَ أنْ لا يقومَ من [آخر]

(6)

الليلِ فليوترْ أولَه، ومَنْ طمعَ أنْ يقومَ آخرَهُ فليوترْ آخرَ الليلِ، فإنَّ صلاةَ آخرِ الليلِ مشهودةٌ وذلكَ أفضل. رواهُ مسلمٌ)، فيهِ دلالةٌ على أن تأخيرَ الوتر أفضلُ، ولكنْ إنْ خافَ أنْ لا يقومَ قدمَهُ لئلَّا يفوتَه فعلًا. وقدْ ذهبَ جماعةٌ منَ السلفِ إلى هذا، وإلى هذَا، وفعلِ كلِّ بالحالينِ، ومعنى كونِ صلاةِ آخرِ الليلِ مشهودة: تشهدُها ملائكةُ الليلِ وملائكةُ النهارِ.

32/ 364 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ فَقَدْ

(1)

أخرجه أبو داود (1431)، والترمذي (465)، وابن ماجه (1188)، وأحمد (3/ 44).

قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 702) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني كما في "الإرواء"(2/ 153)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 480)، والدارقطني في "السنن"(2/ 22 رقم 1)، وهو حديث صحيح.

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في (ب): "أنه".

(4)

في "صحيحه"(1/ 520 رقم 755).

قلت: وأخرجه الترمذي (456).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

زيادة من (أ).

ص: 45

ذَهَبَ وَقْتُ كُلِّ صَلاةِ اللَّيلِ وَالوِتْرِ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

. [صحيح]

(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا طلعَ الفجرُ فقد ذهبَ وقتُ كلِّ صلاةِ الليلِ) أي: النوافل المشروعةِ فيهِ، (والوترِ) عطفُ خاصٍّ على عامٍّ، فإنهُ من صلاةِ الليلِ، عطفَهُ عليهِ لبيانِ شرفهِ، (فأوتِرُوا قبلَ طلوعِ الفجرِ)، [فتخصيصُ الأمر]

(2)

بالإيتار لزيادة العناية بشأنه، وبيانِ أنه أهمُّ صلاةِ الليلِ، وأنَّهُ يذهبُ وقتُهُ بذهابِ الليلِ.

وتقدَّمَ في حديثِ أبي سعيدٍ

(3)

أن النائمَ والناسي يأتيانِ بالوترِ عندَ اليقظةِ إذا أصبحَ، والناسي عندَ [التذكرِ]

(4)

، فهوَ مخصصٌ [لهذا]

(5)

، فبيّنَ أن المرادَ بذهابِ وقتِ الوتر بذهابِ الليلِ على مَنْ تركَ الوترَ لغيرِ العذرينِ، وفي تركِ ذلكَ للنومِ ما رواهُ الترمذيُّ

(6)

عن عائشةَ: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا لم يصلِّ منَ الليلِ منعهُ من ذلكَ النومُ، أو غَلَبَتْهُ عيناهُ، صلَّى [منَ] (5) النهار اثنتي عشرةَ ركعةً"، وقالَ: حسنٌ صحيحٌ، وكأنهُ تداركَ لما فاتَ (رواهُ الترمذيُّ).

قلتُ: وقالَ عقيبهُ: سليمانُ بنُ موسى قد تفرَّدَ بهِ على هذا اللفظِ.

(1)

في "السنن"(2/ 332 رقم 469) وقال: سليمان بن موسى قد تفرَّد به على هذا اللفظ.

قلت: سليمان بن موسى الأموي الأشدق كان فقيه أهل الشام، وثقه كثيرون وأثنوا عليه.

انظر: "تهذيب التهذيب"(4/ 197 - 198).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(3/ 13 رقم 4613)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 1116)، وأورده الزيلعي في "نصب الراية"(2/ ج 113)، وقال: قال النووي في "الخلاصة": إسناده صحيح.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(2)

في (ب): "تخصيص للأمر".

(3)

رقم (30/ 362).

(4)

في (ب): "الذكرى".

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في "السنن"(2/ 306 رقم 445) وقال: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه الترمذي أيضًا في "الشمائل" رقم (264)، ومسلم (1/ 515 رقم 140/ 746)، وعبد الرزاق في "المصنف"(4/ 51 رقم 4751)، والنسائي (3/ 259 رقم 1789).

ص: 46

‌صلاة الضحى وأقوال العلماء فيها

33/ 365 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(وعن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلِّي الضحى أربعًا ويزيد ما شاءَ اللَّهُ. رواهُ مسلمٌ).

هذا يدلُّ على شرعيةِ صلاةِ الضُّحى، وأنَّ أقلَّها أربعٌ. وقيلَ: ركعتانِ، وهذَا في الصحيحينِ

(2)

من روايةِ أبي هريرةَ: "وركعتي الضُّحى"؛ وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: لعلَّهُ ذكرَ الأقلَّ الذي [يؤخذ]

(3)

التأكيدُ بفعلِهِ، قالَ: وفي هذا دليلٌ على استحبابِ صلاةِ الضُّحى، وأنَّ أقلَّها ركعتانِ، وعدمُ مواظبةِ النبي صلى الله عليه وسلم على فعلِها لا ينافي استحبابَها؛ لأنهُ حاصلٌ بدلالةِ القولِ، وليسَ من شرطِ الحكمِ أنْ تتضافرَ عليهِ أدلةُ القولِ والفعلِ. لكنَّ ما واظبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فعلهِ مرجحٌ على ما لمْ يواظبْ عليهِ. انتهَى.

وأما حكمُها: فقدْ جمعَ ابنُ القيمِ

(4)

الأقوالَ فبلغتْ ستةَ أقوالٍ:

الأولُ: أنَّها سنةٌ مستحبةٌ.

الثاني: لا تشرعُ إلَّا لسببٍ.

الثالثُ: لا تستحبُّ أصلًا.

الرابعُ: يستحبُّ فعلُها تارةً وتركُها تارةً، فلا يواظبُ عليها.

الخامسُ: [يستحبُّ]

(5)

المواظبةُ عليها في البيوتِ.

(1)

في "صحيحه"(1/ 497 رقم 79/ 719).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 145، 168، 265)، وأبو عوانة (2/ 267 - 268)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 47)، وعبد الرزاق في "المصنف"(3/ 74 رقم 4853) كلهم من طريق قتادة عن معاذة العدوية عنها.

(2)

البخاري (1178)، ومسلم (85/ 721).

(3)

في (ب): "يوجد".

(4)

في "زاد المعاد"(1/ 352 - 355)، وأبو داود (2/ 64 رقم 1292).

قلت: وأخرجه النَّسَائِي (4/ 152 رقم 2185).

(5)

في (ب): "تستحب".

ص: 47

السادسُ: أنَّها بدعةٌ.

وقد ذَكَرَ هنالكَ مستندُ كلِّ قولٍ. هذَا، وأرجحُ الأقوالِ: أنَّها سنةٌ مستحَبةٌ كما قرّرهُ ابنُ دقيقِ العيدِ، نعمْ، وقدْ عارضَ حديثَ عائشةَ هذا حديثُها الذي أفادهُ قولُهُ:

34/ 366 - وَلَهُ

(1)

عَنْهَا: أنَّها سُئِلَتْ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضحَى؟ قَالَتْ: لَا، إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ. [صحيح]

- وَلَهُ

(2)

عَنْهَا: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَطُّ سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا. [صحيح]

(ولهُ) أي: لمسلم (عنها) أي: عن عائشةَ (أنّها سُئِلَتْ: هلْ كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي الضُّحَى؟ قالتْ: لا، إلَّا أنْ يجيءَ من مغيبهِ)؛ فإنَّ الأولَ دلَّ على أنهُ كانَ يصلّيها دائمًا، لما تدلُّ عليهِ كلمةُ "كان"؛ فإنَّها تدلُّ على التكرارِ، والثانيةُ دلّتْ على أنهُ كانَ لا يصلّيها إلَّا في حالِ مجيئهِ من مغيبهِ، وقد جُمِعَ بينَهما بأنَّ كلمةَ كانَ يفعلُ كذَا لا تدلُّ على الدوامِ دائمًا بلْ غالبًا، وإذا قامتْ قرينةٌ على خلافهِ صرفتْها عنهُ كما هنا، فإنَّ اللفظَ الثاني صرفَها عن الدوامِ، وأنَّها أرادتْ بقولِها:"لا، إلَّا أنْ يجيءَ من مغيبهِ"، نفيَ رؤيتِها صلاةَ الضُّحَى، وأنَّهَا لمْ ترهُ يفعلُها إلَّا في ذلكَ الوقتِ، واللفظُ الأول:[إخبارٌ]

(3)

عما بلغَها في أنهُ ما كانَ يتركُ صلاةَ الضُّحى، إلَّا أَنَّهُ يضعفُ هذا قولهُ:

(ولهُ) أي: لمسلم، وهوَ أيضًا في البخاري بلفظه، فلوْ قالَ: ولهمَا كانَ أوْلَى.

(عنها) أي: [عن]

(4)

عائشةَ (ما رأيت رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلي [قطُّ]

(5)

سُبحةَ الضُّحى) بضمِّ السينِ، وسكونِ الباءِ، أي: نافلتَه، (وإني لأسبِّحُها)، فنفتْ رؤيتَها

(1)

أي: لمسلم في "صحيحه"(717).

(2)

أي: لمسلم في "صحيحه"(718).

قلت: وأخرجه البخاري (1128)، وأبو داود (1293)، ومالك (1/ 152 - 153 رقم 29).

(3)

في (أ): "الإخبار".

(4)

زيادة من (أ).

(5)

زيادة من (ب).

ص: 48

لفعلهِ [صلى الله عليه وسلم لها]

(1)

، وأخبرتْ أنَّها كانتْ تفعلُها، كأنهُ استنادٌ إلى ما بلغَها منَ الحثِّ عليها، ومنْ فعلِه صلى الله عليه وسلم لها، فألفاظُها لا تتعارضُ حينئذٍ.

وقالَ البيهقيُّ

(2)

: المرادُ بقولها: ما رأيتُهُ سبَّحَها أي: داومَ عليها، وقولها: وإني لأسبِّحها: أداوم عليها، وقالَ ابنُ عبدِ البرّ

(3)

: يرجحُ ما اتفقَ عليهِ الشيخانِ، [وهوَ]

(4)

روايةُ إثباتها دونَ ما انفردَ بهِ مسلمٌ وهي روايةُ نفْيِها. قالَ: وعدمُ رؤية عائشةَ لذلكَ لا يستلزمُ عدمَ الوقوعِ الذي أثبتهُ غيرُها. هذا معنىَ كلامهِ.

قلتُ: ومما [اتّفقَا]

(5)

عليهِ في إثباتِها حديثُ أبي هريرةَ في الصحيحينِ

(6)

: "أنهُ أوصاهُ صلى الله عليه وسلم بأنْ لا يترك ركعتي الضُّحَى". وفي الترغيب في فعلِها أحاديثُ كثيرةٌ - وفي عددِها كذلكَ - مبسوطةٌ في كتبِ الحديثِ.

35/ 367 - وَعَنْ زيدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلاةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ"، رَوَاهُ التّرمِذِيُّ

(7)

. [صحيح]

(وعنْ زيدِ بن أرقمَ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: صلاة الأوابينَ) الأوَّابُ: الرجَّاعُ إلى اللَّهِ تعالى بتركِ الذنوبِ وفعلِ الخيراتِ، (حينَ ترمَضُ الفصالُ)[ترمَض]

(8)

بفتح الميم: من رمِضتْ بكسرِها أي: تحترقُ منَ الرمضاءِ، وهوَ شدَّةُ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "السنن الكبرى"(3/ 49).

(3)

ذكره الزرقاني في "شرح الموطأ"(1/ 307).

(4)

في (أ): "وهي".

(5)

في (أ): "اتفق".

(6)

البخاري (1178)، ومسلم (85/ 721).

(7)

لم يخرجه الترمذي.

بل أخرجه مسلم في "صحيحه"(748)، وأحمد (4/ 367، 372)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 49)، وفي "معرفة السنن والآثار"(4/ 96 رقم 5587)، وابن خزيمة (2/ 229 رقم 1227)، والطبراني في "المعجم الكبير"(5/ 206 رقم 5108)، وفي "الصغير"(1/ 58)، وأبو عوانة (2/ 270 و 271)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 145 رقم 1010)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 406).

(8)

زيادة من (أ).

ص: 49

[حرارةِ]

(1)

الأرضِ من [وقوعِ]

(2)

الشمسِ على [الرمل]

(3)

[وغيرِه]

(4)

، وذلكَ يكونُ عندَ ارتفاعِ الشمسِ وتأثيرِها الحرَّ، والفصالُ: جمعُ فصيلٍ، وهوَ ولدُ الناقةِ، سُمِّيَ بذلكَ لفصلهِ عن أمهِ، (رواهُ الترمذيُّ)، ولم يذكرْ لها عددًا.

وقد أخرجَ البزارُ

(5)

من حديثِ ثوبانَ: " (أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يستحبُّ أن يصلِّيَ بعدَ نصفِ النهارِ، فقالتْ عائشةُ: يا رسولَ اللَّهِ إنكَ تستحبُّ الصلاةَ هذهِ الساعةَ، قالَ: "تفتحُ فيها أبوابُ السماءِ، وينظرُ تبارك وتعالى فيها بالرحمةِ إلى خلقهِ، وهي صلاةٌ كانَ يحافظُ عليها آدمُ، ونوح، وإبراهيمُ، وموسى، وعيسى"، وفيه راوٍ متروكٌ

(6)

. ووردتْ أحاديثُ كثيرةٌ أنَّها أربعُ ركعاتٍ.

36/ 368 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الضُّحَى اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا فِي الجَنَّةِ"، رَوَاهُ الترْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ

(7)

. [ضعيف]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ صلَّى الضُّحَى اثنتي عشرةَ ركعةً بنى الله له قصرًا في الجنةِ. رواهُ الترمذيُّ واستغربَهُ). قالَ المصنفُ: وإسنادهُ ضعيفٌ

(8)

.

(1)

في (أ): "حر".

(2)

في (أ): "وقع".

(3)

في (أ): "الأرض".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

كما في "كشف الأستار"(1/ 337 رقم 700).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 219) وقال: "رواه البزار وفيه عتبة بن السكن، قال الدارقطني: متروك، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ ويخالف" اهـ.

(6)

وهو عتبة بن السكن.

انظر ترجمته في: "الميزان"(3/ 28 رقم 5471).

(7)

في "السنن"(2/ 338 رقم 473) وقال: حديث أنس حديث غريب، لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، وقال ابن حجر في "التلخيص" (2/ 20):"وإسناده ضعيف".

وفي الباب عن أبي ذر رواه البيهقي.

وعن أبي الدرداء رواه الطبراني.

وإسنادهما ضعيفان" اهـ.

قلت: وأخرج حديث أنس ابن ماجه (1380) وضعّفه الألباني.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

(8)

في "التلخيص"(2/ 20).

ص: 50

وأخرجَ البزارُ

(1)

عن ابن عمرَ قالَ: قلتُ لأبي ذرٍّ: يا عمَّاهُ، أوصني، قال: سألتني عمَّا سألتُ عنهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: "إنْ صليتَ الضُّحى ركعتينِ لم تُكتبْ منَ الغافلينَ، وإنْ صلَّيتَ أربعًا [كُتبتَ]

(2)

من العابدينَ، وإنْ صلَّيتَ سِتًّا لم يلحقْكَ ذنبٌ، وإنْ صلَّيتَ ثمانيًا كتبتَ منَ القانتينَ، وإنْ صلَّيتَ ثنتي عشرةَ بُنِيَ لكَ بيتٌ في الجنةِ"، (وفيهِ حسينُ بنُ عطاءٍ ضعَّفَهُ أبو حاتمٍ وغيرُهُ، وذكرهُ ابنُ حبانَ في الثقاتِ، وقالَ: يخطئُ ويدلِّسُ)

(3)

. وفي البابِ أحاديثُ لا تَخْلُو عنْ مقالٍ.

37/ 369 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتِي، فَصَلَّى الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ"، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ

(4)

. [حسن]

(وعن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: دخلَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بيتي، فصلَّى الضّحي ثماني ركعاتٍ. رواهُ ابن حبانَ في صحيحهِ). قد تقدمَ روايةُ مسلمٍ

(5)

عنها: "أنَّها ما رأتْه صلى الله عليه وسلم يصلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى"، وهذا الحديثُ أثبتتْ فيهِ صلاتَه في بيتها، وجُمِعَ بينهما بأنَّها نفتِ الرؤيةَ، وصلاتُهُ في بيتِها يجوزُ أنَّها لم ترهُ، ولكنهُ ثبتَ لها بروايةٍ، واختارَ القاضي عياضٌ هذا الوجهَ. ولا بُعدَ في ذلكَ وإنْ كانَ في بيتها لجوازِ غَفْلَتِها في الوقت، فلا منافاةَ، والجمعُ مهما أمكنَ هوَ الواجبُ.

(فائدة): من فوائدِ صلاة الضُّحى أنَّها تجزئُ عن الصدقةِ التي تصبحُ على

(1)

في "كشف الأستار"(1/ 334 رقم 694) وقال البزار: لا نعلمه إلَّا عن أبي ذر، ولا روى ابن عمر عنه إلَّا هذا.

(2)

في (ب): "كنت".

(3)

قاله الهيثمي في "المجمع"(2/ 236)، وقال ابن حبان في "الثقات" (9/ 206) عن حسين بن عطاء هذا بأنه يخطئ ويدلِّس. وقال عنه أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 61 رقم 273):"شيخ منكر الحديث، وهو قليل الحديث، وما حدَّث به فمنكر".

(4)

في "الإحسان"(6/ 272 رقم 2531) وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: "المطلب بن عبد الله بن حنطب، وثقه أبو زرعة ويعقوب بن سفيان والدارقطني، إلا أنهم اختلفوا في سماعه من عائشة. قال أبو حاتم: لم يدرك عائشة وعامة حديثه مراسيل، وقال أبو زرعة: أرجو أن يكون سمع منها، وباقي السند على شرط مسلم" اهـ.

(5)

رقم (34/ 364).

ص: 51

مفاصل الإنسانِ في كلِّ يومٍ، وهي ثلاثُمائةٍ وستون مفصلًا، [لما]

(1)

أخرجهُ مسلم

(2)

من حديثِ أبي ذرٍّ [الذي]

(3)

قالَ فيه: " [وتجزئ]

(4)

من ذلك ركعتا الضُّحَى".

* * *

(1)

في (أ): "كما".

(2)

في "صحيحه"(1/ 498 رقم 84/ 720).

(3)

زيادة في (ب).

(4)

في (أ): "يجزئ".

ص: 52

[الباب العاشر] بابُ صلاة الجماعة والإمامةِ

‌مضاعفة الأجر في الجماعة

1/ 370 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الفَذِّ بِسَبْع وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

- وَلَهُمَا

(2)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا". [صحيح]

- وَكَذَا لِلْبُخَارِيِّ

(3)

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ:"دَرَجَةً". [صحيح]

(عَن عبدِ اللَّهِ بْنِ عمرَ رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ) بالفاءِ والذالِ المعجمةِ: الفردُ (بسبعٍ وعشرينَ درجةً. متفق عليهِ). (ولهما) أي: الشيخين (عن أبي هريرةَ: بخمس وعشرينَ جزءًا) عِوَضًا عن قولهِ: سبعٍ وعشرينَ درجةً، (وكذَا) أي: وبلفظِ: بخمسٍ وعشرينَ (للبخاريِّ عن أبي سعيدٍ، وقالَ: درجةً) عوضًا عن "جزءٍ". ورواهُ جماعةٌ منَ الصحابةِ غيرُ الثلاثةِ

(1)

البخاري (645)، ومسلم (249/ 650).

قلت: وأخرجه مالك (1/ 129 رقم 1)، وأحمد (2/ 65)، وأبو عوانة (2/ 3)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 59).

(2)

البخاري (648)، ومسلم (245/ 649).

قلت: وأخرجه مالك (1/ 129 رقم 2)، وأحمد (2/ 473)، والترمذي (1/ 421 رقم 216)، والنسائي (2/ 103)، وابن ماجَهْ (1/ 258 رقم 787)، وابن الجارود رقم (303)، وأبو عوانة (2/ 2)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 60).

(3)

في "صحيحه"(2/ 131 رقم 646).

ص: 53

المذكورينَ، منهم: أنسٌ

(1)

، وعائشةُ

(2)

، وصهيبٌ

(3)

، ومعاذٌ

(4)

، وعبدُ اللَّهِ بنُ زيدٍ

(5)

، وزيدُ بنُ ثابتٍ

(6)

.

قالَ الترمذيُّ

(7)

: عامةُ مَن رواهُ قالُوا خمسًا وعشرينَ إلّا ابنَ عمرَ فقالَ [سبعةً]

(8)

وعشرينَ، ولهُ روايةٌ فيها: خمسًا وعشرينَ، ولا منافاةَ فإنَّ مفهومَ العددِ غيرُ مرادٍ، فروايةُ الخمسِ والعشرينَ داخلة تحت رواية السبع والعشرين، أو أنه أخبر صلى الله عليه وسلم بالأقل عددًا أوَّلًا، ثم أخبر بالأكثرِ، وأنهُ زيادةٌ تفضَّلَ اللَّهُ بها، وقد زعمَ قومٌ أن السبعَ محمولةٌ على مَنْ صلَّى في المسجدِ، والخمسَ لمنْ صلَّى في غيرهِ، وقيلَ: السبعُ لبعيدِ المسجدِ، والخمسُ [لقريبِ المسجدِ]

(9)

، ومنهم مَنْ أبدى مناسباتٍ وتعليلاتٍ استوفاها المصنفُ في فتح الباري

(10)

؛ "وهي أقوالٌ تخمينيةٌ ليسَ عليها نصٌّ، والجزءُ والدرجةُ [هما]

(11)

بمعنًى واحدٍ [هنا]

(12)

؛ لأنهُ عبَّرَ بكلِّ واحدٍ [منها]

(13)

عن الآخرِ. وقد وردَ تفسيرُهما بالصلاةِ، وأنَّ صلاةَ الجماعةِ بسبعٍ وعشرينَ صلاةً فرادى، والحديثُ حثَّ على الجماعةِ، وفيهِ دليلٌ على عدمِ وجوبِها، وقد قالَ: بوجوبِها جماعةٌ منَ العلماءِ مستدلِّينَ بقولِهِ:

(1)

أخرجه البزار (1/ 227 رقم 459 - كشف)، والطبراني في الأوسط - كما في "المجمع"(2/ 38)، وقال الهيثمي:"ورجال البزار ثقات".

(2)

أخرجه أحمد (6/ 49)، والنسائي (2/ 103)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 386) بسند صحيح.

(3)

أخرجه الطبراني في "الكبير" - كما في "المجمع"(2/ 38)، وقال الهيثمي: وفيه من لم يسمَّ.

(4)

أخرجه البزار (1/ 225 رقم 454 - كشف)، والطبراني في "الكبير" - كما في "المجمع"(2/ 39)، وقال الهيثمي: وفيه عبد الحكيم بن منصور، وهو ضعيف.

(5)

أخرجه الطبراني في الأوسط والكبير - كما في "المجمع"(2/ 38) وقال الهيثمي: وفيه موسى بن عبيدة ضعيف.

(6)

أخرجه الطبراني في الكبير - كما في "المجمع"(2/ 38 - 39) وقال الهيثمي: وفيه الربيع بن بدر، وهو ضعيف.

(7)

في "السنن"(1/ 420 - 421).

(8)

في (أ): "سبعًا".

(9)

في (ب): "لقريبه".

(10)

(2/ 132 - 133).

(11)

زيادة من (أ).

(12)

زيادة من (ب).

(13)

في (أ): منهما.

ص: 54

‌دليل من قال بوجوب الجماعة من العلماء

2/ 371 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُؤَذنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخالِفُ إِلَى رِجَالٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ؛ فَأُحَرِّقُ عَلَيهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَينِ حَسَنَتَينِ لَشَهِدَ العِشَاءَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]

(وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: والذي نفسي بيدهِ)، أي: في ملكه وتحتَ تصرفِهِ، (لقد هممتُ)[هو]

(2)

جوابُ القسمِ، والأقسامُ منهُ صلى الله عليه وسلم لبيانِ عِظَم شأن ما يذكرهُ زجرًا عن تركِ الجماعةِ (أنْ آمُرَ بحطبٍ فيحتطبُ، ثم آمرَ بالصلاةِ فيؤذنَ لها، ثمَّ آمُرَ رجلًا فيؤمَّ الناسَ، ثمَّ أخالفُ) في الصحاحِ

(3)

: خالفَ إلى فلانٍ أي: أتاهُ إذا غابَ عنهُ، (إلى رجالٍ لا يشهدونَ الصلاةَ) أي: لا يحضرونَ الجماعةَ (فأحرِّقُ عليهم بيوتَهم. والذي نفسي بيدهِ لو يعلمُ أحدُهم أنه يجدُ عَرْقًا) بفتحِ المهملةِ، وسكونِ الراءِ، ثمَّ قافٌ: هوَ العَظْمُ إذا كانَ عليه لحمٌ (سمينًا أو مِرْماتينِ) تثنيةُ مِرماةِ بكسرِ الميم، فراءٍ ساكنةٍ وقد تفتحُ الميمُ، وهيَ: ما بينَ ضلعِ الشاةِ مِنَ اللحمِ (حسنتينِ) بمهملتينِ منَ الحسنِ (لشهدَ العشاءَ) أي صلاتَهُ في جماعةٍ (متفقٌ عليهِ). [أي بينَ الشيخينِ]

(4)

(واللفظُ للبخاريِّ).

والحديثُ دليلٌ على وجوبِ الجماعةِ عينًا لا كفايةً؛ إذْ قدْ قامَ بها غيرُهم فلا يستحقونَ العقوبةَ، ولا عقوبةَ إلَّا على تركِ واجبٍ أو فعلِ محرَّم. وإلى أنَّها فرضُ عينٍ ذهبَ عطاءٌ، والأوزاعيُّ، وأحمدُ، وأبو ثورٍ، وابنُ خزيمةَ، وابنُ المنذرِ، وابنُ حبانَ، ومن أهلِ البيتِ: أبو العباسِ، وقالتْ بهِ الظاهريةُ. وقالَ

(1)

البخاري (رقم 644)، ومسلم (251/ 651).

قلت: وأخرجه مالك (1/ 129 رقم 3)، وأحمد (2/ 244)، وأبو داود (548 و 549)، والنسائي (2/ 107)، وابن ماجه (791)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 55) وغيرهم.

(2)

زيادة من (أ).

(3)

(4/ 1358).

(4)

زيادة من (ب).

ص: 55

داودُ: إنَّها شرطٌ في صحةِ الصلاةِ بناء على ما يختارهُ مِنْ أن كلَّ واجبٍ في الصلاةِ فهوَ شرطٌ فيها، [ولمْ يسلَّمْ لهُ هذا لأنَّ الشرطيةَ لا بدَّ لها منْ دليلٍ، ولذَا قالَ أحمدُ وغيرُه: إنَّها واجبةُ غيرُ شرطٍ]

(1)

، وذهبَ أبو العباسِ تحصيلًا لمذهبِ الهادي أنَّها فرضُ كفايةٍ، وإليهِ ذهبَ الجمهورُ من متقدِّمي الشافعيةِ، وكثيرٌ من الحنفيةِ والمالكيةِ، وذهبَ زيدُ بنُ عليٍّ والمؤيَّدُ باللهِ، وأبو حنيفةَ، وصاحباهُ، والناصرُ إلى أنَّها سنةٌ مؤكدةٌ.

استدلَّ القائلُ بالوجوبِ بحديثِ البابِ؛ لأنَّ العقوبةَ البالغة لا تكونُ إلَّا على تركِ الفرائضِ، وبغيرهِ من الأحاديثِ؛ كحديثِ ابن أمّ مكتوم أنهُ قالَ:"يا رسولَ اللهِ، قد علمتَ ما بي، وليسَ لي قائدٌ، وإنَّ بيني وبينَ المسجدِ شجرًا ونخلًا، ولا أقدرُ على قائدٍ كلَّ ساعةٍ، قال صلى الله عليه وسلم: "أتسمعُ الإقامةَ"؟ قالَ: نعم، قال: "فاحضرها"، أخرجهُ أحمدُ

(2)

، وابنُ خزيمةُ

(3)

، والحاكمُ

(4)

، وابنُ حبانَ

(5)

بلفظِ: "أتسمعُ الأذانَ؟ قالَ: نعمْ، قالَ: فأتِها ولو حبوًا"، والأحاديثُ في معناهُ كثيرةٌ، ويأتي حديثُ ابن أمِّ مكتومٍ

(6)

، وحديثُ ابن عباس

(7)

.

وقد أطلق البخاريُّ

(8)

الوجوبَ عليها [وبوَّبَ له]

(9)

بقولِهِ: بابُ وجوبِ صلاةِ الجماعةِ. وقالُوا: هي فرضُ عينٍ؛ إذْ لو كانت فرضَ كفايةٍ لكانَ قد أسقطَ وجوبَها فعلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ معهُ لها، وأمّا التحريقُ في العقوباتِ بالنارِ، فإنهُ وإنْ كانَ قد ثبتَ النهيُ عنهُ عامًا فهذا خاصٌّ، وأدلةُ القائلِ بأنَّها فرضُ كفايةٍ أدلةُ مَنْ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "المسند"(3/ 423).

(3)

في "صحيحه"(2/ 368 رقم 1480)، بإسناد صحيح.

(4)

في "المستدرك"(1/ 247) وصحَّحه ووافقه الذهبي.

(5)

في "الإحسان"(5/ 412 رقم 2063)، بإسناد ضعيف.

قلت: وأخرجه أبو داود (552)، وابن ماجه (792)، والبغوي (3/ 348 رقم 796)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 66).

وهو حديث صحيح، وله طرق أخرى. انظر في:"الإحسان" بتخريج الشيخ شعيب الأرنؤوط.

(6)

رقم (4/ 373).

(7)

رقم (5/ 374).

(8)

في "صحيحه"(2/ 125 الباب: 29).

(9)

في (ب): "وبوبهُ".

ص: 56

قالَ: إنَّها فرضُ عينٍ بناءً على قيامِ الصارفِ للأدلةِ [على]

(1)

فرضِ العينِ إلى فرضِ الكفايةِ، وقدْ أطالَ القائلونَ بالسنيةِ الكلامَ في الجواباتِ عن هذا الحديثِ بما لا يشفي، وأقربُها أنهُ خرجَ مخرجَ الزجرِ لا الحقيقةِ بدليلِ أنهُ لمْ يفعله صلى الله عليه وسلم، واستدلَّ القائلُ بالسنيةِ بقولهِ صلى الله عليه وسلم في حديثٍ أبي هريرةَ:"صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ"

(2)

؛ فقد اشتركَا في الفضيلةِ، ولو كانتِ الفرادَى غيرَ مجزئةٍ لما كانتْ لها فضيلةٌ أصلًا، وحديثُ:"إذا صليتُما في رحالِكُما"

(3)

، فأثبتَ لهما الصلاةَ في رحالِهما، ولم يبينْ أنَّها إذا كانت جماعة، وسيأتي.

3/ 372 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ: صَلاةُ العِشَاءِ، وَصَلاةُ الفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأتوْهُمَا وَلَوْ حَبْوا"، مُتَّفَق عَلَيْهِ

(4)

. [صحيح]

(وعنهُ) أي: أبي هريرةَ (قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أثقلُ الصلاةِ علي المنافقينَ) فيهِ أن الصلاةَ كلها عليهم ثقيلةٌ، فإنَّهم الذينَ إذا قامُوا إلى الصلاةِ قامُوا كسالى، ولكنَّ الأثقلَ عليهم (صلاةُ العشاءِ)؛ لأنَّها في وقتِ الراحةِ والسكونِ، (وصلاةُ الفجرِ) لأنَّها في وقتِ النومِ، وليسَ لهم داعٍ دينيٌّ ولا تصديقٌ بأجرِهِما حتَّى يبعثَهم على إتيانِهما، ويخفَّ عليهمُ الإتيانُ بهما، ولأنَّهما في ظلمةِ الليلِ، وداعي الرياءِ الذي لأجلهِ يصلونَ منتفٍ لعدمِ مشاهدةِ مَنْ يُراءُونَهُ منَ الناسِ إلّا القليلَ. فانتفى الباعثُ الدينيُّ منهما كما انتفَى في غيرِهما، ثمَّ انتفَى الباعثُ الدنيويُّ الذي في غيرِهما؛ ولذا قالَ صلى الله عليه وسلم ناظرًا إلى انتفاءِ الباعثِ الدينيِّ عندَهم:(ولو يعلمونَ ما فيهمَا) في فعلِهما من الأجرِ (لأتَوْهُمَا) إلى المسجدِ (ولو حَبْوًا) أي: [ولو مشوا]

(5)

حبوًا، أي: كحبوِ الصبيِّ على يديهِ وركبتيهِ، وقيلَ: هو الزحفُ

(1)

في (أ): "عن".

(2)

وهو حديث صحيح، تقدَّم تخريجه رقم (1/ 370).

(3)

رقم (6/ 375).

(4)

البخاري (657)، ومسلم (252/ 651).

قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 261 رقم 797)، والدارمي (1/ 291) وغيرهما. وقد تقدَّم تخريجه رقم (2/ 371) بلفظ آخر.

(5)

في (أ): "مشيًا".

ص: 57

على الرُّكبِ، وقيلَ على الأستِ، وفي حديثٍ أبي أمامةَ عندَ الطبراني

(1)

: "ولو حبوًا على يديهِ ورجليهِ"، وفي روايةٍ جابرٍ عندَهُ أيضًا

(2)

بلفظِ: "ولو حَبْوًا أو زحفًا" فيهِ حثٌّ بليغٌ على الإتيانِ إليهمَا، وأنَّ المؤمنَ إذا علمَ ما فيهمَا أتى إليهمَا على أيِّ حالٍ، فإنهُ ما حالَ بينَ المنافق وبينَ هذا الإتيانِ إلّا عدمُ تصديقهِ بما فيهمَا (متفقٌ عليهِ).

4/ 373 - وَعَنْهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى المَسْجِدِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ:"هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَأجِبْ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وعنهُ) أي: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه (قالَ: أَتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ أَعْمى)، قد وردتْ بتفسيرهِ الروايةُ الأخرى، وأنهُ ابنُ أمِّ مكتومٍ (فقال: يا رسولَ اللهِ، ليسَ لي قائدٌ يقودُني إلى المسجدِ، فرخَّصَ لهُ) أي: في عدمِ إتيانِ المسجدِ، (فلمَّا ولَّى دعاهُ فقالَ: هل تسمعُ النداءَ)، وفي رواية:"الإقامةَ"(بالصلاةِ؟ قالَ: نعمْ، قالَ: فأجبْ. رواهُ مسلمٌ).

كانَ الترخيصُ أوَّلًا مطلقًا عن التقييدِ بسماعهِ النداءَ فرخَّص لهُ، ثمَّ سألهُ: هلْ تسمعُ النداءَ؟ قالَ: نعمْ. فأمرَهُ بالإجابةِ، ومفهومُهُ أنهُ إذا لمْ يسمعْ النداءَ كانَ ذلكَ عُذْرًا لهُ، وإذا سمعَهُ لم يكنْ لهُ عذرٌ عن الحضورِ.

والحديثُ منْ أدلةِ الإيجابِ للجماعةِ عينًا، لكنْ ينبغي أنْ يقيدَ الوجوبُ عينًا على سامعِ النداءِ لتقييدِ حديثٍ الأعمى، وحديثِ ابن عباسٍ لهُ، وما أُطلقَ منَ الأحاديثِ يُحملُ على المقيَّدِ.

(1)

أخرجه الطبراني في "الكبير" - كما في "المجمع"(2/ 43)، وقال الهيثمي:"وفيه علي بن يزيد الألهاني عن القاسم وقد ضعفهما الجمهور، واختلف في الاحتجاج بهما" اهـ.

(2)

أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 367)، وأبو يعلى في "المسند"(3/ 337 رقم 36/ 1803) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 42)، وقال:"رواه أحمد، وأبو يعلى والطبراني في "الأوسط"، ورجال الطبراني موثقون" اهـ.

(3)

في "صحيحه"(1/ 452 رقم 255/ 653).

قلت: وأخرجه النسائيُّ (2/ 109 رقم 850).

ص: 58

وإذا عرفتَ هذا فاعلمْ أن الدَّعْوى: وجوبُ الجماعةِ عينًا أو كفايةً، والدليلُ هوَ حديثُ الهمِّ بالتحريقِ، وحديثُ الأعْمى، وهما إنَّما دلَّا على وجوبِ حضورِ جماعتهِ صلى الله عليه وسلم في مسجدهِ لسامعِ النداءِ، وهوَ أخصُّ من وجوبِ الجماعةِ، ولو كانتِ الجماعةُ واجبةً مطلقًا لبيّنَ صلى الله عليه وسلم[ذلكَ]

(1)

للأعمى، ولقالَ لهُ: انظرْ مَنْ يصلِّي معكَ، ولقالَ في المتخلّفينَ: إنَّهم لا يحضرونَ جماعتَهُ صلى الله عليه وسلم ولا يجمعونَ في منازلهِمْ، والبيانُ لا يجوزُ تأخيرُهُ عن وقتِ الحاجةِ، فالأحاديثُ إنَّما دلَّتْ على وجوبِ حضورِ جماعتهِ صلى الله عليه وسلم عينًا على سامعِ النداءِ، لا على وجوبِ مطلقِ الجماعةِ كفايةً ولا عينًا.

وفيه أنهُ لا يرخَّصُ لسامعِ النداءِ عن الحضورِ وإنْ كانَ لهُ عذرٌ، فإنَّ هذا ذكرَ العذرَ وأنهُ لا يجدُ قائدًا فلم يعذرْهُ إذنْ، ويحتملُ أن الترخيصَ لهُ ثابتٌ للعذرِ، ولكنهُ أمرهُ بالإجابةِ ندبًا لا وجوبًا ليحرزَ الأجرَ في ذلكَ، والمشقةُ تغتفرُ بما يجدهُ في قلبهِ منَ الروحِ في الحضورِ، ويدلُّ لكون الأمر للندب -[أي] (1): مع العذرِ - قولُهُ:

‌حجَّة من قال بصرف الأمر من الوجوب إلى الندب

5/ 374 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِ فَلا صَلاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ

(2)

، وَالدَّارَقُطْنِيُّ

(3)

، وَابْنُ حِبَّانَ

(4)

، وَالْحَاكِمُ

(5)

، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ وَقْفَهُ

(6)

. [صحيح]

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "السنن"(1/ 260 رقم 793).

(3)

في "السنن"(1/ 420 رقم 4).

(4)

في "الإحسان"(5/ 415 رقم 2064) بإسناد صحيح.

(5)

في "المستدرك"(1/ 245) وقال: "هذا حديث قد أوقفه غندرٌ وأكثر أصحاب شعبة، وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهشيم وقراد أبو نوح (هو عبد الرحمن بن غزوان) ثقتان، فإذا وصلاه فالقول فيه قولُهما" اهـ. ووافقه الذهبي. ووافقهما الألباني في "الإرواء"(2/ 327) وقال: وقد صرّح هشيم بالتحديث عند الحاكم.

وللحديث طرق أخرى انظرها في تخريج "الإحسان" للشيخ شعيب الأرنؤوط.

والخلاصة: أن الحديث صحيح بطرقه، والله أعلم.

(6)

قال الألباني في "الإرواء"(2/ 327): "لا مبرر لهذا الترجيح، فإن الذين رفعوه جماعة =

ص: 59

(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنه عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ سَمِعَ النداءَ فلمْ يأتِ فلا صلاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذرٍ. رواهُ ابنُ ماجهْ، والدارقطنيُّ، وابنُ حبانَ، والحاكمُ، وإسنادُه على شرطِ مسلمٍ، لكنْ رجَّحَ بعضُهم وقْفَهُ).

الحديثُ أُخرجَ من طريقِ شعبةَ موقوفًا ومرفوعا، والموقوفُ فيه زيادةُ:"إلَّا من عذرٍ"؛ فإنَّ الحاكمَ وَقَفَهُ عندَ أكثرِ أصحابِ شعبةَ، وأخرجَ الطبرانيُّ في الكبيرِ

(1)

من حديثٍ أبي موسى عنهُ صلى الله عليه وسلم: "من سمعَ النداءَ فلمْ يجبْ من غيرِ ضررٍ ولا عذرٍ فلا صلاةَ لهُ". قال الهيثميُّ

(2)

: "فيهِ قيسُ بن الربيعِ وثَّقَهُ شعبةُ، وسفيانُ الثوريُّ، وضعَّفَهُ جماعةٌ". وقد أخرجَ حديثَ ابن عباسٍ المذكورَ أبو داودَ

(3)

بزيادةِ: "قالوا: وما العذرُ؟ قالَ: خوفٌ أو مرضٌ لم يقبلِ اللهُ منهُ الصلاةَ التي صلَّى"، بإسنادٍ ضعيفٍ.

والحديثُ دليلٌ على تأكدِ الجماعةِ، وهوَ حجةٌ لمن يقولُ: إنَّها فرضُ عينٍ، ومَنْ يقولُ: إنَّها سنةٌ يُؤوِّلُ قولُهُ: "فلا صلاةَ لهُ"، أي كاملةً، وإنهُ نزَّلَ نفيَ الكمالِ منزلةَ نفي الذاتِ مبالغةً. والأعذارُ في تركِ الجماعةِ: منها ما في حديث أبي داودَ، ومنها المطرُ، والريحُ الباردةُ، ومن أكلَ كُرَّاثًا أو نحوَهُ من ذواتِ الريحِ الكريهةِ، فليسَ له أنْ يقربَ المسجدَ، قيل: ويحتملُ أنْ يكونَ النهيُ عنها لما يلزمُ من أكلها من تفويتِ الفريضةِ فيكون آكلها آثِمًا لما تسبّبَ لهُ من تركِ الفريضةِ، ولكنْ لعلَّ مَنْ يقولُ: إنَّها فرضُ عينٍ يقولُ: تسقطُ بهذهِ الأعذارِ صلاتُها في المسجدِ لا في البيت فيصليْها جماعةً.

6/ 375 - وَعَنْ يَزِيدَ بن الأسْوَدِ أنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلّيَا، فَدَعَا بِهِمَا، فَجِيءَ بِهمَا تَرْعُدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا:"مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ "، قَالَا: قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: "فَلا تَفْعَلا، إِذَا صَلَّيتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَدْرَكتُمَا الإِمَامَ وَلَمْ

= الثقات تابعوا هشيمًا عليه، منهم قراد واسمه عبد الرحمن بن غزوان عند الدارقطني والحاكم، وسعيد بن عامر وأبو سليمان: داود بن الحكم عند الحاكم

" اهـ.

(1)

(11/ 446 رقم 12266).

(2)

في "مجمع الزوائد"(2/ 42).

(3)

في "السنن"(2/ 372 رقم 551)، وهذه الزيادة (ضعيفة).

ص: 60

يُصَلِّ فَصَلِّيَا مَعَهُ، فَإِنهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالثَّلَاثَةُ

(2)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(3)

والتِّرْمِذِيُّ

(4)

. [صحيح]

(وعن يزيدَ بن الأسودِ رضي الله عنه) هو أبو جابرٍ يزيدُ بنُ الأسودِ السُّوائي، بضمِّ المهملةِ، وتخفيفِ الواوِ، والمدِّ، ويقالُ: الخزاعيُّ، ويقالُ: العامريُّ، روى عنهُ ابنهُ جابرٌ، وعدادُهُ في أهلِ الطائفِ، وحديثُهُ في الكوفيينَ (أنهُ صلَّى معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصبحَ، فلمَّا صلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) أي: فرغَ من صلاتهِ (إذا هوَ برجلينِ لم يصلِّيا) أي: معهُ (فدَعا بِهِمَا، فَجيءَ بهما ترعُدُ) بضمِّ المهملةِ (فرائصُهما) جمعُ فريصةٍ، وهيَ اللحمةُ التي بينَ جنبِ الدابةِ وكتفِها، أي: ترجفُ منَ الخوفِ، قالهُ في النهايةِ

(5)

.

(فقالَ لهما: ما منعَكما أنْ تصلِّيا معنَا؟ قالَا: قد صلَّينا في رحالِنا) جمعُ رَحلٍ بفتحِ الراءِ، وسكونِ المهملةِ، هوَ المنزلُ، ويطلقُ على غيرِهِ، ولكنَّ المرادَ هنَا بهِ المنزلُ، (قالَ: فلا تفعلَا، إذَا صَلَّيتُما في رحالِكُما، ثمَّ أدركتُما الإمامَ ولم يصلِّ فصلِّيَا معهُ، فإنَّها) أي: الصلاةُ معَ الإمامِ بعدَ [صلاةِ]

(6)

الفريضةَ (لكما نافلةٌ) والفريضةُ: هي الأُولى سواءٌ صُلِّيَتْ جماعةً أو فُرادَى لإطلاقِ الخبرِ.

(رواهُ أحمدُ، واللفظُ لهُ، والثلاثة، وصحَّحهُ ابنُ حبانَ، والترمذيُّ). زادَ المصنفُ في التلخيصِ

(7)

: "والحاكمُ

(8)

، والدارقطنيُّ

(9)

، وصحَّحهُ ابنُ السكنِ، كلُّهُم من طريقِ يعلى بن عطاءٍ، عن جابرٍ بن يزيدَ بن الأسودِ عن أبيهِ"، وقالَ

(1)

في "المسند"(4/ 160 - 161).

(2)

الترمذي (219)، والنسائي (2/ 112 - 113 رقم 858)، وأبو داود (575).

(3)

في "الإحسان"(4/ 434) رقم 1565.

(4)

في "السنن"(1/ 426).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 300، 301)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 244)، والدارقطني (1/ 413 رقم 1)، وابن خزيمة (3/ 67 رقم 1638)، وابن عبد البرّ في "التمهيد"(4/ 258)، وهو حديث صحيح.

(5)

لابن الأثير (3/ 431).

(6)

في (ب): "صلاتِهما".

(7)

(2/ 29).

(8)

في "المستدرك"(1/ 244).

(9)

في "السنن"(1/ 413 رقم 1).

ص: 61

الشافعيُّ في القديمِ: إسنادهُ مجهولٌ، قالَ البيهقيُّ: لأنَّ يزيدَ بنَ الأسودِ ليسَ له راوٍ غيرُ ابنهِ، ولا لابنهِ جابرٍ غير يَعْلَى. قلتُ: يَعْلَى من رجالِ مسلمٍ، وجابرٌ وثَّقَهُ النسائيُّ وغيرُه. انتهى.

وهذا الحديثُ وقعَ في مسجدِ الخيفِ في حجةِ الوداعِ، فدلَّ على مشروعيةِ الصلاةِ معَ الإمامِ إذا وجدَهُ يصلِّي، أو سيصلِّي بعدَ أنْ كانَ قد صلَّى جماعةً أو فُرادى، والأُولى هي الفريضةُ، والأخْرى نافلةٌ كما صرحَ بهِ الحديثُ. وظاهرهُ أنهُ لا يحتاجُ إلى رفضِ الأُولى، وذهبَ إلى هذا زيدُ بنُ عليٍّ، والمؤيدُ [باللهِ]

(1)

، وجماعةٌ منَ الآلِ، وهوَ قولُ الشافعيِّ. وذهبَ الهادي ومالكٌ وهوَ قولُ [للشافعي]

(2)

إلى أن الثانيةَ هيَ الفريضةُ لما أخرجه أبو داودَ

(3)

من حديثٍ يزيدَ بن عامرٍ أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذا جئتَ الصلاةَ فوجدتَ الناسَ يصلونَ فصلِّ معَهُم إنْ كنتَ قد صلّيتَ تكنْ لك نافلةً، وهذهِ مكتوبةٌ"، وأجيبَ بأنهُ حديثٌ ضعيف ضعّفهُ النوويُّ [وغيرُه]

(4)

، وقال البيهقيُّ: هو مخالفٌ لحديثِ يزيدَ بن الأسودِ وهوَ أصحُّ، ورواهُ الدارقطني بلفظِ:"وليجعلْ التي صلَّى في بيتهِ نافلةً". قال الدارقطنيُّ: هذه روايةٌ ضعيفةٌ شاذةٌ

(5)

، وعلى هذا القولِ لا بدَّ منَ الرفضِ للأُولى بعدَ دخولهِ في الثانيةِ، وقيلَ: بشرطِ فراغهِ من الثانية صحيحةً، وللشافعيِّ قولٌ ثالث: أن الله تعالى يحتسبُ بأيِّهما شاء، لقولِ ابن عمرَ لمنْ سألهُ عن ذلكَ:"أو ذلكَ إليكَ؟، إنَّما ذلكَ إلى اللهِ تعالى يحتسبُ بأيِّهما شاءَ"، أخرجهُ مالكٌ

(6)

في الموطأ.

وقدْ عُورضَ حديثُ البابِ بما أخرجَهُ أبو داودَ

(7)

، والنسائيُّ

(8)

، وغيرُهما

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في (ب): "الشافعي".

(3)

في "السنن"(1/ 388 رقم 577)، وهو حديث ضعيف.

(4)

زيادة من (أ).

(5)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(2/ 30).

(6)

في "الموطأ"(1/ 133 رقم 9).

(7)

في "السنن"(1/ 389 رقم 579).

(8)

في "السنن"(2/ 114).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 19)، والدارقطني (1/ 415 رقم 1)، والبيهقي (2/ 303)، وابن خزيمة (3/ 69 رقم 1641)، والطبراني في "الكبير"(12/ 333 رقم 13270)، وابن حبان في "الإحسان"(6/ 155 - 156 رقم 2396).

وصحَّح ابن حزم الحديث في "المحلَّى"(4/ 232 - 233).

ص: 62

عن ابن عمرَ يرفعهُ: "لا تُصلُّوا صلاةً في يومٍ مرتينِ"، ويجابُ عنهُ بأنَّ المنهيَّ عنهُ أنْ يصلِّيَ كذلكَ على أنَّهما فريضةٌ لا على أن إحداهُما نافلةٌ، أو المرادُ: لا يصليهمَا مرتينِ منفردًا، ثمَّ ظاهرُ حديثٍ البابِ عمومُ ذلكَ في الصلواتِ كلِّها، وإليهِ ذهبَ الشافعيُّ، وقالَ أبو حنيفةَ: لا تعادُ إلّا الظهرُ والعشاءَ، أمّا الصبحَ والعصرُ فلا للنهي عن الصلاةِ بعدَهما، وأما المغربُ فلأنَّها وترُ النهارِ، [فلوْ]

(1)

أعادَها صارتْ شفعًا، وقالَ مالكُ: إذا كانَ صلَّاها في جماعةٍ لم يُعِدْهَا، وإنْ كانَ صلَّاها منفردًا أعادَها.

والحديثُ ظاهرٌ في خلافِ ما قالهُ أبو حنيفةَ ومالكٌ، بلْ في حديثٍ يزيدَ بن الأسودِ أن ذلكَ كانَ في صلاةِ الصبحِ، فيكونُ أظهرَ في ردِّ ما قالَهُ أبو حنيفةَ. ويُخصُّ به عمومُ النهي عن الصلاة في الوقتينِ.

‌وجوبُ متابعةِ الإمام والنهي عن سبقهِ ومقارنتهِ

7/ 376 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَلَا تُكَبِّرُوا حتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحيحَيْنِ

(3)

. [صحيح]

(وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ بهِ، فإذا كبَّرَ) أي: للإحرامِ أو مطلقًا فيشملُ تكبيرَ النقلِ، (فكبّرُوا، ولا تكبرُوا حتَّى يكبِّر)، زادهُ تأكيدًا لما أَفادهُ مفهومُ الشرطِ، كما في سائرِ الجملِ الآتيةِ، (وإذا ركعَ فاركعُوا، ولا تركعُوا حتَّى يركعَ) أي: حتَّى يأخذَ في الركوع، لا حتَّى يفرغَ منهُ

(1)

في (أ): "لو".

(2)

في "السنن"(1/ 404 رقم 603)، وهو حديث صحيح.

(3)

البخاري (722)، ومسلم (86/ 414).

ص: 63

كما يتبادرُ منَ اللفظِ: (وإذا قالَ: سمعَ اللهُ لمن حمدهُ، فقولُوا: اللَّهمّ ربَّنَا لكَ الحمدُ، وإذا سجدَ) أخذَ في السجودِ (فاسجدُوا، ولا تسجدُوا حتَّى يسجدَ، وإذا صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإذا صلَّى قاعدًا) لعذرٍ (فصلُّوا قعودًا أجمعين)، هكذا بالنصبِ على الحالِ، وهي روايةٌ في البخاري، وأكثرُ الرواياتِ على "أجمعونَ" بالرفعَ تأكيدًا لضميرِ الجمعِ (رواهُ أبو داودَ، وهذا لفظهُ، وأصلُه في الصحيحينِ)، إنَّما يفيدُ جعلَ الإمامِ مقصورًا على الاتّصافِ بكونهِ مؤتمًّا بهِ لا يتجاوزُه المؤتمُّ إلى مخالفتهِ. والائتمامُ: الاقتداءُ والاتباعُ.

والحديثُ دلَّ على أن شرعيةَ الإمامةِ ليقتدَى بالإمامِ، ومنْ شأنِ التابعِ والمأمومِ أنْ لا يتقدمَ متبوعَهُ، ولا يساويَهُ ولا يتقدمَ عليهِ في موقفهِ، بل يراقبُ أحوالَهُ ويأتي على أثرِها بنحوِ فعلِهِ، ومقتضَى ذلكَ أنْ لا يخالفَهُ في شيءٍ منَ الأحوالِ، وقد فصَّلَ الحديثُ ذلكَ بقوله: "فإذا كبَّرَ

" إلى آخره، ويقاس ما لم يذكر من أحواله كالتسليم - على ما ذُكِرَ، فمنْ خالفَهُ في شيءٍ مما ذُكِرَ، فقدْ أَثِمَ ولا تفسدُ صلاتُهُ بذلكَ، إلَّا أَنَّهُ إنْ خالفَ في تكبيرةِ الإحرامِ بتقديمِها على تكبيرةِ الإمامِ فإنَّها [لا]

(1)

تنعقدُ معهُ صلاتهُ، لأنهُ لم يجعلْه إمامًا؛ إذ الدخولُ بها بعدَهُ وهي عنوانُ الاقتداءِ بِهِ واتخاذُه إمامًا.

‌الدليل على عدم فساد صلاة المقتدي بمخالفته لإمامه

واستدلَّ على عدم فسادِ الصلاةِ [بمخالفتهِ لإمامهِ]

(2)

بأنّهُ صلى الله عليه وسلم توعَّدَ مَنْ سابقَ [إمامَهُ]

(3)

في ركوعهِ أو سجودِهِ بأنَّ الله يجعلُ رأسَهُ رأسَ حمارٍ

(4)

، ولمْ يأمْره بإعادةِ صلاتهِ، ولا قالَ: فإنهُ لا صلاةَ لَهُ. ثمَّ الحديثُ لم يشترطِ المساواةَ في النيَّةِ، فدلَّ أنَّها إذا اختلفتْ نيةُ الإمامِ والمأمومِ كأنْ ينويَ أحدُهما فرضًا والآخرُ

(1)

في (أ): "لم".

(2)

في (أ): "لمخالفة الإمام".

(3)

في (ب): "الإمام".

(4)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (691)، ومسلم (1/ 320 رقم 427/ 114) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ:"أما يخشى الذي يرفعُ رأسَهُ قبلَ الأمام أن يُحوَّلَ رأسُهُ رأس حمار". وعند البخاري: "أن يجعلَ الله رأسَهُ رأسَ حمارٍ، أو يجعلَ الله صورتَهُ صورةَ حمارٍ".

ص: 64

نفلًا، أو ينوي هذا [عصرًا والآخرُ ظهرًا]

(1)

- أنَّها تصحُّ الصلاةُ جماعةً، وإليهِ ذهبتِ الشافعيةُ، ويأتي الكلامُ على ذلكَ في حديثٍ جابرٍ

(2)

في صلاةِ معاذٍ.

وقولُهُ: "وإذا قالَ: سمعَ اللهُ لمن حمدهُ" يدلُّ أنهُ الذي يقولُهُ الإمامُ، ويقولُ المأمومُ:"اللَّهمّ ربَّنا لكَ الحمدُ"، وقد ورد بزيادةِ الواوِ، ووردَ بحذفِ "اللَّهمّ" والكلُّ جائزٌ، والأرجحُ العملُ بزيادةِ "اللَّهمَّ"، وزيادةِ الواو، لأنَّهما يفيدانِ معنىً زائدًا.

وقد احتجَّ بالحديثِ مَنْ يقولُ: إنهُ لا يجمعُ الإمامُ والمؤتمُّ بينَ التسميعِ والتحميدِ، وهمُ الهادويةُ والحنفيةُ، قالُوا: ويشرعُ للإمامِ والمنفردِ التسميعُ، وقدْ [تقدَّم الكلامَ فيه]

(3)

. وقالَ أبو يوسفَ ومحمدٌ: يَجْمَعُ بينَهما الإمامُ والمنفردُ ويقولُ المؤتمُّ: سمعَ اللهُ لمنْ حمدهُ؛ لحديثِ أبي هريرةَ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يفعلُ ذلكَ"، وظاهرهُ: منفردًا وإمامًا؛ [فإنَّ]

(4)

صلاتَهُ صلى الله عليه وسلم مؤتمًا نادرةٌ، ويقالُ عليهِ: فأينَ الدليلُ على أنهُ يشملُ المؤتمَّ، فإنَّ الذي في حديثٍ أبي هريرةَ [هذَا]

(5)

أنهُ [يحمدُ]

(6)

، وذهبَ الإمامُ يحيى، والثوريُّ، والأوزاعيُّ إلى أنهُ يجمعُ بينَهما الإمامُ والمنفردُ، ويحمدُ المؤتمُّ لمفهومِ حديثٍ الباب؛ إذ يفهمُ مِن قولِهِ:"فقولُوا: اللَّهمَّ" الخ، أنهُ لا يقولُ المؤتمُّ إلَّا ذلكَ.

وذهبَ الشافعيُّ إلى أنهُ يجمعُ بينَهما المصلِّي مطلقًا مستدلًّا بما أخرجهُ مسلمٌ

(7)

من حديثٍ ابن أبي أَوْفَى: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا رفعَ رأسُهُ منَ الركوعِ قالَ: سمعَ اللهُ لمنْ حمدَهُ، اللهمَّ ربَّنَا لكَ الحمدُ" الحديثَ. قالَ: والظاهرُ عمومُ [الأحوال، أي]

(8)

: أحوال صلاتِه جماعةً ومنفردًا، وقد قالَ صلى الله عليه وسلم:"صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي"

(9)

، ولا حجةَ في سائرِ الرواياتِ على الاقتصارِ؛ إذ عدمُ الذكرِ

(1)

في (أ): "ظهرًا وهذا عصرًا".

(2)

رقم (10/ 379).

(3)

في (ب): "قدمنا هذا".

(4)

في (أ): "على أن".

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في (ب): "صلّى بحمده".

(7)

في "صحيحه"(1/ 346 رقم 202/ 476).

(8)

زيادة من (أ).

(9)

أخرجه البخاري (631)، ومسلم (24/ 391) من حديث مالك بن الحويرث بألفاظ، وهذا لفظ البخاري.

ص: 65

في اللفظِ لا يدلُّ على عدمِ الشرعيةِ، فقولُهُ:"إذا قالَ الإمامُ سمعَ اللهُ لمنْ حمدهُ"، لا يدلُّ على نفي قولهِ:"ربَّنَا ولكَ الحمدُ"، وقولُهُ:"قولُوا: ربَّنا لكَ الحمدُ" لا يدلُّ على نفي قول المؤتمِّ: سمعَ اللهُ لمنْ حمدَهُ، وحديثُ ابن أبي أَوْفَى في حكايتهِ لفعلِهِ صلى الله عليه وسلم زيادةٌ، وهي مقبولةٌ، لأنَّ القولَ غيرُ معارضٍ لها، وقد رَوَى ابنُ المنذرِ هذَا القولَ عن عطاءٍ

(1)

، وابنِ سيرينَ

(2)

، وغيرِهما، فلمْ ينفردْ بهِ الشافعي، ويكونُ قولُهُ:"سمعَ اللهُ لمن حمدَهُ" عندَ رفعِ رأسِهِ، وقولُهُ:"ربَّنَا لكَ الحمدُ" عندَ انتصابِهِ.

وقولُهُ: (فصلُّوا قعودًا أجمعينَ) دليل على أنهُ يجبُ متابعةُ الإمامِ في القعودِ لعذرٍ، وأنه يقعدُ المأموم مع قدرته على القيام، وقد ورد تعليلُه بأنه فعل فارس والروم، أي: القيامُ معَ قعودِ الإمامِ؛ فإنهُ قال صلى الله عليه وسلم: "إنْ كدتُم آنفًا لتفعلونَ فعلَ فارسَ والرومِ، يقومون على ملوكهِم وهم قعودٌ، فلا تفعلُوا"

(3)

، وقد ذهبَ إلى [ذلك]

(4)

أحمدُ بنُ حنبل، وإسحاقُ وغيرُهما

(5)

وذهبتِ الهادويةُ

(6)

، ومالكٌ

(7)

، وغيرُهم إلى أنَّها لا تصح صلاةُ القائمِ خلفَ القاعدِ لا قائمًا ولا قاعِدًا؛ لقولهِ صلى الله عليه وسلم:"لا تختلِفُوا على إمامِكم ولا تتابعُوه في القعودِ"

(8)

، كذا في شرح القاضي، ولم يسندْهُ إلى كتابِ ولا وجدتُ قولَه:"ولا تتابعُوهُ في القعودِ" في حديثٍ، فينظَرُ.

(1)

في "الأوسط" لابن المنذر (3/ 161).

(2)

في "الأوسط" لابن المنذر (3/ 161).

(3)

أخرجه مسلم (84/ 413)، وأبو عوانة (2/ 108)، وابن ماجه (1240)، وأحمد (3/ 334) من طريق الليث بن سعد وغيره عن أبي الزبير عن جابر، وأخرجه أبو داود (602)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 80)، وأحمد (3/ 300) من طريق أبي سفيان عن جابر.

بسند صحيح على شرط مسلم.

(4)

في (أ): "هذا".

(5)

انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 48 - 50 رقم المسألة 1179).

(6)

انظر: "التاج المذهب"(1/ 111).

(7)

انظر: "الخَرَشي على مختصر سيدي خليل"(2/ 24).

(8)

لم أقف عليه.

ص: 66

وذهبَ الشافعيُّ

(1)

إلى أنَّها تصحُّ صلاةُ القائمِ خلفَ القاعدِ، ولا يتابعُهُ في القعودِ، قالُوا: لصلاةِ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في مرضِ موتهِ قيامًا حينَ خرجَ وأبو بكرٍ قد افتتحَ الصلاةَ فقعدَ عن يسارِهِ

(2)

، فكانَ ذلكَ ناسخًا لأمرهِ صلى الله عليه وسلم لهمْ بالجلوسِ في حديثٍ أبي هريرةَ، فإنَّ ذلكَ كانَ في صلاتهِ حينَ جحشَ وانفكتْ قدمُهُ، فكانَ هذا آخرَ الأمرينِ فتعيَّنَ العملُ بهِ، كذا قرّرهُ الشافعيُّ.

وأجيب: بأنَّ الأحاديثَ التي أمرَهم فيها بالجلوسِ لم يختلفْ في صحتِها، ولا في سياقِها. وأما صلاتُه صلى الله عليه وسلم في مرضِ موتهِ فقدِ اختُلِفَ فيها: هل كانَ إمامًا أو مأمومًا؟ والاستدلالُ بصلاتهِ في مرضِ موتهِ لا يتمُّ إلَّا على أنهُ كانَ إمامًا.

(ومنها): أنهُ يحتملُ أن الأمرَ بالجلوسِ للندبِ، وتقريرُ القيامِ قرينةٌ على ذلكَ، فيكونُ هذا جمعًا بين الروايتينِ خارجًا عن المذهبينِ جميعًا؛ لأنهُ يقتضي التخييرَ للمؤتمِّ بينَ القيامِ والقعودِ.

(ومنها): أنهُ قد ثبتَ فعلُ ذلكَ عن جماعةٍ من الصحابةِ بعدَ وفاتهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهم أمُّوا قعودًا ومن خَلْفَهم قعودًا أيضًا، مِنْهم: أسيدُ بنُ حضير

(3)

، وجابر

(4)

، وأفتَى به أبو

(1)

انظر: "المجموع"(4/ 264 - 266).

(2)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (2/ 166 رقم 683)، ومسلم (97/ 418) عن عائشة رضي الله عنها قالت:"أمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ أن يُصلِّي بالناسِ في مرضهِ، فكان يُصلِّي بهم. قال عروةُ: فوجدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نفسهِ خِفَةً فخرج، فإذا أبو بكر يؤم الناس، فلما رآهُ أبو بكر استأخرَ، فأشارَ إليه أنْ كما أنتَ، فجلسَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حذاءَ أبي بكر إلى جنبهِ، فكان أبو بكر يُصلّي بصلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، والناسُ يصلون بصلاة أبي بكر".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 326 - 327) من طريق عبد الله بن هبيرة عن أسيد، بإسناد صحيح.

وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(4/ 206 رقم 2045) من طريق بشير بن يسار عن أسيد، بإسناد صحيح.

وقال ابن حجر في "الفتح"(2/ 176): رواه ابن المنذر بإسناد صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(2/ 462 رقم 4085) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أسيد.

وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(4/ 206 - 207 رقم 2046) من طريق كثير بن السائب عن أسيد.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 326)، وابن المنذر في "الأوسط"(4/ 206 رقم 2043) عنه بإسناد صحيح.

ص: 67

هريرةَ

(1)

، قالَ ابنُ المنذرِ

(2)

: ولا يحفظُ عن أحدٍ منَ الصحابةِ [خلافُ ذلكَ]

(3)

.

وأمّا حديثُ: "لا يؤمنَّ أحدُكم بعدي قاعدًا قومًا قيامًا"، فإنهُ حديثٌ [ضعيفٌ أخرجهُ البيهقيُّ

(4)

والدارقطنيُّ

(5)

من حديثٍ جابرٍ الجعفيِّ

(6)

عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وجابر]

(7)

ضعيفٌ جدًّا، وهوَ معَ ذلكَ مرسلٌ، قالَ الشافعيُّ

(8)

: قد علمَ منِ احتجَّ بهِ أنهُ لا حجةَ فيهِ لأنهُ مرسلٌ، ومن رواتِهِ رجلٌ يرغبُ أهلُ العلمِ عن الروايةِ عنهُ يعني [جابرًا]

(9)

الجعفيَّ. وذهبَ أحمدُ بنُ حنبلٍ

(10)

في الجمع بينَ الحديثينِ إلى أنهُ إذا ابتدأ الإمامُ الراتبُ الصلاةَ قاعدًا لمرضٍ يُرجَى [برؤه]

(11)

، فإنَّهم يصلُّونَ خلفَه قعودًا، وإذا ابتدأ الإمامُ الصلاةَ قائمًا لزمَ [المأمومينَ]

(12)

أن

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 326) عنه بإسناد صحيح.

• وقال ابن حجر في "الفتح"(2/ 176): وعن أبي هريرة أنه أفتى بذلك، وإسناده صحيح أيضًا.

• وأخرج عبد الرزاق في "المصنف"(2/ 462 رقم 4084) عن ابن عيينة.

وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 327) عن وكيع.

كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: أخبرني قيس بن قَهْد الأنصاري أن إمامهم اشتكى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكان يؤمّنا جالسًا ونحن جلوس. وإسناده صحيح.

(2)

وقال ابن المنذر في "الأوسط"(4/ 202): "الأخبار في هذا الباب ثابتة، والقول بها يجب، والانتقال منها إلى أخبار مختلف فيها غير جائز".

(3)

في (أ): "خلافٌ".

هنا جملة من (ب) مكررة وهي: "جدًّا وهو مع ذلك مرسل. قال الشافعي: قد علم من احتجّ به فلا حجّة فيه".

(4)

في "السنن الكبرى"(3/ 80).

(5)

في "السنن"(1/ 398 رقم 6) وقال: "لم يروه غير جابر الجعفي عن الشعبي، وهو متروك، والحديث مرسل لا تقوم به حجة" اهـ.

وانظر: "نصب الراية"(2/ 49 - 50)، و"الأوسط"(4/ 208 - 209).

(6)

انظر ترجمته في: "الكامل" لابن عدي (2/ 537 - 543)، و"الجرح والتعديل"(2/ 497 - 498)، و"المجروحين"(1/ 208 - 209).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

ذكره النووي في "المجموع"(4/ 266).

(9)

في (أ): "عن جابر".

(10)

ذكره ابن قدامة في "المغني"(2/ 49).

(11)

في (أ): "زواله".

(12)

في (أ): "المؤتمين".

ص: 68

يصلُّوا خلفَه قيامًا سواءٌ طرأ ما يقتضي صلاةَ إمامِهم قاعدًا أمْ لا، كما في الأحاديثِ التي في مرضِ موتهِ؛ فإنهُ صلى الله عليه وسلم لم يأمْرهم بالقعودِ؛ لأنَّ ابتداءَ إمامِهم صلاتَه قائمًا ثمَّ أمَّهمْ صلى الله عليه وسلم في بقيةِ الصلاةِ قاعدًا، بخلافٍ صلاتِه صلى الله عليه وسلم[بهم]

(1)

في مرضهِ الأولِ، فإنهُ ابتدأ صلاتَهُ قاعدًا فأمرَهم بالقعودِ، وهو جمْعٌ حسنٌ.

‌النهي عن التأخر عن الصفوف

8/ 377 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ: "تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

(وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابِهِ تأخرًا، فقال: تقدَّموا فأتمُّوا بي، وليأتمَّ بكمْ مَنْ بعدَكم. رواهُ مسلمٌ). كأنَّهم تأخَّروا عن القربِ والدنوِّ منهُ صلى الله عليه وسلم، وقولُهُ:"ائتمُّوا بي"، أي: اقتدُوا بأفعالي، وليقتدِ بكم مَنْ بعدَكم، مستدلينَ بأفعالِكم على أفعالي.

والحديثُ دليلٌ على أنهُ يجوزُ اتباعُ مَنْ خلفَ الإمامِ ممنْ لا يراهُ ولا يسمعُه كأهلِ الصفِّ الثاني يقتدونَ بالأولِ، وأهلُ الصفِّ الثالثِ، بالثاني، ونحوِه، أو بمنْ يبلِّغُ عنهُ. وفي الحديث حثٌّ على الصفِّ الأولِ، وكراهةِ البعدِ عنهُ، وتمامُ الحديثِ:"لا يزالُ قومٌ يتأخّرونَ حتَّى يؤخرَهمُ اللهُ".

‌حكم صلاة النقل بجماعة

9/ 378 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُجْرَةً مُخَصَّفَةً، فَصَلَّى فِيهَا فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ، وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ - الحديثَ، وَفِيهِ:"أَفْضَلُ صَلاةِ المَرْءِ فِي بَيتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "صحيحه"(1/ 325 رقم 130/ 438).

قلت: وأخرجه أبو داود (680)، والنسائي (795)، وابن ماجه (978).

(3)

البخاري (731 و 6113 و 7290)، ومسلم (213/ 214/ 781). =

ص: 69

(وعن زيدِ بن ثابتٍ قالَ: احْتجرَ) هوَ بالراءِ: المنعُ. أي: اتّخذَ شيئًا كالحجرةِ منَ الخصفِ وهوَ الحصيرُ، ويروى بالزاي أي: اتّخذَ حاجزًا بينَه وبينَ غيرهِ، أي: مانعًا (رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حجرة مخصَّفةً، فصلَّى فيها، فتتبَّعَ إليهِ رجالٌ وجاءُوا يصلُّونَ بصلاتهِ - الحديث، وفيهِ: أفضلُ صلاةِ المرءِ في بيتهِ إلَّا المكتوبةَ. متفقٌ عليهِ).

وقد تقدّمَ في شرحِ حديث جابرٍ

(1)

في بابِ صلاةِ التطوّعِ، وفيهِ دلالةٌ على جوازِ فعلِ مثلِ ذلكَ في المسجدِ إذا لم يكنْ فيهِ تضييقٌ على المصلينَ؛ لأنّهُ كانَ يفعلُه بالليلِ، ويبسطُ بالنهارِ، وفي روايةٍ مسلمٍ:"ولمْ يتخذُه دائمًا".

وقولُه: فتتبَّعَ: من التتبعِ الطلبُ، والمعنَى: طلبُوا موضعَهُ واجتمعُوا إليهِ، وفي روايةٍ البخاري:"فثارَ إليهِ"، وفي روايةٍ لهُ: "فصلَّى فيها لياليَ، فصلَّى بصلاتِهِ ناسٌ من [صحابه]

(2)

، فلمَّا علمَ بهم جعلَ يقعدُ فخرج إليهم فقالَ: قد عرفتُ الذي رأيتُ من صنيعِكم فصلُّوا أيُّها الناسُ في بيوتِكم، فإنَّ أفضلَ الصلاةِ صلاةُ المرءِ في بيتهِ إلَّا المكتوبةَ"، هذا لفظُه، وفي مسلمٍ قريبٌ منهُ. والمصنفُ ساقَ الحديثَ في [أبوابِ]

(3)

الإمامةِ لإفادةِ شرعيةِ الجماعةِ في النافلةِ، وقد تقدمَ معناهُ في التطوعِ.

‌حكم صلاة المفترض خلف المتنفِّل

10/ 379 - وَعَنْ جَابِرِ بن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى مُعَاذٌ بِأصْحَابِهِ العِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ يَا مُعَاذُ فَتَّانًا؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَأْ بِالشمْسِ وَضُحَاهَا، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِم. [صحيح]

(وعن جابرٍ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه قالَ: صلَّى معاذٌ باصحابهِ العشاءَ، فطوّلَ عليهم،

= قلت: وأخرجه أبو داود (1044)، والترمذي (450)، ومالك في "الموطأ"(1/ 130 رقم 4)، والنسائي (3/ 197 رقم 1599)، وأحمد (5/ 186)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 131 رقم 997) مختصرًا.

(1)

رقم (17/ 349).

(2)

في (أ): "الصحابة".

(3)

في (أ): "باب".

(4)

البخاري (705)، ومسلم (179/ 465).

ص: 70

فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَتريدُ يا معاذ أنْ تكونَ فتانًا؟ إذا أمَمتَ الناسَ فاقرأ بالشمسِ وضحاها، وسبِّح اسمَ ربِّكَ الأعلى، واقرأ باسم ربِّك، والليلِ إذا يغْشَى" متفقٌ عليهِ، واللفظُ لمسلمٍ).

الحديثُ في البخاريِّ لفظُهُ: "أقبلَ رجلٌ بناضحينِ

(1)

، وقد جنحَ الليلُ، فوافقَ معاذًا يصلِّي فتركَ ناضحيْهِ وأقبلَ إلى معاذٍ، فقرأ معاذٌ سورةَ البقرةِ، أو النساءِ، فانطلقَ الرجلُ بعدَ أنْ قطعَ الاقتداءَ بمعاذٍ، وأتمَّ [صلاتَه]

(2)

منفردًا"، وعليه بوَّبَ البخاريُّ

(3)

بقولهِ: إذا طوَّلَ الإمامُ. وكانَ للرجلِ - أي المأمومِ - حاجةٌ فخرج، وبلغَهُ أَنَّ معاذًا نالَ منهُ [وقد جاءَ ما قالهُ معاذٌ مفسرًا بلفظ: "فبلغَ ذلكَ معاذًا، فقالَ: إنهُ منافقٌ]

(4)

، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فشكَا معاذًا، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أفتَّانٌ أنتَ يا معاذُ - أو: فاتنٌ أنتَ (ثلاثَ مراتٍ)، فلو صلَّيتَ بسبِّحِ اسم ربِّكَ الأعلى، والشمسُ وضُحاها، والليل إذا يَغْشَى، فإنهُ يُصلِّي وراءك الكبيرُ، والضعيفُ، وذُو الحاجةِ". ولهُ في البخاريِّ ألفاظ

(5)

غيرُ [هذهِ، والمرادُ]

(6)

بفتَّانٍ، أي: أتعذبُ أصحابَكَ بالتطويلِ، وحملَ ذلكَ على كراهةِ المأمومينَ للإطالةِ، وإلّا فإنهُ صلى الله عليه وسلم قرأ الأعرافَ في المغربِ

(7)

وغيرها

(8)

، وكانَ مقدارُ قيامهِ في الظهرِ بالستينَ آيةً، وقرأ بأقصرَ من ذلكَ

(9)

.

والحاصلُ أنهُ يختلفُ ذلكَ باختلافِ الأوقاتِ في الإمامِ والمأمومينَ.

(1)

واحدة ناضح وهو الحيوان الذي يُستقى عليه.

(2)

في (أ): "الصلاة".

(3)

الباب رقم (60) في "فتح الباري"(2/ 192).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

منها: (1/ 192 رقم 701) و (1/ 203 رقم 711) و (10/ 515 رقم 6106).

(6)

في (أ): "هذا فالمراد"

(7)

أخرج النسائيُّ (2/ 170 رقم 991) عن عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورةِ الأعراف فرَّقها في ركعتين"، وهو حديث حسن.

(8)

انظر: "جامع الأصول"(5/ 343 - 347 رقم 3456 و 3457 و 3459 و 3460 و 3461 و 3462).

(9)

انظر: "جامع الأصول"(5/ 338 - 343 رقم 3446 - 3455).

ص: 71

والحديثُ دليلٌ على صحةِ صلاةِ المفترضِ

(1)

خلفَ المتنفِّلِ؛ فإنَّ معاذًا كانَ يصلِّي فريضةَ العشاء معهُ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يذهبُ إلى أصحابِه فيصلّيها بهمْ نفلًا. وقد أخرجَ عبدُ الرزاقِ

(2)

، والشافعيُّ

(3)

، والطحاويُّ

(4)

من حديثٍ جابرٍ بسندٍ صحيحٍ وفيهِ: "هي لهُ تطوعٌ". وقد طولَ المصنفُ الكلامَ على الاستدلالِ بالحديثِ [على ذلك]

(5)

في فتح الباري. وقد كتبْنا فيهِ رسالةً مستقلةً جوابَ سؤالٍ، وأبنَّا فيها عدمَ نهوضِ الحديثِ على صحةِ صلاةِ المفترضِ خلفَ المتنفلِ

(6)

.

والحديثُ أفادَ أنهُ يخففُ الإمامُ [في]

(7)

قراءتهِ وصلاتهِ، وقد عيَّنَ صلى الله عليه وسلم مقدارَ القراءةِ، ويأتي حديثُ:"إذا أمَّ أحدكُم الناسَ فليخفِّفْ"

(8)

.

(1)

هنا لفظة "من" زائدة من (أ).

(2)

عزاه إليه ابن حجر في "فتح الباري"(2/ 195).

(3)

في "بدائع المنن"(1/ 143 رقم 412).

(4)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 409).

قلت: وأخرجه الدارقطني في "السنن"(1/ 274 رقم 1) وهو حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح وقد صرّح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه، فقول ابن الجوزي إنه لا يصح مردود، وتعليل الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمرو أتمّ من سياق ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح في صحته؛ لأن ابن جريج أسنّ وأجلّ من ابن عيينة وأقدم أخذًا عن عمرو منه، ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددًا، فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها.

وأما ردّ الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه أن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل، فمهما كان مضمومًا إلى الحديث فهو منه ولا سيما إذا روي من وجهين، والأمر هنا كذلك، فإن الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعًا لعمرو بن دينار عنه. وقول الطحاوي هو ظنّ من جابر مردود لأن جابرًا كان ممّن يصلّي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلّا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه. قاله ابن حجر في "الفتح"(2/ 196).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

وعنوان الرسالة: "جواب سؤال في صحة صلاة المفترض خلف المتنفل والمختلفين فرضًا"، بتحقيقنا.

(7)

في (أ): "من".

(8)

رقم (12/ 381).

ص: 72

‌الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم

11/ 380 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قِصَّةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ وَهُوَ مَرِيضٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا، يَقْتَدِي أَبُو بكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصلَاةِ أَبِي بَكْرٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وعن عائِشَةَ رضي الله عنها في قصةِ صلاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالناسِ وهوَ مريضٌ، قالتْ: فجاءَ حتَّى جليسَ عن يسارِ أبي بكرٍ)، هكذَا في روايةٍ البخاري في (باب الرجلِ يأتمُّ بالإمام)

(2)

تعيينُ مكانِ جلوسِه صلى الله عليه وسلم، وأنهُ عن يسارِ أبي بكرٍ، وهذا هوَ مقامُ الإمامِ، ووقعَ في البخاري في (بابِ حدِّ المريضِ أنْ يشهدَ الجماعةَ)

(3)

بلفظِ: "جلسَ إلى جنبهِ"، ولم يعينْ فيهِ محلَّ جلوسهِ، لكنْ قالَ المصنفُ: إنهُ عيَّنَ المحلَّ في روايةٍ بإسنادٍ حسنٍ: "أنهُ عن يسارهِ"، قلتُ: حيثُ قد ثبتَ في الصحيحِ في بعضِ رواياتهِ، فهيَ تبيِّنُ ما أُجْمِلَ في أُخْرَى، وبهِ يتضحُ أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ إمامًا؛ (فكانَ) النبيُّ صلى الله عليه وسلم (يصلِّي بالناسِ جالسًا وأبو بكرٍ) يصلِّي (قائمًا، يقتدي أبو بكرٍ بصلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويقتدي الناسُ بصلاةِ أبي بكرٍ. متفقٌ عليه).

فيه دلالةٌ على أنهُ يجوزُ وقوفُ الواحدِ [عن]

(4)

يمينِ الإمامِ وإنْ حضرَ معهُ غيرُه، ويحتملُ أنهُ صنعَ ذلكَ ليبلغَ عنهُ أبو بكرٍ، أوْ لكونهِ كانَ إمامًا أولَ الصلاةِ، أوْ لكونِ الصفِّ قد ضاقَ، أو لغيرِ ذلكَ منَ المحتملاتِ، ومعَ عدمِ الدليلِ على أنهُ فعلٌ لواحدٍ منها، فالظاهرُ الجوازُ على الإطلاقِ.

وقولُها: "يقتدي أبو بكر"، يحتملُ أنْ [يكون]

(5)

ذلكَ الاقتداءُ على جهةِ الائتمامِ، فيكونُ أبو بكرٍ إمامًا ومأمومًا، ويحتملُ أنْ يكونَ أبو بكرٍ إنَّما كانَ مبلِّغًا وليسَ بإمامٍ.

واعلمْ أنهُ قد وقعَ الاختلافُ في حديثٍ عائشةَ وفي غيرِه: هلْ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إمامًا أو مأمومًا؟ ووردتِ الرواياتُ بما يفيدُ هذا، وما يفيدُ هذا، لكنَّا قدَّمْنَا ظهورَ

(1)

البخاري (713)، ومسلم (95/ 418).

(2)

الباب رقم (68).

(3)

الباب رقم (39)، (2/ 151 - 152 رقم 664).

(4)

في (أ): "على".

(5)

زيادة من (ب).

ص: 73

أنهُ صلى الله عليه وسلم الإمامَ، فمن العلماءِ من ذهبَ إلى الترجيحِ بين الرواياتِ، فرجحَ أنه صلى الله عليه وسلم كان الإمامَ لوجوهٍ منَ الترجيحِ مستوفاة في فتحِ الباري، وفي الشرحِ بعضٌ من ذلك، وتقدمَ في شرح الحديث السابع

(1)

بعضُ وجوهِ ترجيحِ خلافهِ، ومنَ العلماءِ مَنْ قالَ بتعدّدِ [القصةِ]

(2)

، وأنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى تارةً إمامًا، وتارةً مأمومًا في مرضِ موتهِ هذا.

وقد استدلَّ بحديثِ عائشةَ هذا وقولِها: "يقتدي أبو بكرٍ بصلاةِ النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتدي الناسُ بصلاةِ أبي بكرٍ"، أن أبا بكرِ كانَ مأمومًا إمامًا. وقد بوَّبَ البخاريُّ على هذَا فقالَ:(بابُ الرجلِ يأتمُّ بالإمامِ ويأتمُّ الناسُ بالمأمومِ)

(3)

، قالَ ابنُ بطالٍ: هذا يوافقُ قولَ مسروقٍ والشعبيِّ: إنَّ الصفوفَ يؤمُّ بعضُها بعضًا خلافًا للجمهورِ، قالَ المصنفُ: قالَ الشعبُّ: مَنْ أحرمَ قبلَ أنْ يرفعَ الصفُّ الذي يليه رؤوسَهم منَ الركعةِ [إنهُ]

(4)

أدركَها ولوْ كانَ الإمامُ رفَعَ قبلَ ذلكَ؛ لأنَّ بعضَهم لبعضِ أئمةٌ. فهذَا يدلُّ أنهُ يرى أنهم متحمِّلونَ عن بعضِهم بعضًا ما يتحمَّلُهُ الإمامُ، ويؤيدُ ما ذهبَ إليهِ قولُهُ صلى الله عليه وسلم:"تقدَّموا فأْتمُّوا بي، وليأتمَّ بكمْ مَنْ بعدكم"، وقد تقدَّم

(5)

.

وفي روايةٍ مسلمٍ

(6)

: "أن أبا بكرٍ كانَ يُسْمِعُهُم التكبيرَ"، دليل على أنهُ يجوزُ رفعُ الصوتِ بالتكبيرِ لإسماعِ المأمومينَ ويتبعونه، وأنهُ يجوزُ للمقتدي اتباعُ صوتِ المكبرِ، وهذا مذهبُ الجمهورِ، وفيهِ خلافٌ للمالكيةِ. قالَ القاضي عياضٌ عن مذهبْهم: إنَّ منهُمْ مَنْ يبطِلُ صلاةَ المقتدي، ومنهم مَنْ لا يبطلُها، ومنهم مَنْ قالَ:[إنْ]

(7)

أَذِنَ لهُ الإمامُ بالإسماع صحِّ الاقتداءُ بهِ وإلَّا فلا، ولهمْ تفاصيلُ غيرُ هذهِ ليسَ عليها دليلٌ، وكأنَّهم يقولون في هذا الحديثِ: إنَّ أبا بكرِ كانَ هوَ الإمامَ، ولا كلامَ أنهُ يرفعُ صوتَهُ لإعلام مَنْ خلفَهُ.

‌تخفيف الإمام الصلاة على المأمومين

12/ 381 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ

(1)

رقم (7/ 376)، في المخطوط التاسع، والصواب ما أثبتناه.

(2)

في (أ): القضية.

(3)

الباب رقم (68).

(4)

في (ب): "فقد".

(5)

رقم (8/ 377).

(6)

(1/ 314 رقم 96/ 418).

(7)

في (أ): "إذا".

ص: 74

النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِن فِيهِمْ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ والضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كيفَ شَاءَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وَعَنْ أَبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: إِذَا أَمَّ أحدُكم الناسَ فليخفِّفْ؛ فإن فيهمُ الصغيرَ والكبيرَ والضعيفَ وذا الحاجةِ)، وهؤلاءِ يريدونَ التخفيف فيلاحظُهم الإمامُ، ([وإذا]

(2)

صلَّى وحدَة فليصلِّ كيفَ شاءَ. متفقٌ عليهِ) مخفِّفًا ومطوِّلًا.

وفيهِ دليلٌ على جوازِ تطويلِ المنفردِ [للصلاةِ]

(3)

في جميعِ أركانِها ولو خشيَ خروجَ الوقتِ، وصحَّحهُ بعضُ الشافعيةِ، ولكنهُ معارَضٌ بحديثِ أبي قتادةَ:"إنَّما التفريطُ أنْ تؤخَّرَ الصلاةُ حتَّى يدخلَ وقتُ الأُخرى" أخرجهُ مسلمٌ

(4)

؛ فإذا تعارضتْ مصلحةُ المبالغةِ في الكمالِ بالتطويلِ ومفسدةُ إيقاعِ الصلاةِ في غيرِ وقتِها كانت مراعاةُ تركِ المفسدةِ أَوْلَى، ويحتملُ أنه إنَّما يريدُ بالمؤخِّرِ حتَّى يخرج الوقت مَنْ لم يدخلْ في الصلاةِ أصلًا حتَّى خرجَ، وأمَّا مَنْ خرجَ وهوَ في الصلاةَ فلا يصدق عليهِ ذلكَ.

‌يقدَّم في الإمامة أكثرهم قرآنًا

13/ 382 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ: قَالَ أَبِي: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقًّا، فَقَالَ:"إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكثَرُكُمْ قُرْآنًا"، قَالَ: فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنِّي قُرآنًا، فَقَدَّمُونِي وَأَنَا ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(5)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(6)

، وَالنَّسَائِيُّ

(7)

. [صحيح]

(1)

البخاري (703)، ومسلم (467).

قلت: وأخرجه أبو داود (794، 795)، والترمذي (1/ 461 رقم 236)، والنسائي (2/ 94 رقم 823)، ومالك (1/ 134 رقم 13).

(2)

في (ب): " فإذا".

(3)

في (ب): "بالصلاة".

(4)

في "صحيحه"(1/ 472 - 473 رقم 311/ 681).

(5)

في "صحيحه"(2/ 111 رقم 631).

(6)

في "السنن"(1/ 395 رقم 589).

(7)

في "السنن"(2/ 77 رقم 781).

قلت: وأخرجه مسلم (674)، والترمذي (205)، وابن ماجه (979).

ص: 75

‌ترجمة عمرو بن سلِمة

(وعن عمرِو بن سلِمة)

(1)

بكسرِ اللامِ، هوَ أبو يزيدَ من الزيادةِ كما قالهُ البخاريُّ وغيرُه، [و] (1) قالَ مسلمٌ وآخرونَ: بُرَيْد بضمِّ الباءِ الموحَّدةِ، وفتحِ الراءِ، وسكونِ المثناةِ التحتيةِ، فدالٍ مهملةٍ، هوَ عمرُو بنُ سلمةَ الجرميُّ بالجيم والراءِ مخففٌ، قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: عمرُو بنُ سلمةَ أدركَ زمنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانَ يؤمُّ قومَهُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لأنهُ كانَ أقرأهم للقرآنِ، وقيلَ: إنهُ قَدِمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم معَ أبيهِ، ولم يُختلفْ في قدومِ أبيهِ. نزلَ عمروٌ البصرةَ، ورَوَى عنهُ أبو قلابةَ، وعامرٌ الأحولُ، وأبو الزبيرِ المكيُّ.

(قالَ: قالَ أبي) أي: سلمةُ بنُ نُفيعٍ بضمِّ النونِ، أو ابنُ لأي بفتحِ اللامِ، وسكونِ الهمزةِ على الخلافِ في اسمهِ (جئتكم من عندِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حقًّا) نصبَ على صفةِ المصدرِ المحذوفِ، أي: نبوةً حقًّا، أو أنهُ مصدرٌ مؤكدٌ للجملةِ المتضمنةِ؛ إذْ هو في قوةِ: هوَ رسولُ اللَّهِ حقًّا، فهوَ مصدرٌ مؤكدٌ لغيرهِ (قالَ: إذا حضرتِ الصلاةُ فليؤذنْ أحدُكم، وليؤمَّكم أُكثرُكم قرآنًا، قال) أي: عمرُو بنُ سلمةَ: (فنظروا فلمْ يكنْ أحدٌ أكثرَ مني قرآنًا). [و]

(2)

قد ورد [بيانُ]

(3)

سببِ أكثريةِ قرآنيتهِ أنهُ كانَ يتلقَّى الركبانَ الذينَ كانُوا يفدونَ إليه صلى الله عليه وسلم، ويمرونَ بعمرٍو وأهلهِ، فكانَ يتلقَّى منهم ما يقرأونهُ، وذلكَ قبلَ إسلامِ أبيهِ وقومِه، (فقدَّموني وأنا ابنُ ستٍ، أو سبعٍ سنينَ. رواهُ البخاريِّ، وأبو داودَ، والنسائي).

فيه دلالةٌ على أن الأحقَّ بالإمامةِ الأكثرُ قرآنًا، ويأتي الحديثُ بذلكَ قريبًا، وفيهِ: أن الإمامةَ أفضلُ منَ الأذانِ؛ لأنهُ لم يشترطْ في المؤذنِ شرطًا. وتقديمهُ وهو ابنُ سبعٍ سنينَ دليلٌ لما قالهُ الحسنُ البصريُّ، والشافعيُّ، وإسحاقُ من أنهُ لا كراهةَ في إمامةِ المميزِ. وكرِهَهَا مالكُ والثوريُّ، وعن أحمدَ، وأبي حنيفةَ روايتانِ، والمشهورُ عنهما الإجزاءُ في النوافلِ دونَ الفرائضِ، وقالَ بعدمِ صحتِها

(1)

انظر ترجمته في: "الاستيعاب"(2/ 544 - مع الإصابة)، و"أسد الغابة"(4/ 234 رقم 3945)، و"الإصابة"(2/ 541)، و"سير أعلام النبلاء"(3/ 523 رقم 130).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

زيادة من (أ).

ص: 76

الهادي، والناصرُ وغيرُهما

(1)

قياسًا على المجنونِ، قالُوا: ولا حجةَ في قصةِ عمروٍ هذه، لأنهُ لم يُرْوَ أن ذلكَ كان عن أمرهِ صلى الله عليه وسلم ولا تقريرِهِ، وأجيبَ بأنَّ دليلَ الجوازِ وقوعُ ذلكَ في زمنِ الوحي، ولا يقرّرُ فيهِ على فعل ما لا يجوزُ سيَّما في الصلاةِ التي هي أعظمُ أركانِ الإسلامِ. وقد نُبِّهَ صلى الله عليه وسلم بالوحي على القذَى الذي كانَ في نعلِهِ

(2)

، فلو كانَ إمامةُ الصبيِّ لا تصحُّ لنزلَ الوحيُ بذلك.

وقد استدلَّ أبو سعيدٍ

(3)

وجابرٌ

(4)

بأنَّهم كانُوا يعزلونَ والقرآنُ ينزلُ، والوفدُ الذينَ قدَّمُوا عَمرًا كانُوا جماعةً منَ الصحابةِ، قالَ ابنُ حزمٍ

(5)

: [ولا نعلمُ]

(6)

لهمْ مخالفًا في ذلكَ، واحتمالُ أنهُ أمَّهم في نافلةٍ يبعذهُ سياقُ القصةِ، فإنهُ صلى الله عليه وسلم علَّمَهُمْ الأوقاتِ للفرائضِ ثمَّ قالَ لهمْ: "إنهُ [يؤمُّكم أكثرُكُم]

(7)

قرآنًا".

(1)

انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 55 - 56 رقم المسألة 1192)، و"المحلَّى" لابن حزم (4/ 217 - 219 رقم المسألة 490)، و"المجموع" للنووي (4/ 248 - 250)، و"معجم السلف"(2/ 21 - 22)، و"نيل الأوطار"(3/ 165 - 166).

(2)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 20، 92)، والدارمي (1/ 320)، والبيهقي (2/ 431)، وأبو يعلى في "المسند"(2/ 409 رقم 220/ 1194)، والحاكم (1/ 260)، وابن خزيمة (2/ 107 رقم 1017)، وأبو داود (650)، وابن حبان (5/ 560 رقم 2185)، وابن أبي شيبة (2/ 417)، والطيالسي رقم (2154) من طرق عن أبي سعيد الخدري، قال: صلّى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلمّا صلّى خلعَ نعليه فوضَعهُما عن يساره، فخلع القومُ نعالَهُم، فلما قضى صلاته، قال:"ما لكم خلعتم نعالكم"؟ قالوا: رأيناكَ خلعتَ فخلعْنَا، قال:"إني لم أخْلَعْهُمَا من بأسٍ، ولكن جبريلَ أخبرني أن فيهما قذرًا، فإذا أتى أحدكُم المسجد، فلينظُرْ في نعليهِ، فإن كان فيهما أذىً فليمسحْهُ".

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح.

(3)

يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (7409)، ومسلم (1438) من حديث أبي سعيد.

(4)

يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (5209)، ومسلم (1440) من حديث جابر.

(5)

في "المحلى"(4/ 218).

(6)

في (ب): "ولا يُعلم".

(7)

في (أ): "يؤمّهم أكثرهم".

ص: 77

وقد أخرجَ أبو داود

(1)

في سننهِ، قالَ عمروٌ: فما شهدت مشهدًا في جرمِ [اسمِ قبيلةٍ]

(2)

إلَّا كنتُ إمامَهم، وهذا يعمُّ الفرائضَ والنوافلَ.

قلتُ: ويحتاجُ مَنِ ادَّعى التفرقةَ بينَ الفرضِ والنفلِ، وأنهُ تصحُّ إمامةُ الصبيِّ في هذا دونَ ذلكَ إلى دليلٍ. ثمَّ الحديثُ فيهِ دليلٌ على القولِ بصحةِ صلاةِ المفترضِ خلفَ المتنفلِ. كذَا في الشرحِ وفيهِ تأملٌ.

‌من هم أولى بالإمامة

14/ 383 - وَعَنِ أبي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمَهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمَهُمْ سِلْمًا" - وَفِي رِوَايَةٍ: "سِنًّا - وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وعنِ أبي مسعودٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يومُّ القومَ أقرؤُهمْ لكتابِ اللهِ) الظاهرُ أن المرادَ: أكثرُهم لهُ حِفْظًا. وقيلَ: أعلمُهم بأحكامِه، والحديثُ الأولُ يناسبُ القولَ الأولَ:(فإنْ كانُوا في القراءةِ سواءً فأعلمُهم بالسنةِ، فإنْ كانُوا في السنةِ سواءً فأقدمُهم هجرة، فإنْ كانُوا في الهجرةِ سواءً فأقدمُهم سلمًا) أي: إسلامًا (وفي روايةٍ: سنًا) عوضًا عن سلمًا (ولا يَؤمَّنَّ الرجل الرجلَ في سلطانِه، ولا يقعدْ في بيتهِ على تكرِمَتِهِ) بفتحِ المثناةِ الفوقيةِ، وكسرِ الراءِ: الفراشُ ونحوُه مما يبسطُ لصاحبِ المنزلِ، ويختصُّ بهِ (إلَّا بإذنهِ، رواهُ مسلمٌ).

الحديثُ دليلٌ على تقديمِ الأقرأ على الأفقهِ، وهوَ مذهبُ أبي حنيفةَ

(1)

في "السنن"(1/ 395 رقم 587)، وهو حديث صحيح.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "صحيحه"(1/ 465 رقم 673).

قلت: وأخرجه الترمذي (235)، وأبو داود (582)، وابن ماجه (985)، والنسائي (2/ 76 رقم 780)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(4/ 209 رقم 5904)، وابن خزيمة (3/ 4 رقم 1507)، وأحمد (4/ 118).

ص: 78

وأحمدَ

(1)

. وذهبتِ الهادويةُ إلى أنهُ يقدَّمُ الأفقهُ على الأقرأ؛ لأنَّ الذي يحتاجُ إليهِ منَ القراءةِ مضبوطٌ، والذي يحتاجُ إليهِ منَ الفقهِ غيرُ مضبوطٍ، وقدْ [يعرضُ]

(2)

في الصلاةِ أمورٌ لا يقدرُ على مراعاتِها إلَّا كاملُ الفقهِ، قالُوا: ولهذا قدَّمَ صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ على غيرِهِ معَ قولِهِ: "أقرؤُكم أُبيُّ"

(3)

.

قالُوا: والحديثُ خرجَ على ما كانَ عليهِ حالُ الصحابةِ منْ أنَّ الأقرأ هُوَ الأفقهُ، وقد قالَ ابنُ مسعودٍ: ما كنَا نتجاوزُ عشرَ آياتٍ حتَّى نعرفَ حكمُها وأمرَها ونهيَها، ولا يخفَى أنهُ يبعدُ هذا قولُهُ:"فإنْ كانُوا في القراءةِ سواءً فأعلمُهم بالسنةِ"؛ [فإنهُ دليلٌ على تقديمِ الأقرأ مطلقًا، والأقرأُ على ما فسَّروهُ بهِ هوَ الأعلمُ بالسنةِ]

(4)

، فلو أُريدَ بهِ [ذلك](4) لكانَ القسمانِ قسمًا واحدًا.

وقولُهُ: "فأقدمُهم هجرةً" هوَ شاملٌ لمنْ [تقدَّمَ هجرة]

(5)

، سواءٌ كانَ في زمنهِ صلى الله عليه وسلم أو بعدَهُ، كمنْ يهاجرُ من دارِ الكفارِ إلى دار الإسلامِ، وأمّا حديثُ:"لا هجرةَ بعدَ الفتحِ"

(6)

، فالمرادُ من مكةَ إلى المدينةِ، لأنَّهما جميعًا صارا دارَ إسلامٍ، ولعلَّهُ يقالُ: وأولادُ المهاجرينَ لهمْ حكمُ آبائِهم في [التقديم]

(7)

، وقولُهُ:"سلمًا" أي: مَنْ تقدمَ إسلامُهُ يقدَّمُ على مَنْ تأخرَ، وكذا روايةُ سنًّا أي: الأكبرُ [في السنِّ]

(8)

، وقد ثبتَ في حديثٍ مالكِ بن الحويرثِ

(9)

: "ليؤَّمكمْ أكبرُكم"، ومنَ الذينَ يستحقونَ التقديمَ قريشٌ لحديثِ:"قدِّمُوا قريشًا"

(10)

، قالَ الحافظُ

(1)

انظر: "الفقه الإسلامي وأدلته"(2/ 182 - 186) الأحق بالإمامة.

(2)

في (أ): "تعرض".

(3)

أخرج البخاري (5005) عن ابن عباس قال: "قال عمر: أُبيٌّ أقرَؤنا

".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في (أ): "تقدمت هجرته".

(6)

أخرجه مسلم (86/ 1864)، والبخاري (3900 و 4312 و 3080) من حديث عائشة.

(7)

في (أ): "التقدم".

(8)

زيادة من (ب).

(9)

رقم (13/ 382).

(10)

وهو حديث صحيح.

روي من حديث الزهري مرسلًا، ومن حديث عبد الله بن السّائب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وجبير بن مطعم.

• وأما حديث الزهري فأخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(4/ 211 رقم 5912)، والشافعي في "المسند"(2/ 194) عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه بلغه أن =

ص: 79

المصنفُ: إنهُ قد جمعَ طرقهُ في جزءٍ كبيرٍ. ومنهمُ: الأحسنُ وجهًا، لحديثٍ وردَ [به]

(1)

، وفيهِ راوٍ ضعيفٌ.

وأمّا قولُهُ: "ولا يؤمنَّ [الرجلُ]

(2)

الرجلَ في سلطانِهِ"، فهو نهيٌ عن تقديمِ غيرِ السلطانِ عليهِ، والمرادُ ذو الولايةِ سواءٌ كانَ السلطانَ الأعظمَ، أو نائبَه وظاهرهُ، وإنْ كانَ غيرُه أكثرُ قرآنًا وفقهًا فيكونُ هذا خاصًّا، وأولُ الحديثِ عامٌّ، ويلحقُ بالسلطانِ صاحبُ البيتِ؛ لأنُ وردَ في صاحبِ البيتِ حديثٌ بخصوصِهِ بأنهُ الأحقُّ. أخرجَ الطبرانيُّ

(3)

، من حديثٍ ابن مسعودِ: " [فقد]

(4)

علمتُ أن منَ السنةِ أنْ يتقدَّمَ صاحبُ البيتِ"، قالَ المصنفُ: رجالُهُ ثقاتٌ.

= رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قدِّموا قريشًا ولا تَقَدَّموها، وتعلّموا منها ولا تعالموها أو تعلموها".

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 121) من طريق معمر عن الزهري عن ابن أبي حثمة مرفوعًا به وزاد: "فإن للقرشي مثل قوة الرجلين من غيرهم. يعني في الرأي" وقال: هذا مرسل، وروي موصولًا وليس بالقوي.

قلت: وابن أبي حثمة هو أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وهو تابعي ثقة. [التقريب (2/ 397 رقم 43)].

• أما حديث عبد الله بن السائب فأخرجه الطبراني من حديث أبي معشر عن سعيد المقبري عن السائب. وأبو معشر ضعيف - كما في "التلخيص الحبير"(2/ 36 رقم 579).

• أما حديث علي بن أبي طالب فأخرجه الطبراني وفيه أبو معشر وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح - كما في "مجمع الزوائد"(10/ 25).

قلت: أبو معشر ضعيف أسنَّ واختلط توفي سنة 170. ["التقريب" (2/ 298 رقم 46)].

• أما حديث أنس فأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(9/ 64) وفيه محمد بن يونس وهو الكُديمي وهو ضعيف. ["التقريب" (2/ 222 رقم 850)].

وأما حديث جبير بن مطعم فأخرجه البيهقي - كما في "التلخيص الحبير"(2/ 36)، وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(9/ 64).

وقال ابن حجر في "التلخيص": "وقد جمعت طرقه في جزء كبير"، كذلك أشار في "الفتح"(13/ 118) إلى صحة الحديث. وصحَّحه الألباني في "الإرواء" رقم (519).

(1)

في (أ): "فيه".

(2)

زيادة من (ب).

(3)

كما في "مجمع الزوائد"(2/ 65 - 66)، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.

• وأخرج الشافعي في "المسند"(1/ 108 رقم 320) عن ابن مسعود قال: "من السنةِ أنْ لا يؤمَّهُم إلا صاحبُ البيت"، وقال ابن حجر في "التلخيص" (2/ 36 رقم 580):"وفيه ضعف وانقطاع".

(4)

في (ب): "لقد".

ص: 80

وأمّا إمامُ المسجدِ، فإنْ كانَ عن ولايةٍ منَ السلطانِ أوْ [عمَّاله]

(1)

فهوَ داخلٌ في حكم السلطانِ، وإنْ كانَ باتفاقٍ من أهلِ المسجدِ، فيحتملُ أنهُ يصيرُ بذلكَ أحقَّ، وأنَّها ولايةٌ خاصةٌ، [وكذلك]

(2)

النهيُ عن القعودِ مما يختصُّ بهِ السلطانُ في منزلِهِ، أو الرجلُ من فراشٍ وسريرٍ ونحوهِ، ولا يقعدُ فيهِ أحدٌ إلَّا بإذنهِ، ونحوهُ قولُهُ:

15/ 384 - وَلابْنِ مَاجَهْ

(3)

، مِنْ حَدِيثِ جابِرٍ رضي الله عنه:"وَلَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا فَاجِرٌ مُؤْمِنًا"، وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ. [ضعيف]

(ولابن ماجهْ من حديثٍ جابرٍ رضي الله عنه: ولا تؤمنَّ امرأةٌ رجلًا، ولا أعرابيٌّ مهاجرًا، ولا فاجرٌ مؤمنًا. وإسنادُهُ واهٍ)، فيهِ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ العدوي، عن عليٍّ بن زيدِ بن جدعانَ، والعدويُّ اتّهمَهُ وكيعٌ بوضعِ الحديثِ

(4)

، وشيخُهُ ضعيفٌ

(5)

، ولهُ [طرقٌ]

(6)

أخرى فيها عبدُ الملكِ بنُ حبيبٍ، وهو متَّهمٌ بسرقةِ الحدثِ، وتخليطِ الأسانيدِ

(7)

.

وهو يدلُّ على أنَّ المرأةَ لا تَؤُمُّ الرجلَ، وهوَ مذهبُ الهادويةِ، والحنفيةِ، والشافعيةِ

(8)

وغيرِهم، وأجازَ المزني وأبو ثورٍ إمامةَ المرأةِ، وأجاز الطبريُّ إمامتَها في التراويحِ إذا لم يحضر مَنْ يحفظُ القرآنَ، وحجّتُهم حديثُ أمِّ ورقةَ،

(1)

في (ب): "عامله".

(2)

في (أ): "وكذا".

(3)

في "السنن"(1/ 343 رقم 1081).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 203 - 204 رقم 386): "هذا إسناد ضعيف، لضعف علي بن زيد بن جدعان وعبد الله بن محمد العدوي

" اهـ.

قلت: هو حديث ضعيف.

(4)

كما في "التقريب"(1/ 448 رقم 617).

(5)

كما في "التقريب"(2/ 37 رقم 342).

(6)

في (أ): "طريق".

(7)

كما في "التلخيص"(2/ 32 رقم 569).

(8)

قال النووي في "المجموع"(4/ 255): "هذا مذهبنا - أي الشافعية - ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف رحمهم الله، وحكاه البيهقي عن الفقهاء السبعة فقهاء المدينة التابعين، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وسفيان وأحمد وداود. وقال أبو ثور والمزني وابن جرير تصح صلاة الرجال وراءها حكاه عنهم القاضي أبو الطيب والعبدري. وقال الشيخ أبو حامد: مذهب الفقهاء كافة أنه لا تصح صلاة الرجال وراءها إلَّا أبا ثور، والله أعلم" اهـ.

ص: 81

وسيأتي

(1)

، ويحملونَ هذا النهيَ على التنزيهِ، أو يقولونَ: الحديثُ ضعيفٌ.

ويدلُّ أيضًا [على]

(2)

أنهُ لا يؤمُّ الأعرابيُّ مهاجرًا، ولعلهُ محمولٌ على الكراهةِ؛ إذْ كانَ في صدرِ الإسلامِ.

ويدلُّ أيضًا على أنهُ لا يؤمُّ الفاجرُ - وهوَ المنبعثُ في المعاصي - مؤمنًا، وإلى هذا ذهبت الهادويةُ، فاشترطُوا عدالةَ مَنْ يُصلَّى خلفَهُ، وقالُوا: لا تصحُّ إمامةُ الفاسق، وذهبتِ الشافعيةُ والحنفيةُ إلى صحةِ إمامتهِ، مستدلينَ بما يأتي من حديثٍ ابن عمرَ

(3)

وغيرهِ، وهي أحاديثُ كثيرةٌ دالّةٌ على صحةِ الصلاةِ خلفَ كلِّ برٍّ وفاجرٍ، إلَّا أنَّها كلُّها ضعيفة، وقد عارضَها حديثُ:"لا يؤمَّنَّكم ذُو جرأةٍ في دينِهِ"

(4)

ونحوهُ، وهي أيضًا ضعيفة. قالُوا: فلمِّا ضعفت [الأحاديثُ]

(5)

منَ الجانبينِ رجعنا إلى الأصلِ، وهي أن مَنْ صحَّتْ صلاتهُ صحَّتْ إمامتُه، وأيّد ذلكَ فعلُ الصحابةِ، فإنهُ أخرجَ البخاريُّ في التاريخِ

(6)

عن عبد الكريمِ أنهُ قالَ: "أدركتُ عَشْرَةً من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم يصلُّونَ خلفَ أئمةِ الجورِ"، ويؤيّدهُ أيضًا حديثُ مسلم

(7)

: "كيفَ أنتَ إذا كانَ عليكم أمراءُ يؤخّرونَ الصلاةَ عن وقتِها، أو يميتونَ الصلاةَ عن وقتِها؟ قال: فما تأمرُني؟ قال: صلِّ الصلاةَ لوقتِها فإنْ أدركتَه معهم فصلِّ؛ فإنَّها لك نافلةٌ". فقد أذنَ بالصلاةِ خلفَهم وجعلَها نافلةً لأنَّهم أخرجُوها عن وقتِها، وظاهرهُ أنَّهم لو صلَّوها في وقتها لكانَ مأمورًا بصلاتها خلفَهم فريضةً.

(1)

رقم (25/ 394).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

رقم (28/ 397).

(4)

قال الشوكاني في "نيل الأوطار"(3/ 163) عن هذ الحديث: "قد ثبت في كتب جماعة من أئمة أهل البيت: كأحمد بن عيسى، والمؤيد بالله، وأبي طالب، وأحمد بن سليمان، والأمير الحسين وغيرهم، عن علي عليه السلام مرفوعًا" اهـ.

قلت: وهو حديث ضعيف.

(5)

في (أ): "الحديثين".

(6)

"الكبير"(6/ 90 رقم 1800).

وقال الشوكاني في "نيل الأوطار"(3/ 163): "وأما قول عبد الكريم البكاء

فهو ممن لا يحتج بروايته، وقد استوفى الكلام عليه في "الميزان"(2/ 646) "اهـ.

(7)

في "صحيحه"(1/ 448 رقم 238/ 648) من حديث أبي ذرٍّ.

ص: 82

‌حكم تسوية الصفوف ورصِّها

16/ 385 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رُصُّوا صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَينَهَا، وَحَاذُوا بِالأعنَاقِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

، وَالنَّسَائِيُّ

(2)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(3)

. [صحيح]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رُصُّوا) أي: في صلاة الجماعة - بضمِّ الراءِ، والصادِ المهملةِ - منْ رصِّ البناءَ (صفوفكم) بانضمام بعضِكم إلى بعضٍ، (وقاربوا بينَها) أي: بين الصفوفِ (وحاذوا) أي: يساوي بعضُكم بعضًا في الصفِّ (بالأعناقِ. رواة أبو داود، والنسائيُّ، وصحَّحه ابن حبانَ)، تمامُ الحديثِ من سننِ أبي داودَ:"فوَالذي نفسي بيدِهِ إني لأرَى الشياطينَ تدخلُ في خللِ الصفِّ كأنَّها الحَذَفُ" بفتح الحاءِ المهملةِ، والذالِ المعجمةِ: هي صغارُ الغنم.

وأخرجَ الشيخانِ

(4)

، وأبو داودَ

(5)

من حديثٍ النعمانِ بن بشيرٍ [قال

(6)

: "أقبلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على الناسِ بوجهِهِ فقالَ: أقيمُوا صفوفَكم - ثلاثًا - واللَّهِ لتقيمُنَّ صفوفَكم أو ليخالفَنَّ اللهُ بينَ قلوبكم. قالَ: فرأيتُ الرجلَ يلزقُ منكبُه بمنكبِ صاحبهِ وكعبَه بكعبهِ". وأخرج أبو داودَ

(7)

عنهُ أيضًا قالَ: "كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

في "السنن"(1/ 434 رقم 667).

(2)

في "السنن"(2/ 92 رقم 815).

(3)

في "الإحسان"(5/ 539 رقم 2166).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(3/ 368 رقم 813)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 100)، وابن خزيمة (3/ 22 رقم 1545)، وأحمد في "المسند"(3/ 260 و 283) وهو حديث صحيح.

(4)

أخرجه البخاري معلقًا (2/ 211 باب 76) ووصله ابن حجر في تغليق التعليق (2/ 302) من طريق الدارقطني (1/ 282 - 283 رقم 1)، ونسبه لأبي داود (1/ 431 رقم 662)، وابن خزيمة من حديث وكيع، عن زكريا به وإسناده حسن. وأصل الحديث دون الزيادة في آخره، من حديث النعمان في "صحيح مسلم"(127/ 436) وغيره من غير هذا الوجه، والله أعلم.

(5)

في "السنن"(رقم 662)، وهو حديث صحيح.

(6)

في (ب): "فقال".

(7)

في "السنن"(1/ 432 رقم 663)، وهو حديث صحيح.

ص: 83

يسوِّينَا في الصفوفِ كما يقوِّم [القداحُ]

(1)

، حتى إذا ظنَّ أن قدْ أخذْنا ذلكَ عنهُ وفقِهْنَا أقبلَ ذاتَ يومٍ بوجههِ إذا رجلٌ منتبذٌ بصدره فقالَ: لتسوُّنَّ صفوفَكم أو ليخالفَنَّ اللهُ بينَ وجوهِكم". وأخرج

(2)

أيضًا من حديثٍ البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنه قالَ: "كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يتخلَّلُ الصفَّ من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ، يمسحُ صدورَنا ومناكبَنا ويقول: لا تختلفُوا فتختلفَ قلوبُكم".

وهذه الأحاديثُ والوعيدُ الذي فيها دالةٌ على وجوب ذلكَ، وهوَ مما تساهل فيهِ الناسُ كما تساهلُوا فيما يفيدُهُ حديثُ أنسٍ عنهُ صلى الله عليه وسلم:"أتمُّوا الصفَّ المقدمَ، ثمَّ الذي يليهِ فما كانَ من نقصٍ فليكنْ في الصفِّ المؤخَّرِ" أخرجهُ أبو داودَ

(3)

، فإنكَ ترى الناسَ في المسجدِ يقومونَ للجماعةِ وهم لا يملأونَ الصفَّ الأولَ لو قامُوا فيهِ، فإذا أقيمتِ الصلاةُ يتفرَّقونَ صفوفًا على اثنينِ، وعلى ثلاثةٍ ونحوهِ. وأخرجَ أبو داودَ

(4)

من حديثٍ جابرٍ بن سمرةَ: "قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ألا تصفُّونَ كما تصفُّ الملائكةُ عندَ ربِّهم، قلنا: وكيفَ تصفُّ الملائكةُ عندَ ربِّهم؟ قالَ: يتمُّونَ الصفوفَ المقدَّمةَ ويتراصُّونَ في الصفِّ".

وقد وردَ في سدِّ الفُرَج في الصفوفِ أحاديثُ؛ كحديثِ ابن عمرَ: "ما منْ خطوةٍ أعظمُ أجرًا من خطوةٍ مشاها الرجلُ في فرجةٍ في الصفِّ فسدَّها"، أخرجهُ الطبراني في الأوسطِ

(5)

، وأخرجَ أيضًا

(6)

فيهِ من حديثٍ عائشةَ قالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سدَّ فرجةً في صفٍّ رفعهُ اللهُ بها درجةً، وبَنَى لَهُ بيتًا في الجنةِ". قالَ الهيثمي: فيهِ مسلمُ بنُ خالدٍ الزنجي، وهو ضعيفٌ وثَّقُهُ ابنُ حبانَ

(7)

.

(1)

في (أ): "القدح". والقدح: خشب السهم إذا بري وأُصلح قبل أن يركب فيه النصل والريش.

(2)

في "السنن"(1/ 432 رقم 664)، وهو حديث صحيح.

(3)

في "السنن"(1/ 435 رقم 671).

قلت: وأخرجه النسائي (2/ 93 رقم 818)، وهو حديث صحيح.

(4)

في "السنن"(1/ 431 رقم 661).

قلت: وأخرجه مسلم (119/ 430)، والنسائي (2/ 92 رقم 816)، وابن ماجه (992).

(5)

كما في "مجمع الزوائد"(2/ 90) وقال الهيثمي: في إسناده ليث بن حماد ضعفه الدارقطني.

(6)

كما في "مجمع الزوائد"(2/ 91).

(7)

في "الثقات"(7/ 448).

ص: 84

وأخرجَ البزارُ

(1)

من حديثٍ أبي جحيفة عنهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سدَّ فرجةً في الصفّ غُفِرَ لهُ"، قال الهيثميُّ

(2)

: إسنادُهُ حسنٌ، ويغني عنهُ:"رصُّوا صفوفَكم" الحديث؛ إذِ الفُرَجُ إنَّما تكونُ من عدمِ رصِّهم الصفوفَ.

‌خير الصفوف في الصلاة

17/ 386 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: خيرُ صفوفِ الرجالِ أولُها) أي: أكثرُها أجرًا، وهوَ الصفُّ الذي تصلِّي الملائكةُ على مَنْ صلَّى فيهِ كما يأتِي، (وشرُّها آخرُها) أقلّها أجرًا، (وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشرُّها أوَّلُها. رواهُ مسلمٌ)، ورواهُ - أيضًا البزارُ

(4)

، والطبرانيُّ في الكبيرِ

(5)

والأوسطِ

(6)

، والأحاديثُ في [فضائل]

(7)

الصفِّ الأولِ واسعةٌ.

أخرج أحمدُ

(8)

- قالَ الهيثمي

(9)

: رجالُه موثقونَ - والطبرانيُّ في الكبير

(10)

(1)

في "كشف الأستار"(1/ 248 رقم 511).

(2)

في "مجمع الزوائد"(2/ 91). وانظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (1/ 322).

(3)

في "صحيحه"(1/ 326 رقم 132/ 440).

قلت: وأخرجه أبو داود (678)، والترمذي (224)، والنسائي (2/ 93 رقم 820)، وابن ماجه (1000)، وأحمد في "المسند"(2/ 247، 340، 367، 485)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 371 رقم 815)، وهو حديث صحيح.

(4)

كما في "كشف الأستار"(1/ 249 رقم 513).

(5)

(11/ 203 رقم 11497).

(6)

(3/ 213 رقم 2446) كلهم من حديث ابن عباس.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 93) وقال: "رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون" اهـ.

(7)

في (أ): "فضل".

(8)

في "المسند"(5/ 262).

(9)

في "المجمع"(2/ 91).

(10)

(8/ 205 رقم 7727).

قلت: وفيه عندهما "فرج بن فضالة" ضعيف. ["التقريب" (2/ 108 رقم 15)].

ص: 85

من حديثٍ أبي أُمامةَ: "قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله وملائكتَه يصلُّونَ على الصفِّ الأولِ، قالُوا: يا رسولَ اللهِ، وعلى الثاني؟ قالَ: وعلى الثاني". وأخرجَ أحمدُ

(1)

والبزارُ

(2)

- قال الهيثميُّ: برجالٍ ثقاتٍ

(3)

- من حديثٍ النعمانِ بن بشيرٍ قالَ: "سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم استغفرَ للصفِّ الأولِ ثلاثًا، وللثانِي مرتينِ، وللثالثِ مرةً". قال الهيثمي

(4)

: فيهِ أيوبُ بنُ عتبةَ ضعَّفَهُ من قِبَلِ حفظِه.

ثم قد ورد في ميمنة الصفّ الأول ومسامَتَةِ الإمام وأفضليتهِ على الأيسرِ أحاديثُ، فأخرجَ الطبرانيُّ في الأوسطِ

(5)

من حديثٍ أبي بردةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنِ استطعتَ أنْ تكونَ خلفَ الإمامِ وإلَّا فعنْ يمينهِ". قال الهيثمي

(6)

: فيهِ مَنْ لم أجدْ لهُ ذكرًا، وأخرجَ أيضًا في الأوسطِ

(7)

والكبيرِ

(8)

من حديثٍ ابن عباسٍ: "عليكمْ بالصفِّ الأولِ، وعليكمْ بالميمنةِ، وإياكمْ والصفَّ بينَ السواري". قالَ الهيثميُّ

(9)

: فيهِ إسماعيلُ بنُ مسلمٍ المكيُّ ضعيفٌ.

واعلمْ أن الأحقَّ بالصفِّ الأوّلِ أُولُو الأحلامِ والنُّهَى، فقد أخرجَ البزارُ

(10)

من حديثٍ عامرِ بن ربيعةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لِيَلِني منكم [أولو]

(11)

الأحلامِ والنُّهى، ثمَّ الذينَ يلونَهم". قالَ الهيثميُّ

(12)

: فيهِ عاصمُ بنُ عبيدِ اللهِ العمري، والأكثرُ على تضعيفهِ. واختُلِفَ في الاحتجاجِ بهِ، وأخرجهُ مسلمٌ

(13)

، والأربعةُ

(14)

من حديثٍ ابن مسعودٍ بزيادةٍ: "ولا تختلفُوا فتختلفَ قلوبُكم، وإياكمْ

(1)

في "المسند"(4/ 269).

(2)

كما في "كشف الأستار"(1/ 247 رقم 508).

(3)

في "مجمع الزوائد"(2/ 91).

(4)

في "مجمع الزوائد"(2/ 92).

(5)

و

(6)

كما في "المجمع"(2/ 92).

(7)

كما في "مجمع البحرين"(66 - 67).

(8)

(11/ 357 رقم 12004).

(9)

في "المجمع"(2/ 92).

(10)

كما في "كشف الأستار"(1/ 246 رقم 505).

(11)

في (ب): "أهل"، ومما في (أ) موافق لما عند البزار.

(12)

في "المجمع"(2/ 94).

(13)

في "صحيحه"(1/ 323 رقم 123/ 432).

(14)

الترمذي (228)، وأبو داود (675) من حديث ابن مسعود، وابن ماجه (976)، والنسائي (2/ 90 رقم 812) من حديث أبي مسعود.

ص: 86

وهيشاتِ

(1)

الأسواقِ"، وفي البابِ أحاديثُ غيرُهُ.

[وفي حديثٍ البابِ]

(2)

دلالةٌ على جوازِ اصطفافِ النساءِ صفوفًا، وظاهرُه سواءٌ كانتْ صلاتُهنَّ مع الرجالِ أو معَ النساءِ، وقد علَّلَ خيريتَهُ [أواخر]

(3)

صفوفهنَّ بأنهنَّ عندَ ذلك يبعدْنَ عن الرجالِ، وعن رؤيتهمْ، وسماع كلامهِم، إلَّا أنَّها علّةٌ لا تتمُّ إلَّا إذا كانت صلاتُهنَّ معَ الرجالِ، وأمّا إذا صلّينَ [وإمامتُهنَّ]

(4)

امرأةٌ [فصفوفهنّ]

(5)

كصفوفِ الرجالِ أفضلُها أوَّلُها.

‌أين يقف المؤتم؟

18/ 387 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

(وعنِ ابن عباسٍ قالَ: صلَّيت معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلةٍ) هي ليلةُ مبيتهِ عندَهُ المعروفةُ، (فقمتُ عن يسارِهِ، فأخذَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي فجعلني عن يمينهِ. متفقٌ عليه)، دلَّ على صحةِ صلاةِ المتنفلِ بالمتنفلِ، وعلى أن موقفَ الواحدِ معَ الإمامِ عن يمينهِ بدليلِ الإدارةِ؛ إذْ لو كانَ اليسارُ موقفًا لهُ لما أدارهُ في الصلاةِ. وإلى هذا ذهبَ الجماهيرُ، وخالفَ النخعي

(7)

فقالَ: إذا كانَ الإمامُ وواحدٌ قامَ الواحدُ خلفَ الإمام، فإنْ ركعَ الإمامُ قبلَ أن يجيءَ أحدٌ قامَ عن يمينهِ. أخرجهُ سعيدُ بنُ منصورٍ

(8)

.

(1)

وهيشات الأسواق: ما يكون فيها من الجلبة وارتفاع الأصوات وما يحدث فيها من الفتن.

وأصله من الهوش وهو الاختلاط. يقال: تهاوَشَ القوم: إذا اختلطوا ودخل بعضهم في بعض، وبينهم تهاوش أي: اختلاط واختلاف. ["معالم السنن" للخطابي (1/ 437)].

(2)

في (أ): "وفيه".

(3)

في (ب): "آخر".

(4)

في (أ): "وأمهن".

(5)

في (ب): "فصفوفها".

(6)

البخاري (859)، ومسلم (763).

قلت: وأخرجه أبو داود (610)، والنسائي (2/ 104 رقم 842)، والترمذي (232).

(7)

انظر: "موسوعة فقه إبراهيم النخعي"(2/ 659).

(8)

وعبد الرزاق في "المصنف"(2/ 410 رقم 3890).

ص: 87

ووُجِّهَ بأنَّ الإمامة مظنّةُ الاجتماع [فاعتبرتْ]

(1)

في موقفِ المأموم حتَّى يظهرَ خلافُ ذلكَ. قيلَ: ويدلُّ على صحةِ صلاةِ مَنْ قامَ عن يسارِ الامامِ؛ لأَنهُ صلى الله عليه وسلم لم يأمرِ ابنَ عباسٍ بالإعادةِ، وفيهِ أنهُ لا يجوزُ أنهُ لم يأمرْهُ، لأنهُ معذورٌ بجهلهِ، أو بأنهُ ما كانَ قد أحرمَ بالصلاةِ، ثمَّ قولُه:"فجعلني عن يمينهِ" ظاهرٌ في أنهُ قامَ مساويًا لهُ، وفي بعضِ ألفاظهِ:"فقمتُ إلى جنبهِ"، وعن بعضِ أصحابِ الشافعي أنهُ يستحبُّ أنْ يقفَ المأمومُ دونَه قليلًا

(2)

، إلَّا أنّهُ قد أخرجَ ابنُ جريجٍ قالَ:"قُلْنَا لعطاءٍ: الرجلُ يصلِّي معَ الرجلِ أينَ يكونُ منهُ؟ قالَ: إلى شقِّهِ، قلتُ: أيحاذيهِ حتَّى يصفَّ معهُ لا يفوتُ أحدُهما الآخرَ، قالَ: نعمْ. قلتُ: بحيثُ أنْ لا يبعدَ حتَّى يكونَ بينَهما فرجةٌ، قالَ: نعمْ"، ومثلُه في الموطأ

(3)

عن عمرَ منْ حديثٍ ابن مسعودٍ أنهُ صفَّ معهُ فقرَّبَهُ حتَّى جعلَه حذاءَه عن يمينِهِ.

19/ 388 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ

(5)

. [صحيح]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: صلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقمتُ ويتيمٌ خلفَهُ)، فيهِ العطفُ على المرفوعِ المتصلِ من دونِ تأكيدٍ ولا فصلٍ

(6)

، وهوَ صحيحٌ على مذهبِ الكوفيينَ، واسمُ اليتيمِ ضميرةُ وهو جدُّ حسينِ بن عبدِ الله بن ضميرةَ، (وأمُّ سليمٍ) هيَ أُمُّ أنس [بن مالكٍ]

(7)

واسمُها: مُلَيْكَةُ مصغَّرًا (خلْفَنَا. متفقٌ عليهِ واللفظُ للبخاريِّ).

دلَّ الحديثُ على صحةِ الجماعةِ في النفلِ، وعلى صحةِ الصلاةِ للتعليم والتبرّك كما تدلُّ عليهِ القصة، وعلى أن مقامَ الاثنينِ خلفَ الإمامِ، وعلى أن الصغيرَ يعتدُّ بوقوفه ويسدُّ الجناحَ، [وهو]

(8)

الظاهر من لفظ اليتيم؛ إذ لا يُتْمَ بعدَ

(1)

في (أ): "واعتبرت".

(2)

ذكر ذلك النووي في "المجموع"(4/ 292) بدون دليل.

(3)

(1/ 154 رقم 32) بإسناد صحيح. من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.

(4)

البخاري (860)، ومسلم (658).

قلت: وأخرجه أبو داود (612)، والترمذي (234)، والنسائي (2/ 85) وغيرهم.

(5)

(2/ 351 رقم 871).

(6)

في نسخة: "قمت أنا

إلخ".

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في (أ): "فهو".

ص: 88

الاحتلامِ، وعلى أن المرأةَ لا تصفُّ مع الرجالِ، وأنَّها تنفردُ في الصفِّ، وأنَّ عدمَ امرأةٍ تنضمُّ إليها عذرٌ في ذلكَ، فإنِ انضمتِ المرأةُ معَ الرجلِ أجزأتْ صلاتُها لأنهُ ليسَ في الحديثِ إلّا تقريرُها على التأخرِ، وأنهُ موقفُها، وليسَ فيه دلالةٌ على فسادِ صلاتِها لو صلَّتْ في غيرهِ، وعندَ الهادويةِ

(1)

أنَّها تفسدُ عليها، وعلى مَنْ خلفَها، وعلَى من في صفِّها إنْ علمُوا، وذهبَ أبو حنيفةَ

(2)

إلى فسادِ صلاهِ الرجلِ دونَ المرأة، ولا دليلَ على الفسادِ في الصورتينِ

(3)

.

‌من وجد الإمام راكعًا فلا يدخل في الصلاة حتى يصل الصف

20/ 389 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:"زَادَكَ اللهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(4)

، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ

(5)

فِيهِ: فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ. [صحيح]

(وعن أبي بكرةَ، أنهُ انتهَى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهوَ راكعٌ، فركعَ قبلَ أن يصلَ إلى الصفِّ، فقالَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: زادَكَ اللهُ حِرْصًا) أيْ: على طلبِ الخيرِ، (ولا تَعُدْ) بفتحِ المثناةِ الفوقية منَ العودِ، (رواهُ البخاريُّ، وزادَ أبو داودَ فيهِ: فركعَ دونَ الصفِّ ثمَّ مشى إلى الصفِّ). الحديثُ يدلُّ على أن مَنْ وجدَ الإمامَ راكعًا فلا يدخلُ في الصلاةِ حتَّى يصلَ الصفَّ لقولهِ صلى الله عليه وسلم: "ولا تعدْ"، وقيلَ: بل يدلُّ على أنهُ يصحُّ منهُ ذلكَ؛ لأنهُ صلى الله عليه وسلم لم يأمرْهُ بالإعادةِ لصلاتهِ، فدلَّ على صحتِها.

قلتُ: لعلَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يأمرْهُ لأنهُ كانَ جاهلًا للحكمِ، والجهلُ عذرٌ.

ورَوَى الطبرانيُّ في الأوسطِ

(6)

من روايةٍ عطاءٍ عن ابن الزبيرِ - قالَ الهيثميُّ

(7)

: رجالُهُ رجالُ الصحيحِ - أنهُ قالَ: "إذا دخلَ أحدُكمُ المسجدَ والناسُ

(1)

انظر: "نيل الأوطار"(3/ 179).

(2)

انظر: "الهداية"(1/ 57).

(3)

وقال ابن حجر في "الفتح"(2/ 212): "وعن الحنفية: تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب

" اهـ.

(4)

في "صحيحه"(2/ 267 رقم 783).

(5)

في "السنن"(1/ 441 رقم 684).

(6)

الأوسط رقم (7016).

(7)

في "المجمع"(2/ 96).

ص: 89

ركوعٌ فليركعْ حينَ يدخلُ، ثمَّ يدبُّ راكعًا حتَّى يدخلَ في الصفَّ فإنَّ ذلك السنةُ"، قالَ عطاءُ: قد رأيتهُ يصنَعُ ذلكَ، قالَ ابنُ جُريجٍ: وقدْ رأيتُ عطاءً يصنعُ ذلكَ. قلتُ: وكأنهُ مبنيٌّ على أن لفظَ: "ولا تعدْ" [بضمِّ المثناة الفوقيةِ منَ الإعادةِ، أي: زادك اللهُ حرصًا على طلب الخيرِ، ولا تُعِدْ صلاتَكَ]

(1)

فإنَّهَا صحيحةٌ. ورُوِيَ بسكونِ العينِ المهملةِ من العدْوِ، وتؤيدُه روايةُ ابن السكنِ

(2)

من حديثٍ أبي بكرةَ بلفظِ: "أقيمتِ الصلاةُ، فانطلقتُ أسعَى حتَّى دخلتُ في الصفِّ، فلمَّا قضى الصلاةَ قال صلى الله عليه وسلم: مَنِ الساعي آنِفًا؟ قالَ أبو بكرةَ: فقلتُ: أَنَا، قالَ صلى الله عليه وسلم: زادَكَ اللهُ حِرصًا ولا تعدْ". والأقربُ [روايةُ]

(3)

أنهُ لا تَعُدْ من العودِ. أي: لا تعدْ ساعيًا إلى الدخول [راكعًا]

(4)

قبل وصولِكَ الصفَّ، فإنهُ ليسَ في الكلامِ ما يشعرُ بفسادِ صلاتِهِ حتَّى يَفْتِيَهُ صلى الله عليه وسلم بأنهُ لا يعيدُها، بل قولهُ: زادكَ اللهُ حرصًا يشعرُ بإجزائِها، أو: لا تعدُ من العدْوِ.

‌لا صلاة لمنفرد خلف الصف

21/ 390 - وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مِعْبَدٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ أنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(5)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(6)

، والترْمِذِيُّ

(7)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(8)

. [صحيح]

(1)

زيادة من (ب).

(2)

كما في "التلخيص الحبير"(1/ 285).

(3)

في (ب): "دراية".

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في "المسند"(4/ 228).

(6)

في "السنن"(1/ 439 رقم 682).

(7)

في "السنن"(1/ 445 رقم 230).

(8)

في "الإحسان"(5/ 576 رقم 2199).

قلت: وأخرجه الطيالسي (ص 166 رقم 1201)، وابن ماجه (1/ 321 رقم 1004)، وابن الجارود رقم (319)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 393)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 104) وغيرهم.

وقد حسّنه الترمذى وأعلّه بعضهم بالاضطراب وهو مرفوع كما بيَّنه ابن حبان في "الإحسان"، وابن حزم في "المحلى"(4/ 52 - 54).

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

ص: 90

‌ترجمة وابصة

(وعن وابصةَ)

(1)

بفتحِ الواوِ، وكسرِ الموحدة، فصادٍ مهملةٍ وهوَ: أبو قِرصافةَ بكسرِ القافِ، وسكونِ الراءِ، فصادٍ مهملةٍ، وبعدَ الألفِ فاءٌ (ابن مِعبدٍ) بكسرِ الميم، وسكونِ العينِ المهملةِ، فدالٍ مهملةٍ، وهوَ ابنُ مالكٍ من بني أسدٍ بن خزيمةَ [الأَنصاري]

(2)

الأسدي. نزلَ وابصةُ الكوفةَ، ثمَّ تحوَّل إلى الحيرةٍ، ومات بالرقةِ (أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلِّي خلفَ الصفَّ وحدَهُ فأمرَهُ أَنْ يعيدَ الصلاةَ. رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والترمذيُّ وحسَّنَهُ، وصحَّحهُ ابنُ حبانَ).

فيه دليلٌ على بطلانِ صلاةِ من صلَّى خلفَ الصفِّ وحدَهُ، وقد قالَ ببطلانِها النخعيُّ

(3)

، وأحمدُ

(4)

. وكانَ الشافعيُّ يضعفُ هذا الحديثَ

(5)

ويقولُ: لو ثبتَ هذا الحديثُ لقلتُ بهِ. قالَ البيهقيُّ: الاختيارُ أنْ يتوقّى ذلكَ لثبوتِ الخبرِ المذكورِ. ومَنْ قالَ بعدمِ بطلانِها استدلَّ بحديثِ أبي بكرةَ، وأنهُ لم يأمرْهُ صلى الله عليه وسلم بالإعادةِ معَ أنهُ أَتَى ببعضِ الصلاة خلفَ الصفِّ منفردًا، قالُوا: فيحملُ الأمرُ بالإعادةِ ههُنا على الندبِ، قيلَ: والأَوْلَى أن يحملَ حديثُ أبي بكرةَ على العذرِ وهوَ خشيةُ الفواتِ معَ انضمامهِ بقدرِ الإمكان، وهذا لغيرِ عذرٍ في جميعِ الصلاةِ.

قلت: وأحسنُ منهُ أنْ يقالَ: هذا لا يعارضُ حديثَ أبي بكرةَ بل يوافقُهُ، وإنَّما لم يأمرْ صلى الله عليه وسلم أبا بكرةَ بالإعادةِ لأنهُ كانَ معذورًا بجهلهِ، وبحملُ أمرهُ بالإعادةِ لِمَنْ صلَّى خلفَ الصفِّ بأنهُ كانَ عالمًا بالحكمِ، ويدلُّ على البطلانِ أيضًا ما تضمنهُ قولُهُ:

22/ 391 - وَلَهُ

(6)

عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: "لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ". [صحيح]

(1)

انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(5/ 427 رقم 5421)، و"الإصابة"(3/ 626 رقم 9085)، و"الاستيعاب"(3/ 641 - 642).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

انظر: "موسوعة فقه إبراهيم النخعي"(2/ 659).

(4)

انظر: "المغني"(2/ 64 - 65).

(5)

انظر: "معرفة السنن والآثار"(4/ 184)، و"المجموع"(4/ 298).

(6)

أي: لابن حبان في "الإحسان"(5/ 580 رقم 2203) بإسناد صحيح.

قلت: وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(5/ 551)، وأحمد (4/ 23)، والطحاوي في =

ص: 91

وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ

(1)

فِي حَدِيثِ وَابِصَةَ: "أَلَا دَخَلْتَ مَعَهُمْ أَوْ اجْتَرَرْتَ رَجُلًا؟ ". [حسن لغيره]

(ولهُ) أي: لابنِ حبانَ (عن طلقِ بن عليٍّ)[الذي سلفَ ذكرُه]

(2)

إلَّا صلاةَ لمنفردٍ خلفَ الصفِّ)؛ فإنَّ النفيَ ظاهرٌ في نفي الصحةِ. (وزادَ الطبرانيُّ) في حديثِ وابصةَ (ألَا دخلْتَ) أيُّها المصلِّي منفردًا عن الصفِّ [(معهُم) أي: في الصفِّ]

(3)

، (أو اجتررتَ رجلًا)، أي: منَ الصفِّ [فينضمُّ]

(4)

إليكَ، وتمامُ حديثٍ الطبرانيِّ:"إنْ ضاقَ بكَ المكانُ أعدْ صلاتَكَ، فإنهُ لا صلاةَ لكَ"، وهوَ في مجمعِ الزوائدِ

(5)

من روايةٍ ابن عباسٍ: "إذا انتهَى أحدُكم إلى الصفِّ وقدْ تمَّ، فليجذبْ إليهِ رجلًا يقيمُهُ إلى جنبهِ". [وقال]

(6)

: رواهُ الطبرانيُّ في الأوسطِ

(7)

، وقالَ: لا يُروَى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا بهذا الإسنادِ، وفيهِ السريُّ بنُ إبراهيمَ، وهوَ ضعيفٌ جدًّا.

ويظهرُ من كلامِ مجمع الزوائدِ أن في حديثٍ وابصةَ السريَّ بن إسماعيلَ وهوَ ضعيفٌ، والشارحُ ذكرَ أَنَّ السريَّ في روايةٍ الطبرانيِّ التي فيها الزيادةُ، إلَّا أنهُ قد أخرجَ أبو داودَ في المراسيلِ

(8)

من روايةٍ مقاتلِ بن حبَّانَ مرفوعًا: "إنْ جاءَ

= "شرح معاني الآثار"(1/ 394)، وابن ماجه (1003)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 105)، وابن أبي شيبة (2/ 193)، وابن خزيمة (3/ 30 رقم 1569)، وهو حديث صحيح.

وقال الشيخ شعيب عن هذا الحديث: وهو شاهد قوي لحديث وابصة بن معبد.

(1)

لم يعزه الهيثمي في "المجمع"(2/ 96) للطبراني، بل عزاه لأبي يعلى.

وقد أخرجه أبو يعلى في "المسند"(3/ 163 رقم 4/ 1589) بإسناد ضعيف.

وقال الهيثمي: وفيه السري بن إسماعيل وهو ضعيف.

قلت: والحديث حسن لغيره. انظر: رقم (21/ 390).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في (أ): "وينضم".

(5)

(2/ 96).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

رقم (7764).

(8)

(ص 116 رقم 83).

وأورده البيهقيُّ في "سننه"(3/ 105) عن أبي داود.

وروى البيهقيُّ (3/ 105) من حديث وابصة، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا صلَّى خلف الصفوف وحده، فقال:"أيها المصلِّي وحده، ألا وصلتَ إلى الصفِّ، أو جررتَ إليكَ رجلًا، فقام معك، أعِدِ الصلاة"، وفي سنده السري بن إسماعيل، وهو ضعيف.

ص: 92

أحدكُم فلم يجدْ موضعًا فَلْيَخْتَلِجْ إليهِ رجلًا من الصفِّ فليقمْ معهُ، فما أعظمَ أجرَ المختلَجِ"

(1)

، وأخرج الطبرانيُّ في الأوسطِ

(2)

من حديثٍ ابن عباسٍ: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ الآتي وقد تمَّتِ الصفوفُ بأنْ يجتذبَ إليهِ رجلًا يقيمهُ إلى جنبهِ"، وإسنادُه، واهٍ

(3)

.

‌المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار

23/ 392 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيكُمُ السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَما فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيّ. [صحيح]

(وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: إذا سمعتمُ الإقامة) أي: الصلاةَ (فامشُوا إلى الصلاةِ وعليكمُ السكينةُ). قالَ النوويُّ

(5)

: السكينةُ: التأنّي في الحركاتِ واجتنابُ العبثِ، (والوقار): في الهيئةِ كغضِّ الطرفِ، وخفضِ الصوتِ، وعدمِ الالتفاتِ، وقيلَ: معناهُما واحدٌ، وذكرَ الثاني تأكيدًا، وقد نبَّهَ في روايةٍ مسلمٍ

(6)

على الحكمةِ في شرعيةِ هذا الأدبِ بقولهِ في آخرِ حديثٍ أبي هريرةَ هذا: "فإن أحدكم إذا كان يَعْمِدُ إلى الصلاةِ فإنهُ في صلاةٍ"، أي: فإنهُ في حكم المصلِّي، فينبغي اعتمادُ ما ينبغي للمصلِّي اعتمادُهُ، واجتنابُ ما ينبغي لهُ اجتنابُهُ.

(ولا تسرعُوا فما أدركتمْ) منَ الصلاةِ معَ الإمامِ (فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا. متفقٌ عليه، واللفظُ للبخاريِّ). فيهِ الأمرَ بالوقارِ، وعدمْ الإسراعِ في الإتيانِ إلى الصلاةِ، وذلكَ لتكثيرِ الخُطا فينالُ فضيلةَ ذلكَ؛ فقدْ ثبتَ عندَ مسلمٍ

(7)

من حديثِ

(1)

خَلَجَ: جَذَبَ. ["القاموس المحيط" (ص 239)].

(2)

رقم (7764).

(3)

قال أبو بكر بن المنذر (4/ 184): "صلاة الفرد خلف الصف باطل، لثبوت خبر وابصة، وخبر علي بن الجعد بن شيبان" اهـ.

(4)

البخاري (636)، ومسلم (151/ 602).

قلت: وأخرجه أبو داود (572)، والترمذي (327)، والنسائي (2/ 114 - 115 رقم 861)، وابن ماجه (775).

(5)

في "شرح صحيح مسلم"(5/ 100).

(6)

في "صحيحه"(1/ 421 رقم 152/ 602).

(7)

في "صحيحه"(1/ 461 رقم 279/ 664).

ص: 93

جابرٍ: "إنَّ بكلِّ خطوةٍ يخطوهَا [المصلّي]

(1)

إلى الصلاةِ درجةً"، وعندَ أبي داودَ

(2)

مرفوعًا: "إذا توضأ أحدُكم فأحسنَ الوضوءَ، ثمَّ خرجَ إلى المسجدِ لمْ يرفعْ قدمَهُ اليمنى إلَّا كتبَ اللهُ لهُ حسنةً، ولم يضعْ قدمَهُ اليُسرى إلَّا حطَّ اللهُ عنهُ سيئةً، فإذا أتى المسجدَ فصلَّى في جماعةٍ غفرَ لهُ، فإن جاءَ وقد صلُّوا بعضًا وبقي بعضٌ، فصلَّى ما أدركَ وأتمَّ ما بقيَ كانَ كذلكَ، وإنْ أتَى المسجدَ وقد صلُّوا كانَ كذلكَ".

وقولُهُ: "فما أدركتم فصلُّوا" جوابُ شرطٍ محذوفٍ، أي: إذا فعلتم ما أُمرتمْ به من ترك الإسراعِ ونحوه فما أدركتم فصَلُّوا، وفيهِ دلالةٌ على أن فضيلةَ الجماعةِ يدركُها ولو دخلَ معَ الإمام في أي جزءٍ من أجزاءِ الصلاةِ، ولو دونَ ركعةٍ، وهوَ قولُ الجمهورِ، وذهبَ آخَرونَ إلى أنهُ لا يصيرُ مدركًا لها إلَّا بإدراكِ ركعةٍ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أدركَ ركعةً منَ الصلاةِ فقد أدركَها". وسيأتي في الجمعةِ

(3)

اشتراطُ إدراكِ ركعةٍ، ويقاسُ عليها غيرُها، وأجيبَ بأنَّ ذلكَ في الأوقاتِ لا في الجماعة، وبأنَّ الجمعةَ مخصوصةٌ فلا يقاسُ عليها، واستدلَّ بحديثِ البابِ على صحةِ الدخولِ معَ الإمامِ في أي حالةِ أدركهُ عليها. وقد أخرجَ ابنُ أبي شيبةَ

(4)

مرفوعًا: "مَن وجدني راكعًا أو قائمًا أو ساجدًا فليكنْ معي على حالتي التي أنا عليها".

قلتُ: وليسَ فيهِ دلالةٌ على اعتدادِه بما أدركهُ معَ الإمام، ولا على إحرامهِ في أي حالةٍ أدركهُ عليها، بل فيهِ الأمرُ بالكونِ معهُ، وقد أَخرجَ الطبرانيُّ في الكبيرِ

(5)

برجالٍ موثقينَ - كما قالَ الهيثميُّ

(6)

- عن عليٍّ وابنِ مسعودٍ قالا: "مَنْ لم يدركِ الركعةَ فلا يَعْتَدَّ بالسجدةِ"، وأخرجَ أيضًا في الكبيرِ

(7)

- قالَ الهيثميُّ

(8)

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في "السنن"(1/ 380 رقم 563)، وهو حديث صحيح.

(3)

رقم الحديث (5/ 418).

(4)

في "المصنف"(1/ 253) عن رجل من أهل المدينة.

وذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 118).

(5)

كما في "مجمع الزوائد"(2/ 76).

(6)

في "مجمع الزوائد"(2/ 76).

(7)

كما في "المجمع"(2/ 77).

(8)

في "المجمع"(2/ 77).

ص: 94

[أيضًا]

(1)

: برجالٍ موثقينَ - من حديثٍ زيدِ بن وهبٍ قال: "دخلتُ أنا وابنُ مسعودٍ المسجدَ والإمامُ راكعٌ فركعْنَا ثمَّ مشينا حتَّى استوَيْنَا بالصفِّ، فلما فرغَ الإمامُ قمتُ أقضي فقالَ: قدْ أدركتَهُ" وهذهِ آثارٌ موقوفةٌ، وفي الآخرِ دليلٌ على ما ذهبَ إليهِ ابنُ الزبيرِ وقد تقدَّمَ.

ووردَ في بعضِ الرواياتِ حديثُ البابِ بلفظِ: "فاقضُوا"

(2)

عوضَ أتمُّوا، والقضاءُ يطلقُ على أداءِ الشيءِ فهوَ في معنَى أتمُّوا فلا مغايرةَ. ثمَّ قدِ اختلَفَ العلماءُ فيما يدركهُ اللاحقُ معَ إمامهِ هل هي أولُ صلاتهِ أو آخرُها، والحقُّ أنَّها أولُها، وقد حقَّقناهُ في حواشي "ضوء النهارِ"

(3)

.

واختُلِفَ فيما إذا أدركَ الإمامَ راكعًا فركعَ معهُ هل تسقطُ قراءةُ تلكَ الركعةِ عندَ مَنْ أوجبَ الفاتحةَ [في كل ركعة]

(4)

، فيعتدُّ بها، أوْ لا تسقطُ فلا يعتدُّ بها، [قيلَ]

(5)

: يعتدُّ بها لأنهُ قد أدركَ الإمامَ قبلَ أنْ يقيمَ صُلْبَهُ، وقيلَ: لا يعتدُّ بها [لأنها]

(6)

فاتَتْهُ الفاتحةُ. وقد بسطْنا القولَ [في ذلك]

(7)

في مسألةٍ مستقلةٍ [ورجحَ عندنا]

(8)

الإجزاءُ، ومن أدلَّتهِ حديثُ أبي بكرة

(9)

حيثُ ركعَ وهم ركوعٌ ثمَّ أقرَّهُ صلى الله عليه وسلم على ذلكَ، وإنما نهاهُ عن العودةِ إلى الدخولِ قبلَ الانتهاءِ إلى الصفِّ كما عرفتَ.

‌الندب إلى صلاة الجماعة

24/ 393 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلاتُهُ مَعَ الرَّجُلَينِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ

(1)

زيادة من (أ).

(2)

أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 270)، وأبو داود (573)، والنسائي (2/ 114) من حديث أبي هريرة، وهو حديث صحيح.

(3)

وهي "منحة الغفار على ضوء النهار"(2/ 37 - 38).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في (ب): "فقيل".

(6)

في (أ): "لأنه".

(7)

زيادة من (أ).

(8)

في (أ): "ورجحنا".

(9)

رقم الحديث (20/ 389).

ص: 95

مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عز وجل"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

وَالنَّسَائِي

(2)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(3)

. [حسن]

(وعن أبي بن كعبٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: صلاةُ الرجلِ معَ الرجلِ أزكَى من صلاتهِ وحدَهُ)، أي: أكثرُ أجرًا من صلاتهِ منفردًا، (وصلاتُه معَ الرجلينِ أزكَى من صلاتهِ معَ الرجلِ، وما كانَ أكثرَ فهوَ أحبُّ إلى اللهِ تعالى. رواهُ أبو داودَ، والنسائيُّ، وصحَّحهُ ابنُ حبانَ).

وأخرجه ابنُ ماجَهْ

(4)

، وصحَّحهُ ابنُ السكنِ

(5)

، والعقيليُّ

(6)

، والحاكمُ

(7)

، وذكرَ الاختلافَ فيهِ، وأخرجهُ البزارُ

(8)

، والطبرانيُّ

(9)

بلفظِ: "صلاةُ الرجلينِ يؤمُّ أحدُهما صاحبَهُ أزكَى عندَ اللهِ من صلاةِ مائةِ [ركعة]

(10)

تَتْرَى".

(1)

في "السنن"(1/ 375 رقم 554).

(2)

في "السنن"(2/ 104 رقم 843).

(3)

في "الإحسان"(5/ 405 رقم 2056).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (554)، والدارمي (1/ 291)، وابن خزيمة (2/ 367 رقم 1477)، والحاكم (1/ 247 - 248)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 67 و 68 و 61)، وأحمد (5/ 140)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 523 رقم 2004) من طرق، وقال ابن حجر في "التلخيص" (2/ 26 رقم 554): "وصحَّحه ابن السكن والعقيلي والحاكم وذكر الاختلاف فيه وبسط ذلك، وقال النووي: أشار علي بن المديني إلى صحَّته. وعبد الله بن أبي بصير قيل: لا يعرف لأنه ما روى عنه غير أبي إسحاق السبيعي. - قلت: لم يوثقه إلا ابن حبان (5/ 15)، والعجلي (ص 251) - لكن أخرجه الحاكم من رواية العيزار بن حريث عنه فارتفعت جهالة عينه، وأورد له الحاكم شاهدًا من حديث قباث بن أشيم، وفي إسناده نظر

" اهـ.

والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(4)

في "السنن"(1/ 259 رقم 790) مختصرًا.

(5)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(2/ 26 رقم 554).

(6)

في "الضعفاء"(2/ 116).

(7)

في "المستدرك"(1/ 249).

(8)

في "كشف الأستار"(1/ 227 - 228 رقم 461).

(9)

في "المعجم الكبير"(19/ 36 رقم 74).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 39) وقال: رجال الطبراني موثقون. وقد حسَّن الألباني الحديث في "صحيح الجامع" رقم (3836).

(10)

زيادة من (أ).

ص: 96

وفيهِ [دلالةٌ]

(1)

على أن أقلَّ صلاةِ الجماعةِ إمامٌ ومأمومٌ، ويوافقهُ ما أخرجهُ ابنُ ماجَهْ

(2)

من حديث أبي موسى: "اثنان فما فوقَهما جماعةٌ"، ورواه البيهقيُّ

(3)

أيضًا من حديثٍ أنسٍ، وفيهمَا ضعفٌ.

وبوَّبَ البخاريُّ: (بابُ اثنانِ فما فوقَهما جماعةٌ)

(4)

، واستدلَّ بحديثِ مالكِ بن الحويرثِ

(5)

: "إذا حضرتِ الصلاةُ فأذِّنا، ثمَّ أقيما، ثم ليؤمَّكُما أكبرُكما"، وقد رَوَى أحمدُ

(6)

من حديثٍ أبي سعيدٍ: "أنهُ دخلَ رجلٌ المسجدَ وقد صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأصحابهِ الظهرَ، فقالَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما حبسكَ يا فلانُ عن الصلاةِ، فذكرَ شيئًا اعتلَّ بهِ، قالَ: فقامَ يصلِّي، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ألا رجلٌ يتصدّقُ على هذَا فيصلِّي معهُ، فقامَ رجلٌ معهُ". قالَ الهيثميُّ

(7)

: رجالُه رجالُ الصحيحِ.

‌تؤمُّ المرأة أهل دارها

25/ 394 - وَعَنْ أُمِّ وَرَقَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(8)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(9)

. [حسن]

(1)

في (أ): "دليل".

(2)

في "السنن"(1/ 312 رقم 972).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 331 رقم 352/ 972): "هذا إسناد ضعيف لضعف الربيع ووالده بدر بن عمرو

" اهـ.

وهو حديث ضعيف، وانظر:"الإرواء" رقم (489).

(3)

في "السنن الكبرى"(3/ 69)، وهو حديث ضعيف.

(4)

في "الفتح"(2/ 142 رقم الباب 35).

(5)

أخرجه البخاري (658)، ومسلم (293/ 674)، وأبو داود (589)، والنسائي (2/ 77 رقم 781)، وابن ماجه (979) وغيرهم.

(6)

في "المسند"(3/ 85).

(7)

في "مجمع الزوائد"(2/ 45).

(8)

في "السنن"(1/ 397 رقم 592).

(9)

في "صحيحه"(3/ 89 رقم 1676)، وإسناده حسن.

قلت: وأخرجه البيهقيُّ في "السنن الكبرى"(3/ 130)، وفي "معرفة السنن والآثار"(4/ 230 رقم 5972).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

ص: 97

‌ترجمة أم ورقة

(وعن أمِّ ورقةَ)

(1)

بفتحِ الواوِ والراءِ والقافِ، هي أمُّ ورقةَ بنتُ نوفلٍ الأنصاريةِ، وقيلَ: بنتُ عبدِ اللهِ بن الحرثِ بن عويمرٍ، كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يزورُها ويسمِّيها الشهيدةَ، وكانت قدْ جمعتِ القرآنَ وكانت تؤمُّ أهلَ دارِها، ولما غَزَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بدرًا قالتْ: يا رسولَ اللهِ ائذنْ لي في الغزوِ معكَ، الحديث. وأمرَها أنْ تؤمَّ أهلَ دارِها وجعلَ لها مؤذنًا يؤذنُ، وكانَ لها غلام وجاريةٌ فدبَّرتْهما، وفي الحديثِ أن الغلامَ والجاريةَ قاما إليها في الليلِ فغمَّاها بقطيفةٍ لها حتَّى ماتتْ وذهبا، فأصبحَ عمرُ فقامَ في الناسِ، فقالَ من عندَهُ من علمِ هذينِ أو مَنْ رآهما فليجئْ بهما فوُجِدا فأمرَ بهما فصلبهُما، وكانَا أولَ مصلوبٍ بالمدينةِ.

(أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَها أنْ تؤمَّ أهلَ دارِها. رواهُ أبو داودَ، وصحَّحه ابنُ خزيمةَ). والحديثُ دليلٌ على صحَّةِ إمامةِ المرأةِ أهل دارِها وإنْ كانَ فيهمُ الرجلُ، فإنهُ كانَ لها مؤذنٌ وكانَ شيخًا كما في الروايةِ، والظاهرُ أنها كانت تؤمُّهُ وغلامَها، وجاريتها، وذهبَ إلى صحته أبو ثورٍ، والمزني، والطبريُّ، وخالفَ في ذلكَ الجماهيرُ

(2)

.

وأما إمامةُ الرجلِ النساءَ فقط، فقد رَوَى عبدُ اللهِ بن أحمدَ من حديثٍ أُبيِّ بن كعبٍ:"أنهُ جاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ اللهِ، عملتُ الليلةَ عملًا، قالَ: ما هوَ؟ قالَ: نسوةٌ معي في الدارِ قُلْنَ إنكَ تقرأُ ولا نقرأُ، فصلِّ بنا فصليتُ ثمانيًا والوتر، فسكتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قالَ: فرأينا أن سكوتَهُ رضًا"، قالَ الهيثميُّ

(3)

في إسنادهِ مَنْ لم يسمَّ. قال

(4)

: ورواهُ أبو يَعْلَى

(5)

، والطبرانيُّ في الأوسطِ وإسنادهُ حسنٌ.

(1)

انظر ترجمتها في: "أسد الغابة"(7/ 408 رقم 7618)، و"الإصابة"(4/ 505 رقم 1542).

(2)

انظر: "المجموع"(4/ 254).

(3)

في "مجمع الزوائد"(2/ 74).

(4)

أي: الهيثمي في "المجمع"(2/ 74).

(5)

في "المسند"(3/ 336 رقم 34/ 1801)، بإسناد ضعيف.

ص: 98

‌تصح إمامة الأعمى

26/ 395 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، يَؤُمُّ النَّاسَ وَهُوَ أَعْمَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(2)

. [صحيح]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم استخلفَ ابنَ أمِّ مكتومٍ) وتقدَّمَ اسمُه في الأذانِ (يؤمُّ الناسَ وهوَ أعمَى. رواة أحمدُ وأبو داودَ)، في روايةٍ لأبي داودَ

(3)

: أنهُ استخلفهُ مرتينِ، وهوَ في الأوسطِ للطبراني

(4)

من حديثٍ عائشةَ: "استخلفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنَ أمِّ مكتومٍ على المدينةِ مرتينِ يؤمُّ الناسَ"، والمرادُ استخلافُه في الصلاةِ وغيرِها، وقد أَخرجَهُ الطبرانيُّ (4) بلفظِ: في الصلاةِ وغيرها، وإسنادُه حسنٌ. وقد عُدَّتْ مرَّاتُ الاستخلافِ لهُ فبلغتْ ثلاثَ عشرةَ مرةً، [ذكرهُ]

(5)

في الخلاصةِ. والحديثُ دليلٌ على صحةِ إمامةِ الأعمى [من دون]

(6)

كراهةٍ في ذلكَ.

27/ 396 - وَنَحْوُهُ لابْنِ حِبَّانَ

(7)

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. [إسناده صحيح]

(ونحوهُ) أي: نحوَ حديثٍ أنسٍ (لابنِ حبانَ عن عائشة) تقدمَ أنهُ أخرجهُ الطبراني في الأوسطِ

(8)

.

(1)

في "المسند"(3/ 192).

(2)

في "السنن"(1/ 398 رقم 595).

قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" رقم (310)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 88) كلهم من طريق عمران القطان، ثنا قتادة، عن أنس

قلت: وعمران هو ابن داور القطان، صدوق له أوهام ومخالفات وقتادة مدلس.

["التهذيب" (8/ 115 رقم 226)، و"التقريب" (2/ 83)].

ولكن للحديث شاهد عن عائشة أخرجه ابن حبان في "الإحسان"(5/ 506 رقم 2134) بإسناد صحيح.

والخلاصة: أن حديث أنس صحيح، والله أعلم.

(3)

في "السنن"(3/ 344 رقم 2931) وهو حديث صحيح.

(4)

كما في "المجمع"(2/ 65) وقال الهيثمي: "رواه أبو يعلى - (5/ 422 رقم 3110)، والطبراني في "الأوسط"، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح".

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في (ب): "من غير".

(7)

في "الإحسان"(5/ 506 رقم 2134) بإسناد صحيح وقد تقدم آنفًا.

(8)

كما في "المجمع"(2/ 65) وقد تقدم آنفًا.

ص: 99

28/ 397 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَصَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ

(1)

بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]

(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: صلُّوا على مَنْ قالَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ)، أي: صلاةَ الجنازةِ، (وصلُّوا خلفَ مَنْ قالَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ. رواهُ الدارقطنيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ).

قالَ في البدرِ المنيرِ

(2)

: هذا الحديثُ من جميع طُرُقِهِ لا يثبتُ. وهوَ دليلٌ على أنهُ يُصَلَّى على مَنْ قالَ كلمةَ الشهادةِ وإنْ لم يأَتِ بالواجباتِ، وذهبَ إلى هذا زيدُ بنُ عليٍّ، وأحمدُ بنُ عيسى، وذهبَ إليهِ أبو حنيفة إلَّا أنهُ استثنَى قاطعَ الطريقِ والباغي

(3)

، وللشافعيِّ أقوالٌ في قاطعِ الطريقِ إذا صُلِبَ، والأصلُ أن مَنْ قالَ كلمةَ الشهادة فلهُ ما للمسلمينَ، ومنهُ صلاةُ الجنازةِ عليه، ويدلُّ لهُ حديثُ:"الذي قتلَ نفسهُ بمشاقصَ فقالَ صلى الله عليه وسلم: أمَّا أنا فلا أصلِّي عليه، ولم ينههم عن الصلاةِ عليهِ"

(4)

. ولأنَّ عموم شرعيةِ صلاةِ الجنازةِ لا يخصُّ منهُ أحدٌ من أهلِ كلمةِ الشهادةِ إلَّا بدليلٍ.

(1)

في "السنن"(2/ 56 رقم 3، 4، 5).

ويوجد في رقم (3): عثمان بن عبد الرحمن كذاب، قاله يحيى بن معين.

وفي رقم (4): أبو الوليد المخزومي وهو خالد بن إسماعيل، قال عنه ابن عدي: متهم بالكذب.

وفي رقم (5): محمد بن الفضل، قال عنه النسائيُّ: متروك، وقال ابن معين: كان كذابًا.

قلت: الحديث ضعيف بجميع طرقه التي ذكرت وغيرها. انظر كتابنا: "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الصلاة.

(2)

"مختصر البدر المنير"(ص 81 رقم 474)، و"التلخيص الحبير"(2/ 35).

(3)

"الروض النضير"(2/ 497).

(4)

أخرجه مسلم (107/ 97)، والنسائي (4/ 66 رقم 1964)، والترمذي (1068)، وابن ماجه (1526)، والحاكم (1/ 364)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 19)، والطيالسي رقم (779)، وأحمد (5/ 87 و 91 و 92 و 94 و 96 - 97 و 102 و 107).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: يصلّي على كل من صلّى للقبلة، وعلى قاتل النفس، وهو قول سفيان والثوري وإسحاق.

وقال أحمد: "لا يصلّي الإمام على قاتل النفس، ويصلي عليه غير الإمام".

ص: 100

[فأما]

(1)

الصلاةُ خلفَ مَنْ قالَ: لا إله إلَّا اللهُ، فقد قدَّمْنَا الكلامَ في ذلكَ، وأنهُ لا دليلَ على اشتراطِ العدالةِ، وأنَّ مَنْ صحَّتْ صلاتهُ صحَّتْ إمامتُهُ.

‌يأتم المصلي في أي جزء أدرك الإمام فيه

29/ 398 - وَعَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الصَّلاةَ وَالإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [صحيح]

(وعن عليٍّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: إذا أتَى أحدُكم الصلاةَ والإمامُ على حالٍ، فليصنعْ كما يصنعُ الإمام. رواهُ الترمذيُّ بإسنادٍ ضعيف).

أخرجهُ الترمذيُّ من حديثٍ عليٍّ ومعاذٍ، وفيهِ ضعفٌ وانقطاعٌ، وقالَ: لا نعلمُ أحدًا أسندَهُ إِلَّا مِنْ هذا الوجهِ، وقدْ أخرجهُ أبو داودَ

(3)

من حديثٍ عبدِ الرحمنِ بن أبي ليلى، قالَ: حدَّثَنا أصحابُنا -[وفيه أن معاذًا قال]

(4)

الحديثَ، وفيهِ أن معاذًا قالَ:"لا أراهُ على حالٍ إلَّا كنتُ عليها"، وبهذا يندفعُ الانقطاعُ، إذِ الظاهرُ أن الراويَ لعبدِ الرحمنِ غيرُ معاذٍ بل جماعةٌ منَ الصحابةِ، والانقطاعُ إنَّما ادُّعِيَ بينَ عبدِ الرحمنِ ومعاذٍ، قالُوا: لأنَّ عبدَ الرحمنِ لم يسمعْ

(1)

في (ب): "وأما".

(2)

في "السنن"(2/ 485 رقم 591) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعلم أحدًا أسندَهُ إلّا ما روي من هذا الوجه" اهـ.

وقال الحافظ في "التلخيص الحبير"(2/ 42): "وفيه ضعف وانقطاع"، ويريد بالضعف الإشارة إلى تضعيف حجاج بن أرطأة، وهو عندنا ثقة إلّا أنه يدلس، ولم يصرِّح بالسماع هنا. ويشير بالانقطاع إلى أن ابن أبي ليلى لم يسمع من معاذ، ولكن له شاهد من حديثه - أيضًا - عند أبي داود (506) يقول فيه ابن أبي ليلى:"حدثنا أصحابنا" ثم ذكر الحديث وفيه: "فقال معاذ: لا أراه على حال إلّا كنت عليها. قال: فقال: إن معاذًا قد سنّ لكم سنة، كذلك فافعلوا"، وهذا متّصل؛ لأن المراد بأصحابه الصحابة، كما صرَّح بذلك في رواية ابن أبي شيبة:"حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم " اهـ. من كلام الشيخ أحمد شاكر على الترمذي.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، وانظر:"الصحيحة" للألباني رقم (1188).

(3)

في "السنن" رقم (506) كما تقدم.

(4)

زيادة من (ب).

ص: 101

من معاذٍ، وقد سمعَ من غيرهِ من الصحابةِ. وقالَ هنَا:"أصحابُنا"، والمرادُ بهِ الصحابةِ رضي الله عنهم.

وفي الحديثِ دلالةٌ على أنهُ يجبُ على مَنْ لحقَ [بالإمامِ]

(1)

أن ينضمَّ إليهِ في أيِّ جزءٍ كانَ من أجزاءِ الصلاةِ، فإذا كانَ الإمامُ قائمًا أو راكعًا، فإنّهُ يَعْتَدُّ بما أدركهُ معهُ كما سلفَ، [فإذَا]

(2)

كانَ قاعِدًا أو ساجدًا [فقعد]

(3)

بقعودِهِ وسجدَ بسجودِهِ ولا يعتدُّ بذلكَ، وتقدمَ ما يؤيُّدهُ من حديث ابن أبي شيبةَ

(4)

: "مَنْ وجدني قائمًا أو راكعًا أوْ ساجدًا فليكنْ معي على حالتي التي أنا عليها"، وأخرجَ ابنُ خزيمةَ

(5)

مرفوعًا عن أبي هريرةَ: "إذا جئتمْ ولحنُ سجودٌ فاسجدُوا، ولا تعدُّوها شيئًا ومن أدركَ الركعةَ فقد أدركَ الصلاةَ"، وأخرجَ

(6)

أيضًا فيهِ مرفوعًا عن أبي هريرةَ: "مَن أدركَ ركعةً منَ الصلاةِ قبلَ أن يقيمَ الإمامُ صُلْبَهُ [من الركوع]

(7)

فقدْ أدركَها". وترجمَ لهُ (بابُ

(8)

ذكرِ الوقتِ الذي يكونُ فيه المأموم مدرِكًا للركعةِ إذا ركعَ إمامُهُ).

وقولُهُ: "فليصنعْ كما يصنعُ الإمامُ" ليسَ صريحًا أنهُ يدخلُ معهُ بتكبيرةِ الإحرامِ بل ينضمُّ إليهِ إمَّا بها إذا كانَ قائمًا أو راكعًا فيكبرُ اللاحقُ من قيامٍ ثمَّ يركعُ، أوْ بالكونِ معهُ فقطْ ومتَى قامَ كبَّرَ للإحرام وغايتُه أنهُ يحتملُ ذلكَ إلَّا أن شرعيةَ تكبيرةِ الإحرامِ حالَ القيامِ للمنفردِ والإمامِ يقضي أنْ لا تجزئَ إلَّا كذلكَ، وذلكَ أصرحُ من دخولِها بالاحتمالِ، واللهُ أعلمُ.

(1)

في (أ): "الإمام".

(2)

في (أ): "فإن".

(3)

في (أ): "قعد".

(4)

في "المصنف"(1/ 253) عن رجل من أهل المدينة، وذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 118).

(5)

في "صحيحه"(3/ 57 - 58 رقم 1622)، وذكره الحافظ في "التلخيص الحبير"(2/ 42) رواية ابن خزيمة.

وقال الشيخ ناصر الدين (3/ 57): "وصحَّحه الحاكم والذهبي، وهو حديث حسن كما حققته في "صحيح أبي داود" (832) ".

(6)

في "صحيحه"(3/ 45 رقم 1595)، وذكره الحافظ في "التلخيص الحبير"(2/ 41).

وقال الشيخ ناصر الدين (3/ 45): "إسناده ضعيف لسوء حفظ قرَّة، لكن الحديث له طريق أخرى وشواهد"، كما حققته في "صحيح أبي داود"(832)، و"الإرواء"(489).

(7)

زيادة من (أ).

(8)

في "صحيحه" رقم (102).

ص: 102

‌أعذار التخلف عن الجماعة

(فائدةٌ) في الأعذارِ في تركِ الجماعةِ: أخرجَ الشيخانِ

(1)

عن ابن عمرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أنهُ كانَ يأمرُ المنادي ينادي، فينادي: صلُّوا في رحالِكم في الليلةِ الباردةِ، وفي الليلةِ [المطيرةِ]

(2)

في السفرِ"، وعن جابرٍ: "خرجْنَا معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فَمُطِرْنَا فقالَ: ليصلِّ مَنْ شاءَ منكم في رَحلهِ" رواهُ مسلمٌ

(3)

، وأبو داودَ

(4)

، والترمذيُّ

(5)

، وصحَّحهُ، وأخرجهُ الشيخانِ

(6)

عن ابن عباسٍ: "أنهُ قالَ لمؤذِّنهِ في يومٍ مطيرٍ: إذا قلتَ أشهدُ أن محمدًا رسولُ اللهِ فلا تقلْ حيَّ على الصلاةِ قلْ: صلُّوا في بيوتكمِ. قالَ: فكأنَّ الناسَ استنكَرُوا ذلكَ، فقالَ: أتعجبونَ من ذَا فقد فعلَ ذَا مَنْ هو خيرٌ مني، يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم"، وعند مسلمٍ

(7)

: "أن ابنَ عباسٍ أمرَ مؤذِّنَهُ في يومِ جمعةٍ في يومٍ مطيرٍ بنحوهِ".

وأخرجَ البخاريُّ

(8)

عن ابن عمرَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا كانَ أحدكُم على الطعامِ فلا يعجلْ حتَّى يقضيَ حاجتَهُ منهُ، وإنْ أقيمت الصلاةُ". وأخرجَ أحمدُ

(9)

، ومسلمٌ

(10)

من حديثٍ عائشةَ قالتْ: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا صلَاةَ بحضْرَةِ طعامٍ، ولا وهوَ يدافعُ الأخبثينِ"، وأخرجَ البخاريُّ

(11)

عن أبي الدرداءِ قالَ: "مِنْ فقهِ الرجلِ إقبالُه على حاجتهِ حتَّى يقبلَ على صلاتهِ وقلبهُ فارغٌ".

(1)

البخاري (632)، ومسلم (697).

(2)

في (أ): "الممطرة".

(3)

في "صحيحه"(1/ 484 رقم 25/ 698).

(4)

في "السنن"(1/ 643 رقم 1065).

(5)

في "السنن"(2/ 263 رقم 409)، وقال: حديث حسن صحيح.

(6)

البخاري (901)، ومسلم (26/ 699).

(7)

في "صحيحه"(1/ 486 رقم 29/ 699).

(8)

في "صحيحه"(2/ 159 رقم 674).

(9)

في "المسند"(6/ 43، 54، 73).

(10)

في "صحيحه"(1/ 393 رقم 67/ 560).

(11)

في "صحيحه" تعليقًا (2/ 159 رقم الباب 42). وقال ابن حجر في "الفتح": "وصله ابن المبارك في "كتاب الزهد" (ص 451 رقم 1142)، وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة" اهـ.

ص: 103

[الباب الحادي عشر] بابُ صلاةِ المسافرِ والمريضِ

1/ 399 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الحَضَرِ"، مُتَّفَق عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

- وَلِلْبُخَارِيِّ

(2)

: ثُمَّ هاجَرَ، فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَأُقِرَّتْ صلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الأَوَلِ.

- زَادَ أَحْمَدُ

(3)

: إِلَّا الْمَغْرِبَ، فَإِنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ، وَإِلَّا الصُّبْحَ، فَإِنَّهَا تُطَوَّلُ فِيهَا الْقِرَاءَةُ.

(عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: أول ما فرضتِ الصلاة) ما عدا المغربَ (ركعتين) أي: حَضَرًا وسفَرًا، (فأُقِرَّت) أي: أقرَّ اللهُ (صلاةَ السفرِ) بإبقائِها ركعتينِ، (وأُتِمَّتْ صلاة الحضرِ) ما عدا المغربَ يزيدُ في الثلاثِ الصلواتِ ركعتينِ، والمرادُ بأُتمّتْ: زِيدَ فيها حتَّى كانتْ تامَّةً بالنظرِ إلى صلاةِ السفرِ (متفقٌ عليهِ، وللبخاريِّ) وحدهُ عن عائشةَ (ثمَّ هاجرَ) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (ففرضتْ أربعًا) أي: صارتْ أربعًا بزيادةِ اثنتينِ، (وأقرَّتْ صلاةُ السفرِ على الأولِ) أي: على الفرضِ الأولِ (زادَ أحمدُ: إلَّا المغربَ) أي: زادهُ من روايةٍ عن عائشةَ بعدَ قولِها: "أولُ ما فرضتِ الصلاةُ"، أي: إلَّا المغربَ فإنَّهَا فرضتْ ثلاثًا، (فإنَّها) أي: المغربُ (وترُ النهارِ) فرضتْ وترًا ثلاثًا من أولِ الأمرِ (وإلَّا الصبحَ، فإنَّها تطَوَّلُ فيها القراءة).

(1)

البخاري (1090)، ومسلم (3/ 685).

(2)

في "صحيحه"(7/ 267 رقم 3935).

(3)

في "الفتح الرباني"(5/ 92 رقم 1204 الطريق الثاني).

ص: 104

في [هذا]

(1)

الحديثِ دليلٌ على وجوبِ القصرِ في السفرِ؛ لأنَّ فرضتْ بمعنى وَجَبَتْ، ووجوبُهُ مذهبُ الهادويةِ والحنفيةِ وغيرِهم

(2)

، وقالَ الشافعيُّ وجماعةٌ

(3)

: إنهُ رخصةٌ والتمامُ أفضلُ، وقالُوا: فرضتْ بمعنَى قُدِّرَتْ أو فرضتْ لمن أرادَ القصرَ، واستدلُّوا بقولهِ تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}

(4)

، وبأنهُ سافرَ أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم معهُ فمنهم من يقصرُ، ومنهم يتمُّ، ولا يعيبُ بعضُهم على بعضٍ، وبأنَّ عثمانَ كانَ يتمُّ وكذلكَ عائشةُ، أخرجَ ذلك مسلمٌ

(5)

، ورُدَّ بأنَّ هذهِ أفعالُ [صحابة]

(6)

لا حجّةَ فيها، وبأنهُ أخرجَ الطبرانيُّ في الصغيرِ

(7)

من حديثٍ ابن عمرَ موقوفًا: "صلاةُ السفرِ ركعتانِ [نَزَلَتَا]

(8)

منَ السماءِ، فإنْ شئتمْ فردُّوهما". قالَ الهيثميُّ

(9)

: رجالُهُ موثوقونَ، وهوَ توقيفٌ إذْ لا مسرحَ فيهِ للاجتهادِ، وأخرجَ أيضًا عنهُ في الكبيرِ

(10)

برجالِ الصحيحِ: "صلاةُ السفرِ ركعتانِ مَنْ خالفَ السنةَ كفرَ".

وفي قولهِ: "السنةُ" دليلٌ على رفعهِ كما هوَ معروفٌ. قالَ ابنُ القيمِ في الهدي النبويّ

(11)

: كانَ يقصرُ صلى الله عليه وسلم الرباعية

(12)

فيصليها ركعتينِ من حينِ يخرجُ مسافرًا إلى أنْ يرجعَ إلى المدينةِ، ولم يثبتْ عنهُ أنهُ أتمَّ الرباعيةَ في السفر البتّة، وفي قولِها:"إلَّا المغربَ"، دلالةٌ على أنَّ شرعيتَها في الأصل ثلاثًا لم تتغيرْ، وقولَها:"إنَّها وترُ النهارِ"، أي: صلاةُ النهارِ كانت شفعًا والمغربُ آخرُها لوقوعِها في آخرِ جزءٍ منَ النهارِ فهيَ وترٌ لصلاةِ النهارِ كما أنهُ شرعَ الوترُ لصلاةِ الليلِ، والوترُ محبوبٌ إلى اللهِ تعالى كما تقدمَ في الحديث: "إنَّ الله وترٌ يحبُّ

(1)

زيادة من (أ).

(2)

انظر: "الروض النضير" للسياغي (2/ 356)، و"التاج المذهب" للعنسي (1/ 142).

(3)

انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 120 - 121).

(4)

سورة النساء: الآية 101.

(5)

في "صحيحه"(1/ 478 رقم 3/ 685).

(6)

في (أ): "الصحابة".

(7)

(2/ 184 رقم 997 - الروض الداني).

(8)

في (ب): "نزلًا".

(9)

في "مجمع الزوائد"(2/ 154).

(10)

كما في "المجمع"(2/ 154 - 155) وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.

(11)

(1/ 464).

(12)

هنا جملة زائدة من (أ)، وهي:"في السفر البتة".

ص: 105

الوترَ"

(1)

، وقولُها:"إلّا الصبحَ"، فإنَّها تطوَّلُ فيها القراءةُ، يريد أنه لا يقتصرُ في صلاتِها فإنَّها ركعتانِ حَضَرًا وسَفَرًا، لأنهُ شرعَ فيها تطويلُ القراءةِ؛ ولذلكَ عبّرَ عنها في الآيةِ بقرآنِ الفجرِ لما كانتِ القراءةُ معظمَ أركانِها لطولِها فيها، فعبَّرَ عنها بها من إطلاقِ الجزءِ الأعظمِ على الكلِّ.

2/ 400 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ ويُتِمُّ وَيَصُومُ ويُفْطِرُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(2)

وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ فِعْلِهَا، وَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا يَشُق عَلَيَّ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ

(3)

. [ضعيف]

(وعن عائشةَ رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقصرُ في السفرِ ويتمُّ ويصومُ ويفطرُ) الأربعةُ الأفعالُ بالمثناةِ التحتيةِ، أي: أنهُ صلى الله عليه وسلم كان يفعلُ هذَا وهذا (رواهُ الدارقطنيُّ، ورواتُه) من طريقِ عطاءِ عن عائشةَ (ثقاتٌ، إلَّا أنهُ معلولٌ، والمحفوظُ عن عائشةَ من فعلِها وقالتْ: إنهُ لا يشقُّ عليَّ. أخرجهُ البيهقيُّ) واستنكرهُ أحمدُ؛ فإنَّ عروةَ رَوَى عنها أنَّها كانت تتمُّ وأنَّها تأوّلتْ كما تأوّلَ عثمانُ كما في الصحيحِ

(4)

، فلو كانَ عندَها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم روايةٌ لم يقلْ عروةُ إنَّها تأوَّلتْ، وقد ثبتَ في الصحيحينِ خلافُ ذلكَ.

وأخرجَ أيضًا الدارقطنيُّ

(5)

عن عطاءٍ، والبيهقيُّ

(6)

عن عائشةَ: "أنَّها اعتمرتْ معهُ صلى الله عليه وسلم منَ المدينةِ إلى مكة حتَّى إذا قدمتْ قالتْ: يا رسولَ اللَّهِ؛ بأبي أنتَ وأمّي أتممتُ وقصرتُ، وأفطرتُ وصمتُ، فقالَ: أحسنتِ يا عائشةُ، وما

(1)

وهو حديث صحيح بشواهده، تقدم رقم (24/ 356).

(2)

في "السنن"(2/ 189 رقم 44) وقال: وهذا إسناد صحيح.

(3)

في "السنن الكبرى"(3/ 142).

(4)

أي: في "صحيح مسلم"(685).

(5)

في "السنن"(2/ 189 رقم 44) وقال الدارقطني: وهذا إسناد صحيح.

وأخرج الدارقطني (2/ 188 رقم 39، 40) وقال الدارقطني: الأول متصل وهو إسناد حسن، وعبد الرحمن قد أدرك عائشة ودخل عليها وهو مراهق وهو مع أبيه وقد سمع منها.

(6)

في "السنن الكبرى"(3/ 142) وقال البيهقي: إسناده صحيح.

وذكر صاحب "التنقيح""أن هذا المتن منكر، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط"، كما في "نصب الراية" للزيلعي (3/ 191).

ص: 106

عابَ عليَّ". قال ابنُ القيمِ

(1)

: وقد رُويَ: "كان يقصرُ وتتمُّ"، الأول بالياءِ آخرِ الحروفِ، والثاني بالمثناةِ من فوقِ، وكذلكَ يفطرُ وتصومُ، أي: تأخذ هي بالعزيمةِ في الموضعينِ. قالَ شيخُنا ابنُ تيميةَ: وهذا باطلٌ، ما كانت أمُّ المؤمنينَ لتخالفَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وجميعَ أصحابه فتصلِّي خلافَ صلاتِهم. وفي الصحيحِ

(2)

عنها: "إنَّ اللَّهَ فرضَ الصلاةَ ركعتينِ ركعتينِ، فلمَّا هاجرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ زِيدَ في صلاةِ الحضرِ، وأُقِرَّتْ صلاةُ السفرِ"، فكيفَ يُظَنُّ بها معَ ذلكَ أنَّها تصلِّي خلافَ صلاتِهِ وصلاةِ المسلمين مَعهُ. قلتُ: وقد أتمّتْ عائشةُ بعدَ موتِهِ صلى الله عليه وسلم. قالَ ابنُ عباسٍ وغيرُه: إنَّها تأوَّلتْ كما تأوّلَ عثمانُ. انتهَى.

هذا وحديثُ البابِ قد اختُلِفَ في اتصالهِ، فإنهُ مِنْ روايةِ عبدِ الرحمنِ بن الأسودِ عن عائشةَ، قال الدارقطنيُّ

(3)

: إنهُ أدركَ عائشةَ وهوَ مراهقٌ، قال المصنفُ رحمه الله: هوَ كما قال، ففي تاريخِ البخاري

(4)

وغيرهِ ما يشهدُ لذلكَ، وقال أبو حاتمٍ

(5)

: أُدخلَ عليها وهوَ صغيرٌ ولم يسمعْ منها، وادَّعى ابنُ أبي شيبةَ والطحاويُّ ثبوتَ سماعهِ منها، واختلفَ قولُ الدارقطنيِّ في الحديثِ، فقالَ في السنن: إسنادهُ حسنٌ، وقال في العللِ: المرسلُ أشبهُ. هذا كلامُ المصنفِ ونقلَه الشارحُ، وراجعتُ سننَ الدارقطنيّ فساقه الدارقطني، وقال: إنهُ صحيحٌ، ثمَّ فيهِ العلاءُ بنُ زهيرٍ، وقال الذهبي في الميزانِ

(6)

: وثقهُ ابنُ معينٍ، وقال ابن حبانَ

(7)

: كانَ ممنْ يروي عن الثقاتِ مما لا يشبهُ حديثَ الأثباتِ، انتهى. فبطلَ الاحتجاجُ بهِ فيما لم يوافقِ الأثباتَ، وبطلَ بهذا ادّعاءُ ابن حزم جهالتَه، فقد عُرفَ عينًا وحالًا.

وقال ابنُ القيم

(8)

بعدَ روايتهِ لحديثِ عائشةَ هذا ما لفظُه: وسمعتُ شيخَ الإسلام يقول: وهذا كذبٌ على رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انتهى. يريدُ روايةَ: "يقصرُ

(1)

"زاد المعاد"(1/ 465).

(2)

تقدم تخريجه (1/ 399).

(3)

في "السنن"(2/ 188 رقم 39، 40).

(4)

(5/ 252 - 253).

(5)

في "المراسيل"(ص 129 رقم 464)، وأما في "الجرح والتعديل" (5/ 209 رقم 986) لم يذكر قوله: ولم يسمع منها.

(6)

(3/ 101 رقم 5731).

(7)

في "المجروحين"(2/ 183).

(8)

في "زاد المعاد"(1/ 472).

ص: 107

ويتمُّ" بالمثناةِ التحتيةِ، وجعلَ ذلكَ من فعلهِ صلى الله عليه وسلم، فإنهُ ثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم بأنهُ لم يتمَّ رباعيةً في سفرٍ ولا صامَ فيه فرضًا.

[وقد حقّقْنا ما في البحثِ في رسالةٍ مستقلّةٍ اخترْنا فيها أن القصرَ رخصةٌ لا عزيمةٌ]

(1)

.

‌استحباب إتيان الرخص

3/ 401 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنها قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(3)

وَابْنُ حِبَّانَ

(4)

. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ

(5)

: "كمَا يُحِبُّ أَنْ تؤْتَى عَزَائِمُهُ".

(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ تعالى يحبُّ أنْ تؤتَى رُخَصُهُ كما يَكْرَة أَنْ تؤتَى معصيتُه. رواة أحمدُ، وصحَّحهُ ابنُ خزيمةَ، وابنُ حبانَ، وفي روايةٍ: كما يحبُّ أنْ تؤتَى عزائمُهُ)، فُسِّرَتْ محبةُ اللَّهِ برضاهُ، وكراهتهُ بخلافِها.

وعندَ أهلِ الأصولِ أن الرخصةَ ما شرعَ منَ الأحكامِ لعذرٍ، والعزيمةَ مقابلُها، والمرادُ بها هنا ما سهلهُ لعبادهِ ووسعهُ عندَ الشدّةِ من تركِ بعضِ الواجباتِ وإباحةِ بعضِ المحرَّماتِ.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "المسند"(2/ 108) إلا أنه سقط من "المسند": حرب بن قيس من المطبوع.

(3)

في "صحيحه"(2/ 73 رقم 950) بإسناد صحيح.

(4)

في "صحيحه"(6/ 451 رقم 2742) بإسناد قوي.

وانظر ما قاله الشيخ شعيب في تخريج الحديث.

(5)

أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(2/ 69 رقم 354) من حديث ابن عباس، وأخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (11880)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 276)، والبزار رقم (990).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 162) ورجال البزار ثقات وكذلك رجال الطبراني.

• وقد تحرَّف (الحسين) في (البزار) و (الحلية) إلى (الحسن)، والذارع تصحَّف فيهما إلى (الذراع) وتحرَّف في "الإرواء"(3/ 11) إلى الزراع.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

ص: 108

والحديثُ [دليلٌ]

(1)

على أن [فعلَ]

(2)

الرخصةِ أفضلُ من فعلِ العزيمةِ، كذا قيلَ، وليسَ فيهِ على ذلكَ دليلٌ، بل يدلُّ على [مساواتِها]

(3)

للعزيمةِ، والحديثُ يوافقُ قولَه تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}

(4)

.

‌القول في تحديد مسافة القصر

4/ 402 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ فَرَاسِخَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(5)

. [صحيح]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا خرجَ مسيرةَ ثلاثةِ أميالٍ أو فراسخَ صلَّى ركعتينِ. رواهُ مسلمٌ). المرادُ من قولهِ: "إذا خرجَ" إذا كانَ قصدُ" مسافةَ هذا القدرِ، لا أن المرادَ أنه [كانَ]

(6)

إذا أرادَ سفرًا طويلًا فلا يقصرُ إلَّا بعدَ هذهِ المسافةِ. وقولُه: "أميالٍ أو فراسخَ" شكٌّ منَ الراوي، وليسَ التخييرُ في أصلِ الحديثِ، قالَ الخطابيُّ: شكَّ فيهِ شعبةُ. قيلَ: في حدِّ الميلِ هوَ أن ينظرَ إلى الشخصِ في أرضٍ مستويةٍ فلا يدري أهوَ رجلٌ أمِ امرأةٌ أو غيرُ ذلكَ، وقالَ النوويُّ

(7)

: هوَ ستةُ آلافِ ذراع، والذراعُ أربعةٌ وعشرونَ أصبعًا معترضةً متعادلةً، والأصبعُ ستُّ شعيراتٍ معترضةٍ متعادلةٍ، وقيلَ: هو اثنا عشرَ ألفِ قدمٍ بقدمِ الإنسانِ، وقيلَ: هوَ أربعةُ آلافِ ذراعٍ، وقيلَ: ألفُ خطوةٍ للجملِ، وقيلَ: ثلاثةُ آلافِ ذراعٍ بالهاشمي، وهوَ اثنانِ وثلاثونَ أصبعًا، وهو ذراعُ الهادي عليه السلام، وهوَ الذراعُ العُمَريُّ المعمولُ عليهِ في صنعاء وبلادِها.

وأما الفَرْسَخُ فهوَ ثلاثة أميالٍ وهو فارسيٌّ معرَّبٌ.

واعلمْ أنهُ قد اختلفَ العلماءُ في المسافةِ التي تقصرُ فيها الصلاةُ على نحوِ

(1)

في (أ): "دل".

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (أ): "تساويها".

(4)

سورة البقرة: الآية 185.

(5)

في "صحيحه"(1/ 481 رقم 12/ 691).

قلت: وأخرجه أبو داود (1201)، وأحمد في "المسند"(3/ 129).

• الميل= 1848 م

• الفرسخ= 5544 م.

انظر كتابنا: "الإيضاحات العصرية

".

(6)

زيادة من (أ).

(7)

في "المجموع" شرح المهذب (4/ 323).

ص: 109

عشرينَ قولًا حكاها ابنُ المنذرِ: فذهبَ الظاهريةُ إلى العملِ بهذا الحديث، [فقالوا]

(1)

: مسافةُ القصرِ ثلاثةُ أميالٍ، وأجيبَ عليهم بأنهُ مشكوكٌ فيهِ فلا يحتجُّ بهِ على التحديدِ بالثلاثةِ الأميالِ، نعمْ يحتجُّ بهِ على التحديدِ بالثلاثةِ الفراسخِ؛ إذِ الأميالُ داخلةٌ فيها فيؤخذُ بالأكثرِ احتياطًا، لكنْ قيلَ: إنهُ لم يذهبْ إلى التحديدِ بالثلاثةِ الفراسخِ أحدٌ، نعمْ يصحُّ الاحتجاجُ للظاهريةِ بما أخرجهُ سعيدُ بنُ منصورٍ من حديثِ أبي سعيدٍ أنهُ [قال]

(2)

: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا سافرَ فرسخًا يقصرُ الصلاةَ"

(3)

. وقد عرفتَ أن الفرسخَ ثلاثةُ أميالي، وأقلُّ ما قيلَ في مسافةِ القصرِ ما أخرجهُ ابنُ أبي شيبةَ

(4)

من حديثِ ابن عمرَ موقوفًا: "أنهُ كانَ يقولُ: إذا خرجتَ مِيلًا قصرتَ الصلاةَ"، وإسنادهُ صحيحٌ، وقدْ رُوِيَ هذا في البحر

(5)

عن داودَ، ويلحقُ بهذينِ القولينِ قولُ الباقرِ، والصادقِ، وأحمدَ بن عيسى، والهادي وغيرِهم: إنهُ يقصرُ في مسافةِ بريدٍ فصاعدًا مستدلينَ بقولهِ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرةَ مرفوعًا: "لا يحلُّ لامرأةٍ تسافرُ بريدًا إلَّا ومعَها مَحرمٌ"، أخرجهُ أبو داودَ

(6)

،

(1)

في (ب): "وقالوا".

(2)

زيادة من (أ).

(3)

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(5/ 1734) وفيه: "عمارة بن جُوين أبو هارون العبدي" ضعيف، وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 442 - 443).

(4)

عزاه إليه ابن حجر في "الفتح"(2/ 567) وصحح إسناده، وانظر:"المحلَّى"(5/ 11).

(5)

(2/ 42). وانظر: "الروض النضير"(2/ 364).

(6)

في "السنن"(2/ 347 رقم 1725) وهو حديث شاذ قاله الألباني في ضعيف أبي داود.

والبريد= 4 فراسخ.

الفرسخ= 3 أميال.

الميل= 4000 ذراع مرسلة.

الذراع المرسلة= 6 قبضات.

القبضة= 24 أصبعًا.

الأصبع= 1.925 سم.

إذًا طول الذراع المرسلة= 24 × 1.925 = 46.2 سم.

الميل= 4000 × 46.2 = 1848 م= 1.848 كم.

الفرسخ - 3 × 1848 = 5544 م= 5.544 كم.

البريد= 4 × 5544 = 22176 م= 22.176 كم.

انظر: "الإيضاحات العصرية

".

ص: 110

قالُوا: فسَمَّى [مسافةَ]

(1)

البريدِ سفرًا.

[قلت](1): ولا يخفَى أنهُ لا دليلَ فيهِ على أنهُ لا يسمَّى الأقلُّ من هذهِ المسافةِ سفَرًا، وإنَّما هذا تحديدٌ للسفرِ الذي يجبُ فيهِ المَحرَمُ، ولا تلازمَ بينَ مسافةِ القصرِ و [بين]

(2)

مسافةِ وجوبِ المحرَم لجوازِ التوسعةِ في إيجابِ المحرمِ تخفيفًا على العبادِ. وقالَ زيدُ بنُ عليٍّ والمؤيدُ وغيرُهما

(3)

والحنفيةُ: بل مسافتُه أربعةٌ وعشرونَ فرسخًا، لِما أخرجهُ البخاريُّ

(4)

من حديثِ ابن عمرَ مرفوعًا: "لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ أنْ تسافرَ فوقَ ثلاثةِ أيامٍ إلَّا معَ مَحرمٍ"، قالوا: وسيرُ الإبلِ في كلِّ يومٍ ثمانيةُ فراسخَ، وقالَ الشافعيُّ: بلْ أربعةُ بُرُدٍ لحديثِ ابن عباسٍ

(5)

مرفوعًا: "لا تقصرُوا الصلاةَ في أقلِّ من أربعةِ بُرُدٍ"، وسيأتي

(6)

. وأخرجهُ البيهقيُّ

(7)

بسندٍ صحيح من فِعلِ ابن عباسٍ وابنِ عمرَ، وبأنهُ رَوَى البخاريُّ

(8)

من حديثِ ابن عباسٍ "تعليقًا بصيغةِ الجزم: "أنهُ سئلَ: أتقصرُ الصلاةُ من مكةَ إلى عرفةَ؟ قالَ: لا، ولكنْ إلى عُسْفَانَ

(9)

، وإلى جُدَّة، وإلى الطائفِ".

(1)

زيادة من (أ).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

انظر: "البحر الزخار"(2/ 43).

(4)

في "صحيحه"(2/ 566 رقم 1087) و (2/ 565 رقم 1086).

قلت: وأخرجه مسلم (1413/ 1338)، وأبو داود (1727).

(5)

أخرجه الدارقطني (1/ 387 رقم 1)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 137).

وعزاه الهيثمي في "المجمع"(2/ 157) للطبراني في "الكبير" من رواية ابن مجاهد عن أبيه عطاء ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.

قلت: وفيه عبد الوهاب بن مجاهد بن جَبر وهو متروك. انظر: "المجروحين"(2/ 146)، و"الميزان"(2/ 682)، و"الجرح والتعديل"(6/ 69)، و"التاريخ الكبير"(6/ 98).

والخلاصة: حديث ابن عباس ضعيف، والله أعلم.

(6)

رقم (11/ 409).

(7)

في "السنن الكبرى"(3/ 136 و 137).

(8)

في "صحيحه"(2/ 565).

(9)

عُسْفَان: بضم أوله، وسكون ثانيه ثم فاء، وآخره نون، فُعلان من عسفت المفازة، وهو يعسفها وهو: قطعها بلا هداية ولا قصد

قال أبو منصور: "عُسفان منهلة من مناهل الطريق، بين الجحفة ومكة، وقال غيره: عسفان بين المسجدين، وهي من مكة على مرحلتين

" اهـ. "معجم البلدان" (4/ 121 - 122).

ص: 111

وهذه الأمكنةُ بينَ كلِّ واحدٍ منها وبينَ مكةَ أربعةُ بردٍ فما فوقَها. والأقوالُ متعارضةٌ كما سمعتَ، والأدلةُ [متقاومة]

(1)

، قالَ في "زاد المعادِ"

(2)

: "ولم يحدِّدْ صلى الله عليه وسلم لأمتِهِ مسافةً محدودةً للقصرِ والفطرِ، بل أطلقَ لهم ذلكَ في مُطلقِ السفرِ والضربِ في الأرضِ، كما أطلقَ لهم التيمّمَ في كل سفرٍ، وأمّا ما يُرْوَى عنهُ منَ التحديدِ باليومِ واليومينِ والثلاثةِ، فلم يصحَّ عنهُ فيها شيءٌ البتةُ، واللَّهُ أعلمُ"، وجوازُ القصرِ والجمعِ في طويلِ السفرِ وقصيرهِ مذهبُ كثيرٍ منَ السلفِ.

‌كم يقيم المسافر حتى يقصرُ الصلاة

5/ 403 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]

(وعنهُ) أي: عن أنسٍ (قالَ: خرجْنَا معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم منَ المدينةِ إلى مكةَ وكانَ يصلِّي) أي: الرباعيةَ (ركعتينِ ركعتينِ) أي: كلَّ رباعيةٍ ركعتينِ (حتَّى رجعنا إلى المدينةِ. متفقٌ عليهِ واللفظُ للبخاريِّ).

يحتملُ أن هذَا كانَ في سفرهِ في عامِ الفتحِ، ويحتملُ أنهُ في حَجَّة الوداعِ، إلَّا أن فيهِ عندَ أبي داودَ زيادةً:"أنَّهم قالُوا لأنسٍ: هل أقمتمْ بها شيئًا؟ قالَ: أقمْنا بها عَشرًا"، ويأتي أنَّهم أقامُوا في الفتحِ زيادةً على [خمسةَ عشرَ يومًا أو]

(4)

خمسَ عشرةَ، وقد صرحَ في حديثِ أبي داودَ أن هذا - أي: خمسَ عشرةَ ونحوَها - كانَ [في]

(5)

عامِ الفتحِ.

وفيهِ دلالةٌ على أنهُ لم يتمَّ مع إقامتهِ في مكةَ وهوَ كذلكَ كما يدلُّ عليهِ الحديثُ الآتي. وفيهِ دليل على أن نفسَ الخروجِ منَ البلدِ بنيَّةِ السفرِ يقتضي

(1)

في (أ): "متفاوتة".

(2)

(1/ 481).

(3)

البخاري (1081)، ومسلم (15/ 693).

قلت: وأخرجه أبو داود (1233)، والترمذي (548)، والنسائي (3/ 121 رقم 1452).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

زيادة من (أ).

ص: 112

القصرَ ولو لم [يتجاوز]

(1)

منَ البلدِ ميلًا ولا أقلَّ، وأنهُ لا يزالُ يقصرُ حتى يدخلَ البلدَ ولو صلَّى وبيوتُها بمرأى منهُ.

6/ 404 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ. وَفِي لَفْظٍ: بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(2)

. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي دَاوُدَ

(3)

: سَبْعَ عَشَرَةَ. [صحيح]

وَفِي أُخْرَى

(4)

: خَمْسَ عَشَرَةَ. [منكر]

(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: أقامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تسعةَ عشرَ يومًا يقصرُ. وفي لفظٍ) تعيينُ محلِّ الإقامةِ، وأنهُ (بمكةَ تسعةَ عشرَ يومًا. رواهُ البخاريُّ، وفي روايةٍ لأبي داودَ) أي: عن ابن عباسٍ (سبعَ عشرةَ) بالتذكيرِ في الروايةِ الأُولى، لأنهُ ذكرَ مميزَهُ يومًا وهوَ مُذَكَّرٌ، وبالتأنيثِ في روايةِ أبي داودَ لأنهُ حذفَ مميزَهُ وتقديرُه: ليلةٌ، وفي روايةٍ لأبي داودَ عنهُ تسعةَ عشرَ كالروايةِ الأُولى (وفي أُخرى) أي: لأبي داودَ عن ابن عباسٍ (خمسَ عشرةَ)، (ولهُ) أي: لأبي داود.

7/ 405 - وَلَهُ

(5)

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه: ثَمَانِيَ عَشَرَةَ. [ضعيف]

(عن عمرانَ بن حصينٍ ثماني عشرةَ)، ولفظهُ عندَ أبي داودَ:"شهدتُ معهُ الفتحَ فأقامَ بمكةَ ثمانيَ عشرةَ ليلةً لا يصلِّي إلَّا ركعتينِ، ويقولُ: يا أهلَ البلدِ صلُّوا أربعًا فإنّا قومٌ سُفْرٌ"، (ولهُ) أي: أبي داود.

(1)

في (ب): "يجاوز".

(2)

في "صحيحه"(2/ 561 رقم 1080).

قلت: وأخرجه الترمذي (549).

(3)

في "السنن"(2/ 24 رقم 1230)، وهو حديث صحيح.

(4)

في "السنن"(2/ 25 رقم 1231).

قال أبو داود: روى هذا الحديث عبدة بن سليمان، وأحمد بن خالد الوهبي، وسلمة بن الفضل عن ابن إسحاق، لم يذكروا فيه ابن عباس.

والخلاصة: أن هذه الرواية ضعيفة منكرة، والله أعلم.

(5)

أي: لأبي داود في "السنن"(2/ 23 رقم 1229) بإسناد ضعيف، فيه علي بن زيد وهو ابن جدعان، ضعيف.

وحكم الألباني على الحديث بالضعف في ضعيف أبي داود.

ص: 113

8/ 406 - وَلَهُ

(1)

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ. [صحيح]

(عن جابرٍ أقامَ) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (بتبوكَ عشرينَ يومًا يقصرُ الصلاةَ. ورواتهُ ثقاتٌ إلَّا أنهُ اختُلفَ في وصلهِ)؛ فوصلَه معمَرُ عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن محمدِ بن عبدِ الرحمنِ، عن ثوبانَ، عن جابرٍ، قالَ أبو داودَ: غيرُ معمر لا يسندُه، وأعلهُ الدارقطنيُّ في العلل بالإرسالِ والانقطاعِ

(2)

، قالَ المصنفُ رحمه الله: وقد أخرجَهُ البيهقي

(3)

عن جابر بلفظِ: "بضعَ عشرةَ"، واعلمْ أن أبا داودَ ترجمَ لباب

(4)

هذهِ الأحاديثِ (بابُ متَى يُتِمُّ المسافرُ)، ثمَّ ساقَها وفيها كلامُ ابن عباسٍ

(5)

: "مَنْ أقامَ سبعةَ عشرَ قَصَرَ، ومَنْ أقامَ أكثرَ أتمَّ".

وقدِ اختلفَ العلماءُ في قدرِ مدةِ الإقامةِ التي إذا عزمَ المسافرُ على إقامتِها أتمَّ فيها الصلاةَ على أقوالٍ: فقالَ ابنُ عباسٍ: وإليهِ ذهبَ الهادويةُ أن أقلَّ مدةِ الإقامةِ عشرةُ أيامٍ لقولِ عليٍّ عليه السلام: "إذا أقمت عشرًا فأتمَّ الصلاةَ"، أخرجهُ المؤيدُ باللَّهِ في شرحِ التجريدِ

(6)

من طرقٍ فيها ضِرارُ بنُ صُرَدٍ، قالَ المصنفُ في التقريبِ

(7)

: إنهُ غيرُ ثقةٍ، قال: وهوَ توقيفٌ، وقالتِ الحنفيةُ

(8)

: خمسةَ عشرَ يومًا مستدلينَ بإحدَى رواياتِ ابن عباسٍ وبقولهِ وقولِ ابن عمرَ: "إذا قدمتَ بلدةَ وأنتَ مسافرٌ وفي نفسكَ أن تقيمَ خمسَ عشرةَ ليلةً فأكملِ الصلاةَ"، وذهبتِ المالكيةُ

(9)

والشافعيةُ

(10)

إلى أن أقلَّها أربعةُ أيامٍ، وهوَ مرويٌّ عن عثمانَ، والمرادُ غيرُ يومي الدخولِ والخروجِ، واستدلُّوا بمنعهِ صلى الله عليه وسلم المهاجرينَ بعدَ مضيّ النُّسُكِ أنْ يزيدُوا

(1)

أي: لأبي داود في "السنن"(1235) وهو حديث صحيح، صحَّحه ابن حزم والنووي والظفاري كما في "الروض النضير"(2/ 361)، وانظر:"نصب الراية"(2/ 186).

(2)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(2/ 45).

(3)

في "السنن الكبرى"(3/ 152).

(4)

في "السنن"(2/ 23 رقم الباب 279).

(5)

أخرجه أبو داود (1230)، وهو حديث صحيح.

(6)

كما في "الروض النضير"(2/ 360).

(7)

(1/ 374 رقم 21).

(8)

انظر: "الهداية شرح بداية المبتدي" للمرغيناني (1/ 81).

(9)

انظر: "قوانين الأحكام الشرعية" لابن جُزي (ص 100).

(10)

انظر: "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" للخطيب الشربيني (1/ 265).

ص: 114

على ثلاثةِ أيامٍ في مكةَ، فدلَّ على أنهُ بالأربعةِ الأيامِ يصيرُ مقيمًا، وثمَّ أقوالٌ أُخَرُ لا دليلَ عليها، وهذا كلُّه فيمَن دخلَ البلدَ عازمًا على الإقامةِ فيها.

وأما من تردّدَ في الإقامةِ ولم يعزمْ ففيهِ خلافٌ أيضًا، فقالتِ الهادويةُ

(1)

: يقصرُ إلى شهرٍ لقولِ عليٍّ عليه السلام: " [إنهُ]

(2)

مَنْ يقولُ: اليومَ أخرجُ، غدًا أخرجُ يقصرُ الصلاةَ شهرًا"، وذهبَ أبو حنيفةَ وأصحابُه وهوَ قولٌ للشافعيِّ، وقالَ بهِ الإمامُ يحيى إنهُ يقصرُ أبدًا؛ إذِ الأصلُ السفرُ، ولفعلِ ابن

(3)

عمرَ، فإنهُ أقامَ بأذربيجانَ ستةَ أشهر يقصرُ الصلاةَ. ورُوي عن أنسِ بن مالكٍ

(4)

أنهُ أقامَ بنيسابورَ سنةً أو سنتينِ يقصرُ الصلاةَ، وعن جماعةٍ

(5)

منَ الصحابةِ أنَّهم أقامُوا برَامَهُرْمُزَ تسعةَ أشهرٍ يقصرُونَ الصلاةَ، ومنهمْ من قدَّرَ ذلكَ بخمسةَ عشرَ، وسبعةَ عشرَ، وثمانيةَ عشرَ على حسمبِ ما وردتْ [به]

(6)

الرواياتُ في مدةِ إقامتهِ صلى الله عليه وسلم في مكةَ وتبوكَ، وأنهُ بعدَ ما يجاوزُ مدة ما روى عنهُ صلى الله عليه وسلم يتمُّ صلاتَهُ، ولا يخْفَى أنهُ لا

(1)

انظر: "التاج المذهب"(1/ 144).

(2)

في (ب): "أن".

(3)

أخرجه البيهقي في "المعرفة"(4/ 274 رقم 6148)، وفي "السنن الكبرى"(3/ 152) عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال:"ارتجّ علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غَزاةٍ، قال ابن عمر: فكنا نصلي ركعتين"، قال النووي: وهذا سند على شرط الصحيحين، كما في "نصب الراية" للزيلعي (2/ 185).

(4)

لم أجده عن أنس.

• بل أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 152) عن الحسن عن عبد الرحمن بن سَمُرَةَ قال: كنّا معه شتويتين، يعني: مع عبد الرحمن لا نجمع ونقصر الصلاة.

• وأخرج البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 152)، وفي "المعرفة" (4/ 274 رقم 6149): عن أنس بن مالك أنه أقام بالشام مع عبد الملك بن مروان شهرين، يصلي صلاة المسافر. قال النووي: وفي سنده عبد الوهاب بن عطاء، مختلف فيه، وثقه الأكثرون واحتجّ به مسلم في صحيحه. كما في "نصب الراية"(2/ 185).

(5)

أخرج البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 152) عن أنس "أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة".

قال النووي: إسناده صحيح، وفيه عكرمة بن عمار واختلفوا في الاحتجاج به، واحتجّ به مسلم في صحيحه - كما في "نصب الراية" (2/ 186) وقال ابن حجر في "الدراية" (1/ 212): صحيح.

(6)

زيادة من (أ).

ص: 115

دليلَ في المدةِ التي قصرَ فيها على نفي القصرِ فيما زادَ عليها، وإذا لم يقمْ دليلٌ على تقديرِ المدةِ، فالأقربُ أنهُ لا يزالُ يقصرُ كما فعلَهُ الصحابةُ؛ لأنهُ لا يسمَّى بالبقاءِ معَ التردُّدِ كلَّ يومٍ في الإقامةِ والرحيلِ مقيمًا، وإنْ طالتِ المدةُ، ويؤيّدُه ما أخرجهُ البيهقيُّ في السننِ

(1)

عن ابن عباسٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم أقامَ بتبوكَ أربعينَ يومًا يقصرُ الصلاة"، ثمَّ قالَ: تفردَ بهِ [الحسنُ]

(2)

بن عمارةَ وهوَ غيرُ محتجٍّ بهِ.

‌القول في جمع التقديم والتأخير في السفر

9/ 407 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ فِي سَفَرِهِ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ فِي الأَرْبَعِينَ

(4)

بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ. وَلأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِ مُسْلِمٍ: كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ ارْتَحَلَ. [صحيح]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا ارتحلَ [في سفرهِ]

(5)

قبلَ أن تزيغَ الشمسُ) أي: قبلَ الزوالِ، (أخَّر الظهرَ إلى وقتِ العصرِ، ثمَّ نزلَ، فجمعَ بينهما، فإنْ زاغتِ الشمسُ قبلَ أنْ يرتحلَ صلَّى الظهرَ)، أي: وحدَهُ، ولا يضمُّ إليه العصرَ، (ثمَّ ركبَ. متفقٌ عليهِ).

الحديثُ فيهِ دليلٌ على جوازِ الجمعِ [بينَ الصلاتين](4) للمسافرِ تأخيرًا، ودلالةٌ على أنهُ لا يجمعُ بينَهما تقديمًا لقولهِ:"صلَّى الظهرَ"، إذْ لو جازَ جمعُ التقديمِ لضمَّ إليهِ العصرَ، وهذا الفعلُ منهُ صلى الله عليه وسلم يخصّصُ أحاديثَ التوقيتِ التي

(1)

(3/ 152).

(2)

في (أ): الحسين. وهو خطأ.

(3)

البخاري (1112)، ومسلم (46/ 704).

قلت: وأخرجه أبو داود (1218)، وأبو عوانة (2/ 351)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 161 - 162)، وأحمد في "المسند"(3/ 247 و 265)، والنسائي (1/ 284 رقم 586).

(4)

انظر: "إرواء الغليل"(3/ 33).

(5)

زيادة من (ب).

ص: 116

مضتْ، وقد اختلفَ العلماءُ في ذلكَ: فذهبتِ الهادويةُ، وهوَ قولُ ابن عباسٍ، وابنِ عمرَ وجماعةٍ منَ الصحابةِ، ويروى عن مالكٍ، وأحمدَ، والشافعي إلى جوازِ الجمع للمسافرِ تقديمًا وتأخيرًا، عملًا بهذا الحديثِ في التأخيرِ، وبما يأتي في التقديمِ، وعنِ الأوزاعيِّ أنهُ يجوزُ للمسافرِ جمعُ التأخيرِ فقط، عملًا بهذا الحديثِ، وهوَ مرويٌّ عن مالكٍ وأحمدَ بن حنبل، واختارهُ أبو محمدٍ بنُ حزمٍ، وذهبَ النخعيُّ، والحسنُ، وأبو حنيفةَ إلى أنهُ لا يجوزُ الجمعُ [لا]

(1)

تقديمًا ولا تأخيرًا للمسافر

(2)

، وتأوَّلُوا ما وردَ من جمعهِ صلى الله عليه وسلم بأنهُ جمعٌ صوريٌّ، وهو أنهُ أخّرَ الظهرَ إلى آخرِ وقتها وقدمَ العصرَ في أولِ وقتِها ومثلُه العشاءُ، ورُدَّ عليهم بأنهُ وإن تمشَّى لهم هذا في جمع التأخيرِ لم يتمَّ لهمْ في جمعِ التقديمِ الذي أفادهُ قولُه: (وفي رواية للحاكم في الأربعينَ بإسنادٍ [صحيحٍ]

(3)

: صلَّى الظهرَ والعصرَ) أي: إذا زاغتْ قبلَ أن يرتحلَ صلَّى الفريضتينِ معًا، (ثمَّ ركبَ)؛ فإنَّها أفادتْ ثبوتَ جمعِ التقديمِ من فعلهِ صلى الله عليه وسلم، ولا يتصورُ فيهِ الجمعُ الصُّورِيُّ.

(و) مثلهُ الروايةُ التي (لأبي نعيمٍ في مستخرجِ مسلمٍ) أي: في مستخرجهِ على صحيحِ مسلمٍ (كانَ) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (إذا كانَ في سفرٍ، فزالتِ الشمسُ صلَّى الظهرَ والعصرَ جميعًا، ثمَّ ارتحلَ)؛ فقد أفادتْ روايةُ الحاكمِ، وأبي نعيمٍ ثبوتَ جمعِ التقديمِ أيضًا، وهُما روايتانِ صحيحتانِ كما قالَ المصنفُ؛ إلَّا أنهُ قالَ ابنُ القيم

(4)

: إنهُ اختُلِفَ في روايةِ الحاكمِ فمنهم مَن صحَّحَها، ومنهم مَنْ حسَّنَها، ومنهم من قدحَ فيها وجعلَها موضوعة، وهوَ الحاكمُ؛ فإنهُ حكمَ [بوضعِها]

(5)

، ثمَّ ذكرَ كلامَ الحاكمِ في بيانِ وضعِ الحديثِ، ثمَّ ردَّه ابنُ القيمِ، واختارَ أنهُ ليسَ بموضوع، وسكوتُ المصنفِ هنا عليهِ وجزمُه بأنهُ بإسنادٍ صحيحٍ يدلُّ على ردِّهِ لكلامِ الحاكمِ ويؤيدُ صحَّتَهُ قولُه:

(1)

زيادة من (ب).

(2)

انظر: "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" لأبي محمد علي بن زكريا المنبجي (1/ 320 - 322)، و"المجموع للنووي"(4/ 371 - 372)، و"الفقه الإسلامي وأدلته"(2/ 349 - 351)، و"قوانين الأحكام الشرعية" لابن جزي (ص 97 - 98).

(3)

في (ب): "الصحيح".

(4)

في "زاد المعاد"(1/ 477 - 479).

(5)

في (أ): "بوضعه".

ص: 117

10/ 408 - وَعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغرِبَ وَالْعِشّاءَ جَميعًا. رَوَاه مُسْلمٌ

(1)

. [صحيح]

(وعن معاذٍ رضي الله عنه قَالىَ: خرجْنا معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ تبوكَ، فكانَ يصلِّي الظهرَ والعصرَ جميعًا، والمغربَ والعشاءَ جميعًا. رواهُ مسلمٌ)، إلَّا أن اللفظَ محتملٌ لجمعِ التأخيرِ لا غيرُ، أو لهُ ولجمعِ التقديمِ، ولكن قد رواة الترمذيُّ

(2)

بلفظِ: "كانَ إذا ارتحلَ قبلَ أنْ تزيغَ الشمسُ أخَّرَ الظهرَ إلى أن يجمعَها إلى العصرِ، فيصليهِمَا جميعًا، وإذا اهـ تحلَ بعدَ زيغِ الشمسِ عجَّلَ العصرَ إلى الظهرِ، وصلَّى الظهرَ والعصرَ جميعًا"؛ فهو كالتفضيل لمجملِ روايةِ مسلم، إلَّا أنهُ قالَ الترمذيُّ

(3)

بعدَ إخراجهِ: إنهُ حديثٌ حسنٌ غريبٌ تفرّدَ بهِ قتيبةَ، [و]

(4)

لا نعرفُ أحدًا رواهُ عن الليثِ غيرَهُ، قالَ: والمعروفُ عند أهلِ العلمٍ حديثُ معاذٍ من حديثِ ابن الزبيرِ عن أبي الطفيلِ عن معاذٍ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جمعَ في غزوةِ تبوكَ بينَ الظهرِ والعصرِ، وبينَ المغربِ والعشاءِ"، انتهَى.

إذا عرفتَ هذا فجمعُ التقديمِ في ثبوتِ روايتهِ مقالٌ إلَّا روايةَ المستخرجِ على صحيحِ مسلمٍ؛ فإنَّهُ لا مقالَ فيها، وقد ذهبَ ابنُ حزمٍ

(5)

إلى أنهُ يجوزُ جمعُ التأخيرِ لثبوتِ الدوايةِ [بهِ]

(6)

لا جمعُ التقديم، وهوَ قولُ النخعيِّ، وروايةٌ عن مالكٍ وأحمدَ، ثمَّ إنهُ قد اختُلِفَ في الأفضلِ للمسافرِ [هل]

(7)

الجمعُ أو التوقيتُ؟ فقالتِ الشافعية: تركُ الجمعِ أفضلُ، وقالَ مالكٌ: إنهُ مكروهٌ، وقيلَ: يختصُّ بمن له عذرٌ.

واعلمْ أنهُ كما قالَ ابنُ القيم في الهدي النبوي

(8)

[أنه]

(9)

لم يكنْ صلى الله عليه وسلم يجمع راتبًا في سفرهِ كما يفعله كثيرٌ من الناسِ، ولا يجمعُ حال نزولهِ أيضًا، وإنّما كان يجمعُ إذا جدَّ بهِ السيرُ، وإذا سارَ عقيبَ الصلاةِ كما في أحاديثِ تبوكَ، وأما

(1)

في "صحيحه"(1/ 490 رقم 52/ 706).

(2)

في "السنن"(2/ 438 رقم 553)، وهو حديث صحيح صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

(3)

في "السنن"(2/ 448).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

انظر: "المحلى"(3/ 172).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

(1/ 481).

(9)

زيادة من (أ).

ص: 118

جمعُه وهوَ نازلٌ غيرُ مسافرٍ فلم ينقلْ ذلكَ عنهُ إلَّا بعرَفَةَ ومزدلفةَ لأجلِ اتصالِ الوقوفِ كما قالَ الشافعيُّ وشيخُنا، وجعلُه أبو حنيفةَ من تمامِ النُّسُكِ وأنهُ سبب. وقالَ أحمدُ ومالكٌ والشافعيُّ: إنَّ سببَ الجمعِ بعرفةَ ومزدلفةَ السفرُ، وهذا كلُّه في الجمع في السفرِ.

‌حكم الجمع بين الصلاتين في الحضر

وأما الجمعُ في الحضرِ، فقالَ الشارحُ بعدَ ذكرِ أدلةِ القائلينَ بجوازِهِ فيهِ: "إنهُ ذهبَ أكثرُ الأئمةِ إلى أنهُ لا يجوزُ الجمعُ في الحضرِ لما تقدمَ منَ الأحاديثِ المبيِّنةِ لأوقاتِ الصلواتِ، ولما تواترَ من محافظةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على أوقاتِها حتَّى قالَ ابنُ مسعودٍ

(1)

: "ما رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاةً لغيرِ ميقاتِها إلّا صلاتينِ جمعَ بينَ المغربِ والعشاء [- أي: بمزدلفة -]

(2)

بجمعٍ، وصلَّى الفجرَ يومئذٍ قبلَ ميقاتِها"، وأمّا حديثُ ابن عباسٍ عندَ مسلمٍ

(3)

: "أنهُ جمعَ بينَ الظهرِ والعصرِ، والمغرب والعشاءِ بالمدينةِ من غيرِ خوفٍ ولا مطرٍ"، قيلَ لابنِ عباسٍ: ما أرادَ إلى ذلكَ؟ قالَ: أرادَ أنْ لا يحرجَ أمتَهُ"؛ فلا يصحُّ الاحتجاجُ بهِ لأنهُ غيرُ معينٍ لجمعِ التقديمِ والتأخيرِ كما هوَ ظاهرُ روايةِ مسلمٍ، وتعيينُ واحدٍ [منهما]

(4)

تحكُّمٌ فوجبَ العدولُ عنهُ إلى ما هوَ واجبٌ منَ البقاءِ على العمومِ في حديثِ الأوقاتِ للمعذورِ وغيرهِ، وتخصيصُ المسافرِ لثبوتِ المخصِّص، وهذا هوَ الجوابُ الحاسمُ.

وأما ما يُرْوَى منَ الآثارِ عن الصحابةِ والتابعينَ فغيرُ حجةٍ، إذْ للاجتهادِ في ذلكَ مسرحٌ، وقد أوَّلَ بعضُهم حديثَ ابن عباسٍ بالجمعِ الصُّورِي، واستحسنُه القرطبيُّ، ورجَّحهُ، وجزمَ بهِ ابنُ الماجشونِ، والطحاويُّ وقوّاهُ ابنُ سيدِ الناسِ

(1)

أخرجه البخاري (1682)، ومسلم (292/ 1289)، وأبو داود (1934)، والنسائي (1/ 291 - 292 رقم 608).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "صحيحه"(1/ 490 رقم 50/ 705).

(4)

في (ب): "منها".

ص: 119

لما أخرجهُ الشيخانِ

(1)

عن عمروِ بن دينارٍ - راوي الحديثِ - عن أبي الشعثاءِ قالَ: "قلتُ: يا أبا الشعثاءِ أظنهُ أخَّرَ الظهرَ وعَجَّلَ العصرَ، وأخّرَ المغربَ وعجلَ العِشاءَ، قال: وأنا أظنهُ". قالَ ابنُ سيدِ الناس: وراوي الحديثِ أدرى بالمرادِ منهُ من غيرهِ، وإنْ لم يجزمْ أبو الشعثاءِ بذلكَ.

وأقولُ إنَّما هو ظنٌّ منَ الراوي، والذي يقالُ فيهِ:"أدرى بما رَوَى"، إنما يجري في تفسيرهِ [للفظة]

(2)

مثلًا، على أن في هذه الدعوى نظرًا، فإنَّ قولَهُ صلى الله عليه وسلم:"فربَّ حاملِ فقهٍ إلى مَنْ هوَ أفقهُ منهُ"

(3)

يردُّ عمومَها، نعمْ يتعيَّنُ هذا التأويلُ فإنهُ صرَّحَ بِه النسائي في أصلِ حديثِ ابن عباسٍ

(4)

، ولفظهُ: "صلّيتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ ثمانيًا

(5)

جمعًا، وسبعًا جمعًا، أخَّر الظهرَ وعجَّلَ العصرَ، وأخّرَ المغربَ وعجَّلَ العشاءَ".

والعجبُ منَ النوويِّ كيفَ ضعَّفَ هذا التأويلَ، وغفل عن متنِ الحديثِ المرويّ، والمطلقُ في روايةٍ يُحملُ على المقيَّدِ إذا كانَا في قصةٍ واحدةٍ كما في هذا، والقولُ بأنَّ قوله:"أرادَ أنْ لا يُحرجَ أمتَه" يُضعفُ هذا الجمعَ الصوريّ لوجودِ الجرحِ فيهِ - مدفوعٌ بأنَّ ذلكَ أيسرُ منَ التوقيتِ؛ إذْ يكفي للصلاتينِ تأهبٌ واحدٌ، وقصدٌ واحدٌ إلى المسجدِ، ووضوءٌ واحدٌ بحسبِ الأغلبِ بخلافِ الوقتينِ، فالحرجُ في هذا الجمعِ - لا شكَّ أخفُّ، وأمَّا قياسُ الحاضرِ على المسافرِ كما قيلَ فوهمٌ، لأنَّ العلةَ في الأصلِ هي السفرُ [وهو]

(6)

غيرُ [موجودٍ]

(7)

في الفرعِ وإلَّا لزمَ مثلُهُ في القصرِ والفطرِ"، انتهى.

(1)

البخاري (1174)، ومسلم (55/ 705).

(2)

في (ب): "اللفظ".

(3)

وهو جزء من حديث صحيح.

أخرجه أحمد (5/ 183)، وأبو داود (3660)، والترمذي (2656)، والدارمي (1/ 175)، وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (94)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(2/ 232)، والطبراني (4890) و (4891) من طرق بإسناد صحيح.

وأخرجه ابن ماجه (1/ 84 رقم 230)، والطبراني (4994 و 4925) من طريقين عن زيد بن ثابت.

(4)

أخرجه البخاري (543)، ومسلم (56/ 705).

(5)

أي: من الركعات وسبعًا منها.

(6)

في (أ): "وهي".

(7)

في (أ): "موجودة".

ص: 120

قلتُ: وهو كلامٌ رصينٌ، وقد كنّا ذكرنَا ما يلاقيهِ في رسالتِنا (اليواقيتُ في المواقيتِ)

(1)

قبلَ الوقوف على كلامِ الشارحِ عليه السلام وجزاهُ خيرًا. ثمَّ قالَ: "واعلم أن جمعَ التقديمِ فيهِ خطرٌ عظيمٌ، وهوَ كمنْ صلَّى الصلاةَ قبلَ دخولِ وقتِها، فيكونُ حالُ الفاعلِ كما قالَ اللَّهُ:{وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}

(2)

الآيةَ من ابتدائِها، وهذهِ الصلاةُ المقدمةُ لا دلالةَ عليها بمنطوقٍ، ولا مفهومٍ، ولا عمومٍ، ولا خصوصٍ".

11/ 409 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقْصُرُوا الصَّلاةَ فِي أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ: مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(3)

بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، كَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

(4)

. [ضعيف]

(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا تقصُروا الصلاةَ في أقلِّ من أربعةِ بُرُدٍ: من مكةَ إلى عُسفانَ. رواهُ الدارقطنيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ)؛ فإنهُ من روايةِ عبدِ الوهابِ بن مجاهدٍ، وهوَ متروكٌ، نسبَهُ الثوريُّ إلى الكذبِ، وقالَ الأزديُّ: لا تحلُّ الروايةُ عنهُ

(5)

، وهوَ منقطعٌ أيضًا لأنهُ لم يسمعْ منْ أبيهِ، (والصحيحُ أنهُ موقوفٌ، كذا أخرجهُ ابنُ خُزيمةَ) أي: موقوفًا على ابن عباسٍ، وإسنادُهُ صحيحٌ، ولكن للاجتهادِ فيهِ مسرحٌ، فيحتملُ أنهُ من رأيهِ، وتقدمَ أنهُ لم يثبتْ في التحديدِ حديثٌ [مرفوعٌ]

(6)

.

(1)

قال الزركلي في "الأعلام"(6/ 38): مخطوطة في مكتبة عمر سميط بتريم - حضرموت - رسالة.

(2)

سورة الكهف: الآية 104.

(3)

في "السنن"(1/ 387 رقم 1) بإسناد ضعيف، فيه عبد الوهاب بن مجاهد وهو متروك.

رواه عنه إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة. والصحيح عن ابن عباس من قوله.

وقد تقدم الكلام عليه في شرح الحديث رقم (4/ 402).

(4)

لم أجده في صحيح ابن خزيمة، والله أعلم.

(5)

انظر ترجمته في: "المجروحين"(2/ 146)، و"الميزان"(2/ 682)، و"الجرح والتعديل"(6/ 69)، و"التاريخ الكبير"(6/ 98).

(6)

زيادة من (ب).

ص: 121

12/ 410 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيرُ أُمِّتِي الَّذِينَ إِذَا أَسَاءُوا اسْتَغْفَرُوا، وَإِذَا سَافَرُوا قَصَرُوا وَأَفْطَرُوا"، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ

(1)

، بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَهُوَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ عِنْدَ البَيْهَقِي

(2)

مُخْتَصَرًا. [ضعيف]

(وعن جابرٍ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خيرُ أمتي الذينَ إذا أساءُوا استغفرُوا، وإذا سافرُوا قصرُوا وأفطرُوا. أخرجهُ الطبرانيُّ في الأوسطِ بإسنادٍ ضعيفٍ، وهوَ في [مرسلِ سعيدِ]

(3)

بن المسيبِ عندَ البيهقي مختصرًا).

الحديثُ دليلٌ على أن القصرَ والفطرَ أفضلُ للمسافرِ من خلافِهما، وقالتِ الشافعيةُ: ترك الجمعِ أفضلُ، فقياسُ هذا أنْ يقولُوا: التمامُ أفضلُ، وقدْ صرَّحُوا به أيضًا، وكأنَّهم لم يقُولوا بهذا الحديثِ لضعفهِ. واعلمْ أن المصنفَ رحمه الله أعادَ هنا حديثَ عمرانَ بن حصينٍ، وحديثَ جابرٍ، وهما قولُهُ:

‌صلاة المريض على قدر طاقته

13/ 411 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ:"صَلٌ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(4)

. [صحيح]

(وعن عمرانَ بن حصينٍ رضي الله عنه قالَ: كانت بي بواسيرُ فسألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاةِ)، هذا لم يذكرْه المصنفُ فيما سلفَ في هذهِ الروايةِ، (فقال: صلِّ قائمًا،

(1)

كما في "المجمع"(2/ 157) وقال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه كلام.

(2)

في "معرفة السنن والآثار"(4/ 259 رقم 6072).

وأورده السيوطي في "الجامع الصغير"(3/ 483 رقم 4055 - مع الفيض)، وعزاه للطبراني في الأوسط، وزاد المناوي فعزاه للديلمي ونقل كلام الهيثمي.

وانظر: "التلخيص الحبير"(2/ 51)، والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

(3)

في (أ): "المرسل لسعيد".

(4)

في "صحيحه"(2/ 587 رقم 1117).

وتقدم تخريجه رقم الحديث (60/ 311).

ص: 122

فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا؛ فإنْ لم تستطعْ فعَلَى جَنْبٍ. رواهُ البخاريُّ) هوَ كما قالَ، ولم ينسبْه فيما تقدمَ إلى أحدٍ، وقد بَيَّنَّا مَنْ رواهُ غيرُ البخاريِّ وما فيهِ منَ الزيادةِ.

14/ 412 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: عَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرِيضًا فَرَآهُ يُصلِّي عَلَى وِسَادَةٍ فَرَمَى بِهَا، وَقَالَ:"صَلِّ عَلَى الأَرْضِ أِنِ اسْتَطَعْتَ، وَإِلَّا فَأَوْمِ إِيمَاءً، وَاجْعَل سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ"، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ

(1)

، وَصَحَّحَ أَبُو حَاتِمٍ وَقْفَهُ

(2)

. [ضعيف]

(وعن جابرٍ رضي الله عنه قالَ: عادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مريضًا فرآهُ يصلِّي على وسادةٍ فرمَى بها وقالَ: صلِّ على الأرضِ إن استطعتَ، وإلَّا فأوم إيماء، واجعلْ سجودَكَ أخفضَ من ركوعِكَ. رواهُ البيهقيُّ، وصحَّحَ أبو حاتمٍ وقْفَهُ)، زادَ فيما مضَى أنهُ رواهُ البيهقيُّ بإسنادٍ قويٍّ، وقد تقدَّمَا في آخرِ بابِ صفةِ الصلاةِ قُبَيْلَ بابِ سجودِ السهوِ بلفظِهِمَا، وشرحنَاهُمَا هنالكَ فتركْنَا شرحَهُما [ههنا]

(3)

لِذَلك، ثمَّ ذكرَ هنا حديثَ عائشةَ وقد تقدَّم أيضًا في بابِ صفةِ الصلاةِ بلفظهِ، وقالَ [هناك]

(4)

: صحَّحهُ ابنُ خزيمةَ، وهنَا قالَ: صحَّحهُ الحاكمُ [وهوَ]

(5)

:

15/ 413 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي مُتَرَبِّعًا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

(6)

، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ

(7)

. [حسن]

(وعن عائشةَ قالتْ: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي متربّعًا. رواهُ النسائيُّ، وصحَّحهُ الحاكمُ)، وهوَ من أحاديثِ صلاةِ المريضِ لا مِنْ أحاديثِ صلاةِ المسافرِ، وقد أتى بهِ فيما سلفَ، والحديثُ دليل على صفةِ قعودِ المصلِّي إذا كانَ لهُ عذرٌ عن القيامِ، وفيهِ الخلافُ الذي تقدَّمَ.

(1)

في "السنن الكبرى"(2/ 306).

(2)

ذكره الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 227).

وقد تقدم تخريجه رقم (61/ 312).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في (أ): "هنالك".

(5)

زيادة من (ب).

(6)

كما في "تحفة الأشراف"(11/ 443 رقم 16206).

(7)

في "المستدرك"(1/ 258 و 275) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

ص: 123

[الباب الثاني عشر] بابُ الجُمُعَةِ

الجمعةُ بضمِّ الميم، وفيها الإسكانُ والفتحُ، مثلُ هُمَزةٍ ولُمَزةٍ، وكانتْ تسمَّى في الجاهليةِ العروبة. أخرجَ الترمذي

(1)

من حديثِ أبي هريرةَ وقالَ: حسنٌ صحيحٌ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"خيرُ يومٍ طَلَعتْ فيهِ الشمسُ يومُ الجمعةِ: فيهِ خُلِقَ آدمُ، وفيهِ دَخلَ الجنةَ، وفيهِ أُخْرِجَ منْها، ولا تقومُ الساعةُ إلَّا في يومِ الجمعةِ".

‌عقوبة تارك الجمعة

1/ 414 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ - عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ -:"لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

(عن عبدِ اللَّهِ بن عمرَ، وأبي هريرةَ رضي الله عنهم أنَّهما سَمِعَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ على أعوادِ منبرهِ) أي: منبره الذي من عودٍ، لا على الذي كانَ منَ الطينِ ولا على الجذعِ الذي كان يستندُ إليهِ، وهذا المنبرُ عُمِلَ لهُ صلى الله عليه وسلم سنةَ سبعٍ، وقيلَ: سنةَ ثمانٍ، عملهُ لهُ غلامُ امرأةٍ منَ الأنصارِ، كانَ نجارًا، واسمهُ على أصحِّ الأقوال: ميمونٌ، وكانَ على ثلاثِ درجٍ

(3)

، ولم يزلْ عليهِ حتَّى زادهُ مروانُ في زمنِ معاويةَ

(1)

في "السنن"(2/ 359 رقم 488).

قلت: وأخرجه مسلم (854)، والنسائي (1373).

(2)

في "صحيحه"(1/ 592 رقم 40/ 865).

قلت: وأخرجه الدارمي (1/ 368 - 369)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 171).

(3)

أخرج ابن ماجه (1414) عن الطُّفيلِ بن أُبيِّ بن كعبٍ، عن أبيه قال: (كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم =

ص: 124

ستَّ [درج]

(1)

من أسفلهِ، ولهُ قصةٌ في زيادتهِ - وهي أن معاويةَ كتبَ إليهِ أنْ يحملَه إلى دمشقَ، فأمرَ بهِ فقلعَ فأظلمتِ المدينةُ، فخرجَ مروانُ فخطبَ فقالَ: إنَّما أمرني أميرُ المؤمنينَ أنْ [أرفعه ففعل ذلك]

(2)

، وقالَ: إنَّما زدتُ عليهِ لما كثرَ الناسُ، ولم يزلْ كذلكَ حتَّى احترقَ المسجدُ النبويُّ سنة أربعٍ وخمسينَ وستمائةَ فاحترقَ.

(لينتهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهِمُ) بفتحهِ الواوِ، وسكونِ الدالِ المهملةِ، وكسرِ العينِ المهملةِ، أي: تركهم (الجمعاتِ أو ليختمنَّ اللَّهُ على قلوبهمْ) الختمُ: الاستيثاقُ منَ الشيءِ بضربِ الخاتمِ عليهِ كتمًا لهُ وتغطيةً لِئَلَّا يُتوصلُ إليهِ ولا يُطلعُ عليهِ، شبهتِ القلوبُ بسببِ إعراضِهم عن الحقِّ واستكبارِهم عن قَبولِه، وعدمِ نفوذِ الحقِّ إليها بالأشياءِ التي استُوثِقَ عليها بالختمِ، فلا ينفذ إلى باطنِها شيءٌ، وهذهِ عقوبةٌ على عدمِ الامتثالِ لأمرِ اللَّهِ، وعدمِ إتيانِ الجمعةِ من بابِ تيسيرِ العُسْرى (ثمَّ ليكوننَّ من الغافلين. رواه مسلمٌ) بعد ختمهِ تعالى على قلوبِهمْ فيغفلونَ عن اكتسابِ ما ينفعُهم منَ الأعمالِ وعن تركِ ما يضرُّهمْ منها.

وهذا الحديثُ من أعظمِ الزواجرِ عن تركِ الجمعةِ والتساهلِ فيها، وفيهِ إخبارٌ بأنَّ تركَها مِن أعظمِ أسبابِ الخذلان، [ولقد عرفنا من يتساهل بالجمعة

= يُصلِّي إلى جِذْعٍ إذْ كانَ المسجدُ عريشًا. وكانَ يخطُبُ إلى ذلكَ الجِذْعِ، فقالَ رجلٌ من أصحابهِ: هل لكَ أن نجعَلَ لكَ شيئًا تقومُ عليه يومَ الجمعةِ حتى يراكَ الناسُ وتُسْمِعُهم خُطبتَكَ؟ قال: نعم. فصنعَ له ثلاثَ درجاتٍ، فهي التي أعلَى المنبرِ، فلما وُضِعَ المنبرُ وضعُوهُ في موضعِهِ الذي هو فيه، فلما أرادَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن يقومَ إلى المنبر مرَّ إلى الجذع الذي كان يخطُب إليه، فلما جاوزَ الجذع خارَ حتى تصدَّعَ وانشقَّ فنزلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لما سمِعَ صوتَ الجذع، فمسحَهُ بيده حتى سكن، ثم رجعَ إلى المنبر، فكان إذا صلَّى صلّى إليه، فلما هُدِمَ المسجدُ وغيِّرَ أخذَ ذلك الجذع أُبيُّ بنُ كعب، وكان عندَهُ في بيته حتى بلى، فأكلتْهُ الأرضةُ وعادَ رُفاتًا".

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 457 رقم 499/ 1414): "هذا إسناد حسن، رواه أبو يعلى الموصلي في مسند

"، وصحح الألباني الحديث في صحيح ابن ماجه، والله أعلم.

ولمزيد المعرفة انظر: "شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم" لابن كثير (ص 239 - 251)، و"الصحيحة" للألباني رقم (2174).

(1)

في (أ): "درجات".

(2)

في (ب): "أرفعه".

ص: 125

أسبوعًا بعد أسبوع حتى يُحْرَمَ حضورَها بسبب الخِذْلانِ]

(1)

بالكليةِ، والإجماعُ قائمٌ على وجوبها على الإطلاقِ، والأكثرُ أنَّها فرضُ عينٍ، وقال في معالمِ السننِ

(2)

: أنَّها فرضُ كفاية عندَ الفقهاءِ.

‌وقت صلاة الجمعة

2/ 415 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يُسْتَظَلُّ بِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(3)

، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ

(4)

: كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَهُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ نَتتَبَّعُ الْفَيْءَ.

(وعن سلمةَ بن الأكوعِ قالَ: كنَّا نصلِّي معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعةِ، ثمَّ ننصرفُ وليسَ للحيطانِ ظلٌّ يستظلُّ بهِ. متفقٌ عليهِ واللفظُ للبخاريِّ، وفي لفظٍ لمسلمٍ) أي: من روايةِ سلمةَ: (كنَّا نجمعُ معهُ) أي: [مع]

(5)

النبيِّ صلى الله عليه وسلم (إذا زالتِ الشمسُ، ثمَّ نرجعُ نتتبعُ الفيءَ).

الحديثُ دليلٌ على المبادرةِ بصلاةِ الجمعةِ عندَ أولِ زوالِ الشمسِ، والنفي في قولهِ:"وليسَ للحيطانِ ظلٌّ"، متوجهٌ إلى القيدِ، وهوَ قولُه:"إنهُ يستظلُّ بهِ"، لا أنه نفي لأصل الظلِّ حتَّى يكونَ دليلًا [على]

(6)

أنهُ صلَّاها قبلَ [زوال الشمس]

(7)

، وهذا التأويلُ معتبرٌ عندَ الجمهورِ القائلينَ بأنَّ وقتَ الجمعةِ هوَ وقتُ الظهرِ، وذهبَ أحمدُ وإسحاقُ إلى صحةِ صلاةِ الجمعةِ قبلَ الزوالِ.

(1)

زيادة من (أ).

(2)

للخطابي (1/ 644 - هامش سنن أبي داود).

(3)

البخاري (4168)، ومسلم (32/ 860).

قلت: وأخرجه أبو داود (1085)، والنسائي (3/ 100 رقم 1391)، وابن ماجه (1/ 350 رقم 1100).

(4)

في "صحيحه"(2/ 589 رقم 31/ 860).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

في (أ): "الزوال".

ص: 126

واختلفَ أصحابُ أحمدَ

(1)

، فقالَ بعضُهم: وقتُها صلاةُ العيدِ، وقيلَ: الساعةَ السادسةَ، وأجازَ مالكٌ الخطبةَ قبلَ الزوالِ دونَ الصلاةِ، وحجتُهم ظاهرُ الحديثِ وما بعدَهُ، وأصرحُ منهُ ما أخرجهُ أحمدُ

(2)

ومسلمٌ

(3)

من حديثِ جابرٍ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يصلِّي الجمعةَ، ثمَّ نذهبُ إلى جِمَالِنَا فنريحُها حينَ تزولُ الشمسُ، يعني النواضحَ".

وأخرجَ الدارقطنيُّ

(4)

عنْ عبدِ اللَّهِ بن شيبانَ قال: "شهدتُ معَ أبي بكر

(1)

انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 144)، و"الشرح الكبير"(2/ 163 - 166)، و"بداية المجتهد"(1/ 114)، و"المجموع للنووي"(4/ 511 - 512).

(2)

في "الفتح الرباني"(6/ 38 - 39 رقم 1537).

(3)

في "صحيحه"(2/ 588 رقم 29/ 858).

(4)

في "السنن"(2/ 17 رقم 1). ورواته كلهم ثقات إلا عبد الله بن سيدان فمتكلَّم فيه.

قال البخاري في "التاريخ الكبير"(5/ 110): عبد الله بن سِيدان المطرودي لا يتابع في حديثه.

وقال ابن عدي في "الكامل"(4/ 1537): وهو شبه المجهول.

وقال اللالكائي: مجهول لا خير فيه، كما في "لسان الميزان"(3/ 298 - 299).

وقال الذهبي في "الضعفاء"(1/ 341 رقم 3210): تابعي.

والحديث أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند، وأبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له، وابن أبي شيبة، من رواية عبد الله بن سيدان، قال: شهدت الجمعة

الحديث. قال الحافظ في "الفتح"(2/ 387): رجاله ثقات إلّا عبد الله بن سيدان فإنه تابعي كبير إلَّا أنه غير معروف العدالة، وقال النووي في الخلاصة (2/ 373): اتّفقوا على ضعف ابن سيدان.

قال بعض فضلاء العرب: عبد الله بن سيدان صوابه عبد ربه، وهو مقبول من الثالثة كذا في "التقريب"(1/ 122 رقم 6)، لكن من يشهد الجمعة مع أبي بكر يقتضي أنه مخضرم، وإلّا فمن كبار التابعين، فتأمّل عده من الثالثة القرن هم صغار التابعين، انتهى كلام البعض.

وما قال خطأ وليس بوارد على الحافظ، لأن الحافظ ابن حجر إنما عدّ عبد الله بن سيلان باللام بعد السين، أو عبد ربه بن سيلان من الطبقة الثالثة، وليس هو من المخضرمين، ولا من كبار التابعين، وأمّا عبد الله بن سيدان أو سندان بالياء التحتانية أو النون بعد السين الذي هو من كبار التابعين، فليس له ذكر ولا ترجمة في "التقريب" ولا في "التهذيب"، وما أخرج له أحد من الأئمة الستة في كتبهم فاحفظه".

وانظر: "التعليق المغني على الدارقطني"(2/ 17 - 18).

والخلاصة: أن الأثر ضعيف، والله أعلم.

ص: 127

الجمعةَ، فكانتْ خطبتهُ وصلاتُه قبلَ نصفِ النهارِ، ثمَّ شهدتُها معَ عمرَ فكانتْ صلاتُه وخطبتُه إلى أن أقولَ: انتصفَ النهارُ، ثم شهدتُها معَ عثمانَ فكانت صلاتُه وخطبتهُ إلى أن أقول: زال النهارُ، فما رأيتُ أحدًا عابَ ذلكَ ولا أنكرهُ"، ورواهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ في روايةِ ابنِهِ عبدِ اللَّهِ

(1)

، قالَ: وكذلكَ رُوِيَ عن ابن مسعودٍ

(2)

وجابرٍ

(3)

، وسعيدٍ

(4)

، ومعاويةَ

(5)

: "أنَّهم صلُّوا قبلَ الزوالِ".

ودلالةُ هذَا على مذهب أحمدَ واضحةٌ، والتأويلُ الذي سبقَ [منَ]

(6)

الجمهورِ يدفعُه أن [صلاة]

(7)

النبيِّ صلى الله عليه وسلم معَ قراءتهِ سورةَ الجمعةِ والمنافقينَ، وخطبتُهُ لو كانتْ بعدَ الزوالِ لَما ذهبُوا من صلاةِ الجمعةِ إلَّا وللحيطانِ ظلٌّ يستظلُّ بهِ. كذا في الشرحِ، وحقَّقْنَا في حواشي "ضوءُ النهارِ"

(8)

أن وقتَها الزوالُ، ويدلُّ لهُ أيضًا [قولُه] (7):

3/ 416 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا

(1)

قال عبد الله بن أحمد في مسائله (ص 125 - 126 رقم 459): "سئل أبي - وأنا أسمع - عن الجمعة هل تصلّى قبل أن تزول الشمس؟

فقال: حديث ابن مسعود: أنه صلّى بهم الجمعة ضحى، أنه لم تزل الشمس.

وحديث أبي حازم عن سهل بن سعد: كنّا نقيل ونتغدّى بعد الجمعة، فهذا يدلّ على أنه قبل الزوال، ورأيته كأنه لم يدفع هذه الأحاديث أنها قبل الزوال، وكأن رأيه على أنه إذا زالت الشمس فلا شك في الصلاة، ولم تره يدفع حديث ابن مسعود سهل بن سعد على أنه كان ذلك عنده قبل الزوال" اهـ.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 107)، وقال الألباني في "الإرواء" (3/ 63):"وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات، وفي عبد الله بن سلمة ضعف من قبل أنه كان تغيّر حفظه، لكنه هنا يروي أمرًا شاهده بنفسه، والغالب في مثل هذا أنه لا ينساه الراوي وإن كان فيه ضعف، بخلاف إذا كان يروي أمرًا لم يشاهده كحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإنه يخشى عليه أن يزيد فيه أو ينقص منه، وأن يكون موقوفًا في الأصل فتخونه ذاكرته فيرفعه" اهـ.

(3)

لم أقف على إسنادها.

(4)

لم أقف على إسنادها.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 107)، وقال الألباني في "الإرواء" (3/ 63):"وهذا سند رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير سعيد بن سويد - ذكره ابن أبي حاتم (2/ 1/ 29) برواية عن معاوية ورواية عمر وعنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وكذلك ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/ 361)

" اهـ.

(6)

في (ب): "عن".

(7)

زيادة من (أ).

(8)

أي: في "منحة الغفار"(2/ 107 - 108).

ص: 128

بَعْدَ الْجُمُعَةِ. متَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ: فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

‌ترجمة سهل بن سعد

(وعن سهلِ بن سعدٍ) هوَ أبو العباسِ سهلُ بنُ سعدِ بن مالكٍ الخزرجيِّ الساعدي الأنصاري، قيلَ: كانَ اسمهُ حَزَنًا فسمّاهُ صلى الله عليه وسلم سهلًا، ماتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولهُ خمسَ عشرةَ سنةً، وماتَ بالمدينةِ سنةَ إحدى وسبعينَ، وهوَ آخرُ مَنْ ماتَ بالمدينةِ منَ الصحابةِ

(2)

.

(قالَ: ما كنَّا نقيلُ) منَ القيلولةِ، (ولا نتغدَّى إلَّا بعدَ الجمعةِ. متفقٌ عليهِ، واللفظُ لمسلمٍ، وفي روايةٍ: في عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).

في "النهايةِ" المقيلُ والقيلولةُ: الاستراحةُ نصفَ النهارِ وإنْ لم يكنْ معَها نومٌ.

فالحديثُ دليلٌ على ما دلَّ عليهِ الحديثُ الأولُ، وهوَ من أدلَّةِ أحمدَ، وإنَّما أتَى المصنفُ رحمه الله بلفظِ روايةِ:"على عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لِئلَّا يقولَ قائلٌ: إنهُ لم يصرِّحِ الراوي في الروايةِ الأُولى أن ذلكَ كانَ من فعلهِ صلى الله عليه وسلم وتقريرهِ، فدفعهُ بالروايةِ التي أثبتتْ أن ذلكَ كانَ على عهدهِ، ومعلومٌ أنهُ لا يصلِّي الجمعةَ في المدينةِ في عهدهِ سواهُ، فهوَ إخبارٌ عن صلاتهِ. وليسَ فيه دليلٌ على الصلاةِ قبلَ الزوالِ لأنَّهم في المدينةِ ومكةَ، لا يقيلونَ ولا يتغدّونَ إلَّا بعدَ صلاةِ الظهرِ؛ كما قالَ تعالى:{وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ}

(3)

، نعمْ كانَ صلى الله عليه وسلم يسارعُ بصلاةِ الجمعةِ في أولِ وقتِ الزوالِ بخلافِ

(1)

البخاري (939)، ومسلم (30/ 859).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 336)، وأبو داود (1086)، والترمذي (525)، وابن ماجه (1099) وغيرهم.

(2)

انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء"(3/ 422 رقم 72)، و"شذرات الذهب"(1/ 99)، و"الإصابة"(2/ 88)، و"أسد الغابة"(2/ 472).

(3)

سورة النور: الآية 58.

ص: 129

الظهرِ، فقد كانَ يؤخرهُ [بعدَه]

(1)

حتَّى يجتمعَ الناسُ.

‌الخطبة قائمًا ولا يشترط لها ولا للجمعة عدد معين

4/ 417 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

(وعن جابرٍ رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يخطبُ قائمًا، فجاءتْ عيرٌ) بكسرِ العينِ المهملةِ، وسكونِ المثناةِ التحتيةِ فراءٍ، قالَ في "النهايةِ"

(3)

: العيرُ: الإبلُ بأحمالِها. (منَ الشامِ فانفتلَ) بالنونِ الساكنةِ، وفتحِ الفاءِ، فمثناةٍ فوقيةٍ، أي: انصرفَ (الناسُ إليها حتَّى لم يبقَ) أي: في المسجدِ (إلَّا اثنا عشَرَ رجلًا. رواهُ مسلمٌ).

الحديثُ دليلٌ على أنهُ يشرعُ في الخطبةِ أنْ يخطبَ قائمًا، وأنهُ لا يشترطُ لها عددٌ معينٌ، كما قيلَ: إنهُ يشترطُ لها أربعونَ رجلًا، ولا ما قيلَ: إنَّ أقلَّ ما تنعقدُ بهِ اثنا عشرَ رجلًا كما رُويَ عن مالكٍ؛ لأنهُ لا دليلَ أنَّها لا تنعقدُ بأقلَّ. وهذهِ القصةُ هي التي نزلتْ فيها الآيةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً}

(4)

الآيةَ، وقالَ القاضي عياضٌ: إنهُ رَوَى أبو داودَ في مراسيلهِ

(5)

: "أن خطبتهُ صلى الله عليه وسلم التي انفضُّوا عنها إنَّما كانتْ بعدَ صلاةِ الجمعةِ، وظنُّوا أنهُ لا شيءَ عليهم في الانفضاضِ عن الخطبةِ، وأنهُ قبلَ هذهِ القصةِ كانَ يصلِّي قبلَ الخطبةِ". قال القاضي: وهذا أشبهُ بحالِ أصحابهِ، والمظنونُ بهم ما كانُوا يدَعُونَ الصلاةَ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكنَّهم ظنُّوا جوازَ الانصرافِ بعدَ انقضاءِ الصلاةِ.

‌من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة

5/ 418 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَدْرَكَ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "صحيحه"(2/ 590 رقم 36/ 863).

(3)

(3/ 329).

(4)

سورة الجمعة: الآية 11.

(5)

(ص 105 رقم 62) ورجاله ثقات.

ص: 130

رَكْعَةً مِنْ صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَغَيرِهَا فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ"، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

(1)

، وَابْنُ مَاجَهْ

(2)

، وَالدَّارَقُطْنِي

(3)

، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَكِنْ قَوَّى أَبُو حَاتِمٍ

(4)

إِرْسَالَهُ. [صحيح]

(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهم قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: من أدركَ ركعة من صلاةِ الجمعةِ وغيرِها) أي: من سائر الصلواتِ (فليضفْ إليها أخْرى) في الجمعةِ أوْ [في]

(5)

غيرِها، يضيفُ إليها ما بقي من ركعةٍ [فأكثرَ]

(6)

، (وقد تمتْ صلاتُه. رواهُ النسائيُّ، وابنُ ماجهْ، والدارقطنيُّ، واللفظُ لهُ، وإسنادُه صحيحٌ، لكنْ قوَّى أبو حاتم إرسالهُ).

الحديثُ أخرجوهُ من حديثِ بقيةَ. [حدثني]

(7)

يونسُ بنُ يزيدَ عن سالمٍ عن أبيهِ

الحديث. قالَ أبو داودُ والدارقطنيُّ

(8)

: تفرّدَ بهِ بقيةُ عن يونسَ، وقالَ

(1)

في "السنن"(1/ 274 رقم 557).

(2)

في "السنن"(1/ 356 رقم 1123).

(3)

في "السنن"(2/ 12 رقم 12).

(4)

في "العلل"(1/ 172 رقم 491).

ولحديث ابن عمر شاهد من حديث أبي هريرة:

أخرج النسائي (3/ 112 رقم 1425) بإسناد صحيح من طريق قتيبة.

عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك"، وأخرجه الحاكم (1/ 291) من طريق الوليد بن مسلم، عنه بلفظ النسائي إلّا أنه زاد في آخره:"الصلاة".

وأخرجه الحاكم (1/ 291)، والبيهقي (3/ 203)، والدارقطني (2/ 11 رقم 4) بإسناد حسن من طريق أسامة بن زيد الليثي عنه بلفظ:"من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى"، ثم أخرجه الحاكم (1/ 291)، والبيهقي (3/ 253)، والدارقطني (2/ 11 رقم 6) من طريق صالح بن أبي الأخضر عنه بلفظ:"من أدرك من الجمعة ركعة واحدة فليصل إليها أخرى، فإن أدركهم جلوسًا صلّى أربعًا"، ولم يذكر الحاكم الجملة الأخيرة. وأخرجه ابن ماجه (1121) من طريق عمر بن حبيب عنه، بلفظ أسامة بن زيد الليثي. وعمر بن حبيب: متروك.

والخلاصة: أن الحديث بذكر الجمعة صحيح من حديث ابن عمر، والله أعلم.

انظر: "الإرواء" رقم (622)، و"التلخيص الحبير"(2/ 40 - 41).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (ب): "وأكثر".

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في "السنن" للدارقطني (2/ 12 رقم 12): قال أبو بكر بن أبي داود: لم يروه عن يونس إلّا بقية.

ص: 131

ابنُ أبي حاتمٍ في العللِ

(1)

عن أبيه: هذا خطأ في المتنِ والإسنادِ، وإنَّما هوَ عن الزهريِّ عن أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ مرفوعًا:"منْ أدركَ ركعةً منَ الصلاةِ فقدْ أدركَها"، وأما قولهُ:"من صلاةِ الجمعةِ" فوَهْمٌ، وقد أُخْرِجَ الحديثُ من ثلاثةَ عشرَ طريقًا عن أبي هريرةَ، ومن ثلاثةِ طرقٍ عن ابن عمرَ، وفي جميعِها مقال.

وفي الحديثِ دلالةٌ على أن الجمعةَ تصحُّ للَّاحقِ وإنْ لم يدركْ منَ الخطبة شيئًا، وإلى هذَا ذهبَ زيدُ بنُ عليٍّ، والمؤيدُ

(2)

، والشافعيُّ

(3)

، وأبو حنيفةَ

(4)

، وذهبتِ الهادويةُ

(5)

إلى أن إدراكَ شيءٍ منَ الخطبةِ شرطٌ لا تصحُّ [الجمعة]

(6)

بدونهِ، وهذا الحديثُ حجةٌ عليهم وإنْ كانَ فيهِ مقالٌ، لكنَّ كثرةَ طرقِهِ يقوي بعضُها بعضًا معَ أنهُ أخرجهُ الحاكمُ من ثلاثِ طرقٍ

(7)

: أحدُها من حديث أبي هريرةَ وقال فيها: على شرطِ الشيخينِ، ثمَّ الأصلُ عدمُ الشرطِ حتَّى يقومَ عليه دليلٌ.

‌هل القيام شرط في الخطبة

6/ 419 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا، فَمَنْ نَبَّأكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

(8)

. [صحيح]

(وعن جابرِ بن سمُرةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يخطبُ قائمًا ثمَّ يجلسُ، ثمَّ يقومُ فيخطبُ قائمًا، فمنْ أنبأكَ أنهُ كانَ يخطبُ جالسًا فقد كذبَ. أخرجهُ مسلمٌ).

الحديثُ دليلٌ أنهُ يشرعُ القيامُ حالَ الخطبتين، والفصلُ بينَهما بالجلوسِ، وقد اختلفَ العلماءُ هل [هو]

(9)

واجبٌ أو سنةٌ؟

(1)

(1/ 1772 رقم 491).

(2)

"الروض النضير"(2/ 214).

(3)

"مغني المحتاج"(1/ 296).

(4)

"بدائع الصنائع"(1/ 267).

(5)

"التاج المذهب"(1/ 140).

(6)

في (أ): "الصلاة".

(7)

تقدم قريبًا في تخريج الحديث (5/ 418).

(8)

في "صحيحه"(2/ 589 رقم 35/ 862).

قلت: وأخرجه أبو داود (1093)، والنسائي (3/ 110 رقم 1417).

(9)

زيادة من (ب).

ص: 132

فقالَ أبو حنيفةَ

(1)

: إنّ القيامَ والقعودَ سنةٌ، وذهبَ مالكٌ

(2)

إلى أن القيامَ واجبٌ، فإنْ تركَه أساءَ وصحَّتِ الخطبةُ، وذهبَ الشافعيُّ

(3)

وغيرُه إلى أن الخطبة لا تكونُ إلَّا منْ قيامٍ لمنْ أطاقهُ، واحتجُّوا بمواظبتهِ صلى الله عليه وسلم على ذلكَ حتَّى قال جابرٌ: "فمنْ أنباكَ

إلى آخرِه، [وبما]

(4)

رُوِيَ أن كعبَ بنَ عجرةَ

(5)

لما دخلَ المسجدَ وعبدُ الرحمنِ بنُ أمِّ الحكمِ يخطبُ قاعدًا فأنكرَ عليهِ وتلا عليهِ: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} ، وفي روايةِ ابن خزيمة

(6)

: "ما رأيتُ كاليومِ قطُّ إمامًا يؤمُّ المسلمينَ يخطبُ وهو جالسٌ. يقولُ ذلكَ مرتينِ".

وأخرجَ ابنُ أبي شيبةَ

(7)

عن طاوسَ: "خطبَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قائمًا، وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ، وأولُ مَنْ جلسَ على المنبرِ معاويةُ"، وأخرجَ ابنُ أبي شيبةَ

(8)

عن الشعبيِّ: "أن معاويةَ إنَّما خطبَ قاعدًا لما كثرَ شحمُ بطنهِ ولحمُه"، وهذا إبانةٌ للعذرِ، فإنهُ معَ العذرِ في حكم المتفقِ على جوازِ القعودِ في الخطبةِ. وأمَّا حديثُ أبي سعيدٍ الذي أخرجهُ البخاريُّ

(9)

: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جلسَ ذاتَ يومٍ على المنبرِ، وجلسْنَا حولَه"، فقد أجابَ عنهُ الشافعي أنهُ كانَ في غيرِ جمعةٍ، وهذه الأدلةُ تقضِي بشرعيةِ القيامِ والقعودِ المذكورين في الخطبةِ.

وأمَّا الوجوبُ وكونُه شرطًا في صحتِها فلا دلالةَ عليهِ في اللفظِ؛ إلَّا أَنَّهُ قد ينضمُّ إليهِ دليلُ وجوب التأسّي بهِ صلى الله عليه وسلم، وقد قالَ:"صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي"

(10)

، وفعلُهُ في الَجمعةِ في الخطبتينِ، وتقديمُها على الصلاةِ مبينٌ لآيةِ الجمعةِ، فما واظبَ عليهِ فهوَ واجبٌ، وما لمْ يواظبْ عليهِ كانَ في التركِ دليلٌ على عدمِ الوجوبِ، فإنْ صحَّ أن قعودَه صلى الله عليه وسلم في حديثِ أبي سعيدٍ كانَ في خطبةِ الجمعةِ كان الأقوى القولُ الأولُ، وإنْ لم يثبتْ فالقولُ الثاني.

(1)

"بدائع الصنائع"(1/ 263).

(2)

"قوانين الأحكام الشرعية"(ص 96).

(3)

"المجموع" للنووي (4/ 515).

(4)

في (أ): "ولما".

(5)

أخرجه مسلم (39/ 864)، والنسائي (3/ 102 رقم 1397).

(6)

ذكرها ابن حجر في "الفتح"(2/ 401).

(7)

في "المصنف"(2/ 112).

(8)

في "المصنف"(2/ 113).

(9)

في "صحيحه"(7/ 227 رقم 3904).

(10)

أخرجه البخاري (631)، ومسلم (24/ 391) من حديث مالك بن الحويرث.

ص: 133

(فائدةٌ): تسليمُ الخطيبِ على المنبرِ على الناسِ فيهِ حديثٌ أخرجهُ الأثرمُ بسندهِ

(1)

عن الشعبيِّ: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا صعدَ المنبرَ يومَ الجمعةِ استقبلَ الناسَ فقالَ: السلامُ عليكمْ" الحديثَ، وهوَ مرسلٌ، وأخرجَ ابنُ عديٍّ

(2)

: "أنهُ كانَ إذا دَنَا من منبرهِ سلَّمَ على مَنْ عندَ المنبرِ ثمَّ صعدَ، فإذا استقبلَ الناسَ بوجههِ سلَّم ثمَّ قعدَ"، إلَّا أَنَّهُ ضعَّفَهُ ابنُ عديٍّ بعيسى بن عبدِ اللَّهِ الأنصاريِّ، وضعَّفهُ به ابنُ حبانَ

(3)

.

‌كيف كان يخطب النبيّ صلى الله عليه وسلم

-

7/ 420 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ:"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ

(5)

: كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ: يَحْمَدُ اللَّهَ ويُثْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ - وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ

(6)

: "مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ"، وَلِلنَّسَائِي

(7)

: "وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ". [صحيح]

(وعن جابرِ بن عبدِ اللَّهِ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا خطبَ احمرَّتْ عيناهُ وعلا صوتُه واشتدَّ غضبهُ، حتَّى كأنهُ منذرُ جيشٍ يقولُ: صبَّحكم ومسَّاكم، ويقولُ: أمَّا بعدُ، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وخيرَ الهَدْي هديُ محمدٍ). قالَ النوويُّ (8): ضبطناهُ في مسلمٍ

(8)

بضمِّ الهاءِ، وفتحِ الدالِ فيهما، وبفتحِ الهاءِ، وسكونِ الدالِ

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 914)، وعبد الرزاق في "المصنف"(3/ 93 رقم 5252) عنه مرسلًا.

(2)

في "الكامل"(5/ 1863).

(3)

في "المجروحين"(2/ 121).

(4)

في "صحيحه"(2/ 592 رقم 43/ 867).

(5)

في "صحيحه"(2/ 592 رقم 44/ 867).

(6)

في "صحيحه"(2/ 593 رقم 45/ 867).

(7)

في "السنن"(3/ 188 - 189 رقم 1578).

(8)

بشرح النووي (6/ 154).

ص: 134

فيهمَا، وفسّرهُ الهرويُّ

(1)

على روايةِ الفتحِ بالطريقِ، أي: أحسنَ الطريقِ طريقُ محمدٍ، وعلى روايةِ الضمِّ معناهُ الدلالةُ والإرشادُ، وهو الذي يضافُ إلى الرسلِ وإلى القرآنِ، قالَ تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي}

(2)

، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي}

(3)

، وقد يضافُ إليهِ تعالى، وهوَ بمعنَى اللطفِ والتوفيق والعصمة:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}

(4)

الآيةَ.

(وشرَّ الأمورِ محدثاتُها)، المرادُ بالمحدَثاتِ ما لم يكن ثابتًا بشرعٍ منَ الله ولا مِن رسولهِ، (وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ) البدعةُ لغةً: ما عُمِلَ على غيرِ مثالٍ سابقٍ، والمرادُ بها هنا: ما عُمِلَ مِن دونِ أن يسبقَ لهُ شرعيةٌ من كتابٍ ولا سنةٍ، (رواهُ مسلمٌ).

وقد قسَّمَ العلماءُ البدعةَ خمسةَ أقسامٍ: واجبةٌ: كحفظِ العلويم بالتدوينِ، والردِّ على الملاحدةِ بإقامةِ الأدلةِ، ومندوبةٌ: كبناءِ المدارسِ، ومباحةٌ: كالتوسعة في ألوانِ الأطعمةِ وفاخرِ الثيابِ، ومحرَّمةٌ ومكروهةٌ: وهما ظاهرانِ، فقولُه:"كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ"

(5)

عامٌّ مخصوصُ.

(1)

في غريب الحديث لفظ "هدى".

(2)

سورة الشورى: الآية 52.

(3)

سورة الإسراء: الآية 9.

(4)

سورة القصص: الآية 56.

(5)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم"(ص 274)""ولا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية، وهي قوله:"كل بدعة ضلالة" بسلب عمومها، وهو أن يقال: ليس كل بدعة ضلالة، فإن هذه إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل" اهـ.

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "جامع العلوم والحكم"(ص 252): "فقوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحْدَثَ في أمرنا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية: "من عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ". [أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (4/ 355) ووصله (5/ 301)، ومسلم (1718)، وأبو داود (4606)، وابن ماجه (14)].

فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والذين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة، وأمّا ما وقع من كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية

" اهـ.

وانظر كتابنا: "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة"، الفائدة الرابعة: البدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.

ص: 135

وفي الحديثِ دليلٌ على أنهُ يستحبُّ للخطيبِ أنْ يرفعَ بالخطبةِ صوتَه، ويجزلَ كلامَهُ، ويأتي بجوامعِ الكلم منَ الترغيبَ والترهيبَ، ويأتي بقول:(أما بعدُ)، وقد عقدَ البخاريُّ بابًا في استحبابِها

(1)

، وذكرَ فيهِ جملةً منَ الأحاديثِ، وقد جمعَ الرواياتِ التي فيها ذكرُ "أما بعدُ" لبعضِ المحدِّثينَ، وأخرجَها عن اثنينِ وثلاثينَ صحابيًا، وظاهرهُ أنهُ كانَ صلى الله عليه وسلم يلازمُها في جميعِ خُطَبِهِ، وذلكَ بعدَ حمدِ اللَّهِ والثناءِ [عليه]

(2)

والتشهُّدِ، كما تفيدُه الروايةُ المشارُ إليها بقولهِ:(وفي روايةٍ له)، أي: لمسلمٍ عن جابرِ بن عبدِ اللَّهِ: (كانت خطبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعةِ، يحمدُ اللَّهَ ويثني عليهِ، ثمَّ يقولُ على أثر ذلكَ وقد علا صوتُه) حذفَ المقولَ اتّكالًا على ما تقدمَ، وهوَ قولُهُ:"أما بعدُ، فإنَّ خيرَ الحديثِ" إلى آخرهِ [ما تقدمَ]

(3)

، ولم يذكرِ الشهادةَ اختصارًا لثبوتِها في غيرِ هذهِ الروايةِ، فقد ثبتَ أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ:"كلُّ خُطْبَةٍ ليسَ فيها تشهُّدٌ فهي كاليد الجذماءِ"

(4)

، وفي "دلائلُ النبوةِ" للبيهقي

(5)

من حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا حكايةً عن اللَّهِ عز وجل: "وجعلتُ أمَّتَكَ لا يجوزُ لهم خطبةٌ حتَّى يشهدُوا أنكَّ عبدي ورسولي"، وكانَ يذكرُ في تشهدهِ نفسَه باسمِهِ العَلَمِ.

(وفي رواية لهُ) أي: لمسلم عن جابر: (من يهدِ اللَّهُ فلا مضلَّ لهُ، ومن يضللْ فلا هاديَ له) أي: أنهُ يأتي بهذهِ الألفاظِ بعدَ "أما بعدُ"، (وللنسائيِّ) أي: عن جابرٍ: (وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ) أي: بعد قولِه: "كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ" كما هوَ في النسائي، واختصرهُ المصنفُ، والمرادُ صاحبُها.

وكانَ يعلمُ أصحابهُ في خطبتهِ قواعدَ الإسلامِ وشرائعَه، ويأمرُهم وينهاهُمْ

(1)

(2/ 402 رقم الباب 29)، وذكر جملة من الأحاديث رقم (922، 923، 924، 925، 926، 927).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد (2/ 302 و 343)، وأبو داود (4841)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 229)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 43)، الترمذي (1106) من طرق عن أبي هريرة.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

(5)

لم أعثر عليه!.

ص: 136

في [خطبته]

(1)

إذا عرضَ لهُ أمرٌ، أو نهيٌ كما أمرَ الداخلَ - وهو يخطبُ - أن يصلِّيَ ركعتينِ، ويذكرُ معالمَ الشرائعِ في الخطبةِ، والجنةَ، والنارَ، والمعادَ، ويأمرُ بتقوى اللَّهِ، ويحذرُ من غضبه، ويرغِّبُ في موجباتِ رضاهُ، وقد وردَ قراءةُ آيةٍ في حديثِ مسلمٍ

(2)

: "كانَ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خطبتانِ يجلسُ بينَهما يقرأُ القرآنَ، ويذكِّرُ الناسَ ويحذرُ"، وظاهرُه محافظتُه صلى الله عليه وسلم على ما ذكرَ في الخطبةِ، ووجوبُ ذلكَ؛ لأنَّ فعلَه بيانٌ لما أُجْمِلَ في آيةِ الجمعةِ. وقد قالَ صلى الله عليه وسلم:"صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي"

(3)

، وقد ذهبَ إلى هذا الشافعيُّ، وقالتِ الهادويةُ: لا يجبُ في الخطبةِ إلَّا الحمدُ والصلاةُ على النبيّ صلى الله عليه وسلم في الخطبتينِ جميعًا، وقالَ أبو حنيفةَ: يكفي سبحانَ اللَّهِ، والحمدُ للَّهِ، ولا إلهَ إِلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكبرُ. وقالَ مالكٌ: لا يجزي إلَّا ما يسمَّى خطبة

(4)

.

‌تطويل الصلاة وتقصير الخطبة علامة فقه الرجل

8/ 421 - وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(5)

. [صحيح]

(وعن عمَّارِ بن ياسرٍ رضي الله عنه قالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: إنَّ طولَ صلاةِ الرجلِ وقِصَرَ خطبتهِ مَئِنَّةٌ) بفتحِ الميمِ، ثمَّ همزةٌ مكسورةٌ، ثمَّ نونٌ مشددةٌ، أي: علامةٌ (من فقههِ) أي: مما يعرفُ بهِ فقهُ الرجلِ، وكلُّ شيءٍ دلَّ على شيءٍ فهو مئنةٌ لهُ، (رواهُ مسلمٌ).

وإنَّما كانَ قصرُ الخطبةِ علامةً على فقهِ الرجلِ؛ لأنَّ الفقيهَ هوَ المطلعُ على حقائقِ المعاني، وجوامعِ الألفاظِ، فيتمكّن منَ التعبيرِ بالعبارةِ الجزلةِ المفيدةِ،

(1)

في (أ): "خطبه".

(2)

في "صحيحه"(2/ 589 رقم 34/ 862) من حديث جابر بن سَمُرَة.

(3)

تقدم قريبًا، وهو حديث صحيح.

(4)

انظر: "الفقه الإسلامي وأدلته" للزحيلي (2/ 285 - 290).

(5)

في "صحيحه"(2/ 594 رقم 47/ 869).

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 263)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 208)، والحاكم (3/ 393)، وابن خزيمة (3/ 142 رقم 1782).

ص: 137

ولذلكَ كانَ من تمامِ رواية هذا الحديثِ: "فأطيلُوا الصلاةَ، واقصرُوا الخطبةِ، وإنَّ منَ البيانِ لسِحرًا"، فشبَّهَ الكلامَ العاملَ في القلوبِ الجاذبَ للعقولِ بالسحرِ، لأجلِ ما اشتملَ عليهِ من الجزالةِ، وتناسقِ الدلالةِ وإفادةِ المعاني الكثيرةِ، ووقوعِهِ في مجازِهِ من الترغيبِ والترهيب ونحو ذلك، ولا يقدرُ عليهِ إلَّا مَنْ فقِه [في المعاني]

(1)

وتناسقِ دلالتها، فإنهُ يتمكّنُ منَ الإتيانِ بجوامعِ الكلمِ، وكانَ ذلكَ من خصائصهِ صلى الله عليه وسلم؛ فإنهُ أُوتِي جوامعَ الكلمِ.

والمرادُ من طولِ الصلاةِ الطولُ الذي لا يدخلُ فاعلُه تحتَ النهي، وقد كانَ يصلِّي صلى الله عليه وسلم الجمعةَ بالجمعةِ، والمنافقينَ، وذلكَ طولٌ بالنسبة إلى خطبتهِ، وليسَ بالتطويلِ المنهيِّ عنهُ.

‌قراءة سورة ق في الخطبة

9/ 422 - وَعَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا أَخَذْتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

(وعن أمِّ هشامٍ بنتِ حارثةَ بن النعمانِ رضي الله عنهما) هي الأنصاريةُ، رَوَى عنها حبيبُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنُ يسافٍ، قالَ أحمدُ بنُ زهيرٍ: سمعتُ أبي يقولُ: أمُّ هشامٍ بنتُ حارثةَ بايعتْ بيعةَ الرضوانِ. ذكرهُ ابنُ عبدِ البرِّ في الاستيعابِ

(3)

ولم يذكر اسمَها، وذكرَها المصنّفُ في التقريبِ

(4)

ولم يسمِّها أيضًا، وإنَّما قالَ: صحابيةٌ مشهورةٌ.

(قالتْ: ما أخذتُ ق والقرآنِ المجيدِ إلَّا عن لسانِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يقرؤُها كلَّ جمعةٍ على المنبرِ إذا خطبَ الناسَ. رواهُ مسلمٌ).

فيه دليلٌ على مشروعيةِ قراءةِ سورةِ ق في الخطبةِ كلَّ جمعةٍ، قالَ

(1)

في (أ): "بالمعاني".

(2)

في "صحيحه"(5/ 592 رقم 51/ 873).

قلت: وأخرجه النسائي (3/ 107 رقم 1411)، وأبو داود (1100).

(3)

(4/ 504 - بهامش الإصابة).

(4)

(2/ 626 رقم 97).

ص: 138

العلماءُ: وسببُ اختيارهِ صلى الله عليه وسلم هذه السورةَ لِمَا اشتملتْ عليهِ من ذكرِ البعثِ والموتِ والمواعظِ الشديدةِ والزواجرِ الأكيدةِ. وفيهِ دلالةٌ لقراءةِ شيءٍ منَ القرآنِ في الخطبةِ كما سبقَ، وقدْ قامَ الإجماعُ على عدمِ وجوبِ قراءةِ السورةِ المذكورةِ ولا بعضِها في الخطبةِ، [وكانتْ]

(1)

محافظتُه على هذهِ السورةِ اختيارًا منهُ لما هوَ الأحسنُ في الوعظِ والتذكيرِ. وفيهِ دلالةٌ على ترديدِ الوعظِ في الخطبة.

‌النهي عن الكلام حال الخطبة

10/ 423 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ - وَالإِمَامُ يَخْطُبُ - فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ، لَيسَتْ لَهُ جُمُعَةٌ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ يُفَسِّرُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ

(3)

مَرْفُوعًا. [حسن لغيره]

(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تكلَّمَ يومَ الجمعةِ - والإمامُ يخطبُ - فهوَ كمثلِ الحمارِ يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصتْ ليستْ له جمعةٌ. رواهُ أحمدُ بإسنادٍ لا بأسَ بهِ)، ولهُ شاهدٌ قويٌّ في جامعِ حمادٍ مرسلٌ

(4)

، (وهوَ) أي: حديثُ ابن عباسٍ (يفسِّرُ) الحديثَ.

(1)

في (ب): "وكان".

(2)

في "المسند"(1/ 230)، قلت: وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 463 رقم 793)، وقال أحمد بن حنبل: مجالد ليس بشيء، وقال يحيى: لا يُحتجّ بحديثه، وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 184) وقال:"رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير، وفيه مجالد بن سعيد وقد ضعَّفه الناس ووثّقه النسائي في رواية" اهـ.

وأورده ابن حجر في "الفتح"(2/ 414) قال عقبه: "وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفًا" اهـ.

(3)

البخاري (394)، ومسلم (851).

قلت: وأخرجه أبو داود (1112)، والترمذي (511)، والنسائي (3/ 104)، وابن ماجه (1110)، ومالك (1/ 103 رقم 6).

(4)

كما في "فتح الباري"(2/ 414).

ص: 139

11/ 424 - "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبكَ: أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ"

(1)

. [صحيح]

(وعن أبي هريرةَ في الصحيحينِ مرفوعًا: إذا قلتَ لصاحبِكَ أنصتْ يومَ الجمعةِ والإمامُ يخطبُ، فقدْ لغوتَ)، في قوله:"يَومَ الجمعةِ" دلالةٌ على أن خطبةَ غيرِ الجمعةِ ليستْ مثلَها يُنْهَى عن الكلامِ حالَها، وقولُه:"والإمامُ يخطبُ" دليل على أنهُ يختصُّ النهيُ بحالِ الخطبةِ، وفيهِ ردٌّ على مَنْ قالَ: إنهُ يُنْهَى عن الكلامِ من حالِ خروجِ الإمامِ. وأمّا الكلامُ [حالَ]

(2)

جلوسِه بينَ الخطبتينِ فهوٍ غير خاطبٍ، فلا يُنْهَى عن الكلامِ حالَه، وقيلَ: هوَ وقتٌ يسيرٌ يُشَبَّهُ بالسكوتِ للتنفسِ فهوَ في حكمِ الخاطب، وإنَّما شبَّههُ بالحمارِ يحملُ أسفارًا لأنهُ فاتهُ الانتفاعُ بأبلغ نافعٍ، وقدْ تكلَّفَ المشقةَ وأتعبَ نفسهُ في حضورِ الجمعةِ، والمشبَّهُ بهِ كذلكَ فاتَهُ الانتفاعُ بأبلغِ نافعٍ معَ تحمُّلِ التعبِ في استصحابهِ.

وفي قولهِ: "ليستْ لهُ جمعةٌ" دليلٌ على أنهُ لا صلاةَ لهُ، فإنَّ المرادَ بالجمعةِ الصلاةُ، إلَّا أنَّها تجزئُهُ إجماعًا، فلا بدَّ من تأويلِ هذَا بأنهُ نفيٌ للفضيلةِ التي يحوزُها مَنْ أنصتَ، وهوَ كما في حديثِ ابن عمرَ الذي أخرجهُ أبو داودَ

(3)

، وابنُ خزيمةَ

(4)

بلفظِ: "مَنْ لغا وتخطَّى رقابَ الناسِ كانتْ لهُ ظُهرًا"، قال ابنُ وهبٍ، أحدُ رواتهِ: معناهُ أجزأتْهُ الصلاةُ وحُرِمَ فضيلةَ [الجماعةِ]

(5)

.

وقدِ احتَجَّ بالحديثِ مَنْ قال بحرمةِ الكلامِ حالَ الخطبةِ، وهمُ الهادويةُ، وأبو حنيفةَ، ومالكٌ، وروايةٌ عن الشافعي، فإنَّ تشبيهَهُ بالمشبهِ بهِ المستنكرِ، وملاحظةَ وجهِ الشبهِ يدلُّ على قبحِ ذلكَ، وكذلكَ نسبتُه إلى فواتِ الفضيلةِ الحاصلةِ بالجمعةِ ما ذاكَ إلَّا لما يلحقُ المتكلمَ مِنَ الوزرِ الذي يقاومُ الفضيلةَ مُحبطًا لها، وذهبَ القاسمُ، وابنا الهادي، وأحدُ قولَيْ أحمدَ والشافعي إلى

(1)

وهو حديث صحيح، تقدَّم تخريجه في الحديث (10/ 423) الذي تقدَّم.

(2)

في (ب): "عند".

(3)

في "السنن"(1/ 247 رقم 347).

(4)

في "صحيحه"(3/ 156 رقم 1810) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو حديث صحيح.

(5)

في (أ): "الجمعة".

ص: 140

التفرقةِ بينَ مَنْ يسمعُ الخطبةَ ومَنْ لا يسمعُها

(1)

، ونقلَ ابنُ عبدِ البرِّ

(2)

الإجماعَ على وجوبِ الإنصاتِ على مَنْ يسمعُ خطبةَ الجمعةِ إلَّا عن قليلٍ منَ التابعينَ.

وقولُه: (إذا قلتَ لصاحبكَ أنصتْ فقد لغوتَ)[تأكيدٌ]

(3)

في النهيِ عن الكلام؛ لأنهُ إذا عُدَّ منَ اللغوِ وهوَ أمرٌ بمعروفٍ فأَوْلَى غيرُه، فعلَى هذا يجبُ [عليهِ]

(4)

أَن يأمرَه بالإشارةِ [إنْ]

(5)

أمكنَ ذلكَ، والمرادُ بالإنصاتِ قيلَ: من مكالمةِ الناسِ، فيجوزُ على هذا الذكرُ وقراءةُ القرآنِ، والأظهرُ أن النهيَ شاملٌ للجميعِ، ومَنْ فرَّقَ فعليهِ الدليلُ، فمثلُ جوابِ التحيةِ والصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم عندَ ذكرِه عندَ مَنْ يقولُ بوجوبها، فقد تعارضَ فيهِ عمومُ النهي هنا، وعمومُ الوجوبِ فيهما، وتخصيصُ أحدِهما لعمومِ الآخرِ تحكُّمٌ من دونِ مرجِّع. واختلفُوا في معنَى قولهِ:"لغوتَ"، والأقربُ ما قالهُ ابنُ المنيِّرِ أن اللغوَ ما لا يحسنُ، وقيلَ: بطلتْ فضيلةُ جُمُعَتِك وصارتْ ظهرًا.

‌تحية المسجد والإمام يخطب

12/ 425 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَقَالَ:"صَلَّيتَ"؟ قَالَ: لَا، قَالَ:"قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَينِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

(وعن جابرٍ رضي الله عنه قالَ: دخلَ رجل يومَ الجمعةِ والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطبُ، فقالَ: صليتَ؟ قالَ: لا، قالَ: قُمْ صلِّ ركعتينِ. متفقٌ عليهِ)، الرجلُ هوَ: سُليكُ الغطفاني، سمَّاهُ في

(1)

انظر: "الفقه الإسلامي وأدلته"(2/ 294 - 296 رقم 11)، و"نيل الأوطار"(3/ 273 - 274).

(2)

في "التمهيد"(19/ 32).

وقال الحافظ في "الفتح"(2/ 415): "وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين

" اهـ.

(3)

في (أ): "تأكيدًا".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في (أ): "إذا".

(6)

البخاري (931)، ومسلم (55/ 875)، قلت: وأخرجه أبو داود (1115)، والترمذي (510)، والنسائي (3/ 103 رقم 1400)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 194).

ص: 141

روايةِ مسلمٍ

(1)

، وقيلَ: غيرُهُ، وحذفتْ همزةُ الاستفهامِ من قولهِ:"صلَّيتَ"، وأصلُهُ أصليتَ، وفي مسلمٍ

(2)

قالَ لهُ: "أصليتَ"، وقد ثبتَ في بعضِ طرقِ البخاريِّ. وسُليكٌ بضمِّ السينِ المهملةِ، بعدَ اللامِ مثناةٌ تحتيةٌ، مصغرٌ، الغطفاني بفتحِ الغينِ المعجمةِ، فطاءٍ مهملةٍ بعدَها فاءٌ.

وقولُه: "صلِّ ركعتينِ"، وعندَ البخاريِّ وصفَهما بخفيفتينِ

(3)

، وعندَ مسلمٍ

(4)

: "وتجوَّز فيهمَا". وبوَّبَ البخاريُّ لذلكَ بقولهِ: (بابُ مَنْ جاءَ والإمامُ يخطبُ يصلِّي ركعتينِ خفيفتينِ)

(5)

.

وفي الحديثِ دليلٌ على أن تحيةَ المسجدِ تُصَلَّى حالَ الخطبةِ، وقد ذهبَ إلى هذا طائفةٌ منَ الآلِ والفقهاءِ والمحدِّثينَ، ويخفِّفهُما [ليفرغَ]

(6)

لسماعِ الخطبةِ. وذهبَ جماعةٌ من السلفِ والخلفِ إلى عدمِ شرعيتهمَا حالَ الخطبةِ، والحديثُ هذا حجةٌ عليهمْ، وقد تأوَّلُوهُ بأحدَ عشرَ تأويلًا، كلُّها مردودةٌ، سردَها [الحافظ](6) المصنفُ في [فتح الباري]

(7)

بردودِها، [ونقلها]

(8)

[ذلك]

(9)

الشارحُ [رحمه الله في الشرحِ]

(10)

، واستدلُّوا بقولهِ تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}

(11)

، ولا دليلَ في ذلكَ؛ لأنَّ هذا خاصٌّ وذلكَ عام، ولأنَّ الخطبةَ ليستْ قرآنًا.

[وبأنهُ]

(12)

صلى الله عليه وسلم نَهَى الرجلَ أنْ يقولَ لصاحبهِ والخطيبُ يخطبُ: "أنصتْ"، [وهو]

(13)

أمرٌ بمعروفٍ، وجوابهُ أن هذا أمرُ الشارعِ، وهذَا أمرُ الشارعِ، فلا تعارضَ بينَ أمرَيْه، بلِ القاعدُ ينصتُ والداخلُ يركعُ التحيةَ.

(1)

(2/ 597 رقم 58، 59/ 875).

(2)

(2/ 596 رقم 54، 55/ 875).

(3)

البخاري وصفهما بخفيفتين في عنوان الباب (33)، وقال ابن حجر في "الفتح" (2/ 412):"قال الإسماعيلي: لم يقع في الحديث الذي ذكره التقييد بكونهما خفيفتين. قلت: هو كما قال، إلّا أن المصنف جرى على عادته في الإشارة إلى ما في بعض طرق الحديث وهو كذلك" اهـ.

(4)

(2/ 597 رقم 59/ 875).

(5)

(2/ 412 رقم الباب 33).

(6)

زيادة من (أ).

(7)

(2/ 409 - 411)، وفي (أ):"الفتح".

(8)

في (ب): "ونقل".

(9)

زيادة من (ب).

(10)

زيادة من (أ).

(11)

سورة الأعراف: الآية 204.

(12)

في (أ): "ولأنه".

(13)

في (أ): "وهذا".

ص: 142

وبإطباقِ أهلِ المدينةِ خَلَفًا عن سلفٍ على منعِ النافلةِ حالَ الخطبةِ، وهذَا الدليلُ للمالكيةِ، وجوابهُ أنهُ ليسَ إجماعُهم حجةً لو أجمعُوا كما عُرفَ في الأصولِ، على أنهُ لا يتمُّ دعوى [إجماعِهم]

(1)

، فقد أخرجَ الترمذيُّ

(2)

، وابنُ خزيمةَ وصحَّحهُ

(3)

أن أبا سعيدٍ أتَى ومروانُ يخطبُ فصلَّاهُما، فأرادَ حرسُ مروانَ أن يمنعُوهُ فأبَى حتَّى صلَّاهما [ثمَّ قالَ]

(4)

: ما كنتُ لأدعَهما بعدَ أنْ سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يأمرُ بهمَا.

وأمَّا حديثُ ابن عمرَ عندَ الطبرانيِّ في الكبيرِ

(5)

مرفوعًا بلفظِ: "إذا دخلَ أحدُكم المسجدَ والإمامُ يخطبُ فلا صلاةَ ولا كلامَ حتَّى يفرغَ الإمامُ"؛ ففيهِ أيوبُ بنُ نهيكٍ متروكٌ، وضعَّفهُ جماعةٌ، وذكرهُ ابنُ حبانَ في الثقاتِ

(6)

وقالَ: يخطئُ. وقد أُخِذَ منَ الحديثِ أنهُ يجوزُ للخطيب أنْ يقطعَ الخطبةَ باليسيرِ منَ الكلامِ، وأجيبَ عنهُ بأنَّ هذا الذي صدرَ منهُ صلى الله عليه وسلم من جملةِ الأوامرِ التي شُرِعَتْ لها الخطبةُ، وأمرُهُ صلى الله عليه وسلم بهَا دليلٌ على وجوبها، وإليهِ ذهبَ البعضُ.

وأمَّا مَنْ دخلَ الحرمَ في غيرِ حالِ الخطبةِ، فإنهُ يشرعُ لهُ الطوافُ فإنهُ تحيتهُ، أو لأنهُ في الأغلبِ لا يقعدُ إلَّا بعدَ صلاةِ ركعتي الطوافِ، وأما صلاتُها قبلَ صلاةِ العيدِ فإنْ كانتْ صلاةُ العيدِ في جبَّانةٍ غيرِ مسبَلةٍ فلا يشرعُ لها التحيةُ مطلقًا، وإنْ كانت في مسجدٍ فتشرعُ، وأما كونهُ صلى الله عليه وسلم لما خرجَ إلى صلاتهِ لم يصلِّ قبلَها شيئًا فذلكَ لأنهُ حالَ قدومهِ اشتغل بالدخولِ في صلاةِ العيدِ، ولأنهُ كانَ يصلِّيها في الجبانةِ ولم يصلِّها إلّا مرةً واحدةً في مسجدهِ صلى الله عليه وسلم، فلا دليلَ [فيهِ]

(7)

على أنَّها لا تشرعُ لغيرهِ ولو كانت [صلاة](7) العيد في مسجدٍ.

‌ما يقرأ في الجمعة والعيدين

13/ 426 - وَعَنْ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ

(1)

في (أ): "الإجماع".

(2)

في "السنن"(2/ 385 رقم 511)، وقال: حديث حسن صحيح.

(3)

(3/ 165 رقم 1830) إسناده حسن.

(4)

في (أ): "فقال".

(5)

كما في "مجمع الزوائد"(2/ 184).

(6)

(6/ 61).

(7)

زيادة من (أ).

ص: 143

الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقرأ في صلاةِ الجمعةِ سورةَ الجمعةِ) في الأولى (والمنافقينَ) في الثانية [أي]

(2)

: بعدَ الفاتحةِ فيهما لما علمَ من غيرهِ (رواهُ مسلمٌ)، وإنَّما خصَّهما بهما لما في سورةِ الجمعةِ منَ الحثِّ على حضورِها والسعي إليها وبيانِ فضيلةِ بعثتهِ صلى الله عليه وسلم، [وذكرِ الأربعِ الحكمِ في بعثته صلى الله عليه وسلم وهي: يتلو عليهم آياتهِ، ويزكّيهمْ، ويعلمُهمُ الكتابَ، والحكمة]

(3)

، والحثِّ على ذكر الله، ولما في سورةِ المنافقينَ مِنْ توبيخِ أهلِ النفاقِ وحثِّهم على التوبةِ، ودعائِهم إلى طلبِ الاستغفارِ منْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ المنافقين يكثرُ اجتماعُهم في صلاتِها، ولما في آخرِها منَ الوعظِ والحثِّ على الصدقةِ.

14/ 427 - وَلَهُ

(4)

عَنِ النُّعْمَان بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةَ. [صحيح]

(ولهُ) أي: لمسلمٍ (عن النعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنه كانَ يقرأ) أي: رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (في العيدينِ) الفطرِ والأضْحَى أي: في صلاتِهما، (وفي الجمعةِ) أي: في صلاتِها (بسبِّحِ اسمَ ربك الأعلى) أي: في الركعةِ الأُولى بعدَ الفاتحةِ، (وهل أتاكَ حديث الغاشيةِ) أي: في الثانيةِ بعدَها، [وكأنهُ كانَ]

(5)

يقرأُ ما ذكرُه ابنُ عباسٍ تارةً وما ذكرهُ النعمانُ تارةً، وفي سورةِ سبِّحْ والغاشيةِ منَ التذكيرِ بأحوالِ الآخرةِ والوعدِ والوعيدِ ما يناسبُ قراءتَهما في تلكَ الصلاةِ الجامعةِ، وقد وردَ في العيدينِ أنهُ كانَ يقرأ بـ "ق" و"اقتربتْ".

‌الاكتفاءُ بالعيد عن الجمعة إذا اجتمعا

15/ 428 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعِيدَ، ثُمَّ

(1)

في "صحيحه"(2/ 599 رقم 879).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

أي: لمسلم في "صحيحه"(878).

قلت: وأخرجه أبو داود (1122)، والترمذي (533)، والنسائي (3/ 112 رقم 1424) وغيرهم.

(5)

في (أ): "وكان".

ص: 144

رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَال:"مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ"، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ

(1)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَة

(2)

. [صحيح بشواهده]

(وعن زيدِ بن أرقمَ رضي الله عنه قالَ: صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم العيدَ) في يوم جُمُعَةٍ، (ثمَّ رخَّصَ في الجمعةِ) أي: في صلاتِها (ثمَّ قالَ: من شاءَ أنْ يصلِّي) أي: الجمعة (فليصلِّ) هذا بيانٌ لقولهِ رخصَ، وإعلامٌ بأنهُ كانَ الترخيصُ بهذا اللفظِ، (رواهُ الخمسةُ إلَّا الترمذيِّ)، وصحَّحهُ ابنُ خزيمةَ.

وأخرجَ أيضًا أبو داودَ

(3)

من حديثِ أبي هريرةَ أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: "قد اجتمعَ في يومِكم هذا عيدانِ فمن شاءَ أجزأهُ عن الجمعةِ وإنَّا مُجمعونَ"، وأخرجهُ ابنُ ماجَهْ

(4)

، والحاكمُ

(5)

من حديثِ أبي صالحٍ، وفي إسنادهِ بقيةٌ

(6)

، وصحَّحَ الدارقطنيُّ وغيرُه إرسالَه، وفي الباب عن ابن الزبيرِ

(7)

من حديثِ عطاءٍ: "أنهُ تركَ ذلكَ، وأنهُ سُئِلَ ابنُ عباسٍ فقالَ: أَصابَ السنةَ".

والحديثُ دليلٌ على أن صلاةَ الجمعةِ بعدَ صلاةِ العيدِ تصيرُ رخصةً يجوزُ فعلُها وتركها، [وهوَ]

(8)

خاصٌّ بمنْ صلَّى العيدَ دونَ مَنْ لم يصلَّها، وإلى هذا ذهبَ الهادي وجماعة إلَّا في حقِّ الإمامِ وثلاثةٍ معَه، وذهبَ الشافعيُّ وجماعة إلى أنَّها لا تصيرُ رخصةً مستدلّينَ بأنَّ دليلَ وجوبَها عامٌّ لجميعِ الأيامِ

(9)

، وما ذكرَ منَ

(1)

وهم أحمد (4/ 372)، وأبو داود (1070)، وابن ماجه (1310)، والنسائي (3/ 194 رقم 1591).

قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 288) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

(2)

في "صحيحه"(2/ 359 رقم 1464) بإسناد ضعيف.

قلت: وصحَّحه علي بن المديني كما في "التلخيص الحبير"(2/ 88).

والخلاصة: أن الحديث صحيح بشواهده.

(3)

في "السنن"(1/ 647 رقم 1073).

(4)

في "السنن"(1/ 416 رقم 1311).

(5)

في "المستدرك (1/ 288 - 289) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

(6)

بقية بن الوليد صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، "التقريب"(1/ 105 رقم 108).

(7)

أخرجه أبو داود (1071)، والنسائي (3/ 194 رقم 1592)، وهو حديث صحيح.

(8)

في (أ): "وهذا".

(9)

انظر: "نيل الأوطار"(3/ 282 - 283)، و"الفقه الإسلامي وأدلّته) (2/ 270 - 1، 2)، =

ص: 145

الأحاديثِ والآثارِ لا يقوى على تخصيصِها لما في أسانيدِها منَ المقالِ.

قلت: حديثُ زيدِ بن أرقمٍ قد صحَّحهُ ابنُ خزيمةَ، ولم يطعنْ غيرُه فيهِ، فهوَ يصلحُ للتخصيصِ، فإنهُ يُخَصُّ العامُّ بالآحادِ، وذهبَ عطاءُ إلى أنهُ يسقطُ فرضُها عن الجميعِ لظاهرِ قولهِ:"من شاءَ أنْ يصلِّي فليصلِّ"، ولفعلِ ابن الزبيرِ، فإنهُ صلَّى بهم في يومِ عيدٍ صلاةَ العيدِ يومَ الجمعةِ، قالَ عطاءٌ: ثمَّ جئْنا إلى الجمعةِ فلمْ يخرجْ إلينا فصلَّيْنَا وُحْدَانًا، قالَ: وكانَ ابنُ عباسٍ في الطائفِ، فلمَّا قدمَ ذكرَنا لَهُ ذلكَ، فقالَ: أصابَ السنةَ، وعندهُ أيضًا أنه يسقطُ فرضُ الظهرِ، ولا يصلِّي إلّا العصرَ. وأخرجَ أبو داودَ

(1)

عن ابن الزبيرِ: "أنهُ قالَ: عيدانِ اجتمعا في يومٍ واحدٍ فجمعَهما فصلاهُما ركعتينِ بكرةً لم يزدْ عليهما حتى صلَّى العصرَ"، وعلى القولِ بأنَّ الجمعةَ (الأصل)

(2)

في يومِها، والظهرُ بدلٌ فهوَ يقتضي صحةَ هذا القولِ لأنهُ إذا سقطَ وجوبُ الأصلِ معَ إمكانِ أدائِه سقطَ البدلُ.

وظاهرُ الحديثِ أيضًا حيثُ رخّصَ لهم في الجمعةِ، ولم يأمرهم بصلاةِ الظهرِ معَ تقديرِ إسقاطِ الجمعةِ للظهرِ يدلُّ على ذلكَ كما قالهُ الشارحُ، وأيَّدَ الشارحُ مذهبَ ابن الزبيرِ.

قلت: [و]

(3)

لا يَخْفَى أن عطاءً أخبرَ أنهُ لم يخرجِ ابنُ الزبيرِ لصلاةِ الجمعةِ، وليسَ ذلكَ بنصٍّ قاطعٍ أنهُ لم يصل الظهرَ في منزلهِ، فالجزمُ بأنَّ مذهبَ ابن الزبيرِ سقوطُ صلاةِ الظهرِ في يومِ [الجمعةِ]

(4)

يكونُ عيدًا على مَنْ صلَّى صلاةَ العيدِ لهذهِ الروايةِ غيرُ صحيحٍ لاحتمالِ أنهُ صلَّى الظهرَ في منزلهِ، بلْ [في]

(5)

قولِ عطاءٍ: إنَّهم صلَّوا وُحْدانًا - أي: الظهرَ - ما يشعرُ بأنهُ لا قائلَ بسقوطهِ، ولا يقالُ: إنَّ مرادَه صلَّوا الجمعةَ وحدانًا، فإنَّها لا تصحُّ إلا جماعةً إجماعًا، ثمَّ القولُ بأنَّ الأصلَ في يومِ الجمعةِ صلاةُ الجمعةِ، والظهرُ بدلٌ عنها قولٌ مرجوحٌ، بلِ الظهرُ هوَ الفرضُ الأصليُّ المفروضُ ليلةَ الإسراءِ، والجمعةُ متأخرٌ فرضُها، ثمَّ إذا فاتتْ وجبَ [صلاة](5)

= و"المجموع شرح المهذب"(4/ 492).

(1)

(1/ 647 رقم 1072).

(2)

في (أ): "أصل".

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في (أ): "جمعة".

(5)

زيادة من (أ).

ص: 146

الظهرِ إجماعًا، فهيَ البدلُ عنهُ، وقد حقَّقناهُ في رسالةٍ

(1)

.

‌التنفل بعد الجمعة

16/ 429 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَها أَرْبَعًا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

(وعن أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذا صلَّى أحدُكُم الجمعةَ فليصلِّ بعدَها أربعًا. رواهُ مسلمٌ).

الحديثُ دليلٌ على شرعيةِ أربعِ ركعاتٍ بعدَ الجمعةِ، والأمرُ بها وإنْ كانَ ظاهرُه الوجوبَ إلَّا أنهُ أخرجهُ عنهُ ما وقعَ في لفظهِ من روايةِ ابن الصباحِ:"مَنْ كانَ مُصَلِّيًا بعدَ الجمعةِ فليصلِّ أربعًا"، أخرجهُ مسلمٌ

(3)

، فدلَّ على أن ذلكَ ليسَ بواجبٍ، والأربعُ أفضلُ منَ الاثنتينِ لوقوعِ الأمرِ بذلكَ، وكثرةِ فعلهِ لها صلى الله عليه وسلم، قالَ في الهَدي النبوي

(4)

: "وكانَ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى الجمعةَ دخلَ منزلَه [وصلَّى]

(5)

ركعتينِ سنتَها، وأمرَ مَنْ صلَّاها أنْ يصلِّي بعدَها أربعًا"، قالَ شيخُنا ابنُ تيميةَ: إنْ صلَّى في المسجدِ صلَّى أربعًا، وإنْ صلَّى في بيتهِ صلَّى ركعتينِ.

قلت: وعلى هذا تدلُّ الأحاديثُ، وقد ذكرَ أبو داودَ

(6)

عن ابن عمرَ "أنهُ كانَ إذا صلَّى في المسجدِ صلَّى أربعًا، وإذا صلَّى في بيتهِ صلَّى [ركعتين]

(7)

"، وفي الصحيحينِ

(8)

عن ابن عمرَ أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يصلِّي بعدَ الجمعةِ ركعتينِ في بيتهِ.

(1)

وهي: "اللمعة في تحقيق شرائط الجمعة" في جامع 9 مجاميع.

(2)

في "صحيحه"(2/ 600 رقم 67/ 881).

قلت: وأخرجه أبو داود (1131)، والترمذي (523)، وابن ماجه (1132)، والنسائي (13/ 113 رقم 1426)، وأحمد في "المسند"(2/ 249 و 443 و 499).

(3)

في "صحيحه"(2/ 600 رقم 69/ 881).

(4)

(1/ 440).

(5)

في (أ): "فصلى".

(6)

في "السنن"(1/ 673 رقم 1130)، وهو حديث صحيح.

(7)

في المخطوط "اثنتين والتصويب من "السنن" ومن (ب).

(8)

البخاري (937)، ومسلم (2/ 600 رقم 882).

قلت: وأخرجه أبو داود (1132)، والترمذي رقم (521)، والنسائي (3/ 113).

ص: 147

‌يفصلُ بين الفرض والتنفل بكلامٍ ونحوه

17/ 430 - وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه أَنَّ مُعَاوِيةَ رضي الله عنه قَالَ لَهُ: إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَتَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذلِكَ:"أَنْ لَا توصل صَلَاةً بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

‌ترجمة السائب بن يزيد

(وعنِ السائبِ بن يزيدَ رضي الله عنه

(2)

هو: أبو يزيدَ السائبُ بنُ يزيدَ الكندي في الأشهرِ، وُلد في الثانية منَ الهجرةِ، وحضرَ حجةَ الوداعِ معَ أبيهِ وهوَ ابنُ سبع سنينَ (أن معاويةَ قال: إذا صليتَ الجمعة فلا تَصِلْها) بفتحِ حرفِ المضارعةِ [منِ]

(3)

الوصلِ (بصلاةٍ حتَّى تتكلمَ أو تخرجَ) أي: منَ المسجدِ؛ (فإنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمرَنَا بذلكَ أنْ لا نوصلَ صلاةً بصلاةٍ حتَّى نتكلم أو نخرجَ). أن وما [بعده]

(4)

: بدلٌ أو عطفُ بيانٍ من ذلكَ (رواهُ مسلمٌ).

فيهِ مشروعيةُ فصلِ النافلةِ عن الفريضةِ وأنْ لا توصلَ بها، وظاهرُ النهي التحريمُ، وليسَ خاصًّا بصلاةِ الجمعةِ لأنهُ استدلَّ الراوي على تخصيصهِ بذكرِ صلاةِ الجمعةِ بحديثٍ يعمُّها وغيرَها. قيلَ: والحكمةُ في ذلكَ لئلَّا يشتبهَ الفرضُ بالنافلةِ، وقد وردَ أن ذلكَ هَلَكَةٌ.

وقد ذكرَ العلماءُ أنهُ يستحبُّ التحوُّلُ للنافلةِ من موضعِ الفريضةِ، والأفضلُ أن يتحوَّلَ إلى بيتهِ، فإنَّ فِعْلَ النوافلِ في البيوتِ أفضلُ، وإلَّا فإلى موضعٍ في المسجدِ أو غيرِه، وفيهِ تكثيرٌ لمواضعِ السجودِ، وقد أخرجَ أبو داودَ

(5)

من حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: "أيعجزُ أحدُكم أنْ يتقدَّمَ أو يتأخرَ، أو عن يمينهِ أو عنْ شمالهِ

(1)

في "صحيحه"(2/ 601 رقم 883).

(2)

انظر ترجمته في: "المعرفة والتاريخ"(1/ 358)، و"تهذيب التهذيب"(3/ 391)، و"الإصابة"(2/ 12)، و"مشاهير علماء الأمصار"(ت 141).

(3)

في (ب): "عن".

(4)

في (أ): "بعدها".

(5)

في "السنن"(1/ 611 رقم 1006)، وهو حديث صحيح.

ص: 148

في الصلاة، يعني السُّبْحَةَ"، ولمْ يضعِّفْه أبو داودَ، وقالَ البخاريُّ في صحيحهِ

(1)

: ويُذْكَرُ عنْ أبي هريرةَ رفعُه: "لا يتطوعُ الإمامُ في مكانهِ"، ولم يصحَّ

(2)

[النهيُ]

(3)

.

‌فضل الاغتسال والتطيب والإنصات يوم الجمعة

18/ 431 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ الإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَينَهُ وَبَينَ الْجُمُعَةِ الأخرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

. [صحيح]

(وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنِ اغتسلَ) أي: للجمعة؛ لحديثِ: "إذا أتَى أحدُكُم الجمعةَ فليغتسلْ"

(5)

، أو مطلقًا (ثمَّ أتى الجمعةَ) أي: الموضعَ الذي تقامُ فيهِ كما يدلُّ لهُ قولُهُ: (فصلَّي) منَ النوافلِ (ما قُدِّرَ لهُ، ثم أنصتَ حتَّى يفرغَ الإمامُ من خطبتهِ، ثمَّ [يصلِّي]

(6)

معهُ، غُفِرَ لهُ ما بينَه وبينَ الجمعةِ الأخرى وفضلُ) أي: زيادةُ (ثلاثةِ أيامٍ. رواهُ مسلمٌ).

فيه دلالةٌ على أنهُ لا بدَّ في إحرازهِ لما ذكرَ منَ الأجرِ منَ الاغتسالِ إلَّا أن في روايةٍ لمسلمٍ

(7)

: "مَنْ توضأ فأحسنَ الوضوءَ ثمَّ أتى الجمعةَ"، وفي هذهِ الروايةِ بيانُ أن غسلَ الجمعةِ ليسَ بواجبٍ، وأنهُ [لا بدَّ من النافلةِ]

(8)

حسبَما

(1)

(2/ 334 رقم 848).

(2)

قال ابن حجر في "الفتح"(2/ 335): "وهو كلام البخاري، وذلك لضعف إسناده واضطرابه، تفرّد به ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، واختلف عليه فيه. وقد ذكر البخاري الاختلاف فيه في تاريخه، وقال: لم يثبت هذا الحديث" اهـ.

(3)

في (أ): "انتهى".

(4)

في "صحيحه"(2/ 587 رقم 26/ 857).

(5)

أخرجه البخاري (882)، ومسلم في "صحيحه"(4/ 845)، وأبو داود (340) من حديث أبي هريرة.

(6)

في (أ): "صلى".

(7)

في "صحيحه"(2/ 588 رقم 27/ 857).

(8)

في (أ): "يصلي نافلة".

ص: 149

يمكنهُ فإنهُ لم يقدِّرْها بحدٍّ فيتمُّ لهُ هذا الأجرُ، ولو اقتصرَ على تحيةِ المسجدِ، وقولهُ:"أنصتْ" من الإنصاتِ وهو السكوتُ وهو غيرُ الاستماعِ إذْ هوَ الإصغاءُ لسماعِ الشيءِ، ولذَا قالَ تعالى:{فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}

(1)

، وتقدمَ الكلامُ على الإنصاتِ هل يجبُ أوْ لَا.

وفيهِ دلالةٌ على أنَّ النهيَ عن الكلامِ إنَّما هوَ حالَ الخطبةِ لا بعدَ الفراغِ منها، ولو قبلَ الصلاةِ، فإنهُ لا نهيَ عنهُ كما دلتْ عليهِ "حتَّى"، وقولُهُ:"غفرَ لهُ ما بينَه وبينَ الجمعةِ" أي: ما بينَ صلاتِها وخطبتِها إلى مثل ذلكَ الوقتِ من الجمعةِ الثانيةِ، حتَّى يكونَ سبعةُ أيامٍ بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ، أي: غفرتْ لهُ الخطايا الكائنةُ فيما بينَهما، وفضلُ ثلاثةِ أيامٍ، وغفرتْ لهُ ذنوبُ ثلاثةِ أيامٍ معَ السبعِ حتَّى تكونَ عشرةً. وهلِ المغفورُ الصغائر والكبائرُ؟ الجمهورُ على [الصغائر]

(2)

وأنَّ الكبائرَ [لا يغفرُها]

(3)

إلَّا التوبةُ.

‌إجابة الدعاء في ساعة الجمعة

19/ 432 - وَعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ:"فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْد مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ عز وجل شَيئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ" وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ

(5)

: "وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ".

(وعنه) أي: أبي هريرةَ (أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذكرَ يومَ الجمعةِ فقالَ: فيهِ ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ، وهو قائمٌ) جملةٌ حاليةٌ، أو صفةُ العبدِ، والواوُ لتأكيدِ لصوقِ الصفةِ (يصلِّي) حالٌ ثانيةٌ (يسألُ اللَّهَ تعالى) حالٌ [ثالثةٌ]

(6)

(شيئًا إلَّا أعطاهُ إياهُ، وأشارَ) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (بيدهِ يقلِّلُها)[حال رابعة أي]

(7)

: يحقرُ وقتها (متفقٌ عليه، وفي روايةٍ لمسلمٍ: [وهي] ساعةٌ خفيفةٌ) هوَ الذي أفادهُ لفظُ يقلِّلُها في الأُولى،

(1)

سورة الأعراف: الآية 204.

(2)

في (ب): "الآخر".

(3)

في (أ): "لا يكفرها".

(4)

البخاري (935)، ومسلم (13/ 852).

(5)

في "صحيحه"(2/ 584 رقم 15/ 852).

(6)

في (ب): "ثالث".

(7)

زيادة من (أ).

ص: 150

وفيهِ إبهامُ الساعةِ، ويأتي تعيينُها. ومعنى "قائمٌ" أي: مقيمٌ لها متلبِّسٌ بأركانها لا بمعنَى: حال القيامِ فقط، وهذهِ الجملةُ ثابتةٌ في روايةِ جماعةٍ منَ الحفاظِ، [وأسقطتْ]

(1)

في روايةِ آخرينَ.

وحُكِيَ عن بعضِ العلماءِ أنهُ كانَ يأمرُ بحذفِها منَ الحديثِ، وكأنهُ استشكل الصلاةَ؛ إذْ وقتُ تلكَ الساعةِ إذا [كانَ]

(2)

من بعدِ العصرِ فهوَ وقتُ كراهةٍ للصلاةِ، وكذا إذا كانَ من حالِ جلوسِ الخطيبِ على المنبرِ إلى انصرافهِ. وقد تأولت هذهِ الجملةَ بأنَّ المرادَ: منتظرًا [للصلاةِ]

(3)

، والمنتظرُ للصلاةِ في صلاةٍ كما ثبتَ في الحديثِ

(4)

.

وإنَّما قلنا: إنَّ المشيرَ بيدهِ هوَ النبي صلى الله عليه وسلم لما في رواية مالكٍ

(5)

: "فأشارَ النبي صلى الله عليه وسلم"، وقيلَ: المشيرُ بعضُ الرواةِ، وأما كيفيةُ الإشارة فهوَ أنهُ وضعَ أنملتَهُ على بطنِ الوسطى والخنصر يبيِّنُ قلَّتَها، وقد أطلقَ السؤال هنا وقيّدَه في غيرهِ كما عند ابن ماجَهْ

(6)

: "ما لم يسألِ اللَّهَ إثمًا"، وعندَ أحمدَ

(7)

: "ما لم يسألْ إثمًا أو قطيعةَ رحمٍ".

20/ 433 - وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "هِيَ مَا بَينَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(8)

، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْني أنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي بُرْدَةَ. [موقوف]

(1)

في (أ): "وسقطت".

(2)

في (أ): "كانت".

(3)

في (ب): الصلاة.

(4)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (659)، ومسلم (275/ 649) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"الملائكة تُصلِّي على أحدكم ما دامَ في مُصلَّاهُ ما لم يُحْدِثْ: اللَّهمّ اغفر له، اللَّهمّ ارحمهُ، ولا يزالُ أحدُكم في صلاةٍ ما دامتِ الصلاةُ تحبسُهُ، لا يمنعُه أن ينقلبَ إلى أهلهِ إلَّا الصلاةُ".

(5)

في "الموطأ"(1/ 108 رقم 15).

(6)

من حديث أبي لبابة.

(7)

في "المسند"(5/ 284) من حديث سعد بن عبادة بسند رجاله ثقات.

(8)

في "صحيحه"(2/ 584 رقم 16/ 853).

قلت: وأخرجه أبو داود (1049)، وابن خزيمة (3/ 120 رقم 1739)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 250).

وقال الألباني في تحقيق "مشكاة المصابيح"(1/ 428 رقم التعليقة 2): "وقد أعلّ =

ص: 151

‌ترجمة أبي بردة

(وعن أبي بردةَ) بضمِّ الموحدة، وسكونِ الراءِ، ودالٍ مهملةٍ هوَ: عامرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بن قيسٍ، وعبدُ اللَّهِ هوَ أبو موسى الأشعريُّ، وأبو بردةَ منَ التابعينَ المشهورينَ سمعَ أباهُ، وعليًا عليه السلام وابنَ عمرَ وغيرَهم (عن أبيهِ) أبي موسى الأشعريِّ (قالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: هيَ) أي: ساعةُ الجمعةِ (ما بينَ أنْ يجلسَ الإمامُ) أي: على المنبرِ (إلى أن تُقْضَى الصلاةُ. رواهُ مسلمٌ، ورجَّحَ الدارقطنيُّ أنهُ من قولِ أبي بردةَ).

وقدِ اختلفَ العلماءُ في هذهِ الساعةِ، وذكرَ المصنفُ في فتح الباري

(1)

عن العلماءِ ثلاثةً وأربعينَ قولًا، وسيشيرُ إليها، وسردَها الشارحُ رحمه الله في الشرح، وهذا المرويُّ عن أبي موسى أحدُها، ورجَّحهُ مسلمٌ على ما رَوَى عنهُ البيهقيُّ

(2)

. وقالَ: هو أجودُ شيءٍ في هذا الباب وأصحُّهُ، وقالَ بهِ البيهقيُّ، وابن العربيِّ، وجماعةٌ، وقالَ القرطبي: هو نصٌّ في موضعِ الخلافِ فلا يلتفت إلى غيرهِ، وقالَ النوويُّ

(3)

: هوَ الصحيحُ بل الصوابُ، قالَ المصنفُ: وليسَ المرادُ أنَّها تستوعبُ جميعَ الوقتِ الذي عيَّنَ، بل تكونُ في أثنائِه لقولِه:"يقلِّلُها" وقولُه: "خفيفةٌ".

وفائدةُ ذكرِ الوقتِ أنَّها تنتقلُ فيهِ فيكونَ ابتداءُ مَظَنَّتِهَا ابتداءَ الخطبةِ مثلًا، وانتهاؤُها انتهاءَ الصلاةِ، وأما قولُه: إنه رجحَ الدارقطنيُّ أن الحديثَ من قولِ أبي بردةَ فقدْ يجابُ عنهُ بأنهُ لا يكونُ إلَّا مرفوعًا، فإنهُ لا مسرحَ للاجتهادِ في تعيينِ أوقاتِ العباداتِ، ويأتي ما أعلُّهُ به الدارقطنيُّ قريبًا.

21 و 22/ 434 و 435 - وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ

(4)

. [إسناده صحيح]

= بالوقف، وسائر الأحاديث تخالفه، فانظر:(1359، 1360، 1365). وقد أشار إلى هذا الإمام أحمد بقوله: أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر، وترجى بعد زوال الشمس، ذكره الترمذي في "السنن"(2/ 361)، ومن شاء التفصيل حول الحديث فليراجع "فتح الباري"(2/ 416 - 422) "اهـ.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والمحفوظ أنه موقوف.

(1)

(2/ 416 - 421).

(2)

في "السنن الكبرى"(3/ 250).

(3)

في "شرح صحيح مسلم"(6/ 140 - 141).

(4)

في "السنن"(1/ 360 رقم 1139).=

ص: 152

وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ

(1)

، وَالنَّسَائِيِّ

(2)

: "أَنَّهَا مَما بَينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَغُرُوبِ الشمْسِ". [صحيح]

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا أَمْلَيْتُهَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ

(3)

.

‌ترجمة عبد الله بن سلام

(وفي حديثِ عبدِ اللَّهِ بن سلامٍ)

(4)

هوَ أبو يوسفَ بنُ سلامٍ، من بني قينقاعَ، إسرائيليٌّ من [ذريةِ]

(5)

يوسفَ بن يعقوبَ عليه السلام وهوَ أحدُ الأحبارِ وأحدُ مَنْ شهدَ لهُ النبي صلى الله عليه وسلم بالجنةِ، رَوَى عنهُ ابناهُ يوسفُ ومحمدٌ، وأنسُ بنُ مالكٍ، وغيرُهم، ماتَ بالمدينةِ سنةَ ثلاثٍ وأربعينَ، وسلامٌ بتخفيفِ اللامِ، قالَ المبرِّدُ: لم يكنْ في العربِ سلامٌ [بالتخفيفِ]

(6)

غيرُهُ (عندَ ابن ماجهْ) لفظُهُ فيهِ: عن عبدِ اللَّهِ بن سلامٍ قال: قلتُ: - ورسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ - إنَّا لنجدُ في كتاب اللَّهِ - يعني التوراة -: في الجمعةِ ساعةً لا يوافقُها عبدٌ مسلمٌ يصلِّي يسألُ اللَّهَ عز وجل [فيها](7) شيئًا إلَّا قَضَى اللَّهُ لهُ حاجتَه.

قالَ عبدُ اللَّهِ: فأشارَ - أي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أو بعضَ ساعةٍ، قلتُ: صدقتَ يا رسولَ اللَّهِ: أو بعضَ ساعةٍ، قلتُ: أي ساعةٍ هي؟ قالَ: " [هيَ]

(7)

آخرُ ساعةٍ من ساعاتِ النهارِ"، قلتُ: إنها ليستْ ساعةَ صلاةٍ، قالَ: "إنَّ العبد المؤمنَ إذا صلَّى ثمَّ جلسَ لا يُجْلِسُهُ إلَّا الصلاةُ فهوَ في صلاةٍ"

(8)

، انتهَى.

= وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 380 رقم 1139/ 406): "هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات على شرط الصحيح

".

(1)

في "السنن"(1/ 636 رقم 1048).

(2)

في "السنن"(3/ 99 رقم 1389)، وهو حديث صحيح.

(3)

(2/ 416 - 421).

(4)

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(2/ 352 - 353)، و"تهذيب التهذيب"(5/ 219)، و"الإصابة"(6/ 108)، و"الاستيعاب"(6/ 228).

(5)

في (ب): "ولِد".

(6)

في (أ): "بتخفيف اللام".

(7)

زيادة من (ب).

(8)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(1/ 460 رقم 275/ 661).

عن أبي هريرة، أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزالُ أحدُكُمْ في صلاةٍ ما دامت الصلاةُ =

ص: 153

(وعن جابرِ بن عبدِ الله، عند أبي داودَ والنسائي: أنَّها ما بينَ صلاةِ العصرِ [و]

(1)

غروبِ الشمس) فقولُه: "أنَّها" بفتحِ الهمزةِ مبتدأٌ خبرُه ما تقدمَ من قولهِ: "وفي حديثِ عبدِ اللَّهِ بن سلامٍ: إلى آخرهِ"، ورجَّحَ أحمدُ بنُ حنبلٍ هذا القولَ. رواهُ عنهُ الترمذيُّ

(2)

، وقالَ أحمدُ: أكثرُ الأحاديثِ على ذلكَ، وقالَ ابنُ عبدَ البرِّ: هوَ أثبتُ شيءٍ في هذا البابِ، روى سعيدُ بنُ منصورٍ بإسنادٍ صحيحٍ إلى أبي سلمةَ بن عبدِ الرحمن:"أن ناسًا منَ الصحابةِ اجتمعُوا فتذاكرُوا ساعةَ الجمعةِ، ثمَّ افترقُوا ولم يختلفُوا أنَّها آخرُ ساعةٍ من يومِ الجمعةِ". ورجَّحهُ إسحاقُ وغيرهُ، وحكى أنهُ نصٌّ للشافعي.

وقدِ استشكلَ هذا فإنهُ ترجيحٌ لغيرِ ما في الصحيحِ على ما فيهِ، والمعروفُ من علومِ الحديثِ وغيرِها أن ما في الصحيحينِ، أوْ [في]

(3)

أحدِهما مقدَّم على غيرِه، والجوابُ أن ذلكَ حيثُ لم يكنْ حديثُ الصحيحينِ أوْ أحدِهما مما انتقدَهُ الحفاط، كحديثِ أبي موسى هذَا الذي في مسلمٍ

(4)

؛ فإنهُ قد أُعِلَّ بالانقطاعِ والاضطرابِ: أمَّا الأولُ: فلأنهُ من روايةِ مخرمةَ بن بكيرٍ، وقد صرَّحَ أنهُ لم يسمعْ من أبيهِ، فليسَ على شرطِ مسلمٍ. وأمّا الثاني: فلأنَّ أهلَ الكوفةِ أخرجوهُ عن أبي بردةَ غير مرفوعٍ، وأبو بردةَ كوفيٌّ، وأهلُ [بلدتهِ]

(5)

أعلمُ بحديثهِ من بكيرٍ، فلوْ كانَ مرفوعًا عندَ أبي بردةَ لم يقفوهُ عليهِ، ولهذا جزمَ الدارقطنيُّ بأنَّ الموقوفَ هو الصوابُ.

وجمعَ ابنُ القيمِ

(6)

بينَ حديثِ أبي موسى وابنِ سلامٍ بانَّ الساعةَ تنحصرُ في أحدِ الوقتينِ، وسبقهُ إلى هذا أحمدُ بنُ حنبلٍ.

(وقد اختُلِفَ فيها على أكثر منْ أربعينَ قولًا أمليتُها في شرحِ البخاريِّ). تقدَّمتِ الإشارةُ إلى هذا، قالَ الخطابيُّ: اختُلِفَ فيها على قولينِ. فقيلَ: "قد

= تحبِسُهُ، لا يمنعُهُ أن ينقلبَ إلى أهلهِ إلا الصَّلاةُ"، ولم أعثر عليه بلفظ الكتاب.

(1)

في (أ): "إلى".

(2)

في "السنن"(2/ 361).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

تقدم رقم (20/ 433).

(5)

في (أ): "بلده".

(6)

في "زاد المعاد"(1/ 394).

ص: 154

رفعتْ" وهو محكيٌّ عن بعضِ الصحابةِ، وقيلَ: "هي باقيةٌ" [و]

(1)

اختلفَ في تعيينها، ثمَّ سردَ الأقوالَ لم يبلغْ بها ما بلغَ بها المصنفُ من العددِ، وقدِ اقتصرَ المصنفُ ههنا على قولينِ كأنَّهما الأرجحُ عندَهُ دليلًا. وفي الحديث بيانُ فضيلةِ الجمعةِ لاختصاصِها بهذهِ الساعةِ.

‌لا يثبت في العدد حديث

23/ 436 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا جُمُعَةً. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(2)

بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]

(وعن جابرٍ رضي الله عنه) هوَ ابنُ عبدِ اللَّهِ ([قال]

(3)

: مضتِ السُّنَّةُ أن في كلِّ أربعينَ فصاعدًا جمعةٌ. رواهُ الدارقطنيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ)، وذلكَ أنهُ من روايةِ عبدِ العزيزِ بن عبدِ الرحمنِ، وعبدُ العزيز قالَ فيهِ أحمدُ

(4)

: اضربْ على أحاديثهِ فإنَّها كذبٌ أو موضوعةٌ. وقالَ النسائيُّ

(5)

: ليسَ بثقةِ، وقال الدارقطنيُّ

(6)

: منكرُ الحديثِ، وقالَ ابنُ حبانَ

(7)

: لا يجوزُ أن يحتجَّ بهِ، وفي البابِ أحاديثُ لا أصلَ لها، وقالَ عبدُ الحقّ: لا يثبتُ في العددِ حديثٌ.

وقد اختلفَ العلماءُ في النصابِ [الذين بهم تقومُ]

(8)

الجمعةُ: فذهبَ إلى وجوبها على الأربعينَ لا على مَنْ دونهم: عمرُ بنُ عبد العزيزِ، والشافعيُّ، وفي كونِ الإمامِ أحدَهم وجهانِ عندَ الشافعيةِ، وذهبَ أبو حنيفةَ، والمؤيدُ باللَّهِ، وأبو طالبٍ إلى أنَّها تنعقدُ بثلاثةٍ معَ الإمامِ

(9)

، وهوَ أقلُّ عددٍ تنعقدُ بهِ، فلا تجبُ إذا لم يتمَّ هذا القدرُ مستدلّينَ بقولهِ تعالى:{فَاسْعَوْا}

(10)

، قالُوا: والخطابُ للجماعةِ بعدَ النداءِ للجمعةِ، وأقلُّ الجمعِ ثلاثةٌ، فدلَّ على وجوبِ السعي على الجماعةِ

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "السنن"(2/ 3 - 4 رقم 1).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

نفله ابن عدي في "الكامل"(5/ 1927).

(5)

في كتابه "الضعفاء والمتروكين"(ص 168 رقم 415).

(6)

انظر: "الضعفاء والمتروكين" له (ص 174 رقم 351).

(7)

في "المجروحين"(2/ 138).

(8)

في (أ): "الذي تقوم بهم".

(9)

انظر: "نيل الأوطار" للشوكاني (3/ 230 - 234).

(10)

سورة الجمعة: الآية 9.

ص: 155

للجمعةِ بعدَ النداءِ لها، والنداءُ لا بدَّ لهُ من منادٍ فكانُوا ثلاثةً معَ الإمامِ، ولا دليلَ على اشتراطِ ما زادَ على ذلكَ، واعتُرِضَ بأنهُ لا يلزمُ من خطابِ الجماعةِ فعلُهم [لها]

(1)

مجتمعينَ، وقد صرحَ في البحرِ

(2)

بهذا، واعترضَ بهِ أهلَ المذهب لما استدلُّوا بهِ للمذهبِ، ونقضَهُ بقولِهِ تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}

(3)

{وَجَاهِدُوا}

(4)

، فإنهُ لا يلزمُ إيتاءُ الزكاةِ في جماعةٍ.

قلت: والحقُّ أن شرطيةَ أي شيءٍ في أيِّ عبادةٍ لا يكونُ إلَّا عن دليلٍ، ولا دليلَ هنَا على تعيينِ عددٍ لا منَ الكتابِ ولا منَ السنّةِ، وإذْ قد علمَ أنَّها لا تكونُ صلاتُها إلَّا جماعة كما [قدْ]

(5)

وردَ بذلكَ حديثُ أَبي موسى عندَ ابن ماجَهْ

(6)

، وابنِ عديٍّ

(7)

، وحديثُ أَبي أمامةَ عندَ أحمدَ

(8)

، والطبراني

(9)

، والاثنانِ أقلُّ ما تتمُّ به الجماعةُ لحديثِ:"الاثنانِ جماعةٌ"

(10)

، فتتمُّ بهم في الأظهرِ.

(1)

في (أ): "له".

(2)

في "البحر الزخار الجامع لمذهب علماء الأمصار"(2/ 11 - 12).

(3)

سورة البقرة: الآية 43.

(4)

سورة الحج: الآية 78.

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في "السنن"(1/ 312 رقم 972).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجَة"(1/ 331 رقم 352/ 972): "هذا إسناد ضعيف لضعف الربيع ووالده بدر بن عمرو

" اهـ. وتعقبه الألباني في "الإرواء" (2/ 248 رقم 489) بقوله: "بدر لم يضعفه أحد، وإنما علّته أنه لا يعرف، قال الذهبي:"لا يدرى حاله، فيه جهالة"، وقال الحافظ ابن حجر:"مجهول". قلت: ومثله عمرو بن جهاد جد الربيع، فالإسناد واهٍ جدًّا" اهـ.

(7)

في "الكامل"(3/ 989).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 69)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(8/ 415) و (11/ 45 - 46)، والدارقطني في "السنن" (1/ 280 رقم 1). والخلاصة: فالحديث ضعيف.

(8)

في "المسند"(5/ 254، 269).

وفيه: عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد الألهاني ضعيفان.

(9)

كما في "مجمع الزوائد"(2/ 45) وقال الهيثمي: "رواه أحمد والطبراني وله طرق كلها ضعيفة" اهـ.

والخلاصة: فالحديث ضعيف.

(10)

انظر تخريجه فيما تقدم آنفًا.

ص: 156

وقد سردَ الشارحُ الخلافَ والأقوالَ في كميةِ العددِ المعتبرِ في صلاةِ الجمعةِ فبلغتْ أربعةَ عشرَ قولًا، وذكرَ ما تشبَّثَ بهِ كلُّ قائلٍ من الدليلِ على ما ادّعاهُ بما لا ينهضُ حجةً على الشرطيةِ، ثمَّ قالَ: والذي نُقلَ من حالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ كانَ يصلِّيها في جمع كثيرٍ غيرِ موقوفٍ على عددِ يدلُّ على أن المعتبرَ هوَ الجمعُ الذي يحصلُ بهِ الشعارُ، ولا يكونُ إلَّا في كثرةٍ يغيظُ بها المنافقَ، ويكبتُ بها الجاحدَ، ويسرُّ بها المصدقَ، والآيةُ الكريمةُ دالّةٌ على الأمرِ بالجماعةِ، فلو وقفَ على أقلَّ ما دلّتْ عليهِ لم تنعقدْ

(1)

.

قلتُ: قد كتبنا رسالةً في شروطِ الجمعةِ التي ذكروها ووسَّعنَا [فيها]

(2)

المقالَ والاستدلالَ، سمَّيْنَاهَا: اللمعةُ في تحقيقِ شرائطِ الجمعةِ

(3)

.

24/ 437 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ. رَوَاهُ البَزَّارُ

(4)

بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ. [ضعيف]

(وعن سمُرةَ بن جندبٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يستغفرُ للمؤمنينَ والمؤمناتِ كلَّ جمعةٍ. رواهُ البزارُ بإسنادٍ لينٍ).

قلتُ: قالَ البزارُ: لا نعلمُه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلَّا بهذا الإسنادِ، وفي إسنادِ البزارُ يوسفُ بنُ خالدٍ البستي وهوَ ضعيفٌ، ورواهُ الطبرانيُّ في الكبيرِ إلَّا أنهُ بزيادةِ:"والمسلمينَ والمسلماتِ"، وفيهِ دليل على مشروعيةِ ذلكَ للخطيبِ، لأنَّها موضعُ الدعاءِ. وقدْ ذهبَ إلى وجوبِ دعاءِ الخطيبِ لنفسهِ وللمؤمنينَ والمؤمناتِ أَبو طالبٍ، والإمامُ يحيى، وكأنَّهم يقولونَ: إنَّ مواظبتَه صلى الله عليه وسلم دليلُ الوجوبِ كما يفيدُه: "كانَ يستغفرُ"، وقالَ غيرُهم: يندبُ ولا يجبُ لعدمِ الدليلِ على الوَجوبِ، وقالَ الشارحُ: والأولُ أظهرُ.

(1)

في المخطوط: لم تبعد، والأصح ما أثبتناه.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

مخطوط ضمن مجاميع (1) كما في "فهرس المخطوطات"(3/ 1160).

(4)

في "كشف الأستار"(1/ 307 رقم 641/ 128). قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير"(7/ 264)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 190)، وقال:"رواه البزار والطبراني في الكبير، وقال البزار: لا نعلمه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وفي إسناد البزار يوسف بن خالد البستي وهو ضعيف" اهـ.

ص: 157

‌قراءة آيات من القرآن في الخطبة

25/ 438 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي الْخُطْبَةِ يَقْرَأُ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، يُذَكِّرُ النَّاسَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ

(2)

. [حسن]

(وعن جابرٍ بن سمُرةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ في الخطبةِ يقرأُ آيات منَ القرآنِ يذكرُ الناسَ. رواهُ أَبو داودَ، وأصلُهُ في مسلمٍ)، كأنهُ يريدُ ما تقدمَ من حديثِ أمِّ هشامٍ بنتِ حارثةَ

(3)

أنَّها قالتْ: "ما أخذتُ قَ والقرآنِ المجيدِ إلَّا من لسانِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يقرأُها كلَّ جمعةٍ على المنبر"، ورَوَى الطبرانيُّ في الأوسطِ

(4)

من حديثِ عليٍّ عليه السلام: "أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يقرأُ على المنبرِ قلْ يا أيّها الكافرونَ، وقلْ هوَ اللَّهُ أحدٌ". وفيهِ رجلٌ مجهولٌ، وبقيةُ رجالِه موثقونَ، وأخرجَ الطبرانيُّ فيهِ أيضًا

(5)

من حديثِ جابرٍ: "أنهُ خطبَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقرأ في خطبتهِ آخرَ الزُّمَرِ، فتحرك المنبرُ مرتينِ"، وفي رواته ضعيفانِ.

‌الذين تسقط عنهم الجمعة

26/ 439 - وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: مَمْلُوكٌ، وَامْرَأَةٌ، وَصَبِيٍّ، وَمَرِيضٌ".

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(6)

، وَقَالَ لَمْ يَسْمَعْ طَارِقٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَخرَجَهُ الْحَاكِمُ

(7)

مِنْ رِوَايَةِ طَارِقٍ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِي مُوسَى. [صحيح]

(1)

في "السنن"(1/ 661 رقم 1101)، وهو حديث حسن.

(2)

2/ 591 رقم 866.

(3)

رقم (9/ 422).

(4)

كما في "مجمع الزوائد"(2/ 190) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في "الأوسط" وقال: تفرد به إسحاق بن زريق. قلت: ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله موثقون" اهـ.

(5)

كما في "مجمع الزوائد"(2/ 190) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية أَبي بحر البكراوي عن عباد بن ميسرة المنقري وكلاهما ضعيف، إلّا أن أحمد قال في أَبي بحر: لا بأس به".

(6)

في "السنن"(1/ 644 رقم 1067).

وقال النووي في "الخلاصة": "وهذا غير قادح في صحته، فإنه يكون مرسل صحابي، وهو حجة، والحديث على شرط الصحيحين" اهـ. كما في "نصب الراية"(2/ 199).

(7)

في "المستدرك"(1/ 288). =

ص: 158

‌ترجمة طارق بن شهاب

(وعن طارقٍ بن شهابٍ)

(1)

بن عبدِ شمسٍ الأحْمَسِيّ البَجَليّ الكوفيّ، أدركَ الجاهليةَ ورأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وليسَ لهُ منهُ سماعٌ، وغزَا في خلافةِ أَبي بكرٍ [وعمرَ]

(2)

[ثلاثًا]

(3)

وثلاثينَ، أو أربعًا وثلاثينَ غزوةً وسريةً

(4)

، وماتَ سنةَ اثنتين وثمانينَ.

(أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: الجمعةُ حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ في جماعةٍ إلَّا أربعةً: مملوكٌ، وامرأةٌ، وصبيٌّ، ومريضٌ. رواهُ أَبو داودَ وقالَ: لم يسمعْ طارقٌ منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم) إلَّا أنهُ في سننِ أَبي داودَ بلفظِ: "عبدٌ مملوكٌ، أو امرأةٌ، أو صبيٌّ، أو مريضٌ"، بلفظِ "أو" وكذا ساقهُ المصنفُ في التلخيصِ

(5)

، ثمَّ قالَ أَبو داودَ: طارقٌ قد رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم هوَ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولم يسمعْ منهُ شيئًا. انتهَى.

(وأخرجهُ الحاكمُ [أيضًا]

(6)

من روايةِ طارقٍ المذكورِ عن أَبي مُوسَى)، يريدُ المصنفُ أنهُ بهذا صارَ موصولًا، وفي البابِ عن تميمٍ الدَّاري

(7)

، وابنِ عمرَ

(8)

، ومولى لابنِ الزبيرِ

(9)

، رواهُ البيهقيُّ، وحديثُ تميمٍ فيهِ أربعةُ أنفسٍ ضعفاءُ على

= وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقد احتجًا بهريم بن سفيان، ورواه ابن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، فلم يذكر فيه أبا موسى، وطارق بن شهاب يعدّ في الصحابة" اهـ.

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 183) وقال: "هذا الحديث وإن كان فيه إرسال فهو مرسل جيد، فطارق من خيار التابعين وممن رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن لم يسمع منه ولحديثه هذا شواهد".

والخلاصة: فالحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(4/ 485)، و"تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 251)، و"تهذيب التهذيب"(5/ 4)، و"خلاصة تذهيب الكمال"(ص 178).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (أ): "ثلاثةً".

(4)

أخرجه أحمد (4/ 315 - 315)، والطبراني في "الكبير"(8/ 385 رقم 8205).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(9/ 407 - 408) وقال: ورجالهما رجال الصحيح.

(5)

في "التلخيص الحبير"(2/ 65).

(6)

زيادة من (أ).

(7)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 183)، وابن أَبي حاتم في "العلل" (1/ 212) وقال: قال أَبو زرعة: "هذا حديث منكر".

(8)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 184).

(9)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 184)، وسنده ضعيف.

ص: 159

الولاءِ، قالهُ ابنُ القطانِ، وحديثُ ابن عمرَ أخرجهُ الطبرانيُّ في الأوسطِ

(1)

بلفظِ: "ليسَ على مسافرٍ جمعةٌ"، وفيهِ أيضًا

(2)

من حديثِ أَبي هريرةَ مرفوعًا: "خمسةٌ لا جمعةَ عليهم: المرأةُ، والمسافرُ، والعبدُ، والصبيُّ، وأهلُ الباديةِ".

27/ 440 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ جُمُعَةٌ"، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ

(3)

بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]

(وعنِ ابن عمرَ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ليسَ على مسافرٍ جمعةٌ. رواهُ الطبرانيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ)، ولم يذكرِ المصنفُ تضعيفَه في التلخيصِ، ولا [بيَّن]

(4)

وجهَ ضعفِه، وإذا عرفتَ هذا فقدِ اجتمعَ منَ الأحاديثِ أنَّها لا تجبُ الجمعةُ على ستةِ أنفُسٍ: الصبيِّ، وهو متفقٌ على أنهُ لا جمعةَ عليهِ.

والمملوكِ: وهوَ متفق عليهِ إلَّا عندَ داودَ فقالَ بوجوبها عليهِ لدخولهِ تحتَ عمومِ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ}

(5)

، فإنهُ تقرّرَ في الأصولِ دخولُ العبيدِ في الخطابِ، وأجيبَ عنهُ بأنهُ خصَّصتْهُ الأحاديثُ، وإنْ كانَ فيها مقالٌ، فإنهُ يقوي بعضُها بعضًا. والمرأةِ: وهوَ مجمعٌ على عدم وجوبها عليها. وقالَ الشافعي: يستحبُّ للعجائزِ حضورُها بإذنِ الزوجِ، [وفي]

(6)

روايةِ البحر

(7)

عنهُ أنهُ يقولُ بالوجوبِ عليهنَّ خلافَ ما هوَ مصرّحٌ بهِ في كتبِ الشافعيةِ

(8)

.

والمريضِ: فإنهُ لا يجبُ عليه حضورُها إذا كانَ يتضرّرُ بهِ.

والمسافرِ: لا يجبُ عليهِ حضورُها وهوَ يحتملُ أنْ يرادَ بهِ: مباشرُ السفرِ،

(1)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(2/ 65).

(2)

عزاه إليه الهيثمي في "المجمع"(2/ 170) وقال: وفيه إبراهيم بن حماد ضعّفه الدارقطني.

(3)

عزاه الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(2/ 65) إلى الطبراني ولم يضعف سنده.

وقال الألباني في "إرواء الغليل"(3/ 61): "وأورده الحافظ في "بلوغ المرام" من حديث ابن عمر بهذا اللفظ وقال: رواه الطبراني بإسناد ضعيف.

وما أظن عزوه للطبراني إلّا وهمًا، فإنه لم يورده الهيثمي في "المجمع"، ولا في زوائد معجم الطبراني الصغير والأوسط" اهـ.

(4)

في (أ): "بيان".

(5)

سورة الجمعة: الآية 9.

(6)

في (ب): "و".

(7)

(2/ 4).

(8)

"المجموع"(4/ 496).

ص: 160

وأما النازلُ [فيجبُ]

(1)

عليهِ ولو نزلَ بمقدارِ الصلاةِ، وإلى هذا ذهبَ جماعةٌ منَ الآلِ وغيرُهم، وقيلَ: لا تجبُ عليهِ لأنهُ داخلٌ في لفظِ المسافرِ، وإليهِ ذهبَ جماعةٌ منَ الآلِ أيضًا [وغيرهم]

(2)

، وهوَ الأقربُ لأنَّ أحكامَ السفرِ باقيةٌ لهُ منَ القَصْرِ ونحوهِ، ولذا لم ينقلْ أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى الجمعةَ بعرفاتٍ في حجةِ الوداعِ لأنهُ كانَ مسافرًا. وكذلكَ العيدُ تسقطُ صلاتُه عن المسافرِ، ولذا لم يُرْوَ أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاةَ العيدِ في حجّتهِ تلكَ، وقد وهمَ ابنُ حزمٍ

(3)

رحمه الله فقالَ: إنهُ صلّاها في حجتهِ وغلَّطَه العلماءُ.

السادسُ: أهلُ الباديةِ، وفي النهايةِ

(4)

: أن الباديةَ تختصُّ بأهلِ العمدِ والخيامِ دونَ أهلِ القرى والمدنِ، وفي شرحِ العمدةِ أن حكمَ أهلِ القُرَى حكمُ أهلِ الباديةِ. ذكرهُ في شرحِ حديثِ:"لا يبيعُ حاضرٌ لبادٍ"

(5)

.

‌استقبال الناس الخطيب بوجوههم

28/ 441 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ اسْتَقْبَلْنَاهُ بِوُجُوهِنَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [صحيح لغيره]

- وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ

(7)

.

(1)

في (أ): "فتجب".

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في "المحلَّى"(5/ 50).

(4)

1/ 398.

(5)

وهو جزء من حديث أخرجه البخاري (2150)، ومسلم (11/ 1515) من حديث أَبي هريرة.

(6)

في "السنن"(2/ 383 رقم 509).

قال الترمذي: وحديث منصور لا نعرفه إلّا من حديث محمد بن الفضل بن عطية ومحمد بن الفضل بن عطية ضعيف ذاهب الحديث عند أصحابنا

وقال أَبو عيسى: "ولا يصح في هذا الباب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم شيءٌ"، وتعقَّبه الألباني في "الصحيحة" (5/ 115) بقوله: "كذا قال، وفيه نظر لما تقدم من حديث ابن المبارك وللشاهد الآتي

" اهـ.

(7)

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 198) بسند ضعيف.

وانظر كلام الألباني في "الصحيحة"(5/ 113 - 114).

والخلاصة: فالحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

ص: 161

(وعن عبدِ اللَّهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا استَوى على المنبرِ استقبلناهُ بوجوهِنَا. رواهُ الترمذيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ)، لأنَّ فيهِ محمدَ بن الفضلِ بن عطيةَ، وهو ضعيفٌ تفرَّدَ بهِ وضعفُه بهِ الدارقطنيُّ

(1)

، وابنُ عدي

(2)

، وغيرُهما، (ولهُ شاهدٌ من حديثِ البراءِ عندَ ابن خزيمةَ رحمه الله)، لم يذكرْهُ الشارحُ، ولا رأيتهُ في التلخيصِ.

والحديثُ يدلُّ على أن استقبالَ الناسِ الخطيبَ مواجهينَ لهُ أمرٌ مستمرٌّ، وهوَ في حكمِ المجمعِ عليهِ، وجزمَ بوجوبهِ أَبو الطيبِ منَ الشافعيةِ. وللهادويةِ احتمالانِ

(3)

فيما إذا تقدمَ بعضُ المستمعينَ على الإمامِ، ولم يواجهوهُ يصحُّ أو لا يصحُّ، ونصَّ صاحبُ الأثمارِ أنهُ يجبُ على العددِ الذينَ تنعقدُ بهمُ الجمعةُ المواجهةُ دونَ غيرهم.

‌اعتماد الخطيب على عصا ونحوها

29/ 442 - وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ حَزْنَ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْنَا الْجُمُعَةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصَا أَوْ قَوْسٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

. [حسن]

(1)

انظر: "الضعفاء والمتروكين" للدارقطني (ص 222 رقم 484).

(2)

في "الكامل"(6/ 2174).

(3)

قال الشوكاني في "نيل الأوطار"(3/ 263): "وأحاديث الباب وإن كانت غير بالغة إلى درجة الاعتبار فقد شدّ عضدها عمل السلف والخلف على ذلك. قال ابن المنذر: وهذا كالإجماع.

وقال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم يستحبون استقبال الإمام إذا خطب وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.

قال العراقي وغيرهم: عطاء بن أَبي رباح وشريح ومالك والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وابن جابر ويزيد بن أَبي مريم وأصحاب الرأي

" اهـ.

(4)

في "السنن"(1/ 658 رقم 1096) قلت: وأخرجه أحمد (4/ 212).

قال ابن حجر في "التلخيص"(2/ 65): "وإسناده حسن، فيه شهاب بن خراش وقد اختلف فيه، والأكثر وثّقوه، وقد صحَّحه ابن السكن وابن خزيمة، وله شاهد من حديث البراء بن عازب رواه أَبو داود

" اهـ.

وحسَّن الألباني الحديث في صحيح أَبي داود.

ص: 162

(وعن الحكمِ بن حَزْنٍ) بفتحِ المهملةِ، وسكونِ الزاي، فنونٍ، والحكمُ: قالَ ابنُ عبد البرِّ

(1)

: إنهُ أسلَمَ عامَ الفتحِ، وقيلَ: يومَ اليمامةِ، وأبوهُ حزنُ بنُ أَبي وهبٍ المخزومي ([قال]

(2)

: شهدْنا الجمعةَ معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقامَ متوكّئًا على عصًا أو قوسٍ. رواهُ أَبو داودَ)، تمامهُ في السننِ: فحمدَ اللَّهَ وأثنَى عليهِ كلماتٍ خفيفاتٍ طيّباتٍ مباركاتٍ، ثمَّ قالَ:"أيها الناسُ إنكمْ لن تطيقُوا، أو لنْ تفعلُوا كلَّ ما أمرتُمْ بهِ، ولكنْ سدِّدُوا ويسِّروا"، وفي رواية:"وأبشرُوا"، وإسنادُه حسنٌ. وصحَّحهُ ابنُ السكن [وابن خزيمةَ]

(3)

، وله شاهدٌ عندَ أَبي داودَ

(4)

من حديثِ البراءِ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم[أُعطي يوم العيد قوسًا فخطبَ عليهِ" وطوَّله أحمد والطبراني، وصحَّحه ابن السكن، وأخرج الشافعي

(5)

أنه صلى الله عليه وسلم]

(6)

كان إذا خطب يعتمد على [عنَزةٍ لهُ]

(7)

، والعنَزةُ: مثلُ نصفِ الرمحِ أوْ [أكبرُ]

(8)

، فيها سنانٌ مثل سنانِ الرمحِ.

وفي الحديثِ دليلٌ أنهُ يندبُ للخطيبِ الاعتمادُ على سيفٍ

(9)

أو نحوهِ وقتَ

(1)

في "الاستيعاب"(1/ 321) بهامش الإصابة.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "التلخيص"(2/ 65)، وما بين الحاصرتين زيادة من (أ).

(4)

في "السنن"(1/ 679 رقم 1145). قلت: وأخرجه أحمد (4/ 304)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي وآدابه" رقم (402) بسند ضعيف لضعف أَبي جناب وهو يحيى بن أَبي حية ضعّفوه لكثرة تدليسه، وللحديث شواهد، فهو بها صحيح، والله أعلم.

وقد حسَّنه الألباني في صحيح أَبي داود.

(5)

في "بدائع المنن"(1/ 177 رقم 504).

وفيه إبراهيم بن محمد بن أَبي يحيى الأسلمي متَّهم بالكذب كما في "الميزان"(1/ 57 رقم 189)، وليث ضعيف.

(6)

زيادة من (أ).

(7)

في (أ): "عنزته".

(8)

في (أ): "أكثر".

(9)

وفي هذا الاستدلال نظر، فإن ابن القيم قال في "زاد المعاد" (1/ 190): "وكان أحيانًا يتوكأ على قوس، ولم يُحفظ عنه أنه توكأ على سيف، وكثير من الجهلة يظن أنه كان يُمسِك السيفَ على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف، وهذا جهل قبيح

".

وقال الألباني في "الضعيفة"(2/ 381): "وجملة القول: أنه لم يرد في حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على العصا أو القوس وهو على المنبر، فلا يصح الاعتراض على ابن القيم في قوله: "إنه لا يحفظ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد اتخاذه المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس وغيره"، بل الظاهر من تلك الأحاديث الاعتماد على القوس إذا خطب على الأرض، والله أعلم" اهـ.

ص: 163

[الخطبةَ]

(1)

، والحكمةُ أن في ذلكَ ربطًا للقلبِ ولبعدِ

(2)

يديهِ عن العبثِ، فإنْ لم يجدْ ما يعتمدُ عليهِ أرسلَ يديهِ أو وضعَ اليُمنى على [اليسرى]

(3)

، أو على جانبِ المنبرِ، ويكرهُ دقُّ المنبرِ بالسيفِ إذْ لم يُؤْثَرْ فهوَ بدعةٌ.

* * *

(1)

في (ب): "خطبتهِ".

(2)

في المخطوط: "وليعتمد"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

في (أ): "الشمال".

ص: 164

[الباب الثالث عشر] بابُ الصلاةِ الخوفِ

‌غزوة ذات الرقاع وشرعية صلاة الخوف

1/ 443 - عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ رضي الله عنه عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةَ مِنْ أَصْحَابِهِ صلى الله عليه وسلم صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(1)

، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَوَقَعَ فِي الْمَعْرِفَةِ لابْنِ مَنْدَهْ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ أَبِيهِ. [صحيح]

‌ترجمة صالح بن خوات

(عن صالحٍ بن خوَّاتٍ)

(2)

بفتحِ الخاءِ المعجمةِ، وتشديدِ الواوِ، فمثناةٍ فوقيةٍ، الأنصاريِّ المدنيِّ تابعيٌّ مشهورٌ، سمعَ جماعةً منَ الصحابةِ (عمَّنْ صلَّى مع

(1)

البخاري (4129)، ومسلم (310/ 842).

قلت: وأخرجه مالك (1/ 183 رقم 1)، وأحمد (3/ 448)، وأبو داود (1238)، والنسائي (3/ 171)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 235)، والدارقطني في "السنن"(2/ 60 رقم 11).

(2)

انظر ترجمته في: "ذكر أسماء التابعين" للدارقطني (1/ 178 رقم 468)، و"تهذيب التهذيب"(4/ 339)، و"الكاشف"(2/ 18).

ص: 165

النبيُّ صلى الله عليه وسلم) في صحيحِ مسلمٍ

(1)

عن صالحٍ بن خواتٍ بن جبيرٍ، عن سهلِ بن أَبي حثمة فصرَّحَ بمن حدَّثهُ [في روايةٍ]

(2)

، وفي روايةٍ أبهمَهُ كما هنَا، (يومَ ذات الرِّقاعِ)

(3)

بكسرِ الراءِ، فقافٍ مخففةٍ، آخرَهُ عينٌ مهملةٌ، هوَ مكانٌ من نجدٍ بأرضِ غطفانَ، سميتْ الغزاةُ بذلك لأنَّ أقدامَهم نُقبتْ؛ فلفُّوا عليها الخِرقَ كما في صحيحِ البخاريّ

(4)

من حديثِ أَبي موسى، وكانت في جمادى الأُولى في السنةِ الرابعةِ منَ الهجرةِ.

(صلاةَ الخوفِ أن طائفة من أصحابهِ صلى الله عليه وسلم[صفتْ]

(5)

معهُ وطائفةً وِجَاهَ) بكسرِ الواوِ، فجيمٍ، مواجهةَ (العدوِّ، فصلَّى بالَّذينَ معة ركعةً، ثمَّ ثبتَ قائمًا وأتمُّوا لأنفسِهِمْ، ثمَّ انصرفُوا وصفُّوا) في مسلم: فصفُّوا بالفاءِ (وِجَاهَ العدوِّ، وجاءتِ الطائفةُ الأخرى فصلَّى بهمُ الركعةَ التي بقيتْ، ثمَّ ثبت جالسًا وأتمُّوا لأنفسِهم، ثمَّ سلَّمَ بهمْ. متفقٌ عليه، وهذَا لفظُ مسلمٍ، ووقعَ في المعرفة) كتابٍ (لابنِ مَنْدَهْ) بفتحِ الميمِ، وسكونِ النونِ، فدالٍ مهملةٍ، إمامٍ كبيرٍ من أئمةِ الحديثِ (عن صالحِ بن خواتٍ عن أبيهِ)، أي: خواتٍ [بن جبير]

(6)

وهو صحابيٌّ، فذكرَ المبهمَ وأنهُ أبوهُ، وفي مسلمٍ أنهُ مَنْ ذكرناهُ.

واعلمْ أن هذهِ الغزاةَ كانت في الرابعةِ كما ذكرناهُ، وهو الذي قالهُ ابنُ إسحاقَ وغيرُه من أهلِ السِّيَرِ والمغازي، وتلقّاهُ الناسُ عنهم، قالَ ابنُ القيمِ: وهوَ مشكلٌ جدًّا، فإنهُ قد صَحَّ أن المشركينَ حَبَسُوا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ الخندقِ عن صلاةِ الظهرِ والعصرِ، والمغربِ والعشاءِ، فصلاهنَّ جميعًا، وذلكَ قبلَ نزولِ صلاةِ الخوفِ، والخندقُ بعدَ ذاتِ الرقاعِ سنةَ خمسٍ، قالَ: والظاهرُ أن أولَ صلاةِ صلَّاها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للخوفِ بعُسفانَ، ولا خلافَ بينَهم أن عسفانَ كانت بعدَ الخندقِ، وقد صحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنهُ صلَّى صلاةَ الخوفِ بذاتِ الرِّقاعِ، فعُلمَ أنَّها بعدَ الخندقِ وبعدَ عسفانَ، وقد تبينَ لنا وَهْمُ أهل السِّيَر. انتهَى.

(1)

(1/ 575 رقم 309/ 841).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

انظر: "معجم البلدان"(3/ 56 - 57).

(4)

في "صحيحه"(7/ 417 رقم 4128).

(5)

في (أ): "صلت".

(6)

زيادة من (أ).

ص: 166

[ومَنْ]

(1)

يحتجُّ بتقديمِ شرعيتها على الخندقِ على روايةِ أهلِ السيرِ من يقولُ إنَّها لا تصلَّى [صلاة]

(2)

الخوفِ في الحضرِ، ولِذَا لم يصلِّها النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ الخندقِ. وهذه الصفةُ التي ذكرت في الحديثِ في كيفيةِ صلاتِها واضحةٌ. وقد ذهبَ إليها جماعةٌ من الصحابةِ ومنَ الآلِ من بعدِهم، واشترطَ الشافعيُّ أنْ يكونَ العدوُّ في غيرِ جهةِ القبلةِ، وهذا في الثنائيةِ، وإنْ كانتْ ثلاثيةً انتظرَ في التشهّدِ الأولِ، وتُتِمُّ الطائفةُ الركعةَ الثالثةَ، وكذلكَ في الرباعيةِ إنْ قُلنا: إنَّها تصلَّى صلاةُ الخوفِ في الحضرِ، وينتظرُ في التشهّد أيضًا، وظاهرُ القرآن مطابقٌ لما دلَّ عليهِ هذا الحديثُ الجليلُ لقولهِ:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}

(3)

، وهذهِ الكيفيةُ أقربُ إلى موافقةِ المعتادِ منَ الصلاةِ في تقليل الأفعالِ المنافيةِ للصلاةِ ولمتابعةِ الإمامِ.

‌صلاة الإمام بكل طائفة ركعة وقضاء كل طائفة ركعة

2/ 444 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازينَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَاهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَكَعَ بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا، فَرَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]

(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: غزوت مع رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قِبَل) بكسر القاف، وفتح الموحدة، أي: جهة (نجد) نجد: كل ما ارتفع من بلاد العرب، (فوازينا) بالزاي

(1)

في (أ): "وقد".

(2)

زيادة من (ب).

(3)

سورة النساء: الآية 102.

(4)

البخاري (943)، ومسلم (306/ 839).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 155)، والنسائي (3/ 173)، والدارقطني (2/ 59 رقم 7)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 260) وغيرهم، كلّهم من رواية موسى بن عقبة عن نافع عنه.

ص: 167

بعدها مثناة تحتية: قابلنا (العدو فصاففناهم، فقام رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فصلّى بنا)، في المغازي من البخاري: أنها صلاة العصر، ثم لفظ البخاري:"فصلَّى لنا" باللام. قال المصنف في الفتح

(1)

: أي: لأجلنا، ولم يذكر أن فيه رواية بالموحدة، وفيه "يصلي" بالفعل المضارع.

(فقامت طائفةٌ معه وأقبلت طائفة على العدو، وركعَ بمن معه - ركعةً - وسجد سجدتين، ثمَّ انصرفوا) أي: الذين صلّوا معه، ولم يكونوا أتوا بالركعةِ الثانيةِ، ولا سلّموا من صلاتهم (مكان الطائفة التي لم تصلّ، فجاءوا فركع بهم ركعةً وسجد سجدتين، ثم سلَّم، فقام كلّ واحدٍ منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين. متَّفق عليه، وهذا لفظ البخاري).

قال المصنّف: لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا، ويحتمل أنهم أتمّوا في حالة واحدة، ويحتمل أنّهم أتمّوا على التعاقب، وهو الراجح من حيث المعنى، وإلّا استلزم تضييع الحراسة المطلوبة، وإفراد الإمام وحده، ويرجِّحه ما رواه أَبو داود

(2)

من حديث ابن مسعود بلفظ: "ثم سلّم فقام هؤلاء، أي: الطائفة الثانية فصلّوا لأنفسهم ركعة، ثم سلّموا، ثم ذهبوا، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلّوا لأنفسهم ركعة ثم سلّموا". انتهى.

والطائفة تطلق على القليل والكثير حتى على الواحد، حتى لو كانوا ثلاثة جاز للإمام أن يصلّي بواحد، والثالث يحرس، ثم يصلّي مع الإمام، وهذا أقل ما تحصل به جماعة الخوف. وظاهر الحديث أن الطائفة الثانية والتي بين ركعتيها ثم أتت الطائفة الأولى بعدها، وقد ذهب إلى هذه الكيفية أَبو حنيفة ومحمد.

(1)

(2/ 430).

(2)

في "السنن"(2/ 37 رقم 1244).

قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 311)، والدارقطني (2/ 61 رقم 15)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 261) كلهم من رواية خصيف عن أَبي عبيدة.

وقال البيهقي: هذا الحديث مرسل، أَبو عبيدة لم يدرك أباه، وخصيف الجزري ليس بالقوي. ومع ذلك فقد حسّنه الألباني في صحيح أَبي داود.

ص: 168

‌صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة

3/ 445 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ: صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَأَقَامَ الصَّفُّ المُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى السُّجُودَ قَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، فَذكرَ الحَدِيثَ

(1)

. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ

(2)

: ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ، فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي، وَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَفِي أَواخِرِهِ: ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(وعن جابرٍ رضي الله عنه قالَ: شهدتُ مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخوفِ، فصففنا صفّين: صفٌّ خلفَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والعدوُّ بيننا وبين القبلة، فكبّر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكبّرنا جميعًا، [ثم ركع وركعنا جميعًا]

(3)

، ثم رفع رأسه من الركوع، ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه)، أي: انحدر الصف الذي يليه وهو عطف على الضمير المتّصل من دون تأكيد لأنه قد وقع الفصل.

(وأقام الصف المؤخَّر في نَحْرِ العَدُوِّ، فلما قضَى السجودَ قامَ الصفّ الذي يليهِ، فذكرَ الحديث) تمامه: "انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخّر الصف المقدم، ثم ركع النبيّ صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعةِ الأولى، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضَى النبيّ صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلَّم النبيّ صلى الله عليه وسلم وسلَّمنا جميعًا. وقال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم"، انتهى لفظ مسلم.

(1)

أخرجه مسلم (307/ 840).

(2)

أخرجه مسلم (308/ 840).

(3)

زيادة من (ب).

ص: 169

قوله: (وفي رواية) هي في مسلم عن جابر رضي الله عنه، وفيها تعيين القوم الذين حاربوهم ولفظها:"غزونا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قومًا من جهينة، فقاتلونا قتالًا شديدًا، فلما صلّينا الظهر، قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة واحدة لاقتطعناهم، فأخبر جبريل رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لنا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال: وقالوا: إنها ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولى، فلما حضرت العصر" إلى أن قال: (ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني)، ثم تأخّر الصف الأول، وتقدّم الصف الثاني، [فذكر]

(1)

مثله"، قال: "فقاموا مقام الأول فكبّر رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وكبّرنا، وركع وركعنا، ثم سجد وسجد معه الصفّ الأول، وقام الثاني، فلما سجد [الصف]

(2)

الثاني جلسوا جميعًا"، (وفي [أواخره]

(3)

ثم سلَّم النبيّ صلى الله عليه وسلم وسلَّمنا جميعًا. رواه مسلم).

الحديث دليلٌ على أنه إذا كان العدوّ في جهةِ القبلةِ، فإنه يخالفُ ما إذا لم يكن كذلك، فإنّها تمكنُ الحراسةُ مع دخولهم جميعًا في الصلاةِ، وذلكَ أن الحاجةَ إلى الحراسةِ إنما تكونُ في حالِ السجود فقط، فيتابعونَ الإمام في القيامِ والركوعِ ويحرسُ الصفّ المؤخّر في حال السجدتين بأن يتركوا المتابعة للإمام، ثم يسجدون عند قيام الصف الأول، ويتقدم المؤخّر إلى محل الصف المقدَّم، ويتأخر المقدم ليتابع المؤخر الإمام في السجدتين الأخيرتين فيصحّ مع كل من الطائفتين المتابعة في سجدتين.

والحديث يدلّ أنها لا تكون الحراسة إلّا حال السجود فقط دون حال الركوع، لأن حال الركوع لا يمتنع معه إدراك أحوال العدوّ، وهذه الكيفيّة لا توافق ظاهر الآية، ولا توافق الرواية الأولى عن صالح بن خوات

(4)

، ولا رواية ابن عمرَ

(5)

، إلَّا أنه قد يقال أنها تختلف الصفات باختلاف الأحوال.

4/ 446 - وَلِأَبي دَاوُد

(6)

، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، وَزَادَ: إِنَّهَا كَانَتْ بِعُسْفَانَ. [صحيح]

(1)

في (أ): "وذكر".

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (أ): "أخره".

(4)

تقدم رقم (1/ 443).

(5)

تقدم رقم (2/ 444).

(6)

في "السنن"(2/ 28 رقم 1236). =

ص: 170

(ولأبي داودَ عن أَبي عياشٍ الزرقيِّ مثلُهُ) أي: مثلُ روايةِ جابرٍ هذهِ، (وزادَ) تعيينَ محلِّ الصلاةِ (أنَّها كانتْ بعُسْفَانَ) بضمِّ العينِ المهملةِ، وسكونِ السينِ المهملةِ، ففاء آخرهُ نونٌ، وهوَ موضعٌ على مرحلتينِ من مكةَ في القاموسِ

(1)

.

5/ 447 - وَللنَّسَائِيِّ

(2)

مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِآخَرِينَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. [صحيح]

(وللنسائي من وجهٍ آخرَ) غيرِ الوجهِ الذي أخرجهُ منهُ مسلمٌ (عن جابر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بطائفةٍ من أصحابهِ ركعتينِ، ثمَّ سلَّم، ثمَّ صلَّى بآخرين [أيضًا]

(3)

ركعتين ثم سلَّم)، فصلَّى بإحداهما فرضًا، وبالأُخرى نَفْلًا [لهُ]

(4)

، وعملَ بهذا الحسنُ البصريّ، وادّعى الطحاويُّ أنهُ منسوخٌ بناءً منهُ على أنهُ لا يصحُّ أنْ يصلّي المفترضُ خلف المتنفّلِ، ولا دليلَ على النسخِ.

6/ 448 - وَمِثْلُهُ لأَبِي دَاوُدَ

(5)

، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ. [صحيح]

(ومِثلُه لأبي داودَ عن أَبي بكرةَ)، وقالَ أَبو داودَ

(6)

: وكذلكَ في صلاة المغرب، فإنه يصلِّي ستَّ ركعاتٍ، والقومُ ثلاثًا ثلاثًا.

= قلت: وأخرجه أحمد (4/ 59 - 60)، والنسائي (3/ 177)، والطيالسي (1/ 150 رقم 723 - منحة المعبود)، وعبد الرزاق في "المصنف"(2/ 505 رقم 4237)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (232)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 318)، والدارقطني (2/ 59 رقم 8)، والحاكم (1/ 337)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 256، 257) من رواية مجاهد، عن أَبي عياش الزرقي به، واللفظ لأبي داود، ومثله للحاكم.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصحَّح الألباني الحديث في صحيح أَبي داود.

(1)

"القاموس المحيط"(ص 1582)، و"المصباح المنير"(ص 155).

(2)

في "السنن"(3/ 178 رقم 24/ 1552) وهو حديث صحيح، وقد صحَّحه الألباني في "صحيح النسائي".

(3)

زيادة من (أ).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "السنن"(2/ 40 رقم 1248).

قلت: وأخرجه النسائي (3/ 178)، والطيالسي (1/ 151 - منحة المعبود)، والطحاوي في "شرح المعاني"(1/ 311)، والدارقطني (2/ 61 رقم 12، 13)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 259) كلّهم من رواية الحسن عنه.

وهو حديث صحيح، وقد صحَّحه الألباني في صحيح أَبي داود.

(6)

في "السنن"(2/ 41 رقم 1248). =

ص: 171

7/ 449 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِهؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَبِهؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَلَمْ يَقْضُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(2)

، وَالنَّسَائِيُّ

(3)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حبَّان

(4)

. [صحيح]

(وعن حذيفةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاةَ الخوفِ بهؤلاء ركعةً، وبهؤلاءِ ركعةً ولمْ يقضُوا. ورواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنسائيُّ، وصحَّحهُ ابنُ حبان)، ومثلُهُ:

8/ 450 - وَمِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ

(5)

، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. [صحيح]

(عندَ ابن خزيمةَ عن ابن عباسٍ) وهذهِ الصلاةُ بهذه الكيفيةِ صلَّاها حذيفةُ "بطبرستانَ"، وكانَ الأميرُ سعيدُ بنُ العاصِ، فقالَ:"أيُّكم صلَّى مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخوفِ؟ قالَ حذيفةُ: أنا، فصلَّى بهمْ هذه الصلاةَ"، وأخرجَ أَبو داودَ

(6)

= قلت: وقد ورد هذا في نفس الحديث الذي أخرجه الحاكم (1/ 337)، والدارقطني (2/ 61 رقم 14)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 260) من رواية عمر بن خليفة البكراوي ثنا أشعث بن عبد الملك، عن الحسن، عن أَبي بكرة به.

وأعلّه ابن القطان بان أبا بكرة أسلم بعد وقوع صلاة الخوف بمدة.

قال الحافظ: وهذه ليست بعلة فإنه يكون مرسل صحابي.

والخلاصة: أنه صحيح، والله أعلم.

(1)

في "المسند"(5/ 385، 399).

(2)

في "السنن"(2/ 38 رقم 1246).

(3)

في "السنن"(3/ 167، 168).

(4)

في "الإحسان"(4/ 302 - 303 رقم 1452).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 261، 262)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 310)، و"الحاكم"(1/ 335) من طرق

وانظر: كلام الشيخ شعيب في الإحسان عليه، فخلاصته: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(5)

في "صحيحه"(2/ 293 رقم 1344) بإسناد صحيح.

(6)

في "السنن"(2/ 35 رقم 1243).

قلت: وأخرجه البخاري (942)، ومسلم (305/ 839)، والترمذي (564)، والنسائي (3/ 171)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (233)، والدارقطني (2/ 59 رقم 6)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 260) وغيرهم كلّهم من رواية معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر به.

ص: 172

عن ابن عمرَ، وزيد بن ثابتٍ

(1)

"قالَ [زيد]

(2)

: فكانتْ للقومِ ركعةً ركعة، وللنبيِّ صلى الله عليه وسلم ركعتينِ". وأخرج

(3)

عن ابن عباسٍ قالَ: "فرضَ اللَّهُ تعالى الصلاةَ على لسانِ نبيِّكم عليه الصلاة والسلام في الحضرِ أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوفِ ركعةً"، وأخذَ بهذا عطاءٌ وطاوسٌ والحسنُ وغيرُهم فقالُوا: يصلِّي في شدَّةِ الخوفِ ركعةً يومئُ إيماءً، وكانَ إسحاقُ يقولُ: تجزئُك عندَ المسايفةِ ركعةٌ واحدةٌ تومئُ لها إيماءً، فإنْ لم [تقدرْ]

(4)

فسجدةٌ، فإنْ لم فتكبيرةٌ لأنَّها ذكرُ اللَّهِ.

9/ 451 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ"، رَوَاهُ الْبَزَّارُ

(5)

بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]

(وعن ابن عمرَ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صلاةُ الخوفِ ركعةٌ على أيّ وجهٍ كانَ. رواهُ البزارُ بإسنادٍ ضعيفِ)، وأخرجَ النسائيُّ

(6)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّاها بذي قردٍ بهذهِ الكيفيةِ". وقالَ المصنفُ

(7)

: قد صحَّحهُ ابنُ حبانَ وغيرُه، وأما الشافعيُّ فقالَ: لا يثبتُ.

والحديثُ دليلٌ على أن صلاةَ الخوفِ ركعةٌ واحدةٌ في حقِّ الإمام والمأمومِ، وقد قالَ بهِ الثوريُّ وجماعةٌ، وقالَ بهِ منَ الصحابةِ أَبو هريرةَ وأبو موسى.

(1)

ذكره أَبو داود (2/ 39 - 40) عنه، وأخرجه النسائي (3/ 168 رقم 1531)، وهو حديث صحيح لغيره.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

أَبو داود في "السنن"(2/ 40 رقم 1247).

قلت: وأخرجه مسلم (5/ 687)، والنسائي (3/ 169)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 309)، وأحمد (1/ 355) وغيرهم عن ابن عباس.

(4)

في (أ): "يقدر".

(5)

في "كشف الأستار"(1/ 326 رقم 678) وقال البزار: "محمد بن عبد الرحمن أحاديثه مناكير وهو ضعيف عند أهل العلم".

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 196) وقال: "رواه البزار وفيه النصر بن عبد الرحمن وهو مجمع على ضعفهِ" اهـ.

(6)

في "السنن"(3/ 169 رقم 1533) من حديث ابن عباس، وهو حديث صحيح.

(7)

في "التلخيص الحبير"(2/ 77).

ص: 173

واعلمْ أنهُ ذكرَ المصنفُ في هذا الكتابِ خمسَ كيفياتِ لصلاةِ الخوفِ. وفي سننِ أَبي داودَ ثماني كيفيّات منها هذه الخمسُ، وزادَ ثلاثا. وقالَ المصنفُ في فتح الباري

(1)

: قد رُوِيَ في صلاةِ الخوفِ كيفياتٌ كثيرةٌ، ورجَّحَ ابنُ عبدِ البرِّ الكيفيةَ الواردةَ في حديثِ ابن عمرَ لقوةِ الإسنادِ، وموافقةِ الأصولِ في أن المؤتمَّ لا يتمَّ صلاتَهُ قبل الإمامَ.

وقالَ ابنُ حزمٍ

(2)

: صحَّ منها أربعةَ عشرَ وجهًا، وقالَ ابنُ العربي

(3)

: فيها رواياتٌ كثيرةٌ أصحُّها ستَّ عشرةَ روايةً مختلفةً، وقال النوويُّ نحوَه في شرحِ مسلمٍ

(4)

، ولم يبيّنْها. قالَ الحافظِ

(5)

: وقد بيَّنها شيخُنا الحافظُ أَبو الفضلِ في شرحِ الترمذيِّ، وزادَ وَجْهًا، فصارتْ [سبع عشرةَ]

(6)

، ولكنْ يمكنُ أن [تتداخلَ]

(7)

، وقالَ في الهدي النبويّ

(8)

: صلَّاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عشر مراتٍ، وقال ابنُ العربي

(9)

: صلَّاها أربعًا وعشرينَ مرةً، وقالَ الخطابيُّ

(10)

: صلَّاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة بأشكالٍ متباينةٍ يتحرَّى ما هوَ الأحوطُ للصلاةِ، والأبلغُ في الحراسةِ، فهيَ على اختلاف صورتِها متّفقةُ المعنَى، انتهى.

10/ 452 - وَعَنْهُ مَرْفُوعًا: "لَيْسَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سَهْوٌ"، أَخْرَجَهُ الْدَّارَقُطْنِيُّ

(11)

بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]

(وعنهُ) أي: ابن عمرَ (مرفوعًا: ليسَ في صلاةِ الخوفِ سهوٌ. أخرجه

(1)

(2/ 431).

(2)

في "المحلَّى"(5/ 33).

(3)

في "العارضة"(3/ 45).

(4)

(6/ 126).

(5)

في "الفتح"(2/ 431).

(6)

في (أ): "سبعة عشر".

(7)

في (ب): "تداخل".

(8)

(1/ 532).

(9)

كما في "الفتح"(2/ 431).

(10)

في هامش "سنن أبي داود"(2/ 28).

(11)

في "السنن"(2/ 58 رقم 1)، وقال الدارقطني: تفرّد به عبد الحميد بن السري وهو ضعيف.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(10/ 88 رقم 9986) من حديث عبد الله بن مسعود.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 154) وقال: وفيه الوليد بن الفضل ضعّفه ابن حبان والدارقطني.

ص: 174

الدارقطنيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ)، وهوَ معَ هذا موقوفٌ، قيلَ: ولم يقلْ بهِ أحدٌ من العلماءِ.

‌شروط صلاة الخوف

واعلمْ أنهُ قد شُرِطَ في صلاةِ الخوفِ شروطٌ، منها: السفرُ، فاشترطَهُ جماعةٌ؛ لقوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ}

(1)

الآية، ولأنهُ صلى الله عليه وسلم لم يصلِّها في الحضرِ، وقالَ زيدُ بنُ عليٍّ، والناصرُ، والإمام يحيى، والحنفيةُ، والشافعيةُ: لا يشترطُ؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ [فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ]

(2)

}

(3)

بناءً على أنهُ معطوفٌ على قولهِ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} ، فهوَ غيرُ داخلٍ في التقييدِ بالضربِ في الأرضِ، ولعلَّ الأولينَ يجعلونَهُ مقيَّدًا بالضربِ في الأرضِ، وأنَّ التقديرَ وإذا كنتَ فيهم معَ هذهِ الحالةِ التي هي الضربُ في الأرضِ. والكلامُ مُسْتَوْفًى في كتبِ التفسيرِ.

ومنها: أنْ يكونَ آخرَ الوقتِ؛ لأنَّها بدلٌ عن صلاةِ الأمنِ لا تجزئُ إلَّا عندَ اليأسِ منَ المبدلِ [منهُ](2)، وهذهِ قاعدةٌ للقائلين بذلكَ، وهمُ الهادويةُ، وغيرُهم، يقولُ: تجزئُ أولَ الوقتِ لعمومِ أدلَّةِ الأوقاتِ.

ومنها: حملُ السلاحِ حالَ الصلاةِ، اشترطَهُ داودُ، فلا تصحُّ الصلاةُ إلَّا بحملِهِ، ولا دليلَ على اشتراطِهِ، وأوجبَهُ الشافعيُّ والناصرُ للأمرِ بهِ في الآيةِ، ولهمْ في السلاحِ تفاصيلُ معروفةٌ.

ومنها: أنْ لا يكونَ القتالُ محرمًا سواءٌ كانَ واجبًا عينًا أو كفاية.

ومنها: أنْ يكون المصلّي مطلوبًا للعدوِّ لا طالبًا؛ لأنهُ إذا كانَ طالبًا أمكنَهُ أنْ يأتي بالصلاةِ تامّةً، أو يكون خاشيًا لكرِّ العدوِّ عليهِ، وهذهِ الشرائطُ مستوفاةٌ في الفروع، مأخوذةٌ من أحوالِ شرعيّتِها، وليستْ بظاهرةٍ في الشرطيةِ. واعلمْ أن شرعيةَ هذه الصلاةِ من أعظم الأدلّة على عظم شأن صلاةِ

(4)

الجماعةِ.

(1)

سورة النساء: الآية 101.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

سورة النساء: الآية 102.

(4)

هنا لفظة "لا سيما" زائدة من (أ).

ص: 175

[الباب الرابع عشر] بابُ صلاة العيدينِ

‌يعتبر في ثبوت العيدين موافقة الناس

1/ 453 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

. [صحيح لغيره]

(عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الفطرُ يومَ يفطرُ الناسُ، والأضْحى يومَ يضحِّي الناسُ. رواهُ الترمذيُّ). وقالَ بعد سياقهِ

(2)

: هذا "حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وفسَّرَ بعضُ أهلِ العلمِ هذا الحديثَ أن معنَى هذا الفطرِ والصومَ معَ الجماعةِ [وعُظْمِ]

(3)

الناسِ"، انتهَى بلفظهِ.

فيهِ دليلٌ على أنهُ يعتبرُ في ثبوت [العيدين موافقة الناس]

(4)

. وأنَّ المنفردَ بمعرفةِ يومِ العيدِ بالرؤيةِ يجبُ عليهِ موافقةُ غيرِهِ، ويلزمُه حكمُهم في الصلاةِ

(1)

في "السنن"(3/ 165 رقم 802) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه.

ومحمد بن المنكدر سمع من عائشة كما قاله البخاري.

• وأخرجه الترمذي (697)، وابن ماجه (1660) من حديث أَبي هريرة بلفظ:"الصومُ يومَ تصومونَ، والفِطْرُ يومَ تفطِرُون، والأضحى يوم تضحُّون"، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

والحديث صحيح بطرقه. وانظر: "الإرواء" رقم (905).

(2)

قلت: ذكر الترمذي هذا بعد حديث أَبي هريرة (3/ 80 رقم 697) ولم يذكره بعد حديث عائشة.

(3)

في (ب): "ومعظمِ".

(4)

في (ب): "العيد الموافقة للناس".

ص: 176

والإفطارِ والأضحيةِ، وقد أخرجَ الترمذيُّ

(1)

مثلَ هذا الحديثِ عن أَبي هريرةَ، وقالَ: حسنٌ. وفي معناهُ حديث ابن عباسٍ، وقد قالَ لهُ كريبٌ

(2)

: "إنهُ صامَ أهلُ الشامِ ومعاويةُ برؤيةِ الهلالِ يومَ الجمعةِ بالشامِ، وقدمَ المدينةَ آخرَ الشهرِ وأخبرَ ابن عباسٍ بذلكَ، فقالَ ابنُ عباسٍ: لكنَّا رأيناهُ ليلةَ السبتِ فلا نزالُ نصومُ حتَّى نكملَ ثلاثينَ أو نراهُ، قالَ:[قلتُ]

(3)

: أوَ لا تكتفي برؤيةِ معاويةَ والناسِ؟ قالَ: لا، هكذا أمرَنَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ".

وظاهرُ الحديثِ أن كُرَيْبًا ممنْ رآهُ، وأنهُ أمرهُ ابنُ عباسٍ أن يتمَّ صومَهُ، وإنْ كانَ متيقّنًا أنهُ يومُ عيدٍ عندَهُ. وذهبَ إلى هذا محمدُ بنُ الحسنِ، وقالَ: يجبُ موافقةُ الناسِ وإنْ خالفَ يقينَ نفسهِ، وكذا في الحجِّ لأنهُ وردَ:"وعَرَفَتُكم يومَ تعرفونَ". وخالفَهُ الجمهورُ وقالُوا: إنهُ يجبُ عليهِ العملُ في نفسهِ بما تيقنَهُ، وحملُوا الحديثَ على عدمِ معرفتهِ بما يخالفُ الناسَ، فإنَّهُ إذا انكشفَ بعدَ الخطأ [فقد]

(4)

أجزأهُ ما فعلَ، قالُوا: وتتأخرُ الأيامُ في حقِّ مَنِ التبسَ عليهِ وعملَ بالأصلِ، وتأوّلُوا حديثَ ابن عباسٍ بأنهُ يحتملُ أنهُ لم يقلْ برؤيةِ أهلِ الشامِ لاختلافِ المطالعِ في الشامِ والحجازِ، [أو]

(5)

أنهُ لما كانَ المخبرُ واحدًا لم يعملْ بشهادتهِ، وليسَ فيهِ أنهُ أمرَ كُرَيْبًا بالعملِ بخلافِ يقينِ نفسهِ، [فإنَّما]

(6)

أخبرَ عن أهلِ المدينةِ وأنَّهم لا يعملونَ بذلكَ لأحد الأمرين.

‌قضاءُ صلاة العيد إذا تركت لعذر

2/ 454 - وَعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهما عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا، فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(7)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(8)

- وَهَذَا لَفْظُهُ - وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. [صحيح]

(1)

في "السنن"(3/ 80 رقم 697) كما تقدَّم أعلاه،

(2)

أخرجه مسلم (28/ 1087)، وأحمد (1/ 306)، وأبو داود (2332)، والترمذي (693)، والنسائي (4/ 131).

(3)

في (أ): "فقلت".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في (أ): "و".

(6)

في (أ): "فإنه إنما".

(7)

في "المسند"(5/ 58).

(8)

في "السنن"(1/ 684 رقم 1157).

ص: 177

(وعن أَبي عميرٍ رضي الله عنه) هوَ أَبو عميرٍ (ابنُ أنسٍ بن مالكٍ) الأنصاريِّ، يقالُ: إنَّ اسمَهُ عبدُ اللَّهِ، وهوَ من صغارِ التابعينَ، رَوَى عن جماعةٍ منَ الصحابةِ، وعمَّرَ بعدَ أبيهِ زمانًا طويلًا، (عن عمومةٍ لهُ منَ الصحابةِ أن رَكْبًا جاءُوا فشهدُوا اتَّهم رأوُا الهلال بالأمسِ، فأمرَهُم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يفطِروا، وإذا أصبحُوا أن يغدُوا إلي مصلَّاهم. رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، وهذا لفظهُ. واسنادُه صحيحٌ)، وأخرجهُ النسائيُّ

(1)

، وابنُ ماجَهْ

(2)

، وصحَّحهُ ابنُ المنذرِ، وابنُ السكنِ، وابنُ حزمٍ

(3)

، وقولُ ابن عبدِ البرِّ: إنَّ أبا عميرٍ مجهولٌ مردودٌ بأنهُ قدْ عرفهُ مَنْ صحَّحَ لهُ.

والحديثُ دليلٌ على أن صلاةَ العيدِ تُصَلَّى في اليومِ الثاني حيثُ انكشفَ العيدُ بعدَ خروجِ وقتِ الصلاةِ. وظاهرُ الحديثِ الإطلاقُ بالنظرِ إلى وقتِ الصلاةِ، وأنهُ وإنْ كانَ وقتُها باقيًا حيثُ لم يكنْ ذلكَ معلومًا مِنْ أولِ اليومِ.

وقد ذهبَ إلى العملِ بهِ الهادي، والقاسمُ، وأبو حنيفةَ لكنْ [بشرط]

(4)

أنْ لا يعلمَ إلَّا وقد خرجَ وقتُها؛ فإنَّها تُقْضَى في اليومِ الثاني فقطْ في الوقتِ الذي تُؤَدَّى فيهِ في يومِها. قالَ أَبو طالبٍ: بشرطِ أنْ يتركَ للبسِ كما وردَ في الحديثِ، وغيرُه يعمّمُ العذرَ سواءً كان للَّبسِ، أو لمطرٍ، وهوَ مصرَّحٌ بهِ في كتبِ الحنفيةِ قياسًا لغيرِ اللَّبسِ عليهِ، ثمَّ ظاهرُ الحديثِ أنَّها أداءٌ لا قضاءٌ.

وذهبَ مالكٌ أنَّها لا تُقْضَى مطلقًا كما لا تقضَى في يومِها، وللشافعيةِ تفاصيلُ

(5)

أُخرُ ذكرَها في الشرحِ، وهذا الحديثُ وردَ في عيدِ الإفطارِ، وقاسُوا

(1)

في "السنن"(3/ 180).

(2)

في "السنن"(1/ 529 رقم 1653).

قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى"(رقم 266)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار" (1/ 386)، والدارقطني (2/ 170)، والبيهقى في "السنن الكبرى"(3/ 316).

قال البيهقي: هذا إسناد صحيح.

وقال الدارقطني: إسناد حسن ثابت.

قلت: وصحَّحه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم كما ذكره الحافظ في "التلخيص".

(3)

أورده الحافظ في "التلخيص"(2/ 87 رقم 696).

(4)

في (ب): "شرط".

(5)

انظر: "الفقه الإسلامي وأدلته"(2/ 367)، و"نيل الأوطار"(3/ 310).

ص: 178

عليهِ الأضحَى، وفي التركِ للبسِ، وقاسُوا عليهِ سائرَ الأعذارِ، وفي القياسِ نظرٌ؛ إذْ لم يتعيَّنْ معرفةُ الجامعِ، واللَّهُ أعلمُ.

‌يسنّ أكل تمرات قبل الخروجِ لصلاةِ الفطر

3/ 455 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

(1)

. وَفِي رِوَايَةٍ مُعَلَّقَةٍ

(2)

- وَوَصَلَهَا أَحْمَدُ

(3)

-: وَيَأْكُلُهُنَّ أَفْرادًا. [صحيح]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يغدُو) أي: يخرج وقتَ الغداةِ (يومَ الفطرِ) أي: إلى المصلَّى (حتَّى يأكلَ تمراتٍ. أخرجهُ البخاريُّ، وفي روايةٍ معلَّقةٍ) أي: للبخاريِّ علَّقَها عن أنس (ووصلَها أحمدُ: ويأكلهنَّ أفرادًا). وأخرجهُ البخاريُّ في تاريخهِ

(4)

، وابنُ حبانَ

(5)

، والحاكمُ

(6)

من روايةِ عتبةَ بن حميدٍ عنهُ بلفظِ: "حتَّى يأكلَ تمراتٍ ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أقلَّ من ذلكَ، أو أكثرَ وترًا"، والحديثُ يدلُّ على مداومتهِ صلى الله عليه وسلم على ذلكَ.

قالَ المهلبُ: الحكمةُ في الأكلِ قبلَ الصلاةِ أنْ لا يظنَّ ظانٌّ لزومَ الصومِ حتَّى يصلِّي العيدَ، فكأنهُ أرادَ سدَّ هذه الذريعةِ. وقيلَ: لمَّا وقعَ وجوبُ الفطرِ عقيبَ وجوبِ الصومِ استحبَّ تعجيلُ الفطرِ مبادرةً إلى امتثالِ أمرِ اللَّهِ، قالَ ابنُ قدامةَ

(7)

: ولا نعلمُ في استحبابِ تعجيلِ الأكلِ في هذا اليومِ قبلَ الصلاةِ خلافًا، قالَ المصنفُ في الفتحِ

(8)

: والحكمةُ في استحبابِ التمرِ ما في الحلوِ من تقويةِ البصرِ الذي يضعفُهُ الصومُ، [أو]

(9)

لأنَّ الحلوَ ممّا يوافقُ الإيمانَ، ويُعَبَّرُ بهِ المنامُ، ويرققُ القلبَ، ومن ثمةَ استحبَّ بعضُ التابعينَ أن يفطرَ على الحلو مطلقًا.

(1)

في "صحيحه"(2/ 446 رقم 953).

(2)

في عقب الحديث (953) وفى "تغليق التعليق"(2/ 374).

(3)

في "المسند"(3/ 126).

(4)

(6/ 526 ترجمة رقم 3206).

(5)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 84 رقم 687).

(6)

في "المستدرك"(1/ 294)، وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي.

(7)

في "المغني"(2/ 229 - مع الشرح الكبير).

(8)

(2/ 447).

(9)

في (أ): "و".

ص: 179

قالَ المهلَّبُ: وأما جعلُهنَّ وترًا فللإشارةِ إلى الوحدانيةِ، وكذلكَ كانَ يفعلُ صلى الله عليه وسلم في جميعِ أمورهِ تبرُّكًا بذلكَ.

‌يسنّ تأخير الأكل يوم الأضحى

4/ 456 - وَعَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَالتّرْمِذِيُّ

(2)

، وَصحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(3)

. [حسن]

(وعنِ ابن بُريدةَ) بضمِّ الموحدةِ، وفتحِ الراءِ، وسكونِ المثناةِ التحتيةِ، ودالٍ مهملةٍ، (عن أبيهِ) هو بُريدةُ بنُ الحُصَيْبِ، تقدمَ. واسمُ ابن بريدةَ عبدُ اللَّهِ بن بُريدةَ بنُ الحصيبِ الأسلميُّ، أَبو سهل المروزيّ، قاضيها، ثقةٌ من الثالثةِ، قالهُ المصنفُ في التقريبِ

(4)

.

(قالَ: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يخرجُ يومَ الفطرِ حتَّى يطعمَ، ولا يطعمُ يومَ الأضْحى حتى يصلِّي. رواه أحمدُ)، [وزاد فيه: فيأكل منْ أضحيته]

(5)

، (والترمذيُّ وصحَّحهُ ابنُ حبانَ)، وأخرجهُ أيضًا ابنُ ماجهْ

(6)

، والدارقطنيُّ

(7)

، والحاكمُ

(8)

،

(1)

في "المسند"(5/ 352 و 360).

(2)

في "السنن"(2/ 426 رقم 542)، وقال الترمذي: حديثُ بُريدةَ بن حُصيب الأسلمي حديثٌ غريبٌ.

وقال محمدٌ - أي البخاري - لا أعرف لثواب بنُ عتبة غيرَ هذا الحديث.

(3)

في "الإحسان"(7/ 52 رقم 2812).

قلت: وأخرجه الدارقطني (2/ 45)، وابن ماجه (1/ 558 رقم 1756)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 305 رقم 1104)، وابن خزيمة (2/ 341 رقم 1426)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 294) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وثواب بن عتبة المهري قليل الحديث، ولم يجرح بنوع يسقط به حديثه، وهذه سنة عزيزة من طريق الرواية مستفيضة في بلاد المسلمين، ووافقه الذهبي على تصحيحه.

والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(4)

(1/ 403 - 404 رقم 203).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في "السنن"(رقم 1756) كما تقدم.

(7)

في "السنن"(2/ 45) كما تقدم.

(8)

في "المستدرك"(1/ 294) كما تقدم.

ص: 180

والبيهقيُّ

(1)

، وصحَّحهُ ابنُ القطان

(2)

. وفي رواية البيهقيِّ زيادةٌ: "وكان إذا رجعَ أكلَ من كبدِ (أضحيته) "، قالَ الترمذيّ

(3)

: وفي الباب عنْ عليٍّ، وأنسٍ، ورواهُ الترمذيُّ أيضًا عن ابن عمرَ

(4)

، وفيها ضعفٌ، وزاد فيه: فيأكل من أضحيته.

والحديثُ دليلٌ على شرعيةِ الأكلِ يومَ الفطرِ قبلَ الصلاةِ، وتأخيرِه يومَ الأضحى إلى [وما بعدها]

(5)

، والحكمةُ فيهِ هوَ أنهُ لما كانَ إظهارُ كرامةِ اللهِ تعالى للعبادِ بشرعيةِ نحرِ الأضاحي، كانَ الأهمَّ الابتداءُ بأكلِها شكرًا للَّهِ على ما أنعمَ بهِ من شرعيةِ النسكيةِ الجامعةِ لخيرِ الدنيا وثوابِ الآخرةِ.

‌خروج النساء إلى مصلَّى العيد

5/ 457 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ وَالْحُيّضَ فِي الْعِيدَيْنِ: يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ المُصَلَّى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

‌ترجمة نسيبة بنت الحارث

(وعن أمِّ عطية)

(7)

هي الأنصاريةُ اسمُها: نسيبةُ بنت الحارث، وقيلَ: بنتُ كعبٍ، كانت تغزُو معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كثيرًا، تداوي الجرحَى، وتمرِّضُ المرضَى، تعدُّ في أهلِ البصرةِ، وكانَ جماعةٌ منَ الصحابةِ وعلماءِ التابعينَ بالبصرةِ يأخذونَ

(1)

في "معرفة السنن والآثار"(5/ 61 رقم 6846) و (5/ 62 رقم 6848).

(2)

ذكره ابن حجر في "التلخيص"(2/ 84 رقم 688).

(3)

في "السنن"(2/ 426).

(4)

قلت: وأخرجه عبد الرزاق (3/ 307 رقم 5740 و 5743)، وابن أَبي شيبة (2/ 162)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 283) عن ابن عمر موقوفًا.

(5)

في (ب): "وما بعدَ الصلاة".

(6)

البخاري (974)، ومسلم (12/ 890).

قلت: وأخرجه أَبو داود (1136)، والترمذي (539)، والنسائي (3/ 180)، وابن ماجه (1307).

(7)

انظر ترجمتها في: "الجرح والتعديل"(9/ 465)، و"الإصابة"(13/ 253)، و"الاستيعاب"(13/ 255)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 500).

ص: 181

عنها غسل الميتِ؛ لأنَّها شهدتْ غسلَ بنتِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فحكتْ ذلكَ وأتقنتْ، فحديثُها أصلٌ في غسل الميتِ، ويأتي حديثُها هذا في كتابِ الجنائزِ

(1)

.

(قالت: أُمرْنا) مبنيٌّ للمجهولِ للعلم بالآمرِ [به]

(2)

، وأنهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وفي روايةٍ للبخاري: أَمَرنا نبيُّنا (أن نخرِجَ) أي: إلى المصلَّى (العواتقَ) البناتِ الأبكارَ البالغات والمقارباتِ للبلوغِ، (والحُيَّضَ) هوَ أعمُّ من الأول من وجهٍ، (في العيدينِ يشهدْنَ الخيرَ)، هوَ الدخولُ في فضيلةِ الصلاةِ لغيرِ الحيّضِ، (ودعوةَ المسلمينَ) تعمُّ الجميعَ (ويعتزلُ الحيَّضُ المصلَّى. متفقٌ عليهِ)، لكنَّ لفظُه عند البخاري:"أُمِرْنا أنْ نخرجَ العواتقَ ذواتِ الخدورِ"، أو قالَ:"العواتقَ وذواتِ الخدورِ، فيعتزلنْ الحيَّضُ المصلَّى"، ولفظُ مسلمٍ:"أمَرَنا، يعني النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أنْ نخرجَ العواتقَ وذواتِ الخدورِ، وأمرَ الحيّضَ أن يعتزلن مصلَّى المسلمينَ"؛ فهذا اللفظُ الذي أتى به المصنفُ ليسَ لفظُ أحدِهما.

والحديثُ دليلٌ على وجوبِ إخراجهنَّ، وفيهِ أقوالٌ ثلاثةٌ:

(الأول): أنهُ واجبٌ، وبه قال الخلفاءُ الثلاثةُ: أَبو بكرٍ، وعمرُ، وعليٌّ، ويؤيّدُ الوجوبَ ما أخرجهُ ابنُ ماجَهْ

(3)

، والبيهقيُّ

(4)

، من حديثِ ابن عباسٍ:"أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يخرجُ نساءَه وبناتهِ في العيدينِ"، وهوَ ظاهرٌ في استمرارِ ذلكَ منهُ صلى الله عليه وسلم، وهوَ عامٌّ لمنْ كانتْ ذاتِ هيئةٍ وغيرِها، وصريحٌ في الشوابِّ، وفي العجائزِ بالأولى.

(والثاني): سنّةٌ، وحُمِلَ الأمرَ بخروجهنَّ على الندب، قالهُ جماعةٌ، وقوّاهُ الشارحُ مستدلًا بأنهُ عللَ خروجهنَّ بشهودِ الخيرِ ودعوةِ المسلمينِ. قال: ولو كانَ واجبًا لما عُلِّلَ بذلكَ، ولكانَ خروجُهنَّ لأداءِ الواجبِ عليهنَّ لامتثالِ الأمرِ.

قلت: وفيه تأملُ، فإنهُ قد يعلّلُ الواجبُ بما فيهِ منَ الفوائدِ، ولا يعلّلُ

(1)

رقم (12/ 511).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في "السنن"(1/ 415 رقم 1309)، وقال البوصيري في "الزوائد" (1/ 428 رقم 460/ 1309):"هذا إسناد ضعيف لتدليس حجاج بن أرطاة".

(4)

في "السنن الكبرى"(3/ 307).

وهو حديث ضعيف، وقد ضعَّفه الألباني في ضعيف ابن ماجه.

ص: 182

بأدائِهِ، وفي كلام الشافعيِّ في الأمِّ

(1)

التفرقةُ بينَ ذواتِ الهيئاتِ والعجائزِ؛ فانهُ قالَ: [أحبُّ]

(2)

شهودَ العجائزِ وغير ذواتِ الهيئاتِ منَ النساءِ الصلاة، وإنَّا لشهودهنَّ الأعيادَ أشدُّ استحبابًا.

(والثالثُ): أنهُ منسوخ، قالَ الطحاويُّ: إنَّ ذلكَ كانَ في صدرِ الإسلامِ للاحتياج في خروجهنَّ لتكثيرِ السوادِ، فيكونُ فيهِ إرهابٌ للعدوِّ ثمَّ نسخَ، وتعقّبَ أنهُ نسخٌ بمجردِ الدعوى، ويدفعهُ أنّ ابنَ عباسٍ شهدَ خروجهنَّ وهو صغيرٌ، وكانَ ذلكَ بعد فتحِ مكّةَ، ولا حاجةَ إليهنَّ لقوةِ الإسلامِ حينئذٍ، ويدفعهُ أنهُ علّلَ في حديثِ أمِّ عطيةَ حضورَهنَّ لشهادتهنَّ الخيرَ ودعوةَ المسلمين، ويدفعهُ أنه أفئتْ به أمّ عطيةَ بعدَ وفائهِ صلى الله عليه وسلم بمدةٍ، ولم يخالفْها أحدٌ منَ الصحابةِ.

وأمّا قولُ عائشةَ: "لو رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما أحدثَ النساءُ لمنعهنَّ عن المساجدِ"

(3)

، فهو لا يدلُّ على تحريمِ خروجهنَّ ولا على نسخِ الأمرِ به، بل فيه دليل على [أنهنَّ لا يمنعنَ لأنهُ لم يمنعهنَّ صلى الله عليه وسلم]

(4)

، بل أمرَ بإخراجهنَّ، فليسَ لنا أن نمنعَ ما أمرَ بهِ.

‌السنة تقديم صلاة العيد على الخطبة

6/ 458 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(5)

. [صحيح]

(وعنِ ابن عمرَ قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمر يصلّونَ العيدينِ قبلَ الخطبةِ. متفقٌ عليهِ). فيه دليل [على]

(6)

أن ذلكَ هوَ الأمرُ الذي داومَ عليهِ صلى الله عليه وسلم وخليفتاهُ، واستمرُّوا على ذلكَ. وظاهرهُ وجوبُ تقديمِ الصلاةِ على الخطبةِ.

(1)

(1/ 275) طبع دار الفكر.

(2)

في (أ): "وأحب".

(3)

أخرجه البخاري (869)، ومسلم (144/ 445)، وأبو داود (569)، ومالك (1/ 198 رقم 15) من حديث عائشة.

(4)

في (أ)"أنا لا نمنعهن".

(5)

البخاري (2/ 453 رقم 963)، ومسلم (8/ 888).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 12)، والترمذي (531)، والنسائي (3/ 183)، وابن ماجه (1276)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 296).

(6)

زيادة من (ب).

ص: 183

وقد نُقِلَ الإجماعُ على عدمِ وجوبِ الخطبةِ في العيدينِ، ومستندهُ ما أخرجهُ النسائيُّ

(1)

، وابنُ ماجهْ

(2)

، وأبو داودَ

(3)

من حديثِ عبدِ اللهِ بن السائبِ، قالَ: شهدتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العيدَ فلما قضَى صلاتَهُ قالَ: "إنا نخطبُ، فمن أحبَّ أن يجلسَ للخطبةِ فليجلسْ، ومن أحبَّ أنْ يذهبَ فليذهبْ"، فكانتْ غيرَ واجبةٍ، فلوْ قدَّمها لم تشرعْ إعادتُها وإنْ كانَ فاعلًا خلافَ السنةِ.

وقد اختُلِفَ مَنْ أولُ مَنْ خَطَبَ قبلَ الصلاةِ: ففي مسلمٍ

(4)

أنهُ مروانُ، وقيلَ: سبقَهُ إلى ذلكَ عثمانُ، كما رواهُ ابنُ المنذرِ

(5)

بسندٍ صحيحٍ إلى الحسنِ البصري، قال:"أولُ مَنْ خطب قبلَ الصلاةِ عثمانُ، أي: صلاةِ العيدِ"، وأمّا مروانُ فإنهُ إنما قدَّمَ الخطبةَ، لأنهُ قالَ لما أنكرَ عليه أَبو سعيدٍ؛ إنَّ الناسَ لم يكونُوا يجلسونَ لنا بعدَ الصلاةِ، قيلَ: إنَّهم كانُوا يتعمّدونَ تركَ سماع خطبته لما فيها من سبِّ مَنْ لا يستحقُّ السبَّ، والإفراطِ في بعضِ مدحِ الناسِ. وقد روى عبدُ الرزاقِ

(6)

عن ابن جريجٍ، عن الزهريّ، قالَ:"أولُ مَنْ أحدثَ الخطبة قبلَ الصلاةِ في العيدِ معاويةُ".

وعلى كلِّ تقديرٍ فإنهُ بدعةٌ مخالفٌ لهديهِ صلى الله عليه وسلم، وقد اعتُذِرَ لعثمانَ بأنهُ كثرَ الناسُ في المدينةِ وتناءتِ البيوتُ، فكانَ يقدمُ الخطبةَ ليدركَ مَنْ بَعُدَ منزلُه الصلاةَ، وهوَ رأيٌ مخالفٌ لهديهِ صلى الله عليه وسلم.

(1)

في "السنن"(3/ 185).

(2)

في "السنن"(1/ 410 رقم 1290).

(3)

في "السنن"(1/ 683 رقم 1155) قال أَبو داود: هذا مرسل عن عطاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تحقيق "جامع الأصول"(6/ 142)، وفيه أيضًا عنعنة ابن جريج.

وقال الألباني في "الإرواء"(3/ 97): "كل روايات ابن جريج عن عطاء محمولة على السماع إلّا ما تبيّن تدليسه فيه" اهـ.

كما ردّ ابن التركماني (3/ 301 - بهامش السنن الكبرى) على كلام أَبي داود بكلام متين ونقد مبين، فلذا فالحديث صحيح كما قال الحاكم (1/ 295) ووافقه الذهبي.

(4)

(2/ 605 رقم 9/ 889) من حديث أَبي سعيد الخدري.

(5)

في "الأوسط"(4/ 272 - 273 رقم 2151). وذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 451) وقال: رواه ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري.

(6)

في "المصنف"(3/ 284 رقم 5646).

ص: 184

‌لا صلاة قبل العيد ولا بعدها

7/ 459 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا. أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ

(1)

. [صحيح]

(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى يومَ العيدِ ركعتينِ لم يصلِّ قبلَها ولا بعدَها. أخرجةُ السبعةُ).

هوَ دليلٌ على أن صلاةَ العيدِ ركعتانِ، وهوَ إجماعٌ فيمنْ صلَّى معَ الإمامِ في الجبَّانةِ، وأما إذا فاتتهُ صلاةُ الإمام [فصلَّى]

(2)

وحدَه [فكذلكَ]

(3)

عند الأكثرِ. وذهبَ أحمدُ والثوريُّ إلى أنهُ يصلِّي أربعًا، وأخرجَ سعيدُ بنُ منصورٍ

(4)

عن ابن مسعودٍ: "مَنْ فاتتهُ صلاةُ العيدِ معَ الإمامِ فليصلِّ أربعًا"، وهوَ إسنادٌ صحيحٌ، وقالَ إسحاقُ: إنْ صلَّاها في الجبانةِ فركعتينِ، وإلَّا فأربعًا، وقالَ أَبو حنيفةَ: إذا قَضَى صلاةَ العيدِ فهوَ مخيّرٌ بينَ [اثنتين]

(5)

وأربعٍ. وصلاةُ العيدينِ مجمعٌ على شرعيّتِها مختلفٌ فيها على أقوالٍ ثلاثةٍ:

الأولُ: وجوبُها عندَ الهادي عينًا وأبي حنيفةَ، وهوَ الظاهرُ من مداومتهِ صلى الله عليه وسلم والخلفاءِ من بعدهِ. وأمرِهِ بإخراجِ النساءِ، وكذلكَ ما سلفَ من حديثِ أمرِهِمْ بالغدوِّ إلى مصلَّاهم، فالأمرُ أصلُه الوجوبُ، ومنَ الأدلّةِ قولُه تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}

(6)

، على مَنْ يقولُ: المرادُ بهِ: صلاةُ النحر، وكذلكَ قولُه تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)}

(7)

، فسَّرها الأكثرُ بزكاةِ الفطرِ وصلاةِ عيدهِ.

الثاني: أنَّها فرضُ كفايةٍ لأنَّها شعارٌ وتسقطُ بقيامِ البعضِ بهِ كالجهادِ، ذهبَ إليهِ أَبو طالبٍ وآخرونَ.

(1)

أحمد (1/ 355)، والبخاري (989)، ومسلم (13/ 884)، وأبو داود (1159)، والترمذي (537)، والنسائي (3/ 193)، وابن ماجه (1291).

(2)

في (ب): "وصلّى".

(3)

في (ب): "وكذلك".

(4)

وأخرجه الطبراني في "الكبير" - كما في "المجمع"(2/ 205) - عن ابن مسعود ورجاله ثقات.

(5)

في (ب): اثنين.

(6)

سورة الكوثر: الآية 2.

(7)

سورة الأعلى: الآية 14 - 15.

ص: 185

الثالثُ: أنّها سنةٌ مؤكّدةٌ، ومواظبتهُ صلى الله عليه وسلم عليها دليلُ تأكيد سنّيّتِها، وهوَ قولُ زيدِ بن عليٍّ وجماعةِ، قالُوا: لقولهِ صلى الله عليه وسلم: "خمسُ صلواتٍ كتبهنّ اللَّهُ على العبادِ"

(1)

، وأجيبَ بأنهُ استدلالٌ بمفهومِ العددِ وبأنهُ يحتملُ: كتبهنَّ كلَّ يومٍ وليلةٍ. وفي قولهِ: "لم يصلِّ قبلَها ولا بعدَها"، دليل على عدمِ شرعيةِ النافلةِ قبلَها ولا بعدَها، لأنهُ إذا لم يفعلْ ذلك ولا أمرَ بهِ صلى الله عليه وسلم، فليسَ بمشروعٍ في حقِّهِ فلا يكونُ مشروعًا في حقِّنا ويأتي حديثُ أَبي سعيد

(2)

، فإنَّ فيهِ الدلالةَ على [تركه لذلك]

(3)

إلَّا أنهُ يأتي مِنْ حديثِ أَبي سعيدٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بعدَ العيدِ ركعتينِ في بيتهِ"، وصحَّحهُ الحاكمُ، فالمرادُ بقولهِ هنا:"ولا بعدها"، أي: في المصلّى.

‌لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين

8/ 460 - وَعَنْهُ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إِقَامَةٍ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

، وَأَضلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ

(5)

. [صحيح]

(وعنهُ) أي: ابن عباسٍ (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى العيدَ بلا أذانٍ ولا إقامةٍ. أخرجهُ أَبو داودَ، وأصلُه في البخاريِّ)، هوَ دليل على عدمِ شرعيّتِهما في صلاةِ العيدِ [فإنَّهما]

(6)

بدعةٌ. ورَوَى ابنُ أَبي شيبةَ

(7)

بإسنادِ صحيحٍ عن ابن المسيّبِ "أن أوَّلَ مَنْ أحدثَ الأذانَ لصلاةِ العيدِ معاويةُ"، ومثلُه رواهُ الشافعيُّ

(8)

عن الثقةِ، وزادَ:"وأخذَ بهِ الحجَّاجُ حينَ أُمِّرَ على المدينةِ".

وروى ابنُ المنذرِ

(9)

: "إنَّ أولَ مَنْ أحدَثه زيادٌ بالبصرةِ". وقيلَ: أوّلُ مَنْ أحدثَه مروانُ، وقالَ ابنُ أَبي حبيب: أولُ مَنْ أحدثَه عبدُ اللَّهِ بنُ الزبيرِ، وأقامَ أيضًا. وقد رَوَى الشافعيُّ

(10)

عن الثقةِ عن الزهريِّ: "أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يأمرُ

(1)

أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11) من حديث طلحة بن عبيد الله.

(2)

رقم (9/ 461).

(3)

في (ب): "ترك ذلك".

(4)

في "السنن"(1/ 680 رقم 1147)، وهو حديث صحيح.

(5)

في "صحيحه"(2/ 451 رقم 960).

(6)

في (أ): "وأنهما".

(7)

في "المصنف"(2/ 169).

(8)

في "الأم"(1/ 269) طبع دار الفكر.

(9)

في "الأوسط"(4/ 259).

(10)

في "الأم"(1/ 269).

ص: 186

المؤذنَ في [العيدين]

(1)

أنْ يقولَ

(2)

: الصلاةُ جامعةٌ". قالَ في الشرحِ: وهذا مرسلٌ يعتضدُ بالقياسِ على الكسوفِ لثبوتَ ذلكَ فيه. قلتُ: وفيهِ تأمّلٌ.

9/ 461 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي قَبْلَ العِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ

(3)

بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ

(4)

. [حسىن]

(وعن أَبي سعيدٍ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يصلِّي قبلَ العيدِ شيئًا، فإذا رجعَ إلى منزلهِ صلَّى ركعتينِ. رواة ابن ماجَهْ بإسنادٍ حسنٍ)، وأخرجهُ الحاكمُ

(5)

، وأحمدُ

(6)

، وروى الترمذيُّ

(7)

عن ابنٍ عمرَ نحوَه، وصحّحهُ، وهوَ عندَ أحمدَ

(8)

، والحاكم

(9)

. ولهُ طريقٌ أخْرى عندَ الطبرانيِّ في الأوسطِ

(10)

، لكنْ فيهِ جابرٌ الجعفيُّ وهوَ متروكٌ.

والحديثُ يدلُّ على أنهُ شرعَ صلاةَ ركعتينِ بعدَ العيدِ في المنزلِ، وقدْ عارضَهُ حديثُ ابن عمرَ عندَ أحمدَ مرفوعًا: "لا صلاة يومَ العيد [لا]

(11)

قبلَها ولا بعدَها"، ويجمعُ بينَهما بأنْ المرادَ: لا صلاةَ في الجبَّانةِ.

‌شرعية الخروج إلى المصلَّى

10/ 462 - وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى

(1)

في (ب): "العيد".

(2)

في المخطوط: فيقول، وما أثبتناه من الأم.

(3)

في "السنن"(1/ 410 رقم 1293).

(4)

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 423 رقم 451/ 1293): "وهذا إسناد حسن".

(5)

في "المستدرك"(1/ 297) وقال: هذه سنَّة عزيزة بإسناد صحيح، ووافقه الذهبي.

(6)

في "المسند"(3/ 36).

والخلاصة: فهو حديث حسن، والله أعلم.

(7)

في "السنن"(2/ 418 رقم 538) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(8)

في "المسند"(2/ 57 رقم 5212).

(9)

في "المستدرك"(1/ 295) وصححه ووافقه الذهبي.

والخلاصة: فهو حديث صحيح، والله أعلم.

(10)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(2/ 83 رقم 686).

(11)

زيادة من (ب).

ص: 187

الْمُصَلَّى، وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ - وَالنَّاسُ عَلَى صُفُوفِهِمْ - فَيَعِظُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وعنهُ) أي: أَبي سعيدٍ (قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يخرجُ يومَ الفطرِ والأضحَى إلى المصلَّى، وأولُ شيءٍ يبدأ بهِ الصلاةُ، ثمَّ ينصرفُ فيقومُ مقابلَ الناسِ، والناسُ على صفوفِهم، فيعظُهم ويأمرُهم. متفقٌ عليهِ)، فيهِ دليل على شرعيةِ الخروجِ إلى المصلَّى، والمتبادرُ منهُ الخروجُ إلى موضع غيرِ مسجدِه صلى الله عليه وسلم، وهوَ كذلكَ؛ فإنَّ مصلاهُ صلى الله عليه وسلم محلٌّ معروفٌ بينهُ وبينَ بابِ مسجدِه ألفُ ذراع، قالهُ عمرُ بنُ شبةَ في أخبارِ المدينةِ.

وفي الحديثِ دلالةٌ على تقديمِ الصلاةِ على الخطبةِ - وتقدَّمَ - وعلى أنهُ لا نَفْلَ قَبْلَها. وفي قولهِ: " [يقومُ]

(2)

مقابلَ الناسِ" دليلٌ على أنهُ لم يكنْ في مصلَّاهُ منبرٌ.

وقدْ أخرجَ ابنُ حبانَ

(3)

في روايةٍ: "خطبَ يومَ عيدٍ على راحلتهِ"، وقد ذكر البخاريُّ

(4)

في تمامِ روايتهِ عن أَبي سعيدٍ: "أن أولَ مَنِ اتَّخذَ المنبرَ في مصلَّى العيدِ مروانُ"، وإنْ كانَ قدْ رَوَى عمرُ بنُ شبةَ "أن أولَ مَنْ خطبَ الناسَ في المصلَّى على المنبرِ عثمانُ فعلهُ مرةً، ثمَّ تركهُ حتَّى أعادهُ مروانُ"، وكأنَّ أبا سعيدٍ لم يطلعْ على ذلكَ

(5)

.

وفيهِ دليلٌ على مشروعيةِ خطبةِ العيدِ، وأنَّها كخطبِ الجمع أمرٌ ووعظٌ وليسَ فيهِ أنَّها خطبتانِ كالجمعةِ، وأنهُ يقعدُ بينَهما، ولعلهُ لم يثبتْ ذلكَ من فعلهِ صلى الله عليه وسلم، وإنَّما صنعهُ الناسُ قياسًا على الجمعةِ.

(1)

البخاري (956)، ومسلم (9/ 889).

(2)

في (أ): "قام".

(3)

في "الإحسان"(7/ 65 رقم 2825) بإسناد صحيح على شرط مسلم، قاله الشيخ شعيب.

وهو في مسند أَبي يعلى رقم (1182)، وقال الهيثمي في "المجمع" (2/ 205): رواه أَبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه ابن خزيمة رقم (1445) من طريق سلم بن جنادة عن وكيع بهذا الإسناد.

(4)

في الحديث رقم (956) وقد تقدم.

(5)

سبق الكلام عنه عند شرح الحديث رقم (6/ 458).

ص: 188

‌التكبير في صلاة العيد

11/ 463 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الأُولَى، وَخَمْسٌ فِي الآخرة، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيهِمَا"، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيّ تَصْحِيحَهُ

(2)

. [صحيح بشواهده]

‌ترجمة عمروِ بن شعيبِ

(وعن عمروِ بن شعيبِ)

(3)

هو أَبو إبراهيمَ عمرُو بنُ شعيبٍ، بن محمدٍ، بن عبدِ اللَّهِ، بن عمروِ بن العاصِ، سمعَ أباهُ وابن المسيّبِ وطاوسًا، ورَوَى عنهُ الزُّهريُّ وجماعةٌ، ولم يخرجِ الشيخانِ حديثَه، وضميرُ أبيهِ وجدِّه إنْ كانَ معناهُ أنَّهُ أباهُ شعيبًا رَوَى عَنْ جدِّه محمدٍ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ كذا فيكونُ مرسلًا، لأنَّ جدَّهُ محمدًا لم يدركِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنْ كانَ الضميرُ الذي في أبيهِ عائدًا إلى شعيبٍ، والضميرُ [الذي]

(4)

في جدِّهِ إلى عبدِ اللَّهِ، فيرادُ أن شعيبًا رَوَى عن جدِّهِ عبدِ اللَّهِ، (وشعيبٌ)

(5)

لم يدركْ جدَّه عبدَ اللَّهِ، فلهذهِ العلةِ لم يخرجا حديثَه. وقالَ النووي

(6)

.

(1)

في "السنن"(1/ 681 رقم 1151).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1278)، وأحمد (2/ 180)، وابن الجارود رقم (262)، والدارقطني (2/ 48 رقم 22)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 399)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 285 - 286) كلّهم من حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه.

وقال الزيلعي في "نصب الراية"(2/ 217): "قال ابن القطان في كتابه: والطائفي هذا ضعّفه جماعة منهم ابن معين. اهـ. قال النووي في "الخلاصة": قال الترمذي في "العلل": سألت البخاري عنه، فقال: هو صحيح. اهـ.

قلت: وله شواهد، وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بشواهده، والله أعلم.

(2)

في "العلل الكبير"(ص 93 - 94 رقم 154).

(3)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(6/ 342)، و"الجرح والتعديل"(6/ 238)، و"المغني في الضعفاء" للذهبي (2/ 484)، و"تهذيب التهذيب"(8/ 43)، و"لسان الميزان"(7/ 325).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في (ب): "فشعيب".

(6)

في المطبوع: "الذهبيّ" وقد ثبت هذا القول عنهما كما في "الميزان"(3/ 267)، =

ص: 189

قد ثبتَ سماعُ شعيبٍ منْ جدِّهِ عبدِ اللَّهِ. وقَدِ احتجَّ بهِ أربابُ السننِ الأربعةِ، وابنُ خزيمةَ، وابنُ حبانَ، والحاكمُ.

(عن أبيهِ عن جدِّهِ قالَ: قالَ نبيّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التكبيرُ في الفطرِ)، أي: في صلاةِ عيدِ الفطرِ (سبعٌ في الأولَى) أي: في الركعةِ الأُولى (وخمسٌ في [الآخرة])

(1)

أي: الركعةِ الأُخْرى، (والقراءة) الحمدُ وسورةٌ (بعدَهما كلتيهما. أخرجه أَبو داودَ، ونقلَ الترمذيُّ عن البخاريِّ تصحيحَه)، وأخرجهُ أحمدُ

(2)

وعليُّ بنُ المدينيّ وصحَّحاهُ

(3)

. وقد رَوَوْهُ منْ حديثِ عائشةَ

(4)

، وسعدٍ القَرَظْ

(5)

، وابنِ

= و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 29).

(1)

كما في النسخة (أ): والأخيرة.

(2)

في "المسند"(2/ 180) كما تقدم.

(3)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(2/ 84 رقم 691).

(4)

أخرجه أَبو داود (1150)، وابن ماجه (1280)، وأحمد (6/ 70)، والدارقطني (2/ 47)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 287)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 343 - 344) من طرق عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت:"وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكبر في العيدين، في الأولى: سبع تكبيرات، وفي الثانية: خمس تكبيرات قبل القراءة" بسند صحيح.

وابن لهيعة وإن كان فيه ضعف، فقد رواه عنه ابنُ وهب، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط. ولكن اختلف على ابن لهيعة فيه:

فقد أخرجه أَبو داود أيضًا (1/ 680 رقم 1149)، والحاكم (1/ 298)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 344)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 286 - 287) عن ابن لهيعة، عن عقيل عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة به.

وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 343) عن ابن لهيعة، عن أَبي الأسود، عن عروة عن أَبي واقد الليثي، ومرة يزيد على هذا: عن عائشة، ومرة يرويه عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب.

قلت: ويمكن ترجيح الطريق الأولى على ما سواها وبذلك ينتفي وجه الاضطراب.

وقد قال البيهقي عقب الطريق الأولى: هذا هو المحفوظ، لأن ابن وهب قديم السماع من ابن لهيعة" اهـ.

(5)

أخرجه ابن أَبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(4/ 253 رقم 2255)، والطبراني في "الكبير"(6/ 49 رقم 5449)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 287) من طريق بقية ثنا الزبيدي عن الزهري عن حفص بن عمر بن سعد القرظ أن أباه وعمومته أخبروه عن أبيه سعد - وكان القرظ مؤذنًا لأهل قباء فانتقله عمر بن الخطاب فاتخذه مؤذّنًا - "أن السنة في الأضحى والفطر أن يكبِّر الإمام في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، ويكبِّر في =

ص: 190

عباسٍ

(1)

، وابنِ عمرَ

(2)

، وكثيرِ بن عبدِ اللهِ

(3)

، والكلُّ فيهِ [ضعفاء]

(4)

. وقد رُوِيَ عن عليٍّ

(5)

عليه السلام وابن عباسٍ

(6)

موقوفًا، وقالَ ابنُ رشدٍ

(7)

: إنَّما صارُوا

= الركعة الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة"، وفي إسناده حفص وأبوه، قال الحافظ عن كل منهما: مقبول.

وبقيَّة ممن يدلَّس تدليس التسوية وقد صرَّح بالتحديث من شيخه عند الطبراني لكنه لم يصرح بتحديث الزهري للزبيدي حتى يقبل حديثه.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بشواهده.

(1)

أخرجه الدارقطني في "السنن"(2/ 66 رقم 4)، والحاكم (1/ 326)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 348) من طريق محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن طلحة به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وردَّه الذهبي فقال: ضعف عبد العزيز. وقال الآبادي في "التعليق المغني": "وفي تصحيحه - أي الحاكم - نظر، لأن محمد بن عبد العزيز هذا، قال فيه البخاري منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أَبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال ابن القطان: أبوه عبد العزيز مجهول الحال فاعتلّ الحديث بهما" اهـ.

(2)

أخرجه الدارقطني في "السنن"(2/ 48 رقم 24)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 344) من طريق الفرج بن فضالة عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن نافع عن ابن عمر به.

وقال الترمذي في "العلل الكبير"(ص 94 - 95 رقم 156): "وسألت البخاري عن هذا الحديث، فقال: وحديث الفرج بن فضالة، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا خطأ. قال البخاري: الفرج بن فضالة ذاهب الحديث

" اهـ.

(3)

أخرجه الترمذي (536)، وابن ماجه (1279)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 344)، والدارقطني (2/ 48)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 286)، وابن عدي في "الكامل"(6/ 2079) عنه.

قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وقال النووي في "المجموع""5/ 16": "وهذا الذي قاله - أي الترمذي - فيه نظر، لأن كثير بن عبد الله ضعيف ضعفه الجمهور" اهـ.

(4)

في (أ): "ضعيف".

(5)

أخرجه الشافعي في "الأم"(1/ 270)، والبيهقي في "السنن والآثار"(5/ 72 رقم 6872)، وعبد الرزاق في "المصنف"(3/ 292 رقم 5678) عنه بإسناد ضعيف جدًّا لأن إبراهيم بن أَبي يحيى متروك كما في "التقريب".

(6)

أخرجه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم 124) عن ابن عباس قال: "التكبير في العيدين ثلاث عشرة، سبع وست"، وإسناده صحيح.

(7)

في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(1/ 508) بتحقيقي.

ص: 191

إلى الأخذِ بأقوالِ الصحابةِ في هذهِ المسألةِ، لأنهُ لم يثبتْ فيها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيء.

قلتُ: [وقد]

(1)

روى العقيليُّ

(2)

عن أحمدَ بن حنبلٍ أنهُ قالَ: ليسَ يروى في التكبيرِ في العيدينِ حديثٌ صحيح، [هذا]

(3)

والحديثُ دليل على أنهُ يكبرُ في الأُولى من ركعتي العيدِ سبعًا، ويحتملُ أنها بتكبيرة الافتتاحِ، وأنَّها من غيرَها، والأوضحُ أنَّها من دونِها وفيها خلادث، وقالَ في الهدي النبويّ

(4)

: إنَّ تكبيرةَ الافتتاح منها إلَّا أنهُ لمْ يأتِ بدليلٍ، وفي الثانية خمسًا، وإلى هذا ذهبَ جماعةٌ منَ الصحابةِ وغيرِهم، وخالفَ آخرونَ فقالُوا: خمسٌ في الأُولى وأربعٌ في الثانيةِ، وقيلَ: ثلاثٌ في الأُولى وثلاثٌ في الثانيةِ، وقيلَ: ستٌّ في الأُولى وخمسٌ في الثانيةِ، قلتُ: والأقربُ العملُ بحديثِ البابِ، فإنهُ وإنْ كانَ كلُّ طرقهِ واهيةً، فإنهُ يشدُّ بعضُها بعضًا، ولأنَّ ما عداهُ منَ الأقوالِ ليسَ فيها سنةٌ يُعملُ بها.

[وفي الحديث]

(5)

دليلٌ على أن القراءةً بعدَ التكبيرِ في الركعتينِ، وبهِ قالَ الشافعيُّ ومالكٌ، وذهبَ الهادي إلى أن القراءةَ قبلَها فيهمَا، واستدلَّ لهُ في البحرِ

(6)

بما لا يتمُّ دليلًا، وذهبَ الباقرُ وأبو حنيفةَ إلى أنهُ يقدمُ التكبيرَ في الأُولى، ويؤخّرُهُ في الثانيةِ ليوالي بينَ [القراءتين]

(7)

.

واعلمْ أن قولَ المصنفِ أنهُ نقلَ الترمذيُّ عن البخاريِّ تصحيحَه، وقال في "التلخيصُ الحبيرِ"

(8)

: إنهُ قالَ البخاريُّ والترمذيُّ إنهُ أصحُّ شيءٍ في هذا البابِ.

(1)

في (ب): "و".

(2)

قلت: ويظهر أن الإمام أحمد رحمه الله قد ثبت عنده الحديث بعد ذلك فقال: أنا ذهبت إلى هذا.

ففي مسائل أَبي داود (ص 59): "قلت لأحمد: تكبير العيد؟ قال: يكبر في الأولى سبعًا، وفي الثانية خمسًا

".

وكذا ذكره ابنه عبد الله في المسائل (ص 128)، وإسحاق بن هانئ في مسائله (1/ 93).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

(1/ 443).

(5)

في (أ): "وفيه".

(6)

(1/ 61 - 62).

(7)

في (أ): "الفرائض".

(8)

(2/ 84 رقم 691).

ص: 192

فلا أدري من أينَ نقلَهُ عن الترمذيِّ، فإنَّ الترمذيَّ لم يخرجْ في سننهِ رواية عمرِو بن شعيبٍ أصلًا

(1)

، بل أخرجَ روايةَ كثيرِ بن عبدِ اللَّهِ عن أبيهِ عن جدِّهِ وقالَ: حديث جدِّ كثيرٍ أحسنُ شيء رُوي في هذا البابِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال: وفي البابِ عن عائشةَ، وابنِ عمرَ، وعبدَ اللَّهِ بن عمرٍو. ولمْ يذكرْ عن البخاري شيئًا، وقد وقعَ للبيهقيِّ في السننِ الكبرى هذا الوهمُ

(2)

بعينهِ إلَّا أنهُ ذكرهُ بعدَ روايتهِ لحديثِ كثيرٍ، فقال: قالَ أَبو عيسى: سألتُ محمدًا - يعني البخاريَّ - عن هذا الحديثِ فقال: ليسَ في هذا الباب شيءٌ أصحَّ منهُ، قالَ: وحديثُ عبدِ اللَّهِ بن عبدِ الرحمنِ الطائفي عن عمروِ بن شعيبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه في هذا البابِ هوَ صحيحٌ أيضًا، انتهَى كلامُ البيهقيّ.

ولم نجدْ في الترمذيّ شيئًا مما ذكرهُ، وقد نبَّهَ في "تنقيح الأنظارِ"

(3)

على شيءٍ من هذا، وقالَ: والعجبُ أنّ ابن النحوي ذكرَ في خلاصتهِ عن البيهقيِّ أن الترمذيّ قال: سألتُ محمدًا عنهُ

إلخ، وبهذا يعرفُ أنّ المصنفَ قلَّدَ في النقلِ عن الترمذيّ عن البخاريِّ الحافظَ البيهقيّ، ولهذا لم ينسبْ حديثَ عمروِ بن شعيبٍ إلَّا إلى أَبي داودَ. والأَوْلى العملُ بحديثِ عمروٍ لما عرفتَ، وأنهُ أشفَى شيءٍ في البابِ، وكانَ صلى الله عليه وسلم يسكتُ بينَ كلِّ تكبيرتينِ سكتةً لطيفةً، ولمْ يحفظْ عنهُ ذكرٌ معينٌ بينَ التكبيرتين، ولكنْ ذكرَ الخلال عن ابن مسعودٍ

(4)

أنهُ قالَ: يحمدُ اللَّهَ ويثني عليهِ ويصلِّي على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأخرجَ الطبرانيُّ في الكبيرِ

(5)

عن ابن مسعودٍ: "أن بينَ كلّ تكبيرتينِ قدرَ [كلمتينِ]

(6)

"، وهوَ موقوفٌ وفيهِ (سليمانُ بنُ أرقمٍ)

(7)

ضعيفٌ. وكان ابنُ عمرَ مع تحرّيهِ للاتباعِ يرفعُ يديهِ معَ كلِّ تكبيرةٍ

(8)

.

(1)

قلت: انظر "العلل الكبير" للترمذي (ص 93 - 94 رقم 154) فقد ذكر ذلك.

(2)

قلت: ليس هذا وهمًا من البيهقي بل من الأمير رحمه الله.

(3)

"تنقيح الأنظار في شرح هداية الأفكار"، تأليف: السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد المؤيدي (1083) في "شرح الهداية"، ثلاث مجلدات حافلة، كل مجلد يأتي مثل "شرح الأزهار" لابن مفتاح، مكتبة "الجامع الكبير"(1178) الجزء الثالث.

(4)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 291 - 292) عنه موقوفًا.

(5)

كما في "مجمع الزوائد"(2/ 205).

(6)

في (أ): "كلمة".

(7)

في "المجمع"(2/ 205) عبد الكريم بدل سليمان بن أرقم.

(8)

ذكره ابن القيم في "زاد المعاد"(1/ 443). =

ص: 193

‌ما يقرأ في صلاة العيدينِ

12/ 464 - وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيّ رضي الله عنه قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى بق، وَاقْتَرْبَتْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(وعن أَبي واقدٍ)

(2)

بقافٍ ومهملةٍ، اسمُ فاعل من وَقَدَ، اسمُهُ الحارثُ بنُ عوفٍ الليثيّ قديمُ الإسلامِ، قيلَ: إنهُ شهدَ بدرًا، وقيلَ: إنهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الفتحِ، والأولُ أصحُّ، عدادهُ في أهلِ المدينةِ، وجاورَ بمكةَ، وماتَ بها سنةَ ثمانٍ وستينَ (الليثيِّ رضي الله عنه قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ في الفطرِ والأضحَى بقافٍ) أي: في الأُولى بعد الفاتحةِ (واقتربتْ) أي: في الثانيةِ بعدَها (أخرجهُ مسلمٌ). فيهِ دليلٌ على أن القراءةَ بهمَا في صلاةِ العيد سنةٌ، وقد سلفَ أنهُ يقرأُ فيهما بسبِّحِ والغاشيةِ، والظاهرُ أنهُ كان يقرأ هذا تارة وهذا تارة، وقد ذهبَ إلى سنّيةِ ذلك الشافعيُّ ومالكٌ.

‌مخالفة الطريق في العيد

13/ 465 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ خَالَفَ الطَّرِيقَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

(3)

. [صحيح]

= وقال ابن المنذر في "الأوسط"(4/ 282): "وممن رأى أن يرفع يديه في كل تكبيرة من تكبيرات العيد: عطاء، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد".

وقال مالك في "المدوَّنة"(1/ 169): "ولا يرفع يديه في شيء من تكبير صلاة العيدين إلّا في الأولى". وذهب إليه الثوري أيضًا وكذا ابن حزم في "المحلَّى"(5/ 83 - 84).

وانظر: "المجموع"(5/ 21).

(1)

في "صحيحه"(2/ 607 رقم 14/ 891).

قلت: وأخرجه مالك (1/ 180 رقم 8)، والشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 158 رقم 461)، وأحمد (5/ 217 - 218)، وأبو داود (1154)، والترمذي (534)، والنسائي (3/ 183 - 184)، وابن ماجه (1282)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 413)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 294) من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي

(2)

انظر ترجمته في: "الاستيعاب"(12/ 180)، و"الإصابة"(12/ 88)، و"تهذيب التهذيب"(12/ 295)، و"الجرح والتعديل"(3/ 82).

(3)

في "صحيحه"(2/ 472 رقم 986).

ص: 194

(وعن جابرٍ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا كانَ يوم العيد خالفَ الطريقَ. أخرجهُ البخاريُّ) يعني: أنهُ يرجعُ من مصلّاهُ من جهةٍ غير الجهةِ التي خرجَ منها إليه، وقال الترمذيُّ

(1)

: أخذَ بهذا بعضُ أهل العلم، واستحبّهُ للإمام وبه يقولُ الشافعيُّ، انتهى. وقال بهِ أكثرُ أهلِ العلمِ، ويكون مشروعًا للإمام والمأمومِ الذي أشار إليهِ بقولهِ:

14/ 466 - وَلأَبِي دَاوُدَ

(2)

عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ. [صحيح]

(ولأبي داودَ عن ابن عمرَ نحوُهُ)، ولفظُه في السنن عن ابن عمرَ:"أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخذَ يومَ العيدِ في طريقٍ ثمَّ رجعَ في طريقٍ أُخرى"، فيهِ دليلٌ أيضًا على ما دلّ عليه حديثُ جابرٍ، واخْتُلِفَ في وجهِ الحكمةِ في ذلكَ، فقيلَ: ليسلّمَ على أهلِ الطريقينِ، وقيل: لينال بركتَهُ الفريقانِ، وقيلَ: ليقضيَ حاجةَ مَنْ لهُ حاجةٌ فيهمَا، وقيلَ: ليظهرَ شعائرَ الإسلامِ في سائرِ الفجاجِ والطرقِ، وقيلَ: ليغيظَ المنافقينَ برؤيتهِم عزّةَ الإسلامِ وأهلهِ ومقامَ شعائرهِ، وقيل: لتكثرَ شهادةُ البقاعِ، فإنَّ الذاهبَ إلى المسجدِ أو المصلَّى إحدى خطواتهِ ترفعُ درجةً والأخرى تحطُّ خطيئةً حتَّى يرجعَ إلى منزلهِ، وقيلَ: - وهوَ الأصحُّ - إنهُ لذلكَ كلِّه منَ الحِكَمِ التي لا يخلُو فعلُه عنها، وكانَ ابنُ عمرَ رضي الله عنه[معَ]

(3)

شدّة تحرّيهِ للسنّةِ يكبّرُ من بيته إلى المصلَّى

(4)

.

(1)

في "السنن"(2/ 425 - 426).

(2)

في "السنن"(1/ 683 رقم 1156).

قلت: وأخرجه ابن ماجه (1299)، والحاكم (1/ 296)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 309)، وأحمد (2/ 109).

وفي إسناده عبد الله بن عمر بن حفص العمري وفيه مقال. وقد أخرج له مسلم مقرونًا بأخيه عبيد الله بن عمر

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في (أ): "من".

(4)

أخرجه الفريابي في أحكام العيدين (ص 111 رقم 39)، والشافعي في "الأم"(1/ 265)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 279)، وابن أَبي شيبة في "المصنف"(2/ 164)، والدارقطني في "السنن"(2/ 44 - 45)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 298)، وابن المنذر في "الأوسط"(4/ 250 رقم 2101) بسند صحيح.

ص: 195

‌الأعياد اثنان

15/ 467 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا. فَقَالَ: "فَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ"، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

، وَالنَّسَائِيُّ

(2)

بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. [صحيح]

(وعن أنسٍ قالَ: قدمَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المدينةَ ولهمْ يومانِ يلعبونَ فيهمَا فقالَ: قد أبدلَكمُ اللَّهُ بهما خيرًا منهما: يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ. أخرجه أَبو داودَ، والنسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ). الحديثُ يدلُّ [على]

(3)

أنهُ قالَ صلى الله عليه وسلم ذلكَ عقيبَ قدومهِ المدينةَ كما تقتضيهِ الفاءُ، والذي في كتبِ السِّيَرِ أن أولَ عيدٍ شرعَ في الإسلامِ عيدُ الفطرِ في السنةِ الثانيةِ من الهجرةِ.

وفيهِ دليلٌ على أن إظهارَ السرورِ في العيدينِ مندوبٌ، [وأن]

(4)

ذلكَ منَ الشريعةِ التي شرَّعَها اللَّهُ لعبادهِ؛ إذْ في إبدالِ عيدِ الجاهليةِ بالعيدينِ المذكورينِ دلالةٌ على أنهُ يفعلُ في العيدينِ المشروعينِ ما يفعلُه الجاهليةُ في أعيادِها، وإنَّما خالفَهم في تعيينِ الوقتينِ.

قلت: هكذا في الشرحِ، ومرادُه من أفعالِ الجاهليةِ ما ليسَ بمحظورٍ ولا شاغلٍ عن طاعةٍ. وأمّا التوسعةُ على العيالِ في [أيام]

(5)

الأعيادِ بما [يحصل]

(6)

لهمْ من ترويحِ البدنِ، وبسطِ النفسِ من كلفِ العبادةِ فهوَ مشروعٌ. وقد استنبطَ بعضُهم كراهيةَ الفرحِ في أعيادِ المشركينَ والتشبّهِ بهمْ، وبالغَ في ذلكَ الشيخُ الكبيرُ أَبو حفصٍ البستي منَ الحنفيّة، وقالَ: مَنْ أهدى فيه بيضةً إلى مشرك تعظيمًا لليومِ فقد كفرَ باللَّهِ

(7)

.

(1)

في "السنن"(1/ 675 رقم 1134).

(2)

في "السنن"(3/ 179 رقم 1556) بإسناد صحيح، وقد صحَّحه الألباني في صحيح أَبي داود.

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في (أ): "فإن".

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (ب): "حصل".

(7)

ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 442).

ص: 196

‌الخروج إلى صلاة العيد ماشيًا

16/ 468 - وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ

(1)

. [حسن]

(وعن عليٍّ رضي الله عنه قالَ: منَ السنةِ أن يخرجَ إلى العيدِ ماشيًا. رواهُ الترمذيُّ وحسَّنهُ). تمامُه منَ الترمذيِّ: "وأنْ تأكلَ شيئًا قبلَ أنْ تخرجَ"، قال أَبو عيسى: والعملُ على هذا الحديث عندَ أكثرِ أهلِ العلم يستحبّونَ أن يخرجَ الرجلُ إلى العيدِ ماشيًا، وأنْ يأكلَ شيئًا قبلَ أنْ يخرجَ، قال أَبو عيسى: ويستحبُّ أنْ لا يركبَ إلَّا من عذرٍ، انتهى.

ولم أجدْ فيهِ أنهُ حسَّنهُ، [ولا أظنهُ]

(2)

يحسِّنهُ لأنهُ رواهُ من طريقِ الحارثِ الأعورِ

(3)

، وللمحدّثينَ فيهِ مقالٌ، وقدْ [أخرج سعيد بن منصور

(4)

عن الزهري]

(5)

مرسلًا: "أنهُ صلى الله عليه وسلم ما ركبَ في عيدٍ ولا جنازةٍ"، وكانَ ابنُ عمرَ يخرجُ إلى العيدِ ماشيًا، ويعودُ ماشيًا. وتقييدُ الأكلِ بـ"قبلَ الخروجِ" الخروج بعيدِ الفطرِ لما مرَّ من حديثِ عبدِ اللَّهِ بن بريدةَ عن أبيهِ

(6)

.

(1)

في "السنن"(2/ 410 رقم 530) وقال: حديث حسن، قلت: وأخرجه ابن ماجه (1296)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 281) بسند ضعيف من أجل الحارث الأعور.

(2)

في (ب): "ولا أظنّ أنهُ".

(3)

من كبار علماء التابعين على ضعف فيه. قال الدارقطني وابن معين: ضعيف. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ، وقال ابن المديني: كذاب.

["المجروحين" (1/ 222)، "الجرح والتعديل" (3/ 78)، "الميزان" (1/ 435)].

(4)

وأخرجه الشافعي في "الأم"(1/ 267)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(5/ 57 رقم 6834)، والفريابي في "أحكام العيدين"(ص 102 رقم 27)، وقال الألباني في "الإرواء" (3/ 104):"وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات، ولكنه مرسل" اهـ.

ثم أخرج الفريابي في "أحكام العيدين"(ص 84 رقم 18) عن سعيد بن المسيب أنه قال: "سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلَّى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال"، وإسناده صحيح.

قلت: والمشي إلى المصلَّى ورد من حديث سعيد بن أَبي وقاص، وعبد الرحمن بن حاطب، وابن عمر، وعلي بن أَبي طالب، وسعد القرظ، وأبي رافع.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن كما قال الترمذيُّ، والله أعلم.

(5)

في (ب): "أخرجه الزهري".

(6)

رقم (4/ 456).

ص: 197

وروى ابنُ ماجَهْ

(1)

من حديثِ أَبي رافعٍ وغيرهِ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يخرجُ إلى العيدِ ماشيًا ويرجعُ ماشيًا"، ولكنهُ بوّبَ البخاريُّ في الصحيح

(2)

[على]

(3)

المضيّ والركوبِ إلى العيدِ، فقال:(بابُ المضِيِّ والركوبِ إلى العيدِ) فسَوَّى بينَهما كأنهُ لما رأى منْ عدمِ صحةِ الحديثِ فرجعَ إلى الأصلِ في التوسعةِ.

17/ 469 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّهُمْ أَصَابَهمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

بِإِسْنَادٍ لَيِّنِ. [ضعيف]

(وعن أَبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّهم أصابَهم مطرٌ في يوم عيدٍ فصلَّى بهمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاةَ العيدِ في المسجدِ. رواهُ أَبو داودَ بإسنادٍ لينٍ)؛ لأنَّ في إسنادهِ رجلًا مجهولًا، ورواهُ ابنُ ماجَهْ

(5)

، والحاكمُ

(6)

بإسنادٍ ضعيفٍ.

وقدِ اختلفَ العلماءُ على قولينِ: هلِ الأفضلُ في صلاةِ العيدِ الخروجُ إلى الجبّانةِ أو الصلاةُ في مسجدِ البلدِ إذا كانَ واسعًا؟ [الثاني]

(7)

: قولُ الشافعي أنهُ إذا كانَ مسجدُ البلدِ واسعًا صلَّوا فيه ولا يخرجون، فكلامُه يقضي بأنَّ العلَّةَ في

(1)

في "السنن"(12/ 411 رقم 1297)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 425 رقم 454/ 1297):"هذا إسناد فيه مندل، ومحمد بن عبيد الله وهما ضعيفان، وله شاهد من حديث علي بن أَبي طالب رواه الترمذي وقال: حديث حسن".

وقد ضعَّف الحافظ في "الفتح"(2/ 451) أسانيد حديث علي وسعد القرظ وأبي رافع.

والخلاصة: أن الحديث حسن بمرسل الزهري وقول سعيد بن المسيب، والله أعلم.

(2)

(2/ 451).

(3)

في (ب): "عن".

(4)

في "السنن"(1/ 686 رقم 1160).

(5)

في "السنن"(1/ 416 رقم 1313).

(6)

في "المستدرك"(1/ 295) وصحَّحه ووافقه الذهبي.

قال الألباني في رسالته "صلاة العيدين في المصلَّى هي السنة"(ص 32): "وفي هذا التصحيح نظر بيِّن، فإن مداره عند الحاكم على عيسى بن عبد الأعلى بن أَبي فروة أنه سمع أبا يحيى عبيد الله التيمي يحدث عن أَبي هريرة به. وكذلك رواه أَبو داود وابن ماجه والبيهقي (3/ 210)، فهذا إسناد ضعيف مجهول. عيسى هذا مجهول كما قال الحافظ في "التقريب"، ومثله شيخه أَبو يحيى، وهو عبيد الله بن عبد الله بن موهب فهو مجهول الحال، وقال الذهبي في "مختصر سنن البيهقي" (3/ 282 رقم 4423):

قلت: عبيد الله ضعيف، وقال في ترجمة الراوي عنه من "الميزان": لا يكاد يعرف، وهذا حديث منكر

" اهـ.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(7)

في (ب): "الأول".

ص: 198

الخروجِ طلبُ الاجتماعِ، ولذا أمرَ صلى الله عليه وسلم بإخراجِ العواتقِ وذواتِ الخدورِ، فإذا حصلَ ذلكَ في المسجدِ فهوَ أفضلُ، ولذلكَ فإنَّ أهلَ مكةَ لا يخرجون لسعةِ مسجدِها وضيقِ أطرافِها، وإلى هذا ذهبَ الإمامُ يحيى وجماعة وقالُوا: الصلاةُ في المسجدِ أفضلُ

(1)

.

والقولُ [الأولُ]

(2)

للهادويةِ ومالكٍ أن الخروجَ إلى الجبَّانةِ أفضلُ ولو اتّسعَ المسجدُ للناسِ، وحجّتُهم محافظتُه صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم يصلِّ في المسجدِ إلَّا لعذرِ المطرِ، ولا يحافظُ صلى الله عليه وسلم إلَّا على الأفضلِ، ولقولِ عليٍّ صلى الله عليه وسلم فإنهُ رُوِيَ أنهُ خرجَ إلى الجبَّانةِ لصلاةِ العيدِ، وقالَ:"لولا أنهُ السنةُ لصلّيتُ في المسجدِ، واستخلفَ مَنْ يصلّي بضعفةِ الناس في المسجد"

(3)

. قالُوا: فإنْ كانَ في الجبانةِ مسجدٌ مكشوفٌ فالصّلاةُ [فيه]

(4)

أفضلُ، وإنْ كان مسقوفًا ففيهِ تردّدٌ

(5)

.

(فائدةٌ): التكبيرُ في العيدينِ مشروعٌ عندَ الجماهيرِ، فأمّا تكبيرُ عيدِ الإفطارِ فأوجبَه الناصرُ؛ لقولهِ تعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}

(6)

، والأكثرُ أنهُ سنَّةٌ ووقتُه [مجهولٌ]

(7)

مختَلفٌ فيهِ على قولينِ: فعندَ الأكثرِ أنهُ من عند خروجِ الإمامِ للصلاةِ إلى ابتداءِ الخطبةِ، وذكرَ فيهِ البيهقيُّ

(8)

حديثينِ، وضعَّفَهُما، لكنْ قال الحاكمُ

(9)

: هذهِ سنةٌ تداولَها أئمّةُ الحديثِ، وقد صحَّتْ بهِ الروايةُ عن ابن عمرَ

(10)

وغيرهِ من الصحابةِ. والثاني للناصرِ: أنهُ من مغربِ أولِ ليلةٍ من شوال إلى عصرِ يومِها خلفَ كلِّ صلاةٍ. وعندَ الشافعي: إلى خروجِ الإمامِ، أو حتَّى يصلِّي، أو حتَّى يفرغَ منَ الخطبةِ. أقوالٌ عنهُ.

(1)

انظر رسالة المحدث الألباني: "صلاة العيدين في المصلَّى هي السنة".

(2)

في (ب): "الثاني".

(3)

أخرجه ابن أَبي شيبة في "المصنف"(2/ 185).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

انظر: "نيل الأوطار"(3/ 292).

(6)

سورة البقرة: الآية 185.

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في "السنن الكبرى"(2/ 279).

(9)

في "المستدرك"(1/ 298).

(10)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(4/ 250 رقم 2101)، والفريابي في "أحكام العيدين"(ص 110 رقم 39)، وابن أَبي شيبة في "المصنف"(2/ 164)، والدارقطني (2/ 44)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 279)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 298) عنه بسند صحيح.

ص: 199

وأمّا صفتهُ: ففي فضائلِ الأوقاتِ للبيهقيِّ

(1)

بإسنادٍ إلى سلمانَ: "أنهُ كانَ يعلِّمُهُم التكبيرَ ويقولُ: كبِّرُوا: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ كبيرًا - أوْ قالَ: كثيرًا - اللَّهُمَّ أنتَ أعلَى وأجلُّ منْ أن تكونَ لكَ صاحبةٌ، أو يكونَ لكَ ولدٌ أو يكونَ لكَ شريكٌ في الملكِ، أوْ يكونَ لكَ وليٌّ منَ الذلِّ، وكبِّرْهُ تكبيرًا، اللَّهُمَّ اغفرْ لنا اللَّهمّ ارحمْنا".

وأمّا تكبيرُ عيدُ النحرِ فأوجبَه أيضًا الناصرُ؛ لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}

(2)

، ولقوله:{كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}

(3)

، ووافقهُ المنصورُ باللَّهِ، وذهبَ الجمهورُ إلى أنهُ سنةٌ مؤكّدةٌ للرجالِ والنساءِ، ومنهمْ مَنْ خصَّهُ بالرجالِ.

وأمّا وقتُه فظاهرُ الآيةِ الكريمةِ، والآثارُ عن الصحابةِ أنهُ لا يختصُّ بوقتٍ دونَ وقتٍ؛ إلَّا أنهُ اختلفَ العلماءُ: فمنهم مَنْ خصَّهُ بعقيبِ [الصلاة]

(4)

مطلقًا، ومنهم مَنْ خصَّهُ بعقيبِ الفرائضِ دونَ النوافلِ، ومنهم مَنْ خصَّه بالجماعةِ دونَ الفُرادَى، وبالمؤدَّاةِ دونَ المقضيَّةِ، وبالمقيمِ دونَ المسافرِ، وبالأمصارِ دونَ القُرَى.

وأمّا ابتداؤُه وانتهاؤُه ففيهِ خلافٌ أيضًا، فقيلَ: في الأولِ من صبحِ يومِ عرفةَ، وقيلَ: من ظهرهِ، وقيلَ: من عصرهِ، وفي الثاني إلى ظُهرِ ثالثهِ، وقيلَ: إلى آخرِ أيامِ التشريقِ، وقيلَ: إلى ظهرهِ، وقيلَ: إلى عصرهِ، ولم يثبتْ عنهُ صلى الله عليه وسلم في ذلكَ حديثٌ واضحٌ، وأصحُّ ما وردَ فيهِ عن الصحابةِ قولُ عليٍّ

(5)

، وابنِ مسعودٍ

(6)

، وأنهُ من صبحِ يومِ عرفةَ إلى آخر أيامِ مِنَى. أخرجَهُمَا ابنُ المنذرِ.

(1)

(ص 424 رقم 227).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 316).

(2)

سورة البقرة: الآية 203.

(3)

سورة الحج: الآية 37.

(4)

في (أ): "الصلوات".

(5)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(4/ 300 رقم 2201) عنه.

وذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 462) وقال: أصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي، أخرجه ابن المنذر وغيره. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 314) من طريق زائدة.

(6)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(4/ 301 رقم 2204) عنه. =

ص: 200

وأمّا صفتُه فأصحُّ ما وردَ فيهِ ما رواهُ عبدُ الرزاقِ

(1)

عن سلمانَ بسندٍ صحيحِ قالَ: "كبّروا: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ كبيرًا". وقد رُوِيَ عن سعيدِ بن جبيرٍ، ومجاهدٍ، وابن أَبي ليلى

(2)

، وقولٍ للشافعي وزادَ فيهِ:"وللَّهِ الحمدُ". وفي الشرحِ صفاتٌ كثيرةٌ استحساناتٌ عن عدّةٍ منِ الأئمةِ. وهوَ يدلُّ على التوسعةِ في الأمرِ، وإطلاقِ الآيةِ يقتضي ذلكَ.

واعلمْ أنهُ لا فرقَ بينَ تكبيرِ عيدِ الإفطارِ وعيدِ النحرِ في مشروعيّةِ التكبيرِ لاستواءِ الأدلّةِ في ذلكَ، وإنْ كانَ المعروفُ عندَ الناسِ إنَّما هوَ تكبيرُ عيدِ النحرِ. وقد وردَ الأمرُ في الآيةِ بالذكرِ في الأيامِ المعدوداتِ، والأيام المعلوماتِ، وللعلماءِ قولانِ: منهم مَنْ يقولُ: هما مختلفانِ؛ فالأيامُ المعدوداتُ أيامُ التشريقِ، والمعلوماتُ أيامُ العشرِ. ذكرهُ البخاريُّ عن ابن عباسٍ تعليقًا

(3)

، ووصله غيرُه، وأخرجَ ابنُ مردويه

(4)

عن ابن عباسٍ: "أن المعلوماتِ التي قبلَ أيامِ الترويةِ، ويومُ الترويةِ، ويومُ عرفةَ، والمعدوداتُ أيامُ التشريقِ"، وإسنادُه صحيحٌ. وظاهرُهُ إدخالُ يومِ العيدِ في أيامِ التشريقِ. وقد رَوَى ابنُ أَبي شيبةَ

(5)

عن ابن عباسٍ أيضًا: أن المعلومات يومُ النحرِ وثلاثةُ أيامٍ بعدَهُ، ورجَّحهُ الطحاويّ لقوله:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}

(6)

، فإنَّها تُشعرُ بأنَّ المرادَ أيامُ النحرِ، انتهى.

= وذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 462) وقال: أصح ما ورد فيه عن الصحابة قول ابن مسعود وعلي، أخرجه ابن المنذر وغيره. وأخرجه ابن أَبي شيبة في "المصنف"(2/ 168).

وذكره الهيثمي في "المجمع"(2/ 197) وقال: رواه الطبراني في "المعجم الكبير" ورجاله موثقون.

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(2/ 462).

(2)

أخرجه الفريابي في "أحكام العيدين"(ص 119 رقم 62) عنهم بسند ضعيف.

قلت: لضعف يزيد بن أَبي زياد، قال الحافظ في "التقريب" (2/ 365) عنه: ضعيف كبر فتغيَّر، صار يتلقَّن وكان شيعيًا.

(3)

في "صحيحه"(2/ 457 رقم الباب 11).

(4)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(2/ 458).

(5)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(2/ 458).

(6)

سورة الحج: الآية 28.

ص: 201

وهذَا لا يمنعُ تسمية أيام العشر معلوماتٍ، ولا أيامِ التشريق معدودات، بل تسميةُ [أيام]

(1)

التشريقِ معدوداتٍ متفقٌ عليهِ؛ لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}

(2)

.

وقد ذكرَ البخاريُّ عن أَبي هريرةَ وابنِ عمرَ تعليقًا

(3)

: "أنَّهما كانَا يخرجانِ إلى السوقِ أيامَ العشرِ يكبّرانِ ويكبّرُ الناسُ بتكبيرِهِما". وذكرَ البغويُّ والبيهقيُّ ذلكَ. قالَ الطحاويُّ: كانَ مشايخُنا يقولونَ بذلكَ [أي]

(4)

: التكبيرِ أيام العشرِ جميعًا.

(فائدة ثانية): يندبُ لُبسُ أحسنِ الثيابِ والتطيّبُ بأجودِ الأطيابِ في يومِ العيدِ، ويزيدُ في الأضحى الضحيَّةَ بأسمنِ ما يجدُ، لما أخرجهُ الحاكمُ

(5)

من حديثِ الحسنِ السِّبطِ، قال:"أَمَرَنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في العيدينِ أنْ نلبسَ أجودَ ما نجدُ، وأنْ نتطيَّبَ بأجودِ ما نجدُ، وأنْ نضحِّي بأسمنَ ما نجدُ: البقرةَ عن سبعةٍ، والجَزورَ عن عشرةٍ، وأنْ نُظهرَ التكبيرَ، [وعلينا] (4) السكينةُ والوقارُ".

قالَ الحاكمُ بعدَ إخراجهِ من طريقِ إسحاقَ بن بُرْزُخٍ

(6)

: لولا جهالةُ إسحاقَ هذا لحكمتُ للحديثِ بالصحةِ.

قلتُ: ليسَ بمجهولٍ فقد ضعَّفه الأزديُّ، ووثَّقَهُ ابنُ حبانَ. ذكرهُ في التلخيصِ

(7)

.

(1)

زيادة من (أ).

(2)

سورة البقرة: الآية 203.

(3)

(2/ 457 رقم الباب 11) وقال الحافظ في "الفتح": لم أره موصولًا عنهما. وقد ذكره البيهقي أيضًا معلَّقًا عنهما وكذا البغوي.

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في "المستدرك"(4/ 230) ووافقه الذهبي.

(6)

ضعَّفه الأزدي كما في "لسان الميزان"(1/ 353) وسكت عنه ابن أَبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 213)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 382 - 383)، ووثقه ابن حبان في "الثقات"(4/ 24).

(7)

(2/ 81 رقم 677).

ص: 202

[الباب الخامس عشر] بابُ صلاة الكسوفِ

‌الشمس والقمر آيتان لا ينكسفان لموت أحد

1/ 470 - عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَال: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَال النَّاسُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الشمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا الله وَصَلُّوا، حَتَّى تَنْكَشِفَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ

(2)

: "حَتَّى تَنْجَلِيَ". [صحيح]

(عن المغيرةِ بن شعبةَ رضي الله عنه قالَ: انكسفت الشمسُ على عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومَ ماتَ إبراهيمُ) أي: ابنهُ عليه السلام وموتُه في العاشرةِ منَ الهجرةِ، وقالَ أَبو داودَ: في ربيعِ الأول يومَ الثلاثاءِ لعشرٍ خَلَوْنَ منهُ، وقيلَ: في [الرابعةِ]

(3)

، (فقالَ الناسُ: انكسفتَ الشمسُ لموتِ إبراهيمَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أي: رادًّا عليهم: (إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ مِنْ آياتِ اللَّهِ، لا ينكسفانِ لموتِ أحدٍ، ولا لحياتهِ، فإذَا رأيتموهما فادعُوا اللَّهَ وصلُّوا). هذا لفظُ مسلمٍ، ولفظُ البخاري:"فصلُّوا وادْعُوا اللَّهَ"(حتَّى تنكشفَ). ليسَ هذا اللفظُ في البخاريِّ بل هوَ في مسلمٍ (متفقٌ عليهِ).

يقالُ: كَسفتِ الشمسُ بفتحِ الكافِ، وتضمُّ نادرًا، [وانكسفتْ وخسَفت بفتحِ الخاءِ، وتضمُّ نادرًا]

(4)

وانخَسفتْ.

(1)

البخاري (1043)، ومسلم (29/ 915).

(2)

البخاري (1060).

(3)

في (أ): "أربعة".

(4)

زيادة من (أ).

ص: 203

واختلفَ العلماءُ في اللفظينِ هلْ يستعملانِ في الشمسِ والقمرِ، أو يخصُّ كلُّ لفظٍ بواحدٍ منهما. وقد ثبتَ في القرآن نسبةُ الخسوفِ إلى القمرِ، ووردَ في الحديثِ خسفتْ الشمسِ كما ثبتَ فيهِ نسبةُ الكسوفِ [إليهما]

(1)

، وثبتَ استعمالُهما منسوبينِ إليهمَا فيقالُ فيهمَا: الشمسُ والقمرُ ينخسفانِ وينكسفانِ، إنَّما الذي لم يردْ في [الأحاديث]

(2)

نسبةُ الكسوفِ إلى القمرِ على جهةِ الانفرادِ، وعلى هذا يدلُّ استعمالُ الفقهاءِ، فإنَّهم يخصُّونَ الكسوفَ بالشمسِ والخسوفَ بالقمرِ، واختارُه ثعلبٌ. وقالَ الجوهريُّ

(3)

: إنهُ أفصحُ. وقيلَ: يقالُ بهمَا في كلٍّ منهما.

والكسوفُ لغةً التغيرُ إلى السوادِ، والخسوفُ النقصانُ، وفي ذلكَ أقوالٌ أُخَرُ، وإنَّما قالُوا: إنَّها كُسِفَتْ لموتِ إبراهيمَ لأنَّها كسفتْ في غيرِ يومِ كسوفِها المعتادِ، فإنَّ كسوفَها في العاشرِ أو الرابعِ لا يكادُ يتفقُ، فلِذَا قالُوا: إنَّما هوَ لأجلِ هذا الخطبِ العظيمِ، فردَّ عليهمْ صلى الله عليه وسلم ذلكَ، وأخبرَهم أنَّهما علامتانِ مِنَ العلاماتِ الدالَّةِ على وحدانيةِ اللَّهِ تعالى وقدرتهِ، وعلى تخويفِ عبادِهِ من بأسِهِ وسَطْوتِهِ. والحديثُ مأخوذٌ من قولهِ تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}

(4)

.

وفي قولهِ: "لحياتهِ" معَ أنَّهم لم يدَّعُوا ذلكَ بيانُ أنهُ لا فرقَ بين الأمرينِ، فكما أنَّكمْ لا تقولونَ بكسوفِهما لحياةِ أحدٍ كذلكَ لا يكسفانِ لموتهِ، أوْ كانَّ المرادَ من حياتهِ صحتُه من مرضهِ وخوِهِ، ثمَّ ذكرَ القمرَ معَ أن الكلامَ خاصٌّ بكسوفِ الشمسِ زيادة في الإفادةِ والبيانِ أن حكمَ النيِّرينِ واحدٌ في ذلكَ، ثمَّ أرشدَ العبادَ إلى ما [شُرعَ]

(5)

عندَ رؤيةِ ذلكَ منَ الصلاةِ والدعاءِ ويأتي صفةُ الصلاةِ.

والأمرُ دليلُ الوجوبِ، إلَّا أنهُ حملهُ الجمهورُ على أنهُ سنةٌ مؤكّدةٌ لانحصارِ الواجباتِ في الخمسِ الصلواتِ، وصرّحَ أَبو عوانةَ في صحيحهِ

(6)

بوجوبِها، ونُقِلَ عن أَبي حنيفةَ

(7)

أنهُ أوجبَها، وجعلَ صلى الله عليه وسلم غايةَ وقتِ الدعاءِ والصلاةِ انكشافَ

(1)

في (أ): "إليها".

(2)

في (أ): "الحديث".

(3)

في "الصحاح"(4/ 1421).

(4)

سورة الإسراء: الآية 59.

(5)

في (ب): "يشرع".

(6)

(2/ 366).

(7)

انظر: "بدائع الصنائع"(1/ 280).

ص: 204

الكسوفِ، فدلَّ على أنَّها تفوتُ الصلاةُ بالانجلاءِ، فإذا انجلتْ وهوَ في الصلاةِ فلا يتمُّها بل يقتصرُ على ما فعلَ إلَّا أن في روايةٍ لمسلمٍ

(1)

: فسلَّمَ وقدِ انجلتْ، فدلَّ أنهُ يتمُّ الصلاةَ وإنْ كانَ قد حصلَ الانجلاءُ، ويؤيّدُهُ القياسُ على سائرِ الصلواتِ؛ فإنَّها تقيَّدُ بركعةٍ كما سلفَ فإذا أتَى بركعةٍ أتمَّها.

وفيهِ دليلٌ على أنَّ فعلَها يتقيّدُ بحصولِ السببِ في أيِّ وقتٍ كانَ مِنَ الأوقاتِ، وإليهِ ذهبَ الجمهورُ، وعندَ أحمدَ وأبي حنيفةَ ما عدا أوقاتِ الكراهةِ، (وفي روايةٍ للبخاريِّ) أي: عن المغيرةِ (حتَّى تنجليَ) عوضُ قولهِ: تنكشفَ، والمعنى واحدٌ.

2/ 471 - وَللْبُخَارِيِّ

(2)

مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه: "فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى

يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ". [صحيح]

(وللبخاريِّ من حديثِ أَبي بكرةَ رضي الله عنه: فصلُّوا وادعُوا حتَّى ينكشفَ ما بكمْ)، هوَ أولُ حديثٍ ساقهُ البخاريّ في بابِ الكسوفِ، ولفظهُ:"يكشفَ"، والمرادُ: يرتفعُ ما حلَّ بكمْ من كسوفِ الشمسِ أوِ القمرِ.

‌كيف يقرأ في صلاة الكسوف

3/ 472 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ بِقَرَاءَتِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ

(4)

: فَبَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ.

(وعن عائشةَ رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جهرَ في صلاةِ الكسوفِ بقراءتهِ فصلَّى أربعَ ركعاتٍ) أي: ركوعاتٍ بدليلِ قولِها: (في ركعتينِ وأربعَ سجداتٍ. متفقٌ عليه، وهذا لفظُ مسلمٍ).

(1)

في "صحيحه"(2/ 618 رقم 1/ 901) من حديث عائشة.

(2)

في "صحيحه"(2/ 547 رقم 1063).

قلت: وأخرجه النسائي (3/ 146)، والبيهقي (3/ 332).

(3)

البخاري (1065)، ومسلم (5/ 901).

(4)

أي: لمسلم في "صحيحه"(4/ 901).

ص: 205

الحديثُ دليلٌ علي شرعيةِ الجهرِ بالقراءةِ في صلاةِ الكسوفِ، والمرادُ هنا: كسوفُ الشمسِ لما أخرجهُ أحمدُ

(1)

بلفظِ: "خسفتِ الشمسُ"، وقالَ:"ثمَّ قرأ فجهرَ بالقراءةِ"، وقدْ أخرجَ الجهرَ أيضًا الترمذيُّ

(2)

، والطحاويُّ

(3)

، والدارقطنيُّ

(4)

، وقد أخرجَ ابنُ خزيمةَ

(5)

وغيرُه عن عليٍّ عليه السلام مرفوعًا الجهرَ بالقراءةِ في صلاةِ الكسوفِ، وفي ذلكَ أقوالٌ أربعةٌ:

الأولُ: [أنهُ]

(6)

يجهرُ بالقراءةِ مطلقًا في كسوفِ الشمسِ والقمرِ لهذا الحديثِ وغيرهِ، وهو وإنْ كانَ واردًا في كسوفِ الشمسِ، فالقمرُ مثلُه لجمعهِ صلى الله عليه وسلم بينَهما في الحُكْمِ حيثُ قال:"فإذا رأيتموهُما، أي: كاسفتينِ، فصلُّوا وادعُوا"، والأصلُ استواءُهما في كيفيةِ الصلاةِ ونحوها، وهوَ مذهبُ أحمدَ، وإسحاقَ، وأبي حنيفةَ، وابن خزيمةَ، وابنِ المنذرِ

(7)

وآخرينَ.

الثاني: يسرُّ مطلقًا لحديثِ ابن عباسٍ

(8)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم قامَ قيامًا طويلًا نحوًا من

(1)

في "الفتح الرباني"(6/ 182 رقم 1686) من حديث عائشة.

(2)

في "السنن"(2/ 452 رقم 563) وقال: حديث حسن صحيح.

(3)

في "شرح معاني الآثار"(1/ 333).

(4)

في "السنن"(2/ 64 رقم 7) كلّهم من حديث عائشة.

وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي"(3/ 148): "فإن قلت: روى هذا الحديث سفيان بن حسين عن الزهري وهو ثقة في غير الزهري فكيف يكون حديثه هذا بلفظ: "وجهر بالقراءة فيها" حسنًا صحيحًا؟

قلت: لم يتفرَّد هو برواية هذا الحديث بهذا اللفظ عن الزهري بل تابعه على ذلك سليمان بن كثير عند أحمد، وعقيل عند الطحاوي، وإسحاق بن راشد عند الدارقطني، قال الحافظ: وهذه طرق يعضد بعضها بعضًا يفيد مجموعها الجزم بذلك فلا معنى لتعليل من أعلّه بتضعيف سفيان بن حسين وغيره" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(5)

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 330).

(6)

في (أ): "أن".

(7)

انظر: "الأوسط" لابن المنذر (5/ 298)، و"فتح الباري"(2/ 550)، و"البدائع"(1/ 281 - 281)، و"المجموع"(5/ 52).

(8)

أخرجه البخاري (1052)، ومسلم (17/ 907)، وأبو داود (1189)، والنسائي (3/ 146)، والبيهقي (3/ 335) من رواية عطاء بن يسار عنه.

ص: 206

سورةِ البقرةِ"، فلو جهرَ لم يقدِّرْهُ بما ذكرَ، وقد علَّقَ [الشافعي]

(1)

عن ابن عباسٍ: "أنهُ قامَ بجنبِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الكسوفِ فلم يسمعْ منهُ حرفًا"، ووصلهُ البيهقيُّ

(2)

من ثلاثِ طرقٍ أسانيدُها واهيةٌ، فيضعفُ القولُ بأنهُ يحتملُ أن ابنَ عباسٍ كانَ بعيدًا منهُ صلى الله عليه وسلم فلمْ يسمعْ جهرَهُ بالقراءةِ.

الثالثُ: أنهُ يخيّرُ [فيهما]

(3)

بينَ الجهرِ والإسرار لثبوتِ الأمرينِ عنهُ صلى الله عليه وسلم ما

عرفتَ من أدلّةِ القولينِ.

الرابعُ: أنهُ يسرُّ في الشمسِ، ويجهرُ في القمرِ، وهوَ لمنْ عدا الحنفية منَ الأربعةِ عملًا بحديثِ ابن عباسٍ، وقياسًا على الصلواتِ الخمسِ، وما تقدمَ من دليلِ أهلِ الجهرِ مطلقًا أنهضُ مما قالوهُ.

وقد أفادَ حديثُ البابِ أن صفةَ صلاةِ الكسوفِ ركعتانِ، في كلِّ ركعةٍ ركوعانِ، وفي كلّ ركعةٍ سجدتانِ، ويأتي في شرحِ الحديثِ الرابعِ الخلافُ في ذلكَ.

(وفي روايةٍ) أي: لمسلمٍ عن عائشةَ (فبعثَ) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (مناديًا ينادي: الصلاةٌ جامعةٌ) بنصبِ الصلاةِ وجامعةٍ، فالأولُ على أنهُ مفعولُ فعلٍ محذوفٍ، أي: احضُروا، والثاني على الحالِ، ويجوزُ رفعُهما على الابتداءِ والخبرِ، وفيهِ تقاديرُ أُخَرُ. وهوَ دليل على مشروعيةِ الإعلامِ بهذا اللفظِ للاجتماعِ لها، ولم يردِ الأمرُ بهذا اللفظِ عنهُ صلى الله عليه وسلم إلَّا في هذهِ الصلاةِ.

‌الجماعة لصلاة الكسوف والتطويل فيها

4/ 473 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ

(1)

ذكره البيهقيُّ في "معرفة السنن والآثار"(5/ 154 رقم 7145).

وفي (ب): البخاري بدلًا عن الشافعي.

(2)

في "معرفة السنن والآثار"(5/ 154 رقم 7146 و 7147 و 7148).

(3)

زيادة من (ب).

ص: 207

رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ رَاسَهُ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ. مُتَّفَق عَلَيْهِ

(1)

، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ

(2)

: صَلَّى حِينَ كُسِفَتِ الشَّمْسُ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ.

(وعنِ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه قالَ: انخسفتِ الشمسُ على عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فصلَّى فقامَ قيامًا طويلًا نحوًا من قراءةِ سورةِ البقرة، ثمَّ ركعَ ركوعًا طويلًا، ثمَّ رفعَ فقامَ قيامًا طويلًا، وهوَ دونَ القيامِ الأَوَّلِ، ثمَّ ركعَ ركوعًا طويلًا وهوَ دونَ [الركوع] (3) الأولِ، ثمَّ سجدَ، ثمَّ قامَ قيامًا طويلًا وهوَ دونَ القيامِ الأولِ، ثمَّ ركعَ ركوعًا طويلًا وهوَ دونَ الركوعِ الأولِ، ثمَّ رفعَ فقامَ طويلًا وهوَ دونَ القيامِ الأولِ، ثمَّ ركعَ ركوعًا طويلًا وهوَ دونَ الركوعِ الأول، [ثمَّ رفع رأسهُ]

(3)

، ثمَّ سجدَ، ثم انصرفَ وقد انجلتِ الشمسُ فخطبَ الناسَ. متفقٌ عليه، واللفظُ للبخاري). قولُه: فصلَّى، ظاهرُ الفاء التعقيبُ.

واعلمْ أن صلاةَ الكسوفِ [وردت]

(4)

على وجوهٍ كثيرةٍ

(5)

ذكرَها الشيخانِ

(6)

،

(1)

البخاري (1052)، ومسلم (17/ 907).

(2)

في "صحيحه"(2/ 627 رقم 18/ 908).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في (ب): "رويت".

(5)

انظر: "الروضة الندية" لصدِّيق حسن خان (1/ 388 - 389) بتحقيقنا.

(6)

البخاري (1044)، ومسلم (951) من حديث عائشة.

والبخاري (1042)، ومسلم (914) من حديث ابن عمر.

والبخاري (1052)، ومسلم (907) من حديث ابن عباس.

ومسلم (10/ 904) من حديث جابر.

ومسلم (909) من حديث ابن عباس.

ص: 208

وأبو داودَ، وغيرُهم

(1)

. وهيَ سنةٌ باتفاقِ العلماءِ. وفي دعوى الاتفاقِ نظرٌ، لأنه صرَّحَ أبو عوانةَ في صحيحهِ بوجوبها

(2)

. وحُكِيَ عن مالكٍ أنهُ أجراها مَجْرى الجمعةِ. وتقدمَ عن أبي حنيفةَ إيجابُها. ومذهبُ الشافعيِّ وجماعةٍ أنها تُسَنُّ في جماعة. وقال آخرونَ: فُرادَى، وحجّةُ الأَوَّلينَ الأحاديثُ الصحيحةُ من فعلهِ صلى الله عليه وسلم لها جماعةً، ثمَّ اختلفُوا في صفتِها: فالجمهورُ أنَّها ركعتانِ في كلِّ ركعةٍ قيامانِ وقراءتانِ وركوعانِ، والسجودُ سجدتانِ كغيرِها، وهذه الكيفيةُ ذهبَ إليها مالكٌ، والشافعيُّ، والليثُ، وآخرونَ.

وفي قولهِ: "نحوًا من قراءةِ سورةِ البقرةِ"، دليلٌ على أنهُ يقرأُ فيها القرآنُ. قالَ النوويُّ

(3)

: اتّفقَ العلماءُ أنهُ يقرأُ في القيامِ الأَولِ من أول ركعة [فاتحة الكتاب]

(4)

. واختلفُوا في القيامِ الثاني، ومذهبُنا ومالكٌ أنَّها لا تصحُّ الصلاةُ إلَّا بقراءتِها.

وفيهِ دليلٌ على شرعيّةِ طولِ الركوعِ. قالَ المصنفُ: لم أرَ في شيء منَ الطرقِ بيانَ ما قالهُ صلى الله عليه وسلم فيهِ، إلَّا أن العلماءَ اتفقُوا أنهُ لا قراءةَ فيهِ، وإنَّما المشروعُ فيهِ الذكرُ من تسبيع وتكبيير وغيرِهما.

وفي قولهِ: "وهوَ دونَ [الركوع](5) الأولِ، [ثم سجد]

(5)

"دلالةٌ على أن القيامَ الذي يعقبهُ السجودُ لا تطويلَ فيهِ، وأنهُ دونَ الأولِ وإنْ كانَ قد وقعَ في روايةٍ مسلمٍ

(6)

في حديثٍ جابرٍ: "أنهُ أطالَ ذلكَ"، لكنْ قالَ النوويُّ

(7)

: إنَّها شاذّةٌ فلا يعملُ بها، ونقلَ القاضي إجماعَ العلماءِ أنهُ لا يطولُ الاعتدالَ الذي يلي السجودَ، وتأويلُ هذهِ الرواية بأنهُ أرادَ بالإطالةِ زيادة الطمأنينةِ، ولمْ يذكرْ في هذهِ

(1)

الترمذي (560) من حديث ابن عباس، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

والنسائي (1472)، وأحمد (6/ 211 رقم 1702 - الفتح الرباني) من حديث عائشة.

وأبو داود (1182)، والحاكم (1/ 333)، والبيهقي في "السنن الكبرى، (3/ 329) من حديث أبي بن كعب، وهو حديث ضعيف.

(2)

في "المسند"(2/ 366).

(3)

في "شرح صحيح مسلم"(6/ 199).

(4)

في (ب): "الفاتحة".

(5)

زيادة من (أ):

(6)

في "صحيحه"(2/ 623 رقم 10/ 904).

(7)

في "شرح صحيح مسلم"(6/ 207).

ص: 209

الروايةِ طولَ السجودِ، ولكنهُ قدْ [ثبتتْ]

(1)

إطالتُه في روايةٍ أبي موسى عندَ البخاريِّ

(2)

. وحديثُ ابن عمرَ عندَ مسلمٍ

(3)

، قالَ النوويُّ

(4)

: قالَ المحقّقونَ من أصحابنا: وهوَ المنصوصُ للشافعيِّ إنهُ يطولُ للأحاديثِ الصحيحةِ بذلكَ، فأخرجَ أبو داودَ

(5)

، والنسائيذُ

(6)

من حديثٍ سمُرةَ: "كانَ أطولَ ما يسجدُ في صلاةٍ قطُّ"، وفي روايةٍ مسلمٍ

(7)

من حديثٍ جابرٍ: "وسجودُه نحوٌ من ركوعِه"، وبهِ جزمَ أهلُ العلمِ بالحديثِ.

ويقولُ عقيبَ كلِّ ركوعٍ سمعَ اللَّهُ لمن حَمدهُ، ثمَّ يقولُ عقيبهُ؛ ربَّنا لكَ الحمدُ

إلى آخرهِ، ويطولُ الجلوسُ بينَ السجدتينِ، فقد وقعَ في روايةٍ مسلمٍ

(8)

لحديثِ جابرٍ إطالةُ الاعتدالِ بينَ [السجدتين]

(9)

. قالَ المصنفُ: لم أقفْ عليهِ في شيءٍ منَ الطرقِ إلَّا في هذا. ونَقْلُ الغزاليِّ الاتفاقَ على عدم إطالتهِ

(10)

مردودٌ، وفي قولهِ:"ثمَّ قامَ قيامًا طويلًا وهوَ دونَ القيام الأَوَّلِ"، دليل على إطالةِ القيامِ في الركعةِ الثانيةِ، ولكنهُ دونَ القيامِ في الركعةِ الأُولى. وقد وردَ في روايةٍ أبي داودَ

(11)

عن عروةَ: "أنهُ قرأ آلَ عمرانَ"، قال ابنُ بطالٍ: لا خلافَ أن

(1)

في (أ): "ثبت".

(2)

في "صحيحه"(2/ 545 رقم 1059). قلت: وأخرجه مسلم (2/ 628 رقم 24/ 912).

(3)

في "صحيحه"(2/ 627 رقم 20/ 910) من حديث عبد الله بن عمرو. قلت: وأخرجه البخاري (1051).

(4)

في "شرح صحيح مسلم"(6/ 199).

(5)

في "السنن"(1/ 700 رقم 1184).

(6)

في "السنن"(3/ 140).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 16)، والحاكم (1/ 330)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 335) في حديث طويل، وأصله عند الترمذي (562)، وابن ماجه (1264).

وفي سنده ثعلبة بن عباد العبدي وهو مجهول لم يوثقه غير ابن حبان وقد قال الترمذي: حديث سمُرة: حديث حسن صحيح، قال: وفي الباب عن عائشة وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي، ولعل ذلك لشواهده.

وقد ضعف الألباني الحديث، والله أعلم.

(7)

و

(8)

في "صحيحه"(2/ 622 - 624 رقم 904).

(9)

في (أ): "السجودين".

(10)

انظر: "موسوعة الإجماع" لسعدي أبو جيب (2/ 658).

(11)

في "السنن"(1/ 701 رقم 1187)، وهو حديث حسن.

ص: 210

الركعةَ الأُولى بقيامِها وركوعِها تكونُ أطولَ منَ الركعةِ الثانيةِ بقيامِها وركوعِها، واختُلِفَ في القيام الأولِ منَ الثانيةِ وركوعِهِ، هل هما أقصرُ منَ القيامِ الثاني منَ الأول وركوعِهِ، أَو يكونانِ سواءً، قيلَ: وسببُ هذا الخلافِ فهمُ معنَى قولِهِ: "وهوَ دونَ القيامِ الأولِ"، هل المرادُ بهِ الأولُ منَ الثانيةِ، أو يرجعُ إلى الجميعِ، فيكونُ كلُّ قيامٍ دون الذي قبلَهُ.

وفي قولِه: "فخطبَ الناسَ" دليلٌ على شرعيّةِ الخطبةِ بعدَ صلاةِ الكسوفِ، وإلى استحبابِها ذهبَ الشافعي، [وكثيرٌ من]

(1)

أئمةِ الحديثِ. وعنِ الحنفيةِ: لا خطبةَ في الكسوفِ، لأنَّها لمْ تنقَلْ. وتُعُقِّبَ بالأحاديثِ المصرّحةِ بالخطبةِ، والقولُ بأنَّ الذي فعلَه صلى الله عليه وسلم لم يقصدْ بهِ الخطبةَ، بل قصدَ الردَّ على مَنِ اعتقدَ أن الكسوفَ بسببِ موتِ أحدٍ [متعقَّبٌ]

(2)

بأنَّ روايةَ البخاريّ

(3)

: "فحمدَ اللَّهَ وأثْنَى عليهِ"، وفي روايةٍ

(4)

: "وشهدَ أنهُ عَبْدُهُ ورسولُهُ"، وفي روايةٍ للبخاريِّ

(5)

: "أنهُ ذكرَ أحوالَ الجنةِ والنارِ وغيرَ ذلكَ"، وهذه مقاصدُ الخطبة.

[وفي لفظِ مسلمٍ]

(6)

من حديثٍ فاطمةَ عن أسماءَ "قالتْ: فخطبَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الناسَ، فحمدَ اللَّهَ وأثْنَى عليهِ ثمَّ قالَ: أمّا بعدُ، ما مِنْ شيءٍ لم أكنْ رأيتُه إلَّا قد رأيتهُ في مقامي هذا حتَّى الجنةَ والنارَ، وإنهُ قد أُوحيَ إليَّ أنكم تُفْتَنونَ في القبور، قريبًا أو مثلَ فتنةِ المسيحِ الدجّالِ، لا أدري أيَّ ذلك قالَ، قالتْ أسماء: فيؤتى أحدُكم فيقالُ: ما عِلْمُكَ بهذا الرجلِ، فأمّا المؤمنُ أو الموقنُ، لا أدري أيَّ ذلكَ [قالَ]

(7)

، قالتْ أسماءُ: فيقولُ هوَ محمدٌ رسولُ اللَّهِ، جاءَنا بالبيّناتِ والهدَى، فأجبْنَا وأطعْنا ثلاثَ مراتٍ، ثمَّ يقالُ: نَمْ قدْ كنَّا نعلمُ

(1)

في (ب): "وأ كثر".

(2)

في (ب): "تعقب".

(3)

في "صحيحه"(2/ 543 رقم 1953) من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وهو حديث ضعيف وقد تقدم.

(4)

أخرجها أحمد في "مسنده"(5/ 16).

(5)

في "صحيحه"(2/ 540 رقم 1052) من حديث ابن عباس.

(6)

في "صحيحه"(2/ 624 رقم 11/ 905).

وفي (ب): "ولفظهما في مسلم".

(7)

زيادة من (أ).

ص: 211

أنَّكَ تؤمنُ بهِ فنَمْ صالحًا"، وفي مسلمٍ

(1)

روايةٌ أُخرى في الخطبةِ بألفاظٍ فيها زيادةٌ.

(وفي روايةٍ لمسلمٍ)[أي]

(2)

عن ابن عباسٍ (صلَّى) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (حينَ كسفتِ الشمس ثماني ركعاتٍ) أي: ركوعاتٍ (في أربعِ سجدات) في ركعتينِ لأنَّ كلَّ ركعةٍ لها سجدتانِ، والمرادُ أنهُ ركعَ في كلّ ركعةٍ أربعَ ركوعاتٍ فيحصلُ في الركعتينِ ثماني ركوعاتٍ، وإلى هذهِ الصفةِ ذهبتْ طائفةٌ.

5/ 474 - وَعَنْ عَلِيٍّ

(3)

رضي الله عنه مِثْلُ ذلِكَ. [صحيح]

(وعن عليٍّ عليه السلام أي: وأخرجَ مسلم [عنه] (2)(مثل ذلك) أي: مثل روايةٍ ابن عباسٍ.

6/ 475 - وَلَهُ

(4)

عَنْ جَابِرٍ: صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. [صحيح]

(ولهُ) أي: لمسلمٍ (عن جابرٍ) بن عبدِ اللَّهِ (صلَّى) أي: النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم (ستَّ ركعاتٍ بأربعِ سجداتٍ) أي: صلَّى ركعتينِ في كلِّ ركعةٍ ثلاثُ ركوعاتٍ وسجدتانِ.

7/ 476 - وَلأَبِي دَاوُدَ

(5)

، عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْب رضي الله عنه: صَلَّى، فَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَفَعَلَ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذلِكَ. [ضعيف]

(ولأبي داودَ عن أُبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه: صلَّى) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (فركعَ خمسَ ركعاتٍ) أي: ركوعاتٍ في كلّ ركعةٍ، (وسجدَ سجدتينِ، وفعلَ في الثانيةَ مثلَ ذلكَ) ركعَ خمسَ ركوعاتٍ، وسجدَ سجدتين. إذا عرفتَ هذه الأحاديثَ فقد يحصلُ من مجموعِها أنَّ صلاةَ الكسوفِ ركعتانِ اتفاقًا إنَّما اختُلِفَ في كمّيةِ الركوعاتِ في كلِّ

(1)

في "صحيحه"(2/ 619 رقم 3/ 901) من حديث عائشة.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "صحيح مسلم"(18/ 908).

(4)

أي: لمسلم في "صحيحه"(10/ 904). قلت: وأخرجه أبو داود (1178)، والنسائي (3/ 136).

(5)

في "السنن"(1/ 699 رقم 1182) قال المنذري: "في إسناده أبو جعفر الرازي، وفيه مقال. واختلف فيه قول ابن معين وابن المديني، واسمه: عيسى بن عبد الله بن ماهان" اهـ.

والخلاصة: فالحديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 212

ركعةٍ فحصلَ منْ مجموعِ الرواياتِ التي ساقَها المصنفُ أربعُ صورٍ:

الأولى: ركعتان في كلّ ركعة ركوعانِ، وبهذا أخذَ الشافعيُّ، ومالكٌ، والليثُ، وأحمدُ وغيرهم. وعليها دلَّ حديثُ عائشةَ، وجابرٍ، وابنِ عباسٍ، وابن عمرَ. قالَ ابنُ عبد البرِّ

(1)

: هوَ أصحُّ ما في الباب وباقي الرواياتِ معلَّلةٌ ضعيفةٌ.

الثانيةُ: ركعتانِ أيضًا في كلّ ركعةٍ أربعُ ركوعاتٍ، وهي التي أفادتها روايةُ مسلمٍ عن ابن عباسٍ وعليٍّ عليه السلام.

والثالثة: ركعتان أيضًا في كل ركعةٍ ثلاثُ ركوعاتٍ، وعليها دلَّ حديثُ جابرٍ.

والرابعةُ: ركعتانِ أيضًا يركعُ في كلّ واحدةٍ خمسَ ركوعاتٍ. ولما اختلَفتِ الرواياتُ اختلفَ العلماءُ؛ فالجمهورُ أخذُوا بالأُولى لما عرفتَ من كلامِ ابن عبد البرِّ. وقالَ النوويُّ في شرحِ مسلمٍ

(2)

: إنهُ أخذَ بكلّ نوعٍ بعضُ الصحابةِ، وقالَ جماعةٌ منَ المحقّقينَ: إنهُ مخيَّر بينَ الأنواعِ فأيَّها فعلَ فقد أحسنَ، وهو مبنيٌّ على أنهُ تعدّدَ الكسوفُ، وأنهُ فعلَ هذا تارةً وهذا أُخْرَى، ولكنَّ التحقيقَ أن كلَّ الرواياتِ حكايةٌ عن واقعةٍ واحدةٍ هيَ صلاتهُ صلى الله عليه وسلم يومَ وفاةِ إبراهيمَ، ولهذا عوَّلَ الآخرونَ على إعلالِ الأحاديثِ التي حكتِ الصورَ الثلاثَ.

قالَ ابن القيِّم

(3)

رحمه الله: كبارُ الأئمةِ لا يصحّحونَ التعدّدَ لذلكَ؛ كالإمامِ أحمدَ، والبخاريِّ، والشافعيِّ، ويرَوهُ غلطًا. وذهبتِ الحنفيةُ إلى أنَّها تُصَلَّى ركعتينِ كسائرِ النوافلِ.

8/ 477 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَا هَبَّتِ الرَّيحُ قَطُّ إِلَّا جَثَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ:"اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا"، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ

(4)

، وَالطَّبَرَانِى

(5)

. [ضعيف]

(1)

في "التمهيد"(3/ 305 - 306).

(2)

(6/ 199).

(3)

في "زاد المعاد"(1/ 453).

(4)

في "المسند"(ص 81) أخبرني من لا أتَّهم، عن العلاء بن راشد عن عكرمة عنه به، قلت: فيه إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف جدًّا، والعلاء بن راشد وهو مجهول.

(5)

في "المعجم الكبير"(11/ 213 رقم 11533) من طريق الحسين بن قيس عن عكرمة عنه =

ص: 213

(وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: ما هبَتْ ريحٌ قطُّ إلَّا جثَا) بالجيم والمثلثةِ (النبيُّ صلى الله عليه وسلم عدى ركبتَيْهِ) أي: بركَ عليهما، وهي قعدةُ المخافة لا يفعلُها في الأغلبِ إلَّا الخائِفُ (وقالَ: اللَّهمَّ اجعلْها رحمةً ولا تجعلْها عذابًا. رواهُ الشافعيُّ والطبرانيُّ).

الريحُ: اسمُ جنسٍ صادقٌ على ما يأتي بالرحمة، [وما يأتي]

(1)

بالعذابِ. وقد وردَ في حديثٍ أبي هريرةَ

(2)

مرفوعًا: "الريحُ من روحِ اللَّهِ تأتي بالرحمةِ وبالعذابِ فلا تسبُّوها". وقد وردَ في تمامِ حديثٍ ابن عباسٍ: "اللَّهمّ اجعلْها رياحًا ولا تجعلها ريحًا"، وهو يدلُّ أن المفردَ يختصُّ بالعذاب والجمعَ بالرحمةِ. قالَ ابنُ عباس في كتابِ اللَّهِ:{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا}

(3)

، و {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}

(4)

، {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}

(5)

، {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}

(6)

، رواهُ الشافعيُّ و [البيهقيُّ]

(7)

في الدعوات [الكبير]

(8)

، وهو بيانٌ أنَّها جاءتْ مجموعةَ في الرحمةِ ومفردةً في العذابِ، فاستشكلَ ما في الحديثِ من طلبِ أنْ تكون رحمة، وأجيبَ بأنَّ المرادَ لا تهلكْنَا بهذهِ الريح؛ لأنَّهم لو هلكُوا بهذهِ الريحِ لم تهبَّ [بعدها]

(9)

عليهمْ ريحٌ أُخْرَى، فتكونُ ريحًا لا رياحًا.

9/ 478 - وَعَنْهُ رضي الله عنه: أَنَّهُ صَلَّى فِي زَلْزَلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَقَالَ: هَكَذَا صَلَاةُ الآياتِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ

(10)

. [ضعيف]

= به، وأورده الهيثمي في "المجمع" (10/ 136) وقال: رواه الطبراني وفيه حسين بن قيس الملقب بحنش وهو متروك وقد وثّقه حصين بن نمير، وبقية رجاله رجال الصحيح، والخلاصة: فالحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في (ب): "ويأتي".

(2)

أخرجه أبو داود (5097)، وابن ماجه (3727)، والبخاري في "الأدب المفرد"(906)، والشافعي في "المسند"(ص 81 - 82)، وأحمد في "المسند"(14/ 52 رقم 7619 - شاكر)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 291 - 392)، وهو حديث صحيح. وانظر:"تخريج الكلم الطيب" للألباني رقم (153).

(3)

سورة القمر: الآية 19.

(4)

سورة الذاريات: الآية 41.

(5)

سورة الحجر: الآية 22.

(6)

سورة الروم: الآية 46.

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في (ب): "الكبرى".

(9)

زيادة من (أ).

(10)

في "السنن الكبرى"(3/ 343). =

ص: 214

وَذَكَرَ الشَّافِعِي

(1)

عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِب رضي الله عنه مِثْلهُ دُونَ آخِرِهِ. [ضعيف]

(وعنهُ) أي: ابن عباسٍ (صلَّى في زلزلةٍ ستَّ ركعاتٍ) أي: ركوعاتٍ (أربعَ سَجَداتٍ) أي: صلَّى ركعتينِ في كلِّ ركعةٍ ثلاثُ ركوعاتٍ (وقال: هكذا صلاةُ الآيات. رواهُ البيهقيُّ، وذكرَ الشافعيُّ عن عليٍّ مثلَه دونَ آخرهِ)، وهو قولُه:"هكذَا صلاةُ الآياتِ". أخرجهُ البيهقيُّ

(2)

من طريقِ عبدِ اللَّهِ بن الحارثِ [عنه]

(3)

أنهُ كانَ ذلكَ في زلزلةٍ في البصرةِ، ورواهُ ابنُ أبي شيبةَ

(4)

من هذا الوجهِ مختصرًا: "أن أبنَ عباسٍ صلَّى بهمْ في زلزلةٍ أربعَ سجداتِ ركعَ فيها ستًّا".

وظاهرُ اللفظِ أنهُ صلَّى بهمْ جماعةً. وإلى هذا ذهبَ القاسمُ منَ الآلِ. [وقالَ]

(5)

: يصلِّي للأفزاعِ مثلَ صلاةِ الكسوفِ، وإنْ شاءَ ركعتينِ، ووافقهُ على ذلكَ أحمدَ بنُ حنبلٍ، ولكنْ قالَ: كصلاةِ الكسوفِ.

قلتُ: لكنَّ في كتبِ الحنابلةِ أنهُ يصلِّي الكسوفَ ركعتينِ إذا شاءَ، وذهبَ الشافعيُّ وغيرهُ إلى أنهُ لا يسنُّ التجميعُ، وأمّا صلاةُ المنفردِ فحسنٌ، قالَ: لأنهُ لم يُرْوَ أنهُ صلى الله عليه وسلم أمرَ بالتجميعِ إلَّا في الكسوفينِ.

= قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(3/ 102 رقم 4932).

(1)

في "الأم"(7/ 177).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 343)، و"معرفة السنن والآثار"(5/ 157 رقم 7162).

وقال الشافعي: لو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي لقلنا به، وهم يثبتونه ولا يأخذون به.

والخلاصة: أن حديث ابن عباس ضعيف، وكذلك حديث علي، والله أعلم.

(2)

في "السنن الكبرى"(3/ 343).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في "المصنف"(2/ 472).

(5)

في (أ): "وقالوا".

ص: 215

[الباب السادس عشر] بابُ صلاةِ الاستسقاءِ

أي: طلب [سقايةِ]

(1)

اللَّهِ تعالى عندَ حدوثِ الجَدْبِ، أخرجَ ابنُ ماجَهْ

(2)

من حديثٍ ابن عمرَ "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لمْ ينقِصْ قومٌ المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسنينَ، وشدّةِ المؤنةِ، وجورِ السلطانِ عليهم، ولم يمنعُوا زكاةَ أموالهم إلّا مُنِعُوا القطرَ منَ السماءِ".

(1)

في (ب): "استقاية".

(2)

في "السنن"(2/ 1332 رقم 4019).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 246): "رواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتاب "المستدرك" في آخر كتاب الفتن مطولًا - (4/ 545) - من طريق عطاء بن أبي رباح. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، هذا حديث صالح العمل به، وقد اختلف في ابن أبي مالك وأبيه، فأمّا الولد فاسمه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الدمشقي فوثقه أبو زرعة الدمشقي وأبو زرعة الرازي، وأحمد بن صالحٍ، وضعَّفه أحمد وابن معين والنسائي والدارقطني.

وأمّا أبوه فهو قاضي دمشق وكان من أثقة التابعين وثّقه ابن معين وأبو زرعة الرازي وابن حبان والدارقطني والبرقاني، وقال يعقوب بن سفيان: في حديثهما لين، يعني: خالد وأبوه" اهـ. قال الألباني في "الصحيحة" (1/ 168): الأب لا بأس به وإنما العلّة من ابنه. وقال الألباني في "الصحيحة" (1/ 168) عقب قول الحاكم، "وصحيح الإسناد" ووافقه الذهبي:

"بل هو حسن الإسناد، فإن ابن غيلان هذا قد ضعَّفه بعضهم لكن وثقه الجهور.

وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق فقيه، رمي بالقدر".

والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.

- السنين: جمعة سَنَة، أي: جدب وقحط.

ص: 216

‌حكم صلاة الاستسقاء وصفتها والخطبة لها

1/ 479 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَوَاضِعًا، مُتَبَذِّلًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَرَسِّلًا، مُتَضَرِّعًا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ، لَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(1)

، وَصَحَّحَهُ التّرْمِذِيُّ

(2)

، وَأَبُو عَوَانَةَ

(3)

، وَابْنُ حِبَّان

(4)

. [حسن]

(عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم) أي: من المدينةِ (متواضعًا متبذّلًا) بالمثناةِ الفوقيةِ [فموحَّدة]

(5)

، فذالٍ معجمةٍ، أي: أنهُ لابسٌ ثيابَ البذلةِ، والمرادُ تركُ الزينةِ وحسنِ الهيئةِ تواضعًا إظهارًا للحاجةِ (متخشّعًا)، الخشوعُ في الصوتِ والبصرِ كالخضوعِ في البدنِ، (مترسَلًا) منَ [الترسيل]

(6)

في المشي وهو التأنّي وعدم العجلةِ، (متضرّعًا) لفظُ أبي داودَ:"متبذّلًا متواضعًا متضرّعًا"، والتضرُّعُ: التذلُّلُ والمبالغةُ في السؤالِ والرَّغبةِ كما في النهاية

(7)

، (فصلَّى ركعتينِ كما يصلِّي في العيدِ لم يخطبْ خطبتَكم هذهِ)، [تمامه من]

(8)

لفظِ أبي داودَ

(9)

: "ولكنْ لم يزلْ في الدعاءِ والتضرُّعِ والتكبيرِ، ثمَّ صلَّى ركعتينِ كما يصلّي في العيدِ"، فأفادَ لفظُه أن الصلاةَ كانتْ بعدَ الدعاءِ، واللفظُ الذي أتَى بهِ المصنفُ غيرُ صريح في ذلكَ

(1)

وهم أحمد (1/ 330) و (1/ 269)، وأبو داود (1165)، والترمذي (558 و 559)، والنسائي (1/ 156) و (3/ 156) و (3/ 163)، وابن ماجه (1266).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (1405) و (1408) و (1419)، والدارقطني (2/ 68) و (2/ 67 - 68)، والحاكم (1/ 326 - 327) و (1/ 326)، والبيهقي (3/ 344)، وفي "معرفة السنن والآثار"(5/ 166 رقم 7173)، والطبراني في "الكبير"(10/ 402 رقم 10818) و (10819) من طرق.

(2)

في "السنن"(2/ 445).

(3)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 95 رقم 713).

(4)

في "الإحسان"(7/ 112 رقم 2862).

وخلاصة: الأمر أن الحديث حسن، والله أعلم.

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (أ): "الترسل".

(7)

(3/ 85).

(8)

زيادة من (أ).

(9)

رقم (1165) وقد تقدم.

ص: 217

(رواهُ الخمسة، وصحَّحه الترمذيُّ وأبو عوانةَ، وابن حبّانَ)، وأخرجهُ الحاكمُ

(1)

، والبيهقيُّ

(2)

، والدارقطنيُّ

(3)

.

والحديثُ دليلٌ على شرعيةِ الصلاةِ للاستسقاءِ، وإليهِ ذهبَ الآلُ، وقالَ أبو حنيفةَ" لا يصلَّى للاستسقاءِ وإنَّما شرعَ الدعاءُ فقط، ثمَّ اختلفَ القائلونَ بشرعيةِ الصلاةِ، فقالَ جماعة: إنَّها كصلاةِ العيدِ في تكبيرها وقراءتِها، وهوَ المنصوصُ للشافعي عملًا بظاهرِ لفظِ ابن عباسٍ. وقال آخرونَ: بل يصلّي ركعتينِ لا صفةَ لهما زائدةٌ على ذلكَ، وإليهِ ذهبَ جماعةٌ منَ الآلِ. ويُرْوَى عن عليٍّ عليه السلام، وبهِ قالَ مالكٌ مستدلّينَ بما أخرجهُ البخاريُّ

(4)

من حديثٍ عبَّادِ بن تميمٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى بهم ركعتينِ"، وكما يفيدُه حديثُ عائشةَ الآتي قريبًا

(5)

، وتأوّلُوا حديثَ ابن عباسٍ بأنَّ المرادَ التشبيهُ في العددِ لا في الصفةِ، ويبعدُه أنهُ قد أخرجَ الدارقطنيُّ

(6)

من حديثٍ ابن عباسٍ: "أنهُ يكبّرُ فيها سبعًا وخمسًا كالعيدينِ، ويقرأُ بسبِّح، وهلْ أتاكَ"، وإنْ كانَ في إسنادهِ مقالٌ؛ فإنهُ يؤيّدُهُ حديثُ البابِ.

وأمّا أبو حنيفةَ فاستدلَّ بما أخرجهُ أبو داودَ

(7)

، والترمذيُّ

(8)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم

(1)

(1/ 326) و (1/ 326 - 327)، وقد تقدَّم.

(2)

في "السنن الكبرى"(3/ 344)، وقد تقدَّم.

(3)

في "السنن"(2/ 68) و (2/ 67 - 68)، وقد تقدَّم.

(4)

في "صحيحه"(2/ 514 رقم 1024 و 1025 و 1026).

(5)

رقم (2/ 480).

(6)

في "السنن"(2/ 66 رقم 4). وقال الآبادي في "التعليق المغني": "الحديث أخرجه البيهقي والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي تصحيحه نظر، لأن محمد بن عبد العزيز هذا، قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال النسائيُّ: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال ابن القطان: أبوه عبد العزيز مجهول الحال، فاعتلّ الحديث بهما.

(7)

في "السنن"(1/ 690 رقم 1168) من حديث عمير مولى بني آبي اللحم.

(8)

في "السنن"(2/ 443 رقم 557) من حديث آبي اللحم. قلت: وأخرجه أحمد (5/ 223) بسند صحيح، وصحَّحه الحاكم (1/ 327) ووافقه الذهبي والنسائي (3/ 159).

قال أبو عيسى: كذا قال قتيبة في هذا الحديث "عن آبي اللحم" ولا نعرف له عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلَّا هذا الحديث الواحد. وعمير مولى آبي اللحم قد روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث وله صحبة. وصحَّح الألباني الحديث في صحيح أبي داود وصحيح الترمذي.

ص: 218

استسْقَى عندَ أحجارِ الزيتِ

(1)

بالدعاءِ"، وأخرجَ أبو عوانةَ في صحيحهِ

(2)

: "أنهُ شكا إليهِ صلى الله عليه وسلم قومٌ القحطَ فقالَ: اجْثُوا على الركبِ وقولُوا: يا ربُّ يا ربُّ"، وأجيبَ عنهُ بأنهُ قد ثبتَ صلاةُ ركعتينِ، وثبتَ تركُها في بعضِ الأحيانِ لبيانِ الجوازِ. وقد عدَّ في الهدي النبويّ

(3)

أنواعَ استسقائِهِ صلى الله عليه وسلم.

فالأولُ: خروجُهُ صلى الله عليه وسلم إلى المصلَّى وصلاتُهُ وخطبتُهُ.

والثاني: يومُ الجمعةِ على المنبرِ أثناءَ الخطبةِ.

الثالثُ: استسقاؤُه على منبرِ المدينةِ، استسقَى مجرّدًا في غيرِ يومِ الجمعةِ،

ولمْ يُحفظْ عنهُ فيهِ صلاةٌ.

الرابعُ: أنهُ استسقَى وهو جالسٌ في المسجدِ، فرفعَ يديهِ ودعا اللَّهَ عز وجل.

الخامسُ: أنهُ استسقَى عندَ أحجارِ الزيتِ قريبًا منَ الزوراءِ، وهي خارجُ بابِ المسجدِ.

السادسُ: أنهُ استسقَى في بعضِ غزواتهِ لما سبقهُ المشركونَ إلى الماءِ، وأغيثَ صلى الله عليه وسلم في كلِّ مرةٍ استسقَى فيها.

واختُلِفَ في الخطبةِ في الاستسقاءِ، فذهبَ الهادي إلى أنهُ لا يخطبُ فيهِ لقولِ ابن عباسٍ:"لم يخطبْ"، إلَّا أنهُ لا يَخْفَى أنهُ ينفي الخطبةَ المشابهةَ لخطبتِهم، وذكرَ ما قالهُ صلى الله عليه وسلم. وقد زادَ في روايةٍ أبي داودَ

(4)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم رقَى المنبرَ". والظاهرُ أنهُ لا يرقاهُ إلَّا للخطبةِ، وذهبَ آخرونَ إلى أنهُ يُخطَبُ فيها كالجمعةِ لحديثِ عائشةَ الآتي

(5)

، وحديثِ ابن عباسٍ

(6)

، ثمَّ اختلفُوا: هلْ

(1)

أحجار الزيت موضع في المدينة من الحرَّة، سميت بذلك لسواد أحجارها، كأنها طُليت بالزيت.

(2)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 94 - 95).

(3)

لابن القيم (1/ 456 - 458).

(4)

في "السنن"(1/ 688 رقم 1165) وقد تقدم.

(5)

رقم (2/ 480).

(6)

تقدم رقم (1/ 479) إلا أن له ألفاظًا مختلفة، فيها ما هو صريح بالخطبة، وفيها ما فيه الدعاء فقط مع إنكار الخطبة.

ص: 219

يُخْطَبُ قبلَ الصلاةِ أو بعدَها، فذهبَ الناصرُ وجماعةٌ إلى الأولِ، وذهبَ الشافعيُّ وآخرونَ إلى الثاني، مستدلّينَ بحديثِ أبي هريرةَ عندَ أحمدَ

(1)

، وابنِ ماجَهْ

(2)

، وأبي عوانةَ

(3)

، والبيهقيِّ

(4)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم خرجَ للاستسقاءِ فصلَّى ركعتينِ، ثمَّ خطبَ".

واستدلَّ الأوَّلونَ بحديثِ ابن عباسٍ، وقد قدَّمْنَا لفظَهُ. وجُمِعَ بينَ الحديثينِ بأنَّ الذي بدأ بهِ هوَ الدعاءُ، فعبّرَ بعضُ الرواة عن الدعاءِ بالخطبةِ، واقتصرَ على ذلكَ، ولم يروِ الخطبةَ بعدَها، والراوي لتقديمِ الصلاةِ على الخطبةِ اقتصرَ على ذلكَ ولم يروِ الدعاءَ قبلَها. وهذا جمعٌ بينَ الروايتينِ. وأمّا ما يدعُو بهِ فيتحرَّى ما وردَ عنهُ صلى الله عليه وسلم من ذلكَ، وقد أبانَ الألفاظَ التي دعا بِها صلى الله عليه وسلم بقولهِ.

2/ 480 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ بِالْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، فَخَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ العَالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَّهَ إِلَّا اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ

(1)

في "المسند"(2/ 362).

(2)

في "السنن"(1/ 403 رقم 1268).

(3)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 98).

(4)

في "السنن الكبرى"(3/ 347).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 416 رقم 442/ 1268): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات

". وقال البيهقي: "تفرَّد به النعمان بن راشد فقال في الخلافيات: رواته ثقات" كما في "التلخيص" (2/ 98 رقم 720).

وقال أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه"(2/ 338 رقم 1422): "في القلب من النعمان بن راشد، فإن في حديثه عن الزهري تخليط كثير

" اهـ.

وقال الشيخ المحدث الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة (2/ 333 رقم 1409): "إسناده ضعيف، النعمان بن راشد صدوق سيء الحفظ كما قال الحافظ في "التقريب"

" اهـ.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 220

الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَينَا الْغَيثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ عَلَينَا قُوَّةً وَبَلاغًا إِلَى حِينَ"، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ تَعَالَى سَحَابَةً، فَرَعَدَتْ، وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

، وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. [حسن]

(وعن عائشةَ قالتْ: شكا الناسُ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المطرِ) هوَ مصدرٌ كالقحطِ، (فأمرَ بمنبرٍ فوضِعَ لهُ في المصلَّى، ووعدَ الناسَ يومًا يخرجونَ فيهِ) عَيَّنَهُ لهم، (فخرجَ حينَ بدا حاجبُ الشمسِ، فقعدَ على المنبرِ) قالَ ابنُ القيم

(2)

: إنْ صحَّ، إلَّا ففي القلبِ منهُ شيءٌ، (فكبّرَ وحمدَ اللَّهَ ثمَّ قال: إنَّكم شكوتم جَدْبَ دياركم فقدْ أمركمُ اللَّهُ أنْ تدعوهُ) قالَ تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}

(3)

، (ووعدَكم أنْ يستجيبَ لكم) كما في الآية الأُولى، وفي قولهِ:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}

(4)

.

(ثمَّ قالَ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، الرَّحمن الرحيمِ) فيهِ دليلٌ على عدمِ افتتاحِ الخطبةِ بالبسملةِ، بلْ بالحمدُ [للَّهِ]

(5)

، ولم تأتِ روايةٌ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنهُ افتتحَ الخطبةَ بغيرِ التحميدِ، (ملكِ يومِ الدينِ، لا إلهَ إِلَّا اللَّهُ يفعلُ ما يريدُ، اللَّهمَّ أنتَ اللَّهُ، لا إلهَ إِلَّا أنتَ،

(1)

في "السنن"(1/ 692 رقم 1173).

قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 328)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 349).

والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 325)، وابن حبان في "الإحسان"(7/ 109 رقم 2860) من طريق خالد بن نزار حدثني القاسم بن مبرور عن يونس بن يزيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به، وإسناده حسن.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، مع أن خالد بن نزار وشيخه القاسم لم يخرج لهما الشيخان شيئًا.

وقال أبو داود: "هذا حديث غريب إسناده جيد، أهل المدينة يقرأونا ملك يوم الدين"، وإن هذا الحديث حجة لهم".

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(2)

في "زاد المعاد"(1/ 457).

(3)

سورة غافر: الآية 60.

(4)

سورة البقرة: الآية 186.

(5)

في (ب): "له".

ص: 221

أنتَ الغنيُّ، ونحنُ الفقراءُ، أنزلْ علينا الغَيْثَ واجعلْ ما أنزلتَ [علينا]

(1)

قوةً وبلاغًا إلى حينَ. ثمَّ رفعَ يديهِ فلم يزلْ) في سننِ أبي داودَ: "في الرفعِ" (حتَّى [رُئي]

(2)

بياضُ إبطيهِ، ثمَّ حوَّلَ إلى الناسِ ظهرَهُ)، فاستقبلَ القبلةَ، (وقلبَ) في سنن أبي داودَ: وحوَّل (رداءَه وهوَ رافعٌ يديهِ، ثمَّ أقبلَ على الناسِ) توجَّهَ إليهم بعدَ تحويلِ ظهرهِ عنهم، (ونزلَ) أي: عن المنبرِ (فصلَّى ركعتينِ، فأنشأ اللَّهُ سحابة، فرعدتْ وبرقتْ، ثمَّ أمطرتْ) تمامُهُ [منْ]

(3)

سننِ أبي داودَ: بإذنِ اللَّهِ، فلمْ يأتِ بابَ مسجدهِ حتَّى سالتِ السيولُ، فلمَّا رأى سرعتهم إلى الكنِّ ضحكَ حتَّى بدتْ نواجذُه وقالَ:"أشهدُ أن اللَّهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأني عبدُ اللَّهِ ورسولُهُ".

(رواهُ أبو داودَ، وقالَ: غريبٌ وإسنادُهُ جيدٌ) هو من تمامِ قول أبي داودَ، ثمَّ قال أبو داودَ:"أهلُ المدينةِ يقرأونَ: ملِكِ يومِ الدينِ، وإنَّ هذا الحديثَ حجةٌ لهم".

وفي قولهِ: "وعدَ الناسَ" ما يدلُّ على أنهُ يحسنُ تقديمُ تبيينِ اليومِ للناسِ ليتأهّبُوا ويتخلَّصُوا منَ المظالمِ ونحوِها، ويقدِّمُوا التوبةَ، وهذهِ الأمورُ واجبةٌ مطلقًا إلَّا أنهُ معَ حصولِ الشدةِ وطلبِ تفريجِها من اللَّهِ تعالى يتضيّقُ ذلكَ. وقد وردَ في الإسرائيلياتِ

(4)

: "إنَّ اللَّهَ حَرَم قومًا [من بني إسرائيل]

(5)

السُّقْيا بعدَ خروجِهم لأنهُ كان فيهمْ عاصٍ واحدٍ"، ولفظُ الناسِ يعمُّ المسلمينَ وغيرهم، قيل: فيشرعُ إخراجُ أهلِ الذمَّةِ ويعتزلونَ المصلَّى.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (أ): "رأوا".

(3)

في (ب): "في".

(4)

الإسرائيلية: هي كل قصة أو حادثة تروى عن مصدر إسرائيلي، والنسبة فيها إلى إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، أبو الأسباط الاثني عشر

ولفظ الإسرائيليات - وإن كان يدل بظاهره على القَصص الذي يروى أصلًا عن مصادر يهودية - يستعمله علماء التفسير والحديث، ويطلقونه على ما هو أوسع وأشمل من القصص اليهودية، فهو في اصطلاحهم يدلّ على كل ما تطرَّق إلى التفسير والحديث من أساطير قديمة منسوبة في أصل روايتها إلى مصدر يهودي أو نصراني أو غيرهما،

انظر: "التعليقة" رقم (1)(ص 24 - 25) من تحقيقنا لحديث: "ما ذئبان جائعان".

(5)

زيادة من (ب).

ص: 222

وفي الحديثِ دليلٌ على شرعيةِ رفعِ اليدينِ عندَ الدعاءِ، ولكنهُ يبالغُ في رفعهِما في الاستسقاءِ حتَّى يساوي بهما وجهَهُ، ولا يجاوزُ بهمَا رأسهُ. وقد ثبتَ رفعُ اليدينِ عندَ الدعاءِ في عدةِ أحاديثَ، وصنّفَ المنذريُّ في ذلك جزءًا، وقالَ النوويُّ

(1)

: قد جمعتُ فيها نحوًا من ثلاثينَ حديثًا منَ الصحيحينِ، أو أحدِهما، وذكرَها في أواخرِ بابِ صفةِ الصلاةِ من شرحِ المهذّبِ، وأمّا حديثُ أنسٍ

(2)

في نفي رفعِ اليدينِ في غيرِ الاستسقاءِ، فالمرادُ بهِ نفيُ المبالغةِ لا نفيُ أصلِ الرفعِ.

وأمّا كيفيةُ قلبِ الرداءِ فيأتي عن البخاري

(3)

جعلُ اليمينِ على الشمالِ. وزادَ ابنُ ماجَهْ

(4)

، وابنُ خُزيمة

(5)

: "وجعل الشمال على اليمين"، [وفي روايةٍ لأبي داودَ

(6)

: "جعلَ عطافَه الأيمنَ على عاتقهِ الأيسرِ، وعطافَه الأيسرَ على عاتقه الأيمن"]

(7)

، وفي روايةٍ لأبي داودَ

(8)

: "أنهُ كانَ عليهِ خميصةٌ سوداءُ، فأرادَ أنْ يأخذَ بأسفلِها ويجعلَه أعلاها، فلمَّا ثقلتْ عليهِ قلبَها على عاتقهِ". [ويشرعُ]

(9)

للناسِ أنْ يُحوِّلُوا معهُ لما أخرجهُ أحمدُ

(10)

بلفظِ: "وحوَّل الناسُ معهُ". وقالَ الليثُ وأبو يوسفَ: إنهُ يختصُّ التحويلُ بالإمامِ، وقالَ بعضُهم: لا تحوّلُ النساءُ.

وأمّا وقتُ التحويلِ فعندَ استقبالهِ القبلةَ، ولمسلمٍ

(11)

: "أنهُ لما أرادَ أن يدعوَ استقبلَ القبلةَ وحوّلَ رداءَه"، ومثلهُ في البخاري

(12)

.

(1)

في المجموع "شرح المهذب"(4/ 507 - 511).

قلت: وللسيوطي "فضّ الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء" تحقيق وتخريج: محمد شكور المياديني.

(2)

أخرجه البخاري (1031) و (3565)، ومسلم (895)، وأبو داود (1170) و (1171)، والنسائي (3/ 158) و (3/ 249)، وأحمد (3/ 181)، والدارمي (1/ 361)، والدارقطني (2/ 68 - 69)، والبغوي في شرح السنة" (6/ 404 رقم 1163) و (6/ 404 رقم 1164)، وابن خزيمة (2/ 334 رقم 1412) من طرق عن أنس.

(3)

رقم (3/ 479).

(4)

في "السنن"(1/ 403 رقم 1267).

(5)

في "صحيحه"(2/ 334 رقم 1414).

(6)

في "السنن"(1/ 688 رقم 1163).

(7)

زيادة من المطبوع ولم يوجد في (أ) ولا (ب).

(8)

في "السنن"(1/ 688 رقم 1164).

• الخميصة: كساء أسود مربَّع له علَمان في طرفيه من صوف وغيره.

(9)

في (ب): "شرع".

(10)

في "المسند"(4/ 41).

(11)

في "صحيحه"(2/ 611 رقم 3/ 894).

(12)

في "صحيحه"(2/ 497 رقم 1012).

ص: 223

وفي الحديثِ دليلٌ على أن صلاةَ الاستسقاءِ ركعتانِ، وهوَ قولُ الجمهورِ، وقالَ الهادي: أربعٌ بتسليمتينِ، ووجَّهَ قولَهُ بأنهُ صلى الله عليه وسلم استسْقَى في الجمعة كما في قصةِ الأعرابي والجمعةِ بالخطبتينِ بمنزلةِ أربعِ ركعاتٍ، ولا يَخْفَى ما فيهِ. وقد ثبتَ من فعلهِ صلى الله عليه وسلم الركعتانِ كما عرفتَ من هذا الحديثِ، والذي قبلَه، ولما ذهبتِ الحنفيةُ إلى أنهُ لا يشرعُ التحويلُ. وقد أفادهُ هذا الحديثُ الماضي، زادَ المصنفُ تقويةَ الاستدلالِ على ثبوتِ التحويلِ بقولهِ:

‌تحويلُ الرداء في الاستسقاء والحكمة فيه

3/ 481 - وَقِصَّةُ التَّحْوِيلِ في الصَّحِيحِ

(1)

مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَفِيهِ: فَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ. [صحيح]

(وقصة التحويلِ في الصحيحِ) أي: صحيحِ البخاري (من حديثِ عبدِ اللَّهِ بن زيدِ) أي: المازني، وليسَ هوَ راوي الأذانِ كما وَهِمَ فيهِ بعضُ الحفاظِ، ولفظهُ في البخاري:"فاستقبلَ القبلةَ وقلبَ رداءَه"، (وفيهِ) أي: في حديثٍ عبدِ اللَّهِ بن زيدٍ (فتوجَّهَ)[أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم]

(2)

(إلى القبلةِ يدعُو) في البخاري بعدَ: "يدعُو": "وحوَّلَ رداءَه"، وفي لفظٍ

(3)

: "قلبَ رداءَه"، (ثمَّ صلَّى ركعتينِ جهرَ فيهما بالقراءةِ). قالَ البخاريُّ

(4)

: قالَ سفيانُ: وأخبرني المسعوديُّ عن أبي بكرٍ، قالَ:"جعلَ اليمينَ على الشمالِ"، انتهَى. زادَ ابنُ خزيمةَ

(5)

: "والشمالَ على اليمينِ". وقد اختُلِفَ في حكمةِ التحويلِ، فأشارَ المصنّفُ إليهِ بإيرادِ الحديثِ:

4/ 482 - وَللدَّارَقُطْنِيِّ

(6)

مِنْ مُرْسَلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ. [ضعيف]

وهوَ قولُه: (وللدارقطنيِّ من مرسلِ أبي جعفرٍ الباقرِ)

(7)

هوَ محمدُ بنُ عليّ بن

(1)

أي: "صحيح البخاري"(1024).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

أي: "للبخاري"(1011 و 1012).

(4)

في "صحيحه"(2/ 515 رقم 1027).

(5)

في "صحيحه"(2/ 334 رقم 1414).

(6)

في "السنن"(2/ 66 رقم 2).

(7)

انظر ترجمته: في "تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 87)، و"المعرفة والتاريخ"(1/ 360)، و"الجرح والتعديل"(8/ 26)، و"طبقات ابن سعد"(5/ 320).

ص: 224

[الحسين]

(1)

بن علي بن أبي طالبٍ، سمعَ أباهُ زينَ العابدينَ، وجابرَ بنَ عبدِ اللَّهِ، ورَوَى عنهُ ابنهُ جعفر الصادقُ وغيرُه. ولدَ سنةَ ستٍّ وخمسينَ، وماتَ [بالمدينةِ]

(2)

سنةَ سبعَ عشرةَ ومائةٍ، وهوَ ابنُ ثلاثٍ وستّينَ سنةً، ودفنَ بالبقيعِ في البقعةِ التي دفنَ فيها أبوهُ وعمُّ أبيهِ الحسنُ بنُ عليٍّ بن أبي طالبٍ، وسمّيَ الباقرَ لأنّهُ تبقَّرَ في العلمِ، أي: توسَّعَ فيه، انتهَى من جامعِ الأصولِ.

(وحوَّلَ رداءَه ليتحوَّلَ القحطُ) وقالَ ابنُ العربي

(3)

: هوَ أمارةٌ بينَه وبينَ ربِّهِ. قيلَ لهُ: حوّلْ رداءَك ليتحوّلَ حالكُ، وتُعُقِّبَ قولُه هذا [بأنهُ]

(4)

يحتاجُ إلى نقل، واعترضَ ابنُ العربي للقولِ بأنَّ التحويلَ للتفاؤلِ، قالَ: لأنَّ من شرطِ الفأل أنْ لا يقصدَ إليهِ، وقالَ المصنفُ

(5)

: إنهُ وردَ في التفاؤلِ حديثٌ رجالُه ثقاتٌ، قالَ المصنّفُ في الفتحِ: إنهُ أخرجهُ الدارقطنيُّ

(6)

، والحاكمُ

(7)

من طريقِ جعفرِ بن محمدٍ عن أبيهِ، عن جابرٍ فوصلَه، لأنَّ محمدَ بنَ علي لقي جابرًا ورَوَى عنه إلَّا أنهُ قال: إنه رجَّح الدارقطني إرساله، ثم قال: وعلى كل حالٍ فهو أولى من القولِ بالظنِّ.

وقولُه في الحديثِ الأولى: (جهرَ فيهما بالقراءة) في بعضِ رواياتِ البخاريِّ: "يجهرُ". ونقلُ ابنُ بطالٍ إنهُ مجمعٌ عليهِ، أي: على الجهرِ في صلاةِ الاستسقاءِ، وأخذَ منهُ بعضُهم أنَّها لا تصلَّى إلَّا في النهارِ ولو كانتْ تصلَّى في الليلِ لأسرَّ فيها نهارًا ولجهرَ فيها ليلًا، وفي هذا الأخذِ بُعْدٌ لا يَخْفَى.

‌استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة

5/ 483 - وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ عز وجل يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا"، فَذَكَرَ

(1)

في (ب): "الحسن".

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في "عارضة الأحوذي"(3/ 33).

(4)

في (أ): "أنه".

(5)

في "الفتح"(2/ 499).

(6)

في "السنن"(2/ 66 رقم 2).

(7)

في "المستدرك"(1/ 326) وقال: صحيح الإسناد، وقال الذهبي: غريب عجيب صحيح.

ص: 225

الْحَدِيثَ. وَفِيهِ الدُّعاءُ بِإِمْسَاكِها. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

‌كتاب الصلاة

(وعن أنسٍ أن رجلًا دخلَ المسجدَ يومَ الجمعةِ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطبُ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، هلكتِ الأموالُ وانقطعتِ السُّبُل، فادعُ اللَّهَ عز وجل يغيثُنا، فرفعَ يَدَيْهِ) زادَ البخاريُّ في روايةٍ: "ورفعَ الناسُ أيديَهم"، ثمَّ قالَ:(اللَّهمَّ أغِثْنَا)، وفي البخاري: أسْقِنَا، (اللَّهمّ أغِثْنا. فذكرَ الحديثَ، وفيهِ الدعاءُ بإمساكِها)، أي: السحابِ عن الأمطارِ (متفقٌ عليهِ).

تمامُه [في]

(2)

مسلمٍ

(3)

: "قالَ أنسٌ: فلا واللَّهِ ما نرى في السماءِ من سحابٍ ولا قزعةٍ

(4)

، وما بينَنا وبينَ سلعٍ

(5)

من بيتٍ ولا دارٍ. قالَ: فطلعتْ من ورائهِ سحابةٌ مثلُ الترسِ، فلما توسَّطتِ السماءَ انتشرتْ ثمَّ أمطرتْ. قالَ: فلا واللَّهِ ما رأينا الشمسَ سبتًا، ثم دخلَ رجلٌ من ذلكَ البابِ في الجمعةِ المقبلةِ، ورسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطبُ، فاستقبلَهُ قائمًا فقال: يا رسولَ اللَّهِ هلكتِ الأموالُ وانقطعتِ السبلُ، فادعُ اللَّهَ يمسكُها عنَّا. قالَ: فرفعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يديهِ ثمَّ قالَ: "اللَّهمَّ حوالَيْنا ولا علينا، اللَّهمَّ على الآكامِ، والظرابِ، وبطونِ الأوديةِ، ومنابتِ الشجرِ". قالَ: فانقلعتِ وخرجنا نمشي في الشمس. قالَ شريكٌ: فسألتُ أنسَ بنَ مالكٍ أهوَ الرجلُ الأولُ؟ قالَ: لا أدري"، انتهى.

قالَ المصنفُ

(6)

: لم أقفْ على تسميتهِ في حديثٍ أنسٍ. وهلاكُ الأموالِ يعمُّ المواشي والأطيانَ، وانقطاعُ السُّبلِ عبارةٌ عن عدمِ السفرِ لضعفِ الإبلِ بسببِ عدمِ المراعي والأقواتِ، أو لأنهُ لما نفدَ ما عندَ الناسِ مِنَ الطعامِ لم يجدُوا ما يحملونهُ إلى الأسواقِ.

(1)

البخاري (1014)، ومسلم (8/ 897).

قلت: وأخرجه البغوي (4/ 412 رقم 1166)، وأبو داود (1174)، والنسائي (3/ 154 رقم 1504)، ومالك (1/ 191 رقم 3).

(2)

في (ب): "من".

(3)

رقم (8/ 897).

(4)

هي القطعة من السحاب، وجماعتها قزع، كقصبة وقصب. قال أبو عبيد: وأكثر ما يكون ذلك في الخريف.

(5)

هو جبل بقرب المدينة.

(6)

في "الفتح"(2/ 501).

ص: 226

وقولُه: (يغيثُنا) يحتملُ فتحُ حرفِ المضارعةِ على أنهُ مِنْ غاثَ إمّا منَ الغيثِ أو الغوثِ، ويحتملُ ضمُّه على أنهُ مِنَ الإغاثةِ، ويرجحُ هذا قولُه:"اللَّهمّ أغِثْنا"، وفيهِ دلالةٌ على أنهُ يدعَى إذا كثرَ المطرُ؛ وقد بوبَ لهُ البخاري

(1)

: (بابُ الدعاءِ إذا كثرَ المطرُ)، وذكرَ الحديثَ، وأخرجَ الشافعيُّ في مسندهِ

(2)

وهو مرسلٌ من حديثٍ المطلبِ بن حنطبٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ عندَ المطرِ: "اللَّهمّ سُقْيا رحمةٍ، لا سُقْيا عذابٍ، ولا بلاءٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، اللَّهمّ على الظرابِ، ومنابتِ الشجرِ، اللَّهمَّ حوالَيْنا ولا علَيْنا".

‌التوسل بدعاء الأحياء مشروع

6/ 484 - وَعَنْهُ أَنَّ عمَر صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قُحِطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَسْقِي إِلَيْكَ بِنَبِيّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، فَيُسْقَوْنَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(3)

. [صحيح]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه أن عمرَ كانَ إذا قُحِطُوا) بضمِّ القافِ وكسرِ المهملةِ، أي: أصابَهم القحط (استسقَى بالعباس بن عبدِ المطلبِ، وقالَ) أي: عمرُ: (اللَّهمّ إنَّا كنَّا نستسقي إليك بنبيِّنا فتسقينَا، وإنّا نتوسّلُ إليكَ بعمِّ نبيِّنا، فاسْقِنَا فيُسْقَوْنَ. رواهُ البخاريُّ).

وأمّا العباسُ رضي الله عنه فإنهُ قالَ: "اللَّهمّ إنهُ لم ينزلْ بلاءٌ من السماءِ إلَّا بذنبٍ، ولم ينكشفْ إلَّا بتوبةٍ. وقدْ توجَّهتْ بيَ القومُ إليكَ لمكاني من نبيّك، وهذهِ أيدينا إليكَ بالذنوبِ، ونواصينَا إليكَ بالتوبةِ، فاسقِنا الغيثَ. فأرختِ السماءُ مثلَ الجبالِ حتَّى أخصبتِ الأرضُ"، أخرجهُ الزبيرُ بنُ بكارٍ في الأنسابِ

(4)

، وأخرج أيضًا

(5)

من حديثٍ ابن عمرَ أن عمرَ استسقَى بالعباسِ عامَ الرَّمادةِ وذكرَ الحديثَ.

(1)

في "صحيحه"(2/ 512 رقم الباب 14).

(2)

في "بدائع المنن"(1/ 198 رقم 529)، وهو ضعيف.

(3)

في "صحيحه"(2/ 494 رقم 1010) ورقم (371).

(4)

ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"(2/ 497).

(5)

ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"(2/ 497).

ص: 227

وذكرَ البارزيُّ أن عامَ الرَّمادةِ كانَ سنةَ ثماني عشرةَ، والرَّمادةُ بفتحِ الراءِ، وتخفيفِ الميمِ، سمِّيَ العامُ بها لما حصلَ من شدَّةِ الجدب فاغبرّتِ الأرضُ جدًّا من عدمِ المطرِ. وفي هذه القصةِ دليلٌ على [الاستسقاء]

(1)

بأهلِ الخيرِ والصلاحِ وبيتِ النبوّةِ

(2)

، وفيهِ فضيلةُ العباسِ وتواضعُ عمرَ، ومعرفتهُ لحقّ أهلِ البيتِ صلَّى اللَّهُ عليهم.

7/ 485 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَنَا - وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، وَقَالَ:"إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدِ بِرَبِّهِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وعن أنسٍ [أيضًا]

(4)

قالَ: أصابَنا ونحنُ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مطرٌ فحسرَ ثوبَهُ) أي: كشفَ بعضَه عن بدنهِ (حتَّى أصابهُ منَ المطرِ، وقالَ: إنهُ حديثُ عهدِ بربِّه. رواهُ مسلمٌ). وبوّبَ له البخاريُّ

(5)

فقالَ: بابُ مَنْ يُمطرُ حتَّى يتحادرَ عن لحيتهِ، وساقَ حديثَ أنسٍ بطولهِ. وقولُه:"حديثُ عهد بربِّهِ"، أي: بإيجادِ ربهِ إياه

(6)

، يعني أن المطرَ رحمةٌ وهي قريبةُ العهدِ بخلقِ اللَّهِ لها فيتبرّكُ بها، وهوَ دليلٌ على استحبابِ ذلكَ.

8/ 486 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ، قَالَ:"اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا"، أَخْرَجَاهُ

(7)

[صحيح]

(1)

في (ب): "الاستشفاع".

(2)

أي: في حال حياتهم، وأما بعد الموت فلا يتناوله الحديث، وقياس حال الموت على حال الحياة من قياس الشيء على ضدّه.

(3)

في "صحيحه"(2/ 615 رقم 13/ 898).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(4/ 424 رقم 1171)، وأبو داود في "السنن"(5100)، والحاكم (4/ 285) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. قلت: وهذا وهم منه رحمه الله.

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في "صحيحه"(2/ 519 رقم الباب 24).

(6)

هذا تأويل يخالف مذهب السلف في مثل هذا.

(7)

البخاري (1032)، وأخرجه مسلم بمعناه (899). =

ص: 228

(وعن عائشةَ رضي الله عنها أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا رأى المطرَ قالَ: "اللَّهمَّ صيِّبًا نافعًا. أخرجاهُ) أي: الشيخانِ، وهذا خلافُ عادةِ المصنّفِ، فإنهُ يقولُ فيما أخرجاهُ: متفقٌ عليهِ، والصيِّبُ: مِنْ صابَ المطرُ: إذا وقعَ، ونافعًا: صفةٌ مقيدةٌ احترازًا عن الصيِّبِ الضارِّ.

9/ 487 - وَعَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا فِي الاسْتِسْقَاءِ: "اللَّهُمَّ جَلِّلْنَا سَحَابًا، كثِيفًا، قَصِيفًا، دَلُوقًا، ضَحُوكًا، تُمْطِرُنَا مِنْهُ رُذَاذًا، قِطْقِطًا، سَجْلًا، يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ"، رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ

(1)

. [ضعيف]

(وعن سعدٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دعا في الاستسقاء: "اللَّهمّ جَلِّلْنا) بالجيمِ: مِنَ التجليلِ، والمرادُ تعميمُ الأرضِ (سحابًا كثيفًا) بفتحِ الكافِ، فمثلثةٍ، فمثناةٍ، تحتيةٍ ففاءٍ، أي: متكاثفًا متراكمًا (قصيفًا) بالقافِ المفتوحةِ فصادٍ مهملةٍ، فمثناةٍ تحتيةٍ ففاءٍ، وهوَ ما كانَ رعدُه شديدَ الصوتِ وهوَ من أماراتِ قوةِ المطرِ (دَلوقًا) بفتحِ الدالِ المهملةِ، وضمِّ اللامِ، وسكونِ الواوِ، فقافٍ، يقالُ: خيلٌ دلوقٌ، أي: مندفعةٌ شديدةُ الدفعةِ، ويقالُ: دلقَ السيلُ على القوم: هجمَ، (ضحوكًا) بفتحِ أولهِ بزنةِ فعولٍ، أي: ذاتَ برقٍ (تمطرُنا مئة رُذاذًا) بضمِّ الراءِ، فذالٍ معجمةٍ، فأخرى مثلُها: هو ما كانَ مطرهُ دونَ الطشِّ، (قِطْقِطًا) بكسرِ القافينِ، وسكونِ الطاءِ الأُولى: قال أبو زيدٍ: القطقطُ أصغرُ المطرِ، ثمَّ الرذاذُ وهوَ فوقَ القطقطِ، ثمَّ الطشُّ وهو فوقَ الرذاذِ (سجلًا) مصدرُ سجلتُ الماءُ سجلًا إذا صببتُه صبًّا، وصفَ بهِ السحابُ مبالغةً في كثرةِ ما يصبُّ منها منَ الماءِ، حتَّى كأنَّها نفسُ المصدرِ (يا ذا الجلالِ والإكرام. رواة أبو عوانةَ في صحيحهِ).

= قلت: وأخرجه النسائي (3/ 164 رقم 1523)، وابن ماجه (3890)، وأحمد (6/ 41)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 361)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (304)، وأبو داود (5099).

(1)

عزاه إليه الحافظ كما في "التلخيص"(2/ 99) وقال: "وفيه ألفاظ غريبة كثيرة، أخرجه أبو عوانة بسند واهٍ" اهـ. ثم ذكر الحافظ عدّة روايات في الباب ثم قال: "فهذه الروايات عن عشرة من الصحابة غير ابن عمر، يعطي مجموعها أكثر ما في حديثه" اهـ. والخلاصة: فالحديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 229

وهذانِ الوصفانِ نطقَ بهما القرآنُ، وفي التفسيرِ: أي: الاستغناءِ المطلقِ والفضلِ التامِّ. وقيلَ: الذي عندَهُ الإجلالُ والإكرامُ للمخلصينَ من عبادهِ، وهما من عظائمِ صفاتهِ تعالى، ولذا قالَ صلى الله عليه وسلم: "ألِظُّوا

(1)

بياذا الجلالِ والإكرامِ"

(2)

، ورُوِيَ أنهُ صلى الله عليه وسلم مرُّ برجلٍ وهو يصلّي ويقولُ: يا ذا الجلالِ والإكرامِ، فقالَ: قدِ استجيبَ لكَ

(3)

.

10/ 488 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَرَجَ سُلَيمَانُ عليه السلام يَسْتَسْقِي، فَرَأَى نَمْلَةً مُسْتَلْقِيَةً عَلَى ظَهْرِهَا رَافِعَةً قَوَائِمَهَا إِلَى السَّمَاءِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، لَيسَ بِنَا غِنًى عَنْ سُقْيَاكَ، فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(4)

وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ

(5)

. [ضعيف]

(1)

إلزموا هذا الدعاء.

(2)

أخرجه الترمذي (3524) من طريق الرحيل بن معاوية عن الرقاشي عن أنس به. قال الترمذي: هذا حديث غريب. قلت: يزيد الرقاشى ضعيف.

وأخرجه الترمذي (3525) من طريق المؤمل عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس به.

قال الترمذي: "هذا حديث غريب وليس بمحفوظ، وإنما يُروى هذا عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح، ومؤمل غلط فيه فقال عن حماد عن حميد عن أنس ولا يُتابع فيه" اهـ.

وانظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 170 رقم 2003) و (2/ 192 رقم 2069)، وله شاهد من حديث عامر بن ربيعة أخرجه أحمد (4/ 177)، والحاكم (1/ 498 - 499)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 280)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1/ 402 - 403)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(3)

أخرجه أحمد في "المسند"(5/ 235 - 236)، وأورده الحافظ في "الفتح"(11/ 225) وعزاه للترمذي.

(4)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 97 رقم 718)، وتعقبه الألباني في "الإرواء" (3/ 138) بقوله:"فهذا بظاهره يدل على أن الحديث مرفوع عند أحمد، وأنه في مسنده كما يشعر به إطلاق العزو إليه. وما أظن ذلك صوابًا، فلم يورده الهيثمي في "المجمع" ولا عزاه إليه السيوطي في "الجامع الكبير" وقد ذكره (1/ 20/ 1) من رواية الحاكم وأبي الشيخ في "العظمة" والخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة، فلعل الحديث في بعض كتب أحمد الأخرى

" اهـ.

(5)

في "المستدرك"(1/ 325 - 326)، و"الدارقطني"(2/ 66 رقم 1) من حديث أبي هريرة. =

ص: 230

(وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: خرجَ سليمانُ يستسقي فرأى نملةً مستلقيةً على ظهرِها، رافعةً قوائمَها إلى السماءِ، تقولُ: اللَّهمَّ إنَّا خلقٌ من خلقكَ، ليسَ بنا غِنىً عن سقياكَ، فقالَ: ارجعُوا فقدْ سقيتمْ بدعوةِ غيرِكم. رواهُ أحمدُ، وصحَّحَهُ الحاكمُ)، فيهِ دلالةٌ على أن الاستسقاءَ شرعٌ قديمٌ، والخروجَ له كذلكَ، وفيهِ أنهُ يحسنُ إخراجُ البهائمِ في الاستسقاءِ، وأنَّ لها إدراكًا [فيما]

(1)

يتعلقُ بمعرفةِ اللَّهِ، ومعرفةً بذكرهِ وتطلبُ الحاجاتِ منهُ، وفي ذلكَ قصصٌ يطولُ ذكرُها، وآيات من كتابِ اللَّهِ دالّة على ذلكَ، وتأويلُ المتأوّلينَ لها لا ملجأ لهُ.

11/ 489 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقَى فأشارَ بظهرِ [كفَّيْهِ]

(3)

إلى السماءِ. أخرجهُ مسلمٌ).

فيه دلالةٌ أنهُ إذا أريدَ بالدعاءِ رَفْعُ البلاءِ فإنهُ يرفعُ يديهِ ويجعلُ ظهرَ كفيهِ إلى السماءِ، وإذا دعا بسؤالِ شيءٍ وتحصيلهِ جعلَ بطنَ كفّيهِ إلى السماءِ.

وقد وردَ صريحًا في حديثٍ خلادِ بن السائبِ عن أبيهِ

(4)

: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم

= وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وفيه محمد بن عون وأبوه لم يجد الألباني ترجمة لهما وقال: الغالب في مثلهما الجهالة. نعم قد روى الحديث من غير طريقهما أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 373)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(12/ 65)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(7/ 297/ 1) بسند ضعيف، وله علتان.

(الأولى): سلامة بن رَوح، قال الحافظ في "التقريب" (1/ 343 رقم 622): صدوق له أوهام، وقيل: لم يسمع من عمّه عقيل بن خالد، وإنما يحدث من كتبه.

(الثانية): محمد بن عُزَيْز قال الحافظ في "التقريب"(2/ 191 رقم 528)"فيه ضعف، وقد تكلّموا في صحة سماعه من عمه سلامة".

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في "صحيحه"(2/ 612 رقم 6/ 896).

(3)

في (ب): "كفِّه".

(4)

أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 56) من حديث خلاد بن السائب.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 168) وقال: رواه أحمد مرسلًا وإسناده حسن.

ص: 231

كانَ إذا سألَ جعلَ بطنَ كفيهِ إلى السماءِ، وإذا استعاذَ جعلَ ظهرَهما إليها"، وإنْ كان قد وردَ من حديثٍ ابن عباسٍ

(1)

: "سَلُوا اللَّهَ ببطونِ أكفِّكم ولا تسألوهُ بظهرِها"، وإنْ كانَ ضعيفًا، فالجمعُ بينَهما أن حديثَ ابن عباسٍ يختصُّ بما إذا كانَ السؤالُ بحصولِ شيءٍ لا لدفعِ بلاءٍ.

وقد فُسِّرَ قولُه تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}

(2)

، أن الرَّغَبَ بالبطونِ والرَّهَبَ بالظهورِ.

* * *

(1)

أخرجه أبو داود (1485) وقال: روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضًا. قلت: لأن فيه راويًا مجهولًا وهو الذي رواه عن محمد بن كعب القرظي.

والخلاصة: فالحديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

سورة الأنبياء: الآية 90.

ص: 232

[الباب السابع عشر] بابُ اللباسِ أي ما يحلُّ منهُ وما يحرمُ

1/ 490 - عَنْ أَبِي عَامِرٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالْحَرِيرَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

، وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ

(2)

. [صحيح]

(وعن أبي عامرٍ الأشعريِّ) قالَ في الأطرافِ

(3)

: اختُلِفَ في اسمهِ، فقيلَ: عبدُ اللَّهِ بنُ هانئٍ، وقيلَ: عبدُ اللَّهِ بنُ وهب، وقيلَ: عبيدُ بنُ وهبٍ، وبقي إلى خلافةِ عبدِ الملكِ بن مروانِ، سكنَ الشامَ، وليسَ بعمِّ أبي موسى الأشعريِّ، ذلكَ قتلَ أيامَ حنينٍ في حياةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم واسمُه عبيدُ بنُ سليمٍ.

(قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ليكُونَنَّ من أمتي أقوامٌ يستحلونَ الحِرَ) بالحاءِ والراءِ المهملتينِ، والمرادُ بهِ استحلالُ الزَّنى، وبالخاءِ والزاي المعجمتينِ (والحريرَ. رَوَاة أَبو دَاوُدَ، وأَصْلُهُ في البخاريِّ)، وأخرجهُ البخاريُّ تعليقًا.

والحديثُ دليلٌ على تحريمِ لباسِ الحريرِ؛ لأنَّ قوله: يستحلُّونَ بمعنى: يجعلُونَ الحرامَ حلالًا، ويأتي الحديثُ [الثاني]

(4)

وفيهِ التصريحُ بذلكَ. وفي

(1)

في "السنن"(4/ 319 رقم 4039).

(2)

وأخرجه البخاري تعليقًا (5590) وهو حديث صحيح، وانظر ما قاله الشيخ شعيب في "الإحسان"(15/ 154 - 155 رقم 6754).

(3)

(9/ 229).

(4)

رقم (2/ 491)، وما بين الحاصرتين زيادة من (ب).

ص: 233

الحديثِ دليلٌ أن استحلالَ المحرَّمِ لا يخرجُ فاعلَه [منْ]

(1)

مسمَّى الأمةِ، كذا قيل.

قلت: ولا يَخْفَى ضعفُ هذا القولِ؛ فإنَّ مَنْ استحلَّ محرَّمًا، أي: اعتقدَ حلَّهُ فإنهُ قد كذَّبَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم الذي أخبرَ أنهُ حرامٌ، فقولُه بحلِّه ردٌّ لكلامهِ وتكذيبٌ، وتكذيبُه كفرٌ فلا بدَّ من تأويلِ الحديثِ بأنهُ أرادَ أنهُ منَ الأمةِ قبلَ الاستحلالِ، فإذا استحلَّ خرجَ عن مسمَّى الأمةِ، ولا يصحُّ أنْ يرادَ بالأمةِ هنا أمةُ الدعوةِ لأنَّهم مستحلّونَ لكلِّ ما حرَّمهُ لا لهذا بخصوصهِ.

وقدِ اختُلِفَ في ضبطِ [هذه اللفظة]

(2)

في الحديثِ، فظاهرُ إيرادِ المصنفِ [لهُ]

(3)

في اللباسِ أنهُ يختارُ أنَّها بالخاءِ المعجمةِ، والزاي، وهوَ الذي نصَّ عليهِ الحميديُّ، وابنُ الأثير

(4)

في هذا الحديثِ، وهوَ ضربٌ من ثيابِ الابريسمِ معروفٌ، وضبَطَهُ أبو موسى بالحاءِ والراءِ المهملتينِ، قالَ ابنُ الأثيرِ في النهايةِ: والمشهورُ في هذا الحديثِ على اختلافِ طرقهِ هوَ الأولُ، وإذا كانَ هوَ المرادَ من الحديثِ فهوَ الخالصُ منَ الحريرِ، وعطفُ الحريرِ عليهِ من عطفِ العامِّ على الخاصِّ، لأنَّ الخزَّ ضربٌ منَ الحريرِ، وقد يطلقُ الخزُّ على ثيابِ تُنْسَجُ منَ الحريرِ والصوفِ، ولكنهُ غيرُ مرادٍ هنا لما عرفَ منْ أن هذا النوعَ حلالٌ، وعليهِ يحملُ ما أخرجهُ أبو داودَ

(5)

عن عبدِ اللَّهِ بن سعدٍ الدشتكي

(6)

، عن أبيهِ سعدٍ قالَ:"رأيتُ ببخارى رجلًا على بغلةٍ بيضاءَ، عليهِ عمامةُ خزٍّ سوداءُ، قالَ: كسانيها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"، وأخرجهُ [الترمذي]

(7)

، والنسائي

(8)

، وذكرهُ البخاريُّ

(9)

، ويأتي [من]

(10)

حديث عمرَ

(11)

بيانُ ما يحلُّ من غيرِ الخالصِ.

(1)

في (أ): "عن".

(2)

في (أ): "هذا اللفظ".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في "النهاية"(2/ 28).

(5)

في "السنن"(4/ 318 رقم 4038).

(6)

الدَّشْتكي: بفتح الدال وسكون الشين - ودشتك: قرية بالري، ودشتك أيضًا: محلة بأسترآباد، ودشتك أيضًا: قرية من قرى أصبهان.

(7)

في "السنن"(5/ 425 رقم 3321) وما بين الحاصرتين زيادة من (أ).

(8)

في "السنن الكبرى"(5/ 476 رقم 9638/ 1) بسند ضعيف.

وانظر كلام المنذري في "المختصر"(6/ 27 - 28).

(9)

في "التاريخ الكبير"(4/ 67 رقم 1983). وقال عبد الرحمن: نراه ابن خازم السلمي.

(10)

في (أ): "في".

(11)

رقم (3/ 492).

ص: 234

‌تحريم الجلوس على الحرير

2/ 491 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(1)

. [صحيح]

[وعن حذيفةَ رضي الله عنه قالَ: نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نشربَ في آنيةِ الذهب والفضةِ، وإنْ نأكلَ فيها) تقدمَ الحديثُ عن حذيفةَ بلفظِ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تشربُوا في آنيةِ الذهبِ والفضةِ" الحديثَ. فقولُه هنا: "نَهَى" إخبارٌ عن ذلكَ اللفظِ الذي تقدمَ، وتقدمَ الكلامُ فيهِ، (وعن لبسِ الحريرِ والديباجِ، وأنْ نجلسَ عليهِ. رواهُ البخاري) أي: وَنَهَى عن لُبْسِ الحريرِ، والنهيُ ظاهرٌ في التحريمِ، وإلى تحريمِ لبسِ الحريرِ ذهبَ الجماهيرُ منَ الأمةِ على الرجالِ دونَ النساءِ، وحكَى القاضي عياضٌ عن قومٍ إباحتَه، ونسبَ في البحرِ

(2)

إباحته إلى ابن عليةَ وقالَ: إنهُ انعقدَ الإجماعُ بعدَه على التحريمِ ولكنْ قال المصنفُ في الفتحِ: قد ثبتَ لبسُ الحريرِ عن جماعةٍ مِنَ الصحابةِ وغيرهم. قالَ أبو داودَ

(3)

: لبسهُ عشرونَ منَ الصحابةِ وأكثرُ، رواهُ ابنُ أبي شيبةَ عن جمعٍ منهمْ

(4)

.

[وقدْ]

(5)

أخرجَ ابنُ أبي شيبةَ

(6)

من طريقِ عمارٍ بن أبي عمارٍ قالَ: "أتتْ مروانَ بنَ الحكمِ مطارفُ خزٍّ فكسَاها أصحابَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"، قالَ: والأصحُّ في تفسيرِ الخزِّ أنهُ ثياب سُدَاها من حريرٍ ولُحْمَتُهَا من غيرِهِ، وقيلَ: تنسجُ مخلوطةً من حريرٍ وصوفٍ أو نحوهِ، وقيلَ: أصلُهُ اسمُ دابةٍ يقالُ لها: الخزُّ، فسمِّيَ الثوبُ المُتَّخَذُ مِنْ [وبره]

(7)

خزًا [لنعومته]

(8)

، ثمَّ أطلقَ على ما خلطَ بحريرٍ كنعومةِ الحريرِ، إذا عرفتَ هذا فقد يحتملُ أن الذي لبسهُ الصحابةُ في روايةٍ

(1)

في "صحيحه"(10/ 291 رقم 5837).

(2)

(4/ 356).

(3)

في "السنن"(4/ 319).

(4)

"المصنف"(8/ 151 - 156 رقم 4675 - 4694).

(5)

في (أ): "وقال".

(6)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح" كما في "المصنف"(8/ 157 رقم التعليقة 1).

(7)

في (أ): "وبرها".

(8)

زيادة من (ب).

ص: 235

أبي داودَ كانَ منَ الخزِّ، وإنْ كانَ ظاهرُ عبارتهِ [يأبى]

(1)

ذلكَ.

وأما القزُّ بالقاف بدلَ الخاءِ [المعجمةِ]

(2)

، فقالَ الرافعيُّ: إنهُ عندَ الأئمةِ منَ الحريرِ فحرَّموهُ على الرجالِ أيضًا، والقولُ بحلِّهِ [وحلِّ]

(3)

الحريرِ للنساءِ قولُ الجماهيرِ إلَّا ابنُ الزبيرِ، فإنهُ أخرجَ مسلمٌ

(4)

عنهُ "أنهُ خطبَ فقالَ: لا تُلْبِسُوا نساءَكم الحريرَ، فإني سمعتُ عمرَ بنَ الخطابِ يقولُ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا تلبسُوا الحريرَ"، فأخذَ بالعمومِ إلَّا أنهُ انعقدَ الإجماعُ على حلِّ الحريرِ للنساءِ، [فأمَّا]

(5)

الصبيانُ منَ الذكورِ فيحرمُ عليهم أيضًا عندَ الأكثر لعمومِ قولهِ صلى الله عليه وسلم: "حرامٌ على ذكورِ أمّتي"

(6)

، وقالَ محمدُ بنُ الحسنِ: يجوزُ لباسُهم، وقالَ أصحابُ الشافعيِّ: يجوزُ لباسُهم الحلي والحريرَ في يومِ العيدِ، لأنهُ لا تكليفَ عليهمْ، ولهمْ في غيرِ يومِ العيدِ ثلاثةُ أوجهٍ، أصحُّها جوازُهُ.

وأمّا الديباجُ، فهوَ ما غلظَ من ثيابِ الحريرِ، وعَطْفُهُ عليهِ من عطفِ الخاصِّ على العامِّ.

وأمّا الجلوسُ على الحريرِ، فقد أفادَ الحديثُ النهيَ عنهُ إلَّا أنهُ قالَ المصنفُ في الفتحِ

(7)

: إنهُ قد أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ حديثَ حذيفةَ من غيرِ وجهٍ، وليسَ فيهِ هذهِ الزيادةُ وهي قولُه:"وأنْ نجلسَ عليهِ"، قالَ: وهي حجةٌ قويةٌ لمنْ قالَ بمنعِ الجلوسِ على الحريرِ، وهوَ قولُ الجمهورِ خلافًا لابنِ الماجشونِ، والكوفيينَ، وبعضِ الشافعيةِ.

(1)

في (أ): "تأبى".

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (أ): "أي بحل".

(4)

في "صحيحه"(3/ 1641 رقم 11/ 2069).

(5)

في (أ): "وأما".

(6)

أخرجه أحمد (1/ 115)، وأبو داود (4057)، والنسائي (8/ 160 رقم 5145)، وابن ماجه (3595)، وابن حبان في "الموارد" رقم (1465) من حديث علي.

ورجال إسناده ثقات غير أبي أفلح الهمداني، وثّقه ابن حبان، وقال ابن القطان: مجهول.

لكن للحديث شاهد من حديث أبي موسى، وشاهد آخر من حديث ابن عباس، وشاهد ثالث من حديث ابن عمر، انظر: تخريجها في "غاية المرام" للألباني (رقم 77).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بشواهده، والله أعلم.

(7)

(10/ 292).

ص: 236

وقالَ بعضُ الحنفيةِ: في الدليلِ على عدمِ تحريمِ الجلوسِ على الحرير، أن قولَهُ:"نَهَى" لَيْسَ صريحًا في التحريمِ، وقالَ بعضُهم: إنهُ يحتملُ أنْ يكونَ المنعُ وردَ عن مجموعِ اللبسِ والجلوسِ لا الجلوسِ وحدَه، قلتُ: ولا يخفَى تكلّفُ هذا القائلِ، والإخراجِ عن الظاهرِ بلا حاجةٍ، وقالَ بعضُ الحنفيةِ

(1)

: يدارُ الجوازُ والتحريمُ على اللبسِ لصحةِ الأخبارِ فيهِ، والجلوسُ ليسَ بلبسٍ، واحتجَّ الجمهورُ على أنهُ يُسمَّى الجلوسُ لبسًا بحديثِ أنسٍ [في الصحيحينِ]

(2)

: "فقصتُ إلى حصيرٍ لنَا قد أسودَّ منْ طولِ ما لُبِسَ"، ولأنَّ لبسَ كلَّ شيءٍ بحسبِهِ.

وأمّا افتراشُ النساءِ للحريرِ، فالأصلُ جوازُه، وقد أحلَّ لهنَّ لبسُهُ ومنهُ الافتراشُ، ومَنْ قالَ بمنعهِنَّ عن افتراشِهِ فلا حجّةَ لَهُ. واختلفَ في علّةِ تحريمِ الحريرِ على قولينِ:

الأولُ: الخُيلاءُ.

والثاني: كونُه لباسَ رفاهيةٍ وزينةٍ تليقُ بالنساءِ دونَ شهامةِ الرجالِ.

‌مقدار ما يباح من الحرير

3/ 492 - وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَع. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ

(4)

. [صحيح]

(وعن عمرَ رضي الله عنه قالَ: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن لبسِ الحريرِ إلَّا موضعَ إصبعينِ، أو ثلاثٍ أو أربعٍ. متفقٌ عليهِ، واللفظُ لمسلمٍ). قالَ المصنفُ: "أوْ" هنا للتخييرِ والتنويعِ.

وقد أخرجَ الحديثَ ابنُ أبي شيبةَ

(5)

من هذا الوجهِ، بلفظِ: "إنَّ الحريرَ لا

(1)

انظر: "ملتقى الأبحر" لإبراهيم بن محمد الحلبي (2/ 232 - 233). وقال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 227): يشكل على المذهب - أي الحنفية - حديث حذيفة" اهـ.

(2)

البخاري (رقم 373 - البغا)، ومسلم رقم (658)، وما بين الحاصرتين زيادة من (أ).

(3)

أخرجه البخاري (5829)، ومسلم (12/ 2069)، وأبو داود (4042)، والترمذي (1722)، والنسائي (8/ 202)، وابن ماجه (3593).

(4)

في "صحيحه"(3/ 1643 رقم 15/ 2069).

(5)

في "المصنف"(8/ 169 رقم 4733).

ص: 237

يصلُحُ إِلَّا هكَذَا أوْ هَكَذَا"، يعني: أُصبعينِ أو [ثلاثًا، أو أربعًا]

(1)

، ومَنْ قالَ: المرادُ أنْ يكونَ في كل كمِّ أصبعانٍ فإنهُ يردُّهُ روايةُ النسائيِّ

(2)

: "لم يرخصْ في الديباجِ إلَّا في موضعِ أربعِ أصابعَ"، وهذا [أي]

(3)

الترخيصُ في الأربعِ الأصابعِ مذهبُ الجمهورِ، وعن مالكٍ في روايةٍ منَعُهُ وسواءٌ كانَ منسوجًا أو ملصقًا، ويقاسُ عليهِ الجلوسُ، وقدَّرتِ الهادويةُ الرخصةَ بثلاثِ أصابعَ، ولكنَّ هذا الحديثَ نصَّ في الأربعِ.

‌لبسُ الحرير لعذر

4/ 493 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ، فِي سَفَرٍ، مِنْ حِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

. [صحيح]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رخَّصَ لعبدِ الرحمنِ بن عوفِ والزبيرِ في قميصِ الحريرِ في سفرِ من حكةٍ) بكسرِ الحاءِ المهملةِ، وتشديدِ الكافِ، نوعٌ منَ الجربِ، وذكرَ الحكّةَ مثلًا لا قيدًا، أي: مِنْ أجلِ حكّةٍ، فمِنْ للتعليلِ، (كانتْ بهما. متفقٌ عليهِ)، وفي رواية

(5)

أنَّهما "شكَوْا إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم القملَ، فرخَّصَ لهما في قميصِ الحريرِ في غزاةٍ لهما".

قالَ المصنفُ في الفتحِ

(6)

: يمكنُ الجمعُ بأنَّ الحكّةَ حصلتْ من القملِ، فنسبتِ العلةُ تارةً إلى السببِ، وتارةً إلى سببِ السببِ. وقد اختلفَ العلماءُ في جوازِهِ للحكّةِ وغيرِها. فقالَ الطبريُّ: دلّتِ الرخصةُ في لبسهِ للحكّةِ على أن مَنْ قصدَ بلبسهِ دفعَ ما هو أعظمُ مِنْ أذَى الحكةِ، كدفعِ السلاحِ ونحوِ ذلكَ، فإنهُ يجوزُ، والقائلونَ بالجوازِ لا يخصُّونَهُ بالسفرِ، وقالَ البعضُ منَ الشافعيةِ: يختصُّ بهِ، وقالَ القرطبي: الحديثُ حجةٌ على مَنْ منع إلَّا أنْ يدَّعيَ الخصوصيةَ بالزبيرِ،

(1)

في (أ): "ثلاث أو أربع"، وفي "المصنف":"ثلاثة أو أربعة".

(2)

في "السنن"(8/ 202).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

البخاري (5839)، ومسلم (25/ 2076). قلت: وأخرجه أبو داود (4056)، والترمذي (1722)، وابن ماجه (3592)، والنسائي (8/ 202).

(5)

البخاري (2920).

(6)

(6/ 101).

ص: 238

وعبد الرحمنِ، ولا تصحُّ تلكَ الدَّعوى، وقالَ مالكٌ وأبو حنيفةَ: لا يجوزُ مطلقًا، وقالَ الشافعي بالجوازِ للضرورةِ، ووقعَ في كلام الشارحِ تبعًا للنوويّ أن الحكمةَ في لبسِ الحريرِ للحكةِ لما فيهِ مِنَ البرودةِ، وتعقَّبَ بأنَّ الحرير حادٌّ فالصوابُ أن الحكمةَ فيهِ بخاصيةٍ فيه تدفعُ ما تنشأُ عنهُ الحكّةُ منَ القملِ.

‌جواز إهداء الحرير للرجال لغير اللبس

5/ 494 - وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كَسَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حلَّةً سِيَرَاءَ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ. [صحيح]

(وعن عليٍّ عليه السلام قالَ: كساني النبيُّ صلى الله عليه وسلم حلةً سِيَرَاءَ) بكسرِ المهملةِ، ثم مثناةٍ تحتيةٍ، ثمَّ راءٍ مهملةٍ، ثمَّ ألفٍ ممدودةٍ. قالَ الخليلُ: ليسَ في الكلامِ فعلاءُ بكسرِ أوّله مع المدِّ سوى سِيَرَاءَ، وحولاء، وعنباءَ لغةٌ في العنبِ، [وضبطه]

(2)

حلةً بالتنوينِ على أن سيراءَ صفةٌ لها وبغيرهِ على الإضافةِ، وهوَ الأجودُ كما في شرحِ مسلمٍ

(3)

.

(فخرجتُ فيها فرأيتُ الغضبَ في وجههِ، فشققْتُهَا بينَ نسائي. متفقٌ عليهِ، وهذا لفظُ مسلمٍ)، قالَ أبو عبيدٍ

(4)

: الحلةُ إزارٌ ورداءٌ، وقالَ ابنُ الإثيرِ

(5)

: إذا كانَا من جنسٍ واحدٍ، قيلَ: هيَ بُرودٌ مضلّعةٌ بالقزِّ، وقيلَ: حريرٌ خالصٌ، وهوَ الأقربُ. وقوله:"فرأيتُ الغضبَ في وجهِه"، زاد مسلمٌ في روايةٍ

(6)

فقالَ: "إني لم أبعثْها إليكَ لتلبسَها، إنَّما بعثتُها إليكَ لتشقِقها خُمُرًا بين نسائِكَ"، ولذا شققتها خُمُرًا بين الفواطم.

(1)

البخاري (5840)، ومسلم (19/ 2071).

قلت: وأخرجه أبو داود (4043)، والنسائي (8/ 197 رقم 5298).

(2)

في (أ): "وضبطه".

(3)

للنووي (14/ 37).

(4)

و

(5)

ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"(10/ 297).

(6)

في "صحيحه"(3/ 1644 رقم 17/ 2071).

ص: 239

وقولهُ: فشققتها، أي: قطعتُها ففرَّقتها خُمُرًا، وهي بالخاءِ المعجمةِ مضمومةٍ، وضمّ الميمِ، جمعُ خِمارٍ بكسرِ أولهِ، والتخفيفِ، ما تغطّي بهِ المرأةُ رأسَها. والمرادُ بالفواطم: فاطمةُ بنتُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وفاطمةُ بنتُ أسدٍ أُمُّ عليٍّ عليه السلام، والثالثةُ قيل: هي فاطمةُ بنتُ حمزةَ، وذكرتْ لهنَّ رابعةٌ وهي فاطمةُ امرأةُ عقيلِ بن أبي طالب.

وقد استدلَّ بالحديثِ على جوازِ تأخيرِ البيانِ عن وقتِ الخطابِ؛ لأنهُ صلى الله عليه وسلم أرسلَها لعليٍّ عليه السلام، فبنَى على ظاهرِ الإرسالِ وانتفعَ بها في أشهرِ ما صنعتْ لهُ، وهوَ اللُّبسُ، فبيّنَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنهُ لم يبحْ لهُ لبسَها.

‌جواز لبس الحرير للنساء

6/ 495 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُحِلَّ الذهَبُ وَالْحَرِيرُ لإِنَاثِ أُمّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَالنَّسَائِيُّ

(2)

، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ

(3)

. [صحيح لشواهده]

(وعن أبي موسى أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: أحلَّ الذهبُ والحريرُ) أي: لبسُهما (لإناثِ أُمتي، وحُرِّمَ) أي: لبسُهما، وفراشُ الحريرِ كما سلفَ (على [ذكورها]

(4)

. رواهُ أحمدُ، والنسائين، [والترمذي]

(5)

وصحَّحهُ)، إلَّا أنهُ أخرجهُ الترمذيُّ من حديثٍ سعيدٍ بن أبي هندٍ

(6)

، عن أبي موسى، وأعلَّهُ أبو حاتمٍ

(7)

بأنهُ لم يلقَهُ، وكذا قالَ

(1)

في "المسند"(4/ 392 - 394، 407).

(2)

في "السنن"(8/ 161 رقم 5148).

(3)

في "السنن"(4/ 217 رقم 1720) وقال: حديث حسن صحيح.

وقد أعلّ بالانقطاع بين سعيد بن أبي هند وأبي موسى كما بيَّنه الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 223 - 224)، يؤيّد ذلك رواية لأحمد عن سعيد عن رجل عن أبي موسى. ولمزيد من التخريج انظر:"إرواء الغليل"(1/ 305 رقم 277).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بشواهده، الله أعلم.

(4)

في (أ): "ذكورهم".

(5)

زيادة من (أ).

(6)

ثقة، أرسل عن أبي موسى. "التقريب"(1/ 307 رقم 273).

(7)

في "المراسيل"(ص 75 رقم 264) بقوله: لم يلق سعيد بن أبي هند أبا موسى الأشعري.

ص: 240

ابنُ حبانَ في [صحيحهِ]

(1)

: سعيدُ بنُ أبي هندٍ عن أبي موسى معلولٌ لا يصحُّ، وأمّا ابنُ خزيمةَ فصحَّحَهُ.

وقد رُوِيَ من ثماني طرقٍ غيرِ هذهِ الطريقِ عن ثمانيةٍ منَ الصحابةِ

(2)

، وكلُّها لا تخلُو عن مقالٍ، ولكنهُ يشدُّ بعضُها بعضًا.

وفيهِ دليلٌ على تحريمِ لُبْسِ الرجالِ الذهبَ والحريرَ، وجوازِ لبسِهما للنساءِ، ولكنهُ قد قيلَ: إنَّ حلَّ الذهبِ للنساءِ منسوخٌ.

‌الظهور بالمظهر الحسن من السنة

7/ 496 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهُ يُحِبُّ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَةً أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيهِ"، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ

(3)

. [حسن]

(وعن عمرانَ بن حصينٍ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: إن الله يحبُّ إذا أنعمَ على عبدهِ نعمةً أنْ يَرَى أثرَ نعمتهِ عليه. رواهُ البيهقيُّ)، وأخرجَ النسائيُّ

(4)

من

(1)

في "الإحسان"(12/ 250).

(2)

انظر تخريج هذه الطريق في: "نصب الراية"(4/ 222 - 225)، و"الإرواء"(1/ 307 - 309)، و"الإحسان"(12/ 250 - 251).

(3)

في "السنن الكبرى"(3/ 271). قلت: وأخرجه أحمد (4/ 438)، والطبراني، ورجال أحمد ثقات كما في "المجمع" (5/ 132) وله شواهد:(الأول): من حديث أبي الأحوص عن أبيه، (الثاني): من حديث ابن عمر، (الثالث): من حديث أبي سعيد الخدري، (الرابع): من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.

الأول: أخرجه أحمد (3/ 473)، وأبو داود (4063)، والنسائي (8/ 196)، والترمذي (2006) وإسناده صحيح.

الثاني: أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وفيه موسى بن عيسى الدمشقي، قال الذهبي: مجهول، وبقية رجاله رجال الصحيح - كما في "المجمع"(5/ 133).

الثالث: أخرجه أبو يعلى في "المسند"(2/ 325 رقم 81/ 1055)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (5/ 132) وقال:"رواه أبو يعلى، وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف، وقد وُثق".

الرابع: أخرجه الترمذي (5/ 123 رقم 2819) وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وصحَّحه الحاكم (4/ 135) ووافقه الذهبي.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(4)

لم أعثر عليه من حديث أبي الأحوص، فلينظر من أخرجه.

ص: 241

حديثٍ أبي الأحوصِ، والترمذيُّ

(1)

، والحاكمُ

(2)

من حديثٍ ابن عمرو: "إنَّ اللَّهَ يحبُّ أنْ يَرَى أثرَ نعمتهِ على عبدهِ"، وأخرجَ النسائيُّ

(3)

عن أبي الأحوصِ عن أبيهِ، وفيهِ:"إذا آتاكَ اللَّهُ مالكٌ فليرَ أثرَ نعمتهِ عليكَ وكرامتَه".

في هذهِ الأحاديثِ دلالةُ أن اللَّهَ تعالى يحبُّ من العبدِ إظهارَ نعمتهِ في مأكلهِ وملبسهِ، فإنهُ شكرٌ للنعمةِ فِعْلِيٌّ، ولأنهُ إذا رآهُ المحتاجُ في هيئةِ حسنةٍ قصدَهُ ليتصدّقَ عليهِ، وبذاذةُ الهيئةِ سؤالٌ وإظهارٌ للفقرِ بلسانِ الحالِ، ولذَا قيلَ: ولسانُ حالي بالشكايةِ أنطقُ. وقيلَ: وكفاكَ شاهدُ منظري عن مخبري.

‌نهي الرجال عن لبس القَسِّيِّ والمعصفر

8/ 497 - وَعَنْ عَلِي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ القَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

. [حسن]

(وعن عليٍّ عليه السلام أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن لُبْسِ) بضمِّ اللامِ (القسِّيِّ) بفتحِ القافِ، وتشديدِ المهملةِ، بعدها ياءُ النسبةِ، وقيلَ؛ إنَّ المحدِّثينَ يكسرونَ القافَ، وأهلَ مصرَ يفتحونَها، وهي نسبةٌ إلى بلدٍ يقالُ لها: القسُّ، وقد فسَّرَ القسيَّ في الحديثِ بأنَّها ثيابٌ مضلَّعةٌ [أي: بالحرير]

(5)

يُوتَى بها من مصرَ والشام، هكذا في مسلمٍ، وفي البخاريِّ فيها حريرٌ أمثالُ الأترجِّ، (والمعصفرِ. رواهُ مسلمٌ) هوَ المصبوغُ بالعُصفرِ.

فالنهيُ في الأول للتحريمِ إنْ كانَ حريرُه أكثرَ، وإلَّا فإنهُ للتنزيهِ والكراهةِ، وأمَّا في الثاني فالأصلُ في النهي أيضًا التحريمُ، وإليهِ ذهبتِ الهادويةُ، وذهبَ جماهيرُ الصحابةِ والتابعينَ إلى جوازِ لُبْسِ المعصفرِ، وبهِ قالَ الفقهاءُ غيرَ أحمدَ،

(1)

في "السنن"(رقم 2819) وقد تقدَّم.

(2)

في "المستدرك"(4/ 135) وقد تقدَّم.

(3)

في "السنن"(8/ 196 رقم 5294) وقد تقدَّم.

(4)

في "صحيحه"(3/ 1648 رقم 31/ 2078).

قلت: وأخرجه أبو داود (4044)، والترمذي (1737) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(5)

زيادة من (أ).

ص: 242

وقيلَ: مكروهٌ تنزيهًا، قالُوا: لأنهُ لبسَ صلى الله عليه وسلم حلّةً حمراءَ، وفي الصحيحينِ

(1)

عن ابن عمرَ رضي الله عنه: "رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصبغُ بالصفرةِ"، وقد ردَّ ابنُ القيم [القولَ بأنها]

(2)

حلةٌ حمراءُ بحتًا. وقالَ: إنَّ الحلةَ الحمراءَ بردانِ يمانيانِ منسوجانِ بخطوطِ حمرِ معَ الأسودِ، وهي معروفةٌ بهذا الاسمِ باعتبارِ ما فيها منَ الخطوطِ، وأمّا الأحمرُ البحتُ فمنهيٌّ عنهُ أشدَّ النهي، ففي الصحيحينِ

(3)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم نَهى عن المياثرِ الحمرِ"، [ولكن الحديث]

(4)

:

9/ 498 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: رَأَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ:"أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهذَا"؟ رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(5)

. [صحيح]

وهوَ قولُه: (وعن عبدِ اللَّهِ بن عمرٍو قالَ: رأى عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثوبينِ معصفرينِ، قالَ: أمُّك أمرتْكَ بهذا؟. رواهُ مسلمٌ)، دليل على تحريمِ المعصفرِ عاضد للنهي الأولِ، ويزيدُه قوةً في الدلالةِ تمامُ هذا الحدثِ عندَ مسلمٍ:"قلتُ: أغسلُهما يا رسولَ اللَّهِ، قالَ: بل احرقْهما". وفي روايةٍ

(6)

: "إنَّ هذهِ مِنْ ثيابِ الكفارِ فلا تلبسْهما". وأخرجهُ أبو داودَ

(7)

، والنسائيُّ

(8)

.

وفي قولهِ: "أمُّكَ أمرتْكَ" إعلامٌ بأنهُ من لباسِ النساءِ وزينتهنَّ وأخلاقهِنَّ. وفيهِ حجةٌ على العقوبةِ بإتلافِ المالِ وهوَ يعارضُ حديثُ عليٍّ عليه السلام

(9)

. وأمْرَهُ بأنْ يشقَّها بينَ نسائِه كما في روايةٍ قدَّمناها، وأمر ابن عمرو بتحريقها، فينظرُ في وجهِ الجمعِ، إلَّا أن في سننِ أبي داودَ

(10)

عن عبدِ اللَّهِ بن عمرٍو: "أنهُ صلى الله عليه وسلم رأى عليهِ ريطةً مضرَّجةً بالعصفرِ، فقالَ: ما هذهِ الريطةُ التي عليكَ؟ قالَ: فعرفتُ ما كرهَ

(1)

وهو جزء من حديث أخرجه البخاري (166)، ومسلم (25/ 1187).

(2)

في (أ): "أنها".

(3)

البخاري (5849)، ومسلم (3/ 2066) من حديث البراء بن عازب.

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "صحيحه"(3/ 1647 رقم 28/ 2077).

(6)

في "صحيحه"(3/ 1647 رقم 27/ 2077).

(7)

في "السنن"(4/ 335 رقم 4068).

(8)

في "السنن"(8/ 203 رقم 5317).

(9)

تقدم رقم (5/ 494).

(10)

في "السنن"(4/ 334 رقم 4066)، وهو حديث حسن.

ص: 243

فأتيتُ أهلي، وهمْ يسجرونَ تنورًا لهم، فقذفتُها فيها ثمَّ أتيتُه منَ الغدِ فقالَ: يا عبدَ اللَّهِ ما فعلتِ الريطةُ فأخبرتُه، فقالَ: هلّا كسوتَها بعض أهلكَ، فإنهُ لا بأسَ بها للنساءِ".

فهذا يدلُّ أنهُ أحرقَها من غيرِ أمرٍ [من النبيِّ]

(1)

صلى الله عليه وسلم، فلوْ صحّتْ هذه الروايةُ لزالَ التعارضُ بينَه وبينَ حديثٍ عليٍّ عليه السلام، لكنهُ يبقى التعارضُ بينَ روايتي ابن عمرٍو. وقد يقالُ: إنهُ صلى الله عليه وسلم أمرَ أولًا بإحراقِها ندبًا، ثمَّ لما أحرقَها قالَ لهُ صلى الله عليه وسلم:"لو كسوتَها بعضَ أهلكَ"، إعلامًا لهُ بأنَّ هذا كانَ كافيًا عن إحراقِها لو فعلَه، وأنَّ الأمرَ للندبِ. وقالَ القاضي عياضٌ في شرحِ مسلمٍ

(2)

: أمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بإحراقِها من بابِ التغليظِ أو العقوبةِ.

‌مقدار ما يجوز للرجال من الحرير

10/ 499 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكْفُوفَةَ الْجَيْبِ وَالْكُمَّيْنِ وَالْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ

(4)

، وَزَادَ: كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ، فَقَبَضْتُهَا، وكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا. وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ

(5)

؛ وَكَانَ يَلْبَسُهَا لِلْوَفْدِ وَالْجُمُعَةِ. [صحيح]

(وعن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنها أنَّها أخرجتْ جُبَّةَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مكفوفةَ) المكفوفُ منَ الحريرِ: ما اتّخذَ جيبُه من حريرٍ وكانَ لذيلهِ وأكمامهِ كفافٌ منهُ (الجيب، والكمينِ، والفرجينِ بالديباجِ) هو ما غلظَ منَ الحريرِ كما سلفَ، (رواهُ أبو داودَ. وأصلُه في مسلمٍ، وزادَ) أي: من روايةِ أسماءَ (كانتْ) أي: الجبّةُ (عندَ عائشةَ حتَّى قبضتْ) مغيَّرَ الصيغةِ، أي: ماتتْ (فقبضتْها، وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يلبسُها فنحنُ نغسلها للمرضي [يُسْتَشْفَى]

(6)

بها).

(1)

في (أ): "منه".

(2)

للنووي (14/ 55 - 56).

(3)

في "السنن"(4/ 328 رقم 4054).

(4)

في "صحيحه"(3/ 1641 رقم 2069).

(5)

(ص 127 رقم 348 م).

(6)

في (أ): "نستشفى".

ص: 244

الحديثُ في مسلمٍ لهُ سببٌ وهوَ: "أن أسماءَ أرسلتْ إلى ابن عمرَ أنهُ بلغَها أنهُ يحرمُ العلَمُ في الثوبِ، فأجابَ بأنهُ سمعَ عمرَ يقولُ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّما يَلْبَسُ الحريرَ مَنْ لا خلاقَ لهُ"، فخفتُ أن يكونَ العلَمُ منهُ، فأخرجتْ أسماءُ الجُبَّةَ".

(وزادَ البخاريُّ في الأدبِ المفردِ) في روايةٍ أسماءَ: (وكانَ يلبسُها للوفدِ والجمعةِ). قال في شرحِ مسلمٍ للنوويِّ

(1)

على قولهِ مكفوفةٌ: ومعنَى المكفوفةِ، أنهُ جعلَ لهُ كُفةً بضمِّ الكافِ وهوَ ما يكفُّ بهِ جوانبُها، ويعطفُ عليها ويكونُ ذلكَ في الذيلِ، وفي الفرجينِ، وفي الكمّينِ، انتهى.

وهوَ محمولٌ على أنهُ أربعُ أصابعَ، أو دونَها، أو فوقَها إذا لم يكنْ مصمَتًا جمعًا بينَ الأدلةِ. وفيهِ جوازُ مثلَ ذلكَ من الحريرِ، وجوازُ [لبس]

(2)

الجبةِ وما لهُ فرجانِ من غيرِ كراهةٍ، وفيهِ [استشفاءٌ]

(3)

بآثارِه صلى الله عليه وسلم، وبما لامسَ جسدَه الشريفَ. كذا قيل، إلَّا أنه لا يخفَى أنه فعل

(4)

صحابية لا دليل فيه.

وفي قولِها: "كانَ يلبسُها للوفدِ والجمعةِ"، دليلٌ على استحبابِ التجمّلِ بالزينة للوافدِ ونحوِه. وأمّا خياطةُ الثوبِ بالخيطِ الحريرِ ولبسهِ، وجعل خيطِ السبحةِ منَ الحريرِ وليقةِ الدواةِ، وكيسِ المصحفِ، وغشايةِ الكتبِ، فلا ينبغي القولُ بعدمِ جوازِه لعدمِ شمولِ النهيِ لهُ.

وفي اللباسِ آدابٌ منها في العمامةِ تقصيرُ العذبةِ فلا تطولُ طولًا فاحشًا، وإرسالُها بينَ الكتفينِ، ويجوزُ تركُها بالأصالةِ، وفي القميصِ تقصيرُ الكمِّ، لحديثِ أبي داودَ

(5)

عن أسماءَ: "كانَ كمُّ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الرسغِ"، قالَ ابنُ عبدِ السلام: وإفراطُ توسعةِ الأكمامِ والثيابِ بدعةٌ وسرفٌ. وفي المئزرِ ومثلهُ القميصُ واللباسُ أن لا يسبلَه زيادةً على نصفِ الساقِ، ويحرمُ إن جاوزَ الكعبينِ.

(1)

(14/ 44).

(2)

في (أ): "لبسه".

(3)

في (أ): "الاستشفاء".

(4)

كذا في (أ) و (ب)، والصواب "قَول".

(5)

في "السنن"(4/ 312 رقم 4027).

قلت: وأخرجه الترمذي (1765) وقال: حديث حسن غريب. وحسَّنه الشيخ عبد القادر في تحقيق "جامع الأصول"(10/ 634 رقم التعليقة 4).

ص: 245

[الكتاب الثالث] كتابُ الجنائِز

الجنائزُ جمعُ جِنازة بفتحِ الجيم وكسرِها. في القاموسِ

(1)

: الجنازةُ الميِّتُ، وتفتحُ، أوْ بالكسرِ الميِّتُ، وبالفتحِ السريرُ أو عكسُه، أو بالكسرِ: السريرُ معَ الميتِ.

1/ 500 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَكثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ: المَوْتِ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

، وَالنَّسَائِيُّ

(3)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(4)

.

[صحيح بطرقه وشواهده]

(عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أكثِروا ذكرَ هاذمِ اللذاتِ: الموتِ) بالكسرِ بدلٌ من هاذمٍ (رواهُ الترمذيُّ، والنسائيُّ، وصحَّحهُ ابنُ حبانَ)، والحاكمُ

(5)

، وابنُ السكنِ، وابنُ طاهرٍ، وأعلَّهُ الدارقطنيُّ بالإرسالِ

(6)

. وفي البابِ عن عمر

(7)

، وعن أنسٍ

(8)

، وما تخلُو عن مقالٍ.

(1)

"المحيط"(650).

(2)

في "السنن"(4/ 553 رقم 2307)، وقال: حديث حسن غريب.

(3)

في "السنن"(4/ 4 رقم 1824).

(4)

في "الإحسان"(7/ 259 رقم 2992).

قلت: وأخرجه ابن ماجه (4258)، والقضاعي في (مسند الشهاب)(669)، وأحمد (2/ 292 - 293)، والخطيب في "التاريخ"(1/ 384) و (9/ 470)، والحاكم (4/ 321)، وصحَّحه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، من طرق عنه، وله شواهد من حديث أنس، وابن عمر، وعمر بن الخطاب، وزيد بن أسلم وأبي سعيد.

والخلاصة: أن الحديث صحيح بطرقه وشواهده، والله أعلم.

(5)

في "المستدرك"(4/ 321).

(6)

ذكر ذلك الحافظ في "التلخيص"(2/ 101).

(7)

أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(6/ 355) وفي سنده راوٍ لا يُدرى من هو.

(8)

أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(9/ 252)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(12/ 72 - 73) =

ص: 247

قالَ المصنفُ

(1)

نقلًا عن السُّهيلي: إنَّ الروايةَ في هاذمِ بالذالِ المعجمةِ معناهُ القاطعُ، وأما بالمهملةِ فمعناهُ المزيلُ للشيءِ، وليسَ مرادًا هنَا. قالَ المصنفُ: وفي هذا النفي نظرٌ لا يخفى.

قلتُ: [يريد أنَّ]

(2)

المعنَى على الدالِ المهملةِ صحيحٌ؛ فإنَّ الموتَ يزيلُ اللذاتِ كما يقطعُها ولكنَّ العمدةَ الروايةُ. والحديثُ دليل على أنهُ لا ينبغي للإنسانِ أنْ يغفلَ عن ذكرِ أعظمِ المواعظِ وهوَ الموتُ.

وقد ذكرَ في آخرِ الحديثِ فائدةً الذكرِ بقولهِ: فإنّكمْ لا تذكرونَه في كثير إلَّا قلَّلهُ، ولا قليلَ إلَّا كثَّرهُ. وفي روايةٍ للديلمي

(3)

عن أبي هريرةَ: "أكثروا ذِكْرَ الموتِ، فما من عَبْدٍ أَكثر ذكرَهُ إِلا أحيى اللَّهُ قلبَه وهَوَّنَ عَلَيْهِ الموتَ"، وفي لفظٍ لابنِ حبانَ

(4)

، والبيهقي في شعبِ الإيمانِ

(5)

: "أكثروا ذكرَ هاذمِ اللذاتِ، فإنهُ ما ذكرهُ عبدٌ قطُّ في ضيقٍ إلَّا وَسَّعَهُ، ولا في سَعَةٍ إلَّا ضَيَّقَها".

وفي حديثٍ أنسٍ عندَ ابن لالٍ في مكارمِ الأخلاقِ

(6)

: "أكثروا ذكرَ الموتِ، فإنَّ ذلكَ تمحيصٌ للذنوبِ، وتزهيدٌ في الدنيا". وعندَ البزارِ

(7)

: "أكثِرُوا هاذمَ اللذاتِ، فإنهُ ما ذكرهُ أحدٌ في ضيقٍ منَ العيشِ إلَّا وسَّعهُ عليهِ، ولا في سَعَةٍ إلَّا ضيَّقَها". وعندَ ابن أبي الدنيا

(8)

: "أكثِرُوا من ذكرِ الموتِ، فإنهُ [يمحقُ]

(9)

الذنوبَ، ويزهدُ في الدنيا، فإنْ ذكرتُموهُ عندَ الغِنَى هدمَهُ، وإنْ ذكرتُمُوهُ عندَ الفقرِ أرضاكم بعيشِكمْ".

= بسند صحيح، وصحَّحه الضياء المقدسي في "المختارة"(1/ 521).

(1)

في "التلخيص"(2/ 101).

(2)

في (أ): "إذ".

(3)

ذكره الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب"(1/ 74 رقم 218).

(4)

في "الإحسان"(رقم 2993).

(5)

(7/ 354 رقم 10560) من حديث أبي هريرة، وهو حديث حسن.

(6)

عزاه إليه الزبيدي كما في تخريج أحاديث الإحياء (5/ 3134) جمع الحداد.

(7)

كما في "كشف الأستار"(4/ 240 رقم 3623) من حديث أنس.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 308) وقال: رواه البزار، والطبرانى باختصار، وإسنادهما حسن.

(8)

عزاه إليه العراقي في "تخريج أحاديث إحياء علوم الدين"(6/ 2475).

وقال: رواه ابن أبي الدنيا في الموت بإسناد ضعيف جدًّا.

(9)

في (أ): "يمحو".

ص: 248

‌عدم تمنّي الموت

2/ 501 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَمَنَّيَن أَحَدُكمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيرًا لِي، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيرًا لِي"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللُهِ صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدُكم الموتَ لضرٍّ نزلَ بهِ، فإنْ كان لا بدَّ) أي: لا فراقَ ولا محالةَ كما في القاموسِ (متمنّيًا فليقلْ) بدلًا عن لفظِ التمنّي الدعاءُ وتفويضُ ذلكَ إلى اللَّهِ: (اللَّهمّ أحيني ما كانتِ الحياة خيرًا لي، وتوفَّني ما كانتِ الوفاةُ خيرًا لي. متفقٌ عليهِ).

الحديثُ دليلٌ على النهي عن تمنِّي الموتِ للوقوعِ في بلاءٍ ومحنةٍ، أو خشيةَ ذلكَ من عدوٍّ، أو مرضٍ، أو فاقةٍ، أو نحوِها من مشاق الدنيا لما في ذلكَ منَ الجزعِ، وعدمِ الصبرِ على القضاءِ، وعدمِ الرضاءِ.

وفي قولهِ: "لضرٍّ نزلَ بهِ"، ما يرشدُ إلى أنهُ إذا كانَ لغيرِ ذلكَ من خوفِ فتنةٍ في الدينِ، فإنهُ لا بأسَ به. [وقد]

(2)

دلَّ لهُ حديثُ الدعاءِ: "إذا أردتَ بعبادكَ فتنةً فاقبضني إليكَ غيرَ مفتونٍ"

(3)

، أوْ كانَ تمنّيًا للشهادةِ كما وقعَ ذلكَ لعبدِ اللَّهِ بن رواحةَ

(4)

وغيرهِ منَ السلفِ، وكما في قولِ مريمَ:{يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا}

(5)

، فإنَّها

(1)

البخاري (6351)، ومسلم (10/ 2680).

قلت: وأخرجه أبو داود (3108) و (3109)، والترمذي (971)، والنسائي (4/ 3 رقم 1820)، وابن ماجه (4265)، وأحمد (3/ 101، 104، 171، 195، 208، 247، 281)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 377).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

وهو جزء من حديث صحيح.

أخرجه الترمذي (3235) من حديث معاذ بن جبل، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه الترمذي (3233)، وأحمد (1/ 368) من حديث ابن عباس.

ولمزيد من التوسع ارجع إلى "ظلال الجنة" للألباني (1/ 169 - 170 رقم 388).

(4)

انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (4/ 31 - 32).

(5)

سورة مريم: الآية 23.

ص: 249

إنَّما تمنَّتْ ذلكَ لمثلِ هذا الأمرِ المخوفِ من كفرِ مَنْ كفرَ، وشقاوةِ مَنْ شقيَ بسبَبِهَا.

وفي قولهِ: "فإنْ كانَ لا بدَّ متمنّيًا"، يعني إذا ضاقَ صدرهُ، وفقدَ صبرَه عدلَ إلى هذا الدعاءِ، وإلَّا فالأَوْلى لهُ أنْ لا يفعلَ ذلكَ.

‌صفة النزع للمؤمن

3/ 502 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ"، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ

(1)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(2)

. [صحيح]

(وعن بريدةَ) هوَ ابنُ الحصيبِ (أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: المؤمنُ يموتُ بعَرقِ) بفتحِ العينِ المهملةِ والراءِ، (الجبينِ. رواهُ الثلاثةُ، وصحَّحة ابن حبانَ)، وأخرجهُ أحمدُ

(3)

، وابنُ ماجه

(4)

، وجماعةٌ، وأخرجه الطبرانيُّ

(5)

من حديثٍ ابن مسعودٍ، وفيهِ وجهانِ، أحدُهما: أنهُ عبارةٌ عمَّا يكابدهُ من شدَّةِ السياقِ [الذي]

(6)

يعرقُ دونَه جبينُه، أي: يشدَّدُ عليهِ تمحيصًا لبقيةِ ذنوبهِ، والثاني: أنهُ كنايةٌ عن كدِّ

(1)

الترمذي (982) وقال: هذا حديث حسن، والنسائي (4/ 6 رقم 1829)، ولم يخرجه أبو داود.

(2)

في "الإحسان"(7/ 281 رقم 3011) بسند صحيح على شرط البخاري، مُسَدَّد لم يرو له مسلم ومن فوقه على شرطهما، قاله الشيخ شعيب.

قلت: وأخرجه ابن ماجه (1452)، وأحمد (5/ 350)، والحاكم (1/ 361) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وتعقبه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 35) بقوله:"وفيه نظر لا مجال لذكره هنا، لا سيما أن أحد إسنادي النسائي - (4/ 5 رقم 1828) - صحيح على شرط البخاري".

وأخرجه أحمد (5/ 357)، والطيالسي رقم (808) من طريق مثنى بن سعيد به. وأورده البغوي في "شرح السنة"(5/ 297 - 298) عنه.

والخلاصة: فالحديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في "المسند"(5/ 350) وقد تقدم.

(4)

في "السنن"(1/ 467 رقم 1452) وقد تقدم.

(5)

في "الكبير والأوسط" كما في "المجمع"(2/ 325) وقال الهيثمي: ورجاله ثقات رجال الصحيح.

(6)

في (ب): "التي".

ص: 250

المؤمنِ في طلبِ الحلالِ وتضييقهِ على نفسهِ بالصومِ والصلاةِ، حتَّى يلقَى اللَّهَ تعالى فيكونُ الجارُّ والمجرورُ في محلِّ النصبِ على الحالِ.

والمعنَى على الأولِ أن حالَ الموتِ ونزوعَ الروحِ شديدٌ عليهِ، فهو صفةٌ لكيفيّةِ الموتِ وشدّتِه على المؤمنِ، والمعنَى على الثاني أنهُ يدركُه [الموتُ]

(1)

في حالِ كونهِ على هذه الحالةِ الشديدةِ التي يعرقُ منها الجبينُ، فهو صفةٌ للحالِ التي يفاجئُه الموتُ عليها.

‌الترغيب في تلقين المحتضَر لا إله إلا الله محمد رسول الله

4/ 503 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وأبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

وَالأَرْبَعَةُ

(3)

. [صحيح]

(وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ قالا: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لقِّنُوا موتاكم) أي: الذينَ في سياقِ الموتِ، فهوَ مجازٌ (لا إلهَ إلَّا اللَّهُ. رواهُ مسلمٌ والأربعة)، وهذا لفظُ مسلمٍ. ورواهُ ابنُ حبانَ

(4)

بلفظهِ وزيادةِ: "فمنْ كانَ آخرَ قولهِ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ دخلَ الجنةَ يومًا من الدهرِ، وإنْ أصابَهُ ما أصابهُ قبل ذلكَ". وقد غلطَ مَنْ نسبهُ إلى الشيخينِ، أو إلى البخاريِّ.

ورَوَى ابنُ أبي الدنيا

(5)

[عن حذيفةَ]

(6)

بلفظِ: "لقِّنوا موتاكمْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ؛ فإنَّها تهدمُ ما قبلَها مِنَ الخطايا"، وفي البابِ أحاديثُ صحيحةٌ.

وقولُه: "لقِّنُوا" المرادُ: تذكيرُ الذي في سياقِ الموتِ هذا اللفظَ الجليلَ،

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "صحيحه"(1/ 632 رقم 6/ 911) من حديث أبي سعيد.

• و (2/ 631 رقم 8/ 912) من حديث أبي هريرة.

(3)

أبو داود (3117)، الترمذي (976)، والنسائي (4/ 5)، وابن ماجه (1445) من حديث أبي سعيد.

• وابن ماجه (1444) من حديث أبي هريرة.

(4)

في "الإحسان"(7/ 272 رقم 3004) من حديث أبي هريرة.

(5)

في "المحتضَرين"(1/ 2).

(6)

زيادة من (ب).

ص: 251

وذلكَ ليقولَها فتكونَ آخرَ كلامهِ فيدخلَ الجنةَ كما سبقَ

(1)

، فالأمرُ في الحديثِ بالتلقينِ عام لكلِّ مسلمٍ يحضرُ مَنْ هوَ في سياقِ الموتِ، وهوَ أمرُ ندبٍ، وكرهَ العلماءُ الإكثارَ عليهِ والموالاةَ لئلّا يضجرَ، ويضيقَ حالُه، ويشتدَّ كربُه فيكرهُ ذلكَ بقلبهِ، ويتكلّمُ بما لا يليقُ.

قالُوا: [فإذا]

(2)

تكلَّمَ مرةً فيعادُ عليهِ العرضُ ليكونَ آخرَ كلامهِ، وكأنَّ المرادَ بقولِ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، أي: وقولِ محمدٌ رسولُ الله، فإنَّها لا تُقْبَلُ إحداهُما إلَّا بالأُخرى، كما علمَ.

والمرادُ بموتاكمْ موتَى المسلمينَ. وأمّا موتَى غيرِهم فيعرضُ عليهمُ الإسلام [كما عرضهُ صلى الله عليه وسلم على عمِّهِ عندَ السياقِ

(3)

، وعلى الذميِّ الذي كانَ يخدمه فعادَهُ وعرضَ عليهِ الإسلامَ

(4)

فأسلم]

(5)

، وكأنهُ خصَّ في الحديثِ موتَى أهلِ الإسلامِ، لأنَّهُم الذينَ يقبلونَ ذلكَ، ولأنَّ حضورَ أهلِ الإسلامِ عندَهم هوَ الأغلبُ بخلافٍ الكفارِ، فالغالبُ أنهُ لا يحضرُ [موتاهم]

(6)

إلَّا الكفارُ.

(فائدةٌ): يحسنُ أنْ يذكَّرَ المريضُ بسعةِ رحمةِ اللَّهِ ولطفهِ وبرّهِ، فيحسنُ ظنَّهُ بربِّهِ لما أخرجهُ مسلمٌ

(7)

من حديثٍ جابرٍ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ قبلَ موتهِ: "لا يموتنَّ أحدُكم إلَّا وهوَ يحسنُ الظنَّ باللَّهِ". وفي الصحيحينِ

(8)

مرفوعًا من حديثٍ أبي هريرةَ قالَ: "قالَ الله: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي". ورَوَى ابنُ أبي الدُّنيا

(9)

عن إبراهيمَ، قالَ:"كانُوا يستحبونَ أنْ يلقِّنوا العبدَ محاسنَ عملهِ عندَ موتهِ لكي يحسنَ ظنَّهُ بربِّهِ".

(1)

بشرط أن يكون خالصًا بها قلبه وعاملًا بمقتضاها من التوحيد كما دلَّت عليه النصوص.

(2)

في (ب): "وإذا".

(3)

أخرجه البخاري (4675)، ومسلم (1/ 54 رقم 39/ 24) عن المسيّب.

(4)

أخرجه البخاري (رقم 1290 - البغا) من حديث أنس.

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في (أ): "موتهم".

(7)

في "صحيحه"(4/ 2205 رقم 2877).

قلت: وأخرجه أبو داود (3113)، وابن ماجه (4167).

(8)

البجاري (7405)، ومسلم (2/ 2675).

(9)

في كتاب "المحتضَرين" كما في "التلخيص"(2/ 104).

ص: 252

وقد قالَ بعضُ أئمةِ العلمِ: إنهُ يحسنُ جمعُ أربعينَ حديثًا في الرجاءِ تقرأُ على المريضِ فيشتدُّ حسنُ ظنِّه باللَّهِ، فإنهُ تعالى عندَ ظنِّ عبدهِ بهِ، وإذا امتزجَ خوفُ العبدِ برجائِهِ عندَ سياقِ الموتِ فهوَ محمودٌ، [أخرجَه]

(1)

الترمذيُّ

(2)

بإسنادٍ جيدٍ من حديثٍ أنسٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم دخلَ على شابٍّ وهوَ في الموتِ [فقيل]

(3)

: كيفَ تجدُكَ؟ قال: أرجُو اللَّهَ وأخافَ ذنوبي. فقالَ صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجوهُ، وأمَّنَهُ مما يخافُ".

(فائدةٌ) أخرى: ينبغي أن يوجَّهَ مَنْ هوَ في السياق [إلى]

(4)

القبلةِ لما أخرجهُ الحاكمُ

(5)

وصحَّحهُ من حديثٍ أبي قتادةَ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم حينَ قدمَ المدينةَ سألَ عن البراءِ بن معرورٍ، قالُوا: توفّيَ وأوصَى [بثلثِ مالهِ]

(6)

لكَ يا رسولَ اللَّهِ، وأوصَى أنْ يوجهَ القبلةَ إذا احتُضرَ. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أصابَ الفطرةَ، وقد رددتُ ثلثَه على ولدهِ، ثمَّ ذهبَ فصلَّى عليهِ"، وقالَ: "اللَّهُمَّ اغفرْ لهُ وأدخلْه جنّتكَ وقد فعلتَ". وقال الحاكمُ

(7)

: لا أعلمُ في توجيهِ المحتضَرِ للقبلةِ غيرَه.

‌قراءة يس أو غيرها عند الميت لم يصح فيها حديث

5/ 504 - وَعَنْ مَعْقَلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اقَرَأوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(8)

، وَالنَّسَائِيُّ

(9)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(10)

. [ضعيف]

(1)

في (أ): "أخرج".

(2)

في "السنن"(3/ 311 رقم 983) وقال: حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه وابن ماجه (4261).

وهو حديث حسن، حسّنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

(3)

في (أ): "فقال".

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في "المستدرك"(1/ 353 - 354) وقال: هذا حديث صحيح، ووافقه الذهبي.

(6)

في النسخة (أ): "بثلثه".

(7)

في "المستدرك"(1/ 354). قلت: وانظر: "الروضة الندية" لصدِّيق حسن خان بتحقيقنا (1/ 400).

(8)

في "السنن"(3/ 489 رقم 3121).

(9)

في "عمل اليوم والليلة"(ص 581 رقم 1074).

(10)

في "الموارد"(رقم 720).=

ص: 253

(وعن معقلِ بن يسارٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: اقرأوا على موتاكُمْ) قالَ ابنُ حبانَ: أرادَ بهِ مَنْ حضرتْهُ المنيَّةُ لا أن الميتَ يقرأُ عليهِ (يسَ. رواهُ أبو داودَ، والنسائيُّ، وصحَّحهُ ابنُ حبانَ)، وأخرجهُ أحمدُ، وابنُ ماجَهْ من حديثٍ سليمانَ

= قلت: وأخرجه ابن ماجه (1448)، والحاكم (1/ 565)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 383)، وأحمد (5/ 26 و 27)، والطيالسي (ص 126 رقم 931) كلهم من حديث معقل بن يسار. قال الحاكم:"أوقفه يحيى بن سعيد وغيره عن سليمان التيمي، والقول فيه قول ابن المبارك؛ إذ الزيادة من الثقة مقبولة"، ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في "الإرواء" (3/ 151) وقال:"ولكن للحديث علّة أخرى قادحة أفصح عنها الذهبي في "الميزان" (4/ 550 رقم 10404) فقال في ترجمة أبي عثمان هذا: "عن أبيه، عن أنس، لا يعرف. قال ابن المديني: لم يرو عنه غير سليمان التيمي. قلت: أما النهدي فثقة إمام". قلت: وتمام كلام ابن المديني "وهو مجهول". وأما ابن حبان فذكره في "الثقات" (7/ 664) على قاعدته في تعديل المجهولين.

ثم إن الحديث له علة أخرى: وهي الاضطراب، فبعض الرواة يقول:"وعن أبي عثمان عن أبيه عن معقل"، وبعضهم:"عن أبي عثمان عن معقل"، لا يقول:"عن أبيه" وأبوه غير معروف أيضًا.

فهذه ثلاث علل:

1 -

جهالة أبي عثمان.

2 -

جهالة أبيه.

3 -

الاضطراب.

وقد أعلّه بذلك ابن القطان كما في "التلخيص الحبير"(2/ 104). وقال: "ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني أنه قال: هذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن. وأمّا في مسند أحمد (4/ 105) من طريق صفوان: حدثني المشيخة أنهم حضروا غضيف بن الحارث الثمالي حين اشتدّ سوقه، فقال: هل منكم من أحد يقرأ (يس)، قال: فقرأها صالح بن شريح السكوني، فلما بلغ أربعين منها قبض، قال: فكان المشيخة يقولون: إذا قرئت عند الميت خفّف عنه بها. قال صفوان: "وقرأها عيسى بن المعتمر عند ابن معبد".

قال الألباني في "الإرواء"(3/ 152): "فهذا سند صحيح إلى غضيف بن الحارث رضي الله عنه، ورجاله ثقات غير المشيخة، فإنهم لم يسموا، فهم مجهولون، لكن جهالتهم تنجبر بكثرتهم لا سيّما وهم من التابعين.

وصفوان هو ابن عمرو وقد وصله ورفعه عنه بعض الضعفاء بلفظ: "إذا قرئت

" فضعيف مقطوع. وقد وصله بعض المتروكين والمتهمين بلفظ: "ما من ميت يموت فيقرأ عنده (يس) إلّا هون الله عليه". رواه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 188) عن مروان بن سالم عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبي الدرداء مرفوعًا به.

ومروان هذا قال أحمد والنسائي: "ليس بثقة"، وقال الساجي وأبو عروبة الحراني:"يضع الحديث". "الميزان"(4/ 90)، و"المجروحين" (3/ 13) ومن طريقه الديلمي إلّا أنه قال:"عن أبي الدرداء وأبي ذرّ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كما في "التلخيص الحبير"(2/ 104).

ص: 254

التيميِّ عن أبي عثمانَ، وليسَ بالنهدي عن أبيهِ عن معقلِ بن يسارٍ، ولم يقلِ النسائيُّ وابنُ ماجَهْ عن أبيهِ، وأعلَّهُ ابنُ القطانِ بالاضطرابِ والوقفِ، وبجهالةِ حالِ أبي عثمانَ وأبيهِ، ونُقِلَ عن الدارقطنيِّ أنهُ قالَ: هذا حديثٌ مضطربُ الإسنادِ، مجهولُ المتنِ، ولا يصحُّ.

وقالَ أحمدُ في مسندهِ

(1)

: حدثنا صفوانُ قالَ: كانتِ المشيخةُ يقولونَ: إذا قرئتْ يس عندَ الموتِ خففَ بها عنهُ، وأسندَه صاحبُ الفردوس [الديلمي]

(2)

عن أبي الدرداءِ وأبي ذرٍّ: قالَا: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ما من ميِّتٍ يموتُ فَيُقْرَأُ عندَه يسَ إلَّا هوَّنَ اللَّهُ عليهِ"، وهذانِ يؤيّدانِ ما قالهُ ابنُ حبانَ من أن المرادَ به المحتضَرُ، وهما أصرحُ في ذلكَ مما استدلَّ به.

وأخرجَ أبو الشيخِ في فضائلِ القرآن

(3)

، وأبو بكرٍ المِرَوزيّ في كتابِ الجنائزِ عن أبي الشعثاءِ صاحبِ ابن عباسٍ أنهُ يستحبُّ قراءةُ سورةِ الرعدِ

(4)

، وزادَ فإنَّ ذلكَ يخفّفُ عن الميتِ، وفيهِ أيضًا عن الشعبيِّ

(5)

: كانت الأنصارُ يستحبونَ أنْ تقرأ عندَ الميتِ سورةُ البقرةِ

(6)

.

‌يندب تغميض بصر الميت

6/ 505 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ اتَّبَعَهُ الْبَصَرُ"، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ:"لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيرٍ، فَإِن المَلَاِئِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا تَقُولُونَ"، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ،

(1)

(4/ 105).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(2/ 104).

(4)

وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 237) عن جابر بن زيد أنه كان يقرأ عند الميت سورة الرعد.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 236) عنه.

(6)

اعلم أن قراءة يس عند الميت لم يصح فيها حديث - "أحكام الجنائز"(ص 11) - بل أنكر الإمام مالك رحمه الله القراءة عند الميت بسورة يس والأنعام، وعلّل ذلك بأنه لم يكن من عمل الناس - "المدخل" لابن الحاج (3/ 240).

ص: 255

وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ وَاخْلُفْهُ فِي عَقبِهِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(وعن أمِّ سلمةَ قالتْ: دخلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة، وقد شقَّ بَصَرَهُ) في شرحِ مسلمٍ أنهُ بفتحِ الشينِ، ورفعِ (بصرُهُ) وهوَ فاعلُ شقَّ، هكذا ضبطناهُ وهوَ المشهورُ، وضبطَ بعضُهم بصرَه بالنصبِ وهوَ صحيحٌ أيضًا" فالشينُ مفتوحةٌ بلا خلافٍ (بصرَهُ فأغمضَهُ ثمَّ قالَ: إنَّ الروحَ إذا قُبضَ اتبعهُ البصرُ، فضجَّ ناسٌ من أهلهِ فقالَ: لا تدعُوا على أنفسِكم إلَّا بخيرٍ، فإنَّ الملائكةَ تؤمّنُ على ما تقولونَ) أي: من الدعاءِ (ثمَّ قالَ: اللَّهمّ اغفرْ لأبي سلمةَ، وارفعْ درجتَه في المهديينَ، وافسحْ لهُ في قبرهِ، ونوِّرْ لهُ فيهِ، واخلفْه في عَقِبهِ. رواهُ مسلمٌ).

يقالُ: شقَّ الميتُ بصرَهُ إذا حضرَهُ الموتُ وصارَ ينظرُ إلى الشيءِ لا يرتدُّ عنهُ طرفهُ. وفي إغماضِه صلى الله عليه وسلم طرفَهُ دليلٌ على استحبابِ ذلكَ. وقد أجمعَ عليهِ المسلمونَ؛ وقد علّلَ في الحديثِ ذلكَ بأنَّ البصرَ يتبعُ الروحَ. أي: ينظرُ أينَ يذهبُ.

والحديثُ من أدلّةِ مَنْ يقولُ: إنَّ الأرواحَ أجسامٌ لطيفةٌ متحلّلةٌ في البدنِ، وتذهبُ الحياةُ من الجسدِ بذهابِها، وليسَ عرضًا كما يقولُه آخرونَ. وفيهِ دليلٌ على أنهُ يدْعَى للميتِ عندَ موتهِ، ولأهلهِ، وعقبهِ، بأمورِ الآخرةِ والدنيا، وفيهِ دلالةٌ على أن الميتَ ينعَّمُ في قبرهِ أو يعذَّبُ.

‌تسجية الميِّت

7/ 506 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ. متفقٌ عليهِ

(2)

. [صحيح]

(وعن عائشةَ رضي الله عنها أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حينَ توفيَ سجِّيَ ببُردٍ حِبَرَةٍ) بالحاءِ المهملةِ، فموحدةٍ، فراءٍ، فتاء تأنيثٍ بزنةِ عِنبَةٍ (متفقٌ عليهِ).

(1)

في "صحيحه"(2/ 634 رقم 7/ 920).

قلت: وأخرجه أبو داود (3117)، والبغوي في "شرح السنة"(5/ 299 - 300 رقم 1468)، الترمذي (977).

(2)

البخاري (1241، 1242)، ومسلم (942).

قلت: وأخرجه أبو داود (3148).

ص: 256

التسجيةُ بالمهملةِ والجيمِ: التغطيةُ، أي: غُطِّيَ، والبردُ يجوزُ إضافتهُ إلى الحِبرةِ ووصفُه بها، والحبرةُ ما كانَ لها أعلامٌ، وهي منْ أحبِّ اللباسِ إليهِ صلى الله عليه وسلم، وهذهِ التغطيةُ قبلَ الغسل فيما يظهر. قال النوويُّ في شرحِ مسلمٍ

(1)

: إنهُ مجمعٌ عليها، وحكمتهُ صيانةُ الميتِ عن الانكشافِ وسترِ عورتهِ المتغيرةِ عن الأعينِ. قالُوا: وتكونُ التسجيةُ بعدَ نزعِ ثيابِهِ التي توفّيَ فيها لئلّا يتغيّرَ بدنُه بسبِبها.

‌تقبيل الميِّت

8/ 507 - وَعَنْهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَبَّلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(2)

. [صحيح]

(وعنها) أي: عائشةَ (أن أبا بكرٍ الصدِّيقَ قبَّلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعدَ موتهِ. رواهُ البخاريُّ)، استُدلَّ بهِ على جوازِ تقبيلِ الميتِ بعدَ موتهِ، وعلى أنها تندبُ تسجيتُه، وهذهِ أفعالُ صحابةٍ بعدَ [وفاتهِ]

(3)

لا دليلَ فيها لانحصارِ الأدلةِ في الأربعةِ، نعمْ هذهِ الأفعالُ جائزةٌ على أصلِ الإباحةِ. وقد أخرجَ الترمذيُّ

(4)

من حديثِ عائشةَ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قبَّلَ عثمانَ بن مظعونٍ، وهوَ ميتٌ وهو يبكي أو قالَ: وعيناهُ تهرقانِ"، قال الترمذيُّ

(5)

: حديثُ عائشةَ حسنٌ صحيحٌ.

‌المبادره بقضاء دين الميِّت

9/ 508 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ

(1)

(7/ 10).

(2)

في "صحيحه"(3/ 113 رقم 1241، 1242).

(3)

في (أ): "موته".

(4)

في "السنن"(3/ 314 رقم 989) وقال: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه أبو داود (3163)، والحاكم (1/ 361)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 361)، وابن ماجه (1456)، وأحمد (6/ 43، 55، 206). قال الحاكم: هذا حديث متداول بين الأئمة، إلَّا أن الشيخين لم يحتجا بعاصم بن عبيد الله. وكذا قال الذهبي، قلت: وعاصم هذا ضعيف، ولكن للحديث شواهد، فهو بها صحيح، والله أعلم.

(5)

في "السنن"(3/ 315).

ص: 257

بِدَيْنِهِ، حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَالتِّرْمِذِيّ

(2)

وحَسَّنَهُ. [صحيح]

(وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: نفسُ المؤمنِ معلَّقةٌ بدَينهِ حتى يُقضى عنهُ. رواهُ أحمدُ، والترمذيُّ وحسَّنهُ). [و]

(3)

قد وردَ التشديدُ في الدَّينِ حتَّى تركَ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ على مَنْ ماتَ وعليهِ دينٌ حتَّى تحمَّلَه عنهُ بعضُ الصحابةِ

(4)

. وأخبرَ صلى الله عليه وسلم أنهُ يغفرُ للشهيدِ عندَ أولِ دفعةٍ من دمهِ كلُّ ذنب إلَّا الدَّينَ

(5)

.

[وهذا الحديثُ منَ الدلائلِ]

(6)

على أنهُ لا يزالُ الميتُ مشغولًا بدَيْنِهِ بعدَ موتهِ، ففيهِ حثٌّ على التخلّصِ عنهُ قبلَ الموتِ، وأنهُ أهمُّ الحقوقِ، وإذا كانَ هذا [في](3) الدَّيْنِ المأخوذِ برضَا [صاحبه]

(7)

، فكيفَ بما أُخِذَ غصْبًا ونَهْبًا وسلْبًا.

‌غسل الميت وتكفينه

10/ 509 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال فِي الَّذِي سَقَطَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَاتَ: "اغْسُلُوهُ بِمَاء وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(8)

. [صحيح]

(1)

في "المسند"(2/ 440 و 475).

(2)

في "السنن"(3/ 389 رقم 1078 ورقم 1079) وقال: حديث (1079) حسن، وهو أصح من حديث (1078). قلت: بل حديث أبي هريرة صحيح.

قلت: وأخرجه ابن ماجه (2413)، والشافعي في ترتيب المسند (2/ 190)، والبغوي في "شرح السنة" (8/ 202 رقم 2147) وقال: هذا حديث حسن. وصحّحه الألباني في "صحيح ابن ماجه".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 330)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 74)، والحاكم (2/ 58) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 39) وقال: رواه أبو داود باختصار ورواه أحمد والبزار بإسناد حسن، كلهم من حديث جابر.

(5)

أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 461)، ومسلم في "صحيحه"(117/ 1885)، والبغوي في شرح السنة" (8/ 200 رقم 2144).

(6)

في (أ): "هذا دليل".

(7)

في (أ): "أربابه".

(8)

البخاري (1849). ومسلم (1206).

قلت: وأخرجه أبو داود (3238)، والترمذي (951)، وابن ماجه (3084)، والنسائي (5/ 195 - 197)، والبغوي في "شرح السنة"(5/ 321 رقم 1480) وغيرهم.

ص: 258

(وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في الذي سقطَ عن راحلتهِ [فماتَ])

(1)

[و]

(2)

ذلك وهوَ واقفٌ بعرفةَ على راحلتهِ كما في البخاريِّ: (اغسلوهُ بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوهُ في ثوبيهِ. متفقٌ عليهِ). تمامُه: "ولا تحنِّطُوهُ، ولا تخمِّرُوا رأسَهُ"، وبعدَهُ في البخاريِّ:"فإنهُ يبعثُ يومَ القيامةِ ملبّيًا".

الحديثُ دليلٌ على وجوبِ غسلِ الميتِ؛ قالَ النوويُّ

(3)

: الإجماعُ على أن غسلَ الميتِ فرضُ كفايةٍ. قالَ المصنفُ بعدَ نقلهِ في الفتحِ: وهوَ ذهولٌ شديد؛ فإنَّ الخلافَ فيهِ مشهورٌ عندَ المالكيةِ حتَّى إنَّ القرطبيَّ رجَّحَ في شرحِ مسلمٍ أنهُ سنةٌ، ولكنَّ الجمهورَ على وجوبهِ. وقد ردَّ ابنُ العربي على مَنْ لمْ يقلْ بذلكَ. وقالَ: قد تواردَ القولُ والعملُ وغسلُ الطاهرِ المطهّرِ، فكيفَ بمنْ سواهُ، ويأتي كمّيةُ الغسلاتِ في حديثِ أمِّ عطيةَ قريبًا

(4)

. وقولُه: "بماءٍ وسدرٍ"، ظاهرُه أنهُ يخلطُ السدرُ بالماءِ في كلِّ مرةٍ من مراتِ الغسلِ. قيلَ: وهوَ يُشعرُ بأنَّ غسل الميتِ للتنظيفِ لا للتطهيرِ؛ لأنَّ الماءَ المضافَ لا يُتَطَهَّرُ بهِ. قيلَ: وقدْ يقالُ: يحتملُ أن السدرَ لا يغيرُ وصفَ الماءِ فلا يصيرُ مضافًا، وذلكَ بأنْ يمعَكَ بالسدرِ، ثمَّ يغسلُ بالماءِ في كلِّ مرةٍ. وقالَ القرطبيُّ: يجعلُ السدرُ في ماءٍ ثمَّ يخضخضُ إلى أن تخرجَ رغوتُه، ويدلكَ بهِ جسدُ الميتِ، ثمَّ يصبَّ عليهِ الماءُ القُراحُ، هذهِ غسلَةٌ. وقيلَ: لا يطرحُ السدرُ في الماءِ، أي: لئلا يمازجَ الماءَ فيُغَيِّرَ وصفَ الماءِ المطلقِ.

وتمسَّكَ بظاهرِ الحديثِ بعضُ المالكيةِ فقالَ: غسلُ الميتِ إنَّما هو للتنظيفِ، فيجزئُ الماءُ المضافُ كماءِ الوردِ ونحوِه. وقالُوا: إنَّما يكرهُ لأجلِ السرفِ. والمشهورُ عندَ الجمهور أنهُ غسلٌ تعبديٌّ يشترطُ فيهِ ما يشترطُ في الاغتسالاتِ الواجبةِ والمندوبةِ.

وفي الحديثِ النهيُ عن تحنيطهِ، ولم يذكرْهُ المصنفُ كما عرفتَ. وتعليلُه بأنهُ يبعثُ ملبّيًا يدلُّ على أن علةَ النهي كونُه ماتَ محرِمًا، فإذا انتفتِ العلةُ انتفى النهيُ، وهو يدلّ على أن الحنوط للميت كان أمرًا متقرّرًا عندهم.

(1)

كلمة (فمات) زائدة من في (أ).

(2)

في (أ): "وكان".

(3)

في "المجموع"(5/ 128).

(4)

رقم (12/ 511).

ص: 259

وفيه أيضًا النهيُ عن تخميرهِ وتغطيةِ رأسهِ لأجلِ الإحرامِ، فمنْ ليسَ بمُحرم يحنَّطُ ويخمَّرُ رأسُه، والقولُ بأنهُ ينقطعُ حكمُ الإحرامِ بالموتِ كما تقولُه الحنفيةُ، وبعضُ المالكيةِ خلافُ الظاهرِ. وقد ذكرَ في الشرحِ خلافَهم وأدلَّتهم، وليستْ بناهضةٍ على مخالفةِ ظاهرِ الحديثِ، فلا حاجةَ إلى سردِها.

وقولُه: "وكفّنوهُ في ثوبينِ"، يدلُّ على وجوب التكفينِ، وأنهُ لا يشترطُ فيهِ أنْ يكونَ وترًا، وقيلَ: يحتملُ أن الاقتصارَ عليهما لأنهُ ماتَ فيهما، وهوَ متلبّسٌ بتلك العبادةِ الفاضلةِ، ويحتملُ أنهُ لم يجدْ له غيرَهما، وأنهُ من رأسِ المالِ، لأنهُ صلى الله عليه وسلم أمرَ بهِ ولم يستفصلْ هل عليهِ دينٌ مستغرقٌ أم لا. وورَدَ الثوبين في هذهِ الروايةِ مطلقينِ، وفي روايةٍ في البخاريِّ

(1)

: في ثوبيهِ، وللنسائي

(2)

: في ثوبيهِ الَّذَينِ أحرمَ فيهما.

قالَ المصنفُ

(3)

: و [فيه]

(4)

استحبابُ تكفينِ الميتِ في ثيابِ إحرامهِ، وأنَّ إحرامَه باقٍ، وأنهُ لا يكفَّنُ في المخيطِ. وفي قولهِ:"يبعثُ ملبِّيًا"، ما يدلُّ [على أن من]

(5)

شرعَ في عملِ طاعةٍ ثمَّ حيلَ بينَه وبينَ تمامِها بالموتِ أنهُ يرجَى لهُ أن يكتبَهُ اللَّهُ في الآخرةِ منِ أهلِ ذلكَ العمل.

‌كيفية غسل رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

-

11/ 510 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا أَرَادُوا غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي، نُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا، أَمْ لَا؟ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(6)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(7)

. [صحيح]

(وعن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: لما أرادُوا غسلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا: واللَّهِ ما ندري نجرِّدُ

(1)

في "صحيحه"(4/ 64 رقم 1851).

(2)

في "السنن"(4/ 39 رقم 1904).

(3)

في "الفتح"(3/ 138).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في (ب): "لمن".

(6)

في "المسند"(6/ 267) بسند صحيح.

(7)

في "السنن"(3/ 502 رقم 1341).

قلت: وأخرجه الحاكم (59/ 3 - 60)، والبيهقي (3/ 387)، وابن ماجه (1/ 470 رقم 1464)، والطياسي (1530).

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وصحَّحه في "الأحكام"(ص 49).

ص: 260

رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما نجرّد موتانا أم لا؟ الحديثَ. رواهُ أحمدُ وأبو داودَ)، وتمامُهُ عندَ أبي داودَ:"فلمَّا اختلفُوا ألقَى اللَّهُ عليهمُ النومَ حتَّى ما مِنْهُم من أحدٍ إلَّا وذقنُهُ في صدرهِ، ثمَّ كلَّمَهم مكلِّمٌ من ناحيةِ البيتِ لا يدرونَ مَنْ هوَ: اغسلُوا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عليهِ ثيابهُ، فغسلوهُ وعليهِ قميصهُ، يصبُّونَ الماءَ فوقَ القميصِ ويدلكونهُ بالقميصِ دونَ أيديهم".

وكانتْ عائشةُ تقولُ

(1)

: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما غسَّلَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا نساؤُه"، وفي روايةٍ لابنِ حبانَ

(2)

: "وكانَ الذي أجلسَهُ في حجرِهِ عليٌّ بنُ أبي طالب عليه السلام". ورَوَى الحاكمُ

(3)

قالَ: "غسَّلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم علي عليه السلام وعلى يدِ عليّ خرقةٌ فغسلهُ، فأدخلَ يدَه تحتَ القميصِ فغسلَه، والقميصُ عليهِ". ورَوى ذلكَ الشافعيُّ

(4)

عن مالكٍ، عن جعفرِ بن محمدٍ، عن أبيهِ. وفي هذهِ القصةِ دلالةٌ على أنهُ صلى الله عليه وسلم ليسَ كغيرهِ منَ الموتَى.

‌كيفية غسل ابنته زينب

12/ 511 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ، فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكثَرَ مِنْ ذلِكَ إِن رَأَيْتُن ذلِكَ، بِمَاءٍ

(1)

أخرج أحمد (6/ 267)، وأبو داود (3141)، والحاكم (3/ 59 - 60)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 387)، وفي "الدلائل"(7/ 242)، وابن حبان (14/ 595 رقم 6627)، وابن ماجه (1464) من حديث عائشة.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 474 رقم 519/ 1464): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. ومحمد بن إسحاق وإن كان مدلسًا ورواه بالعنعنة في هذا الإسناد - أي إسناد ابن ماجه - فقد رواه ابن الجارود وابن حبان في صحيحه والحاكم في "المستدرك" من طريق ابن إسحاق مصرِّحًا بالتحديث فزالت تهمة تدليسه. ورواه الإمام الشافعي في مسنده من هذا الوجه. ورواه البيهقي من طريق الحاكم.

ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق محمد بن إسحاق حدثنا يحيى بن عباد فذكره بزيادة طويلة كما بينته في زوائد المسانيد العشرة" اهـ.

(2)

في "الإحسان"(14/ 596 رقم 6628) بإسناد قوي، وانظر كلام الشيخ شعيب عليه.

(3)

في "المستدرك"(3/ 59 - 60).

(4)

في "بدائع المنن"(1/ 209 رقم 552).

ص: 261

وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الأخَيرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيئًا مِنْ كَافُورٍ"، فَلَّمَا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ، فَقَالَ: "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

، وَفِي رِوَايَةٍ

(2)

: "ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعَ الوضُوءِ مِنْهَا"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ

(3)

: "فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، فَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا". [صحيح]

(وعن أمِّ عطيةَ) تقدمَ اسمُها، وفيهِ خلافٌ، وهي أنصاريةٌ (قالتْ: دخلَ علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحنُ نغسلُ ابنتَه) لم تقعْ في شيءٍ من رواياتِ البخاريِّ مسمَّاةً، والمشهورُ أنها زينبُ زوجُ أبي العاصِ، كانتْ وفاتُها في أولِ سنةٍ ثمانٍ، ووقعَ في رواياتٍ أنَّها أمُّ كلثومٍ، ووقعَ في البخاريِّ

(4)

عن ابن سيرينَ: "لا أدري أيَّ بناتهِ".

(فقالَ: اغسلنَها ثلاثًا أو خمسًا، أو أكثرَ من ذلكَ إنْ رأيتنَّ ذلكَ بماءٍ وسدرٍ، واجعلنَ في الأخيرةِ كافورًا أو شيئًا من كافورٍ)، هوَ شكٌّ من الراوي أيُّ اللفظينِ قَال، والأول محمولٌ على الثاني لأنهُ نكرةٌ في سياقِ الإثباتِ فيصدقُ بكلِّ شيءٍ منهُ، (فلمَّا فرغْنا آذنَّاهُ) في البخاري:"أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ لهنَ: فإذا فرغتُنَّ آذنَّني"، ووقعَ [في]

(5)

روايةِ البخاري: "فلما فرغْنَ" عوضًا عن فرغْنا، (فألقى إلينا حقوهُ)، وفي لفظِ البخاري:"فأعطانا حقوهُ"، وهو بفتحِ المهملةِ، ويجوزُ كسرُها، وبعدَها قافٌ ساكنةٌ. والمرادُ هنا: الإزارُ، وأطلقَ على الإزارِ مجازًا؛ إذْ معناهُ الحقيقي: معقدُ الإزارِ، فهوَ من تسميةِ الحال باسمِ المحلِّ (فقالَ: أشعرْنَها إياهُ. متفقٌ عليهِ)، أي: اجعلْنَه شعارَها، أي: الثوبَ الذي يلي جسدَها.

(وفي روايةٍ) أي: للشيخينِ عن أمِّ عطيةَ (ابدأنَ بميامِنها ومواضعِ الوضوءِ منها، وفي لفظٍ للبخاريِّ) أي: عن أمِّ عطيةَ (فضفرْنا شعرَها ثلاثةَ قرونٍ فألقيناهُ خلفَها). دلَّ الأمرُ في قولهِ: "اغسلْنَها ثلاثًا" على أنهُ يجبُ ذلكَ العددُ، والظاهرُ

(1)

البخاري (1253)، ومسلم (38/ 939).

قلت: وأخرجه أبو داود (3142)، والترمذي (990)، والنسائي (4/ 31)، وابن ماجه (1458)، وأحمد (5/ 84).

(2)

البخاري (1255)، ومسلم (43/ 939).

(3)

في "صحيحه"(3/ 134 رقم 1263).

(4)

في "صحيحه"(3/ 133 رقم 1261).

(5)

كلمة "في" زيادة من (أ).

ص: 262

الإجماعُ على إجزاءِ الواحدةِ، فالأمرُ بذلكَ محمولٌ على الندبِ، وأمّا أصلُ الغسلِ فقد علمَ وجوبُه من محلٍّ آخرَ، وقيلَ: تجبُ الثلاثُ. وقولُه: "أو خمسًا"، أو للتخييرِ [لا للترتيب]

(1)

هوَ الظاهرُ، وقولُه:"أو أكثرَ"، قدْ فسِّرَ في روايةٍ: أو سبعًا بدلَ قوله: أوْ أكثرَ من ذلكَ، وبهِ قالَ أحمدُ وكرهَ الزيادةَ على سبعٍ.

قالَ ابنُ عبد البرِّ

(2)

: لا أعلمُ أحدًا قالَ بمجاوزةِ السبعِ، إلَّا أنهُ وقعَ عندَ أبي داودَ

(3)

أوْ سبعًا أو أكثرَ منْ ذلكَ، فظاهرُها شرعيةُ الزيادةِ على السبعِ.

وتقدَّمَ الكلامُ في كيفيةِ غسلةِ السدرِ، قالُوا: والحكمةُ فيهِ أنهُ يليِّنُ جسدَ الميتِ. وأما غسلةُ الكافورِ، فظاهرُه أنهُ يجعلُ الكافورُ في الماءِ ولا يضرُّ الماءَ تغيرَهُ بهِ، والحكمةُ فيهِ أنهُ يطيبُ رائحةَ الموضعِ لأجلِ مَنْ حضرَ مِنَ الملائكةِ وغيرِهم، معَ أن فيهِ تجفيفًا وتبريدًا وقوةَ نفوذٍ وخاصيةً في تصليبِ جسدِ الميتِ، وصرفِ الهوامِّ عنهُ، ومنعِ ما يتحللُ منَ الفضلاتِ، ومنعُ إسراعِ الفسادِ إليهِ، وهوَ أقْوى الروائحِ الطيبةِ في ذلكَ؛ وهذا هوَ السرُّ في جعلهِ في الآخرةِ؛ إذْ لو كانَ في الأُولى مثلًا لأذهبهُ الماءُ. وفيهِ دلالةٌ على البداءةِ في الغسلِ بالميامنِ. والمرادُ بها ما يلي الجانبَ الأيمنَ. وقولهُ:"ومواضعَ الوضوءِ منها" ليسَ بينَ الأمرينِ تنافٍ لإمكانِ البداءةِ بمواضعِ الوضوءِ وبالميامنِ معًا. وقيلَ: المرادُ: ابدأنَ بميامِنها في الغسلاتِ التي لا وضوءَ فيها، ومواضعَ الوضوءِ منها في الغسلةِ المتصلةِ بالوضوءِ.

والحكمةُ في الأمرِ بالوضوءِ تجديد سمة المؤمنين في ظهور أثر الغُرَّة والتحجيل. وظاهر مواضع الوضوء دخولُ المضمضةِ والاستنشاقِ. [وقولُه]

(4)

: "ضفرْنا شعرَها" استدلَّ بهِ على ضفرِ شعرِ الميتِ، وقالَ الحنفيةُ: يرسلُ شعرُ المرأةِ خلفَها وعلى وجهِهَا مفرَّقًا. قالَ القرطبيُّ: كأنَّ سببَ الخلافِ أن الذي فعلتْهُ أمُّ عطيةَ لم يكنْ عن أمرهِ صلى الله عليه وسلم، ولكنهُ قالَ المصنفُ

(5)

: إنهُ قد رَوَى سعيدُ بنُ منصورٍ ذلكَ بلفظِ: "قالتْ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اغسلنَها وترًا، واجعلنَ شعرَها ضفائرَ".

(1)

في (أ): "و".

(2)

في "التمهيد"(1/ 373).

(3)

في "السنن"(رقم 3142).

(4)

في (أ): "قولها".

(5)

في "الفتح"(3/ 134).

ص: 263

وفي صحيحِ ابن حبانَ

(1)

: "اغسلنَها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، واجعلْنَ لها ثلاثةَ قرونٍ"، والقرنُ هنا المرادُ بهِ: الضفائرُ، وفي بعضِ ألفاظِ البخاري:"ناصيتَها وقرنَيْها"، ففي لفظِ ثلاثةِ قرونٍ تغليبٌ، والكلُّ حجةٌ على الحنفيةِ. والضفرُ يكونُ بعدَ نقضِ شعرِ الرأسٍ وغسلهِ وهوَ في البخاري صريحًا. وفيه دلالةٌ على إلقاءِ الشعرِ خلفَها.

وذَهَلَ ابنُ دقيقِ العيدِ عن كونِ هذهِ الألفاظ في البخاري، فنسبَ القولَ بهِ إلى بعض الشافعيةِ، وأنهُ استندَ في ذلكَ إلى حديثٍ غريبٍ.

‌صفة كفنه صلى الله عليه وسلم وما يلزم في الكفن

13/ 512 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بيضٍ سُحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

(وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: كُفِّنَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في ثلاثةِ أثوابِ بيضِ سُحُوليةٍ) بضمِّ السينِ المهملةِ، والحاءِ المهملةِ، (من كُرْسُفٍ) بضمِّ الكافِ، وسكونِ الراءِ، وضمّ السِّين المهملةِ ففاءٍ، أي: قطن (ليس فيها) أي: الثلاثةِ (قميصٌ ولا عمامةٌ) بل إزارٌ ورداءٌ ولفافةٌ كما صرَّحَ بهِ في طبقاتِ ابن سعدٍ

(3)

عن الشعبيِّ، (متفقٌ عليهِ).

فيهِ أن الأفضلَ التكفينُ في ثلاثةِ أثواب بيضٍ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى لم يكنْ يختارُ لنبيهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا الأفضلَ.

وقد رَوَى أهلُ السننِ

(4)

من حديثِ ابنٍ عباسٍ: "البسُوا ثيابَ البياضِ فإنَّها

(1)

في "الإحسان"(7/ 304 - 305 رقم 3033) بسند صحيح.

(2)

البخاري (1264)، ومسلم (45/ 941).

قلت: وأخرجه مالك (1/ 223 رقم 5)، وأبو داود (3151)، والترمذي (996)، والنسائي (4/ 35)، وابن ماجه (1469) من حديث عائشة.

(3)

(2/ 283).

(4)

أبو داود (3878)، والترمذي (994).

وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (3566) ولم يخرجه النَّسَائِي.

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 3428 رقم 3426) شاكر، والشافعي في "ترتيب المسند" =

ص: 264

أطيبُ وأطهرُ، وكفِّنُوا فيها موتَاكمْ"، وصحَّحهُ الترمذيُّ، والحاكم. وله شاهدٌ من حديثِ سمُرةَ

(1)

أخرجوهُ، وإسنادُه صحيحٌ أيضًا، وأمّا ما تقدمَ في حديثِ عائشةَ:"أنهُ صلى الله عليه وسلم سجِّيَ ببردٍ حِبرةٍ"، وهيَ بردٌ يمانيٌّ مخطّطُ غالي الثمنِ، فإنهُ لا يعارضُ ما هنا لأنهُ صلى الله عليه وسلم لم يكفنْ في ذلكَ البردِ بل سجَّوْهُ بهِ ليتجفّفَ فيه، ثمَّ نزعُوهُ عنهُ، كما أخرجهُ مسلمٌ، على أن الظاهرَ أن التسجيةَ كانتْ قبلَ الغسلِ.

قال الترمذيُّ

(2)

: تكفينهُ في ثلاثةِ أثواب بيضٍ أصحُّ ما وردَ في كَفَنِهِ، وأمّا ما أخرجَهُ أحمدُ

(3)

، وابنُ أبي شيبةَ

(4)

، والبزارُ

(5)

من حديثِ عليٍّ رضي الله عنه: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في سبعةِ أثوابٍ" فهوَ من روايةِ عبدِ اللَّهِ بن محمدِ بن عقيل، وهو سيّءُ الحفظِ، يصلُحُ حديثُه في المتابعاتِ إلَّا إذا انفردَ [فلا يحسنُ]

(6)

، فكيف إذا خالفَ كما هنا، فلا يقبلُ.

قالَ المصنفُ: وقد رَوَى الحاكمُ من حديثِ أيوبَ عن نافع، عن ابن عمرَ ما يعضدُ روايةَ ابن عقيلٍ، فإنْ ثبتَ جمعَ بينَه وبينَ حديثِ عائشة بأنها روتْ ما اطّلعتْ عليهِ وهوَ الثلاثةُ، وغيرُها رَوَى ما اطّلعَ عليهِ سيَّما إنْ صحَّتِ الروايةُ عن عليّ، فإنَّهُ كانَ المباشرُ للغسلِ.

واعلمْ أنهُ يجبُ منَ الكفنِ ما يسترُ جميعَ جسدِ الميتِ، فإنْ قصرَ عن سترِ الجميعِ قُدِّمَ سترُ العورةِ فما زاد عليها سُتِرَ بهِ من جانبِ الرأسِ، وجُعلَ على

= (1/ 207 رقم 573)، والبيهقي (3/ 245)، وصحَّحه ابن حبان في "الموارد"(رقم 1339)، والحاكم (1/ 354) ووافقه الذهبي.

(1)

أخرجه النَّسَائِي (4/ 34)، والبيهقي (3/ 402، 403)، وصححه الحاكم (1/ 354، 355)، وأقرّه الذهبي. وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 135): إسناده صحيح.

وانظر: "التلخيص الحبير"(2/ 69).

(2)

في "السنن"(3/ 322).

(3)

في "الفتح الرباني"(7/ 176 رقم 133).

(4)

في "كشف الأستار"(1/ 401 رقم 850) وقال: لا نعلم أحدًا تابع ابن عقيل على روايته هذه، تفرد به حماد عنه.

(5)

في "المصنف"(3/ 262).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 23): رواه أحمد وإسناده حسن، والبزار.

(6)

زيادة من (ب).

ص: 265

الرِّجلينِ حشيشٌ، كما فعلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمِّه حمزةَ ومصعبِ بن عميرٍ

(1)

، فإنْ أُريدَ الزيادةُ على الواحدِ فالمندوبُ أنْ يكونَ وترًا، ويجوزُ الاقتصارُ على الاثنينِ كما مرَّ في حديثِ المُحرمِ الذي ماتَ. وقد عرفتَ من روايةِ الشعبيِّ كيفيّةَ الثلاثةِ، وأنَّها إزارٌ ورداءٌ ولفافةٌ. وقيلَ: مِئزرٌ ودرجانِ. وقيلَ: يكونُ منها قميصٌ غيرُ مخيطٍ، وإزارٌ يبلغُ من سرتهِ إلى ركبتهِ، ولفافةٌ يلفُّ بها من قرنهِ إلى قدمهِ.

وتأوّلَ هذا القائلُ قولَ عائشةَ: "ليسَ فيها قميصٌ ولا عمامةٌ" بأنَّها أرادتْ نَفْيَ وجودِ الأمرينِ معًا لا القميصِ وحدَه، أو أن الثلاثةَ خارجةٌ عن القميصِ والعمامةِ، والمرادُ: أن الثلاثةَ مما عداهُما وإنْ كانا موجودينِ وهذا بعيدٌ جدًّا. قيلَ: والأَوْلَى أنْ يقالَ إنَّ التكفينَ بالقميصِ وعدمهِ سواءٌ يُستحبانِ، فإنّهُ صلى الله عليه وسلم كفَّنَ عبدَ اللَّهِ بن أُبيٍّ في قميصهِ، أخرجهُ البخاريُّ

(2)

. ولا يفعلُ صلى الله عليه وسلم إلَّا ما هوَ الأحسنُ، وفيه أن قميصَ الميتِ مثلُ قميصِ الحيِّ مكفوفًا مزرُورًا، وقد استحبَّ هذا محمدُ بنُ سيرينَ كما ذكرهُ البيهقيُّ في الخلافياتِ. قالَ في الشرحِ: وفي هذا ردٌّ على مَنْ قالَ: إنهُ لا يشرعُ القميصُ إلَّا إذا كانت أطرافُه غيرَ مكفوفةٍ.

قلتُ: وهذا يتوقفُ على أن كفَّ أطرافِ القميصِ كانَ عرفَ أهلِ ذلكَ العصر.

‌شرعية التكفين في القميص

14/ 513 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَي جَاءَ ابْنُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

(وعنِ ابن عمرَ قالَ: لما تُوُفِّيَ عبدُ اللَّهِ بنُ أُبيٍّ جاءَ ابنُه) هوَ عبدُ اللَّهِ بنُ

(1)

أخرجه البخاري (رقم 1215 - البغا) عن عبد الرحمن بن عوف.

(2)

في "صحيحه"(3/ 138 رقم 1269) من حديث ابن عمر.

قلت: وأخرجه مسلم (3/ 2774) وغيرهما.

(3)

البخاري (1269)، ومسلم (3/ 2774).

قلت: وأخرجه الترمذي (3098) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (1900).

ص: 266

عبدِ اللَّهِ (إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: أعطني قميصَك أكفِّنْهُ فيهِ، فأعطاهُ. متفقٌ عليهِ).

هوَ دليلٌ على شرعيةِ التكفينِ في القميص كما سلفَ قريبًا، وظاهرُ هذهِ الروايةِ أنهُ طلبَ القميصَ منهُ صلى الله عليه وسلم قبلَ التكفينِ، إلّا أنهُ قد عارضَها ما عندَ البخاريِّ

(1)

من حديثِ جابرٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم أتَى عبدَ اللَّهِ بن أبيِّ بعدَ ما دفنَ فأخرجَهُ فنفثَ فيهِ من ريقهِ، وألبسَه قميصَه"؛ فإنهُ صريحٌ أنهُ كانَ الإعطاءُ والإلباسُ بعدَ الدفنِ.

وحديثُ ابن عمرَ يخالفُه، وجُمِعَ بينَهما بأنَّ المرادَ مِنْ قولهِ في حديثِ ابن عمرَ فأعطاهُ أي: أنعمَ لهُ بذلكَ فأطلقَ على العدةِ اسمُ العطيةِ مجازًا لتحقّقِ وقوعِها، وكذا قولُه في حديثِ جابرٍ:"بعدَ ما دفنَ" أي: دُلِّيَ في حفرتهِ، أوْ أن المرادَ من حديثِ جابرٍ أن الواقعَ بعدَ إخراجهِ من حفرتهِ هوَ النفثُ، وأمّا القميصُ فقد كانَ أُلبسَ والجمعُ بينَهما لا يدلُّ على وقوعِهما معًا؛ لأنَّ الواوَ لا تقتضي الترتيبَ ولا المعيَّةَ، فلعلَّهُ أرادَ أنْ يذكرَ ما وقعَ في الجملةِ من إكرامهِ صلى الله عليه وسلم من غيرِ إرادةِ الترتيبِ، وقيلَ: إنّه صلى الله عليه وسلم أعطاهُ أحدَ قميصَيْه أولًا، [ثم]

(2)

لما دفنَ أعطاهُ الثاني بسؤالِ ولدِهِ.

وفي "الإكليلِ" للحاكمِ

(3)

ما يؤيّدُ ذلكَ، واعلمْ أنهُ إنَّما أعطيَ عبدُ اللَّهِ بنُ عبدِ اللَّهِ بن أُبيٍّ لأنهُ كانَ رجلًا صالحًا، ولأنه سألهُ ذلكَ وكانَ لا يردُّ سائلًا، وإلَّا فإنَّ أباهُ الذي ألبسَه قميصَهُ صلى الله عليه وسلم وكفّنَ فيهِ من أعظم المنافقينَ، وماتَ على نفاقهِ، وأنزلَ اللَّهُ فيهِ:{وَلَا تصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبدًا}

(4)

، وقيلَ: إنَّما كساهُ صلى الله عليه وسلم قميصَه لأنَّه [كان]

(5)

كسا العباسَ لما أسر ببدرٍ، فأرادَ صلى الله عليه وسلم أن يكافئَه.

‌يُسن التكفين في الثياب البيض

15/ 514 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْبِسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ"، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

. [صحيح]

(1)

في "صحيحه"(3/ 138 رقم 1270).

(2)

في (ب): "و".

(3)

ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"(3/ 139).

(4)

سورة التوبة: الآية 84.

(5)

زيادة من (ب).

(6)

أحمد (5/ 3428 رقم 3426 - شاكر)، وأبو داود (3878)، والترمذي (994)،=

ص: 267

(وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: البسُوا من ثيابِكمُ البياض، فإنَّها من خيرِ ثيابكم وكفِّنُوا فيها موتَاكم. رواهُ الخمسةُ إلَّا النسائيَّ، وصحَّحهُ الترمذيُّ). تقدَّمَ

(1)

حديثُ البخاري عن عائشةَ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ بيضٍ".

وظاهرُ الأمرِ أنهُ يجبُ التكفينُ في الثيابِ البيضِ، ويجبُ لبسُها إلَّا أنهُ صرفَ الأمرَ عنهُ في اللبسِ أنهُ قد ثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنهُ لبسَ غيرَ الأبيضِ، وأمَّا التكفينُ فالظاهرُ أنهُ لا صارفَ عنهُ إلَّا أنْ لا يوجدَ الأبيضُ كما وقعَ في تكفينِ شهداءِ أحدٍ، فإنهُ [صلى الله عليه وسلم كَفَّنَ جماعةً في نمرةٍ واحدةٍ كما

(2)

يأتي]

(3)

؛ فإنهُ لا بأسَ بهِ للضرورةِ، وأمّا ما رواهُ ابنُ عديٍّ

(4)

من حديثِ ابن عباسٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في قطيفةٍ حمراءَ"، ففيهِ قيسُ بنُ الربيعِ وهوَ ضعيفٌ

(5)

. [ولعلّهُ]

(6)

اشتبهَ عليهِ بحديثِ: "أنهُ جعلَ في قبرهِ قطيفةً حمراءَ"

(7)

، وكذلكَ ما قيلَ: إنهُ كُفِّنَ في بردٍ حبرةٍ. وتقدمَ الكلامُ أنهُ إنَّما سُجِّيَ بها

(8)

ثمَّ نزعتْ عنهُ.

‌أفضل الثياب في الكفن

16/ 515 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُم أَخَاهُ فَلْيحْسِنْ كفَنَهُ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(9)

. [صحيح]

(وعن جابر رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذا كَفَّنَ أحدُكم أخاهُ فليُحسنْ كَفَنَهُ.

= وابن ماجه (3566).

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه الشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 207 رقم 573)، والبيهقي (3/ 245)، وصحَّحه ابن حبان في "الموارد"(رقم 1339)، والحاكم (1/ 354) ووافقه الذهبي.

والخلاصة: فهو حديث صحيح، والله أعلم.

(1)

رقم (13/ 512).

(2)

رقم (17/ 516).

(3)

الزيادة من المطبوع وليس في (أ) أو (ب).

(4)

في "الكامل"(6/ 2068).

(5)

قال ابن عدي: لا بأس به.

(6)

في (ب): "وكأنه".

(7)

أخرجه مسلم (91/ 967).

(8)

رقم (7/ 506).

(9)

في "صحيحه"(2/ 651 رقم 943).

ص: 268

رَوَاهُ مُسلمٌ)، ورواهُ الترمذيُّ

(1)

أيضًا من حديثِ أبي قتادةَ وقالَ: حسنٌ غريبٌ، ثمَّ قالَ ابنُ المباركِ

(2)

: قالَ سَلَّامُ بنُ أبي مُطِيعٍ قولُهُ: "فليُحسن كفَنُه"، قالَ: هوَ الضَّفَاءُ بالضادِ المعجمةِ والفاءِ، أي: الواسعُ الفائضُ، وفي الأمر بإحسانِ الكفنِ دلالةٌ على اختيارِ ما كان أحسنَ في الذاتِ، وفي صفةِ الثوبِ، وفي كيفيةِ وضعِ الثيابِ على الميّتِ.

فأمّا حسنُ الذاتِ فينبغي أنْ يكونَ على وجهٍ لا يعدُّ منَ المغالاةِ كما سيأتي النهيُ [عنهُ]

(3)

، وأما صفةُ الثوب فقد بيَّنها حديثُ ابن عباسٍ الذي قبل هذا

(4)

، وأمّا كيفيةُ وضع الثيابِ على الميتِ، فقد بيِّنت فيما سلفَ. وقد وردتْ أحاديثُ في إحسانِ الكفنِ وذكرتْ فيها علّةُ ذلكَ.

أخرجَ الديلميُّ

(5)

عن جابرٍ مرفوعًا: "أحْسِنُوا كفنَ موتاكم، فإنَّهم يتباهونَ ويتزاورونَ بها في قبورِهم"، وأخرجَ أيضًا

(6)

من حديثِ أمِّ سلمةَ: "أحسنُوا الكفنَ ولا تؤذُوا موتاكم بعويلٍ، ولا بتزكيةٍ، ولا بتأخيرِ وصيةٍ، ولا بقطيعةٍ، وعجِّلُوا بقضاءِ دينهِ، واعدلُوا عن جيرانِ السوءِ، واعمقُوا إذا حفرتمْ ووسِّعُوا".

ومنَ الإحسانِ إلى الميتِ ما أخرجَهُ أحمدُ

(7)

من حديثِ عائشةَ عنهُ صلى الله عليه وسلم: " [و]

(8)

مَنْ غَسَّلَ ميتًا فأدَّى فيهِ الأمانةَ ولم يفشِ عليهِ ما يكونُ منهُ عندَ ذلكَ خرجَ من ذنوبهِ كيومِ ولدتْهُ أُمُّهُ". وقالَ صلى الله عليه وسلم: "لِيَلِهِ أقربُكم إنْ كانَ يعلمُ فإنْ لم [يكن](8) يعلمُ، فَمَنْ ترونَ عندَه حظًا من ورع وأمانةٍ"، رواهُ أحمدُ

(9)

. وأخرجَ الشيخان

(10)

من حديثِ ابن عمرَ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سترَ مسلمًا سترهُ اللَّهُ يومَ القيامةِ"، وأخرجَ عبدُ اللَّهِ بنُ أحمدَ

(11)

من حديثِ أُبي بن كعبِ: "أن آدمَ عليهِ

(1)

في "السنن"(3/ 320 رقم 995).

(2)

ذكره الترمذي في "السنن"(3/ 321).

(3)

في (أ): "عنها".

(4)

رقم (15/ 514).

(5)

في "الفردوس"(1/ 98 رقم 317) بدون سند. وانظر: "تنزيه الشريعة"(2/ 373 رقم 32).

(6)

في "الفردوس"(1/ 98 رقم 318) بدون سند.

(7)

في "المسند"(6/ 119 - 120) وفي إسناده جابر الجعفي ضعيف.

(8)

زيادة من (ب).

(9)

في "المسند"(6/ 119 - 120) وفي إسناده جابر الجعفي ضعيف.

(10)

البخاري (رقم 2310 - البغا)، ومسلم (2580).

(11)

في "الفتح الرباني"(7/ 154 رقم 113). =

ص: 269

السلامُ قبضتْهُ الملائكةُ وغسَّلوهُ، وكفَّنوهُ، وحنّطوهُ، وحفرُوا لهُ، وألحدُوهُ، وصلَّوا عليهِ، ودخلُوا قبرهُ، ووضعُوا عليهِ اللَّبِنَ، ثمَّ خرجُوا منَ القبرِ، ثمَّ حَثَوْا عليهِ الترابَ، ثمَّ قالُوا: يا بني آدمَ هذا سنَّتكُمْ".

‌دفنُ أكثرَ من واحدٍ في قبرٍ ومن يقدَّم؟

17/ 516 - وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ:"أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ " فَيُقَدِّمُهُ فِي اللَّحْدِ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(1)

. [صحيح]

(وعنهُ) أي: عن جابرٍ: (كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يجمعُ بينَ الرجلينِ من قتلى أُحُدٍ في ثوبٍ واحدٍ ثمَّ يقوله: (أيُّهم أكثرُ أخذًا للقرآنِ) فيقدِّمُهُ في اللَّحدِ). سمِّي لحدًا لأنهُ شِقٌّ يعملُ في جانبِ القبرِ، فيميلُ عن وسطهِ. والإلحادُ لغةً: الميلُ، (ولا يغسَّلوا ولا يصلَّ عليهمْ. رواهُ البخاريُّ)، دلَّ على أحكامٍ:

الأول: أنه يجوزُ جمعُ الميِّتَينِ في ثوبٍ واحدٍ للضرورةِ، وهوَ أحدُ الاحتمالينِ.

والثاني: أن المرادَ يقطعهُ بينَهما، ويكفنُ كلَّ واحدٍ على حيالَهَ، إلى هذا ذهبَ الأكثرونَ. بل قيلَ: إنَّ الظاهرَ أنهُ ولم يقلْ بالاحتمالِ الأولِ أحدٌ؛ فإنَّ فيهِ التقاءَ بَشَرَتَي الميِّتَينِ. ولا يخْفَى أن قولَ جابرٍ [في تمامِ

= قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 344 - 345) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وهو من النوع الذي لا يوجد للتابعي إلّا الراوي الواحد، فمن عتيّ بن ضمرة السعدي ليس له راوٍ غير الحسن، وعندي أن الشيخين علّلاه بعلّة أخرى وهو أنه روي عن الحسن عن أبي بن كعب - دون ذكر عتيّ" اهـ.

وقال الذهبي: لم يخرجاه لأن عتيّ بن ضمرة لم يرو عنه غير الحسن وله علّة.

(1)

في "صحيحه"(3/ 209 رقم 1343) وأطرافه رقم (1345) ورقم (1346) ورقم (1347) ورقم (1348) ورقم 1353 ورقم (4079).

قلت: وأخرجه أبو داود (3138)، والترمذي (1036)، وابن ماجه (1515) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 270

الحديثِ] (1): "فكُفِّنَ أبي وعمي في نَمِرةٍ واحدةٍ"، دليل على الاحتمالِ الأولِ. وأمّا الشارحُ رحمه الله فقالَ: الظاهرُ الاحتمالُ الثاني؛ [فإنه أولى فإن في تقطيع الثياب بينهما، وتقديم ستر العورة، وأينما بلغ فيما زاد عليه]

(1)

كما فعلَ في حمزةَ رضي الله عنه.

قلتُ: حديثُ جابرٍ أوضحُ في عدمِ تقطيعِ [الثياب]

(2)

بينَهما، فيكونُ أحدُ الجائزينِ، والتقطيعُ جائزٌ على الأصلِ.

الحكم الثاني: أنهُ دلَّ على أنهُ يقدمُ الأكثرُ أخذًا للقرآنِ على غيرهِ لفضيلةِ القرآنِ، ويقاسُ عليهِ سائرُ جهاتِ الفضلِ إذا جُمِعُوا في اللَّحدِ.

الحكمُ الثالثُ: [جواز]

(3)

جمعِ جماعةٍ في قبرٍ وكأنهُ للضرورةِ. وبوّبَ البخاريُّ بابُ (دفنِ الرجلينِ والثلاثةِ في قبرٍ)

(4)

. وأوردَ فيهِ حديثَ جابرٍ هذا وإنْ كانت روايةُ جابرٍ في الرجلينِ، فقد وقعَ ذكرُ الثلاثةِ في روايةِ عبدِ الرزاقِ

(5)

: كانَ يدفنُ الرجلينِ والثلاثةَ في [القبر الواحد]

(6)

. ورَوَى أصحابُ السننِ

(7)

عن هشامِ بن عامرٍ الأنصاريِّ: "قالَ: جاءتِ الأنصارُ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومَ أُحُدٍ فقالُوا: أصابَنا قرحٌ وجهدٌ، فقالَ: "حفرُوا، وأوسعُوا، واجعلُوا الرجلينِ والثلاثةَ في قبرٍ"، صحَّحهُ الترمذيُّ، ومثلُه المرأتانِ والثلاثُ.

وأمّا دفنُ الرجلِ والمرأةِ في القبرِ الواحدِ فقد رَوَى عبدُ الرزاقِ

(8)

بإسنادٍ حسنِ عن واثلةَ بن الأسقعِ أنهُ كان يدفنُ الرجلُ والمرأةُ في القبرِ الواحدِ، فيقدّمُ الرجلُ وتجعلُ المرأةُ وراءَهُ، وكأنهُ [كانَ](3) يجعلُ بينَهما حائلًا من ترابٍ.

الحكمُ الرابعُ: أنهُ لا يغسَّلُ الشهيدُ، وإليهِ ذهبَ الجمهورُ. ولأهلِ المذهبِ

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في (ب): "الثوب".

(3)

زيادة من (أ).

(4)

الباب رقم (73): (3/ 211).

(5)

في "المصنف"(3/ 474 - 475 رقم 6379) عن جابر.

(6)

في (ب): "قبر واحد".

(7)

أبو داود (3215)، الترمذي (1713)، والنسائي (4/ 80 - 81 رقم 2011)، وابن ماجه (1560).

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 19، 20)، والبيهقي (4/ 34) وسندُهُ صحيح.

وصحَّحه الألباني في "الإرواء"(3/ 194 - 195 رقم 743).

(8)

في "المصنف"(3/ 474 رقم 6378) بسند حسن.

ص: 271

تفاصيلُ في ذلك. ورُوِيَ عن سعيدٍ بن المسيبِ

(1)

، والحسنِ

(2)

، وابنِ شُرَيْحٍ أنهُ يجبُ غسلُه، والحديثُ حجةٌ عليهمْ. وقد أخرجَ أحمدُ

(3)

من حديثِ جابرٍ أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ في قتلى أُحُدٍ: "لا تُغَسِّلُوهُمْ فإنَّ كلَّ جُرْحٍ أو كلَّ دمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يومَ القِيامةِ"، فبيّنَ الحكمةَ في ذلكَ.

الحكم الخامسُ: عدمُ الصلاةِ على الشهيدِ، وفي ذلكَ خلافٌ بينَ العلماءِ معروفٌ، فقالتْ طائفةٌ: يصلَّى عليهِ عملًا بعمومِ أدلةِ الصلاةِ على الميتِ، وبأنهُ [رُوي أنهُ]

(4)

صلى الله عليه وسلم صلَّى على قَتْلَى أُحُدٍ

(5)

، وكبَّرَ على [الحمزة]

(6)

سبعينَ تكبيرةً، وبأنهُ رَوَى البخاريُّ

(7)

عن عقبة بن عامرٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى على قَتْلَى أُحدٍ"، وقالتْ طائفة: لا يصلَّى عليهِ عملًا بروايةِ جابرٍ هذهِ. قالَ الشافعيُّ: جاءتِ الأخبارُ كأنها عيانٌ من وجوهٍ متواترةٍ: " [أن النبيَّ]

(8)

صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ على قَتْلَى أُحُدٍ"، وما رُوِيَ

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 253)، وعبد الرزاق (3/ 545 رقم 6650).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 253) من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن، وعبد الرزاق في "المصنف"(3/ 545 رقم 6650).

(3)

في "الفتح الرباني"(7/ 159 رقم 119).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

أخرج الحاكم (2/ 119 - 120) عن جابر وفيه: "ثم جيء بحمزة فصلّى عليه، ثم يجاء بالشهداء فتوضع إلى جانب حمزة فيصلّي عليهم ثم ترفع ويترك حمزة حتى صلّى على الشهداء كلهم

" قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: أبو حماد هو المفضل بن صدقة، قال النَّسَائِي: متروك.

قلت: وقال ابن عدي في "الكامل"(6/ 2404 - 2405): "وما أرى بحديثه بأسًا".

وفي الباب عن ابن مسعود أخرجه أحمد (1/ 463).

وعن ابن عباس أخرجه ابن ماجه (رقم 1513)، والدارقطني (2/ 474)، والحاكم (3/ 198)، والبيهقي (4/ 12) وغيرهم.

وعن عبد الله بن الزبير أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 503) بسند حسن، والخلاصة: فالحديث صحيح، والله أعلم.

(6)

في (ب): "حمزة".

(7)

في "صحيحه"(3/ 209 رقم 1344) وأطرافه رقم (3596) ورقم (4042) ورقم (4085) ورقم 6426 ورقم 6590. قلت: وأخرجه مسلم (2296)، وأبو داود (3223)، والنسائي (4/ 61 - 62)، والبغوي في "شرح السنة" (رقم 3823) من طرق عنه.

(8)

في (أ): "أنه".

ص: 272

أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى عليهمْ وكبَّرَ على حمزة رضي الله عنه سبعينَ تكبيرةً لا يصحُّ، وقدْ كانَ ينبغي لمن عارضَ بذلكَ هذهِ الأحاديثَ الصحيحةَ أنْ يستحيَ على نفسهِ.

وأمّا حديثُ عقبةَ بن عامرٍ فقد وقعَ في نفسِ الحديثِ أن ذلكَ كانَ بعدَ ثماني سنينَ، يعني والمخالفُ يقولُ: لا يُصَلَّى على القبرِ إذا طالتِ المدةُ، فلا يتمُّ لهُ الاستدلالُ، وكأنهُ صلى الله عليه وسلم دعا لهمْ واستغفرَ لهمْ حينَ علمَ قربَ أجلهِ مودِّعًا بذلكَ، ولا يدلُّ على نسخِ الحكمِ الثابتِ، انتهَى.

ويؤيّدُ كونَه دعا [لهمُ]

(1)

عدمُ الجمعيةِ بأصحابهِ؛ إذ لو كانتْ صلاةُ الجنازةِ لأشعرَ أصحابَه وصلَّاها جماعة كما فعلَ في صلاتهِ على النجاشيِّ، فإنَّ الجماعةَ أفضلُ قطعًا، وأهلُ أُحُدٍ أوْلى الناسِ بالأفضلِ، ولأنهُ لم يرد عنهُ أنهُ صلَّى على قبرٍ فُرادَى. وحديثُ عقبةَ أخرجهُ البخاريُّ بلفظِ:"أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى على قَتْلَى أُحُدٍ بعد ثماني سنينَ". زادَ ابنُ حبانَ

(2)

: "ولم يخرجْ من بيتهِ حتَّى قبضَهُ اللَّهُ تعالى".

‌النهي عن المغالاة في الكفن

18/ 517 - وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تَغَالُوا فِي الكفَنِ، فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَرِيعًا"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

. [ضعيف]

(وعن عليٍّ عليه السلام: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: لا تَغالُوا في الكفنِ، فإنهُ يُسْلَبُ سريعًا. رواهُ أبو داودَ) من روايةِ الشعبيِّ عن عليٍّ عليه السلام، وفي إسنادهِ عمرُو بنُ هشامٍ الجَنْبيِّ، بفتحِ الجيمِ، فنونٍ ساكنةٍ فموحدةٍ مُخْتَلَفٌ فيهِ، وفيهِ انقطاعٌ بينَ الشعبيِّ وعليٍّ؛ لأنهُ قالَ الدارقطنيُّ

(4)

: إنهُ لم يسمعْ منهُ سوى حديثٍ واحدٍ، وفيهِ دلالةٌ على المنعِ منَ المغالاةِ في الكفنِ، وهي زيادةُ الثمنِ.

وقولُهُ: "فإنهُ يسلبُ سريعًا"؛ كأنهُ إشارةٌ إلى أنهُ سريعُ البِلَى والذهابِ كما في حديثِ عائشةَ: أن أبا بكرٍ نظرَ إلى ثوبٍ عليه كان يمرَّضُ فيه، به ردعٌ من

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في "الإحسان"(7/ 474 رقم 3199).

(3)

في "السنن"(3/ 508 رقم 3154) وفي سنده أبو مالك عمرو بن هاشم الجَنْبي وهو ليِّن الحديث. وضعَّف الألباني الحديث في ضعيف أبي داود.

(4)

وانظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص 159 - 160).

ص: 273

زعفران، وقال:"اغسلُوا ثوبي هذا، وزيدُوا عليهِ ثوبينِ، وكفّنوني فيها. قلتُ: إنَّ هذا خَلِقَ، قالَ: إنَّ الحيَّ أحقُّ بالجديدِ منَ الميتِ، إنَّما هوَ للمُهلةِ"، ذكرهُ البخاريُّ مختصرًا

(1)

.

‌غسل أحد الزوجين الآخر

19/ 518 - وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: "لَوْ مُتِّ قَبْلِي لَغَسَّلْتُكِ" الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

، وابْنُ مَاجَهْ

(3)

، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(4)

. [صحيح]

(وعن عائشةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ لها: لو متِّ قبلي لغسلتُكِ. الحديثَ، رواهُ أحمدُ، وابنُ ماجَهْ، وصحَّحهُ ابن حبانَ). فيهِ دلالةٌ على أن للرجلِ أن يغسِّلَ زوجتَهُ وهو قولُ الجمهورِ. وقالَ أبو حنيفةَ: لا يغسِّلُها بخلافِ العكسِ لارتفاعِ النكاحِ، ولا عدةَ عليهِ.

والحديثُ يردُّ قولَهُ هذا في الزوجينِ. وأمّا في الأجانبِ، فإنهُ أخرجَ أبو داودَ في المراسيلِ

(5)

من حديثِ أبي بكرٍ بن عياشٍ عن محمدِ بن أبي سهلٍ، عن مكحولٍ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا ماتتِ المرأةُ معَ الرجالِ ليسَ فيهمُ امرأةٌ غيرُها، والرجلُ معَ النساءِ ليسَ معهنَّ رجلٌ غيرُهُ؛ فإنَّهما يُيَمَّمَانِ ويدفَنَانِ، وهما بمنزلةِ مَنْ لا يجدُ الماءَ"، انتهى. محمدُ بنُ أبي سهلٍ هذا ذكرهُ ابنُ حبانَ في

(1)

في "صحيحه"(3/ 252 رقم 1387).

• قال أبو عُبيد: المُهلُ: الصديدُ والقيحُ، ورُوي بلا هاءٍ، وبالهاء صحيح فصيح، وبعضهم يكسِرُ الميم، فيقول للمِهلة.

(2)

في "المسند"(6/ 228).

(3)

في "السنن"(1/ 470 رقم 1465).

(4)

في "الإحسان"(14/ 551 رقم 6586).

قلت: وأخرجه الدارمي (1/ 37 - 38)، والدارقطني (2/ 74 رقم 11)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 396)، وفي "الدلائل"(7/ 168، 168 - 169) وفي إسناده محمد بن إسحاق، وهو صدوق وقد صرّح بالتحديث في رواية البيهقي في "الدلائل"، فانتفت شبهة تدليسه، قلت: ولم ينفرد به فقد تابعه عليه صالح بن كيسان، وأصل الحديث في البخاري (10/ 123 رقم 5666).

(5)

(ص 298 رقم 414) موضوع. وانظر: كلام الشيخ شعيب عليه.

ص: 274

الثقاتِ

(1)

. وقالَ البخاريُّ

(2)

: لا يتابعُ على حديثهِ.

وعن عليٍّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تبرزْ فَخِذَكَ ولا تنظرْ إلى فخذِ حيٍّ ولا ميّتٍ"، رواهُ أبو داودَ

(3)

، وابنُ ماجَهْ

(4)

، وفي إسناده اختلافٌ.

20/ 519 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنها: أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَوْصَتْ أَنْ يُغَسِّلَهَا عَلِي رضي الله عنه. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي

(5)

. [صحيح]

(وعن أسماءَ بنت عُمَيْسٍ رضي الله عنها أن فاطمةَ رضي الله عنها أوصتْ أن يغسِّلَها عليٌّ عليه السلام. رواهُ الدارقطنيُّ). هذا يدلُّ على ما دلَّ عليهِ الحديثُ الأولُ. وأمّا غسلُ المرأةِ زوجَها فيستدلُّ لهُ بما أخرجهُ أبو داودَ

(6)

عن عائشةَ: "أنَّها قالتْ: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما غسَّلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غيرُ نسائهِ"، وصحَّحهُ الحاكمُ وإنْ كان قولَ صحابيةٍ، وكذلكَ حديثُ فاطمةَ فهو يدلُّ على أنهُ كانَ أمرًا معروفًا في حياتهِ صلى الله عليه وسلم، ويؤيُّدُهُ ما رواهُ البيهقيُّ

(7)

: "من أنَّ أبا بكرٍ أوصَى امرأتَه

(1)

(7/ 408).

(2)

في "التاريخ الكبير"(1/ 109 رقم 309).

(3)

في "السنن"(4/ 303 رقم 4015).

(4)

في "السنن"(1/ 469 رقم 1460).

قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 180 - 181)، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند"(1/ 274)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 474) بنحوه، والدارقطني في "سننه"(1/ 225)، والبيهقي في "سننه"(2/ 228) وسنده ضعيف جدًّا، وضعفه أبو حاتم وأبو داود وابن حجر وغيرهم. وانظر:"التلخيص"(1/ 278 رقم 438). والخلاصة: فالحديث ضعيف.

(5)

في "السنن"(2/ 79 رقم 12) قال الشوكاني: "سنده حسن، ولم يقع من سائر الصحابة إنكار على علي وأسماء، فكان إجماعًا سكوتيًا

"، وانظر: "التعليق المغني".

(6)

تقدم تخريجه في "شرح الحديث"(11/ 510).

(7)

في "السنن الكبرى"(3/ 397) بسند واهٍ جدًّا.

• وأخرج مالك في "الموطأ"(1/ 223)، وعبد الرزاق في "المصنف"(رقم 6123) من حديث عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصدِّيق حين توفي، ثم خرجت، فسألت من حضرها من المهاجرين، فقالت: إني صائمة، وإن هذا يوم شديد البرد، فهل عليّ من غسل؟ فقالوا: لا.

• وأخرج عبد الرزاق (رقم 6117) عن ابن أبي مليكة أن امرأة أبي بكر غسلته حين توفي أوصى بذلك.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف. انظر: "الإرواء"(رقم 696).

ص: 275

أسماءَ بنتَ عُمَيْسٍ أن تغسلَهُ، واستعانتْ بعبدِ الرحمنِ بن عوفٍ لضعفِها عن ذلكَ، ولم ينكرْهُ أحدٌ"، وهوَ قولُ الجمهورِ.

والخلافُ فيهِ لأحمدَ بن حنبل قالَ: لارتفاعِ النكاحِ كذا في الشرحِ، والذي في دليلِ المطالبِ من كتبِ الحنابلةِ ما لفظُهُ: وللرجلِ أنْ يغسلَ زوجتَهُ وأمتَهُ وبنتًا دونَ سبعٍ، وللمرأة غسلُ زوجِها وسيِّدِها وابنٍ دونَ سبعٍ.

‌الصلاة على المقتول في حدٍّ

21/ 520 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ - فِي قِصَّةِ الغَامِدِيَّةِ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِهَا فِي الزِّنَا - قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصُلِّيَ عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(وعن بُريدةَ في قصةِ الغامدية)[بالغينِ المعجمة، وبعدَ الميمِ دالٌ مهملةٌ، نسبةً إلى غامدٍ. وتأتي قصتُها في الحدودِ (التي أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم برجمِها] في الزنى قالَ: ثمَّ أمرَ بها فصلِّيَ عليها ودفنتْ. رواهُ مسلمٌ)، فيهِ دليلٌ على أنهُ يُصلَّى على مَنْ قُتِلَ بحدٍّ، وليسَ فيهِ أنهُ صلى الله عليه وسلم الذي صلَّى عليها. وقد قالَ مالكٌ: إنهُ لا يصلِّي الإمامُ على مقتولٍ في حدٍّ؛ لأنَّ الفضلاء لا يصلُّونَ على الفسَّاقِ زجرًا لهمْ.

قلتُ: كذا في الشرحِ، لكنْ قد قالَ صلى الله عليه وسلم في الغامديةِ:"إنَّها تابتْ توبةً لو قسمتْ بينَ أهلِ المدينةِ لوسعتْهم"، أو نحوَ هذا اللفظِ. وللعلماءِ خلافٌ في الصلاةِ على الفسَّاقِ، وعلى مَنْ قُتِلَ في حدٍّ، وعلى المحاربِ، وعلى ولدِ الزنى. وقالَ ابنُ العربيّ: مذهبُ العلماءِ كافةُ الصلاةُ على كلِّ مسلمٍ، ومحدودٍ، ومرجومٍ، وقاتلِ نفسهِ، وولدِ الزنى. وقد وردَ في قاتلِ نفسهِ الحديثُ:

‌الصلاة على قاتل نفسه

22/ 521 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

(1)

في "صحيحه"(3/ 1323) رقم (23/ 1695).

(2)

في "صحيحه"(2/ 672 رقم 978).

قلت: وأخرجه الترمذي (1068)، والنسائي (4/ 66 رقم 1964).

ص: 276

(وعن جابرِ بن سمْرةَ قالَ: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم برجلٍ قَتَلَ نفسَه بمشاقصَ فلم يصلِّ عليهِ. رواهُ مسلمٌ). المشاقصُ جمعُ مشقصٍ، وهو نصلٌ عريضٌ.

قالَ الخطابي: وتركُ الصلاةِ عليهِ معناهُ العقوبةُ لهُ [وردعٌ]

(1)

لغيرهِ عن مثلِ فعلهِ، وقدِ اختلفَ الناسُ في هذا. وكانَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ لا يَرَى الصلاةَ على مَنْ قتلَ نفسَه، وكذلكَ قالَ الأوزاعيُّ. وقالَ أكثرُ الفقهاءِ: يصلَّى عليهِ، انتهَى. وقالُوا في هذا الحديثِ: إنهُ صلَّى عليهِ الصحابةُ، قالُوا: وهذا كما تركَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ على مَنْ ماتَ وعليهِ دينٌ أولَ الأمرِ، وأمرَهمْ بالصلاةِ على صاحبهم

(2)

. قلت: إنْ ثبتَ نقلُ أنهُ أمرَ صلى الله عليه وسلم أصحابَهُ بالصلاةِ على [من قتل]

(3)

نفسهُ، تَمَّ هذا القولُ، وإلَّا فرأيُ عمرَ بن عبدِ العزيزِ أوفقُ بالحديثِ، إلَّا أن في روايةٍ للنسائيِّ

(4)

: "أما أنا فلا أصلِّي عليهِ"، فربما أخذَ منها أن غيرَه صلَّى عليهِ.

‌الصلاة على قبر الميت بعد دفنه

23/ 522 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَسأَلَ عَنْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: مَاتَتْ، فَقَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَقَالَ:"دُلُّوني عَلَى قَبْرِهَا" فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(5)

، وَزَادَ مُسْلِمٌ

(6)

، ثُمَّ قَالَ:"إِن هذِهِ الْقبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ الله يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاِتي عَلَيهِمْ". [صحيح]

(1)

في (أ): "وردعًا".

(2)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (5371)، ومسلم (14/ 1619). عن أبي هريرة رضي الله عنه:"أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يُؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّين، فيسألُ هل تركَ لدَيْنِهِ فضلًا؟ فإنْ حُدِّثَ أنه تركَ وفاءً صلّى، وإلّا قال للمسلمين: صلّوا على صاحبكم. فلما فتحَ اللَّهُ عليه الفتوحَ قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنْفُسِهم، فمن تُوفّيَ من المؤمنين فترك دينًا فعليَّ قضاؤه، ومن تركَ مالًا فلوِرَثَتِهِ".

(3)

في (ب): "قاتل".

(4)

في "السنن"(4/ 66 رقم 1964).

(5)

البخاري (1337)، ومسلم (956).

قلت: وأخرجه أبو داود (3203)، وابن ماجه (1527)، وأحمد (2/ 353)، والبيهقي في "سننه"(4/ 47).

(6)

في "صحيحه"(2/ 659 رقم 71/ 956).

ص: 277

(وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه في قصةِ المرأةِ التي كانتْ تَقمُّ المسجدَ) بفتحِ حرفِ المضارعةِ أي: تخرجُ القُمامةَ منهُ وهي الكُناسةُ، (فسألَ عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالُوا: ماتتْ، فقالَ: أفلا كنتمْ آذنتمونِي، فكأنَّهم صغَّرُوا أمرَها فقالَ: دلُّوني على قبرها) أي: بعدَ قولِهم في جوابِ سؤالهِ إنَّها ماتتْ (فدلُّوهُ [فصلَّى عليها]

(1)

. متفقٌ عليه، وزادَ مسلمٌ) أي: من روايةِ أبي هريرةَ (ثمَّ قالَ) أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم (إنَّ هذهِ القبورَ مملوءةٌ ظلمةً على أهلها، وإن اللَّهَ ينوِّرُها [لهم]

(2)

بصلاتي عليهم). وهذه الزيادةُ لم يخرجْها البخاريُّ؛ لأنَّها مدرجةٌ من مراسيلِ ثابتٍ كما قالَ أحمدُ.

هذا والمصنفُ جزمَ أن القصةَ كانتْ معَ امرأةٍ، وفي البخاريِّ: أن رجلًا أسودَ أو امرأة سوداءَ، بالشكِّ من ثابتٍ الراوي، لكنهُ صرَّح في روايةٍ أُخْرَى في البخاريِّ عن ثابتٍ قالَ:"ولا أراهُ إلا امرأةً". وبهِ جزمَ ابنُ خزيمةَ من طريقٍ أُخْرَى عن أبي هريرةَ فقالَ: "امرأةٌ سوداءُ". ورواهُ البيهقيُّ أيضًا بإسنادٍ حسنٍ، وسمَّاها أمَّ محجنٍ، وأفادَ أن الذي أجابهُ صلى الله عليه وسلم عن سؤالهِ هوَ أبو بكرٍ، وفي البخاري عوضُ "فسألَ عنها"، فقالَ: ("ما فعلَ ذلكَ الإنسانُ قالُوا: ماتَ يا رسولَ اللَّهِ" الحديثَ.

والحديثُ دليلٌ على صحةِ الصلاةِ على الميتِ بعدَ دفنهِ مطلقًا، سواءٌ صُلِّيَ عليهِ قبلَ الدفنِ أمْ لا. وإلى هذا ذهبَ الشافعيُّ. ويدلُّ لهُ أيضًا صلاتُهُ صلى الله عليه وسلم على البراءِ بن معرورٍ

(3)

؛ فإنهُ ماتَ والنبيُّ صلى الله عليه وسلم بمكّةَ، فلمَّا قدمَ صلَّى على قبرهِ، وكانَ ذلكَ بعدَ شهرٍ من وفاتِهِ. ويدلُّ لَهُ أيضًا صلاتُهُ صلى الله عليه وسلم على الغلامِ الأنصاري الذي دُفِنَ ليلًا ولم يُشْعَرْ صلى الله عليه وسلم بموتهِ. أخرجهُ البخاريُّ

(4)

. ويدلُّ له أيضًا أحاديثُ وردتْ

(1)

في (أ): "فصلّى على قبرها".

(2)

زيادة من (أ).

(3)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 49).

• والبراء بن معرور بن صخر بن الخنساء بن سنان، السيد النقيب، أو بشْر الأنصاري الخزرجي أحد النقباء ليلة العقبة وأوَّل من بايع ليلة العقبة الأولى وكان فاضلًا، تقيًّا، فقيه النفس. مات في صفر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر. "أسد الغابة"(1/ 207)، و"الإصابة"(1/ 144).

(4)

في "صحيحه"(3/ 189 رقم 1321) من حديث ابن عباس.

ص: 278

في البابِ عن تسعةٍ منَ الصحابةِ

(1)

، أشارَ إليها في الشرحِ.

وذهبَ أبو طالبٍ تحصيلًا لمذهبِ الهادي إلى أنهُ لا صلاةَ على القبرِ، واستدلَّ لهُ في البحرِ

(2)

بحديثٍ لا يَقْوى على معارضةِ أحاديثِ المثبتينَ [لما]

(3)

عرفتَ من صحَّتِها وكثرتِها. واختلفَ القائلونَ بالصلاةِ على القبرِ في المدةِ التي تشرعُ فيها الصلاةُ، فقيلَ: إلى شهرٍ بعدَ دفنهِ، وقيلَ: إلى أن يَبْلَى الميتُ؛ لأنهُ إذا بُلِيَ لم يبقَ ما يُصلّى عليهِ، وقيل: أبدًا؛ لأنَّ المرادَ منَ الصلاةِ عليهِ الدعاءُ وهوَ جائزٌ في كلِّ وقتٍ.

قلتُ: هذا هوَ الحقُّ إذْ لا دليلَ على التحديدِ بمدةٍ. وأمّا القولُ بأنَّ الصلاةَ على القبرِ من خصائصهِ صلى الله عليه وسلم فلا [تنهض]

(4)

؛ لأنَّ دعوى الخصوصيةِ خلافُ الأصلِ.

‌النهي عن النَّعْيِ كما في الجاهلية

24/ 523 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(5)

، وَالتِّرْمِذيُّ وَحَسَّنَهُ

(6)

. [حسن]

(وعن حذيفةَ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَنْهى عن النعي) في القاموس

(7)

: نعاهُ لهُ نعيًا أو نعيانًا أخبرَهُ بموتهِ. (رواهُ أحمدُ والترمذيّ وحسَّنهُ). وكأنَ صيغةَ النهي [هي]

(8)

ما أخرجهُ الترمذيُّ

(9)

منْ حديثِ عبدِ اللَّهِ عنهُ صلى الله عليه وسلم: "إياكمُ والنعيَ؛ فإنَّ النعيَ منْ عملِ الجاهليةِ"، فإنَّ صيغةَ التحذيرِ في معنَى النَّهي.

(1)

وهم: ابن عباس، وأبو هريرة، وأنس، ويزيد بن ثابت، وعامر بن ربيعة، وجابر، وبريدة، وأبو سعيد، وأبو أمامة بن سهل.

انظر تخريجها في: "الإرواء"(3/ 183 - 186) وفي كتابنا "إرشاد الأمة" جزء الصلاة.

(2)

"الزخار"(2/ 117).

(3)

في (أ): "كما".

(4)

في (ب): "ينهض".

(5)

في "المسند"(5/ 406).

(6)

في "السنن"(3/ 313 رقم 986)، وقال: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه ابن ماجه (1/ 474 رقم 1476)، والبيهقي في "سننه"(4/ 74)، وأخرج المرفوع منه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 274 - 275).

وإسناده حسن كما قال الحافظ في "الفتح".

والخلاصة: فالحديث حسن، والله أعلم.

(7)

"المحيط"(ص 1726).

(8)

زيادة من (أ).

(9)

في "السنن"(3/ 312 رقم 984)، وقال: حديث حسن غريب.

ص: 279

وأخرجَ

(1)

حديثَ حذيفةَ. وفيه قصةٌ؛ فإنهُ ساقَ سندَه إلى حذيفةَ أنهُ قالَ لمنْ حضرَهُ: "إذا متُّ فلا [يؤذنُ أحدٌ]

(2)

؛ فإني أخافُ أن يكون نعيًا؛ إني سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينْهى عن النعي"، هذا لفظه ولمْ يحسِّنْهُ. ثمَّ فسَّرَ الترمذيُّ النعيَ بأنهُ عندَهمْ أنْ ينادى في الناسِ إنَّ فلانًا ماتَ ليشهدُوا جنازتَهُ. وقالَ بعض أهلِ العلمِ: لا بأسَ أنْ يُعْلِمَ الرجلُ قرابتَهُ وإخوانَهُ.

وعنْ إبراهيمَ [النخعي]

(3)

أنهُ قالَ: لا بأسَ أنْ يُعلمَ الرجلُ قرابتَه، انتهَى.

وقيلَ: المحرَّمُ ما كانتْ الجاهليةُ تفعلُه، كانُوا يرسلونَ مَنْ يُعلمُ بخبرِ موتِ الميتِ على أبوابِ الدورِ والأسواقِ.

وفي النهايةِ

(4)

: "والمشهورُ في العربِ أنَّهم كانُوا إذا ماتَ فيهمْ شريفٌ أو قُتِلَ بعثُوا راكبًا إلى القبائلِ ينعاهُ إليهمْ يقولُ نعاءَ فلانًا، أو يا نَعَاءَ العربِ: أي: هلكَ فلانٌ أوْ هلكتِ العربُ بموتِ فلانِ"، انتهَى.

ويقربُ عندي أنَّ هذا هوَ المنهيُّ عنهُ.

قلتُ: ومنهُ النعيُ منْ أعلى المناراتِ كما [يعرفُ]

(5)

في هذهِ الأعصارِ في موتِ العظماءِ. قالَ ابنُ العربي

(6)

: يؤخذُ منْ مجموعِ الأحاديثِ ثلاثُ حالاتٍ:

الأُولى: إعلامُ الأهلِ والأصحابِ وأهلِ الصلاحِ، فهذهِ سنَّةٌ.

الثانيةُ: دعْوى الجمجِ الكثيرِ للمفاخرةِ، فهذهِ تكرهُ.

[الثالثةُ]: إعلامٌ بنوعٍ آخرَ كالنياحةِ ونحو ذلكَ، فهذَا يحرُمُ، انتهَى.

وكأنهُ أخذَ سنيَّةَ [الأُولى]

(7)

منْ أنهُ لا بد منْ جماعةٍ يخاطبونَ بالغسلِ والصلاةِ والدفنِ، ويدلُّ لهُ قولُهُ صلى الله عليه وسلم:"ألا آذنتموني ونحوُهُ"، ومنهُ:

‌الصلاة على الغائب

25/ 524 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَعَى

(1)

أي: الترمذي رقم (986) كما تقدم.

(2)

في (أ): "توذن أحدًا".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

لابن الأثير (5/ 86).

(5)

في (ب): "تعورف".

(6)

في "عارضة الأحوذي"(4/ 206).

(7)

في (ب): "الأول".

ص: 280

النَّجَاشِيَّ في الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفّ بِهِمْ، وَكَبّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نَعَى النجاشيَّ) بفضِ النونِ، وتخفيفِ الجيمِ، بعدَ الألفِ شينٌ معجمة، ثمَّ مثناةٌ تحتيةٌ مشددةٌ، وقيلَ: مخففة، لقبٌ لكلِّ منْ ملك الحبشةِ، واسمُه أصحمةُ (في اليومِ الذي ماتَ فيهِ، وخرجَ بهم إلى المصلَّى)، يحتملُ أنهُ مصلَّى العيدِ أوْ محلٌ اتُّخِذَ لصلاةِ الجنائزِ، (فصفَّ بهم وكبَّرَ أربعًا. متفقٌ عليهِ). فيهِ دلالةٌ على أن النعيَ اسمٌ للإعلامِ بالموتِ، وأنهُ لمجردِ الإعلام جائزٌ. وفيهِ دلالةٌ على شرعيةِ صلاةِ الجنازةِ على الغائبِ، وفيه أقوالٌ:

الأولُ: تشرعُ مطلقًا، وبهِ قالَ الشافعيُّ

(2)

، وأحمدُ

(3)

، وغيرُهما. وقالَ ابنُ حزمٍ

(4)

: لم يأتِ عنْ أحد منَ السلفِ خلافُه.

والثاني: منعهُ مطلقًا، وهوَ للهادويةِ، والحنفيةِ، ومالكٍ

(5)

.

والثالثُ: يجوزُ في اليومِ الذي ماتَ فيهِ الميتُ أو ما قربَ منهُ إلا إذا طالتِ المدةُ.

الرابعُ: يجوزُ ذلكَ إذا كانَ الميتُ في جهةِ القبلةِ، ووجهُ التفصيلِ في القولينِ معًا الجمودُ على قصة النجاشي.

وقالَ: المانعُ مطلقًا أن صلاتَه صلى الله عليه وسلم على النجاشي خاصةٌ بهِ. وقدْ [عرفت]

(6)

أن الأصلَ عدمُ الخصوصيةِ، واعتذرُوا بما قالَهُ أهلُ القولِ الخامسِ، وهوَ أنْ يصلَّى على الغائبِ إذا ماتَ بأرضٍ لا يصلَّى عليهِ فيها كالنجاشي؛ فإنهُ ماتَ بأرضٍ لمْ يسلمْ أهلُها، واختارَهُ ابنُ تيميةَ. ونقلهُ المصنفُ في فتح الباري

(7)

عن الخطابي، وأنهُ استحسنَهُ الروياني، ثمَّ قالَ: وهوَ محتملٌ إلا أنَّني لم أقفْ في شيء منَ الأخبارِ أنهُ لم يصلِّ عليهِ في بلدهِ أحدٌ. واستُدِلَّ بالحديثِ على كراهةِ الصلاةِ

(1)

البخاري (1333)، ومسلم (62/ 951).

قلت: وأخرجه أبو داود (3204)، والترمذي (1022)، والنسائي (4/ 70 رقم 1972)، وابن ماجه (1534) وغيرهم.

(2)

"المجموع"(5/ 253).

(3)

"المغني مع الشرح الكبير"(2/ 386).

(4)

انظر: "المحلى"(5/ 138 - 139 رقم المسألة 580).

(5)

"الفقه الإسلامي وأدلته"(2/ 504). و"نيل الأوطار"(4/ 49).

(6)

في (ب): "عرفَ".

(7)

(3/ 188).

ص: 281

على الجنازةِ في المسجدِ لخروجهِ صلى الله عليه وسلم، والقولُ بالكراهيةِ للحنفيةِ، والمالكيةِ. وردَ بأنهُ لم يكنْ في الحديث نهيٌ عن الصلاةِ فيهِ، وبأنَّ الذي كرههُ القائلُ بالكراهةِ إنَّما هوَ إدخالُ الميتِ المسجدَ، وإنَّما خرجَ صلى الله عليه وسلم تعظيمًا لشأنِ النجاشي، ولتكثرَ الجماعةُ الذينَ يصلُّونَ عليهِ. وفيهِ شرعيةُ الصفوفِ على الجنازةِ لأنهُ أخرجَ البخاريُّ

(1)

في هذهِ القصةِ حديثَ جابرٍ، وأنهُ كانَ في الصفِّ الثاني، أوِ الثالثِ. وبوَّبَ لهُ البخاريُّ:(بابُ مَنْ صفَّ صفَّينِ أوْ ثلاثةً على الجنازةِ خلفَ الإمامِ)

(2)

. وفي الحديثِ منْ أعلامِ النبوةِ إعلامُهم بموتهِ في اليومِ الذي توفي فيهِ معَ بُعْد ما بينَ المدينةِ والحبشةِ.

‌فضل كثرة المصلِّين على الميت

26/ 525 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيئًا، إِلَّا شَفعَهُمُ اللهُ فِيهِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وعنِ ابن عباسِ سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ما منْ رجلٍ مسلمٍ يموتُ، فيقومُ على جنازتهِ أربعونَ رجلًا، لا يشركونَ باللَّهِ شيئًا إلا شفَّعَهم اللَّهُ فيهِ. رواهُ مسلمٌ). في الحديثِ دليلٌ على فضيلةِ تكثيرِ الجماعةِ على الميتِ، وأنَّ شفاعةَ المؤمنِ نافعةٌ مقبولةٌ عندَهُ تعالَى. وفي روايةٍ

(4)

: "ما منْ مسلمٍ يصلّي عليهِ أمةٌ منَ المسلمينَ يبلغونَ كلُّهم مائةً يشفعونَ فيهِ إلا شُفِّعُوا فيهِ"، وفي روايةٍ

(5)

: "ثلاثةُ صفوفٍ"، رواهُ [أهل]

(6)

السننِ.

(1)

في "صحيحه"(3/ 186 رقم 1317).

(2)

(3/ 186 رقم الباب 53).

(3)

في "صحيحه"(2/ 655 رقم 59/ 948).

قلت: وأخرجه أبو داود (3170)، وابن ماجه (1489).

(4)

مسلم في "صحيحه"(58/ 947) من حديث عائشة.

وأخرجه الترمذي (1029) وقال: حسن صحيح. والنسائي (4/ 76 رقم 1992).

(5)

أحمد (4/ 79)، وأبو داود رقم (3166)، والترمذي (1028)، وابن ماجه (1490)، وحسنه الترمذي وصححه الحاكم (1/ 362) مع أن فيه عنعنة ابن إسحاق عند الجميع.

قلت: وخلاصة القول أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(6)

في (ب): "أصحاب".

ص: 282

قالَ القاضي قيلَ: هذهِ الأحاديثُ خرجتْ أجوبةً لسائلينَ سألُوا عنْ ذلكَ، فأجابَ كلُّ واحدٍ عنْ سؤالِهِ، ويحتملُ أنْ يكونَ صلى الله عليه وسلم أخبرَ بقَبولِ شفاعةِ كلِّ واحدٍ منْ هذهِ الأعدادِ، ولا تنافيَ بينَهما؛ إذْ مفهومُ العددِ يطرحُ معَ وجودِ النصِّ، فجميعُ الأحاديثِ معمولٌ بها، وتقبلُ الشفاعةُ بأدنَاها.

‌أين يقوم الإمام من الميت

27/ 526 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ في نِفَاسِهَا، فَقَامَ وَسْطَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وعنْ سمُرةَ بن جندبٍ قالَ: صليتُ وراءَ النبي صلى الله عليه وسلم على امرأتي ماتتْ في نفاسِها فقامَ وسطَها. متفقُ عليهِ)، فيهِ دليل على مشروعيةِ القيامِ عندَ وسطِ المرأةِ إِذا صُلِّيَ عليْها، [وهذا]

(2)

مندوبٌ. وأما الواجبُ فإنَّما هوَ استقبالُ جزء منَ الميتِ رجُلًا [كان]

(3)

أو امرأةً. واختلفَ العلماءُ في حكمِ الاستقبالِ في حقِّ الرجلِ والمرأةِ، فقالَ أبو حنيفةَ: إنَّهما سواءٌ. وعندَ الهادويةِ إنهُ يستقبلُ الامامُ سرَّةَ الرجلِ وثديي المرأةِ لروايةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام عنْ عليّ عليه السلام.

وقالَ القاسمُ: صدرُ المرأةِ وبينَه وبينَ السرَّة منَ الرجلِ، إذْ قدْ رُوِيَ قيامُه صلى الله عليه وسلم عندَ صدرِها، ولا بدَّ منْ مخالفةٍ بينَها وبينَ الرجلِ.

وعنِ الشافعيِّ أنهُ يقفُ حذاءَ رأسِ الرجلِ وعندَ عجيزتِها

(4)

لما أخرجهُ أبو داودَ

(5)

، والترمذيُّ

(6)

منْ حديثِ أنسٍ: "أنهُ صلَّى على رجل فقامَ عندَ رأسهِ،

(1)

البخاري (1331 و 1332)، ومسلم (87/ 964).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 19)، وأبو داود (3195)، والترمذي (1035)، والنسائي (4/ 72)، وابن ماجه (1493)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 544)، والبيهقي في "سننه"(4/ 33، 34)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 312)، والبغوي في "شرح السنة"(5/ 359 رقم 1497)، والطيالسي رقم (902) وغيرهم.

(2)

في (أ): "وهو".

(3)

زيادة من (أ).

(4)

انظر: "الفقه الإسلامي وأدلته"(2/ 491)، و"المجموع"(5/ 224 - 225)، و"نيل الأوطار"(4/ 66).

(5)

في "السنن"(رقم 3194).

(6)

في "السنن"(رقم 1034).=

ص: 283

وصلَّى على المرأةِ فقامَ عندَ عجيزتها. قالَ لهُ العلاءُ بنُ زيادٍ: هكذَا كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يفعلُ؟ قالَ: نعمْ"، إلَّا أنهُ قالَ المصنفُ في الفتحِ

(1)

: إنَّ البخاريَّ أشارَ بإيرادِ حديثِ سمُرةَ [هذا]

(2)

إلى تضعيفِ حديثِ أنسٍ.

‌صلاة الجنازة في المسجد

28/ 527 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ صلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْني بَيْضَاءَ في الْمَسْجِدِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

. [صحيح]

(وعنْ عائشةَ قالتْ: واللَّهِ لقدْ صلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاءَ)، هما سهلٌ وسهيلٌ، أبوهما وهبُ بنُ ربيعةَ، وأمُّهُما البيضاءُ، اسمُها دعدُ، والبيضاءُ صفةٌ لها (في المسجدِ. رواهُ مسلمٌ)، قالتهُ عائشةُ ردًّا على مَنْ أنكرَ عليها صلاتَها على سعدِ بن أبي وقاصٍ في المسجدِ فقالتْ: "ما أسرعَ [ما نسيَ]

(4)

الناسُ، واللَّهِ لقدْ صلَّى"، الحديثَ.

والحديثُ دليلٌ على ما ذهبَ إليهِ الجمهورُ منْ عدمِ كراهيةِ صلاةِ الجنازةِ في المسجدِ. وذهبَ أبو حنيفةَ ومالكٌ إلى أنَّها لا تصحُّ. وفي القدوري للحنفيةِ: ولا يصلَّى على ميتٍ في مسجدِ جماعةً، أو احتجا بما سلفَ منْ خروجهِ صلى الله عليه وسلم إلى الفضاءِ للصلاةِ على النجاشي، وتقدمَ جوابُهُ، وبما أخرجهُ أبو داودَ

(5)

: "مَنْ صلَّى

=قلت: وأخرجه ابن ماجه (1494) والبيهقي في "سننه"(4/ 33)، والطيالسي رقم (2149)، وأحمد (3/ 118) وإسناده صحيح.

وصحَّحه الألباني في "الأحكام"(ص 109).

(1)

(3/ 201).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "صحيحه"(2/ 669 رقم 101/ 973).

قلت: وأخرجه أبو داود (3190) بلفظ المصنف.

• وأخرجه مسلم (99/ 973)، وأبو داود (3189)، والترمذي (1033)، والنسائي (4/ 68)، وابن ماجه (1518)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 492)، والبيهقي في "سننه" (4/ 51) وغيرهم عنها بلفظ:"أن عائشة أمرتْ أنْ يُمَرَّ بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلّيَ عليه. فأنكرَ الناسُ ذلك عليها فقالت: ما أسرع ما نسيَ الناسُ! ما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سُهيل بن البيضاء إلَّا في المسجد".

(4)

في (ب): "وما أنسى".

(5)

في "السنن"(3/ 531 رقم 3191). =

ص: 284

على جنازةٍ في المسجدِ فلا شيءَ لَهُ". وأجيبَ بأنهُ نصَّ أحمدُ على ضعفهِ

(1)

لأنهُ تفردَ بهِ صالحٌ مولى التوأمةِ وهوَ ضعيفٌ

(2)

، على أنهُ في النسخِ المشهورةِ منْ سننِ أبي داودَ [بلفظِ]

(3)

: "فلا شيءَ عليهِ".

وقدْ رُوِيَ أن عمرَ صلَّى على أبي بكرٍ في المسجدِ

(4)

وأنَّ صهيبًا صلَّى على عمرَ في المسجدِ

(5)

، وعندَ الهادويةِ يكرهُ إدخالُ الميتِ المسجدَ كراهةَ تنزيهٍ، وتأوَّلُوا همْ والحنفيةُ [والمالكية](3) حديثَ عائشةَ بأنَّ المرادَ أنهُ صلى الله عليه وسلم صلَّى علَى ابنيْ البيضاءِ وجنازتُهما خارجَ المسجدِ وهوَ صلى الله عليه وسلم داخلَ المسجدِ، ولا يخفى بعدُهُ، وأنهُ لا يطابقُ احتجاجَ عائشةَ.

‌عدد التكبير في صلاة الجنازة

29/ 528 - وَعَنْ عَبْدِ الرّحْمنِ بْنِ أَبي لَيْلَى قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رضي الله عنه يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا، وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ خَمْسًا، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(6)

، وَالأَرْبَعَةُ

(7)

. [صحيح]

= وأخرجه ابن ماجه (1517) بلفظ: "فليس له شيء".

وحسنه الألباني في "الصحيحة" رقم (2351) وتكلم عليه بتوسُّع، فانظره إذا شئت.

(1)

في مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (ص 142 رقم 527).

(2)

قال عنه الحافظ في "التقريب"(1/ 363 رقم 58): "صدوق، اختلط بأخره، فقال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه، كابن أبي ذئب وابن جريج .. ".

(3)

زيادة من (ب).

(4)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (6576) من حديث هشام بن عروة قال: رأى أبي الناس يخرجون من المسجد ليصلُّوا على جنازة، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ ما صلّي على أبي بكر إلَّا في المسجد".

(5)

أخرج مالك (1/ 230) وعنه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (6577) عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: صلِّي على عمر بن الخطاب في المسجد. وإسناده صحيح.

(6)

في "صحيحه"(1/ 659 رقم 72/ 957).

(7)

وهم: أبو داود (3197)، والترمذي (1023)، والنسائي (4/ 72)، وابن ماجه (1505).

قلت: وأخرجه الطيالسي في "منحة المعبود"(1/ 164 رقم 870)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 302 - 303)، وأحمد (4/ 367)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 493)، والبيهقي في "سننه"(4/ 36) وغيرهم.

ص: 285

‌ترجمة عبد الرحمن بن أبي ليلى

(وعنْ عبدِ الرحمنِ بن أبي ليلى)

(1)

هو أبو عيْسى عبدُ الرحمن بنُ أبي ليلَى، ولدَ لستِ سنينَ بقيتْ منْ خلافةِ عمرَ، سمعَ أباهُ وعليَّ بنَ أبي طالبٍ عليه السلام وجماعةً من الصحابةِ، ووفاتُه سنةَ اثنتينِ وثمانينَ، وفي سببِ وفاتهِ أقوالٌ، [قيلَ]

(2)

: فُقِدَ، وقيلَ: قتلَ، وقيلَ: غرقَ في نهرِ البصرةِ.

(قالَ: كانَ زيدُ بن أرقمٍ يكبِّرُ على جنائزنا أربعًا، وأنهُ كبَّرَ على جنازةٍ خمسًا، فسألتهُ فقالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يكبِّرُها. رواهُ مسلمٌ والأربعة).

تقدَّمَ في حديثِ أبي هريرةَ

(3)

أنهُ صلى الله عليه وسلم كبَّرَ في صلاتهِ على النجاشي أربعًا، ورُويتِ الأربعُ عن ابن مسعودٍ

(4)

، وأبي هريرةَ

(5)

، وعقبة بن عامرٍ

(6)

، والبراءِ بن عازبٍ

(7)

، وزيدِ بن ثابتٍ

(8)

. وفي الصحيحينِ

(9)

عن ابن عباسٍ: "صلَّى على قبرٍ فكبَّرَ. أربعًا"، وأخرجَ ابنُ ماجهْ

(10)

عنْ أبي هريرةَ: "أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلَّى على جنازةٍ فكبرَ أربعًا". قالَ ابنُ أبي داودَ: ليسَ في البابِ أصحُّ منهُ.

فذهبَ إلى أنَّها أربعٌ لا غيرُ جمهورٌ منَ السلفِ والخلفِ، منهْمُ الفقهاءُ

(1)

انظر ترجمته في: "تاريخ البخاري"(5/ 368 رقم 1164)، و"الجرح والتعديل"(5/ 301 رقم 1424)، و"تهذيب التهذيب"(6/ 234 رقم 518)، و"النجوم الزاهرة"(1/ 206).

(2)

في (أ): "فقيل".

(3)

رقم (25/ 524).

(4)

أخرجه البيهقي في "سننه"(4/ 38) معلقًا.

قلت: وأخرج ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 432 رقم ث 3148)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 303) وذكره ابن حجر في "الفتح"(3/ 202) عنه "أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر عليه خمسًا".

(5)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 431 رقم ث 3144) عن عثمان بن موهب.

(6)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 432 رقم ث 3147) عنه.

(7)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 431 رقم ث 3143) عن مهاجر أبي الحسن.

وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 301) عن مهاجر.

(8)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 430 رقم ث 3139) عن الشعبي.

وعبد الرزاق (3/ 480 رقم 6396) عن الثوري.

(9)

البخاري (1319)، ومسلم (68/ 954).

(10)

في "السنن"(1/ 490 رقم 1534).

ص: 286

الأربعةُ

(1)

، وروايةٌ عنْ زيدِ بن

(2)

عليٍّ رضي الله عنه. [وذهبَ أكثرُ]

(3)

الهادويةِ

(4)

إلى أنهُ يكبرُ خمسَ تكبيراتٍ، واحتجُّوا بما رُويَ أن عليًا عليه السلام على فاطمةَ خمسًا، وأنَّ الحسنَ كبَّر على أبيهِ خمسًا، وعن ابن الحنفيةِ أنهُ كبرَ على ابن عباسٍ خمسًا، وتأوَّلُوا روايةَ الأربعِ بأن المرادَ بها ما عدا تكبيرةَ الافتتاحِ وهوَ بعيدٌ.

30/ 529 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى سَهْلٍ بن حُنَيْفٍ سِتًا، وَقَالَ: إِنَّهُ بَدْرِيٌّ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصَورٍ

(5)

، وَأَصْلُهُ في الْبُخَارِيِّ

(6)

. [صحيح]

(وعنْ عليٍّ عليه السلام أنه كبَّرَ على سهلِ بن حُنَيْفٍ) بضمِّ المهملةِ، فنونٍ فمثناةٍ تحتيةٍ ففاءٍ (ستًا وقالَ: إنه بدريٌّ) أي: ممنْ شهدَ وقعةَ بدرٍ صلى الله عليه وسلم (رواهُ سعيد بن منصورٍ، وأصلُه في البخاري) الذي في البخاري: "أن عليًا كبَّرَ على سهلِ بن حنيفٍ" زادَ البرقاني في مستخرجهِ: ستًا، كذَا ذكرهُ البخاريّ في تاريخهِ.

وقدِ اختلفتِ الرواياتُ في [عدةِ]

(7)

تكبيراتِ الجنازةِ؛ فأخرجَ البيهقيُّ

(8)

عنْ سعيدِ بن المسيبِ: "أن عمرَ قالَ: كلُّ ذلكَ قدْ كانَ، أربعًا، [وخمسًا]

(9)

، فاجتمعْنا على أربعٍ" ورواهُ ابنُ المنذرِ

(10)

منْ وجهٍ آخرَ عنْ سعيدٍ، ورواهُ البيهقيُّ أيضًا

(11)

عنْ أبي وائلٍ: "قالَ: كانُوا يكبِّرونَ على عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أربعًا، وخمسًا، وستًا، وسبعًا، فجمعَ عمرُ أصحابَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخبرَ كلٌّ بما رأى فجمعَهم

(1)

المجموع (5/ 230).

(2)

الروض النضير للسياغي (2/ 474 - 475).

(3)

في (أ): "وذهبت".

(4)

"نيل الأوطار"(4/ 58).

(5)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(2/ 120).

(6)

في "صحيحه"(7/ 317 رقم 4004).

قلت: وأخرجه البيهقي في "المعرفة"(5/ 296 رقم 7584)، وفي "السنن"(4/ 36)، وعبد الرزاق في "المصنف"(3/ 480 رقم 6399)، والطبراني في "الكبير" (كما في مجمع الزوائد) (3/ 34) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

وأخرجه ابن حزم في "المحلَّى"(5/ 126) وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 304).

(7)

في (أ): "عدد".

(8)

في "السنن الكبرى"(4/ 37) وفي "المعرفة"(5/ 297 رقم 7593).

(9)

زيادة من (ب).

(10)

في "الأوسط"(5/ 430 رقم 3136).

(11)

في "السنن الكبرى"(4/ 37).

ص: 287

عمرُ على أربعِ تكبيراتٍ"، ورَوَى ابنُ عبدِ البرِّ في الاستذكار بإسنادهِ: "كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكبرُ على الجنائزِ أربعًا، وخمسًا، وستًا، وسبعًا، وثمانيًا حتَّى جاءَ موت النجاشي، فخرجَ إلى المصلَّى وصفَّ الناسَ [وزاد]

(1)

: وكبَّرَ عليهِ أربعًا. [وثبت]

(2)

النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أربعِ حتَّى توفَّاهُ اللَّهُ"

(3)

، فإنْ صحَّ هذَا فكأنَّ عمرَ وَمنْ معهُ لمْ يعرفُوا استقرارَ الأمرِ على الأربعِ حتَّى جمعَهم وتشاورُوا في ذلكَ.

31/ 530 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا، وَيَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولى. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ

(4)

بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]

(وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يكبِّرُ على جنائزِنَا أربعًا، ويقرأُ بفاتحةِ الكتابِ في التكبيرةِ الأُولى. رواهُ الشافعي بإسنادٍ ضعيفٍ). سقطَ هذَا الحديثُ منْ نسخةِ الشرحِ فلمْ يتكلمْ عليهِ الشارحُ رحمه الله. قال المصنفُ في الفتح

(5)

: إنهُ أفادَ شيخُه في شرحِ الترمذي أن سندَهُ ضعيفٌ. وفي التلخيصِ

(6)

أنهُ رواهُ الشافعي عنْ إبراهيمَ بن محمدٍ، عنْ محمدٍ بن عبدِ اللَّهِ بن عقيلٍ، عنْ جابرٍ، انتهَى. وقدْ ضعَّفُوا ابن عقيلٍ.

واعلمْ أنهُ اختلفَ العلماءُ في قراءةِ الفاتحةِ في صلاةِ الجنازةِ، فنقلَ ابنُ

(1)

في (أ): "وراءه".

(2)

في (ب): "ثم ثبت".

(3)

حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وتكبيره أربعًا متفق عليه، وقد تقدم رقم (25/ 524) من حديث أبي هريرة.

أما ثبوته صلى الله عليه وسلم على الأربع فضعيف.

قال الألباني في "الأحكام"(ص 114 - 115): "وقد استدلَّ المانعون من الزيادة على الربع بأمرين:

الأول: الإجماع، وقد تقدم بيان خطأ ذلك. قلت: وانظر "المحلَّى"(5/ 125 - 126).

الثاني: ما جاء في بعض الأحاديث: "كان آخر ما كبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنازة أربعًا"، والجواب: أنه حديث ضعيف، له طرق بعضها أشد ضعفًا من بعض فلا يصلح التمسك به لرد الثابت عنه صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحيحة المستفيضة

" اهـ.

(4)

في "بدائع المنن"(1/ 214 - رقم 566) وفيه ابن عقيل ضعيف.

(5)

(3/ 204).

(6)

(2/ 119 رقم 765).

ص: 288

المنذرِ

(1)

عن ابن مسعودٍ

(2)

، والحسنِ بن عليٍّ، وابنِ الزبيرِ مشروعيتها، وبهِ قالَ الشافعيُّ

(3)

، وأحمدُ

(4)

، وإسحاقُ. ونقلَ عنْ أبي هريرةَ

(5)

، وابنِ

(6)

عمرَ [أنهُ]

(7)

ليسَ فيها قراءةٌ، وهوَ قولُ مالكٍ

(8)

، والكوفيينَ. واستدلَّ الأولونَ بما سلفَ، وهوَ وإنْ كانَ ضعيفًا فقدْ شهدَ لهُ قولُهُ:

‌قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة

32/ 531 - وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَنَازَةٍ، فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَقَالَ: لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(9)

. [صحيح]

(وعنْ طلحةَ بن عبدِ اللَّهِ بن عوفٍ) أي: الخزاعي (قالَ: صلَّيتُ خلفَ ابن عباسٍ على جنازةٍ فقرأ فاتحةَ الكتابِ فقالَ: ليعلمُوا أنَّها سنةٌ. رواهُ البخاريّ)، وأخرجهُ ابنُ خزيمةَ في صحيحهِ

(10)

، والنسائيُّ

(11)

بلفظِ: "فأخذتُ بيدهِ فسألتُه عنْ ذلكَ فقالَ: نعمْ يا ابنَ أخي إنهُ حقٌّ وسنةٌ".

وأخرجَ النسائيُّ

(12)

أيضًا منْ طريقٍ أُخْرى بلفظِ: " [فقرأ]

(13)

بفاتحةِ الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال: سنَّة وحق".

(1)

في "الأوسط"(5/ 437 - 438).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 297)، والبيهقي تعليقًا (4/ 39).

(3)

في "الأم"(1/ 308).

(4)

في مسائل أحمد لأبي داود (ص 153).

(5)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 439 رقم 3169).

(6)

أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 439) رقم (3168)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 298).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في المدونة (1/ 174).

(9)

في "صحيحه"(3/ 203 رقم 1335).

قلت: وأخرجه أبو داود (3198)، والترمذي (1027).

(10)

عزاه إليه ابن حجر في "الفتح"(3/ 204).

(11)

في "السنن"(4/ 75 رقم 1988)، وهو حديث صحيح.

(12)

في "السنن"(4/ 74 رقم 1987)، وهو حديث صحيح.

(13)

في (ب): "وقرأ".

ص: 289

وقدْ رَوَى الترمذيُّ

(1)

عن ابن عباسٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازةِ بفاتحةِ الكتابِ"، ثمَّ قالَ: لا يصحُّ، والصحيحُ عن ابن عباسٍ قولُه:"منَ السنَّةِ". قالَ الحاكمُ: أجمعُوا علَى أن قولَ الصحابيِّ "منَ السنَّةِ" حديث مسندٌ. قالَ المصنفُ: كذَا نُقِلَ الإجماعُ معَ أن الخلافَ عندَ أهلِ الحديثِ، وعندَ الأصوليينَ شهيرٌ.

والحديثُ دليلٌ على وجوب قراءةِ الفاتحةِ في صلاةِ الجنازةِ؛ لأنَّ المرادَ منَ السنةِ الطريقةُ المألوفةُ عنهُ صلى الله عليه وسلم، لا أن المرادَ بها ما يقابلُ الفريضةُ؛ فإنهُ اصطلاحٌ عُرْفيٌّ، وزادَ الوجوبَ تأكيدًا قولُهُ (حقٌّ) أيْ: ثابتٌ. وقدْ أخرجَ ابنُ ماجهْ

(2)

منْ حديثِ أمِّ شريكٍ قالتْ: "أمرَنَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نقرأَ على الجنازةِ بفاتحةِ الكتابِ"، وفي إسنادهِ ضعفٌ يسيرٌ يجبرُهُ حديثُ ابن عباسٍ.

والأمرُ منْ أدلةِ الوجوبِ وإلى وجوبها ذهبَ الشافعيُّ وأحمدُ وغيرُهما منَ السلفِ والخلفِ. وذهبَ آخرونَ إلى عدم [شرعيتها]

(3)

لقولِ ابن مسعودٍ

(4)

: "لم يوقّتْ لنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قراءةً في صلاةِ الجنازةِ، بلْ قالَ: كبِّرْ إذا كبرَ الإمامُ، واخترْ منْ أطايبِ الكلامِ ما شئتَ"، إلَّا أنهُ لمْ يعزُهُ [في الانتصار]

(5)

إلى كتابٍ حديثي لِتُعْرف صحتُه منْ عدمِها، على أنهُ نافٍ، وابنُ عباسٍ مثبتُ، وهوَ مقدَّم. وعنِ الهادي وجماعةٍ منَ الآلِ أن القراءةَ سنة عملًا بقولِ ابن عباسٍ سنةٌ. وقدْ عرفتَ المرادَ بها في لفظهِ.

واستُدِلَّ للوجوبِ بأنَّهم اتفقُوا أنَّها صلاةٌ. وقد ثبتَ حديثُ: "لا صلاةَ إلا بفاتحةِ الكتابِ"

(6)

؛ فهيَ داخلةٌ تحتَ العمومِ، وإخراجُها منهُ يحتاجُ إلى دليلٍ.

(1)

في "السنن"(3/ 345 رقم 1026)، وهو حديث صحيح.

(2)

في "السنن"(1/ 479 رقم 1496).

قال البوصيري في الزوائد (1/ 487 رقم 532/ 1496): "هذا إسناد حسن، شهر والراوي عنه مختلف فيهما

" اهـ.

وضعَّف الألباني الحديث في ضعيف ابن ماجه.

(3)

في (ب): "مشروعيتها".

(4)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 37) وذكره ابن حزم في "المحلَّى"(5/ 126).

وقال: هذا إسناد في غاية الصحة لأن الشعبي أدرك علقمة وأخذ عنه وسمع منه.

(5)

زيادة من (أ).

(6)

أخرجه البخاري (756)، ومسلم (34/ 394)، وأبو داود (822)، والترمذي (247)،=

ص: 290

وأما موضعُ قراءةِ الفاتحةِ فإنهُ بعدَ التكبيرةِ الأُولى، ثمَّ يكبِّرُ فيصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يكبِّرُ فيدعُو للميتِ. وكيفيةُ الدعاءِ قدْ [أفادَها قولُهُ]

(1)

:

‌يدعو للميت بعدَ التكبيرةِ الثانية

33/ 532 - وَعَنْ عَوْفٍ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ:"اللَّهُمّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مَدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِن الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيتَ الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

(وعنْ عوفِ بن مالكٍ قالَ: صلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على جنازةٍ فحفظت منْ دعائِه: "اللهمَّ اغفرْ لهُ، وارحمْهُ، وعافِهِ، واعفُ عنهُ، وأكرمْ نُزُلَهُ، ووسِّعْ مدخلَه، واغسلْهُ بالماءِ والثلجِ والبردِ، ونقِّهِ منَ الخطايا كما نقيتَ الثوبَ الأبيضَ من الدنسِ، وأبدلْهُ دارًا خيرًا منْ دارِه، وأهلًا خيرًا منْ أهلِه، وأدخلْهُ الجنةَ، وقهِ فتنةَ القبرِ، وعذابَ النارِ. رواهُ مسلمٌ) يحتملُ أنهُ صلى الله عليه وسلم جهرَ بهِ فحفظَهُ، ويحتملُ أنهُ سألهُ ما قالهُ فذكرهُ لهُ فحفظهُ.

وقدْ قالَ الفقهاءُ: يندبُ الإسرارُ، ومنْهم مَنْ قالَ: يخيَّرُ، ومنْهم مَنْ قالَ: يسرُّ في النهارِ، ويجهرُ في الليل. والدعاءُ للميتِ ينبغي الإخلاصُ فيهِ لهُ لقولهِ صلى الله عليه وسلم:"أخلصُوا لهُ الدعاءَ"

(3)

. وما ثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أوْلَى. وأصحُّ

= والنسائي (2/ 137)، وابن ماجه (837)، وأحمد (5/ 314) وغيرهم من حديث عبادة بن الصامت.

(1)

في (أ): "أفاده".

(2)

في "صحيحه"(2/ 662 - 663 رقم 963).

قلت: وأخرجه النَّسَائِي (4/ 73)، وابن ماجه (1500)، وأحمد (6/ 23، 28)، والترمذي مختصرًا (1025) وقال: حسن صحيح. قال محمد - البخاري - أصح شيء في هذا الباب هذا الحديث.

(3)

أخرجه أبو داود (3199)، وابن ماجه (1497)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 40).

وابن حبان في "الإحسان" رقم (3077) ورقم (3076) وسنده حسن. وحسَّنه الألباني في "الإرواء"(3/ 179 رقم 732).

ص: 291

الأحاديثِ الواردةِ في ذلكَ هذا الحديثُ، وكذلك قوله:

34/ 533 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا، وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا، وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرنَا، وَكبِيرِنَا، وَذَكرِنَا، وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيتَهُ مِنَّا فَأَحْيهِ عَلى الإِسْلامِ، وَمَنْ تَوَفَّيتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ. اللَّهُمّ لَا تَحْرِمْنَا أجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

وَالأَرْبَعَةُ

(2)

. [صحيح]

(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى على جنازةٍ يقولُ: (اللهمَّ اغفرْ لحيِّنا، وميِّتِنا، وشاهدِنا) أي: حاضرنا (وغائِبنا، وصغيرنا) أي: ثبتهُ عندَ التكليفِ للأفعالِ الصالحةِ، وإلَّا فلا ذنبَ لهُ (وكبيرنا، وذكرنا، وأنثانا، اللهمَّ مَنْ أحييتَهُ منا فأحيهِ على الإسلامِ، ومنْ توفيتَه منا فتوفَّهُ على الإيمانِ، اللهمَّ لا تحرمْنا أجرَهُ، ولا تضلَّنا بعدَه. رواهُ مسلمٌ والأربعةُ).

والأحاديثُ في الدعاءِ للميت كثيرةٌ، ففي سنن أبي داودَ

(3)

عنْ أبي هريرةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا في الصلاةِ على الجنازة: "اللهمَّ أنتَ ربُّها، وأنتَ خلقتَها، وأنتَ هديتَها للإسلام، وأنتَ قبضتَ روحَها، وأنتَ أعلمُ بسرِّها وعلانيتِها، جئْنا

(1)

لم يخرجه مسلم؟!!

(2)

أبو داود (3201)، والترمذي (1024)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(ص 584 رقم 1080)، وابن ماجه (1498) قلت: وأخرجه أحمد (2/ 368)، والحاكم (1/ 358)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 41)، وابن حبان في "الإحسان"(7/ 339 رقم 3070)، وصحَّحه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ووافقهما الألباني في "الأحكام" (ص 124) وقال: أعل بما لا يقدح

والخلاصة: فالحديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في "السنن"(3/ 538 رقم 3200).

قلت: وأخرجه النَّسَائِي في "عمل اليوم والليلة"(رقم: 1078)، والطبراني في "الدعاء" (رقم: 1185)، وأحمد (2/ 345، 363)، والبيهقي في "السنن الكبرى" من طريقين (4/ 42)، وقال ابن حجر: هذا حديث حسن، - كما في "الفتوحات الربانية"(5/ 176).

وقال الألباني في ضعيف أبي داود بأنه ضعيف الإسناد.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

ص: 292

شفعاءَ لهُ فاغفرْ لهُ ذنبهُ". وابنِ ماجهْ

(1)

منْ حديثِ واثلةَ بن الأسقعِ قالَ: "صلَّى بِنَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على جنازةِ رجلٍ منَ المسلمينَ فسمعتُهُ يقولُ: اللهمَّ إنَّ فلانَ ابنَ فلانٍ في ذمَّتِكَ، وحَبْلِ جوارِكَ، قهِ فتنةَ القبرِ وعذابَ النارِ، وأنت أهلُ الوفاءِ والحمدِ، اللهمَّ فاغفرْ لهُ وارحمهُ؛ فإنكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ".

واختلافُ الرواياتِ دالٌّ على أن الأمرَ متَّسِعٌ في ذلك ليس مقْصورًا على شيءٍ معينٍ. وقد اختار الهادوية أدعيةٍ أُخْرى، [واختار الشافعيُّ كذلك]

(2)

، والكلُّ مسطورٌ في الشرحِ.

وأما قراءةُ سورةٍ مع الحمدِ فقدْ ثبت ذلك كما عرفتَ في روايةِ النسائيِّ، ولمْ يردْ فيها تعيين، وإنَّما الشأن في إخلاصِ الدعاءِ للميتِ؛ لأنهُ الذي شرعتْ له الصلاة والذي ورد به الحديث.

35/ 534 - وَعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا صَلَّيتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدعَاءَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(4)

. [حسن]

وهوَ قولُه: (وعنهُ) أي: أبي هريرةَ (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا صليتمْ على الميتِ فأخلصُوا لهُ الدعاءَ. رواهُ أبو داودَ، وصحَّحه ابنُ حبانَ)؛ لأنهمْ شفعاءُ، والشافعُ يبالغُ في طلبِها يريدُ قَبولَ شفاعتهِ فيهِ. وَرَوَى الطبراني

(5)

: "أن ابنَ عمرَ كانَ إذا رأى جنازةً قالَ: هذَا ما وعدَنَا اللَّهُ ورسولُه، وصدقَ اللَّهُ ورسولُه، اللهمَّ زدْنا

(1)

في "السنن"(1/ 480 رقم 1499).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 491)، وأبو داود (3202)، وابن حبان في "الإحسان"(7/ 343 رقم 3074).

وفيه الوليد بن مسلم مدلس، ولكنه صرَّح بالتحديث عند أبي داود وابن ماجه وغيرهما فانتفت شبهة تدليسه.

والخلاصة: فالحديث صحيح إن شاء الله.

(2)

في (أ): "وكذلك الشافعي".

(3)

في "السنن"(3/ 538) رقم (3199).

(4)

في "الإحسان"(رقم 3076 رقم 3077) بسند حسن.

قلت: وأخرجه ابن ماجه (1497)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 40). وحسنه الألباني في "الإرواء"(3/ 179 رقم 732).

(5)

في "الدعاء" رقم (1161) بسند ضعيف جدًّا.

ص: 293

إيمانًا وتسليمًا"، ثمَّ أسندَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أنهُ قالَ: مَنْ رَأى جنازةً فقالَ: اللَّهُ أكبرُ، صدقَ اللَّهُ ورسولُه، هذَا ما وعدَ اللَّهُ ورسولُه، اللهمَّ زدْنا إيمانًا وتسليمًا، تكتبُ لهُ عشرونَ حسنةً".

‌الندب إلى الإسراع بالجنازة

36/ 535 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَسْرِعُوا بالْجَنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

[صحيح]

(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: قالَ أسرعُوا بالجنازةِ فإنْ تكُ) أي: الجنازةُ، والمرادُ بها الميتُ (صالحةً فخيرٌ)؛ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أي: فهوَ خيرٌ، ومثلُه شرٌّ الآتي (تقدمونَها إليهِ، وإنْ تكُ سِوى ذلكَ فشرٌّ تضعونَه عنْ رِقابِكمِ. متفقٌ عليهِ)، نقل ابنُ قدامةُ

(2)

أن الأمرَ بالإسراعِ للندب بلا خلافٍ بينَ العلماءِ، وسئلَ ابنُ حزمٍ

(3)

فقالَ بوجوبهِ، والمرادُ بهِ شدةُ المَشي، وعلى ذلكَ حملَهُ بعضُ السلفِ. وعندَ الشافعيِّ والجمهورِ المرادُ بالإسراعَ ما فوقَ سجيةِ المشي المعتادِ، ويكرهُ الإسراعُ الشديدُ.

والحاصلُ أنهُ يستحبُّ الإسراعُ بها لكنْ بحيثُ إنهُ لا ينتهي إلى شدةٍ يخافُ معَها حدوثُ مفسدةٍ بالميتِ، أو مشقةٍ على الحاملِ والمشيِّعِ.

وقالَ القرطبيُّ

(4)

: مقصودُ الحديثِ أن لا يتباطأَ بالميتِ عن الدفنِ، ولأن البطء ربما أدَّى إلى التباهي والاختيال؛ هذا بناء على أن المراد بقوله بالجنازةِ بحملها إلى قبرِها. وقيلَ: المرادُ الإسراعُ بتجهيزِها فهوَ أعمُّ منَ الأولِ.

قال النوويُّ: وهذَا باطلٌ مردودٌ بقولهِ في الحديثِ: تضعونَهُ عنْ رقابِكم،

(1)

البخاري (1315)، ومسلم (944).

قلت: وأخرجه مالك (1/ 243)، وأبو داود (3181)، والترمذي (1015)، والنسائي (4/ 42)، وابن ماجه (1477).

(2)

في المغني (2/ 353).

(3)

في "المحلّى"(5/ 154).

(4)

في "الجامع لأحكام القرآن"(4/ 300 - 301).

ص: 294

وتُعُقِّبَ بأنَّ الحملَ على الرقابِ قدْ يعبرُ بهِ عن المعاني كما تقولُ: حملَ فلانٌ على رقبتِه ديونًا، قالَ: ويؤيدُه أن الكلَّ لا يحملونَه. قالَ المصنفُ بعدَ نقلهِ في الفتحِ

(1)

: ويؤيدُه حديثُ ابن عمرَ: "سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: إذا ماتَ أحدُكم فلا تحبسُوهُ، وأسرعُوا به إلى قبرِه". أخرجهُ الطبراني

(2)

بإسنادٍ حَسَنٍ.

ولأبي داودَ

(3)

مرفوعًا: "لا ينبغي لجيفةِ مسلمٍ أنْ تبقى بينَ ظهراني أهلهِ".

والحديثُ دليلٌ على المبادرةِ بتجهيزِ الميتِ ودفنِه، وهذا في غيرِ المفلوجِ ونحوهِ فإنهُ ينبغي التثبتُ في أمرهِ.

‌الترغيب في اتباع الجنازة والصلاة عليها

37/ 536 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتى يُصَلِّيَ عَلَيهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ"، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: "مِثْلُ الْجَبَلَينِ الْعَظِيمَينِ" مُتفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

. وَلَمُسْلمِ

(5)

: "حَتى تُوضَعَ في اللَّحْدِ". [صحيح]

- وَللْبُخَارِيِّ أَيْضًا

(6)

مِنْ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: "مَنْ تَبعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ معه حَتى يُصَلَّى عَلَيهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإنَّهُ يَرْجعُ بِقِيرَاطَينِ، كُلُّ قِيرَاطِ مِثْلُ أُحُدٍ".

(وعنهُ) أي: أبي هريرةَ (قَالَ: قالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ شهدَ الجنازةَ حتى

(1)

(3/ 184).

(2)

في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد"(3/ 44) وقال الهيثمي: وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي وهو ضعيف.

(3)

في "السنن"(3/ 510 رقم 3159) بإسناد ضعيف. فيه عزرة أو عروة - شك بعض الرواة - ابن سعيد الأنصاري عن أبيه، وهما مجهولان كما في "التقريب" رقم (4562)، وسعيد بن عثمان البلوي مجهول أيضًا.

والخلاصة: فالحديث ضعيف، والله أعلم.

(4)

البخاري (1325)، ومسلم (52/ 945).

(5)

في "صحيحه"(2/ 652 - 653).

(6)

في "صحيحه"(1/ 108 رقم 47).

ص: 295

يصلَّى عليْها فلهُ قيراطٌ، ومنْ شهدَها حتَّى تُدْفَنَ فلهُ قيراطانِ. وقيلَ:) صرَّحَ أبو عوانةَ بأنَّ القائلَ وما القيراطانِ هوَ أبو هريرةَ، (وما القيراطانِ؟ قالَ: مثلُ الجبلينِ العظيمينِ. متفقٌ عليهِ، ولمسلمٍ) أي:[منْ]

(1)

حديثِ أبي هريرةَ: (حتَّى يوضعَ في اللَّحد. وللبخاري أيضًا منْ حديثِ أبي هريرةَ: منْ تبعَ جنازةَ مسلمٍ إيمانًا واحتسابًا، وكانَ معهُ حتَّى يصلَّى عليها ويُفْرَغَ منْ دفنِها؛ فإنهُ يرجعُ بقيراطينِ، كلُّ قيراطٍ مثلُ أُحُدٍ)، فاتفقَا على صدرِ الحديثِ، ثمَّ انفردَ كلُّ واحدٍ منْهما بلفظٍ. وهذَا الحديثُ رواهُ اثنا عشرَ صحابيًا.

قولُه: "إيمانًا واحتسابًا" قيدَ بهِ لأنهُ لا بدَّ منهُ؛ لأنَّ ترتُّبَ الثواب على العملِ يستدعي سبقَ النية فيخرجُ مَنْ فعلَ ذلكَ على سبيلِ المكافأةِ المجرَّدةِ، أو على سبيلِ المحاباة، ذكرهُ المصنفُ في الفتح

(2)

. وقولُه: "مثلُ أُحُدٍ". ووقعَ في روايةِ النَّسَائِي

(3)

: (فلهُ قيراطانِ منَ الأجرِ كلُّ واحدٍ منْهما أعظمُ منْ أُحُدٍ)، وفي روايةٍ لمسلمٍ

(4)

: "أصغرُهما مثلُ أُحُدٍ"، وعندَ ابن عديٍّ

(5)

منْ روايةِ واثلةَ: "كُتِبَ لهُ قيراطان منَ الأجرِ أخفُّهما في ميزانهِ يومَ القيامةِ أثقلُ منْ جبلِ أُحُدٍ". والشهودُ: الحضورُ، وظاهرهُ الحضورُ معَها من ابتداءِ الخروجِ بها. وقدْ وردَ في لفظِ مسلمٍ

(6)

: "مَنْ خرجَ معَ جنازةٍ منْ بيتها، ثمَّ تبعَها حتَّى تدفنَ، كانَ لهُ قيراطانِ منَ الأجرِ، كل قيراطٍ مثل أُحُدٍ، ومن صلَّى عليها ثم رجع كان له قيراطٌ". والروايات إذا رُدَّ بعضُها إلى بعضٍ تقضي بأنهُ لا يستحقُّ الأجرَ المذكورَ إلَّا مَنْ صلَّى عليْها ثمَّ تبعَها.

وقالَ المصنفُ رحمه الله: الذي يظهرُ لي أنهُ يحصلُ الأجرُ لمنْ صلَّى وإنْ لم يتبعْ؛ لأنَّ ذلكَ وسيلةٌ إلى الصلاةِ، لكنْ يكونُ قيراطُ مَنْ صلَّى فقطْ دونَ قيراطِ مَنْ صلَّى وتَبعَ.

(1)

في (أ): "في".

(2)

(3/ 197).

(3)

(4/ 77 رقم 1997).

(4)

في "صحيحه"(2/ 653 رقم 53/ 945).

(5)

في "الكامل"(6/ 2327).

(6)

في "صحيحه"(2/ 653 رقم 56/ 945).

ص: 296

[وقد]

(1)

أخرجَ سعيدُ بنُ منصورٍ

(2)

منْ حديثِ عروةَ عنْ زيدِ بن ثابتٍ: "إذا صلَّيتَ على جنازةٍ فقدْ قضيتَ ما عليكَ"، أخرجهُ ابنُ أبي شيبةَ

(3)

بلفظِ: "إذا صلَّيتُم" وزادَ في آخرِه: - "فخلُّوا بينَها وبينَ أهلِها". ومعناهُ قدْ قضيتَ حقَّ الميتِ، وإن زدت الاتباعَ فلكَ زيادةُ أجرٍ. وعلَّقَ البخاريُّ

(4)

قولَ حميدِ بن هلالٍ: "ما علمْنا على الجنازةِ إذنًا ولكنْ مَنْ صلَّى ورجعَ فلهُ قيراطٌ".

وأما حديثُ أبي هريرةَ: "أميرانِ وليسا أميرينِ، الرجلُ يكونُ معَ الجنازةِ يصلِّي عليها فليسَ لهُ أنْ يرجعَ حتَّى يستأذنَ وليَّها"، أخرجهُ عبدُ الرزاقِ

(5)

، فإنه حديثٌ منقطعٌ موقوفٌ. وقدْ رويتْ في معناهُ أحاديثُ مرفوعةٌ كلُّها ضعيفةٌ.

ولما كانَ وزنُ الأعمالِ في الآخرةِ ليسَ لنا طريقٌ إلى معرفةِ حقيقتهِ، ولا يعلمهُ إلَّا اللَّهُ، ولمْ يكنْ تعريفُنا لذلكَ إلا بتشبيههِ بما نعرفُه منْ أحوالِ المقاديرِ شُبِّهَ قدْرُ الأجرِ الحاصلِ منْ ذلكَ بالقيراطِ ليبرزَ لنا المعقولَ في صورةِ المحسوسِ. ولما كانَ القيراطُ حقيرَ القدرِ بالنسبةِ إلى ما نعرفُهُ في الدنيا نبَّهَ على معرفةِ قدْرِهِ بأنهُ كأُحُدٍ، الجبلُ المعروفُ بالمدينةِ.

وقولُه: "حتَّى تدفنُ" ظاهرٌ في وقوعِ مطلقِ الدفن، وإنْ لم يفرغْ منهُ كلُّه. ولفظُ:"حتَّى توضعَ في اللحدِ" كذلكَ، وفي الروايةِ الأُخْرى لمسلمٍ

(6)

: "حتَّى يفرغَ منْ دفنِها"؛ ففِيْها بيانٌ لما في غيرِها.

والحديثُ ترغيبٌ في حضورِ الميتِ والصلاةِ عليهِ ودفنهِ، وفيهِ دلالةٌ علَى عِظَمِ فضلِ اللَّهِ وتكريمهِ للميتِ، وإكرامهِ بجزيلِ الإثابةِ لمنْ أحسنَ إليه بعدَ موتهِ.

تنبيهٌ في حملِ الجنازةِ: أخرجَ البيهقيُّ في "السنن الكبرى"

(7)

بسنده إلى

(1)

في (أ): "و".

(2)

عزاه إليه ابن حجر في "الفتح"(3/ 193).

(3)

في "المصنف"(3/ 310).

(4)

في "صحيحه"(3/ 192) الباب (57).

(5)

في "المصنف"(3/ 514 رقم 6523).

(6)

في "صحيحه"(2/ 652 - 653).

(7)

(4/ 19 - 20).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(3/ 512 رقم 6517). وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 283)، والطيالسي في "منحة المعبود"(1/ 165 رقم 784).

ص: 297

عبدِ الله بن مسعودٍ: "أنهُ قالَ: إذا تبعَ أحدُكم الجنازةَ فليأخذْ بجوانبِ السريرِ الأربعةِ، ثمَّ ليتطوعْ بعدُ، أوْ يذر، فإنهُ منَ السنةِ". وأخرجَ بسندهِ

(1)

: "أن عثمانَ بنَ عفانَ حملَ بينَ العمودينِ سريرَ أمِّه، فلمْ يفارقْهُ حتَّى وضعَهُ"، وأخرجَ أيضًا

(2)

: "أن أبا هريرةَ رضي الله عنه حملَ بينَ عموديْ سريرِ سعدِ بن أبي وقاصٍ"، وأخرجَ

(3)

[أيضًا]

(4)

: "أن ابنَ الزبيرِ حملَ بينَ عموديْ سريرِ المسوّرِ بن مخرمةَ"، وأخرجَ

(5)

منْ حديثِ يوسفَ بن ماهكٍ "قالَ: شهدتُ جنازةَ رافع بن خُدَيْجٍ، وفيْها ابنُ عمرَ، وابنُ عباسٍ، فانطلقَ ابنُ عمرَ حتَّى أخذَ بمقدَّمِ السريرِ بينَ [القائمتين]

(6)

فوضعَهُ على كاهلهِ ثمَّ مشَى بها"، انتهَى.

‌أيهما أفضل المشي أمام الجنازة أم خلفها

38/ 537 - وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما: أَنَّهُ رَأَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهُمْ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(7)

وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبّانَ

(8)

،

(1)

في "السنن الكبرى"(4/ 20).

قلت: وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 376 رقم 3024)، والشافعي في "المسند"(ص 357) وفي "الأم"(1/ 307).

(2)

في "السنن الكبرى"(4/ 20).

قلت: وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 376 رقم 3025)، والشافعي في "المسند"(ص 357)، وفي "الأم"(1/ 307).

(3)

في "السنن الكبرى"(4/ 20).

قلت: وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/ 376 رقم 3026) والشافعي في "المسند"(ص 357) وفي "الأم"(1/ 307).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في "السنن الكبرى"(4/ 20 - 21).

قلت: والشافعي في "الأم"(1/ 307).

(6)

في (ب): "القائمين".

(7)

أحمد (2/ 8)، والترمذي (1007)، وأبو داود (3179)، والنسائي (4/ 56)، وابن ماجه (1482) بإسناد صحيح.

(8)

في "الإحسان"(7/ 317 رقم 3045).

قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(5/ 332 رقم 1488)، والطيالسي في "منحة المعبود"(1/ 165 رقم 788)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 277)، والطحاوي في =

ص: 298

وَأَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ

(1)

وَطَائِفَةٌ بِالإِرْسَالِ

(2)

. [صحيح]

‌ترجمة سالم بن عبد الله

(وعنْ سالمٍ)

(3)

هو أبو عبدِ اللَّهِ، أو أبو عمر سالمُ بنُ عبدِ اللَّهِ بن عمرَ بن الخطابِ أحدُ فقهاءِ المدينةِ، من ساداتِ التابعينَ وأعيانِ علمائِهم، رَوَى عنْ أبيهِ وغيرِه، ماتَ سنةَ ستٍ ومائةٍ، (عنْ أبيهِ) هو عبدُ اللَّهِ بنُ عمرَ (أنه رَأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ، وعمرَ، وهمْ يمشونَ أمامَ الجنازةِ. رواهُ الخمسة، وصحَّحهُ ابن حبانَ، وأعلَّهُ النَّسَائِيُّ وطائفةٌ بالإرسال). اختُلِفَ في وصلِه وإرسالِه فقالَ: أحمدُ: إنَّما هوَ عن الزهريِّ مرسل، وحديثُ سالمٍ موقوفٌ على ابن عمرَ منْ فعلهِ.

="شرح معاني الآثار"(1/ 479)، والدارقطني (2/ 70 رقم 1)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 23).

(1)

في "السنن" بقوله: هذا خطأ والصواب مرسل.

(2)

كابن المبارك، وأحمد ومحمد بن إسماعيل

انظر: "التلخيص"(2/ 111 - 112) و"نصب الراية"(2/ 293 - 294).

قلت: لم ينفرد ابن عيينة بوصله بل تابعه عليه زياد بن سعد، ومنصور، وبكر بن وائل.

أخرج متابعتهم: أحمد (2/ 37)، والترمذي (1008)، والنسائي (4/ 56)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 23).

وتابعه أيضًا ابن أخي ابن شهاب عند أحمد (2/ 122).

ويونس عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 479).

وعقيل عند أحمد (2/ 140)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 479 - 480)، وابن جريج عند الشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 213 رقم 591)، وأحمد (2/ 37).

ويحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وعباس بن الحسن الحراني. أخرج متابعتهم ابن عبد البر في "التمهيد".

فهؤلاء أحد عشر حافظًا ثقة تابعوه على وصله، فلم يبق أدنى شك في صوابه وخطأ من وهَّمه، وإن كان معمر، وابن جريج، ويونس، وعقيل قد اختلف عليهم أيضًا فرُوي عنهم مرسلًا وموصولًا؛ لأنهم سمعوا من الزهري كذلك؛ لأنَّه كما هو معلوم عنه كان يوصل الحديث مرة ويرسله مرارًا اختصارًا واعتمادًا على معرفة أصله وإسناده.

(3)

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(5/ 195)، ووفيات الأعيان (2/ 349)، و"النجوم الزاهرة"(1/ 256)، وشذرات الذهب (1/ 133).

ص: 299

قال الترمذيُّ

(1)

: أهلُ الحديثِ يرونَ المرسلَ أصحَّ، وأخرجهُ ابن حبانَ في صحيحهِ

(2)

عن الزهريِّ، عنْ سالمِ بن عبدِ اللَّهِ بن عمرَ:"كانَ يمشي بينَ يديْها، وأبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ".

قال الزهريُّ: وكذلكَ السنةُ. وقدْ ذكرَ الدارقطنيُّ في العِلَلِ اختلافًا كثيرًا فيهِ عن الزهريِّ قال: والصحيحُ قول مَنْ قال عن الزهري عنْ سالم عنْ أبيهِ: "أنهُ كانَ يمشي"، قال: "وقدْ مَشَى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمرُ رضي الله عنهما[يعني]

(3)

بينَ يديْها"، وهذَا مرسلٌ.

وقال البيهقيُّ

(4)

: إنَّ الموصول أرجحُ؛ لأنهُ منْ روايةِ ابن عيينةَ، وهوَ ثقةٌ حافظٌ، وعنْ علي بن المديني قالَ: قلتُ لابن عيينةَ: "يا أبا محمدٍ، خالفكَ الناسُ في هذا الحديثِ، فقال: استيقنَ الزهريُّ حدثنيهِ مرارًا لستُ أحصيهِ يعيدُه ويُبْدِيهِ، سمعتُه منْ فيهِ عنْ سالمٍ عنْ أبيهِ".

قال المصنفُ

(5)

: وهذَا لا ينفي الوهمَ لأنهُ ضبطَ أنهُ سمعهُ منهُ عنْ سالمٍ عنْ أبيهِ والأمرُ كذلكَ، إلَّا أن فيهِ إدراجًا، ولعلَّ الزهريَّ أدمَجه وحدَّثَ بهِ ابنُ عيينةَ، [وفصَّله لغيره]

(6)

.

وللاختلافِ في الحديثِ اختلفَ العلماءُ على [خمسة]

(7)

أقوالٍ:

الأولُ: أن المشيَ أمامَ الجنازةِ أفضلُ لورودِه منْ فعلهِ صلى الله عليه وسلم، وفعلِ الخلفاءِ. وذهبَ إليهِ الجمهور والشافعي.

والثاني: للهادويةِ والحنفيةِ أنَّ المشيَ خلفَها أفضلُ لما رواهُ ابنُ طاوسٍ عن

(1)

في "السنن"(3/ 330).

(2)

في "الإحسان"(7/ 320 رقم 3048) بإسناد صحيح.

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 37، 140)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 479 - 480)، والطبراني في "الكبير"(12/ 286 رقم 13133 و 13136) من طرق عن الزهري.

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في "السنن الكبرى"(4/ 24).

(5)

في "التلخيص الحبير"(2/ 112).

(6)

زيادة من (أ).

(7)

زيادة من (ب).

ص: 300

أبيهِ: "ما مشَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى ماتَ إلا خلفَ الجنازةِ"

(1)

، ولما رواهُ سعيدُ بنُ منصورٍ

(2)

منْ حديثِ عليٍّ عليه السلام "قالَ: المشيُ خلفَها أفضلُ منَ المشي أمامَها، كفضلِ صلاةِ الجماعةِ على صلاةِ الفذِّ"، إسنادهُ حسنٌ، وهوَ موقوفٌ لهُ حكمُ الرفعِ. وحَكَى الأثرمُ أن أحمدَ تكلَّمَ في إسنادهِ.

والثالثُ: أنهُ يمشي بينَ يديْها، وخلفَها، وعنْ يمينِها، وعنْ شمالِها. علَّقَهُ البخاريُّ

(3)

عنْ أنسٍ، وأخرجهُ ابنُ أبي شيبةَ

(4)

موصولًا، وكذَا عبدُ الرزاقِ

(5)

. وفيهِ التوسعةُ على المشيِّعينَ وهوَ يوافقُ سنةَ الإسراعِ بالجنازةِ، وأنَّهم لا يلزمونَ مكانًا واحدًا يمشونَ فيهِ لئلَّا يشقَّ عليْهم أو على بعضِهم.

القولُ الرابعُ: للثوريِّ أن الماشي يمشي حيثُ شاءَ، والراكبُ خلفَها، لما أخرجهُ أصحابُ السننِ

(6)

، وصحَّحهُ ابنُ حبانَ

(7)

، والحاكمُ

(8)

منْ حديثِ المغيرةِ مرفوعًا: "الراكبُ خلفَ الجنازةِ والماشي حيثُ شاءَ منْها".

القولُ الخامسُ: للنخعي إنْ كانَ معَ الجنازةِ نساءٌ مشيَ أمامَها وإلَّا فخلفَها.

‌النهي عن اتباع النساء الجنازة

39/ 538 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتّباعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(9)

. [صحيح]

(1)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(3/ 445 رقم 6262) وهذا سند صحيح على شرط الجماعة - كما في "الجوهر النقي"(4/ 25).

(2)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(3/ 183).

(3)

في "صحيحه"(3/ 182 رقم الباب 51).

(4)

في "المصنف"(3/ 278).

(5)

في "المصنف"(3/ 445 رقم 6261).

(6)

الترمذي (رقم 1031)، والنسائي (4/ 55) و (4/ 56)، وابن ماجه (1481)، وأبو داود (3180)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(7)

في "الإحسان"(7/ 320 رقم 3049).

(8)

في "المستدرك"(1/ 355، 363) وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في "الأحكام"(ص 73).

والخلاصة: فالحديث صحيح، والله أعلم.

(9)

البخاري (1278)، ومسلم (938).=

ص: 301

(وعنْ أمِّ عطيةَ قالتْ: نُهينا) مبني للمجهولِ (عن اتباعِ الجنازةِ ولمْ يُعْزَمْ علينَا. [متفق عليهِ])

(1)

. جمهورُ أهلِ الأصولِ والمحدِّثينَ أن قولَ الصحابيِّ نُهينَا، أوْ أُمِرْنا بعدمِ ذكرِ الفاعلِ لهُ حكمُ المرفوعِ؛ إذِ الظاهرُ [منْ ذلكَ]

(2)

أنَّ الآمرَ والناهيَ هوَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأمَّا هذَا الحديثُ فقدْ ثبتَ رفعُه، [وأنهُ]

(3)

أخرجهُ البخاريُّ في باب الحيضِ عنْ أمِّ عطيةَ بلفظ: "نهانَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الحديثَ" إلَّا أنهُ مرسلٌ لأنَّ أَمَّ عطيةَ لم تسمعُه منهُ لما أخرجهُ الطبراني

(4)

عنْها "قالتْ: لما دخلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ جمعَ النساءَ في بيتٍ، ثمَّ بعثَ إلينا عمرُ فقالَ: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعثني إليكنَّ لأبايعكنَّ على أنْ لا تسرقْنَ" الحديثَ، وفيهِ:"نهانا أنْ نخرج في جنازةٍ".

وقولُها: ولمْ يعزمْ علينَا ظاهرٌ في أن النهيَ للكراهةِ لا للتحريمِ، كأنَّها فهمتْهُ منْ قرينةٍ، وإلَّا فأصلُهُ التحريمُ وإلى أنهُ للكراهةِ ذهبَ جمهورُ أهلِ العلمِ، ويدلُّ لهُ ما أخرجهُ ابنُ أبي شيبة

(5)

منْ حديثِ أبي هريرةَ: "أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ في جنازةٍ فرأى عمرُ امرأةً فصاحَ بها فقالَ: دعْها يا عمرُ" الحديثَ، وأخرجهُ النَّسَائِيُّ

(6)

، وابنُ ماجه

(7)

منْ طريقٍ أُخْرى [ورجاله]

(8)

ثقاتٌ.

=قلت: وأخرجه أبو داود (3167)، وابن ماجه (1577).

(1)

زيادة من (أ).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (أ): "فإنه".

(4)

انظر: "فتح الباري"(3/ 145).

(5)

في "المصنف"(3/ 285).

(6)

في "السنن"(4/ 19 رقم 1859).

(7)

في "السنن"(1/ 505 رقم 1587).

قلت: وأخرجه ابن حبان في "الموارد" رقم (747)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 381)، وأحمد (2/ 110، 273، 333، 408، 444)، وعبد الرزاق في "المصنف"(3/ 553 - 554)، والبيهقي (4/ 70). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

ورمز السيوطي في "الجامع الصغير"(3/ 529 - 530 رقم 4216 - مع الفيض) لصحَّته.

وصحَّحه أحمد شاكر في تعليقه على المسند (8/ 147).

ولكن الألباني ضعَّف الحديث في ضعيف الجامع (3/ 155 رقم 2987).

قلت: وهو الحق؛ لأن "سلمة بن الأزرق" لا يعرف كما قال الذهبي في "المغني"(1/ 274).

(8)

في (ب): "ورجالها".

ص: 302

‌القيام للجنازة

40/ 539 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلا يَجْلِسْ حَتى تُوضَعَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

(وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: إذا رأيتُم الجنازةَ فقومُوا، فمنْ تبعَها فلا يجلسْ حتَّى توضعَ. متفقٌ عليهِ). الأمرُ ظاهرٌ في وجوب القيامِ للجنازةِ إذا مرتْ بالمكلفِ، وإنْ لمْ يقصدْ تشييعَها، وظاهرهُ [عمومُ]

(2)

كلِّ جنازةٍ منْ مؤمنٍ وغيرِه، ويؤيدُه أنهُ أخرجَ البخاريُّ

(3)

"قيامَهُ صلى الله عليه وسلم لجنازةِ يهوديٍّ مرَّتْ بهِ"، وعلَّلَ ذلكَ بأنَّ الموتَ فزعٌ، وفي روايةٍ

(4)

: "أليستْ نفسًا".

وأخرجَ الحاكمُ

(5)

: "إنَّما قُمنَا للملائكةِ"، وأخرجَ أحمدُ

(6)

، والحاكمُ

(7)

، [وابنُ

(8)

حبانَ] (2)، إنَّما نقومُ إعظامًا للذي يقبضُ النفوسَ"، ولفظُ ابن حبانَ: "إعظامًا للَّهِ"، ولا منافاةَ بينَ التعليلينِ.

وقدْ عارضَ هذَا الأمرَ حديثُ عليٍّ عليه السلام عندَ مسلمٍ

(9)

: "إنهُ صلى الله عليه وسلم قامَ للجنازةِ ثمَّ قعدَ"، والقولُ بأنهُ يحتملُ أن مرادَهُ قامَ ثمَّ قعدَ لما بعدتْ عنهُ يدفعُه أن عليًا أشارَ إلى قومٍ بأنْ يقعدُوا ثمَّ حدَّثَهم الحديثَ. ولما تعارضَ الحديثانِ اختلفَ العلماءُ في ذلكَ، فذهبَ الشافعيُّ إلى أن حديثَ علي ناسخٌ للأمرِ بالقيامِ،

(1)

البخاري (1310)، ومسلم (959).

قلت: وأخرجه أبو داود (3173)، والترمذي (1043)، والنسائي (4/ 44 رقم 1917).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في "صحيحه"(3/ 179 رقم 1311).

(4)

في "صحيحه"(3/ 179 - 180 رقم 1312).

(5)

في "المستدرك"(1/ 357) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(6)

في "المسند"(2/ 168).

(7)

في "المستدرك (1/ 357).

(8)

في "الإحسان"(7/ 324 - 325 رقم 3053).

وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي.

وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 27) ونسبه لأحمد والبزار - (836) - والطبراني في "الكبير" ورجال أحمد ثقات.

(9)

في "صحيحه"(2/ 661 رقم 962).

ص: 303

ورُدَّ بأنَّ حديثَ عليٍّ ليسَ نصًا في النسخِ، لاحتمالِ أن قعودَهُ صلى الله عليه وسلم كانَ لبيانِ الجوازِ، ولذَا قالَ النوويُّ: المختارُ أنهُ مستحبٌّ، وأمَّا حديثُ عبادةَ بن الصامتِ:"أنهُ كانَ صلى الله عليه وسلم يقومُ للجنازةِ فمرَّ به حبرٌ منَ اليهودِ فقالَ: هكذا نفعلُ، فقالَ: اجلسُوا وخالفُوهم"، أخرجهُ أحمدُ

(1)

، وأصحابُ السننِ

(2)

، إلَّا النسائيَّ، وابنَ ماجهْ، والبزارَ، والبيهقيَّ؛ فإنهُ حديثٌ ضعيفٌ فيهِ بشرُ بنُ رافعٍ

(3)

، قالَ البزارُ:[تفرد]

(4)

به بشرٌ [بن رافع]

(5)

، وهوَ لينٌ الحديثَ.

وقولُهُ: "ومَنْ تبعَها فلا يجلسْ حتَّى تُوضعَ"، أفاد النهيَ لمنْ شيَّعَها عن الجلوسِ حتَّى توضعَ، ويحتملُ أنَّ المرادَ [حتّى]

(6)

توضعَ في الأرضِ، أو توضعَ في اللَّحدِ. وقدْ رُوِيَ الحديثُ باللفظينِ إلَّا أنهُ رجحَ البخاريُّ وغيرُه روايةَ:"توضعُ في الأرضِ"، فذهبَ بعضُ السلفِ إلى وجوب القيامِ حتَّى توضعَ الجنازةُ لما يفيدُه النهيُ هنَا، ولما عندَ النَّسَائِي

(7)

منْ حديثِ أَبي هريرةَ، وأبي سعيدٍ:"ما رأينَا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شهدَ جنازة قطُّ، فجلسَ حتَّى توضعَ".

وقالَ الجمهورُ: إنهُ مستحبٌّ. وقدْ رَوَى البيهقيُّ

(8)

منْ حديثِ أبي هريرةَ وغيره: "أن القائمَ كالحاملِ في الأجرِ".

‌إدخالُ الميتِ القبرَ من جهةِ رأسه أو رجليه

41/ 540 - وَعَنْ أَبي إِسْحَاقَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَدْخَلَ الْمَيِّتَ مِنْ

(1)

لم أجده في المسند.

(2)

أبو داود (3176)، والترمذي (1020)، وابن ماجه (1545).

قلت: في سند الترمذي وابن ماجه بشر بن رافع، وهو ضعيف.

وفي سند أبي داود عبد الله بن سليمان بن جنادة بن أبي أمية، عن أبيه. وهما ضعيفان.

(3)

قال الحافظ في "التقريب"(1/ 99 رقم 54): "بشر بن رافع الحارثي، أبو الأسباط النجراني، فقيه ضعيف الحديث" اهـ.

(4)

في (أ): "انفرد".

(5)

زيادة من (أ).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

في "السنن"(4/ 44 - 45 رقم 1918) بإسناد حسن.

(8)

في "السنن الكبرى"(4/ 27).

ص: 304

قِبَلِ رِجْلَي الْقَبْرِ. وَقَال: هَذَا مِنَ السُّنَّةِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

. [صحيح]

‌ترجمة أبي إسحاق

(وعنْ أبي إسحاقَ)

(2)

هوَ السبيعيُّ بفتحِ السينِ المهملةِ، وكسرِ الباءِ الموحدةِ، والعينِ المهملةِ، الهمدانيِّ الكوفيِّ، رأى عليًا عليه السلام وغيرَهُ منَ الصحابةِ، وهوَ تابعيٌّ مشهورٌ كثيرُ الروايةِ، ولدَ لسنتينِ منْ خلافةِ عثمانَ، وماتَ سنةَ تسعٍ وعشرينَ ومائةٍ، (أن عبدَ اللَّهِ بنَ يزيدَ) هوَ عبدُ اللَّهِ بنُ يزيدَ الخطميِّ بالخاءِ المعجمةِ، الأوسيِّ، كوفيٌّ شهدَ الحديبيةَ وهوَ ابنُ سبعَ عشرةَ سنةً، وكانَ أميرًا على الكوفةِ، وشهدَ معَ عليٍّ رضي الله عنه صِفِّينَ والجملَ، ذكرهُ ابنُ عبدِ البرِّ في الاستيعابِ

(3)

.

(أدخلَ الميتَ منْ قبلِ رجلي القبرِ) أي: منِ جهةِ المحلِّ الذي يوضعُ فيهِ رِجْلَا الميتِ فهوَ منْ إطلاقِ الحالِ على المحلِّ (وقالَ هذَا من السنةِ. أخرجهُ أبو داودَ). ورُوِيَ عنْ عليٍّ رضي الله عنه قال: "صلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على جنازةِ رجلٍ منْ ولدِ عبدِ المطلبِ، فأمرَ بالسريرِ فوُضِعَ منْ قِبَلِ رجلي اللحدِ، ثمَّ أمرَ بهِ فسُلَّ سلًّا". ذكرهُ الشارحُ ولمْ يخرجْهُ

(4)

. وفي المسألةِ ثلاثةُ أقوال:

الأولُ: ما ذُكِرَ، وإليهِ ذهبتِ الهادويةُ، والشافعيُّ، وأحمدُ

(5)

.

والثاني: يُسَلَّ منْ قِبَلِ رأسهِ لما رَوَى الشافعيُّ

(6)

عن الثقةِ مرفوعًا منْ

(1)

في "السنن"(3/ 545 رقم 3211).

قال البيهقي: هذا إسناد صحيح. وقد قال: "هذا من السنة" فصار كالمسند. وقد روِّينا هذا القول عن ابن عمر وأنس بن مالك

" "المختصر" (4/ 336).

والخلاصة: فالحديث صحيح، والله أعلم.

(2)

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(6/ 313، 315)، و"التاريخ الكبير"(6/ 347)، و"تذكرة الحفاظ"(1/ 114)، و"تاريخ الفسوي"(2/ 621).

(3)

(2/ 391 - بهامش الإصابة).

(4)

أخرجه الإمام زيد في "المسند"(2/ 503 - الروض النضير).

(5)

انظر: "الروض النضير"(2/ 505 - 506)، و"نيل الأوطار"(4/ 81)، و"المجموع"(5/ 294 - 295)، و"المغني"(2/ 374 - 375).

(6)

في "ترتيب المسند"(1/ 215 رقم 598).

ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي في "سننه"(4/ 54)، وفي إسناده عمر بن عطاء بن وَرَاز الراوي عن عكرمة ضعَّفه يحيى، والنسائي ["ميزان الاعتدال" (3/ 213)].

ص: 305

حديثِ ابن عباسٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم سلَّ ميتًا منْ قِبَلِ رأسهِ". وهذا أحدُ قوليْ الشافعيِّ.

والثالثُ: لأبي حنيفةَ أنهُ يُسَلَّ منْ قبلِ القبلةِ معترضًا إذْ هوَ أيسرُ.

قلت: بلْ وردَ بهِ النصُّ كما يأتي في شرحِ حديثِ جابرٍ

(1)

في النهي عن الدفنِ ليلًا. فإنهُ أخرجَ الترمذيُّ

(2)

منْ حديثِ ابن عباسٍ ما [هوَ نصُّ]

(3)

في إدخالِ الميتِ منْ قبلِ القبلةِ، ويأتي أنهُ حديثٌ حسنٌ؛ فيستفادُ منَ المجموعِ أنهُ فعلٌ مخيَّرٌ فيهِ.

فائدةٌ: اختلفَ في تجليل القبرِ بالثوبِ عندَ مواراةِ الميتِ؛ فقيلَ: يُجَلَّلُ سواءٌ كانَ المدفونُ امرأة أو رجلًا لما أخرجهُ البيهقيُّ

(4)

[لا أحفظهُ]

(5)

إلَّا منْ حديثِ ابن عباسٍ قالَ: "جلَّلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قبرَ سعدٍ بثوبِهِ"، قالَ البيهقيُّ: لا أحفظُهُ إلَّا منْ حديثِ يحيى بن عقبةَ بن أبي العيزارِ، وهوَ ضعيفٌ. وقيلَ: يختصُّ بالنساءِ لما أخرجهُ البيهقيُّ

(6)

أيضًا منْ حديثِ أبي إسحاقَ: "أنهُ حضرَ جنازةَ الحارِثِ الأعورِ، فأبى عبدُ اللَّهِ بنُ زيدٍ أن يبسطُوا عليهِ ثوبًا وقالَ: إنهُ رجلٌ".

قالَ البيهقيُّ: وهذَا إسنادهُ صحيحٌ وإنْ كانَ موقوفًا.

قلتُ: ويؤيدُه ما أخرجهُ البيهقيُّ

(7)

أيضًا عنْ رجلٍ منْ أهلِ الكوفةِ: "أن عليَّ بنَ أبي طالبٍ أتاهمْ يدفنونَ ميْتًا، وقدْ بُسطَ الثوبَ على قبرِه، فجذبَ الثوبَ منْ القبرِ، وقالَ: إنَّما يُصنعُ هذَا بالنساءِ".

(1)

رقم (57/ 556).

(2)

في "السنن"(3/ 372 رقم 1057) وقال: حديث حسن.

وقال الزيلعي في "نصب الراية"(2/ 300) وأنكر عليه لأن مداره على الحجَّاج بن أرطأة، وهو مدلِّس، ولم يذكر سماعًا، والمنهال بن خليفة راويه عن الحجَّاج ضعيف.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في (أ): "نصه".

(4)

في "السنن الكبرى"(4/ 54) من حديث يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف.

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في "السنن الكبرى"(4/ 54) وصحح إسناده.

(7)

في "السنن الكبرى"(4/ 54) وهو في معنى المنقطع لجهالة الرجل من أهل الكوفة.

ص: 306

‌ما يقال عند دفن الميت

42/ 541 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ في الْقُبُورِ، فَقُولُوا: بِسْمِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

(1)

، وَأَبُو دَاوُدَ

(2)

، وَالنَّسَائِي

(3)

، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(4)

، وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بالْوَقْفِ

(5)

. [صحيح]

(وعنِ ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: إذا وضعتمْ موتاكم في القبورِ فقولُوا: بسمِ اللهِ وعلى ملَّةِ رسولِ اللهِ. أخرجهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنسائيُّ، وصحَّحهُ ابنُ حبانَ، وأعلَّهُ الدارقطنيُّ بالوقْفِ)، ورجَّحَ النسائيُّ وقْفَهُ على ابن عمرَ أيضًا إلَّا أنهُ لهُ شواهدُ مرفوعةٌ ذكرَها في الشرحِ

(6)

.

وأخرجَ الحاكمُ

(7)

، والبيهقي

(8)

بسندٍ ضعيفٍ: "أنَّها لما وُضِعَتْ أمّ كلثوم بنتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في القبرِ قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}، بسمِ اللَّهِ وفي سبيلِ اللَّهِ، وعلى ملَّةِ رسولِ اللَّهِ"، وللشافعيِّ

(9)

(1)

في "المسند"(2/ 27، 40، 59، 69، 127 - 128).

(2)

في "السنن"(3/ 546 رقم 3213).

(3)

في "عمل اليوم والليلة"(ص 586 رقم 1088).

(4)

في "الإحسان"(7/ 376 رقم 3110).

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (548)، والحاكم (1/ 366)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 55) من طرق عن همام. وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي.

وأخرجه الترمذي (3/ 364 رقم 1046)، وابن ماجه (1/ 494 رقم 1550) من طريق الحجاج. وابن ماجه أيضًا (1550) من طريق ليث بن أبي سليم، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

(5)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(2/ 129).

قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 366)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 55) موقوفًا على ابن عمر.

(6)

انظر: "نصب الراية"(2/ 301 - 302). و"التلخيص الحبير"(2/ 129 - 130).

(7)

في "المستدرك"(2/ 379). وقال الذهبي: "لم يتكلم عليه - أي: الحاكم - وهو خبر واه لأن علي بن يزيد متروك".

(8)

في "السنن الكبرى"(3/ 409) وقال: هذا إسناد ضعيف.

(9)

في "الأم"(1/ 317).

ص: 307

دعاءٌ آخرُ استحسنهُ. فدلَّ كلامُه [على]

(1)

أنهُ يختارُ الدافنُ منَ الدعاءِ للميتِ ما يراهُ، وأنهُ ليسَ فيهِ حدٌّ محدودٌ

(2)

.

‌يمتنع عن إيذاء الميت بما يَتَأَذَّى به الحيُّ

43/ 542 - وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًا"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ

(3)

. [صحيح]

- وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ

(4)

مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: "في الإِثْمِ". [صحيح]

(وعنْ عائشةُ رضي الله عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: كسرُ عظمِ الميتِ ككسرهِ حيًا. رواهُ أبو داودَ بإسنادٍ على شرطِ مسلمٍ، وزادَ ابنُ ماجهْ) أي: في الحديثِ [هذَا]

(5)

، وهوَ قولهُ:(منْ حديثِ أمِّ سلمةَ: في الأثمِ) بيانٌ للمثليةِ.

فيهِ دلالةٌ على وجوبِ احترامِ الميتِ كما يُحتَرمُ الحيُّ، ولكنْ بزيادةِ:"في الإثمِ"[إثبات]

(6)

أنهُ يفارقُه منْ حيثُ إنهُ لا يجبُ الضمانُ، وهوَ يحتملُ أن الميتَ يتألمُ كما يتألمُ الحيُّ. وقدْ وردَ بهِ حديث.

‌اللَّحد والشق في القبر

44/ 543 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ قَالَ: الْحَدُوا لي لَحْدًا، وَانْصِبُوا

(1)

زيادة من (ب).

(2)

قلت: الخير في الاتباع والشر في الابتداع.

(3)

في "السنن"(3/ 543 - 544 رقم 3207).

(4)

في "السنن"(1/ 516 رقم 1616).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 48، 168، 200، 264)، والدارقطني (3/ 188 رقم 313)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 186)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 58) من طرق عن سعد بن سعيد أخي يحيى بن سعيد عن عمرة به.

وله طرق أخرى عند أحمد (6/ 100، 105)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(12/ 106)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 95)، والدارقطني (3/ 188 - 189 رقم 314) وبها يصح، والله أعلم.

(5)

في (ب): "الثالث والأربعون".

(6)

في (ب): "أنبأتْ".

ص: 308

عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

. [صحيح]

(وعنْ سعدِ بن أبي وقاصٍ قالَ: الحَدُوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللَّبنَ نصْبًا كما صُنِعَ برسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رواهُ مسلمٌ). هذَا الكلامُ قالهُ سعدٌ لما قيلَ لهُ: ألا نتَّخذ لكَ شيئًا كأنهُ الصندوقُ منَ الخشبِ؟ فقالَ: [بل]

(2)

اصنعُوا فذكرهُ، واللحدُ بفتحِ اللامِ وضمِّها، هوَ الحفرُ تحتَ الجانبِ القبلي منَ القبرِ، وفيهِ دلالةٌ أنهُ لُحِدَ لهُ صلى الله عليه وسلم. وقدْ أخرجهُ أحمدُ

(3)

، وابنُ ماجهْ

(4)

بإسنادٍ حسنٍ "أنهُ كانَ بالمدينةِ رجلانِ، رجلٌ يَلْحَدُ، ورجلٌ يشقُّ، فبعثَ الصحابةُ في طلبهمَا فقالُوا: أيُّهما جاءَ عملَ عملَهُ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فجاءَ الذي يُلحدُ فلحدَ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ومثلُهُ عن ابن عباسٍ عندَ أحمدَ

(5)

، والترمذيِّ

(6)

: "وأن الذي كان يشق هو أبو عبيدة، وأنَّ الذي كانَ يلحد هوَ أبو طلحةَ الأنصاريِّ"، وفي إسنادهِ ضعفٌ. وفيهِ دلالةٌ على أنّ اللَّحدَ أفضل.

45/ 544 - وَللْبَيْهَقيِّ

(7)

عَنْ جَابرٍ رضي الله عنه نَحْوَهُ، وَزَادَ: وَرُفِعَ قَبْرُهُ عَنِ الأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ. وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(8)

. [صحيح]

(وللبيهقي) أي: رَوَى البيهقيُّ (عنْ جابرٍ نحوَهُ) أي: نحوَ حديثِ سعدٍ (وزادَ: ورُفِعَ قبرُهُ أعنِ [الأرضِ]

(9)

قدْرَ شبرٍ، وصحَّحهُ بنُ حبانَ).

(1)

في "صحيحه"(2/ 665 رقم 90/ 966).

قلت: وأخرجه النسائي (4/ 80).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في "المسند"(3/ 99).

(4)

في "السنن"(1/ 496 رقم 1557) من حديث أنس.

وحسَّن الحافظ في "التلخيص"(2/ 128) إسناده.

(5)

في "المسند"(رقم 2357 و 2661 - شاكر).

(6)

لم أجده في سنن الترمذي بل أخرجه ابن ماجه (1628).

وهو حديث ضعيف.

(7)

في "السنن الكبرى"(3/ 410).

(8)

في "الإحسان"(14/ 602 رقم 6635) بإسناد صحيح على شرط مسلم.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(9)

زيادة من (ب).

ص: 309

هذَا الحديثُ أخرجهُ البيهقيُّ، وابنُ حبانَ منْ حديثِ جعفرِ بن محمدٍ عنْ أبيهِ، عنْ جابرٍ. وفي البابِ منْ حديثِ القاسم بن محمدٍ قالَ:"دخلتُ على عائشةَ فقلتُ: يا أماهُ اكشفي لي عنْ قبرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصاحبيْهِ، فكشفت لهُ عنْ ثلاثةِ قبورٍ، لا مشرفةً، ولا لاطئةً، مبطوحةً ببطحةِ العرَصَةِ الحمراءِ"، أخرجهُ أبو داودَ

(1)

، والحاكمُ

(2)

. وزادَ: "ورأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مقدَّمًا، وأبو بكرٍ رأسُهُ بينَ كتفي رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وعمرَ رأسُه عندَ رجلي رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ".

وأخرجَ أبو داودَ في المراسيلِ

(3)

عنْ صالحٍ بن أبي صالحٍ قالَ: "رأيتُ قبرَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شبرًا أو نحوَ شبرٍ"، ويعارضُه ما أخرجهُ البخاريُّ

(4)

منْ حديثِ سفيانَ التَّمَّارِ: "أنهُ رأى قبرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مسنَّمًا" أي: مرتفعًا كهيئةِ السَّنَامِ. وجمَعَ بينَهما البيهقي، بأنهُ كانَ أوَّلًا مسطَّحًا، ثمَّ لما سقطَ الجدارُ في زمنِ الوليدِ بن عبدِ الملكِ أصلحَ، فجُعِلَ مسنَّمًا.

فائدة: كانتْ وفاتُهُ صلى الله عليه وسلم يوم الاثنينِ عندَما

(5)

زاغتِ الشمسُ لاثنتي عشرةَ ليلةً خلتْ منْ ربيع الأولِ، ودُفِنَ يومَ الثلاثاءِ كما في الموطأِ

(6)

. وقالَ جماعةٌ: يومَ الأربعاءِ، وتولى غسلَهُ ودفنَهُ علي والعباسُ وأسامةُ.

(1)

في "السنن"(3/ 549 رقم 3220).

(2)

في "المستدرك"(1/ 369) وقال صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

وقال الألباني في "الأحكام"(ص 155) علة الحديث عمرو بن عثمان بن هاني، وهو مستور كما قال الحافظ في "التقريب" ولم يوثقه أحد البتة، فتصحيح الحاكم لحديثه من تساهله المعروف، ومتابعة الذهبي له من أوهامه الكثيرة التي لا تخفى على من تتبع كلامه في "تلخيص المستدرك" اهـ.

قلت: وأخرج الحديث ابن حزم (5/ 134)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 3)، وانظر: كلام البيهقي ورد ابن التركماني عليه في "الجوهر النقي".

(3)

(ص 303، رقم 421) وانظر: كلام الشيخ شعيب عليه.

(4)

في "صحيحه"(13/ 98 - 199).

(5)

في المخطوط (أن) والصواب ما أثبتناه.

(6)

(1/ 231 رقم 27) بلاغًا. قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه من الوجوه، غير بلاغ مالك هذا. ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك.

ص: 310

أخرجهُ أبو داودُ

(1)

منْ حديثِ الشعبيِّ وزادَ: "وحدَّثني مرحبٌ" كذا في الشرحِ. والذي في التلخيصِ

(2)

: "مُرَحَّبٌ أو أبو مُرَحَّبٍ" بالشكِّ، "أنَّهمْ أدخلُوا معهم عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ"، وفي روايةِ البيهقي

(3)

زيادةٌ معَ عليٍّ والعباسِ: "الفضلُ بنُ العباسِ، وصالحٌ وهوَ شقرانُ" ولم يذكرِ ابنُ عوفٍ. وفي روايةٍ لهُ، ولابنِ ماجهْ

(4)

: "عليٌّ والفضلُ وقثمُ وشقرانُ"، وزادَ:"وسوَّى لحده رجلٌ منَ الأنصارِ". وجُمِعَ بينَ الرواياتِ بأنَّ مَنْ نَقَصَ فباعتبارِ ما رأَى أولَ الأمرِ، ومَنْ زَادَ أراد بهِ آخرَ الأمرِ.

‌النهي عن البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليها

46/ 545 - وَلمُسْلِمٍ

(5)

عَنْهُ رضي الله عنه: نَهى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنى عَلَيْهِ. [صحيح]

(ولمسلمٍ عنهُ) أي: عنْ جابرٍ (نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُجَصَّصَ القبرُ، وأنْ يُقْعَدَ عليهِ، وأنْ يبنَى عليهِ). الحديث دليلٌ على تحريمِ الثلاثةِ المذكورةِ لأنهُ الأصلُ في النهي. وذهبَ الجمهورُ إلى أن النهيَ في البناءِ والتجصيص للتنزيه، [وعن]

(6)

القعودِ للتحريمِ، وهوَ جميعٌ بينَ الحقيقةِ والمجازِ، ولا يعرفُ ما الصارفُ عنْ حملِ الجميعِ على الحقيقةِ التي هي أصلُ النهي.

وقدْ وردتِ الأحاديثُ في النهي عن البناءِ على القبورِ، والكتْبِ عليها،

(1)

في "السنن"(3/ 544 - 545 رقم 3209 و 3220) وهو مرسل صحيح، وله شاهد من حديث علي رضي الله عنه عند الحاكم (1/ 364)، وعند البيهقي (4/ 53)، وصحَّحَهُ الحاكم ووافقه الذهبي.

(2)

(2/ 128 رقم 784)، وانظر:"سيرة ابن هشام"(4/ 415).

(3)

في "السنن الكبرى"(4/ 53).

(4)

في "السنن"(1/ 521)، وهو حديث ضعيف.

(5)

في "صحيحه"(2/ 667 رقم 94/ 970).

قلت: وأخرجه أبو داود (3225 و 3226)، والنسائي (2029)، والترمذي (1052)، وابن ماجه (1562).

(6)

زيادة من (أ).

ص: 311

والتسريب، وأنْ يزادَ فيها، وأنْ توطأَ. فأخرجَ أبو داودَ

(1)

، والترمذيُّ

(2)

، والنسائي

(3)

منْ حديثِ ابن مسعود مرفوعًا: "لعنَ اللَّهُ زائراتِ القبورِ، والمتَّخذينَ عليها المساجدَ والسُّرُجَ"، وفي لفظٍ للنسائيِّ

(4)

: "نَهَى [عن]

(5)

أنْ يُبْنَى على القبرِ، أو يزادَ عليهِ، أو يجصَّصَ، أو يكتبَ عليهِ".

وأخرجَ البخاري

(6)

منْ حديثِ عائشةَ قالتْ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في مرضهِ الذي لمْ يقمْ منهُ: "لعنَ اللَّهُ اليهودَ [والنَّصارى]

(7)

، اتخذُوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ"، واتفقَا

(8)

على إخراجِ حديثِ أبي هريرةَ بلفظِ: "لعنَ اللَّهُ اليهودَ [والنصارى]

(9)

اتخذُوا قبورَ أنبيائِهمُ مساجدَ".

وأخرجَ الترمذيُّ

(10)

: "أن عليًا عليه السلام قالَ لأبي الهياجِ الأسدي: أبعثُكَ على ما بعثَني عليهِ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أنْ لا أدعَ قبرًا مشرفًا إلا سوَّيتَه، ولا تمثالًا إلا طمستَه"، قالَ الترمذي: حديثٌ حسنٌ، والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ فكرهُوا أنْ يرفعَ القبرُ فوقَ الأرضِ.

قالَ الشارحُ رحمه الله: وهذهِ الأخبارُ المعبَّرُ فيها باللعنِ والتشبيه بالوثن بقولهِ:

(1)

في "السنن"(3/ 558 رقم 3236).

(2)

في "السنن"(2/ 136 رقم 320). وقال: حديث حسن.

(3)

في "السنن"(4/ 94 رقم 2043). كلهم من حديث ابن عباس ولم أجده من حديث ابن مسعود، وهو حديث حسن بشواهده ما عدا لفظ:"السرج"، انظر:"الإرواء"(3/ 213)، والضعيفة (رقم 225) و"الإحسان"(7/ 452 رقم 3179).

(4)

في "السنن"(4/ 86 رقم 2027) من حديث جابر، وهو حديث صحيح.

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في "صحيحه"(140/ 8 رقم 4443، 4444).

قلت: وأخرجه مسلم (531)، والنسائي (2/ 40 رقم 703).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

أي: البخاري (437)، ومسلم (530).

قلت: وأخرجه أبو داود (3227)، والنسائي (4/ 95 - 96 رقم 2047).

(9)

زيادة من (ب).

(10)

في "السنن"(3/ 366 رقم 1049).

قلت: وأخرجه مسلم (93/ 969)، وأبو داود (3218)، والنسائي (4/ 88 رقم 2031)، وأحمد (1/ 89).

ص: 312

"لا تجعلُوا قبري وَثَنًا يُعْبَدُ منْ دونِ اللَّهِ"

(1)

، [يفيدُ]

(2)

التحريمَ للعمارةِ، والتزيينَ، والتجصيصَ، ووضعَ الصندوقِ المزخرفِ، ووضعَ الستائرِ على القبرِ، وعلى سمائهِ، والتمسُّحَ بجدارِ القبرِ، وأنَّ ذلكَ قدْ يفضي معَ بُعْدِ العهدِ، وفُشُوِّ الجهلِ إلى ما كانَ عليهِ الأممُ السابقةُ منْ عبادةِ الأوثانِ، فكانَ في المنعِ عنْ ذلكَ بالكليةِ قطعٌ لهذهِ الذريعةِ المفضيةِ إلى الفسادِ، وهوَ المناسبُ للحكمةِ المعتبرةِ في شرعِ الأحكامِ منْ جلبِ المصالحِ ودفعِ المفاسدِ، سواءٌ كانتْ بأنفسِها أو باعتبارِ ما تفضي إليه، انتهَى. وهذا كلامٌ حسنٌ. وقدْ وفَّيْنَا المقامَ حقَّه في مسئلةٍ مستقلةٍ.

‌هل الحثي على القبر الميت مشروع

47/ 546 - وَعَنْ عَامِرٍ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى عُثْمَانَ بْنِ

(1)

وهو حديث صحيح.

• أخرجه مالك (1/ 185 - 186) مع تنوير الحوالك، مرسلًا.

وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(2/ 240 - 241) من طريق عطاء بن يسار مرسلًا بسند صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 406 رقم 1587) عن زيد بن أسلم مرسلًا.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 345) عن زيد بن أسلم مرسلًا بسند صحيح.

وأخرجه أحمد موصولًا (2/ 246)، والحميدي (2/ 445 رقم 1025)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 283) و (7/ 317) عن أبي هريرة بسند حسن بلفظ:"اللهم لا تجعل قبري وثنًا، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

• وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(3/ 577 رقم 6726)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 345)، عن ابن عجلان، عن سهل، عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب أنه قال: ورأى رجلًا وقف على البيت الذي فيه قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له ويصلِّي عليه، فقال حسن للرجل: لا تفعل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا بيتي عيدًا .. " وهو مرسل، وسهل ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(4/ 249) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

• وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد (2/ 367)، وأبو داود (2/ 534 رقم 2042) مرفوعًا: "لا تتخذوا قبري عيدًا

"، وهو حديث حسن. حسَّنه ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (ص 321 - 323).

• وله شاهد آخر أخرجه إسماعيل الجهضمي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رقم (20) بتحقيق الألباني، وأبو يعلى في "المسند" (1/ 361 رقم 209/ 469)، والحديث بهذه الطرق صحيح، والله أعلم.

(2)

في (أ): "تفيد".

ص: 313

مَظْعُونٍ، وَأَتى الْقَبْرَ، فَحَثى عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ وَهُوَ قَائِمٌ. رَوَاهُ الدَّارَقطْنيُّ

(1)

[ضعيف]

(وعنْ عامرِ بن ربيعةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى على عثمانَ بن مظعونِ، وأتَى القبرَ، فحثَى عليهِ ثلاثَ حثياتِ، وهوَ قائمٌ. رواة الدارقطنيُّ). [وأخرج]

(2)

البزارُ

(3)

وزادَ بعدَ قولهِ هوَ قائمٌ: "عندَ رأسهِ"، وزادَ أيضًا: " [فأمرَ]

(4)

فرشَّ عليه الماءَ". ورَوى أبو الشيخِ في مكارمِ الأخلاقِ

(5)

عنْ أبي هريرةَ مرفوعًا: "مَنْ حثَى على مسلمٍ احتسابًا كُتِبَ لهُ بكلِّ ثراةٍ حسنةٌ"، وإسنادهُ ضعيفٌ. وأخرجَ ابنُ ماجهْ

(6)

منْ حديثِ أبي هريرةَ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حثَى منْ قِبَلِ الرأسِ ثلاثًا"، إلَّا أنهُ قالَ أبو حاتمٍ

(7)

: حديثٌ باطلٌ.

ورَوَى البيهقي

(8)

منْ طريقِ محمدِ بن زيادٍ عنْ أبي أمامةَ قالَ: "توفيَ رجلٌ فلمْ تصبْ لهُ حسنةٌ إلا ثلاثَ حثياتٍ حثَاها على قبرٍ فغفرتْ له ذنوبُه". ولكنَّ هذهِ [شهدَ]

(9)

بعضها لبعضٍ، وفيهِ دلالةٌ على مشروعيةِ الحثي على القبرِ ثلاثًا، وهوَ يكونُ باليدينِ معًا لثبوتهِ في حديثِ عامرٍ بن ربيعةَ؛ ففيهِ حثى بيديهِ، واستحبَّ

(1)

في "السنن"(2/ 76 رقم 1) وقال الآبادي في "التعليق المغني" فيه القاسم العمري وعاصم بن عبيد الله، وهما ضعيفان

".

والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

(2)

في (أ): "وأخرجه".

(3)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(2/ 131).

(4)

في (أ): "وأمر".

(5)

عزاه إليه "صاحب الكنز"(15/ 607 رقم 42411).

قلت: وأخرجه العقيلي في "الضعفاء"(4/ 354)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 910 رقم 1521) من حديث أبي هريرة.

قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يعرف إلا بالهيثم - بن زريق المالكي - ولا يتابع عليه.

والهيثم مجهول.

(6)

في "السنن"(1/ 499 رقم 1565) وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 511 رقم 560/ 1565): هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات. وصحَّحَهُ الألباني في "الإرواء" رقم (751).

(7)

في "العلل"(1/ 169 رقم 483). ولكن علمت صحته فيما تقدم آنفًا.

(8)

في "السنن الكبرى"(3/ 410).

(9)

في (أ): "يشهد".

ص: 314

أصحابُ الشافعي أنْ يقولَ عندَ ذلكَ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} الآيةَ

(1)

.

‌استغفار الحي للميت وثبوت سؤال القبر

48/ 547 - وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَاسْألُوا لَهُ التثْبِيتَ، فَإنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ

(3)

. [صحيح]

(وعنْ عثمانَ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا فرغَ منْ دفنِ الميتِ وقفَ عليهِ وقالَ: استغفرُوا لأَخِيْكم، واسألُوا لهُ التثبيتَ؛ فإنهُ الآنَ يُسألُ. رواهُ أبو داودَ، وصحَّحه الحاكمُ). فيهِ دلالةٌ على انتفاعِ الميتِ باستغفارِ الحيِّ لهُ، وعليهِ وردَ قولُه تعالَى:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}

(4)

، وقولُه تعالَى:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}

(5)

ونحوِهما، وعلى أنهُ يُسْأَلُ في القبرِ. وقدْ وردتْ بهِ الأحاديثُ الصحيحةُ كما أخرجَ ذلكَ الشيخانِ.

فمنْها: منْ حديثِ أنسٍ

(6)

أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: إنَّ الميتَ إذا وُضِعَ في قبرهِ وتولى عنهُ أصحابُه، إنهُ ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم"، زادَ مسلمٌ

(7)

: "وإذا انصرَفُوا أتاهُ ملكانِ"، زادَ ابنُ حبانَ

(8)

، والترمذيُّ

(9)

منْ حديثِ أبي هريرةَ: "أزرقانِ أسودانِ، يقالُ

(1)

سورة طه: الآية 55.

(2)

في "السنن"(3/ 550 رقم 3221).

(3)

في "المستدرك" 1/ 370).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن"(4/ 56)، والبغوي في "شرح السنة"(5/ 418)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(رقم 584) وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (4636) الطبعة الأولى.

(4)

سورة الحشر: الآية 10.

(5)

سورة محمد: الآية 19.

(6)

أخرجه البخاري (1338) و (1374)، ومسلم (2870)، والبغوي في "شرح السنة"(5/ 414 - 415 رقم 1522)، والنسائي (4/ 97 رقم 2050)، وأحمد (3/ 126، 233) وغيرهم.

(7)

في "صحيحه"(1/ 2204 رقم 71/ 2870).

(8)

في "الإحسان"(7/ 386 رقم 3117).

(9)

في "السنن"(3/ 383 رقم 1071). وقال: حديث حسن غريب.

ص: 315

لأحدِهما المنكرُ، والآخرِ النكيرُ"، زادَ الطبرانيُّ [في الأوسطِ]

(1)

: "أعينُهما مثلُ قدورِ النحاسِ، وأنيابُهما مثلُ صياصي

(2)

البقرِ، وأصواتُهما مثلُ الرعدِ"، زادَ عبدُ الرزاقِ

(3)

: "أو،

(4)

يحفرانِ بأنيابهما، ويطآنِ في أشعارِهما معَهما مرزبَّةٌ لو اجتمعَ عليها أهلُ منَى لم يقلُّوها". وزادَ البخاريُّ منْ حديثِ البراءِ:"فيعادُ روحهُ في جسدِه".

ويستفادُ منْ مجموعِ الأحاديثِ أنَّهما يسألانهِ فيقولانِ [له]

(5)

: "ما كنتَ تعبدُ؟ فإنْ [كان] (9) هداهُ اللَّهُ فيقولُ: كنتُ أعبدُ اللَّهَ. فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ لمحمدٍ؛ فأمَّا المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنه عبدُ اللَّهِ ورسولُهُ - وفي روايةٍ: "أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه، فيقالُ لهُ: صدقْتَ فلا يُسْأَلُ عنْ شيء غيرَها، ثمَّ يقالُ لهُ: على اليقينِ كنتَ، وعليهِ متَّ، وعليهِ تبعثُ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى". وفي لفظٍ:"فينادِي منادٍ منَ السماءِ أنْ صدقَ عبدي، فافرشوهُ منَ الجنةِ، وافتحُوا لهُ بابًا إلى الجنةِ، وألبسوهُ منَ الجنةِ، قالَ: فيأتيهِ منْ رَوْحِها وطيْبها، ويفسحُ لهُ مدَّ بصرِه ويقالُ لهُ: انظرْ إلى مقعدِك منَ النارِ قدْ أبدلَكَ اللَّهُ مقعدًا منَ الجنةِ فيراهما جميعًا، فيقولُ: دعوني حتَّى أذهبَ أبشرُ أهلي، فيقالُ لهُ اسكتْ: ويفسحُ لهُ في قبرهِ سبعونَ ذراعًا، ويملأُ خضرًا إلى يومِ القيامةِ"، وفي لفظٍ: " [ويقالُ]

(6)

لهُ: نَمْ فينام نومة العروس لا يوقظهُ إلا أحب أهله.

وأما الكافر والمنافق فيقول له الملكانِ: مَنْ ربُّكَ؟ فيقولُ: هاهْ

(7)

هاهْ لا أدري، ويقولانِ: ما دينُكَ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ لا أدري، فيقولانِ: ما هذَا الرجلُ الذي بُعِثَ فيكمْ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ لا أدري، فيقالُ: لا دريتَ ولا تليتَ، أي: لا فهمتَ ولا تبعتَ مَنْ يفهمُ، ويُضْرَبُ بمطارقَ منْ حديدٍ ضربة لو ضُرِبَ بها جبل لصارَ ترابًا؛ فيصيحُ صيحة يسمعُها مَنْ يليهِ غيرَ الثقلينِ".

(1)

كما في "مجمع الزوائد"(3/ 53 - 54) وقال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة قلت: وفيه كلام.

وما بين الحاصرتين زيادة من (أ).

(2)

قرونها: واحدتها صيصة.

(3)

في "المصنف"(3/ 584 رقم 6740).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (أ): "فيقال".

(7)

هاه هاه: إما أن تكون بمعنى التأوه والبكاء. وإما أن تكون بمعنى الإشارة إلى الشيطان.

ص: 316

‌هل القبر خاص بهذه الأمة؟

واعلمْ أنَّها قدْ وردتْ أحاديثُ دالةٌ على اختصاصِ هذهِ الأمةِ بالسؤالِ في القبرِ دونَ الأممِ السالفةِ، قالَ العلماءُ: والسرُّ فيهِ أن الأممَ كانتْ تأتيهمُ الرسلُ فإنْ أطاعُوهم، فالمرادُ، وإنْ عصوهُمْ، اعتزلُوهم وعوجلُوا بالعذابِ، فلمَّا أرسلَ الله محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمينَ أمسكَ عنْهمُ العذابَ وقبلَ الإسلامَ ممنْ أظهرهُ سواءٌ أخلصَ أم لا، وقيَّضَ [اللَّهُ]

(1)

لهمْ مَنْ يسألُهم في القبورِ ليخرجَ اللَّهُ سرَّهم بالسؤال، وليميزَ اللَّهُ الخبيثَ منَ الطيبِ. وذهبَ ابنُ القيمِ إلى عمومِ المسئلةِ، وبسطَ المسئلةَ في كتابِ الروحِ

(2)

.

49/ 548 - وَعَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ رضي الله عنه أَحَدِ التَّابِعِينَ - قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا سُوِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْرُهُ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ عَنْهُ. أَنْ يُقَالَ عِنْدَ قَبْرِهِ: يَا فُلَانُ، قُلْ لَا إلهَ إِلَّا اللَّهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَا فُلَانُ، قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ، وَدِيني الإِسْلَامُ، وَنَبِيِّ مُحَمّدٌ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا

(3)

. [ضعيف]

- وَلِلطَّبَرَانيِّ

(4)

نَحْوُهُ مِنْ حَديثِ أَبي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا مُطَوَّلًا. [ضعيف]

‌ترجمة ضمرة بن حبيب

(وعنْ ضَمْرةَ)

(5)

بفتحِ الضادِ المعجمةِ، وسكونِ الميمِ (ابن حبيب)، بالحاءِ المهملةِ، مفتوحة، فموحَّدةٌ، فمثناةٌ، فموحدةٌ (أحدِ التابعينَ) حمصيٌّ ثقةٌ، رَوَى عنْ شدادِ بن أوسٍ وغيرِه (قالَ: كانوا) ظاهرُه الصحابةُ الذينَ أدركَهمْ (يستحبونَ إذا شوِّيَ) بضمِّ السينِ المهملةِ، مغيَّرَ الصيغةِ منَ التسويةِ (على الميتِ قبرَهُ، وانصرفَ

(1)

زيادة من (أ).

(2)

(ص 102 - 104).

(3)

عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص الحبير"(2/ 136)، وابن القيم في "زاد المعاد"(1/ 523).

(4)

في "الكبير"(8/ 298 رقم 7979).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 324) و (3/ 45) وقال: في إسناده جماعة لم أعرفهم.

وقال ابن القيم في "زاد المعاد"(1/ 523): "فهذا حديث لا يصح رفعه".

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(4/ 402 - 403 رقم 802).

ص: 317

الناسُ عنهُ أنْ يقالَ عندَ قبرِه: يا فلانُ، قلْ لا إلهَ إلا اللهُ ثلاثَ مراتٍ، يا فلانُ قلْ: ربيَ اللهُ، وديني الإسلام، ونبيَّ محمدٌ. رواهُ سعيدُ بنُ منصورٍ موقوفًا) على ضمرةَ بن حبيب، (وللطبراني نحوُهُ منْ حديثِ أبي أمامةَ مرفوعًا مطولًا).

ولفظُه عنْ أبي أمامةَ: "إذا أنا متُّ فاصنعُوا بي كما أمرَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نصنعَ بموتانا؛ أمرَنَا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: إذَا ماتَ أحَد منْ إخوانِكم فسوَّيتمُ الترابَ على قبرهِ، فليقمْ أحدُكم على رأسِ قبرهِ ثمَّ ليقلْ: يا فلانُ ابنُ فلانةَ؛ فإنهُ يسمعُه ولا يجيبُ، ثمَّ يقولُ: يا فلانُ بنُ فلانةَ؛ فإنهُ يستوي قاعدًا، ثم يقول: يا فلان بن فلانة؛ فإنه يقول: أرشدْنا يرحمكَ اللَّهُ، ولكنْ لا تشعرونَ فليقلْ: اذكرْ ما كنتَ عليهِ في الدنيا منْ شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، وأنَّكَ رضيتَ باللهِ ربًا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمدٍ نبيًا، وبالقرآنِ إمامًا، فإنَّ منكرًا ونكيرًا يأخذُ كلُّ واحدٍ منْهما بيدِ صاحبِه فيقولُ: انطلقْ بنَا ما يقعدُنا عندَ مَنْ قدْ لُقِّنَ حجَّتَهُ، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، فإنْ لم يعرفْ أَمَّهُ قالَ: ينسبُهُ إلى أمهِ حواءَ يا فلانُ بنُ حواءَ". قالَ المصنفُ

(1)

: إسنادُه صالحٌ، وقدْ قوَّاهُ أيضًا في الأحكامِ لهُ.

قلت: قالَ الهيثميُّ

(2)

بعدَ سياقهِ ما لفظهُ: أخرجهُ الطبراني في الكبيرِ"، وفي إسنادهِ [رجال]

(3)

لمْ أعرفْهم، وفي هامشهِ: فيهِ عاصمُ بنُ عبدِ اللهِ ضعيفٌ. ثمَّ قالَ: والراوي عنْ أبي أمامةَ سعيدٌ الأزديِّ بيضَ لهُ أبو حاتمٍ.

قالَ الأثرمُ: قلتُ لأحمدَ بن حنبلٍ: هذَا الذي تصنعونهُ إذَا دفنَ الميتُ يقفُ الرجلُ ويقولُ: يا فلانُ ابنُ فلانةَ، قالَ: ما رأيتُ أحدًا يفعلُه إلَّا أهلَ الشامِ حينَ ماتَ أبو المغيرةِ يُرْوَى فيهِ عنْ أبي بكرٍ ابن أبي مريمَ عنْ أشياخِهم أنَّهم كانُوا يفعلونهُ. وقدْ ذهبَ إليهِ الشافعيةُ وقالَ في المنارِ

(4)

: إنَّ حديثَ التلقينِ هذَا حديثٌ لا يشُكُّ أهلُ المعرفةِ بالحديثِ في وضْعِهِ، وأنهُ أخرجهُ سعيدُ بنُ منصورٍ في سننهِ

(1)

في "التلخيص الحبير"(2/ 135 - 136).

(2)

في "مجمع الزوائد"(2/ 324) و (3/ 45).

(3)

في (ب): "جماعة".

(4)

(1/ 278).

ص: 318

عنْ ضمرة بن حبيبٍ، عنْ أشياخٍ لهُ منْ أهل حمصَ؛ [فالمسئلة]

(1)

حمصيةٌ، وأما جعلُ اسألُوا لهُ التثبيتَ فإنهُ الآن يسئلُ

(2)

: شاهدًا لهُ - فلا شهادةَ فيهِ، وكذلكَ أمرُ عمرِو بن العاصِ

(3)

بالوقوفِ عندَ قبرِه مقدارَ ما يُنْحَرُ جزورٌ ليستأنسَ بهمْ عندَ مراجعةِ رسلِ ربِّه لا شهادةَ فيهِ على التلقينِ. وابنُ القيمِ جزمَ في الهدي

(4)

بمثلِ كلامِ المنارِ.

وأما في كتابِ الروحِ

(5)

فإنهُ جعلَ حديثَ التلقينِ منْ أدلةِ سماعِ الميتِ لكلامِ الأحياءِ، وجعلَ اتصالَ العملِ بحديثِ التلقينِ منْ غيرِ نكيرٍ كافيًا في العملِ بهِ ولمْ يحكمْ لهُ بالصحةِ، بلْ قالَ في كتابِ الروحِ: إنهُ حديثٌ ضعيفٌ. ويتحصَّلُ منْ كلامِ أئمةِ التحقيقِ أنهُ حديثٌ ضعيفٌ، والعملُ بهِ بدعةٌ، ولا يُغْتَرُّ بكثرةِ مَنْ يفعلُهُ.

50/ 549 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ نَهَيتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(6)

، زَادَ الترْمِذِيُّ

(7)

: "فَإنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ". [صحيح]

(وعنْ بريدةَ بن الحصيبِ الأسلميِّ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كنتُ نهيتُكم عنْ

(1)

في (أ): "فهي مسألة".

(2)

أخرجه أبو داود (3221)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 56)، وصحَّحَهُ الحاكم في "المستدرك"(1/ 370) ووافقه الذهبي وهو كما قالا من حديث عثمان بن عفان.

وقال النووي في "المجموع"(5/ 292): إسناده جيد.

(3)

قال المقبلي في "المنار"(1/ 278): "وجعل ابن حجر من شواهده - أي: حديث التلقين - أيضًا: أمر عمرو بن العاص أصحابه أن يقفوا على قبره مقدار نحر جزور ليستأنس بهم عند مراجعة رسل ربِّه.

وهذا الشاهد مختلٌّ من وجوه:

(منها): أنه لا دلالة - به - على التلقين، و (منها): أنه لا حجَّةَ في قول عمرو، فإنه لم يسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، وإنما هو كغريق يتعلَّق بما لا ينجي.

(4)

(1/ 523).

(5)

(ص 19).

(6)

في "صحيحه"(2/ 672 رقم 977).

(7)

في "السنن"(4/ 370 رقم 1054).

قلت: وأخرجه النسائي (4/ 89).

ص: 319

زيارةِ القبورِ فزورُوها. رواه مسلم، [و]

(1)

زادَ الترمذيُّ) أي: منْ حديثِ بريدةَ: (فإنَّها تذكرُ الآخرةَ).

51/ 550 - زَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ

(2)

حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَتُزَهِّدُ في الدنْيَا". [ضعيف]

(زادَ ابنُ ماجه (4) منْ حديثِ ابن مسعودٍ)، وهوَ الحديثُ [الخمسون]

(3)

السابقُ بلفظ ما مضَى وزادَ: (وتزهِّدُ في الدنيا). وفي الباب أحاديثُ عنْ أبي هريرةَ عندَ مسلمٍ

(4)

، وعن ابن مسعودٍ عندَ ابن ماجه

(5)

، والحاكم

(6)

، وعنْ أبي سعيدٍ عند أحمدَ

(7)

والحاكمِ

(8)

، وعنْ عليٍّ عليه السلام عندَ أحمدَ

(9)

، وعنْ عائشةَ عندَ ابن ماجهْ

(10)

. والكلُّ [دالٌّ]

(11)

على مشروعيةِ زيارةِ القبورِ وبيانِ الحكمةِ فيها،

(1)

زيادة من (أ).

(2)

في "السنن"(1/ 501 رقم 1571).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 513 رقم 563/ 1571):

"هذا إسناد حسن، أيوب بن هانئ مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم

" اهـ.

وحكم الألباني على الحديث بالضعف في ضعيف ابن ماجه.

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في "صحيحه"(2/ 671 رقم 976).

(5)

في "السنن"(رقم 1571) وقد تقدم.

(6)

في "المستدرك"(1/ 375) وسكت عليه الحاكم، وقال الذهبي: أيوب بن هانئ ضعفه ابن معين.

(7)

في "المسند"(3/ 38، 63، 66).

(8)

في "المستدرك"(1/ 374 - 375) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي ووافقهما الألباني في الأحكام (ص 179).

(9)

بل في "زوائد المسند"(8/ 157 رقم 328 - الفتح الرباني).

(10)

في "السنن"(1/ 500 رقم 1570).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 513 رقم 562/ 1570):

"هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، بسطام بن مسلم وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو داود وغيرهم، وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم

" اهـ.

وحكم الألباني على الحديث بالصحة في صحيح ابن ماجه.

(11)

في (ب): "دالة".

ص: 320

وأنَّها للاعتبارِ؛ [فإنهُ]

(1)

في لفظِ حديثِ ابن مسعودٍ: "فإنَّها عبرةٌ وذكرٌ للآخرةِ والتزهيدِ في الدنيا"؛ فإذا خلتْ [منْ]

(2)

هذهِ لم تكنْ مرادة شرعًا، وحديثُ بريدةَ جمعَ فيهِ بينَ ذكرِ أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ نَهَى أو، عنْ زيارتِها ثمَّ أذِنَ فيها أُخْرى.

وفي قولهِ: فزورُوها، أمرٌ للرجالِ بالزيارةِ، وهوَ أمرُ ندبٍ اتفاقًا، ويتأكدُ في حقِّ الوالدينِ لآثارٍ في ذلكَ. وأما ما يقولُه الزائرُ عندَ وصولهِ المقابرَ [فهو]

(3)

: (السلامُ عليكمْ ديارَ قومٍ مؤمنينَ، ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُه، [ثم]

(4)

يدعُو لهم بالمغفرة ونحوها).

وسيأتي حديثُ مسلمٍ

(5)

في ذلكَ قريبًا، وأما قراءةُ القرآنِ ونحوها عندَ القبرِ فسيأتي الكلامُ فيها قريبًا

(6)

.

‌زيارة النساء المقابر

52/ 551 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ. أَخْرَجَهُ التّرْمِذِيُّ وَصَحّحَهُ

(7)

ابْنُ حِبَّانَ

(8)

. [حسن]

(وعنْ أبي هريرةَ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعنَ زائراتِ القبورِ. أخرجه الترمذيُّ وصحَّحهُ ابن حبانَ)، وقالَ الترمذيُّ بعدَ إخراجهِ: هذا حديثٌ حسنٌ. وفي البابِ عن ابن عباسٍ

(9)

، وحسانَ

(10)

.

(1)

في (أ): "فإنَّ".

(2)

في (أ): "عن".

(3)

في (أ): "فيقول".

(4)

في (ب): "و".

(5)

رقم (59/ 556).

(6)

عند شرح الحديث رقم (60/ 559) من كتابنا هذا.

(7)

في "السنن"(3/ 371 رقم 1056) وقال: حديث حسن صحيح.

(8)

في "الإحسان"(7/ 452 رقم 3178) بإسناد حسن.

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (2358)، وأحمد (2/ 337، 356)، وابن ماجه (1576)، والبيهقي (4/ 78) من طرق

وهو حديث حسن.

(9)

أخرجه النسائي (4/ 94 - 95)، والترمذي (320)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 416 رقم 510)، وابن ماجه (1575)، والطيالسي (رقم 2733)، والبيهقي (4/ 78)، وأحمد (1/ 229، 287، 324، 337)، وأبو داود (3236)، وحسنه الترمذي والبغوي لشواهده دون قوله:"المتخذين عليها السرج" وهو كما قالا.

(10)

أخرجه ابن ماجه (1/ 502 رقم 1574)، والبيهقي (4/ 78)، وأحمد (3/ 442)، وابن =

ص: 321

وقدْ قالَ بعضُ أهلِ العلمِ: إنَّ هذا كانَ قبلَ أنْ يرخِّصَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في زيارةِ القبورِ، فلما رخَّصَ دخلَ في رخصتهِ الرجالُ والنساءُ. وقال بعضُهم: إنَّما كرهَ زيارةَ القبورِ للنساءِ لقلةِ صبرهنَّ، وكثرةِ جَزَعِهنَّ، ثمَّ ساقَ بسندهِ: أن عبدَ الرحمنِ بنَ أبي بكرٍ تُوُفيَ ودُفِنَ في مكةَ وأتتْ عائشةُ قبرَه

(1)

ثمَّ قالتْ:

وكنَّا كنَدَمَانَيْ جَذِيمَةَ برهةً

منَ الدهرِ حتَّى قيلَ لنْ يتصدَّعا

وعِشْنا بخيرٍ في الحياةِ وقبلنا

أصابَ المنايا رهطُ كسرى وتُبَّعَا

ولما تفرَّقْنا كأني ومالِكًا

لطُولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً معَا

انتهَى.

ويدلُّ لما قالُه بعضُ أهل العلم ما أخرجهُ مسلمٌ

(2)

عن عائشةَ "قالتْ: كيفَ

= أبي شيبة (3/ 345)، والحاكم (1/ 374) وسكت عليه الحاكم والذهبي.

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 516 رقم 565/ 1574): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات" اهـ. وقال الألباني في "الإرواء"(3/ 233):

قلت: ابن بهمان لم يرو عنه غير ابن خيثم هذا، ولذلك قال ابن المديني:"لا نعرفه"، وأما ابن حبان فذكره في "الثقات" على قاعدته، ووافقه العجلي. وقال الحافظ في "التقريب":"مقبول" يعني عند المتابعة، فالحديث صحيح لغيره" اهـ.

(1)

يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه الحاكم (1/ 376)، والبيهقي (4/ 78) عن عبد الله بن أبي مليكة أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت، قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور. قالت: نعم. كان نهى ثم أمر بزيارتها.

سكت عليه الحاكم، وقال البيهقي: تفرَّد به بسطام بن مسلم البصري. قلت: وهو ثقة اتفاقًا. فالحديث صحيح، والله أعلم.

• وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 343 - 344)، والترمذي (1055) عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بحُبْشِيٍّ. قال: فحُمِلَ إلى مكة فدفن فيها، فلما قدمت عائشة، أتت قبر عبد الرحمن بن أبيَ بكر فقالت: - الأبيات -.

ثم قالت: والله لو حَضْرْتُكَ ما دُفِنتَ إلا حيثُ مُتً، ولو شهدتُكَ ما زرتُكَ. وسكت عليه الترمذي.

وقال الألباني في "الإرواء"(3/ 235): "ولا أدري السبب، فإن رجاله كلهم ثفات رجال الشيخين، فهو على طريقته صحيح. ولولا أن ابن جريج مدلس وقد عنعنه، لحكمت عليه بالصحة والله أعلم" اهـ.

(2)

في "صحيحه"(2/ 668 رقم 100/ 973).

ص: 322

أقولُ يا رسول اللَّهِ إذا زرتُ القبورَ؟ قال: قولي: السلامُ على أهلِ الديارِ منَ المسلمينَ والمؤمنينَ، يرحمُ اللَّهُ المتقدِّمينَ مِنَّا والمتأخِّرينَ، وإنا إن شاءَ اللَّهُ بكمْ لاحقونَ"، وما أخرجَ الحاكمُ

(1)

منْ حديثِ على بن الحسينِ: "أن فاطمةَ عليها السلام كانتْ تزورُ قبرَ عمِّها حمزةَ كلَّ جمعةٍ فتصلِّي وتبكي عندَهُ".

قلت: وهوَ حديثٌ مُرْسلٌ، فإنَّ عليَّ بنَ الحسينِ لمْ يدركْ فاطمةَ بنتَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وعمومُ ما أخرجهُ البيهقي في شعبِ الإيمانِ

(2)

مرسلًا: "مَنْ زارَ قبرَ الوالدينِ أو أحدَهما في كلِّ جمعةٍ غُفِرَ لهُ وكُتِبَ بارًا".

‌ترحيم النياحة وجواز البكاء

53/ 552 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

. [ضعيف]

(وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه قالَ: لعنَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النائحةَ والمستمعةَ. رواهُ أبو داودَ). النُّوْحُ [هو]

(4)

رفعُ الصوتِ بتعديد شمائل الميِّت [ومَحاسنِ]

(5)

أفعالهِ، والحديثُ دليلٌ على تحريم ذلكَ، وهوَ مُجْمَعٌ عليهِ.

54/ 553 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا نَنُوحَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

(1)

في "المستدرك"(1/ 377) وقال: هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات

وتعقبه الذهبي بقوله: هذا منكر جدًّا، وسليمان ضعيف.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

(2)

(6/ 201 رقم 7901) عن محمد بن النعمان.

قلت: محمد بن النعمان لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث مرسل.

وأخرجه عن محمد بن سيرين. قلت: أيضًا محمد بن سيرين لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث مرسل.

(3)

في "السنن"(3/ 493 - 494 رقم 3128) وفي إسناده: محمد بن الحسن بن عطية العوفي عن أبيه عن جده، وثلاثتهم ضعفاء.

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في (أ): "ومعاظم".

(6)

البخاري (1306)، ومسلم (936).

قلت: وأخرجه أبو داود (3127).

ص: 323

(وعنْ أُمِّ عطيةَ قالتْ: أخذَ علينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ لا ننوحَ. متفقٌ عليهِ). كانَ أخذُه عليهنَّ ذلكَ وقتَ المبايعةِ على الإسلامِ، والحديثانِ دالَّانِ على تحريمِ النياحةِ، وتحريمِ استماعِها؛ إذْ لا يكونُ اللعنُ إلا على محرَّمٍ.

وفي البابِ عن ابن مسعودٍ قال: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ليسَ منا مَنْ ضربَ الخدودَ، وشقَّ الجيوبَ، ودعا بدعوى الجاهليةِ" متفقٌ عليهِ

(1)

. وأخرجا

(2)

منْ حديث أبي موسى: أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أنا بريءٌ ممنْ حلقَ وسلقَ وخرقَ". وفي البابِ غيرُ ذلكَ.

ولا يعارضُ ذلكَ ما أخرجَ أحمدُ

(3)

، وابنُ ماجة

(4)

، وصحَّحهُ الحاكمُ

(5)

عن ابن عمرَ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم مرَّ بنساءِ ابن عبدِ الأشهلِ يبكينَ هَلْكَاهُنَّ يومَ أُحُد، فقالَ: لكنَّ حمزةَ لا بواكيَ [له]

(6)

، فجاء نساءُ الأنصارِ يبكينَ حمزةَ. الحديثَ"، فإنهُ منسوخ بما في آخرهِ بلفظِ: "فلا تبكينَ على هالكٍ بعدَ اليومِ". وهوَ يدلُّ على أنهُ عبَّرَ عن النياحةِ بالبكاءِ، فإنَّ البكاءَ غيرُ منْهى عنهُ كما يدلُّ بهِ ما أخرجهُ النسائيُّ

(7)

عنْ أبي هريرةَ قالَ: "ماتَ ميتٌ منْ آلِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فاجتمعَ النساءُ يبكينَ عليهِ، فقامَ عمرُ ينهاهنَّ ويطردُهنَّ، فقالَ لهُ صلى الله عليه وسلم: دعْهنَّ يا عمرُ، فإنَّ العينَ تدمعُ، والقلبُ مصابٌ، والعهدُ قريبٌ"، والميتُ هي زينبُ بنتُهُ صلى الله عليه وسلم كما صرَّحَ بهِ

(1)

البخاري (1297)، ومسلم (165/ 103).

(2)

البخاري (1296) معلقًا، ومسلم (104).

قلت: وأخرجه أبو داود (3130)، والنسائي (4/ 20).

• السلق: رفع الصوت عند المصيبة.

• الخرق: خرق الثوب عند المصيبة.

(3)

في "المسند"(2/ 40، 84، 92).

(4)

في "المسند"(1591) بإسناد حسن.

(5)

في "المستدرك"(3/ 194 - 195) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

(6)

زيادة من (أ): وهي في كتب الحديث أيضًا.

(7)

في "السنن"(4/ 19) وفي سنده سلمة بن الأزرق وهو مجهول. قال ابن القطان: لا يعرف حاله ولا أعرف أحدًا من المصنفين في كتب الرجال ذكره. قال الحافظ في "التهذيب"(4/ 124 رقم 239): "قال: أظن أنه والد سعيد بن سلمة رواي حديث القلَّتين والله أعلم.

ص: 324

في حديثِ ابن عباسٍ أخرجهُ أحمدُ

(1)

، وفيهِ أنهُ قالَ لهنَّ:"إياكنَّ ونعيقَ الشيطانِ؛ فإنه مهْما كانَ منَ العينِ ومنَ القلبِ فمنَ اللَّهِ ومنَ الرحمةِ، وما كانَ مِنَ اليدِ واللسانِ فمنَ الشيطان"؛ فإنهُ يدلُّ على جوازِ البكاءِ، وأنهُ إنَّما نَهَى عن الصوتِ. ومنهُ قولُهُ صلى الله عليه وسلم

(2)

: "العينُ تدمعُ ويحزنُ القلبُ ولا نقولُ إلا ما يُرْضِي الربَّ"، قالهُ في وفاةِ ولدهِ إبراهيمَ.

وأخرجَ البخاريُّ

(3)

مِنْ حديثِ ابن عمرَ: "إنَّ اللَّهَ لا يعذِّبُ بدمع العينِ، ولا بحزنِ القلبِ، ولكنْ يعذبُ بهذَا، وأشارَ إلى لسانهِ، أوْ يرحمُ". وأمَا ما في حديثِ عائشةَ عندَ الشيخين

(4)

في قولهِ صلى الله عليه وسلم لمنْ أمرهُ أنْ ينْهى النساءَ المجتمعاتِ للبكاءِ على جعفرِ بن أبي طالب: "أحثُ في [وجْهِهِنَّ]

(5)

الترابَ"، فيُحملُ على أنهُ كانَ بكاءً بتصويتِ النياحةِ، فأمرَ بالنهي عنهُ، ولو بِحَثْوِ الترابِ في أفواههنَّ.

‌يعذَّب الميت بما نِيْحَ بِهِ عليه

55/ 554 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح].

- وَلَهُمَا

(7)

نحوُهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.

(وعنِ ابن عمرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: الميت يعذَّبُ في قبرهِ بما نيحَ عليهِ. متفقٌ عليهِ، ولهمَا) أي: الشيخينِ كما دلَّ لهُ متفقٌ عليهِ، فإنَّهما المرادُ بهِ نحوُهُ أي: نحوُ حديثِ ابن عمرَ، وهوَ (عن المغيرةِ بن شعبةَ).

(1)

في "المسند"(1/ 238، 335).

(2)

أخرجه ابن حبان في "الإحسان"(7/ 431 - 432 رقم 3160)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 382) من حديث أبي هريرة، وهو حديث حسن.

(3)

في "صحيحه"(رقم 1242 - البغا). قلت: وأخرجه مسلم (924).

(4)

في "صحيحه"(رقم 1237 - البغا)، ومسلم (935).

(5)

في (أ): "أفواههن".

(6)

في "صحيحه"(3759 - البغا)، ومسلم (931 و 932).

(7)

البخاري في "صحيحه" رقم (1291)، ومسلم (933).

ص: 325

الأحاديثُ في البابِ كثيرةٌ وفيها دلالةٌ على تعذيبِ الميتِ بسببِ النياحةِ عليهِ. وقدِ استشكلَ ذلكَ لأنهُ تعذيبُه بفعلِ غيرِهِ، واختلفتِ الجواباتُ، فأنكرتْ عائشةُ

(1)

ذلكَ على عمرَ وابنهِ عبدِ اللَّهِ، واحتجتْ بقولهِ تعالَى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(2)

، وكذلكَ أنكرهُ أبو هريرةَ، واستبعدَ القرطبي إنكارَ عائشةَ، وذكرَ أنهُ رواهُ عدةٌ منَ الصحابةِ فلا وجهَ لإنكارِها معَ إمكانِ تأويلهِ، ثمَّ جمعَ القرطبي بينَ حديثِ التعذيبِ والآيةِ بأنْ قالَ: حال البرزخِ يلحقُ بأحوالِ الدنيا، وقدْ جَرى التعذيبُ فيها بسبب ذنب الغيرِ كما يشيرُ إليه قولُه تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}

(3)

، فلا يعارضُ حديثَ التعذيبِ آيةُ:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(4)

، لأنَّ المرادَ بها الإخبارُ عنْ حالِ الآخرةِ، واستقواهُ الشارحُ. وذهبَ الأكثرونَ إلى تأويلهِ بوجوهٍ:

الأولُ: للبخاريِّ أنهُ يعذَّبُ بذلكَ إذا كان سنتُهُ وطريقتُهُ. وقدْ أقرَّ أهلَه عليهِ في حياتهِ، فيعذَّبُ لذلكَ، وإنْ لمْ يكنْ طريقتُه فإنهُ لا يعذَّبُ، فالمرادُ علَى هذَا أنهُ يعذبُ ببعضِ بكاءِ أهلهِ، وحاصلُه أنهُ قدْ يعذَّبُ العبدُ بفعلِ غيرهِ إذا كانَ لهُ فيهِ سببٌ.

الثاني: [أن]

(5)

المرادَ أنهُ يعذَّبُ إذا أَوْصَى بأنْ [يناح]

(6)

عليهِ، وهوَ تأويلُ الجمهورِ، قالُوا: وقدْ كانَ معروفًا عندَ القدماءِ كما قالَ طَرَفَةُ بنُ العبدِ

(7)

:

إذا متُّ فابكيني بما أنا أهلُهُ

وشُقِّي عليَّ الجيبَ يا أمَّ مَعْبَدِ

ولا يلزمُ منْ وقوعِ النياحةِ منْ أهلِ الميتِ امتثالًا لهُ أنْ لا يعذَّبَ لوْ لم

(1)

كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (3759 - البغا)، ومسلم (931 و 932).

والحديث الذي أخرجه البخاري (1226 - البغا)، ومسلم (927 و 928 و 929).

(2)

سورة الأنعام: الآية 164.

(3)

سورة الأنفال: الآية 25.

(4)

سورة الأنعام: الآية 164.

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في (ب): "يبكي".

(7)

طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد، البكري الوائلي، أبو عمرو، شاعر جاهلي، من الطبقة الأولى. ولد في بادية البحرين، وتنقل في بقاع نجد

وكان هجاءً غير فاحش القول، تفيض الحكمة على لسانه في أكثر شعره. [الأعلام (3/ 225)].

ص: 326

يمتثلُوا، بلْ يعذَّبُ [بمجرد]

(1)

الإيصاءِ، فإن امتثلوهُ وناحُوا عذِّبَ على الأمرينِ: الإيصاءُ لأنهُ فعلُه، والنياحةُ لأنَّها بسببهِ.

الثالثُ: أنهُ خاصٌّ بالكافرِ وأن المؤمنَ لا يعذَّبُ بذنبِ غيرهِ أصلًا، وفيهِ بُعْدٌ [كما]

(2)

لا يخْفَى؛ فإنَّ الكافرَ لا يُحْمَلُ عليهِ ذنبُ غيرهِ أيضًا لقولهِ تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(3)

.

الرابعُ: أن معنَى التعذيبِ: توبيخُ الملائكةِ للميتِ بما يندبُه بهِ أهلُه، كما رَوَى أحمدُ

(4)

منْ حديثِ أبي موسى مرفوعًا: "الميتُ يعذَّبُ ببكاءِ الحيِّ إذا قالتِ النائحةُ: واعضدَاهُ، واناصراهُ، واكاسياهُ، جُلِدَ الميتُ. وقالَ: أنتَ عضدُها، أنتَ ناصرُها، أنتَ كاسيْها".

وأخرجَ معناهُ ابنُ ماجه

(5)

، والترمذي

(6)

.

الخامسُ: أن معنَى التعذيبِ تألمُّ الميتِ بما يقعُ منْ أهلهِ منَ النياحةِ وغيرِها، فإنهُ يرق لهم، وإلى هذا التأويلِ ذهبَ محمدُ بنُ جريرٍ وغيرُه، وقالَ القاضي عياضُ: هوَ أَوْلى الأقوالِ.

واحتحوا بحديثٍ فيهِ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم زجرَ امرأةً عن البكاءِ على ابنِها وقالَ: إنَّ أحدَكم إذا بكَى استعبرَ لهُ صويحبُه، [فيا عباد]

(7)

اللهِ لا تعذِّبُوا إخوانَكم"

(8)

.

(1)

في (أ): "على مجرد".

(2)

زيادة من (أ).

(3)

سورة الأنعام: الآية 164.

(4)

في "المسند"(4/ 414).

(5)

في "السنن"(1/ 508 رقم 1594).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 526 رقم 576/ 1594): "هذا إسناد حسن، يعقوب بن حميد مختلف فيه

" اهـ.

(6)

في "السنن"(3/ 326 رقم 1003)، وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: وهو حديث حسن.

(7)

في (ب): "ياعباد".

(8)

ذكره القرطبي في "التذكرة"(1/ 133 - 134) وقال: ذكره ابن أبي خيثمة، وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهما. وهو حديث معروف إسناده لا بأس به.

وذكره ابن حجر في "الفتح"(3/ 155) وقال: "حسن الإسناد، أخرجه ابن أبي خيثمة وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم" اهـ.

ص: 327

واستدلَّ لهُ أيضًا أن أعمالَ العبادِ تعرضُ على موتاهمُ، وهوَ صحيحٌ. [وثمةَ]

(1)

تأويلاتٌ أُخَرُ، وما ذكرناهُ أشفُّ ما في البابِ.

‌جواز البكاء على الميت

56/ 555 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ بِنْتًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُدْفَنُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عِنْدَ الْقَبْرِ. فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(2)

. [صحيح]

(وعنْ أنسٍ قالَ: شهدتُ بنتًا لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُدْفَنُ ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ عندَ القبرِ فرأيتُ عينيهِ تدمعانِ. رواهُ البخارفيُّ). قدْ بيَّنَ الواقديُّ وغيرُه في روايتهِ أن البنتَ أمُّ كلثوم. وقدْ ردَّ البخاريُّ قول مَنْ قالَ: إنَّها رقيةُ بأنَّها ماتتْ ورسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في بدرٍ، فلم يشهدْ صلى الله عليه وسلم دفنَها.

والحديثُ دليلٌ على جوازِ البكاءِ على الميتِ بعدَ موتهِ. وتقدَّمَ ما يدلُّ لهُ أيضًا إلَّا أنهُ عُورضَ بحديثِ: "فإذا وَجَبَتْ فلا تبكيَنَّ باكيةٌ"

(3)

. وجُمعَ بينَهما بأنهُ

(1)

في (ب): "وثمَّ".

(2)

في "صحيحه"(3/ 151 رقم 1285)، و (3/ 208 رقم 1324).

(3)

وهو جزء من حديث جابر بن عتيك.

أخرجه مالك (1/ 233 - 234)، والشافعي (1/ 199 - 200) - ترتيب المسند، وأحمد (5/ 446)، وأبو داود (3111)، والنسائي (4/ 13)، وفي الكبرى (2/ 403 - كما في "تحفة الأشراف") والحاكم (1/ 351 - 352)، وصحَّحه ووافقه الذهبي. والبيهقي (4/ 69 - 70)، والطبراني في "الكبير"(2/ 191 رقم 1779)، والبغوي في شرح السنة" (5/ 433 رقم 1532)، وابن حبان في "الإحسان" (7/ 461 رقم 3189). وهو حديث صحيح.

وفي الباب ما يشهد له.

• عن أبي هريرة عند البخاري (2829) و (5833)، ومسلم (1914).

• وعن أنس، عند البخاري (5732).

• وعن عمر، عند الحاكم (2/ 109).

• وعن عائشة عند البخاري (5734).

• وعن عبادة بن الصامت عند أحمد (4/ 201) و (5/ 323)، والدارمي (2/ 208)، والطيالسي رقم (582).

• وعن عقبة بن عامر عند أحمد (4/ 157). =

ص: 328

محمولٌ على رفعِ الصوتِ، [أو أنهُ]

(1)

مخصوصٌ بالنساءِ، لأنهُ قد يفضي بكاؤُهنَّ إلى النياحةِ، فيكونُ منْ بابِ سدِّ الذريعةِ.

‌النهي عن دفن الميت ليلًا إلا لضرورة

57/ 556 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَدْفِنُوا مَوْتَاكُمْ بِاللَّيلِ إلَّا أَنْ تُضْطَرُّوَا". أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ

(2)

، وَأَصْلُهُ في مُسْلِم

(3)

، لكِنْ قَالَ: زَجَرَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ، حَتى يُصَلَّى عَلَيْهِ. [صحيح]

(وعنْ جابرٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا تدفنُوا موتَاكم بالليلِ إلَّا أن تُضْطَرُّوا. أخرجهُ ابنُ ماجهْ. وأصلُه في مسلمٍ، لكنْ قالَ: زَجَرَ) بالزاي والجيمِ والراءِ، عوضَ "نهى"، (أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلَّى عليه)، دلَّ على النهي عن الدفن للميتِ ليلًا إلا لضرورةٍ.

وقدْ ذهبَ إلى هذا الحسنِ، ووردَ تعليلُ النَّهي عنْ ذلكَ بأنَّ ملائكةَ النهارِ أرأفُ منْ ملائكةِ الليلِ في حديثٍ قالَ الشارحُ: اللَّهُ أعلمُ بصحَّتهِ.

وقولُهُ: "وأصلُهُ في مسلمٍ"، لفظُ الحديثِ الذي فيهِ:"أنهُ صلى الله عليه وسلم خطبَ يومًا فذكرَ رجلًا منْ أصحابهِ قبضَ وكفِّنَ في كفنٍ غيرِ طائلٍ، وقُبرَ ليلًا، وَزَجَرَ أنْ يُقْبَرَ الرجلُ بالليلِ حتَّى يصلَّى عليهِ إلَّا أنْ يُضْطَّرَّ الإنسانُ إلى ذلكَ".

وهوَ ظاهرٌ أنَّ النهيَ إنما هوَ حيثُ كانَ مظنةَ حصولِ التقصيرِ في حقِّ الميتِ بتركِ الصلاةِ أوْ عدمِ إحسانِ الكفنِ، فإذا كانَ يحصلُ [بتأخرِ]

(4)

الميتِ إلى النهارِ كثرةُ المصلينَ أو حضورُ مَنْ يُرْجَى دعاؤه حَسُنَ تأخرُهُ، وعلى هذا فيؤخرُ عن المسارعةِ بدفنه لذلكَ ولوْ في النهارِ، ودلَّ لذلكَ دفنُ عليٍّ عليه السلام عليها السلام ليلًا، ودفنُ الصحابةِ لأبي بكرٍ ليلًا.

= • وعن سلمان عند الطبراني (رقم 6115) و (6116).

• وعن أبي مالك الأشعري عند أبي داود (2499)، والحاكم (2/ 78).

(1)

في (أ): "وأنه".

(2)

في "السنن"(1/ 487 رقم 1521).

قلت: وأخرجه أبو داود (3148)، والنسائي (4/ 33).

(3)

في "صحيحه"(2/ 651 رقم 943).

(4)

في (أ): "بتأخير".

ص: 329

وأخرجَ الترمذيُّ

(1)

منْ حديثِ ابن عباسٍ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخلَ قبرًا ليلًا، فأُسرِجَ لهُ سراجٌ فأخذَ منْ قبلِ القبلةِ فقالَ: رحمكَ اللَّهُ إنْ كنتَ لأوَّاهًا تلَّاءً للقرآنِ" الحديثَ.

قالَ: هوَ حديثٌ حَسَنٌ، قالَ: وقدْ رخَّصَ أكثرُ أهلِ العلمِ في الدفنَ ليلًا.

وقالَ ابنُ حزمٍ

(2)

: لا يدفنُ أحدٌ ليلًا إلا أن يضطرَّ إلى ذلكَ، قالَ: ومَنْ دُفِنَ ليلًا مِنْ أصحابِه صلى الله عليه وسلم وأزواجهِ فإنهُ لضرورةٍ أوجبتْ ذلكَ منْ خوف زحامٍ أو خوفِ الحرِّ على مَنْ حضرَ، أو خوفِ تغيرٍ، أو غيرِ ذلكَ مما يبيحُ الدفنَ ليلًا. ولا يحلُّ لأحدٍ أنْ يظنَّ بهمْ رضي الله عنهم خلافَ ذلكَ، انتهَى.

تنبيهٌ: تقدمَ في الأوقاتِ حديثُ عقبةَ بن عامرٍ

(3)

: "ثلاثُ ساعاتٍ كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن نصليَ فيهنَّ، وأنْ نقبرَ فيهنَّ موتانا، حينَ تطلعُ الشمسُ بازغةً حتَّى ترتفعَ، وحينَ يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتَّى تزولَ الشمسُ، وحينَ تضيفُ

(1)

في "السنن"(3/ 372 رقم 1057)، وقال: حديث حسن.

قال النووي في المجموع (5/ 302): "هو حديث ضعيف. فإن قيل قد قال فيه الترمذي حديث حسن. قلنا: لا يقبل قول الترمذي في هذا لأنه من رواية الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف عند المحدثين، ويحتمل أنه اعتضد عند الترمذي بغيره فصار حسنًا" اهـ.

وقال الألباني في "أحكام الجنائز"(ص 142): "يعني أنه حسن لغيره، وهذا اصطلاح خاص للترمذي أنه إذا قال: "حديث حسن" فإنما يريد الحسن لغيره كما نص عليه هو في "العلل" المذكور في آخر كتابه، وقد جاء له شاهد - من حديث جابر بن عبد الله، أخرجه أبو داود (3164)، والحاكم (1/ 368)، والبيهقي (4/ 53)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وزاد عليهما النووي في "المجموع" (5/ 302): "رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم.

قلت: والقائل الألباني: وكل ذلك خطأ، فإن مدار إسناده على محمد بن مسلم الطائفي، وهو وإن كان ثقة في نفسه، فقد كان ضعيفًا في حفظه، ولذلك لم يحتج الشيخان به، وإنما روى له البخاري تعليقًا، ومسلم استشهادًا. ومن العجائب أن الحاكم والذهبي على علم ببعض هذا، فقد ذكر المزي أن الطائفي هذا ليس له في مسلم إلا حديثًا واحدًا، قال الحافظ ابن حجر: وهو متابعة عنده، كما نص عليه الحاكم. وكذلك صرح الذهبي في ترجمته من "الميزان" أن مسلمًا روى له متابعة.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.

(2)

في "المحلَّى"(5/ 114 - 115).

(3)

أخرجه مسلم (831) وقد تقدم رقم (14/ 153) من كتابنا هذا.

ص: 330

الشمسُ للغروبِ حتَّى تغربَ"، انتهَى. وكانَ يحسنُ ذكرُ المصنفِ لهُ هنَا.

‌إيناس أهل الميت بصنع الطعام

58/ 557 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بن جَعْفَرٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ - حِينَ قُتِلَ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ"، أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ

(1)

. [حسن]

(وعنِ عبدِ اللهِ بن جعفرٍ رضي الله عنهما قالَ: لما جاءَ نعيم جعفرٍ حينَ قُتِلَ، قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اصنعُوا لآل جعفرٍ طعامًا فقدْ أتاهم ما يشغلُهم. أخرجهُ الخمسة إلا النسائيَّ).

فيهِ [دليلٌ]

(2)

على شرعيةِ إيناسِ أهلِ الميتِ بصنعِ الطعام لهمْ لما همْ فيهِ مِنَ الشغلِ بالموتِ، ولكنهُ أخرجَ أحمدُ منْ حديثِ جريرِ بن عبدِ اللهِ البجليِّ:"كنَّا نعدُّ الاجتماعَ إلى أهلِ الميتِ، وصنعةَ الطعامِ بعدَ دفنه منَ النياحةِ"

(3)

، فيحملُ حديثُ جرير [بن عبد الله البجلي]

(4)

على أن المرادَ صنعةُ أهلِ الميتِ [الطعامَ]

(5)

لمنْ يدفنُ معهم ويحضرُ لديْهم كما هوَ عرفُ بعضِ [أهلِ]

(6)

الجهاتِ، وأما الإحسانُ إليهم بحملِ الطعامِ لهمْ فلا بأسَ بهِ، وهوَ الذي أفادهُ حديثُ جعفرٍ. ومما يحرمُ بعدَ الموتِ العقرُ عندَ القبرِ لورودِ النهي عنهُ؛ فإنهُ أخرجَ أحمدُ

(7)

، وأبو داود

(8)

من

(1)

أبو داود (3132)، والترمذي (998) وقال حسن صحيح، وابن ماجه (1610)، وأحمد (1/ 205).

قلت: وأخرجه الشافعي في "ترتيب المسند"(1/ 216)، والبغوي في "شرح السنة"(5/ 460 رقم 1552)، والحاكم (1/ 372)، والدارقطني (2/ 78 رقم 11) وصححه ابن السكن.

والخلاصة: هو حديث حسن.

(2)

في (ب): "دلالة".

(3)

أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 204) بإسناد صحيح.

وابن ماجه من طريقين: أحدهما على شرط البخاري. والثاني على شرط مسلم.

وقول الصحابي كنا نعد كذا من كذا هو بمنزلة رواية إجماع الصحابة رضي الله عنهم أو تقرير النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الثاني فحكمه الرفع، وعلى التقديرين فهو حجة.

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في (ب): "للطعام".

(6)

زيادة من (ب).

(7)

في "المسند"(3/ 197).

(8)

في "السنن"(3/ 550 رقم 3222).

ص: 331

حديث أنسٍ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا عقرَ في الإسلامِ"، قالَ عبدُ الرزاقِ: كانُوا يعقرونَ عندَ القبرِ بقرة أو شاة.

قالَ الخطابيُّ

(1)

: "كانَ أهلُ الجاهليةِ يعقرونَ الإبلَ على قبرِ الرجلِ الجوادِ، يقولونَ: نجازيهِ على فعلهِ لأنهُ كانَ يعقرُها في حياتهِ فيطعمُها الأضيافَ، فنحنُ نعقرُها عندَ قبرِه حتَّى تأكلَها السباعُ والطيرُ، فيكونُ مُطعمًا بعدَ وفاتهِ كما كانَ يطعمُ في حياتهِ. ومنْهم مَنْ كانَ يذهبُ إلى أنهُ إذا عُقِرَتْ راحلتُه عندَ قبرهِ حُشِرَ في القيامةِ راكبًا، ومَنْ لم يعقرْ عندَه حُشِرَ راجلًا، وكانَ هذا على مذهبِ مَنْ يقولُ منهم بالبعثِ"، فهذا فعلٌ جاهليٌّ محرَّمٌ

(2)

.

‌ما يقول ويفعل في زيارة القبور

59/ 558 - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ أَنْ يَقُولُوا: "السّلَامُ على أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى بِكُمْ لَاحِقُونَ، أَسْالُ الله لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ"، رَوَاهُ مُسْلِم

(3)

. [صحيح]

(وعنْ سليمانَ بن بريدةَ)

(4)

هوَ الأسلميُّ، رَوَى عنْ أبيهِ، وعمرانَ بن

(1)

في "معالم السنن"(3/ 551 - هامش السنن).

قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 57) كلهم من حديث أنس بإسناد صحيح على شرط الشيخين.

وصحَّح الألباني الحديث في صحيح أبي داود.

(2)

قال النووي في "المجموع"(5/ 320): "وأما الذبح والعقر عند القبر فمذموم لحديث أنس - المتقدِّم أعلاه - " اهـ.

قلت: وهذا إذا كان الذبح هناك لله تعالى، وأما إذا كان لصاحب القبر كما يفعله بعض الجهال فهو شرك صريح وأكله حرام وفسق .. " اهـ.

وانظر: "الأحكام" للألباني (ص 203).

(3)

في "صحيحه"(2/ 671 رقم 104/ 975).

قلت: وأخرجه النسائي (4/ 94 رقم 2040)، وابن ماجه (1547)، والبغوي في شرح السنة" رقم (1555)، وأحمد في "المسند" (5/ 353 و 360).

(4)

انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(4/ 4) و"الجرح والتعديل"(4/ 102) و"العبر" =

ص: 332

حصينٍ وجماعةٍ، ماتَ سنةَ خمسَ عشرةَ ومائةٍ (عنْ أبيهِ) أي: بريدةَ (قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يعلِّمُهم) أي: أصحابَهُ (إذا خرجُوا إلى المقابرِ) أي: أنْ يقولُوا: (السلامُ على أهلِ الديارِ منَ المؤمنينَ والمسلمينَ، وإنا إنْ شاءَ اللَّهُ بكمْ لاحقونَ، أسألُ الله لنا ولكمْ العافيةَ. رواهُ مسلمٌ).

وأخرجه أيضًا منْ حديثِ عائشةَ

(1)

وفيهِ زيادةُ: "ويرحمُ اللَّهُ المتقدِّمينَ منَّا والمتأخرينَ". والحديثُ دليل على [مشروعية]

(2)

زيارةِ القبورِ، والسلامِ على مَنْ فيْهَا مِنَ الأمواتِ، وأنهُ بلفظِ السلامِ على الأحياءِ.

قال الخطابي: فيهِ أن اسمَ الدارِ يقعُ على المقابرِ، وهوَ صحيحٌ؛ فإنَّ الدارَ في اللغةِ تقعُ على الرَّبعِ المسكونِ، وعلى الخرابِ غيرِ المأهولِ. والتقييدُ بالمشيئةِ للتبرُّكِ، وامتثالًا لقولهِ تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}

(3)

، وقيلَ: المشيئة عائدةٌ إلى تلكَ التربةِ بعينِها. وسؤالهُ العافيةَ دليلٌ على أنَّها مِنْ أهمِّ ما يطلبُ، وأشرفِ ما يسئلُ. والعافيةُ للميتِ بسلامتِه منَ العذابِ ومناقشةِ الحسابِ.

ومقصودُ زيارةِ القبورِ الدعاءُ لهمْ والإحسانُ إليهمْ، وتذكُّرُ الآخرةِ والزهدُ في الدنيا، وأما ما أحدثهُ العامةُ مِنْ خلافِ هذَا كدعائِهم الميتَ، والاستصراخِ بهِ، والاستغاثةِ بهِ، وسؤالِ اللَّهِ بحقِّهِ، وطلبِ الحاجاتِ إليهِ تعالى بهِ، فهذَا مِنَ البدعِ والجهالاتِ. وتقدمَ شيءٌ منْ هذَا.

60/ 559 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: مَرّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ:"السّلامُ عَلَيكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ، يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بالأَثَرِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

، وَقَالَ: حَسَنٌ. [ضعيف]

= (1/ 98) و"تهذيب التهذيب"(4/ 153) و"شذرات الذهب"(1/ 131).

(1)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(103/ 974).

قلت: وأخرجه ابن ماجه (1546)، والنسائي (4/ 93 - 94)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1556) وأحمد في "المسند"(6/ 71، 76، 111، 180، 221).

(2)

في (ب): "شرعية".

(3)

سورة الكهف: الآيتان 23، 24.

(4)

في "السنن"(3/ 369 رقم 1053)، وقال: حديث حسن غريبٌ. =

ص: 333

(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنه قالَ: مرَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بقبورِ المدينةِ، فأقبلَ عليهمْ بوجهه فقالَ: السلامُ عليكمْ يا أهلَ القبورِ، يغفرُ اللهُ لنا ولكمْ، أنتمْ سلفنا ونحنُ بالأثرِ. رواة الترمذيُّ وقالَ: حسنٌ)، فيهِ أنهُ يسلِّمُ عليهمْ إذا مر بالمقبرة، وإن لم يقصد الزيارة لهم، وفيه أنهم يعلمون بالمارِّ بهم وسلامه عليهم، وإلَّا كانَ إضاعة، وظاهرهُ في جمعةٍ وغيرِها.

وفي الحديثينِ الأُوَلِ وهذا دليلٌ [على]

(1)

أن الإنسانَ إذا دعا لأحدٍ، أو استغفَر له يبدأُ بالدعاءِ لنفسهِ والاستغفارِ لها، وعليهِ وردتِ الأدعيةُ القرآنيةُ {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا}

(2)

، {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}

(3)

وغيرُ ذلكَ.

وفيهِ أن هذهِ الأدعيةَ ونحوَها نافعةٌ للميتِ بلا خلافٍ، وأما غيرُها منْ قراءةِ القرآنِ لهُ فالشافعيُّ يقولُ: لا يصلُ ذلكَ إليهِ. وذهبَ أحمدُ وجماعةٌ منَ العلماءِ إلى وصولِ ذلكَ إليهِ. وذهبَ جماعةٌ منْ أهلِ السنةِ والحنفيةُ إلى أن للإنسانِ أنْ يجعلَ ثوابَ عملهِ لغيرِه صلاةً كان، أو صومًا، أو حجًّا، أو صدقة، أو قراءةَ قرآنٍ، أو ذكرًا، أو أيَّ أنواعِ القُرَبِ. وهذا هوَ القولُ الأرجحُ دليلًا

(4)

، وقدْ

= وفي سنده قابوس بن أبي ظبيان، قال النسائي في "الضعفاء والمتروكين" رقم (519): ليس بالقوي. وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل"(7/ 145): لا يحتج به.

وقال ابن حبان: رديء الحفظ ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، فربما رفع المرسل وأسند الموقوف - "الميزان"(3/ 367 رقم 6788).

قلت: وهذا من روايته عن أبيه فلا يحتج به.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

زيادة من (أ).

(2)

سورة الحشر: الآية 10.

(3)

سورة محمد: الآية 19.

(4)

قال علي بن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية"(2/ 664 - 671): "اتفق أهل السنة أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين:

أحدهما: ما تسبَّب إليه الميتُ في حياته.

والثاني: دعاءُ المسلمين واستغفارُهُم له، والصدقة والحج، على نزاعٍ فيما يصل من ثواب الحج، فعن محمد بن الحسن رحمه الله: أنه إنما يَصِلُ إلى الميت ثوابُ النفقة، والحجُّ للحاجِّ، وعند عامة العلماء: ثوابُ الحج للمحجوج عنه، وهو الصحيح.

واختُلِفَ في العبادات البدنية، كالصوم، والصلاةِ، وقراءةِ القرآن، والذكر، فذهب أبو حنيفة، وأحمد، وجمهور السلف إلى وصولها، والمشهور من مذهب الشافعي، ومالك عدمُ وصولها. =

ص: 334

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وذهب بعضُ أهل البدع من أهل الكلام إلى عدم وصول شيء البتة، لا الدعاء، ولا غيره. وقولُهم مردودٌ بالكتاب والسنة، لكنهم استَدلوا بالمتشابه من قوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، وقوله:{وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس: 54]{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ابن آدم، انقطعَ عملُهُ إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو ولدٍ صالح يدعُو له، أو علم ينتفعُ به من بعده". [أخرجه مسلم (1631)، والترمذي (1376)، وأبو داود (3280)، والنسائي (6/ 251)، وأحمد (2/ 382)، والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 38) من حديث أبي هريرة.

فأخبر أنه إنما ينتفع بما كان تسبب فيه في الحياة، وما لم يكن تسبَّب فيه في الحياة فهو منقطع عنه.

واستدل المقتصرون على وصول العبادات التي تدخلها النيابة كالصدقة والحجَّ بأن النوع الذي لا تدخله النيابةُ بحال، كالإسلام والصلاة والصوم، وقراءة القرآن، يختص ثوابه بفاعله لا يتعدَّاه، كما أنه في الحياة لا يفعلُه أحدٌ عن أحد، ولا ينوبُ فيه عن فاعله غيرُه، وقد روى النسائي بسنده [في الكبرى (4/ 43/ 1)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 141) موقوفًا على ابن عباس، وسنده صحيح، ولا يعرف في المرفوع] عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يصلِّي أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصومُ أحدٌ عن أحدٍ، ولكن يُطعِمُ عنه مكان كُلِّ يومٍ مُدًّا من حنطةٍ".

والدليلُ على انتفاع الميت بغير ما تسبب فيه: "الكتابُ والسنة والإجماع والقياس الصحيح.

أما الكتاب: فقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10]، فاثنى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم، فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء، وقد دل على انتفاع الميت بالدعاءِ إجماعُ الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة، والأدعية التي وردت بها السنة في صلاةِ الجنازة مستفيضة، وكذا الدعاءُ له بعد الدفن، ففي سنن أبي داود -[3221، والبيهقي في "السنن" (4/ 56)، والبغوي في "شرح السنة" (رقم: 1523) وسنده قوي. حسّنه النووي في الأذكار، والحافظ في "أماليه"، والحاكم (1/ 375) ووافقه الذهبي]- من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فَرَغَ من دفنِ الميت وقف عليه، فقال:"استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنهُ الآن يُسأل".

وكذلك الدعاءُ لهم عند زيارة قبورهم، كما في صحيح مسلم -[975، والنسائي (4/ 94، وابن ماجه (1547)، والبغوي في "شرح السنة" (رقم: 1555)، وأحمد في المسند (5/ 353، 360)]- من حديث بُريدة بن الحصيب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: (السلامُ عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا =

ص: 335

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إن شاء اللهُ بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية".

وفي صحيحه أيضًا - (رقم: 974) - عن عائشة رضي الله عنها: سألت النبي صلى الله عليه وسلم كيف تقول إذا استغفرت لأهل القبور، قال:"قولي: السلام على أهل الديارِ من المؤمنين والمسلمين، ويرحم اللهُ المستقدمين منا والمستأخرين، وإنَّا إن شاء الله بكم للاحقون".

وأما وصولُ ثواب الصدقة، ففي الصحيحين -[البخاري (1388) و (2760)، ومسلم (1004)، وأخرجه النسائي (6/ 250)، وابن ماجه (2717)، ومالك في الموطأ (2/ 760)، والبغوي (رقم: - 1690)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 62)، وأبو داود (2881)، وفيه أن امرأة

والرجل المبهم هو (سعد بن عبادة) كما في الحديث الذي بعده. وانظر: "الفتح"(5/ 389)]- عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أمي افتُلِتَتْ نفسُهَا، ولم تُوصِ، وأظنُّها لو تكلَّمت تصدَّقت، أفلَها أجرٌ إن تصدَّقتُ عنها؟ قال: نعم".

وفي صحيح البخاري -[(2756، 2762، 2870]) - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن سعد بن عُبادةَ توفيت أمُّهُ وهو غائبٌ عنها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدَّقتُ عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أشهدُكَ أن حائطي المِخْرَاف صدقة عنها.

وأمثال ذلك كثيرٌ في السنة.

وأما وصول ثواب الصوم، ففي "الصحيحين" -[البخاري (1952)، ومسلم (1147)]- عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من مات وعليه صيام صام عنه وليهُ". وله نظائر في "الصحيح".

ولكن أبو حنيفة رحمه الله قال بالإطعام عن الميت دون الصيام عنه، لحديث ابن عباس المتقدم، والكلامُ على ذلك معروفٌ في كتب الفروع.

وأما وصول ثواب الحج، ففي "صحيح البخاري" -[(1852) و 6699 و 7315]- عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة من جُهَيْنَةَ جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنَّ أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجِّي عنها، أرأيت لو كان على أمك دَينٌ، أكنتِ قاضيته؟ اقضُوا الله، فاللهُ أحق بالوفاء"، ونظائره أيضًا كثيرة.

وأجمع المسلمون على أن قضاء الدين يُسقِطُه من ذمةِ الميت، ولو كان من أجنبي، ومن غير تركته، وقد دلَّ على ذلك حديثُ أبي قتادة، حيث ضمن الدينارين عن الميت، فلما قضاهما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الآن بَرَّدْتَ عليه جلدتَهُ" -[أخرجه أحمد (3/ 330)، والطيالسي (رقم: 1673)، والبيهقي (6/ 75)، والبزار (رقم: 1334) من حديث جابر بن عبد الله وسنده حسن، وصحَّحه الحاكم (2/ 58) ووافقه الذهبي. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 39) ونسبه لأحمد والبزار وحسن إسناده].

وكُلُّ ذلك جار على قواعد الشرع وهو محضُ القياس، فإن الثواب حقُّ العامل، فإذا وهبه =

ص: 336

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= لأخيه المسلم، لم يُمنع من ذلك، كما لم يُمنع من هبة ماله له في حياته وإبرائه له منه بعد وفاته.

وقد نبَّه الشارعُ بوصول ثواب الصوم على وصولِ ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنية، يوضحُهُ: أن الصومَ كفُّ النفس عن المفطرات بالنية، وقد نص الشارع على وصول ثوابه إلى الميت، فكيف بالقراءة التي هي عملٌ ونية؟

• والجوابُ عما استدلوا به من قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النجم: 39]، قد أجاب العلماءُ بأجوبة أصحها جوابان:

أحدهما: أن الإنسان بسعيه وحُسنِ عشرته اكتسب الأصدقاءَ وأولدَ الأولاد، ونكح الأزواج، وأسدى الخير، وتودَّد إلى الناس، فترحَّموا عليه، ودعوا له، وأهدوا له ثوابَ الطاعات، فكان ذلك أثرَ سعيه، بل دخولُ المسلم مع جملةِ المسلمين في عَقْدِ الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه، في حياته وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيطُ مَنْ ورائهم.

يُوضحه: أن الله تعالى جعل الإيمان سببًا لانتفاع صاحبه بدُعاء إخوانه من المؤمنين وسعيهم، فإذا أتى به، فقد سعى في السبب الذي يُوصلُ إليه ذلك.

الثاني: - وهو أقوى منه - أن القرآن لم ينفِ انتفاعَ الرجلِ بسعي غيره، وإنما نفى مِلْكَه لغير سعيه، وبينَ الأمرين من الفرق ما لا يخفى، فأخبر تعالى أنه لا يملكُ إلا سعيه، وأما سعيُ غيره، فهو ملكٌ لساعيه فإن شاء أن يبذلُه لغيره وإن شاء أن يبقيَهُ لنفسه.

وقوله سبحانه: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 38 - 39]. آيتان محكمتان تقتضيان عدل الرب تعالى:

فالأولى: تقتضي أنه لا يُعاقِبُ أحدًا بجرم غيره، ولا يؤاخِذُه بجريرة غيره، كما يفعلُه ملوكُ الدنيا.

والثانية: تقتضي أنه لا يُفلحُ إلا بعمله، ليقطعَ طمعه من نجاته بعمل آبائه وسلَفِه ومشايخه، كما عليه أصحابُ الطمعِ الكاذب، وهو سبحانه لم يقل: لا ينتفع إلا بما يسعى.

وكذلك قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: 286] وقوله: {وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس: 54]. على أن سياق هذه الآية يدل على أن المنفي عقوبَةُ العبد بعمل غيره، فإنه تعالى قال:{فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)} [يس].

وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملُهُ"[أخرجه مسلم](1631)، وأبو داود (2880)، والترمذي (1376)، والنسائي (6/ 251)، وأحمد (2/ 382)، والبخاري في الأدب المفرد رقم (38)، وابن الجارود (رقم: 370) من حديث أبي هريرة فاستدلال ساقط، فإنه لم يقل انقطع انتفاعُه، وإنما أخبر عن انقطاع عمله، وأما عملُ غيره فهو =

ص: 337

أخرجَ الدارقطني

(1)

: "أن رجلًا سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنهُ كيفَ يبرُّ أبويهِ بعدَ موتِهما، فأجابهُ بأنهُ يصلِّي لهما معَ صلاتِه، ويصومُ لهما معَ [صيامهِ] "

(2)

.

وأخرجَ أبو داودَ

(3)

منْ حديثِ معقلِ بن يسار عنهُ صلى الله عليه وسلم: "اقرأوا على موتاكم

= لعامله، فإن وهبه له، وصل إليه ثوابُ عمل العامل، لا ثواب عمله هو، وهذا كالدَّين يوفيه الإنسان عن غيره، فتبرأ ذمته، ولكن ليس له ما وفَّى به الدين

" اهـ.

[انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (24/ 306 - 313 و 324 و 366)، والروح لابن القيم (ص 159 - 193) فقد بسط القول في المسألة].

(1)

لم أعثر عليه في سنن الدارقطني ولا في علله المطبوع، والله أعلم.

(2)

في (أ): "صومه".

(3)

في "السنن"(3121).

قلت: وأخرجه ابن ماجه (1448)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(ص 581 رقم 1074)، والحاكم (1/ 565)، والبيهقي (3/ 383)، وأحمد (5/ 26 و 27)، وابن حبان في "الموارد" (رقم: 720)، والطليالسي (ص 126 رقم 931) كلهم من حديث معقل بن يسار.

قال الحاكم: "أوقفه يحيى بن سعيد وغيره عن سليمان التيمي، والقول فيه قول ابن المبارك، إذ الزيادة من الثقة مقبولة". ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في "الإرواء" (3/ 151) وقال:"ولكن للحديث علة أخرى قادحة أفصح عنها الذهبي في "الميزان" (4/ 550 رقم 10404) فقال في ترجمة أبي عثمان هذا: "عن أبيه، عن أنس، لا يعرف. قال ابن المديني: لم يرو عنه غير سليمان التيمي. قلت: أما النهدي فثقة إمام". قلت: وتمام كلام ابن المديني: "وهو مجهول". وأما ابن حبان فذكره في "الثقات" (7/ 664) على قاعدته في تعديل المجهولين.

ثم إن الحديث له علة أخرى. وهي الاضطراب. فبعض الرواة يقول: وعن أبي عثمان عن أبيه عن معقل". وبعضهم: "عن أبي عثمان عن معقل" لا يقول "عن أبيه" وأبوه غير معروف أيضًا. فهذه ثلاث علل:

1 -

جهالة أبي عثمان.

2 -

جهالة أبيه.

3 -

الاضطراب.

وقد أعله بذلك ابن القطان كما في "التلخيص الحبير"(2/ 104)، وقال: "ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني أنه قال: هذا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن. وأما في مسند أحمد (4/ 105) من طريق صفوان: حدثني المشيخة أنهم حضروا غضيف بن الحارث الثمالي حين اشتد سوقه، فقال: هل منكم من أحد يقرأ (يس)، قال: فقرأها صالح بن شريح السكوني، فلما بلغ أربعين منها قبض، قال: فكان المشيخة =

ص: 338

سورةَ يسَ"، وهوَ شاملٌ للميتِ بلْ هوَ الحقيقةُ فيهِ. وأخرجَ الشيخانِ

(1)

: "أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ يضحِّي عنْ نفسهِ بكبشٍ، وعنْ أمتهِ بكبشٍ". وفيه إشارةٌ إلى أن الإنسانَ ينفعُه عملُ غيره. وقد بسَطنا الكلامَ في حواشي ضوءِ النهارِ بما يتضحُ منهُ قوةُ هذا المذهبِ.

‌النهي عن سبِّ الأموات

61/ 560 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسُبُّوا

= يقولون: إذا قرئت عند الميت خفِّف عنه بها. قال صفوان: "وقرأها عيسى بن المعتمر عند ابن معبد".

قال الألباني في "الإرواء"(3/ 152): "فهذا سند صحيح إلى غضيف بن الحارث رضي الله عنه، ورجاله ثقات غير المشيخة، فإنهم لم يسمَّوا، فهم مجهولون، لكن جهالتهم تنجبر بكثرتهم لا سيما وهم من التابعين، وصفوان هو ابن عمرو وقد وصله ورفعه عنه بعض الضعفاء بلفظ: "إذا قرئت

" فضعيف مقطوع. وقد وصله بعض المتروكين والمتَّهَمين بلفظ: "ما من ميت يموت فيقرأ عنده (يس) إلَّا هَوّنَ الله عليه".

رواه أبو نعيم في "أخبار أصفهان"(1/ 188) عن مروان بن سالم عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبي الدرداء مرفوعًا به.

ومروان هذا قال أحمد والنسائي: "ليس بثقة"، وقال الساجي وأبو عروبة الحراني:"يضع الحديث"[الميزان (4/ 90) و"المجروحين" (3/ 13)]، ومن طريقه رواه الديلمي إلا أنه قال:"عن أبي الدرداء وأبي ذر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .... " كما في "التلخيص الحبير"(2/ 152).

(1)

أخرج البخاري رقم (5234 - البغا)، ومسلم (رقم: 1966) من حديث أنس: أنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين، فذبحهما بيده". ولم أجده بلفظ المؤلف عند الشيخين بل أخرج البزار في "الكشف" (2/ 62 رقم 1208) عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضحَّى أشترى كبشين سمينين، أقرنين، أملحين، فإذا صلَّى وخطب أتِيَ بأحدهما وهو في مصلَّاه فذبحه، ثم قال:"اللهم هذا عن أمتي جميعًا من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه وبقول: اللهم هذا عن محمد وأل محمد، فيطعمهما جميعا للمساكين ويأكل هو وأهله منهما. قال: فلبثنا سنين ليس أحد من بني هاشم بُضحِّي قد كفا الله برسول الله صلى الله عليه وسلم الغُرم والمؤنة".

وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 22): وقال: "رواه البزار وأحمد بنحوه، ورواه الطبراني في "الكبير" بنحوه، ولأبي رافع في "الأوسط" قال: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم كبشًا، ثم قال: هذا عني وعن أمتي. رواه في "الكبير" بنحوه، وإسناد أحمد والبزار حسن".

ص: 339

الأَمْوَاتَ، فَإنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(1)

[صحيح]

(وعنْ عائشةَ قالتْ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبُّوا الأمواتَ فإنَّهم قدْ أفْضَوْا) أي: وصلُوا (إلى ما قدَّموا) من الأعمالِ (رواهُ البخاري). الحديثُ دليل على تحريم سبِّ الأمواتِ، وظاهرُه العمومُ للمسلمِ والكافرِ، وفي الشرحِ الظاهرُ أنهُ مخصَّصٌ بجوازِ سبِّ الكافرِ لما حكاهُ اللَّهُ منْ ذمِّ الكفارِ في كتابهِ العزيزِ كعادٍ وثمودَ وأشباهِهم.

قلتُ: لكنَّ قولَه: قدْ أفْضَوْا إلى ما قدَّمُوا علةٌ عامةٌ للفريقين معناها أنهُ لا فائدةَ تحتَ سبِّهم والتفكُّهِ بأعراضِهم، وأما ذكرُه تعالى للأمم الخاليةِ بما كانُوا فيهِ منَ الضلالِ فليسَ المقصودُ ذمَّهم بل تحذيرًا للأمةِ منْ تلكَ الأفعالِ التي أفضتْ بفاعِلها إلى الوبالِ، وبيانِ محرَّمات ارتكبوهَا. وذكرُ الفاجرِ بخصالِ فجورِه لغرضٍ جائزٌ، وليسَ منَ السبِّ المنهيِّ عنهُ فلا تخصيصَ بالكفارِ.

نَعَمْ الحديثُ مخصَّصٌ ببعضِ المؤمنينَ كما في الحديثِ: "أنهُ مرَّ عليه صلى الله عليه وسلم بجنازةٍ فأثنُوا عليها شَرًّا" الحديثَ. وأقرَّهم صلى الله عليه وسلم على ذلكَ بلْ قالَ: وجبتْ، أي: النارُ، ثمَّ قالَ: أنتمْ شهداءُ اللَّهِ"

(2)

.

ولا يُقالُ: إنَّ الذي أثْنَوا عليهِ شرًا ليس بمؤمن، لأنهُ قدْ أخرجَ الحاكمُ في ذَمِّهِ: بئسَ المرءُ كانَ، لقدْ كانَ فظًا غليظًا"، والظاهرُ أنهُ مسلمٌ إذْ لو كانَ كافرًا لما تعرَّضُوا لذمِّهِ بغيرِ كُفْرِهِ. وقدْ أجابَ القرطبيُّ عنْ سبِّهم لهُ، وإقرارِهِ صلى الله عليه وسلم لهمْ بأنهُ يحتملُ أنهُ كانَ مستظهِرًا بالشرِّ ليكونَ منْ بابِ لا غيبةَ لفاسقٍ، أوْ بأنهُ يحملُ النهيَ عنْ سبِّ الأمواتِ على ما بعدَ الدفنِ.

قلتُ: وهوَ الذي يناسبُ التعليلَ بإفضائِهم إلى ما قدَّموا؛ فإنَّ الإفضاءَ الحقيقيَّ بعدَ الدفنِ.

62/ 561 - وَرَوى التِّرْمِذِيُّ

(3)

عَنِ الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه نَحْوَهُ، لكِنْ قَالَ:"فَتُؤْذُوا الأَحْيَاءَ". [صحيح]

(1)

في "صحيحه"(1393) وطرفه رقم (6516).

(2)

أخرجه البخاري (1367)، ومسلم (60/ 949) من حديث أنس.

(3)

في "السنن"(1982) وقال: وقد اختلف أصحابُ سفيان في هذا الحديث، فروى بعضهم =

ص: 340

(وَرَوَى الترمذيُّ عن المغيرةِ نحوَه) أي: نحوَ حديثِ عائشةَ في النَّهيِ عنْ سبِّ الأمواتِ (لكنْ قالَ) عوضَ قولهِ: "فإنَّهم قدْ أفضُوا إلى ما قدَّموا"، (فتؤذُوا الأحياءَ) قالَ ابنُ رشدٍ

(1)

: إنَّ سبَّ الكافرِ [يحرمُ]

(2)

إذا تأذَّى به الحيُّ المسلمُ، ويحلُّ إذا لمْ تحصلْ بهِ الأذِيةُ.

وأما المسلمُ فيحرمُ إلَّا إذا دعتْ إليهِ الضرورةُ، كأنْ تكونَ فيهِ مصلحةٌ للميتِ إذا أريدَ تخليصُه منْ مظلمةٍ وقعتْ منهُ فإنهُ يحسنُ، بلْ يجبُ إذا اقتضَى ذلكَ سبَّهُ، وهوَ نظيرُ ما استُثْنِيَ منْ جوازِ الغيبةِ لجماعة منَ الأحياءِ لأمورٍ.

تنبيهٌ: من الأذيةِ للميتِ القعودُ على قبرهِ لِمَا أخرجَهُ أحمدُ

(3)

.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ بإسنادٍ صحيحٍ منْ حديثِ عمرٍو بن حزمٍ الأنصاريِّ: قالَ: رآني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأنا متَّكئٌ على قبرٍ فقالَ: "لا تؤذِ صاحبَ القبرِ"، وأخرجَ مسلمٌ

(4)

مِنْ حديثِ أبي هريرةَ أنهُ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يجلِسَ أحدُكم على جمرةٍ، فتحرقَ ثيابَهُ، فتخلُصَ إلى جلدهِ، خيرٌ لهُ من الجلوسِ عليهِ"، وأخرجَ مسلمٌ

(5)

عنْ أبي مرثدٍ مرفوعًا: "لا تجلسُوا على القبورِ، ولا تصلُّوا إليها". والنهيُ ظاهر في التحريمِ.

وقالَ المصنفُ في فتحِ الباري

(6)

نقلًا عن النوويّ: إنَّ الجمهورَ يقولونَ

= مثل رواية الحفري، وروى بعضُهم عن سفيان عن زياد بن علاقة، قال: سمعتُ رجلًا يحدثُ عند المغيرةِ بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه".

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 252)، والطبراني في "الكبير"(20 رقم 1013)، وابن حبان في "الإحسان"(7/ 292 رقم 3022).

وهو حديث صحيح. وقد صحَّحه الألباني في صحيح الترمذي.

(1)

في (أ) و (ب) ابن رشيد، والصواب ما أثبتناه.

(2)

في (أ): "محرم".

(3)

أورده صاحب "كنز العمال"(15/ 760 رقم 42990) عن عمرو بن حزم، وعزاه لابن عساكر. وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 515) عنه أيضًا.

(4)

في "صحيحه"(96/ 971).

قلت: وأخرجه أبو داود (3228)، والنسائي (4/ 95 رقم 2044)، وابن ماجه (1566).

(5)

في "صحيحه"(972).

(6)

(3/ 224).

ص: 341

بكراهةِ القعودِ عليهِ. وقالَ مالكٌ

(1)

: المرادُ بالقعودِ: الحدثُ، وهوَ تأويلٌ ضعيفٌ، أو باطلٌ، انتهَى.

وبمثلِ قول مالكٌ قالَ أبو حنيفةَ

(2)

، كما في الفتحِ.

قلتُ: والدليلُ يقتضي تحريمَ القعودِ عليهِ، والمرورِ فوقَه، لأنَّ قولَه:"لا تؤذِ صاحبَ القبرِ"، نهيٌ عنْ أذيةِ المقبورِ منَ المؤمنينَ، وأذيةُ المؤمنِ محرَّمة بنصِّ القرآنِ:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}

(3)

.

تم بحمد الله المجلَّد الثالث من

"سُبل السلام الموصلة إلى بلوغ المَرام"

ولله الحمد والمنَّة

ويليه المجد الرابع

وأوله: [الكتاب الرابع]

كتابُ الزكاة

* * *

(1)

انظر: "التمهيد"(5/ 229 - 230).

(2)

انظر: "شرح معاني الآثار"(1/ 515).

(3)

سورة الأحزاب: الآية 58.

ص: 342