الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للَّهِ الذي أحلَّ لعبادِهِ البيعَ والشِّرا، وحرَّمَ عليهمُ المكاسبَ الخبيثةَ والرِّبا. والصلاةُ والسلامُ على مَنْ عرَّفَ الأمةَ الأحكامَ، وأبانَ لهم مناهجَ الحلالِ والحرامِ، وعلى آلهِ الذينَ شَرَوْا غُرَفَ دارِ السلامِ بطاعةِ مولاهُم في كلِّ مرامٍ.
(وبعدُ)، فقدْ أعانَ اللَّهُ ولهُ الحمدُ بتمامِ الجزءِ الأولِ منْ شرحِ بلوغِ المرامِ، وها نحنُ آخِذونَ فِي شرحِ الجزءِ الثانِي ونسألُ مِنَ اللَّهِ الإعانةَ والتمامَ
(1)
، قالَ المصنفُ رحمهُ اللَّهُ تعالَى:
[الكتاب السابع] كتاب البيوع
اعلمْ أنَّ الحكمةَ فِي شرعيةِ البيعِ كما قالهُ المصنفُ فِي فتح الباري
(2)
أن حاجةَ الإنسانِ تتعلَّقُ بما في يدِ صاحبهِ غالبًا، وصاحبُه قدْ لا يبذُلهُ، ففِي شرعيةِ البيعِ وسيلةٌ إلى بلوغِ الغرضِ منْ غيرِ حرجٍ، انتَهى. وإنَّما جمعُه دلالةً على اختلافِ أنواعِه، وهي ثمانيةٌ
(3)
، [ولفظةُ]
(4)
البيعِ والشراءِ يطلقُ كلٌّ منْهما على ما يُطْلَقُ عليهِ الآخرُ، فَهُمَا منَ الألفاظِ المشتركةِ بينَ المعانِي المتضادة. وحقيقةُ البيعِ لغةً تمليكُ مالٍ بمالٍ، وزادَ فيهِ الشرعُ قيدَ التراضي. وقيلَ: هوَ إيجابٌ وقَبولٌ في مالَينِ ليسَ فيهما معنَى التبرُّعِ، فتخرجُ المعطاةُ. وقيلَ: مبادلةُ مالٍ بمالٍ [لا]
(5)
على وجْهِ التبرع، فتدخلُ فيهِ المعاطاةُ.
(1)
كما في المخطوط (ج).
(2)
[4/ 287].
(3)
بيع العين بالنقد كالثوب بالدراهم، وبيع المقايضة وهو بيع العين بالعين كالثوب بالعبد، وبيع النقد بالنقد وهو الصرف، وبيع الدين بالعين وهو السَّلَم، وبيع المساومة وهو الذي لا يلتفت فيه إلى الثمن السابق، وبيع المرابحة، وبيع التولية، وبيع المواضعة وهو ضد المرابحة حيث يضع من رأس المال شيئًا. اهـ بدر التمام ملخصًا. [من حاشية المطبوع].
(4)
في (أ): "ولفظ".
(5)
زيادة من (ب).
والدليلُ على اشتراطِ الإيجابِ والقبولِ أنهُ تعالى قال: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}
(1)
. وأخرجَ ابن حبانَ
(2)
، وابنُ ماجه
(3)
عنهُ صلى الله عليه وسلم: "إنَّما البيعُ عنْ تراضٍ". ولما كانَ الرِّضَا أمرًا خفيًّا لا يُطَّلَعُ عليهِ وجبَ تعلُّقُ الحكمِ بسببٍ ظاهرٍ يدلُّ عليه، وهوَ الصيغةُ، ولا بدَّ أنْ يكونَ على صيغةِ الجزمِ [لفظُها]
(4)
لتتمَّ معرفةُ الرِّضا.
وقد استُثني المحقَّرُ منْ ذلكَ لجري عادةِ المسلمينَ بالدخولِ فيه منْ غيرِ لفظٍ، وهذا عندَ الجماهيرِ منْ علماءِ الأمةِ، وذهبَت الشافعيةُ إلى أنهُ لا بدَّ منَ اللفظينِ كغيرهِ، وقدِ اختارَ النوويُّ
(5)
وأكثرُ المتأخرينَ منَ الشافعيةِ عدمَ اشتراطِ العقدِ في المحقَّرِ. والمحقَّرُ ما دونَ رُبْعِ المثقالِ، وقيلَ: التافهُ منَ البقولِ والرّطَبِ والخبزِ، وقيلَ: ما دونَ نصابِ السرقة. والأشبهُ اتباعُ العُرْفِ.
ثمَّ الحق أنه لم [يتمَّ]
(6)
دليلٌ على اشتراطِ الإيجابِ والقبولِ، بلْ حقيقةُ البيع المبادلةُ الصادرةُ عنْ تراضٍ كما أفادتِ الآيةُ والحديثُ. نعمْ الرِّضا أمرٌ خفيٌّ يناطُ بقرائنَ، منها: الإيجابُ والقبولُ، ولا ينحصرُ فيهما بلْ متَى انسلختِ النفسُ عن المبيعِ والثمنِ بأيِّ لفظٍ كانَ. وعلى هَذَا معاملاتُ الناس قديمًا وحديثًا إلَّا منْ عرفَ المذاهبَ وخافَ نقضَ الحاكمِ للبيعِ لاحظَ الإيجابَ والقبولَ.
* * *
(1)
سورة النساء: الآية 29.
(2)
في الإحسان (11/ 340 رقم 4967).
(3)
ابن ماجه (2185)، وقال البوصيري (2/ 168) رقم (768/ 2185):"هذا إسناد صحيح رجاله ثقات .. اهـ".
وصحَّحه المحدث الألباني في "الإرواء"(5/ 125 رقم 1283).
(4)
في (أ): "لفظًا".
(5)
في "المجموع"(9/ 164).
(6)
في (أ): "يقم".
[الباب الأول] باب شروطه وما نهى عنه
[يعني بالشروطِ]
(1)
شروطَ البيعِ. والشرطُ في عرفِ الفقهاءِ ما يلزمُ منْ عدمهِ عدمُ حكمٍ أو سببٍ، سواءٌ عُلِّقَ بكلمةِ شرطِ أَوْ لا، ولهُ في عرفِ النحاةِ معنًى آخر. وقدْ جعلُوا شروطَ البيع أنواعًا منْها في العاقدِ، وهوَ أنْ يكونَ عاقلًا مميِّزًا، ومنْها [أن يكون]
(2)
في الآلةِ وهوَ أنْ يكونَ بلفظِ الماضي، ومنْها في المحلِّ، وهوَ أنْ يكونَ مالًا متقوَّمًا وأن يكونَ مقدورَ التسليمِ، ومنها التراضِي، ومنْها شرطُ النفاذِ وهوَ الملكُ أو الولايةُ. وقولُه:(وما نهى عنه)، أي: منَ البيوعِ. وستأتِي الأحاديثُ في الذي نُهِي عنْ بيعهِ
(3)
.
أفضل الكسب
1/ 736 - عَنْ رِفَاعَةَ بِنِ رَافعٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ الكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: "عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيعٍ مَبْرُورِ)، رَوَاهُ الْبَزَّارُ
(4)
، وَصَحّحَهُ الْحَاكِمُ
(5)
. [صحيح بشواهده]
(1)
في (ب): (أي).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
رقم (4/ 739) و (9/ 744) و (11/ 746) و (13/ 748)، و (14/ 749) و (15/ 750) و (16/ 751) و (17/ 752) و (19/ 754) و (20/ 755) و (21/ 756) و (22/ 757) و (24/ 759) و (25/ 760) و (26/ 761) و (29/ 764)، (40/ 775) و (41/ 777) و (43/ 778) كما في كتابنا هذا.
(4)
في (كشف الأستار)(2/ 83) رقم (1257).
(5)
هذا سبق نظر من الحافظ - رحمه الله تعالى -، وإلا فالحاكم إنما صحَّح حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، انظر:(المستدرك)(2/ 10). =
(عنْ رفاعةَ بن رافعِ)
(1)
رضي الله عنه هوَ زُرْقِيٌّ أنصارِيُّ شهدَ بدرًا، وأبوهُ رافعُ أحدُ النقباءِ الإثنَى عشرَ، وكانَ أولَ منْ قدمَ المدينةَ بسورةِ يوسفَ، وشهدَ رفاعةُ المشاهدَ كلَّها، وشهدَ معَ عليٍّ رضي الله عنه الجملَ وصفِّينَ، توفِّيَ أولَ زمنِ معاويةَ.
(أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أيُّ الكسبِ أطيبُ؟ قالَ: عملُ الرجلِ بيدهِ)، ومثلُه المرأةُ:(وكلُّ بيعٍ مبرورٍ)، وهوَ ما خلصَ عن اليمينِ الفاجرةِ [لتنفيق]
(2)
السلعةِ، وعنِ الغشِّ فِي المعاملةِ، (رواهُ البزارُ، وصحَّحه الحاكمُ)، ورواهُ المصنفُ في التلخيصِ عنْ رافعِ بن خديجٍ
(3)
، ومثلَه في المشكاةِ
(4)
، وعزاهُ لأحمدَ، وأخرجهُ السيوطيُّ في الجامعِ
(5)
عنْ رافعٍ أيضًا، ذكرهَ فِي مسندهِ. قيلَ: ويحتملُ أنهُ أُرِيدَ برفاعةَ رفاعةُ بنُ رافعٍ بن خديجٍ، فقدْ رواهُ الطبرانِيُّ
(6)
عنْ عبايةَ بن رافعٍ بن خديجٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جدِّهِ. وعبايةُ هو ابنُ رفاعةَ بن رافعِ بن خديجٍ فيكونُ سقطَ على
= والحديث رواه رافع بن خديج، وابن عمر، والبراء، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:
• أما حديث رافع:
فقد رواه أحمد (4/ 141)، والطبراني (4/ 276) رقم (4411) وقال محقِّقه: صحيح لشواهده. اهـ. والحاكم (2/ 10) وقال: (عن عباية بن رافع بن خديج عن أبيه) وصوَّب الحافظ في (التلخيص)(3/ 3) كونه عن جده، وقال:(قول الحاكم عن أبيه فيه تجوُّز) اهـ.
• أما حديث ابن عمر:
فقد رواه الطبراني في (الأوسط)(3/ 82)، وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 391) عن أبيه:
هذا حديث باطل. اهـ وقال الحافظ في (التلخيص)(3/ 3): (ورجاله لا بأس بهم). اهـ.
• وأما حديث علي بن أبي طالب:
فقد ذكره ابن أبي حاتم في (العلل)(1/ 390) ثم قال عن أبيه: (هذا الحديث بهذا الإسناد باطل) اهـ.
• وأما حديث البراء:
فقد رواه ابن أبي شيبة (7/ 269)، والحاكم (2/ 10) وصحَّح إسناده، والبيهقي (5/ 263) ورجَّح أبو حاتم كما ذكر ابنه في (العلل)(2/ 443)، والبيهقي (5/ 263) والبخاري كما نقل عنه البيهقي (5/ 264) إرساله.
(1)
انظر ترجمته في: (أسد الغابة)(2/ 225).
(2)
في (أ): (لينق).
(3)
انظر: (التلخيص)(3/ 3) كما تقدم.
(4)
انظر: (المشكاة)(2/ 847) رقم (2783).
(5)
انظر: (الجامع)(1/ 73) رقم (1122).
(6)
في (المعجم الكبير)(4/ 276).
المصنفِ [قولُه]
(1)
عنْ أبيه. والحديثُ دليل على تقريرِ ما جُبِلَتْ عليهِ الطبائعُ منْ طلبِ المكاسبِ، وإنمَّا سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عنْ أطيبها أي أحلِّها وأبركِها. وتقديمُ عملِ اليدِ على البيعِ المبرورِ دالٌ على أنهُ الأفضلُ، ويدلُّ لهُ [أيضًا]
(2)
حديثُ البخاريِّ الآتي، ودلَّ على أطيبيةِ التجارةِ الموصوفةِ. وللعلماءِ خلافٌ في [أفضل]
(3)
المكاسبِ.
قالَ الماورديُّ
(4)
: أصولُ المكاسبِ الزراعةُ والتجارةُ والصنعةُ، قالَ: والأشبهُ بمذهبِ الشافعيِّ أن أطيبَهَا التجارةُ. قالَ: والأرجحُ عندي أن أطْيَبَها الزراعةُ، لأنهَا أَقربُ إلى التوكلِ، وتعقِّبَ بما أخرجَهُ البخاريُّ
(5)
مِنْ حديثِ المقدامِ مرفوعًا: (ما أكلَ أحدٌ طعامًا خيرًا منْ أنْ يأكلَ منْ عملِ يدهِ، وإنَّ نبيَّ اللَّهِ داودَ كانَ يأكلُ من عملِ يدهِ)، قال النوويُّ
(6)
: والصواب أن أطيبَ المكاسبِ ما كانَ بعملِ اليدِ، وإنْ كانَ زراعةً فهوَ أطيبُ المكاسبِ لما يشتملُ عليهِ منْ كونهِ عملَ اليد، [ولما فيهِ منَ التوكلِ]
(7)
، ولما فيهِ من النفعِ العامِّ للآدمِيِّ وللدوابِّ [وللطير]
(8)
.
قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ رحمه الله
(9)
: وفوقَ ذلكَ ما يكسبُ منْ أموالِ الكفارِ بالجهادِ وهوَ مكسبُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهوَ أشرفُ المكاسبِ لما فيهِ منْ إعلاءِ كلمةِ اللَّهِ تعالى وحده، انتَهى. قيلَ: وهوَ داخلٌ في كسبِ اليدِ.
حكم بيع المحرَّمات
2/ 737 - وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ)، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحَومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ:(لا، هُوَ حَرَامٌ)، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
في (أ): (أطيب).
(4)
نقل ذلك عنه النووي في المجموع (9/ 59).
(5)
في (صحيحه)(2072)، والبيهقي (6/ 127)، والبغوي (8/ 5) رقم (2026).
(6)
في (المجموع)(9/ 59) وفي نقل الصنعاني تصرف.
(7)
زيادة من (أ).
(8)
في (ب): (والطير).
(9)
في (فتح الباري)(4/ 304).
عِنْدَ ذَلِكَ: (قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِن اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
(وعنْ جابرِ بن عبدِ اللَّهِ رضي الله عنه أنهُ سمعَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ عامَ الفتحِ)، كانَ الفتحُ فِي رمضانَ سنةَ ثمانٍ منَ الهجرةِ، (وهوَ بمكةَ: إنَّ اللَّهَ ورسولَه حَرَّمَ)، وقع في روايةِ الصحيحين هكَذا بإفرادِ الضمير، وفي بعض الطرق: إنَّ الله حرَّم، وفي روايةٍ في غيرهما: إنَّ اللَّهَ ورسولَه حرَّما. وتقدَّمَ وجْهُ الكلامِ على جمْعِ الضميرينِ في بابِ الآنيةِ
(2)
، (بيعَ الخمرِ والمَيتةِ) بفتحِ الميمِ ما زالتْ عنهُ الحياةُ لا بذكاةٍ شرعيةٍ، (والخنزيرِ والأصنامِ) قالَ الجوِهريُّ
(3)
: هوَ الوثنُ، وقالَ غيرهُ: الوثنُ ما لَهُ جثةٌ، والصنمُ ما كانَ مصوَّرًا (فقيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، أرأيتَ شحومَ الميتةِ؛ فإنَّها تُطْلَى بها السفنُ، وتُدْهَنُ بها الجلودُ، ويستصبحُ بها الناس، [فقال]
(4)
: لا، هوَ حرامٌ. ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عندَ ذلك: قاتلَ الله اليهودَ إنَّ اللَّهَ لما حرَّمَ عليهم شحومَها جَمَلُوه) بفتح الجيمِ والميمِ، أي: أذابوهُ، (ثمَّ باعُوه [فأكلوا]
(5)
ثمنه. متفقٌ عليه).
في الحديثِ دليل على تحريمِ [بيع]
(6)
ما ذكرَ قبلُ. والعلةُ في تحريم بيعِ الثلاثةِ الأُوَلِ هيَ النجاسةُ، ولكنَّ الأدلةَ على نجاسةِ الخمرِ غيرُ ناهضةٍ، وكذا نجاسةُ الميتةِ والخنزيرِ، فمنْ جعلَ العلةَ النجاسةَ عدَّى الحكمَ [إلى]
(7)
تحريم بيعِ كلِّ نجسٍ. وقالَ جماعةٌ: يجوزُ بيعُ الأزبالِ النجسةِ، وقيلَ يجوزُ ذلكَ للمشتري دونَ البائعِ، لاحتياجِ المشتري دونَه، وهي علةٌ عليلةٌ، وهذا كلُّه عندَ مَنْ جعلَ العلةَ النجاسةَ. والأظهرُ أنهُ لا ينهضُ دليل على التعليلِ بذلكَ، بلِ العلةُ التحريم، ولذَا قالَ صلى الله عليه وسلم: لما حُرِّمتْ عليهمْ الشحومُ فجعلَ العلةَ نفسَ التحريم ولمْ يذكرْ علةً. هذَا ولا يدخلُ في الميتةِ شعرُها وصوفُها وَوَبَرُها، لأنَّها لا تحلُّها الحياةُ،
(1)
البخاري (2236) وطرفاه: رقم (4296) ورقم (4632)، ومسلم (1581) قلت: وأخرجه أحمد (3/ 324، 326)، وأبو داود (3486)، والترمذي (1297) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (7/ 309، 310)، وابن ماجه (2167)، والبيهقي (6/ 12)، وابن الجاردو في المنتقى رقم (578).
(2)
في الجزء الأول باب الطهارة.
(3)
في الصحاح (5/ 1969).
(4)
في (ب): (قال).
(5)
في (أ): (وأكلوا).
(6)
زيادة من (أ).
(7)
في (ب): (على).
[ولا]
(1)
يصدقُ [عليها]
(2)
اسمُ الميتةِ. وقيلَ: إنَّ الشعورَ متنجسةٌ وتطهرُ بالغسلِ، وجوازُ بيعها مذهبُ الجمهورِ، وقيلَ إلا [من]
(3)
الثلاثةَ
(4)
التي هي نجسةُ الذاتِ. وأما علةُ تحريم
(5)
بيعِ الأصنامِ فقيلَ: [لأنها لا منفعةَ]
(6)
فيها مباحةٌ، وقيلَ إنْ كانتْ بحيثُ إذا كُسِرَتِ انتُفِعَ بأَكسارِها جازَ بيعُها، والأَوْلَى أنْ يُقَالَ لا يجوزُ بيعُها وهيَ أصنامٌ للنهي، ويجوزُ بيعُ كُسَرِها إذْ [هيَ]
(7)
ليستْ بأصنامٍ، ولا وجْهَ لمنعِ بيعِ [الأكسارِ]
(8)
أصلًا. ولما أطلقَ صلى الله عليه وسلم تحريمَ بيعِ الميتةِ جوَّزَ السامعُ أنهُ قدْ يخصُّ منَ العامِّ بعضَ ما يصدقُ عليهِ فقالَ السائلُ: أرأيتَ شحومَ الميتةِ [بأنه]
(9)
ذكرَ لها ثلاثَ منافعَ أي: أخبرْني عن الشحومِ هلْ تُخَصُّ منَ التحريمِ لِنفعها أمْ لا؟ فأجابَ صلى الله عليه وسلم أنهُ حرامٌ، فأبانَ لهُ أنها غيرُ خارجةٍ عن الحكم، والضمير [في قولهِ هوَ حرامٌ]
(10)
يحتملُ أنهُ للبيعِ، أي بيعُ الشحوم حرامٌ، وهذا هوَ الأظهرُ، لأنَّ الكلامَ مسوقٌ لهُ، ولأنهُ قدْ أخْرَجَ الحديثَ أحمدُ
(11)
وفيهِ: فما تَرَى في بيعِ شحومِ الميتةِ - الحديثَ. ويُحْتَمَلُ أنهُ للانتفاعِ المدلولِ عليهِ بقولهِ: فإنَّهَا تُطْلَى بها السفنُ إلى آخرِهِ، وحملَه الأكثرُ عليهِ فقالُوا: لا يُنْتَفَعُ منَ الميتةِ بشيء إلَّا بجلدِها إذا دُبغَ لدليلهِ الذي مَضَى في أولِ
(12)
الكتابِ؛ فهوَ يخصُّ هذا العمومَ، وهوَ مبنيٌّ على عَوْدِ الضميرِ إلى الانتفاعِ، ومَنْ قالَ: الضميرُ يعودُ إلي البيعِ استدلَّ بالإجماعِ على جوازِ إطعامِ الميتةِ الكلابَ ولو كانت كلابَ الصيدِ لمن ينتفع بها، وقد عرفتَ أن الأقربَ عَوْدُ الضميرِ إلى البيعِ، فيجوزُ الانتفاعُ بالنجسِ مطلقًا [وتحريم]
(13)
بيعه لما عرفت، ويزيدُه قوةً قولُه في ذمِّ اليهودِ: إنَّهم جملُوا الشحمَ
(1)
في (أ): (فلا).
(2)
في (أ): (عليه).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
يعني بالثلاثة: الكلب، والخنزير، والكافر [من حاشية المطبوع].
(5)
انظر: فتح الباري (4/ 426).
(6)
في (أ): (إنه لا نفع).
(7)
زيادة من (ب).
(8)
في (أ): (كسر الأصنام).
(9)
في (ب): (أنَّه).
(10)
زيادة من (ب).
(11)
في (المسند)(3/ 326)، وقد تقدم تخريجه رقم (2/ 737) من كتابنا هذا.
(12)
انظر: الأحاديث من (3/ 16) إلى (5/ 18) من كتابنا هذا.
(13)
في (ب): (ويحرم).
ثمَّ باعوهُ وأكلُوا ثمنَه، فإنهُ ظاهرٌ في توجُّهِ النهي إلى البيعِ الذي ترتَّبَ عليهِ أكلُ الثمنِ، وإذا كانَ التحريمُ للبيعِ جازَ الانتفاعُ بشحومِ الميتةِ، والأدهانِ المتنجسةِ في كلِّ شيءٍ غيرَ أكلِ الآدمي، ودهنِ بدنهِ، فيحرمانِ كحرمةِ أكلِ الميتةِ، والترطبِ بالنجاسةِ، وجازَ إطعامُ شحومِ الميتةِ الكلابَ، وإطعامُ العسلِ المتنجسِ النحلَ، [وإطعامهُ]
(1)
الدوابَّ، وجوازُ جميعِ ذلكَ مذهبُ الشافعيِّ
(2)
، ونقلَه القاضي عياضُ عنْ مالكٍ وأكثرِ أصحابِه، وأبي حنيفةَ وأصحابِه، والليثِ.
ويؤيدُ جوازَ الانتفاعِ ما رواهُ الطحاوِيُّ
(3)
أنهُ صلى الله عليه وسلم سُئل عنْ فأرةٍ وقعتْ في سمنٍ فقالَ: إنْ كانَ جامدًا فألقُوها وما حولَها، وإنْ كانَ مائعًا فاستصبحُوا بهِ وانتفِعُوا بهِ. قالَ الطحاويُّ: إنَّ رجالَه ثقاتٌ، وَرُوِيَ ذلكَ عنْ جماعةٍ منَ الصحابةِ منْهم عليٌّ
(4)
رضي الله عنه وابن عمرَ
(5)
، وأبو موسى
(6)
، وجماعةٌ منَ التابعين منهم القاسمُ بنُ محمدٍ وسالمُ بنُ عبدِ اللَّهِ، وهذا هوَ الواضحُ دليلًا. وأما التفرقةُ بينَ الاستهلاكاتِ وغيرِها فلا دليلَ لها بلْ هوَ رأيٌ محضٌ، وأما المتنجسُ فإنْ كانَ يمكنُ تطهيرهُ فلا كلامَ في جوازِ بيعهِ، وإنْ [كانَ لا يمكنُ]
(7)
فيحرمُ بيعُه. [قالتْهُ]
(8)
الهادويةُ وابنُ حنبلٍ
(9)
. وفي الحديثِ دليل على أنهُ إذا حَرُمَ بيعُ شيءٍ حَرُمَ ثمنُه، وأنَّ كلَّ حيلة يُتَوَصَّلُ بها إلى تحليلِ محرَّمٍ فهِيَ باطلةٌ.
اختلاف المتبايعين
3/ 738 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُ
(1)
في (أ): (وإطعام).
(2)
انظر: المجموع (9/ 29).
(3)
انظر: الأحاديث من (7/ 742)، (8/ 743) من كتابنا هذا.
(4)
فلينظر من أخرجه.
(5)
انظر: مصنف عبد الرازق (1/ 86) رقم (286)، وابن أبي شيبة (8/ 93) رقم (4448) و (4449).
(6)
فينظر من أخرجه.
(7)
في (أ): (لم يكن).
(8)
في (أ): (قاله).
(9)
انظر: (المغني مع الشرح الكبير)(11/ 87 - 88).
رَبُّ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَتَارَكَانِ). رَوَاهُ الخَمْسَة
(1)
، وَصَحّحَهُ الْحَاكِمُ
(2)
. [صحيح]
(وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: إذا اختلفَ المتبايعان)، وفي روايةِ: البيِّعانِ، (وليسَ بينَهما بيِّنةٌ فالقولُ ما يقولُ ربُّ السلعةِ، [أوْ]
(3)
يتتاركانِ)، وفي روايةٍ: يترادَّانِ، زادَ ابنُ ماجهْ
(4)
في روايتهِ: والمبيعُ قائمٌ بعينهِ. ولأحمدَ
(5)
: والسلعةُ كما هيَ. وأمَّا روايةُ
(6)
: والمبيعُ مُسْتَهْلَكٌ فهي مضعَّفةٌ (رواهُ الخمسةُ، وصحَّحَهُ الحاكمُ). وللعلماءِ كلامٌ كثيرٌ على
(7)
صحةِ الحديثِ.
قال ابن عبد البر في (الاستذكار): إنَّهُ حديثٌ منقطع لا يكاد يتصل، وإن كان الفقهاءُ قد عَمِلوا بهِ، كُلٌّ على مذهبه الذي تأوله فيه، ثم ذكر طرقه، وأبان ما فيها من الانقطاع، وهوَ دليل على أنهُ إذا وقعَ [اختلافٌ]
(8)
بينَ البائعِ والمشتري في الثمنِ أو المبيعِ أوْ في شرطٍ منْ شروطِهمِا، فالقولُ قولُ البائعِ معَ يمينِه لما عُرِفَ منَ القواعدِ الشرعيةِ أن مَنْ كانَ القولُ قولَه فعليه اليَمينُ، وللعلماءِ في هذا الحكمِ الذي أفادهُ الحديثُ ثلاثةُ أقوال:
الأولُ للهادي: أن القولَ قولُ البائعِ مطلقًا، وهوَ ظاهرُ حديث الباب.
الثاني للفقهاءِ: أنَّهما يتحالفانِ ويترادَّان المبيعَ.
والثالث: فيه تفصيلٌ وفرْقٌ بينَ الاختلافِ في النوع، أو الجنسِ، أو الصفةِ، وبينَ غيرها، وهوَ تفصيل بلا دليلٍ مُسْتَوفَى في كتبِ الفروعِ، ونَقَلَهُ في الشرح، ويعني بالتحالفِ [أَنْ]
(9)
يحلفَ البائعُ ما بعتُ منكَ كذا، ويحلفُ المشتري ما
(1)
في سنن أبي داود (3511)، والترمذي (1270)، والنسائي (4648)، وابن ماجَهْ (2186)، وأحمد (1/ 466).
(2)
في (المستدرك)(2/ 45). قلت: وأخرجه الدارقطني في (السنن)(3/ 20) رقم (63): (72)، والبيهقي (5/ 332، 333) وصحَّحه الألباني في (صحيح أبي داود)(2/ 671)، وفي (الإرواء)(5/ 166) رقم (1322).
(3)
زيادة من (ب، ج).
(4)
في (سننه)(2186).
(5)
في (مسنده)(1/ 466).
(6)
في (سنن الدارقطني)(2/ 20) رقم (70، 71).
(7)
وصحَّحه أيضًا ابن السكن كما أشار إليه الحافظ في (التلخيص)(3/ 31).
(8)
في (أ): (خلاف).
(9)
في (أ): (أنه).
اشتريتُ منكَ كَذَا. وقيلَ غيرُ ذلكَ. والوجهُ في التحالفِ أن كلَّ واحدٍ مدَّعى عليه [فتجبُ]
(1)
على كلِّ واحدٍ منْهما اليمينُ لنفي ما ادُّعيَ عليهِ، وهذَ مفهومٌ منْ قولهِ صلى الله عليه وسلم:(البيِّنةُ على المدَّعِي واليمينُ على المُنْكِرِ)
(2)
. والحاصلُ أَنَّ هَذا حديثٌ مطلقٌ مقيدٌ بأدلةِ بابِ الدعاوى، وسيأتي
(3)
.
النهي عن ثمن الكلبِ ومهر البَغي وحلوان الكاهن
4/ 739 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى: (عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
. [صحيح]
(وعنْ أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ ثمنِ الكلبِ، [ومهرِ البغيِّ])
(5)
بفتح الموحدةِ، وكسرِ الغينِ المعجمةِ، وتشديدِ المثناةِ التحتيةِ أُرْيدَ بها الزانيةُ، (وحُلوانِ) بضمِّ الحاءِ المهملةِ (الكاهنِ. متفقٌ عليهِ). والأصلُ في النَّهي التحريمُ، والصحابيُّ قدْ أخْبرَ أنهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى أي أَتَى بعبارةٍ تفيدُ النَّهيَ وإنْ لم يذكرَها، وهوَ دالٌّ على تحريمِ ثلاثةِ أشياءٍ. الأولُ: تحريمُ ثمنِ الكلبِ بالنصِّ، ويدلُّ على تحريمِ بيعهِ باللُّزومِ، وهو عامٌّ لكلِّ كلبٍ منْ معلَّمٍ وغيرِه، وما يجوزُ اقتناؤُه، وما لا يجوزُ. وعنْ عطاءِ والنُّخعي: يجوزُ بيعُ كلبِ الصيدِ لحديثِ جابرٍ: نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنْ ثمنِ الكلبِ إلَّا كلبَ [الصَّيدِ]
(6)
. أخرجهُ النسائيُّ
(7)
بِرجَالٍ ثقاتٍ، إلَّا أنهُ طعنَ في صحَّتهِ، فإنْ صحَّ [خَصَّصَ]
(8)
عمومَ
(1)
في (ب): (فيجب).
(2)
أخرجه بهذا اللفظ البيهقي (10/ 252)، وأصله في البخاري (4552)، ومسلم (1/ 1711)، وأبو داود (3619)، والترمذي (1342)، والنسائى (5425).
(3)
باب الدعاوى يأتي في كتاب الجنايات من كتابنا هذا.
(4)
في البخاري (2237)، ومسلم (39/ 1567).
قلت: وأخرجه أبو داود (3481)، والترمذي (1276) وقال: حسن صحيح، والنسائي (7/ 309)، وابن ماجَهْ (2159)، وأحمد (4/ 118، 119، 120).
(5)
زيادة من (أ).
(6)
في (ب): (صيد).
(7)
في (سننه)(4668) وقال: هذا منكر اهـ. وصحَّحه الألباني في (صحيح سنن النسائي)(3/ 899).
(8)
في (أ): (خصَّ).
النَّهي. والثاني: تحريمُ مهرِ البغيِّ، وهو ما تأخذهُ الزانيةُ في [مقابلِ]
(1)
الزِّنى سمَّاهُ مهرًا مَجَازًا فهذا مالٌ حرامٌ. وللفقهاءِ تفاصيلُ في حكمهِ تعودُ إلى كيفيةِ أخْذِهِ، والذي اختارهُ ابنُ القيِّمِ
(2)
أنهُ في جميعِ كيفياتِه يجبُ التصدقُ بهِ ولا يُرَدُّ إلى الدافع، لأنهُ دفَعَه باختيارهِ في مقابل عِوضٍ لا يمكِّنُ صاحبَ العوضِ استرجاعَه، فهوَ كسْبٌ خبيثٌ يجبُ التصدقُ بهِ، ولا يعانُ صاحبُ المعصيةِ بحُصُولِ غرضِه ورجوعِ مالهِ. والثالثُ: حلوانُ الكاهنِ وهوَ مصدرُ حَلَوتُه حُلوانًا إذا أعطيتُه، وأصلهُ منَ الحلاوةِ شُبِّهَ بالشيءِ الحلوِ من حيثُ إنهُ يؤخذُ سهلًا بلا كُلْفةٍ. وأجمعَ العلماءُ على تحريمِ حلوانِ الكاهنِ. والكاهنُ الذي يدَّعي علمَ الغيبِ، ويخبرُ الناسَ عن الكوائنِ، وهوَ شاملٌ لكلِّ مَنْ يدَّعي ذلكَ منْ منجِّمٍ وضرَّابٍ [بالحصباءِ]
(3)
، ونحوِ ذلكَ، فكلُّ هؤلاءِ داخلٌ تحتَ حكمِ الحديثِ، ولا يحلُّ لهُ ما يعطاهُ، ولا يحلُّ لأحدٍ تصديقُه فيما [يتعاطاهُ]
(4)
.
بيع الحيوان واستثناء ركوبه
5/ 740 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَى، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ، قَالَ: فَلَحِقَنِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فدَعَا لي، وَضَرَبَهُ. فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، فَقَالَ:(بِعْنِيهِ بِأُوقيَّةٍ)، قُلْتُ: لَا، ثُمّ قَالَ:(بِعْنِيهِ) فَبِعْتُهُ بِأُوقيَّةٍ، وَاشْتَرَطْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَقَالَ: "أَتُرَانِي مَاكسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(5)
، وَهَذَا السِّيَاقُ لِمُسْلِمٍ. [صحيح]
(وعنْ جابرِ بن عبدِ اللَّهِ رضي الله عنه أنهُ كانَ على جَمَلٍ لهُ [قَدْ]
(6)
أَعيا أي كَلَّ عن السير (فأرادَ أن يُسَيبَهُ، قالَ: فلحقني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعا لي، فضرَبه فسارَ سيرًا لمْ
(1)
في (ب): (مقابلة).
(2)
في (زاد المعاد)(5/ 779).
(3)
في (أ): (بالحصا).
(4)
في (أ): (تعاطاه).
(5)
أخرجه البخاري في عدة مواضع من (صحيحه) منها (2406) و (2718)، ومسلم (109/ 715).
قلت: وأخرجه أبو داود (3505)، والنسائي (4637)، وأحمد (3/ 299).
(6)
زيادة من (ب).
يُرَ مثلَه. قال: بِعْنِيْهِ بأوقيةٍ، قُلتُ: لا، قالَ: بِعْنِيْهِ، فَبْعِتُةُ بأوقيةٍ واشترطتُ حُملانَهُ) بضمِّ الحاءِ المهملةِ، أي الحملَ عليهِ (إلى أهلي، فلما بلغتُ أتيتُه بالجملِ فنقدَني ثمنه ثمَّ رجعتُ فأرسَل في أثري فقالَ: أتُراني) بضمِّ [التاء الفوقانية]
(1)
أي تظنُّني (ماكسْتُك) المماكسةُ [في المكالمةُ]
(2)
في النقص [من]
(3)
الثمن (لآخذَ جملَكَ، خذْ جملَكَ ودراهمَكَ فهوَ لكَ. متفقٌ عليهِ، وهذا السياقُ لمسلمٍ).
فيه [دليل على]
(4)
أنهُ لا بأسَ بطلبِ البيع منَ الرجلِ لسلعتهِ، ولا [في المماكسةِ]
(5)
، وأنَّهُ يصحُّ البيعُ للدابةِ واستثناءِ ركوبِها، [ولكنْ]
(6)
عارضَه [حديثُ]
(7)
النهي عن بيع
(8)
الثُّنَيَّا وسيأتي، وعنْ بيعٍ وشرْطٍ
(9)
، ولمَّا تعارضَا اختلفَ العلماءُ [في ذلكَ]
(10)
على أقوالٍ:
الأول: لأحمدَ [على]
(11)
أنهُ يصحُّ ذلكَ، وحديثُ بيع الثُّنَيَّا فيه:(إلَّا أنْ يُعْلَمَ ذلكَ)، وهذا منهُ فقدْ عُلِمَتِ الثُّنَيَّا، فصحَّ البيعُ، وحديثُ النَّهي عنْ بيع وشرطٍ فيهِ مقالٌ معَ احتمالِ أنهُ أرادَ الشرطَ المجهولَ.
والثاني: [لمالكٍ]
(12)
أنهُ يصحُ إذا كانتِ المسافةُ قريبةً وحدُّه [ثلاثةُ]
(13)
أيامٍ، وحُمِلَ حديثُ جابرٍ على هذَا.
الثالثُ: أنهُ لا يجوزُ مُطْلقًا، وحديثُ جابرٍ مُؤَوَّلٌ بأنهُ قصةُ عينٍ موقوفةٌ يتطرقُ إليها الاحتمالاتُ. قالُوا: ولأنهُ صلى الله عليه وسلم أرادَ أنْ يُعْطِيَهُ الثمنَ ولم يُرِدْ حقيقةَ البيعِ، [قالُوا]
(14)
: ويحتملُ أنّ الشرطَ ليسَ في نفسِ العقدِ فلعلَّهُ كانَ سابقًا فلمْ
(1)
في (ب): (المثناه الفوقية).
(2)
في (أ): (في الممالكة).
(3)
في (ب): (عن).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
في (ب): (بالمماكسة).
(6)
في (أ): (ولكنه).
(7)
زيادة من (ب).
(8)
انظر: تخريج الحديث رقم (25/ 760) من كتابنا هذا، والثُّنَيَّا هي أن يستثنى البيع شيء مجهول.
(9)
انظر تخريج الحديث رقم (20/ 755) من كتابنا هذا.
(10)
زيادة من (ب).
(11)
زيادة من (أ).
(12)
في (أ): (عن مالك).
(13)
في (ب): (بثلاثة).
(14)
زيادة من (ب).
يؤثِّرْ ثمَّ تَبَرَّعَ صلى الله عليه وسلم بإركابِهِ. وأظهرُ الأقوالِ الأولُ وهوَ صحةُ مثلِ هذا الشرطِ، وكلُّ شرطٍ يصحُّ إفرادُه بالعقدِ كإيصالِ المبيعِ إلى المنزلِ، وخياطةِ الثوبِ، وسُكنى الدارِ. وقدْ رُوِيَ عنْ عثمانَ أنهُ باعَ دارًا واستَثْنى سُكْنَاهَا شهرًا. ذكرَهُ في الشِّفَا
(1)
.
بيع مال المفلس
6/ 741 - وَعَنْهُ قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَدَعَا بِهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَاعَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
[صحيح]
(وعنهُ) أي عنْ جابرٍ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنه (قال: أعتقَ رجلٌ منَّا) أي منَ الأنصارِ (عبدًا لهُ عنْ دُبُرٍ)
(3)
، بضمِّ الدَّالِ المهملةِ، وضمّ [الباء]
(4)
[أيضًا]
(5)
، (لمْ يكنْ لهُ مالٌ غيرهُ، فدعا بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فباعَه. متفقٌ عليهِ). وأخرجَه أبو داودَ، والنسائيُّ أيضًا عن جابرٍ، وسمَّيَا فيهِ العبدَ والرجلَ، ولفظه
(6)
: (عنْ جابرٍ أن رجلَا منَ الأنصارِ يُقَالُ لهُ أبو مذكورٍ أَعْتَقَ غلامًا [لهُ]
(7)
يقالُ لهُ أبو يعقوبَ عنْ دُبُرٍ، لمْ يكنْ لهُ مالٌ غيرهُ، فَدعَا بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: منْ يشتريْهِ فاشتراهُ نعيمُ بنُ عبدِ اللَّهِ بن النحَّامِ بثمانمائةِ درهم، فدفعَها إليهِ)، زادَ الإسماعيليُّ
(8)
: وعليهِ دَيْنٌ. وقدْ ترجَم لهُ البخاريُّ في بابِ الاستقراضِ
(9)
فقالَ: منْ باعَ مالَ المفلسِ وقَسَمَهُ بينَ الغرماءِ، أو أعطاهُ إياهُ حتَّى ينفقَه على نفسه، فأشارَ إلى علةِ بيعهِ، وهوَ الاحتياجُ إلى ثمنهِ. واستدلَّ بهِ بعضُهم على منْع المفلسِ منَ التصرفِ في مالهِ، وعلى أن للإِمامِ أنْ يبيعَ عنهُ وتأتي بقيةُ [أبحاثِه]
(10)
في بابهِ
(11)
إنْ شاءَ اللَّهُ تعالىَ.
(1)
(شفاء الأوام) ص (375) مخطوطة بحوزتنا والترقيم لنا.
(2)
في البخاري (2534)، ومسلم (997).
قلت: وأخرجه أبو داود (3955) و (3957)، والنسائي (2546) وابن ماجه (2513).
(3)
أي علَّق عتقه على موته.
(4)
في (ب): (الموحدة).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
في سنن أبي داود (3957)، ولفظ النسائي (2546) بنحوه.
(7)
زيادة من (ب).
(8)
ذكرها الحافظ في (الفتح)(4/ 421).
(9)
في (صحيحه)(5/ 65).
(10)
في (ب): (مباحثه).
(11)
باب القراض في كتابنا هذا من حديث (1/ 853)، (2/ 854).
حكم الفأره تقع في السمن
7/ 742 - وَعَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فَأرَةً وَقَعَتْ في سَمْنٍ، فَمَاتَتْ فِيهِ، فَسُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا فَقَالَ:(أَلقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ)، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(1)
، وَزَادَ أَحْمَدُ
(2)
، والنَّسَائِيُّ
(3)
: في سَمْنٍ جَامِدٍ. [صحيح]
(وعنْ ميمونةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أن فأرةً وقعتْ في سمنٍ، فماتتْ فيهِ، فَسُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: ألقُوها وما حولَها وكلُوه. رواهُ البخاريُّ. وزادَ أحمدُ، والنسائيُّ: في سمنٍ جامدٍ). دلَّ أمرهُ صلى الله عليه وسلم بإلقاءِ ما حولَها وهو ما لامسته منَ السمنِ على نجاسةِ الميتةِ، لأنَّ المرادَ بما حولَها ما لاقاهَا. قال المصنفُ في فتح الباري
(4)
: لم يأتِ في طريقٍ صحيحة تحديدُ ما يُلْقَى، لكنْ أخرجَ ابنُ أبي شيبةَ
(5)
منْ مرسل عطاءٍ أنْ يكونَ قدرَ الكفِّ، وسندُه جيدٌ لولا إرسالهُ، انتهى.
ودلَّ مفهومُ قولهِ: (جامدٍ)، أنهُ لوْ كانَ مائعًا لَنَجُسَ كلُّهُ، لِعَدَم تَميُّزِ ما لاقاها مِمَّا لمْ يلاقِها، ودلَّ أيضًا على أنهُ لا ينتفعُ بالدُّهنِ المتنجسِ في شيءٍ منَ الانتفاعاتِ إلَّا أنهُ تقدَّمَ الكلامُ في ذلكَ، وأنهُ يباحُ الانتفاعُ بهِ في غيرِ الأكلِ ودهنِ الآدمي، فيحملُ هذا ويأتي منْ قولهِ: فلا تقْربُوهُ على الأكلِ والدهنِ للآدمي جَمْعًا بينَ مقتضَى الأدلةِ، نعمْ وأما مباشرةُ النجاسةِ فهوَ وإنْ كانَ غيرَ جائزٍ إلا لإِزالتِها عمَّا وجبَ أو ندبَ إزالتُها عنهُ فإنهُ لا خلافَ في جوازِه، لأنهُ لدفعِ مفسدتِها، وبقيَ الكلامُ في مباشرتِها لتسجيرِ التنُّورِ، وإصلاحِ الأرضِ بها، فقيلَ هو طلبُ مصلحتِها، وأنهُ يقاسُ جوازُ المباشرةِ لهُ على المباشرةِ لإزالةِ
(1)
في صحيحه (235)، وأطرافه (236، 5538، 5549، 5540).
(2)
في (مسنده)(6/ 330).
(3)
في (سننه)(4259).
قلت: وأخرجه أيضًا أبو داود (3841)، والترمذي (1798)، وعبد الرزاق في مصنفه (1/ 84) رقم (279)، وابن أبي شيبة (8/ 92) رقم (4444)، وأبو يعلى في مسنده (12/ 506) رقم (7078)، والدارمي (1/ 188)، وابن حبان (4/ 234) رقم (1392) الإحسان والبيهقي (9/ 353).
(4)
(9/ 670).
(5)
كذا في (الفتح)، وهو في (مصنف عبد الرزاق)(1/ 85) رقم (282).
مفسدتِها، والأقربُ أنها تدخلُ إزالةُ مفسدتِها تحتَ جلْبِ مصلحتِها، فتسجيرُ التنُّورِ بها يدخلُ فيهِ الأمران: إزالةَ مفسدة بقاءُ عينِها، وجلْبِ المصلحةِ لنفعِها في التسجيرِ، وحينئذٍ فجوازُ المباشرةِ للانتفاعِ لا إشكالَ فيهِ.
8/ 743 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ في السَّمْنِ، فَإِنْ كَانَ جامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فلا تَقْرَبُوهُ)، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
، وأَبُو دَاوُدَ
(2)
، وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ
(3)
، وَأَبُو حَاتِمٍ
(4)
بِالْوَهْمِ. [ضعيف]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذا وقعتِ الفأرةُ في السمنِ، فإنْ كانَ جامِدًا فألقُوها وما حولَها، وإنْ كانَ مائعًا فلا تقربُوهُ. رواهُ أحمدُ وأبو داودَ، وقدْ حَكَمَ عليهِ البخاريُّ، وأبو حاتمِ بالوَهم). وذلكَ لأنهُ قالَ الترمذيُّ
(5)
: سمعتُ البخاريَّ يقولُ: هوَ خطأٌ والصوابُ الزهريُّ عَنْ [عبد اللَّهِ]
(6)
، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عنْ ميمونةَ فَرَأْيُ البخاريِّ أنَّهُ ثابتٌ عنْ ميمونةَ، فحكمَ بالوهْمِ على الطريقِ المرويةِ عنْ أبي هريرةَ، وجزمَ ابنُ حبانَ في صحيحهِ
(7)
بأنهُ ثابتٌ منَ الوجهينَ. واعلمْ أنَّ هذا الاختلافَ إنما هوَ لتصحيح اللفظِ الواردِ، وأما الحكمُ فهوَ ثابتٌ، وأنَّ طرحَها وما حولها والانتفاعَ بالباقِي لا يكونُ إلا في الجامدِ. [وهوَ]
(8)
ثابتٌ أيضًا في صحيح البخاريِّ
(9)
بلفظِ: خُذُوها وما حولَها، وكلُوا سَمْنَكم، ويُفْهَمُ منهُ
(1)
في (مسنده)(2/ 233، 265، 490).
(2)
في (سننه)(3842).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق (1/ 84) رقم (278)، وابن أبي شيبة (8/ 92) رقم (4445)، وابن حبان (4/ 237) رقم (1393) - الإحسان)، والبيهقي (9/ 353).
(3)
قال الترمذي في سننه (4/ 257) إنه سمع محمد بن إسماعيل يقول عنه: هذا خطأ أخطأ فيه معمر اهـ.
(4)
في (العلل)(2/ 12). وقال الألباني في ضعيف أبي داود: (شاذ).
(5)
في (سننه)(4/ 257).
(6)
كذا في المخطوط، وفي الترمذي:(عبيد الله)، وهو الصواب.
(7)
انظر: (الإحسان)(4/ 237).
(8)
في (أ): (وهكذا).
(9)
(9/ 668) رقم (5538).
أنّ الذائبَ يُلْقَى جميعُه؛ إذِ العلةُ مباشرةُ الميتةِ، ولا اختصاصَ في الذائبِ بالمباشرةِ، وتميُّزِ البعض عن البعض. وظاهرُ الحديثِ أنهُ لا يقربُ السمنَ [المائع]
(1)
ولو كانَ في غاية الكثرةِ. وتقدَّم
(2)
وَجْهُ الجمْعِ بينَه وبينَ حديثِ الطحاوي.
فائدةٌ: تمكينُ المكلَّفِ لغير المكلَّفِ كالكلبِ والهرِّ منْ أكلِ الميتةِ ونحوها جائزٌ، وبهِ قالَ الإمامُ يحيى. وقوَّاهُ المهدي وقالَ: إذْ لم يُعهدْ عن السلَّفِ منعُها، انتَهى.
قلتُ: بلْ واجبٌ إنْ لم يطعمْه غيرَها كما يدلُّ لهُ حديث
(3)
: إنَّ امرأةً دخلتِ النارَ في هِرَّةٍ، وعلَّلَه بأنَّها لم تُطْعِمْها ولم تتركْها تأكلُ مِنْ خَشاشِ الأرض، وفي خشاشِ الأرضِ ما هوَ محرَّمٌ على المكلَّفِ وغيرهِ. [فا]
(4)
لحديث دلَّ على أن أحدَ الأمرينِ إطعامُها أو تركُها تأكلُ منْ خشاشِ الأرضِ واجبٌ، وبسببِ تركِه عُذِّبَتِ المرأةُ، وخَشاشُ الأرضِ - بالخاءِ المعجمةِ المفتوحةِ، فشينٍ معجمةٍ، ثمَّ ألفٍ فشينٍ معجمةٍ - هوَ هوامُّ الأرضِ [وحشراتُها]
(5)
كما في النهايةِ
(6)
.
النهي عن ثمن السنَّور والكلب
9/ 744 - وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَألْتُ جَابِرًا رضي الله عنه عَنْ ثَمنِ السِّنَّوْرِ وَالْكَلْبِ فَقَالَ: زَجَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(7)
، وَالنَّسَائِيُّ
(8)
وَزَادَ: إلَّا كَلبَ صَيْدٍ. [صحيح]
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في شرح الحديث رقم (2/ 737) من كتابنا هذا.
(3)
رواه البخاري (3318) و (3482) و (2365) من حديث ابن عمر، ومسلم (135/ 2619) و (2619) من حديث أبي هريرة.
(4)
في (أ). (و).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
(2/ 33) في المخطوط (وحرشاتها)، والصواب ما أثبتناه من النهاية.
(7)
في (صحيحه)(1569).
(8)
في (سننه)(4668) وقال: هذا منكر. =
ترجمة أبي الزبير محمد بن مسلم
(وعنْ أبي الزبيرِ) هوَ أبو الزبيرِ
(1)
محمدُ بنُ مسلمٍ المكيِّ تابعيٌّ، رَوَى عنْ جابر بن عبيد اللَّهِ كثيرًا (قالَ: سألتُ جابرًا عنْ ثمنِ السِّنَّوْرِ) بكسرِ المهملةِ، وتشديد النونِ، هوَ الهرُّ كما في القاموسِ
(2)
، (والكلبِ فقالَ: زجرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عنْ ذلكَ. رواهُ مسلم والنسائيُّ، وزادَ: إلَّا كلبَ صيدٍ). وأخرجَ مسلمٌ هذَا منْ حديثِ جابرٍ، ورافعِ
(3)
بن خُدَيْجٍ. وزادَ النسائيُّ في روايتهِ استثناءَ كلبِ الصيدِ، ثمَّ قالَ: هذا منكرٌ. قالَ المصنفُ في التلخيص
(4)
: إنهُ وردَ الاستثناءُ منْ حديثِ جابرٍ، ورجالهُ ثقاتٌ، انتَهى. وروايةُ جابرٍ هذهِ رواها أحمدُ
(5)
، والنسائيُّ، وفيها استثناءُ الكلبِ المعلَّم، إلَّا أنهُ قالَ المناويُّ في (شرحِ الجامع الصغير)
(6)
متعقبًا لقولِ المصنفِ: إنَّ [رجاله]
(7)
ثقاتٌ، بأنهُ قالَ ابنُ الجوزي:(فيه الحسينُ بنُ أبي حفصة)
(8)
. قال يحيى بن معين: ليسَ بشيء، وضعَّفه أحمدُ. وقالَ ابنُ حبِانَ: هذا الخبرُ بهذا اللفظِ باطلٌ لا أصلَ له. نعمْ الثابتُ جوازُ اقتناءِ الكلبِ للصيدِ منْ غيرِ نقصٍ منْ عملِ مَنِ اقتناهُ لقوله صلى الله عليه وسلم
(9)
: (من اقتنَى كلبًا إلا كلبَ صيدٍ نَقُصَ منْ أجرهِ كلَّ يومٍ قيراطانِ)، قيلَ: قيراطٌ منْ عملِ الليلِ، وقيراطٌ منْ عملِ النّهارِ.
= قلت: وأخرجه أبو داود (3479)، والترمذي (1279)، وابن ماجه (2161)، وأحمد (3/ 317).
(1)
انظر ترجمته في: (سير أعلام النبلاء)(5/ 380) و (طبقات ابن سعد)(5/ 481) و (طبقات خليفة)(281) و (التاريخ الكبير)(1/ 221) و (تاريخ الفسوي)(2/ 22) و (الجرح والتعديل)(8/ 74) و (ميزان الاعتدال)(4/ 37) و (تذكرة الحفاظ)(1/ 126) و (العقد الثمين)(2/ 354).
(2)
ص (526) وليس فيه بأنه الهر.
(3)
في (صحيحه)(3/ 1199) رقم (1568)، ومتنه يختلف عن متن حديث جابر.
(4)
(3/ 4).
(5)
في (المسند)(3/ 317).
(6)
(فيض القدير)(6/ 309).
(7)
في (ب): (رجالها).
(8)
كذا في المخطوط، وفي (فيض القدير):(الحسين بن أبي جعفر)، وفي (المسند):(الحسن بن أبي جعفر) وهو الصواب. انظر: (الكامل)(2/ 717)، و (التاريخ الكبير)(1/ 2/ 288)، و (ميزان الاعتدال)(1/ 482)، و (التهذيب)(2/ 227)، و (التقريب) (1/ 164) وقال فيه: ضعيف الحديث مع عبادته وفضله اهـ.
(9)
أخرجه البخاري (5480: 5482)، ومسلم (1574)، والنسائي (4284)، والترمذي (1487)، وأحمد (2/ 8، 47، 60) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وقيلَ: منَ الفرضِ والنفلِ. هذا والنَّهيُّ عنْ ثمنِ الكلبِ متفقٌ عليهِ منْ حديثِ [ابن]
(1)
مسعودٍ
(2)
. وانفرد مسلمٌ
(3)
بروايةِ النَّهْي عنْ ثمنِ السِّنَّوْرِ، وأصلُ النَّهي التحريمُ. والجمهورُ على تحريم بيعِ الكلبِ مطلقًا. واختلفُوا في السنَّورِ، وقدْ ذهبَ إلى تحريم بيعِ السنَّور أبو هريرةَ، وطاوسُ، ومجاهدٌ. وذهبَ الجمهورُ إلى جوازِ بيعهِ إذا كانَ له نفعٌ، وحملُوا النَّهْيَ على التنزيهِ، وهوَ خلافُ ظاهرِ الحديثِ. والقولُ بأنهُ حديثٌ ضعيفٌ، مردودٌ بإخراج مسلمِ لهُ وغيرِه، والقولُ بأنهُ لم يروهِ عنْ الزبيرِ غيرُ حمادِ بن سلمةَ مردودٌ أيضًا بأَنهُ أخرجهُ مسلمٌ عنْ معقلِ بن عبدِ اللَّهِ عنْ أبِي الزبير؛ فهذانِ ثقتانِ رَوَيَا عنْ أبي الزبير، وهو ثقةٌ أيضًا.
شروط الولاء
10/ 745 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، في كُلِّ عَامٍ أُوْقِيَّةٌ، فَأَعِينِينيِ. فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونُ وَلاؤُكِ لي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: فَأبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِني قَدْ عَرَضْتُ ذلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلاءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأخبرت عائشةُ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ، فَإِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنهما، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:(أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ في كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]
(1)
في (أ): (أبي).
(2)
أخرجه البخاري (2237)، ومسلم (39/ 1567)، وأبو داود (3481)، والترمذي (1276) وقال: حسن صحيح، والنسائي (7/ 309)، وابن ماجه (2159)، وأحمد (4/ 118، 119، 120).
(3)
انظر تخريج الحديث (9/ 744) من كتابنا هذا.
(4)
البخاري (2729)، ومسلم (1504). =
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ: (اشْتَريهَا وَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاءَ).
(وعنْ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: جاءتني بريرةُ) بفتحِ الباءِ الموحَّدةِ، وراءينِ بينهما مثناةٌ تحتيةٌ، مولاةٌ لعائشةَ (فقالتْ:[إني]
(1)
كاتبتُ) منَ المكاتبةِ وهي العقدُ بينَ السيدِ وعبدِه (أهلي) همْ ناسٌ منَ الأنصارِ كما هو عندَ النسائيِّ، (على تسعِ أواقٍ في كلِّ عامٍ أوقيةٌ، فأعينيني) بصيغةِ الأمرِ للمؤنثِ منَ الإعانةِ، (فقلتُ: إنَّ أحبَّ أهلُكِ أنْ أعدّها لهمْ ويكون ولاؤكِ
(2)
لي فعلتُ، فذهبتْ بريرةُ إلى أهلِها فقالتْ لَهُمْ فأبَوا عليها فجاءتْ منْ عندهم ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ فقالتْ: إني قدْ عرضتُ ذلكَ عليهمْ فأَبَوا إلا أنْ يكونَ لهمُ الولاءُ، فسمعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأخبرتْ عائشة النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: خُذِيها واشترطي لهم)، قالَ الشافعيُّ
(3)
والمزنيُّ: يعني اشترطي عليهمْ، فاللَّامُ بمعنَى عَلَى، (الولاء، فإنَّما الولاءُ لمنْ أعتقَ، ففعلتْ عائشةُ، ثمَّ قامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الناسِ فحمدَ اللَّهَ وأثْنَى عليهِ، ثمَّ قال: أما بعدُ: فما بالُ رجالٍ يشترطونَ شروطًا ليستْ في كتابِ اللَّهِ تعالَى، ما كانَ منْ شرطٍ ليسَ في كتابٍ اللَّهِ) أي في شرعهِ الذي كتبهُ على العبادِ، وحكمهُ أعمُّ منْ ثبوتِه بالقرآنِ أو السنةِ، (فهوَ باطلٌ وإنْ كانَ مِائةَ شرطٍ، قضاءُ اللَّهِ أحقُّ) بالاتباعِ منَ الشروطِ المخالفةِ لحكمِ اللَّهِ، (وشرطُ اللَّهِ أوثقُ، وإنَّما الولاءُ لمنْ أعتقَ. متفقٌ عليهِ، واللفظُ للبخاريِّ. وعند مسلم قال: اشتريْها وأعتقِيْها واشترطي لهمُ الولاءَ).
الحديثُ دليل على مشروعيةِ الكتابةِ، وهي عَقْدٌ بينَ السيّدِ وعبدِه على رقبتهِ، وهي مشتقةٌ منْ الكَتْبِ وهوَ الفرضُ والحكمُ كما في قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}
(4)
، وهي مندوبةٌ. وقالَ عطاءٌ
(5)
وداودُ: واجبةٌ إذا طلبَها العبدُ
= قلت: وأخرجه أبو داود (3929، 3930)، والترمذي (1256)، والنسائي (4642، 4643)، وابن ماجه (2521).
(1)
زيادة من (ب).
(2)
المراد بالولاء هنا ولاء العتاقة، وهو ميراث يستحقه المرء بسبب عتق شخص في ملكه.
(3)
انظر: (السنن الكبرى)(10/ 340) و (المعرفة)(14/ 462).
(4)
سورة البقرة: الآية (183).
(5)
انظر: (صحيح البخاري مع الفتح)(5/ 184)، (المحلَّى) لابن حزم (9/ 223).
بقدرِ قيمتهِ لظاهرِ الأمرِ في {فكَاتِبُوهُمْ}
(1)
وهوَ الأصلُ في الأمر.
قلتُ: إلَّا أنهُ تعالى قيَّدَ الوجوبَ بقولهِ: {فَكَاتِبُىوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (1).
نعمْ بعدَ علمِ الخير فيهمْ تجبُ الكتابةُ، وفي تفسير الخير [أربعةٍ]
(2)
أقوالٌ:
الأولُ: للسلفِ، وحديث مرفوع ومرسل عند أبي داودَ
(3)
أنهُ قالَ صلى الله عليه وسلم: (إنْ علمتمْ فيهمْ حرفةً، ولا ترسلُوهم كلًّا على الناس).
الثاني: لابنِ عباسٍ قال: (خيرًا) المالُ.
الثالثُ: عنهُ، أمانةٌ ووفاءٌ.
الرابعُ: عنهُ، إنْ علمتَ أن مكاتِبكَ يقضيْكَ. وقولُها: في كلِّ عامٍ أوقيةٌ، [و]
(4)
في تقريرهِ صلى الله عليه وسلم لذلكَ دليل على جوازِ التنجيمِ لا علَى تحتُّمهِ وشرطِيَّتِه كما ذهبَ إليهِ الشافعيُّ والهادي وغيرُهما
(5)
. قالُوا: التنجيمُ في الكتابةِ شرطٌ [فأقلها]
(6)
نجمانِ، واستدلُّوا برواياتٍ عن السَّلَفِ لا تنهضُ دليلًا. وذهبَ الجمهورُ، وأحمدُ، ومالكٌ على جوازِ عقدِ الكتابةِ على نجمٍ لقولهِ:{فَكَاتِبُوهُمْ}
(7)
ولَمْ يفصلْ، وهوَ ظاهرٌ. والقولُ بأنه قيَّدَ إطلاقَها الآثارُ عنه السلفِ غيرُ صحيح؛ إذْ ليسَ بإجماعٍ، وتقييدُ الآياتِ بآراءِ العلماءِ باطلٌ. ودلَّ قولُه صلى الله عليه وسلم:(خُذِيْها)، على جوازِ بيع المكاتبِ عندَ تعسُّر الإيفاءِ بمالِ [الكاتبة]
(8)
، وللعلماءِ في جواز بيع المكاتبِ ثلاثةُ أَقوالٍ:
الأولُ: جوازُه، وهوَ مذهبُ أحمدَ، ومالكٍ، وحُجَّتُهم قولُه صلى الله عليه وسلم:(المكاتبُ رقُّ ما بقيَ عليه درهمٌ). أخرجهُ أبو داود
(9)
، وابن ماجهْ
(10)
من حديثِ عمروِ بن شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّه.
(1)
سورة النور: الآية (33).
(2)
في (ب): (ثلاثة) والصواب ما أثبتناه.
(3)
في (المراسيل) ص (169) رقم (185) من مرسل يحيى بن أبي كثير.
قلت: وأخرجه البيهقي من طريقه (10/ 317)، وأخرجه أيضًا (10/ 318) موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
زيادة من (ب).
(5)
في المخطوط: (و) في هذا الموضع قبل قالوا، ولا محل لها. انظر:(البحر الزخار).
(6)
في (ب): (أقله).
(7)
سورة النور: (الآية (33).
(8)
في (ب): (الكتابة).
(9)
في السنن (3926).
(10)
في السنن (2519) بلفظ مختلف. وأخرجه أيضًا (3927)، وصحَّحه الألباني في (الإرواء)(6/ 119) رقم (1674).
والثاني: أنهُ يجوزُ بيعه برضاهُ إلى مَنْ يُعْتِقُهُ محتجِّينَ بظاهرِ حديثِ بريرةَ.
والقولُ الثالث: أنهُ لا يجوزُ بيعُه مطلقًا، وهوَ لأبي حنيفة وجماعةٍ، قالُوا: لأنهُ [قد]
(1)
خرجَ عنْ مُلْكِ السيدِ، وتَأَوَّلُوا الحديثَ بأنْ قالُوا: إنَّ بريرةَ عجزتْ نفسَها وفسخُوا [العقد كما في شرح
(2)
مسلم عن الحنفية ومن معهم]
(3)
، والقولُ الأولُ أظهرُ، لأنَّ التقييدَ بالوأقع في قصةِ بريرةَ ليسَ فيهِ دليل على أنهُ شرطٌ، وإنَّما كانَ الواقعُ كذلكَ فَمِنْ أينَ أَنهُ شرطٌ.
وأما القولُ بأنَّ بيَعه يوجبُ سقوطَ حقِّ اللَّهِ فجوابُه أنَّ حقَّ اللَّهِ تعالَى ما [قد]
(4)
ثبتَ فإنهُ لا يثبتُ إلا بالإيفاءِ، والفرضُ أنهُ عجزَ المكاتبُ عنهُ.
وقولُه: (واشترطي لهمُ الولاءَ) إنْ جعلتَ اللامَ بمعنَى علَى منْ بابِ قولِه: {وَإنْ أَسَأتُمْ فَلَهَا}
(5)
{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ}
(6)
كما قالَهُ الشافعيُّ
(7)
، فلا إشكالَ إلا أنهُ قدْ ضُعِّفَ
(8)
بأنهُ لو كانَ كذلكَ لم ينكرْ عليهمْ اشتراطَ الولاءِ، ويجابُ عنهُ بأنَّ الذي أنكرهُ اشتراطُهم له أولَ الأمرِ. وقيلَ أرادَ بِذلكَ الزجرِ والتوبيخ لَهمْ لأنهُ كان صلى الله عليه وسلم قدْ بيَّنَ لهمْ حكمَ الولاءِ، وأنَّ هذا الشرطَ لا يحلُّ فلما ظهرتْ منهمْ المخالفةُ قالَ لعائشةَ ذلك. ومعناهُ لا تبالي لأنَّ اشتراطهم مخالفٌ للحقِّ، فلا يكونُ ذلكَ للإباحةِ، بلِ المقصودُ الإهانةُ وعدمُ المبالاة بالاشتراطِ، [لأن]
(9)
وجودَه كعدمِه. وبعدَ معرفةِ هذهِ الوجوهِ والتأويلِ يزولُ الإشكال بأنهُ كيفَ وقعَ منهُ الإذنُ صلى الله عليه وسلم لعائشةَ بالشرطِ لهمْ، فإنهُ ظاهرٌ أنهُ خِداعٌ وغَرَرٌ للبائعِ منْ حيثُ إنهُ يعتقد عندَ البيعِ أنهُ بقيَ [لهُ]
(10)
بعضُ المنافِع، وانكشفَ الأمرُ على خلافِهِ، ولكنْ بعدَ تحقُّقِ وجوهِ التأويلِ يذهبُ الإشكالُ.
وفي قولهِ: ([و]
(11)
إنَّما الولاءُ لِمَنْ أعتقَ) دليل على حصر الولاءِ فيمنْ أعتقَ لا يتعدَّاهُ إلى غيرِه.
(1)
زيادة من (أ).
(2)
للنووي (10/ 139).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
زيادة من (أ).
(5)
سورة الإسراء: الآية (6).
(6)
سورة الإسراء: الآية (109).
(7)
انظر: (السنن الكبرى)(10/ 340)، و (المعرفة)(14/ 462).
(8)
انظر: (فتح الباري)(5/ 191).
(9)
في (ب): (وأنَّ).
(10)
في (أ): (لهم).
(11)
زيادة من (ب).
حكم بيع أمهات الأولاد وهبتهن
11/ 746 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى عُمَرُ عَنْ بَيْعِ أُمّهَاتِ الأَوْلَادِ فَقَالَ: لَا تُبَاعُ، وَلا تُوهَبُ، وَلا تُورَثُ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا مَا بَدَا لَهُ، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرّةٌ. رَوَاهُ مَالِكٌ
(1)
، وَالْبَيْهَقِيُّ
(2)
، وَقَالَ: رَفَعَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَوَهِمَ. [موقوف]
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قالَ: نَهَى عمرُ عنْ بيعِ أمَّهاتِ الأولادِ، فقالَ: لا تباعُ ولا تُوهبُ ولا تُورَثُ، يستمتعُ بها ما بدا لهُ، فإذا ماتَ فهيَ حرَّةٌ. رواهُ مالكٌ والبيهقيُّ وقالَ: رفَعَهُ بعضُ الرواةِ فَوَهِمَ). وقال الدارقطنيِّ
(3)
: الصَحيحُ وَقْفُهُ على عمرَ. ومِثْلَهُ قالَ عبدُ الحقِّ: قالَ صاحبُ الإلمامِ: المعروفُ فيهِ الوقفُ والذي رفعَهُ ثقةٌ
(4)
. وفي البابِ آثارٌ عن الصحابةِ. وقدْ أَخرجَ الحاكمُ
(5)
، وابنُ عساكرَ، وابنُ المنذرِ عنْ بريدةَ قالَ: كنتُ جالسًا عندَ عمرَ إذْ سمعَ صائحةً، قالَ: يا يرفأُ
(6)
انظرْ ما هذا الصوتُ؟ فنظرَ ثمَّ جاءَ، فقالَ: جاريةٌ منْ قريشٍ تُباعُ أمُّها، فقالَ عمرُ: ادعُ لي المهاجرِينَ والأنصارَ، فلمْ يمكثْ ساعةً حتَّى امتلأتِ الدارُ والحجرةُ، فحمدَ اللَّهَ وأثنَى عليهِ ثمَّ قالَ: أما بعدُ فهلْ كانَ فيما جاءَ بهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم القطيعةُ؟ قالُوا: لا، قالَ: فإنَّها قد أصبحتْ فيكمْ فاشيةً، ثمَّ قرأَ:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوأ فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوأ أَرْحَامَكُمْ (22)}
(7)
، ثمَّ قالَ: وأيُّ قطيعةٍ أقطعُ منْ أنْ تُباعَ أمُّ امرئٍ منْكم، وقد أوسعَ اللَّهُ لكم؟ قالُوا: فاصنَع ما بدا لكَ، فكتبَ إلى
(1)
في (الموطأ)(2/ 776) رقم (6).
(2)
في (سننه الكبرى)(10/ 342).
قلت: ورواهُ الدارقطني (4/ 134) رقم (33، 35) موقوفًا على عمر رضي الله عنه، ورواه مرفوعًا (4/ 134، 135) رقم (34، 36)، قال البيهقي:(10/ 343) هو وهم لا يحل ذكره، وقال الحافظ في (التلخيص):(4/ 217) قال الدارقطني: الصحيح وقفه على ابن عمر عن عمر وكذا قال البيهقي وعبد الحق اهـ.
(3)
انظر التعليق السابق.
(4)
انظر: (التلخيص الحبير)(4/ 217).
(5)
في (المستدرك)(2/ 458) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
قلت: ومن طريقه أخرجه البيهقي (10/ 344).
(6)
اسم مولى عمر اهـ. من الحاشية.
(7)
سورة محمد: الآية (22).
الآفاقِ: أنْ لا تباعَ أمُّ حرٍّ فإنَّها قطيعةٌ [فإنه]
(1)
لا يحلُّ. فهذَا ونحوهُ منَ الآثارِ.
والحديثُ دليلٌ على أن الأَمَةَ إذا ولدتْ منْ سيِّدِها حَرُمَ بيعُها، سواءٌ كانَ الولدُ باقيًا أوْ لا. وإِلى هذا ذهب أكثرُ الأمةِ وادَّعى الإجماعَ
(2)
على المنعٍ منْ [بيعهن]
(3)
جماعةٌ منَ المتأخرينَ، وأفردَ الحافظُ ابنُ كثير الكلامَ على هذه المسألةِ في جزءٍ مفردٍ قال: وتلخَّصَ لي عن الشافعيِّ فيها [أربعةُ]
(4)
أقوال [أو]
(5)
في المسألةِ منْ حيثُ هيَ ثمانيةُ أقوالٍ. وقدْ ذهبَ الناصرُ والإماميةُ
(6)
، وداودُ إلى جوازِ بيعهِا لما أفادهُ الحديثُ الآتي:
12/ 747 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِيَنَا أُمّهَاتِ الأَوْلادِ، وَالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حتيٌّ، لا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
(7)
، وَابْنُ مَاجَهْ
(8)
، وَالدَّارَقُطْنيُّ
(9)
، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبّانَ
(10)
[صحيح]
(وَعَنْ جَابِرِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَبِيعُ سَرَاريَنَا أُمّهَاتِ الأَوْلادِ، وَالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ، لا يَرَى بذَلِكَ بَأْسًا. رَوَاة النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنيُّ، وَصَحّحَهُ ابْن حِبّانَ)، وأخرجهُ أَحمدُ، والشافعي، والبيهقيُّ، وأبو داودَ، والحاكمُ، وزادَ في زمن أبي بكر، [وفيهِ]
(11)
: فلمَّا كانَ عمرُ نَهانَا فانْتَهينَا، رواه الحاكمُ
(12)
منْ حديِثِ أبي سعيدٍ،
(1)
في (ب): (وإنَّه).
(2)
انظر: (مراتب الإجماع)(163).
(3)
في (ب): (بيعها).
(4)
في (أ): (ثلاثة).
(5)
في (ب): (و).
(6)
انظر: (البحر الزخار)(4/ 224).
(7)
في (الكبرى) في العتق - كما في (تحفة الأشراف)(2/ 323 - 324) رقم (2835)، وهو في (الكبرى)(3/ 199) رقم (5039، 5040).
(8)
في (سننه)(2517).
(9)
في (سننه)(4/ 135) رقم (37).
(10)
في (صحيحه)(10/ 166) رقم (4324)، و (موارد الظمآن)(1/ 523) رقم (1216).
قلت: وأخرجه أبو داود (3954)، وأحمد (3/ 321)، وعبد الرزاق (7/ 288) رقم (13211)، والحاكم (2/ 18 - 19) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله شاهد صحيح اهـ. ووافقه الذهبي. وقال ابن حزم (8/ 214): وأما حديث جابر فلا حجة فيه وإن كان غاية في صحة السند لأنه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك اهـ. وأخرجه البيهقي (10/ 347)، والشافعي (2/ 47) رقم (3954)(بدائع المنن).
(11)
زيادة من (ب).
(12)
في (المستدرك)(2/ 19) وصحَّحه.
وإسنادُه ضعيفٌ. قال البيهقيُّ
(1)
: ليسَ في شيء منَ الطرقِ أنهُ صلى الله عليه وسلم اطّلَعَ على ذلكَ وأقرَّهم عليه، ويرده روايةُ النسائي
(2)
التي فيها والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حيٌّ لا يَرَى بذلكَ بأسًا. واستدلَّ القائلونَ بجوازِ بيعِها أيضًا بأنهُ صحَّ عنْ عليٍّ عليه السلام[الرجوع]
(3)
عنْ تحريمِ بيعهَا إلى جوازِه، فأخرجَ عبدُ الرزاقِ
(4)
عنْ مُعمَّيرٍ، عنْ أيوبَ، عن ابن سيرينَ، عنْ عبيدةَ السَّلمانيِّ المرادي، قالَ: سمعتُ عليًا عليه السلام يقولُ: اجتمعَ رأي ورأْيُ عمرَ في أمهاتِ الأولادِ إنْ لا يُبَعْنَ، ثمَّ رأيتُ بعدَ ذلكَ أنْ يُبَعْنَ، الحديثُ. وهو معدودٌ في أصحِّ الأسانيدِ، وأجابَ في الشرحِ عنْ هذه الأدلةِ بأنهُ يحتملُ أن حديثَ جابرٍ كانَ في أولِ الأمرِ، وأنَّ [ما ذكرنا]
(5)
ناسخٌ، وأيضًا فإنهُ راجعٌ إلى التقريرِ وما ذُكِرَ قولٌ، وعندَ التعارضِ القولُ أرجحُ.
قلتُ: ولا يخْفَى ضعفُ هذا الجوابِ، [لأنهُ لا]
(6)
نسخَ بالاحتمالَ، فللقائل بجوازِ بيعهِا أنْ يقلبَ الاستدلالَ ويقولُ: يُحْتَملُ -[على فرض أن الحديث مرفوع]
(7)
- أن حديثَ ابن عمرَ
(8)
كانَ [في]
(9)
أولَ الأمرِ ثمَّ نُسخ بحديثِ جابرٍ (وإن كان احتمالًا، بعيدًا]
(10)
، ثمَّ قولُه: إنَّ حديثَ جابرٍ راجعٌ إلى التقريرِ، وحديثُ ابن عمرَ قولٌ، والقولُ أرجحُ عندَ التعارضِ، يقالُ عليهِ: القولُ لم يصحَّ رفعُه، بل صرَّحَ المصنفُ وغيرهُ أن رفْعَهُ وهْمٌ، وليسَ في منعِ بيعهِا إلَّا رأيُ عمرَ لا غيرُ، ومنْ شاورَهُ منَ الصحابةِ، وليسَ بإجماع فليسَ بحجةٍ على أنهُ لو كانَ في المسألةِ نصٌ لما احتاجَ عمرُ والصحابةُ إلى الرأي.
وأما حديث ابن عباس
(11)
أنها لما ولدت مارية ابنه إبراهيم فقال صلى الله عليه وسلم:
(1)
في (السنن الكبرى)(10/ 348) بتصرف.
(2)
في (السنن الكبرى) له (3/ 199) رقم (5039)، وفي (الكبرى) للبيهقي (10/ 348) أيضًا أنه كان حيًا صلى الله عليه وسلم.
(3)
في (ب): (رجع).
(4)
في (المصنف)(2/ 291) رقم (13224)، قلت: رواه البيهقي في (الكبرى)(10/ 343، 348).
(5)
في (ب): (ما ذكر).
(6)
في (أ): (فإنه).
(7)
زيادة من (أ).
(8)
يعني الحديث رقم (11/ 746) من كتابنا هذا.
(9)
زيادة من (أ).
(10)
زيادة من (ب).
(11)
أخرجه ابن ماجه (2/ 841) رقم (2516)، والدارقطني (4/ 131) رقم (21، 22)، والبيهقي =
أعتقها ولدها، فإنه قال ابن عبد البر في (الاستذكار)
(1)
: أنه روي من أوجه ليس بالقوي، ولا يثبته أهل الحديث. قال: وكذلك حديث ابن عباس
(2)
رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيُّما [أمة]
(3)
ولدت من سيدها فهي حرة إذا مات)، لا يصح لأنه انفرد به الحسين بن عبد الله بن عبيد اللَّهِ بن عباس، وهو ضعيف
(4)
متروك. انتهى. وأما أبو محمد بن حزم فقد صحَّح
(5)
الأول، وتعقب بما بسطناه في حواش ضوء النهار
(6)
.
حرمة بيع فضل الماء والملح والكلأ
13/ 748 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عبدِ اللَّهِ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(7)
، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ
(8)
: وَعَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ. [صحيح]
(وعنْ جابرٍ [بن عبد اللَّهِ]
(9)
رضي الله عنه قال: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنْ بيع فضلِ الماءِ: رواه مسلمٌ، وزادَ في روايةٍ: وعنْ بيعِ ضِرَابِ الجملِ)، وأخرجه أصحابُ
= (10/ 346)، وابن سعد في (الطبقات)(8/ 215)، وهو حديث ضعيف ضعَّفه الألباني في (الإرواء)(6/ 186) رقم (1772).
(1)
(23/ 154) رقم (33904، 33905).
(2)
أخرجه ابن ماجه (2/ 841) رقم (2515)، وأحمد (1/ 317) والدارقطني (4/ 131) رقم (20)، والحاكم (2/ 19) وصحَّحه، وقال الذهبي: قلت حسين متروك. اهـ، والبيهقي (10/ 346) وقال: حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي ضعَّفه أكثر أصحاب الحديث. ورواه الدارقطني (4/ 131) رقم (19)، والبيهقي (10/ 346 - 347) وقال: وهو ضعيف اهـ بلفظ: (أم الولد حرة وإن كان سقطًا)، قال الحافظ في (التلخيص) (4/ 317): والصحيح أنه من قول ابن عمر. اهـ، وصحَّح البيهقي (10/ 347) كونه من حديث عمر.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
في (ب): (امرأة).
(4)
انظر: (ميزان الاعتدال)(1/ 537)، و (التهذيب)(2/ 296)، و (التقريب)(1/ 176) رقم (366).
(5)
في (المحلَّى)(8/ 215)(6)(4/ 1771).
(6)
في (صحيحه) رقم (1565).
(7)
في (صحيحه) أيضًا (35/ 1565).
(8)
قلت: وأخرجه ابن ماجه (2477)، وأحمد (3/ 356).
(9)
زيادة من (أ).
السننِ
(1)
منْ حديثِ إياس بن عبدٍ، وصحَّحه الترمذيُّ، وقالَ أبو الفتحِ القشيريِّ: هوَ عَلَى شرطِهما، والحديثُ دليل على أنهُ لا يجوزُ بيعُ ما فَضُلَ منَ الماءِ عنْ كفايةِ صاحبهِ. قالَ العلماءُ: وصورةُ ذلكَ أنْ ينبعَ في أرضِ صاحبه ماءٌ فيسقي الأعلى، ثمَّ يفضلُ عنْ كفايتهِ فليسَ لهُ المنعُ، وكذَا إذا اتخذَ حفرةً في أرضٍ مملوكةٍ يُجْمَعُ فيها الماءُ، أو حفرَ بئرًا فيسقي منهُ، ويسقي أرضَه فليسَ لهُ منعُ ما فَضُلَ. وظاهرُ الحديثِ يدلُّ على أنهُ يجبُ عليهِ بذلُ ما فَضُلَ عنْ كفايتهِ لشربٍ، أو طَهُورٍ، أو سقي زرعٍ، وسواءٌ كانَ في أرضٍ مباحةً أو مملوكةٍ. وقدْ ذهبَ إلى هذا العموم ابنُ القيمٍ في الهدي
(2)
، وقالَ: إنهُ يجوزُ دخولُ الأرضِ المملوكةِ لأخْذِ الماءِ والكلأ لأنَّ لهُ حقًّا في ذلكَ ولا يمنعُه استعمالُ ملكِ الغيرِ، وقالَ: إنهُ نصَّ أحمدُ على جوازِ الرعي في أرضٍ غيرِ مباحةٍ للراعي، وإلى مثلهِ ذهبَ المنصورُ باللَّهِ، والإمامُ يحيى في الحطَبِ والحشيشِ
(3)
. ثمَّ قالَ: إنهُ لا فائدةَ لإذنِ صاحبِ الأرضِ، لأنهُ ليسَ لهُ منعُه منَ الدخولِ بلْ يجبُ عليهِ تمكينُه، ويحرمُ عليهِ منعهُ فلا يتوقفُ دخولهُ علَى الإذنِ، وإنَّما يحتاجُ إلى الإذنِ في الدخولِ في الدار إذا كانَ فيها سَكَنٌ لوجوبِ الاستئذانِ، [وأما]
(4)
إذا لم يكنْ فيها سَكَنٌ فقدْ قالَ تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوأ بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَعٌ لَّكُمْ}
(5)
. ومن احتفرَ بئْرًا أو نَهَرًا فهوَ أحقُّ بمائهِ، ولا يمنعُ الفضلةَ عنْ غيره سواءٌ قلْنا: إنَّ الماءَ حقٌّ للحافرِ لا ملكٌ كما هوَ قولُ جماعةٍ منَ العلماءِ، أو قلْنا هوَ ملْكٌ، فإنْ عَليه بذلَ الفضلةِ لغيرهِ لما أخرجَهُ أبو داودَ
(6)
: (أنهُ [قال رجلٌ: يا نبيَّ اللَّهِ، ما الشيءُ الذي لا يحلُّ منعهُ؟ قالَ: الماءُ]
(7)
، قالَ: يا نبيَّ اللَّهِ، ما
(1)
أبو داود (3478)، والترمذي (1271) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (4662)، وابن ماجه (2476)، وأحمد (3/ 417)، (4/ 138) وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (2/ 655) رقم (2969).
(2)
(زاد المعاد في هدي خير العباد)(5/ 804).
(3)
انظر: (البحر الزخار)(3/ 326).
(4)
في (أ): (فأمَّا).
(5)
سورة النور: الآية (29).
(6)
في سننه (3476)، وضعَّفه الألباني في (ضعيف أبي داود) ص (346) رقم (752).
(7)
زيادة ليست في (أ) وهي في (السنن) وفي (ب).
الشيءُ الذي لا يحلُّ منعهُ؟ قالَ: الملحُ). وأفادَ أن في حكمِ الماءِ الملحَ، وما [شاكله]
(1)
، ومثلهُ الكلأُ، فمنْ سبقَ بدوابِّهِ إلى أرضٍ مباحةٍ فيها عُشْبٌ فهوَ أحقُّ برعْيِهِ ما دامتْ فيهِ دوابُّه، فإذا [خرجتْ]
(2)
منهُ فليسَ لهُ بيعهُ.
هذا وأما [المحروز]
(3)
في الأسقيةِ والظروفِ فهوَ مُخصَّصٌ منْ ذلكَ بالقياسِ على الحَطَبِ فقدْ قالَ صلى الله عليه وسلم
(4)
: (لأَنْ يأخذَ أحدُكم حَبْلًا فيأخذَ حزمةً منْ حطب فيبيعَ ذلكَ فيكفَّ بها وجْهَهُ خيرٌ لهُ منْ أنْ يسألَ الناسَ أُعطِيَ أوْ مُنِعَ)، فيجوزُ بيعهُ ولا يجبُ بذْلُه إلَّا لمضْطَّرٍ، وكذلكَ بيعُ البئرِ والعينِ أنفسِهما فإنهُ جائزٌ. فقدْ قالَ صلى الله عليه وسلم
(5)
: (منْ يشتري بئرَ رومةَ يُوَسِّعُ بها على المسلمين فلهُ الجنةُ)، فاشتَراها عثمانُ والقصةُ معروفةٌ، [و]
(6)
قولُه: (وعنْ ضرابِ الجملِ)، أي ونَهَى عنْ أجرةِ ضرابِ الجملِ، وقدْ عبرَّ عنهُ بالعسبِ في الحديثِ الآتي:
النهي عن عسب الفحل
14/ 749 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(7)
[صحيح]
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنْ عَسْبِ الفحلِ) وهوَ بفتحِ العينِ المهملةِ، وسكونِ السينِ المهملةِ، فباءٍ موحَّدةٍ (رواهُ البخاريُّ)، وفيه وفيما قَبْلهُ دليل على تحريمِ استئجارِ الفحل للضرابِ، والأجرةُ حرامٌ. وذهبَ جماعةٌ منَ السلفِ إلى أنهُ يجوزُ ذلكَ إلا أنهُ يستأجرُه للضرابِ مدةً معلومةً، أو تكونُ الضراباتُ معلومةً. قالُوا: لأَنَّ الحاجةَ تدعُو إليهِ وهيَ منفعةٌ مقصودةٌ، وحملُوا النَّهْي على التنزيهِ وهوَ خلافُ أصله.
(1)
في (أ): (يشاكله).
(2)
في (أ): (خرج).
(3)
في (ب): (المُحرَّزُ).
(4)
أخرجه البخاري (1471) وأطرافه (2075، 2373)، وأخرجه ابن ماجه (1836).
(5)
أخرجه الترمذي (3703) وحسَّنه، والنسائي (3608)، والبيهقي (6/ 168). وصحَّحه الألباني في (صحيح سنن النسائي)(3/ 766) رقم (3374).
(6)
في (أ): (تأتي).
(7)
في صحيحه (2284).
قلت: وأخرجه أبو داود (3429)، والترمذي (1273)، والنسائي (4671).
النهي عن بيع حبل الحبَلة
15/ 750 - وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يبْتَاعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ: كَانَ الرّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
، وَالَّلفْظُ لِلْبُخَارِيِّ
(2)
. [صحيح]
(وعنهُ) أي ابن عمرَ (أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بيعِ حَبَل الحَبَلَةِ)، بفتحِ الحاءِ المهملةِ، والباءِ الموحدةِ فيهما (وكانَ بيعًا يبتاعُه أهلُ الجاهليةِ) وفسَّرهُ قولُه:(كانَ الرجل يبتاعُ الجَزوْرَ) بفتحِ الجيمِ، وضمِّ الزاي. أي: البعيرَ ذَكَرًا كانَ أوْ أُنْثى. وهوَ مؤنثٌ وإنْ أُطْلِقَ على مُذَكَّرٍ، تقولُ: هذه [جزور]
(3)
(إلى أنْ تُنتجَ) بضمِّ أولهِ وفتح ثالثه، [أي تَلِدُ]
(4)
(الناقةُ)، وهذا الفعلُ لم يأتِ في لغةِ العربِ إلا على بِنَاءٍ للمجهولِ، (ثمَّ تُنْتَجُ التي في بطنها)، وهذا التفسيرُ مدرجٌ في الحديثِ منْ كلامِ نافعِ. وقيلَ: منْ كلامِ ابن عمرَ
(5)
(متفقٌ عليهِ، واللفظُ للبخاريِّ)، ووقعَ في روايةِ: حَمْلِ ولدِ النّاقةِ منْ دونِ اشتراطِ الإنتاجِ
(6)
، وفي روايةٍ: (أنْ تنتجَ الناقةُ ما في
(7)
بطنها) منْ دونِ أنْ يكونَ نتاجُها قدْ حملَ وأنتجَ، والحبلُ مصدرُ حَبَلَتْ تحبَلُ يسمَّى بهِ المحبولُ، والحبلةُ جمْعُ حابلِ مثلُ ظلَمةٍ في ظالمٍ، وكتَبةٍ في كاتبِ، ويقالُ: حابلٌ وحابلةٌ بالتاءِ. قالَ أبو عبيدٍ
(8)
: لم يردِ الحَبَلُ في غيرِ الآدمياتِ إلَّا في هذا الحديثِ. وقالَ غيرهُ
(9)
: بلْ ثبتَ في غيرهِ.
(1)
البخاري (2143) وأطرافه (2256، 3843)، ومسلم (1514).
قلت: وأخرجه الترمذي (1229)، وابن ماجه (2197)، وأحمد (1/ 56)، (2/ 5، 63، 108)، والحميدي (2/ 303) رقم (689)، والبغوي (8/ 136) رقم (2107)، ومالك (2/ 653) رقم (62).
(2)
رقم (2143) كما تقدم.
(3)
في (ب): (الجزور).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
انظر: تفصيل الحافظ لذلك في (الفتح)(4/ 357).
(6)
كما في رواية البخاري (2256).
(7)
في البخاري (3843).
(8)
مادة حبل في غريب الحديث لأبي عبيد في (1/ 208)، وليس فيه ما ذكره الشارح وأفاده الحافظ في (الفتح)(4/ 357).
(9)
كصاحب المحكم كما ذكره الحافظ (4/ 357).
والحديثُ دليل على تحريمِ هذا البيعِ. وإختلفَ العلماءُ في هذا المنْهِيِّ عنهُ لاختلافِ الرواياتِ هلْ [هوَ]
(1)
منْ حيثُ يؤجلُ بثمنِ الجزورِ إلى أنْ يحصلَ [النتاجُ]
(2)
المذكورُ، أو إنهُ يبيعُ منهُ النتاجُ. ذهبَ
(3)
إلى الأولِ مالكٌ والشافعيُّ وجماعةٌ قالُوا: وعلةُ النَّهْي [هي]
(4)
جهالةُ الآجلِ، وذهبَ إلى [الثمن]
(5)
الثاني أحمدُ وإسحاقُ وجماعةٌ منْ أئمةِ اللغةِ، وبهِ جَزَم الترمذيُّ (3). قالُوا: علةُ النَّهي [هوَ]
(6)
كونُه بيعٌ معدومٌ، ومجهولٌ، وغيرُ مقدورٍ على تسليمِه، وهوَ داخلٌ في بيعِ الغررِ؛ وقَدْ أشارَ إلى هذا البخاريُّ
(7)
حيثُ صَدَّرَ البابَ ببيعِ الغررِ، وأشار إلى التفسيرِ الأولِ ورجَّحهُ أيضًا في بابِ
(8)
السلمِ بكونهِ موافقًا للحديثِ، وإنْ كانَ كلامُ أهلِ اللغةِ موافقًا للثاني. نعمْ ويتحصَّلُ منَ الخلافِ أربعةُ أقوالِ، لأنهُ يُقَالُ: هلِ المرادُ البيعُ إلى أجل، وبيعُ الجنينِ، وعلى الأولِ هلِ المرادُ بالأجلِ ولادةُ الأمِّ أو ولادةُ ولدِها، وعلى الثاني هلِ المرادُ بيعُ الجنينِ الأولِ أو جنينُ [الثاني]
(9)
فصارتْ أربعةَ أقوالٍ.
[هذا]
(10)
وحُكي
(11)
عن ابن كيسانَ، [وعن]
(12)
المبردِ أن المرادَ بالحبلةِ الكرمةُ، وأنهُ نُهِيَ عنْ بيعِ ثمرِ العنبِ قبلَ أن يصلحَ، فأصلُه على هذا بسكونِ الباءِ الموحدةِ، لكنَّ الرواياتِ بالتحريكِ، إلَّا أنهُ قدْ حُكِيَ في الحَبَلَةِ بمعنَى الكرْمَةِ فتحُها.
النهي عن بيع الولاء وهبته
16/ 751 - وَعَنْهُ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(13)
[صحيح]
(1)
زيادة على المخطوط.
(2)
في (أ): (الثمن).
(3)
انظر: (فتح الباري)(4/ 358)، وسنن الترمذي (3/ 531).
(4)
زيادة من (أ).
(5)
زيادة من (أ).
(6)
في (ب): (هي).
(7)
(4/ 356) باب (61).
(8)
في (4/ 435) باب (8).
(9)
في (ب): (الجنين).
(10)
زيادة من (ب).
(11)
انظر: (فتح الباري)(4/ 358) و (سنن الترمذي)(3/ 531).
(12)
زيادة من (أ).
(13)
البخاري (2535) وطرفه رقم (6756)، ومسلم (1506).
قلت: وأخرجه أبو داود (2919)، والنسائي (4658، 4659)، وابن ما جه (2747، =
(وعنهُ) أي ابن عمرَ (أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بيعِ الولاءِ) بفتحِ الواوِ، (وعنْ هِبَتِهِ. متفقٌ عليهِ). والولاءُ هوَ: ولاءُ العتقِ، أي: وهوَ إذا ماتَ المعتَقُ ورثَه معتقُه، كانتِ العربُ تهبهُ وتبيعهُ فَنُهِيَ عنهُ لأنَّ الولاءَ كالنَّسَبِ لا يزولُ بالإزالةِ. ذكرهُ في النَّهايةِ
(1)
.
النهي عن بيع الغرر
17/ 752 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(2)
. [صحيح]
(وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ). اشتملَ الحديثُ
(3)
على النَّهْي عنْ صورتينِ منْ صورِ البيعِ.
الأولى: بيعُ الحصاةِ، واختُلِفَ في تفسيرِ بيعِ الحصاةِ، قيلَ: هوَ أنْ يقولَ ارمِ بهذهِ الحصاةِ فعلَى أيِّ ثوب وقعتْ فهوَ لك بدرهم، وقيلَ: هوَ أنْ يبيعَه منْ أرضِه قدْرَ ما انتهتْ إليهِ رميةُ الحصاةِ. وقيلَ: هو أن يقبضَ على كفِّ من حصا ويقولُ: لي بعدد ما خرجَ في القبضةِ منَ الشيءِ المبيعِ، أو يبيعه سلعةَ ويقبضُ على كفٍّ من حصا ويقول: لي بكل حصاة درهمٌ، وقيلَ: أنْ يمسكَ أحدُهما حصاةً بيدهِ ويقولُ: أيَّ وقتٍ سقطتِ الحصاةُ فقدْ وجبَ البيعُ، وقيلَ: هوَ أنْ يعترضَ القطيعَ منَ الغنمِ فيأخذَ حصاةً ويقولُ: أيَّ شاةٍ أصابتْها فهيَ لكَ بكذَا. وكلُّ هذهِ متضمنةٌ للغررِ لما في الثمنِ [أ]
(4)
والمبيعِ منَ الجهالةِ، ولفظُ الغررِ يشملُها، وإنَّما أفردتْ لكونِها [كانتْ]
(5)
مما يبتاعُها الجاهليةُ فَنَهى صلى الله عليه وسلم عنْها، وأضيفَ البيعُ إلى الحصاةِ للملابسةِ لاعتبارِ الحصاةِ فيه.
= (2748)، وأحمد (2/ 9، 79، 107)، والحميدي (2/ 285) رقم (639).
(1)
(5/ 227).
(2)
في (صحيحه)(4/ 1513).
وأخرجه أبو داود (3376)، والترمذي (1230)، والنسائي (4518)، وابن ماجه (2194).
(3)
انظر شرح الحديث في: (شرح النووي)(10/ 156).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
زيادة من (ب).
والثانيةُ: بيعُ الغَررِ بفتحِ الغينِ المعجمةِ، والراءِ المتكررةِ، وهوَ بمعنَى مغرورٍ [به]
(1)
اسمُ مفعولٍ، وإضافةُ المصدرِ إليهِ منْ إضافتهِ إلى المفعولِ، ويحتلُ غيرُ هذَا، ومعناهُ الخِدَاعُ الذي هوَ مَظَنَّةُ أنْ لا رِضَا بهِ عندَ تحققهِ،، فيكونُ منْ أكلِ المالِ بالباطلِ، ويتحققُ في صورِ إما بعدمِ القدرةِ على تسليمهِ كبيعِ العبدِ الآبقِ، والفرسِ النافرِ، أو بكونهِ معدومًا أو مجهولًا، أو لا يتمُّ ملكُ البائع لهُ كالسمكِ في الماءِ الكثيرِ، ونَحوِ ذلكَ منَ الصورِ. وقدْ يحتملُ بعضَ الغَرَرِ فيصحُّ معهُ البيعُ إذا دعتْ إليهِ الحاجةُ كالجهلِ بأساسِ الدارِ، وكبيعِ الجبَّةِ المحشوةِ، وإنْ لم يَرَ حشْوَها؛ فإنَّ ذلكَ مُجْمَعٌ عليهِ. وكَذَا على جوازِ إجارةِ الدارِ والدابةِ شهرًا معَ أنهُ قدْ يكونُ الشهرُ ثلاثينَ يومًا أو تسعةً وعشرينَ، وعلى دخولِ الحمَّامِ بالأجرةِ معَ اختلافِ الناسِ في استعمالِهم الماءَ، وقدرِ مُكْثِهِمْ، وعلى جوازِ الشربِ [من]
(2)
السِّقَاءِ بالعوضِ معَ الجهالةِ، وأجمعُوا على عدمِ صحةِ بيعِ الأجنةِ في البطونِ
(3)
، والطيرِ في الهواءِ
(4)
، واختلفُوا في صورٍ كثيرةٍ اشتملتْ عليها كتبُ الفروعِ.
منع التصرف في المبيع المكيل إلا بعد اكتياله
18/ 753 - وَعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتى يَكْتَالَهُ)، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(5)
. [صحيح]
(وعنهُ) أي أبي هريرةَ (أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: منِ اشتَرى طعامًا فلا يبِعه حتَّى يكتالَه. رواهُ مسلمٌ). وقدْ وردَ في الطعامِ أنهُ لا يبيعهُ من اشتراهُ حتَّى يستوفيهِ منْ حديثِ جماعةٍ منَ الصحابةِ
(6)
، ووردَ في أعمِّ منَ الطعامِ حديثُ حكيمِ بن حزامٍ عندَ أحمدَ
(7)
، قالَ: قلتُ يا رسولَ اللَّهِ، إني أشتري بُيُوعًا فما يحلُّ لي
(1)
زيادة من (أ).
(2)
في (ب): (في).
(3)
انظر: (الإجماع) لابن المنذر ص (114، 115) رقم (476، 477).
(4)
انظر: (شرح النووي)(10/ 156).
(5)
في (صحيحه): (1528).
(6)
منهم:
1 -
ابن عباس رضي الله عنهما، رواه البخاري (2132)، ومسلم (1525).
2 -
جابر بن عبد الله رضي الله عنه، رواه مسلم (1529).
3 -
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، رواه البخاري (2126)، ومسلم (1526).
(7)
في (المسند)(3/ 402).
منْها وما يحرُم عليَّ؟ قالَ: (إذا اشتريت شيئًا فلا تبعه حتى تقبضه). وأخرج الدارقطني
(1)
، وأبو داود
(2)
من حديث زيد بن ثابتٍ: (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُباعَ السِّلعةُ حيثُ تُبْتَاعُ، حتَّى يحوزَها التجارُ إلى رحالِهِم)، وأخرجهُ السبعةُ
(3)
إلا الترمذيِّ
(4)
منْ حديثِ ابن عباسٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (منِ ابتاعَ طعامًا فلا يبِعه حتَّى يستوفِيْهِ). قالَ ابنُ عباسٍ: ولا أحسبُ كلَّ شيءٍ إلا مثلَه، فدلَّتِ الأحاديثُ أنهُ لا يجوزُ بيعُ أيِّ سلعةٍ شُرِيَتْ إلَّا بعدَ قبضِ البائعِ لها واستيفائِها.
وذهبَ
(5)
قومٌ إلى أنَّه يختصُّ هذا الحكمُ بالطعامِ لا غيرِه منَ المبيعاتِ، وذهبَ أبو حنيفةَ إلى أنهُ يختصُّ ذلكَ بالمنقولِ دونَ غيرِه لحديثِ زيدِ بن ثابتٍ فإنهُ في السلعِ. والجوابُ أن ذكَرَ حكمِ الخاصِّ لا يخصُّ بهِ العامُّ، وحديثَ حكيم عامٌ، فالعملُ عليهِ، وإليهِ ذهبَ الجمهورُ، وأنهُ لا يجوزُ البيعُ للمشتري قبلَ القبض مطْلقًا، وهوَ الذي دَلَّ لهُ حديثُ حكيم، واستنبطهُ ابنُ عباس.
فائدةٌ: أخرجَ الدارقطنيُّ
(6)
منْ حديثِ جابرٍ: (نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنْ بيع الطعامِ حتَّى يجري فيهِ الصَّاعانِ، صاعُ البائعِ وصاعُ المشتري؛ ونحَوه للبزار
(7)
(1)
في (سننه)(3/ 13) رقم (36).
(2)
في (سننه)(3499).
قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 40) وصحَّحه، وهو حديث حسن لغيره.
(3)
البخاري (2132) وطرفه (2135)، ومسلم (1525)، وأبو داود (3496، 3497)، والترمذي (1291)، والنسائي (4597: 4600)، وابن ماجه (2227)، وأحمد (1/ 368).
(4)
بل والترمذي كما تقدم في التعليق السابق.
(5)
انظر: (شرح النووي)(10/ 169، 170).
(6)
في (سننه)(3/ 8) رقم (24).
قلت: ورواه ابن ماجه (2228)، والبيهقي (5/ 316)، وهو حديث حسن.
(7)
(2/ 86) رقم (1265) - كشف).
قلت: وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى)(5/ 316)، وأورده الهيثمي في (المجمع) (4/ 98) وقال:(رواه البزار وفيه مسلم بن أبي مسلم الجرمي ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله رجال الصحيح) اهـ.
قلت: ولقد ترجم لمسلم هذا ابنُ حبان في الثقات (9/ 158) وقال: (سكن بغداد يروي عن يزيد بن هارون ومخلد بن الحسين ثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلى ربما أخطأ مات سنة أربعين ومائتين) اهـ. ونقل ابن حجر في (اللسان)(6/ 32) رقم (126) قول ابن=
منْ حديثِ أبي هريرةَ بإسنادٍ حسَنَ، فدلَّ على أنهُ إذا اشترى الشيءَ مكايلة وقبضهُ ثمَّ باعَه لم يجزْ تسليمهُ بالكيلِ الأولِ، حتَّى يكيلَه على منِ اشتراهُ ثانيًا، وبذلكَ قالَ الجمهورُ، وقالَ عطاءٌ: يجوزُ بيعُه بالكيل الأولِ، [ولعله]
(1)
لم يبلغْه الحديثُ، ولعلَّ عِلةَ الأمرِ بالكيلِ ثانيًا لِتَحقُّقِ ما يجوزُ من النقص بإعادةِ الكَيل لإذهابِ الخداعِ، وحديث الصاعين دليل على أنه لا يجوز بيعُ الجزافِ إلا أن في حديثِ ابن عمرَ أنَّهم كانُوا يبتاعونَ الطعامَ جُزَافًا، ولفظهُ:(كُنَّا نشتري الطعامَ منَ الركبانِ جُزَافًا، فنهانا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نبيعه حتَّى ننقله)، أخرجه الجماعةُ
(2)
إلا الترمذيَّ. قالَ ابنُ قدامةَ
(3)
: يجوزُ بيعُ الصبرةِ جُزافًا لا نعلمُ فيهِ خلافًا. وإذا ثبتَ جوازُ بيعِ الجزافِ حُمِلَ حديثُ الصاعينِ على أن المرادَ أنهُ إذا اشتَرى الطعامَ كيلًا وأريدَ بيعَه فلا بدَّ منْ إعادةِ كيلهِ للمشتري.
النهي عن بيعتين في بيعة
19/ 754 - وَعَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
، وَالنَّسَائِيُّ
(5)
، وَصَحّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
(6)
، وَابْنُ حِبّانَ
(7)
. [حسن]
- وَلأبي دَاوُدَ
(8)
: (مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا، أَوِ الرِّبَا). [حسن]
(وعنهُ) أي أبي هريرةَ (قالَ: نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنْ بيعتينِ في بيعةٍ. رواهُ
= حبان المتقدِّم وأضاف قول الأزدي عن مسلم هذا وهو: (حديث بأحاديث لا يتابع عليها
…
).
(1)
في (ب): (وكأنه).
(2)
البخاري (2166) و (2167)، ومسلم (1527)، وأبو داود (3498)، والنسائي (4605):(4608)، وابن ماجه (2229).
(3)
في (المغني)(4/ 245) مسألة رقم (2968).
(4)
في (المسند)(2/ 432، 475، 503).
(5)
في (سننه)(4632).
(6)
في (سننه)(1231)، وقال: حديث حسن صحيح.
(7)
في (صحيحه)(11/ 347) رقم (4973) الإحسان).
(8)
في (سننه)(3461).
قلت: وقد حسَّنه الألباني في (الإرواء)(5/ 149، 150).
أحمدُ، والنسائيُّ وصحَّحَهُ الترمذيُّ، وابنُ حِبانَ. ولأبي داودَ) منْ حديثِ أبي هريرةَ:(مَنْ باعَ بيعتينِ في بيعةٍ فلهُ أوكسُهُما أو الرِّبَا). قالَ الشافعيُّ
(1)
: لهُ تأويلانِ: أحدُهما: أنْ يقولَ بِعْتُكَ بألفينِ نسيئةً، وبألفٍ نَقْدًا، فأيُّهما شئتَ أخذْتَ بهِ، وهذا [بيعٌ]
(2)
فاسدٌ لأنهُ إيهامٌ وتعليقٌ. والثاني: أنْ يقولَ: بعتُكَ عبدي على أنْ تبيعَني فرسَك، [انتهى]
(3)
. وعلةُ النَّهي على الأولِ عدمُ استقرارِ الثمنِ، ولزومُ الرِّبا عندَ مَنْ يمنعُ بيعَ الشيءِ بأكثرَ منْ سعرِ يومِه لأجل النَّسَاءِ، وعلى الثاني لتعليقِه بشرطٍ مستقَبلٍ يجوزُ وقوعُه، وعدمُ وقوعِه، فلم يستقرَّ الملكُ. وقولُه:(فلهُ أوكسهُما أو الرِّبا) يعني [أنهُّ]
(4)
إذا فعلَ ذلكَ فهوَ لا يخلُو عنْ أحدِ الأمرينِ: إما الأوكسُ الذي هوَ أخذُ الأقلِّ أوِ الرِّبا، وهذَا مما يؤيدُ التفسيرَ الأولَ.
النهي عن سلف وبيع
20/ 755 - وَعَنْ عَمْرُو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ في بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيسَ عِنْدَكَ)، رَوَاهُ الْخمْسَةُ
(5)
، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ
(6)
. [حسن]
وَأَخْرَجَهُ في عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ أَبي حَنِيفَةَ عَنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ بَلَفْظِ: نَهى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ. وَمِنْ هذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانيُّ
(7)
في الأَوْسَطِ. وَهُوَ غَرِيبٌ
(8)
.
(1)
انظر: (فتح العزيز شرح الوجيز)(8/ 194) بحاشية المجموع).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
أبو داود (3504)، والترمذي (1234) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (4611)، وابن ماجه (2188)، وأحمد (2/ 174، 179، 205).
(6)
في (المستدرك)(2/ 17).
قلت: وأخرجه الطيالسي ص (298) رقم (2257)، والدارمي (2/ 253)، وابن الجارود ص (235) رقم (651)، والبيهقي (5/ 339 - 340)، (5/ 348) وهو حديث حسن. انظر:(الإرواء)(5/ 147) و (الصحيحة) للألباني (3/ 212) رقم (1212).
(7)
(2/ 333) رقم (1577) من رواية ابن جريج عن عمرو.
(8)
قال الحافظ في (التلخيص)(3/ 12) رقم (1150): (ورويناه في الجزء الثالث من مشيخة=
(وعنْ عمروِ بن شعيبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جدِّهِ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا يحلُّ سَلَفٌ وبيعٌ، ولا شرطانِ في بيعٍ، ولا ربحُ ما لم يُضْمَنْ، ولا بيع ما ليسَ عندَك. رواهُ الخمسةُ، وصحَّحَهُ الترمذيُّ، وابنُ خزيمةَ، والحاكمُ، وخرَّجَهُ) أي الحاكمُ (في علومِ الحديثِ منْ روايةِ أبي حنيفةَ عنْ عمرو المذكورِ بلفظٍ: نَهَى عنْ بيعٍ وشرطٍ. ومنْ هذا الوجهِ) يعني الذي أخرجَه الحاكمُ (أخرجهُ الطبرانيُّ في الأوسطِ وهوَ غريبٌ).
وقدْ رواهُ جماعةٌ واستغربَهُ النوويُّ
(1)
. والحديثُ اشتملَ على أربعِ صورٍ نُهِيَ عن البيعِ على صفتِها.
الأُولى: سَلَفٌ وَبَيْعٌ؛ وصورةُ ذلكَ حيثُ يريدُ الشخصُ أن يشتريَ سلعةً بأكثرَ منْ ثمَنها لأَجلِ النَّسَاءِ، وعندَهُ أن ذلكَ لا يجوزُ، فيحتالُ بأنْ يستقرضَ الثمنَ منَ البائعِ ليعجِّلَه إليه حيلةً.
والثانيةُ: شرطانِ في بيعٍ، اختُلِفَ في تفسيرهِما، فقيلَ: هو أنْ يقولَ بِعتُ هذا نقدًا، وبِكَذَا نسيئةً. وقيلَ: هوَ أنْ يشرطَ البائعُ على المشتري أنْ لا يبيعَ السلعةَ ولا يهَبها، وقيلَ: هوَ أنْ يقولُ: بعتُك هذهِ السلعةَ بكذَا على أن تبيعَني السلعةَ الفلانيةَ بِكذَا، ذكرة في الشرحِ نقلًا عن الغيثِ
(2)
. وفي النهايةِ
(3)
: (لا يحلُّ سلفٌ وبيعٌ، وهوَ مثلُ أنْ يقولَ: بعتُك هذا العبدَ بألفٍ على أن تُسَلِّفَنِي ألفًا في متاعٍ، أو على أن تُقْرِضَني ألفًا، لأنهُ يقرضُه ليحابيهِ في الثمنٍ، فيدخل في حدِّ الجهالةِ، ولأنَ كلَّ قرضٍ جرَّ منفعةً فهوَ رِبا، ولأنَّ في العقدِ شرطًا ولا يصحُّ) اهـ.
وقولُه: (ولا شرطانِ في بيعٍ)، فسَّرَهُ في النهايةِ
(4)
بأنهُ: (كقولكَ بِعتُكَ هذا الثوبَ نقدًا بدينارٍ، ونسيئةٍ بدينارينِ، وهوَ كالبيعتينِ في بيعة") اهـ.
والثالثةُ: قولُه: ولا ربحَ ما لم يُضْمَنْ، قيلَ: معناهُ ما لم يُمَلَّكْ، وذلكَ هوَ الغصبُ، فإنهُ غيرُ ملكٍ للغاصبِ، فإذا باعهُ وربِحَ في ثمنهِ لم يحلَّ لهُ الربحُ.
= بغداد للدمياطي ونقل فيه عن ابن أبي الفوارس أنه قال: غريب. اهـ.
(1)
انظر: (التلخيص)(3/ 12) رقم (1150).
(2)
(الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار)، تأليف: الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى الحسني (840) شرح على كتاب المؤلف: (الأزهار في فقه الأئمة الأطهار) في أربع مجلدات. اهـ من مؤلفاته الزيدية (2/ 297) رقم (2330).
(3)
(2/ 390).
(4)
(2/ 459).
وقيلَ معناهُ ما لم يقبضْ، لأنَّ السلعةَ قبلَ قَبْضِها ليستْ في ضمانِ المشتري، إذا تلفتْ تلفتْ منْ مالِ البائعِ.
والرابعةُ: قولُه: (ولا بيع ما ليسَ عندَك)؛ قدْ فسَّرها حديثُ حكيمِ بن حزامٍ عندَ أبي داودَ
(1)
، والنَّسَائيَّ
(2)
أنهُ قالَ: قلتُ يا رسولَ اللَّهِ، يأتيني الرجلُ فيريدُ منِّي [المبيع]
(3)
ليسَ عندي، فأبتاعُ لهُ منَ السوقِ، قالَ:(لا تبعْ ما ليسَ عندَك)؛ فدلَّ على أنهُ لا يحلُّ بيعُ الشيءِ قبلَ أن [يملك]
(4)
.
النهي عن العربان
21/ 756 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (عَنْ بَيعِ الْعُرْبَانِ)، روَاهُ مَالِكٌ، قَالَ: بَلَغَنِي
(5)
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ. [ضعيف]
(وعنهُ) أي عمروِ بن شعيبٍ (قالَ: نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنْ بيعِ العُربانِ) بضمِّ العينِ المهملةِ، وسكونِ الراءِ، وبالباءِ الموحدةِ، ويقالُ: أربانُ، ويقالَ: عربونٌ (رواهُ مالكٌ، قال: بلغني عنْ عمروِ بن شعيبٍ بهِ)، وأخرجَهُ أبو داودَ، وابنُ ماجهْ، وفيهِ راوٍ لمْ يُسَمَّ، وسُمِّي في روايةٍ
(6)
فإذا هوَ ضعيفٌ، ولهُ طُرُقٌ لا تخلُو عنْ
(1)
في (سننه)(3503).
(2)
في (سننه)(4613).
قلت: وأخرجه الترمذي (1232)، وابن ماجه (2187)، وأحمد (3/ 401، 403) وهو حديث صحيح، وقد صحَّحه الألباني في (الإرواء)(5/ 132) رقم (1292).
(3)
في (أ): (البيع).
(4)
في (ب): (يملكه).
(5)
في (الموطأ) رواية يحيى بن يحيى (2/ 609) رقم (1)، ورواية أبي مصعب الزهري (2/ 305) رقم (2470) وفي كليهما: (عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب
…
)، وكذا رواية إسحاق بن عيسى عند أحمد (2/ 183)، والبلاغ إنما هو من رواية عبد الله بن مسلمة أخرجه أبو داود (3/ 768) رقم (3502)، وهشام بن عمار أخرجه ابن ماجه (2192) وأخرجه أيضًا ابن ماجه (2193).
قلت: وهو حديث ضعيف ضعَّفه الألباني في ضعيف ابن ماجه ص (168) رقم (475).
(6)
قال الحافظ في (التلخيص)(3/ 17) رقم (1173): (وسمى في رواية لابن ماجه ضعيفة: عبد الله بن عامر الأسلمي وقيل هو ابن لهيعة وهما ضعيفان) اهـ. وعبد الله بن عامر هذا إنما روى عنه أبو محمد حبيب كاتب مالك بن أنس ولم يرو عنه مالك بن أنس كما هي سائر الروايات، فالله أعلم. انظر سنن ابن ماجه (2193). =
مقالٍ، [فبيعُ]
(1)
العربانِ فسَّرهُ مالكٌ قالَ
(2)
: هوَ أن يشتريَ الرجلُ العبدَ، أو الأمةَ، أو يكتري، ثمّ يقول للذي اشترى منهُ أوِ اكْتَرَى:[أعطيك]
(3)
دينارًا أو دِرْهَمًا على أني إِنْ أخذتُ السلعةَ فهوَ منْ ثمنِها، وإلَّا فهوَ لكَ. واختلفَ الفقهاءُ في جوازِ هذَا البيعِ فأبطلَه مالكٌ
(4)
، والشافعيُّ
(5)
لهذَا النَّهْي، ولما فيهِ منَ الشرطِ الفاسدِ والغَرَرِ، ودخوِله في أكلِ المالِ بالباطلِ. ورُوِيَ (5) عنْ عمرَ وابنهِ وأحمدَ جوازُه.
النهي عن بيع المبيع قبل حيازته
22/ 757 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ابْتَعْتُ زَيْتًا في السُّوقِ، فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذرَاعِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى:(أَنْ تُبَاعَ السَّلَعُ حَيثُ تُبْتَاعُ، حتى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ). رَوَاهُ أَحْمَدُ
(6)
، وَأَبُو دَاوُدَ
(7)
، واللَّفْظُ لَهُ، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبّانَ
(8)
، وَالْحَاكِمُ
(9)
. [حسن لغيره]
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قالَ: ابتعتُ زيتًا في السوقِ، فلمَّا استوْجَبْتُهُ لقيَني رجلٌ فأعطاني بهِ ربحًا حسنًا، فأردتُ أنْ اأضربَ على يدِ الرجلِ) يعني يعقدُ لهُ البيعَ، (فأخذَ رجلٌ منْ خلْفي بذراعي، فالتفتُ فإِذا هوَ زيدُ بنُ ثابتٍ [فقال]
(10)
: لا تبعْهُ حيثُ ابتعتَهُ
= وانظر: (المجموع)(9/ 334) فقد بسط الكلام عليه بسطًا طيبًا.
(1)
في (ب): (وبيع).
(2)
في (الموطأ) رواية يحيى (2/ 609) رقم (1).
(3)
في (ب): (أعطيتك).
(4)
في (الموطأ) رواية يحيى (2/ 610).
(5)
انظر: (المجموع)(9/ 335)، و (المغني)، (4/ 313).
(6)
في (المسند)(5/ 191).
(7)
في (سننه)(3499).
(8)
في (صحيحه)(11/ 360) رقم (4984) الإحسان).
(9)
في (المستدرك)(2/ 40).
قلت: وهو حديث حسن لغيره كما تقدم معنا في أثناء شرح الحديث رقم (18/ 753).
(10)
في (ب): (قال).
حتَّى تحوزَهُ إلى رحلِكَ، فإنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تباعَ السلعُ حيثُ تبتاعُ، حتَّى يحوزَها التجارُ إلى رحالهم. رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ واللفظُ لهُ، وصحَّحَهُ ابنُ حبانَ، والحاكمُ).
الحديثُ دليلٌ على أنه لا يصحُّ من المشتري أن يبيع ما اشتراه قبل أن يحوزَه إلى رحلهِ، والظاهرُ أن المرادَ بهِ القبضُ، لكنهُ عبَّرَ عنهُ بما ذكرَ لما كانَ [الغالب]
(1)
قبض المشتري الحيازةُ إلى المكانِ الذي [اختص]
(2)
بهِ، وأما نقلُه منْ مكانٍ إلى مكانٍ لا يختصُّ بهِ، فعندَ الجمهورِ
(3)
أن ذلكَ قَبْضٌ. وفَصَّلَ الشافعيُّ فقالَ: إنْ كانَ مما يُتَنَاوَلُ باليدِ كالدّراهمِ والثّوبِ فقبضَه نُقِلَ، (وما) يُنْقَلُ في العادةِ كالأخشابِ، والحبوبِ، والحيوانِ، فقبضه بالنقلِ إلى مكانٍ آخرَ، وما كانَ لا يُنْقَلُ كالعَقَارِ والثمرِ على الشجرِ فقبضُه بالتخلية.
وقوله: (فلمَّا استوجبْتُهُ)، في روايةِ أبي داودَ
(4)
: استوفَيْتُه. وظاهرُ اللفظِ أنهُ قبضَه، ولم يكنْ قد حازَه إلى رحلهِ، ويدلُّ له قولُه نَهَى أنْ تُبَاعَ السلعةُ حيثُ تبتاعُ حتَّى يحوزَها التُّجارُ إلى رِحالِهم.
23/ 758 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّي أَبِيعُ الإِبلَ بِالْبِقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هذَا مِنْ هذِهِ، وَأُعْطِي هذهِ مِنْ هذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(لَا بَأسَ أَنْ تَأَخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيءٌ)، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ،
(5)
وَصَحّحَهُ الْحَاكِمُ
(6)
[ضعيف]
(وعنهُ) أي ابن عمرَ (قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إني أبيعُ الإبلَ بالبقيعِ، فأبتاع
(1)
في (ب): (غالب).
(2)
في (ب): (يختص).
(3)
انظر: (المجموع)(9/ 270).
(4)
كذا في المخطوط وفي نسخ أبي داود التي بين أيدينا (استوجبته).
(5)
أبو داود (3354)، والترمذي (1242)، والنسائي (4582)، وابن ماجه (2262) وأحمد (2/ 83، 139، 154).
(6)
في (المستدرك)(2/ 44) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: (هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر)، وأفصح ابن حزم في (المحلى) (8/ 503 و 504) عن علة الحديث بقوله:(سماك بن حرب ضعيف يقبل التلقين، شهد عليه بذلك شعبة). وانظر كلام الألباني في (الإرواء)(5/ 173) رقم (1326) وقد حكم عليه بالضعف.
بالدنانيرِ وآخذ الدراهمَ، وأبيعُ بالدراهمِ وآخذ الدنانيرَ؛ [آخذ هذَا منْ هذَا وأعطي هذَا منْ هذا]
(1)
، فقالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا بأسَ أنْ تأخذَها بسعرِ يومِها ما لم تفترِقَا وبينَكما شيءٌ. رواهُ الخمسةُ، وصحَّحَة الحاكمُ). هوَ دليل على أنهُ يجوزُ أن يُقْضَى عن الذهبِ الفضةُ، وعن الفضةِ الذهبُ، لأنَّ ابنَ عمرَ كان يبيع بالدنانيرِ فيلزمُ المشتري له في ذمته دنانير، وهي الثمن، ثم يقبضُ عنْها الدراهمَ وبالعكسِ. وبوَّبَ له أبو داودَ
(2)
: بابُ اقتضاء الذهب عن الورِقِ ولفظهُ: كنتُ أبيعُ الإبل بالبقيع [فأبيعُ]
(3)
بالدنانير وآخذُ الدارهمَ، [وأبتع]
(4)
بالدراهمِ وآخذُ الدنانيرَ، وأنهُ سألَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: لا بأسَ أنْ تأخذَها بسعرِ يومِها ما لمْ تفتَرِقا وبينَكما شيءٌ.
وفيهِ دليل على أن النَّقْدينِ جميعًا غيرُ حاضرينِ والحاضرُ أحدُهما فبيَّنَ صلى الله عليه وسلم الحكمَ بأنَّهما إذا فَعَلا ذلكَ فحقُّهُ أن لا يفترقا إلا وقدْ قبضَ ما هوَ لازمٌ عوضَ ما في الذمَّةِ، فلا يجوزُ أن يقبضَ البعضَ منَ [الدراهم]
(5)
، ويبقَى البعضُ في ذمةِ مَنْ عليهِ الدنانيرُ عِوَضًا عنها ولا العكسُ، لأنَّ ذلكَ منْ بابِ الصرفِ، والشرطُ فيهِ أن لا يَفْتَرِقا وبينهما شيءٌ، وأما قولُه في روايةِ أبي داودَ
(6)
: بسعرِ يومها، فالظاهرُ أنهُ غيرُ شرطٍ، وإنْ كانَ أمرًا أغلبيًا في الواقعِ، يدلُّ على ذلكَ قولُه: فإذا اختلفتِ الأصنافُ فبيعُوا كيفَ شِئْتُم إذا كانَ يدًا بيدٍ.
النهي عن النجش في البيع
24/ 759 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّجْشِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(7)
. [صحيح]
(وعنهُ) أي ابن عمرَ (قالَ: نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن النَّجشِ) بفتحِ النون، وسكونِ الجيم، بعدَها شينٌ معجمةٌ (متفقٌ عليهِ). النَّجشُ لغةً
(8)
: تنفيرُ الصيدِ
(1)
كما في المخطوط (أ، ب، ج).
(2)
في (سننه)(14) وفيه (من) بدلًا من (عن).
(3)
في (أ): (فأبتع).
(4)
في (ب): (وأبيع).
(5)
في (ب): (الذهب).
(6)
في (سننه)(3354).
(7)
البخاري (2142)، ومسلم (13/ 1516).
قلت: وأخرجه النسائي (4505)، وابن ماجه (2173)، وأحمد (2/ 63، 108، 156).
(8)
انظر: (القاموس) ص (783).
واستثارتُه منْ مكانِه ليصادَ. وفي الشرعِ: الزيادةُ في ثمنِ السلعةِ المعروضةِ للبيعِ لا ليشتريَها بل ليغرَّ بذلكَ غيرَه، وسُمِّيَ الناجش في السلعةِ ناجشًا لأنهُ يثيرُ الرغبةَ فيها ويرفعُ ثمنَها. قالَ ابنُ بطَّالٍ
(1)
: أجمعَ العلماءُ على أن الناجِشَ عاصٍ بفعلِه، واختلفوا في البيعِ إذا وقعَ على ذلكَ، فقال طائفةٌ منْ أئمةِ الحديثِ: البيعُ فاسدٌ، وبهِ قالَ أهلُ الظاهرِ
(2)
، وهوَ المشهورُ في مذهبِ الحنابلةِ
(3)
، وروايةٌ عنْ مالكٍ، إلا أن الحنابلةَ يقولونَ بفسادِه إنْ كانَ مواطأةَ [منَ]
(4)
البائعِ أو منْهُ.
وقالتِ المالكيةُ: يثبتُ لهُ الخيارُ وهوَ قولُ الهادويةِ
(5)
قياسًا على المصراةِ، والبيعُ صحيحٌ عندَهم. وعندَ الحنفيةِ قالُوا: لأنَّ النَّهْيَ عائدٌ إلى أمرٍ مفارقٍ للبيعِ وهوَ قَصْدُ الخداعِ فلم يقتضِ الفسادَ، وأما ما نُقِلَ
(6)
عن ابن عبدِ البرِ، وابنِ العربي، وابنِ حزمٍ أن التحريمَ إذا كانتِ الزيادةُ المذكورةُ فوقَ ثمنِ المثلِ فلوْ أنَّ رجلًا رأَى سلعةً تُبَاعُ بدونِ قيمتِها فزادَ فيها لتنتهيَ إلى قيمتِها لمْ يكنْ ناجشًا عاصيًا بلْ يُؤجَرُ على ذلكَ بنيتهِ، قالُوا: لأنَّ ذلكَ من النصيحةِ، فهوَ مردودٌ بأنَّ النصيحَة تحصلُ بغيرِ إيهامِ أنهُ يريدُ الشراءَ، وأما معَ هذا فهوَ خِداعٌ وغَرَرٌ. وأخرجَ البخاريُّ
(7)
منْ حديثِ ابن أبي أَوْفَى في سببِ نُزُولِ قولِه تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}
(8)
إنَّه قالَ: أقامَ رجلٌ سلعتَه باللَّهِ لقدْ أُعطِيَ بها ما لم يعطَ، فنزلتْ. قالَ ابنُ أبي أَوْفَى: الناجشُ آكلُ ربا خائنٌ، فجعلَ ابنُ أبي أَوْفَى مَنْ أخبرَ بأكثرَ مما اشتَرى بهِ أنهُ ناجشٌ لمشاركتهِ لمنْ يزيدُ في السلعةِ، وهوَ لا يريدُ أن يشتريَها في [ضرر]
(9)
الغيرِ، فاشتركَا في الحكمِ لذلكَ، وحيثُ كانَ الناجشُ غيرَ البائعِ فقدْ يكونُ آكلَ ربًا إذا جَعلَ لهُ البائع جُعَلًا.
(1)
انظر: (فتح الباري)(4/ 355).
(2)
قال ابن حزم في (المحلَّى)(8/ 448) مسألة رقم (1466): فلا يجوز أن يفسخ بيع صحَّ بفساد شيء غيره، ولم يأت نهي قط عن البيع الذي ينجش فيه الناجش، بل قال الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} اهـ. وما ذكره الشارح تابع فيه الحافظ في (الفتح)(4/ 355).
(3)
انظر: (المغني)(4/ 300) مسألة (3099).
(4)
زيادة من (أ).
(5)
انظر: (ضوء النهار)(3/ 1262).
(6)
نقله الحافظ في (الفتح)(4/ 356).
(7)
في صحيحه (2088)، وطرفاه (2675، 4551).
(8)
سورة آل عمران: الآية (77).
(9)
زيادة من (أ).
النهي عن المحاقلة والمزابنة
25/ 760 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى: (عنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنِ الثُّنَيَّا، إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ)، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
(1)
إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. [صحيح]
([و]
(2)
عنْ جابرٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن المحاقلةِ) مفاعلةٌ بالحاءِ المهملةِ والقافِ، (والمزابنةِ) بِزِنَتِها بالزاي، بعدَ الألفِ موحَّدةٌ فنونٌ، (والمخابرةِ) بِزِنَتِها بالخاءِ المعجمةِ [فألفٍ](2)، فموحدةٍ فراءٍ، (وعنِ الثُّنَيَّا) بالمثلثةِ مضمومةً فنونٌ مفتوحةٌ
(3)
فمثناةٌ تحتيةٌ بزنةِ ثُرَيَّا [الاستثناءُ]
(4)
(إلا أنْ تُعْلَمَ) عائدٌ إلى [الأخير]
(5)
. (رواهُ الخمسةُ إلَّا ابنَ ماجه، وصحَّحهُ الترمذيُّ).
اشتملَ الحديثُ على أربعِ صور نَهَى الشارعُ عنْها:
الأُولى: المحاقلةُ، وفسَّرها
(6)
جابرٌ راوي الحديثِ بأنَّها بيعُ الرجلِ منَ الرجلِ الزرعَ بمائةِ فرْقٍ
(7)
منَ الحنطةِ، وفسَّرها
(8)
أبو عبيدٍ [بأنَّه]
(9)
بيعُ الطعامِ في سُنْبُلِهِ، وفسَّرها
(10)
مالكٌ بأنْ تُكرى الأرضُ ببعضِ ما تُنْبِتُ، وهذهِ هي المخابرةُ ويبعدُ هذا التفسيرُ عطفُها عليها في هذهِ الروايةِ، وبأنَّ الصَّحابيَّ أعرفُ
(1)
أبو داود (3404) و (3405)، والترمذي (1290، 1313)، والنسائي (3879، 3880)، وابن ماجه (2266) وفيه النهي عن المحاقلة والمزابنة فقط، وأحمد (3/ 360).
قلت: وأخرجه البخاري (2381) وليس فيه الثنيا، وأخرجه مسلم (1536).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
ضبطت بالساكنة في (القاموس) ص (1627) و (النهاية)(1/ 224) وكذا ضبطه محمد فؤاد عبد الباقي في (صحيح مسلم)(3/ 1175).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
في (ب): (الآخر).
(6)
أخرجه الشافعي في (المسند)(1/ 311) رقم (209) وفي (الأم)(3/ 63).
(7)
الفرق = 8.235 كيلو جرام، وانظر كتابنا: (الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان الشرعية).
(8)
في غريب الحديث) له (1/ 229، 230).
(9)
في (ب): (بأنّها).
(10)
انظر: (فتح الباري)(4/ 404).
بتفسيرِ ما رَوَى، وقدْ فسَّرها جابرٌ بما [عرفت]
(1)
كما أخرجهُ عنهُ الشافعيُّ
(2)
.
والثانيةُ: المزابنةُ مأخوذةٌ منَ الزَّبْنِ بفتحِ الزاي وسكونِ الموحدةِ، وهوَ الدفعُ الشديدُ، كأنَّ كلَّ واحدٍ منَ المتبايعينِ يدفعُ الآخرَ عنْ حقِّهِ، وفسَّرها ابنُ عمرَ كما رواهُ مالكٌ
(3)
ببيعِ التمرِ
(4)
أي رُطَبًا بالتمرِ [مكيلًا]
(5)
، وبيعُ العنبِ
(6)
بالزبيب كيلًا، وأخرجهُ عنهُ الشافعيُّ في الأمِّ
(7)
وقالَ: تفسيرُ المحاقلةِ والمزابنةِ في الأَحاديثِ يحتملُ أنْ [يكونَ]
(8)
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم منصوصًا ويحتملُ أنهُ من رواية من رواهُ، والعِلَّةُ في النَّهْي عنْ ذلكَ هوَ الربِّا لعدمِ العلمِ بالتساوي.
والثالثةُ: المخابرةُ وهيَ منَ المزارعةِ، وهيَ المعاملةُ على الأرضِ ببعضِ ما يخرجُ منْها منَ الزرعِ، ويأتي الكلامُ عليْها في المزارعة
(9)
.
والرابعةُ: الثُنَيَّا فإنه منهيٌّ عنها إلا أن تُعلمُ. صورةُ ذلكَ أن يبيعَ شيئًا ويُسْتَثْنَى بَعْضُهُ، ولكنَّهُ إذا كانَ ذلكَ البعضُ معلومًا صحَّتْ، نحوَ أنْ يبيعَ أشجارًا أو أعنابًا، ويستثني واحدةً معينةً، فإنَّ ذلكَ يصحُّ اتفاقًا. قالُوا: لو قالَ إلا بعضَها، فلا يصحُّ لأنَّ الاستثناءَ مجهولٌ، وظاهرُ الحديثِ أنهُ إذا عُلِمَ القدرُ الْمُسْتَثْنَى صحَّ مطلقًا، وقيلَ: لا يصحُّ أنْ يستثنى ما يزيدُ على الثلثِ. هذا والوجهُ في النَّهي عن الثُّنَيَّا هوَ الجهالةُ، وما كانَ معلومًا فقدِ انتفتِ العلةُ فخرجَ عنْ حُكْمِ النَّهْي، وقدْ نبَّهَ النصُّ على العلةِ بقولهِ:(إلَّا أنْ تُعْلَمَ).
26/ 761 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَاضَرَةِ، وَالْمُلامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ)، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(10)
[صحيح]
(1)
في (ب): (عرف).
(2)
في (المسند)(1/ 311) رقم (209) كما تقدم.
(3)
في (الموطأ)(2/ 624) رقم (23).
(4)
كذا في المخطوط، وفي (الموطأ)(الثمر) بالمثلثة.
(5)
كذا في المخطوط، وفي (الموطأ)(كيلًا)، وكذلك في (ب).
(6)
كذا في المخطوط، وفي (الموطأ)(الكرم).
(7)
(3/ 63).
(8)
في (ب): (تكون).
(9)
في شرح الحديث رقم (2/ 856) من كتابنا هذا.
(10)
في (صحيحه)(4/ 404) رقم (2207).
(وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن المحاقلةِ، والمخاضرةِ) بالخاءِ والضادِ معجمتينِ، مفاعلةً منَ الخضرةِ (والملامسةِ والمنابذةِ) بالذالِ المعجمةِ (والمزابنةِ. رواهُ البخاريُّ). اشتملَ الحديثُ على خمسِ صورٍ منْ صورِ البيعِ منْهيٍّ عنْها، الأوُلى: المحاقلةُ وتقدَّمَ الكلامُ
(1)
فيها، والثانيةُ: المخاضرةُ وهي بيعُ الثمارِ والحبوبِ قبلِ أنْ يبدوَ صلاحُها. وقدِ اختلَفَ العلماءُ فيما يصحُّ بيعُه منَ الثمارِ والزرعِ، فقالَ طائفةٌ: إذا كانَ قدْ بلغَ حدًا ينتفعُ بهِ ولوْ لم يكنْ قدْ أخذَ الثمرُ ألوانَه، واشتدَّ الحبُّ، صحَّ البيعُ بشرطِ القطعِ، وأما إذا شرطَ البقاءَ فلا يصحُّ اتفاقًا، لأنهُ شغلٌ لملكِ البائعِ، أو لأنهُ صفقتانِ في صفقةٍ، وهوَ إعارةٌ أو إجارةٌ وبيعٌ، وأمَّا إذا بلغَ حدَّ الصلاحِ فاشتدَّ الحبُّ [وبلغ]
(2)
الثمرُ ألوانه فبيعُه صحيحٌ وِفاقًا، إلا أنْ يشترِطَ المشتري بقاءَه، فقيلَ: لا يصحُّ البيعُ، وقيلَ: يصحُّ، وقيلَ: إنْ كانتِ المدةُ معلومةً صحَّ، وإنْ كانتْ غيرَ معلومةٍ لم يصحَّ، فلو كان قدْ صَلُحَ بعضٌ منهُ دونَ بعضٍ فبيعُه غيرُ صحيحٍ. وللحنفيةِ
(3)
تفاصيلُ ليسَ عليها دليل. والثالثةُ: الملامسةُ وبيَّنها ما أخرجهُ البخاريُّ
(4)
عن الزهريِّ
(5)
أنَّها لمسُ الرجلِ الثوبَ بيدهِ بالليلِ أو النهارِ، وأخرج النسائيُّ
(6)
منْ حديث أبي هريرةَ هي أنْ يقولَ الرجلُ للرجلِ أبيعُكَ ثوبي بثوبِكَ، ولا ينظرُ أحدٌ منْهما إلى ثوبِ الآخرِ، ولكنَّه يلمُسُه [لمسًا]
(7)
. وأخرجَ أحمدُ
(8)
عنْ عبدِ الرزاقِ، عنْ معمرٍ: الملامسةُ
(1)
في شرح الحديث (25/ 760) من كتابنا هذا.
(2)
في (ب): (وأخذ).
(3)
انظر حاشية: (رد المحتار) لابن عابدين) (4/ 555).
(4)
في صحيحه (5820) من حديث أبي سعيد الخدري.
قلت: وأخرج مسلم (1512).
(5)
الذي في الصحيح أنه من رواية الزهري قال: أخبرني عامر بن سعد أن أبا سعيد الخدري قال: نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الملامسة
…
الحديث وفي سياقه التفسير الذي نسبه الشارح للزهري. قال الحافظ (1/ 477): (قلت: ظاهر سياق المصنف في رواية يونس في اللباس أن التفسير المذكور فيها مرفوع). اهـ.
(6)
في (سننه)(4517).
(7)
في (ب): (لما).
(8)
في مسنده (15/ 35) الفتح الربَّاني) وأوهم سياق الشارح - رحمه الله تعالى - أنه من كلام معمر وليس كذلك وإنما هو معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد =
أنْ يلمَسَ الثوبَ بيدهِ، ولا يَنْشُرَهُ، ولا يقلِّبَهُ، إذا مسَّه وجبَ البيعُ. ومسلمٌ
(1)
منْ حديثِ أبي هريرةَ [هي]
(2)
أنْ يلمسَ كلُّ واحدٍ منْهما ثوبَ صاحبِه منْ غيرِ تأمُّلٍ. والرابعةُ: المنابذةُ، فسَّرها ما أخرجَهُ ابنُ ماجهْ
(3)
منْ طريقِ سفيانَ عن الزهريِّ المنابذةُ: أن يقول: ألقِ إليَّ ما معك، وألقي إليْك مَا معي. والنسائيُّ
(4)
من حديثِ أبي هريرةَ أنْ يقولَ: أنبذُ ما معي وتنبذُ ما مَعكَ، ويشتري كلُّ واحدٍ منْهما منَ الآخرِ، ولا يدري كلُّ واحدٍ منْهما كمْ معَ الآخرِ. وأحمدُ
(5)
عنْ عبدِ الرزاقٍ عنْ معمرٍ
(6)
: [المنابذةُ]
(7)
أنْ يقولَ: إذا نبذتَ هذا الثوبَ فقدْ وجبَ البيعُ. ومسلم
(8)
منْ حديثِ أبي هريرةَ: المنابذةُ أنْ ينبذَ كلُّ واحدٍ منْهما ثوبَه إلى الآخرِ
(9)
، لمْ ينظره كلُّ واحدٍ منهما إلى ثوبِ صاحبِه، وعلمتَ منْ قولِه:(فقدْ وجبَ البيعُ) أنَّ بيعَ الملامسةِ والمنابذةِ جعلَ فيهِ نفسَ اللمسِ والنبذِ بيعًا بغير صيغتِه، وظاهرُ النَّهْي التحريمُ، وللفقهاءِ تفاصيلُ في هذا لا تليقُ بهذا المختصر.
فائدةٌ: استدلَّ بقولِه لا ينظرُ إليهِ أنهُ لا يصحُّ بيعُ الغائبُ، وللعلماءِ فيه ثلاثةُ أقوالٍ:
الأول: لا يصحُّ وهو قولُ الشافعيِّ
(10)
.
والثاني: يصحُّ ويثبتُ له الخيارُ إذا رآهُ وهوَ للهادويةِ
(11)
، والحنفيةِ
(12)
.
والثالثُ: إنْ وصَفَهُ صحَّ وإلا فَلا، وهوَ قولُ مالكٍ وأحمدَ
(13)
وآخرينَ،
= الخدري قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة
…
الحديث وفيه التفسير المذكور.
(1)
في (صحيحه)(2/ 1513).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
في (سننه)(2170).
(4)
في (سننه)(4517).
(5)
في (مسنده)(15/ 35) الفتح الرباني).
(6)
عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا.
(7)
زيادة من (ب).
(8)
في (صحيحه)(2/ 1511).
(9)
كذا في المخطوط، وفي صحيح مسلم بزيادة واو.
(10)
انظر: (معرفة السنن والآثار)(8/ 9) رقم (10951).
(11)
انظر: (البحر الزخار)(3/ 374).
(12)
انظر: (بدائع الصنائع)(5/ 292).
(13)
انظر: (الفقه على المذاهب الأربعة)(2/ 216، 218)، وانظر:(حاشية معرفة السنن والآثار)(8/ 9).
واستدلَّ بهِ على بُطْلانِ بيعِ الأعْمى، وفيهِ أيضًا ثلاثةُ أقوال: الأولُ: بطلانُه، وهوَ قولُ معظمِ الشافعيةِ
(1)
، حتَّى مَنْ أجازَ منْهم بيعَ الغائبِ لكونِ الأعْمى لا يراهُ بعدَ ذلكَ.
والثاني: يصحُّ إنْ [وصفه]
(2)
له.
والثالثُ: يصح مطلقًا، وهوَ للهادويةِ والحنفيةِ.
النهي عن تلقي الركبان وعن بيع حاضر لباد
27/ 762 - وَعَنْ طَاوسٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لا تَلَقُّوا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ)، قُلْتُ لابْنِ عَبّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: (وَلَا يَبعْ حَاضِرٌ لَبَادٍ؟)، قَالَ: لا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]
(وعنْ طاوسٍ عن ابن عباسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا تَلَقُّوا الركبانَ، ولا يبعْ حاضرٌ لبادٍ. قلتُ لابنِ عباسٍ: ما قولُه: ولا يبعْ حاضرٌ لبادٍ؟ قالَ: لا يكونُ لهُ سمسارًا. متفقٌ عليهِ، واللفظُ للبخاريِّ).
اشتملَ الحديثُ على النَّهي عنْ صورتينِ منْ صورِ البيعِ:
الأُولى: النَّهْيُّ عنْ تَلَقِّي الركبانِ، أي الذينَ يجلبونَ إلى البلدِ أرزاقَ العبادِ للبيعِ، سواءٌ كانُوا رُكْبانًا، أو مشاةً جماعةً أو واحدًا، وإنما خرجَ الحديثُ على الأغلبِ في أن الجالبَ يكونُ عددًا، وأما ابتداءُ التلقي فيكونُ ابتداؤُه منْ خارجِ السوقِ الذي تباعُ فيهِ السِّلعةُ. وفي حديثِ ابن عمرَ
(4)
: (كنَّا نتلقَّى الركبانَ فنشتري منْهمُ الطعامَ، فنهانا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن نبيعَه حتَّى يبلغَ بهِ سوقَ الطعامِ)، وفي لفظٍ آخرَ بيانُ أن التلقي لا يكونُ في السوقٍ. قالَ ابنُ عمرَ
(5)
: كانُوا يبتاعونَ الطعامَ في أَعْلَى السوقِ، فيبيعونَه في مكانِه، فنهاهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يبيعُوه في مكانهِ حتَّى
(1)
انظر: (الفقه على المذاهب الأربعة)(2/ 215).
(2)
في (ب): (وصف).
(3)
البخاري (2158) وطرفاه (2163، 2274)، ومسلم (19/ 1521).
قلت: ورواه أبو داود (3439)، والنسائي (4500)، وابن ماجه (2177).
(4)
أخرجه البخاري (2166، 2167)، ومسلم (1517)، وأبو داود (3436)، والنسائي (4498، 4499)، وابن ماجه (2179).
(5)
في البخاري (2167).
ينقلُوهُ. أخرجَهُ البخاريُّ. فدلَّ على أن القصدَ إلى أعلى السُّوقِ لا يكونُ تلقيًا، وأنَّ مُنْتَهى التلقي ما فوقَ السوقِ. وقالتِ الهادويةُ
(1)
والشافعيةُ
(2)
: إنهُ لا يكونُ التلقي إلَّا خارجَ البلدِ، وكأنَّهم نَظَروا إلى المعنى المناسبِ للمنعِ، وهوَ تغريرُ الجالبِ، فإنهُ إذا قَدِمَ إلى البلدِ أَمْكَنَه معرفةُ السعرِ، وطلبُ الحظِّ لنفسهِ، فإنْ لم يفعلْ ذلكَ فهوَ منْ تقصيرِه. واعتبرتِ المالكيةُ وأحمدُ وإسحاقُ
(3)
السوقَ مطلقًا عملًا بظاهرِ الحديثِ. والنَّهيُ ظاهرٌ في التحريمِ حيثُ كانَ قاصدًا [التلقي]
(4)
، عالمًا بالنَّهي عنهُ، وعنْ أبي حنيفةَ والأوزاعيِّ
(5)
أنهُ يجوزُ التلقي إذا لم يضرَّ بالناس، فإن ضرَّ كُرِهَ، فإنْ تلقَّاهُ [فاشترى]
(6)
صحَّ البيعُ عندَ الهادويةِ
(7)
، والشافعيةِ
(8)
، وثبتَ الخيارُ عندَ الشافعيِّ
(9)
للبائعِ لما أخرجَهُ أبو داودَ
(10)
، والترمذيُّ
(11)
، وصحَّحهُ ابنُ خزيمةِ منْ حديث أبي هريرةَ بلفظ:(لا تَلَقُّوا الجَلَبَ فإنْ تلقَّاهُ إنسانٌ فاشتراهُ فصاحِبُه بالخيارِ إذا أَتَى السوقَ). ظاهرُ الحديثِ أن العلةَ في النَّهي نَفْعُ البائعِ، وإزالةُ الضررِ عنهُ، وقيلَ نَفْعُ أهلِ السوقِ لحديثِ
(12)
ابن عمَر: لا تلقُّوا السِّلعَ حتَّى تهبطُوا بها السوقَ. واختلفَ العلماءُ هلِ البيعُ معهُ صحيحٌ أو فاسدٌ؟ فعندَ مَنْ ذكرناهُ
(13)
قريبًا أنه صحيحٌ لأنَّ النَّهي لم يرجعْ إلى نفسِ العَقْدِ، ولا إلى وصفٍ ملازمٍ لهُ، فلا يقتضي النهيُ الفسادَ. [وذهبت]
(14)
(1)
انظر: (الاعتصام بحبل الله المتين)(4/ 51).
(2)
انظر: (فتح الباري)(4/ 375).
(3)
انظر: (فتح الباري)(4/ 375).
(4)
في (أ): (للتلقي).
(5)
انظر: (فتح الباري)(4/ 374).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
انظر: (الاعتصام بحبل الله المتين)(4/ 51).
(8)
انظر: (سنن البيهقي الكبرى)(5/ 348).
(9)
انظر: (سنن البيهقي الكبرى)(5/ 348)، و (معرفة السنن والآثار)(8/ 167).
(10)
في (سننه)(3437).
(11)
في (سننه)(1221) وقال: هذا حديث حسن غريب.
قلت: وأخرجه مسلم (16، 17/ 1519)، وابن ماجه (2178)، والبيهقي (5/ 348)، وأحمد (2/ 284، 403)، والدارمي (2/ 255).
(12)
سبق تخريجه قريبًا وأنه في الصحيحين.
(13)
وهم: الهادوية والشافعية.
(14)
في (أ): (وذهب).
طائِفةٌ من العُلماءِ إلى أنّهُ فاسِدٌ لأنّ النّهيَ يقتضي الفسادَ مطلقًا وهوَ الأقربُ. وقدِ اشترطَ جماعةٌ مِنَ العلماءِ لتحريمِ التلقِّي شرائطَ، فقيلَ
(1)
: يشترطُ في التحريم أنْ يكذبَ المتلقي في سعرِ البلدِ ويشتري منْهم بأقلَّ منْ ثمنِ المِثْلِ، وقيلَ
(2)
: أنْ يخبرَهم بكثرةِ المؤنةِ عليهمْ في الدخولِ، وقيلَ
(3)
: أنْ يخبرَهم بكسادِ ما معَهم ليغبنَهم، وهذهِ تقييداتٌ لم يدلَّ عليها دليلٌ، بلِ الحديثُ أطلقَ النهيَ، والأصلُ فيهِ التحريمُ مطلقًا. والصورةُ الثانيةُ: ما أفادهُ قولُه: ولا يبعْ حاضرٌ لبادٍ، وقدْ فسَّرهُ ابنُ عباسٍ بقولهِ: لا يكونُ لهُ سِمْسَارًا، بِسينَيْنِ مهملتينِ، وهوَ في الأصلِ القيِّمُ بالأمرِ، والحافظُ، ثمَّ اشتهرَ في متولِّي البيع والشراءِ لغيرهِ بالأجرةِ كذَا قيَّدَه البخاريُّ
(4)
، وجعلَ حديثَ ابن عباسٍ مُقَيَّدًا لما أطلقَ منَ الأحاديثِ، وأمَّا بغيرِ أجرةٍ فجعلَهُ منْ بابٍ النصيحةِ والمعاونةِ فأجازهُ. وظاهرُ أقوالِ العلماءِ أن النهي شاملٌ لما كانَ (بأجرةٍ، وما كانَ بغيرِ أجرةٍ. وفسَّر بعضُهم
(5)
صورةَ بيعِ الحاضرِ للبادي بأن يجيئَ البلدَ غريبٌ بسلعةٍ يريدُ بيعها بسعرِ الوقتِ في الحالِ، فيأتيهِ الحاضرُ فيقولُ ضعْه عندي لأبيعَه لكَ على التدريج بأعلَى منْ هذا السعرِ، ثمَّ منَ العلماءِ
(6)
مَنْ خصَّ هذا الحكمَ بالبادي وجعلَه قَيْدًا [مقيدًا]
(7)
، ومنهم مَنْ ألحقَ بهِ الحاضرَ إذا شاركهُ في عدمِ معرفة السعرِ. وقالَ (6): ذِكْرُ البادي في الحديثِ خرجَ مخرجَ الغالبِ، فأما أهلُ القُرى [الذين]
(8)
[يعرفونَ الأسعارَ]
(9)
فليسُوا بداخلينَ في ذلكَ. ثمَّ منْهم
(10)
مَنْ قيَّدَ ذلكَ بشرطِ العلمِ بالنَّهي، وأن يكونَ المتاعُ المجلوبُ مما تعمُّ بهِ الحاجةُ، وأنْ يعرضَ الحضريُّ ذلكَ على البدويِّ، فلو عرضَه البدويُّ على [الحضريُّ]
(11)
لم
(1)
قاله إمام الحرمين كما في (الفتح)(4/ 375)
(2)
قاله المتولي كما في الفتح (4/ 375).
(3)
قاله أبو إسحاق الشيرازي كما في (الفتح)(4/ 375).
(4)
كذا قال الصنعاني - رحمه الله تعالى -، وإنما قال ذلك الحافظ (4/ 371).
(5)
انظر: (فتح الباري)(4/ 371).
(6)
وهو الإمام مالك - رحمه الله تعالى - كما في (الفتح)(4/ 371).
(7)
زيادة من (أ).
(8)
زيادة من (ب).
(9)
في (أ): (العارفين بالأسعار).
(10)
انظر: (فتح الباري)(4/ 371).
(11)
في (أ): (الحاضر).
[يمتنع]
(1)
، وَكُلُّ هذهِ القيودِ لا يدلُّ عليها الحديثُ بلِ استنبطُوها منْ تعليلِهم للحديث بعِللٍ متصيَّدَة منَ الحُكْمِ، ثمَّ قدْ عرفتَ أن الأصلَ في النَّهي التحريمُ، وإليهِ هنَا [ذهبتْ]
(2)
طائفةٌ منَ العلماءِ
(3)
. وقالَ آخرونَ: إنَّ الحديثَ منسوخٌ، وإنهُ جائزٌ مطلقًا كتوكيلهِ، ولحديثِ النصيحةِ. ودعْوى النسخِ غيرُ صحيحةٍ لافتقارها إلى معرفةِ التاريخِ لِيُعْرَفَ المتأخرُ، وحديثُ النصيحةِ مشروط فيه أنه (إذا استنصحَ أحدُكم أخاه فلينصحْ له)
(4)
؛ [فإنه]
(5)
[إذا]
(6)
استنصحَه نَصَحَهُ بالقولِ لا أنهُ يتولَّى لهُ البيعَ، وهذَا في حكم بيع الحاضرِ للبادي، وكذلكَ الحكمُ في الشراء لهُ فلا يشتري حاضرٌ لبادِ. وقدْ قال: البخاريُّ
(7)
: بابُ لا يشتري حاضرٌ لبادٍ بالسمسرةِ، وقالَ ابنُ حبيبٍ
(8)
المالكيِّ: [إنَّ]
(9)
الشراءَ للبادي كالبيعِ لقولهِ صلى الله عليه وسلم
(10)
: (لا يبعْ [أحدكم]
(11)
على بيعِ بعض)؛ فإنَّ معناهُ الشراءُ. وأخرجَ أبو عوانةَ في صحيحه
(12)
عن ابن سيرينَ قالَ: لقيتُ أنسَ بنَ مالكٍ فقلتُ: [أيبيع]
(13)
حاضرٌ لبادٍ، أما [نُهِيتُم]
(14)
أنْ تبيعوا أو تبتاعوا لهم؟ قال: نعم. وأخرجه أبو داود
(15)
، وعنِ ابن سيرين عن أنس بن مالك: كانَ يقالُ لا يبع
(1)
في (ب): (يمنع).
(2)
في (أ): (ذهب).
(3)
وهم الجمهور كما نقل الحافظ (4/ 371) عن ابن المنذر.
(4)
هو جزء من حديث رواه كل من:
1 -
أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، أخرجه مسلم (5/ 2162) وأوله: (حق المسلم على المسلم ست
…
).
2 -
أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا، أخرجه البيهقي (5/ 347) وأوله: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض
…
)، وحسَّنه الحافظ في (التلخيص)(3/ 151).
3 -
حكيم بن أبي زيد عن أبيه مرفوعًا، أخرجه الإمام أحمد (3/ 418) وأوله: (دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض
…
).
(5)
في (ب): (فإن).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
في (صحيحه)(4/ 372) باب رقم (70).
(8)
انظر: (فتح الباري)(4/ 373).
(9)
زيادة من (أ).
(10)
يأتي تخريجه برقم (29/ 764) من كتابنا هذا، وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة.
(11)
في (ب): (بعضكم).
(12)
في مسنده (3/ 274) رقم (4946).
(13)
في (ب): (لا يبع).
(14)
في (أ): (أنهيتكم).
(15)
في (سننه)(3/ 721) رقم (3440)، وهو حديث صحيح.
حاضرٌ لبادٍ؛ وهي كلمةٌ جامعةٌ لا يبيعُ له شيئًا، ولا يبتاعُ له شيئًا. فإنْ قيلَ قدْ لُوحِظَ في النَّهْي عنْ تلقي الجلوبةِ عدمُ غَبْنِ البادي، ولوحظَ في النَّهي عن بيع الحاضرِ للبادي الرفقُ بأهلِ البلدِ، واعتُبرَ فيهِ غبنُ البادي، وهوَ [تناقض]
(1)
، فالجوابُ أن الشارعَ يلاحظُ مصلحةَ الناسِ، ويقِّدمُ مصلحةَ الجماعةِ على الواحدِ، لا الواحدِ على [الجماعةِ]
(2)
. ولما كانَ البادي إذا باعَ لنفسِه انتفعَ جميعُ أهلِ السوقِ واشتَرَوا رخيصًا فانتفعَ بهِ جميعُ [أهل]
(3)
البلدِ، [لاحظ]
(4)
الشاعُ نفعَ أهلِ البلدِ على نفعِ البادي، ولما كانَ في التلقي [إنما ينتفعُ المتلقي خاصةً وهوَ واحدٌ لم يكنْ في إباحةِ التلقي]
(5)
مصلحةٌ، لا سيِّما وقدْ تنضافُ إلى ذلكَ علةٌ ثانيةٌ وهي لحوقُ الضررِ بأهلِ السوقِ في انفرادِ المتلقي عنْهم في الرخصِ، وقطعِ المواردِ عليهمْ، وهمْ أكثرُ منَ المتلقي، [نظرَ]
(6)
الشارعُ لهم فلا تناقضَ بينَ المسألتينِ بلْ هما صحيحتانِ في الحكمةِ والمصلحةِ.
28/ 763 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: (لا تَلَقُّوا الْجَلَبَ، فَمَنْ تُلُقَّيَ فَاشْتُرِيَ مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ)، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(7)
[صحيح]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا تلقُّوا الجَلَبَ)، بفتحِ اللامِ، مصدرٌ بمعنَى المجلوبِ، (فمنْ تُلُقِّيَ [فاشتُرِيَ]
(8)
منهُ فإذا أَتَى سيِّدُهُ السوقَ فهوَ بالخيارِ. رواهُ مسلمٌ). تقدَّمَ الكلامُ عليهِ
(9)
، وأنهُ دليل على ثبوتِ الخيارِ للبائعِ، وظاهرُه ولو شراهُ المتلقي بسعر السوقِ فإنَّ الخيارَ ثابتٌ.
النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه
29/ 764 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِيعُ الرّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلا
(1)
في (ب): (كالتناقض).
(2)
في (أ): (الواحد).
(3)
في (ب): (سكان).
(4)
في (ب): (فلاحظ).
(5)
ما بين القوسين في المطبوع دون المخطوط زيادة من (ب).
(6)
في (ب): (فنظر).
(7)
في (صحيحه)(16، 17/ 1519)، وقد سبق تخريجه أثناء شرح الحديث السابق ص (50).
(8)
في (أ): (فاشتروا).
(9)
أثناء شرح الحديث السابق.
تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ ما في إِنَائِهَا)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. وَلِمُسْلِم
(2)
: (لا يَسُم الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمٍ الْمُسْلِمِ). [صحيح]
(وعنهُ) أي أبي هريرة (قالَ: نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يبيعَ حاضرٌ لبادٍ، ولا تناجشُوا، ولا يبيعُ الرجلُ على بيعِ أخيهِ، ولا يخطبُ على خِطبةِ) بكسرِ الخاءِ المعجمةِ، وأما في الجمعةِ وغيرِها فبضمِّها (أخِيهِ، ولا تسألُ المرأةُ طلاقَ أخْتِها لتَكْفَأَ مَا في إِنائِها) كَفأْتُ الإنَاءَ وكفئتُه: قَلبْتُهُ. (متفقٌ عليهِ. ولمسلمٍ: [لا يسومُ المسلمُ]
(3)
على سومِ المسلمِ). اشتملَ الحديثُ على مسائلَ مَنْهِيٍّ عنْها:
الأُولى: نَهْيٌ عنْ بيعِ الحاضرِ للبادي وقدْ تقدَّمَ.
الثانيةُ: ما يفيدُه قولُه: ولا تناجشُوا، وهوَ معطوفٌ في المعنَى على قولهِ: نَهَى، لأنَّ معناهُ لا يبِعْ حاضرٌ لبادٍ ولا تناجشُوا. وتقدَّم الكلامُ عليهِ قريبًا في حديث
(4)
ابن عمرَ: (نهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن النجشِ).
الثالثةُ: قولُه: لا يبيعُ الرجلُ على بيعِ أخيهِ. يُرْوَى برفع المضارعِ على أن لا نافيةٌ، وبجزمِهِ على أنَّها ناهيةٌ، [فإثباتِ]
(5)
الياءِ يُقوّي الأوّلَ، وعلى الثاني فبأنهُ عُومِلَ المجزومِ معاملةَ غيرِ المجزومِ فتُركتِ الياءُ، وفي روايةٍ بحذفها فلا إشكالَ، وصورةُ البيعِ على البيعِ أنْ يكونَ قدْ وقعَ البيعُ بالخيارِ، فيأتِي في مدةِ الخيارِ رجلٌ فيقولُ للمشتري: افسخْ هذا البيعَ وأنا أبيعُك مِثْلَه بأرخصَ [منه]
(6)
، أو أحسنَ منهُ، وكذا الشراءُ على الشراءِ هوَ أنْ يقولَ للبائعِ في مدةِ الخيارِ: افسخِ البيعَ وأنا أشتريهِ منكَ بأكثرَ منْ هذا الثمنِ، وصورةُ السومِ على السومِ أنْ يكونَ قد اتفقَ [صاحب]
(7)
السلعةِ والراغبُ فيها على البيعِ ولم يعقدْ، فيقولُ [آخَرُ]
(8)
(1)
البخاري (2140)، وأطرافه (2148، 2150، 2151، 2160، 2162، 2723، 2727، 5144، 5152، 6601)، ومسلم (1515) وأخرجه أبو داود (3443) وبجزء منه أخرجه الترمذي (1222)، والنسائي (4502).
(2)
في (صحيحه)(9/ 1515).
(3)
كما في المخطوط (أ، ب، ج).
(4)
انظر تخريجه والكلام عليه في رقم (24/ 759) من كتابنا هذا.
(5)
في (ب): (وإثبات).
(6)
في (ب): (من ثمنه).
(7)
في (ب): (مالك).
(8)
زيادة من (ب).
للبائعِ: أنا أشتريهِ منكَ بأكثرَ بعدَ أنْ كانا قدِ اتفقَا على الثمنِ. وقَدْ أجمعَ العلماءُ
(1)
على تحريمِ هذهِ الصورِ كلِّها، وأنَّ فاعلَها عاصٍ. وأما بيعُ المزايدةِ وهوَ البيعُ ممنْ يزيدُ فليسَ منَ المنْهيِّ عنهُ، وقدْ بوَّبَ البخاريُّ
(2)
: بابُ بيعِ المزايدةِ، ووردَ في ذلكَ صريحًا ما أخرجَهُ أحمدُ
(3)
، وأصحابُ السُّنَنِ
(4)
، واللفظُ للترمذيِّ
(5)
وقالَ حسنٌ عنْ أنسٍ: (أنهُ صلى الله عليه وسلم باعَ حِلْسًا وقَدَحًا وقالَ: منْ يشتري هذا الحلسَ والقدحَ؟ فقالَ رجلٌ: آخذُهما بدرهمٍ، فقالَ: منْ يزيدُ على درهمٍ، فأعطاهُ رجلٌ درهمينِ فباعَهما منهُ). وقال ابنُ عبدِ البرِّ
(6)
: إنهُ لا يحرمُ البيعُ ممنْ يزيدُ اتفاقًا. وقيلَ: إنهُ يُكْرَهُ. واستُدلَّ لقائلهِ بحديثِ عنْ سفيانِ بن وهبٍ
(7)
أنهُ قالَ: (سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بيعِ المزايدةِ)، لكنّهُ [منْ روايةِ]
(8)
ابن لهيعةَ وهوَ ضعيفٌ.
الرابعةُ: قولهُ: ولا يخطبُ على خِطبةِ أخيهِ. زادَ مسلم
(9)
: إلا أنْ يأذنَ [له]
(10)
.
(1)
انظر: (موسوعة الإجماع)(1/ 186).
(2)
في (صحيحه)(4/ 354) باب رقم (59).
(3)
في (مسنده)(3/ 114).
(4)
أبو داود (1641)، والترمذي (1218)، والنسائي (4508) مختصرًا، وابن ماجه (2198) من طريق الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عن أنس بن مالك مرفوعًا وهو حديث ضعيف (الإرواء) رقم (1289).
(5)
في (سننه)(3/ 522) وقال: لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان اهـ.
قال الحافظ في (التلخيص)(3/ 15) رقم (1165): وأعلَّه ابن القطان بجهل حال أبي بكر الحنفي ونقل عن البخاري أنه قال: لا يصح حديثه. اهـ.
(6)
انظر: (التمهيد)(18/ 191).
(7)
أخرجه البزار (2/ 90) رقم (1276) كشف الأستار) وحسن إسناده الهيثمي في (المجمع)(4/ 84)، وقال الحافظ في (الفتح (4/ 354): وكأن المصنف أشار بالترجمة (وهي: بيع المزايدة) إلى تضعيف ما أخرجه البزار
…
فذكره. ثم قال: وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.
(8)
في (أ): (عن).
(9)
في (صحيحه)(8/ 1412) و (50/ 1412) من حديث ابن عمر وسياق الشارح يوهم أنها من حديث أبي هريرة والله أعلم، وحديث ابن عمر متفق عليه يأتي برقم (8/ 919) من كتابنا هذا.
(10)
زيادة من (أ).
وفي روايةٍ: (حتَّى يأذن)، والنَّهْيُ يدلُّ على تحريمِ ذلكَ. وقدْ أجمعَ العلماءُ
(1)
على [تحريم ذلك]
(2)
إذا كانَ قدْ صرَّحَ بالإجابةِ ولم يأذَنْ ولم يتركْ، فإنْ تزوجَ والحالُ هذهِ عَصَى اتفاقًا، وصحَّ عندَ الجمهورِ. وقالَ داودُ
(3)
: يُفْسَخُ النكاحُ، ونعمَ ما قالَ، و [هو]
(4)
روايةٌ عنْ مالكٍ (3)، وإنَّما اشتُرطَ التصريحُ بالإجابةِ، وإنْ كانَ النَّهيُ مطلقًا لحديثِ
(5)
فاطمةُ بنتِ قيسٍ فإنَّها قالتْ: خطبني أبو جهمٍ ومعاويةُ فلم ينكرْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خِطْبةَ بعضِهم على بعضٍ بلْ خطَبها معَ ذلكَ لأسامةَ، والقولَ بأنهُ يحتملُ أنهُ لم يعلمْ أحدُهما بخطبةِ الآخرِ، وأنهُ صلى الله عليه وسلم أشارَ بأسامةَ لا أنهُ خطبَ خلافُ الظاهرِ. وقولُه: أخيهِ أي في الدينِ، ومفهومُه أنهُ لو كانَ غيرَ أخٍ كانْ يكونَ كافرًا فلا يحرُمُ، وهوَ حيثُ تكونُ المرأةُ كتابيةً، وكان يستجيزُ نكاحَها، وبهِ قالَ الأوزاعيُّ. وقالَ غيرُه أيضًا: تَحْرُمُ على خطبةِ الكافرِ. والحديثُ خرجَ التقيدُ فيهِ مَخْرَجَ الغالبِ فلا اعتبارَ [بمفهومه]
(6)
.
الخامسةُ: قولُه: ولا تسألُ المرأةُ، يُرَوْى
(7)
مرفوعًا ومجزومًا، وعليهِ بكسرِ اللامِ لالتقاءِ الساكنينِ، والمرأدُ أن المرأةَ الأجنبيةَ لا تسألُ الرجلَ أنْ يطلِّقَ امرأتَه وينكحَها ويصيرَ ما هوَ لها منَ النفقةِ والعشرةِ لها، وعبَّرَ عنْ ذلكَ بالإكفاءِ لما في الصحفةِ من بابِ التمثيلِ، كأنَّ مَا ذكَرَ لما كان معدًا للزوجة فهو في حكمِ مَا قد جمعتهُ في الصحفةِ لتنتفعَ بهِ، فإذا ذهبَ عنْها فكأنَّما قدْ كفِئتِ الصحفةَ، وخرجَ ذلكَ عنْها فعبَّرَ عنْ ذلكَ المجموعِ المركبِ بالمركبِ [المذكورِ]
(8)
للشَّبَهِ بينَهما.
(1)
انظر: (موسوعة الإجماع)(2/ 1063).
(2)
في (ب): (تحريمها).
(3)
انظر (فتح الباري)(9/ 200) وكتاب: (الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي) ص (644).
(4)
في (ب): (هي).
(5)
أخرجه مسلم في (صحيحه)(1480)، وسيأتي تخريجه رقم (2/ 942) من كتابنا هذا.
(6)
في (ب): (لمفهومه).
(7)
يضبط مرفوعًا: (ولا تسألُ المرأةُ)، ويضبط مجزومًا:(ولا تسألِ المرأةُ).
(8)
زيادة من (ب).
[التفريق بين الوالدة وولدها]
30/ 765 - وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ فَرَّقَ بَين وَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
. وصَحّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
وَالْحَاكِمُ
(3)
، وَلكِنْ في إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ. [صحيح]
(وعنْ أبي أيوبَ الأنصاريِّ رضي الله عنه قالَ: سمعت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: مَنْ فرَّقَ بينَ والدةٍ وولدِها فرَّقَ اللهُ بَينه وبينَ أحبَّتِه يومَ القيامةِ. رواهُ أحمدُ، وصحَّحَهُ الترمذيُّ والحاكمُ، لكنْ في إسنادهِ مقالٌ)، لأنَّ فيه [حييّ]
(4)
بنَ عبدِ اللهِ المعافريَّ مُخْتَلَفٌ فيهِ. (ولهٌ شاهدٌ) كأنهُ يريدُ بهِ حديثَ
(5)
عبادةَ بن الصامتِ: "لا يفرَّقُ بينَ الأمِّ وولدِها، قيلَ: إلى متَى؟ قالَ: حتَّى يبلغَ الغلامُ، وتحيضَ الجاربةُ"، أخرجهُ الدارقطنيُّ والحاكمُ، وفي سندهِ عندَهما عبدُ اللهِ بنُ عمرو الواقفيُّ، وهوَ ضعيفٌ. ولا يخفَى أن هذَا الحديثَ والذي بعدَه كان يحسنُ [ضمُّهما]
(6)
إلى حديثِ
(7)
ابن عمرَ الذي تقدَّمَ في النَّهي عنْ بيعِ أمهاتِ الأولادِ، أو يؤخِّرهُ إلى هنا، وهذا
(1)
في "المسند"(5/ 413).
(2)
في "سننه"(1283) لكن في النسخة التي بين أيدينا قال: هذا حديث حسن غريب.
ويؤيده ما ذكره المصنف في "التلخيص"(3/ 15 رقم 1169) قال: والترمذي وحسنه.
(3)
في "المستدرك"(2/ 55).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 227)، والبيهقي (9/ 126)، والطبراني في "الكبير"(4/ 182 رقم 4080)، والدارقطني 3/ 67 رقم 256)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1/ 280 رقم 456) وهو حديث صحيح، وقد صحَّحه حمدي السلفي في "مسند الشهاب".
(4)
انظر لترجمته: "ميزان الاعتدال"(1/ 623 رقم 2392) في (ب): "حسين".
(5)
أخرجه الدارقطني (3/ 68 رقم 258)، والحاكم (2/ 55) وقال: حديث صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بقوله: "موضوع وابن حسان كذاب" اهـ.
وقال الدارقطني: (3/ 68): "عبد الله هذا هو الواقفي، وهو ضعيف الحديث، رماه علي بن المديني بالكذب ولم يروه عن سعيد غيره" اهـ.
ووافق الحافظ في "التلخيص"(3/ 16) الدارقطني بقوله السابق.
(6)
في (أ): "ضمه".
(7)
انظر الحديث رقم (12/ 747) المتقدم من كتابنا هذا.
الحديثُ ظاهرٌ في تحريمِ التفريقِ بينَ الوالدةِ وولدِها، وظاهِرُه عام في الملْكِ والجهاتِ إلَّا أنهُ لا يُعْلَمُ أنهُ ذهبَ أحدٌ إلى هذَا العمومِ فهوَ محمولٌ على التفريقِ في الملْكِ، وهوَ صريحٌ في حديثِ عليٍّ الآتي، وظاهرُه أيضًا تحريمُ التفريقِ ولوْ بعدَ البلوغِ، إلَّا أنهُ يُقَيَّدُ بحديثِ عبادةَ [بن الصامت]
(1)
. وفي الغيثِ
(2)
أنهُ خصَّه في الكبيرِ الإجماعُ كما في العتقِ، وكأنَّ مستندَ الإجماعِ حديثُ عبادةُ، ثمَّ الحديثُ نصٌّ في تحريمِ التفريق بينَ الوالدةِ وولدِها، وقِيْسَ عليهِ سائرُ الأرحامِ المحارِمُ بجامعِ الرحامةِ، وكذلكَ وردَ النصُّ في الإخوة وهو ما أفادهُ قولُه:
[التفريق بين الأقارب في البيع]
31/ 766 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَبِيعَ غُلامَيْن أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَدْرِكْهُمَا فَارْتَجِعْهُمَا، وَلا تَبِعْهُمَا إلَّا جَمِيعًا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(3)
، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُوِد
(4)
، وابْنُ حِبَّانَ، والْحَاكِمُ
(5)
، والطَّبَرَانيُّ وابْنُ الْقَطَّانِ. [حسن بشواهده]
(1)
زيادة من (أ).
(2)
"الغيث المدرار" تقدَّم تعريفه وتعريف مؤلفه أثناء شرح الحديث رقم (20/ 755) من كتابنا هذا.
(3)
في "المسند"(15/ 54 رقم 186 - الفتح الرباني).
(4)
في "المنتقى"(575) بإسناد صحيح بالمتابعة قاله أبو إسحاق الحويني في "الغوث".
(5)
في "المستدرك"(2/ 54) ووافقه الذهبي، وأخرجه الدارقطني (3/ 65 رقم 249) من رواية الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه، وقال الهيثمي في "المجمع" (3/ 107):"رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح" اهـ.
ورواه أيضًا من طريق أخرى عن علي رضي الله عنه الترمذي (1284) وحسنه، وابن ماجه (2249)، والدارقطني (3/ 66 رقم 250) وهو من طريق الحجاج بن أرطأة عن الحكم بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب عن علي بنفس متن حديث الباب وخالف أبو خالد الدالاني فرواه بلفظ مغاير رواه أبو داود (2696)، والحاكم (2/ 55)، والدارقطني (3/ 66 رقم 251) قال أبو داود (3/ 145):"ميمون لم يدرك عليًا قتل بالجماجم" اهـ فالصواب الرواية الأولى واللهُ أعلم.
(وعنْ عليِّ بن أبي طالبٍ عليه السلام قالَ: أمرنِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أبيعَ غلامينِ أخوينِ، فبعتُهما، ففرَّقت بينَهما، فذكرتُ ذلكَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: أدْرِكْهما فارتجعْهما، ولا تبعْهما إلا جميعًا. رواهُ أحمدُ، ورجالهُ ثقاتٌ، وقدْ صحَّحَه ابن خزيمةَ، وابن الجارودِ، وابن حبانَ، والحاكمُ، والطبرانيُّ، وابنْ القطانِ). وحَكَى ابنُ أبي حاتمٍ عن أبيه في العللِ
(1)
أنهُ إنما سمعَه الحَكَم منْ ميمونِ بن أبي شبيبٍ، وهوَ يرويهِ عنْ عليٍّ رضي الله عنه وميمونٌ لم يدركْ عليًا. والحديثُ دليلٌ على بُطْلانِ هذا البيعِ، ودلَّ على تحريمِ التفريقِ كما دلَّ عليه الحديثُ الأولُ، إلا أن الأوَّلَ دلَّ على التفريقِ بأيّ وجْهٍ من الوجوهِ، وهذا الحديثُ نصٌّ في تحريمهِ بالبيعِ، وألحقُوا بهِ تحريمَ التفريق بسائرِ الإنشاءاتِ كالهبةِ والنذرِ، وهوَ ما كانَ باختيارِ المفرِّقِ، وأما التفريقُ بالقسمةِ فليسَ باختيارهِ فإنَّ سببَ الملْكِ قَهْرِيٌ، وهو الميراثُ. وحديثُ عليٍّ رضي الله عنه قدْ دلَّ على بطلانِ البيعِ ولكنهُ عارضَهُ الحديثُ الأولُ حديثُ أبي أيوبَ
(2)
؛ فإنهُ دلَّ على صحةِ الإخراجِ عن الملكِ بالبيعِ. نحوُهُ المستحقُّ للعقوبةِ، إذْ لو كانَ لا يصحُّ الإخراجُ عن المُلكِ لم يتحققِ التفريقُ فلا عقوبةَ، ولذا اختلفَ العلماءُ في ذلكَ؛ فذهبَ أبو حنيفةَ
(3)
إلى أنهُ ينعقدُ معَ العصيان قالُوا: والأمرُ بالارتجاعِ للغلامينِ يُحْتَمَلُ أنهُ بعقدٍ جديدٍ برضَا المشتري.
فائدةٌ: في التفريق بينَ البهيمةِ وولدِها وجهانِ: لا يصحُّ لِنَهْيهِ صلى الله عليه وسلم عنْ تعذيبِ البهائم، ويصحُّ قياسًا على الذبحِ، وهوَ الأَوْلَى.
[حكم التسعير]
32/ 767 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: غَلا السِّعْرُ في الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ غَلا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الله هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الرَّازِقُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى الله تَعَالَى وَلَيسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ في دَمٍ وَلا مَالٍ"، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
(4)
(1)
(1/ 386) رقم (1154).
(2)
الحديث السابق رقم (30/ 765).
(3)
انظر: "المبسوط"(13/ 140).
(4)
أبو داود (3451)، والترمذي (1314) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2200)، وأحمد (3/ 156، 286).
إلَّا النَّسائِيَّ، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(1)
. [صحيح]
(وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قالَ: غلا السعرُ) الغلا [مقصور]
(2)
وهوَ ارتفاعُ السعرِ على معتادِه (في المدينةِ، على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال النّاسُ: يا رسولَ اللهِ، غلا السِّعرُ فسعِّرْ لنَا، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله هوَ المسعِّرُ) يعني يفعلُ ذلكَ هوَ وحدَه بإرادتهِ، (القابضُ) أي المقتِّر (الباسطُ) الموسِّعُ، مأخوذٌ منْ قولهِ تعالَى:{وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ}
(3)
، ([الرزاق]
(4)
، وإني لأرجُو أنْ ألقَى الله وليسَ أحدٌ منكمْ يطلبُني بمظلمةٍ في دمٍ ولا مالٍ. رواة الخمسةُ إلا النسائيَّ، وصحَّحَهُ ابنُ حبانَ)، وأخرجهُ ابنُ ماجه، والدارميُّ، والبزارُ، وأبو يَعْلَى
(5)
منْ حديثِ أنسٍ، وإسنادُه على شرطِ مسلمٍ، وصحَّحهُ الترمذيُّ. والحديثُ دليل على أن التسعيرَ مظلمةٌ، وإذا كانَ مظلمةً فهوَ محرَّمٌ. وإلى هذَا ذهبَ أكثرُ العلماءِ. ورُوِيَ عنْ مالكٍ
(6)
أنهُ يجوزُ التسعيرُ ولو في القُوْتَينِ. والحديثُ دالٌ على تحريمِ التسعيرِ لكلِّ متاعٍ وإن كانَ سياقُه في خاصٍّ. وقالَ المهدي
(7)
: إنهُ استحسنَ الأئمةُ المتأخرونَ تسعيرَ ما عدا القوتينِ كاللَّحمِ والسَّمنِ، ورعايةً لمصلحةِ الناسِ، ودفعِ الضررِ عنْهم، وقد استوفينا الكلام في هذهِ المسألةِ في منحة الغفارِ
(8)
وبسَطنا القولَ هناكَ بما لا مزيدَ عليهِ.
[حكم الاحتكار وفيم يكون]
33/ 768 - وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(9)
. [صحيح]
(1)
في "صحيحه"(11/ 307 رقم 4935 - الإحسان).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 249)، والبيهقي (6/ 29) وقال الحافظ في "التلخيص" (3/ 14):(وإسناده على شرط مسلم) اهـ. وصحَّحه الألباني في "غاية المرام"(ص 194 رقم 323).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
سورة البقرة: الآية 245.
(4)
في (ب): "الرازقُ".
(5)
في "مسنده"(5/ 160، 245 رقم 9/ 2774، 106/ 2861)، (6/ 445 رقم 1077/ 3832).
(6)
انظر: "نيل الأوطار"(5/ 220).
(7)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 318، 319).
(8)
انظر: بحاشية "ضوء النهار"(3/ 1239 - 1242) فقد أجاد وأفاد.
(9)
في "صحيحه"(129/ 1605). =
[ترجمة معمر بن عبد الله]
(وعنْ معمرِ
(1)
بن عبدِ اللهِ) هوَ بفتحِ الميمِ، وسكونِ العينِ [المهملة]
(2)
، وفتحِ الميم، ويقالُ [لهُ]
(3)
معمرُ بنُ أبي معمر، أسلمَ قديمًا، وهاجرَ إلى الحبشةِ، وتأَخرتْ هجرتُه إلى المدينهِ، ثمَّ هاجرَ إليها وسكنَ بها.
(عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا يحتكرُ إلا خاطئٌ) بالهمز هوَ العاصي الآثمُ (رواهُ مسلمٌ). وفي الباب أحاديثُ دالةٌ على تحريمِ الاحتكارِ، وفي "النهاية"
(4)
على قولهِ صلى الله عليه وسلم: منِ احتكَرَ طعاما قالَ: أي اشتراهُ وحبسهُ ليقلَّ [فيغلى]
(5)
.
وظاهرُ حديثِ مسلمٍ تحريمُ الاحتكارِ للطعامِ وغيرِه، إلَّا أنْ يدَّعيَ أنهُ لا يقالُ احتكرَ إلَّا في الطعامِ، وقدْ ذهبَ أبو يوسفَ إلى عمومهِ فقالَ: كلُّ ما أضرَّ بالناسِ حبْسهُ فهوَ احتكارٌ، وإنْ كانَ ذهبًا أو ثيابًا. وقيلَ: لا احتكارَ إلا في قوتِ الناسِ وقوتِ البهائمِ، وهوَ قولُ الهادويةِ
(6)
والشافعيةِ
(7)
، ولا يَخْفَى أن الأحاديثَ الواردةَ في منعِ الاحتكارِ وَرَدَتْ مطلقةً ومقيدة بالطعامِ، وما كانَ منَ الأحاديثِ على هذا الأسلوبِ فإنهُ عندَ الجمهورِ لا يقيدُ فيهِ المطلقُ بالمقيدِ لعدمِ التعارضِ بينَهما، بلِ يبقَى المطلقُ على إطلاقهِ، وهذا يقتضي أنهُ يُعْمَلُ بالمطلقِ في منعِ الاحتكارِ مُطْلقًا ولا يُقَيَّدُ بالقوتينِ إلَّا على رأي أبي ثورٍ، [فإنه يقيد عنده الطعام فقط، لأنه الذي ورد به النص المقيد لا غيره، فلا يحرم الاحتكار عنده إلا في الطعام](3). وقدْ ردَّهُ أئمةُ الأصولِ، وكأنَّ الجمهورَ خصُّوهُ بالقوتينِ نظرًا إلى الحكمةِ المناسبةِ للتحريمِ، وهي دفعُ الضَّررِ عنْ عامةِ الناسِ، والأغلبُ في دفعِ الضررِ عن
= وأخرجه أبو داود (3447)، والترمذي (1267)، وابن ماجه (2154)، وأحمد (6/ 400)، والدارمي (2/ 248)، والبيهقي (6/ 30)، والحاكم (2/ 11).
(1)
انظر ترجمته في: "تجريد أسماء الصحابة" للذهبي (2/ 89 رقم 1000)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (5/ 236 رقم 5040).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
(1/ 417).
(5)
كذا في المخطوط (أ)، وصوابه:"فيغلو"، كما في "النهاية" وفي (ب) أيضًا.
(6)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 319).
(7)
انظر: "ضوء النهار"(3/ 1237) و "شرح مسلم" للإمام النووي (11/ 43).
العامةِ إنَّما يكونُ في القوتينِ، فقيَّدوا الإطلاقَ بالحكمةِ المناسبةِ، أو أنَّهم قَيَّدُوه بمذهبِ الصحابيِّ الراوي. فقدْ أخرجَ مسلمٌ
(1)
عنْ سعيد بن المسيبِ أنهُ كانَ يحتكرُ، فقيلَ لهُ: فإنكَ تحتكرُ، فقالَ: لأنَّ معمَّرًا راوي الحديثِ كانَ يحتكرُ. قال ابنُ عبدِ البرِّ
(2)
: كانا يحتكران الزيتَ وهذا ظاهرٌ أن سعيدًا قيَّدَ الإطلاقَ بعملِ الراوي، وأما معمَّرٌ فلا يعلمُ بمَ قيَّدَه، ولعلَّهُ بالحكمةِ المناسبةِ التي قيَّدَ بها الجمهورُ.
[التصرية في البيع وحكمها]
34/ 769 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةُ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تُصَرُّوا الإِبِلَ والْغَنَمَ، فَمَن ابْتَاعَهَا بعدُ فَهُوَ بخَيرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْر"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
. [صحيح]
وَلمُسْلِمٍ
(4)
: "فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثلاثةَ أَيَّام".
وَفي رِوَايَةٍ لَهُ
(5)
عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ
(6)
: "وَرَدَّهَا مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَام، لا سَمْرَاءَ"، فَالَ الْبُخَارِيُّ (6): وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ.
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا تُصَرَّوا) بضمِّ المثناةِ الفوقيةِ، وفتحِ الصادِ المهملةِ، منْ صَرَى يصري على الأصحِّ (الإبلَ والغنمَ، فمنِ ابتاعَها بعدُ فهوَ بخيرِ النظرينِ) الرأيينِ، (بعدَ أنْ يحلبَها إنْ شاءَ أمسكَ، وإنْ شاءَ ردَّها وصاعًا)
(1)
في "صحيحه"(129/ 1605).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 43).
(3)
البخاري (2148)، ومسلم (11/ 1515).
قلت: وأخرجه أبو داود (3443)، والنسائي (4487، 4488)، وأحمد (2/ 242، 394، 410، 465)، ومالك في "الموطأ"(2/ 683 رقم 96)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 318).
(4)
في "صحيحه"(24، 25/ 1524).
(5)
أي لمسلم في "صحيحه"(25/ 1524).
(6)
في "صحيحه" في آخر الحديث رقم (2148)، وليس فيه "لا سمراء".
• والسمراء: هي الحنطة الشامية كما قال الحافظ.
عطفٌ على ضمير المفعولِ في ردِّها على تقديرِ ويعطي (منْ تمرٍ. متفقٌ عليهِ. ولمسلم)، أي عن أبي هريرة:(فهو بالخيار ثلاثة أيام. وفي رواية له علَّقها البخاري: وردَّ معها صاعًا منْ طعامٍ لا سمراءَ. قالَ البخاريُّ: والتمرُ أكثرُ).
أصلُ التصريةِ: حَبْسُ الماءِ، يقالُ: صريتُ الماءَ إذا حبسْتُهُ. وقالَ الشافعي
(1)
: [هيَ]
(2)
ربطُ أخلافِ الناقةِ أو الشاةِ وتركُ حلبها حئى يجتمعَ لبنُها، فيكثرُ فيظنُّ المشتري أنَّ ذلكَ عادتُها، ولم يذكرْ في الحديثِ البقر، والحكمُ واحدٌ. [والحديثِ]
(3)
نَهَى عن التصريةِ للحيوانِ إذا أُريدَ بيعُه، لأنهُ قدْ وردَ تقييدُه في روايةِ النسائيِّ
(4)
بلفظ: "لا تصرُوا الإبلَ والغنمَ للبيعِ"، وفي روايةٍ
(5)
لهُ: "إذا باعَ أحدُكم الشاةَ أو اللقحةَ فَلْيحْلِبْها، وهذا هوَ الراجحُ عندَ الجمهورِ، ويدلُّ عليهِ التعليلُ بالتدليسِ والغرر كذا قيلَ، إلَّا أني لم أرَ التعليلَ بهما منصوصًا. وأما التصريةُ لا للبيعِ بلْ ليجتمعَ الحليبُ لنفعِ المالكِ فهوَ وإنْ كانَ فيهِ إيذاءٌ للحيوانِ إلَّا أنهُ ليسَ فيهِ إضرارٌ فيجوزُ، وظاهرُ الحديثِ أنهُ لا يثبتُ الخيارُ إلا بعدَ الحلبِ، ولو ظهرتِ التصريةُ بغيرِ حلْبٍ فالخيارُ ثابتٌ، وثبوتُ الخيارِ قاضٍ بصحةِ بيعِ المصرَّاةِ.
وفي الحديث دليلٌ على أن الردَّ بالتصرية فوريٌّ، لأنَّ الفاءَ في قولهِ: فهوَ بخيرِ النظرين تدلُّ على التعقيبِ منْ غيرِ تراخٍ. وإليهِ ذهبَ بعضُ الشافعيةِ
(6)
. وذهبَ الأكثرُ إلى أنهُ على التراخي لقوله صلى الله عليه وسلم: "فلهُ الخيارُ ثلاثًا". وأجيبَ منْ طرفِ
(7)
القائلِ بالفورِ أن ذلكَ محمولٌ على ما إذا لم يعلمْ أنَّها مصراةٌ إلا في الثالثِ، لأنَّ الغالبَ أنَّها لا تُعْلَمُ في أقلَّ منْ ذلكَ لجوازِ النقصانِ باختلافِ العلفِ ونحوهِ، ولأنَّ في روايةِ أحمدَ
(8)
والطحاويِّ
(9)
: "فهوَ بأحدِ النظرينِ بالخيارِ إلى أنْ يحوزَها [أو يردَّها]
(10)
". وأما ابتداءُ الثلاثِ ففيهِ خلافٌ، قيلَ:
(1)
انظر: "فتح الباري"(4/ 362).
(2)
في (أ): "هو".
(3)
في (ب): "لحديث".
(4)
في "السنن"(4487).
(5)
في "سنن النسائي"(4486).
(6)
انظر: "فتح الباري"(4/ 362).
(7)
في المخطوط "طريق" وما أثبتناه في المطبوع وهو أولى.
(8)
في "المسند"(2/ 242) بلفظ: "فهو بخير النظرين إن شاء أمسكها وإن شاء ردَّها
…
".
(9)
في "شرح معاني الآثار"(4/ 17) بلفظ: "فهو بخير النظرين بين أن يختارها وبين أن يردَّها
…
".
(10)
زيادة من (جـ).
منْ بعدِ تَبَيُّنِ التصريةِ، وقيلَ: منْ عندِ العقدِ، وقيلَ: منَ التفرُّقِ
(1)
. ودلَّ الحديثُ أنهُ يردُّ عوضَ اللبنِ صاعًا منْ تمرٍ، وأما الروايةُ التي عَلَّقَهَا البخاريُّ
(2)
بذكرِ: "صاعًا منْ طعامٍ" فقدْ رجَّحَ البخاريُّ روايةَ التمرِ لكونهِ أكثر
(3)
. وإذا ثبتَ أنهُ يردُّ المشتري صاعًا منْ تمرٍ ففي المسألةِ ثلاثةُ أقوال:
الأولُ: للجمهور
(4)
منَ الصحابةِ والتابعينَ بإثباتِ الردِّ للمصراةِ، ردِّ [صاعٍ]
(5)
منْ تمرٍ، سواءٌ كانَ اللبنُ كثيرًا [أو]
(6)
قليلًا، والتمرُ قوتًا لأهلِ البلدِ أوْ لا.
والثاني: للهادويةِ
(7)
، فقالُوا: تُرَدُّ المصرَّاةُ، ولكنَّهم قالُوا بردِّ اللبنِ بعينهِ إنْ كانَ باقيًا، أو مثلِه إنْ كانَ تالفًا، أو قيمتِه يومَ الردِّ حيثُ لم يوجدِ المثلُ. قالُوا: وذلك [لأنه]
(8)
تقرَّرَ أن ضمانَ المتلفِ إنْ كانَ مِثْلِيًا فبالمثلِ، وإنْ كانَ قيْميًّا فبالقيمةِ، واللبنُ إنْ كانَ مثليًا ضمن بمثله وإن كان قيميًا قُوِّمَ بأحدِ النقدينِ وضُمِنَ بذلكَ، فكيفَ يضمنُ بالتمرِ أو الطعام؟ قالُوا: وأيضًا فإنهُ كانَ الواجبُ أنْ يختلفَ الضمانُ بقدرِ اللبنِ، ولا يُقَدَّرُ بصاعٍ أَقلَّ أَوْ أكثرَ. وأُجِيْبَ بأنَّ هذا القياسَ تضمَّنَ العمومَ في جميعِ المتلفاتِ، وهذا خاصٌّ وردَ بهِ النصُّ، والخاصُّ مقدَّمٌ على العامِّ.
أما تقديرُ الصاعِ فإنهُ قدَّرَهُ الشارعُ لِيدفَعَ التشاجرَ لعدم الوقوفِ على حقيقةِ قدْرِ اللبنِ لجوازِ اختلاطِه بحادث بعدَ البيعِ، فَقَطَعَ الشارعُ النزاعَ وقدَّرهُ بحدٍّ لا يبعدُ رفعًا للخصومَةِ، وقدَّرَهُ بأقربِ شيءٍ إلى اللبنِ، فإنَّهما كانا قوتًا في ذلك الزمانِ، ولهذا الحكمِ نظائرُ في الشريعةِ وهوَ ضمانُ الجناياتِ
(9)
كالموضحةِ؛ فإنَّ أرشَها مقدَّرٌ معَ الاختلافِ في الكبرِ والصغرِ؛ والغرةِ في الجنينِ معَ اختلافهِ؛ والحكمةُ في ذلكَ كلِّه دفعُ التشاجر.
(1)
في المخطوط: "التصرف" وما أثبتناه من المطبوع.
(2)
في "صحيحه"(4/ 361 في آخر الحديث 2148).
(3)
يعني أكثر الروايات بذكر التمر وأقلها بذكر الطعام أو بدون ذكر شيء.
(4)
انظر: "فتح الباري"(4/ 364).
(5)
في (أ): "وصاعًا".
(6)
في المخطوط "و"، وما أثبتناه في المطبوع.
(7)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 353).
(8)
في (أ): "أنه".
(9)
انظر: كتاب الجنايات من كتابنا هذا من الحديث رقم (1/ 1087).
والثالثُ: للحنفيةِ
(1)
، فخالفُوا في أصلِ المسألةِ وقالُوا: لا يُرَدُّ [المبيع]
(2)
بعيبِ التَّصريةِ، فلا يجبُ ردُّ الصاعِ منَ التمرِ، واعتذَرُوا عن الحديثِ بأعذارٍ كثيرةٍ. بالقدحِ في الصحابيِّ
(3)
الراوي للحديثِ، وبأنهُ حديثٌ مُضْطَّرِبٌ
(4)
، وبأنهُ منسوخٌ
(5)
، وبأنهُ معارَضٌ بقولهِ تعالَى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
(6)
، وكلُّها أعذارٌ مردودةٌ. وقالُوا: الحديثُ خالفَ قياسَ الأصولِ منْ جهاتٍ:
الأولى: منْ حيثُ إنَّ اللبنَ التالفَ إنْ كانَ موجودًا عندَ العقدِ [فهو]
(7)
نقصُ
(1)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 19، 20)، و "فتح الباري"(4/ 364، 365).
(2)
في (ب): "البيع".
(3)
وهو كلام أذى قائله به نفسه كما قال الحافظ في "الفتح"(4/ 364).
(4)
قال الحافظ (4/ 365): "ومنهم من قال هو حديث مضطرب لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى، واعتباره بالصاع تارة وبالمثل تارة وبالإناء أخرى، والجواب أن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها. اهـ.
وقال (4/ 364) - بعد أن ساق روايات -: "فهذه الروايات تبين أن المراد بالطعام التمر ولما كان المتبادر إلى الذهن أن المراد بالطعام القمح نفاه بقوله: "لا سمراء". قال: لكن يعكِّر على هذه الجمع ما رواه البزار من طريق أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين بلفظ: "إن ردَّها ردَّها ومعها صاع من بُرٍّ لا سمراء"، وهذا يقتضي أن المنفي في قوله لا سمراء حنطة مخصوصة وهي الحنطة الشامية فيكون المثبت قوله: "من طعام" أي من قمح، ويحتمل أن يكون راويه رواه بالمعنى الذي ظنه مساويًا وذلك أن المتبادر من الطعام البر فظن الراوي أنه البر فعبر به، وإنما أطلق لفظ الطعام على التمر لأنه كان غالب قوت أهل المدينة، فهذا طريق الجمع بين مختلف الروايات عن ابن سيرين في ذلك، لكن يعكر على هذا ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة نحو حديث الباب وفيه: "فإن ردَّها ردَّ معها صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر"، فإن ظاهره التخيير بين التمر والطعام وأن الطعام غير الثمر، ويحتمل أن تكون "أو" شكًا من الراوي لا تخييرًا، وإذا وقع الاحتمال في هذه الروايات لم يصح الاستدلال بشيء منها فيرجع إلى الروايات التي لم يختلف فيها وهي التمر فهي الراجحة كما أشار إليه البخاري.
(5)
انظر ما زعموا بأنه ناسخ والرد عليه في: "الفتح"(4/ 365)، و"شرح معاني الآثار"(4/ 20، 21، 22).
(6)
سورة النحل: الآية 126.
وأجاب الحافظ على الاستدلال بهذه الآية: بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات، والمتلفات تضمن بالمثل وبغير المثل. اهـ من "الفتح"(4/ 365).
(7)
في (ب): "فقدْ".
جزءٍ منَ المبيعِ فيمتنعُ الردُّ، وإنْ كانَ حادثًا عندَ المشتري فهوَ غيرُ مضمونٍ. وأُجِيْبَ أولًا: بأنَّ الحديث أصلٌ مُسْتَقِلٌ برأسهِ لا يقالُ إنهُ خالفَ قياسَ الأصولِ
(1)
.
وثانيًا: بأنَّ النقصَ إنما يمنعُ الردَّ إذا لمْ يَكُنْ لاستعلامِ العيْبِ، وهُو هُنَا لاستعلامِ العيبِ فلا يُمنع.
والثانيةُ: منْ حيثُ إنهُ جعلَ الخيارَ فيهِ ثلاثًا معَ أن خيارَ العيبِ، وخيارَ المجلسِ، وخيارَ الرؤيةِ، لا يقدرُ شيءٌ منها بالثلاثِ. وأجيبَ بأنَّ المصرَّاةَ انفردتْ بالمدَّةِ المذكورة، لأنهُ لا يتبينُ حكمُ التصريةِ في الأغلبِ إلَا بها بخلافِ غيرِها.
والثالثةُ: [من حيث]
(2)
إنَّهُ يلزمُ ضمانُ الأعيانِ معَ بقائِها حيثُ كانَ اللبنُ موجودًا. وأُجِيبَ عنهُ بأنهُ غيرُ موجودٍ متميزٍ لأنهُ مختلطٌ باللبنِ الحادثِ فقدْ تعذَّرَ ردُّه بعينهِ بسببِ الاختلاطِ فيكونُ مثلَ ضمانِ العبدِ المغصوبِ الآبقِ.
والرابعةُ: إنَّهُ يلزمُ إثبات الرد بغير عيب، لأنه لو كان نقصانُ اللبن عيبًا لثبت به الرد من دون تصرية، ولا اشتراط لأنه لم يشترط الردَّ. وأجيبَ بأنه في حكم خيار الشرط منْ حيثُ المعنَى؛ فإنَّ المشتري لما رَأَى ضِرعَها مملوءًا فكأنَّ البائعَ شرطَ لهُ أنَّ ذلكَ عادةٌ لها، وقد ثبتَ لهذا نظائرُ مثلُ ما تقدَّمَ في تلقي الجلوبةِ. وإذا تقرَّرَ عندكَ ضعفُ القولينِ الآخريْنِ علمتَ أن الحقَّ
(3)
هوَ الأَوَّلُ، وعرفتَ أن الحديثَ أصلٌ
(4)
في النَّهي عن الغشِّ، وفي ثبوتِ الخيارِ لمنْ دلَّسَ عليهِ، وفي أنَّ التدليسَ لا يفسدُ أصلَ العقدِ، وفي تحريمِ التصريةِ للمبيعِ وثبوتِ الخيارِ بها. وقدْ أخرجَ أحمدُ
(5)
، وابنُ ماجهْ
(6)
منْ حديثِ ابن مسعودٍ مرفوعًا: "بيعُ المحفلاتِ خِلابةٌ، ولا تحلُّ الخلابةُ، لمسلمٍ"، وفي إسنادهِ ضعفٌ، ورواه ابنُ أبي شيبةَ
(1)
الحديث أصل والقياس فرع، فكيف يرد الفرعُ الأصلَ؟
(2)
زيادة من (أ).
(3)
انظر: "فتح الباري"(4/ 366، 367).
(4)
كما قال ابن عبد البر، انظر:"الفتح"(4/ 367).
(5)
في "المسند"(1/ 433).
(6)
في "سننه"(2241).
قلت: وأخرجه البيهقي (5/ 317)، وابن أبي شيبة (6/ 216 رقم 859).
وضعَّفه الحافظ في "الفتح"(4/ 367)، والألباني في "ضعيف ابن ماجه"(ص 172 رقم 487/ 2241).
مرفوعًا
(1)
بسندٍ صحيحٍ. والمحَفَّلاتُ: جَمْعُ مُحَفَّلة بالحاءِ المهملةِ والفاءِ، التي تَجْمعُ لبنها في [ضرعها]
(2)
، والخِلابةُ: بكسرِ الخاءِ المعجمةِ وتخفيفِ اللامِ، بعدَها موحدةٌ، الخداعُ.
35/ 770 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(3)
، وزَادَ الإِسْمَاعِيليُّ مِنْ تَمْرٍ
(4)
. [صحيح]
(وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: من اشتَرى شاةً محفَّلةً فردَّها فليردَّ معهَا صاعًا. رواهُ البخاريُّ، وزادَ الإسماعيليُّ: منْ تمرِ)، لم يرفعْه المصنِّفُ بلْ وقَفَهُ على ابن مسعودٍ، لأنَّ البخاريَّ لمْ يرفعْه. وقدْ تقدَّم
(5)
الكلامُ على معناهُ مُسْتَوْفَى.
[تحريم الغشِّ]
36/ 771 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ منْ طَعَامٍ، فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بلَلًا فَقَالَ:"مَا هذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ "، قَالَ: أَصَابَتْهُ السمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:"أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيسَ مِنِّي"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(6)
. [صحيح]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مرَّ علي صُبرةٍ)، الصُّبْرةُ: بضمِّ الصادِ المهملةِ، وسكونِ الموحدةِ، الكَوْمةُ المجموعةُ منَ الطعامِ، (فأدخل يدَه فيها فنالتْ أصابعُه بللًا، فقالَ: ما هذَا يا صاحبَ الطعامِ؟ قالَ: أصابتْه السماءُ يا رسولَ اللهِ، قالَ:
(1)
كذا في المطبوع، وفي المخطوط "موقوفًا" وكلاهما صحيح، فإنه رواه مرفوعًا كما تقدم في التعليق السابق وموقوفًا (6/ 214 رقم 855)، وأخرجه أيضًا موقوفًا على عبد الله بن مسعود: البيهقي (5/ 317)، وعبد الرزاق (8/ 198 رقم (14865) وصحَّح إسناده الحافظ في "الفتح"(4/ 367).
(2)
في (ب): "ضروعها".
(3)
في "صحيحه"(2149) وطرفه رقم (2164).
(4)
وهي في البخاري أيضًا كما في النسخة التي بين أيدينا (4/ 361 رقم 2149).
(5)
في شرح الحديث السابق رقم (34/ 769).
(6)
في "صحيحه"(102).
قلت: وأخرجه أبو داود (3452)، والترمذي (3/ 606) رقم (1315)، وابن ماجه (2224)، وأحمد (2/ 242)، وأبو عوانة (1/ 57)، والبيهقي (5/ 320)، والحاكم (2/ 8).
أَفَلا جعَلتَه فوقَ الطعامِ كي يراهُ الناسُ؟ مَنْ غشَّ فليسَ منِّي. رواه مسلمٌ).
قالَ النووي
(1)
رحمه الله: كَذَا في الأصولِ "منِّي" بياءِ المتكلمِ، وهوَ صحيحٌ، ومعناهُ ليسَ ممنِ اهتدَى بهديي واقْتدَى بعلمي وعملي، وحُسْنِ طريقتي. وكان سفيانُ بنُ عيينةَ يكرهُ تفسيرَ مثلِ هذا، [ونقولُ:]
(2)
نمسكُ عنْ تأويلِه ليكونَ أوقعَ في النفوسِ، وأبلغَ في الزَّجْرِ. والحديثُ دليلٌ على تحريمِ الغش، وهوَ مجمعٌ على تحريمهِ شرعًا، مذمومٌ فاعلُه عقلًا.
[بيع العنب لمن يتخذه خمرًا]
37/ 772 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بن بُرَيْد عَنْ أَبيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَبَسَ الْعِنبَ أَيَّامَ الْقطَافِ حَتَّى يَبيعَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا فَقدْ تَقَحَّمَ النَّارَ عَلَى بَصِيرَةٍ"، رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ
(3)
في الأَوْسطِ بإِسْنَادٍ حَسَنٍ
(4)
. [باطل]
[ترجمة عبد الله بن بريدة]
(وعنْ عبد اللهِ بن بريدةَ) هو أبو سهل
(5)
عبدُ اللهِ بنُ بريدةَ بنَ الحصيبِ الأسلميِّ، قاضي مَرْوٍ، تابعيُّ ثقةٌ سمعَ أباهُ وغيرَهُ، (عنْ أبيهِ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: منْ حبَسَ العنبَ أيامَ القطافِ)، الأيامُ التي يُقْطَفُ فيها (حتَّى يبيعَه ممنْ يَتَّخذُهُ خمرًا فقدْ تقحَّم) بالقاف، ثم الحاء المهملة المشدَّدة، أي: رمى بنفسه على بصيرة، وثبتت (النارَ على بصيرة)، أي على علم بالسببِ الموجبِ لدخوله.
(1)
في "شرح صحيح مسلم"(2/ 109).
(2)
في (أ): "ويقول".
(3)
رقم (5356)، وانظر: الضعيفة للألباني (3/ 429).
(4)
ذكره في "المجمع"(4/ 90) ثم قال: "وفيه عبد الكريم بن عبد الكريم قال أبو حاتم: حديثه يدل على الكذب" اهـ. وانظر: "العلل"(1/ 389 رقم 1165) قال: (ولكن تدل روايتهم على الكذب) اهـ، يعني عبد الكريم والحسن بن مسلم. وقال الذهبي في "الميزان" (1/ 523 رقم 1951) في ترجمة الحسن هذا: أتى بخبر موضوع في الخمر، ثم ساقه من رواية ابن حبان. والخلاصة: أن الحديث باطل.
(5)
انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء"(5/ 50)، و "التاريخ الكبير"(5/ 51)، و "الجرح والتعديل"(5/ 13)، "تذكرة الحفاظ"(1/ 102)، "تهذيب التهذيب"(5/ 137)، و "شذرات الذهب"(1/ 151).
(رواهُ الطبرانيُّ في الأوسطِ بإسنادٍ حسنٍ)، وأخرجَهُ البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ
(1)
منْ حديثِ بريدةَ بزيادةِ: "حتى يبيعه منْ يهودي، أو نصرانيٍ، أو ممَّنْ يعلمُ أَنّه يتخذَه خمرًا، فقد تقحَّم في النار على بصيرةٍ". والحديثُ دليلٌ على تحريمِ بيعِ العنبِ ممنْ يتخذُه خمرًا [لوعيدِ]
(2)
البائعِ بالنارِ، وهوَ معَ القصدِ محرَّمٌ إجماعًا. وأما معَ عدمِ القصْدِ فقالَ الهادويةُ: يجوزُ البيعُ معَ الكراهيةَ، ويُؤَوَّلُ بأنّ ذلكَ معَ الشكِّ في جعْلِهِ خَمْرًا، وأما إذا علِمَهُ فهوَ محرَّمُ، ويقاسُ على ذلكَ ما كانَ يستعانُ بهِ في معصيةٍ، وأما ما لا يفعلُ إلَّا لمعصيةٍ كالمزاميرِ والطنابيرِ ونحوها فلا يجوزُ بيعُها ولا شراؤها إجماعًا
(3)
، وكذلكَ بيعُ السلاحِ
(4)
والكراعِ منَ الكفارِ والبغاةِ، إذا كانُوا يستعينونَ بها على حربِ المسلمينَ، فإنهُ لا يجوزُ إلا أنْ يباعَ بأفضلَ منهُ جازَ.
38/ 773 - وَعَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْخرَاجُ بالضَّمَانِ"، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
(5)
، وضَعَّفَهُ الْبخَارِيُّ
(6)
، وأَبُو دَاوُدَ
(7)
، وَصَحّحَهُ
(8)
التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ،
(1)
(5/ 17 رقم 5618) بنفس الإسناد الذي تكلَّمنا عليه آنفًا.
(2)
في (ب): "بوعيد".
(3)
انظر: الإجماع على تحريم الآلات الموسيقية في "موسوعة الإجماع"(2/ 968).
(4)
انظر: "موسوعة الإجماع"(1/ 179).
(5)
أبو داود (3508، 3510)، والترمذي (1285، 1286)، والنسائي (4490)، وابن ماجه (2242، 2243)، وأحمد (6/ 49، 80، 116، 161، 208، 237).
(6)
قال الترمذي (3/ 583): "استغرب محمد بن إسماعيل هذا الحديث من حديث عمر بن علي، قلت: تراه تدليسًا؟ قال: لا" اهـ.
قلت: ومداره ليس على عمر بن علي بل رواه غيره كما أخرجه الترمذي نفسه (1285) فالقول بأن البخاري ضعفه ليس على إطلاقه.
(7)
قال في "سننه"(3/ 780): "هذا إسناد ليس بذاك" اهـ.
قلت: في إسناده مسلم بن خالد الزنجي ضعَّفه الذهبي في "الميزان"(4/ 102)، لكنه قد توبع، تابعه خالد بن مهران وعمر بن علي المقدمي كما بينه محقق "المنتقى"(2/ 199)، وتابع شيخهم - هشامَ بن عروة عن أبيه - مخلدُ بن خفاف كما أخرجه أبو داود (3508)، والترمذي (1285)، والنسائي (4490)، وغيرهم، ومخلد وثقه ابن حبان وابن وضاح، وقال البخاري: فيه نظر. انظر ترجمته في: "الميزان"(4/ 82)، و "التهذيب"(10/ 67) فمثله يقبل حديثه في المتابعات.
(8)
قال في "سننه"(3/ 582): حديث حسن صحيح.
وَابْنُ الْجَارُودِ
(1)
وابْنُ حِبَّانَ
(2)
، والْحَاكِمُ
(3)
، وابْنُ الْقَطَّانِ. [صحيح لغيره]
(وعنْ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الخراجُ بالضمانِ. رواهُ الخمسةُ، وضعَّفهُ البخاريُّ)؛ لأنَّ فيهِ مسلمَ بن خالدٍ الزنجيِّ ذاهبُ
(4)
الحديثِ. (وأبو داودَ، وصحَّحهُ الترمذيُّ، وابنُ خزيمةَ، وابنُ الجارودِ، وابنُ حبَّانَ، والحاكمُ، وابنُ القطانِ). الحديثُ أخرجهُ الشافعيُّ، وأصحابُ السنن بطولهِ، وهوَ: "أن رجلًا اشتَرى غلامًا في زمنِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكانَ عندَه ما شاءَ اللهُ، ثمَّ ردَّه منْ عيبٍ وجدَه، فقضَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بردِّه بالعيبِ، فقالَ المقْضي عليهِ: قدِ استعملَه، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الخراجُ بالضمانِ، والخراجُ هو الغلةُ والكراءُ، ومعناهُ أن المبيعَ إذا كانَ لهُ دخْلٌ وغلةٌ فإنَّ مالكَ الرقبةِ الذي هوَ ضامنٌ لها يملكُ خراجَها لضمانِ أصلِها، فإذا ابتاعَ رجلٌ أرضًا فاستعملَها، أو ماشيةً فنتجَها، أو دابةً فركبَها، أو عبدًا فاستخدَمَه، ثمَّ وجدَ بهِ عيبًا، فلهُ أن [يرده]
(5)
ولا شيء عليهِ فيما انتفعَ بهِ، لأنها لو تلفتْ ما بينَ مدةِ الفسخِ والعقدِ لكانتْ في ضمانِ المشتري، فوجبَ أنْ يكونَ الخراجُ لهُ. وقد اختلفَ العلماءُ في المسألةِ على [ثلاثةِ]
(6)
أقوالٍ:
الأولُ: للشافعيِّ
(7)
، أن الخراجَ بالضمانِ على ما قرَّرْنَاه في معنَى الحديثِ،
(1)
في "المنتقى"(2/ 199 رقم 626).
(2)
في "صحيحه"(1/ 483 رقم 1125، 1126 الموارد).
(3)
في "المستدرك"(2/ 15) ووافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه الدارقطني (213، 214)، والبيهقي (5/ 321)، والطيالسي (ص 206 رقم 1464)، والشافعي (2/ 143 رقم 479 - ترتيب المسند)، والبغوي (8/ 162 رقم 2118، 2119) وحسَّنه بالجملة، فالحديث صحيح لغيره.
(4)
اختلف في مسلم بن خالد الزنجي فممَّن وثقه ابن معين - وقال مرة: ضعيف - وابن عدي وابن حبان. وقال الأزرقي: كان فقيهًا عابدًا يصوم الدهر. وقال الحربي: كان فقيه أهل مكة، وممن ضعفه البخاري وأبو حاتم وأبو داود وابن المديني والساجي والذهبي، والأمر فيه كما قال الحافظ في "التقريب": صدوق فقيه كثير الأوهام.
انظر: "الميزان"(4/ 102 رقم 8485)، و "التهذيب"(10/ 115 رقم 229)، و"التقريب"(2/ 245 رقم 1079).
(5)
في (ب): "يرد الرقبة".
(6)
زيادة من (ب).
(7)
انظر: "شرح السنة"(8/ 164).
وما [وجدَ]
(1)
منَ الفوائدِ الأصليةِ والفرعيةِ فهوَ للمشتري، ويردّ المبيعَ ما لمْ يَكُنْ ناقصًا عما أخذَه.
الثاني: للهادويةِ
(2)
، أنهُ يُفَرَّقُ بينَ الفوائدِ الأصليةِ والفرعيةِ، فيستحقُ المشتري الفرعيةَ، وأما الأصليةُ فتصيرُ أمانةً في يدِه، [فإذا]
(3)
ردَّ المشتري المبيعَ بالحكمِ وجبَ الردُّ ويضمنُ [التالفُ]
(4)
وإنْ كانَ بالتراضي لم يردَّها.
الثالثُ: للحنفيةِ
(5)
: أنَّ المشتري يستحقُّ الفوائدَ الفرعيةَ كالكراءِ وأما الفوائدُ الأصليةُ كالثمرِ فإنْ كانتْ باقيةً ردَّها معَ الأصلِ، وإنْ كانتْ تالفةً امتنعَ الردُّ واستحقَّ الأَرْشَ.
الرابعُ: لمالكٍ
(6)
: أنهُ يُفَرَّقُ بينَ الفوائدِ الأصليةِ كالصوت والشعر، فيستحقه المشتري والولد برده مع أمه، وهذا ما لم تكنْ متصلةً بالمبيعِ وقتَ الردِّ، فإنْ كانتْ متصلةً وجبَ الردُّ لها إجماعًا، هذا ما قالَهُ المذكورونَ. والحديثُ ظاهرٌ فيما ذهبَ إليهِ الشافعي. وأما إذا وطئَ المشتري الأمةَ ثمَّ وجدَ فيها عيبًا، فقدِ اختلفَ العلماءُ في ذلكَ، فقالتِ الهادويةُ
(7)
، وأهلُ الرأي
(8)
، والثوريُّ، وإسحاقُ
(9)
: يمتنعُ الردُّ لأنَّ الوطءَ جنايةٌ، لأنهُ لا يحلُّ وطءُ الأمةِ لأصلِ المشتري ولا لفصلِه، فقدْ عيَّبَها بذلكَ. قالُوا: وكذَا مقدماتُ الوطء يمتنعُ الردُّ بعدَها لذلكَ. قالُوا: ولكنَّهُ يرجعُ على البائعِ بأرشِ العيبِ. وقيلَ: يردُّها ويردُّ معها مهرُ مِثْلها. ومنهم مَنْ فرَّق بينَ الثيِّبِ والبكر. وقدِ استوفَى الخطابيُّ
(10)
ذلكَ، ونقلَه الشارحُ، والكلُّ أقوالٌ عاريةٌ عن الاستدلالِ، ودعْوى أن الوطءَ جنايةٌ دعْوَى غيرُ صحيحةٍ، والتعليلُ بأنهُ حرَّمها بهِ على أصولهِ وفصوله فكانتْ جنايةً عليلٌ، فإنهُ لم ينحصرِ المشتري لها فيهما.
(1)
في (أ): "حدث".
(2)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 365).
(3)
في (ب): "فإنْ".
(4)
في (ب): "التلف".
(5)
انظر: "بدائع الصنائع"(5/ 303).
(6)
انظر: "بداية المجتهد"(3/ 349 وما بعدها) بتحقيقنا.
(7)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 359).
(8)
انظر: "بدائع الصنائع"(5/ 304)، و "شرح السنة"(8/ 164).
(9)
انظر: "شرح السنة"(8/ 164).
(10)
انظر: "معالم السنن" له بحاشية مختصر أبي داود للمنذري (5/ 159).
[العقد الموقوف الذي لنفذ بالإجازة]
39/ 774 - وَعَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَريَ بهِ أُضْحِيَّةً، أَوْ شَاةً، فَاشْتَرَى بهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بدِينَارٍ، فَأَتَاهُ بشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ بالْبَركَةِ في بَيْعِهِ، فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
(1)
إلَّا النَّسائيَّ. [صحيح]
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
(2)
في ضِمْن حَدِيثٍ، وَلَمْ يَسُقْ
(3)
لَفْظَهُ.
وَأَوْرَدَ التِّرْمذِيُّ
(4)
لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ حكيمِ بْنِ حِزَامٍ.
(وعنْ عروةَ البارقيِّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أعطاهُ دينارًا يشتري بهِ أضحيةً أوْ شاةً، فاشتَرى بهِ شاتينِ، فباعَ إحداهمُا بدينارٍ فأتاهُ بشاةٍ ودينارِ، فدَعا لهُ بالبركةِ في بيعهِ، فكانَ لو اشتَرَى ترابًا لربحَ فيهِ. رواة الخمسة إلا النسائيَّ، وقدْ أخرجَهُ البخاريُّ ضمنَ حديثٍ، ولم يَسُقْ لفظَه، وأوردَ لهُ الترمذيُّ شاهدًا منْ حديثِ حكيمِ بن حزامٍ). الحديثُ في إسنادهُ سعيدُ بنُ زيدٍ
(5)
أخُو حمَّادٍ مختلفٌ فيهِ. قالَ المنذريُّ، والنوويُّ: إسناده حسنٌ
(6)
صحيحٌ. وفيهِ كلامٌ كثيرٌ. وقالَ المصنفُ
(7)
: "الصوابُ أنهُ متصلٌ في إسنادهِ مُبْهَم". وفي الحديثِ دلالةٌ على أن عروةَ شَرَى ما لمْ يوكَلْ
(1)
أبو داود (3384)، والترمذي (1258)، وابن ماجه (2402)، وأحمد (4/ 376).
(2)
في "صحيحه"(3642).
(3)
بل بلفظه، قلت: وأخرجه الشافعي (2/ 104 البدائع)، والبغوي (8/ 218 رقم 2158)، والبيهقي (6/ 112).
(4)
في "سننه"(1257) وقال: حديث حكيم بن حزام لا نعرفه إلا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام.
قلت: وأخرجه أبو داود (3386) وفي سنده مجهول، والبيهقي (6/ 112، 113) مثله.
(5)
هذا ما علَّله به البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 112) وتابعه عليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 5).
قلت: لم يتفرَّد به سعيد بن زيد وإنما تابعه هارون بن موسى المقرئ الأعور، أخرجه الترمذي (1258) وهو من رجال الشيخين.
(6)
ذكره الحافظ في "التلخيص الحبير"(3/ 5).
(7)
انظر: "التلخيص"(3/ 5).
بشرائهِ، وباعَ كذلكَ، لأنهُ صلى الله عليه وسلم أعطاهُ دينارًا لشراءِ أضحيةٍ فلو وقفَ على الأمرِ لشَرَى ببعضِ الدينارِ الأضحيةَ، وردَّ البعضَ. وهذا الذي فعله هو الذي تسمِّيهِ الفقهاءُ العقدَ الموقوفَ الذي ينفذُ بالإجازةِ. وقد وقعتْ هنا، وللعلماءِ فيه خمسةُ أقوالٍ:
الأولُ: أنهُ يصحُّ العقد الموقوفُ، وذهبَ إلى هذا جماعةٌ منَ السلفِ والهادويةُ
(1)
، عملًا بالحديثِ.
الثاني: أنه لا يصحُّ، وإليهِ ذهبَ الشافعيُّ
(2)
، وقالَ: إنَّ الإجازةَ لا تصحِّحُه محتجًّا بحديثِ: "لا تبعْ ما ليسَ عندَك". أخرجهُ أبو داودَ
(3)
، والترمذيُّ
(4)
، والنسائيُّ
(5)
، وهوَ شامل للمعدومِ وملكِ الغيرِ، وتردَّدَ الشافعيُّ
(6)
في صحةِ حديثِ عروةَ، وعلَّقَ القولَ بهِ على صحتهِ.
والثالثُ: التفصيلُ لأبي حنيفة
(7)
[فقال]
(8)
: يجوزُ البيعُ لا الشراءُ، وكأنهُ فرَّقَ بينهما بأنَّ البيعَ إخراجٌ عن مُلْكِ المالكِ، وللمالكِ حقٌّ في استبقاءِ مُلْكِهِ، فإذا أجازَ فقدْ أسقطَ حقَّه بخلافِ الشراءِ فإنهُ إثباتُ [ملكٍ]
(9)
، فلا بدَّ منْ تولِّي المالكِ لذلكَ.
والرابع: لمالكٍ
(10)
، وهوَ عكسُ ما قالهُ أبو حنيفةَ، وكأنهُ أرادَ الجمعَ بينَ
(1)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 329).
(2)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (6/ 113).
(3)
في "سننه"(3503).
(4)
في "سننه"(1232، 1233) وحسَّنه.
(5)
في "سننه"(4613).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (2187)، وأحمد (3/ 401، 403)، وابن الجارود (2/ 182 رقم 602)، والبيهقي (5/ 267، 317، 339) من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه، وهو حديث صحيح، وقد صحّحه الألباني في "الإرواء"(5/ 132 رقم 1292).
(6)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (6/ 113).
(7)
انظر: "حاشية رد المحتار"(4/ 505).
(8)
في (أ): "وقال".
(9)
في (أ): "مالك".
(10)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 108) بتحقيقنا، وقد ساوى فيه - عند مالك - بين البيع والشراء بثمن المثل بنقد البلد جوازًا، وأيضًا في عدم الجواز إن باع نسيئة أو بغير نقد البلد أو بغير ثمن المثل.
الحديثينِ، حديثِ:"لا تبعْ ما ليسَ عنَدك"، وحديثِ عروةَ فَيُعْمَلُ بهِ ما لم يُعَارَضْ.
والخامس: أنهُ يصحُّ إذا وكِّلَ بشراءِ شيءٍ [فشرى]
(1)
بعضَه وهوَ للجصَّاصِ، وإذا صحَّ حديثُ عروةَ فالعملُ بهِ هوَ الراجحُ، وفيهِ دليل على صحةِ بيعِ الأضحيةِ وإنْ تعينتْ بالشراءِ لإبدالِ المِثْلِ، ولا تطيبُ زيادةُ الثمنِ ولذا أمرهُ بالتصدقِ بها، وفي دعائهِ صلى الله عليه وسلم لهُ بالبركةِ دليل على أن شكرَ الصنيعِ لمنْ فعلَ المعروفَ ومكافأتهُ مستحبةٌ ولوْ بالدعاءِ.
[بعض البيوع المنهي عنها]
40/ 775 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا في بُطُونِ الأَنْعَامِ حَتى تَضَعَ، وَعَنْ بَيْعِ مَا في ضُرُوعِهَا، وَعَنْ شِراءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتى تُقْسَمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(2)
، والْبَزارُ
(3)
، وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(4)
بِإِسْنَادٍ ضَعِيف. [ضعيف]
(وعنْ أبي سعيد الخدْريِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ شراءِ ما في بطونِ الأنعامِ حتَّى تضعَ، وعنْ بيعِ ما في ضِرعِها، وعنْ شراءِ العبدِ وهوَ آبقٌ، وعنْ شراءِ المغانمِ حتَّى تقسَمَ، وعنْ شراءِ الصدقاتِ حتَّى تُقْبَضَ، وعنْ ضربةِ الغائصِ. رواهُ ابنُ ماجهْ، والبزارُ، والدارقطنيُّ بإسنادٍ ضعيفٌ)، لأنهُ منْ حديثِ شهرِ بن حوشبٍ، وشهرٌ تكلَّمَ فيهِ جماعةٌ
(5)
كالنضرِ بن شميلٍ، والنسائيِّ، وابنِ عديٍّ، وغيرِهم.
(1)
في (ب): "فيشتري".
(2)
في "سننه"(2196).
(3)
عزاه إليه الزيلعي في "تصب الراية"(4/ 14 - 15).
(4)
في "سننه"(3/ 15 رقم 44).
قلت: وأخرجه أحمد (3/ 42)، والبيهقي (5/ 338) وقال: وهذه المناهي وإن كانت في هذا الحديث بإسناد غير قوي فهي داخلة في بيع الغرر الذي نهى عنه في الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ. وأعله أبو حاتم في "العلل" لابنه (1/ 373 رقم 1108، 1109) وضعَّفه الألباني في "الإرواء"(5/ 132 رقم 1293) وهو كما قال.
(5)
انظر ترجمته في: "الميزان"(2/ 283 رقم 3756)، و"السير"(4/ 372 رقم 151) و"طبقات ابن سعد"(7/ 449)، و"الجرح والتعديل"(2/ 1/ 382)، و"التهذيب" (4/ 324 =
وقالَ البخاريُّ: شَهْرٌ حَسَنُ الحديثِ وقَوَّى أمرُه، ورُوِيَ عنْ أحمدَ أنهُ قالَ: ما أحسنَ حديثَه. والحديثُ اشتملَ على ستِّ صورٍ منْهيٍّ عنْها:
الأولى: بيعٌ في بطونِ الحيوانِ، وهوَ
(1)
مجمعٌ على تحريمهِ.
[و]
(2)
الثانيةُ: اللبنُ في الضروعِ، وهوَ
(3)
مجمعٌ عليهِ أيضًا، وقدْ تقدَّمَ.
الثالثةُ: العبدُ الآبقُ وذلكَ لتعذُّرِ تسليمهِ.
والرابعةُ: شراءُ المغانِم قَبْلَ القسمةَ، وذلكَ لعدمِ [الملكِ]
(4)
.
والخامسةُ: شراءُ الصدقاتِ قبلَ القبضِ فإنهُ لا [يستقرُّ]
(5)
ملكُ المتصدقِ عليهِ إلَّا بعدَ القبضِ، إلا أنهُ استثنَى الفقهاءُ منْ ذلكَ بيعَ المصدقِ
(6)
للصدقةِ قبلَ القبضِ بعدَ التخليةِ، فإنهُ يصحُّ لأنَّهم جعلُوا التخليةَ كالقبضِ في حقِّهِ.
السادسةُ: ضربةُ الغائص، وهوَ أنْ يقولَ: أغوصُ في البحرِ غَوصةً بكذا، فما خرجَ فهوَ لكَ، والعلةُ في ذلك هوَ الغرَرُ.
41/ 776 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَشْتَرُوا السَّمَكَ في الْمَاءِ، فَإِنَّهُ غَرَرْ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(7)
، وَأَشَارَ إلَى أنَّ الصَّوَابَ وَقْفهُ. [ضعيف]
(وعنِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا تشتَروا السَّمكَ في الماءِ فإنَّهُ غَرَرٌ. رواهُ أحمدُ وأشارَ إلى أن الصوابَ وقْفُهُ)، وهوَ دليلٌ على حرمةِ بيعِ السمكِ في الماءِ، وقدْ عَلَّلَهُ بأنهُ غَرَرٌ، وذلكَ لأنهُ تَخْفَى في الماءِ حقيقتُه، ويُرَى
= رقم 635)، و"التقريب" (1/ 355 رقم 112) وفيه قال: صدوق كثير الإرسال والأوهام.
(1)
انظر: الإجماع لابن المنذر (ص 114 رقم 476).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
انظر: "المحلَّى" لابن حزم (8/ 394 مسألة رقم 1425)، وأيضًا "موسوعة الإجماع"(1/ 176 رقم 49).
(4)
في (أ): "المالك".
(5)
في (أ): "تستقر".
(6)
وهو عامل الزكاة الذي يستوفيها من أربابها اهـ من حاشية المطبوع.
(7)
في "المسند"(1/ 388).
قلت: وأخرجه البيهقي (5/ 340) ورجَّح وقفه، وكذا رجَّح الوقف كل من: الدارقطني والخطيب وابن الجوزي ووافقهم الحافظ. انظر: "التلخيص"(3/ 7 رقم 1132) والخلاصة: أن الحديث مرسل.
الصغيرُ كبيرًا وعكسُه، وظاهرُه النَّهيُ عنْ ذلكَ مطلقًا. وفصَّلَ
(1)
الفقهاءُ في ذلكَ فقالُوا: إنْ كانَ في ماءٍ كثير لا يمكن أخذه إلَّا بتصيد، ويجوز عدم أخذه، فالبيعُ غير صحيح، وإن كان في ماء لا يفوتُ فيهِ ويُؤْخَذُ بتصيدٍ فالبيعُ صحيحٌ، ويثبتُ فيهِ الخيارُ بعدَ التسليمِ، وإنْ كانَ لا يحتاجُ إلى تصيُّدٍ فالبيعُ صحيحٌ ويثبتُ فيهِ خيارُ الرؤيةِ، وهذَا التفصيلُ يأخذُ منَ الأدلةِ، [والدليلَ]
(2)
المقتضي للإلحاقِ يخصِّصُ عمومُ النَّهْي.
42/ 777 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةٌ حَتى تُطْعِمَ، وَلا يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهرٍ، وَلا لَبَنٌ في ضَرْع. رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ
(3)
في الأَوْسَطِ، وَالدَّارَقُطْنيُّ
(4)
. [ضعيف]
وَأَخْرَجهُ أَبُو دَاوُدَ في الْمَرَاسِيل
(5)
لِعِكْرِمَةَ.
وَأَخْرَجَهُ
(6)
أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بإِسْنَاد قَويٍّ، وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ
(7)
. [موقوف صحيح]
(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ تُبَاعَ ثمرةٌ حتَّى تُطْعِمَ)، بضمِّ المثناةِ الفوقيةِ، وكسرِ العينِ المهملةِ، يبدُو صلاحُها، (ولا يُباعُ صوفٌ على
(1)
انظر: "المحلَّى"(8/ 400).
(2)
في (ب): "والتعليل".
(3)
وقال الهيثمي في "المجمع"(4/ 102): ورجاله ثقات: قلت: ورواه في "الكبير"(11/ 338 رقم 11935).
(4)
في "سننه"(3/ 14 رقم 40، 41، 42)، وموقوفًا (3/ 15 رقم 43).
(5)
(ص 168 رقم 183).
(6)
يعني في المراسيل أيضًا، وهو فيه (ص 168 رقم 182)، وقال محقِّقه شعيب الأرناؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين.
(7)
يعني وقفه، وهو في سننه (5/ 340) بإسنادين الثاني منهما هو الذي رجَّح وقفه، أما الأول فقال فيه: تفرد برفعه عمر بن فروخ وليس بالقوي. وردَّه عليه ابن التركماني في "الجوهر النقي" فقال: لم يتكلَّم فيه أحد بشيء من جرح فيما علمت غير البخاري، وذكره البخاري في تاريخه وسكت عنه ولم يتعرض ابن عدي إلى ضعفه بل وثقه ابن معين وأبو حاتم ورضيه أبو داود.
قلت: وقال النووي (9/ 326): هذا الأثر عن ابن عباس صحيح اهـ.
ظَهْر، ولا لَبَنٌ في ضرْعٍ. رواهُ الطبرانيُّ في الأوسطِ، والدارقطني، ورجَّحه البيهقي
(1)
، وأخرجَهُ أبو داودَ في المراسيلِ لعكرمةَ)، وهوَ الراجحُ. (وأخرجَه أيضًا موقوفًا علي ابن عباسٍ بإسنادٍ قويٍّ، ورجَّحهُ البيهقيُّ). اشتملَ الحديثُ على ثلاثِ مسائلَ:
الأُوْلَى: [النَّهْيُ]
(2)
عنْ بيعِ الثمرةِ حتَّى يبدوَ صلاحُها ويطيبَ أكلُها، ويأتي
(3)
الكلامُ في ذلكَ.
والثانية: النَّهيُ عنْ بيعِ الصوفِ على الظهرِ، وفيهِ قولانِ للعلماءِ، الأولُ: أنهُ لا يصحُّ عملًا بالحديثِ، ولأنهُ يقعُ الاختلافُ في موضع القطعِ منَ الحيوانِ، فيقعُ الإضرارُ بهِ وهذا قولُ الهادويةِ
(4)
، والشافعيةِ
(5)
، وأبي حنيفةَ
(6)
. والقولُ الثاني: أنهُ يصحُّ البيعُ لأنهُ مشاهدٌ يمكن تسليمهُ، فيصحُّ كما [يصح]
(7)
منَ المذبوحِ، وهذا قولُ مالكٍ ومَنْ وافَقَه قالوا: والحديثُ موقوفٌ على ابن عباسٍ، والقولُ الأولُ أظَهرُ. والحديثُ قد تعاضدَ فيهِ المرسلُ والموقوفُ. وقدْ صحَّ النَّهيُ عن الغررِ، والغررُ حاصلٌ فيهِ.
والثالثةُ: النَّهْيُ عنْ بيعِ اللبنِ في الضرعِ لما فيهِ منَ الغررِ. وذهبَ سعيدُ بنُ جبيرٍ إلى جوازِه، قالَ: لأنهُ صلى الله عليه وسلم سمَّى الضرعَ خزانةً في قولهِ فيمنْ يحلبُ شاةَ أخيهِ بغيرِ إذْنِهِ: "يعمدُ أحدُكم إلى خزانةِ أخيه [فيأخذ]
(8)
ما فيها"
(9)
، وأجيبَ بأن تسميتَه خزانةٌ مجازٌ، ولَئِنْ سلم فَبَيْعُ ما في الخزانةِ بيعُ غررٍ ولا يدرى بكميتهِ وكيفيتِه.
(1)
كذا في المخطوط وهي سبق نظر كما هو واضح.
(2)
ليست في المخطوط (أ) وسياق الكلام يقتضيها وهي في المطبوع والمخطوط (ب).
(3)
انظر: الحديث رقم (3/ 802، 4/ 803، 5/ 804) من كتابنا هذا.
(4)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 321، 322).
(5)
انظر: "المجموع"(9/ 327) في (ب) الشافعيُّ.
(6)
انظر: "بدائع الصنائع"(5/ 148).
(7)
في (ب): "صحَّ".
(8)
في (ب): "ويأخذ".
(9)
أخرجه البخاري (2435)، ومسلم (1726)، وأبو داود (2623)، وابن ماجه (2302) من حديث عبد الله بن عمر. ولفظه:"لا يحلبن أحد ماشية امرئٍ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه؟ فإنما تخزن لهم ضروع ماشيتهم أطعمتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه".
[النهي عن بيع المضامين والملاقيح]
43/ 778 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ والْمَلاقِيحِ. رَوَاهُ الْبَزَّارُ
(1)
، وَفي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ. [ضعيف](وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بيعِ المضامينِ)
(2)
. المرادُ بها ما في بطونِ الإبلِ. (والملاقيحِ) هوَ ما في ظهورِ الجمالَ. (رواهُ البزارُ، وفي إسنادِه ضعفٌ)، لأنَّ في رواتِه صالحَ بنَ أبي الأخضر عن الزهريِّ، وهوَ ضعيفٌ ورواهُ مالكٌ
(3)
عن الزهريِّ، عنْ سعيدٍ مرسلًا. قالَ الدارقطنيُّ
(4)
في العلل:
(1)
أورده الهيثمي في "كشف الأستار"(2/ 87 رقم 1267) قال البزار: لا نعلم أحدًا رواه هكذا إلا صالح ولم يكن بالحافظ. وأورده الهيثمي أيضًا في "المجمع"(4/ 104) وقال: "رواه البزار وفيه صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف" اهـ، وعزاه ابن حجر في "التلخيص"(3/ 12 رقم 1146) لإسحاق بن راهويه وفيه صالح بن أبي الأخضر أيضًا، قلت: وله شواهد:
1 -
أخرجه البزار (2/ 87 رقم 1268)"كشف الأستار"، والطبراني في "الكبير" كما ذكره الهيثمي في "المجمع" (4/ 104) من حديث ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الملاقيح والمضامين وحبل الحبلة"، قال البزار: لا نعلمه عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي: "وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وثقه أحمد وضعفه جمهور الأئمة".
قلت: انظر ترجمته في: "المجروحين"(1/ 109)، "والجرح والتعديل"(2/ 83)، و"الميزان"(1/ 19)، و"التقريب"(1/ 31).
2 -
أخرج مالك (4/ 652 رقم 63) عن سعيد بن المسيب مرسلًا قال: "لا ربا في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن ثلاثة: عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة .. "، وفي الباب: عن عمران بن حصين وهو في البيوع لابن أبي عاصم كما في "التلخيص الحبير"(3/ 7 رقم 1132)، وعن ابن عمر أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (8/ 21 رقم 14138) وإسناده قوي قاله الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (3/ 12 رقم 1146) وخلاصة القول: أن الحديث مرسل.
(2)
وفي "النهاية"(3/ 102): المضامين ما في أصلاب الفحول وهي جمع مضمون، يقال: ضمن الشيء بمعنى تضمنه، ومنه قولهم: مضمون الكتاب كذا وكذا. والملاقيح: جمع ملقوح وهو ما في بطن الناقة، وفسَّرهما مالك في الموطأ بالعكس، وحكاه الأزهري عن مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب، وحكاه أيضًا عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: إذا كان في بطن الناقة حمل فهو ضامن ومضمان، وهن ضوامن ومضامين، والذي في بطنها ملقوح وملقوحة. اهـ.
(3)
في "الموطأ"(2/ 654 رقم 63) وقد تقدم قريبًا.
(4)
انظر: "التخليص الحبير"(3/ 12 رقم 1146).
"تابعهُ معمرٌ ووصلهُ عمرُ بنُ قيسٍ عن الزهريِّ. وقولُ مالكٍ هوَ الصحيحُ". وفي البابِ عن ابن عمرَ أخرجهُ عبدُ الرزاقِ
(1)
بإسنادٍ قويٍّ. والحديثُ دليل على عدمِ صحَّةِ بيعِ المضامينِ والملاقيحِ. وقدْ تقدَّم وهو إجماعُ
(2)
.
[بيان فضل الإقالة]
44/ 779 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بيعته أَقَالَ اللهُ عَثْرَتَهُ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
، وَابْنُ مَاجَه
(4)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(5)
، وَالحَاكِمُ
(6)
. [صحيح]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أقالَ مسلمًا بيعتَه أقالَ اللهُ عثْرَتَه. رواه أبو دوادَ، وابنُ ماجهْ، وصحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ)، وهوَ عندهُ بلفظِ: مَنْ أقالَ مسلمًا أقاله
(7)
اللهُ عثرته يومَ القيامةِ. قالَ أبو الفتحِ
(8)
القشيريِّ: هوَ على شرطِهما. وفي البابِ ما يشدُّه منَ الأحاديثَ الدالةِ على [فضيلة]
(9)
الإقالة، وحقيقتُها شرعًا: رفعُ العقدِ الواقع بينَ المتعاقديْنِ، وهيَ مشروعةٌ إجمالًا، ولا بدَّ منْ لفظٍ يدل [عليها]
(10)
، وهوَ أقَلْتُ أو ما يفيدُ معناهُ عرفًا.
(1)
في مصنفه (8/ 21 رقم 14138) وقد تقدم قريبًا.
(2)
نقله ابن المنذر (ص 115 رقم 477).
(3)
في "سننه"(3460).
(4)
في "سننه"(2199).
(5)
في "صحيحه"(11/ 415 رقم 5030).
(6)
في "المستدرك"(2/ 45) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. اهـ ووافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه عبد اللهِ في "زوائد المسند"(2/ 252)، والبيهقي (6/ 27) وقال الحافظ في "التلخيص" (3/ 24 رقم 1197): قال أبو الفتح القشيري: هو على شرطهما، وصحَّحه ابن حزم، اهـ. قلت: وصحَّحه الألباني في "الإرواء"(5/ 182 رقم 1334)، وفي الباب من حديث أبي شريح مرفوعًا ذكره الهيثمي في "المجمع" (4/ 110) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله ثقات. اهـ.
(7)
كذا في المخطوط وفي "المستدرك": "أقال".
(8)
انظر: "التلخيص"(3/ 24 رقم 1197).
(9)
في (ب): "فضل".
(10)
في (ب): "عليهما".
وللإقالةِ شرائطُ ذُكِرَتْ في كتبِ الفروعِ لا دَليلَ عليها، وإنَّما دلَّ الحديثُ على أنَّها تكونُ بينَ المتبايعينِ لقولِه: بيعَته.
وأما كونُ المُقالِ مسلمًا فليسَ بشرط، وإنما ذكرَه لكونهِ حكمًا أغلبيًا، وإلا فَثَوابُ الإقالةِ ثابتٌ في [إقالةِ]
(1)
غيرِ المسلمِ، وقدْ وردَ بلفظِ: منْ أقالَ نادِمًا. أخرجهُ البزارُ
(2)
.
* * *
(1)
زيادة من (ب).
(2)
نسبه الحافظ إليه في "التلخيص"(3/ 24 رقم 1197).
الباب الثاني باب الخيار
الخِيارُ: بكسرِ الخاءِ المعجمةِ اسمٌ منَ الاختيارِ أوِ التخيرِ، وهوَ طلبُ خيرِ الأمرينِ منْ إمضاءِ البيع أو فسخهِ، وهوَ أنواعٌ، ذكرَ المصنفُ في هذا البابِ: خيارَ المجلسِ، وخيارَ الشرط.
[خيار المجلس]
1/ 780 - وَعَن ابْنِ عُمرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: "إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ، فَكُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا بالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَإنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا ولَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيعُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ
(2)
. [صحيح]
(عن ابن عمرَ رضي الله عنهما عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: إذا تبايعَ الرجلانِ)، أي: أوقَعَا العَقْدَ بينَهما لا تساوما منْ غيرِ عَقْدٍ، (فكلُّ واحدٍ منْهما بالخيارِ ما لم يتفرَّقا)، وفي لفظٍ: يفْتَرِقا، والمرادُ بالأبدانِ، (وكانا جميعًا، أو يخَيِّرْ) منَ التخيير (أحدُهما الآخرَ)؛ فإن خيَّر أحدهما الآخر أي إذا اشترط أحدهما الخيار مدةً معلومةً فإن
(1)
البخاري (2107)، وأطرافه في (2109، 2111، 2112، 2113، 2116)، ومسلم (1531)، وأخرجه أبو داود (3454، 3455)، والترمذي (1245)، والنسائي (7/ 248، 249)، وابن ماجه (2181)، وابن الجارود (2/ 191 رقم 617، 618)، والبيهقي (5/ 268، 272) وغيرهم بألفاظ متعددة منها هذا.
(2)
في "صحيحه"(3/ 1163 رقم 44/ 1531).
الخيار لا ينقضي بالتفرق، بلْ يبقَى حتَّى تمضي مدةُ الخيارِ التي شَرَطَهَا. وقيلَ المرادُ إذا اختارَ إمضاءَ البَيْعِ قبلَ التفرقِ لزمهُ البيعُ حينئذٍ وبطلَ اعتبارُ التفرقِ، ويدلُّ لهذا قولُه:(فإنْ خيَّر أحدُهما الآخرَ فتبايعَا على ذلك فقدْ وجبَ البيعُ) أي نفذَ وتمَّ، (وإنْ تفرَّقا)[أي]
(1)
بالأبدانِ (بعدَ أنْ تبايعَا) أي عَقَدَا عقْدَ البيعِ، (ولم يتركْ واحدٌ منْهما البيعَ فقدْ وجبَ البيعُ. متفقٌ عليهِ، واللفظ لمسلمٍ).
الحديثُ دليلٌ على ثبوتِ خيارِ المجلسِ للمتابعينِ، وأنهُ يمتدُّ إلى أنْ يحصلَ التفرق بالأبدانِ. وقد اختلفَ العلماءُ في ثبوتِه على قولين:
[آراء الفقهاء في خيار المجلس]
الأولُ: ثبوتُه وهوَ لجماعةٍ منَ الصحابةِ
(2)
، منْهم عليٌّ عليه السلام
(3)
، وابنُ عباسٍ
(4)
، وابنُ عمرَ وغيرهم.
وإليهِ ذهبَ أكثرُ التابعينَ
(5)
، والشافعي
(6)
، وأحمدُ
(7)
، وإسحاقُ
(8)
، والإمامُ يحيى
(9)
، قالُوا: والتفرق الذي يَبْطُلُ بهِ الخيارُ ما يُسَمَّى عادةً تفرقًا؛ ففي المنزلِ الصغيرِ بخروج أحدهما، وفي الكبير بالتحوُّلِ منْ مجلسِه إلى آخرَ بخطوتينِ أو ثلاثٍ، ودلَّ على أنَّ هذا تفرُّق فعلُ
(10)
ابن عمرَ المعروفُ؛ فإنْ قامَا [معًا]
(11)
(1)
زيادة من (أ).
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(4/ 330): ولا يعرف لهما - أي لعبد الله بن عمر وأبي برزة الأسلمي - مخالف من الصحابة. اهـ. ونقل ابن حزم ذلك عن عمر والعباس وأبي هريرة وأبي برزة وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين. انظر: "المحلَّى"(8/ 354).
(3)
و
(4)
قال النووي في "المجموع"(9/ 184): وحكاه القاضي أبو الطيب عن علي بن أبي طالب وابن عباس. اهـ.
(5)
ولم يخالف أحد من التابعين في ذلك إلا إبراهيم النخعي. انظر: "المحلَّى"(8/ 355) وانظر: "الفتح"(4/ 330).
(6)
انظر: "المجموع"(9/ 184).
(7)
و
(8)
انظر: "المحلى"(8/ 354) و "المجموع"(9/ 184).
(9)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 347).
(10)
وهو أنه كان إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه. أخرجه البخاري (4/ 326 رقم 2107).
(11)
في (أ): "جميعًا".
وذَهَبا معًا فالخيارُ باقٍ، وهذَا المذهبُ دليلُه هذا الحديثُ المتفقُ عليهِ.
القولُ الثاني: للهادويةِ
(1)
، والحنفيةِ
(2)
، ومالكٍ
(3)
، والإماميةِ (1)، أنهُ لا يَثْبُتُ خيارُ المجلسِ بلْ متى تفرَّقَ المتبايعانِ بالقولِ فلا خيارَ إلا ما شرطَ مستدلينَ بقولِه تعالَى:{تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}
(4)
، وبقولِه:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}
(5)
، قالُوا: والإشهادُ إنْ وقعَ بعدَ التفرُّقِ لم يطابقِ الأمرَ، وإنْ وقعَ قبلَه لم يصادفْ محلَّه، وحديثُ:"إذا اختلفَ البيِّعانِ فالقولُ قولُ البائعِ"
(6)
ولم يفصَّلْ. وأجيبَ بأنَّ الآيةَ مطلقةٌ قُيِّدتْ بالحديثِ، وكخيارِ الشرطِ، وكذلكَ الحديثُ، وآيةُ الإشهادِ يُرَادُ [بهما]
(7)
عندَ العقدِ ولا ينافيهِ ثبوتُ خيارِ المجلسِ، كما لا ينافيهِ سائرُ الخياراتِ. قالُوا: والحديثُ منسوخٌ بحديثِ: "المسلمونَ على شروطِهم"
(8)
. والخيارُ بعدَ لزومِ العقدِ يفيدُ الشرطَ. ورُدَّ بأنَّ الأصلَ عدمُ النسخِ، ولا يثبتُ بالاحتمال. قالُوا: ولأنهُ منْ روايةِ مالكٍ
(9)
، ولا يعملُ بهِ. وأجيبَ بأنّ مخالفةَ الراوي لا توجبُ عدمَ العملِ بروايتهِ، لأنَّ عملَه مبنيٌّ على اجتهادِه، وقدْ يظهرُ له ما هوَ أرجحُ عندَه مما رواهُ، وإن لم يكنْ أرجحَ في نفسِ الأمرِ، قالُوا: وحديثُ البابِ يحملُ على المتساومينِ فإنَّ استعمالَ البائعِ في المساومِ شائعٌ. وأجيبَ عنهُ بأنهُ إطلاقٌ مجازيٌ، والأصلُ الحقيقةُ، وعُوِرضَ بأنهُ يلزمُ أيضًا حملُهُ على المجازي على القولِ الأولِ؛ فإنهُ على تقديرِ القولِ بأنَّ المرادَ التفرقُ
(10)
بالأبدانِ هوَ بعدَ تمامِ الصيغةِ وقدْ مضَى، فهو مجاز في الماضي. وردَّت هذه المعارضة
(1)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 346).
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (4/ 15).
(3)
انظر: "الموطأ"(2/ 671).
(4)
سورة النساء: الآية 29.
(5)
سورة البقرة: الآية 282.
(6)
تقدم تخريجه برقم (3/ 738) من كتابنا هذا، وهو صحيح.
(7)
في (1): "بها".
(8)
انظر تخريجه برقم (1/ 823) من كتابنا هذا، وهو صحيح لغيره.
(9)
في "الموطأ"(2/ 671 رقم 79).
(10)
قال الحافظ في "الفتح"(4/ 327): ونقل ثعلب عن المفضل بن سلمة: افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان. ثم قال: والحق حمل كلام المفضل على الاستعمال بالحقيقة، وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعًا.
بأن لا نسلم أنه مجاز في الماضي، بل هو حقيقة فيهِ كما ذهبَ إليه الجمهورُ بخلافِ المستقبلِ فمجازٌ اتفاقًا. قالُوا: المرادُ التفرقُ بالأقوالِ، والمرادُ بالتفرقِ فيها هو ما بينَ قولِ البائعِ: بعتُك بكذَا، أوْ قولِ المشتري: اشتريتُ. قالُوا: فالمشتري بالخيارِ في قولهِ: اشتريتُ أو تركَهُ، والبائعُ بالخيارِ إلى أنْ يُوجِبَ المشتري، ولا يخْفَى ركاكةُ هذا القولِ، أو بطلانُه؛ فإنهُ إلغاءٌ للحديثِ عن الفائدةِ؛ إذْ منَ المعلومِ يقينًا أن كلًّا منَ البائعِ والمشتري في هذهِ الصورةِ على الخيارِ؛ إذْ لا عقدَ بينَهما فالإخبارُ بهِ لاغٍ عن الإفادةِ، ويردُّه لفظُ الحديثِ كما لا يخْفَى، فالحق هوَ القولُ الأولُ، وأما معارضةُ حديثِ البابِ بالحديثِ الآتي:
[لا يحل ترك مجلس البيع خشية الاستقالة]
2/ 781 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبِ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْبَائِعُ وَالْمُبتَاعُ بالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرّقَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ"، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
(1)
إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ،
(2)
وابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْجَارُودِ
(3)
. [حسن]
وَفي روَايَة
(4)
: "حَتى يَتَفَرَّقَا عَنْ مَكَانِهمَا".
وهوَ قولُه: (وعنْ عمرِو بن شعيبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جدِّهِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: البائعُ والمبتاعُ بالخيارِ [ما لم]
(5)
يتفرَّقَا، إلا أنْ تكونَ صفقةَ خيارٍ، ولا يحلُّ لهُ أن يفارقَه خشيةَ أنْ يستقيلَه. رواهُ الخمسةُ إلا ابنَ ماجه، [ورواهُ]
(6)
الداقطنيُّ، وابن خزيمةَ، وابنُ الجارودِ. وفي روايةٍ: حتَّى يتفرَّقا [من]
(7)
مكانهما)، وبحديثِ أبي داودَ
(8)
عن
(1)
أبو داود (3456)، والترمذي (1247) وحسَّنه، والنسائي (4483)، وأحمد (2/ 183).
(2)
في "سننه"(3/ 50 رقم 207).
(3)
في "المنتقى"(2/ 196 رقم 620).
(4)
هي رواية الدارقطني والبيهقي. قلت: وأخرجه البيهقي (5/ 271) وحسَّنه الألباني في "الإرواء"(5/ 155 رقم 1311).
(5)
في (ب): "حتى".
(6)
زيادة من (أ).
(7)
في (ب): "عن".
(8)
ظن الشارح رحمه الله أنهما حديثان، والحق أنهما حديث واحد، فإن عمرو بن شعيب راوي الحديث هو: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبوه المذكور =
ابن [عمرو]
(1)
بلفظِ: "البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقَا إلَّا أنْ تكونَ صفقةَ خيارٍ، ولا يحلُّ لهُ أن يفارقَ صاحبَه خشيةَ أنْ يستقيلَه". قالُوا: فقولُه أنْ يستقيلَه دالٌّ على نفوذِ البيعِ، فقدْ أُجِيْبَ عنهُ بأنَّ الحديثَ دليلُ خيارِ المجلسِ أيضًا لقولهِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقا، وأما قولُه أنْ يستقيلَه فالمرادُ بهِ الفسخُ لأنّهُ لو أريدَ الاستقالةَ حقيقةَ لم يكنْ للمفارقةِ معنى، فتعيَّنَ حملُها على الفسخِ، وعلى ذلكَ حملَه الترمذيُّ
(2)
وغيرُه
(3)
منَ العلماءِ. [قالوا]
(4)
: معناهُ لا يحلُّ له أنْ يفارقَه بعدَ البيعِ خشيةَ أنْ يختارَ فسخَ المبيعِ، فالمرادُ بالاستقالةِ فسخُ النادمِ، وحملُوا نفيَ الحِلِّ على الكراهةِ لأنهُ لا يليقُ بالمروءةِ وحسنِ معاشرةِ المسلمِ، لا أن اختيارَ الفسخِ حرامٌ. وأما ما رُوِيَ عن ابن عمرَ
(5)
أنهُ كانَ إذا بايعَ رجلًا فأرادَ أنْ يتمَّ بيعتَه قامَ يمشي هنيهةً فرجعَ إليه فإنهُ محمولٌ على أن ابنَ عمرَ لم يبلغْه النَّهيُ. وقالَ ابنُ حزمٍ
(6)
: حَملُ حديثِ ابن عمروٍ هذا على التفرقِ بالأقوالِ تذهبُ معهُ فائدةُ الحديثِ، لأنهُ يلزمُ معهُ حلُّ التفرقِ سواءٌ خشيَ أنْ يستقيلَه أوْ لا، لأنَّ الإقالةَ تصِحُّ قبل التفرقِ وبعدَه. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ
(7)
: قدْ أكثرَ المالكيةُ والحنفيةُ منَ الكلامِ بردِّ الحديثِ بما يطولُ ذكرُه، وأكثرُه لا يحصلُ منهُ شيءٌ، وإذا ثبتَ لفظُ مكانِهما لم يبقَ للتأويلِ مجالٌ، وبطلَ بطلانًا ظاهرًا حملَه على تَفَرُّقِ الأقوالِ.
[خيار الغبن]
3/ 782 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ في الْبُيُوعِ فَقَالَ: "إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لا خِلابَةَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(8)
. [صحيح]
= في الحديث هو شعيب، والمقصود بجده هو عبد اللهِ بن عمرو بن العاص.
(1)
في (ب): "عمر".
(2)
انظر كلامه في "سننه"(3/ 550).
(3)
انظر: "الفتح"(4/ 332).
(4)
في (ب): "فقالوا".
(5)
أخرجه البخاري (2107)، وتخريج الحديث (1/ 780) من كتابنا هذا.
(6)
انظر: "المحلَّى"(8/ 360)، والفتح (4/ 332).
(7)
انظر: "الفتح"(4/ 332).
(8)
البخاري (2117)، ومسلم (1533). =
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قالَ: ذكَرَ رجلٌ) هو حَبَّانُ
(1)
بن منقذ بفتحِ الحاءِ المهملةِ، والباء الموحدةِ (للنَّبي صلى الله عليه وسلم أنهُ يُخْدَعُ في البيوعِ فقالَ: إذا بايعتَ فقلْ: لا خِلابَة) بكسرِ الخاءِ المعجمةِ، وتخفيفِ اللامِ، [فموحدة]
(2)
، أي: لا خديعةَ (متفقٌ عليهِ).
زادَ ابنُ إسحاقَ في روايةِ يونسَ
(3)
بنِ بكيرٍ، وعبدِ
(4)
الأَعْلَى عنهُ: "ثمَّ أنتَ بالخيارِ في كلِّ سلعةٍ ابتعتَها ثلاثَ ليالٍ، فإنْ رضيتَ فأمسكْ، وإنْ سخطْتَ فارْدُدْ، فبقيَ ذلكَ الرجلُ حتَّى أدركَ زمانَ عثمانَ، وهوَ ابنُ مائةٍ وثلاثينَ سنةٍ، فكثُرَ الناسُ في زمانِ عثمانَ، فكانَ إذا اشترَى شيئًا فقيلَ لهُ إنكَ غُبنْتَ فيهِ رجعَ، فيشهدُ له رجلٌ منَ الصحابةِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قدْ [جعله بالخيار]
(5)
ثلاثًا، [فتردُّ]
(6)
لهُ دراهِمُهُ". والحديثُ دليلٌ على خيارِ الغبنِ في البيعِ والشراءِ إذا حصلَ الغَبنُ. واختلفَ فيهِ العلماءُ على قولينِ، الأولُ: ثبوتُ الخيارِ بالغبنِ، وهوَ قولُ أحمدَ
(7)
، ومالكٍ
(8)
، ولكنْ إذا كانَ الغبنُ فاحشًا لمنْ لا يعرفُ ثمنَ السلعةِ، وقَيَّدَهُ بعضُ المالكيةِ بأنْ يبلغَ الغبنُ ثلثَ القيمةِ، ولعلَّهم أخذُوا التقييدَ مما علمَ منْ أنه لا يكاد يسلمُ أحدٌ من مطلقِ الغبنِ في غالبِ الأحوالِ، ولأنَّ القليلَ يُتَسامَحُ بهِ في العادةِ، وأنهُ منْ رَضِيَ بالغبنِ بعدَ معرفتِه فإنَّ ذلكَ لا يُسَمَّى غَبْنًا، وإنما يكونُ [ذلك]
(9)
منْ باب التساهلِ في البيعِ الذي أثنَى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم على
(10)
فاعلِه، وأخبرَ أنَّ الله يحبُّ
= قلت: وأخرجه أبو داود (3500)، والنسائي (4484)، ومالك (2/ 685 رقم 98)، وأحمد (5036، 5405، 5271، 5515، 5561، 5854 شاكر)، والطيالسي (ص 256 رقم 1881)، والبيهقي (5/ 273)، والبغوي (8/ 46 رقم 2052)، وابن الجارود (2/ 158 رقم 567)، والحميدي (2/ 292 رقم 662)، والدارقطني (3/ 54، 55 رقم 217، 220)، والحاكم (2/ 22).
(1)
بيَّنته رواية ابن الجارود والدارقطني والبيهقي.
(2)
في (ب): "بموحدة".
(3)
أخرجها البيهقي (5/ 273).
(4)
أخرجها الدارقطني في (3/ 55 رقم 220). وانظر: "التعليق المغني".
(5)
في (ب): "جعل له الخيار".
(6)
في (أ): "فيرد".
(7)
انظر: "المغني"(4/ 92).
(8)
انظر: "بداية المجتهد"(3/ 400، 401) بتحقيقنا.
(9)
زيادة من (أ).
(10)
في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء". =
الرجلَ سهلَ البيعِ سهلَ الشراءِ. [وذهبتِ]
(1)
الجماهيرُ منَ العلماءِ إلى عدمِ ثبوتِ الخيارِ بالغبنِ لعمومِ أدلةِ البيعِ ونفوذِه منْ غيرِ تفرقةٍ بينَ الغبْنِ أو لا.
قالُوا: وحديثُ البابِ إنَّما كانَ الخيارُ فيهِ لضعفِ عقلِ ذلكَ الرجلِ، إلَّا أنهُ ضَعْفٌ لم يَخْرج بهِ عنْ حدِّ التمييزِ، فتصرُّفُه كتصرُّفِ الصبيِّ المأذونِ لهُ يثبتُ له الخيارُ معَ الغبنِ.
قلتُ: ويدلُّ لضعفِ عقلِه ما أخرجَه أحمدُ
(2)
، وأصحابُ
(3)
السننِ منْ حديثِ أنس بلفظِ: "إنَّ رجلًا كانَ يبايعُ وكانَ في عقلهِ لما أي: إدراكِه "ضعفٌ"، ولأنهُ لقَّنَهُ صلى الله عليه وسلم بقولهِ لا خلابةَ اشتراطُ عدمِ الخداعِ، فكانَ شراؤهُ وبيعُه مشرُوطًا بعدمِ الخداع، فيكون منْ بابِ خيارِ الشرطِ. قالَ ابنُ العربيِّ: إنَّ الخديعةَ في هذهِ القصةِ يحتملُ أن تكونَ في العيبِ، أوْ في الملكِ، أوْ في الثمنِ، أوْ في العينِ فلا يحتجُّ بها في الغبنِ بخصوصِه، وهي قصةٌ خاصةٌ لا عمومَ فيها.
قلتُ: في روايةِ ابن إسحاقَ
(4)
أنهُ شَكَا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما يَلْقَى منَ الغبنِ،
وهي تردُّ ما قالَه ابنُ العربيِّ. وقالَ بعضُهم: إنهُ إذا قال الرجلُ البائعُ أو المشتري: لا خلابةَ ثبتَ الخيارُ، وإنْ لم يكنْ فيهِ غبنٌ. وردّ بأنهُ مقيَّدٌ بما في الروايةِ أنه كانَ يغبنُ. وأثبتَ الهادويةُ
(5)
الخيارَ بالغبنِ في صورتينِ، الأولى:[فيمن]
(6)
تصرَّفَ عن الغيرِ. والثانيةُ: في الصبيِّ المميِّزِ، محتجِّينَ بهذا الحديثِ، وهوَ دليلٌ لهم على الصورةِ الثانيةِ إذا ثبتَ أنهُ كانَ في عقلِه ضعفٌ دونَ الأُولى.
* * *
= قلت: أخرجه الترمذي (1319) وقال: غريب، والحاكم (2/ 56) وصحَّحه، ووافقه الذهبي.
قلت: ووافقهما الألباني في "الصحيحة"(2/ 598 رقم 899).
(1)
في (أ): "وذهب".
(2)
في "المسند"(3/ 217).
(3)
أبو داود (3501)، والترمذي (1250) وقال: حسن صحيح غريب، والنسائي (4485)، وابن ماجه (2354).
وأخرجه: الدارقطني (3/ 55 رقم 218، 219)، وابن الجارود (2/ 159 رقم 568).
وهو حديث صحيح وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (2/ 669).
(4)
تقدم أنها عند الدارقطني والبيهقي وهي أيضًا من رواية أحمد وابن الجارود والحاكم، وتقدَّم تخريج ذلك.
(5)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 354).
(6)
في (ب): "مَنْ".
الباب الثالث باب الربا
الرِّبا [مكسور]
(1)
الراءِ مقصور [ة]
(2)
، منْ رَبَا يربُو، ويقالُ: الرماءُ بالميمِ والمدِّ بمعناهُ، والرُّبيةُ بضمِّ الراء والتخفيفَ، وهوَ الزيادةُ، ومنهُ قولُه تعالَى:{اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}
(3)
، ويطلقُ الرِّبا على كلِّ بيعٍ محرَّمٍ، وقدْ أجمعتِ
(4)
الأمةُ على تحريمِ الرِّبا في الجملةٍ، وإنِ اختلفُوا في التفاصيلِ، والأحاديثُ في النَّهْي عنهُ وذمِّ فاعلِه ومَنْ أعانَهُ، كثيرةٌ جدًّا، ووردتْ بِلَعْنِهِ ومنْها:
[بيان من يأثم من الربا]
1/ 783 - عَنْ جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: آكلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ"، وَقَالَ:"هُمْ سَوَاءٌ"، رَوَاهُ مُسْلمٌ
(5)
. [صحيح]
وللْبُخَاريِّ
(6)
نحوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبي جُحَيْفَةَ. [صحيح]
(1)
في (ب): "بكسر".
(2)
زيادة من (ب).
(3)
سورة الحج: الآية 5.
(4)
انظر: "موسوعة الإجماع"(1/ 429).
(5)
في صحيحه (106/ 1598).
وأخرجه أحمد (3/ 304)، والبيهقي (5/ 275)، والبغوي (8/ 54)، وابن الجارود (2/ 215 رقم 646).
(6)
في صحيحه (2086)، وأطرافه في (2238، 5347، 5945، 5963).
وأخرجه: أحمد (4/ 308)، والبيهقي (6/ 9). وفي الباب من حديث عبد الله بن مسعود أخرجه مسلم (105/ 1597)، وأبو داود (3333)، والترمذي (1206)، وابن ماجه (2277).
(عنْ جابرِ [بن عبد اللهِ]
(1)
رضي الله عنه قالَ: لعنَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا، وموكلَه، وكاتَبه، وشاهدْيهِ، وقالَ: همْ سواءٌ. رواهُ مسلمٌ. وللبخاريً نحوُهُ منْ حديثِ أبي جُحيفةَ)، أي دعا على المذكورينَ بالإبعادِ عن الرحمةِ، وهو دليل على إثمِ مَنْ ذُكِرَ، وتحريمِ ما تعاطَوْهُ، وخصَّ الأكلَ لأنهُ الأغلبُ في الانتفاعِ، وغيرُه مثلُه. والمرادُ منْ موكِلهِ الذي أَعْطَى الرِّبا لأنهُ ما تَحصَّلَ الرِّبا إلا منْه فكانَ داخلًا في الإثمِ. وإثمُ الكاتبِ والشاهدينِ لإعانتِهم على المحظور، وذلكَ إذا قَصَدا وعَرَفا بالرِّبا، ووردَ في روايةٍ
(2)
: لعنُ الشاهدِ بالإفرادِ على إرادةِ الجنسِ. فإنْ قلتَ: حديثُ
(3)
: "اللهمَّ ما لعنْتُ منْ لعنةٍ فاجعلْها رحمةً" أو نحوُهُ، وفي لفظٍ
(4)
: "ما لعنتُ من لعنة فعلَى مَنْ لعنتُ"، يدلُّ على أنهُ لا يدلُّ اللعنُ منهُ صلى الله عليه وسلم على التحريمِ، وأنهُ لم يردْ بهِ حقيقةَ الدعاءِ على مَنْ [وقع]
(5)
عليهِ اللعنَ.
قلتُ: ذلكَ فيما إذا كانَ مَنْ أوقعَ عليهِ اللعنَ غيرَ فاعل لمحرَّمٍ معلومٍ، أوْ كانَ اللعنُ في حالِ غضبٍ منْهُ صلى الله عليه وسلم.
2/ 784 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الرِّبا ثَلاثَةٌ وَسَبْعُون بَابًا، أَيْسَرُهَا مِثْلَ أَنْ يَنْكِحِ الرّجُلُ أُمَّهُ، وإنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرّجُلِ الْمُسْلِمِ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(6)
مُخْتَصَرًا، وَالْحَاكِمُ
(7)
بِتَمَامِهِ وَصَحّحَهُ. [صحيح]
(1)
زيادة من (أ)
(2)
بالشك تثنية أو إفرادًا، أخرجها البيهقي (5/ 275) من حديث ابن مسعود وبإثبات الإفراد أخرجها أبو داود (3333).
(3)
أخرجه البخاري (6361)، ومسلم (89/ 2601) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
وفي الباب من حديث عائشة أخرجه مسلم (88/ 2600)، ومن حديث جابر أخرجه مسلم أيضًا (2602)، ومن حديث أنس بن مالك أخرجه كذلك مسلم (2603).
(4)
لم أجد هذا اللفظ إلا من حديث زيد بن ثابت مرفوعًا أخرجه أحمد (5/ 191).
(5)
في (ب): "أوقع".
(6)
في "سننه"(2275).
(7)
في "المستدرك"(2/ 37)، وصحَّحه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
قلت: وصحَّحه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(2/ 27 رقم 1845/ 2275).
وفي الباب من حديث أبي هريرة مرفوعًا أخرجه ابن ماجه (2/ 764 رقم 2274)، وصحَّحه الألباني أيضًا (2/ 27 رقم 1844/ 2274).
(وعنْ عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: الرِّبا ثلاثةٌ وسبعونَ بابًا أيسرُها) في الإثم (مثلُ أنْ ينكحَ الرجلُ أمَّه، وإنَّ أَرْبَى الرِّبا عِرْضُ الرجلِ المسلمِ، رواهُ ابنُ ماجهْ مختصرًا، والحاكمُ بتمامهِ وصحَّحَهُ). وفي معناهُ أحاديثُ، وقدْ فسَّر الرِّبا في عرضِ المسلم بقولهِ
(1)
: السبَّتانِ بالسبَّةِ، وفيهِ دليلٌ على أنهُ يطلقُ الربا على الفعلِ المحرَّمِ، وإنْ لم يكنْ منْ أبوابِ الربا المعروفةِ، وتشبيهُ أيسرِ الربا بإتيانِ الرجلِ أُمَّه لما فيه منِ استقباحِ ذلكَ عندَ العقلِ.
[النَّهي عن ربا الفضل]
3/ 785 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تبيعوا الذَّهَبَ بِالذَّهَب الَّا مِثلًا بِمِثْلٍ، ولَا تُشفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْض، وَلا تَبِيعوا الْوَرِقَ بِالْوَرِق إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِز"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
(وعنْ أبي سعيدِ الخدريِّ رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا تَبيعُوا الذَّهبَ بالذَّهبِ إلَّا مِثْلًا بمثْلٍ، ولا تُشِفُّوا) بضمِّ المثناةِ الفوقيةِ فشينٍ معجمةٍ
(3)
مكسورةٍ
(4)
، ففاءٍ [مشدَّدةٍ]
(5)
، أي لا تُفَضِّلُوا (بعضها على بعض، ولا تبيعُوا الورِقَ بالورِقِ إلَّا مِثْلًا بمثْلٍ، ولا تشِفُّوا بعضَها على بعضٍ، ولا تبيعُوا منْها غائبًا بناجزٍ) بالجيمِ والزاي، أي حاضرٍ (متفقٌ عليه). الحديثُ دليلٌ على تحريم بيعِ الذهبِ بالذهبِ، والفضةِ بالفضةِ متفاضلًا، سواءٌ كانَ غائبًا أو حاضرًا، لقولهِ: إلا مِثْلًا بمثْلٍ؛ فإنهُ استُثْنى منْ أعمِّ الأحوالِ، كأنهُ قالَ: لا تبيعُوا ذلكَ في حالٍ منَ الأحوالِ إلَّا في حالِ كونهِ مِثْلًا بمثلٍ، أي متساويينِ قَدْرًا. وزادَه تأكيدًا بقولهِ: لا تُشِفُّوا، أي: لا
(1)
في حديث أبي داود عن أبي هريرة: "ومن الكبائر السبتان بالسبة"[كما في حاشية المطبوع].
(2)
البخاري (2177)، وأطرافه (2176، 2178)، ومسلم (75/ 1584)، والترمذي (1241)، والنسائي (4570، 4571).
(3)
في المطبوع "فشين معجمة مكسورة ففاء مشددة"، وهو ما يوافق ضبط الحافظ في "الفتح"(4/ 380).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
زيادة من (ب).
تفاضِلُوا وهوَ منَ الشِفِّ بكسرِ الشينِ، وهيَ الزيادةُ هُنَا. وإلى ما أفادَهُ الحديثُ ذهبتِ الجلَّةُ منَ العلماءِ، الصحابةِ
(1)
والتابعينَ والعترةِ
(2)
، والفقهاءِ. فقالُوا: يحرمُ التفاضلُ فيما ذُكِرَ غائبًا كانَ أو حاضِرًا. وذهبَ ابنُ عباسٍ
(3)
وجماعةٌ منَ الصحابةِ إلى أنهُ لا يحرمُ الربا إلا في النسيئةِ، مستدلينَ بالحديثِ الصحيحِ
(4)
: "لا رِبَا إلا في النسيئةِ". وأجابَ الجمهورُ
(5)
بأنَّ معناهُ لا رِبَا أشدُّ إلا في النسيئةَ، فالمرادُ نفيُ الكمالِ لا نفيُ الأصلِ، ولأنهُ مفهومٌ، وحديثُ أبي سعيدٍ منطوقٌ، ولا يقاومُ المفهومُ المنطوقَ؛ فإنهُ مطَّرِحٌ معَ المنطوقِ.
وقدْ رَوَى
(6)
الحاكمُ أن ابنَ عباسٍ رضي الله عنه رجع عنْ ذلكَ القولِ، أي بأنهُ لا رِبَا إلا في النسيئةِ واستغفَرَ الله عن القولِ بهِ. ولفظُ الذهبِ عامٌّ لجميعِ ما يُطْلَقُ عليهِ منْ مضروبٍ وغيرهِ، وكذلكَ لفظُ الورِقِ. وقولُه: لا تبيعُوا غائبًا منْها بناجزٍ، المرادُ بالغائبِ ما غابَ عنْ مجلسِ [البيع]
(7)
مؤجَّلًا كانَ أَوْ لا، والناجزُ الحاضرُ.
(1)
انظر: "المحلَّى"(8/ 468).
(2)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 331).
(3)
انظر: "بداية المجتهد"(3/ 245) بتحقيقنا.
(4)
أخرجه البخاري (2178)، ومسلم (101، 102، 103/ 1596)، والنسائي (4580، 4581)، وابن ماجه (2257)، وأحمد (5/ 200) وغيرهم من حديث ابن عباس عن أسامة بن زيد مرفوعًا.
(5)
انظر: "فتح الباري"(4/ 382).
(6)
في "المستدرك"(2/ 42، 43) وصحَّحه ووافقه الذهبي إلا أنه قال: قلت: حيان فيه ضعف وليس بالحجة اهـ، وهو حيان بن عبيد اللهِ العدوي. وأخرجه البيهقي (5/ 286)، وابن حزم في "المحلَّى"(7/ 417)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 831) كلهم من نفس طريق حيان هذا، وقد قال عنه ابن عدي: وعامة ما يرويه إفرادات ينفرد بها. وذكر أن هذا منها، ونقل الذهبي في "الميزان" (2388) عن البخاري قال: ذكر الصلت منه الاختلاط اهـ. وقال الحافظ في "الفتح"(4/ 382): واختلف في رجوعه اهـ، أي ابن عباس عن مذهبه في الربا واستدل بهذا وهذا لا يثبت. لكن ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كراهيته لذلك بعد أن كان قد أجازه، أخرجه مسلم (100/ 1594) والحمد لله.
والذي يبدو أنه رجع عن مذهبه بعد مراجعة أبي سعيد الخدري له فإنه قال: إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه. رواه مسلم (99/ 1594)، وثبتت أيضًا المراجعة الشفوية له، رواها أيضًا مسلم (101، 104/ 1596).
(7)
في (أ): "البائع".
[أنواع الربويات]
4/ 786 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَد، فَإذَا اخْتَلَفَتْ هذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَد"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
. [صحيح]
(وعنْ عبادةَ بن الصامتِ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهبُ بالذّهبِ، والفضةُ بالفضةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعيرُ بالشعيرِ، والتمرُ بالتمرِ، والملحُ بالملحِ، مِثْلًا بِمِثلٍ، سواءً بسواءٍ، يدًا بيدٍ، فإذَا اختلفتْ هذهِ الأصنافُ فبيعُوا كيفَ شِئْتُم إذا كان يدًا بيدٍ. رواهُ مسلمٌ). لا يخْفَى ما أفادهُ منَ التأكيدِ بقولهِ: مِثْلًا بِمثلٍ، وسواءً بسواءٍ.
وفيهِ دليلٌ على تحريمِ التفاضلِ فيما اتفقَا جِنْسًا منَ الستةِ المذكورةِ التي وقعَ عليها النصُّ، وإلى تحريمِ الرِّبا فيها ذهب الأمةُ
(2)
كافةً، واختلفُوا فيما عداها، فذهبَ الجمهورُ إلى ثبوتهِ فيما عَدَاها مما شارَكَها في العِلِّةِ، ولكنْ لَمَّا لمْ يجدُوا علةً منصوصةً اختلفُوا فيها اختلافًا كثيرًا يقوى للناظرِ العارفِ أن الحقَّ ما ذهبتْ إليهِ الظاهريةُ
(3)
منْ أنهُ لا يجري الرِّبا إلَّا في الستةِ المنصوصِ عليها. وقدْ أفردْنا الكلامَ على ذلكَ [في]
(4)
رسالةٍ مستقلة [سمَّيناها]
(5)
: "القولُ المجتبى"
(6)
. واعلمْ أنهُ اتفقَ العلماءُ على جوازِ بيعِ رِبَوِيٍّ بربويٍّ لا يشارِكهُ في الجنسِ مؤجَّلًا ومتفاضِلًا، كبيعِ الذهبِ بالحنطةِ، والفضةِ بالشعيرِ وغيرِه منَ المكيلِ، واتفقُوا على أنهُ لا يجوزُ بيعُ الشيء بجنسهِ وأحدُهما مؤجلٌ. واتفقوا على أنه يجوز التفاضل إذا كان يدًا بيد كصاع من حنطة بصاعين من حنطةٍ.
(1)
في صحيحه (80/ 1587).
وأخرجه أبو داود (3349)، والترمذي (1240) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (4560، 4561)، وابن ماجه (2254)، وأحمد (5/ 314، 320)، والدارمي (2/ 258 - 259) وغيرهم.
(2)
وقد زعم ابن حزم الإجماع على ذلك، انظر:"المحلَّى"(8/ 468).
(3)
انظر: "المحلَّى"(8/ 467).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
في (ب): "سميتها".
(6)
"القول المجتبى في تحقيق ما يحرم من الربا"، وبحوزتي مخطوطة لها.
5/ 787 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الذَّهَبُ بالذهبِ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْل. وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْل، فَمَنْ زادَ أَو استَزَادَ فَهُوَ رِبًا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
. [صحيح]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: الذهبُ بالذهبِ وزنًا بوزْنٍ) نُصِبَ على الحالِ، (مِثْلًا بمثْلٍ، والفضةُ بالفضةِ وزْنًا بوزنٍ، مِثْلًا بمثْلٍ، فمنْ زادَ أو استزادَ فهوَ رِبًا. رواهُ مسلمٌ). فيهِ دليلٌ على تعيينِ التقديرِ بالوزْنِ لا بالخرْصِ والتخمينِ، بلْ لا بدَّ منَ التعيينِ الذي يحصلُ بالوزْنِ. وقولُه: فمنْ زادَ، أي: أعْطَى الزيادةَ، أو استزادَ، أي: طلبَ الزيادةَ، فقدْ أَرْبَى، أي: فَعَلَ الرِّبا المحرَّمَ، واشتركَ في إثْمِهِ الآخذُ والمعطي.
6/ 788 - وَعَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وأَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَكُلُّ تَمْرِ خَيبَرَ هَكَذَا"؟ فَقَالَ: لا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، والصّاعَيْنِ بالثَّلاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا تَفْعل، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِم، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا". وَقَالَ في الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. وَلِمُسْلِمٍ
(3)
: "وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ". [صحيح]
(وعنْ أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استعملَ رجلًا) اسمهُ سوادُ
(4)
بفتحِ السينِ المهملةِ، وتخفيفِ الواوِ، ودالٍ مهملةٍ، ابنُ غزيةَ بفتحِ الغينِ المعجمةِ، والزاي، ومثناةٍ تحتيةٍ، بزنةِ عطيةَ، وهوَ منَ الأنصارِ، (على خيبرَ،
(1)
في صحيحه (84/ 1588).
قلت: وأخرجه النسائي (4569)، وأحمد (2/ 262).
(2)
البخاري (2201، 2202) وأطرافه: (2302، 2303، 4244، 4245، 4246، 4247، 7350، 7351)، ومسلم (94، 95/ 1593).
وأخرجه: النسائي (4553)، والدارقطني (3/ 17 رقم 54، 57)، والبيهقي (5/ 285، 291).
(3)
في صحيحه (94/ 1593).
(4)
ترجم له ابن الأثير في "أسد الغابة"(2/ 484 رقم 2332).
فجاءهُ بتمرٍ جَنيبِ) بالجيمِ المفتوحةِ، والنونِ بزنةِ عظيمٍ، يأتي بيانُ معناهُ، (فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ تمرِ خيبرَ هكذَا؟ فقالَ: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، إنا لنأخذُ الصاعَ منْ هذَا بالصاعينِ، والصاعين بالثلاثةِ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا تفعلْ، بعِ الجَمْعَ) بفتحِ الجيمِ، وسكونِ الميم، التمرُ الرديءُ، (بالدراهمِ، ثمَّ ابتعْ بالدراهمِ جنيبًا. وقالَ في الميزانِ مثلَ ذلكَ. متفقٌ عليهِ. ولمسلمٍ: وكذلكَ الميزانُ). الجنيبُ قيلَ: الطيبُ، وقيلَ: الصَّلْبُ، وقيلَ: الذي أُخْرِجَ منهُ حشفُهُ ورديئُهُ، وقيلَ: هوَ الذي لا يختلطُ بغيرِه. وقدْ فسَّر الجمعَ بما ذكرنَاه آنفًا، وفسَّر في روايةٍ لمسلمٍ
(1)
بأنه الخلْطُ منَ التمرِ، ومعناهُ مجموعٌ منْ أنواعٍ مختلفةٍ. والحديثُ دليلٌ على أن بيعَ الجنسِ بجنسهِ يجبُ فيهِ التساوي سواءٌ اتَّفَقَا في الجودةِ والرداءةِ أو اختلفَا، وأنَّ الكلَّ جنسٌ واحدٌ. وقولُه: وقالَ في الميزانِ مثلَ ذلكَ قالَ: فيما كانَ يوزَنَ إذا بيعَ بجنسهِ، مثلَ ما قالَ في المكيلِ [بأنه]
(2)
لا يباعُ متفاضلًا، وإذا أُرِيدَ مثلُ ذلكَ بيْع بالدراهمِ، وشَرَىَ ما يرادُ بها. والإجماعُ
(3)
قائم على أنهُ لا فرقَ بينَ المكيلِ والموزونِ في ذلكَ الحكْمِ. واحتجتِ الحنفيةُ
(4)
بهذا الحديثِ على أن ما كانَ في زمنهِ صلى الله عليه وسلم مكيلًا لا يصحُّ أن يُبَاعَ ذلكَ بالوزْنِ متساويًا، بلْ لا بدَّ منِ اعتبارِ كيلِه وتساويهِ كيلًا، وكذلكَ الوزنُ. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ
(5)
: إنَّهم أجمعوا أن ما كانَ أصلهُ الوزنَ لا يصحُّ أن يباعَ بالكيلِ، بخلافِ ما كانَ أصلُه الكيلَ فإنَّ بعضَهم يجيزُ فيهِ الوزنَ، ويقولُ: إنَّ المماثلةَ تُدْرَكُ بالوزنِ في كلِّ شيءٍ، وغيرُهم يعتبرونَ الوزْنَ الكيلَ بعادةِ البلدِ، ولو خالفَ ما كانَ عليهِ في ذلكَ الوقتِ، فإنِ اختلفتِ العادةُ اعتُبِرَ بالأغلبِ، فإنِ استَوى الأمرانِ كانَ لهُ حكمُ المكيلِ إذا بيعَ بالكيلِ، وإنْ بيعَ بالوزنِ كانَ له حكمُ الموزونِ. واعلمْ أنهُ لم يذكرْ في هذهِ الروايةِ أنهُ صلى الله عليه وسلم أمرَ بردِّ
(1)
في "صحيحه"(96/ 1594) من حديث أبي سعيد الخدري.
(2)
في (ب): "إنه".
(3)
انظر: "إجماع ابن المنذر"(ص 118 رقم 493).
(4)
انظر: "بدائع الصنائع"(5/ 193، 194).
(5)
هذا الكلام إنما هو للحافظ في "الفتح"(4/ 400). وقد ساقه أثناء كلام لابن عبد البر، فوهم الشارح فنسبه لابن عبد البر، فليتنبَّه.
[المبيع]
(1)
، بلْ [الظاهر]
(2)
أنهُ قرَّره، وإنَّما أعلمَهُ بالحكمِ وعذَرَهُ للجهلِ بهِ، إلَّا أنهُ قالَ ابنُ عبدِ البرِّ
(3)
: إنَّ سكوتَ الراوي عنْ روايةِ فَسْخِ العقدِ وردِّهِ لا يدلُّ على عدمِ وقوعِهِ. وقدْ أُخْرِجَ منْ طريقٍ أُخْرى، وكأنهُ يشيرُ إلى ما أخرجَه منْ طريقِ أبي نضرة
(4)
عنْ أبي سعيدٍ
(5)
نحوَ هذهِ القصةِ
(6)
فقالَ: هذَا الرِّبا فَرُدَّهُ. قالَ
(7)
: وبحتملُ تعددُ القصةِ، وأنَّ التي لم يقعْ فيها الردُّ كانتْ متقدمةً.
وفي الحديثِ دلالةٌ على جوازِ الترفيهِ على النفسِ باختيارِ الأفضلِ.
7/ 789 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ لا يُعْلَمُ مَكِيلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(8)
. [صحيح]
(وعنْ جابرٍ [بن عبد اللهِ]
(9)
رضي الله عنه قالَ: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنْ بيعِ الصُّبرةِ) بضمِّ الصادِ المهملةِ، الطعامِ المجتمعِ (من التمرِ لا يُعْلَمُ مكيلُها، بالكيلِ المسمَّى منَ التمرِ. رواهُ مسلمٌ). دلَّ الحديثُ على أنهُ لا بدَّ منَ التساوي بينَ الجنسينِ. وتقدَّمَ
(10)
اشتراطهُ وهوَ وَجْهُ النَّهي.
[شرط المثلية في الربويات]
8/ 790 - وَعَنْ مَعْمَرٍ بن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنْهُ قَالَ: إِنِّي كُنتُ أَسْمَعُ
(1)
في (ب): "البيع".
(2)
في (ب): "ظاهرها".
(3)
انظر: "الفتح"(4/ 400).
(4)
في المخطوط (أ، ب) والمطبوع: "بصرة"، والصواب ما أثبتناه.
(5)
في المخطوط (أ، ب) والمطبوع: "سعيد" فقط، والصواب ما أثبتناه.
(6)
أخرجه مسلم (97/ 1594).
(7)
أي ابن عبد البر كما في "الفتح"(4/ 400).
(8)
في صحيحه (42/ 1530).
وأخرجه النسائي (4547).
(9)
زيادة من (أ).
(10)
في شرح الحديث الماضي.
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الطَّعَامُ بِالطَّعَام مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَكَانَ طَعامَنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
. [صحيح]
(وعنْ معمرٍ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه قالَ: إني كنتُ أسمعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: الطعامُ بالطعام مِثْلًا بمثلٍ، وكانَ طعامَنَا يومئذٍ الشعيرُ، رواهُ مسلمٌ). ظاهرُ لفظِ الطعامِ أنهُ يشملُ كلَّ مطعوم، ويدُّلُ على أنهُ لا يباعُ متفاضلًا وإن اختلفَ الجنسُ، والظاهرُ أنهُ لا يقولُ أحدٌ بالعمومِ، وإنَّما الخلافُ في البرِّ والشعيرِ كما سيأتي
(2)
عَنْ مالكٍ، ولكنَّ معمرًا خصَّ الطعامَ بالشعيرِ، وهذَا منَ التخصيص بالعادةِ الفعليةِ حيثُ لم يغلبِ الاسمُ. وقدْ ذهبَ إلى التخصيصِ بها الحنفيةُ
(3)
، والجمهورُ لا يخصِّصونَ بها إلا إذا اقتضتْ غلبةُ الاسمِ، وإلَّا حُمِلَ اللفظُ على العمومِ ولكنهُ مخصوصٌ بما تقدَّمَ منْ قولِه: فإذا اختلفتِ الأصناف فبيعُوا كيفَ شِئْتُمْ بعدَ عَدِّهِ للبُر والشعيرِ، فدلَّ على أنَّهما صنفان، وهوَ قولُ الجماهيرِ. وخالفَ في ذلكَ مالكٌ
(4)
، والليثُ، والأوزاعيُّ، فقالُوا: هما صنفٌ واحدٌ لا يجوزُ بيعُ أحدِهما بالآخرِ متفاضلًا، وسبقَهم إلى ذلكَ معمرُ بنُ عبدِ اللهِ راوي الحديثِ، فأخرجَ مسلمٌ
(5)
عنهُ أنهُ أرسلَ [غلامَه]
(6)
بصاعِ قمحٍ فقالَ: بِعْهُ ثمَّ اشترِ بهِ شعيرًا، فذهبَ الغلامُ فأخذَ صاعًا وزيادةَ بعضِ صاعٍ، فقالَ له معمرٌ: لم فعلتَ ذلكَ؟ انطلقْ فردَّه ولا تأخذ [ن]
(7)
إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ، فإني سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ ساقَ هذَا الحديثَ المذكورَ، فقيلَ لهُ: فإنهُ ليسَ مثلَه، فقالَ: إني أَخَافُ أنْ يضارعَ. وظاهرُه أنهُ اجتهادٌ منهُ، ويردُّ عليهمْ ظاهرُ الحديثِ، ونصُّ حديثِ أبي داودَ
(8)
، والنسائيِّ
(9)
منْ حديثِ عُبادةَ بن الصامتِ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا بأسَ ببيعِ البرِّ بالشعيرِ، والشعيرُ أكثرُ وهُما يدًا بيدٍ".
(1)
في "صحيحه"(93/ 1592).
وأخرجه أحمد (6/ 400)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 3)، والبيهقي (5/ 283).
(2)
في المخطوط: "تقدم"، والصواب ما أثبتناه من المطبوع.
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 3).
(4)
انظر: "الموطأ"(2/ 646).
(5)
في صحيحه (93/ 1592).
(6)
في (أ): "غلامًا".
(7)
زيادة من (ب).
(8)
في "سننه"(3349).
(9)
في "سننه"(4563)، وأصله في صحيح مسلم (1587).
[بيع ما فيه ذهب بذهب]
9/ 791 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: اشتريتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلادَةً بِاثْنَي عَشَرَ دِينَارًا، فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ. فَفَصَلْتُهَا، فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَي عَشَرَ دِينَارًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"لا تُبَاعُ حَتى تُفْصَلَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
. [صحيح]
(وعنْ فضالةَ بن عُبَيْدٍ رضي الله عنه قال: اشتريتُ يومَ خيبرَ قلادةٍ باثني عَشَرَ دينارًا فيها ذهبٌ وخرزٌ، ففصلْتُها
(2)
فوجدتُ فيها أكثرَ منِ اثني عَشَرَ دينارًا، فذكرتُ ذلكَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: لا تباعُ حتَّى تُفْصَلَ. رواهُ مسلمٌ). الحديثُ قدْ أخرجهُ الطَّبرانيُّ في
(3)
الكبيرِ بطرقٍ كثيرةٍ، بألفاظٍ متعدِّدةٍ، حتَّى قيلَ إنهُ مضَّطَربٌ، وأجابَ المصنفُ رحمه الله
(4)
أن هذا الاختلافَ لا يوجبُ ضعْفًا بلِ النصُّ مَن الاستدلالِ محفوظٌ لا اختلافَ فيهِ، وهوَ النَّهيُ عنْ بيعِ ما لم يفصَّلْ، وأما جنسُها وقدرُ ثمنِها فلا يُتَعَلَّقُ بهِ في هذهِ الحالةِ ما يوجبُ الاضطِراب، وحينئذٍ فَيَنْبَغِي
(5)
التَّرْجِيْحُ بينَ رُوَاتِها، وإنْ كانَ الجميعُ ثقاتٍ، فَيُحْكَمُ بصحةِ روايةِ أحفظِهم وأضبطِهم، فتكونُ روايةُ الباقينَ بالنسبةِ إليهِ شاذةً، وهوَ كلامٌ حسنٌ يجابُ بهِ
(6)
فيما يشابهُ هذا، مثلَ حديثِ
(7)
جابرٍ، وقصةِ جَمَلِهِ، ومقدارِ ثمنِه. والحديثُ دليلٌ على أنهُ لا يجوزُ بَيْعُ ذهبٍ معَ غيرهِ بذهبٍ حتّى يُفْصَلَ [فيباع]
(8)
الذهبُ بوزِنه ذهبًا، ويباعَ الآخرُ بما زادَ، ومثلُه غيرُه منَ الربوياتِ فإنهُ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُبَاعُ حتَّى
(1)
في صحيحه (1591).
وأخرجه أبو داود (3351، 3352)، والترمذي (1255)، والنسائي (4573، 4574)، وأحمد (6/ 21)، والبيهقي (5/ 291، 292)، وابن الجارود (2/ 228 رقم 654)، والبغوي (8/ 66 رقم 2061).
(2)
أي فصلت الذهب عن الخرز.
(3)
ذكر ذلك الحافظ في "التلخيص الحبير"(3/ 9).
(4)
في "التلخيص"(3/ 9).
(5)
في المخطوط: "فلا ينبغي"، والصواب في المطبوعة و "التلخيص" كما أثبتناه.
(6)
في المخطوط: "عنه"، والصواب في المطبوعة و "التلخيص" كما أثبتناه.
(7)
سبق تخريجه برقم (5/ 740) من كتابنا هذا، وهو متفق عليه.
(8)
في (ب): "ويباع".
تفصلَ"؛ فصرَّحَ بِبُطْلانِ العقْدِ، وأنهُ يجبُ التداركُ [له]
(1)
. وقد اختُلِفَ في هذا الحكمِ فذهبَ كثيرٌ منَ السلفِ
(2)
، وأحمدُ
(3)
، والشافعي
(4)
، وغيرُهم إلى العملِ بظاهرِ الحديثِ، وخالفَ في ذلكَ الهادويةُ
(5)
، والحنفيةُ
(6)
، وآخرونَ. وقالُوا بجوازِ ذلكَ بأكثرَ مما فيهِ منَ الذهبِ، ولا يجوزُ بمثلِه ولا بدونهِ، قالُوا:[وذلكَ]
(7)
لأنهُ حصلَ الذهبُ في مقابلةِ الذهبِ، والزائدُ منَ الذهبِ في مقابلةِ المصاحبِ لهُ فصحَّ العقدُ، قالوا: لأنهُ إذا احتملَ العقدُ وجْهَ صحةٍ وبطلانٍ حُمِلَ على الصِحَّةِ، قالُوا: وحديثُ القلادةِ الذهبُ فيها أكثرُ منِ اثْنَى عَشَرَ دينارًا، لأنها إحدَى الرواياتِ في مسلمٍ
(8)
. وصحَّحَها أبو علي الغسانيُّ ولفظُها: قلادةٌ فيها اثنا عشرَ دينارًا، وهي أيضًا كروايةِ الأكثرِ في الحكمِ، وهوَ على التقديريْنِ لا يصحُّ لأنهُ لا بدَّ أنْ يكونَ المنفردُ أكثرَ منَ المصاحبِ، ليكونَ ما زادَ منَ المنفردِ في مقابلةِ المصاحبِ. وأجابَ المانعونَ بأنَّ الحديثَ فيهِ دلالةٌ على علةِ [المنع]
(9)
، وهيَ عدمُ الفصلِ حيثُ قالَ: لا تُبَاعُ حتَّى تُفْصَلَ. وظاهرُه الإطلاقُ في المساوي وغيرِه، فالحقُّ معَ القائلين بعدمِ الصحةِ، ولعلَّ وجْهَ حكمةِ النَّهي هوَ سدُّ الذريعةَ إلى وقوعِ التفاضلِ في الجنسِ الربويِّ، ولا يكونُ إلَّا بتمييزهِ بفصلٍ، واختيارِ المساواةِ بالكيلِ أو الوزْنِ، وعدمِ الكفايةِ بالظنِّ في التغليبِ. ولمالكٍ
(10)
قولٌ ثالثٌ في المسْألةِ، وهوَ أنّهُ يجوزُ بيعُ السيفِ المحلَّى [بالذهبِ]
(11)
إذا كانَ الذهبُ في [البيع]
(12)
تابعًا لغيرِه، وقدْرُه بأنْ يكونَ الثلثَ فما دونَه، وعُلِّلَ لقولِه بأنهُ إذا كانَ الجنسُ المقابلُ لجنسه الثلثَ فما [دون]
(13)
فهوَ مغلوبٌ ومكثورٌ للجنسِ المخالفَ،
(1)
زيادة من (ب).
(2)
انظر: "سنن الترمذي"(3/ 556).
(3)
انظر: "المغني"(4/ 168 مسألة رقم (2836).
(4)
انظر: "شرح النووي"(11/ 18).
(5)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 338، 339).
(6)
انظر: "بدائع الصنائع"(5/ 196، 197).
(7)
زيادة من (ب).
(8)
ذكر ذلك النووي في "شرح مسلم"(11/ 17)، والرواية التي بين أيدينا موافقة لرواية الباب.
(9)
في (ب): "النَّهي".
(10)
ذكره النووي في "شرح مسلم"(11/ 18).
(11)
في (أ): "بذهب".
(12)
في (أ): "المبيع".
(13)
في (ب): "دونه".
والأكثر ينزل في غالبِ الأحكام منزلةَ الكلِّ، فكأنَّهُ لم يبعْ ذلكَ الجنسَ بجنسهِ، ولا تخْفَى رِكَّتُه وضعْفُه. أضعفُ منهُ القولُ الرابعُ
(1)
، [وهو]
(2)
جواز بيعِه بالذهبِ مطلقًا مِثْلًا [بمثْلٍ]
(3)
، أوْ أقلَّ أو أكثر، ولعلَّ قائلَهُ ما عرفَ حديثَ القِلادةِ.
[النهي عن بيع الحيوان بالحيوان]
10/ 792 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوانِ بالْحَيَوانِ نسيئةً. رَوَاهُ الخَمْسَةُ
(4)
، وَصَحّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
(5)
، وَابْنُ الْجَارُودِ
(6)
. [صحيح].
(وعنْ سمُرةَ بن جُنْدَبٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بيعِ الحيوانِ بالحيوانِ نسيئةً. رواهُ الخمسةُ، وصحَّحَهُ الترمذيُّ، وابنُ الجارودِ)، وأخرجهُ أحمدُ، وأبو يعلى، والضياءُ في المختارةِ؛ كلُّهم منْ حديثِ الحسنِ عنْ سمرةَ. وقدْ صحَّحَهُ الترمذيُّ، وقالَ غيرُه: رجالُه ثِقاتٌ إلا أن الحفَّاظَ رجَّحُوا إرسالَه لما في سماعِ
(7)
الحسنِ منْ سمُرةَ منَ النزاعِ، لكنْ رواهُ ابنُ حِبَّانَ
(8)
، والدارقطني
(9)
منْ حديثِ
(1)
نسبه النووي (11/ 18) لحماد بن أبي سليمان.
(2)
زيادة من (ب).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
أبو داود (3356)، والترمذي (1237)، والنسائي (4620)، وابن ماجه (2270)، وأحمد (5/ 12، 19، 21، 22).
(5)
في "سننه"(3/ 538) وقال: حسن صحيح.
(6)
في "المنتقى"(2/ 187 رقم 611).
قلت: وأخرج حديث سمرة أيضًا: الدارمي (2/ 254)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 60)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 288)، وهو حديث صحيح صحَّحه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه"(2/ 27 رقم 1841).
(7)
قال الترمذي في "سننه"(3/ 538، 539): وسماع الحسن من سمرة صحيح، هكذا قال علي بن المديني وغيره، اهـ. وقال علاء الدين بن التركماني في "الجوهر النقي" (5/ 288) بحاشية السنن الكبرى للبيهقي": وفي "الاستذكار" قال الترمذي: قلت للبخاري في قولهم لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة قال: سمع منه أحاديث كثيرة وجعل روايته عنه سماعًا وصحَّحها. اهـ، ونقل أيضًا عن البيهقي: كان شعبة يثبت سماعه منه.
(8)
في "صحيحه"(11/ 451 رقم 5028 - الإحسان).
(9)
في "سننه"(3/ 71 رقم 267).
وأخرجه الطحاوي (4/ 60)، والبيهقي (5/ 288، 289)، وابن الجارود (2/ 186 رقم =
ابن عباسٍ، ورجالهُ ثِقَاتٌ أيضًا إلَّا أنهُ رجَّحَ البخاريُّ
(1)
، وأحمدُ إرسالَهُ، وأخرجَهُ الترمذيُّ
(2)
عنْ جابرِ بإسنادٍ ليِّنٍ، وأخرجَهُ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في زوائد المسندِ
(3)
عنْ جابرِ بن سمرةَ، والطحاويُّ
(4)
، والطبرانيِّ
(5)
عن ابن عمرَ وهوَ يعضِّدُ بعضُه بعضًا. وفيهِ دليلٌ على عدمِ صحةِ بيعِ الحيوانِ بالحيوانِ نسيئةً، إلَّا أنهُ قدْ عارضَه روايةُ أبي
(6)
رافع أنهُ صلى الله عليه وسلم استَسْلَفَ بعيرًا بَكْرًا وقَضى رباعيًا، وسيأتي. فاختلفَ العلماءُ في الجمْع بينَه وبينَ حديثِ سمُرةَ، فقيلَ المرادُ بحديثِ سمرةَ أنْ يكونَ نسيئة منَ الطرفينِ معًا، فيكونُ منْ الكالئ بالكالئ، وهوَ لا يصحُّ، وبهذا فسَّرهُ الشافعيُّ
(7)
جمْعًا بينَه وبينَ حديثِ أبي رافعٍ.
قلتُ: لا يخفى أن حديث أبي رافع في القرض وليس ببيع، والزيادة في القضاء تفضلًا منه صلى الله عليه وسلم، فلا تعارض أصلًا، وذهبتِ الهادويةُ
(8)
، والحنفيةُ
(9)
، والحنابلةُ
(10)
= 610) وعبد الرزاق في "المصنف"(8/ 20 رقم 14133) وذكره الهيثمي في "المجمع"(4/ 105) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح.
ويشهد له حديث الباب وما سيأتي مما ساقه الشارح.
(1)
ذكره البيهقي (5/ 289)، وأجاب عليه ابن التركماني في الحاشية. وقول أحمد بالإرسال ذكره صاحب "المغني"(4/ 144).
(2)
في "سننه"(1238)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ولفظة: "الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نسيئًا ولا بأس به يدًا بيد".
وأخرجه ابن ماجه (2271)، وقد صحَّحه الألباني في "صحيح الترمذي"(2/ 10 رقم 992).
(3)
(5/ 99) وأخرجه الطبراني في "الكبير"(2/ 252 رقم 2057)، وذكره الهيثمي في "المجمع" (4/ 105) وقال: وفيه أبو عمرو المقري فإن كان هو الدوري فقد وثق والحديث صحيح، وإن كان غيره فلم أعرفه، وإسناد الطبراني ضعيف.
(4)
في "شرح معاني الآثار"(4/ 60).
(5)
قال الهيثمي في "المجمع"(4/ 105): رواه الطبراني في "الكبير، وفيه محمد بن دينار وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين.
(6)
أخرجها مسلم، وستأتي برقم (7/ 813) من كتابنا هذا.
(7)
نقل الخطابي معنى ذلك عنه في "معالم السنن"(5/ 29)، وعبارة الشارح هي للخطابي نفسه (5/ 27).
(8)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 403).
(9)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 61).
(10)
ليس هذا ما ذكره صاحب المغني بل نقل تصحيح مذهب الشافعي، ونقل عن أحمد قوله عن أحاديث الباب: ليس فيها حديث يعتمد عليه ويعجبني أن يتوقاه. انظر: "المغني"=
إلى أنَّ هذا ناسخٌ لحديثِ أبي رافعٍ. وأجيبَ عنهُ بأنَّ النسخَ لا يثبتُ إلا بدليلٍ، والجمعُ أَوْلَى منهُ، وقدْ أمكنَ بما قالَه الشافعيُّ. ويؤيدُه آثارٌ عن الصحابةِ أخرجَها البخاريُّ
(1)
، قالَ: اشتَرى ابنُ عمرَ راحلةً بأربعةِ أبعرةٍ مضمونةٍ عليهِ، يوفيها صاحبُها بالرّبذةِ
(2)
، واشترى رافعُ بنُ خديجٍ بعيرًا ببعيرينِ، فأعطاهُ أحدَهما وقالَ: آتيكَ بالآخرِ غَدًا. وقالَ ابنُ المسيِّبِ: لا رِبَا في البعيرِ بالبعيرينَ، والشاةِ بالشاتينِ إلى أجلٍ.
واعلمْ أن الهادويةَ
(3)
يعللونَ منعَ بيعِ الحيوانِ الموجودِ بالحيوانِ المفقودِ بأنَّ المبيعَ القيميَّ لا بدَّ أنْ يكونَ موجودًا وإن لم يكنْ حاضرًا مجلسَ العقدِ، فلا بدَّ أنْ يكونَ مُتَمَيِّزًا عندَ البائعِ إما بإشارةٍ، أو لَقَبٍ، أوْ وصْفٍ، وأما منعهم
(4)
لقرض الحيوإن فيعلِّلونَهُ بعدمِ إمكانِ ضبطهِ. وحديثُ أبي رافع يزعمونَ نسخَه، ويأتي تحقيقُ الكلامِ في شرحِ الحديثِ الرابعِ عشر
(5)
.
[بيع العينة]
11/ 793 - وَعَن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَركْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيكُمْ ذُلًّا لا يَنْزِعُهُ حَتى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
مِنْ رِوَايةِ نَافِعٍ عَنْهُ، وَفي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلأَحْمَدَ
(7)
نحوُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وصَحّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ
(8)
. [صحيح بطرقه]
= (4/ 143، 144 مسألة 2805)، وقال عن السلم في الحيوان: وظاهر المذهب صحة السلَم فيه، نص عليه في رواية الأثرم.
انظر له: "المغني"(4/ 340، 341 مسألة رقم 3198)، والذي يبدو أن الشارح - رحمه الله تعالى - قد تابع في ذلك الخطابي في "المعالم"(5/ 29) والله أعلم.
(1)
في "تراجم صحيحة"(4/ 419 الباب رقم 108).
(2)
الربذة: موضع بين مكة والمدينة. اهـ من "حاشية المطبوع".
(3)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 393).
(4)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 403، 404).
(5)
وهو الحديث (14/ 796) من كتابنا هذا.
(6)
في "سننه"(3/ 740 رقم 3462).
(7)
في "المسند"(7/ 27 رقم 4825) شاكر.
(8)
عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص"(3/ 19 رقم 1181)، وتعقَّبه كما سيذكر الشارح.
قلت: ورواه الطبراني في "الكبير"(12/ 432 رقم 13583)، والبيهقي (5/ 316) وقد صحَّح الحديث الألباني في "الصحيحة" رقم (11) بمجموع طرقه.
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قالَ: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: إذا تبايعتُم بالعِينةَ) بكسرِ العينِ المهملةِ، وسكونِ المثناةِ التحتيةِ، (وأخذْتُم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزرعِ، وتركتُمُ الجهادَ، سلَّط اللهُ عليكم ذُلًّا) بضمِّ الذالِ المعجمةِ والكسرُ الاستهانةُ والضعفُ، (لا ينزعُه حتَّى ترجِعُوا إلى دينِكُم، رواهُ أبو داودَ منْ روايةِ نافعِ عنهُ، وفي إسنادِه مقالٌ)، لأنَّ في إسنادهِ أبا عبدَ الرحمنِ الخراسانيَّ، اسمُه إسحاقُ، عنْ عطاءٍ الخراسانيِّ. قالَ الذهبيُّ
(1)
في "الميزان": هذَا منْ مناكيرهِ. (ولأحمدَ نحوُهُ منْ روايةِ عطاءٍ، ورجالُه ثقاتٌ، وصحَّحهُ ابنُ القطان).
قالَ المصنفُ
(2)
: وعندي أنَّ الحديثَ الذي صحَّحَهُ ابنُ القطانِ معلولٌ، لأنهُ لا يلزمُ منْ كونِ رجالهِ ثقاتٍ أنْ يكونَ صحيحًا، لأنَّ الأعمشَ مدلِّسٌ، ولم يذكرْ سماعَهُ منْ عطاءٍ، وعطاءٌ يحتمل أن يكون هو الخراساني فيكون من تدليس التسوية بإسقاط نافع بين عطاء وابنِ عمرَ، فيرجعُ إلى الحديثِ
(3)
الأولِ، وهوَ المشهورُ اهـ. والحديثُ لهُ طُرُقٌ [كثيرة]
(4)
عقدَ [لها]
(5)
البيهقيُّ
(6)
بابًا وبيَّنَ عِلَلَها.
واعلمْ أن بيعَ العينةِ هوَ أن يبيعَ سلعةً بثمنِ معلومٍ إلى أجلٍ ثمَّ يشتريَها منَ المشتري بأقلَّ ليبقى الكئيرُ في ذِمَّتهِ، وسُمِّيَتْ عينةَ لحصولِ العينِ أي النقدِ فيها، ولأنهُ يعودُ إلى البائع عينُ مالهِ، وفيهِ دليل على تحريمِ هذا البيعِ. وذهبَ إليهِ مالكٌ
(7)
، وأحمدُ
(8)
، وبعضُ الشافعيةِ
(9)
عملًا بالحديثِ. قالُوا: ولما فيهِ منْ تفويتِ مقصدِ الشارعِ منَ المنعِ عن الرِّبا، وسدُّ الذرائعِ مقصودٌ. قالَ القرطبيُّ رحمه الله: لأنَّ بعضَ صورِ هذا البيعِ يُؤَدِّي إلى بيعهِ التمرِ بالتمر متفاضلًا ويكونُ الثمنُ لغوًا.
(1)
ترجم الذهبي في "الميزان"(1/ 184) لأبي عبد الرحمن إسحاق، وهو ابن أسيد ولم يذكر ما نسبه الشارح إليه! وقال عنه الحافظ في "التقريب" (1/ 56): فيه ضعف.
(2)
في "التلخيص الحبير"(3/ 19 رقم 1181).
(3)
عبارة التلخيص: فيرجع الحديث إلى الإسناد الأول وهو المشهور. اهـ، يعني أن الإسناد الذي صحَّحه ابن القطان هو: الأعمش عن عطاء عن ابن عمر، والإسناد الأول الذي يعنيه الحافظ هو: عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر.
(4)
في (ب): "عديدة".
(5)
في (ب): "له".
(6)
في "سننه الكبرى"(5/ 316).
(7)
انظر: "الموطأ"(2/ 642 باب رقم 19).
(8)
انظر: "المغني"(4/ 278).
(9)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (5/ 316).
وأما الشافعيُّ
(1)
فَنُقِلَ عنهُ أنهُ قالَ بجوازِه أخذًا منْ قولهِ صلى الله عليه وسلم في حديثِ
(2)
أبي سعيدٍ، وأبي هريرةَ الذي تقدَّمَ:"بعِ الجمعَ بالدراهمِ، ثم ابتعْ بالدراهمِ جنيبًا"، قالَ: فإنهُ دالٌّ على جوازِ بيعِ العينةِ، فيصحُّ أنْ يشتريَ ذلكَ البائعُ له، ويعودَ له عينُ مالهِ لأنهُ لمَّا لمْ يفصلْ ذلك في مقامِ الاحتمالِ دلَّ على صحةِ البيعِ مطلقًا، سواءٌ كانَ منَ البائعِ أو غيرهِ، وذلكَ لأنَّ تركَ الاستفصالِ في مقامِ الاحتمالِ يجري مَجْرَى العمومِ في المقالِ. وأيدَ ما ذهبَ إليهِ الشافعيُّ بأنهُ قدْ قامَ الإجماعُ على جوازِ البيعِ منَ البائعِ بعدَ مدةٍ لا لأَجْلِ التوصُّلِ إلى عَوْدِه إليهِ بالزيادةِ. وقالتِ الهادويةُ
(3)
: يجوزُ البيعُ منَ البائعِ إذا كانَ غيرَ حيلةِ، ولا فرْقَ بينَ التعجيلِ والتأجيلِ، وبأنَّ المعتبرَ في ذلكَ وجودُ الشرطِ في أصلِ العقدِ وعدمهِ، فإذا كانَ مشروطًا عندَ العقدِ أو قبلَه على عَوْد إلى البائعِ فالبيعُ فاسدٌ أو باطلٌ على الخلافِ، وإنْ كانَ مضْمَرًا غيرَ مشروط فهوَ صحيحٌ، ولعلَّهم يقولونَ: حديثُ العينةِ فيهِ مقالٌ فلا ينتهضُ دليلًا على التحريم. وقولُه: "وأخذْتُمْ أذنابَ البقرِ" كنايةٌ عن الاشتغالٍ عن الجهادِ بالحرْثِ، والرِّضَا بالزرعِ كنايةٌ عن كونهِ قدْ صارَ همَّهم ونهمتهم، وتسليطُ اللهِ كنايةٌ عنْ جعْلِهم أذلاء بالتسليطِ لما في ذلكَ منَ الغلبةِ والقهْرِ. وقولُه: حتَّى ترجعُوا إلى دينكِم، أي [ترجعوا]
(4)
إلى الاشتغالِ بأعمالِ الدِّين، وفي هذه العبارةِ زجر بالغٌ، وتقريعٌ شديدٌ حتَّى جعلَ ذلكَ بمنزلةِ الرِّدة، وفيه الحثُّ على الجهادِ.
[الهدية إلى الشافع من الربا]
12/ 794 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَة رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ شَفَعَ لأَخَيهِ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(5)
، وَأَبُوُ دَاوُدَ
(6)
، وَفي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. [حسن]
(1)
انظر: "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة" لأبي عبد اللهِ محمد بن عبد الرحمن الشافعي (ت 780) في (ص 287).
(2)
تقدم تخريجه برقم (6/ 788) من كتابنا هذا، وهو متفق عليه.
(3)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 343).
(4)
في (أ): "ترجعون".
(5)
في المسند (5/ 261).
(6)
في "سننه"(3/ 810 رقم 3541). =
(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ شَفَعَ لأَخِيهِ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبوُ دَاوُدَ، وَفي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ)، فيهِ دليلٌ على تحريمِ الهديةِ في مقابلةِ الشفاعةِ، وظاهرُه سواءٌ كانَ قاصدًا لذلكَ عندَ الشفاعةِ أو غيرَ قاصدٍ لها، وتسميتُه رِبا منْ بابِ الاستعارةِ للشَّبَهِ بينَهما، وذلكَ لأنَّ الربا هوَ الزيادةُ في المالِ منَ الغيرِ لا في مقابلةِ عِوَضٍ، وهذَا مثلُه. ولعلَّ المرادَ إذا كانتِ الشفاعةُ في واجبٍ كالشفاعةِ عندَ السلطانِ في إنقاذِ المظلومِ منْ يدِ الظالم، أوْ كانتْ في محظورٍ كالشفاعةِ عندَه في توليةِ ظالمٍ على الرعيةِ؛ فإنَّها في الأُوَلى واجبةٌ، فأخْذُ الهديةِ في مقابِلها محرَّمٌ، والثانية [في مقابلة]
(1)
محظور [ة]
(2)
فَقَبْضُها محظورٌ. وأما إذا كانتِ الشفاعةُ في أمرِ مباحٍ فلعلَّه جائزٌ أخذُ الهديةِ، لأنَّها مكافأةٌ على إحسان غير واجبٍ، ويحتمل أنها تحرمُ لأنَّ الشفاعة شيء يسير لا تأخذ عليه مكافأة. وإنَّما قالَ "المصنفُ رحمه الله: وفي إسنادِه مقالٌ، لأنهُ رواهُ القاسمُ عنْ أبي أمامةَ، وهوَ أبو عبدِ الرحمنِ مولاهُمُ الأمويُّ الشاميُّ فيهِ مقالٌ، قالُه المنذريُّ
(3)
.
قلت: في الميزانِ
(4)
إنَّه قالَ أحمدُ: رَوَى عنهُ علي بن زيدٍ
(5)
أعاجيبَ، وما أَرَاها إلَّا منْ قِبَلِ القاسمِ. وقالَ ابنُ حبانَ: كانَ [ممّن] يروي عنْ أصحابِ
= وأخرجه الطبراني في "الكبير"(8/ 251، 284 رقم 7853، 7927) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2/ 3025).
(1)
زيادة من (أ).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في "اختصار سنن أبي داود" له (5/ 189).
(4)
"ميزان الاعتدال" للذهبي (3/ 373 رقم 6817).
وقال فيه العجلي: ثقة يكتب حديثه وليس بالقوي، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة، وقال الجوزجاني: كان خيِّرًا فاضلًا أدرك أربعين رجلًا من المهاجرين والأنصار، وقال أبو حاتم: حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به وإنما ينكر عنه الضعفاء. وقال أبو إسحاق الحربي: كان من ثقات المسلمين.
قلت: وهذا ممن يحسن حديثه. انظر: "التهذيب"(8/ 289 رقم 583)، و "التقريب"(2/ 118).
(5)
كذا في المخطوط والمطبوع: "علي بن زيد"، ووقعت في موضع من "التهذيب"(8/ 290)"يعلى بن زيد"، وصوابه كما في "الميزان، وموضع في "التهذيب" "علي بن يزيد"، وهو الألهاني أبو عبد الملك الدمشقي وهو ضعيف، فالأمر كما قال أبو حاتم: وإنما ينكر عنه الضعفاء.
رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُعضلاتِ، ثم قالَ: إنهُ وثقهُ ابنُ معينٍ. وقالَ الترمذيُّ: ثقةٌ، انتَهى.
[لعن الراشي والمرتشي]
13/ 795 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
، وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
وَصَحَّحَهُ. [صحيح]
(وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ. رَوَاهُ أَبو دَاودُ، وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَه)، ورواهُ أحمدُ في القضاءِ، وابنُ ماجه في الأحكامِ، والطبرانيُّ في الصغيرِ، وقالَ الهيثميُّ
(3)
: رجالُه ثقاتٌ. وذكرَ المصنفُ رحمه الله هذا الحديثَ في أبوابِ الرِّبا لأنهُ أفادَ لعنَ مَنْ ذكرَ لأَجْلِ أخذِ المالِ الذي يشبهُ الرِّبا، كذلكَ أخذُ الرِّبا. وقدْ تقدَّم لعنُ آخذِه أولَ البابِ
(4)
. وحقيقةُ اللعنِ البعدُ عنْ مظانِّ الرحمةِ ومواطنِها. وقدْ ثبتَ
(5)
اللعنُ عنهُ صلى الله عليه وسلم لأصنافٍ كثيرةٍ تزيدُ على
(1)
في سننه (4/ 9 رقم 3580).
(2)
في "سننه"(3/ 623 رقم 1337) وقال: حسن صحيح.
قلت: وأخرجه ابن ماجه (2/ 775 رقم 2313)، وأحمد (2/ 164، 190، 194، 212)، وابن حبان (7/ 265) رقم 5054 الإحسان)، والدارقطني في "العلل" (4/ 274 - 275 س: 558)، وقد صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 683 رقم 3055).
(3)
في "مجمع الزوائد"(4/ 199) ولفظ الطبراني: "الراشي والمرتشي في النار".
(4)
رقم (1/ 783) من كتابنا هذا.
(5)
من ذلك:
1 -
لعن أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، انظر: تخريجه رقم (1/ 783) من كتابنا هذا وهو في صحيح مسلم.
2 -
لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة، انظر: تخريجه في الحديث رقم (10/ 963) من كتابنا هذا، وهو في الصحيحين.
3 -
لعن السارق يسرق البيضة فتقطع يده الحديث، وهو برقم (4/ 1152) من كتابنا هذا وهو متفق عليه.
4 -
لعن المحلِّل والمحلَّل له، وهو برقم (27/ 938) من كتابنا هذا.
5 -
لعن زائرات القبور وهو برقم (52/ 551) من كتابنا هذا.
6 -
لعن في الخمر عشرة
…
الحديث، رواه الترمذي وابن ماجه وإسناده صحيح.
7 -
لعن النائحة والمستمعة، وهو برقم (53/ 552) من كتابنا هذا.
العشرينَ، وفيهِ دلالةٌ على جوازِ لعنِ العُصاةِ منْ أهل القِبلةِ. وأما حديثُ:"المؤمنُ ليسَ باللعَّانِ"
(1)
فالمرادُ بهِ لعنُ مَنْ لا يستحقُّ ممن لم يلعنْه اللهُ ولا رسولُه، أو ليسَ بالكثيرِ اللعنِ كما تفيدُه صيغةُ فعَّالٍ. والراشي هوَ الذي يبذُلُ المالَ للتوصلِ إلى الباطلِ، مأخوذٌ منَ الرِّشَاءِ، وهوَ الحَبْلُ الذي يُتَوَصَّلُ بهِ إلى الماءِ في البئرِ، فعلَى هذا بذلُ المالِ للتوصلِ إلى الحقِّ لا يكونُ رشوةً، والمرتشي آخذُ الرشوةِ، وهوَ الحاكمُ، واستحقَّا اللعنةَ جميعًا لتوصلِ الراشي بمالِه إلى الباطلِ، والمرتشي للحكم بغيرِ الحقِّ. وفي حديثِ ثوبانَ
(2)
زيادةٌ: الرائشُ، وهوَ الذي يمشي بينَهما.
14/ 796 - وَعَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا، فَنَفَدَتِ الإِبلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأَخُذَ عَلَى قَلائِصِ الصَّدَقَةِ. قَالَ: فَكُنْتُ آخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلى إبلِ الصَّدَقَةِ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ
(3)
، وَالْبَيْهَقِيُّ
(4)
، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. [حسن]
(وعنهُ) أي ابن عمرٍو (أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمرَه أن يجهِّزَ جيشًا فَنَفَدَتِ الإبلُ، فأمرَه أنْ يأخذَ على قلائصِ الصدقةِ. قال: فكنت آخذُ البعيرَ بالبعيرينِ إلى إبلِ الصدقةِ: رواهُ الحاكمُ، والبيهقيُّ، ورجالُه ثِقاتٌ). ذِكْرُ المصنفِ لهُ هنا لأنَّ الحديثَ
(1)
أخرجه الترمذي (1977) وقال: حسن غريب، وأحمد (1/ 404) وهو حديث صحيح صحَّحه الألباني في الصحيحة (320).
(2)
ذكره الهيثمي في "المجمع"(4/ 198) وقال: أخرجه أحمد والبزار والطبراني في "الكبير" وفيه أبو الخطاب وهو مجهول.
قلت: هو في "المسند" لأحمد (5/ 279)، وفي "كشف الأستار"(2/ 124 رقم 1353) ويشهد له حديث الباب إلا في زيادة "الرائش".
(3)
في "المستدرك"(2/ 56 - 57) وصحَّحه، وأقرَّه الذهبي.
(4)
في "السنن الكبرى"(5/ 287).
قلت: وأخرجه أبو داود (3357)، وأحمد (2/ 171، 216)، والدارقطني (3/ 70 رقم 263) وطعن في الحديث ابن القطان
…
كما في "نصب الراية"(4/ 47) للاضطراب الواقع فيه من ابن إسحاق وبجهالة بعض رواته، ولكن أخرجه البيهقي (5/ 287 - 288)، والدارقطني (3/ 69 رقم 261) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وصحَّحه من هذا الوجه البيهقي، فالحديث حسن، وقد حسَّنه الألباني في "الإرواء" رقم (1358).
يدلُّ أنْ لا رِبا في [الحيوان]
(1)
، وإلا فبابهُ القرضُ. وفي الحديثِ دليل على جوازِ اقتراضِ الحيوانِ، وفيه أقوالٌ ثلاثةٌ:
الأول: جوازُ ذلكَ وهوَ قولُ الشافعيِّ
(2)
، ومالكٍ
(3)
، وجماهيرَ علماء السلفِ والخلَفِ، عملًا بهذا الحديثِ، وبأنَّ الأصلَ جوازُ ذلكَ إلا جاريةً
(4)
لمنْ يملكُ وطْأها، فإنهُ لا يجوزُ. ويجوزُ لمنْ لا يملكُ وطأها كمحارِمِها، والمرأةُ.
والثاني: يجوزُ مطلقًا للجاريةِ وغيرِها، وهوَ لابنِ جريرٍ
(5)
، وداودَ.
الثالثُ: للهادويةِ
(6)
، والحنفيةِ
(7)
، أنهُ لا يجوزُ قرضُ شيءٍ منَ الحيواناتِ، وهذَا الحديثُ يردُّ قولَهم. وتقدَّمَ
(8)
دعواهُم النّسخَ وعدمُ صِحَّتِهِ. واعْلمْ أنَّهُ قدْ وَقَعَ في الشّرح أن حديثَ ابنَ عَمْرٍو في قرضِ الحيوانِ كما ذكرْناهُ، وراجعْنا كُتُبَ الحديثِ فوجدْنا في سننِ البيهقي
(9)
ما لفظُهُ بعدَ سياقهِ بإسنادهِ قالَ عمروُ بنُ حريشٍ لعبدِ اللَّهِ بن عمرو بن العاصِ: إنَّا بأرضٍ ليسَ فيها ذهبٌ ولا فضةٌ، [أفنبيع]
(10)
البقرةَ بالبقرتينِ؟ والبعيرَ بالبعيرينِ؟ والشاةَ بالشاتين؟ فقالَ: "أمرني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أجهزَ جيشًا - الحديثَ"[المصدرُ]
(11)
في الكتابِ. وفي لفظٍ
(12)
: "فأمرَه النبي صلى الله عليه وسلم أنْ يبتاعَ ظَهْرًا إلى خروجِ المصدقِ"، فسياقُ الأولِ واضحٌ أنهُ في البيعِ، ولفظُ الثاني صريحٌ في ذلكَ، وإذا عرفتَ هذا فحمْلُه على القرضِ خلافٌ ما دلَّ عليهِ، [وهو]
(13)
بيع الحيوانِ بالحيوانِ نسيئةً. وقدْ عارضَه حديثُ النَّهْي عنْ بيعِ الحيوانِ بالحيوانِ نسيئةً كما تقدَّمَ في الحديثِ
(14)
العاشر،
(1)
في (ب): "الحيوانات".
(2)
انظر: "المعرفة"(8/ 192)، و "التكملة الثانية للمجموع"(13/ 169).
(3)
انظر: "بداية المجتهد"(3/ 385) بتحقيقنا.
(4)
انظر: "المهذب" و "التكملة الثانية"(13/ 169).
(5)
انظر: "المحلَّى"(8/ 82 مسألة رقم 1201).
(6)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 403).
(7)
انظر: "بدائع الصنائع"(5/ 209).
(8)
أثناء شرح الحديث رقم (10/ 792) من كتابنا هذا.
(9)
"الكبرى"(5/ 287).
(10)
في (ب): "أفأبيع".
(11)
في (ب): "المسطّر".
(12)
في "السنن الكبرى" أيضًا (5/ 288).
(13)
في (ب): "وهو في".
(14)
وهو الحديث رقم (10/ 792) من كتابنا هذا.
وقد عرفت ما قيلَ فيه. والأقربُ منْ بابِ الترجيحِ أن حديثَ ابن عمروٍ [أرجحُ]
(1)
منْ حيثُ الإسنادِ، فإنهُ قدْ قالَ الشافعي في حديثِ سمرةَ: إنهُ غيرُ ثابتٍ عنْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما رواهُ عنهُ البيهقي
(2)
. وقرضُ الحيوانِ بالحيوانِ قدْ صحَّ
(3)
عنهُ جوازُه أيضًا.
النهي عن بيع المزابنة
15/ 797 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْر كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. مُتَّفَق عَلَيْهِ
(4)
. [صحيح]
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قالَ: نَهَى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن المزابنةِ)، وفسَّرها بقولِه:(أنْ يبيعَ ثمرَ حائطهِ إنْ كانَ نَخْلًا بتمرٍ كيلًا، وإنْ كانَ كَرْمًا أن يبيعَه بزبيب كيلًا، وإنْ كانَ زرْعًا أن يبيعَه بكيلِ طعامٍ، نَهَى عنْ ذلكَ كلِّه. متفقٌ عليه). تقدَّم
(5)
الكلامُ على تفسيرِ المزابنةِ واشتقاقِها ووجهِ التَّسميةِ. وقولُه: ثمرٌ، بالمثلثةِ وفتحِ الميمِ، فشملَ الرطبَ وغيرَه. والمرادُ ما كانَ في أصلِه رُطَبًا منْ هذهِ الأمورِ المذكورةِ، وأرادَ بالكرمِ العِنبَ، وقد اختلفَ العلماءُ في تفسير المزابنةِ. وتقدَّم أن المعوَّلَ عليهِ في تفسيرِها ما فسَّرها بهِ الصحابيُّ لاحتمالِ أنهُ مرفوعٌ، وإلَّا فهوَ أعرفُ بمرادِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم. قالَ ابنُ عبدِ البر
(6)
: لا مخالفَ لهمْ أن مثلَ هذا مزابنةٌ، وإنَّما اختلفُوا هلْ يلحقُ بذلكَ كلُّ ما لا يجوزُ بيعُه إلَّا مِثْلًا بِمْثلٍ؟ فالجمهورُ على الإلحاقِ في الحكمِ للمشاركةِ في العلَّةِ في ذلكَ، وهوَ عدمُ العلمِ بالتساوي معَ الاتفاقِ في الجنسِ والتقديرِ،
(1)
في (أ): "راجح".
(2)
في "السنن الكبرى"(5/ 289).
(3)
من رواية أبي رافع، رواه مسلم، وسيأتي برقم (7/ 813) من كتابنا هذا.
(4)
البخاري (4/ 384 رقم 2185)، ومسلم (3/ 1171 رقم 1542).
وأخرجه: أبو داود (3361)، والنسائي (4534)، وابن ماجه (2265)، وأحمد (2/ 16، 63، 64، 108)، ومالك (2/ 624 رقم 23)، والطحاوي (4/ 29).
(5)
أثناء شرح الحديث رقم (25/ 760) من كتابنا هذا.
(6)
في "التمهيد"(2/ 314).
وأما تسميةُ ما أُلْحِقَ مزابنةً فهوَ إِلحاق في الاسمِ، فلا يصحّ إلا على [قول]
(1)
مَنْ أثْبَتَ اللغةَ بالقياسِ.
النهي عن بيع الرطب بتمر
16/ 798 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ عَن اشْتِرَاءِ الرُّطَبِ بالتَّمْرِ، فَقَالَ:"أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذلِكَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
(2)
، وَصَحّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِي، وَالتّرْمِذِيُّ
(3)
، وَابْنُ حِبَّانَ
(4)
، وَالْحاكِمُ
(5)
. [صحيح]
(وعنْ سعدِ بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قالَ: سمعت رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراءِ الرُّطبِ بالتمرِ؟ فقالَ: أينقصُ الرطبُ إذا يَبِسَ؟ قالُوا: نعمْ، فَنَهَى عنْ ذلكَ. رواهُ الخمسةُ، وصحَّحهُ ابن المديني، والترمذيُّ، وابنُ حِبانَ، والحاكمُ). وإنَّما صحَّحه ابنُ المديني
(6)
وإنْ كان مالكٌ علَّقَهُ عنْ داودِ بن الحصين
(7)
؛ لأن مالكًا لقي شيخَه
(1)
في (ب): "رأي".
(2)
أبو داود (3359)، والترمذي (1225)، والنسائي (4545، 4546)، وابن ماجه (2264)، وأحمد (1/ 175).
(3)
في "سننه"(3/ 528).
(4)
في "صحيحه"(11/ 372، 378 رقم 4997، 5003).
(5)
في "المستدرك"(2/ 38).
قلت: وأخرجه مالك (2/ 624 رقم 22)، والشافعي (2/ 159 رقم 551 - ترتيب المسند) والطيالسي (ص 29 رقم 214)، والطحاوي (4/ 6) والدارقطني (3/ 49 رقم 204، 205)، والبيهقي (5/ 294)، وابن الجارود (2/ 230 رقم 657).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك، وأنَّه محكم في كل ما يرويه من الحديث، إذ لم يوجد في رواياته إلا الصحيح خصوصًا في حديث أهل المدينة، ثم لمتابعة هؤلاء الأئمة إياه في روايته عن عبد اللهِ بن يزيد، والشيخان لم يخرجاه لما خشياه من جهالة زيد أبي عياش" اهـ.
قلت: أما زيد بن عياش فهو أبو عياش المدني، قيل فيه: مجهول، لكن وثقه ابن حبان والدارقطني، وقال الحافظ في "التقريب" (1/ 276): صدوق. فالحديث صحيح إن شاء الله.
(6)
انظر: "التلخيص الحبير"(3/ 9 رقم 1142).
(7)
في المطبوع: "الحسين"، والتصويب من المخطوط و "التلخيص".
بعدَ ذلكَ. فحدَّثَ بهِ مرةً عنْ داودٍ، ثمَّ استقرَّ رأيهُ على التحديثِ بهِ عنْ شيخهِ. قالَ ابنُ المديني: إنَّ والدَهُ حدَّثَ بهِ عنْ مالكٍ بتعليقهِ عنْ داودِ، إلَّا أن سماعَ والدِه عنْ مالكٍ قديمٌ، ثمَّ حدَّثَ بهِ مالكٌ عنْ شيخهِ فصحَّ منْ طريقِ مالك، ومَنْ أعلَّهُ بجهالةِ أبي
(1)
عياشٍ فقدْ ردَّ عليهِ بأنّ الدارقطنيَّ قالَ: إنهُ ثَبْتٌ ثقةٌ.
وقالَ المنذريُّ
(2)
: قدْ رَوَى عنهُ ثقاتٌ وقدِ اعتمدَهُ مالكٌ معَ شدةِ نَقْد. قالَ الحاكمُ: ولا أعلمُ أحدًا طَعَنَ فيهِ.
والحديثُ دليلٌ على عدمِ جوازِ بيعِ الرطبِ بالتمرِ لعدمِ التساوي كما تقدَّم.
النهي عن بيع الكالئ بالكالئ
17/ 799 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الكَالِئِ بالْكَالِئِ، يَعْنِي الدَّينَ بالدَّينِ. رَوَاهُ إِسْحَاقُ وَالْبَزَّارُ
(3)
بإسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بيعِ الكالئِ بالكالئِ، يعني الدَّينَ بالدَّينِ. رواة إسحاقُ، والبزاز بإسنادٍ ضعيف)، ورواهُ الحاكمُ والدارقطنيُّ منْ دونِ تفسير، لكنَّ في إسنادهِ موسى بنَ عبيدةَ الربذيَّ وهوَ ضعيفٌ
(4)
. قالَ أحمدُ
(5)
: لا تحلُّ الروايةُ عندي عنهُ، ولا أعرفُ هذا الحديثَ لغيره، وصحَّفَهُ الحاكمُ فقالَ
(1)
انظر ترجمة أبي عياش زيد بن عياش في: "التهذيب"(3/ 365).
(2)
انظر: "مختصر سنن أبي داود"(5/ 34).
(3)
في "كشف الأستار"(2/ 91 رقم 1280).
وذكره الهيثمي في "المجمع"(4/ 80) مطولًا، وقال: قلت: في الصحيح طرف منه رواه البزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف. اهـ، وليس في الصحيح متن حديث الباب، وأخرجه الدارقطني (3/ 72 رقم 270)، والحاكم (2/ 57) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وهو ليس كما قالا، والذي يبدو أنهما صحَّحاه على أن راويه هو موسى بن عقبة الحافظ الكبير وليس كذلك، وقد خطَّأ البيهقي والحاكم والدارقطني على ذلك، ورواه في "سننه الكبرى"(5/ 290) وقد ضعَّفه المحدث الألباني في "الإرواء"(5/ 220 رقم 1382).
(4)
انظر ترجمته في: "الكامل"(6/ 2333)، و "التهذيب"(10/ 318 رقم 636) و "التقريب"(2/ 286).
(5)
روي ذلك عند ابن عدي في "الكامل"(6/ 2333).
موسىَ بنُ عقبة
(1)
، فصحَّحَهُ على شرطِ مسلم. وتعجَّبَ البيهقي منْ تصحيفهِ على الحاكمِ. قالَ أحمدُ
(2)
: ليسَ في هذا حديثٌ يصحُّ، لكنَّ إجماعَ الناسِ [على]
(3)
أنهُ لا يجوزُ بيعُ دَيْنِ بِدَيْنٍ.
وظاهرُ الحديثِ أن تفسيرَهُ بذلكَ مرفوعٌ.
والكالئُ منْ كلأَ الدَّينَ كلوءًا فهوَ كالئٌ إذا تأخَّرَ، وكلأتُهُ إذا أنسأتُه، وقدْ لا يهمزُ تخفيفًا. قالَ في "النهاية"
(4)
: هوَ أنْ يشتريَ الرجلُ شيئًا إلى أجلٍ، فإِذَا حلَّ الأجلُ لم يجدْ ما يقضي بهِ، فيقولُ بعنيهِ إلى أجلٍ آخرَ [بأكثر]
(5)
بزيادة شيءِ، فيبيعهُ ولا يجري بينَهما تقابضٌ.
والحديثُ دلَّ على تحريمِ ذلكَ، وإذا وقعَ كانَ باطلًا.
(1)
في المطبوع: "عتبة" وهو تصحيف التصحيف.
(2)
انظر: "موسوعة الإجماع"(1/ 399).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
انظر: "النهاية"(4/ 194).
(5)
زيادة من (ب).
[الباب الرابع] باب الرخصة في العرايا وبيع أصول الثمار
1/ 800 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ في الْعَرَايَا: أَنْ تُباعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
وَلمُسْلِمٍ
(2)
: رَخَّصَ في الْعَرِيَّةِ يَأَخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا، يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا. [صحيح]
(عنْ زيدِ بن ثابتٍ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رخَّصَ في العرايا أن تُباعَ بخرصِها كيلًا. متفقٌ عليه. ولمسلمٍ رخَّصَ في العريةِ يأخذها أهل البيتِ بخرصِها تمرًا، يأكلونَها رُطَبًا). الترخيصُ في الأصلِ التسهيلُ والتيسيرُ، وفي عُرفِ المتشرعةِ ما شرعَ من الأحكامِ لعذرٍ معَ بقاءِ دليلِ الإيجابِ والتحريمِ لولا ذلك العذرُ، وهذا دليل على أن حكمَ العرايا مُخرجٌ منْ بين المحرَّماتِ، مخصوصٌ بالحكمِ.
وقدْ صرَّحَ باستِثنائهِ في حديثِ جابر عندَ البخاريِّ
(3)
بلفظ: "نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنْ بيْعِ الثَّمرِ حتَّى يطيبَ، ولا يباعَ شيءٌ منه إلَّا بالدنانيرِ والدراهمِ إلَّا العرايا"، وفي قولهِ: في العرايا مضافٌ محذوفٌ، أي: في بيعهِ ثمرِ
(1)
البخاري (2192)، ومسلم (64/ 1539).
وأخرجه أبو داود (3362)، والترمذي (1302)، والنسائي (7/ 267 رقم 4540)، ومالك في "الموطأ"(2/ 619 رقم 14)، والبيهقي في "المعرفة"(8/ 99 رقم 11266).
(2)
في "صحيحه"(61/ 1539).
(3)
في "صحيحه"(2189) بهذا اللفظ، وعند مسلم (1536) وغيره بألفاظ أخرى.
العرايا؛ لأنَّ العريةَ هي النخلةُ، وهَي في الأصلِ عطيةُ ثمرِ النخلِ دونَ الرقبةِ
(1)
، كانتِ العربُ في الجدبِ يتطوعُ أهلُ النخلِ منْهم بذلكَ على منْ لا ثمرَ لهُ، كما كانُوا يتطوَّعونَ بمنيحةِ الشاةِ والإبلِ.
قالَ مالكٌ
(2)
: العريةُ أنْ يعري الرجلُ الرجلَ النخلةَ ثم يتأذَّى المعرِّي بدخولِ المعرَّى عليهِ، فرخَّص لهُ أنْ يشتريَها أي رطَبها منهُ بتمير أي يابسٍ. وقدْ وقعَ اتفاق الجمهورِ على جوازِ رخصةِ العرايا، وهوَ بيعُ الرطبِ على رؤوسِ النخلِ بقدْرِ كيلهِ منَ التمرِ خَرْصًا فيما دونَ خمسةِ أوسقٍ
(3)
بشرطِ التقابضِ، وإنما قلْنا فيما دونَ خمسةِ أوسقٍ لحديثِ أبي هريرةَ وهوَ:
الرُّخصة في بيع العرايا
2/ 801 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
. [صحيح]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رخَّصَ في بيعِ العَرَايا بخرصِها فيما دونَ خمسةِ أوْسُقٍ، أوْ في خمسةِ أَوْسُقٍ. متفقٌ عليهِ)، وبيَّنَ مسلمٌ
(5)
أن الشكَّ فيهِ
(1)
في المخطوط: "الرقية" بالمثناة التحتية والتصويب من المطبوع و "الفتح"(4/ 390).
(2)
انظر: "المسوى شرح الموطأ"(2/ 15، 16)، وذكره البخاري في ترجمة باب رقم (84) في (4/ 390).
(3)
الوسق = 60 صاعًا كيلًا.
والصاع= 4 أمداد.
والمُد = 544 غرامًا من القمح.
إذن يكون الصاع = 2176 غرامًا.
والوسق = 130560 غرامًا.
أو = 130.56 كيلو غرامًا.
انظر: كتابنا "الموازين والمكاييل العصرية".
(4)
أخرجه البخاري (2190) وطرفه في (2382)، ومسلم (1541).
وأخرجه أبو داود (3364)، والترمذي (1301)، والنسائي (4541)، ومالك (14)، والبيهقي في "المعرفة"(8/ 100 رقم 11272)، والشافعي في "الأم"(3/ 54).
(5)
الذي بيَّن ذلك إنما هو الإمام مالك راوي الحديث عن داود بن الحصين، انظر:"الموطأ"(2/ 620).
منْ داودَ بن الحصينِ. وقدْ وقعَ الاتفاقُ بينَ الشافعي
(1)
، ومالكٍ
(2)
، على صحتهِ فيما دونَ الخمسةِ، وامتناعُه فيما فوقَها، والخلافُ
(3)
بينَهما فيها، والأقربُ تحريمُه فيها لحديثِ
(4)
جابرٍ رضي الله عنه: "سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ حينَ أَذِنَ لأصحابِ العَرَايا أنْ يبيعُوها بخرصِها يقولُ: الوِسْقُ والوسقينِ والثلاثةُ والأربعةُ"، أخرجهُ أحمدُ. وترجمَ
(5)
له ابنُ حبانَ: الاحتياطُ على أنْ لا يزيدَ على أربعةِ أوسقٍ.
وأما اشتراطُ التقابضِ فَلأنَّ الترخيصَ إنَّما وقعَ في بيعِ ما ذُكِرَ معَ عدمِ تيقُّنِ التساوي فقطْ. وأما التقابضُ فلم يقعْ فيهِ ترخيصٌ فبقيَ على الأصلِ منِ اعتبارهِ، ويدلُّ لاشتراطِه ما أخرجهُ الشافعي
(6)
منْ حديثِ زيدِ بن ثابتٍ: "أنهُ سمَّى رجالًا محتاجينَ منَ الأنصارِ، شَكَوْا إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(7)
، ولا نَقْدَ في أيديهم يبتاعونَ بهِ رُطَبًا ويأكلونَ مَع الناسِ، وعندَهم فضولُ قوتِهم منَ التمرِ، فرخَّص لهم أنْ يبتاعُوا العَرَايا بِخَرْصِها من التمرِ"
(8)
. وفيهِ مأخذ لمنْ يشترطِ التقابضَ، وإلَّا لم يكنْ لِذكْرِ وجودِ التمرِ عندَهم وَجْهٌ. واعلمْ أنَّ الحديثَ وردَ في الرُّطَبِ بالتمرِ على رؤوسِ الشجرِ، وأما شراءُ الرطبِ بعدَ قطعهِ بالتمرِ فقالَ بجوازِهِ كثيرٌ منَ
(1)
انظر: "الأم"(3/ 54) و "المعرفة"(8/ 102).
(2)
انظر: "فتح الباري"(4/ 388).
(3)
أي أن المالكية يرون الجواز في الخمسة فما دونها، والشافعية يرون الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في الخمسة.
(4)
أخرجه أحمد (15/ 40 رقم 126 - الفتح الرباني)، والشافعي (2/ 79 بدائع المنن)، والطحاوي (4/ 30)، وابن حبان (11/ 381 رقم 5008 - الإحسان)، والبيهقي (5/ 311). وقد نقل الحافظ تصحيح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في "الفتح"(4/ 389) ولم يتعقبهم.
(5)
ولفظ الترجمة (11/ 381): ذكر الاستحباب للمرء أن يكون بيعه العرايا فيما دون خمسة أوسق ولا يجاوز به إلى أن يبلغ خمسة أوسق احتياطيًّا. وما ذكره الشارح إنما نقله عن الحافظ في "الفتح"(4/ 389).
(6)
أخرجه الشافعي في "الأم"(3/ 54) معلقًا قال: وقيل لمحمود بن لبيد أو قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره: ما عراياكم هذه؟ قال: فلان وفلان وسمَّى رجالًا محتاجين من الأنصار
…
الحديث.
وأخرجه من طريقه البيهقي في "المعرفة"(8/ 100 رقم 11273).
(7)
في الرواية: "شكوا إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد
…
".
(8)
في الرواية: "بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبًا".
الشافعيةِ
(1)
إلحاقًا لهُ بما على رؤوسِ الشجرِ، بناءً على إلغاءِ وصْفِ كونهِ على رؤوسِ الشجرِ كما بوَّبَ بذلكَ البخاريُّ
(2)
؛ لأنَّ محلَّ الرخصةِ هوَ الرُّطَبُ نفسُه مطلقًا أعمُّ منْ كونهِ على رؤوسِ النخلِ، أو قد قطعَ فيشملُه النصُّ، [فلا]
(3)
يكونُ قياسًا، ولا منعَ إذْ قدْ تدعُو حكمةُ الترخيصِ إلى شراءِ الرطبِ الحاصلِ، فإنهُ قد تدعُو إليهِ الحاجةُ في الحالِ، وقدْ يكونُ معَ المشتري تمر فيأخذُه [منه]
(4)
، فيدفعُ بهِ قولُ ابن دقيقِ العيد: إنَّ ذلكَ لا يجوزُ وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّ أحدَ المعاني في الرخصةِ أنْ يأكلَ الرطبَ على التدريجِ طَريًا، وهذَا [المقصودُ]
(5)
لا يحصلُ مما على وجْهِ الأرضِ.
النهي عن بيع الثمر قبل بدوِّ صلاحه
3/ 802 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بيْعِ الثِّمَارِ حَتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ. مُتَّفَق عَلَيْهِ
(6)
. وَفي رِوَايَةٍ
(7)
: وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلاحِهَا قَالَ: حَتى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ. [صحيح]
(وعنِ ابن عمرَ قالَ: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ بيْعِ الثِّمارِ حتَّى يَبْدُوَ صلاحُها، نَهَى البائعَ والمبتاعَ. متفقٌ عليهِ. وفي روايةٍ: كانَ إذا سُئِلَ عنْ صلاحِها قالَ: حتَّى تذهبَ عاهته)، وهيَ الآفةُ والعيْبُ. اختلفَ السلفُ في المراد ببدُوِّ الصلاحِ على ثلاثةِ أقوالٍ:
(1)
انظر: "الأم"(3/ 54).
(2)
في صحيحه (4/ 387 باب رقم 83)، قال: باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب أو الفضة.
(3)
في (ب): "ولا".
(4)
في (ب): "به".
(5)
في (ب): "القصد".
(6)
أخرجه البخاري (2194)، ومسلم (49/ 1534).
وأخرجه: أبو داود (3367)، والترمذي (1226)، والنسائي (4519)، وابن ماجه (2214)، ومالك (2/ 618 رقم 10).
(7)
خرَّجها مسلم (3/ 1166).
الأولُ: أنه يكفي بُدُوُّ الصلاحِ في جنسِ الثمارِ، بشرطِ أنْ يكونَ الصَّلاحُ متلاحقًا، وهوَ قولُ الليثِ، والمالكيةِ
(1)
.
الثاني: أنه لا بدَّ أن يكون في جنسِ تلكَ الثمرةِ المبيعةِ، وهوَ قولٌ لأحمدَ
(2)
.
الثالثُ: أنهُ يعتبرُ الصلاحُ في تلكَ الشجرةِ المبيعةِ، وهوَ قولُ الشافعيةُ
(3)
. ويُفْهَمُ منْ قولهِ يبدُو أنهُ لا يُشْتَرطُ تكاملُه فيكفي زُهُوُّ بعضِ الثمرةِ، وبعضِ الشجرةِ معَ حصولِ المعنَى المقصودِ، وهوَ الأمانُ منَ العاهةِ، وقدْ جرتْ حِكمةُ اللَّهِ أنْ لا تطيبَ الثمارُ دُفْعَة واحدة، لتطولَ مدةُ التفكُّهِ بها والانتفاعِ. والحديثُ دليلٌ على النَّهْي عنْ بيعِ الثمارِ قبلَ بُدُوِّ صلاحِها. والإجماعُ
(4)
قائمٌ على أنهُ لا يصحُّ بيعُ الثمارِ قبلَ خروجها لأنهُ بيعٌ معدومٌ، وكذَا بعدَ خروجِها قبلَ نفعه إلَّا أنهُ رَوَى المصنفُ رحمه الله في الفتح
(5)
أن الحنفيةَ أجازُوا بيعَ الثمارِ قبلَ بدوِّ الصلاح، وبعدَه بشرطِ القطْعِ، وأبطلُوهُ بشرطِ البقاءِ قبلَه وبعدَه، وأما بعدَ صلاحِها ففيهِ تفاصيلُ، فإنْ كانَ بشرطِ القطْعِ صحَّ إجماعًا
(6)
، وإنْ كانَ بشرطِ البقاءِ كانَ بيعًا فاسدًا إنْ جُهِلَتِ المدةُ، فإنْ عُلِمَتْ صحَّ عندَ الهادوية
(7)
ولا غرَرَ، وقالَ المؤيدُ
(8)
: لا يصحُّ للنَّهْي
(9)
عنْ بيعٍ وشرط، وإنْ أُطْلِقَ صحَّ
(1)
انظر: "الموطأ"(2/ 619).
(2)
انظر: "المغني"(4/ 223).
(3)
انظر: "المعرفة"(8/ 79).
(4)
انظر: "موسوعة الإجماع"(1/ 198).
(5)
(4/ 394).
(6)
وانظر: "موسوعة الإجماع"(1/ 199).
(7)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 315).
(8)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 315).
(9)
أخرج ابن حزم في "المحلَّى بالآثار"(7/ 324، 325)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص 128)، والطبراني في "الأوسط" (4/ 85 - "مجمع الزوائد") عن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة فقلت: ما تقول في رجل باع بيعًا وشرط شرطًا؟ قال: البيع باطل والشرط باطل. ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألت فقال: البيع جائز والشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة فسألته فقال: البيع جائز والشرط جائز، فقلت: يا سبحان اللَّهِ! ثلاثة من فقهاء العراق اختلفتم عليَّ في مسألة واحدة، فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيع وشرط" البيع باطل والشرط باطل، ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة فأعتقها" البيع جائز=
عندَ الهادِوية وأبي حنيفةَ
(1)
، إذ ما تردَّد بين صحَّة وفساد حمل على الصحَّةِ؛ إذْ هيَ الظاهرُ إلَّا أنْ يجري عُرْفٌ ببقائِه مدةً مجهولةً فسد، وأفادَ نَهْيُ البائعِ والمبتاعِ، أما البائعُ فَلِئَلَّا يأكلَ مالَ أخيهِ بالباطلِ، وأما المشتري فلئلَّا يضيعَ مالُه. والعاهةُ هي الآفةُ التي تصيبُ الثمارَ، وقدْ بيَّنَ ذلكَ حديثُ زيدِ بن ثابتٍ
(2)
قالَ: "كانَ الناسُ في عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يبتاعونَ الثمارَ فإذا جدَّ الناسُ وحضرَ تقاضِيْهمْ قالَ المبتاعُ: إنهُ أصابَ الثمرُ الدُّمانَ وهوَ فسادُ الطَّلْعِ وسوادُه مراض
(3)
قشامٍ عاهاتٌ يحتجونَ بها، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لما كثرتْ عندَه الخصومةُ في ذلكَ: فأمَّا لا فلا تَبْتَاعُوا حتَّى يبدُوَ صلاحُ الثمرةِ، كالمشورةِ يشيرُ بها لكثرةِ خصوماتِهم" انتَهى. وأَفْهَمَ قولُه كالمشورةِ أن النَّهْيَ للتنزيهِ لا للتحريمِ، كأنهُ فَهِمَه منَ السياقِ وإلَّا فأصْلُه التحريمُ، وكانَ زيدُ
(4)
لا يبيعُ ثمارَ أرضِه حتَّى تطلعَ الثُرَيَّا فيتبينُ الأصفرُ منَ الأحمر. وأخرجَ أبو داودَ
(5)
منْ حديث أبي هريرةَ مرفوعًا: "إذا طلعَ النَّجْمُ صباحًا رُفِعَتِ العاهةُ عن كلِّ بلدٍ". والنجمُ الثُّريَّا، والمرادُ طلوعُها صباحًا، وهوَ في أولِ فصلِ الصيفِ، وذلكَ عندَ اشتدادِ الحرِّ [في]
(6)
بلادِ الحجازِ، وابتداءِ نُضْجِ الثمارِ وهوَ المعتبرُ حقيقةً، وطلوعُ الثريا علامةٌ.
= والشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر قال: "بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط لي حملانها إلى المدينة" البيع جائز والشرط جائز.
قال الهيثمي: وفيه يحيى بن صالح الأيلي، قال الذهبي: روى عنه يحيى بن بكير مناكير.
قلت: ولم أجد لغير الذهبي فيه كلامًا وبقية رجاله رجال الصحيح.
(1)
انظر: "بدائع الصنائع"(5/ 173).
(2)
أخرجه البخاري معلقًا (2193)، وأخرجه موصولًا: أبو داود (3372) والطحاوي (4/ 28)، والبيهقي (5/ 301، 302) وقد صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (2883).
(3)
كذا في المخطوط والمطبوع، وفي رواية البخاري "
…
إنه أصاب الثمر الدُّمان، أصابه مرض، أصابه قُشام - عاهات يحتجون بها - فقال:
…
".
(4)
هذا من تتمة الرواية السابقة.
(5)
كذا عزاه الحافظ في "الفتح"(4/ 395)، وهو في "المسند"(2/ 341، 388). وضعَّفه العلَّامة الألباني في الضعيفة (397).
(6)
زيادة من (أ).
النهي عن بيع الثمار حتى تُزهى
4/ 803 - وَعَنْ أَنَسٍ بن مَالِكٍ رَضيَ اللَّهُ تعالَى عَنْهُ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتى تُزْهَى، قِيلَ: وَمَا زَهْوُهَا؟ قالَ: "تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]
(وعنْ أنسٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بيعِ الثمارِ حتَّى تُزْهَى، قيلَ) في روايةِ النَّسائيِّ
(2)
: قيلَ: يا رسولَ الله، فأفادَ أن التفسيرَ مرفوعٌ، (وما زَهْوُها) قيل بفتحِ الزاي (قالَ: تَحْمَارُّ وتَصْفَارُّ. متفقٌ عليهِ. واللفظٌ للبخاريِّ). يقالُ: أَزْهَى يَزْهَى إذا احمرَّ واصفرَّ، وَزَها النخلُ يزهُو إذا ظهرتْ ثمرتُه. وقيلَ هما بمعنَى الاحمرارِ والاصفرارِ، ومنْهم مَنْ أنكرَ يزهُو، ومنْهم مَنْ أنكرَ يزْهى، كذا في "النهاية"
(3)
. قالَ الخطابيُّ
(4)
في هذه الروايةِ: هي الصوابُ، ولا يُقالُ في النخلِ يزهُو وإنَّما يُقَالُ [يزهى]
(5)
لا غيرُ. ومنهُم منْ قالَ زَهَا إذا طالَ واكتملَ، وأَزْهَى إذا احمرَّ واصفرَّ.
قال الخطابي
(6)
: قوله: تحمارُّ وتصفارُّ لم يُردْ بذلك اللَّونَ الخالِصَ من الحمرةِ والصفرةِ، إنَّما أرادَ حمرةً أو صفرةً بكمودةٍ، فلذلكَ قالَ: تحمارُّ وتصفارُّ. قالَ: ولو أرادَ اللونَ الخالصَ لقالَ: تحمرُّ وتصفرُّ. قالَ ابنُ التينِ
(7)
: أرادَ بقولِه تحمارُّ وتصفارُّ ظهورَ أوائلِ الحمْرةِ والصفْرةِ قبلَ أن تنضجَ
(8)
. قالَ: وإنما يقالُ تفعال في اللونِ المتغيرِ إذا كانَ يزولُ ذلكَ. وقيلَ: لا فرقَ، إلا أنهُ قدْ يقالُ في هذا المحلِّ المرادُ بهِ ما ذُكِرَ بقرينةِ الحديثِ الآتي:
(1)
أخرجه البخاري (2197، 2198)، ومسلم (1555)، والنسائي (4526)، وابن ماجه (2217).
(2)
في "سننه"(4526).
(3)
(2/ 323).
(4)
ذكره عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 398) وفيه: "
…
فلا يقال في النخل تزهو إنما يقال تزهى لا غير
…
" بالمثناة الفوقية في الموضعين.
(5)
في (ب): "وتزهى".
(6)
ذكره عنه أيضًا الحافظ في "الفتح"(4/ 397).
(7)
انظر: "فتح الباري"(4/ 397).
(8)
في المطبوع: "ينضج"، وفي "الفتح":"تشبع".
النهي عن بيع العنبِ حتى يسودَّ
5/ 804 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ. رَوَاهُ الْخَمْسَة
(1)
إلَّا النَّسَائيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(2)
، وَالْحَاكِمُ
(3)
. [صحيح]
وهوَ قولُه: (وعنْ أنسٍ [بن مالك])
(4)
قياسُ قاعدتِه: وعنهُ، (أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بيعِ العنبِ حتى يسودَّ، وعنْ بيعِ الحبِّ حتى يشتدَّ. رواهُ الخمسةُ إلَّا النسائيَّ، وصحَّحهُ ابنُ حبانَ، والحاكمُ). والمرادُ باسودادِ العنبِ، واشتدادِ الحبِّ بدوُّ صلاحهِ. قالَ النوويُّ
(5)
: فيهِ دليلٌ لمذهبِ الكوفيينَ، وأكثرُ العلماءِ في أنهُ يجوزُ بيعُ السنبلِ المشتدِّ، وأما مَذْهَبُنَا ففيهِ تفصيلٌ، فإنْ كانَ السنبلُ شعيرًا، أو ذُرَةً، أو مما في معناهُما، مما تُرَى حباتُه خارجةً صحَّ بيعُه، وإنْ كانَ حنطةً، أو نحوَها مما تُسْتَرُ حبَّاتُه بالقُشورِ التي تزول بالدِّياس
(6)
ففيهِ قولانِ للشافعيِّ: الجديدُ أنهُ لا يصحُّ وهوَ أصحُ قَوْلَيْهِ، والقديمُ أنهُ يصحُّ. وأما قبلَ الاشتدادِ فلا يصحُّ إلا بشَرْطِ القطْعِ كما ذكْرنا، فإذا باعَ الزَّرْعَ قبلَ الاشتدادِ معَ الأرضِ بلا شرطٍ صحَّ تِبْعًا للأرضِ، وكذَا الثمارُ قبلَ الصلاحِ إذا بِيعَ معَ الشجرِ جازَ بلا شرطٍ تبعًا، وهكذا حكمُ القولِ في الأرضِ لا يجُز بيعُها دونَ الزرعِ إلا بشرطِ القطع، وكذَا لا يصحُّ بيعُ البطيخ ونحوِه قبلَ بُدُوِّ صلاحهِ، وفروعُ المسألةِ كثيرةٌ.
(1)
أبو داود (3381)، والترمذي (1228) وقال: حسن غريب، وابن ماجه (2217)، وأحمد (3/ 221، 250).
(2)
في "صحيحه"(11/ 369 رقم 4993).
(3)
في "المستدرك (2/ 19) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الدارقطني (3/ 47 رقم 196)، والطحاوي (4/ 24)، والبيهقي (5/ 301) وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 648 رقم 2882)، وصحَّحه أيضًا النووي في "المجموع"(9/ 305).
(4)
زيادة من (أ).
(5)
انظر هذه المسألة في: "روضة الطالبين"(3/ 548: 560)، و "المجموع" (9/ 305: 309).
(6)
في القاموس (ص 704) الدِّياس: الوطء بالرجل، والمِدْوَس: ما يداس به الطعام.
وقدْ نَقَّحْتُ مقاصدَها في روضةِ الطالبينَ
(1)
، وشرح المهذبِ
(2)
، وجمعت فيها جملةٌ مستكثرةٌ، وباللَّهِ التوفيقُ.
ثمن ما أصابته جائحة من مال البائع
6/ 805 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخيكَ ثَمَرًا فأصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيرِ حَقٍّ؟ "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(3)
. [صحيح]
وَفي رِوَايَةٍ لَهُ
(4)
: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ. [صحيح]
(وعنْ جابرِ بن عبدِ اللَّهِ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لو بعتَ منْ أخيكَ ثَمَرًا فأصابتْه جائحةٌ)، هي الآفة تصيبُ الزرعَ، (فلا يحلُّ لكَ أنْ تأخذَ منهُ شيئًا، بِمَ تأخذُ مالَ أخيكَ بغيرِ حقٍّ؟. رواهُ مسلمٌ. وفي روايةٍ له أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بوضعِ الجوائح). الجائحةُ مشتقةٌ منَ الجَوْحِ وهوَ الاستئصالُ، ومنهُ حديثُ
(5)
: "إنَّ أبي يجتاحُ مالي". وفي الحديثِ دليلٌ على أن الثمارَ التي على رءوسِ الشجرِ إذا باعهَا المالكُ، وأصابتْها جائحةٌ أنْ يكونَ تلفُها منْ مالِ البائعِ، وأنهُ لا يستحقُّ على المشتري في ذلكَ شيئًا. وظاهرُ الحديثِ فيما باعَهُ بَيْعًا غيرَ مَنْهيٍّ عنهُ، وأنهُ
(1)
(3/ 548: 560) واسمه: "روضة الطالبين وعمدة المفتين" للنووي رحمه الله تعالى.
(2)
"المجموع"(9/ 305: 309).
(3)
في "صحيحه"(14/ 1554).
قلت: وأخرجه أبو داود (3470)، والنسائي (4527، 4528، 4529) وابن ماجه (2219)، والدارمي (2/ 252)، والطحاوي (4/ 34)، والبيهقي (5/ 306).
(4)
في "صحيحه" رقم (17/ 1554).
(5)
أخرجه أبو داود (3530)، وابن ماجه (2292)، وابن الجارود (3/ 251 رقم 995)، وأحمد (2/ 214) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي مالًا وولدًا وإن والدي يجتاح مالي
…
الحديث.
وإسناده حسن، انظر:"الإرواء"(3/ 325).
وأخرج أيضًا ابن ماجه (2291) من حديث محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لي مالًا وولدًا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي
…
الحديث وصحَّحه الألباني في "الإرواء"(3/ 323).
وقعَ البيعُ بعدَ بُدُوِّ الصلاحِ لأنهُ مَنْهِيٌّ، [عن]
(1)
[بيعهِ]
(2)
قبلَ بُدُوِّهِ، ويحتملُ ورودُه أي حديثُ وضعِ الجوائحِ قبلَ النَّهْي، وبدلُّ لهُ ما وقعَ في حديثِ
(3)
زيدِ بن ثابتٍ أنهُ قالَ: "قدمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، ونحنُ نبتاعُ الثمارَ قبلَ أنْ يبدوَ صلاحُها وسمعَ خصومةً فقالَ: ما هذا؟ فذكرَ الحديثَ، وأنهُ نَهَى عنْ بيعِها قبلَ [أنْ يبدوَ]
(4)
صلاحُها"، إلا أنه أفاد معَ ذكرِ سببِ النَّهْي تاريخَ ذلكَ، فيكونُ حديثُ وضعِ الجوائحِ مُتَأَخِّرًا، فيحملُ حديثُ وضعِ الجوائحِ على البيعِ بعدَ بدوِّ الصلاحُ. وقدِ اختلفَ
(5)
العلماءُ في وضعِ الجوائحِ، فذهبَ الأقلُّ إلى أن الجائحةَ إذا أصابتِ الثمرَ جميعَه أنْ يوضعَ الثَّمنُ جميعُه، وأنَّ التلفَ منْ مالِ البائعِ عملًا بظاهرِ الحديثِ. وذهبَ الأكثرُ إلى أن التلفَ منْ مالِ المشتري، وأنهُ لا وضعَ لأجلِ الجائحةِ إلَّا ندْبًا، واحتجُّوا لهُ بحديثِ
(6)
أبي سعيدٍ: "أنهُ صلى الله عليه وسلم أمرَ النَّاسَ أنْ يتصدَّقُوا على الذي أصيبَ في ثمارهِ" وسيأتي. قالُوا: ووجْهُ تلفهِ منْ مالِ المشتري أن التخليةَ في العقدِ الصحيح بمنزلةِ القبضِ، وقدْ سلَّمهُ البائعُ للمشتري بالتخليةِ فكأنهُ قبضَهُ. وأجيبَ عنهُ بَأنَّ قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لكَ أنْ تأخذَ منهُ شيئًا - الحديثَ" دالٌ على التحريم، وأنهُ تلفٌ على البائعِ لقولِه: مالُ أخيكَ إذْ يدلُّ أنهُ لم يستحقَّ منهُ الثمنَ [فإنه]
(7)
مالُ أخيهِ لا مالُهُ.
وحديثُ
(8)
التصدُّقِ محمولٌ على الاستحبابِ بقرينةِ قولِه: لا يحلُّ لكَ، وفائدةُ الأمرِ بالتصدقِ الإرشادُ إلى الوفاءِ بغرضين: جبرُ البائعِ، وتعريضُ المشتري لمكارمِ الأخلاقِ، كما يدلُّ لهُ قولُه في آخرِ الحديثِ (8) لما طلبُوا الوفاءَ:"ليسَ لكم إلا ذلكَ". فلو كانَ لازِمًا لأمرَهم بالنظرةِ إلى ميسرَةٍ.
(1)
في (أ): "عنه".
(2)
زيادة من (ب).
(3)
سبق تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (3/ 802) من كتابنا هذا، واللفظ الذي ساقه الشارح في سنن أبي داود.
(4)
في (ب): "بدوّ".
(5)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 216، 217)، وانظر أيضًا:"بداية المجتهد"(3/ 362) بتحقيقنا.
(6)
أخرجه مسلم، وسيأتي تخريجه برقم (3/ 817) من كتابنا هذا.
(7)
في (ب): "وإنه".
(8)
يعني حديث أبي سعيد الآنف الذكر.
الثمر بعد التأبير للبايع
7/ 806 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا عَنْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: "مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ الَّذِي بَاعَها إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: منِ ابتاعَ نخلًا) هوَ اسمُ جنسٍ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، والجمعُ نخيل (بعدَ أنْ تُؤَبَّرَ). والتَّأبيرُ: التشقيقُ والتلقيحُ، وهوَ شقُّ طَلْعِ النخلةِ الأنثَى ليذَر فيها منْ طلعِ النخلةِ الذكرِ، (فثمرتُها للبائعِ الذي باعها إلَّا أنْ يشترطَ المبتاعُ. متفقٌ عليه).
دلَّ الحديثُ على أنَّ الثمرةَ بعدَ التأبيرِ للبائعِ، وهذا منطوقُه ومفهومُه إنها قبلُه للمشترِي. وإلى هذا ذهب جمهورُ العلماءِ
(2)
عملًا بظاهرِ الحديثِ.
وقال أَبو حنيفةَ
(3)
: هي للبائعِ قبلَ التأبيرِ وبعدَه، فَعَمِلَ بالمنطوقِ ولم يعملْ بالمفهومِ بناءً على أصلهِ منْ عدمِ العملِ بمفهومِ المخالفةِ. وَرُدَّ عليهِ بأن الفوائدَ المستترةَ تخالفُ الظاهرةَ في البيعِ، فإنَّ وَلَدَ الأمةِ المنفصلَ لا يتبعُها، والحملُ يتبعُها.
وفي قولِه: إلَّا أنْ يشترطَ المبتاعُ، دليلٌ على أنهُ إذا قالَ المشتري اشتريتُ الشجرة بثمرتِها كانتِ الثمرةُ لهُ.
ودلَّ الحديثُ على أن الشرطَ الذي لا ينافي مقتضى العقدِ لا يفسدُ البيعَ، فيخصُّ النَّهْيَ
(4)
عنْ بيعٍ وشرطٍ، وهذا النص في النخلِ، ويقاسُ عليهِ غيرُه منَ الأشجارِ.
* * *
(1)
البخاري (2204)، ومسلم (80/ 1543).
قلت: وأخرجه أبو داود (3434)، والنسائي (4635، 4636)، وابن ماجه (2210)، وأحمد (2/ 6، 63)، ومالك (2/ 617 رقم 9)، والبيهقي (5/ 297، 298).
(2)
انظر: "بداية المجتهد"(3/ 364، 365) بتحقيقنا.
(3)
انظر: "المبسوط" للسرخسي (13/ 167، 168).
(4)
انظر: تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (3/ 802) من كتابنا هذا.
[الباب الخامس] أبواب السلم والقرض والرهن
1/ 807 - عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ في الثِّمَارِ السّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَقَالَ:"مَنْ أَسْلَفَ فِي ثَمَرٍ فَلْيُسْلِفْ في كَيلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلِ مَعْلُومٍ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
وَلِلْبُخَارِيِّ
(2)
: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ". [صحيح]
(عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، وهمْ يسلفونَ في الثمارِ السنةَ والسنتينِ)، منصوبان [على نزع]
(3)
الخافض، أي: إلى السنةِ والسنتين، (فقالَ: مَنْ أسلفَ في تمرٍ)، يُروى بالمثناةِ، والمثلثةِ، فهوَ بها أعمُّ، (فَلْيُسْلِفْ في كيلٍ معلومٍ)، إذا كانَ مما يُكالُ، (وَوَزْنٍ معلومٍ) إذا كانَ مما يوزنُ (إلى أجلٍ معلومٍ. متفقٌ عليهِ. وللبخاريِّ: مَن أسلفَ في شيءٍ). السلفُ بفتحتينِ
(4)
: هوَ السَّلَمُ وزنًا ومعنَى، قيلَ
(5)
: وهوَ لغةُ أهلِ العراقِ، والسلفُ لغةُ أهلِ الحجازِ، وحقيقتُه
(1)
البخاري (2240، 2241)، ومسلم (127/ 1604).
قلت: وأخرجه أبو داود (3463)، والترمذي (1311)، والنسائي (4616)، وابن ماجه (2280)، والدارمي (2/ 260)، وابن الجارود (2/ 189 رقم 614، 615)، والبيهقي (6/ 18، 19)، وأحمد (1/ 217، 222، 282، 358)، والحميدي (1/ 237 رقم 510)، والدارقطني (3/ 4)، والبغوي في "شرح السنة"(8/ 173)، والشافعي في "الرسالة"(ص 337 - 338) وفي "ترتيب المسند"(2/ 161).
(2)
في "صحيحه"(2240).
(3)
في (ب): "بنزع".
(4)
انظر: "النهاية"(2/ 396).
(5)
ذكره الماوردي، كما ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"(4/ 428).
شَرْعًا: بيعٌ موصوفٌ في الذمةِ ببدلٍ [ما]
(1)
، يُعْطَى عاجلًا، وهوَ مشروعٌ إلَّا عند ابن المسيبِ
(2)
. واتفقُوا على أنهُ يشترطُ فيهِ ما يُشْتَرَطُ في البيعِ، وعلى تسليمِ رأسِ المالِ في المجلسِ، إلَّا أنهُ أجازَ
(3)
مالكٌ تأجيلَ الثمنِ يومًا أو يومينِ، ولا بدَّ منْ أنْ يقدر بأحدِ المقدارينِ كما في الحديثِ، فإنْ كانَ مما لا يُكالُ ولا يُوزَنُ فقالَ المصنفُ رحمه الله في فتحِ الباري (4): فلا بدَّ فيهِ منْ عددٍ معلومٍ، رواهُ عن ابن بطالٍ، وادَّعَى عليهِ الإجماعَ، وقالَ المصنفُ
(4)
: أو ذَرْعٍ معلومٍ، فإنَّ العددَ والذَّرْعَ يلحقانِ بالوزْنِ والكيلِ للجامعِ بينَهما، وهوَ ارتفاعُ الجهالةِ بالمقدارِ، واتفقُوا على اشتراطِ تعيينِ الكيلِ فيما يُسَلَّمُ فيهِ بالكيلِ كصاعِ الحجازِ، وقفيزِ العراقِ، وإردبِّ مصرَ. وإذا أُطْلِقَ انصرف إلى الأغلبِ في الجهةِ التي وقعَ فيها عَقدُ السلمِ، واتفقُوا
(5)
على أنهُ لا بدَّ منْ معرفةِ صفةِ الشيءِ المسلَّمِ فيهِ صِفةٌ عنْ غيرِه، ولم يتعرضْ لهُ في الحديثِ؛ لأنَّهم كانُوا يعلمونَ بهِ، وظاهرُ الحديثِ أن التأجيلَ شرطٌ في صحة السلَمِ، فإنْ كانَ حالً لم يصحَّ أو كانَ الأجلُ مجهولًا، وإلى هذا
(6)
ذهبَ ابنُ عباسٍ وجماعةٌ منَ السلفِ، وذهبَ آخرونَ إلى عدمِ شرطيةِ ذلكَ، وأنَّه يجوزُ السلمُ في الحالِ. والظاهرُ أنهُ لم يقعْ في عصر النبوةِ إلَّا في المؤجلِ، وإلحاقُ الحالِ بالمؤجلِ قياسٌ على ما خالفَ القياسَ [لأن السلم خالف القياس]
(7)
؛ إذْ هو بيعٌ معدومٌ وعَقدٌ غَرَرٌ. واختلفُوا
(8)
أيضًا في شرطيةِ المكانِ الذي يسلمُ فيهِ فأثبَتهُ جماعةٌ قياسًا على الكيلِ، والوزنِ، والتأجيلِ. وذهبَ آخرونَ إلى عدمِ اشتراطهِ. وفصَّلتِ
(9)
الحنفيةُ فقالتْ: إنْ كانَ لحمْلِه مؤونةٌ فيشترطُ، وإلَّا فلا. وقالتِ الشافعيةُ
(10)
: إنْ عقدَ حيثُ لا يصلحُ للتسليمِ كالطريقِ فيشترطُ، وإلا فقولانِ. وكلُّ هذهِ التفاصيلِ مُسْتنَدُها العرفُ.
(1)
زيادة من (أ).
(2)
انظر: "فتح الباري"(4/ 428).
(3)
انظر: "بداية المجتهد"(3/ 387) بتحقيقنا، وفيه: "فأجاز مالك تأخير اليومين والثلاثة
…
".
(4)
(4/ 430).
(5)
لفظ "الفتح": "وأجمعوا
…
".
(6)
انظر: تفصيل المسألة في "بداية المجتهد"(3/ 388) بتحقيقنا.
(7)
زيادة من (أ).
(8)
انظر: "فتح الباري"(4/ 431).
(9)
انظر: "المبسوط"(12/ 128).
(10)
انظر: "فتح الباري"(4/ 431، 432).
صحة السلف في المعدوم حال العقد
2/ 808 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي أَوْفَى، وعَبْدِ الرّحْمنِ بْنِ أَبْزَى، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَا: كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يَأْتِينَا أنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ فَنُسْلِفُهُمْ في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ - وَفي رِوَايَةٍ: وَالزَّيْتِ - إلَى أَجَلٍ مُسَمَّى، قِيلَ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالَا: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(1)
. [صحيح]
ترجمة عبد الرحمن بن أبزى
(وعنْ عبدِ اللَّهِ بن أبي أَوْفَى، وعبدِ الرحمنِ بن أَبْزَى)
(2)
بفتحِ الهمزةِ، وسكونِ الموحدةِ، وفتحِ الزاي، الخزاعيِّ. سكنَ الكوفةَ، واستعملهُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام على خراسانَ، وأدركَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وصلَّى خَلْفَهُ. (قالَ: كُنَّا نصيبُ المَغَانِمَ معَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانَ يأتينا أنباطٌ
(3)
منْ أنباطِ الشامِ) همْ منَ العربِ دخلُوا في العجمِ والروم، فاختلطتْ أنسابهُم، وفسدتْ ألسنتُهم، سُمُّوا بذلكَ لكثرةِ معرفتِهم بإنباطِ الماءِ أي استخراجه، (فَنُسْلِفُهُم في الحنطةِ والشعيرِ والزبيبِ، وفي روايةٍ: والزيتِ إلي أجلٍ مُسَمَّى. قيلَ: أكانَ لهمْ زَرْعٌ؟ قالا: ما كُنَّا نسألهُم عنْ ذلك. رواهُ البخاريُّ). الحديثُ دليلٌ على صحةِ السلفِ في المعدومِ حالَ العقدِ، إذْ لو كانَ منْ شرطِه وجودُ المسلَّمِ فيه لاستفصلُوهم. وقدْ قَالا: ما كنَّا نسألُهم. وتركُ الاستفصالِ في مقامِ الاحتمالِ يُنْزلُ منزلةَ العمومِ في المقالِ. وقدْ ذهبَ إلى هذا
(1)
في "صحيحه"(2242، 2243)، وأطرافه في (2244، 2245، 2254، 2255).
قلت: وأخرجه أبو داود (3464)، وابن ماجه (2282)، وأحمد (1/ 217، 222، 282، 358)، (4/ 354)، والحاكم (2/ 45)، والبيهقي (6/ 20)، والطيالسي (رقم 815)، وابن الجارود (2/ 190 رقم 616).
(2)
انظر ترجمته في:
"طبقات ابن سعد"(5/ 462)، و "التاريخ الكبير"(5/ 245)، و "المعرفة والتاريخ"(1/ 291)، و"الجرح والتعديل"(5/ 209)، و "الجمع بين الصحيحين"(1/ 282)، و "العقد الثمين"(5/ 340)، و "تهذيب التهذيب"(6/ 121)، و "سير أعلام النبلاء"(3/ 201).
(3)
انظر: "فتح الباري"(4/ 431).
الهادويةُ
(1)
، والشافعيةُ
(2)
، ومالكٌ
(3)
، واشترطُوا إمكانَ وجودِه عندَ حلولِ الأجلِ، ولا يضرُّ انقطاعُه قبلَ [حضورِ]
(4)
الأجلِ لما عرفتَ منْ تركِ الاستفصالِ، كذا في الشرحِ.
قلتُ: وهوَ استدلالٌ بفعلِ الصحابيِّ أوْ تركِه، ولا دليلَ على أنهُ صلى الله عليه وسلم علمَ ذلكَ وأقرَّهُ، وأحسنُ منهُ في الاستدلالِ أنهُ صلى الله عليه وسلم أقرَّ أهلَ المدينةِ
(5)
على السَّلمِ سنةَ وسنتينِ، والرطبُ ينقطعُ في ذلكَ، ويعارضُ ذلكَ حديثُ ابن عمرَ عندَ أبي داودَ
(6)
: "ولا تسلفُوا في النخلِ حتَّى يبدوَ صلاحُه"؛ فإنْ صحَّ ذلكَ كانَ مقيِّدًا لتقريرِه لأهلِ المدينةِ على سلمِ السنةِ والسنتينِ، وأنهُ أمرَهم بأن لا يسلفُوا حتَّى يبدُوَ صلاحُ النخلِ، ويُقَوِّي ما ذهبَ إليهِ الناصر
(7)
وأبو حنيفةَ
(8)
منْ أنهُ يشترطُ في المسلَّم فيهِ أنْ يكونَ موجودًا منَ العقدِ إلى الحلولِ.
أعان الله من استدان وهو يريد الوفاء
3/ 809 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ رضي الله عنه عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ الناسِ يُريدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ تَعَالَى"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(9)
. [صحيح]
(1)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 397، 403).
(2)
انظر: "مغني المحتاج" للشربيني على "منهاج الطالبين" للنووي (2/ 106).
(3)
انظر: "المنتقي شرح الموطأ" للباجي (4/ 300).
(4)
في (ب): "حلول".
(5)
يعني في حديث ابن عباس المتقدم برقم (1/ 807) من كتابنا هذا.
(6)
في "سننه"(3467).
قلت: وأخرجه الطيالسي (ص 262 رقم 1940)، وأحمد (2/ 144 - 145)، وابن ماجه (2284)، والبيهقي (6/ 24) وفي إسناده مجهول وهو حديث ضعيف وقد ضعَّفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(ص 345 رقم 750).
(7)
انظر: "البحر الزخار"(3/ 403).
(8)
انظر: "المبسوط"(12/ 125، 126).
(9)
في "صحيحه"(2387).
وأخرجه: ابن ماجه (2411)، وأحمد (2/ 361، 417)، والبيهقي (5/ 354)، والبغوي (2146)، وانظر الحديث (2/ 827) من كتابنا هذا.
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ أخذ [من]
(1)
أموالِ الناسِ يريدُ أداءَها أدَّى الله عنهُ، ومنْ أخذَها يريدُ إتلافَها أتْلَفَه اللَّهُ. رواه البخاريُّ). التعبيرُ بأخذِ أموالِ الناسِ يشملُ أخذَها بالاستدانةَ، وأخذَها لحفظِها. والمرادُ منْ إرادته التأدية [قضاها]
(2)
في الدنيا، وتأديةُ اللَّهِ عنه تشملُ تيسيرُه تعالى لقضائِها في الدنيا، بأنْ يسوقَ إلى المستدينِ ما يقضي دَينَه. وأداؤُها عَنْهُ في الآخرةِ بإرضائِه غريمَهُ بما شاءَ الله تعالى. وقدْ أخرجَ ابنُ ماجه
(3)
، وابن حبَّانَ
(4)
، والحاكمُ
(5)
مرفوعًا: "ما من مسلمٍ يدانُ دينًا يعلمُ اللَّهُ أنهُ يريدُ أداءَه، إلا أدَّاهُ اللَّهُ عنهُ في الدنيا والآخرةِ". وقولُه: "يريدُ إتلافُها" الظاهرُ أنهُ مَنْ يأخذُها بالاستدانةِ مَثَلًا لا لحاجةٍ ولا لتجارةٍ، بلْ لا يريدُ إلا إتلافَ ما أخذه على صاحبهِ، ولا ينوي [قضاءَها]
(6)
. وقولُه: "أتلَفه اللَّهُ"، الظاهرُ إتلافُ الشخصِ نفسَهُ في الدنيا بإهلاكهِ، وهوَ يشملُ ذلكَ، ويشملُ إتلافَ طيِّبِ عيشهِ، وتضييقِ أمورِه، وتعسُّرِ مطالبِه، ومحقِ بركتهِ، ويحتملُ إتلافُه في الآخرةِ بتعذيبِه، قالَ ابنُ بطالٍ
(7)
: فيهِ الحثُّ على تركِ استئكالِ أموال الناسِ، والترغيبُ في حُسْنِ التأديةِ إليهم عندَ المداينةِ، وأنَّ الجزاءَ [قدْ يكونُ]
(8)
منْ جنس العمل. وأَخَذَ منهُ الداوديُّ (7) أن مَنْ عليهِ دَيْنٌ فليسَ له أنْ يتصدَّقَ، ولا يعتقَ وفيهِ بعد. وفي الحديثِ الحثُّ على حسنِ النيةِ، والترهيبُ عنْ خلافهِ، وبيانُ أن مدارَ الأعمالِ عليها، وأن مَنِ استدانَ ناويًا الإيفاءَ أعانهُ اللَّهُ عليهِ. وقدْ كانَ عبدُ اللَّهِ بنُ جعفرٍ يرغَبُ في الدَّينِ [سئل]
(9)
عنْ ذلكَ فقالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ اللَّهَ معَ الدائنِ حتَّى يقضي دينَه"، رواهُ ابنُ
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في (ب): "قضاؤها".
(3)
في "سننه"(2408) من حديث أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها.
(4)
في "صحيحه"(11/ 420 رقم 5041).
(5)
في "المستدرك"(2/ 23).
وأخرجه النَّسَائِي (4686، 4687)، وأحمد (6/ 332) وقد صحّحه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(2/ 51 رقم 1952)، ويشهد له حديث الباب، وحديث عائشة الذي أخرجه الحاكم (2/ 22)، والبيهقي (5/ 354).
(6)
في (أ)"قضاءَه".
(7)
انظر: "فتح الباري"(5/ 54).
(8)
زيادة من (ب).
(9)
في (أ): "فيسأل".
ماجه
(1)
، [والحاكم]
(2)
، وإسنادهُ حسنٌ. إلَّا أنهُ اختُلِفَ فيهِ على محمدِ بن عليٍّ. ورواهُ الحاكمُ
(3)
منْ حديثِ عائشةَ بلفظِ: "ما منْ عبدٍ كانتْ له نيةٌ في وفاءِ دَيْنهِ إلَّا كانَ لهُ منَ اللَّهِ عونٌ"، [فقالت]
(4)
يعني عائشةُ: فأنا ألتمسُ ذلكَ العونَ.
إن قلتَ: [إنه]
(5)
قدْ ثبتَ حديثُ
(6)
: "إنهُ يُغْفَرُ للشهيد كلُّ ذنبٍ إلا الدَّيْنَ"، وحديث
(7)
: "الآنَ بردتْ جلدتُه"، قاله لمن أدَّى دَيْنًا عنْ ميتٍ ماتَ وعليهِ دَيْنٌ. قلتُ: يحتملُ [أنه معنى]
(8)
لا يُغْفَرُ للشهيدِ الدينُ، أنهُ باقٍ عليهِ حتَّى يوفيهِ اللَّهُ عنهُ يومَ القيامةِ، ولا يلزمُ منْ بقائه عليهِ أنْ يعاقَبَ [بِهِ]
(9)
في قبرهِ، ومعنَى قولهِ: بردتْ جلدتُه، خلَّصته منْ بقاءِ الدينِ عليهِ، ويحتملُ أن ذلكَ فيمَنِ استدانَ ولم ينوِ الوفاءَ.
التأجيل إلى ميسرة صحيح
4/ 810 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانًا قَدِمَ لَهُ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ، فَأَخَذْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ نَسيئَةً إلَى مَيْسَرَةً؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَامْتَنَعَ. أَخْرَجَهُ الحاكمُ
(10)
، وَالْبَيْهَقِي
(11)
، ورجَالُهُ ثِقِاتٌ. [صحيح]
(1)
في "سننه"(2409).
وأخرجه الحاكم (2/ 23) وصحَّحه ووافقه الذهبي، وحسن إسناده الحافظ في "الفتح"(5/ 54)، وصحّحه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1953).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في "المستدرك"(2/ 22) وصحّحه، وقال الذهبي: قلت ابن مجبر وهَّاه أبو زرعة، وقال النَّسَائِي: متروك لكن وثقه أحمد اهـ. وأخرجه البيهقي (5/ 324) ويشهد له حديث الباب وحديث ميمونة المتقدم آنفا، وحديث عبد الله بن جعفر، وقد ساق له الحاكم شاهدا من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها.
(4)
في (ب): "قالت".
(5)
زيادة من (أ).
(6)
أخرجه مسلم (1886) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي الباب من حديث أبي قتادة وأبي هريرة وأنس وأبي أمامة رضي الله عنهم.
(7)
أخرجه بهذه الجملة أحمد (3/ 330)، وأصله في الصحيح (4/ 466 رقم 2289).
(8)
في (ب): "أنه يعني".
(9)
زيادة من (ب).
(10)
"المستدرك"(2/ 23، 24) وصحَّحه على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
(11)
في "السنن الكبرى"(6/ 25).
وأخرجه أحمد (6/ 147)، قلت: وخلاصة القول أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(وعنْ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: قلت يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ فلانًا قدِمَ له بزٌّ منَ الشامِ فلوْ بعثتَ إليهِ فأخذتَ منه ثوبينِ نسيئةً إلى ميسرة، فبعثَ إليهِ فامتنعَ. أخرجهُ الحاكمُ، والبيهقيُّ، ورجالُه ثِقاتٌ). فيهِ دليلٌ على بيعِ النسيئةِ، وصحةِ التأجيلِ إلى ميسرةٍ، وفيهِ ما كانَ عليهِ صلى الله عليه وسلم منْ حسنِ معاملةِ العبادِ، وعدمِ إكراهِهمِ على الشيءِ، وعدمِ الإلحاحِ.
الانتفاع بالمرهون في مقابلة نفقته
5/ 811 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ"، رَوَاهُ الْبُخَارَيُّ
(1)
. [صحيح]
وهو منْ بابِ الرَّهْنِ، وهوَ لغةً: الاحتباسُ، منْ قولِهم: رَهنَ الشيءَ إذَا دامَ وثَبَتَ. ومنهُ: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}
(2)
. وفي الشرعِ: جعلُ مالٍ وثيقة على دينٍ، ويطلقُ على العينِ المرهونةِ. (وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الظَّهْرُ يرْكَبُ) بالبناءِ للمفعول، ومثلُه يُشْرَبُ (بنفقتِه إذا كانَ مرهونًا، ولبنُ الدَّرِّ) بفتح الدال المهملةِ، وتشديدِ الراءِ، وهوَ اللّبنُ تسميةً بالمصدرِ، قيلَ: هوَ منْ إضافةِ الشيءِ إلى نفسهِ، وقيلَ منْ إضافةِ الموصوف إلى صفتهِ. (يشربُ بنفقتِه إذا كانَ مرهونًا، وعلى الذي يَرْكَبُ ويشرب النفقةُ. رواهُ البخاريُّ). فاعلُ يركبُ ويشربُ هوَ المرتهنُ بقرينةِ العوضِ، وهوَ الركوبُ، وإنْ كانَ يحتملُ أنهُ الراهنُ إلا أنهُ احتمال بعيدٌ لأنَّ النفقةَ لازمةٌ لهُ، فإنَّ المرهونَ ملْكُه، وقدْ جعلتْ في الحديثِ على الراكبِ والشاربِ، وهوَ غيرُ المالكِ؛ إذ النفقةُ لازمةٌ للمالكِ على كلِّ حالٍ. والحديثُ دليل على أنهُ يستحقُّ المرتهنُ الانتفاعَ بالرهنِ في مقابلةِ نفقتِه. وفي المسألةِ ثلاثةُ أقوالٍ:
(1)
في "صحيحه"(2511، 2512).
قلت: وأخرجه أبو داود (3526)، والترمذي (1254)، وابن ماجه (2440)، والطحاوي (4/ 98)، والدارقطني (134)، والبيهقي (6/ 38).
(2)
سورة المدثر: الآية 38.
الأول: ذهبَ أحمدُ
(1)
، وإسحاقُ إلى العمل بظاهرِ الحديثِ، وخصُّوا ذلكَ بالركوبِ والدرِّ، وقالوا: يُنْتَفَعُ بِهمَا بِقَدْرِ قيمةِ النفقةِ، ولا يقاس غيرُهما عليهِمَا.
والثاني: للجمهورِ
(2)
قالُوا: لا ينتفِعُ المرتهنُ بشيءٍ. قالُوا: والحديثُ خالفَ القياسَ منْ وجهينِ، [أولُهما]:
(3)
تجويزُ الركوبِ والشربِ لغيرِ المالكِ بغيرِ إذنهِ، وثانيهما: تضمينُه ذلكَ بالنفقةِ لا بالقيمة.
[قال ابنُ عبدِ البرِّ: هذا الحديثُ عندَ جمهورِ الفقهاءِ تردُّه أصولٌ مجتمعةٌ، وآثارٌ ثابتةٌ، لا يختلفُ في صِحَّتِها]
(4)
، ويدلُّ على نسخهِ حديثُ
(5)
ابن عمرَ: "لا تُحْلَبُ ماشيةُ امرئٍ بغير إذنِه"، أخرجهُ البخاريُّ في [باب]
(6)
المظالمِ
(7)
.
قلت: أما النسخُ فلا بدَّ [له]
(8)
منْ معرفةِ التاريخِ، على أنهُ لا يحملُ عليهِ إلا إذا تعذَّرَ الجمعُ، ولا تعذُّرَ هنا؛ إذْ يخصُّ عموم النَّهْي بالمرهونةِ، وأما مخالفةُ القياسِ فليستِ الأحكامُ الشرعيةُ مطردةً على نسقٍ واحدٍ، بلِ الأدلةُ تفرِّقُ بينَها [في]
(9)
الأحكامِ، والشارعُ حَكَمَ هنا بركوبِ المرهونِ، وشربِ لبنهِ، وجعلهِ قيمةً للنفقة. وقدْ حكمَ الشارعُ ببيع الحاكمِ عن المتمردِ بغير إذنهِ، وجعلِ صاعِ التمر عِوضًا عن اللبنِ وغيرِ ذلكَ. وقالَ الشافعيُّ
(10)
: المرادُ أنهُ لا يمنعُ الراهنُ منْ ظهرِها ودرِّها، فجعلَ الفاعلَ الراهنَ، وتعقِّبَ
(11)
بأنهُ وردَ بلفظِ المرتهن فتعينَ الفاعلُ.
(1)
انظر: "المغني"(4/ 468 مسألة رقم 3371).
(2)
انظر: "الفتح"(5/ 144).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
زيادة من (ب): وهي في "الفتح"(5/ 144).
(5)
تقدّم تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (42/ 777) من كتابنا هذا.
(6)
في (أ): "أبواب".
(7)
تابع الشارح في ذلك الحافظ في "الفتح"(5/ 144)، وإنما هو في باب من أبواب كتاب اللقطة (5/ 88) وهو:[باب لا تحتلب ماشية أحد بغير إذنه].
(8)
زيادة من (ب).
(9)
زيادة من (ب).
(10)
انظر: "الفتح"(5/ 144).
(11)
تعقبه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 99)، وروى الحديث من طريق هشيم بلفظ:"إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها، ولبن الدر يشرب، وعلى الذي يشرب نفقتها ويركب".
والقول الثالث: للأوزاعي
(1)
والليثِ، أن المرادَ منَ الحديثَ أنهُ إذا امتنعَ الراهنُ منَ الإنفاقِ على المرهونِ، فيباحُ حينئذٍ للمرتهنِ الإنفاقُ على الحيوانِ حِفْظًا لحياتِه، وجُعِلَ لهُ في مقابلة نفقته الانتفاعُ بالركوبِ، أو شربِ اللبنِ، بشرطِ أنْ لا يزيدَ قدرُ ذلكَ أو قيمتُه على قدْر عَلَفِه، وقوَّى هذا القولَ في الشرحِ، ولا يخْفَى أنهُ تقييدٌ للحديثِ بما لم يقيِّدْه بهِ الشارعُ، وإنما قيَّدَه بالضابطِ المتصيَّدِ منَ الأدلةِ، وهوَ أنّ كلَّ عينِ لغيرهِ في يدِه بإذنِ الشرعِ فإنهُ ينفقُ عليها بنيةِ الرجوعِ على المالكِ، ولهُ أنْ يؤَجِّرها أو يتصرف في لبنِها في قيمة العلفِ، إلَّا أنهُ إذا كانَ في البلدِ حاكمٌ ولم يستأذنْه فلا رجوعَ له بما أنفقَ، وتلزمُه غرامةُ المنفعةِ واللبنٍ، فإنْ لم يكنْ في البلدِ حاكمٌ، أو كانَ الحيوانُ يتضررُ بمدةِ الرجوع إلى الحاكم، فلهُ أنْ ينفقَ ويرجعَ بما أنفقَ، إلا أنهُ قدْ يقالُ إنَّها قاعدةٌ عامةٌ فَتُخَصُّ بحديث الكتابِ.
6/ 812 - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الذي رَهنَه، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيهِ غُرْمُهُ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ
(2)
، وَالْحَاكِمُ
(3)
، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إلا أَنَّ الْمَحْفُوظَ عنْدَ أَبي دَاوُدَ
(4)
وَغَيْرِهِ إِرْسَالُهُ. [ضعيف]
(وعنهُ) أي أبي هريرةَ (قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا يَغْلَقُ) بفتحِ حرفِ المضارعةِ، وغينٍ معجمةٍ ساكنةٍ، ولام مفتوحةٍ وقافٍ. يقالُ: غلقَ الرهن إذا خرجَ عنْ مُلْكِ الراهنِ واستَولَى عليهِ المرتهنُ بسببِ عجزْهِ عنْ أداء ما رهَنَه فيهِ، وكانَ هذا عادةَ العربِ فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم (الرهنُ منْ صاحبِه الذي رهَنَه. لهُ غُنْمُه)
(1)
نسبه إليهما الحافظ في "الفتح"(5/ 144).
(2)
في السنن (3/ 32 رقم 126) وقال: هذا إسناد حسن متصل.
(3)
في "المستدرك"(2/ 51) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف فيه على أصحاب الزهري، ووافقه الذهبي.
(4)
في "المراسيل"(رقم 186، 187).
قلت: وأخرجه البيهقي (6/ 39، 40)، وعبد الرزاق (رقم 15033، 15034)، ومالك (2/ 728 رقم 13)، والطحاوي (4/ 100، 102)، والدارقطني (3/ 33) كلهم يروونه عن ابن شهاب عن ابن المسيب مرسلًا وهو المحفوظ كما قال البيهقي، وقال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 430): وهذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل وإن كان قد وصل من جهات كثيرة فإنهم يعلُّونها. والخلاصة: أن الحديث مرسل ضعيف، والله أعلم.
زيادتُه: (وعليهِ غُرْمُه) هلاكُه ونَفَقَتُه (رواهُ الدارقطنيُّ، والحاكم، ورجاله ثقاتٌ إلا أن المحفوظَ عندَ أبي داودَ وغيرهِ إرسالُه). قالَ الحافظُ ابنُ عبدِ البرِّ
(1)
رضي الله عنه: اختُلفَ في قولِه: له غُنْمُه وعليهِ غُرْمُهُ، فقيلَ: هيَ مدرجةٌ منْ قولِ سعيدِ بن المسيِّبِ. قالَ: ورفَعَهَا ابنُ أبي ذِئْبٍ ومعمر وغيرُهما معَ كونِهم أرسلُوا الحديثَ على اختلاف على ابن أبي ذئبٍ، ووقَفَها غيرُهم. وقدْ رَوَى ابنُ وهْب
(2)
هذا الحديثَ [فجوَّدهُ]
(3)
، وبيَّنَ أن هذهِ اللفظةَ منْ قولِ ابن المسيِّبِ، وكذَا أبو داودَ في المراسيلِ قوَّى أنَّها منْ قولِه. ومعنَى لا يغلق لا يستحقُّه المرتهنُ إذا عجزَ صاحبُه عَنْ فَكِّهِ. والحديثُ قد وردَ لإبطالِ ما كانَ عليهِ الجاهليةُ من غلاق الرهنِ عندَ المرتهنِ، وبيانِ أن زيادتَهُ للمرتهنِ ونفقتُه عليهِ كما سلَفَ فيما قبلَهُ.
الدليل على جواز قرض الحيوان
7/ 813 - وَعَنْ أَبي رَافِعٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إبلٌ مِنْ إبلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِع أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُل بَكْرَهُ، فَقَالَ: لا أجِدُ إلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ:"أَعْطِهِ إيَّاهُ، فإنَّ خِيَارَ الناسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً" رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(4)
. [صحيح]
وهوَ منْ أحاديثِ بابِ القرضِ، والأحاديثُ في فضْلِه والحثُّ عليهِ كثيرةٌ. (وعنْ أبي رافعٍ رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم استلَفَ منْ رجلٍ بَكْرًا) بفتحِ الموحدةِ، وسكونِ الكافِ، الصغيرُ منَ الإبلِ، (فقدِمَتْ عليهِ إبلٌ من إبلِ الصدقةِ، فأمرَ أبا رافعٍ أنْ يقضي الرجلَ بكرهُ، فقالَ: لا أجدُ إلَّا خِيارًا) - وفي لفظ لمسلم من حديث أبي رافع
(1)
انظر: "التمهيد"(6/ 426).
(2)
في المخطوط: "ابن أبي ذئب"، وما أثبتناه من المطبوع والتمهيد (6/ 426).
(3)
في المخطوط: "فجرده"، وما أثبتناه من المطبوع و "التمهيد"(6/ 426).
(4)
في "صحيحه"(3/ 1224 رقم 118/ 1600).
قلت: وأخرجه أبو داود (3346)، والترمذي (1318)، والنسائي (4617) وابن ماجه (2285)، ومالك (2/ 680 رقم 89)، والطيالسي (ص 130 رقم 971)، والدارمي (2/ 254) وأحمد (6/ 390)، والبيهقي (6/ 21) وغيرهم.
أيضًا: فقال: لم أجد إلا خيارًا -
(1)
(رَباعيًا)، [هوَ]
(2)
بفتحِ الراءِ الذي يدخلُ في السَّنةِ السابعةِ، ويلقي
(3)
رباعيتُه. (فقالَ: أعطهِ إياهُ؛ فإنَّ خيارَ الناسِ أحسنُهم قَضَاءً. رواهُ مسلمٌ). تقدَّمَ
(4)
الكلامُ على الخلافِ في قرضِ الحيوانِ.
والحديثُ دليلٌ على جوازه، وأنَّه يستحب لمن عليه دينٌ من قرضٍ أو غيرهِ أنْ يردَّ أجودَ منَ الذي عليهِ، وأنَّ ذلكَ منْ مكارم الأخلاقِ المحمودةِ عُرْفًا وَشَرْعًا، ولا يدخلُ في القرضِ
(5)
الذي يجرُّ نفعًا؛ لأنهُ لم يكنْ مشروطًا منَ المقرضِ، وإنَّما ذلكَ تبرُّعٌ منَ المستقرضِ، وظاهرُه العمومُ للزيادةِ عددًا أو صفةً. وقال مالكٌ
(6)
: الزيادةُ في العددِ لا تحِلُّ.
8/ 814 - وَعَنْ عَلِيٍّ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كل قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا"، رَوَاهُ الْحَارِثُ
(7)
بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَإِسْنَادُهُ سَاقِطٌ. [ضعيف]
- وَلَهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدِ عِنْدَ الْبَيْهَقِي
(8)
. [ضعيف]
- وآخَرُ مَوْقُوفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ
(9)
. [ضعيف]
(1)
في "صحيحه"(118/ 1600) وهو نفس لفظ حديث الباب.
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في المطبوع "وتبقى" وما أثبتناه من المخطوط (أوب)، وانظر:"شرح النووي لمسلم"(11/ 37).
(4)
انظر: شرح الحديث (10/ 792، 14/ 796) من كتابنا هذا.
(5)
انظر: الحديث الآتي.
(6)
انظر: "شرح النووي لمسلم"(11/ 37).
(7)
في "مسنده" وعزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 34) وقال: وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك اهـ.
(8)
في "السنن الكبرى"(5/ 350)، ولكنه موقوف عليه.
(9)
في "صحيحه"(7/ 129 رقم 3814).
وقال الحافظ في "الفتح"(7/ 131) عند قوله: "فإنه ربا": يحتمل أن يكون ذلك رأي عبد الله بن سلام وإلا فالفقهاء على أنه إنما يكون ربًا إذا شرطه، نعم الورع تركه" اهـ. قلت: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في هذا الباب، وانظر:"جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب لأبي حفص عمر بن بدر الموصلي" تصنيف أبي إسحاق الحويني الأثري (2/ 403): وأحاديث زيادته صلى الله عليه وسلم في الوفاء وحثه على ذلك كثيرة مستفيضة كما مرَّ، وفيها إقراره للدائن على أخذ الزيادة التي قدمها إليه المدين باختياره، وحض المدين على الزيادة في الوفاء.
وستأتي آثار موقوفة تؤيد الحديث، والله أعلم.
(وعنْ عليِّ [بن أبي طالب]
(1)
رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كلُّ قرضٍ جرَّ منفعةً فهوَ رِبًا. رواهُ الحارثُ بنُ أبي أسامةَ واسنادهُ ساقطٌ)، لأنَّ في إسناده سوار
(2)
بنُ مصعبٍ الهمداني المؤذنُ الأعْمى، وهوَ متروكٌ.
(ولهُ شاهدٌ ضعيفٌ عنْ فضالةَ بن عبيدٍ عند البيهقيِّ) أخرجهُ البيهقي في المعرفةِ
(3)
بلفظِ: كلُّ قرضٍ جرَّ منفعةً فهوَ وجْهٌ منْ وجوهِ الرِبا، (وآخرُ موقوفٌ عنْ عبدِ اللَّهِ بن سلامٍ عندَ البخاريِّ) لم أجده
(4)
في البخاريِّ في بابِ الاستقراضِ، ولا نَسَبَهُ المصنفُ في "التلخيص" إلى البخاريِّ، بلْ قالَ
(5)
: إنهُ رواهُ البيهقيُّ في السُّننِ الكبير عن ابن مسعودٍ
(6)
، وأُبي بن كعب
(7)
، وعبدِ اللَّهِ بن سلامٍ
(8)
، وابنِ عباسٍ
(9)
موقوفًا عليهم، انتهى.
فلوْ كانَ في البخاريِّ لما أهملَ نسبتَه إليهِ في "التلخيصِ".
والحديثُ بعدَ صحتهِ لا بدَّ من التوفيقِ بينَه وبينَ ما تقدَّم، وذلكَ بأنَّ هذا محمولٌ على أن المنفعةَ مشروطةٌ منَ المقترض، أوْ في حكمِ المشروطةِ، وأما لوْ كانتْ تبرُّعًا منَ المقترضِ فقدْ تقدَّم أنهُ يستحبُّ له أنْ يُعطِي خيْرًا مما أخذَ.
* * *
(1)
زيادة من (ب).
(2)
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(4/ 271)، و "الميزان"(2/ 246)، و "المجروحين"(1/ 356)، و "المغني"(1/ 290)، و "التاريخ الكبير"(4/ 169).
(3)
عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 34)، وتقدم أنه في "الكبرى"(5/ 350) موقوف عليه.
(4)
بل هو في "البخاري" كما تقدم (3814).
(5)
(3/ 34).
(6)
(5/ 355) موقوفًا.
(7)
(5/ 349) موقوفًا.
(8)
(5/ 349) موقوفًا.
(9)
(5/ 349 - 350) موقوفًا.
[الباب السادس] باب التفليس والحَجْر
هوَ لغةً: مصدرُ فلستُه، نَسَبْتُه إلى الإفلاسِ الذي هوَ مصدرُ أفلسَ، أي: صارَ إلى حالةٍ لا يملكُ فيها فَلْسًا.
والحجْرُ هو لغةً مصدرُ حَجَرَ، أي: مَنَعَ وضيَّقَ. وشرْعًا قولُ الحاكمِ للمديونِ حجرتُ عليكَ التصرفَ في مالِكَ.
من وجد متاعه عند مفلسَ فهو أحق به
1/ 815 - عَنْ أَبِي بَكْرٍ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَينِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيرِهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
- ورَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
، وَمَالِكٌ
(3)
مِنْ رِوَايَةِ أَبي بَكْر بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ مُرْسلًا بِلَفْظِ: "أَيُّمَا رَجُلٌ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَلَمْ يَقْبضِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيئًا، فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَينِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ
(1)
البخاري (2402)، ومسلم (1559).
وأخرجه أبو داود (3519، 3522)، والترمذي (1262)، والنسائي (4676، 4677)، وابن ماجه (2358، 2359)، وأحمد (2/ 228، 525)، ومالك (2/ 678 رقم 88)، والبيهقي (6/ 44، 45)، وابن حبان (11/ 414، 415 رقم 5037، 5038).
(2)
في "سننه"(3520، 3521)، وفي "المراسيل"(ص 163 رقم 173).
(3)
في "الموطأ"(2/ 678 رقم 87).
الْغُرَمَاءِ"، وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ
(1)
، وَضَعَّفَهُ تبَعًا لأَبي دَاوُدَ
(2)
. [صحيح]
- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
، وَابْنُ مَاجَهْ
(4)
مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ خَلَدَةَ قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه في صَاحِبٍ لنَا قَدْ أَفْلسَ، فَقَالَ: لأقْضِيَنَّ فِيكُمْ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَفْلَسَ أَو مَاتَ فَوَجَدَ رَجلٌ مَتَاعَهُ بِعَينِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ". وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
(5)
، وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
، وَضَعَّفَ أيضًا هذِهِ الزيَادَةَ في ذِكْرِ الْمَوْتِ. [ضعيف]
ترجمة أبي بكر بن عبد الرحمن
(عنْ أبي بكرٍ بن عبدِ الرحمنِ)
(7)
أي ابن الحارثِ بن هشامٍ المخزوميِّ، قاضي المدينةِ، تابعيٌّ سمعَ عائشةَ وأبا هريرةَ، رَوَى عنهُ الشعبيُّ والزُّهريُّ (عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: سمعْنا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: منْ أدركَ مالَه بعينِه) لم يتغيرْ بصفةٍ منَ الصفاتِ ولا بزيادةٍ ولا نُقْصَانٍ، (عندَ رجلٍ قدْ أفْلسَ فَهوَ أحقُّ بهِ منْ غيرهِ، متفقٌ عليهِ. ورواهُ أبو داودَ، ومالكٌ منْ روايةِ أبي بكر بن عبدِ الرحمنِ مرسلًا). وقدْ وَصَلَهُ أبو داودَ
(8)
منْ طريق أُخْرى فيها إسماعيلُ بنُ عياشٍ، إلا أنها منْ
(1)
في "السنن الكبرى"(6/ 47).
(2)
فقد قال في "سننه"(3/ 793): حديث مالك أصلح اهـ. وحديث مالك هو المرسل يعني أصلح من الموصول. والخلاصة: أن الحديث صحيح.
(3)
في "سننه"(3523).
(4)
في "سننه"(2360).
(5)
في "المستدرك"(2/ 50)، ووافقه الذهبي.
(6)
قال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(6/ 47): قلت: في سنده أبو المعتمر ليس بمعروف، قال عبد الحق في أحكامه: قال أبو داود: من يأخذ بهذا؟ أبو المعتمر من هو؟ إنا لا نعرفه. اهـ.
قلت: وقد سكت عنه في نسخة السنن التي بين أيدينا.
وأبو المعتمر هو ابن عمرو قال عنه الذهبي في "الميزان"(4/ 575 رقم 10620): مدني لا يعرف روى عنه ابن أبي ذئب. اهـ. وبرغم ذلك فقد حسّنه الحافظ في "الفتح"(5/ 64).
(7)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(5/ 207)، و "تاريخ البخاري"(9/ 9) و "الحلية"(2/ 187) و "خلاصة تذهيب التهذيب"(ص 444)، و "سير أعلام النبلاء"(4/ 416)، و "شذرات الذهب"(1/ 104).
(8)
يعني في "سننه"(3522).
روايتهِ عن الشاميينَ، وروايتُه عنْهم صحيحةٌ (بلفظِ
(1)
: أيُّما رجلٍ باعَ متاعًا فأفلسَ الذي ابتاعَه، ولم يقبض الذي باعَه منْ ثمنهِ شيئًا، فَوَجَدَ متاعَه بعينهِ فهوَ أحقُّ بهِ، وإنْ ماتَ المشتري فصاحبُ المتاعِ أسوة الغرماءِ. ووصلَه البيهقيُّ، وضعَّفهُ تبْعًا لأبي داودَ). راجعْنا سننَ أبي داودَ فلمْ نجدْ فيها تضعيفًا للروايةِ هذهِ، بلْ قالَ في هذهِ الروايةِ بعدَ إخراجهِ لها منْ طريقِ مالكٍ: وحديثُ مالك أصحُّ، يريدُ أنهُ أصحُّ
(2)
منْ روايةِ أبي بكر بن عبدِ الرحمنِ التي ساقَها أبو داودَ
(3)
، وفيها قال أَبو بكرٍ:"قَضَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن مَنْ تُوُفِّيَ وعندَه سلعةُ رجلٍ بعينِها لم يقبض منْ ثمنِها شيئًا، فصاحبُ السلعةِ أسوةُ الغرماءِ فيها". ولم يتكلم الشارحُ رحمه الله على هذا بشيءٍ، (وروى أبو داودَ، وابنُ ماجهْ منْ روايةِ عمرَ بن خَلَدة) بفتحِ الخاءِ المعجمةِ، واللام، ودالٍ مهملةٍ (قالَ: أتيْنا با هريرةَ في صاحبٍ لنا قدْ أفلسَ فقالَ: لأقضينَّ فيكم بقضاءِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَنْ أَفلسَ أو ماتَ، فوجدَ رجلٌ متاعَه بعينِه فهوَ أحقُّ بهِ. وصحَّحهُ الحاكمُ، وضعَّفَهُ أبو داودَ، وضعَّفَ أيضًا هذهِ الزيادةَ في ذكرِ الموتِ).
سكتَ عليهِ الشارحُ، وقدْ راجعتُ سننَ أبي داودَ فلم أجدْ فيها تضعيفًا
(4)
لروايةِ عمرَ بن خلدةَ، بلْ قالَ البيهقيُّ
(5)
بعدَ روايته لحديث أبي بكرِ بن عبدِ الرحمنِ المرسلةِ التي ساقَ لفظَها المصنفُ هنا بلفظِ: أيمَّا رجلٍ إلى آخرهِ. إنهُ قالَ الشافعيُّ: روايةُ عمرَ بن خلدةَ
(6)
أَوْلَى منْ روايةِ أبي بكرٍ هذه. قالَ: لأنَّها موصولة جَمَعَ فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينَ الموتِ والإفلاسِ. قالَ: وحديثُ ابن شهاب - يريدُ بهِ روايةَ أبي بكرٍ بن عبدِ الرحمنِ المذكورةَ - منقطعٌ، وساقَ في ذلكَ كلامًا كثيرًا يرجحُ بهِ روايةَ عمرَ بن خلدةَ، فلا أدري كيف كلام
(1)
أي لفظ المرسل لا كما يوهم سياق الشارح أنه لفظ الموصول.
(2)
كذا في المخطوط والمطبوع وفي نسخة أبي داود التي بين أيدينا: "أصلح" بلام.
(3)
أي المرسلة التي ذكرناها آنفًا.
(4)
قدمنا نقل ابن التركماني عن عبد الحق في أحكامه عن أبي داود تعليل الحديث بابي المعتمر.
(5)
في "السنن الكبرى"(6/ 46، 47).
(6)
قدَّمنا أن رواية عمر بن خلدة معلَّلة بأبي المعتمر.
المصنف رحمه الله هنا، وروايته عن أبي داود، وتضعيف رواية عمر بن خلدة فَلْيُنْظَرْ.
هذا الحديثُ اشتملَ على مسائلَ:
الأولى: أنهُ إذا وجدَ البائغ متاعَهُ عندَ مَنْ شراهُ منهُ، وقدْ أفلسَ، فإنهُ أحقُّ بمتاعِه منْ سائرِ الغرماءِ، فيأخذُه إذا كانَ لهُ غرماءُ، وعمومُ قولِه: منْ أدركَ مالَه، يعمُّ مَنْ كانَ لهُ مالٌ عندَ الآخرِ بقرضٍ أو بيعٍ، وإنْ كانَ قدْ وردتْ أحاديثُ مصرَّحة بلفظِ البيعِ، فقدْ أخرجَ ابن خزيمةَ، وابنُ حبانَ
(1)
وغيرُهما الحديثَ بلفظِ: "إذا ابتاعَ الرجلُ سلعة ثمَّ أفلسَ وهي عندَه بعينها فهوَ أحقُّ بها منَ الغرماءِ"، فقدْ عرفَ في الأصولِ أن الخاصَّ الموافقَ للعامِّ لا يخصِّصُ العامَّ
(2)
إلا عندَ أبي ثورٍ
(3)
، وقدْ زَّيفُوا ما ذهبَ إليهِ منْ ذلكَ، ولذلكَ ذهبَ الشافعيُّ
(4)
وآخرونَ إلى أن المقرضَ أَوْلى بمالهِ في القرضِ، كما أنهُ أَوْلَى بهِ في البيعِ، وذهبَ غيرُه إلى أنهُ يختصُّ ذلكَ بالبيعِ [لتصريحه]
(5)
بهِ في أحاديثِ البابِ، لكنْ قدْ عرفْتَ أن ذلكَ لا يخص عمومَ حديثِ البابِ.
المسألةُ الثانيةُ: أفادَ قولُه بعينِه أنهُ إذا وُجِدَ وقد تغيَّر بصفةٍ منَ الصفاتِ، أو بزيادةٍ، أو نقصانٍ، فإنهُ ليسَ صاحبُه أَوْلَى بهِ بلْ يكونُ أسوةَ الغرماءِ. وقدِ اختلفَ العلماءُ في ذلكَ، فذهبتِ الهادويةُ
(6)
، والشافعي
(7)
أنهُ إذا تغيرتْ صفتُه بعيبٍ فللبائعِ أخذُه، ولا أرْشَ لهُ، وإن تغيَّرَ بزيادةٍ كانَ للمشتري غرامةُ تلكَ الزيادةِ وهيَ ما أنفقَ عليهِ حتَّى حصلتْ، وكذلكَ الفوائدُ للمشتري، ولو كانتْ متصلةً لأنَّها إنَّا حدثَتْ في ملكِه، ويلزمُ له قيمةُ ما لا حدَّ لبقائهِ كالشجرةِ إذا غرسَها، وإبقاءِ مالَه حدٌّ بلا أُجرةٍ كالزرعِ، وكذلكَ إذا نقصتِ العين بأن هلك بعضها، فلهُ أخذُ الباقي بحصتهِ منَ الثمنِ. والحديثُ يتناولُه لأنَّ الباقي مبيعٌ بعينهِ.
المسألةُ الثالثةُ: دلَّ لفظُ حديث أبي بكر بن عبدِ الرحمنِ المرسلُ أن البائعَ
(1)
في "صحيحه"(11/ 414 رقم 5037).
(2)
لأنَّه لا تنافي بين العمل بالخاص وإجراء العام على عمومه.
(3)
انظر: "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي (2/ 359).
(4)
انظر: "الأم"(3/ 203).
(5)
في (ب): "للتصريح".
(6)
انظر: "الاعتصام بحبل اللَّهِ المتين"(4/ 507).
(7)
انظر: "الأم"(3/ 207 وما بعدها).
إذا كانَ قدْ قبضَ بعضَ الثمنِ فليسَ له حقٌّ في استرجاعِ المبيعِ، بلْ يكونُ أسوةَ الغرماءِ، وبهذَا أخذَ جمهورُ العلماءِ. وعندَ الهادويةِ
(1)
، وهوَ راجحُ قول الشافعيِّ
(2)
أنهُ لا يصيرُ المبيع بقبضِ بعض ثمنهِ أسوةَ الغرماءِ بلِ البائعُ أَوْلَى به، وكأنَّ الشافعيَّ ذهبَ إلى هذا لأنهُ لم يصحَّ له الحديثُ
(3)
المذكور، بلْ قالَ: إنهُ منقطعٌ، فمنْ قالَ بصحةِ الحديثِ وأنهُ موصولٌ قالَ بما قالهُ الجمهورُ، ومَنْ لا فلا. وفي وصْلِه وعدَمِه خِلافٌ منعهم مَنْ رجَّحَ إرسالَهُ، وهمْ أكثرُ الحفاظِ.
المسألةُ الرابعةُ: قولُه: "فإنْ ماتَ المشتري فصاحبُ المتاعِ أسوةُ الغرماءِ"، فيه حذفٌ تقديرُه فمتاعُ صاحبِ المتاعِ أسوةُ الغرماءِ، وهذَا [دل]
(4)
علَى التفرقةِ بينَ الموتِ والإفلاسِ، وإلى التفرقةِ بينَهما ذهبَ مالكٌ (5)، وأحمدُ
(5)
عملًا بهذهِ الروايةِ. قالُوا: ولأنَّ الميتَ بَرئَتْ ذِمَّتُه، وليسَ للغرماءِ محلٌّ يرجعونَ إليهِ فاسْتَوَوْا في ذلكَ، بخلافِ المفلسِ، وسواءٌ خَلَّفَ الميتُ وفاءً أوْ لا، وذهبتِ الهادويةُ
(6)
إلى أنهُ إذا خَلَّفَ وفاءَ فليسَ البائعُ أَوْلَى بمتاعه بلْ يسلَّمُ الورثةُ الثَّمنَ منَ [تركته]
(7)
، وحجَّتُهم أنهُ قدْ وردَ في حديثِ أبي بكر بن عبدِ الرحمنِ زيادةُ لفظِ
(8)
: "إلا إنْ تركَ صاحبه وفاءً"، لكنْ قالَ الشافعيُّ
(9)
: يحتملُ أن الزيادةَ منْ [رأْي] أبي بكر بن عبدِ الرحمنِ، وقرينةُ الاحتمالِ أنّ الذينَ وصلُوهُ عنهُ لم يذكرُوا
(1)
انظر: "الاعتصام بحبل اللَّهِ المتين"(4/ 507).
(2)
انظر: الأم (3/ 209).
(3)
انظر: "الأم"(3/ 219)، و "المعرفة"(8/ 249).
(4)
في (ب): "دال".
(5)
انظر: "المغني"(4/ 526) و "فتح الباري"(5/ 64).
(6)
انظر: "الاعتصام بحبل اللَّهِ المتين"(4/ 506).
(7)
في (ب): "التركة".
(8)
ذكر هذه الزيادة الحافظ في "الفتح"(5/ 64) ونسبها البيهقي في "المعرفة"(8/ 248) للطيالسي وهي في "منحة المعبود"(1/ 275)، وليست من رواية أبي بكر بن عبد الرحمن كما أوهم لفظ الشارح.
(9)
انظر: "معرفة السنن والآثار"(8/ 250)، والزيادة التي عناها الشافعي هي:"فإن مات المشتري فصاحب السلعة أسوة الغرماء".
قضيةَ الموتِ، وكذلكَ الذينَ رَوَوْهُ عنْ أبي هريرةَ. وذهبَ الشافعيُّ
(1)
إلى أنهُ لا فرقَ بينَ الموتِ والإفلاسِ، وأنَّ صَاحِبَ المتاعِ أَوْلَى بمتاعهِ [لعموم]
(2)
: "مَنْ أدركَ مالَه عندَ رجلٍ"، الحديثُ المتفقُ عليهِ. قالَ: ولا فرقَ بينَ الموتِ والإفلاسِ، والتفرقةُ بينَهما بروايةِ أبي بكر بن عبدِ الرحمن، وقولُه فيها: فنْ ماتَ فصاحبُ المتاعِ أسوةُ الغرماءِ، غيرُ صحيحةٍ؛ لأنَّ الحديثَ مرسلٌ لم يصحَّ وصلُه، فلا يُعْمَلْ بهِ بلْ في روايةِ عمرَ بن خلدةَ التسويةُ بينَ الموتِ والإفلاسِ، وهوَ "حديثٌ
(3)
حسنٌ يُحْتَجُّ بمثلِه".
مطل الغني ظلم
2/ 816 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
، وَالنَّسَائِيُّ
(5)
، وَعَلَّقَهُ الْبُخارِيُّ
(6)
، وَصَحّحَهُ ابنُ حِبّانَ
(7)
. [حسن]
(وعنْ عمرو بن الشريدِ رضي الله عنه) بفتحِ الشينِ المعجمةِ، وكسرِ الراءِ، تابعيٌّ سمعَ ابنَ عباس [وغيرَه]
(8)
، (عنْ أبيهِ قالَ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ليُّ) بفتحِ اللامِ، ثمَّ مثناةٍ تحتيةٍ مشددةٍ، مصدرُ لوىَ يَلْوي أي مَطَلَ أضيفَ إلى فاعلِه، وهوَ (الواجدِ) بالجيمِ الغني، منَ الوُجْدِ بالضمِّ، أي: القدرةِ (يُحِلُّ) بضمِّ حرف المضارعَةِ (عرضَه وعقوبَتَهُ. رواهُ أبو داودَ، والنسائيُّ، وعلَّقهُ البخاري، وصحَّحهُ ابنُ حِبَّانَ)،
(1)
انظر: "معرفة السنن والآثار"(8/ 248).
(2)
في (ب): "عملًا بعمومِ".
(3)
قال هذه الجملة الحافظ في "الفتح"(5/ 64) كما قدمنا النقل عنه.
(4)
في "سننه"(3628).
(5)
في "سننه"(4689، 4695).
(6)
بلفظ: "ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
" في "صحيحه" (5/ 62 باب رقم 13).
(7)
في "صحيحه"(11/ 486 رقم 5089 "الإحسان").
وأخرجه: ابن ماجه (2/ 811 رقم 2427)، وأحمد (4/ 222، 388، 389)، والحاكم (4/ 102)، وصحَّحه ووافقه الذهبي، والبيهقي (6/ 51)، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في "الفتح"(5/ 62) وكذا الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(2/ 691 رقم 3086).
(8)
زيادة من (ب).
وأخرجهُ أحمدُ، وابنُ ماجه، والبيهقيُّ، وفسَّرَ البخاريُّ
(1)
حلَّ العِرضِ بما علَّقه عنْ سفيانَ قال: يقولُ مَطَلَني، وعُقوبته حَبْسُهُ، وهوَ دليلٌ لزيدِ
(2)
بن عليٍّ أنهُ يُحْبَسُ حتَّى يَقْضي دَيْنَهُ. وأجازَ الجمهورُ الحجْرَ وبيعَ الحاكم عنهُ مالَه، وهذا أيضًا داخلٌ تحتَ لفظِ عقوبتِه، لا سيَّما وتفسيرُها بالحبْسِ [غيرُ]
(3)
، مرفوعٍ. ودلَّ الحديثُ على تحريمُ مُطْلِ الواجدِ، ولِذا [أبيحتْ]
(4)
عقوبتُه، وإنَّما اختلفَ العلماءُ هل يبلغُ لَيّ الواجد الكبيرةَ فيفسُقُ، وتُرَدُّ شهادتُه بمطلِه مرةً واحدةً أمْ لا؟ فذهبتِ الهادويةُ
(5)
إلى أنهُ يفسُقُ بذلكَ، واختلفوا في قدْرِ ما يفسقُ بهِ، فقالَ الجمهورُ منْهم: إنَّهُ يفسقُ بمطلِ عشرةِ دراهمَ فما فوقَ قياسًا على نصابِ السرقةِ، وفي كلامِ الهادي عليه السلام ما يقضي بأنهُ يفسقُ بدونِ ذلكَ، وكذلكَ ذهبتْ إلى هذَا المالكية
(6)
والشافعيةُ
(7)
إلا أنَّهم تردَّدُوا في اشتراطِ التكرارِ، ومُقْتَضَى مذهبِ الشافعي اشتراطُه، ثمَّ يدلُّ بمفهومِه على أنَّ مُطْلَ غيرِ الواجدِ وهوَ المعسِرُ لا يحلُّ عرضُه ولا عقوبتُه، والحكمُ كذلكَ عندَ الجماهيرِ، وهو الذي دلَّ له قولُه تعالى:{فَنَظِرةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}
(8)
.
الحجر على المدين
3/ 817 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَأَفْلَسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"تَصَدَّقُوا عَلَيهِ"، فتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلك وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ:"خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيسَ لَكُمْ الَّا ذلِكَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(9)
. [صحيح]
(1)
في ترجمة باب في "صحيحه"(5/ 62 باب 13)، وقد وصله البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 51).
(2)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 191).
(3)
في (ب): "ليس".
(4)
في (ب): "أبيح".
(5)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 189).
(6)
انظر: "المنتقى" لأبي الوليد الباجي (5/ 66).
(7)
انظر: "معالم السنن"(5/ 237).
(8)
سورة البقرة: الآية 285.
(9)
في "صحيحه"(18/ 1556).
وأخرجه أبو داود (3469)، والترمذي (655)، والنسائي (4530)، وابن ماجه (2356)، والبيهقي (6/ 50).
(وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: أصيبَ رجلٌ في عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في ثمارٍ ابتاعَها، فكثُرَ دَيْنُهُ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: تصدَّقُوا عليهِ، فتصدَّقَ الناسُ عليهِ، ولم يبلغْ ذلكَ وفاءَ دَيْنِه، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لغرمائهِ: خذُوا ما وجدتُم، وليسَ لكمْ إلا ذلكَ. رواهُ مسلمٌ). تقدَّمَ الكلامُ
(1)
في [الجمع بين]
(2)
هذا الحديثِ، وحديثِ جابرٍ
(3)
. وقولُه: " [فليس]
(4)
لكَ أنْ [تأخذَهُ]
(5)
"، بأنَّ هذَا على جهةِ الاستحبابِ والحثِّ على جَبْرِ منْ حَدَثت عليه حادثة. ويدلُّ [له]
(6)
أيضًا قولُه: "وليسَ لكَمْ إلَّا ذلكَ" على أن الثمرةَ غيرُ مضمونةٍ، إذْ لو كانتْ مضمونةً لقالَ: وما بقيَ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ، ونحوَه، إذِ الدَّيْنُ لا يسقطُ بإعسارِ المَدِيْنِ، وإنَّما تتأخرُ عَنهُ المطالبةُ في الحالِ، ومتَى أيسرَ وجبَ عليهِ القضاءُ.
4/ 818 - وَعَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ مَالَهُ، وَبَاعَهُ في دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطنِيُّ
(7)
، وَصَحّحَهُ الْحَاكِمُ
(8)
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(9)
مُرْسَلًا، وَرُجّحَ إِرْسَالَهُ. [ضعيف]
(وعنِ ابن كعب [بن مالكٍ]
(10)
(اسمُه عبدُ الرحمنِ، سمَّاهُ عبدُ الرزاقِ
(11)
(عنْ أبيهِ أن النبِيَّ صلى الله عليه وسلم حجَرَ على معاذٍ مالَه وباعَه في دَيْنٍ كانَ عليهِ. رواهُ الدارقطنيُّ، وصحَّحَهُ الحاكمُ. وأخرجَه أبو داودَ مرسلًا، ورُجِّحَ إرسَالَهُ) قالَ عبدُ الحقِّ
(12)
:
(1)
انظر: شرح الحديث رقم (6/ 805) من كتابنا هذا.
(2)
زيادة من (ب).
(3)
أخرجه مسلم، انظر: رقم (6/ 805) من كتابنا هذا.
(4)
في (ب): "فلا يحل".
(5)
في (أ): "تأخذ".
(6)
زيادة من (أ).
(7)
في "سننه"(4/ 230 رقم 95).
(8)
في "المستدرك"(2/ 58)، (3/ 273)، وصحَّحه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
(9)
في "المراسيل"(ص 162 رقم 171، 172).
وأخرجه البيهقي (6/ 48، 50)، وعبد الرزاق (8/ 268 رقم 15177).
والحديث ضعيف وقد ضعَّفه الألباني في "الإرواء"(5/ 260 رقم 1435).
(10)
زيادة من (ب).
(11)
في المصنف (8/ 268 رقم 15177)، وقال أبو داود في "المراسيل" (ص 162): سمَّاه ابن داود: عبد الرحمن اهـ. وهو محمد بن داود بن سليمان راوي الحديث عن عبد الرزاق.
(12)
انظر: "التلخيص الحبير"(3/ 37).
المرسلُ أصحُّ منَ المتصلِ، وقالَ ابنُ الصلاحِ
(1)
في الأحكامِ: هوَ حديثٌ ثابتٌ، كانَ ذلكَ في سنةِ تسعِ، وجعلَ لغرمائِه خمسةَ أسباعِ حقوقِهم، فقالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، بعْه لنا، فقالَ:"ليسَ لكم إليهِ سبيلٌ"
(2)
. وأخرجَهُ البيهقي منْ طريقِ الواقدي، وزادَ
(3)
أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثَه بعدَ ذلكَ إلى اليمنِ ليجبرَه. والحديثُ دليلٌ على أن الحاكمَ يحجرُ على المدينِ التصرفَ في مالهِ، ويبيعُه عنهُ لقضاءِ غرمائِه، والقولُ بأنهُ حكايةُ فعلٍ غيرُ صحيحٍ، فإنَّ هذَا فعلٌ لا يتمُّ إلا بأقوالٍ تصدرُ عنهُ صلى الله عليه وسلم يحجرُ بها تصرفَه، وألفاظ يبيعُ بها مالَه وألفاظ يقضي بها غرماءَه، وما كان بهذِه المثابةِ لا يقالُ إنهُ حكايةُ فعلٍ، إنَّما حكايةُ الفعلِ مثلُ حديثِ
(4)
: "خَلَعَ نعلَه فَخَلَعُوا نِعَالَهم" كما لا يخْفَى. وظاهرُ الحديثِ أن مالَه كانَ مُسْتَغْرَقًا بالدَّيْنِ، فهلْ يلحقُ بهِ مَنْ لمْ يستغرقْ مالَه في الحجْرِ والبيعِ عنهُ كالواجدِ إذا مَطَلَ؟ اختلفَ العلماءُ في ذلكَ، فقالَ جمهورُ الهادويةُ
(5)
والشافعيُّ
(6)
: إنهُ يلحقُ بهِ فيحجرُ عليه، ويباعُ مالُه لأنهُ قدْ حَصَلَ المقتضي لذلكَ، وهوَ عدمُ المسارعةِ بقضاءِ الدَّينِ. وقالَ زيدُ
(7)
بنُ عليٍّ، والحنفيةُ
(8)
: إنهُ لا يلحقُ بهِ فلا يحجرُ عليهِ، ولا
(1)
كذا في المخطوط والمطبوع: "ابن الصلاح" وفي "التلخيص": "ابن الطلَّاع"، والذي يبدو أنه الصواب وهو محمد بن الفرج القرطبي المالكي مولى محمد بن يحيى بن الطَّلَّاع المعروف بالطلَّاعي، وله كتاب في أحكام النبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة 497، راجع:"سير أعلام النبلاء"(19/ 199 رقم 121).
(2)
إلى هنا انتهى كلام ابن الطَّلاع كما في "التلخيص"، والرواية التي ساقها في "السنن الكبرى" للبيهقي (6/ 50) بدون ذكر السنة من طريق محمد بن عمر حدثني عيسى بن النعمان عن معاذ بن رفاعة عن جابر بن عبد الله قال: كان معاذ بن جبل من أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا و
…
إلى أن ذكره، ومحمد بن عمر هو الواقدي متروك مع سعة علمه كما قال الحافظ في "التقريب"(2/ 194).
(3)
زاد هذه الزيادة عبد الرزاق في مصنفه (8/ 268 رقم 15177).
(4)
سبق تخريجه رقم (13/ 205) من كتابنا هذا.
(5)
انظر: "الاعتصام بحبل الله المتين"(4/ 508).
(6)
انظر: "روضة الطالبين"(4/ 137).
(7)
انظر: "الاعتصام بحبل الله المتين"(4/ 510).
(8)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 166).
يباعُ عنهُ بلْ يجبُ حبسهُ حتَّى يقضي دينَه لحديثِ
(1)
: "إنهُ لا يحلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا بطيبةٍ منْ نفسهِ"، ولقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}
(2)
. ومقْتَضَى الحجْر والبيعِ إخراجُ المالِ منْ غيرِ طيبةٍ منْ نفسه ولا رِضًا.
والجوابُ عنهُ بأنَّ الحديثَ والآيةَ عامَّانِ خُصِّصَا بحديثِ معاذٍ لا يتمُّ؛ لأنَّ حديثَ معاذٍ ليسَ إلا في المستغرِقِ مالَه بِدَينْهِ، والكلامُ في غيرهِ، وهوَ الواجدُ الماطلُ، فالأَوْلَى أنْ يُقَالَ إنهما خُصِّصَا بقياسِ الماطلِ الواجدِ على من [يستغرق]
(3)
دَيْنُه مالَه، إلا أنهُ لا يخْفَى عدمُ نهوضِ القياسِ. نعمْ في حديثِ
(4)
: "ليُّ الواجدِ يحلُّ عرضُه وعقوبتُه" دليلٌ على أنهُ يُحْجَرُ عليهِ، ويباعُ عنهُ مالُه، فإنه داخلٌ تحتَ مفهومِ العقوبةِ، وتفسيرُها بالحبْسِ فقطْ مجردُ رأي مِنْ قائلِه. هذا وقدْ حكمَ عمرُ رضي الله عنه في أسيفعِ جهينةَ كحكمِه صلى الله عليه وسلم في معاذٍ، فأخرجَ مالًا في "الموطأ"
(5)
بسندٍ منقطعٍ، ورواهُ الدارقطني
(6)
في غرائبِ مالكٍ بإسنادٍ متصلٍ: "أن رجلًا منْ جُهينةَ كانَ يشتري الرواحلَ، فيغالي فيها، فيسرعُ المسيرَ فيسبقُ الحاجَّ،
(1)
أخرجه أحمد (5/ 72)، والدارقطني (3/ 26 رقم 92)، والبيهقي (6/ 100) من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أبي حرة الرقاشي عن عمه مرفوعًا، وعلي فيه ضعيف.
وأخرجه أيضًا أحمد (3/ 423)، والدارقطني (3/ 25، 26، رقم 89، 90)، والبيهقي (6/ 97) من حديث عمرو بن يثربي مرفوعًا.
وفي الباب من حديث أبي حميد الساعدي أخرجه أحمد (5/ 425)، والبيهقي (6/ 100)، وابن حبان (13/ 316 رقم 5978 "الإحسان"). ومن حديث ابن عباس أخرجه الدارقطني (3/ 25 رقم 87) وضعَّفه الحافظ في "التلخيص" (3/ 46). ومن حديث ابن عمر بلفظ:"لا يحلبنَّ أحد ماشية أحد بغير إذنه"، وهو متفق عليه وتقدم أثناء شرح حديث رقم (42/ 777) من كتابنا هذا. ومن حديث أنس أخرجه الدارقطني (3/ 26 رقم 91) وضعفه الحافظ في "التلخيص"(3/ 46). ومن حديث عبد اللهِ بن مسعود أخرجه الدارقطني (3/ 26 رقم 94)، وأخرجه البزار كما ذكر الحافظ في "التلخيص" وقال: حديث أبي حميد أصح ما في الباب. اهـ، يعني سوى حديث ابن عمر المتفق عليه.
(2)
سورة النساء: الآية 29.
(3)
في (ب): "استغرق".
(4)
تقدم تخريجه برقم (2/ 816) من كتابنا هذا.
(5)
(2/ 770 رقم 8).
وأخرجه البيهقي (6/ 49) وإسناده ضعيف، ضعَّفه الألباني في "الإرواء"(5/ 262 رقم 1436).
(6)
انظر: "التلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر (3/ 41).
فأفلسَ فَرُفِعَ أمرُه إلى عمرَ [بن الخطابِ]
(1)
فقالَ: أما بعدُ: أيها الناسُ، فإنَّ الأسيفعَ أُسيْفعَ جهينةَ قدْ رَضيَ [من]
(2)
دينِه وأمانتِه أنْ يُقَالَ سبقَ الحاجَّ، وفيهِ: إلَّا أنهُ أدانَ
(3)
معرِضًا فأصبحَ وقدْ رِين
(4)
بهِ - أي أحاطَ بهِ الدَّيْنُ - فمنْ كانَ له عليهِ دينٌ فليأتِنا بالغداةِ فنقسمُ مالَهُ بينَ غرمائهِ، وإياكمْ والدين، فإنَّ أولَه همٌّ وآخرَه حربٌ"، انتَهى. وأما قصةُ جابرٍ
(5)
معَ غرماءِ أبيهِ، وهي أنهُ لما قُتِلَ أبوهُ في أُحُدٍ وعليهِ دَيْنٌ فاشتدَّ الغرماءُ في حقوقِهم، قالَ:"فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسألَهم أنْ يقبلُوا ثمرَ حائطي، ويحلِّلُوا أبي فلمْ يعْطِهمُ النبي صلى الله عليه وسلم حائطي، وقالَ: سنغدو عليكَ فَغَدا علينا حينَ أصبحَ فطافَ في النخلِ، ودَعَا في ثمرِها بالبركةِ فجذذْتها فقضيتُهم، وبقي لنا منْ ثمرها". فإنَّ فيها دليلًا على أنّ انتظارَ الغلةِ والتمكنَ منْها لا يعدُّ مُطلًا. قيلَ ويؤخذُ [منه]
(6)
أن مَنْ كانَ له دخلٌ ينظرُ إلى دخْلهِ وإنْ طالتْ مدَّتُه، إذْ لا فرقَ بينَ المدةِ الطويلةِ والقصيرةِ في حقِّ الآدمي، ومَنْ لا دخلَ لهُ لا يُنْظَرُ، ويبيعُ الحاكمُ مالَه لأهلِ الدَّيْنِ. نعمْ وأما الحجْرُ على البالغِ لسفهٍ، وسوءِ تصرفٍ فقالَ به الشافعي
(7)
، ولمْ يقلْ بهِ زيدُ بنُ عليٍّ، ولا أبو حنيفةَ
(8)
. وبوَّبَ لهُ البيهقيُّ في السننِ الكبرى
(9)
بابُ الحجْرِ على البالغينَ بالسَّفَهِ، وذكرَ فيه بسندِه
(10)
: "أن عبدَ اللَّهِ بنَ جعفرَ اشتَرى أرضًا بستمائةِ ألفِ درهمٍ، فهمَّ عليٌّ وعثمانُ أن يحجُرا عليهِ، قالَ: فلقيتُ الزبيرَ فقالَ: ما اشترى أحدٌ بيعًا أرخصَ مما اشتريتَ. قالَ: فذكرَ [له]
(11)
عبدُ اللَّهِ الحجْرَ، قالَ: لو أن عندي مالًا
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في المخطوط: "عن"، والتصويب من "الموطأ" والمطبوع.
(3)
في المخطوط (أوب) والمطبوع و "التلخيص": "أدان"، وفي "الموطأ":"دان".
(4)
في المطبوع: "دين" بالدال، وفي المخطوط و "الموطأ" و "التلخيص":"ران " بالراء.
(5)
أخرجها البخاري (2395)، وأبو داود (2884)، والنسائي (6/ 244)، وابن ماجه (2433)، وأحمد (3/ 398) وغيرهم بألفاظ متعددة.
(6)
في (ب): "منها".
(7)
انظر: "روضة الطالبين"(4/ 180).
(8)
انظر: "المبسوط"(24/ 159).
(9)
(6/ 61).
(10)
وأخرجه الشافعي (2/ 99 "بدائع المنن")، وعزاه الحافظ في "التلخيص"(3/ 43) لأبي عبيد في كتاب الأموال، وقد صحَّحه الألباني في "الإرواء"(5/ 273 رقم 1449).
(11)
زيادة من (ب).
لشاركْتُكَ. قالَ: فإني أقرضُك نصفَ المالِ، قالَ: فإني شريكُكَ، فأتاهُما عليٌّ وعثمانُ وهما يتراوضانِ، قَالا: ما تراوضانِ؟ فذكَرا لهُ الحجْرَ على عبدِ اللَّهِ بن جعفر فقال: أتحجرانِ على رجلٍ أنا شريكهُ؟ قالا: لا لعمري، قالَ: فإني شريكُه". وفي روايةٍ قالَ عثمانُ: "كيفَ أحجرُ على رجلٍ في بيعٍ شريكُه فيهِ الزبيرُ". قالَ الشافعي
(1)
: فَعَلي لا يطلبُ الحجْرَ إلا وهوَ يراهُ، والزبيرُ لو كانَ الحجرُ باطلًا لقالَ لا يحجرُ على بالغٍ، وكذلك عثمانُ، بلْ كلُّهم يعرفُ الحجْرَ ثمَّ ساقَ
(2)
حديثَ عائشةَ وإرادةُ عبدِ اللَّهِ بن الزبيرِ الحجرَ عليها، وغيرُ ذلكَ منَ الأدلةِ منْ أفعالِ السلفِ، ويستدلُّ لهُ بالحديثِ
(3)
الصحيحِ، وهوَ النَّهيُ عنْ إضاعةِ المالِ؛ فإنَّ السَّفيهَ يضيعُه بسوءِ تصرُّفِهِ فيجبُ الإنكارُ عليهِ بحجرِه [عنهُ]
(4)
. قالَ النوويُّ
(5)
: والصغيرُ لا ينقطعُ عنهُ حكمُ اليتمِ بمجردِ علوِّ السنِّ، ولا بمجردِ البلوغِ، بلْ لا بدَّ أنْ يظهرَ منه الرشْدُ في دِيْنهِ ومالهِ. وقالَ أبو حنيفةَ
(6)
: إذا بلغَ خمسًا وعشرينَ سنةً يجبُ تسليمُ مالِه إليهِ، وإنْ كانَ غيرَ ضابطِ.
أمارات البلوغ
5/ 819 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(7)
. [صحيح]
(1)
انظر: "السنن الكبرى"(6/ 61).
(2)
يعني البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 61، 62)، وأخرجه البخاري (10/ 491 رقم 6073، 7075)، وأحمد (4/ 327).
(3)
أخرجه البخاري (1477) وأطرافه في (2408، 5975، 6330، 6473، 6615، 7292)، ومسلم (593) من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا وفي الباب عن غيره.
(4)
زيادة من (ب).
(5)
انظر: "روضة الطالبين"(4/ 177، 178).
وانظر: "نهاية المحتاج"(4/ 357) لشمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد الرَّملي المصري الأنصاري الشهير بالشافعي الصغير المتوفى سنة (1004).
(6)
انظر: المبسوط (24/ 161).
(7)
البخاري (4097)، ومسلم (91/ 1868).=
وَفي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقيِّ
(1)
: فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ. وَصَحّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قالَ: عُرِضْتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ أُحُدٍ وأنا ابنُ أربعَ عَشْرَةَ سنةً فلم يُجِزْنِي، وعُرِضْتُ عليهِ يومَ الخندقِ وأنا ابنُ خمسَ عَشْرَةَ سنةً فأجازنِي. متفقٌ عليهِ. وفي رواية للبيهقيِّ: فلمْ يجزني ولمْ يرني بلغتُ، وصحَّحَها ابنُ خزيمةُ). وجْهُ ذكرِ الحديثِ هُنا أن مَنْ لم يبلغْ خمس عَشْرَةَ سنةً لا تنفذُ تصرفاتُه منْ بيع وغيرهِ، ومعنَى قولِه: لم يجزني، لم يجعلْ لي حكمَ الرجالِ [المقاتلين]
(2)
في إيجابِ الجهادِ عليَّ وخروجي معهُ. وقولِه: فأجازني أي رآني فيمنَ يجبُ عليهِ الجهادُ، ويؤذنْ لهُ في الخروجِ إليهِ. وفيهِ دليلٌ على أن من استكملَ خمسَ عشْرَةَ سنةً صارَ مكلَّفًا بالغًا، لهُ أحكامُ الرجال وعليه، ومَنْ كانَ دونَها فلا. ويدلُّ لهُ قولُه فلمْ يرني بلغتُ، وناقشَ في الاستدلالِ بهِ بعض المتأخرينَ على البلوغ قائلًا إنَّ الإذنَ في الخروجِ للحروب يدورُ على الجَلادةِ والأهليةِ، فليسَ في ردِّهِ دليلٌ على أنهُ لأجل [عدم]
(3)
البلوغِ، وفهمُ ابن عمرَ ليسَ بحجةٍ.
قلتُ: وهوَ احتمالٌ بعيدٌ والصحابيُّ أعرفُ بما رواهُ. وفيه دليلٌ على أن الخندقَ كانتْ سنةَ أربعٍ من الهجرة، والقولُ بأنها سنةَ خمسٍ يردُّه هذا الحديثُ [و]
(4)
لأنَّهم أجمعوا
(5)
أنَّ أُحُدًا كانتْ سنةَ ثلاثٍ.
6/ 820 - وَعَنْ عَطِيّةَ الْقُرَظيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عُرضْنَا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خَلَّى سَبِيلهُ، فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخَلَّى سَبِيلي. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ
(6)
،
= وأخرجه: أبو داود (2957، 4406)، والترمذي (1361)، والنسائي (3431)، وابن ماجه (2543)، وأحمد (2/ 17)، والبيهقي (6/ 54، 55)، (8/ 264)، (3/ 83).
(1)
لم أجد هذا اللفظ في "السنن الكبرى" له، وإنما فيه (6/ 55):"فلم يجزني في المقاتلة"، وأيضًا فيه:"فاستصغرني وردَّني مع الغلمان".
(2)
في (أ): "المتقاتلين".
(3)
زيادة من (ب).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
انظر: "فتح الباري"(7/ 346).
(6)
أبو داود (4404، 4405)، والنسائي (3429، 3430)، والترمذي (1584) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (2541).
وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(1)
، وَالْحَاكِمُ
(2)
، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. [صحيح]
(وعنْ عطيةَ القرظيِّ رضي الله عنه) بضمِّ القاف، فراءٍ، نسبةً إلى بني قُرَيْظَةَ (قالَ: عُرِضْنا على النبي صلى الله عليه وسلم يومَ قريظةَ، فكانَ مَنْ أنبتَ قُتِلَ، ومَنْ لا ينْبِتْ خلَّى سبيلَه، فكنتُ ممنْ لم يُنْبِتْ فخلَّى سبيلي. رواهُ الأربعة، وصحَّحَهُ ابن حبانَ، والحاكمُ، وقالَ: على شرط الشيخينِ)، وهوَ كما قالَ، إلا أنَّهما لم يُخْرِجَا لعطيةَ
(3)
. والحديثُ دليلٌ على أنهُ يحصلُ بالإنباتِ البلوغُ فتجري على مَنْ أنْبَتَ أحكامُ المكلفينَ ولعلَّه إجماعٌ.
تصرف المرأة في مالها
7/ 821 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يَجُوزُ لامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا".
وَفي لَفْظٍ: "لا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَمرٌ في مَالِهَا إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عصْمَتَهَا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
، وأَصْحَابُ
(5)
السُّنَنِ إلَّا التِّرْمِذِيّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
(6)
. [صحيح]
(عن عمروِ بنَ شعيبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جدِّهِ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا [تجوز]
(7)
لامرأةٍ عطيةٌ إلَّا بإذنِ زوجها. وفي لفظٍ: لا يجوز للمرأةِ أمرٌ في مالِها إذا ملكَ زوجُها عصمتَها. رواهُ أحمدُ، وأصحابُ السننِ إلَّا الترمذيّ، وصحَّحهُ الحاكمُ). قالَ الخطابيُّ
(8)
: حملَهُ الأكثرُ على حسنِ العشرةِ، واستطابةِ النفسِ، أو يحملُ على
(1)
في "صحيحه"(11/ 103 رقم 4780 وما بعده "الإحسان").
(2)
في "المستدرك"(2/ 123)، ووافقه الذهبي.
وأخرجه: أحمد (4/ 383)، (5/ 311)، والبيهقي (6/ 58) وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 833 رقم 3704).
(3)
كذا قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 42) وزاد: وماله إلا هذا الحديث الواحد.
(4)
في "مسنده"(2/ 179، 184، 202).
(5)
أبو داود (3546، 3547)، والنسائي (2540)، وابن ماجه (2388).
(6)
في "المستدرك"(2/ 47)، ووافقه الذهبي.
قلت: وقد حسَّنه المحدث الألباني في "السلسلة الصحيحة" رقم (825).
(7)
في (ب): "يجوز".
(8)
ذكره في "معالم السنن"(5/ 194 - مع مختصر أبي داود).
غيرِ الرشيدةِ. وقدْ ثبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ
(1)
للنساءِ: "تصدَّقْنَ"؛ فجعلتِ المرأةُ تلقي القِرْط، والخاتمَ، وبلالٌ يتلقاهُ بردائِه، وهذه عطيةٌ بغيرِ إذْنِ الزوجِ. انتهى. وهذَا مذهبُ الجمهورِ مستدلينَ بمفهوماتَ الكتابِ والسنةِ، ولم يذهبْ إلى معنَى الحديثِ إلَّا طاوسُ
(2)
فقالَ: إنَّ المرأةَ محجورةٌ عنْ مالِها إذا كانتْ مزوجةً إلا فيما أَذِنَ لها فيهِ الزوجُ. وذَهَبَ
(3)
مالكٌ إلى أنْ تصرُّفَها منَ الثلثِ.
من تحل له المسألة
8/ 822 - وَعَنْ قَبيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ المَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأَحَدِ ثلاثة: رَجُل تَحَمّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يصِيبَها، ثُم يُمْسِك، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتى يُصيبَ قِوَامًا مِنْ عَيشٍ، وَرَجُل أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتى يَقُولَ ثَلاثةٌ مِنْ ذَوي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(4)
. [صحيح]
(وعنْ قبيصة) بفتحِ القافِ، فموحدةٍ، فمثناةٍ تحتيةٍ، فصاب مهملةٍ (ابن مخارقٍ) بضمِّ الميمِ، فخاءٍ معجمةٍ، فراءٍ مكسورةٍ (قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ المسألةَ لا تحلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ: رجلٍ تحمَّلَ حمالةً) بفتحِ الحاءِ المهملةِ، وتخفيفِ الميمِ، (فحلَّتْ له المسألةُ حتَّى يصيَبها، ثمَّ يمسك، ورجلٍ أصابتْه جائحةٌ اجتاحتْ مالَه فحلَّتْ لهُ المسألةُ حتَّى يصيبَ قوامًا منْ عيشٍ، ورجلٍ أصابتْه فاقةٌ حتَّى يقومَ ثلاثةٌ منْ ذوي الحِجَا منْ قومِه قائلين: لقدْ [أصابت]
(5)
فلانًا فاقة فحلَّتْ لهُ المسألةُ. رواهُ مسلمٌ).
قدْ تقدَّمَ بلفظهِ في بابِ قسمةِ الصدقاتِ، ولعلَّ إعادتَهُ هنا أن الرجلَ الذي تحمَّلَ حمالةً قدْ لزِمَهُ دَيْنٌ فلا يكونُ لهُ حكمُ المفلِسِ في الحجْرِ عليهِ، بلْ يُتْرَكُ حتَّى يسألَ الناسَ فيقضي دينَه، وهذا يستقيمُ على القواعدِ إذا لم يكنْ قدْ ضمنَ ذلكَ المالَ.
(1)
صحَّ من رواية أبي سعيد الخدري أخرجه البخاري (304) وأطرافه (1462، 1951، 2658)، ومسلم (80). ومن رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخرجه مسلم (1/ 86 رقم 79).
(2)
انظر: "المحلَّى"(8/ 311).
(3)
انظر: "المحلَّى"(8/ 309).
(4)
سبق تخريجه برقم (3/ 605) من كتابنا هذا.
(5)
في (أ): "أصاب".
[الباب السابع] باب الصلح
قدْ قسَّمَ العُلَماءُ الصُّلْحَ أقسامًا، صُلحَ المسلمِ معَ الكافرِ، والصلحَ بينَ الزوجينِ، والصلحَ بينَ الفئةِ الباغيةِ والعادلةِ، والصلحَ بينَ المتقاضيينِ، والصلحَ في الجراحِ كالعفوِ على مالٍ، والصلحَ لقطعِ الخصومةِ إذا وقعتْ في الأملاكِ والحقوقِ، وهذا القسْمُ هوَ المرادُ هنا وهوَ الذي يذكرُه الفقهاءُ في بابِ الصلحِ.
1/ 823 - عَن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بَينَ المُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا. والْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حلالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(1)
وصَحّحَهُ، وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، لأَنَّ رَاوِيهُ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ضَعِيفٌ، وَكأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ. [صحيح لغيره]
- وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(2)
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. [صحيح لغيره]
(1)
في "سننه"(1352).
وأخرجه: ابن ماجه (2353)، والحاكم (4/ 101)، والدارقطني (3/ 27 رقم 98)، والبيهقي (6/ 79).
قلت: فيه كثير بن عبد الله هذا مجمع على ضعفه، وقد قال ابن حجر في "التقريب" (2/ 132 رقم 17): ضعيف، منهم من نسبه إلى الكذب". وسكت الحاكم عليه، وقال الذهبي: واه. وله شواهد بيَّنتها في تحقيق "بداية المجتهد" (4/ 89، 90). وقد قال المحدث الألباني في "الإرواء" (5/ 145 - 146): وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى درجة الصحيح لغيره. اهـ.
(2)
في "صحيحه"(ص 291 رقم 1199 - الموارد). =
(عنْ عَمْروِ بن عَوْفٍ المزنيِّ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: الصُّلحُ جائزٌ بينَ المسلمينَ إلَّا صُلْحًا حرَّم حلالًا، أو أحلَّ حرامًا، والمسلمونَ)، وفي لفظ لأبي
(1)
داودَ: والمؤمنونَ
(2)
(على شروطِهم، إلَّا شَرْطًا حرَّمَ حلالًا، أو أحلَّ حرامًا. رواهُ الترمذيُّ وصحَّحَهُ، وأنكرُوا عليهِ لأنهُ منْ روايةِ كثيرِ بن عبدِ اللَّهِ بن عمروِ بن عوفٍ، وهوَ ضعيفٌ) كذَّبهُ الشافعيُّ، وتركَهُ أحمدُ. وفي الميزانِ
(3)
عن ابن حبانَ: لهُ عنْ أبيهِ، عنْ جدِّهِ نسخةٌ موضوعةٌ. وقالَ الشافعي وأبو داودَ: هوَ ركنٌ منْ أركانِ الكذبِ، واعتذَر المصنِّفُ للترمذي بقوله:(وكأنهُ اعتبَرهُ بكثرةِ طُرُقِهِ. وصحَّحَهُ ابنُ حبانَ منْ حديثِ أبي هريرةَ). فيهِ مسألتانِ:
الأُولى: في أحكامِ الصُّلحِ: وهوَ أن وضْعَهُ مشروطٌ فيهِ المراضاةُ لقولِه جائزٌ أي أنهُ ليسَ بحكمٍ لازمٍ يقضي بهِ وإنْ لمْ يرضَ بهِ الخصمُ، وهوَ جائزٌ أيضًا بينَ غيرِ المسلمينِ منَ الكفارِ، فتعتبرُ أحكامُ الصُّلْحِ بينَهم، وإنَّما خَصَّ المسلمينِ بالذكرِ لأنَّهم المعْتَبَرُونَ في الخطابِ المنقادونَ لأحكامِ السنةِ والكتابِ، وظاهرُه عمومُ صِحةِ الصُّلْحِ سواءٌ كانَ قبلَ اتضاحِ الحقِّ للخصمِ أو بعدَهُ، ويدلُّ للأولِ قصةُ
(4)
= قلت: وأخرجه أبو داود (3594)، وابن الجارود (رقم 637 و 638)، والدارقطني (3/ 27 رقم 96)، والحاكم (2/ 49)، والبيهقي (6/ 64، 65)، وأحمد (2/ 366)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 2088) كلهم من حديث كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"المسلمون على شروطهم والصلح جائز بين المسلمين زاد بعضهم: "إلا صلحًا حرم حلالًا وأحلَّ حرامًا".
قال الحاكم: "رواة هذا الحديث مدنيون"، فلم يصنع شيئًا!!
ولهذا قال الذهبي: "لم يصحِّحه، وكثير ضعفه النَّسَائِي وقوَّاه غيره، وقال ابن حجر في "التقريب" (2/ 131 رقم 11): "صدوق يخطئ".
قلت: لم يتفرد به، وحديث الباب يشهد له.
(1)
في (ب): "أبي".
(2)
كذا في المخطوط والمطبوع: "والمؤمنون"، وفي رواية أبي داود التي بين أيدينا (3594)"والمسلمون"، ولم أجد غيرها فيه والله أعلم. ثم وجدت الحافظ في "التلخيص" (3/ 23 رقم 1195) قد نقل عن الرافعي: "والمؤمنون
…
" أبو داود، فالذي يبدو أن الشارح قد نقلها منه ولكن قال الحافظ في آخر تخريجه:(تنبيه) الذي وقع في جميع الروايات: المسلمون بدل: المؤمنون. اهـ.
(3)
"ميزان الاعتدال" للذهبي (3/ 406 رقم 6943)، وانظر:"التهذيب"(8/ 377 رقم 753).
(4)
وهي كما كان يُحدِّث الزبير أنه خاصم رجلًا من الأنصار قد شهد بدرًا إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم =
الزبيرِ والأنصاريِّ، فإنهُ صلى الله عليه وسلم لم يكنْ قدْ أبانَ للزبيرِ ما يستحقه، وأمرَهُ أنْ يأخذَ بعضَ ما يستحقُهُ على جهة الإصلاحِ، فلمَّا لم يقبلِ الأنصاريُّ بالصلحِ وطلبَ مُرَّ الحقّ أبانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للزبيرِ قدْرَ ما يستحقه، كذا قاله الشارحُ. والثابتُ أن هذا ليسَ منَ الصُّلْحِ معَ الإنكارِ، بلْ منَ الصلحِ معَ سكوتِ المدَّعَى عليهِ، وهيَ مسألةٌ مسْتَقِلَّةٌ، وذلكَ لأنَّ الزبيرَ لم يكنْ عالمًا بالحقِّ الذي لهُ حتَّى يذعن بالصلحِ بلْ هذَا أولُ التشريعِ في قدْرِ السُّقْيا، والتحقيقُ أنهُ لا يكونُ الصلحُ إلَّا هكذَا، وأما بعدَ إبانةِ الحقِ للخصمِ فإنما يُطْلَبُ منْ صاحبِ الحق أن يتركَ لخصمِه بعضَ ما يستحقُّه. وإلى جوازِ الصلحِ على الإنكارِ ذهبَ مالكٌ (1)، وأحمدُ
(2)
، وأبو حنيفةَ
(3)
. وخالفَ في ذلكَ الهادويةُ
(4)
، والشافعي
(5)
وقالُوا: لا يصحُّ [الصلحُ]
(6)
معَ الإنكارِ، ومعنَى عدمِ صحتهِ أنهُ لا يطيبُ مالُ الخصمِ معَ إنكارِ المصالحِ، وذلكَ حيثُ يدَّعي عليهِ آخَرُ عَيْنًا أو دَيْنًا فَيُصَالَحُ ببعضِ العينِ أو الدَّيْنِ معَ إنكارِ خَصْمِهِ، فإنَّ الباقي لا يطيبُ لهُ بلْ يجبُ عليهِ تسليمُه لقوله
(7)
صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا بطيبةٍ منْ نفسه"، وقولُه تعالَى:{عَن تَرَاضٍ}
(8)
. وأُجِيْبَ بأنَّها قدْ وقعتْ طِيبةُ النفسِ بالرِّضَا بالصلحِ، وعقدُ الصلحِ قدْ صارَ في حكمِ عقدِ المعاوضةِ، فيحلُّ لهُ ما بقيَ.
= في شراج من الحرَّة كانا يستقيان به كلاهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله إن كان ابن عمتك، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اسق ثم احبس حتى يبلغ الجدر فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ حقه للزبير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي سعة له وللأنصاري، فلما أحفَظَ الأنصاريُّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم استوعى للزبير حقه في صريح الحكم.
أخرجه البخاري (2708) وأطرافه (2360، 2361، 2362، 4585)، ومسلم (129/ 2357)، وأبو داود (3637)، والترمذي (1363)، والنسائي (5407)، وابن ماجه (2480). (1) انظر:"بداية المجتهد"(4/ 95). بتحقيقنا.
(2)
انظر: "المغني"(4/ 10).
(3)
انظر: "المبسوط"(20/ 134).
(4)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 96).
(5)
انظر: "روضة الطالبين"(4/ 198).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
انظر تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (4/ 818) من كتابنا هذا.
(8)
سورة النساء: الآية 29.
قلتُ: الأَوْلَى أنْ يُقَالَ إنْ كانَ المدَّعي يعلمُ أن لهُ حقًّا عندَ خَصْمِهِ جازَ لهُ قَبْضُ ما صُولِحَ عليهِ، وإنْ كانَ خصمُه منكرًا، وإنْ كانَ يدعي باطلًا فإنهُ يحرمُ عليهِ الدَّعْوى وأخذُ ما صولحَ بهِ، والمدَّعَى عليهِ إنْ كانَ عندَه حقٌّ يعلمُه، وإنَّما ينكِرُ لغرضٍ وجبَ عليهِ تَسْلِيمُ ما صولحَ بهِ عليهِ، وإنْ كانَ يعلمُ أنهُ ليسَ عندَه حقٌّ جازَ لهُ إعطاءُ جُزْءٍ منْ مالهِ في دَفْعِ شجارِ غريم وأذيتِهِ، وحَرُمَ على المدَّعي أخذُه، وبهذَا تجتمعُ الأدلةُ فلا يقالُ الصلحُ على
(1)
الإنكارِ لا يصحُّ، ولا أنه يصحُّ على الإطلاقِ بلْ يُفَصَّلُ فيهِ.
المسألةُ الثانيةُ: ما [أفاده]
(2)
قولُه: والمسلمونَ على شروطِهم - أي ثابتون عليها، واقفونَ عندَها. وفي تعديتِه بعَلَى ووصفهِم بالإسلامِ أوِ الإيمانِ دلالةٌ على عُلُوِّ مرتبتِهِمْ، وأنَّهم لا يُخِلُّونَ بشروطِهم، وفيهِ دلالةٌ على لزومٍ الشرطِ إذا شرطَهُ المسلمُ إلا ما استثناهُ في الحديثِ. وللمفرِّعينَ تفاصيلُ في الشروطِ، وتقاسيمُ منْها ما يصحُّ ويلزمُ حكْمُهُ، ومنها ما لا يصحُّ ولا يلزمُ، ومنها ما يصحُّ ويلزمُ منهُ فسادُ العقدِ، وهي هنالكَ مبسوطةٌ بعللٍ ومناسباتِ. وللبخاريِّ في كتابِ الشروطِ
(3)
تفاصيلُ كثيرةٌ معروفةٌ. وقولُه: "إلَّا شرطًا حرَّمَ حلالًا"، وذلكَ كاشتراطِ البائعِ أنْ لا يطأ الأمةَ، أو أحلَّ حرامًا مثلَ أنْ يشترطَ وطءَ الأمةِ التي حرَّمَ اللَّهُ [عليهِ]
(4)
وطْأَها.
انتفاع الجارد بحائط جاره
2/ 824 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبةً فِي جِدَارِهِ"، ثمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ واللَّهِ لأرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(5)
. [صحيح]
(1)
في المخطوط "عن"، وما أثبتناه من المطبوع.
(2)
في (ب): "أفادها".
(3)
كتاب الشروط في "صحيح البخاري"(5/ 312: 354).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
البخاري (2463)، ومسلم (136/ 1609).
قلت: وأخرجه أبو داود (3634)، والترمذي (1353)، وابن ماجه (2335)، ومالك =
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا يَمْنَعْ) يُرْوَى بالرفعِ على الخبرِ، والجزمِ على النَّهْي (جارٌ جارَه أنْ يغرزَ خشبة) بالإفرادِ، وفي لفظٍ: خشبَهُ بالجمعِ (في جدارِهِ، ثمَّ يقولُ أبو هريرةَ: ما لي أراكم عنها معرضينَ؟ واللَّهِ لأرمينَّ بها بين أكنافكم) بالنون
(1)
جمْعُ كَنِفٍ - بفتحها - وهو الجانب (متفقٌ عليه).
وفي [رواية]
(2)
لأبي داود
(3)
: فَنَكَسُوا رؤُوسَهم. ولأحمدَ
(4)
: حينَ حدَّثهم بذلكَ طأطأوا رؤوسَهم. والمرادُ المخاطبونَ، وهذا قالَهُ أبو هريرةَ أيامَ إمارتِه على المدينةِ في زمنِ مروانَ، فإنهُ كانَ يستخلفُه فيها، فالمخاطبونَ ممنْ يجوزُ أنَّهم جاهلونَ بذلكَ وليْسُوا بصحابةٍ. وقد رَوَى أحمدُ
(5)
، وعبدُ الرزاقِ
(6)
منْ حديثِ ابن عباسٍ: "لا ضررَ ولا ضِرارَ، وللرجلِ أنْ يضعَ خشبة في حائطِ جارِه".
الحديثُ دليلٌ أنهُ ليسَ للجارِ أنْ يمنعَ جارَهُ منْ وضْع خشبةٍ على جدارِه، وأنهُ إذا امتنعَ عنْ ذلكَ أجْبِرَ لأنهُ حق ثابتٌ لجارِهِ، وإلى هذا ذهبَ أحمدُ
(7)
، وإسحاقُ وغيرُهما من أصحاب الحديث عملًا بالحديثِ، وذهبَ إليهِ الشافعيُّ
(8)
وفي القديم، وقضَى بهِ عمرُ في أيامِ وُفُورِ الصحابةِ، وقالَ الشافعيُّ: إنَّ عمرَ لم يخالفْه أحدٌ منَ الصحابةِ: وهوَ فيما رواهُ مالكٌ
(9)
بسندٍ صحيح: أن الضحاكَ بنَ خليفةَ سألهُ محمدُ بنُ مسلمةَ أنْ يسوقَ خليجًا له فَيُجْرِيَهُ في أرضٍ لمحمدِ بن مَسْلَمَةَ فامتنعَ، فكلَّمهُ عمرُ في ذلكَ فأبَى فقالَ: واللَّهِ ليمرنَّ بهِ ولو على بَطْنِكَ.
= (2/ 745 رقم 32)، والبيهقي (6/ 68)، وأحمد (2/ 230، 274، 447).
(1)
في المطبوع "بالتاء" وما أثبتناه من المخطوط.
قال الحافظ في "الفتح"(5/ 111): قال ابن عبد البر: رويناه في "الموطأ" بالمثناة وبالنون اهـ.
(2)
في (ب): "لفظ".
(3)
في "سننه"(3634) ولكن فيه "فنكسوا" فقط.
(4)
لم أجد هذا اللفظ في المسند وهو في "سنن البيهقي الكبرى"(6/ 68).
(5)
في "المسند"(1/ 313).
(6)
عزاه إليه الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 384).
قلت: وأخرجه ابن ماجه (2341)، والطبراني في "الكبير"(11/ 302 رقم 11806)، وهو حديث صحيح لغيره، وانظر:"الروضة الندية"(2/ 302) بتحقيقنا.
(7)
انظر: "المغني"(4/ 37، 38، رقم 3525).
(8)
انظر: "فتح الباري"(5/ 110، 111).
(9)
في "الموطأ"(2/ 746 رقم 33)، وصحّحه الحافظ في "الفتح"(5/ 111).
وهذَا نظيرُ قصةِ [حديث]
(1)
أبي هريرةَ، وعمَّمَهُ عمرُ في كُلِّ ما يحتاجُ الجارُ إلى الانتفاعِ بهِ منْ دارِ جارهِ وأرضهِ. وذهبَ آخرونَ إلى أنهُ لا يجوزُ أنْ يضعَ خشبةً إلَّا بإذنِ جارهِ، فإنْ لم يأذنْ له لم يجزْ. قالُوا: لأنَّ أدلةَ
(2)
"لا يحلَّ مالُ امرئٍ مسلم إلا بطيبةٍ منْ نفسِه" تَمْنَعُ هذَا الحكمَ فهوَ للتّنزِيهِ. وأجيبَ عنهُ بما [قاله]
(3)
البيهقيُّ
(4)
: لم نجدْ في السننِ الصحيحةِ ما يعارِضُ هذا الحكمَ إلا عموماتٌ لا ينكرُ أن يخصَّها، وقد حملَه الراوي على ظاهرهِ منَ التحريمِ، وهوَ أعلمُ بالمرادِ بدليلِ قولِه: "ما لي أراكم [عنها]
(5)
معرضين"؛ فإنهُ استنكارٌ لإعراضِهم، دالٌّ على أن ذلكَ للتحريمِ. قالَ الخطابيُّ
(6)
: معنَى قولِه: "بينَ أكتافِكم" إنْ لم تقبلُوا هذا الحكمَ وتعملُوا بهِ راضينَ لأجعلنَّها - أي الخشبةَ - على رقابِكم كارهينَ. قالَ: وأرادَ بذلكَ المبالغة.
قلت: والذي يتبادرُ أنَّ المرادَ لأرمينَّها أي هذهِ السنة المأمورَ بها بينكم بلاغًا لِما تحمَّلْتُه منْها، وخروجًا عنْ كَتْمِها وإقامة الحجةِ عليكمْ بها.
حرمة اغتصاب المال
3/ 825 - وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لامْرِئٍ أنْ يَأخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ"، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ
(7)
، وَالْحَاكِم
(8)
في صَحِيحَيْهِمَا. [صحيح]
(وعنْ أبي حُمَيْدِ الساعديِّ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلُّ لامرئٍ أنْ يأخذَ
(1)
انظر تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (4/ 818) من كتابنا هذا.
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في (ب): "قال".
(4)
نقله الحافظ في "الفتح"(5/ 110)، ولم نجده في السنن والمعرفة.
(5)
زيادة من (ب).
(6)
لم أجد كلامه في "معالم السنن"، وهو في "الفتح"(5/ 111).
(7)
في صحيحه (1/ 498 رقم 1166 - "الموارد").
(8)
لم أجده في "المستدرك".
قلت: وأخرجه البيهقي (6/ 100)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 340)، والحديث صحيح، انظر:"الإرواء"(5/ 280).
عَصَا أخيهِ بغيرِ [طيبةِ]
(1)
نفسٍ منهُ. رواهُ الحاكمُ، وابن حبانَ في صحيحيْهما).
وفي البابِ أحاديثُ كثيرةٌ [في معناهُ]
(2)
، وأخرجَ الشيخانِ
(3)
منْ حديثِ
(4)
عمرَ: "لا يحلبنّ أَحدٌ ماشيةَ أحدٍ بغيرِ إذْنِهِ". وأخرجَ أبو داودَ
(5)
، والترمذيُّ
(6)
، والبيهقي
(7)
منْ حديثِ عبدِ اللَّهِ بن السائبِ بن يزيدَ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ بلفظِ: "لا يأخذْ أحدُكم متاعَ أخيهِ لاعِبًا ولا جادًا".
والأحاديثُ دالةٌ على تحريمِ مالِ المسلمِ إلا بطيبةٍ من نفسهِ وإنْ قلَّ، والإجماعُ واقعٌ على ذلك، وإيرادُ المصنفِ رحمه الله لحديثِ أبي حميدٍ عقيبَ حديثِ أبي هريرةَ إشارةٌ إلى تأويلِ حديثِ أبي هريرةَ، وأنهُ محمولٌ على التنزيهِ كما هوَ قولُ الشافعي
(8)
في الجديدِ.
ويردُّ عليهِ أنهُ إنما يحتاجُ إلى التأويلِ إذا تعذَّرَ الجمع، وهوَ هنا ممكنٌ بالتخصيصِ؛ فإنَّ حديثَ أبي هريرةَ خاصٌّ وتلكَ الأدلةُ عامة كما عرفتَ، وقدْ أُخْرِجَ منْ عمومِها أشياءُ كثيرةٌ كأخْذِ الزكاة كرْهًا، وكالشُّفْعَةِ، وإطعامِ المضطَّرِّ، ونفقةِ القريبِ المعسِرِ، والزوجةِ، وكثيرٍ منَ الحقوقِ الماليةِ التي لا يخرجُها المالكُ برضاه، فإنَّها تُوخذُ [منهُ]
(9)
كَرْهًا، وَغَرزُ الخشبةِ منْها على أنهُ مجردُ انتفاعٍ والعينُ باقيةٌ.
* * *
(1)
كما في المخطوط (أ، ب، ج).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
تقدَّم تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (42/ 777) من كتابنا هذا.
(4)
كذا في (أ) و (ب): "عمر"، والحديث من رواية عبد اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما.
(5)
في سننه (5/ 273 رقم 5003).
(6)
في سننه (4/ 462 رقم 2160)، وقال: حديث حسن غريب.
(7)
في "السنن الكبرى"(6/ 100).
قلت: وأخرجه أحمد (15/ 140 رقم 1 "الفتح الرباني")، والحاكم (3/ 637) وحسَّن إسناده الألباني في "صحيح الترمذي"(2/ 231 رقم 1754).
(8)
انظر: "فتح الباري"(5/ 110).
(9)
زيادة من (ب).
[الباب الثامن] باب الحوالة والضمان
الحوالةُ بفتحِ الحاءِ وقدْ تُكْسَرُ، حقيقتُها عندَ الفقهاءِ: نَقْلُ دَيْنٍ مِنْ ذِمَّةٍ إلى ذِمَّةٍ. واختلفُوا [فيها]
(1)
هلْ هيَ بيعُ دينٍ بدينٍ رُخِّصَ فيهِ، وأُخرجَ منَ النَّهي عنْ بيعِ الدَّينِ بالدَّينِ، أوْ هيَ استيفاءٌ؟ وقيلَ: هيَ عقدُ إرفاقٍ مستقل، ويشترطُ فيها لفظُها، ورضَا المحيلِ بلا خلافٍ، والمحالُ عندَ الأكثرِ، والمحالُ عليهِ عندَ البعضِ، وتماثلُ الصفاتِ، وأنْ تكونَ في شيء معلوم، ومنْهم مَنْ خصَّها بالنقدين دونَ الطعامِ، لأنهُ بيعُ طعامٍ قبلَ أنْ يُسْتَوْفَى.
مطل الغني ظلم
1/ 826 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيُتْبَعْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. وفي رِوَايَةٍ لأحْمَد
(3)
: "وَمَنْ أُحِيلَ فَلْيَحْتَلْ". [صحيح]
(عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مطل الغنيِّ) إضافةُ المصدرِ إلى الفاعلِ، أي: مطلُ الغنيِّ غريمَه، وقيلَ: إلى المفعولِ، أي مطلُ الغريمِ [الغنيِّ]
(4)
(1)
زيادة من (أ).
(2)
البخاري (2287)، ومسلم (33/ 1564).
قلت: وأخرجه أبو داود (3345)، والترمذي (1308)، والنسائى (4691)، وابن ماجه (2403)، والدارمي (2/ 261)، وأحمد (2/ 71، 380، 463، 245)، والشافعي في "الأم"(3/ 233)، ومالك (2/ 674 رقم 84) وغيرهم.
(3)
في مسنده (2/ 463).
(4)
في (ب): "للغنيِّ".
(ظلمٌ)، وبالأُولى [مطل]
(1)
الفقيرَ، (وإذا أُتْبِعَ) بضمِّ الهمزةِ وسكونِ المثناةِ الفوقية، وكسرِ الموحدةِ (أحدُكم على مَلِيءٍ) بالهمزةِ مأخوذٌ من الملاء، يقالُ مَلُؤَ الرجلُ أي صارَ مليئًا، (فَلْيُتْبَعْ) بإسكانِ المثناةِ الفوقيةِ أيضًا، مبنيُّ للمجهولِ كالأولِ، أي إذا أُحْيلَ فليحتلْ (متفقٌ عليهِ). دلَّ الحديثُ على تحريمِ المطل منَ الغنيِّ، والمطلُ هوَ المدافعةُ، والمرادُ هنا تأخيرُ ما استحقَّ أداؤُه بغيرِ عُذْرٍ منْ قادرٍ على الأداءِ، والمعنَى على تقديرِ أنهُ منْ إضافةِ المصدرِ إلى الفاعلِ، [أي]
(2)
: يحرمُ على الغنيِّ القادِرِ أنْ يمطلَ بالدَّيْنِ بعدَ استحقاقِهِ خلافِ العاجزِ، ومعناهُ على التقديرِ الثانِي أنهُ يجبُ وفاءُ الدَّيْنِ ولوْ كَانَ مستحقُّه غنيًا، فلا يكونُ غِناهُ سببًا لتأخيرِ حقِّهِ، وإذا كانَ ذلكَ في حقِّ الغنيِّ ففي حقِّ الفقيرِ أوْلَى. ودلَّ الأمرُ على وجوبِ قبولِ الإحالةِ، وحملَهُ الجمهورُ
(3)
على الاستحبابِ، ولا أدري ما الحاملُ علَى صرفِه عنْ ظاهِرِهِ، [وعليه حمل]
(4)
أهلُ الظاهرِ
(5)
. وتقدَّم
(6)
البحثُ في أن المطلَ كبيرةٌ يفسقُ صاحبُه فلا نكرِّرُه، وإنما اختلفُوا هلْ يفسقُ قبلَ الطلبِ أو لا بدَّ منهُ، والذي يشعرُ به الحديثُ أنهُ لا بدَّ منَ الطلبِ، لأنَّ المُطلَ لا يكونُ إلا معَهُ، ويشملُ المطلُ كلَّ مَنْ لزمَهُ حقٌّ كالزوجِ لزوجتِهِ، والسيدِ في نفقةِ عبدِه، ودلَّ الحديثُ بمفهومِ المخالفةِ أن مُطْلَ العاجزِ عن الأداءِ لا يدخلُ في الظلمِ، ومَنْ لا يقولُ بالمفهومِ يقولُ لا يسمَّى العاجزُ ماطِلًا، والغنيُّ الغائبُ عنهُ مالُه كالمعدم، ويُؤْخَذُ منْ هذَا أن المعسِرَ لا يُطَالبُ حتَّى يوسِرَ. قال الشافعيُّ
(7)
: لو جازتْ مؤاخذتُه لكانَ ظالمًا، والفَرْض أنهُ ليسَ بظالمٍ لعجزِه، ويؤخذُ منهُ أنهُ إذا تعذَّرَ على المحالِ عليهِ التسليمُ لفَقْرٍ لم يكنْ للمحتالِ الرجوعُ على المحيلِ، لأنهُ لو كانَ لهُ الرجوعُ لم يكنْ لاشتراطِ الغِنَى فائدةٌ، فلمَّا شرطَه الشارعُ علمَ أنهُ انتقلَ انتقالًا لا رجوعَ لهُ كما لو عُوِّضَ في دَيْنِه بِعوَضٍ ثمَّ
(1)
في (أ): "مطله".
(2)
في (ب): "أنَّه".
(3)
انظر: "فتح الباري"(4/ 465).
(4)
في (ب): "وعليه حملُه".
(5)
انظر: "المحلَّى"(8/ 108 مسألة رقم 1226).
(6)
أثناء شرح الحديث (2/ 816) من كتابنا هذا.
(7)
انظر: "الأم"(3/ 233)، و"المعرفة"(8/ 281).
تَلِفَ العوضُ في يدِ صاحبِ الدَّيْنِ. وقالتِ الحنفيَّةُ
(1)
: يرجعُ عندَ التعذرِ وشبَّهوا الحوالةَ بالضمانِ، وأما إذا جهلَ الإفلاسَ حالَ الحوالةِ فلهُ الرجوعُ.
ترك الصلاة على من مات وعليه دين
2/ 827 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَّا، فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَخَطَا خُطًى، ثُمَّ قَالَ:"أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ "، فَقُلْنَا: دِينَارَانِ. فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمُا أَبُو قَتَادَةَ، فَأتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانَ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"حَقَّ الْغَرِيم، وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
، وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
، وَالنَّسَائِيُّ
(4)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(5)
وَالْحَاكِمُ
(6)
. [صحيح]
(وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قالَ: تُوفِّيَ رجلٌ منَّا فغسَّلْناهُ، وحنَّطْناهُ، وكفَّنَّاهُ، ثمَّ أَتَيْنَا بهِ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقلْنا:[تصلِّي]
(7)
عليهِ، فَخَطَا خُطًى ثمَّ قالَ: عليهِ دينٌ؟ قلْنا: دينارانِ فانصرفَ) أي عن الصلاةِ عليهِ، (فتحمَّلهما أبو قتادةَ فَأتَيْنَاهُ فقالُ أبو قتادةَ: الدينارانِ عليَّ، فقالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: حقَّ الغريمِ) منصوبٌ على المصدرِ مؤكِّد لمضمونِ قولِه الدينارانِ عليَّ، أي حقَّ عليكَ الحقُّ، وثَبتَ عليكَ، وكنتَ غريمًا. (وبرئَ منْهما الميت. قالَ: نعمْ، فصلَّى عليهِ، رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنسائيُّ، وصحَّحَه ابن حبَّانَ والحاكمُ)، وأخرجهُ البخاريُّ منْ حديثِ سلمةَ بن الأكوعِ، إلَّا أن في حديثِهِ ثلاثةَ دنانيرَ، وكذلكَ أخرجهُ أبو داودَ
(8)
، والطبرانيُّ
(9)
. وجُمِعَ
(10)
(1)
انظر: "المبسوط"(20/ 53).
(2)
في مسنده (3/ 330).
(3)
في سننه (3343).
(4)
في سننه (1962).
(5)
في صحيحه (7/ 334 رقم 3064 "الإحسان").
(6)
في "المستدرك"(2/ 58).
وأخرجه البيهقي (6/ 73، 74)، وقد ثبت مثله من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أخرجه البخاري (2289)، إلا أنه قال:"ثلاثة دنانير" بدلًا من "دينارين"، وقد صحَّح حديث جابر الألباني في "الإرواء"(5/ 249) على شرط الشيخين.
(7)
في المخطوط "يصلِّي" بالتحتانية.
(8)
كما تقدم في تخريج حديث الباب وفيه "ديناران".
(9)
من حديث أسماء بن يزيد كما ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 467).
(10)
انظر هذا الجمع في "الفتح"(4/ 468).
بينَه وبينَ قولِه دينارانِ أن في حديثِ الكتابِ أنَّهما كانا دينارينِ وشطرًا فمنْ قالَ ثلاثةً جبرَ الكسرَ، ومَن قال ديناران ألقاهُ، أو كان الأصلُ ثلاثة فقضى قبلَ موتِه دينارًا فمن قال ثلاثةً اعتبرَ أصلَ الدَّيْنِ، ومنْ قال دينارانِ اعتبرَ الباقي. ويحتملُ أنَّهما قِصَّتانِ وإنْ كانَ بعيدًا. وفي روايةِ الحاكمِ
(1)
أنهُ صلى الله عليه وسلم جعلَ إذا لقيَ أبا قَتَادَةَ [يقولُ]
(2)
: ما صنعتِ الديناران؟ حتَّى كانَ آخرَ ذلكَ أنْ قالَ: قضيْتُهما يا رسولَ اللهِ، قالَ:"الآنَ بَرَدَتْ جلدتُه". وَرَوَى الدارقطنيُّ
(3)
منْ حديثِ عليّ رضي الله عنه: "كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أُتيَ بجنازةٍ لم يسألْ عنْ شيءِ منْ عملِ الرجلِ، ويسألُ عنْ دَيْنِهِ، فإنْ قيلَ: عليهِ دَيْنٌ كَفَّ، وإنْ قيلَ: ليسَ عليهِ دَيْنٌ صلَّى، فأُتِيَ بجنازةٍ فلمَّا قامَ ليكبِّرَ سألَ هلْ عليهِ دَيْنٌ؟ فقالُوا: دينارانَ، فعدلَ عنهُ، فقالَ عليٌّ: هما عليَّ يا رسول اللهِ، وهوَ بريٌّ منهما، فصلَّى عليهِ ثمَّ قالَ: جزاكَ اللهُ خيرًا، وفكَّ اللهُ رِهانَكَ - الحديثَ". قال ابنُ بطالٍ
(4)
: ذهبَ الجمهورُ إلى صحةِ هذهِ الكفالةِ عن الميتِ، ولا رجوعَ لهُ في مالِ الميتِ.
وفي الحديثِ دليلٌ على أنهُ يصحُّ أن يحتملَ الواجبَ غيرُ مَنْ وجبَ عليهِ، وأنهُ ينفعُه ذلكَ، ويدلُّ على شدةِ أمر الدَّيْنِ فإنهُ صلى الله عليه وسلم تركَ الصلاةَ عليهِ لأنَّها شفاعةٌ، وشفاعتُه صلى الله عليه وسلم مقبولةٌ لا تُرَدُّ، والدَّيْنُ لا يسقطُ إلَّا بالتأديةِ.
وفي الحديثِ دليلٌ أنهُ لا يُكْتَفَى بالظاهرِ منَ اللفظِ بلْ لا بدَّ للحاكمِ في الإلزامِ بالحقِّ منْ تحققِ ألفاظِ العقودِ والإقراراتِ، وأنهُ إذا ادَّعى منْ عليهِ الحكومةُ أنهُ قصدَ باللفظِ معنَىً يحتملُه، وإنْ بَعُدَ الاحتمالُ لا يُحْكَمُ عليهِ بظاهرِ اللفظِ. وعطفُ: وبرئَ منْهما الميتُ على ذلكَ مما يؤيدُ هذا المعنَى المستنْبَطِ.
قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم عمَّن مات وعليه دين
3/ 828 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أن رَسُول صلى الله عليه وسلم اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ
(1)
تقدم بيان أنها في "المستدرك"(2/ 58).
(2)
في (ب): "قال".
(3)
في سننه (3/ 46 رقم 194)، وأخرجه أيضًا البيهقي (6/ 73)، وقال: فيه عطاء بن عجلان ضعيف. اهـ.
(4)
انظر: "الفتح"(4/ 468).
يُؤتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيسْأَلُ:"هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاء؟ " فَإنْ حُدِّثَ أنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ، وإلَّا قَالَ:"صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ"، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ:"أَنا أَوْلَى بالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
(2)
: "فَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً".
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُؤْتَي بالرجلِ المتوفَّي عليهِ الدَّيْنُ، فيسالُ: هلْ تركَ لِدَيْنِهِ منْ قضاءٍ؟ فإنْ حُدِّثَ أنهُ تركَ وفاءً صلَّى عليهِ، وإلَّا قالَ: صلُّوا على صاحبِكم. فلمَّا فتحَ اللهُ عليهِ الفتوحَ قالَ: أنا أولَى بالمؤمنينَ منْ أنفسِهم، فمنْ تُوُفِّيَ وَعليهِ دَيْنٌ فَعَلي قَضاؤُه. متفقٌ عليهِ. وفي روايةٍ للبخاريِّ: فمنْ ماتَ ولم يتركْ وفاءً). إيرادُ المصنّفِ لهُ عقيبَ الذي قبلَه إشارةٌ إلى أنهُ صلى الله عليه وسلم نسخَ ذلكَ الحكمَ لما فَتَحَ عليهِ صلى الله عليه وسلم، واتسعَ الحالُ بِتحمُّلِهِ الدَّينَ عن الأمواتِ.
وظاهر قولِه: "فعليَّ قضاؤه"، أنهُ يجبُ عليهِ القضاءُ، وهلْ هوَ منْ خالصِ مالِه، أوْ منْ مالِ المصالحِ؟ محتمِلٌ. قالَ ابنُ بطالٍ
(3)
: وهكذَا يلزمُ المتولِّي لأمرِ المسلمينَ أن يفعلَه فيمنْ ماتَ وعليهِ دَيْنٌ، فإنْ لم يفعلْ فالإثمُ عليهِ. وقدْ ذكرَ الرافعيُّ
(4)
في آخرِ الحدِيثِ قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، وعلى كلِّ إمامٍ بعدَك؟ قالَ: وعلى كلِّ إمامٍ بعدي. وقدْ وقعَ معناهُ في الطبرانيِّ الكبيرِ (4) منْ حديثِ زاذانَ عنْ سلمانَ قالَ: "أمَرَنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن نفدي سبايا المسلمينَ ونعطيَ سائِلَهم. ثمَّ قالَ: مَنْ تَركَ مالًا فلورثتِه، ومَنْ تركَ دَيْنًا فعليَّ وعلى الولاةِ منْ بعدي في بيتِ مالِ المسلمينَ". وفيهِ راوٍ
(5)
متروكٌ ومتَّهمٌ.
(1)
البخاري (2298)، وأطرافه (2398، 2399، 4781، 5371، 6731، 6745، 6763)، ومسلم (1619)، والترمذي (1070)، والنسائي، (1963)، وابن ماجه (2415) وهو في سنن أبي داود مختصرًا (2955)، وأحمد (2/ 290، 453).
(2)
في صحيحه (5371) بزيادة "من المؤمنين".
(3)
انظر: "فتح الباري"(4/ 478).
(4)
ذكر ذلك الحافظ في "التلخيص"(3/ 48، 49).
(5)
بيَّنه الحافظ في "التلخيص"، وهو:"عبد الرحمن بن سعيد الأنصاري".
4/ 829 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا كفَالَةَ في حَدٍّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
(1)
بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]
(وعنْ عمرِو بن شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا كَفالةَ في حدٍّ. رواة البيهقيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ). وقالَ: إنهُ منكرٌ. وهوَ دليل على أنهُ لا تصحُّ الكفالةُ في الحدِّ.
قالَ ابنُ حزمٍ
(2)
: لا تجوزُ الضمانةُ بالوجهِ أصلَا لا في مالٍ، ولا حدٍّ، ولا في شيءٍ منَ الأشياءِ، لأنهُ شَرْطٌ ليسَ في كتابِ اللهِ فهوَ باطلٌ. ومنْ طريقِ النظرِ أنْ يسألَ مَنْ قالَ بصحَّتهِ عمنْ [تكفَلَ]
(3)
بالوجْهِ فقطْ فغابَ المكفولُ عنهُ ماذا تصنعونَ بالضامنِ بوجْهِه، أتلزمونَهُ غرامةَ ما على المضمونِ؟ فهذَا جَوْرٌ وأَكلُ مالٍ بالباطلِ، لأنهُ لم يلتَزمْ قطُّ، أمْ تتركونَه؟ فقدْ أبطلتُم الضمانَ [بالوجْهِ]
(4)
، أمْ تكفلونَهُ طَلَبَهُ؟ فهذا تكليف الحرج، وما لا طاقةَ لهُ به، وما لم يكلِّفْهُ الله إياهُ قط.
وأجازَ الكفالةَ بالوجهِ جماعةٌ منَ العلماءِ، واستدلُّوا بأنهُ صلى الله عليه وسلم
(5)
كفلَ في تهمةٍ. قالَ: وهُو خَبرٌ باطلٌ لأنهُ من رواية إبراهيمَ بن خثيمٍ بن عراكٍ، وهوَ وأبوهُ في غايةِ الضعفِ، ولا تجوزُ الروايةُ عنْهما، ثمَّ ذكرَ آثارًا عنْ عمرَ بن عبدِ العزيزِ، وردَّها كلَّها بأنَّها لا حجةَ فيها، إذِ الحجةُ في كلامِ اللَّهِ ورسولِه لا [غيرِهِ]
(6)
. وهذِ الآثارُ قدْ سردَها في الشرحِ.
* * *
(1)
في "السنن الكبرى"(6/ 77)، ثم قال: قال أبو أحمد (يعني ابن عدي): عمر بن أبي عمر الدمشقي منكر الحديث عن الثقات. اهـ، وقد ضعَّفه المحدث الألباني في "الإرواء"(5/ 247 رقم 1415).
(2)
في "المحلَّى"(8/ 119 مسألة رقم 1236).
(3)
في المخطوط "يكفل" بالتحتانية، وما أثبتناه في المطبوع و"المحلَّى".
(4)
في المخطوط "الكفالة"، وما أثبتناه في المطبوع و"المحلَّى".
(5)
رواه ابن حزم في "المحلَّى"(8/ 120) والكلام الذي بعده فيه.
(6)
في (ب): "غير".
[الباب التاسع] باب الشركة والوكالة
الشركةُ بفتحِ أولهِ وكسرِ الراءِ، وبكسرِه معَ سكونِها، وهى بضمِّ الشينِ اسمٌ للشيءِ المشتركِ. والشركةُ الحالةُ التي تحدثُ بالاختيارِ بينَ اثنينِ فصاعدًا. وإنْ أُرِيدَ الشركةُ بين الورثةِ في المالِ حذفتْ بالاختيارِ. "والوِكالةُ" بفتحِ الواوِ وقدْ تكسرُ، مصدرُ وكَّلَ مشددًا بمعنَى التفويضِ والحفظِ، وتُخَفَّفُ فتكونُ بمعنَى التفويضِ، وهي شرعًا إقامةُ الشخص غيره مقامَ نفسِه مطلقًا أو مقيَّدًا.
1/ 830 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ الله تَعَالَى: أَنا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ خَرَجْتُ مِنْ بَينِهِمَا"، رَوَاهُ أَبُو داوُدَ
(1)
، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
(2)
. [ضعيف]
(عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قالَ اللهُ: أنا ثالثُ الشريكينِ ما لم يخنْ أحدُهمَا صاحبَه، فإذا خانَ خرجتُ منْ بينِهما. رواهُ أبو داودَ، وصحَّحهُ الحاكمُ)، وأعلَّه ابنُ القطانِ
(3)
بالجهلِ بحالِ سعيدِ بن حيانَ. وقدْ رواهُ عنهُ ولدُهُ أبو حيانَ بنُ سعيدٍ لكنْ ذَكَرَهُ ابن حبانَ في الثقاتِ، وذكرَ أنهُ رَوَى عنهُ الحارثُ بنُ شريدٍ إلَّا أنهُ أعلَّهُ الدارقطنيُّ
(4)
بالإرسالِ فلمْ يذكرْ فيهِ أبا هريرةَ، وقالَ: إنهُ
(1)
في "سننه"(3383).
(2)
في "المستدرك"(2/ 52) وصحَّحه، ووافقه الذهبي.
أخرجه الدارقطني (3/ 35 رقم 139)، والبيهقي (6/ 78، 79) وقد ضعَّفه الألباني في "الإرواء"(5/ 288 رقم 1468).
(3)
انظر ذلك وما بعد في: "التلخيص الحبير"(3/ 49 رقم 1254).
(4)
قال في "سننه" بعد رواية الحديث: قال لوين (وهو محمد بن سليمان): لم يسنده إلا أبو =
الصَّوابُ، ومعناهُ أن اللَّهَ معَهما أي في الحفظِ والرعايةِ والإمدادِ بمعونتِهما في مالِهما، وإنزالِ البركةِ في تجاريهما؛ فإذا حصلتِ الخيانةُ نُزعتِ البركةُ منْ مالِهما، وفيهِ حثٌّ على التَّشَارُكِ معَ عدمِ الخيانةِ وتحذيرٌ منهُ معَها.
الشركة ثابتة قبل الإسلام
2/ 831 - وَعَنْ السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ رضي الله عنه أنَّهُ كَانَ شَرِيكَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْبِعْثَةِ، فَجَاءَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ:"مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
، وَأَبُو دَاوُدَ
(2)
، وابْنُ مَاجَهْ
(3)
. [صحيح]
(وعنِ السائبِ المخزوميِّ رضي الله عنه أنهُ كانَ شريكَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَبلَ البعثةِ، فجاءَ يومَ الفتحِ فقالَ: مرحَبًا بأخي وشريكي. رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، وابنُ ماجهْ).
قال ابنُ عبدِ البرِّ: السَّائبُ
(4)
بنُ أبي السائبِ منَ المؤلفةِ قلوبهُم، وممنْ حَسُنَ إسلامُه، وكانَ منَ المعمَّرينَ، عاشَ إلى زمنِ معاوية، وكانَ شريكَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أولِ الإسلام في التجارةِ، فلمَّا كانَ يومَ الفتحِ قالَ:"مرحبًا بأخي وشريكي، كانَ لا يماري، ولا يداري". وصحَّحَهُ الحاكمُ. ولابنِ ماجهْ: كنتَ شريكي في الجاهليةِ: والحديثُ دليلٌ على أن الشّركةَ كانتْ ثابتةً قبلَ الإسلامِ، ثمَّ قرَّرَها الشارعُ على ما كانتْ [عليه]
(5)
.
3/ 832 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: اشْتَرَكْتُ أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ فِيمَا نُصِيبُ يَوْمَ بَدْرٍ. الْحَدِيثَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
(6)
. [ضعيف]
= همام وحده اهـ، وأبو همام هو الأهوازي محمد بن الزبرقان، قال عنه الحافظ في "التقريب" (2/ 161): صدوق ربما وهم. اهـ.
(1)
في "المسند"(3/ 425).
(2)
في "السنن"(5/ 170 رقم 4836).
(3)
في "السنن"(2/ 768 رقم 2287).
قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 61) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه"(2/ 29 رقم 1853).
(4)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(2/ 315 رقم 1911).
(5)
زيادة من (أ).
(6)
في "سننه"(4697). =
(وعنْ عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: اشتركت أنا وعمارٌ وسعدٌ فيما نصيبُ يومَ بدرٍ، الحديث). تمامُه: فجاءَ سعدٌ بأسيرينِ ولم أجئ أنا وعمارٌ بشيء (رواه النسائيُّ). فيهِ دليل على صحَّةِ الشِّركةِ في المكاسبِ، وتسمَّى شركةَ الأبدانِ، وحقيقتُها أنْ يوكِلَ كل صاحبَه أنْ يتقبَّلَ ويعملَ عنهُ في قدْر معلوم، ويعينانِ الصنعةَ. وقدْ ذهبَ إلى صحَّتِها الهادويةُ
(1)
، وأبو حنيفةَ
(2)
، وذهبَ الشافعي
(3)
إلى عدمِ صِحَّتِها لبنائِها على الغَرَرِ، إذْ لا يقطعانِ بحصوله الربحِ لتجويزِ تَعَذُّرِ العملِ، وبقولِه قالَ أبو ثَوْرٍ
(4)
وابْنُ حَزْمٍ. وقال ابنُ حَزْمٍ: لا تجوزُ الشركةُ بالأبدانِ في شيء منَ الأشياءِ أَصْلًا فإنْ وقعتْ فهيَ باطلةٌ لا تلزمُ، ولكلّ واحدٍ منْهما ما كسبَ، فإنْ اقتسماهُ وجبَ أنْ يُقْضَى لهُ ما أخذهُ وإلا بدَّلَه لأنَّها شرطٌ ليسَ في كتابِ اللَّهِ فهوَ باطلٌ. وأما حديثُ ابن مسعودٍ فهوَ منْ روايةِ ولدِه أبي عبيدةَ بن عبدِ اللَّهِ، وهوُ خبرٌ مُنْقَطِعٌ لأنَّ أبا عبيدةَ لم يذكرْ عنْ أبيهِ شيئًا، فقدْ رويناهُ منْ طريقِ وكيعٍ، عنْ شعبةَ، عنْ عمرِو بن مُرَّةَ قالَ: قلتُ لأبي عبيدةَ: أتذكرُ منْ عبدِ اللَّهِ شيئًا؟ قالَ: لا ولوّ صحَّ لكانَ حجةً على مَنْ قالَ بِصحَّةِ هذهِ الشركةِ، لأنَّهم أولُ قائلٍ مَعَنَا ومعَ سائرِ المسلمينَ: إنَّ هذه شركةٌ لا تجوزُ، وإنهُ لا ينفردُ أحدٌ منْ أهلِ العسكرِ بما يصيبُ دونَ جميعِ أهلِ العسْكرِ إلَّا السلبَ للقاتلِ على الخلافِ، فإنْ فعلَ فهوَ غلولٌ منْ كبائرِ الذنوبِ، ولأنَّ هذهِ الشركةَ لو صحَّ حديثُها فقدْ أبطلَها اللَّهُ عز وجل وأنزلَ:{قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}
(5)
الآية؛ فأبطلها اللَّهُ تعالى وقسَّمها هوَ بينَ المجاهدينَ، ثمَّ إنَّ الحنفيةَ
(6)
لا يجيزونَ الشركةَ في الاصطيادِ، ولا يجيزُها المالكيون
(7)
في العملِ في [مكانين]
(8)
، فهذهِ الشركةُ في الحديثِ لا تجوزُ عندَهم
(9)
اهـ.
= قلت: وأخرجه أبو داود (3388)، وابن ماجه (2288)، والبيهقي (6/ 79)، وإسناده ضعيف للانقطاع بين أبي عبيدة وأبيه عبد الله بن مسعود، فإنه لم يسمع منه، وقد سكت عليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 49)، وضعَّفه المحدث الألباني في "الإرواء"(5/ 295 رقم 1474).
(1)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 94).
(2)
انظر: "المبسوط"(11/ 151)،
(3)
انظر: "روضة الطالبين"(4/ 279).
(4)
انظر: "المحلَّى"(8/ 122: 124).
(5)
سورة الأنفال: الآية 1.
(6)
انظر: "المبسوط"(11/ 217، 218).
(7)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 12) بتحقيقنا.
(8)
في (ب): "المكانين".
(9)
آخر كلام ابن حزم في "المحلّى".
هذا وقدْ قَسَّمَ الفقهاءُ الشركةَ إلى أربعةِ
(1)
أقسام، وأطالُوا فيها وفي فروعهِا في كتبِ الفروعِ فلا نطيلُ بها. قال ابنُ بطالٍ
(2)
: أجمعُوا على أن الشركةَ الصحيحةَ أنْ يُخْرِجَ كلُّ واحدٍ [مثل ما]
(3)
أخرجَ صاحبُه، ثمَّ يخلطَ ذلكَ حتَّى لا يتميزُ، ثمَّ يتصرَّفَا جميعًا إلا أن يقيمَ كل منهما الآخرَ مقامَ نفسِه، وهذِه تسمَّى شركةَ العنانِ، وتصحُّ إنْ أخرجَ أحدُهما أقلَّ منَ الآخرِ منَ المالِ، ويكونُ الربحُ والخسرانُ على قدرِ مالِ كلِّ [واحدٍ]
(4)
منْهما، وكذلكَ إذا اشتَرَيا سلعة بينَهما على السواءِ، أو ابتاعَ أحدُهما أكثرَ منَ الآخرِ منْهما فالحكمُ في ذلكَ أنْ يأخذَ كل منَ الربحِ والخسرانِ بمقدارِ ما أَعْطَى منَ الثمنَ، وبرهانُ ذلكَ أنهما إذا خَلَطَا المالينِ فقدْ صارتْ تلكَ الجملةُ [مشتركة]
(5)
بينَهما، فما ابتاعا بها فمشاع بينَهما، وإذا كانَ كذلكَ فثمنُه وربحُه وخسرانُه مشاعٌ بينَهما، [وكذلك]
(6)
السلعةُ التي اشتريَاها فإنَّها بدلٌ منَ الثمنِ.
4/ 833 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إذَا أَتَيتَ وَكِيلِي بِخَيبَرَ، فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
وَصَحَّحَهُ. [ضعيف]
(وعنْ جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه قالَ: أردتُ الخروجَ إلي خيبرَ، فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: إذا أتيتَ وكيلي بخيبرَ فخذْ منهُ خمسةَ عشرَ وَسْقًا. رواهُ أبو داودَ وصحَّحهُ). تمامُ الحديثِ: فإنِ ابتغَى منكَ آيةً فضعْ يدكَ على تُرْقُوَتِهِ. وفي الحديثِ دليل على شرعيةِ الوكالةِ. والإجماعُ
(8)
على ذلكَ، وتعلُّق الأحكامُ بالوكيلِ.
(1)
وهي: شركة العنان، وشركة الأبدان، وشركة المفاوضة، وشركة الوجوه.
(2)
انظر: "فتح الباري"(5/ 134).
(3)
في (ب): "مثلما".
(4)
زيادة من (ب).
(5)
في (ب): "مشاعة".
(6)
في (ب): "ومثلُه".
(7)
في "سننه"(3632).
وأخرجه الدارقطني (4/ 154 رقم 1)، وهو حديث ضعيف، وقد ضعَّفه الألباني في ضعيف أبي داود (ص 360 رقم 784)، إلا أن الحافظ قد حسَّن إسناده في "التلخيص"(3/ 51 رقم 1259).
(8)
انظر: "إجماع ابن المنذر"(159).
وتمامُ الحديثِ فيهِ دليلٌ على العملِ بالقرينةِ في مالِ الغيرِ، وأنهُ يُصدَّقُ بها الرسولُ لقبضِ العينِ. وقدْ ذهبَ إلى تصديقِ الرسولِ في القبضِ جماعةٌ منَ العلماءِ، وقيَّدهُ المهدي في الغيثِ
(1)
: معَ غلبةِ ظن صِدْقِهِ. وعندَ الهادويةِ
(2)
أنهُ لا يجوزُ تصديقُ الرسولِ لأنهُ مالُ الغيرِ فلا يصحُّ التصديقُ فيهِ. وقيلَ عنْهم إلا أنْ يحصلَ الظنُّ بصدقِ الرسولِ جازَ الدفعُ إليهِ.
5/ 834 - وَعَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقيِّ رَضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مَعَهُ بِدِينَارٍ يَشْتَرِي لَهُ أُضْحِيَّةً - الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ في أَثْنَاءِ حَدِيثٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
(3)
. [صحيح]
(وعنْ عروةَ البارقيِّ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعثَ معهُ بدينارٍ يشتري لهُ أضحية. الحديث رواهُ البخاريُّ في أثناءِ حديثٍ، وقدْ تقدَّمَ). أي في كتاب البيعِ، وتقدَّمَ الكلامُ
(4)
على ما فيهِ منَ الأحكامِ.
توكيل الإمام للعامل في قبض الصدقة
6/ 835 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، الْحَدِيثَ. مُتَّفَق عَلَيْهِ
(5)
. [صحيح]
(وعنْ أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قالَ: بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمرَ على الصدقةِ، الحديثَ. متفقٌ عليهِ). تمامُه: "فقيلَ منعَ ابنُ جميلٍ، وخالدُ بنُ الوليدِ، والعباسُ عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ما ينقمُ ابنُ جميلٍ إلَّا أنهُ كانَ فقيرًا فأغناهُ اللَّهُ، وأما خالدُ فإنكمُ تظلمونَ خالدًا، قد احتبسَ أدراعَه وأضْمادَه في سبيلِ اللَّهِ، وأما العباسُ فهيَ عليَّ ومثلُها مَعَها". والظاهرُ أنهُ بعثَ عمرَ لقبضِ الزكاةِ، وابنُ جميلِ من الأنصارِ كانَ منافقًا ثمَّ تابَ بعدَ ذلكَ.
(1)
"الغيث المدرار".
(2)
لم أعثر عليه الآن عندهم.
(3)
برقم (39/ 774) من كتابنا هذا.
(4)
أثناء شرح الحديث رقم (39/ 774).
(5)
البخاري (1468)، ومسلم (11/ 983).
قلت: وأخرجه أبو داود (1623)، والنسائي (2464).
قالَ المصنِّفُ
(1)
: وابنُ جميل لم أقفْ على اسمِه. وقولُه: "ما ينقِم" بكسرِ القافِ، ما ينكرُ "إلَّا أنهُ كانَ فقيرًا فأغناهُ اللَّهُ"، وهوَ منْ بابِ تأكيدِ المدحِ بما يشبهُ الذمَّ، لأنهُ إذا لم يكنْ له عذرٌ إلا ما ذكرَ فلا عُذْرَ لهُ، وفيهِ التعريضُ بكفرانِ النعمة، والتقريعُ بسوءِ الصنيعِ. وقولُه: أعْتَادَهُ، جمعُ عَتَدٍ بفتحتينِ، وهوَ ما يُعِدُّهُ الرجلُ منَ السلاحِ والدوابِّ، وقيلَ: الخيلُ خاصة. وحملَ البخاريُّ معناهُ على أنهُ جَعَلَهَا زكاةَ مالهِ وصرفَها في سبيل اللَّهِ، وهوَ بناءٌ على أنهُ يجوزُ إخراجُ القيمةِ عن الزكاةِ. وقولُه:(فهي عليَّ ومثلُها معَها) يفيدُ أنهُ صلى الله عليه وسلم تحمَّلَها عن العباسِ تَبَرُّعًا، وفيهِ صحةُ تبرعِ الغيرِ بالزكاةِ، ونظيرُه حديثُ
(2)
أبي قتادةَ في تبرعهِ بتَحَمُّلِ الدَّينِ عن الميتِ وهذا أقربُ الاحتمالاتِ. وقدْ رُوِيَ بألفاظٍ أُخَرَ تحتملُ احتمالاتٍ كثيرة بسطَها المصنفُ في الفتحِ
(3)
، [ونقلهُ]
(4)
الشارحُ.
وأما حديثُ
(5)
أنهُ صلى الله عليه وسلم كانَ [تقدَّم]
(6)
منهُ زكاةَ عامينِ فقدْ رُوِيَ منْ طرقٍ لم يَسْلَمْ شيءٌ منها منْ مقالٍ.
وفي الحديثِ دليلٌ على توكيلِ الإمام للعاملِ في قبض الزكاةِ، ولأجْلِ هذا ذكرهُ المصنفُ هنَا، وفيهِ أن بَعْثَ العمالِ لقبضِ الزكاةِ سُنَّةٌ نبويةٌ، وفيهِ أنهُ يذكِّرُ الغافلَ بما أنعمَ اللَّهُ عليهِ بإغنائِهِ بعدَ أنْ كانَ فقيرًا ليقومَ بحقِّ اللَّهِ. وفيه جوازُ ذِكْرِ مَنْ مَنَعَ الواجبَ في غيبتِه بما ينقصُه. وفيهِ تحملُ الإمامِ عنْ بعضِ المسلمينَ، والاعتذارُ عن البعضِ وحسنُ التأويلِ.
(1)
في "فتح الباري"(3/ 333).
(2)
انظر تخريج الحديث رقم (2/ 827) من كتابنا هذا.
(3)
(3/ 333، 334).
(4)
في (أ): "وتبعهُ".
(5)
أخرج البيهقي (4/ 111) من حديث علي رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنا كنا احتجنا فأسلفنا العباس صدقة عامين". وأصله أخرجه أبو داود (1624)، والترمذي (678)، وابن ماجه (1795)، وأحمد (1/ 140)، والحاكم (3/ 332)، وصحَّحَهُ، ووافقه الذهبي، وقد حسّنه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1/ 299 رقم 1452)، وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 334): وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق، والله أعلم. اهـ. وانظر الحديث رقم (10/ 573) من كتابنا هذا.
(6)
في (ب): "قد تقدم".
صحَّة التوكيل في نحر الهدي
7/ 836 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ وَأَمَرَ عَلِيًا رضي الله عنه أنْ يَذْبَحَ الْبَاقِيَ، الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
[صحيح]
(وعنْ جابرٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ ثلاثًا وستينَ، وأَمَرَ عليًا رضي الله عنه أنْ يذبحَ الباقي، الحديثَ. رواهُ مسلمٌ). تقدَّمَ الكلامُ عليهِ في كتابِ الحجِّ، وفيه دلالةٌ على صحةِ التوكيلِ في نحرِ الهدْي، وهوَ إجماعٌ
(2)
إذا كانَ الذابحُ مُسْلِمًا، فإنْ كانَ كافِرًا كتابيًا صحَّ عندَ الشافعيِّ
(3)
بشرطِ أنْ ينويَ صاحبُ الهدْيَ عندَ دَفْعِهِ إليْهِ، أوْ عندَ ذَبْحِهِ.
صحَّة التوكيل في إقامة الحدود
8/ 837 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ في قِصَّةِ الْعَسِيفِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَاغْدُ بَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإنِ اعْتَرَفتْ فَارْجُمْهَا" الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
. [صحيح]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه في قصةِ العسيفِ) بعينٍ وسينِ مهملتينِ، فمثناةٍ تحتيةٍ، ففاءٍ، الأجيرِ وَزْنًا ومعنًى، (قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أُعدُ يا اُنَيْسُ على امرأةِ هذَا فإنِ اعترفتْ فارجُمْها، الحديث. متفقٌ عليهِ)، وسيأتي في الحدودِ
(5)
مُسْتَوْفَى. وذُكِرَ هنا بناءً على أن المأمورَ وكيلٌ عن الإمامِ في إقامةِ الحدِّ، وبوَّبَ البخاريُّ
(6)
(بابُ الوكالةِ في الحدودِ)، وأوردَ هذا الحديثَ وغيرَه، وقالَ المصنفُ في "الفتحِ"
(7)
: والإمامُ لمَّا لم يتولَّ إقامةَ الحدِّ بنفسهِ [وولَّى]
(8)
غيرَه كانَ ذلكَ بمنزلةِ توكيلِه للغيرِ.
(1)
في صحيحه (147/ 1218) وهو قطعة من وصف جابر رضي الله عنه لحجة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم في الحج برقم (1/ 695)، (3/ 697) من كتابنا هذا.
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(10/ 18): وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها للقادر. اهـ.
(3)
انظر: "روضة الطالبين"(3/ 200).
(4)
انظر تخريجه رقم (1/ 1130) من كتابنا هذا.
(5)
يعني برقم (1/ 1130) كما قدَّمنا.
(6)
في "صحيحه"(4/ 491 باب رقم 13).
(7)
(4/ 492).
(8)
في (ب): "وولَّاه".
[الباب العاشر] باب الإقرار
الإقرارُ [هو]
(1)
لغةً: الإثباتُ، وفي الشرعِ: إخبارُ الإنسانِ بما عليهِ، وهوَ ضدُّ الجحودِ.
الدعوة لقول الحق
1/ 838 - عنْ أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "قُلِ الحَقَّ وَلَوْ كَانَ مُرًّا"، صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(2)
مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ. [صحيح]
(عَنْ أبي ذرٍّ رضي الله عنه قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قلِ الحقَّ ولوْ كانَ مرًّا. صحَّحه ابنُ حبانَ منْ حديثٍ طويلٍ) سَاقهُ الحافظُ المنذريُّ في "الترغيب والترهيبِ"
(3)
، وفيهِ وصايا نبويَّةٌ. ولفظُه: قالَ: "أوصانِي خَلِيلي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أنظُرَ إلى مَنْ هُوَ أسفلَ مني، ولا أنظرَ إلى مَنْ هُوَ فوقي، وأنْ أحبَّ المساكينَ، وأنْ أدنوَ منْهم، وأنْ أصلَ رحمي وإن قطعوني وجَفَوْني، وأنْ أقولَ الحق ولوْ كانَ مُرًّا، وأن لا أخَافَ في اللهِ لومةَ لائمٍ، وأنْ لا أسألَ أحدًا شيئًا، وأن [أستكثرَ]
(4)
منْ لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، فإنَّها [كنز]
(5)
منْ كنوزِ الجنةِ".
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في "صحيحه"(2/ 194 رقم 449 "الإحسان"، وأخرجه أحمد (5/ 159)، والبيهقي (10/ 91)، والطبراني في "الكبير"(2/ 156 رقم 1648، 1649)، وفي "الصغير"(2/ 48 رقم 758)، وقال الهيثمي في "المجمع" (3/ 93): رجاله ثقات.
وصحَّحه الشيخ شعيب في "الإحسان".
(3)
(3/ 188 رقم 24)، (3/ 530 رقم 27).
(4)
في (أ): "أكثر".
(5)
زيادة من (أ).
وقولُه: قلِ الحقَّ، [يشملُ]
(1)
قولَه على نَفْسِهِ وعلى غَيْرِهِ، وهوَ مشتقٌ منْ قولِه تعالَى:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}
(2)
، ومنْ قولِه تعالَى:{وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}
(3)
.
وباعتبار شمولِه ذكرهُ المصنفُ رحمه الله هنا تَبْعًا للرافعيِّ
(4)
، فإنهُ ذَكَرَهُ في بابِ الإقرارِ، وفيهِ دلالةٌ على اعتبارِ إقرارِ الإنسانِ على نفسِه في جميعِ الأمورِ، وهوَ أمرٌ عامٌ لجميعِ الأحكامِ، لأنَّ قولَ الحقّ على النفسِ هوَ الإخبارُ بما عليْها مما يلزمها التخلُّصُ منهُ بمالِ أو بَدَنٍ أو عَرَضٍ.
وقولُه: "ولوْ كان مُرًّا" منْ باب التشبيهِ لأنَّ الحقَّ قدْ يصعُبُ إجراؤُه على النفسِ، كما يصعبُ عليها إساغةُ المرَّ لمرارتِه.
ويأتي في بابِ الحدودِ
(5)
والقِصَاصِ أحاديثُ في الإقرار.
* * *
(1)
في (أ): "شمل".
(2)
سورة النساء: الآية 135.
(3)
سورة النساء: الآية 171.
(4)
في "فتح العزيز شرح الوجيز" له (11/ 89 بهامش المجموع)، ولكنه ذكره بلفظ:"قولوا الحق ولو على أنفسكم"، وانظر:"التلخيص الحبير"(3/ 52 رقم 1265).
(5)
من الحديث رقم (1/ 1130)، إلى رقم (5/ 1179) من كتابنا هذا.
[الباب الحادي عشر] باب العارية
العاريةُ بتشديدِ المثناءِ التحتيةِ وتخفيفها، ويقالُ: عارةٌ، وهي مأخوذةٌ منْ عارَ الفرسَ إذا ذهبَ، لأنَّ العاريةَ تذهبُ منْ يدِ المعيرِ أوْ [العار]
(1)
، لأنهُ لا يستعيرُ أحدٌ إلَّا وبهِ عارٌ من حاجة. وهي في الشرع عبارةٌ عنْ إباحةِ المنافعِ منْ دونِ مُلْكِ العينِ.
1/ 839 - عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَى الْيَدِ مَما أخَذَتْ حَتَّى تُؤدِّيَهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
، وَالأرْبَعَةُ
(3)
، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
(4)
. [ضعيف]
(عنْ سمرةَ بن جندبٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: على اليدِ ما أخذتْ حتى تُؤَدِّيَهُ. رواهُ أحمدُ، والأربعةُ، وصحَّحهُ الحاكمُ) بناءً منهُ على سماعِ الحسنِ منْ سمُرةَ، لأنَّ الحديثَ منْ روايةِ الحسنِ عنْ سمُرةَ.
وللْحفَّاظِ في سماعِه منهُ ثلاثةُ مذاهبَ
(5)
:
(1)
في (ب): "المعار".
(2)
في "المسند"(5/ 8، 12، 13).
(3)
أبو داود (3561)، والترمذي (1266)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في "الكبرى"(3/ 411 رقم 3/ 5783)، وابن ماجه (2400).
(4)
في "المستدرك"(2/ 47)، وقال: صحيح الإسناد على شرط البخاري. وتعقبه الألباني في "الإرواء"(5/ 349) قائلًا: "هو صحيح وعلى شرط البخاري لو أن الحسن صرَّح بالتحديث عن سمرة، فقد أخرج البخاري عنه به حديث العقيقة، أما وهو لم يصرح به، بل عنعنه وهو مذكور في المدلسين فليس الحديث إذن بصحيح الإسناد، وقد جرت عادة المحدثين إعلال هذا الإسناد بقولهم: والحسن مختلف في سماعه من سمُرة، وبهذا أعلَّه الحافظ في "التلخيص" (3/ 53) "اهـ.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف.
(5)
انظر: "تهذيب التهذيب"(2/ 234).
الأولُ: أنهُ سمعَ منهُ مُطْلقًا، وهوَ مذهبُ علي بن المديني، والبخاريِّ، والترمذيِّ.
والثاني: لا مُطْلقًا، وهو مذهبُ يحيى
(1)
بن سعيدٍ القطانِ، ويحيى بن معينٍ، وابنِ حبانَ.
والثالثُ: [أنه]
(2)
لم يسمعْ منهُ إلا حديثَ العقيقة، وهوَ مذهبُ النسائيِّ، واختارَهُ ابنُ عساكرَ، وادَّعَى عبدُ الحقِّ أنهُ الصحيحُ.
والحديثُ دليلٌ على وجوبِ ردِّ ما قبضَهُ المرءُ وهوَ مُلْكٌ لغيرِه، ولا يبرأُ إلا بمصيرِه إلى مالكِه أوْ مَنْ يقومُ مقامَهُ، لقولِه حتَّى تُؤَدِّيَهُ، ولا تتحققُ التأديةُ إلَّا بذلكَ. وهوَ عامٌ في الغصبِ، والوديعةِ، والعاريةِ. وذَكَرَهُ في بابِ العاريةِ لشمولِه لها، وربَّما يفهمُ منهُ أنَّها مضمونةٌ على المستعيرِ. وفي ذلكَ ثلاثةُ أقوالٍ:
الأولُ: أنها مضمونةٌ مطلقًا، وإليهِ ذهبَ
(3)
ابنُ عباسٍ، وزيدُ بنُ عليٍّ، وعطاءُ، وأحمدُ
(4)
، وإسحاقُ، والشافعيُّ
(5)
، لهذا الحديثَ، ولما يأتي مما يفيدُ معناهُ.
والثاني: للهادي
(6)
وآخرينَ معهُ أن العاريةَ لا يجبُ ضمانُها إلا إذا شرطَ مستدلينَ بحديثِ صفوانَ، ويأتي الكلامُ
(7)
عليهِ.
والثالثُ: للحسنِ وأبي حنيفةَ
(8)
وآخرينَ، أنها لا تضمنُ وإن ضمنتْ، لقولِه صلى الله عليه وسلم: "ليس على المستعيرِ غيرِ المُغلِّ، ولا على المستودعِ غيرِ المُغلِّ
(1)
قال الحافظ في "التهذيب": وقال يحيى القطان وآخرون هي كتاب (يعني نسخة الحسن عن سمرة) وذلك لا يقتضي الانقطاع. بل ساق سندًا من مسند أحمد في النهي عن المثلة ثم قال عقبه: وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة. وقال الذهبي في "السير"(4/ 567)، وقال يحيى القطان: أحاديثه عن سمُرة سمعنا أنها كتاب (وقال مرة: سمعنا أنها من كتاب معن القزاز)، قلت:(القائل الذهبي) قد صحَّ سماعه في حديث العقيقة وفي حديث النهي عن المثلة من سمُرة.
(2)
زيادة من (أ).
(3)
انظر: "المحلَّى"(9/ 170).
(4)
انظر: "مسائل الإمام أحمد"(ص 308 رقم 1145)، رواية عبد اللهِ ابنه.
(5)
انظر: "روضة الطالبين"(4/ 431).
(6)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 127).
(7)
برقم (4/ 842) من كتابنا هذا.
(8)
انظر: "المبسوط"(11/ 134).
ضمانٌ" أخرجه الدارقطنيُّ
(1)
، والبيهقيُّ
(2)
عن ابن عمرٍو
(3)
، وضعَّفَاهُ، وصحَّحَا وقْفَهُ علَى شُرَيْحٍ. وقولُه: المُغلُّ بضمِّ الميمِ فغينٍ معجمةٌ، قالَ في "النهاية"
(4)
: أي إذا لم يَخُنْ في العاريةِ والوديعةِ فلا ضمانَ عليهِ منَ الإغلالِ، وهوَ الخيانةُ. وقيلَ: المغلُّ المستغلُّ، وأرادَ بهِ القابضَ لأنهُ بالقبضِ يكونُ مستغلًا، والأولُ أَوْلَى، انتهى.
وحينئذ فلا تقومُ به حجةٌ، على أنهُ لا تقومُ بهِ الحجةُ ولوْ صحَّ رفَعُهُ لأنَّ المرادَ ليسَ عليهِ ذلك منْ حيثُ هو مستعيرٌ لأنهُ لوِ التزمَ الضمانَ لَلَزِمَهُ.
وحديثُ الباب كثيرًا ما يستدلونَ منهُ بقولِه: "على اليدِ ما أخذتْ حتَّى تؤدِّيه" على التضمين، ولا دلالة فيه صريحة، فإنَّ اليدَ الأمينةَ أيضًا عليها ما أخذت حتى تؤدي، ولذلكَ قلْنا: وربَّما يُفْهَمُ، ولم يبقَ دليلٌ على تضمينَ العاريةِ إلَّا قولَه صلى الله عليه وسلم:"عاريةٌ مضمونةٌ" في حديثِ
(5)
صفوانَ، فإنَّ وصْفَها بمضمونةٍ يحتملُ أنَّها صفةٌ موضحةٌ، وأنَّ المرادَ من شأْنِها الضمانُ فيدلُّ على ضمانِها مطلقًا، ويحتملُ أنها صفةٌ للتقييدِ وهوَ الأظهرُ لأنها تأسيسٌ، ولأنَّها كثيرةٌ، ثمَّ ظاهرهُ أن المرادَ عاريةٌ قدْ ضَمِنَّاها لكَ، وحينئذٍ يحتملُ أنهُ يلزمُ، ويحتملُ أنهُ غيرُ لازمٍ بلْ [هو]
(6)
كالوعدِ وهوَ بعيدٌ، فيتمُّ الدليلُ بالحديثِ للقائلِ إنها تضمنُ - وهو الأظهرُ - بالتضمينِ، إما بطلبِ صاحِبها لهُ أو بتبرُّعِ المستعيرِ.
من ظفر بحقه أخذه من ظالمه
2/ 840 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
(1)
في "سننه"(3/ 41 رقم 168).
(2)
في "السنن الكبرى"(6/ 91) من طريق الدارقطني الذي يقول: عمرو وعبيدة ضعيفان، وإنما يروي عن شريح القاضي غير مرفوع. وحديث شريح موقوف عليه أخرجه الدارقطني (3/ 41 رقم 170)، والبيهقي (6/ 91) وقال: هذا هو المحفوظ. وأخرجه ابن حزم (9/ 170).
(3)
في المخطوط والمطبوع: "ابن عمر"، والصواب "ابن عمرو" كما أثبتناه، فإنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والجد هو عبد اللهِ بن عمرو بن العاص كما تقدم.
(4)
لابن الأثير (3/ 381).
(5)
يأتي برقم (4/ 482) من كتابنا هذا.
(6)
زيادة من (أ).
"أدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ"، رَوَاهُ التِّرْمِذيُّ
(1)
، وأَبُو دَاوُدَ
(2)
، وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
(3)
، واسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِي
(4)
، وَأَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ
(5)
مِنَ الحُفَّاظِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَارِيَّةِ. [صحيح]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ رضي الله عنه: أدِّ الأمانةَ إلى مَنْ ائْتمنكَ، ولا تخنْ مَنْ خانكَ. رواهُ أبو داودَ، والترمذيُّ، وحسَّنَهُ وصحَّحَهُ الحاكمُ، واستَنْكَرَهُ أبو حاتمٍ الرازي، وأخرجَهُ جماعةٌ منَ الحفاظِ وهوَ شاملٌ للعاريةِ)، والوديعةِ، ونحوِهما، وأنهُ يجبُ أداءُ الأمانةِ كما أفادَهُ قولُه تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}
(6)
. وقولُه: "ولا تخنْ مَنْ خانكَ" دليلٌ على أنهُ لا يُجَازَى بالإساءةِ مَنْ أساءَ. وحملَهُ الجمهورُ على أنهُ مُسْتَحَبٌّ لدلالةِ قولِه تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
(7)
، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
(8)
على الجوازِ وهذِه هيَ المعروفةُ بمسألةِ الظفرِ وفيها أقوالٌ للعلماءِ. هذا القولُ الأولُ وهوَ الأشهرُ منْ أقوالِ الشافعيِّ
(9)
، وسواءٌ كانَ منْ جنسِ ما أُخِذَ عليه أو منْ غيره جِنْسِهِ.
والثاني: يجوزُ إذا كانَ منْ جنسِ ما أُخِذَ عليهِ لا منْ غيرِه، لظاهرِ قولِه تعالى:{بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} . وقولِه: {مِثْلُهَا} وهو رأيُ الحنفيةِ
(10)
، والمؤيَّد
(11)
.
(1)
في "سننه"(1264) وقال: حديث حسن غريب.
(2)
في "سننه"(3535).
(3)
في "المستدرك"(2/ 46).
(4)
انظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 375 رقم 1114).
وقال ابن الجوزي في "العلل"(2/ 593): وهذا الحديث من جميع طرقه لا يصح.
وقال الألباني في "الصحيحة"(1/ 709) تعقيبًا على كلام ابن الجوزي: "وهذا من مبالغاته، فالحديث من الطريق الأولى - أي حديث الباب - حسن، وهذه الشواهد والطرق ترقيه إلى درجة الصحة لاختلاف مخارجها ولخلوِّها من متهم، واللهُ أعلم" اهـ.
(5)
انظر: "الروضة الندية"(2/ 309: 311) بتحقيقنا.
(6)
سورة النساء: الآية 58.
(7)
سورة الشورى: الآية 40.
(8)
سورة النحل: الآية 126.
(9)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (5/ 186 بحاشية مختصر سنن أبي داود).
(10)
انظر: "المبسوط"(11/ 128).
(11)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 175).
والثالث: لا يجوزُ ذلكَ إلا بحكم [الحاكم]
(1)
لظاهرِ النَّهْي في الحديثِ، ولقولِه تعالَى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}
(2)
. وأُجِيبَ بأنه ليسَ أكلًا بالباطلِ. والحديثُ يُحْمَلُ فيهِ النَّهْيُ على التنزيه.
الرابعُ: لابنِ حزمٍ أنهُ يجبُ عليهِ أنْ يأخذَ بقدْرِ حقِّه سواءٌ كانَ منْ نوع ما هوَ لهُ أوْ من غيرِه، ويبيعُه ويستوفي حقَّه، فإن فَضَلَ على ما هوَ له ردَّهُ لهُ أو لورثتِه، وإن نقصَ بقيَ في ذمةِ مَنْ عليهِ الحقُّ، فإنْ لم يفعلْ ذلك فهو عاصٍ للهِ [تعالى]
(3)
، إلَّا أنْ يُحْلِلَهُ ويبرئَه فهوَ مأجورٌ، فإنْ كانَ الحقُّ الذي لهُ لا بينةَ له عليهِ وظَفَرَ بشيءٍ منْ مالِ مَنْ عندَهُ لهُ الحقُّ أَخَذَهُ، فإنْ طُولِبَ أنْكَرَ، فإن استُحلفَ حلفَ وهوَ مأجور في ذلكَ. قالَ: وهذَا هوَ قولُ الشافعيِّ
(4)
، وأبي سليمانَ
(5)
، وأصحابهما، وكذلكَ عندنَا كلُّ مَنْ ظَفَرَ لظالمٍ بمالٍ ففَرضَ عليهِ أخذَه وإنصافَ المظلومِ منْهُ، واستدلَّ بالآيتينِ وبقولِه تعالى:{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)}
(6)
، وبقولِه تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}
(7)
، وبقولِه تعالَى:{وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}
(8)
، وبقولِه تعالَى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (8)، وبقولِه صلى الله عليه وسلم
(9)
لهندٍ امرأةِ أبي سفيانَ: "خُذِي ما يكفيكِ وولدَكِ بالمعروفِ" لما ذكرتْ لهُ أن أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ، وأنهُ لا [يعطيني]
(10)
ما يكفيني وَبَنيَّ، فهلْ عليَّ منْ جُناحٍ أنْ آخُذَ منْ مالِه شيئًا؟ ولحديثِ البخاريِّ
(11)
:
(1)
زيادة من (ب).
(2)
سورة البقرة: الآية 188.
(3)
زيادة من (أ).
(4)
سبق في القول الأول مذهب الشافعي في المشهور عنه.
(5)
انظر: "معالم السنن" له (5/ 185، 186).
(6)
سورة الشورى: الآية 41.
(7)
سورة الشورى: الآية 39.
(8)
سورة البقرة: الآية 194.
(9)
انظر تخريجه برقم (1/ 1069) من كتابنا هذا، وهو متفق عليه.
(10)
في (أ): "يعطي".
(11)
في صحيحه (6137).
قلت: وأخرجه مسلم (1727)، وأبو داود (3752)، والترمذي (1589)، وابن ماجه (3676)، وأحمد (4/ 149)، والبيهقي (9/ 197)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعًا.
"إنْ نزلتُم بقومٍ فأمَرُوا لكمْ بما ينبغي للضيفِ فاقبلُوا، فإن لم يفعلُوا فخذُوا منْهم حقَّ الضيفِ". واستدلَّ بكونه إذا لم يفعلْ عاصيًا بقولِه تعالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
(1)
.
قالَ: فمنْ ظفرَ بمثلِ ما ظُلِمَ فيهِ هوَ، أوْ مسلمٌ، أو ذِمِّيٌ فلم يزلْه عنْ يدِ الظالمِ، ويرَدُّ إلى المظلومِ حقَّه فهوَ أحدُ الظالِمينَ، ولم يعِنْ على البرِّ والتقْوى بلْ أعانَ على الإثم والعدوانِ، وكذلكَ أمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(2)
منْ رأى مُنْكَرًا أنْ يغيِّرَهُ بيدِه إنِ استطاعَ فمنْ قَدَرَ على قطعِ الظلمِ وكفِّهِ وإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه فلم يفعلْ فقدْ قَدَرَ على إنكارِ المنكرِ ولم يفعلْ، فقدْ عَصَى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثمَّ ذكرَ حديثَ أبي هريرةَ فقالَ: هو من روايةِ طَلْقِ
(3)
بن غنَّامٍ، عنْ شريكٍ
(4)
، وقيسِ
(5)
بن الربيعِ، وكلُّهم ضعيفٌ، قالَ: ولئنْ صَحَّ فلا حجةَ فيهِ، لأنهُ ليسَ انتصافُ المرءِ منْ حقِّهِ خيانةً بلْ هوَ حقٌّ واجبٌ، وإنكارُ مُنْكَرٍ. وإنَّما الخيانةُ أنْ تخون بالظلمِ الباطل مَنْ لا حقَّ لك عِنْدَهُ.
قلتُ: ويؤيدُ ما ذهبَ إليه حديث
(6)
: "انصر أخاكَ ظالمًا أو مظْلومًا"، فإنَّ الأمرَ ظاهرٌ في الإيجاب، ونصرُ الظالمِ بإخراجِه عن الظلمِ، وذلكَ بأخذِ ما في يدِه مما هو في يده لغيرِه ظلمًا.
(1)
سورة المائدة: الآية 2.
(2)
أخرجه مسلم (49)، وأبو داود (1140)، والترمذي (2172)، والنسائي (8/ 111، 112 رقم 5008، 5009)، وابن ماجه (4013)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:"من رأى منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
(3)
قال الحافظ في "التقريب": (1/ 380 رقم 50): ثقة.
(4)
قال الحافظ (1/ 351): صدوق يخطئ كثيرًا، تغيَّر حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان فاضلًا عابدًا شديدًا على أهل البدع.
(5)
قال الحافظ (2/ 128): صدوق تغيَّر لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدَّث به.
قلت: ومثل حديث هذان يقبل في المتابعات وقد توبعا، انظر:"السلسلة الصحيحة"(1/ 708، 709 رقم 423)، وتقدَّم تخريج الحديث في أول الباب.
(6)
أخرجه البخاري (2443)، وطرفاه (2444، 6952)، والترمذي (2255)، وأحمد (3/ 99، 201) من حديث أنس رضي الله عنه، وفي الباب من حديث جابر وابن عمر رضي الله عنهما.
ضمانَ العارية
3/ 841 - وعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَتَتْكَ رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلَاِثينَ دِرْعًا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعَارِيةٌ مَضْمُونَةٌ، أوْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ:"بَلْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
، وَأَبُو دَاوُدَ
(2)
، وَالنَّسَائِيُّ
(3)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(4)
. [حسن]
ترجمة يعلى بن أمية
(وعنْ يَعْلَى بِنْ أميةَ)
(5)
ويقالُ مُنَيَّةُ بضمِّ الميم وفتحِ النونِ، وتشديدِ التحتيةِ، صحابيٌّ مشهورٌ. (قال: قالَ لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إذا أتتْكَ رُسُلي فأعطِهمْ ثلاثين دِرعًا، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أعاريةٌ مضمونةٌ أو عاريةٌ مؤداةٌ؟ قالَ: بلْ عاريةٌ مؤدَّاةٌ. رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنسائيُّ، وصحَّحَهُ ابنُ حبانَ). المضمونةُ التي تضمنُ إنْ تلفتْ بالقيمةِ، والمؤداةُ التي تجبُ تأديتُها معَ بقاءِ عَيْنِها فانْ تلفتْ لم تُضْمَنْ بالقيمةِ. والحديثُ دليلٌ لمنْ ذهبَ إلى أنَّها لَا تُضْمَنُ العاريةُ إلا بالتضمينِ. [وقد]
(6)
تقدَّمَ أنهُ أوضحُ الأقوالِ.
4/ 842 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْهُ دُرُوعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: أغَصْبٌ يَا مُحَمدُ؟ قَالَ: "بَلْ عَارِيةٌ مَضْمُونَةٌ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
، وأَحْمَدُ
(8)
، وَالنَّسَائِيُّ
(9)
، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
(10)
[حسن]
(1)
في "المسند"(4/ 222).
(2)
في "سننه"(3566).
(3)
في "سننه الكبرى"(3/ 409 رقم 5776/ 1).
(4)
في "صحيحه"(ص 285 رقم 1173 - الموارد).
قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 93 رقم 159) وهو حديث حسن، انظر:"الصحيحة" للألباني (رقم 630).
(5)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(5/ 456)، و"التاريخ الكبير"(8/ 414)، و"الجرح والتعديل"(9/ 301)، و"أسد الغابة"(5/ 523)، و"سير أعلام النبلاء"(3/ 100 رقم 20).
(6)
زيادة من (أ)
(7)
في "سننه"(3562).
(8)
في "مسنده"(3/ 401)، (6/ 465).
(9)
في "سننه الكبرى"(9/ 403، 410 رقم 5778/ 3) من مرسلات عطاء.
(10)
في "المستدرك"(2/ 47). =
- وَأَخْرَجَ
(1)
لَهُ شَاهِدًا ضَعِيفًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.
ترجمة صفوان بن أمية
(وعنْ صفوانَ
(2)
بن أمية) قرشيٌّ من أشرافِ قريشٍ، هربَ يومَ الفتحِ فاستؤمن لهُ فعادَ
(3)
، وحضرَ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا، والطائفَ كافرًا، ثمَّ أسْلَمَ وحَسُنَ إسلامُه، (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم استعارَ منهُ دروعًا يومَ حنينٍ فقالَ: أغصْبٌ يا محمدُ؟ [فقال]
(4)
بلْ عاريةٌ مضمونةٌ. رواة أبو داودَ، وأحمدُ، والنسائيُّ، وصحَّحَهُ الحاكمُ. وأخرجَ لهُ شاهدًا ضعيفًا عن ابن عباسِ) ولفظُه
(5)
: "بلْ عاريةٌ مؤدَّاةٌ". وفي عددِ الدروعِ رواياتٌ فلأبي داودَ
(6)
: وكانتْ ما بينَ الثلاثينَ إلى الأربعينَ، وللبيهقيِّ
(7)
= قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 39 رقم 161)، والبيهقي (6/ 89)، وللحديث شاهدان يرتقي بهما للحسن:
الأول: من حديث جابر، أخرجه الحاكم (3/ 48، 49)، وعنه البيهقي (6/ 89).
الثاني: ما ذكره المصنف وهو الآتي.
(1)
في "المستدرك"(2/ 47) وصحَّحه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البيهقي (6/ 88)، والدارقطني (3/ 38 رقم 157).
قلت: وفي سنده: إسحاق بن عبد الواحد القرشي متروك الحديث، وقال الذهبي في "الميزان" (1/ 194 رقم 773):"واهٍ".
وهو حديث حسن بشواهده، والله أعلم. انظر:"الصحيحة" للألباني (2/ 208 رقم 631).
(2)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد"(5/ 449)، و"التاريخ الكبير"(4/ 304)، و"الجرح والتعديل"(4/ 421)، و"الإصابة"(5/ 145)، و"شذرات الذهب"(1/ 52)، و"سير أعلام النبلاء"(2/ 562 رقم 119).
(3)
في المخطوط: "معاذ"، والتصويب من المطبوع، وفي "السير" (2/ 565) نقلًا عن مغازي ابن عقبة:"فر صفوان عامدًا للبحر وأقبل عمير بن وهب بن خلف إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فسأله أمانًا لصفوان، وقال: قد هرب وأخشى أن يهلك وإنك قد أمَّنت الأحمر والأسود. قال: أدرك ابن عمك فهر آمن" اهـ.
(4)
في (ب): "قال".
(5)
في "المستدرك"(2/ 47).
(6)
في "سننه"(3/ 823 رقم 3563).
(7)
في "سننه الكبرى"(6/ 89، 90) وقال: وإن كان مرسلًا فإنه يقوى بشواهده مع ما تقدم من الموصول، والله أعلم.
في حديثٍ مُرْسَلٍ كانتْ ثمانينَ، وللحاكمِ
(1)
منْ حديثِ جابرٍ كانتْ مائةَ درعٍ وما يُصْلِحُها، وزادَ
(2)
أحمدُ والنسائيُّ في روايةِ ابن عباسٍ فَضَاعَ بعضُها فعرضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يضْمَنَهَا لهُ فقالَ: أنا اليومَ يا رسولَ اللهِ أرغبُ في الإسلام.
وقولُه: مضمونةٌ، تقدَّمَ
(3)
الكلامُ عليْها، وأنَّ أصْلَ الوصفِ التقييدُ، وأنهُ الأكثرُ، فهوَ دليل على ضمانِها بالتضمينِ كما أسلفْنا، لا أنهُ يَحْتَمِلُ ويكونُ مجملًا كما قيلَ، قالَهُ الشارحُ.
* * *
(1)
في "المستدرك"(3/ 48، 49)، وهو أيضًا عند البيهقي (6/ 89).
(2)
هذه الزيادة في "المسند"(3/ 401)، (6/ 465)، ولكن من رواية صفوان بن أمية لا كما أشار الشارح أنها من رواية ابن عباس، وكذلك هي في "السنن الكبرى" للنسائي (3/ 409، 410 رقم 5778/ 3)، وهي أيضًا ليست من رواية ابن عباس ولكنها من مرسلات عطاء، والله أعلم.
(3)
أثناء شرح الحديث السابق.
[الباب الثاني عشر] باب الغصب
هو صدر غصَبَهُ يغصِبُهُ: أخذه ظلمًا، كاغتصبت، كما في القاموس.
غصب الأرض وعقوبته
1/ 843 - عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
(عنْ سعيدِ بن زيدٍ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ اقتطعَ شِبْرًا منَ الأرضِ) أي: مَنْ أخذهُ وهوَ أحدُ ألفاظِ الصحيحينِ (ظُلْمًا، طوَّقَهُ اللهُ إياهُ يومَ القيامةِ منْ سبْعِ أرضينَ. متفقٌ عليهِ). اختُلِفَ
(2)
في معنَى التطويقِ؛ فقيلَ معناهُ: أنه يُعاقَبُ بالخسْفِ إلى سبعِ أرضينَ فتكونُ كلُّ أرضٍ في تلكَ الحالةِ طَوْقًا في عنقِه، ويؤيدُه أن في حديثِ
(3)
ابن عُمَرَ خُسِفُ بهِ يومَ القيامةِ إلى سبع أرضينَ. وقيلَ: يكلفُ نقلَ ما ظلمَهُ منْها يومَ القيامةِ إلى المحشرِ، [وتكون]
(4)
كالطوقِ في عُنُقِهِ لا أنهُ طَوْقٌ حقيقةً، ويؤيدُه حديثُ:"أيُّما رجلٍ ظلمَ شبرًا منَ الأرضِ كلَّفهُ اللهُ أن يحفرَه حتَّى يبلغَ آخرَ سبْعِ أرضينَ ثمَّ يطوقهُ حتَّى يُقْضَى بينَ الناسِ" أخرجهُ الطبرانيُّ
(5)
،
(1)
البخاري (2452)، وطرفه في (3198)، ومسلم (1610)، وأخرجه الحاكم (4/ 295، 296)، والبيهقي (6/ 98).
(2)
انظر: "فتح الباري"(5/ 104).
(3)
أخرجه البخاري (5/ 103 رقم 2454)، وطرفه في (3196).
(4)
في (ب): "ويكون".
(5)
في "المعجم الكبير"(22/ 270 رقم 692).
وابنُ حبانَ
(1)
من حديثِ يعلى بن مرةَ مرفُوعًا.
ولأحمدَ
(2)
، والطبرانيِّ
(3)
: "مَنْ أخَذَ أرْضًا بغيرِ حقِّها كُلِّفَ أنْ يحملَ ترابَها إلى المحشرَ"، وفيهِ قولانِ آخرانِ. والحديثُ دليلٌ على تحريم الظلمِ والغصْبِ، وشدةِ عقوبتهِ، وإمكانِ غَصْبِ الأرضِ، وأنهُ منَ الكبائرِ، وَأنَّ مَنْ مَلَكَ أرْضًا مَلَكَ أسْفَلَها إلى تخوم الأرضِ، ولهُ منعُ مَنْ أرادَ أن يحفرَ تحتَها
(4)
سِرْبًا أو بِئْرًا، وأنهُ مَنْ ملكَ ظاهرَ الأرضِ ملكَ باطِنَها بما فيهِ منْ حجارةٍ، أو أبنيةٍ، أوْ معادنَ، وأنَّ لهُ أنْ ينزلَ بالحفرِ ما شاءَ ما لم يضرَّ مَنْ يجاورُه، وأنَّ الأرضينَ السَّبعَ متراكمةٌ لم يفتقْ بعضُها منْ بعضٍ، لأنَّها لو فُتِقَتْ لاكْتُفِيَ في حقِّ هذا الغاصبِ بتطويقِ التي غصبَهَا لانفصَالِها عما تحتَها، وفيهِ دلالةٌ على أن الأرضَ تصيرُ مغصوبةً بالاستيلاءِ عليها. وهلْ تُضْمَنُ إذا تلفتْ بعدَ الغصْبِ، فيهِ خلافٌ، فقيلَ لا تضمنُ لأنهُ إنما يضمنُ ما أخذَ لقولِه
(5)
صلى الله عليه وسلم: "على اليدِ ما أخذتْ حتّى تُؤَدِّيَهُ" قَالُوا: ولا يقاسُ ثبوتُ اليدِ على النقلِ في المنقُولِ لاختلافِهما في التصرُّفِ. وذهبَ الجمهورُ
(6)
إلى أنها تضمنُ بالغصْبِ قياسًا على المنقولِ المتّفقِ على أنَّهُ يضْمنُ بعدَ النَّقلِ بجامعِ الاستيلاءِ الحَاصلِ في نقلِ المنْقُولِ، وفي ثبوتِ اليدِ على غير المنقولِ، بل الحقُّ أن ثبوتَ اليدِ استيلاءٌ وإن لم ينقلْ. يقالُ: استولَى الملكُ على البلدِ، واستولَى زيدٌ على أرضِ عمرٍو. وقولُه: شبرًا، وكذَا ما فوقَهُ بالأَوْلَى، وما دونَه داخلٌ في التحريمِ، وإنَّما لم يذكرْ لأنهُ قدْ لا يقعُ إلا نادرًا. وقدْ وقعَ في بعضِ ألفاظِه عندَ البخاريِّ
(7)
شيئًا عوضًا عن شبرٍ فعمَّ. إلَّا أن
(1)
في "صحيحه"(11/ 567، 568 رقم 5164).
وأخرجه أحمد (4/ 173)، وصحَّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(1/ 429 رقم 240).
(2)
في "المسند"(4/ 172، 173).
(3)
في "المعجم الكبير"(22/ 269، 270 رقم 690، 691)، وهو نفس الحديث السابق.
(4)
في المخطوط "سرابًا"، والصواب ما أثبتناه وهو في المطبوع، وانظر:"القاموس المحيط"(ص 123).
(5)
تقدم تخريجه برقم (1/ 839) من كتابنا هذا.
(6)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 137، 138) بتحقيقنا.
(7)
في صحيحه (2452) من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه. وكذا في "صحيحه"(2454) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
الفقهاءَ يقولونَ: إنهُ لا بُدَّ أنْ يكونَ المغصوبُ لهُ قيمةٌ، وألزموا أنهُ حينئذٍ يأكلُ الرجلُ صاعَ تمرٍ أو زبيبٍ علَى واحدةٍ واحدةٍ فلا يضمنُ، فيأكلُ عمرَهُ منَ المالِ الحرامِ ولا يضمنُ وإنْ أثِمَ، كأكلِه منَ الخبزِ واللحمِ على لقمةٍ لقمةٍ منْ غيرِ استيلاءٍ على الجميعِ.
من أتلف شيئًا ضمنه
2/ 844 - وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ لَهَا بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتِ الْقَصْعَةَ، فَضَمَّهَا وَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ وَقَالَ:"كُلُوا"، وَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ لِلرَّسُول، وَحَبَسَ المَكْسُورَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(1)
، وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
، وَسَمَّى الضَّارِبَةَ عَائِشَةَ، وَزَادَ: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "طَعَامٌ بِطَعَامٍ، وَإنَاءٌ بإنَاء"، وَصَحَّحَهُ. [صحيح]
(وعنْ أنسٍ رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ عندَ بعضِ نسائِه فأرسلتْ إحدَى أمهاتِ المؤمنينَ) سمَّاها ابنُ حزمٍ
(3)
زينبَ بنتَ جحشٍ (معَ خادِمٍ لها) قالَ: المصنفُ رحمه الله: لم أقفْ على اسمِ الخادمِ (بقصعةٍ فيها طعامٌ، فضربتْ بيدِها فَكَسَرَتْ القصعةَ، فضمَّها، وجعلَ فيها الطعامَ وقالَ: كُلوا، ودفعَ القصعة الصحيحةَ للرسولِ، وحَبَسَ المكسورةَ. رواهُ البخاريُّ، والترمذيُّ، وسمَّى الضاربةَ عائشةَ. وزادَ: فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: طعامٌ بطعامٍ، وَإِنَاءٌ بإناءٍ، وصحَّحَهُ). واتفقتْ مثلُ هذِهِ القصةِ منْ عائشَةَ في صحفةِ أمِّ سلمةَ فيما أخرجَهُ النّسائيُّ
(4)
عنْ أمِّ سلمةَ: "أنَّها أتتْ بطعامٍ في صحفةِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، فجاءتْ عائشةُ متزرةً بكساءٍ، ومعَها فِهرٌ
(5)
،
(1)
في "صحيحه"(2481) وطرفه في (5225).
(2)
في سننه (1359).
قلت: وأخرجه أبو داود (3567)، والنسائي (3955) وابن ماجه (2334)، وأحمد (3/ 105).
(3)
في "المحلَّى"(8/ 141).
(4)
في "سننه"(3956)، وصحَّحه الألباني في "الإرواء"(5/ 360).
(5)
قال في "القاموس"(ص 589): الفِهر: بالكسر، الحجر قدر ما يدق به الجوز أو ما يملأ الكف. اهـ.
ففلقتْ بهِ الصَّحْفَةَ - الحديثَ. وقدْ وقعَ مثلُها لحفصةَ
(1)
، وأنَّ عائشة كسرتِ الإناءَ". ووقعَ مثلُها لصفيةَ
(2)
معَ عائشةَ.
والحديثُ دليلٌ على أن منِ استهلكَ على غيرِه شيئًا كانَ مضمونًا بمثلِه، وهوَ متفقٌ عليهِ في المِثْلِيِّ منَ الحبوبِ وغيرِها. وأما القيميِّ ففيهِ ثلاثةُ أقوالٍ. الأولُ للشافعيِّ
(3)
والكوفيينَ: أنهُ يجبُ فيهِ المثلُ حيوانًا كانَ أو غيرَهُ، ولا تجزئُ القيمةُ إلَّا عندَ عدمِه. والثاني للهادويةِ
(4)
: أن القيميَّ يُضْمَنَ بقيمتِه. وقالَ مالكٌ
(5)
والحنفيةُ
(6)
: أما ما يُكالُ أو يُوزَنُ فمثلُه وما عدَا ذلكَ منَ العُروضِ والحيواناتِ فالقيمةُ. واستدلَّ الشافعيُّ ومَنْ معَهُ بقولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إناءٌ بإناءٍ وطعامٌ بطعامٍ"، وبما وقعَ في روايةِ ابن أبي حاتمٍ
(7)
: "منْ كسرَ شيئًا فهوَ له عليهِ مثلُه". زادَ في روايةِ الدارقطنيِّ
(8)
: فصارتْ قضيةً، أي مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أي حُكمًا عامًا لكلِّ مَنْ وقعَ لهُ مثلُ ذلكَ، فاندفعَ قولُ مَنْ قالَ إنَّها قضيةُ عينٍ لا عمومَ فيها، ولو كانتْ كذلكَ لكانَ قولُه صلى الله عليه وسلم:"إناءٌ بإناءٍ وطعامٌ بطعامٍ" كافيًا في الدَّلِيلِ على أن ذكرَه للطَّعام أوضح في التشريعِ العامِّ، لأنهُ لا غرامة هنا للطعامِ بلِ الغرامةُ
(1)
أخرجه الدارقطني (4/ 153 رقم 14)، من حديث عمران بن خالد الخزاعي عن ثابت عن أنس رضي الله عنه. وفيه:"قال عمران أكبر ظني أنه قال حفصة"، قال أبو زرعة فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 466 رقم 1400): هذا خطأ - (أي رواية عمران عن ثابت) - رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي المتوكل عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح.
(2)
أخرجه أبو داود (3568)، والنسائي (3957)، وأحمد (6/ 148، 277)، وحسَّنه الحافظ في "الفتح"(5/ 125).
(3)
انظر: "روضة الطالبين"(4/ 255).
(4)
قال في "البحر الزخار"(5/ 75): وفاسده (أي فاسد الضمان) أي يضمن بغير ما قد وجب كبقيمي قد تلف، ومعنى كبقيمي: الكاف للتشبيه، القيمي: أي ذو قيمة مادية أو ثمن معلوم. وانظر (4/ 174).
(5)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 138) بتحقيقنا.
(6)
ما نقله الشارح يوافق ما ذكر ابن حزم في "المحلَّى"(8/ 140)، أما ابن رشد فقال في "البداية" (4/ 138):"واختلفوا في العروض فقال مالك: لا يقضي في العروض من الحيوان وغيره إلا بالقيمة يوم استهلك، وقال الشافعي وأبو حنيفة وداود: الواجب في ذلك مثل ولا تلزم القيمة إلَّا عند عدم المثل" اهـ.
(7)
ذكره في "العلل"(1/ 466 رقم 1400).
(8)
في "سننه"(4/ 153 رقم 14)، وتقدم آنفًا.
للإناءِ. وأما الطعامُ فهوَ هديةٌ لهُ صلى الله عليه وسلم، فإنْ عدمَ المثلُ فالمضمونُ لهُ مخيَّرٌ بينَ أنْ يمهلَهُ حتَّى يجدَ المِثْلَ، وبينَ أنْ يأخذَ القيمةَ. واستدلَّ في البحرِ
(1)
وغيرِه لمنْ قالَ بوجوبِ القيمةِ بأنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى
(2)
على مَنْ أعتقَ شِرْكًا لهُ في عبدٍ أنْ يقوَّمَ عليهِ باقيهِ لشَريكِهِ. قالوا: فقضَى صلى الله عليه وسلم بالقيمةِ، وأجيبَ بأنَّ المعتِقَ نصيبَه منْ عبدٍ بينَه وبين آخرِ لم يستهلك شيئًا، ولا غصبَ شيئًا، ولا تعدَّى أصلًا بلْ أعتقَ حِصَّتَهُ التي أباحَ اللهُ لهُ عِتْقَها، ثمَّ إنَّ المستهلكَ بزعمِ المستدلِّ هُنَا هوَ الشِّقْصُ منَ العبدِ، ومناظرةُ شقصٍ لشقصٍ [بعيد]
(3)
، فيكونُ النقدُ أقربَ وأبعدَ منَ الشجارِ، على أن التقويمَ لغةً يشملُ التقديرَ بالمثلِ أو بالقيمةِ، وإنما خُصَّ اصطلاحًا بالقيمةِ. وكلامُ الشارعِ يفسَّرُ باللغةِ لا بالاصْطلاحِ الحادثِ، واستدلَّ بإمسَاكِهِ صلى الله عليه وسلم أكسارَ القصعةِ في بيتِ التي كَسَرتْ للهادويةِ
(4)
والحنفيةِ
(5)
القائلينَ بأنَّ العينَ المغصوبةَ إذا زالَ بفعلِ الغاصبِ اسمُها ومعظمُ نَفْعِهَا تصيرُ مُلْكًا للغاصبِ، قالَ ابنُ حزمٍ
(6)
: إنهُ ليسَ في تعليمِ الظَلَمةِ أكلَ أموالِ الناسِ بالباطل أكثرُ من هذا، فيقالُ لكلِّ فاسقٍ إذا أردت أخْذَ قمح يتيمٍ أو غَيرِه، أوْ أكْلَ غنمه، واستحلالَ ثيابِه فاغصبها وقطعها ثيابًا على رغمِه، واذْبحْ غَنَمهُ واطبخْهَا، وخذِ الحنطةَ واطحنْها، وَكُلْ ذلكَ حلالًا طيبًا، وليسَ عليكَ إلا قيمةُ ما أخذْتَ، وهذا خلافُ القرآنِ في نَهْيِهِ تعالى
(7)
أنْ تُوكَلَ أموالُ الناسِ بالباطلِ، وخلافُ المتواترِ عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(8)
: "إنَّ أموالكُمْ عليكمْ حرامٌ"، واحتجَّ المخالفُ بقضيةِ القصْعةِ، وقدْ تقدَّمَ الكلامُ فيها. واحتجُّوا
(9)
بخيرِ الشاةِ المعروفِ، وهوَ أن امرأةً دَعَتْهُ صلى الله عليه وسلم إلى طعامٍ فأخبرتْه أنَّها أرادتِ ابتياعَ شاةٍ فلم تَجدْها، فأرسلتْ إلى جارةٍ لها أن
(1)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 174، 175).
(2)
انظر تخريجه برقم (5/ 1341) من كتابنا هذا وهو متفق عليه.
(3)
في (ب): "تبعد".
(4)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 181).
(5)
انظر: "المبسوط"(11/ 87).
(6)
انظر: "المحلَّى"(8/ 142).
(7)
قال اللهُ تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} الآية، البقرة:188.
(8)
يأتي تخريجه برقم (5/ 847) من كتابنا هذا.
(9)
أخرجه أبو داود (3332)، وأحمد (5/ 293)، والبيهقي (6/ 97)، وقد صحَّحه الألباني (2/ 641 رقم 2850).
ابعثي لي الشاةَ التي لِزَوْجِكِ فَبَعَثَتْ بهَا إليْهَا، فأمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالشاةِ أنْ تُطعَمَ الأُسارى. قالوا: فهذا يدلُّ على أن حقَّ صاحبِ الشاةِ قدْ سقطَ عنْها إذا شُوِيَتْ، وأجيبَ بأنَّ الخبرَ لا يصحُّ فإنْ صحَّ فهوَ حجةٌ عليهم لأنهُ خلافُ قولهم؛ إذْ فيهِ أنهُ صلى الله عليه وسلم لم يُبْقِ ذلكَ اللحمَ في مُلْكِ التي أخذتها بغيرِ إذنِ مالكِها، وهمْ يقولونَ إنهُ للغاصبِ، وقدْ تصدَّقَ بها صلى الله عليه وسلم بغيرِ إذْنِها، وخبرُ شاةِ الأُسارى قدْ بحثْنا فيهِ في منحةِ الغفارِ
(1)
.
من غصب أرضًا فزرعها فله ما غرم
3/ 845 - وَعَنْ رَافعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ زَرَعَ في أَرْضِ قَوْمِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
، والأَرْبَعَةُ
(3)
إلَّا النَّسَائِيَّ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. ويُقَالُ إنَّ البُخَارِيَّ
(4)
ضَعَّفَهُ. [صحيح بشواهده]
(وعنْ رافعِ بن خَديجٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: منْ زرعَ في أرضِ قومٍ بغيرِ إذْنِهِمْ، فليسَ لهُ من الزرعِ شيءٌ، ولهُ نَفَقَتُهُ. رواهُ أحمدُ، والأربعةُ إلَّا النسائيَّ، وحسَّنَهُ الترمذيُّ. ويقالُ إنَّ البخاريَّ ضعَّفَه). وهذا القولُ عن البخاريِّ ذَكَرَهُ الخطابيُّ
(5)
، وخالفَهُ الترمذيُّ فَنَقَلَ عن البخاريِّ تحسينُه، إلَّا أنهُ قالَ أبو زرعَةَ
(1)
حاشية للشارح على ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار (3/ 1747، 1748).
(2)
في "مسنده"(3/ 465)، (4/ 141).
(3)
أبو داود (3403)، والترمذي (1366)، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه (2466).
(4)
قال الترمذي (3/ 648): "وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن" اهـ.
قلت: وأخرجه البيهقي (6/ 136) وابن أبي شيبة (7/ 89) والطيالسي (1/ 278 رقم 1401 - منحة المعبود)، والطحاوي (4/ 117، 118) وذكره الديلمي في "الفردوس"(3/ 478 رقم 5481)، وأبو عبيد في "الأموال" (رقم: 708)، وقد صحَّحه الألباني في "الإرواء"(5/ 350 رقم 1519) بشواهده.
(5)
في "معالم السنن"(5/ 64).
وغيرُه
(1)
: لمْ يسمعِ ابنُ أبي رباحٍ منْ رافعٍ بن خُدَيجٍ. وقد اختلفَ فيهِ الحفَّاظُ اختلافًا كثيرًا، ولهُ شواهدُ تقويهِ، وهوَ دليلٌ على أن غاصِبَ الأرضِ إذا زَرَع الأرضَ لا يملكُ الزرعَ، وأنهُ لمالكِها، ولهُ ما غَرِمَ على الزرعِ منَ النفقةِ والبذْرِ. وهذا مذهبُ أحمدَ بن حنبلٍ
(2)
، وإسحاقَ، ومالكٍ
(3)
، وهوَ قولُ أكثرِ علماءِ المدينةِ، والقاسمِ بن إبراهيم، وإليهِ ذهبَ أبو محمد
(4)
ابنُ حزم، ويدلُّ لهُ حديثُ:"ليسَ لِعِرْقِ ظالمٍ حقٌّ" سيأتي
(5)
؛ إذِ المرادُ بهِ مَنْ غرسَ، أَو زَرَعَ، أو بَنَى، أوْ حَفَرَ في أرْضِ غيرِهِ بغيرِ حقٍّ ولا شُبهةٍ، وذهبَ الأكثر من الأمةِ إلى أنَّ الزرعَ لصاحب البذْرِ الغاصبِ، وعليهِ أجرةُ الأرضِ، واستدلُّوا بحديثِ
(6)
: "الزرعُ للزارعِ [ولو]
(7)
كانَ غاصِبًا" إلَّا أنهُ لم يُخرجْهُ أحدٌ، قالَ في المنارِ: وقدْ بحثتُ عنهُ فلمْ أجدْهُ، والشارحُ نقلَه وبيضَ لمخرجِهِ، واستدلُّوا بحديثِ: "ليسَ لعرقِ ظالمٍ حقٌّ"، ويأتي (5). وهوَ لأهلِ القولِ الأولِ أظهرُ في الاستدلالِ.
يخيَّر الزارع الغاصب بين إخراج فرسه أو أخذه نفقته عليه
4/ 846 - وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: قالَ رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أَرْضٍ، غَرَسَ أَحَدُهُمَا فِيهَا نَخْلًا والأرضُ للآخَرِ، فَقَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالأرْضِ لِصَاحِبِهَا، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ وَقَالَ:"لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(8)
، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. [حسن]
(1)
قال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 476) عن الشافعي أنه قال: عطاء لم يدرك رافعًا ثم قال: قال أبي: بلى قد أدركه.
(2)
انظر: "المغني"(5/ 394، 395)، و"سنن الترمذي"(3/ 648).
(3)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 145: 148) بتحقيقنا.
(4)
انظر: "المحلَّى"(8/ 144).
(5)
وهو الحديث الآتي برقم (4/ 846) من كتابنا هذا.
(6)
قال الألباني في "الضعيفة"(1/ 124 رقم 88): باطل لا أصل له. ثم ذكر أنه مخالف لحديثين هما: حديث الباب (3/ 845) والذي يليه (4/ 846) من كتابنا هذا.
(7)
في (ب): "وإنْ".
(8)
في "سننه"(3074). =
- وآخِرُهُ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ
(1)
مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ سَعِيدِ بن زَيْدٍ، وَاخْتُلِفَ في وَصْلِهِ وإِرْسَالِهِ، وَفِي تَعْيِينِ صَحَابِيِّهِ. [صحيح]
(وعنْ عروةَ بن الزبيرِ رضي الله عنه قالَ: قالَ رجلٌ منْ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ رجلينِ اختَصما إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في أرضٍ غَرَسَ أحَدُهما فيها نخلًا، والأرضُ للآخَرِ، فقضَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالأرضِ لصاحبها، وأمرَ صاحبَ النخلِ أن يُخْرِجَ نَخْلَهُ، وقالَ: ليسَ لِعِرْقِ ظالمٍ) بالإضافةِ والتوصيفِ، وأنكرَ الخطابيُّ الإضافةَ (حقٌّ. رواهُ أبو داودَ، وإسنادُه حسنٌ، وآخرُهُ عندَ أصحابِ السننِ منْ روايةِ عروةَ عنْ سعيدِ بن زيدٍ، واختُلِفَ في وصْلِهِ وإرْسَالِهِ، وفي تعيينِ صحابيِّهِ)، فرواهُ أبو داود
(2)
منْ طريقٍ عن عروةَ مرسلًا، ومنْ طريقٍ أخرَى متصلًا
(3)
منْ روايةِ محمدِ بن إسحاقَ، [و]
(4)
قالَ: فقالَ رجلٌ منْ أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وأكثرُ ظَنِّي أنهُ أبو سعيدٍ. وفي البابِ عن عائشةَ أخرجَهُ أبو داودَ الطيالسيُّ
(5)
، وعنْ سمرةَ عندَ أبي داودَ
(6)
، والبيهقيِّ
(7)
،
= قلت: وأخرجه أبو عبيد في "الأموال"(رقم 707)، والدارقطني (3/ 35 رقم 144)، والبيهقي (6/ 142)، وقد حسَّنه الألباني في "إرواء الغليل"(5/ 355)، وله شواهد منها ما سيأتي.
(1)
أبو داود (3073) وعنه البييهقي (6/ 142)، والترمذي (1378)، وقال:"هذا حديث حسن غريب، وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا".
قلت: وأخرجه مالك (2/ 743 رقم 26)، عن هشام به مرسلًا، وكذلك أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(704)، والبيهقي (6/ 142)، من طرق أخرى عن هشام به.
ويشهد له ما تقدم وما سيأتي في الباب، وقد صحَّحه الألباني في "الإرواء"(5/ 354).
(2)
في "سننه"(3074).
(3)
في "سننه" أيضًا (3/ 455 رقم 3075).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
في مسنده (ص 203 رقم 1440).
قلت: وعنه البيهقي (6/ 142)، والدارقطني (4/ 217 رقم 50)، عنها قالت: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "العباد عباد اللهِ، والبلاد بلاد اللهِ، فمن أحيا من موات الأرض شيئًا فهو له وليس لعرق ظالم حق". وفي سنده زمعة وهو ابن صالح: ضعيف، وأخرج له مسلم مقرونًا بغيره، وقال ابن أبي حاتمٍ (1/ 474) عن أبيه:"هذا حديث منكر"، وتعقبه الألباني في "الإرواء" (5/ 354) قائلًا:"لكن له شاهد من حديث فضالة بن عبيد مرفوعًا دون الجملة الأخيرة، قال الهيثمي (4/ 157): "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح".
(6)
في "سننه"(3/ 456 رقم 3077).
(7)
في "السنن الكبرى"(6/ 142). =
وعنْ عبادةَ وعبدِ اللهِ
(1)
بن عمرٍو عندَ الطبرانيِّ. واختلفُوا في تفسيرِ عِرْقِ ظالمٍ، فقيلَ: هوَ أنْ يغرسَ الرجلُ في أرضِ غيره فيستحقُّها بذلكَ. وقالَ مالكٌ
(2)
: كلُّ
(3)
ما أُخِذ [واحتُفِرَ]
(4)
غُرِسَ بغيرِ حقٍّ، وقالَ ربيعةُ: العِرْقُ الظالمُ يكونُ ظاهرًا، ويكونُ باطنًا، فالباطنُ ما احتفرَ الرجلُ منَ الآبارِ، واستخرجَه منَ المعادِن، والظاهرُ ما بناهُ أو غرسَهُ، وقيلَ الظالمُ منْ غرس أو بنى أو زَرَعَ أو حَفَرَ في أرْضِ غيرِهِ بغيرِ حقٍّ ولا شُبْهَةٍ. وكلُّ ما ذُكِرَ منَ التفاسيرِ متقارِبٌ ودليلٌ على أن الزارعَ في أرضِ غيرِه ظالمٌ ولا حقَّ لهُ، بلْ يُخَيَّرُ بينَ إخراجِ ما غرسَهُ أو أخذ نفقتِه عليهِ جمْعًا بينَ الحديثينَ منْ غيرِ تفرقةٍ بينَ زرْعٍ وشجرٍ، والقولُ بأنهُ دليلٌ على أن الزَّرْع للغاصبِ حَمْلٌ لهُ على خلافِ ظاهرِه، وكيفَ يقولُ الشارعُ ليسَ لِعرْقِ ظالمٍ حقٌّ ويسمِّيهِ ظالمًا، وينفي عنهُ الحقَّ، ونقولُ بلِ الحقُّ لهُ.
5/ 847 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: في خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْر بمِنًى: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هذَا"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(5)
. [صحيح]
(وعنْ أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في خطبتِه يومَ النحرِ بمنَى: إنَّ دماءَكُمْ وأموالكم عليكمْ حرامٌ، كحرمةِ يومِكم هذا، في شهرِكم هذَا، في بلدِكم هذا. متفقٌ عليه). وما دلَّ عليهِ واضحٌ وإجماعٌ، ولو بدأ بهِ المصنفُ في أولِ بابِ الغصْبِ لكانَ أليقَ أساسًا، وأحسنَ افتتاحًا.
= قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى"(رقم 1015) دون الشطر الثاني منه، وكذا الطيالسي (ص 122 رقم 906)، وأحمد (5/ 12، 21) وعلَّته عنعنة الحسن البصري.
(1)
ذكره الهيثمي في "المجمع"(4/ 158)، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه أحمد وغيره. اهـ.
وذكره أيضًا (4/ 157) من حديث عمرو بن عوف مرفوعًا وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه كثير بن عبد اللهِ وهو ضعيف اهـ.
(2)
انظر: "الموطأ"(2/ 743).
(3)
في المخطوط: "كلما"، وما أثبتناه من المطبوع و"الموطأ".
(4)
في (ب): "حفر".
(5)
البخاري (67)، وأطرافه في (105، 1741، 3197، 4406، 4662، 5550، 7078، 7447) ومسلم (1679)، وأبو داود (1948)، وأحمد (5/ 37، 39، 40).
[الباب الثالث عشر] باب الشفعة
الشُّفعةُ بضمِّ الشينِ المعجمةِ وسكونِ الفاءِ. في اشتقاقِها ثلاثةُ أقوالِ: قيلَ منَ الشَّفع وهوَ الزوجُ، وقيلَ منَ الزيادةِ، وقيلَ منَ الإعانةِ. وهيَ شرْعًا:[انتقالُ]
(1)
حِصَّةٍ إلى حِصَّةٍ [بسبب شرعيٍّ كانت]
(2)
انتقلتْ إلى أجنبيٍّ بمثْلِ العوضِ المسمَّى، وقالَ أكثرُ الفقهاءً: إنَّها واردةٌ على خلافِ القياسِ، لأنَّها تُؤْخَذُ كَرْهًا، ولأنَّ الأذيةَ لا تُدْفَعُ عنْ واحدٍ بضررِ آخرَ. وقيلَ: خالفتْ هذا القياسَ ووافقتْ قياساتٍ أخرَ يدفعُ فيها ضررَ الغيرِ بضررٍ آخرَ، ويؤخذُ حقُّهُ كَرْهًا، كبيعِ الحاكمِ عن المتمرِّدِ والمفلسِ ونحوه.
الشفعة في المنقول
1/ 848 - عنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بالشُّفْعَةِ في كُلِّ مَا لَمْ يقْسَمْ. فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
، واللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. [صحيح]
- وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِم
(4)
: "الشُّفْعَةُ في كُلِّ شِرْكٍ: في أَرْضٍ، أوْ رَبْعٍ، أَوْ حَائِطٍ، لَا يَصْلُحُ - وَفِي لَفْظٍ
(5)
: لا يَحِلُّ - أنْ يَبيعَ حَتى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ". [صحيح]
(1)
في (ب): "ضم".
(2)
زيادة من (جـ).
(3)
البخاري (2257)، ومسلم (1608).
(4)
في "صحيحه"(3/ 1229 رقم 135).
(5)
في "صحيحه" أيضًا: (3/ 1229 رقم 134).
وَفي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ
(1)
: قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفعَةِ في كُلِّ شَيءٍ. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
[صحيح]
(عنْ جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه قالَ: قَضَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالشُّفْعَةِ في كلِّ ما لم يُقْسَمْ، فإذا وقعتِ الحدودُ وصُرِّفَتِ) بضمِّ الصادِ المهملةِ، وتشديدِ الراءِ ففاءٍ، معناهُ بُيِّنَتْ مصارفُ (الطرقِ) وشوارعِها (فلا شُفْعَةَ. متفقٌ عليهِ، واللفظُ للبخاريِّ. وفي روايةِ مسلمٍ) أي منْ حديثِ جابرٍ: (الشفعة في كلِّ شِرْكٍ) أي مشتركٍ (في أرضٍ أو رَبْعِ) بفتحِ الراءِ، وسكونِ الموحدةِ، الدارِ، ويطلقُ على الأرضِ (أو حائطٍ، لا يصلُحُ، وفي لفظٍ: لا يحلُّ أنْ يبيعَ) الخليطَ لدلالةِ السياقِ عليهِ (حتَّى يعرضَ على شَرِيكِهِ. وفي روايةِ الطحاويِّ) أي منْ حديثِ جابر ([فقضى]
(2)
النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالشّفْعَةِ في كلِّ شيءِ. ورجالُه ثِقَاتٌ). الألفاظُ في هذا الحديثِ قدْ تضافرتْ في الدلالةِ على ثبوتِ الشُّفْعَةِ للشريكِ في الدورِ، والعَقَارِ، والبساتينِ، وهذا مجمعٌ
(3)
عليهِ إذا كانَ مما يُقْسَمُ، وفيما لا يُقْسَمُ كالحمامِ الصغيرِ ونحوِه خلافٌ. وذهبَ الهادويةُ
(4)
- وفي البحرِ العترةُ (4) - إلى صحة الشُّفْعَةِ في كل شيءٍ، ومثلُه في البحرِ (4) عنْ أبي حنيفةَ وأصحابِه، ويدلُّ لهُ حديث الطحاويِّ. ومثلُه عن ابن عباسٍ عندَ الترمذي
(5)
مرفوعًا: "الشُّفعةُ في كلِّ شيءٍ"، وإنْ قيلَ إنَّ رفْعَهُ خطأُ
(1)
في "شرح معاني الآثار"(4/ 122)، وبلفظ آخر فيه (4/ 120).
قلت: وأخرجه أبو داود (3513، 3514)، والترمذي (1370)، والنسائي (4646)، وابن ماجه (2492، 2499)، وأحمد (3/ 296، 372)، والطيالسي (ص 235 رقم 1691)، والدارمي (2/ 273، 274)، وابن الجارود (642، 643)، والبيهقي (6/ 102، 104)، والطبراني في "الصغير"(1/ 37 رقم 25) من أوجه وبالفاظ متعددة.
(2)
في (ب): "قضي".
(3)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص 121 رقم 512).
(4)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 3).
(5)
في "سننه"(4/ 653 رقم 1371).
قلت: وأخرج الطحاوي في "شرح المعاني"(4/ 125)، وا لدارقطني (4/ 222 رقم 69)، والبيهقي (6/ 109)، كلهم من طريق أبي حمزة السكري عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس به قال الترمذي:"هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي حمزة السكري وقد روى غير واحد عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا وهذا أصح" اهـ. =
فقدْ ثبتَ إرسالُه عن ابن عباسٍ، وهوَ شاهدٌ لرفْعِه على أن مرسلَ الصحابيِّ إذا صحَّتْ إليهِ الروايةُ حجةٌ، وعنِ المنصورِ
(1)
أنهُ لا شفعةَ في المكيلِ والموزونِ، لأنهُ لا ضررَ فيهِ، [والجواب]
(2)
أن فيهِ ضَرَرًا هوَ إسقاط حقِّ الجوارِ، ولأنَّا لا نسلِّمُ أن العلةَ الضررُ، وذهبَ الأكثرُ إلى عدمِ ثبوتِها في المنقولِ مستدلينَ بقولِه:"فإذا وقعتِ الحدودُ، وصُرِفَتْ الطرقُ فلا شُفْعَةَ"، فإنه دال على أنَّها لا تكونُ إلا في العقارِ، وتلحقُ بهِ الدارُ، لقولِه في حديثِ مسلم
(3)
: "أوْ رَبْعٍ"، قالُوا: ولأنَّ الضرَّرَ في المنقولِ نادرٌ. وأجيبَ بأنَّ ذِكْرَ حُكْمِ بعضِ أفرادِ العامِّ لا يَقْصِرُه عليهِ، قالُوا: ولأنهُ أخرجَ البزارُ
(4)
منْ حديثِ جابرٍ، والبيهقيِّ
(5)
منْ حديثِ أبي هريرةَ بلفظِ الحصْرِ فيهمَا. الأولُ: "ولا شفعةَ إلا في رَبْعٍ أو حائطٍ"، ولفظُ الثاني:"لا شفعةَ إلا في دارٍ أو عَقَارٍ"، إلَّا أنهُ قالَ البيهقيُّ بعدَ سياقِهِ لَهُ: الإسنادُ ضعيفٌ.
وأجيبَ بأنَّها لو ثبتتْ لكانتْ مفاهيمَ، ولا يقاومُ منطوقَ "في كلِّ شيءٍ"، ومنْهم مَنِ اسْتَثْنَى مِن المنقولِ الثيابَ فقالُوا: تصحُّ فيها الشفعةُ، ومنْهم من استثْنَى الحيوانَ [فقالُوا]
(6)
: تصحُّ فيهِ الشفعةُ. وفي حديثِ مسلم دليل على أنهُ لا يحلُّ للشريكِ بيعُ حِصَّتِهِ حتَّى يعرضَ على شريكِهِ، وأنهُ محرَّمٌ عليهِ البيعُ قبلَ [عرْضِه]
(7)
، ومَنْ حملَهُ على الكراهةِ فهوَ حملٌ على خلافِ أصلِ النَّهْي بلا دليلٍ. واختلفَ العلماءُ هلْ للشريكِ الشفعةُ بعدَ أنْ يؤاذنه شريكُهُ ثمَّ باعَهُ منْ غَيْرهِ؟ فقيلَ: لهُ ذلكَ، ولا يمنعُ صحَّتَها بعد مؤاذنته، وهذَا قولُ الأكثرِ. وقال الثوريُّ، والحَكَمُ، وأبو عبيدٍ، وطائفةٌ من أهلِ الحديثِ: تَسْقُطُ شفعتُه بعدَ عرضِه
= وقال الدارقطني: "خالفه - يعني: أبا حمزة - شعبة وإسرائيل وعمرو بن أبي قيس وأبو بكر بن عياش، فرووه عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة مرسلًا وهو الصواب، ووهم أبو حمزة في إسناده".
والخلاصة: فالحديث ضعيف.
(1)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 4).
(2)
في (ب): "وأجيب".
(3)
تقدَّم في تخريج أحاديث الباب.
(4)
عزاه إليه الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(3/ 55 رقم 1274) وقال: بسند جيد.
(5)
في "السنن الكبرى"(6/ 109).
(6)
في (ب): "فقال".
(7)
زيادة من (ب).
عليهِ، وهوَ الأوفقُ بلفظِ الحديثِ، وهوَ الذي اخترناهُ في حاشيةِ
(1)
ضوءِ النهارِ. وفي قولِه: أنْ يبيعَ، ما يشعرُ بأنَّها إنَّما تثبتُ فيما كان بعقدِ البيعِ وهذا مجمعٌ عليهِ، وفي غيرهِ خلاف.
وقولُه: في كلِّ شيءٍ، يشملُ الشفعةَ في الإجارةِ، وقدْ منعَها الهادويةُ
(2)
وقالُوا: إنما تكونُ في عينٍ لا منفعةَ. وضعفَ قولهم لأنَّ المنفعةَ تُسَمَّى شيئًا وتكونُ مشتركةً فيشملها "في كلِّ شركٍ" أيضًا؛ إذْ لو لم تكنْ شيئًا ولا مشتركةً لما صحَّ التأجيرُ [فيها]
(3)
، ولا القسمةُ بالمهاباةِ ونحو ذلكَ، وهيَ بيعٌ مخصوصٌ فيشملُها [قوله]
(4)
: "لا يحلُّ لهُ أنْ يبيعَ"، فالحقُّ ثبوتُ الشُّفْعَةِ فيها لشمولِ الدليلِ لها، ولوجودِ علةِ الشفعةِ فيها. وظاهرُ [قولِه] (4):"في كلِّ شركٍ" أي مشتركٍ ثبوتُها للذمي على المسلِم إذا كانَ شريكًا له في الملْكِ، وفيهِ خلافٌ، والأظهرُ ثبوتُها للذمِّيِّ في غير جزيرةِ العربِ، لأنَّهم منهيُّونَ عن البقاءِ فيها
(5)
.
الشفعة للجار على جاره
2/ 849 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ"، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبّانَ
(6)
، وَلَهُ عِلَّةٌ. [صحيح لغيره]
(1)
"منحة الغفار"(3/ 1418).
(2)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 6).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
في رواية مسلم في حديث الباب، وهي زيادة من المخطوط (أ).
(5)
في قوله صلى الله عليه وسلم: "لأُخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلمًا" أخرجه مسلم (1767).
(6)
في "صحيحه"(11/ 585 رقم 5182 - الإحسان).
وأخرجه الطحاوي (4/ 122)، من طريق سعيد عن قتادة عن أنس مرفوعًا.
وأخرجه الطحاوي أيضًا (4/ 123)، من طريق كل من سعيد وهمام وشعبة، كلهم عن قتادة عن أنس عن سمرة مرفوعًا فجعلوه من حديث سمرة.
وأخرجه أيضًا من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعًا: أبو داود (3517)، والترمذي (1368)، وأحمد (5/ 8، 12)، وابن الجارود (644)، والطحاوي (4/ 123)، والبيهقي (6/ 106)، والطيالسي (ص 122 رقم 904).
وهذا حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 672 رقم 3003).
فيرتقي به حديث الباب إلى الصحة، والله أعلم.
(وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: جاز الدارِ أحق بالدارِ. رواهُ النسائيُ، وصحَّحَه ابن حِبَّانَ، ولهُ عِلَّةٌ)، وهيَ [أنه أخرجه]
(1)
أئمةٌ منَ الحفَّاظِ عنْ قتادةَ عنْ أنسٍ، وآخرونَ أخرجُوه عن الحسنِ عنْ سمُرةَ [قالُوا]
(2)
: وهذا هوَ المحفوظُ، وقيلَ: هما صحيحانِ جميعًا، قالهُ ابنُ القطانِ، وهوَ الأوْلَى، وهذا وإنْ كانَ فيهِ علةٌ فالحديثُ الآتي صحيحٌ.
3/ 850 - وَعَنْ أَبي رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
(3)
، وَفِيهِ قِصَّةٌ. [صحيح]
وهوَ قولُه: (وعنْ أبي رافعٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الجارُ أحقُّ بِصَقَبِه) بالصادِ المهملةِ مفتوحة، وفتحِ القافِ [القريب]
(4)
(أخرجه البخاريُّ وفيهِ قصةٌ). وهيَ أنهُ قالَ أبو رافعٍ للمسورِ بن مخرمةَ: ألا تأمرُ هذا - يشيرُ إلى سعدٍ - يشتريَ مني بَيْتيَّ اللذينِ في دارهِ، فقال لهُ سعدٌ: واللَّهِ لا أزيدُ على أربعمائةِ دينارٍ، إمَّا مقطعةً أو منجَّمةً، فقال أبو رافع: سبحانَ اللَّهِ لقدْ منعتُهما منْ خمسمائةٍ نَقْدًا فلولا أني سمعتُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الجارُ أحقُّ بصقبِه ما بِعْتُكَ". والحديثُ وإنْ كانَ ذَكَرَهُ أبو رافعٍ في البيعِ فهوَ يعمُّ الشُّفعةَ بالجوارِ. وقد اختلفَ العلماء في الشفعة بالجوار، فذهبَ إلى ثبوتِها الهادويةُ
(5)
، والحنفيةُ
(6)
، وآخرونَ، لهذهِ الأحاديثِ ولغيرِها، كحديثِ الشريدِ بن سويدٍ قالَ: قلتُ: يا رسول اللَّهِ، أرضٌ لي ليسَ لأحدِ فيها شركٌ ولا قسمٌ إلا الجوارَ قالَ:"الجارُ أحقُّ بصقبهِ". أخرجهُ ابنُ سعدٍ
(7)
عنْ
(1)
في (أ): "أنهم أخرجوه".
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في "صحيحه"(4/ 437 رقم 2258)، وأطرافه في (6977، 6978، 6980، 6981).
قلت: وأخرجه أبو داود (3516)، والنسائي (4702)، وابن ماجه (2495)، والشافعي في "ترتيب المسند"(2/ 165 رقم 574).
(4)
في (ب): "القربُ".
(5)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 8، 9).
(6)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 124).
(7)
في "الطبقات الكبرى" له (5/ 513).
وقد أخرجه من طريق عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد كل من النسائي (4703)، وابن ماجه (2496)، وأحمد (4/ 388: 390)، والطحاوي (4/ 124)، وقد صحَّحه الألباني في "الإرواء"(5/ 376، 377).
قتادةَ، عنْ عمْرِو بن شعيبٍ، عن الشريدِ. وحديثُ جابرٍ الآتي
(1)
، وذهبَ عليٌّ، وعمرُ
(2)
، وعثمانُ، والشافعيُّ
(3)
، وأحمدُ (2)، وإسحاقُ، وغيرُهم إلى أنهُ لا شُفْعَةَ بالجوارِ. قالُوا: والمرادُ بالجارِ في الأحاديثِ الشَّريكُ. قالُوا: ويدلُّ على أن المرادَ بهِ ذلكَ حديثُ أبي رافعٍ؛ فإنهُ سَمَّى الخليطَ جارًا، واستدلَّ بالحديثِ، وهوَ منْ أهلِ اللسانِ وأعرفُ بالمرادِ، والقولُ بأنهُ لا يُعْرَفُ في اللغةِ تسميةُ الشريكِ جارًا غيرُ صحيح، فإنَّ كلَّ شيءٍ قاربَ شيئًا فهوَ جارٌ. وأجيبَ بأنَّ أبا رافعِ كان غيرَ شريكٍ لسعدٍ بلْ جارٌ لهُ لأنهُ كانَ يملكُ بيتينِ في دارِ سعدٍ، لا أنهُ كانَ يملكُ شِقْصًا شائعًا من منزلِ سعدٍ. واستدلُّوا أيضًا بما سلفَ من أحاديثِ الشفعةِ للشريكِ وقوله. "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"، ونحوِه من الأحاديث التي فيها حَصْرُ الشفعةِ قبلَ القسمةِ، وأجيبَ عنْها بأنَّ غايةَ ما فيها إثباتُ الشفعةِ للشريكِ منْ غيرِ تَعَرُّضٍ للجارِ لا بمنطوقٍ ولا مفهومٍ. ومفهومُ الحصْرِ في قولِه
(4)
: "إنما جعلَ النبي صلى الله عليه وسلم الشُّفْعَةَ - الحديثَ"، إنَّما هوَ قبلَ القِسْمَةِ للمبيع بينَ المشتري والشريك، فمدلولُه أن القسمةَ تُبْطِلُ الشُّفْعَةَ وهوَ صريحُ روايةِ (4): وإنَّما جعلَ النبيُّ الشفعةَ في كلِّ ما لم يُقْسَمْ". فأحاديث إثباتِ الشفعةِ للخليطِ لا تُبْطِلُ ثبوتَها للجارِ بعدَ قيامِ الأدلةِ التي منْها ما سلفَ، ومنْها الحديثَ الآتي:
شفعة الجار وشروطها
4/ 851 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْجَارُ أَحَق بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يُنْتَظَرُ بِهَا - وانْ كَانَ غَائِبًا - إِذَا كَانَ طَرِيقُهُما وَاحِدًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
، وَالأرْبَعَةُ
(6)
، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. [صحيح]
(1)
برقم (4/ 851) من كتابنا هذا.
(2)
انظر: "المغني"(5/ 461 مسألة رقم 4012).
(3)
انظر: "اختلاف الحديث بحاشية الأم"(4/ 5).
(4)
هي رواية من روايات حديث جابر المتقدم برقم (1/ 848)، انظر:"السنن الكبرى" للبيهقي (6/ 102).
(5)
في "المسند"(3/ 303).
(6)
أبو داود (3518)، والترمذي (1369)، وقال: حديث غريب، وابن ماجه (2494).
وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "الإرواء"(5/ 378 رقم 1540).
(وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الجارُ أحقُّ بشفعة جارِه يَنْتَظِرُ بها وإنْ كانَ غائبًا، إذا كان طريقُهما واحدًا. رواهُ أحمدُ، والأربعةُ، ورجاله ثقاتٌ). أحسنَ المصنفُ بتوثيقِ رجالِه، وعدمِ إعلالِه، وإلا فإنَّهم قدْ تكلَّموا في هذِهِ الروايةِ
(1)
بأنهُ انفردَ بزيادةِ قولِه: "إذا كانَ طريقُهما واحدًا"، عبدُ الملكِ بنُ أبي سليمان [العرزميِّ]
(2)
.
قلت: وعبد الملكِ ثقة مأمون لا يضرُّ انفرادُه كما عُرِفَ في الأصولِ وعلومِ الحديثِ، والحديثُ منْ أدلةِ شُفْعَةِ الجارِ إلَّا أنهُ قيَّدهُ بقولِه:"إذَا كانَ طريقُهما واحدًا". وقدْ ذهبَ إلى اشتراطِ هذا بعضُ العلماءِ
(3)
قائلًا بأنَّها تثبتُ الشفعةُ للجارِ إذا اشتركَ في الطريقِ. قالَ في الشرحِ: ولا يبعدُ اعتبارُه. أما مِنْ حيثُ الدليلُ فللتصريحِ بهِ في حديثِ جابرٍ هذا. ومفهومُ الشرطِ أنهُ إذا كانَ مختلِفًا فلا شفعةَ، وأما منْ حيثُ التعليلُ فلأن شرعيةَ الشفعةِ لمناسبةِ دَفْعِ الضررِ، والضررُ بحسبِ الأغْلَبِ إنَّما يكونُ معَ شدَّةِ الاختلاطِ وشبكةِ الانتفاعِ، وذلكَ إنَّما هوَ معَ الشريكِ في الأصلِ أوْ في الطريقِ، ويندرُ الضررُ معَ عدمِ ذلكَ. وحديثُ جابرٍ المُقَيَّدُ بالشرطِ لا يحتملُ التأويلَ المذكورَ أوَّلًا، لأنهُ إذا كانَ المرادُ بالجارِ الشريكُ فلا فائدةَ لاشتراطِ كونِ الطريقِ واحدًا.
قلت: ولا يَخْفَى أنهُ قدْ آلَ الكلامُ إلى الخليطِ لأنهُ معَ اتحادِ الطريقِ تكونُ الشفعةُ للخلطةِ فيها، وهذا هو الذي قرَّرْناهُ في "منحةِ الغفار"
(4)
حاشيةِ ضوءِ النهارِ. قالَ ابنُ القيمِ
(5)
: وهوَ أعدلُ الأقوالِ، وهوَ اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابن تيمةَ. وحديثُ جابر هذا صريحٌ فيهِ فإنهُ أثبتَ الشفعةَ بالجوارِ معَ اتحادِ الطريقِ، ونفاها بهِ في حديثِه الآخَرِ معَ [اختلافهما]
(6)
حيثُ قالَ: "فإذا وقعتِ الحدودُ، وصُرِّفَتِ الطرقُ فلا شفعةَ". فمفهومُ حديثِ جابرٍ هذَا هوَ بعينِه منطوقُ حديثِه المتقدِّمِ، فأحدُهما يُصَدِّقُ الآخرَ ويوافقُه، ولا يعارضُه ويناقضُه، وجابرُ رَوَى اللفظينِ فتوافقتِ السننُ وائتلفتْ بحمدِ اللَّهِ، انتهى بمعناهُ.
(1)
انظر: "سنن الترمذي"(3/ 562).
(2)
في (ب): "العزرمي".
(3)
انظره في: "المغني"(5/ 461) عن ابن شبرمة والثوري وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي وأبو حنيفة.
(4)
(3/ 1427، 1428).
(5)
انظر: "إعلام الموقعين"(2/ 150).
(6)
في (ب): "اختلافها".
وقولُه: ينتظرُ بها، دالٌّ أنها لا تَبْطُلُ شفعةُ الغائبِ وإنْ تَرَاخَى، وأنهُ لا يجبُ عليهِ السيرُ حينَ بلغه الشراءُ لأجلِها. وأما الحديثُ الآتي:
5/ 852 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: قالَ: "الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(1)
، وَالْبَزَّارُ، وَزَادَ:"وَلَا شُفْعَةَ لِغَائِبٍ"، وَإسْنَادُهُ ضعِيفٌ
(2)
. [ضعيف جدًّا]
وهوَ قولُه: (وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنه الشفعةُ كحلِّ عقالٍ. رواهُ ابن ماجهْ، والبزارُ. وزادَ: ولا شفعةَ لغائبٍ، وإسنادُه ضعيفٌ) فإنه لا تقومُ بهِ حجةٌ لِمَا ستعرفَهُ، ولفظُه منْ روايتِهِما:"لا شفعةَ لغائب، ولا لصغيرِ، والشفعةُ كحلِّ عقالٍ". وضعَّفَه البزارُ، وقالَ ابنُ حبانَ (3): لَا أصلَ لهُ. وقالَ أبو زرعةَ (3): منكرٌ. وقالَ البيهقيَّ
(3)
؛ ليسَ بثابتٍ. وفي معناهُ أحاديثُ كلُّها لا أصلَ لها.
اختلفَ الفقهاءُ في ذلكَ، فعندَ الهادويةِ
(4)
، والشافعيةِ
(5)
، والحنابلة
(6)
أنَّها على الفورِ ولهم تقاديرُ في زمانِ [الفورية]
(7)
لا دليلَ على شيءٍ منها، ولا شكَّ أنهُ إذا كانَ وجْهُ شرعيَّتِها دفعَ الضررِ فإنّهُ يناسبُ الفوريةَ لأنهُ يقالُ: كيفَ يبالغُ في دفعِ ضررِ الشفيعِ، ويبالغُ في ضررِ المشتري ببقاءِ مشتراهُ مُعَلَّقًا، إلَّا أنهُ لا يكْفِي هذا القَدْرُ في إثباتِ حكمٍ، والأصلُ عدمُ اشتراطِ الفوريةِ، وإثباتُها يحتاجُ إلى دليلٍ، ولا دليلَ. وقدْ عَقَدَ البيهقيُّ بابًا في "السنن الكبرى"
(8)
لألفاظِ منكرةِ يذكرُها بعضُ الفقهاءِ، وعدَّ منْها الشفعةَ كحلِّ عقالٍ، ولا شفعةَ لصبيٍّ ولا لغائبٍ، والشفعةُ لا ترثُ ولا تُورثُ، والصبيُّ على شفعته حتَّى يُدْرِكَ، ولا شفعةَ لنصرانيٍّ، ولا لليهوديِّ ولا للنصرانيِّ شفعةٌ، فعدَّ منْها حديثَ الكتابِ.
(1)
في "سننه"(2/ 835 رقم 2500).
قلت: وأخرجه البيهقي (6/ 108)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (6/ 56 - 57) وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني قال عنه البخاري وأبو حاتم والنسائي: منكر الحديث، انظر:"الكامل" لابن عدي (6/ 2187 - 2189)، و"تهذيب التهذيب"(9/ 261 رقم 489)، فهو حديث ضعيف جدًّا كما قاله الألباني في "الإرواء"(5/ 379 رقم 1542).
(2)
قال المصنف في "التلخيص"(3/ 56): وإسناده ضعيف جدًّا. اهـ.
(3)
انظر: "التلخيص"(3/ 56)، و"العلل" لابن أبي حاتم (1/ 479).
(4)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 13).
(5)
انظر: "الأم"(4/ 3).
(6)
انظر: "المغني"(5/ 485).
(7)
في (ب): "الفور".
(8)
(6/ 108).
[الباب الرابع عشر] باب القراض
القِراضُ بكسرِ القافِ، وهوَ معاملةُ العاملِ بنصيب منَ الربحِ، وهذِه تسميتُه في لغةِ أهلِ الحجازِ، وتسمَّى مضاربةٌ مأخوذةٌ منَ الضربِ في الأرضِ، لما كانَ الربحُ يحصلُ في الغالبِ بالسفرِ، أو من الضربِ في المالِ وهوَ التصرفُ.
1/ 853 - عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلاثٌ فِيهن الْبَرَكةُ: الْبَيعُ إلَى أجَلٍ، وَالْمُقَارَضَةُ، وَخَلْطُ الْبُرِّ بِالشعِيرِ لِلْبَيتِ لَا لِلْبَيعِ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(1)
بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف جدًّا]
(عنْ صهيبٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ثلاثٌ فيهنَّ البَرَكَةُ: البيعُ إلى أجلٍ، والمقارضةُ، وخلطُ البُرِّ بالشَّعيرِ للبيتِ لَا لِلْبَيْعِ"، رواهُ ابنُ ماجهْ بإسنادٍ ضعيفٍ)، وإنَّما كانتِ البركةُ في ثلاثةٍ لما في البيعِ إلى أجلٍ منَ المسامحةِ، والمساهلةِ، والإعانةِ للغريمِ بالتأجيلِ، وفي المقارضةِ لما في ذلكَ منَ انتفاعِ الناسِ بعضهم ببعضٍ، وخلطِ البرِّ بالشعيرِ قوتًا لا للبيعِ، لأنهُ قدْ يكونُ فيهِ غَرَرٌ وغِشٌّ.
2/ 854 - وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه أنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا
(1)
في "سننه"(2/ 768 رقم 2289).
قلت: وهو حديث ضعيف جدًّا، قاله الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه"(رقم 502)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 24 رقم 810):"هذا إسناد ضعيف، صالح بن صهيب مجهول، وعبد الرحمن بن داود حديثه غير محفوظ قاله العقيلي، ونصر بن القاسم قال البخاري: لا؛ حديثه موضوع، انتهى. وهذا المتن ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق صالح بن صهيب به" اهـ.
وانظر: "الموضوعات"(2/ 249).
أعْطَاهُ مَالًا مُقَارَضَةً: أنْ لا تَجْعَلَ مَالِي في كَبِدٍ رَطْبَةٍ، وَلَا تَحْمِلَهُ في بَحْرٍ، وَلَا تَنْزِلَ بِهِ في بَطْنِ مَسِيلٍ، فَإنْ فَعَلْتَ شَيْئًا مِن ذلك فَقَدْ ضَمِنْتَ مَالِي. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(1)
، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. [صحيح]
- وَقَالَ مَالِكٌ في المُوَطَّإِ
(2)
، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: إنَّهُ عَمِلَ في مَالٍ لِعُثْمَانَ عَلَى أن الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ. [صحيح]
(وعنْ حكيمِ بن حزامٍ رضي الله عنه أنهُ كانَ يشترطُ على الرجلِ إذا أعطاهُ مالًا مقارضة أنْ لا تجعلَ مالي في كبدٍ رطبةٍ، ولا تحملَه في بحرٍ، ولا تنزلَ بهِ في بطنِ مسيلٍ، فإنْ فعلْتَ شيئًا منْ ذلكَ فقدْ ضَمِنْتَ مالي. رواهُ الدارقطني ورجالُه ثقاتٌ. وقالَ مالكٌ في الموطإِ عن العلاءِ بن عبدِ الرحمنِ بن يعقوبَ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ أنهُ عَمِلَ في مالٍ لعثمانَ على أن الربحَ بينَهما، وهوَ موقوفٌ صحيحٌ). لا خلافَ
(3)
بينَ المسلمينَ في جوازِ القراضِ، وأنهُ مما كانَ في الجاهليةِ فأقرَّهُ الإسلامُ، وهوَ نوعٌ منَ الإجارةِ إلَّا أنهُ عُفِيَ فيها عنْ جهالةِ الأجرِ، وكأن الرُّخصةَ في ذلكَ [الموضع]
(4)
للرفقِ بالناسِ.
ولها أركانٌ وشروطٌ: فأركانُها العقدُ بالإيجابِ أو ما في حكمهِ، والقَبولُ أو ما في حكمِه، وهوَ الامتثالُ بينَ جائزي التصرفِ، إلَّا منْ مسلمٍ لكافرٍ على مالِ نقدٍ عندَ الجمهورِ.
ولها أحكامٌ مُجْمَعٌ
(5)
عليها، منْها: أن الجهالةَ مغتفرةٌ فيها، ومنْها أنهُ لا ضمانَ على العاملِ فيما تلفَ منْ رأسِ المالِ إذا لم يتعدَّ.
واختلفُوا إذا كانَ دَيْنًا، فالجمهورُ
(6)
على مَنْعِهِ، قيلَ لتجويزِ إعسارِ العامل
(1)
في "سننه"(3/ 63 رقم 242).
قلت: وأخرجه البيهقي (6/ 111)، وقال الحافظ في "التلخيص" (3/ 58): سنده قوي اهـ. وقال الألباني في "الإرواء"(5/ 293): وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. اهـ.
(2)
(2/ 688 رقم 2).
قلت: وأخرجه البيهقي (6/ 111)، وصحَّحَهُ الألباني في "الإرواء"(5/ 292).
(3)
وقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (ص 124 رقم 530).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
انظر: كتاب "الإجماع" لابن المنذر (ص 124، 125).
(6)
انظر: "المغني"(5/ 190 مسألة رقم 3713).
بالدَّيْنِ فيكونُ تأخيره عنهُ لأجلِ الربحِ، فيكونُ منَ الربا المنْهِيِّ عنهُ، وقيلَ [إنما]
(1)
ما في الذمةِ لا يتحولُ عن الضمانةِ ويصيرُ أمانةً، وقيلَ: لأنَّ ما في الذمةِ ليسَ بحاضرٍ حقيقةً فلم يتعيَّنْ كونُه مالَ المضاربةِ، ومن شرطِ المضاربةِ أنْ تكونَ على مالٍ منْ صاحبِ المالِ، واتفقُوا أيضًا على أنهُ إذا اشترطَ أحدُهما منَ الربحِ لنفسِه شيئًا زائدًا معيَّنًا فإنهُ لا يجوزُ ويلغُو.
ودلَّ حديثُ حكيمٍ على أنهُ يجوزُ لمالكِ المالِ أن يحجرَ العاملَ عما شاءَ، فإنْ خالفَ ضمنَ إذا تلفَ المالُ، وإنْ سَلِمَ المالُ فالمضاربةُ باقيةٌ إذا كان يرجعُ إلى الحفظِ، أما إذا كان الاشتراطُ لا يرجعُ إلى الحفظِ بلْ كانَ يرجعُ إلى التجارةِ وذلكَ بأنْ ينهاهُ أنْ [لا]
(2)
يشتريَ نوعًا مُعَيَّنًا، ولا يبيعَ منْ فلانٍ، فإنهُ يصيرُ فضوليًا إذا خالف، فإنْ أجازَ المالكُ نفذَ البيعُ وإن لم يجزْ لم ينفذْ.
* * *
(1)
في (ب): "لأنَّ".
(2)
زيادة من (ب).
[الباب الخامس عشر] باب المساقاة والإجارة
1/ 855 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا
(2)
: فَسَأَلُوهُ أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا"، فَقَرُّوا بِهَا، حَتَّى أَجْلاهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه. [صحيح]
وَلمُسْلِمٍ
(3)
: أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا، عَلَى أنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَهُمْ شَطْرُ ثَمَرِهَا. [صحيح]
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عاملَ أهلَ خيبرَ بشطرِ ما يخرجُ منها من ثمرٍ أو زرعٍ. متفقٌ عليهِ. وفي روايةٍ لهما: فسأَلُوهُ أنْ يقرَّهم بها عَلَى أنْ يَكْفُوا عملَها ولهمْ نِصْفُ الثمرِ، فقالَ [لهم]
(4)
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: نقِرُّكم بها على ذلكَ ما شِئْنَا فَقَرُّوا بها حتى أجلاهم عمرُ رضي الله عنه. ولمسلمٍ: أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دفعَ إلى يهودِ خيبرَ
(1)
البخاري (2329)، (2331)، ومسلم (1551).
قلت: وأخرجه أبو داود (3409)، والترمذي (1383)، والنسائي (3929، 3930)، وابن ماجه (2467)، وأحمد (2/ 17، 22، 30، 37، 149، 157) وغيرهم بالفاظ متعددة.
(2)
البخاري (2338)، ومسلم (6).
(3)
في "صحيحه"(3/ 1187 رقم 5) إلا أن في آخره: "
…
ولرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها" بدلًا من قوله في المتن: "ولهم شطر ثمرها".
(4)
زيادة من (ب).
نخلَ خيبرَ وأرضَها، على أنْ يعتملوها منْ أموالِهم، ولهمْ شطرُ ثمرِها). الحديثُ دليل على صحةِ المساقاةِ والمزارعةِ، وهوَ قولُ عليًّ
(1)
، وأبي بكر، وعمرَ رضي الله عنهم، وأحمدَ
(2)
، وابنِ خزيمةَ، وسائرِ فقهاءِ المحدثينَ. وأنَّهما تجوزانِ مجتمعين، وتجوزُ كلُّ واحدةٍ منفردةً. والمُسْلمُونَ في جميعِ الأمصارِ والأعصارِ مستمرونَ على العملِ بالمزارعةِ. وفي قولِهِ: ما شِئْنَا دليلٌ على صحةِ المساقاةِ والمزارعةِ وإنْ كانتِ المدةُ مجهولةً
(3)
. وقالَ الجمهورُ: لا تجوزُ المساقاةُ والمزارعةُ إلَّا في مدةٍ معلومةٍ كالإجارةِ، وتأوَّلُوا قولَه:"ما شِئْنا" عَلَى مدةِ العهدِ، وأنَّ المرادَ نُمَكِّنُكُمْ منَ المقامِ في خيبرَ ما شِئنا، ثمَّ نخرجُكم إذا شِئْنَا، لأنهُ صلى الله عليه وسلم عازِمًا على إخراجِ اليهودِ منْ جزيرةِ العربِ، وفيهِ نظرٌ. وأما المساقاةُ فإنَّ مدَّتَها معلومةٌ، لأنها إجارةٌ. وقدِ اتفقُوا على أنها لا تجوزُ إلا بأجل معلومٍ، وقالَ ابنُ القيمِ رحمه الله في "زادِ المعادِ"
(4)
: في قصةِ خيبرَ دليلٌ على جوازِ المساقاةِ والمزارعةِ بجزءٍ منَ الغلةِ منْ ثمرٍ أوْ زرعٍ، فإنهُ صلى الله عليه وسلم عاملَ أهلَ خيبرَ على ذلكَ، واستمرَّ على ذلكَ إلى حينِ وفاتِه لمْ ينسخِ ألبتةَ، واستمرَّ عملُ خلفائِه الراشدينَ عليهِ، وليسَ هذا منْ بابِ المؤاجرةِ في شيءٍ، بلْ منْ بابِ المشاركةِ وهوَ نظيرُ المضاربةِ سواءٌ، فمنْ أباحَ المضاربةَ وحرَّمَ ذلكَ فقد فرَّق بينَ متماثلينِ، فإنَّه صلى الله عليه وسلم دفعَ إليهم الأرضَ على أن يعملوها منْ أموالِهم، ولم يدفعْ إليهم البذْرَ ولا كانَ يحملُ إليهمُ البذرَ منَ المدينةَ قَطْعًا، فدلَّ على أن هديَهُ صلى الله عليه وسلم عدمُ اشتراطِ كونِ البذرِ منْ ربِّ الأرضِ، وأنهُ يجوزُ أنْ يكونَ منَ العاملِ، وهذا كانَ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم، وَهَدْيُ الخلفاءِ الراشدينَ منْ بعدِه، وكما أنهُ هوَ المنقولُ فهوَ الموافقُ للقياسِ، فإنَّ الأرضَ بمنزلةِ رأسِ المالِ في المضاربةِ، [والبذرُ يجري مَجْرَى سَقْي الماءِ، ولهذا يموتُ في الأرض فلا يرجعُ إلى صاحبهِ، ولوْ كانَ بمنزلةِ رأسِ المالِ في المضاربةِ]
(5)
لاشترطَ عودَه إلى صاحبهِ، وهذا يفسدُ المزارعةَ فعلمَ أن القياسَ الصحيحَ هوَ الموافقُ لِهَدْي
(1)
انظر: "صحيح البخاري"(5/ 10 باب رقم 8).
(2)
انظر: "المغني"(5/ 556 مسألة رقم 4107)، (5/ 568).
(3)
انظر: "المغني"(5/ 568 مسألة رقم 4124).
(4)
"في هدي خير العباد"(3/ 345، 346).
(5)
زيادة من (أ).
رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وخلفائِه الراشدينَ، انتَهى. وقدْ أشارَ في كلامِه إلى ما [ذهبَ]
(1)
إليهِ الحنفيةُ
(2)
، والهادويةُ
(3)
منْ أن المساقاةَ والمزارعةَ لا تصحُّ وهيَ فاسدةٌ. وتأوَّلُوا هذا الحديثَ بأنَّ خيبرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً؛ فكانَ أهلُها عبيدًا لهُ صلى الله عليه وسلم، فما أخذه فهوَ له، وما تركَه فهوَ له، وهوَ كلامٌ مردودٌ لا يحسنُ الاعتمادُ عليهِ.
صحة كراء الأرض بأجرة معلومة
2/ 856 - وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قالَ: سَألْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كَرَاءِ الأرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَالَ: لَا بَأسَ بِهِ، إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هذَا ويَسْلَمُ هَذا، وَيسْلَمُ هَذَا وَيهْلِكُ هذَا، ولَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إلَّا هَذَا، فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيءٌ مَعْلُومٌ مضمونٌ فَلَا بَاسَ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(4)
. [صحيح]
وَفِيهِ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي الْمُتَّفَقِ
(5)
عَلَيْهِ مِنْ إِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الأرْضِ.
(1)
في (ب): "يذهب".
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 117).
(3)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 64، 68).
(4)
في "صحيحه"(3/ 1183 رقم 1547).
والجملة الأولى منه في البخاري (2347)، ولكن فيها:"الدرهم والدينار" بدلًا من "الذهب والفضة"، وبألفاظ مختلفة أخرجه أبو داود (3393)، والنسائي (3898: 3902)، وابن ماجه (2458).
(5)
ورد النهي عن كراء المزارع من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه. أخرجه البخاري (2346، 2347)، ومسلم (115، 116/ 1547)، وأبو داود (3393)، والنسائي (3899: 3902)، وأحمد (4/ 140، 142)، ومالك (2/ 711 رقم 1)، والدارقطني (3/ 36 رقم 146)، والبيهقي (6/ 131).
وورد أيضًا من حديث جابر مرفوعًا: "من كانت له أرض ليَزرعها، أو ليُزرعها، ولا يؤاجرها"، أخرجه البخاري (2340)، ومسلم (88، 89، 91، 94، 95، 96، 98/ 1536)، والنسائي (7/ 36، 37، 38)، وابن ماجه (2451، 2454)، والطحاوي (4/ 107، 158)، والبيهقي (6/ 128)، وأحمد (3/ 302، 304، 312، 354، 392) من طرق عنه.
(وعنْ حنظلةَ بن قيسٍ رضي الله عنه) هوَ الزرقيُّ الأنصاريُّ، منْ ثقاتِ أهلِ المدينةِ (قالَ: سألتُ رافعَ بنَ خديجٍ عنْ كراءِ الأرضِ بالذهبِ والفِضةِ فقالَ: لا بأسَ بهِ، إنَّما كانَ الناس [يؤجرون]
(1)
على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم على الماذِياناتِ) بذالٍ معجمةٍ مكسورةٍ، ثمَّ مثناةٍ تحتيةٍ، ثم ألفٍ، ثم نونٍ، ثم ألفٍ، ثم مثناةٍ فوقيةٍ، هي مسايلُ المياهِ، وقيلَ: ما ينبتُ حولَ السواقي، (وأقبالِ الجداولِ) بفتحِ الهمزةِ، فقافٍ، فموحدةٍ، أوائلُ الجداولِ ورؤوسها، والجدول النهر الصغير، (وأشياءَ منَ الزرعِ فيهلكُ هذا ويسلَم هذا، ويَسْلَمُ هذا ويَهْلِكُ هذا، ولم يكنْ للناسِ كِرَاءٌ إلا هذا، فلذلك زَجَرَ عنهُ. فأما شيءٌ معلومٌ مضمون فلا بأسَ به. رواة مسلمٌ. وفيه بيانٌ لما أجْمِلَ في المتفقِ عليهِ منْ إطلاقِ النهي عنْ كِرَاءِ الأرضِ).
الحديثُ دليلٌ على صحةِ كراءِ الأرضِ بأجرةٍ معلومةٍ منَ الذهبِ والفضةِ، ويقاسُ عليهما غيرُهما منْ سائرِ الأشياءِ المتقوَّمةِ، ويجوزُ بما يخرُج منها منْ ثلثٍ أو ربعٍ لما دلَّ عليهِ الحديثُ الأولُ، وحديثُ ابن عمرَ
(2)
قالَ: "قدْ علمتُ أن الأرض كانتْ تُكْرَى على عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بما على الأربعاءِ، وشيءٍ منَ التبنِ لا أدري [كم]
(3)
هوَ. أخرجه مسلمٌ (2)، وأخرجَ أيضًا أن ابنَ عمر
(4)
كانَ يعطي أرضَه بالثلثِ والربعِ ثمَّ تَرَكَهُ"، ويأتي
(5)
ما يعارضُه. وقولُه: على الأربعاءِ جمعُ ربيعٍ، وهي الساقيةُ الصغيرةُ، ومعناهُ هوَ وحديثُ الباب أنَّهم كانُوا يَدفَعون الأرضَ إلى مَنْ يَزرَعُها ببذرٍ منْ عندِه على أن يكونَ لمالكِ الأرضِ ما ينبتُ على
(1)
في (ب): "يؤاجرون".
(2)
لم أجده في صحيح مسلم بهذا اللفظ وإنما فيه (109/ 1547) أنه كان يكري مزارعه على عهد رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من خلافة معاوية وفيه أيضًا (112/ 1547): لقد كنت أعلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأرض تكرى.
(3)
في (أ): "لم".
(4)
الذي في صحيح مسلم (113/ 1548) من حديث رافع بن خديج قال: كنا نحاقل الأرض على عهد رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فنكريها بالثلث والربع من الطعام المسمَّى، فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي فقال: نهانا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعًا، وطواعية اللهِ ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمَّى، وأمرَ ربَّ الأرض أن يَزرعها أو يُزرعها، وكره كراءها وما سوى ذلك.
(5)
أثناء شرح الحديث القادم.
مسايلِ المياهِ، ورؤوسِ الجداولِ، أوْ هذهِ القطعةِ والباقي للعاملِ، فَنهُوا عنْ ذلكَ لما فيهِ مِنَ الغَرَرِ، فَرُبَّما هلكَ ذا دونَ ذاكَ.
3/ 857 - وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
أَيْضًا. [صحيح]
(وعنْ ثابتِ بن الضحاكِ رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن المزارعةِ، وأمرَ بالمؤاجرةِ، رواهُ مسلمٌ). وأخرجَ مسلمٌ
(2)
أيضًا أن عبدَ اللَّهِ بنَ عمرَ كانَ يُكْري أرضَه حتى بَلَغَهُ أن رافعَ بنَ خديجٍ الأنصاريِّ كانَ يَنْهَى عنْ كراءِ المزارعِ، فلقيهُ عبدُ اللَّهِ فقال: يا ابنَ خديجٍ، ماذا تُحَدِّثُ عَنْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في كِراءِ الأرضِ؟ قال رافعٌ لعبدِ اللَّهِ: سمعتُ عَمَّيَّ وكانا شهدا بدرًا يحدثانِ أهلَ الدارِ أن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ كِراءِ الأرضِ. فقالَ عبدُ اللَّهِ: لقدْ كنتُ أعلمُ في عهدِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن الأرْضَ تُكْرَى، ثم خَشِيَ عبدُ اللَّهِ أنْ يكونَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أحدثَ في ذلكَ شيئًا لم يكنْ، فتركَ كراءَ الأرضِ. وفي النَّهْي عن المزارعةِ أحاديثُ
(3)
ثابتةٌ، وقدْ جُمِعَ بينَها وبينَ الأحاديثِ الدالةِ على جوازِها بوجوهٍ، أحسنُها أن النَّهْيَ كانَ في أولِ الأمرِ لحاجةِ الناسِ، وكونِ المهاجرينَ ليست لهمْ أرضٌ فأمرَ الأنصارَ بالتكرُّمِ بالمواساةِ، ويدلُّ لهُ ما أخرجَهُ مسلمٌ
(4)
منْ حديثِ جابرٍ قال: كانَ لرجالٍ منَ الأنصارِ فضولُ أرضٍ، وكانُوا يُكْرُونَها بالثلثِ والرُّبع، فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كانتْ لهُ أرضٌ فليزْرعْها، أو لِيَمْنَحْها أخاهُ، فإنْ أبَى فلْيَمْسكْها". وهذا كما نُهُوا
(5)
عن ادِّخارِ لحومِ الأضحيةِ ليتصدقُوا بذلكَ، ثمَّ بعدَ توسُّعِ حالِ المسلمينَ زالَ الاحتياجُ فأبيحَ لهمُ المزارعةُ، وتصرُّفُ المالكِ في ملكِه بما شاءَ منْ إجارةٍ وغيرِها. ويدلُّ على ذلكَ ما وقعَ منَ المزارعةِ في
(1)
في "صحيحه"(3/ 1183 رقم 118، 119/ 1549).
وبالنهي عن المزارعة فقط أخرجه أحمد (4/ 33).
(2)
في صحيحه (3/ 1182 رقم 112/ 1547).
(3)
تقدم منها برقم (25/ 760) من كتابنا هذا.
(4)
في صحيحه (3/ 1177 رقم 96/ 1536).
(5)
يأتي تخريجه في الأضاحي أثناء شرح الحديث رقم (9/ 1274).
عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وعَهْدِ الخلفاءِ منْ بعدِه، ومنَ البعيدِ غَفْلَتُهم عنه النَّهْي، وتركِ إشاعةِ رافعٍ لهُ في هذهِ المدةِ، وذكرهُ في آخِرِ خلافةِ معاويةَ
(1)
. قالَ الخطابي
(2)
: قدْ عَقَلَ المعنَى ابنُ عباسٍ
(3)
وأنهُ ليسَ المرادُ تحريمَ المزارعة بشطرِ ما تخرجُه الأرضُ، وإنَّما أُرِيْدَ بذلكَ أنْ يتمانحوا، وأنْ يرفقَ بعضُهم بعضًا، انتهى.
وعن زيدِ
(4)
بن ثابتٍ: يغفرُ اللَّهُ لرافعٍ، أنَا واللَّهِ أعلمُ بالحديثِ منهُ:"إنَّما أتاهُ رجلانِ منَ الأنصارِ قدِ اختلفَا، فقالَ: إنْ كانَ هذا شأنُكم فلا تُكْرُوا المزارعَ"، كأن زيدًا يقولُ: إنَّ رافعًا اقتطعَ الحديثَ، فرَوَى النَّهْيَ غير راوٍ أوَّلَه فأخلَّ بالمقصودِ، وأما الاعتذارُ عنْ جهالةِ الأجرةِ فقدْ صحَّ في المرضعةِ
(5)
بالنفقةِ، والكسوةِ معَ الجهالةِ قدْرًا، ولأنه كالمعلومِ جملة، لأنَّ الغالبَ تَقَارُبُ حالِ الحاصلِ، وقدْ حُدَّ بجهةِ الكميةِ أعني النصفَ والثلثَ، وجاءَ النصُّ فقطعَ التكلُّفاتِ.
جواز إعطاء الحجَّام أجرَهُ
4/ 858 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ أَجْرَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(6)
. [صحيح]
(1)
كما في رواية مسلم (3/ 1180 رقم 109)، أن ابن عمر بلغه في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث بالنهي عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(2)
انظر: "معالم السنن"(5/ 53 رقم 3248)، بحاشية اختصار أبي داود للمنذري.
(3)
يشير إلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي أخرجه البخاري (2330)، وأطرافه (2342، 2634)، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه ولكن قال: أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجًا معلومًا.
وأخرجه مسلم (1550)، وأبو داود (3389)، والترمذي (1385)، والنسائي (3873)، وابن ماجه (2462)، وأحمد (1/ 234، 281، 313) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 110)، والبيهقي (6/ 134).
(4)
أخرجه أبو داود (3390)، والنسائي (3927)، وابن ماجه (2461)، وقد ضعَّفه المحدث الألباني في "ضعيف أبي داود"(ص 340 رقم 736).
(5)
يشير إلى قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
…
} الآية [البقرة: 233].
(6)
في "صحيحه"(4/ 324 رقم 2103) وأطرافه (2278، 2279)، وأخرجه مسلم =
(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنه قالَ: احتجمَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأعْطَى الذي حَجَمَهُ أَجْرَهُ، ولوْ كانَ حرامًا لم يعطه. رواهُ البخاريُّ)، وفي لفظٍ في البخاريِّ
(1)
: ولو عَلِمَ كراهيةً
(2)
لم يعطِه. وهذَا منْ قولِ ابن عباسٍ رضي الله عنه، كأنهُ يريدُ الردَّ على مَنْ زعمَ أنهُ لا يحلُّ إعطاءُ الحجَّام أُجْرَتَهُ، وأنهُ حرامٌ. وقدِ اختلَفَ العلماء في أُجْرَةِ الحجَّامِ، فذهبَ الجمهورُ
(3)
إلى أنهُ حلالٌ، واحتجُّوا بِهَذَا الحديثِ، وقالُوا: هوَ كَسْبٌ فيهِ [زيادة]
(4)
دناءةٌ، وليسَ بِمُحَرَّمٍ. وحملُوا النَّهْيَ على التنزيهِ، وَمنْهم
(5)
من ادَّعَى النَّسخَ، وأنهُ كانَ حرامًا ثمَّ أُبِيحَ، وهوَ صحيحٌ إذا عُرِفَ التاريخُ، وذهبَ أحمدُ
(6)
وآخرونَ إلى أنهُ يُكْرَهُ لِلْحُرِّ الاحترافُ بالحجامةِ، ويحرمُ عليهِ الإنفاقُ [لنفسه]
(7)
منْ أجرته، ويجوزُ له الإنفاقُ على الرقيقِ، والدوابِّ، وحُجَّتُهمِ ما أخرجَهُ مالكٌ
(8)
، وأحمدُ
(9)
، وأصحابُ السُّنَنِ
(10)
برجالٍ ثقاتٍ منْ حديثِ محيصةَ أنهُ سألَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عنْ كسبِ الحجّامِ فنهاهُ، فذكرَ لهُ الحاجة فقال: اعلفْهُ نواضِحَكَ، وأباحوا للعبدِ مُطْلَقًا. وفيهِ جوازُ التَّداوي بإخراجِ الدَّمِ [وغيرِه]
(11)
وهوَ إجماعٌ.
5/ 859 - وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(12)
. [صحيح]
= (3/ 1205 رقم 65، 66/ 1202)، وأبو داود (3/ 708 رقم 3423).
(1)
في "صحيحه"(4/ 458 رقم 2279).
(2)
في المخطوط "كراهته"، وما أثبتناه من المطبوع وصحيح البخاري.
(3)
انظر: "فتح الباري"(4/ 459).
(4)
زيادة من (أ).
(5)
قال في "الفتح": "وجنح إلى ذلك الطحاوي، والنسخ لا يثبت بالاحتمال". اهـ.
(6)
انظر: "مسائل عبد اللَّهِ بن أحمد لأبيه"(ص 305 رقم 1135: 1137).
(7)
في (ب): "على نفسه".
(8)
في "الموطأ"(2/ 974 رقم 28).
(9)
في "المسند"(5/ 435، 436).
(10)
أبو داود (3422)، والترمذي (1277)، وابن ماجه (2166)، والطحاوي (4/ 131)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وانظر: "الصحيحة" للألباني (رقم 1400).
(11)
زيادة من (ب).
(12)
في "صحيحه"(3/ 1199 رقم 41/ 1568) وفي أوله: "ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث"، وأخرجه أبو داود (3421)، والترمذي (1275)، وأحمد (3/ 464، 465)،=
(وعنْ رافعِ بن خُدَيْجٍ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَسْبُ الحجَّامِ خبيثٌ. رواهُ مسلمٌ). الخبيثُ ضدُّ الطَّيِّب، وهلْ يدلُّ على تحريمِه؟ الظاهرُ أنهُ لا يدلُّ له، فإنهُ تعالى قالَ:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}
(1)
فسمَّى رذالَ المالِ خبيثًا ولم يحرِّمْه. وأما حديثُ
(2)
: من السُّحْتِ كَسْبُ الحجَّامِ" فقدْ فسَّره هذا الحديثُ، وأنهُ أُرِيدَ بالسُّحتِ عدمُ الطِّيبِ. وأَيَّدَ ذلكَ إعطاؤهُ صلى الله عليه وسلم الحجَّامَ أُجْرَتَهُ. قالَ ابنُ العربيِّ
(3)
: يُجْمَعُ بينَه وبينَ إعطائِه صلى الله عليه وسلم الحجَّامَ أُجْرَتَه بأنَّ محلَّ الجوازِ ما إذا كانتِ الأجرةُ على عملٍ، ومحلُّ الزَّجْرِ ما إذا كانت [الأجرةِ]
(4)
على عملٍ مجهولٍ.
قلتُ: هذا بناءً على أن ما يأخذُه حرامٌ. وقالَ ابنُ الجوزي رحمه الله: إنَّما كُرِهَتْ لأنها منَ الأشياءِ التي تجبُ على المسلمِ للمسلمِ إعانتُه بهِ عندَ [الحاجة]
(5)
، فما كان ينبغي له أنْ يأخذَ على ذلكَ أَجْرًا.
شدة جُرم من ذكر في الحديث
6/ 860 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ عز وجل: ثَلَاثةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًا فَأكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلْ اسْتَأجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(6)
. [صحيح]
= والطحاوي في "شرح المعاني"(4/ 129)، والبيهقي (6/ 6).
(1)
سورة البقرة: الآية 267.
(2)
أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 129)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(1/ 339) وأحمد (2/ 299، 332، 347، 415، 500)، والحازمي في "الاعتبار"(ص 176)، وابن حبان (ص 273 رقم 1118 - الموارد)، والبيهقي (6/ 6) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.
وقد صحَّحه الشيخ شعيب الأرنؤوط في "الإحسان"(11/ 315 رقم 4941).
(3)
نحوه في "عارضة الأحوذي"(5/ 277).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
في (ب): "الاحتياج".
(6)
لم أجده في "صحيح مسلم"، وهو في "صحيح البخاري"(2270).
وأخرجه ابن ماجه (2442)، وأحمد (2/ 358)، وابن الجارود (2/ 167 رقم 579)، والبيهقي (6/ 121).
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قالَ اللَّهُ تعالَى: ثلاثةٌ أنا خصمُهم يومَ القيامةِ: رجلٌ أعْطَى بي ثمَّ غدرَ، ورجلٌ باعَ حُرًّا فأكلَ ثَمَنَهُ، ورجلٌ استأجَرَ أجيرًا فاستوفَى منهُ، ولم يعطِه أجْرَهُ. رواهُ مسلم).
فيهِ دلالةٌ على شِدَّةِ جُرْمِ مَنْ ذُكِرَ، وأنهُ تعالى يخصمُهم يومَ القيامةِ نيابةً عمَّنْ ظلموهُ. وقولُه: أعْطَى بي، أي: حلفَ باسمي وعاهدَ، أوْ أعطى الأمانَ باسمي وبما شرعْتُهُ منْ ديني، وهو مجمع على تحريمِ الغدْرِ والنَّكثِ، وكذا بيعُ الحرِّ مجمعٌ
(1)
على تحريمِهِ. وقولُ: استوفَى استكملَ منهُ العملَ ولم يعطِهِ الأجْرَةَ فهوَ أكْلٌ لمالِهِ بالباطلِ معَ تَعبهِ وكدِّهِ.
جواز أخذ الأجر على تعليم القرآن
7/ 861 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إن أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ"، أخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
(2)
. [صحيح]
(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: إن أحقَّ ما أخذْتُم عليهِ أجْرًا كتابُ اللهِ. أخرجَهُ البخاريُّ). وقدْ عارضَهُ ما أخرجَهُ أبو داودَ
(3)
منْ حديثِ عبادةَ بن الصامتِ ولفظُه: "علَّمْتُ ناسًا منْ أهلِ الصُّفَّةِ الكتابَ والقرآنَ؛ فأهْدَى إليَّ رجلٌ منْهم قوسًا، فقلتُ: ليستْ بمالٍ وأرمي عليها في سبيل اللَّهِ، فأتيتُه فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، رجلٌ أَهْدَى إليَّ قَوْسًا ممنْ كنتُ أعلِّمُهُ الكتابَ والقرآن فليست لي بمالٍ فَأَرْمِي عليها في سبيلِ اللَّهِ، فقالَ: إنْ كنتَ تحبُّ أنْ تطوَّقَ طَوْقًا منْ نارٍ فاقبلْها". فاختلفَ العلماءُ في العملِ بالحديثينِ، فذهبَ الجمهورُ منهم: مالكٌ
(4)
،
(1)
قال ابن المنذر في "الإجماع"(ص 114 رقم 471): وأجمعوا على أن بيع الحر باطل. اهـ.
(2)
في صحيحه (10/ 198 رقم 5737).
وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(8/ 267 رقم 2187)، والبيهقي (6/ 124)، والدارقطني (3/ 65 رقم 247، 248).
(3)
في "سننه"(3/ 701، 702 رقم 3416، 3417).
وأخرجه ابن ماجه (2157)، وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 655 رقم 2915).
(4)
انظر: "بداية المجتهد"(3/ 427: 429) بتحقيقنا.
والشافعيُّ
(1)
، إلى جوازِ أخذِ الأجرةِ على تعليمِ القرآنِ، سواءٌ كانَ المتعلمُ صغيرًا أو كبيرًا، ولو تعيَّنَ تعليمُه على المعلمِ عملًا بحديثِ ابن عباسٍ، ويؤيدُه ما يأتي في النكاحِ منْ جَعْلِهِ
(2)
صلى الله عليه وسلم تعليمَ الرجلِ لامرأتِه القرآنَ مهرًا لها، قالُوا: وحديثُ عبادةَ لا يعارضُ حديثَ ابن عباسٍ؛ إذْ حديثُ ابن عباسٍ صحيحٌ، وحديثُ عبادةَ في رواته مغيرةُ بنُ زيادة مختلفٌ
(3)
فيه، واستنكرَ أحمدُ حديثَه. وفيه أيضًا الأسودُ بنُ ثعلبةَ فيهِ مقالٌ
(4)
، فلا يعارضُ الحديثَ الثابتَ. قالُوا: ولو صحَّ فإنهُ محمولٌ على أن عُبادةَ كانَ متبرّعًا بالإحسانِ وبالتعليمِ، غيرَ قاصدٍ لأخْذِ الأجرةِ، فحذَّرهُ صلى الله عليه وسلم منْ إبطالِ أجْرهِ، وتوعَّده في أخْذِ الأجرةِ منْ أهلِ الصُّفَّةِ بخصوصِهم كراهةً ودناءةً؛ لأنهم ناسٌ فقراءُ كانُوا يعيشونَ بصدقةِ الناسِ، فَأَخْذُ المالِ منْهم مكروهٌ. وذهبَ الهادويةُ
(5)
والحنفيةُ
(6)
وغيرُهما إلى تحريمِ أَخْذِ الأجرةِ على تعليم القرآنِ، مستدلِّينَ بحديثِ عُبَادَةَ، وفيهِ ما عرفتَ قريبًا. نعمْ استطردَ البخاريُّ
(7)
ذِكْرَ أخذِ الأجرةِ على الرقيةِ في هذا البابِ، فأخرجَ حديثِ أبي سعيدِ في رقيةِ بعض الصحابةِ لبعضِ العربِ، وأنهُ لم يرقَهُ حتَّى شرطَ [عليهم]
(8)
قطيعًا منْ
(1)
انظر: "شرح السنة للبغوي"(8/ 268).
(2)
انظر تخريجه في (9/ 920) من كتابنا هذا.
(3)
قال وكيع: ثقة، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال العجلي وابن عمار ويعقوب بن سفيان: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح صدوق ليس بذاك القوي، وقال ابن معين: ثقة ليس به بأس، وقال أحمد: مضطرب الحديث أحاديثه مناكير، وقال أبو زرعة: في حديثه اضطراب. انظر ترجمته في: "التهذيب"(10/ 231).
(4)
انظر ترجمته في: "التهذيب"(1/ 295)، وقال عنه في "التقريب" (1/ 76): مجهول. اهـ
وهذا الإسناد الذي علله الشارح متابع كما في سنن أبي داود (3/ 3417) فأمنَّا ضعف الراويين المذكورين.
(5)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 48).
(6)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 126: 129).
(7)
في صحيحه (4/ 453 رقم 2276)، وأطرافه (5007، 5736، 5749).
قلت: وأخرجه مسلم (65/ 2201)، وأبو داود (3900)، والترمذي (2064)، وابن ماجه (2156)، وأحمد (3/ 10، 44)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(رقم 1027)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(رقم 636).
(8)
في (ب): "عليه".
[الغنم]
(1)
، فتفلَ عليهِ، وقرأَ [عليهِ]
(2)
: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} فكأنما نشط من العقال، فانطلق يمشي وما به قلبةٌ، أي: علة، فأوفاهُ ما شرطَ، ولما ذَكَرُوا ذلكَ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: قدْ أصبتُم، اقسمُوا واضربوا لي معكم سَهْمًا، وذِكْرُ البخاري لهذِه القصةُ في هذا الباب تأييد جواز الأجرة على تعليم القرآن وإنْ لم [يكن]
(3)
منَ الأجرةِ على التعليمِ، وإنَّما فيها دلالةٌ على جوازِ أَخْذِ العِوَضِ في مقابلةِ قراءةِ القرآن تعليمًا أو غيرِه، إذ لا فرقَ بينَ قراءتِه للتعليمِ وقراءتِه للطِبِّ.
إعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه
8/ 862 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اعْطُوا الأجِيرَ أجْرَهُ قَبْلَ أنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(4)
. [صحيح بشواهده]
- وَفي الْبَابِ عَنِ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عِنْدَ أَبِي يَعْلَى
(5)
وَالْبَيْهَقِيّ
(6)
، وَجَابرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانيّ
(7)
، وَكُلُّهَا ضِعَافٌ.
(وعنِ بن عمرَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أعطُوا الأجيرَ أجْرَهُ قبلَ أنْ يَجِفَّ عرقُه. رواهُ ابن ماجهْ. وفي البابِ عنْ أبي هُرَيرةَ عندَ أبي يَعْلَى، والبيهقيِّ، وجابرٍ عندَ الطبراني، وكلُّها ضِعافٌ)؛ لأنَّ في حديثِ
(8)
ابن عمرَ شَرَقِيُّ بن قطامي، ومحمدَ بنَ
(1)
في (ب): "غنم".
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في (ب): "تكن".
(4)
في سننه (2/ 817 رقم 2443).
وإسناده ضعيف جدًّا كما قال الألباني في "الإرواء"(5/ 320)، إلا أنه صحيح بشواهده الآتية.
(5)
في "مسنده"(12/ 24 رقم 842/ 6682).
(6)
في "السنن الكبرى"(6/ 121) بإسنادين الأول ضعيف والثاني صحيح ما بيَّنه الألباني في "الإرواء".
(7)
في "المعجم الصغير"(1/ 43 رقم 34)، وإسناده ضعيف إلَّا أنَّهُ صحيح بشواهد.
(8)
وهم الشارح رحمه الله في هذا، وإنما شرقي وابن زياد في إسناد حديث جابر لا ابن عمر، وشرقي بن قطامي قال عنه الذهبي في "الميزان" (2/ 268): له نحو عشرة أحاديث فيها مناكير اهـ. وقال (3/ 552) عن محمد بن زياد: قال يحيى بن معين لا شيء.
زيادٍ الراوي عنهُ، وكذَا في مسندِ أبي يَعْلَى، والبيهقيِّ، وتمامُه عندَ البيهقيَّ
(1)
: "وأعْلَمَهُ أجْرَهُ وهوَ في عملِه"، قالَ البيهقيُّ عقيبَ سياقِه بإسنادِه: وهذا ضعيفٌ بمرَّة.
9/ 863 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اسْتَأجَرَ أجيرًا فَلْيُسَمِّ لَهُ أُجْرَتَهُ"، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
(2)
، وفيهِ انْقِطَاعٌ، وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقيُّ
(3)
مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ. [ضعيف]
(وعنْ أبي سعيد رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: منِ استأجرَ أجيرًا فليسمِّ لهُ أُجْرَتَهُ. رواهُ عبدُ الرزاقِ، وفيهِ انقطاعٌ، وَوَصَلَهُ البيهقيُّ منْ طريقِ أبي حنيفةِ).
وقالَ البيهقيُّ: "كَذَا رواهُ أبو حنيفةَ، وكَذَا في كتابي عنْ أبي هريرةَ. وقيلَ منْ وجْهٍ آخرَ ضعيفٌ عن ابن مسعود".
والحديثِ دليلٌ على [ندبٍ]
(4)
تسميةِ أجرةِ الأجيرِ عَلَى عملِهِ لئلَّا تكونَ مجهولةً [فتؤدي]
(5)
إلى الشِّجارِ والخصامِ.
* * *
(1)
في "السنن الكبرى"(6/ 120).
(2)
في "المصنف"(8/ 235 رقم 15024).
(3)
في "السنن الكبرى"(6/ 120).
قلت: وأخرجه أحمد (3/ 59، 68، 71)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 97):"ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن إبراهيم النخعي لم يسمع من أبي سعيد فيما أحسب" اهـ. وأخرجه النَّسَائِي (3857)، بإسناد صحيح موقوف على أبي سعيد، وصحَّح وقفه أبو زرعة فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 376 رقم 1118)، والخلاصة: أن الحديث ضعيف. وأخرجه أيضًا أبو داود في "المراسيل"(ص 167 رقم 181).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
في (أ): "فيؤدي".
[الباب السادس عشر] باب إحياء الموات
المواتُ بفتحِ الميمِ والواوِ الخفيفةِ، الأرضُ التي لم تُعْمَرْ، شُبّهَتْ العمارةُ بالحياةِ وتعطيلُها بعدمِ الحياةِ، وإحياؤُها عِمَارَتُها. واعلمْ أن الإحياءَ وردَ عن الشارعِ مُطْلقًا، وما كانَ كذلكَ وجبَ الرجوعُ فيهِ إلى العُرْفِ؛ لأنهُ قدْ يبينُ مطلقاتِ الشارعِ كما في قبضِ المبيعاتِ، والحِرْزِ في السرقةِ مما يحكمُ بهِ العرفُ، والذي يحصلُ به الإحياءُ في العرفِ أحدُ خمسةِ أسباب: تَبْيِيضُ الأرضِ وتنقيتُها للزرعِ، وبناء الحائط على الأرض، وحفر الخندق القعير الذي لا يطلع من نَزَلَهُ إلَّا بمطَّلعٍ، هذا كلامُ الإمامِ يحيى
(1)
.
إحياء الأرضَ تملُّكٌ لها إذا لم يثبت فيها حق للغير
1/ 864 - عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيسَتْ لأحَدٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا"، قَالَ عُرْوَةُ: وَقَضَى بِهِ عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(2)
. [صحيح]
(عنْ عروةَ، عنْ عائشةَ رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: منْ عمَّر أرضًا) بالفعلِ الماضِي، ووقعَ: أعمرَ، في روايةٍ
(3)
ماضيًا أيضًا من المزيد، والصحيحُ
(1)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 72، 73).
(2)
في صحيحه (5/ 18 رقم 2335).
وأخرجه ابن الجارود (3/ 266 رقم 1014)، والبيهقي (6/ 141، 147)، والبغوي في "شرح السنة"(8/ 269 رقم 2188).
(3)
في البخاري (2335).
الأولُ
(1)
، (ليستْ لأحدٍ فهوَ أحقُّ بها. قالَ عروةُ: وقَضَى بهِ عمرُ في خلافتِهِ. رواهُ البخاريُّ)، وهوَ دليلٌ على أن الإحياءَ تَمَلُّكٌ [إذا]
(2)
لم يكنْ قدْ ملكَها مسلمٌ، أو ذميٌّ، أو ثبتَ فيها حقٌّ للغيرِ. وظاهرُ الحديثِ أنه لا يُشْتَرَطَ في ذلكَ إذنُ الإمامِ وهوَ قولُ الجمهورِ
(3)
، وعنْ أبي حنيفةَ
(4)
أنهُ لا بدَّ منْ إذْنِهِ، ودليلُ الجمهورِ هذا الحديثُ والقياسُ على ماءِ البحرِ والنهرِ، وما صِيدَ منْ طيرٍ وحيوانٍ، فإنهم اتفقُوا على أنهُ لا يُشْتَرطُ فيهِ إذْنُ الإمامِ، وأما ما تقدَّمَ عَلَيْهِ يدٌ لغيرِ مُعَيَّنٍ ثم مات فإنه لا يجوز إحياؤها إلا بإذن الإمام، وكذلك ما تعلَّق به حق لغيرِ معين كبطونِ الأوديةِ، فإنه لا يجوز إلا بإذنِ الإمام مما ليسَ فيهِ ضررٌ لمصلحةٍ عامةٍ، ذَكرَهُ بعضُ الهادويةِ (5). قالَ المؤيدُ
(5)
وأبَو حنيفةَ
(6)
: لا يجوزُ إحياؤُها بحالٍ من الأحوالِ لِجَرْيَهَا مَجْرَى الأملاكِ، لتعلقِ سيولِ المسلمينَ بها؛ إذْ هيَ مَجْرَى السيولِ. وقالَ الإمامُ المهدي (5) - وهوَ قويٌّ -: فإنْ تحوَّلَ عنْها جَري الماءُ جازَ إحياؤُها بإذنِ الإمامِ، لانقطاعِ الحقِّ، وعدمِ تَعَيُّنِ أهلهِ، وليسَ للإمامِ الإذنُ معَ ذلكَ إلا لمصلحةٍ عامةٍ لا ضررَ فيها. ولا يجوزُ الإذنُ لكافرٍ بالإحياءِ لقولِه
(7)
صلى الله عليه وسلم: "عاديّ
(8)
الأرضِ للَّهِ ولرسولِه، ثمَّ هيَ لكمْ"، والخطابُ للمسلمينَ. قولُه: "وقَضَى بهِ عمرُ"، قيلَ: هوَ مرسلٌ لأنَّ عروةَ
(9)
وُلدَ في آخِرِ خلافةِ عمرَ.
2/ 865 - وَعَنْ سَعِيد بْنِ زيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيتَةً فَهِيَ لَهُ"، رَوَاهُ الثَّلاثَةُ
(10)
، وَحَسَّنَهُ التّرْمَذِيُّ، وَقَالَ: رُوِيَ مُرْسَلًا، وَهُوَ كَمَا
(1)
هذا ما ذهب إليه القاضي عياض رحمه الله وخالفه غيره. انظر: "فتح الباري"(5/ 20).
(2)
في (ب): "إنْ".
(3)
انظر: "فتح الباري"(5/ 18).
(4)
انظر: "المبسوط"(23/ 181).
(5)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 72).
(6)
انظر: "المبسوط"(23/ 183).
(7)
أخرجه البيهقي (6/ 143)، مرسلًا وموصولًا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه الشافعي (2/ 112)، رقم (1349) - بدائع المنن" مرسلًا، والحديث ضعيف، ضعَّفه المحدث الألباني في "الضعيفة" (553)، وفي الإرواء"(6/ 3 رقم 1549).
(8)
قال الحافظ في "التلخيص الحبير"(3/ 62): وقوله عاديّ الأرض - بتشديد الياء المثناة - يعني القديم الذي من عهد عاد وهلمَّ جرًّا. اهـ.
(9)
انظر: "فتح الباري"(5/ 20)، ونسب الحافظ هذا القول لخليفة.
(10)
تقدم تخريجه برقم (4/ 846) من كتابنا هذا، وأنَّه صحيح.
قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي صَحَابِيِّه، فَقِيلَ: جَابِرٌ، وَقِيلَ: عَائِشَةُ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالرَّاجِحُ الأَوَّلُ. [صحيح]
(وعَنْ سعيدِ بن زيدٍ) تقدَّمتْ ترجمتُه في كتابِ الوضوءِ (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ أحْيا أرضًا مَيْتَةً فَهيَ لَهُ. رَوَاهُ الثلاثةُ، وحسَّنهُ الترمذيُّ وقالَ: رُوِيَ مرسلًا وهوَ كما قالَ واخُتلِفَ في صحابِيِّهِ) أي في راويهِ منَ الصحابةِ، (فقيلَ جابرٌ، وقيلَ عائشةٌ، وقيلَ عبدُ اللَّهِ بن عمر، والراجحُ) منَ الثلاثةِ الأقوالِ (الأولِ) وفيهِ أن رجلينِ اختصَما إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، غرسَ أحدُهما نخلًا في أرضِ الآخرِ، فقضَى لصاحبِ الأرضِ بأرضِهِ، وأمرَ صحابَ النخلِ أنْ يخرجَ نَخْلَه منْها قالَ: فلقدْ رأيتُها، وإنَّها تُضْرَبُ أصولُها بالفؤوسِ، وإنَّها لنخلٌ عمٌّ حتَّى أُخْرِجَتْ منْها. وتقدَّمَ
(1)
الكلامُ على فِقْهِهِ، وأنهُ
(2)
: "ليسَ لِعِرْقِ ظالمٍ حقٌّ".
لا حمى إلا لله ولرسوله
3/ 866 - وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أن الصَّعْبَ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ أخْبَرَهُ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا حِمَى إلَّا لله وَلِرَسُولِهِ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(3)
. [صحيح]
(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن الصَّعْبَ) بفتحِ الصادِ المهملةِ، وسكونِ العينِ المهملةِ، فموحَّدةٍ (ابنَ جَثَّامَة) بفتحِ الجيمِ، فمثلثةٍ مشددةٍ (أخبرَهُ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا حِمَى إلا للَّهِ ولرسولِه. رواهُ البخاريُّ)، الحِمَى يُقْصَرُ ويمدُّ، والقصْرُ أكثرْ، وهوَ المكانُ المحمي، وهوَ خلافُ المباحِ، ومعناهُ أنْ يمنعَ الإمامُ الرعْيَ في أرضٍ مخصوصةٍ لتختصَّ برَعْيها إبلُ الصدقةَ مَثَلًا، وكانَ
(4)
في الجاهليةِ أنه أرادَ الرئيسُ أنْ يمنعَ الناسَ منْ محلٍّ يريدُ اختصاصَهُ استَعوى كَلْبًا منْ مكانٍ عالٍ، فإلى حيثُ
(1)
أثناء شرح الحديث الآنف الذكر.
(2)
هذه الجملة هي تتمة حديث الباب.
(3)
في صحيحه (5/ 44 رقم 2370) وطرفه في (3013).
وأخرجه أبو داود (3083، 3084)، وأحمد (4/ 37، 71، 73). والشافعي (2/ 115 رقم 1355 - بدائع المنن"، والبيهقي (6/ 146)، والبغوي في "شرح السنة (8/ 272 رقم 2190)، والبيهقي في "المعرفة" (9/ 13 رقم 12189)، وابن أبي شيبة (7/ 303 رقم 3241).
(4)
انظر: "فتح الباري"(5/ 44).
ينتَهي صوتُه حمَاهُ منْ كلِّ جانبٍ، فلا يرعاهُ غيرُه، وَيرْعَى هوَ مَعَ غيرِه، فأبطلَ الإسْلامُ ذلك، وأثبتَ الحِمَى للَّهِ ولرسولِهِ، قالَ الشافعيُّ
(1)
: يحتملُ الحديثُ شيئينِ، أحدُهما: ليسَ لأحدٍ أنْ يحميَ للمسلمينَ إلَّا ما حماهُ النبي صلى الله عليه وسلم، والآخرُ معناهُ: إلَّا على مِثْلِ ما حماهُ عليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فعلَى الأوَّلِ ليسَ لأحد منَ الولاةِ بعدَه أنْ يحمِيَ، وعلى الثاني يختصُّ الحمَى بمنْ قامَ مقامَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وهو الخليفة خاصةً. ورجَّحَ هذا الثاني بما ذكرهُ البخاريُّ
(2)
عن الزهريّ تعليقًا أن عمرَ حَمَى الشَّرفَ والربذةَ. وأخرجَ ابنُ أبي شيبةَ
(3)
بإسنادٍ صحيحٍ عن نافع، عن ابن عمرَ [أن عمرَ]
(4)
حَمَى الرَّبْذَةَ لإبلِ الصدقةِ. وقدْ ألحقَ بعضُ الشافعيةِ
(5)
وُلاةَ الأقاليمِ في أنَّهم يحمونَ لكنْ بشرطِ أنْ لا يضرَّ بكافةِ المسلمينَ. واختُلِفَ هلْ للإمامِ أنْ يحمي لنفسِه أو لا يحمي إلا لما هوَ للمسلمينَ فقالَ المهدي
(6)
: كانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم أنْ يحميَ لنفسِه، ولكنّهُ [لا]
(7)
يملكْ لنفسهِ ما يحمي لأجلِه. وقالَ الإمامُ يحيى (6): والفريقانِ
(8)
لا يحمي إلا لخيلِ المسلمينَ، ولا يحمي لنفسِه ويحمي لإبلِ الصدقةِ، ولمنْ ضَعُفَ منَ المسلمينَ عن الانتجاعِ، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا حِمَى إلَّا للَّهِ. الحديثَ. ولا يخْفَى أنهُ لا دليلَ فيهِ على الاختصاصِ، أما قصةُ عمرَ فإنَّها دالةٌ على الاختصاصِ، ولفظُها فيما أخرجَهُ أبو عبيدٍ
(9)
، وابنُ أبي شيبةَ
(10)
، والبخاريُّ
(11)
، والبيهقيّ
(12)
عنْ أسلمَ أن
(1)
انظر: "المعرفة"، للبيهقي (9/ 14 رقم 12194، 12195)، و"الأم"(4/ 48).
(2)
في "صحيحه"(5/ 44 بعد الحديث رقم 2370)، وأخرجه البيهقي (6/ 146)، وفي "المعرفة"(9/ 14 رقم 12191).
(3)
في "المصنف"(7/ 304 رقم 3244)، وصحّحه الحافظ في "الفتح"(5/ 45).
(4)
سقطت من المخطوطة والتصويب من المطبوعة والمصنف.
(5)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (4/ 48).
(6)
انظر: "البحار الزخار"(4/ 77).
(7)
في (ب): "لم".
(8)
قال صاحب حاشية المطبوعة (3/ 927): لعله يريد الزيدية والهادوية. اهـ. قلت: هذا مما نقله الشارح من "البحر الزخار" ورمزه فيه "قين"، والمقصود بهما:"الحنفية والشافعية" كما بيَّنه محشيّ "البحر الزخار"(1/ غ).
(9)
في كتاب "الأموال"(ص 274 رقم 741).
(10)
لم أجده في "المصنف".
(11)
في "صحيحه"(6/ 175 رقم 3059).
(12)
في "السنن الكبرى"(6/ 146، 147)، وفي "المعرفة"(9/ 14، 15 رقم 12197)،=
عمرَ بنَ الخطابِ استعملَ مولىَ لهُ يُسَمَّى هنيًا على الحِمَى فقال له يا هنيُّ، اضممْ جناحَك عن المسلمينَ، واتقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنّ دعوةَ المظلومِ مجابةٌ. وأدخلْ ربَّ الصريمةِ والغنيمةِ، وإياك ونعمَ ابنَ عوفٍ، ونعمَ ابن عفانَ، فإنهما إنْ تَهْلِكْ ماشيتُهما يرجعانِ إلى نخلٍ وزرعٍ، وإنَّ ربَّ الصريمةِ والغنيمةِ إنْ تهلكْ ماشيتُهما يأتيني ببنيهِ، يقول: يا أميرَ المؤمنينَ، أفتارِكُهم أنا لا أبا لك. فالكلأ والماءُ أيسرُ عليَّ منَ الذهبِ والورقِ، وأيمُ اللَّهِ إنَّهم يرونَ أني ظلمتُهم، وإنّها لَبِلادُهُمْ قاتلُوا عليها في الجاهليةِ، وأسلمُوا عليها في الإسلامِ، والذي نفسي بيدِه لولا المالُ الذي أحمل عليهِ في سبيلِ اللَّهِ ما حميتُ على الناسِ في بلادِهم، انتَهى. فهذا صريحٌ أنهُ لا يَحْمِي الإمامُ لنفسِه.
لا ضرر ولا ضرار
4/ 867 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا، قَال: قَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
، وابْنُ مَاجَهْ
(2)
. [صحيح لغيره]
- وَلَهُ
(3)
مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ، وَهُوَ في "الْمُوَطَّإِ"
(4)
مُرْسَلٌ. [صحيح بشواهده]
= وأخرجه البغوي (8/ 273، 274 رقم 2191)، ومالك في "الموطأ"(2/ 1003 رقم 1).
(1)
في "المسند"(1/ 313).
(2)
في "السنن"(2/ 784 رقم 2341).
قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير"(11/ 302 رقم 11806)، والدارقطني (4/ 228 رقم 84)، وهو حديث صحيح لغيره، انظر:"الإرواء"(3/ 409)، و"السلسلة الصحيحة"(1/ 445).
(3)
لم أجده في "سنن ابن ماجه" من حديث أبي سعيد، وإنما أخرجه الدارقطني (4/ 228 رقم 85)، والحاكم (2/ 57) وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي (6/ 69)، وإسناده ضعيف كما قال الألباني في "الإرواء"(3/ 410) و"السلسلة"(1/ 444، 445)، ولكنه صحيح بشواهده.
(4)
(2/ 745 رقم 31) من حديث عمرو بن يحيى المازني عن أبيه مرسلًا.
وفي الباب عن عبادة بن الصامت أخرجه ابن ماجه (2340)، والبيهقي (10/ 133)، ومن حديث ثعلبة بن مالك القرظي أخرجه الطبراني في "الكبير"(2/ 86 رقم 1387) وفات هذا الحديث الحافظ الهيثمي فلم يورده في "المجمع"(4/ 110) قاله الألباني في "الصحيحة"(1/ 448)، وأخرجه أيضا أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"(1/ 344) ومن حديث أبي هريرة (4/ 228 رقم 86).
(وعنْ ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: قَالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا ضَرَرَ ولا ضِرَار. رواهُ أحمدُ، وابن ماجَهْ. ولهُ) أي ابن ماجهْ (منْ حديثِ أبي سعيدٍ مثلُه، وهوَ في "الموطأ" مرسلٌ)، وأخرجهُ ابنُ ماجهْ أيضًا، والبيهقيُّ منْ حديثِ عبادةَ بن الصامتِ. وأخرجهُ مالكٌ عنْ عمرِو بن يحيى المازنيِّ، عنْ أبيهِ مرسلًا بزيادةِ:"مَنْ ضارَّ ضارَّهُ اللَّهُ، ومنْ شاقَّ شاقَّ اللَّهُ عليهِ"، وأخرجهُ بها الدارقطنيُّ، والحاكمُ، والبيهقي عنْ أبي سعيدٍ مرفُوعًا، وأخرجَهُ عبدُ الرزاقِ، وأحمدُ عن ابن عباسٍ أيضًا، وفيهِ زيادةُ
(1)
"وللرجلِ أنْ يضعَ خشبتَهُ في حائطِ جارهِ، والطريقُ الميتاءُ سبعةُ أذرعٍ. وقولُه: لا ضررَ، الضررُ ضدُّ النفعِ، يقالُ: ضرَّهُ يضرُّهُ ضرًا، وضَرارًا، وأضرَّ بهِ يضرُّ إضرارًا، ومعناهُ لا يضرُّ الرجلُ أخاه فينقصَه شيئًا منْ حقِّه، والضَّرارُ فعالٌ منَ الضُّرِّ، أي لا يجازي بإضرارِه بإدخالِ الضرِّ عليهِ، فالضرُّ بفتح الضاد وضمها أفاده القاموس
(2)
ابتداءُ الفعلِ، والضرارُ الجزاءُ عليهِ.
قلت: يبعدُه جوازُ الانتصارِ لمنْ ظُلِمَ: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ}
(3)
الآيةَ: {وَجَزَاءُ سَيئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
(4)
، وقيلَ الضر: ما تضرُّ بهِ صاحِبَكَ وتنتفعُ أنتَ بهِ، والضرُّ أنْ تضرَّ من غيرِ أنْ تنتفعَ. وقيلَ: هما بمعنَى، وتكرارُهما للتأكيدِ، وقدْ دلَّ الحديثُ على تحريمِ الضر؛ لأنهُ إذا نَفَى ذاتَه دلَّ على النَّهي عنهُ؛ لأنَّ النَّهْيَ لطلبِ الكفِّ عن الفعلِ، وهو يلزمُ منهُ عدمُ الفعلِ فاستعملَ اللازمَ في الملزومِ، وتحريمُ الضر معلومٌ عقلًا وشرْعًا إلا ما دلَّ الشَّرْعُ على إباحتِه رعايةً للمصلحةِ التي تربُو على المفسدةِ، وذلكَ مثلُ إقامةِ الحدودِ ونحوِها، وذلكَ معلومٌ في تفاصيلِ الشريعةِ. ويُحْتَمَلُ أنْ لا تُسَمَّى الحدودُ منَ القتلِ والضَّربِ ونحوِه ضرًا منْ فاعِلها لغيرِه؛ لأنهُ إنَّما امتثلَ أمَر اللَّهِ لهُ بإقامتهِ الحدَّ على العاصي، فهوَ عقوبةٌ منَ اللَّهِ تعالى، لا أنهُ إنزالُ ضررٍ، ولهذا لا يُذَمُّ الفاعلُ لإقامةِ الحدِّ بلْ يُمْدَحُ على ذلكَ.
5/ 868 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ
(1)
انظر تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (2/ 824).
(2)
"المحيط" للفيروزآبادي (ص 550).
(3)
سورة الشورى: الآية 41.
(4)
سورة الشورى: الآية 40.
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحَاطَ حَائِطًا عَلَى أرْضٍ فَهِيَ لَهُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ
(2)
. [صحيح بشواهده]
(وعنْ سمُرةَ بن جندبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أحاطَ حائِطًا على أرضٍ فهيَ لهُ. رواهُ أبو داودَ، وصحَّحَهُ ابنُ الجارودِ). وتقدَّم
(3)
أن مَنْ عَمَرَ أرْضًا ليستْ لأحدٍ فهيَ لهُ. وهذا الحديثُ بَيَّنَ نوعًا منْ أنواعِ العِمَارَةِ، ولا بدَّ منْ تقييدِ الأرضِ بأنهُ لا حقَّ فيها لأحد كما سَلَفَ.
حريم البئر
6/ 869 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(4)
بِإِسْنَادِ ضَعِيفٍ. [حسن لغيره]
(وعنْ عبدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ حفرَ بِئْرًا فَلَهُ أربعونَ ذِرَاعًا عَطَنًا)، بفتحِ العينِ المهملةِ، وفتحِ الطاءِ المهملة. في القاموسِ
(5)
: العطنُ محركةً وَطَنُ الإبلِ ومَبْرَكُها حولَ الحوضِ ماشيتِه. رواهُ ابن ماجهْ بإسنادٍ ضعيفٍ)؛ لأنَّ فيهِ إسماعيلَ
(6)
بنَ مسلمِ. وقدْ أخرجَهُ الطبرانيُّ
(7)
منْ حديثِ
(1)
في "سننه"(3/ 456 رقم 3077).
(2)
في "المنتقى"(3/ 267 رقم 1015).
قلت: وأخرجه أحمد (5/ 12، 21)، والطبراني في "الكبير"(7/ رقم 6863، 6864، 6865، 6866، 6867)، والبيهقي (6/ 148)، وسنده ضعيف لعنعنة الحسن البصري، ولكن الحديث صحيح بشواهده، وصحَّحه الألباني في "الإرواء"(رقم 1554).
(3)
في الحديث رقم (1/ 864) من كتابنا هذا.
(4)
في "سننه"(2/ 831 رقم 2486).
وأخرجه الدارمي (2/ 273)، وهو حديث حسن لغيره كما قال الألباني في "السلسلة الصحيحة"(1/ 449، 450)، وشاهده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"حريم البئر أربعون ذراعًا من حواليها كلها لأعطان الإبل والغنم" أخرجه أحمد (2/ 494).
(5)
(ص 1569).
(6)
قال أحمد وغيره: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال النَّسَائِي: متروك.
انظر: "الميزان"(1/ 248)، و"التقريب"(1/ 74) و"الجرح والتعديل"(2/ 198).
(7)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 63).
أشعثَ عن الحسنِ، وفي البابِ عنْ أبي هريرةَ عندَ أحمدَ
(1)
: "حريمُ البئرِ البديء خمسةٌ وعشرونَ ذِراعًا، وحريمُ البئرِ العادي خمسونَ ذراعًا"، وأخرجهُ الدارقطنيُّ
(2)
منْ طريقِ سعيدِ بن المسيبِ عنهُ، وأعلَّها بالإرسالِ، وقالَ: منْ أسندَه فقدْ وهِمَ، وفي سندِهِ محمدُ
(3)
بنُ يوسفُ المقْرِي شيخُ شيخِ الدارقطنيِّ، وهوَ متَّهمٌ بالوضْعِ. ورواهُ البيهقيُّ منْ طريقِ يونسَ عن الزُّهْرِيِّ، عن ابن المسيبِ مرسلًا، وزادَ فيهِ:"وحريمُ بئرِ الزرعِ ثلثمائة ذراعٍ منْ نواحيها كلِّها"، وأخرجهُ الحاكمُ منْ حديثِ أبي هريرةَ موصولًا، ومرسلًا، والموصولُ فيه عمرُ
(4)
بنُ قيسٍ ضعيفٌ. والحديثُ دليلُ على ثبوتِ الحريمِ للبئرِ. والمرادُ بالحريمِ ما يمنعُ منهُ المحيي والمحتفرُ لإضرارهِ. وفي "النهاية" سُمِّيَ بالحريمِ لأنهُ يحرِّمُ منعَ صاحبه منهُ، ولأنهُ يحرِّم على غيرهِ التصرفَ فيهِ. والحديثُ نصٌّ في حريمِ البئرِ. وظاهرُ حديثِ عبدِ اللَّهِ أن العلةَ في ذلكَ هو ما يحتاجُ إليهِ صاحبُ البئرِ عندَ سقْي إِبِلِهِ لاجتماعِها على الماءِ. وحديثُ أبي هريرةَ رضي الله عنه على أن العلةَ في ذلكَ هوَ ما يحتاجُ إليهِ البئرُ لئلَّا تحصلَ المضرَّةُ عليها بقربِ الإحياءِ منْها، ولذلكَ اختلفَ الحالُ في البديء
(5)
والعاديِّ، والجمعُ بينَ الحديثينِ أنهُ ينظرُ ما يحتاجُ إليهِ إما لأجْلِ السَّقْي للماشيةِ، أو لأجْلِ البئرِ. وقد اختلفَ العلماءُ في ذلك، فذهبَ الهادي
(6)
، والشافعيُّ
(7)
،
(1)
لم أجده بهذا اللفظ في "المسند"، وتقدم لفظه قريبًا.
(2)
في "سننه"(4/ 220 رقم 63).
وأخرجه أبو داود في "المراسيل"(ص 290 رقم 402)، وابن أبي شيبة (6/ 373 رقم 1396)، والحاكم (4/ 97)، والبيهقي (6/ 155) من مرسل سعيد بن المسيب ورجاله ثقات رجال الشيخين كما قال الشيخ شعيب في تحقيق "المراسيل".
(3)
قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 63): وهو متهم بالوضع وأطلق عليه ذلك الدارقطني وغيره اهـ. وفي "سنن الدارقطني": محمد بن يوسف بن موسى المقري، ولم أجد له ترجمة في "الميزان" إلا أن يكون هو محمد بن يوسف بن يعقوب، وقد اتهمه الخطيب والدارقطني بالوضع. انظره في:"الميزان"(4/ 72).
(4)
انظر: "التلخيص الحبير"(3/ 63).
(5)
قال في "التلخيص"(3/ 63): البديء بفتح الموحدة وكسر الدال بعدها مد وهمزة هي التي ابتدأتها أنت، والعادية: القديمة. اهـ.
(6)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 101).
(7)
انظر: "معرفة السنن والآثار"(9/ 31).
وأبو حنيفةَ
(1)
إلى أن حَريمَ البئرِ الإسلامية أربعونَ، وذهبَ أحمدُ
(2)
بنُ حنبل إلى أن الحريمَ خمسةٌ وعشرونَ. وأما العيونُ فذهبَ الهادي
(3)
إلى أن حريمَ العينِ الكبرى الفوَّارةِ خمسمائةِ ذراعٍ منْ كلِّ جانبٍ استحسانًا. قيلَ: وكأنهُ نظرَ إلى أرضٍ رخْوةٍ تحتاجُ إلى ذلكَ القدْرِ، وأما الأرضُ الصُّلْبَةُ فدونَ ذلكَ، والدارُ المنفردةُ حريمُها فَنَاؤُها، وهوَ مقْدارُ طولِ جدارِ الدارِ. وقيلَ ما تصلُ إليهِ الحجارةُ إذا انهدمتْ. وإلى هذا ذهبَ زيدُ
(4)
بنُ عليّ وغيرُه. وحريمُ النَهْرِ قَدْرُ ما يلقَى عنه كسحُه، وقيلَ: مثلُ نِصْفِه منْ كل جانبٍ، وقيلَ: بلْ بقدرِ أرضِ النهرِ جميعًا. وحريمُ الأرضِ ما تحتاجُ إليهِ وقْتَ عملِها وإلقاءُ كسحِها، وكذا المسيلُ حريمُه مثلُ البئرِ على الخلافِ. وكلُّ هذهِ الأقوالِ قياسٌ على البئرِ بجامعِ الحاجةِ، وهذا في الأَرْضِ المباحةِ، وأما الأرضُ المملوكةُ فلا حريمَ في ذلكَ بلْ لكلّ أنْ يعمل في مُلْكِهِ ما يشاء.
حكم الإقطاع
7/ 870 - وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَهُ أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
، وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(7)
. [صحيح]
(وعنْ علقمةَ بن وائلٍ عنْ أبيهِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَهُ أَرْضًا بحضرموتَ. رواهُ أبو داودَ، والترمذي، وصحَّحَه ابنُ حبَّانَ)، وصحَّحهُ أيضًا الترمذيُّ، والبيهقيُّ. ومعناهُ أنهُ خصَّهُ ببعضِ الأرضِ المواتِ فيختصُّ بهِ، ويصيرُ أَوْلَى بها بإحيائِه ممنْ لم
(1)
انظر: "المبسوط"(23/ 161).
(2)
انظر: "المغني"(6/ 200 مسألة رقم 4361).
(3)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 101).
(4)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 101، 102).
(5)
في "سننه"(3/ 443 رقم 3058، 3059)، وهو حديث صحيح.
(6)
في "سننه"(3/ 665 رقم 1381) وقال: حديث حسن صحيح.
(7)
في "صحيحه"(16/ 182 رقم 7205 - الإحسان)، وليس فيه أن الأرض بحضرموت وفيه قصة له مع معاوية.
وأخرجه أحمد (6/ 399)، والبيهقي (6/ 144) وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 592 رقم 2631).
يسبقْ إليها بالإحياءِ. واختصاصُ الإحياءِ بالمواتِ متفقٌ عليهِ في كلام الشافعيةِ
(1)
، والهادويةِ
(2)
، وغيرِهم. وَحَكَى القاضي عياضٌ
(3)
أن الإقطاعَ تسويغُ الإمامِ منْ مالِ اللَّهِ شيئًا لمنْ يراهُ أهلًا لذلكَ. قالَ: وأكثرُ ما يُسْتَعْمَلُ في الأرضِ، وهوَ أنْ يخرجَ منْها لمنْ يراهُ ما يجوزهُ إما بأنْ يملّكَه إياهُ فيعمر، وإما بأن يجعلَ لهُ غلته مدةً. قالَ: والثاني الذي يُسَمَّى في زمانِنا هذا إقطاعًا ولمْ أرَ أَحَدًا منْ أصحابِنَا ذَكَرَهُ، وتخريجُه على طريق فقهي مشكلٌ، والظاهرُ أنهُ يحصلُ للمقْطِع بذلك اختصاصٌ كاخْتصَاصِ المتحجِّر ولكنهُ لا يملكُ الرقبةَ بذلكَ انتَهى. وبهِ جزمَ المحِبُّ الطبريُّ، وادَّعى الأوزاعي الخلافَ في جوازِ تخصيصِ الإمام بعضَ الجندِ بغلةِ أرضٍ إذا كانَ مُسْتَحِقًا لذلكَ. قالَ ابنُ التينِ: إنما يُسَمَّى إقطاعًا إذا كانَ منْ أرضٍ أوْ عقارٍ وإنما يقطعُ منَ الفيءِ، ولا يقطعُ منْ حقِّ مسلمٍ ولا معاهدٍ.
قالَ: وقدْ يكونُ الإقطاعُ تمليكًا وغيرَ تمليكٍ، وأما ما يقطعُ في أرضِ اليمنِ في هذهِ الأزمنةِ المتأخرةِ منْ إقطاعِ جماعةِ من أعيانِ الآلِ قُرًى منَ البلادِ العشريةِ، يأخذونَ زكاتَها وينفقونَها على أنفسِهم مع غِنَاهُم فهذا شيءٌ محرَّمٌ لم تأتِ بهِ الشريعةُ المحمديةُ، بل أتتْ بخلافِه وهوَ تحريمُ
(4)
الزكاةِ على آلِ محمدٍ، وتحريمُها
(5)
على الأغنياءِ منَ الأمةِ، فإنَّا لله وإنا إليه راجعونَ.
8/ 871 - وعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ حُضْرَ فَرَسِهِ. فَأَجْرَى الْفَرَسَ حَتَّى قَامَ، ثُمَّ رَمَى بِسَوْطِهِ. فَقَالَ:"أَعْطُوهُ حَيثُ بَلَغَ السَّوْطَ". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(6)
. فيهِ ضَعْفٌ. [صحيح]
(1)
انظر: "المعرفة"(9/ 7).
(2)
انظر: "البحار الزخار"(4/ 71).
(3)
انظر: "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" له (2/ 183).
(4)
انظر الحديث رقم (4/ 606)، من كتابنا هذا.
(5)
انظر الحديث رقم (21/ 603)، ورقم (2/ 604)، من كتابنا هذا.
(6)
في "سننه"(3/ 453 رقم 3072).
قلت: وأخرجه أحمد (2/ 156) وسنده ضعيف، ضعَّفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(ص 310) رقم 673)، وله أصل في الصحيح (6/ 252 رقم 3151)، وطرفه في (5224) من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ.
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أقطَعَ الزبيرَ حُضْرَ) بضمِّ الحاءِ المهملةِ، وسكونِ الضادِ، فراءٍ (فرسِهِ) أي: ارتفاعُ فرسه في عَدْوِهِ
(1)
، (فأجْرَى الفرسَ حتَّى قامَ، ثمَّ رَمَى بِسَوْطِهِ فقالَ: أعطوهُ حيثُ بلغَ السَّوْطَ. رواهُ أبو داودَ، وفيهِ ضَعْفٌ)، لأنَّ فيهِ العمريَّ المكبرَ وهوَ عبدُ اللَّهِ
(2)
بنُ عمرَ بن حفصٍ بن عاصمٍ بن عمرَ بن الخطاب، وفيهِ مقالٌ، وأخرجَهُ أحمدُ
(3)
منْ حديثِ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ، وفيهِ أن الإقطاعَ كانَ منْ أموالِ بني النَّضَيْرِ
(4)
. قالَ في "البحرِ"
(5)
: وللإمامِ إقطاعُ المواتِ لإقطاعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الزبيرَ حُضْرَ فرسِهِ، ولفِعْلِ أبي بكرٍ وعمرَ.
اشتراك الناس في الماء والنار والكلأ
9/ 872 - وَعَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنه قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْكَلأ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(6)
، وَأَبُو دَاوُدَ
(7)
، وَرِجَالُهُ ثُقَاتٌ. [شاذ بلفظ الناس، وصحيح بلفظ المسلمون]
(1)
انظر: "القاموس المحيط"(ص 481).
(2)
قال ابن معين: ليس به بأس، وقال أحمد: صالح لا بأس به، وقال ابن عدي: هو في نفسه صدوق، وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ للآثار، فلما فحش خطؤه استحق الترك، وقال النَّسَائِي: ليس بالقوي، وقال ابن المديني: ضعيف. انظر: "ميزان الاعتدال"(2/ 465). وهو المكبر والمصغر أخوه عبيد اللهِ.
(3)
لم أجد في مسند الإمام أحمد من مسند أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها إلا مثل ما قدمنا أنه في صحيح البخاري وهو في "المسند"(6/ 347).
(4)
لم أجد في أي من الروايات كون الإقطاع كان من أموال بني النضير إلا ما أخرجه البخاري معلقًا مرسلًا في (3151) قال: وقال أبو ضمرة عن هشام عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير".
(5)
"الزخار الجامع لمذاهب الأمصار"(4/ 76).
(6)
في "المسند"(5/ 364).
(7)
في "السنن"(3/ 750 رقم 3477).
وهو في المسند والسنن بلفظ: "المسلمون"، وقال الألباني في "الإرواء" (6/ 8): لقد وهم الحافظ ابن حجر رحمه اللهُ تعالى فأورد الحديث في "بلوغ المرام" باللفظ الشاذ: - يعني "الناس" بدل "المسلمون" - من رواية أحمد وأبي داود ولا أصل له عندهما البتة، فتنبَّه. اهـ.=
(وعنْ رجلٍ منَ الصحابةِ، قالَ: غزوتُ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسمعتُه يقول: الناسُ شركاءُ في ثلاثةٍ: الكلأ) مهموزٌ ومقصورٌ، (والماءِ، والنارِ. رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، ورجالُه ثِقاتٌ)، ورواه ابنُ ماجهْ من حديثِ أبي هريرةَ مرفُوعًا:"ثلاثٌ لا يُمْنَعْنَ: الكلأُ والماءُ والنارُ" وإسنادُه صحيحٌ. وفي البابِ رواياتٌ كثيرةٌ لا تخلُو منْ مقالٍ، ولكنَّ الكُلَّ ينهضُ على الحُجِّيَّةِ، ويدلُّ للماءِ بخصوصِه أحاديثُ في مسلمٍ
(1)
وغيرِه، والكلأُ النباتُ رَطْبًا كانَ أو يابِسًا، وأما الحشيشُ والهشيمُ فمختصٌّ باليابسِ، وأما الخلا: مقصورٌ غيرُ مهموزٍ فيختصُّ بالرطبِ ومثلُه العشبُ. والحديثُ دليلٌ على عدمِ اختصاصِ أحدٍ منَ الناسِ بأحدِ الثلاثةِ، وهوَ إجماعٌ في الكلأ في الأرضِ المباحةِ والجبالِ التي لم يحرزْها أحدٌ؛ فإنه لا يُمْنَعُ منْ أخذِ كَلَئِها أحدٌ إلا ما حماهُ الإمامُ كما سلفَ. وأما النابتُ في الأرضِ المملوكةِ والمتحجرةِ ففيهِ خلافٌ بينَ العلماءِ، فعندَ الهادويةِ
(2)
وغيرهم أن ذلكَ مباحٌ أيضًا، وعمومُ الحديثِ دليلٌ لهم.
وأما النارُ فاخْتُلِفَ في المرادِ بها فقيلَ أُرِيدُ بها الحطبُ الذي يحطبهُ الناسُ، وقيلَ أريدَ بها الاستِصْباحُ منْها والاستضاءةُ بضوئِها، وقيلَ الحجارةُ التي تُورَى فيها النارُ إذا كانتْ في مواتٍ، والأقربُ أنهُ أريدَ بها النارُ حقيقةً، فإنْ كانتْ منْ حَطبٍ مملوكٍ فقيلَ حكْمُها حكمُ أصله، وقيلَ يحتملُ أنهُ يأتِي فيها
= قلت: وأخرجه بنفس اللفظ البيهقي (6/ 150)، وباللفظ الشاذ أبو عبيد في كتاب "الأموال"(ص 271 رقم 729)، تفرد بها يزيد بن هارون كما بينه الألباني في "الإرواء"(6/ 7 - 8) وصحَّح الحديث باللفظ الأول، وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنار" أخرجه ابن ماجه (2473)، وقد صحَّح إسناده البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 55 رقم 875)، وصحَّحه أيضًا الحافظ في "التلخيص"(3/ 65)، والألباني في "الإرواء" (6/ 8 - 9) وفي الباب أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه الطبراني وزاد:"والملح"، كما قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 65) وحسَّن إسناده. ومن حديث ابن عباس وبهيسة عن أبيها وعائشة وأنس وعبد اللَّهِ بن سرجس رضي الله عنهم وأسانيدها لا تخلو من مقال.
(1)
في "صحيحه"(3/ 1197 رقم 1565) بلفظ: "نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء" قلت: وتقدم تخريجه برقم (13/ 748) من كتابنا هذا.
(2)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 75).
الخلافُ الذي في الماءِ، وذلكَ لعمومِ الحاجةِ وتسامحِ الناسِ في ذلك.
وأما الماءُ فقد تقدَّم الكلامُ فيهِ، وأنهُ يحرمُ منعُ المياهِ المجتمعةِ منَ الأمطارِ في أرضٍ مباحةٍ، وأنَّهُ ليس أحدٌ أحقَّ بها من أحدٍ، إلَّا لقربِ أرضِه منها، ولو كان في أرضٍ مملوكةٍ فكذلك، إلا أن صاحبَ الأرضِ المملوكةِ أحقُّ بهِ يسقيها ويسقي ماشيتَه، ويجبُ بَذْلُه لما فضلَ منْ ذلك، فلو كانَ في أرضِه أو دارِه عينٌ نابعةٌ أو بئرٌ احتفرَها، فإنهُ لا يملكُ الماءَ بلْ حقُّه فيهِ تقديمُه في الانتفاعِ على غيرِهِ، وللغيرِ دخولُ أرضهِ كما سلفَ.
فإنْ قيلَ: فهلْ يجوزُ بيعُ العينِ والبئرِ نفسِهما؟ قيلَ: يجوزُ بيعُ العينِ والبئرِ لأنَّ النَّهْيَ واردٌ عنْ بيعِ فَضْلِ الماءِ لا البئرِ والعيونِ في قراراها، والمشتري لهما أحقُّ بمائِهِمَا بقدْرِ كفايتِهِ، وقدْ ثبتَ
(1)
شراءُ عثمانَ لبئرِ رومةَ منَ اليهوديِّ بأمرِهِ صلى الله عليه وسلم وسبَّلَها للمسلمينَ.
فإنْ قيلَ: إذا كانَ الماءُ لا يُمْلَكُ فكيفَ تحجَّرَ اليهوديُّ البئرَ حتَّى باعَها منْ عثمانَ؟ قيلَ: هذا كانَ في أولِ الإسلامِ حينَ قدمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، وقبلَ تَقَرُّرِ الأحكامِ على اليهوديِّ، والنبي صلى الله عليه وسلم أبقاهم أولَ الأمرِ على ما كانُوا عليهِ وأقرهم على ما تحتَ أيديهمْ.
* * *
(1)
انظر تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (13/ 748) من كتابنا هذا، وهو في صحيح البخاري.
[الباب السابع عشر] باب الوقف
الوقْفُ هو لغةً الحبْسُ. يُقَالُ: وقَفْتُ كَذَا، أي حبسْتُه. وهوَ شَرْعًا: حَبْسُ مالٍ يمكنُ الانتفاعُ بهِ معَ بقاءِ عَيْنِه بقطعِ التصرُّفِ في رقبتِه على مَصْرَفٍ مُبَاحٍ.
1/ 873 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيةٍ، أَوْ عِلْم يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
. [صحيح]
(عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عنهُ عملُه إلَّا منْ ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أوْ علمٍ ينْتَفَعُ بهِ، أوْ ولدٍ صالح يدعُو له. رواهُ مسلمٌ). ذكرهُ في بابِ الوقْفِ؛ لأنهُ فسَّر العلماءُ الصدقةَ الجاريةَ بالوقْفِ، وكانَ أولُ وقْفٍ في الإسلامِ وَقْفَ عمرَ رضي الله عنه الآتي حديثُه كما أخرجَهُ ابنُ أبي شيبةَ
(2)
أنه قال المهاجرون: أولُ حَبْسٍ في الإسلامِ صدقةُ عمرَ.
قالَ الترمذيُّ
(3)
: لا نعلمُ بينَ الصحابةِ والمتقدِّمينَ منْ أهلِ الفقهِ خِلافًا في
(1)
في "صحيحه"(4/ 2065 رقم 13/ 2682).
قلت: وأخرجه أبو داود (2880)، والترمذي (1376) وقال: حديث حسن صحيح، والبخاري في "الأدب المفرد"(رقم 38)، وأحمد (2/ 372)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 95)، والبيهقي (6/ 278).
(2)
كذا في المخطوط والمطبوع وصوابه كما في "الفتح"(5/ 402)، عمر بن شبة. قال الحافظ: وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سعد بن معاذ قال: سألنا عن أول حبس في الإسلام فقال المهاجرون: صدقة عمر، وقال الأنصار: صدقة رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده الواقدي. اهـ، ويأتي تخريج الحديث وليس فيه هذه الزيادة.
(3)
في "سننه"(3/ 660).
جوازِ وَقْفِ الأرضينَ، وأشارَ الشافعيُّ
(1)
أنهُ مِنْ خصائصِ الإسلامِ لا يُعْلَمُ في الجاهليةِ، وألفاظُه: وقفْتُ وحَبَسْتُ وسَبَّلْت وأَبَّدْتُ؛ فهذهِ صرائحُ ألفاظهِ، وكنايتُه تصدَّقتُ. واختُلِفَ في حرَّمْتُ فقيلَ صريحٌ، وقيلَ غيرُ صريحٍ. وقولُه: أوْ علم يُنْتَفَعُ بهِ، المرادُ النفعُ الأخرويُّ، فيخرجُ ما لا نَفْعَ فيهِ كعلمِ النجومِ منْ حيثُ أحكامِ السعادة وضدِّها، ويدخلُ فيهِ مَنْ أَلَّفَ علمًا نافعًا أو نَشَرَهُ فبقيَ مَنْ يرويهِ عنهُ وينتفعُ بهِ، أو كَتَبَ علمًا نافعًا ولو بالأُجرةِ معَ النيةِ، أو وَقَفَ كُتُبًا. ولفظُ الولدِ شاملٌ للأنثى والذكرِ، وشرطُ صلاحهِ ليكونَ الدعاءُ مُجَابًا.
والحديثُ دليلٌ على أنهُ ينقطعُ أَجْرُ كلِّ عملٍ بعدَ الموتِ إلا هذهِ الثلاثةَ فإنهُ يجري أَجْرُها بعدَ الموتِ ويتجدَّدُ ثوابُها.
قالَ العلماءُ: لأنَّ ذلكَ مِنْ كَسْبِه، وفيهِ دليلٌ على أن دعاءَ الولدِ لأَبَوْيهِ بعدَ الموتِ يلحقُهما، وكذلكَ غيرُ الدعاءِ منَ الصدقةِ، وقضاءِ الدَّيْنِ، وغيرِهما. واعلمْ أنهُ قدْ زِيْدَ على هذهِ الثلاثةِ ما أخرَجهُ ابنُ ماجهْ
(2)
بلفظِ: "إنَّ مما يلحقُ المؤمنَ منْ عملهِ وحسناتهِ بعدَ موتِه عِلْمًا عقَمَهُ ونَشَرَهُ، وولدًا صالحًا تركَهُ، أو مُصْحَفًا ورَّثَه، أو مَسْجِدًا بناهُ، أو بَيْتًا لابنِ السبيلِ بناهُ، أو نَهَرًا أجراهُ، أو صدقةً أخرجَها منْ مالهِ في صحَّتهِ وحياتهِ تلحقُه مِنْ بعدِ موتِه". ووردَ خصالٌ أخرى تبلغها عشرًا، ونَظَمَها الحافظُ السيوطي رحمهُ اللَّهُ تعالى قالَ:
إذا ماتَ ابنُ آدمَ ليسَ يجري
…
عليهِ منْ فِعالٍ غيرُ عشرِ
علومٌ بثَّها ودعاءُ نَجْلٍ
…
وغرسُ النخلِ والصدقاتُ تجري
وِراثةُ مصحفٍ ورباطُ ثَغْرٍ
…
وحَفْرُ البئرِ أو إجراءُ نَهْرِ
وبيتٌ للغريبِ بناهُ يأوي
…
إليهِ أو بناءُ محلِّ ذِكْرِ
وقف العقار وعدم بيعه
2/ 874 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَصَابَ عُمَر رضي الله عنه أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى
(1)
انظر: "فتح الباري"(5/ 403)، و"الأم"(4/ 54، 55).
(2)
في "سننه"(1/ 88 رقم 242)، وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1/ 46 رقم 198)، وفي "الإرواء"(6/ 29).
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَا، قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ، قَالَ:"إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"، قَالَ: فتصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ؛ أنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، ولا يُورثُ، ولَا يُوهَبُ، فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفَقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَليَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مَالًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. [صحيح]
وَفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
(2)
: تَصَدَّقَ بِأَصْلِهِ: لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ.
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قالَ: أصابَ عمرُ أَرْضًا بخيبرَ) في روايةِ النسائيِّ، أنهُ كانَ لعمرَ مائةُ رأسٍ، فاشْتَرَى بها مائةَ سَهْمٍ منْ خيبرَ:(فأتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستأمرُه فيها فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إني أصبتُ أرضًا بخيبرَ لم أُصِبْ مالًا قطُّ هوَ أنفسُ عندي منهُ، فقالَ: إنْ شئتَ حبستَ أصْلَها وتصدَّقْتَ بها، قالَ: فتصدَّقَ بها عمرُ، أنهُ لا يباع أصلُها، ولا يُوْرَثُ، ولا يوهَبُ، فتصدَّقَ بها على الفقراءِ، وفي القُرْبَى) أي ذوي قرْبَى عمرُ (وفي الرِّقابِ، وفي سبيلِ اللَّهِ، وابنِ السبيلِ، والضَّيفِ، لا جناحَ على مَنْ وَلِيَهَا أنْ يأكلَ مِنْهَا بالمعروفِ، أو يطْعِمَ صَدِيْقًا غيرَ مُتَمَوِّلٍ مالًا. متفقٌ عليهِ، واللفظُ لمسلمٍ. وفي روايةٍ للبخاريِّ: تَصَدَّقَ بأصْلِهِ لا يباعُ ولا يوهبُ، ولكنْ ينفقُ ثمرُه). أفادتْ روايةُ البخاريِّ أن كونَه لا يباعُ ولا يُوهَبُ منْ كلامهِ صلى الله عليه وسلم، وأنَّ هذَا شأنُ الوقْفِ، وهوَ يَدْفَعُ قولَ أبي حنيفةِ
(3)
بجوازِ بَيْعِ الوقْفِ.
قالَ أبو يوسفَ
(4)
: إنهُ لو بلغَ أبا حنيفةَ هذا الحديثُ لقالَ بهِ ورجعَ عنْ بيعِ الوقْفِ.
قالَ القرطبي (4): ردُّ الوقْفِ مُخَالِفٌ للإجماعِ، فلا يُلْتَفَتُ إليهِ، وقولُه: "أنه
(1)
البخاري (2737) وأطرافه في (2764، 2772)، ومسلم (1632).
قلت: وأخرجه أبو داود (2878)، والترمذي (1375) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (3599)، وابن ماجه (2396)، وأحمد (2/ 12 - 13، 55، 125)، وابن أبي شيبة (6/ 252 رقم 978)، والبيهقي (6/ 158 - 159) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 95)، والدارقطني (4/ 186: 191) من طرق.
(2)
في صحيحه (5/ 392 رقم 2764).
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 95).
(4)
انظر: "فتح الباري"(5/ 403).
يأكل منه مَنْ وَليَها بالمعروفِ". قالَ القرطبي
(1)
: جرتِ العادةُ أن العاملَ يأكلُ منْ ثمرةِ الوقْفِ، حتَّى لو اشترطَ الواقفُ أنْ لا يأكلَ منهُ لاستُقْبحَ ذلكَ منهُ، والمرادُ بالمعروفِ القَدْرُ الذي جرتْ بهِ العادةُ، وقيلَ: القَدْرُ الذي يَدْفَعُ الشهوَة، وقيلَ: المرادُ أنْ يأخذَ منهُ بقَدْرِ عملهِ، قيل: والأَوَّلُ أَوْلَى.
وقولُه: "غيرَ متموِّلٍ"، أي غيرَ مُتَّخِذٍ منه مالًا أي مُلْكًا، والمرادُ لا يتملَّكُ من رقَابها شيئًا، ولا يأخذُ منْ غِلَّتِها ما يشتري بَدَلَه مُلْكًا بلْ ليسَ لهُ إلا ما ينفقُه. وزادَ أحمدُ
(2)
في روايتِه أن عمرَ أَوْصَى بها إلى حفصةَ أمِّ المؤمنينَ، ثمَّ إلى الأكابرِ منْ آلِ عمرَ، ونحوُهُ عندَ الدارقطنيِّ
(3)
.
وقف العروض
3/ 875 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ:"فَأَمَّا خالِدٌ فقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ في سَبِيلِ اللهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
. [صحيح]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: بعثَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عمرَ على الصَّدَقَةِ، الحديثَ وفيهِ: وأما خالدٌ فقدِ احتَبَسَ أدراعَه وأَعْتَادَهُ في سبيلِ اللَّهِ. متفقٌ عليهِ). تقدَّمَ
(5)
تفسيرُ الأَعْتَادِ. والحديثُ دليلٌ على صحَّةِ وَقْفِ العينِ عن الزكاةِ، [و]
(6)
أنهُ يأخذُ
(1)
انظر: "فتح الباري"(5/ 401).
(2)
لم أجد هذه الزيادة في "المسند"، والذي يبدو أن هذا العزو سبق بصر من الشارح رحمه الله حيث ذكر في "الفتح"(5/ 402) أن هذه الزيادة زادها عمر بن شبة، وذكر معها زيادة أخرى زادها أحمد وهي في "المسند"(2/ 125).
قلت: والزيادة التي ذكرها الشارح أخرجها أيضًا البيهقي (6/ 161) وصححها الألباني في "الإرواء"(6/ 30).
(3)
في "سننه"(4/ 189 رقم 5).
(4)
البخاري (1468) ومعلقًا (3/ 311)، (6/ 99)، ومسلم (11/ 983).
قلت: وأخرجه أبو داود (1623)، والنسائي (2464)، وأحمد (2/ 322) وتقدَّم برقم (6/ 835) من كتابنا هذا.
(5)
أثناء شرح الحديث رقم (6/ 835) من كتابنا هذا.
(6)
في (ب): "أو".
بزَكَاتِهِ آلاتٍ للحربِ للجهادِ في سبيلِ اللَّهِ، وعلى أنهُ يَصِحُّ وَقْفُ العَرُوضِ.
وقالَ أبو حنيفةَ
(1)
: لا يصحُّ لأنَّ العَرُوضَ تُبَدَّلُ وتُغَيَّرُ، والوقْفُ موضوعٌ للتأبيد. والحديثُ حجَّةٌ عليهِ.
ودلَّ على صحَّةِ وَقْفِ الحيوان لأنَّها قدْ فُسِّرتِ الأعتادُ بالخيلِ، وعلى جوازِ صرفِ الزكاةِ إلى صِنْفٍ واحدٍ منَ الثمانيةِ.
وتعقَّبَ ابنُ دقيقٍ
(2)
العيدِ جميعَ ما ذُكِرَ بأنَّ القصةَ محتملةٌ لما ذُكِر ولغيره، فلا ينهضُ الاستدلالُ بها على شيءٍ مما ذُكِرَ.
قالَ: ويحتملُ أنْ يكونَ تحبيسُ خالدٍ إرْصَادًا وعدمَ تَصَرُّفٍ، ولا يكونُ وَقْفًا.
* * *
(1)
انظر: "المبسوط"(12/ 27: 29).
(2)
انظر: "إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام" له (3/ 303، 304، مع حاشيتها العدة للصنعاني).
[الباب الثامن عشر] باب الهبة، والعُمْرَى، والرُّقْبَى
الهبةُ بكسرِ الهاءِ مصدرُ وهبتُ، وهيَ شرْعًا: تمليكُ عينٍ بعقدٍ على غيرِ عِوَضٍ معلومٍ في الحياةِ، ويطلقُ على الشيءِ الموهوبِ، ويُطْلَقُ على أعمَّ منْ ذلكَ.
تسوية الأولاد في الهبة
1/ 876 - عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتهُ مِثْلَ هذَا؟ "، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"فَارْجِعْهُ"، وَفي لَفْظٍ: فَانْطَلَقَ أَبِي إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتي. فَقَالَ: "أَفَعَلْتَ هذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ "، قَالَ: لَا قَالَ: "اتَّقُوا الله وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ"، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
وَفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ
(2)
قَالَ: فَأَشْهِدْ عَلَى هذَا غَيرِي"، ثُمَّ قَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا لَكَ في الْبِرِّ سَوَاءً؟ " قَالَ: بَلَى، قَالَ:"فَلا إِذَنْ". [صحيح]
(1)
البخاري (2586)، ومسلم (1623).
قلت: وأخرجه مالك (39)، وأحمد (4/ 268)، وأبو داود (3542)، والترمذي (1367)، والنسائي رقم (258) و (259)، وابن ماجه (2375)، والطحاوي (4/ 85، 86)، وابن حبان (11/ 498 رقم 5098، 5099، الإحسان)، والبيهقي (6/ 176، 177).
(2)
في "صحيحه"(3/ 1243 رقم 17/ 1623).
(عن النُّعمانِ بن بشيرٍ أن أباهُ أَتَى بهِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: إني نَحَلْتُ ابني هذَا غُلامًا كانَ لي، فقالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أكلَّ ولدِكَ نحلْتَه مثلَ هذَا؟ فقالَ لا، فقالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَأَرْجِعْهُ. وفي لفظٍ: فانطلقَ أبي إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُشْهِدَهُ على صدقتي، فقالَ: أفعلتَ هذا بولدِك كلِّهم؟ قَال: "قالَ: فاتَّقوا اللَّهَ واعْدِلُوا بينَ أولادِكم، فرجعَ أبي فردَّ تلكَ الصدقةَ. متفقٌ عليهِ، وفي روايةٍ لمسلمٍ: قالَ: فأشهِدْ على هذا غيري، ثمَّ قالَ: أيسرُّكَ أنْ يكونُوا لكَ في البرِّ سواءً؟ قالَ: بلَى، قالَ: فلا إِذَنْ).
الحديثُ دليلٌ على وجوبِ المساواةِ بينَ الأولادِ في الهِبَةِ. وقدْ صرَّحَ بهِ البخاريُّ
(1)
وهوَ قولُ أحمدَ
(2)
، وإسحاقَ، والثوريَّ
(3)
وآخرينَ، وأنَّها باطلةٌ معَ عدمِ المساواةِ، وهوَ الذي تفيدُه ألفاظُ الحديثِ منْ أمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بإرجاعِه، ومنْ قَوْلِه: اتقَّوا اللَّهِ، وقولِه: اعدِلُوا بينَ أولادِكم، وقولِه: فلا إذَنْ. وقولِه: لا أشهدُ على جَوْرٍ. واخْتُلِفَ في كيفيةِ التسويةِ، فقيلَ بأنْ تكونَ عطيةُ الذَّكَر والأُنثَى سواءً، وهوَ ظاهرُ قولِه في بعضِ ألفاظهِ عندَ النسائيّ
(4)
: "ألا سوَّيْتَ بينَهم"، وعندَ ابن حِبَّانَ
(5)
: "سوُّوا بينَهم"، ولحديثِ ابن عباسٍ:"سوُّوا بينَ أولادِكم في العطيةِ، فلوْ كنتُ مفضِّلًا أحدًا لفضَّلْتُ النِّساءَ"، أخرجَه سعيدُ بنُ منصورٍ، والبيهقيُّ
(6)
بإسنادٍ حَسَنٍ. وقيلَ: بلِ التسويةُ أنْ يُجْعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حظِّ الأُنْثَيَيْنِ على حَسَبِ التوريثِ.
(1)
في ترجمة باب في "صحيحه"(5/ 210 باب رقم 12) قال: باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئًا لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخر مثله. اهـ.
(2)
انظر: "المغني"(6/ 298 مسألة رقم 4459).
(3)
اختلف النقل عن الثوري في هذه المسألة فالحافظ - وهو مصدر الشارح - قال في "الفتح"(5/ 214) عنه إنها باطلة. وابن قدامة قال في "المغني"(6/ 298) عنه: إنها جائزة (يعني مع عدم المساواة)، وقد جمع بينهما صاحب "موسوعة فقه سفيان" (ص 236) بالجواز مع الكراهة. قلت: لا يستقيم بطلان وجواز، فتأمل.
(4)
في "سننه"(6/ 262 رقم 3686) بلفظ "سَوِّ بينهم"، بسند صحيح.
(5)
في "صحيحه" (11/ 498 رقم 5098، 5099، الإحسان" بلفظ:"سوِّ بينهم". وهو حديث صحيح.
(6)
في "السنن الكبرى"(6/ 177) من طريق سعيد بن منصور.
وعزاه الحافظ في "التلخيص"(3/ 73) للطبراني وقد اختلف كلام الحافظ على هذا الحديث، فبينما ضعَّفه في "التلخيص" قال في "الفتح" (5/ 214): وإسناده حسن. اهـ، وقد ضعفه الألباني في "الإرواء"(6/ 67).
وذهبَ الجمهورُ
(1)
إلى أنَّها لا تجبُ التسويةُ بلْ تُنْدَبُ، وأطالُوا في الاعتذارِ عن الحديثِ، وذكرَ في الشرحِ عَشْرَةَ أعذارٍ وكلُّها غيرُ ناهضةٍ، وقدْ كَتَبْنَا في ذلكَ رسالةً جوابَ سؤالٍ وأوضحْنا فيها قوةَ القولِ بوجوب التسويةِ، وأنَّ الهِبَةَ معَ عدمِها باطلةٌ.
الرجوع عن الهبة
2/ 877 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "الْعَائِدُ في هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يُعُودُ فِي قَيئِهِ"، مُتَّفَق عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
وَفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
(3)
: "لَيسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءُ، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَرْجِعُ في قَيئِهِ". [صحيح]
(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العائذ في هِبَتِهِ كالكلبِ يقيءُ ثمَّ يعودُ في قَيْئِهِ. متفقٌ عليهِ، وفي روايةٍ للبخاريِّ: ليسَ لنا مَثَلُ السَّوْءِ، الذي يعودُ في هِبَتِهِ كالكلبِ يرجع في قَيْئِه). فيهِ دلالةٌ على تحريمِ الرجوع في الهبةِ، وهوَ مذهبُ جماهيرِ العلماءِ
(4)
. وبوَّبَ لهُ البخاريُّ
(5)
. بابُ لا يحلُّ
(6)
لأَحَد أنْ يرجعَ في هِبَتِهِ وَصَدَقَتِهِ، وقدِ اسْتَثْنَى الجمهورُ (4) ما يأتي منَ الهبةِ للولدِ ونحوِه، وذهبتِ الهادويةُ
(7)
، وأبو حنيفةَ
(8)
إلى حِلِّ الرجوعِ في الهبةِ دونَ الصدقةِ، إلَّا الهبةَ لذي رَحِم. قالُوا: والحديثُ المرادُ بهِ التغليظُ في الكراهةِ.
(1)
انظر: "الفتح"(5/ 214).
(2)
البخاري (2589)، ومسلم (5/ 1622).
قلت: وأخرجه أبو داود (3538)، والترمذي (1298)، والنسائي (3691)، وابن ماجه (2387)، والطيالسي (1/ 280 رقم 1419 - منحة المعبود)، وأحمد (1/ 217)، والطحاوي (4/ 77)، والبيهقي (6/ 180)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1/ 192 رقم 288)، وعبد الرزاق (9/ 109 رقم 16536).
(3)
في "صحيحه"(5/ 234 رقم 2622).
(4)
انظر: "فتح الباري"(5/ 215).
(5)
في "صحيحه"(5/ 234 باب رقم 30).
(6)
في المخطوط: "لا يجوز"، والتصويب من المطبوع والبخاري.
(7)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 139).
(8)
انظر: "المبسوط"(12/ 49).
قالَ الطحاويُّ
(1)
: قولُه العائدِ في قَيْئِهِ وإنِ اقْتَضَى التحريمَ لكنَّ الزيادةَ في الروايةِ الأُخْرَى، وهيَ قولُهُ: كَالْكَلْبِ، تدلُّ على عدمِ التحريمِ؛ لأنَّ الكَلْبَ غيرُ متعبَّدٍ، فالقيءُ ليسَ حرامًا عليهِ، والمرادُ التنزهُ عنْ فعل يُشْبِهُ فعلَ الكلبِ. وتُعُقِّبَ باستبعادِ التأويلِ، ومنافرةِ سياقِ [النص]
(2)
لهُ، وعرَّفَ الشرعُ في مثلِ هذهِ العبارةِ الزَّجْرَ الشدِيدَ كما وَرَدَ النَّهْيُ
(3)
في الصلاةِ عنْ إقعاءِ الكلبِ، ونقرة الغُرابِ، والتفاتِ الثعلبِ، ونحوِه. ولا يُفْهَمُ منَ المقامِ إلَّا التحريمُ. والتأويلُ البعيدُ لا يُلْتَفَتُ إليهِ، ويدلُّ للتحريم الحديثُ الآتي وهوَ:
3/ 878 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَا:"لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِم أَنْ يُعْطِيَ الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
، وَالأَرْبَعَةُ
(5)
، وَصحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبّانَ
(6)
، وَالْحَاكِمُ
(7)
. [صحيح]
(وعنِ ابن عمرَ وابنِ عباسٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا يحلُّ لرجلٍ مسلمٍ أنْ يُعطيَ العطيةَ ثمَّ يرجعَ فيها، إلَّا الوالدُ فيما يعطي ولدَهُ. رواهُ أحمدُ، والأربعةُ، وصحَّحَهُ الترمذيُّ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ). فإنَّ قولَه: لا يحلُّ، الظاهرُ في التحريمِ، والقولُ بأنهُ مجازٌ عن الكراهةِ الشديدةِ صَرْفٌ لهُ عنْ ظاهرِهِ. وقولُه: إلَّا الوالدُ، دليلٌ على أنهُ يجوزُ للأبِ الرجوعُ فيما وَهَبَهُ لابنِهِ كبيرًا كانَ أو صغيرًا، وخصَّته
(1)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 77، 78).
(2)
في (ب): "الحديث".
(3)
أخرجه أحمد (2/ 311)، والبيهقي (2/ 120) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا وإسناده حسن حسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 222 رقم 556).
(4)
في "المسند"(2/ 27، 78).
(5)
أبو داود (3539)، والترمذي (2132) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (3703)، وابن ماجه (2377).
(6)
في "صحيحه"(7/ 289 رقم 5101).
(7)
في "المستدرك"(2/ 46).
قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 79)، والدارقطني (3/ 42 - 43 رقم 177)، والبيهقي (6/ 180) وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 676 رقم 3023).
الهادويةُ
(1)
بالطفلِ، وهوَ خلافُ ظاهرِ الحديثِ. وفرَّقَ بعضُ العلماءِ فقالَ: يحلُّ الرجوعُ في الهبةِ دون الصدقةِ لأنَّ الصدقةَ يُرَادُ بها ثوابُ الآخرةِ، وهوَ فرقٌ غيرُ مؤثرٍ في الحكمِ، وحكمُ الأمِّ حكمُ الأبِ عندَ أكثرِ العلماءِ.
نعمْ وخصَّ الهادي ما وَهَبَتْهُ الزوْجَةُ لزوجِهَا منْ صَدَاقِها بأنهُ ليسَ لها الرجوعُ في ذلكَ، ومثلُه رواهُ البخاريُّ
(2)
عن النخعيِّ، وعمرَ بن عبدِ العزيزِ تعليقًا.
وقالَ الزُّهْرِيُّ: يُرَدُّ إليها إنْ كانَ خَدَعَها. وأخرجَ عبدُ الرزاقِ
(3)
عن عمر بسندِ منقطع: "إنَّ النساءَ يعطينَ رغبةً ورهبة، فأيُّما امرأةٍ أعطتْ زوجَها فشاءتْ أنْ ترجعَ رجعتْ".
الهدية والثواب عليها
4/ 879 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَيُثِيبُ عَلَيْهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(4)
. [صحيح]
(وعنْ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقبلُ الهديةَ ويثيبُ عَلَيْها. رواهُ البخاريُّ). فيهِ دلالةٌ على أنَّ عادتَهُ صلى الله عليه وسلم كانتْ جارية بقبولِ الهديةِ والمكافأةِ عليها، وفي رواية لابنِ أبي شيبةَ
(5)
: "ويثيبُ عليها ما هوَ خيرٌ منْها". وقدِ استُدِلَّ بهِ على وجوبِ الإثابةِ على الهدية؛ إذْ كونُه عادةً لهُ صلى الله عليه وسلم مستمرة يقتضي لزومَهُ، ولا يتمُّ الاستدلالُ على الوجوبِ؛ لأنهُ قدْ يقالُ إنَّما فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم مستمرًا لما جُبِلَ عليهِ منْ مكارِمِ الأخلاقِ لا لوجوبِه. وقدْ ذهبتِ الهادويةُ (6) إلى وجوب المكافأةِ بحسبِ العُرْفِ. قالُوا: لأنَّ الأصْلَ في الأعيانِ الأعواضُ. قالَ في "البحر"(6): ويجبُ تعويضُها حسبَ العُرْفِ.
وقالَ الإمام يحيى
(6)
: المِثْلِي مثلُه، والقِيْمِي قيمتُه، ويجبُ الإيصاءُ بها.
(1)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 139).
(2)
في ترجمة باب من "صحيحه"(5/ 216 باب رقم 14).
(3)
في "المصنف"(9/ 115 رقم 16562) وحكم عليه الحافظ بالانقطاع في "الفتح"(5/ 217).
(4)
في "صحيحه"(5/ 210 رقم 2585).
قلت: وأخرجه أبو داود (3536)، والترمذي (1953)، وأحمد (6/ 90)، والبيهقي (10/ 180).
(5)
في "المصنف"(6/ 551 رقم 2013) من مرسل هشام بن عروة.
(6)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 135، 136).
وقالَ الشافعيُّ
(1)
في الجديدِ: الهبةُ للثوابِ باطلةٌ لا تنعقدُ لأنَّها بيعٌ بثمنٍ مجهولٍ، ولأنَّ موضعَ الهبةِ التبرعُ فلوْ أوجَبْنَاه لكانَ في معنَى المعاوضةِ. وقدْ فرَّقَ الشَّرْعُ والعُرْفُ بينَ البيعِ والهبةٍ، فما [استحق]
(2)
بالعوضِ أُطْلِقَ عليهِ لفظُ البيعِ بخلافِ الهبةِ. قيلَ: وكأنَّ مَنْ أَجَازَها للثوابِ جعَلَ العُرْفَ فيها بمنزلةِ الشَّرطِ، وهوَ ثوابُ مِثْلِها.
وقالَ بعضُ المالكيةِ
(3)
: يجبُ الثوابُ على الهبةِ إذا أَطْلَقَ الواهبُ، أوْ كانَ ممنْ يطلبُ مِثْلُه الثوابَ كالفقيرِ للغنيِّ، بخلافِ ما يَهَبُهُ الأَعْلَى لِلأَدْنَى؛ فإذَا لم يرضَ الواهبُ بالثوابِ، فقيلَ تلزمُ الهبةُ إذا أعطاهُ الموهوبُ لهُ القيمةُ، وقيلَ: لا تلزمُ إلَّا أنْ يُراضِيَهُ، والمشهورُ الأولُ عند مالكٍ
(4)
رحمه الله، ويردُّه الحديثُ الآتي وهوَ:
5/ 880 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: وَهَبَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاقَةً، فَأَثَابَهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ:"رَضِيتَ؟ "، قَالَ: لا، فَزَادَهُ، فَقَالَ:"رَضِيتَ؟ "، قَالَ: لَا، فَزَادَهُ، فَقَالَ:"رَضِيتَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(5)
، وَصَحّحَهُ ابنُ حِبَّانَ
(6)
. [صحيح]
(وعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: وهبَ رجلٌ لرسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ناقةً فأثابَه عليها، فقالَ: رضيتَ؟ [فقال]
(7)
: لا، فزادَهُ، فقَالَ: رضيتَ؟ قالَ: لا، فزادَهُ، فقالَ: رضيتَ؟ قالَ: نعم. رواهُ أحمدُ، وصحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ)، ورواهُ الترمذيُّ
(8)
، وبيَّنَ أن العِوَضَ كانَ سِتَّ
(1)
انظر: "فتح الباري"(5/ 210).
(2)
في (ب): "يستحق".
(3)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 165) بتحقيقنا.
(4)
انظر: "الموطأ"(2/ 754).
(5)
في "المسند"(1/ 295).
(6)
في "صحيحه"(14/ 296 رقم 6384، الإحسان).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق (9/ 105 رقم 16521) من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه مرسلًا، وعزاه الهيثمي أيضًا في "المجمع" (4/ 148) للبزار والطبراني في "الكبير" وقال: رجال أحمد رجال الصحيح. [صحيح]
وقد صحَّحه الشيخ شعيب الأرناؤوط في "الإحسان".
(7)
في (ب): "قال".
(8)
في "سننه"(5/ 730 رقم 3945) ولكن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد صحَّحه المحدِّث الألباني في "صحيح الترمذي"(3/ 252 رقم 3091).
بَكَرَاتٍ. وفيهِ دليلٌ على اشتراطِ رِضَا الواهبِ، وأنهُ إنْ سُلِّمَ إليهِ قَدْرَ ما وهبَ، ولم يرضَ زِيدَ لهُ، وهوَ دليلٌ لأحدِ القولينِ الماضيينِ، وهوَ قولُ عمرَ
(1)
. قالُوا: فإذا اشترطَ فيهِ الرِّضَا فليسَ هناكَ بيعٌ انعقدَ؟
الدليل على شرعية العُمرى والرُّقبى
6/ 881 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
وَلِمُسْلِم
(3)
: "أَمْسِكُوا عَلَيكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِي لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًا وَمَيتًا وَلِعَقِبِهِ". [صحيح]
وَفِي لَفْظٍ
(4)
: "إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلعَقِبِكَ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجعُ إِلَى صَاحِبِهَا". [صحيح]
وَلأَبِي دَاوُدَ
(5)
، وَالنَّسَائيِّ
(6)
: "لا تُرْقِبُوا، وَلا تُعْمِرُوا، فَمَنْ أُرْقِبَ شَيئًا، أَوْ أُعْمِرَ شَيئًا، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ". [صحيح]
(وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: العُمْرَى) بضمّ المهملةِ، وسكونِ الميمِ، وألفٍ مقصورةٍ (لمنْ وُهِبَتْ لهُ. متفقٌ عليهِ. ولمسلمٍ) أي: منْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه: (أمسكُوا عليكمْ أموالكُم، ولا تُفْسِدُوها، فإنهُ مَنْ أعمرَ عُمْرَى فَهِيَ للذي أعمرَها حَيًّا وَميْتًا ولِعَقبهِ، وفي لفظٍ: إنَّما العُمْرَى التي أجازَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يقولَ: هيَ لكَ ولِعَقِبِكَ، وأما إذا قالَ: هيَ لكَ ما عِشْتَ، فإنّها ترجعُ إلى صاحِبها. ولأبي داودَ والنسائيِّ) أي: منْ حديثِ جابرٍ: (لا تُرقبوا، ولا تُعمِرُوا: فمنْ أرقبَ شيئًا أو
(1)
رواه عنه عبد الرزاق في مصنفه (9/ 107 رقم: 16527).
(2)
البخاري (2625)، ومسلم (25/ 1625).
وأخرجه أبو داود (3550)، والنسائي (3750، 3751).
(3)
في صحيحه (3/ 1246 رقم 26/ 1625).
(4)
لمسلم في صحيحه أيضًا (23/ 1625).
(5)
في "سننه"(3/ 820 رقم 3556).
(6)
في "سننه"(6/ 273 رقم 3731).
قلت: وأخرجه البيهقي (6/ 175)، وهو حديث صحيح.
أُعمر شيئًا فهوَ لِوَرَثَتِهِ). الأصلُ
(1)
في العُمْرَى والرُّقْبَى أنهُ كانَ في الجاهليةِ يُعْطي الرجلُ الرجلَ الدارَ، ويقولُ أَعْمرْتُك إيَّاها، أي: أَبَحْتَها لكَ مدةَ عُمُرِكَ، فقيلَ لها عُمْرَى لذلكَ، كما أنهُ قيلَ لها رُقْبَى لأنَّ كلًّا منْهما يرقبُ موتَ الآخرِ. وجاءتِ الشريعةُ بتقريرِ ذلكَ؛ ففي الحديثِ دلالةٌ على شَرْعيَّتِها، وأنَّها مُمْلَكَةٌ لمنْ وُهِبَتْ لهُ. وإليهِ ذهبَ العلماءُ (1) كافةً إلا روايةً عنْ داودَ
(2)
أنَّها لا تصحُّ، [واختلفوا]
(3)
إلى ما يتوجَّهُ التمليكُ؛ فالجمهورُ أنهُ يَتَوَجَّهُ إلى الرقبةِ كغيرِها منَ الهباتِ، وعندَ الشافعيِّ
(4)
ومالكٍ
(5)
إلى المنفعةِ دونَ الرقبةِ، وتكونُ على ثلاثةِ أقسامٍ: مؤبدةً إنْ قالَ أبدًا، ومُطْلَقَةً عندَ عدمِ التقييدِ، ومقيَّدَةً بأنْ يقولَ ما عشتَ، فإذا متَّ رجحتْ إليَّ. واختلفَ العلماءُ في ذلكَ، [والصحيح]
(6)
أنَّها صحيحةٌ في جميعِ الأحوالِ، وأنَّ الموهوبَ لهُ يملكُها مُلْكًا تامًّا. يتصرفُ فيها بالبيع وغيرِه منَ التصرفاتِ، وذلكَ لتصريحِ الأحاديثِ بأنَّها لَمِنْ أعمرَها حيًا وميْتًا، وأما قولُه:"فإذا قالَ هي لكَ ما عِشْتَ فإنَّها ترجعُ إلى صاحبها"، فلأنهُ بهذا القَيْدِ قدْ شرطَ أنْ تعودَ إلى الواهبِ بعدَ موتِه، فيكونُ لها حُكْمُ ما إذا صرَّحَ بذلكَ الشرطِ، وهيَ كما لوْ أعمرَهُ شَهرًا، أو سَنَةً، فإنَّها عاريةٌ إجماعًا
(7)
.
وقولُه: "أمسكُوا عليكم أموالَكُم"، وقولُه:"لا ترقُبُوا" محمولٌ على الكراهةِ والإرشادِ لهمْ إلى حِفْظِ أموالهِمِ؛ لأنَّهم كانُوا يعمرِونَ ويرقبونَ، ويرجعُ إليهم إذا ماتَ مَنْ أعمرُوْهُ وأرقَبُوهُ، فجاءَ الشرعُ بمراغمتِهم، وصحَّحَ العقدَ وأبطلَ الشرطَ
(1)
انظر: "فتح الباري"(5/ 238).
(2)
نقل ذلك عنه الماوردي كما بيَّنه الحافظ في "الفتح"(5/ 238)، ثم قال: لكن ابن حزم قال بصحتها وهو شيخ الظاهرية. اهـ، انظر:"المحلى"(9/ 164).
(3)
في (ب): "اختُلف".
(4)
هذا قول الشافعي في القديم كما بينه الحافظ في "الفتح"(5/ 238).
(5)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 166) بتحقيقنا.
(6)
في (ب): "والأصح".
(7)
قال ابن المنذر في كتاب "الإجماع" له (ص 137): كتاب العُمرى والرقبى لم يثبت فيها إجماع. اهـ، وقال الحافظ: في "الفتح"(5/ 246) نقلًا عن ابن بطال: ولم يختلف العلماء فيمن قال: كسوتك هذا الثوب مدة معينة أن له شرطه. اهـ.
المضادَّ لذلكَ، فإنهُ أشبَه الرجوعَ في الهبةِ. وقدْ صحَّ
(1)
النَّهْيُ عنهُ.
وأخرجَ النَّسَائِي
(2)
منْ حديثِ ابن عباسٍ رضي الله عنه يرفعُه: "العُمْرَى لمنْ أُعْمِرَها، والرُّقْبَى لمن أُرْقِبَها، والعائدُ في هِبَتِهِ كالعائدِ في قَيْئِهِ". وأما إذا صرَّحَ بالشرطِ كما في الحديثِ وقالَ: ما عشتَ؛ فإنَّها عاريةٌ مؤقتةٌ لا هبةٌ. ومرَّ حديثُ
(3)
: "العائدُ في هِبَتِهِ كالعائدِ في قيئهِ"، ومثلُه الحديثُ الآتي وهو:
النهي عن شراء الهبة والهدية
7/ 882 - وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ صَاحِبُه، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرِخَصٍ. فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:"لا تَبْتَعْهُ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ" الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
. [صحيح]
(وعنْ عمرَ رضي الله عنه قالَ: حَمَلْتُ على فرسٍ في سبيلِ اللَّهِ، فأضاعَهُ صاحبُهُ، فظننتُ أنهُ بائعهُ برِخَصٍ، فسألتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: لا تبتعْهُ وانْ أعطاكَه بدرهمٍ، [الحديثَ]
(5)
. متفقٌ عليهِ)، تمامهُ:"فإنَّ العائدَ في صدقتِه كالكلبِ يعودُ في قيئه". وقولُه: فأضاعَهُ، أي قَصَّرَ في مؤنتهِ وحسنِ القيامِ به. وقولُه: لا تبتعه، أي لا تشتره، وفي لفظٍ: ولا تعدْ في صدقتِكَ، فسمَّى الشراءَ عَوْدًا في الصدقةِ، قيلَ لأنَّ العادةَ جرتْ بالمسامحةِ في ذلكَ منَ البائعِ للمشتري، فأُطْلِقَ على القدْرِ الذي يقعُ بهِ التسامحُ رُجُوعًا، ويحتملُ أنهُ مبالغةٌ وأنَّ عَوْدَهَا إليهِ بالقيمةِ كالرجوعِ، وظاهرُ النَّهْي التحريمُ، وذهبَ إليه قومٌ (6).
وقالَ الجمهورُ
(6)
: إنهُ للتنزيهِ. وتقدَّمَ أن الرجوعَ في الهبةِ محرَّمٌ، وأنهُ الأقْوى دليلًا إلَّا ما استُثْنِي.
(1)
انظر الحديث رقم (3/ 878) من كتابنا هذا.
(2)
في "سننه"(6/ 269 رقم 3710)، وصحَّحه الألباني في "صحيح النَّسَائِي"(2/ 789 رقم 3471).
(3)
برقم (2/ 877)، وهو متفق عليه.
(4)
البخاري (2623)، ومسلم (1620).
قلت: وأخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 282 رقم 49)، والنسائي (2615: 2617)، وابن ماجه (2390، 2392).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
انظر: "فتح الباري"(5/ 236 - 237).
قالَ الطبريُّ
(1)
: يُخَصُّ منْ عمومِ هذا الحديثِ مَنْ وَهَبَ بشرطِ الثوابِ، ومن كانَ الواهبُ الوالدُ لولدِه والهبةُ التي لم تُقْبَضْ، والتي ردَّها الميراثُ إلى الواهبِ لثبوتِ الأخبارِ باستثناءِ ذلكَ، ومما لا رجوعَ فيهِ مطلقًا الصدقةُ يرادُ بها ثوابُ الآخرةِ.
قلتُ: هذا في الرجوعَ في الهبةِ، فأما شراؤُها وهوَ الذي فيهِ سِيَاقُ هذا الحديثِ، فالظاهرُ أن النَّهْيَ للتنزيهِ، وإنمَا التحريمُ الرُّجُوعُ فيْها، ويحتملُ أنهُ لا فَرْقَ بينَهما للنَّهْي وأصلُه التحريمُ.
الترغيب في الإهداء
8/ 883 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَهَادُوا تَحَابُّوا"، رَوَاهُ الْبُخَاريُّ في الأَدَب الْمُفْرَدِ
(2)
، وَأَبُو يَعْلَى
(3)
بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. [حسن]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: تهادُوا تحابُّوا. رواه البخاريُّ في الأدب المفردِ، وأبو يَعْلَى بإسنادٍ حَسَنٍ)، وأخرجَهُ البيهقيُّ وغيرُه، وفي كلِّ رُوَاتِه مقالٌ. والمصنِّفُ قدْ حسَّنَ
(4)
إسنادَهُ، وكأنهُ لشواهدِه الذي منْها الحديثُ:
9/ 884 - وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَهَادُوا، فَإِنَّ الْهَدِيةَ تَسُلُّ السّخِيمَةَ"، رَوَاهُ الْبَزارُ
(5)
بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [ضعيف]
وإنْ كانَ ضعيفًا، وهوَ قولُه:(وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تهادُوا: فإنَّ الهديةَ تَسُلُّ السخيمةَ) بالسين المهملةِ مفتوحةً، فخاءٌ معجمةٌ، فمثناةٌ
(1)
انظر: "فتح الباري"(5/ 237).
(2)
(ص 208 رقم 594).
(3)
في "مسنده"(11/ 9 رقم 308/ 6148).
وأخرجه البيهقي (6/ 169)، والقضاعي (1/ 381 رقم 657)، وحسَّنه الألباني في "الإرواء"(6/ 44 رقم 1601)، وفي "صحيح الأدب المفرد"(ص 221 رقم 462).
(4)
وحسَّنه أيضًا في "التلخيص الحبير"(3/ 70).
(5)
وعزاه إليه الهيثمي، في "مجمع الزوائد" (4/ 146) وإلى الطبراني في "الصغير" وقال: فيه عائذ بن شريح وهو ضعيف. اهـ، قلت: وقد تفرد به كما نقل الحافظ في "التلخيص"(3/ 69) عن ابن طاهر، وضعَّفه الألباني في "الإرواء"(6/ 45).
تحتيةٌ. في "القاموس"
(1)
: السَّخيمةُ والسّخيمةُ
(2)
بالضمِّ الحقدُ. (رواهُ البزارُ بإسنادٍ ضعيفٍ)؛ لأنَّ في رُوَاتِه منْ ضُعِّفَ. ولهُ طُرُقٌ كُلّها لا تخلُو عنْ مقالٍ، وفي بعضِ ألفاظهِ: تُذْهِبُ وَحَرَ الصدرِ، بفتح الواوِ والحاءِ المهملةِ، وهوَ الحقدُ أيضًا. والأحاديثُ وإنْ لم تخلُ عنْ مقالٍ فإنَّ للهديةِ في القلوبِ موقعًا لا يخْفَى.
10/ 885 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسَنَ شَاةٍ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
. [صحيح]
(وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: يا نساءَ المسلماتِ)، قالَ القاضي
(4)
: الأشهرُ نصبُ النساءِ على أنهُ منادَى مضافٌ إلى المسلماتِ، من إضافةِ الموصوفِ إلى الصفةِ، وقيلَ غيرُ هذَا. (لا تحقِرنَّ) بالحاءِ المهملةِ ساكنةٍ، وفتحِ القافِ وكسرها، (جارةٌ لجارتِها ولو فِرْسَنَ شاةٍ) بكسرِ الفاءِ، وسكونِ الراءِ، وكسرِ السينِ [المهملةِ]
(5)
، آخرَه نونٌ، وهوَ منَ البعيرِ بمنزلةِ الحافرِ منَ الدابةِ، وربَّما استُعِيرَ في الشاةِ (متفق عليهِ).
في الحديثِ حَذْفٌ تقديرُه: لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتِها هديةً ولو فِرْسنَ شاةٍ، والمرادُ منْ ذِكْرِه المبالغةُ في الحثِّ على هديةِ الجارةِ لجارتِها، لا حقيقةُ الفرسنِ؛ لأنهُ لم تجرِ العادةُ بإهدائِه. وظاهرُه النَّهْيُ لِلْمُهْدِي (اسمُ فاعلٍ)
(6)
عن استحقارِ ما يهديهِ بحيثُ يؤدي إلى تركِ الإهداءِ، ويُحتملُ أنّهُ للمُهْدَى إليهِ، والمرادُ [لا يحقِرنَّ مَا أُهدِيَ إليهِ]
(7)
ولو كان حقيرًا، ويُحْتَمَلُ إرادةُ الجميعِ، وفيهِ الحثُّ على التهادي سِيَّما بينَ الجيرانِ، ولو بالشيءِ الحقيرِ لما فيهِ منْ جلْبِ المحبةِ والتأنيسِ.
(1)
(ص 1446).
(2)
كذا في المخطوط والمطبوع، وفي "القاموس":"السُّخمة" بحذف التحتانية.
(3)
البخاري (2566) وطرفه في (6017)، ومسلم (1030).
وأخرجه البغوي في "شرح السنة"(1641)، وأحمد (2/ 307)، والبيهقي (6/ 60).
(4)
انظر: "فتح الباري"(5/ 197).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
من الفعل الرباعي "أهدى يُهدي".
(7)
زيادة من (ب).
11/ 886 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ عَلَيهَا"، رَوَاهُ الْحَاكِمُ
(1)
، وَصَحّحَهُ، وَالْمَحْفُوظُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَوْلُهُ
(2)
. [ضعيف]
(وعنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: منْ وَهَبَ هبةً فهوَ أحقُّ بها ما لم يُثَبْ عليها. رواهُ الحاكمُ، وصحَّحَهُ، والمحفوظُ منْ روايةِ ابن عمرَ عنْ عمرَ قولُه)، قالَ المصنفُ رحمه الله: صحَّحَهُ الحاكمُ وابنُ حزمٍ
(3)
.
وفيهِ دليلٌ على جوازِ الرجوعِ في الهبةِ التي لم يُثَبْ عليها، وعدم جوازِ الرجوعِ في الهبةِ التي أثابَ عنها الواهبُ الموهوبَ له. وتقدَّمَ
(4)
الكلامُ في ذلكَ، وفي حُكْمِ الهبةِ للثوابِ والمكافأةِ.
وما أحسنَ ما قيلَ في ذلكَ: إنَّ الفاعلَ لا يفعلُ إلَّا لِغَرَضٍ؛ فالهِبةُ للأَدْنَى كثيرًا ما تكونُ كالصدقةِ، وهيَ غَرَضٌ [مبهم]
(5)
، وللمساوي معاشرة لجلبِ المودةِ، وحُسْنِ العُشْرَةِ المروءة، وهيَ مِثْلُ عطيةِ الأدْنَى إلَّا أن في عَطِيَّةِ الأدنَى تَوَهُّمُ الصدقةِ، والعُرْفُ جارٍ بتخالُفِ الهدايا باعتبارِ حالِ المُهْدِي والمُهْدَى إليهِ؛
(1)
في "المستدرك"(2/ 52) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه إلا أن نكل الحمل فيه على شيخنا. اهـ، وأقره الذهبي. وأخرجه البيهقي (6/ 185 - 181)، وضعفه الألباني في "الإرواء"(6/ 56، 57).
وأخرجه موقوفًا على عمر رضي الله عنه مالك (2/ 754 رقم 42)، والبيهقي (6/ 171) وصحَّح وقفه الحافظ في "التلخيص" (3/ 73) قال:"والمحفوظ عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر قال البخاري: هذا أصح". اهـ، وكذا صححه موقوفًا الألباني في "الإرواء"(6/ 55 رقم 1613).
(2)
أي موقوف عليه.
(3)
تابع الشارح في ذلك الحافظ في "التلخيص"(3/ 73) والذي يبدو - واللَّهُ أعلم - أنه تابع - هو وابن التركماني والألباني - في ذلك الأشبيلي في الأحكام، والذي في "المحلَّى" (9/ 132) أنه صحَّحه موقوفًا على عمر رضي الله عنه ولم يتعرض للمرفوع بشيء مع أنه في معرض سرد أدلة المخالفين والرد عليها حتى إنه قال: إذ لا حجة في أحد دون رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلو وقف عليه ولو بإسناد ضعيف لذكره، واللَّهُ أعلم.
(4)
أثناء شرح الحديث رقم (4/ 879) من كتابنا هذا.
(5)
في (ب): "مهم".
فإذا كانَ الغرضُ الطمعَ والتحصيلَ كما يهدي المتكسِّبُ لِلْمَلِكِ يُتْحِفُهُ بشيءٍ يرجُو فضلَه، فلو اقْتَصَرَ الملكُ على قَدْرِ قيمتِها لَذُمَّ، والذمُّ دليلُ الوجوبُ، بلْ إما أن يردَّها أو يُعْطِيَهُ خيرًا مِنْها، وإنْ كان غرضُ المهدي تحسين الاتصالِ بينهما والمخالقةِ الحسنةِ، وتصفيةِ ذاتِ البينِ، أجزأه منَ المكافأةِ أدنى شيءٍ قلَّ أو كَثُرَ، بلِ الأقلُّ أنسبُ لإشعارِه بأنْ ليس الغرضُ المعاوضةَ بل تكميلُ المودَّةِ، وأنهُ لا فرقَ بينَ ما تملكُه أنتَ وما أملكُه أنا.
* * *
[الباب التاسع عشر] بابُ اللُّقَطَةِ
اللُّقَطَةُ بضمِّ اللام، وفتحِ القافِ، قيلَ: لا يجوزُ غيرُه. وقالَ الخليلُ
(1)
: القافُ ساكنةٌ لا غيرُ، وَأما بفتحِها فهوَ اللَّاقِطُ. قيل: وهذا هوَ القياسُ، إلا أنهُ أجمعَ أهل اللغةِ والحديثِ على الفتحِ، ولذا قيلَ لا يجوز غيرُه.
1/ 887 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مرَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرَةٍ في الطَّرِيقِ فَقَالَ: "لَوْلا أَنِّي أَخافُ أَنْ تَكونَ مِنَ الصَّدقةِ لأَكَلْتهَا"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
(عنْ أنسٍ رضي الله عنه قالَ: مرّ رسولُ صلى الله عليه وسلم بتمرةٍ في الطريقٍ فقالَ: لَوْلَا أَنِّي أخافُ أن تكونَ منَ الصدقةِ لأكلْتُها. متفقُ عليهِ). دلَّ على جوازِ أَخْذِ الشيءِ الحقيرِ الذي يُتسامحُ بهِ، ولا يجبُ التعريفُ بهِ، وأنَّ الآخِذَ يملكُه بمجردِ الأخذِ لهُ. وظاهرُ الحديثِ أنهُ يجوزُ ذلكَ في الحقيرِ، وإنْ كانَ مالكُه معروفًا. وقيلَ: لا يجوزُ إلا إذا جهل، وأما إذا علِمَ فلا يجوز إلا بإذْنهِ، وإنْ كانَ يسيرًا. وقدْ أوردَ سؤال أنهُ صلى الله عليه وسلم كيفَ تركها في الطريقِ معَ أن [للإمام]
(3)
حِفظَ المالِ الضائعِ، وحِفْظَ ما كانَ منَ الزكاةِ وصَرْفَهُ في [مصارفهِ]
(4)
، ويُجابُ عنهُ بأنهُ لا دليل أنهُ صلى الله عليه وسلم لم يأخذْها لِلْحفْظِ، وإنما تركَ أكلَها تَوَرُّعًا، أوْ أنهُ تركَها عَمْدًا ليأخذَها منْ يمرُّ ممنْ تحلُّ لهُ الصدقةُ، ولا يجبُ على الإمامِ إلَّا حفظُ المالِ الذي يعلمُ طلبَ صاحبِه
(1)
انظر: "فتح الباري"(8/ 78).
(2)
البخاري (2431)، ومسلم (1071).
وأخرجه أبو داود (1651، 1652)، والبيهقي (6/ 195)، وعبد الرزاق (10/ 144 رقم 18642).
(3)
في (ب): "إلى الإمام".
(4)
في (ب): "مصرفه".
لهُ لا ما جرتِ العادةُ بالإعراضِ عنهُ لِحَقَارَتهِ. وفيهِ حثٌّ علَى التورُّعِ عنْ أكْلِ ما يجوزُ فيهِ أنهُ حرامٌ.
حكم الالتقاط
2/ 888 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا، وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُكَ بِهَا"، قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَم؟ قَالَ: "هِيَ لَكَ أَوْ لأخَيكَ أَوْ لِلذئْبِ"، قَالَ: فَضَالَّةُ الإبِلِ؟ قَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتى يَلْقَاهَا رَبُّها"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
ترجمة زيد بن خالد الجهني
(وعنْ زيدِ
(2)
بن خالدٍ الجُهَنِيِّ) هوَ أبو طلحةَ، أو أبو عبدِ الرحمنِ زيدِ بن خالدِ، نزلَ الكوفةَ وماتَ بها سنةَ ثمانٍ وسبعينَ، وهوَ ابنُ خمسٍ وثمانينَ سنةً، ورَوَى عنهُ جماعةٌ (قالَ: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يقمْ برهانٌ على تعيينِ الرجلِ، (فسأَلَهُ عن اللُّقَطَةِ) أي: عنْ حُكْمِها شَرْعًا (قالَ: اعرِفْ عِفَاصَها) بكسرِ العينِ المهملةِ، ففاءٍ، وبعدَ الألفِ صادٌ مهملةٌ، وعاءَها، ووقعَ في روايةٍ
(3)
[أخرى]
(4)
(1)
البخاري (2429)، ومسلم (1/ 1722).
قلت: وأخرجه أبو داود (1704)، والترمذي (1372)، وابن ماجه (2504)، ومالك (2/ 757 رقم 46)، والشافعي (2/ 137 رقم 453 ترتيب المسند)، وأحمد (4/ 115)، وابن الجارود (رقم 666)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 134)، والبيهقي (6/ 185، 189، 192)، والبغوي في "شرح السنة"(8/ 308 رقم 2207)، (8/ 313 رقم 2208)، والدارقطني (4/ 235 رقم 110)، وعبد الرزاق (10/ 130 رقم 18602)، والطبراني في "الكبير"(5/ 250 - 253 رقم 5249 - 5258) وغيرهم.
(2)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(2/ 284 رقم 1832).
(3)
أخرجها البيهقي (6/ 193) وعزاها الحافظ في "الفتح"(5/ 81) لعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، والحديث في صحيحَي البخاري (2426)، ومسلم (1723) بدون هذه اللفظة.
(4)
زيادة من (أ).
خِرْقَتَها. (ووكاءَها) بِكسْرِ الواوِ ممْدودًا: ما يُرْبَطُ بهِ، (ثمَّ عَرِّفْها) بتشديدِ الراءِ (سنةً، فإنْ جاءَ صاحبُها، وإلَّا فَشَأنُكَ بها. قالَ: فَضَالَّةُ الغَنَمَ؟)، الضالةُ تقالُ على الحيوانِ، وما ليسَ بحيوانٍ يقالُ لهُ لُقَطَةً، ([فقال]
(1)
: هيَ لكَ، أوْ لأخيكَ، أوْ للذئبِ. قالَ: فَضَالَّةُ الإبلِ؟ قالَ: ما لَكَ ولَهَا؟ معهَا سِقَاؤُهَا) أي جوفُها، وقيلَ: عُنُقُها، (وحِذَاؤُها) بكسرِ الحاءِ المهملةِ، فذالٍ معجمةٍ، أي خُفُّها، (تردُ الماءَ، وتأكلُ الشجرَ، حتَّى يَلْقَاها ربُّها، متفقٌ عليهِ). اختلفَ العلماءُ في الالتقاطِ هلْ هوَ أفضلُ أم التَّرْكُ؟ فقالَ أبو حنيفةَ
(2)
: الأفضلُ الالتقاطُ؛ لأنَّ منَ الواجبِ على المسلمِ حفظُ مالِ أخيهِ، ومثْلُه قالَ الشافعيُّ
(3)
: وقالَ أحمد
(4)
ومالك
(5)
: تَرْكُهُ أَفْضَلُ لحديثِ
(6)
: "ضَالَّةُ المؤمنِ
(1)
في (ب): "قال".
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 140).
(3)
انظر: "الأم"(4/ 72).
(4)
انظر: "المغني"(6/ 346).
(5)
انظر "بداية المجتهد"(4/ 113) بتحقيقنا.
(6)
أخرجه أحمد (5/ 80)، والطيالسي (1/ 279 رقم 1410 - منحة المعبود)، والدارمي (2/ 266)، والطحاوي في "شرح المعاني"(4/ 133)، والطبراني في "الصغير"(2/ 95 رقم 846)، والبيهقي (6/ 190) من طريق أبي العلاء يزيد بن عبد اللَّهِ بن الشخير عن أبي مسلم الجذمي - جذيمة عبد القيس - عن الجارود بن المعلى العبدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ضالة المسلم حرق النار"، وكرَّره بعضهم ثلاثًا وزاد:"فلا تقربنها"، وهي رواية أحمد هكذا قال أيوب وقتادة والجريري عن أبي العلاء عن أبي مسلم، وهكذا قال خالد الحذاء أيضًا في رواية شعبة وعبد الوهاب عنه وخالفهما سفيان فقال: عن خالد الحذاء عن أبي العلاء يزيد بن عبد اللَّهِ بن الشخير عن أخيه مطرف بن عبد اللَّهِ عن الجارود.
وأخرجه أحمد (5/ 80)، والبيهقي (6/ 190)، وابن ماجه (2502)، والبيهقي (6/ 191) من طريق حميد الطويل عن الحسن - وهو البصري - عن مطرف بن عبد الله بن الشخير فقال: عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وتابعه قتادة عن مطرف به، أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(9/ 33) ولعل هذه الرواية عن مطرف عن أبيه أرجح من رواية مطرف عن أبي مسلم الجذمي عن الجارود لاتفاق ثقتين عليها وهما الحسن وقتادة، بخلاف تلك فقد تفرد بها أبو العلاء كما رأيت، فإن كان كذلك فالإسناد صحيح.
وأما طريق أبي مسلم فإنه ليس بالمشهور لكنه لم يتفرَّد به، فأخرجه الطبراني (3/ 102/ 1 - 2) من طريق أبي معشر البزاء نا المثنى بن سعيد عن قتادة عن عبد اللهِ بن بابي عن عبد اللَّهِ بن عمرو أن الجارود أبا المنذر أخبر به.
قلت: فهذه متابعة قوية والسند جيد وهو على شرط مسلم، وصحَّحه من حديث الجارود الحافظ في "الفتح"(5/ 92). =
حرقُ النَّارِ"، ولمَا يخاف منَ التضمينِ والدَّينِ. وقالَ قومٌ: بلِ الالتقاطُ واجبٌ، وتأوَّلُوا الحديثَ [أنه]
(1)
فيمنْ أرادَ أَخْذَها للانتفاعِ بِها منْ أوَّلِ الأمرِ، قبلَ تعريفِه بها، هذا وقدِ اشتملَ الحديثُ على ثلاثِ مسائلَ:
الأولَى: في حُكْمِ اللُّقَطَةِ، وهيَ الضائعةُ التي ليستْ بحيوانٍ فإنَّ ذلكَ يقالُ لهُ ضالةٌ، فقدْ أمرَ صلى الله عليه وسلم الملتقطَ يعرِّفَ وِعاءَها، وما تُشَدُّ بهِ. وظاهرُ الأمرِ وجوبُ التَّعَرُّفِ لما ذُكِرَ ووجوبُ التعريفِ، ويزيدُ الأخيرُ عليهِ دلالةً قولُه:
تعريف اللقطة
3/ 889 - وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ آوَى ضَالَّةَ فَهُوَ ضَالٌّ، مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(2)
. [صحيح]
(وعنهُ) أي زيدِ بن خالدٍ (قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: منْ آوَى ضالةً فهوَ ضالٌ ما لم يعرِّفْها. رواهُ مسلمٌ)، فَوَصَفَه [بالضال]
(3)
إذا لم يعرِّفْ بها. وقدِ اختُلِفَ في فائدةِ معرفتِها، فقيلَ: لِتُرَدَّ للواصفِ لها [فإنه]
(4)
يقبلُ قولَهُ بعدَ إخبارِه بصفَتِها، ويجبُ ردُّها إليهِ كما دلَّ لهُ ما هُنَا، وما في رواية البخاريِّ
(5)
: "فإنْ جاءَ أحدٌ يخبرُكَ بِها"، وفي لفظٍ
(6)
: "بِعَدَدِها، ووعائِها، ووكائِها فأَعْطِها إياهُ"، وإلى هذا ذهبَ أحمدَ
(7)
، ومالكٌ
(8)
. واشترطَتِ المالكيةُ
(9)
زيادةَ صفةِ الدنانيرِ والعددِ.
=وللحديث شاهد من حديث عصمة مرفوعًا به وزاد: "ثلاث مرات"، رواه الطبراني في "الكبير" وفيه أحمد بن راشد وهو ضعيف كذا في "مجمع الزوائد"(4/ 167).
انظر: "الصحيحة" للمحدث الألباني (2/ 185 - 187 رقم 620).
(1)
في (ب): "بأنه".
(2)
في "صحيحه"(3/ 1351 رقم 12/ 1725).
وأخرجه الحاكم (2/ 64) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وقد أخرجه مسلم كما ترى، وأخرجه أيضًا الطحاوي (4/ 134)، والبيهقي (6/ 191).
(3)
في (ب): "بالضلال".
(4)
في (ب): "أو أنه".
(5)
في "صحيحه"(5/ 80 رقم 2427) من حديث زيد بن خالد الجهني مرفوعًا، وتقدّم تخريجه في الحديث السابق.
(6)
في "صحيح مسلم"(7/ 1722) وغيره.
(7)
انظر: "المغني"(6/ 363 - 364).
(8)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 118) بتحقيقنا.
(9)
انظر أيضًا: "بداية المجتهد"(4/ 119).
قالُوا: لورودِ ذلكَ في بعضِ الرواياتِ، وقالُوا: لا يضرُّهُ الجهلُ بالعددِ إذا عرفَ العِفاصَ والوكَاءَ، فأما إذا عرفَ إحدى العلامتينِ المنصوصِ عليها منَ العفاصِ والوكاءِ، وجَهِلَ الأُخْرَى فقيلَ: لا شيءَ لهُ إلا بمعرفتِهِما جميعًا. وقيلَ: تُدْفَعُ إليه بعدَ الإنظارِ مدةً، ثمَّ اختُلِفَ هلْ تُدْفَعُ إليهِ بعدَ وَصْفِهِ [عفاصها]
(1)
ووكائِها بغيرِ يمينٍ، أمْ لا بدَّ منَ اليمينِ؟ فقيلَ: تُدْفَعُ إليهِ بغيرِ يمينٍ لأنهُ ظاهرُ الأحاديثِ. وقيلَ: لا تُردُّ إليهِ إلَّا بالبيِّنةِ. وقالَ منْ أوْجَب البيِّنةَ: إنَّ فائدةَ أمرِ الملتقطِ بمعرفَتِها لِئَلَّا تَلْتَبِسُ بمالِه لا لأَجْلِ ردِّها لمنْ وصفَها؛ فإنَّها لا تُرَدُّ إليهِ إلا بالبيِّنةِ. قالُوا: وذلكَ لأنهُ مدَّع لا يُسَلَّمُ إليهِ ما ادَّعَاهُ إلَّا بالبينةِ، وهذَا أصلٌ مُقَرَّرٌ شَرْعًا لا يخرجُ عنهُ بمجردِ وصفِ المدَّعِي للعِفاصِ والوِكَاءِ.
وأُجيْبَ بأنَّ ظاهرَ الأحاديثِ وجوبُ الردِّ بمجرَّدِ الوصْفِ؛ فإنهُ قالَ
(2)
صلى الله عليه وسلم: "فَأَعْطِها إيَّاهُ". وفي حديثِ البابِ يقدر بعدَ قولِه: فإنْ جاءَ صاحِبُها فأعْطِهِ إيَّاهَا، وإنَّما حُذِفَ جوابُ الشرطِ للعلمِ بهِ. وحديثُ
(3)
: "البيِّنةُ على المدَّعي"، ليستِ البيِّنةُ مقصورة على الشهادةِ، بل هيَ عامة لكل ما يَتَبَيَّنُ بهِ الحقُّ، ومنْها وصفُ العِفَاصِ والوِكَاءِ، على أنهُ قدْ قالَ منِ اشترطَ البينةَ إنَّها إذا ثبتتِ الزيادةُ وهي قولُه: فأعطِها إياهُ، كانَ العملُ عليها، والزيادةُ قدْ صحَّتْ كما حقَّقَهُ المصنفُ
(4)
رحمه الله؛ فيجبُ العملُ بها، ويجبُ الردُّ بالوصفِ، وكما أوجبَ عيهم التعريفَ بها فقدْ حدَّ وقْتَه بسنةٍ فأوجبَ التعريفَ بها سنة، وأما ما بعدَها فقيلَ لا يجبُ التعريفُ بها بعدَ السنةِ، وقيلَ: يجبُ، والدليلُ معَ الأَوَّلِ، ودلَّ على أنهُ يعرِّفُ بها سنةً لا غيرُ، حقيرةً كانتْ أوْ عظيمةً، ثمَّ التعريفُ يكونُ في مظانِّ اجتماعِ الناسِ منَ الأسواقِ وأبوابِ المساجدِ والمجامعِ الحافلةِ، قولُه:"وإلَّا فشأْنَكَ بها"، نَصَبَ شَأْنَكَ على الإغراءِ، ويجوزُ رفْعُه على الابتداءِ وخبرُه بها، وهوَ تفويضٌ لهُ في حِفْظِها أو الانتفاعِ بها، واستُدِلَّ بهِ على جوازِ تصرُّفِ الملْتَقِطِ بها بأي تصرُّفِ، إما بِصَرْفِها
(1)
في (ب): "لعفاصها".
(2)
في رواية في الصحيح (5/ 91 رقم 2436): "فأدها إليه".
(3)
انظر تخريجه برقم (1/ 1327) من كتابنا هذا.
(4)
في "فتح الباري"(5/ 78).
في نَفْسِه غَنِّيًا كانَ أوْ فقيرًا، أو التصدُّقِ بها، إلَّا أنهُ قدْ وردَ منَ الأحاديثِ ما يقتضي بأنه لا يملكها، فعندَ مسلمٍ
(1)
: "ثمَّ عرِّفْها سنة فإنْ لم يَجِئْ صاحِبُها كانتْ وديعةً عِندَكَ"، وفي روايةٍ
(2)
: "ثمَّ عرِّفْها سنةً فإنْ لم تعرِّفْ فاسْتَنْفِقْها ولتكنْ وديعةً عِنْدَك، فإنْ جاءَ طَالِبُها يومًا منَ الدهرِ فأدِّها إليهِ". ولذلكَ اختلفَ العلماءُ في حُكْمِها بعدَ السُّنَّة، [فقال]
(3)
في "نهاية المجتهد"
(4)
: إنهُ اتفقَ فقهاءُ الأمصارِ: مالكٌ، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ أن لهُ تَمَلّكَها، ومثلُه عنْ عمرَ، وابنِه، وابنِ مسعودٍ، وقالَ أبو حنيفةَ
(5)
: ليسَ لهُ إلا أنْ يتصدقَ بها، ومثلُه يُرْوَى عنْ عليّ، وابنِ عباسٍ، وجماعةٍ منَ التابعينَ، وكلُّهم متفقونَ على أنهُ إنْ أكَلَهَا ضمِنَها لصاحبِها إلَّا أهلَ الظاهرِ، فقالُوا: تحلُّ لهُ بعدَ السَّنةِ وتصيرُ مالًا منْ مالِه، ولا يضمنُها إنْ جاءَ صاحِبُها.
قلتُ: ولا أدري ما يقولونَ في حديثِ مسلم
(6)
ونحوه الدالِّ على وجوبِ ضَمَانِها، وأقربُ الأقوالِ ما ذهبَ إليهِ الشافعيُّ
(7)
ومَنْ معهُ؛ لأنهُ صلى الله عليه وسلم أَذنَ في استنفاقِهِ لها ولمْ يأمرْهُ بالتصدُّقِ بها، ثمَّ أمرهُ بعدَ الإذْنِ في الاستنفاقِ أنْ يردَّها إلى صاحبِها إنْ جاءَ يومًا منَ الدَّهْرِ، وذلكَ تضمينٌ لها.
المسألةُ الثانيةُ: في ضالةِ الغَنَم فقدِ اتفقَ العلماءُ على أن لِوَاجِدِ الغَنَمِ في المكانِ القفْرِ البعيدِ منَ العُمرانِ أنْ يأكلَها لقولِهِ صلى الله عليه وسلم
(8)
: "هيَ لكَ، أوْ لأخيكَ، أوْ للذئبِ"؛ فإنَّ معناهُ أنَّها معرَّضَةٌ للهلاكِ، متردِّدةٌ بينَ أنْ تأخذَها، أوْ أخُوكَ، والمرادُ بهِ ما هوَ أعمُّ منْ صاحِبها، أوْ منْ ملتقِطٍ آخرَ، والمرادُ منَ الذئبِ جِنْسُ ما يأكلُ الشاةَ منَ السباعِ، وفيهِ حثٌّ على أخْذ إيَّاها. وهلْ يجبُ عليهِ ضمانُ
(1)
في "صحيحه"(3/ 1348 رقم 4/ 1722).
(2)
في "صحيح مسلم" أيضًا (5/ 1722).
(3)
في (ب): "قال".
(4)
بنحوه فيه (4/ 117 - 118) بتحقيقنا.
(5)
عبارة "البداية"(4/ 117): "وقال أبو حنيفة: ليس له أن يأكلها أو يتصدق بها" اهـ.
(6)
يعني في قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن جاء صاحبها يومًا من الدهر فأدها إليه"، وهو فيه (3/ 1349 رقم 5/ 1722) وتقدم قريبًا.
(7)
انظر: "الأم"(4/ 72).
(8)
في حديث زيد بن خالد الجهني المتقدم برقم (2/ 888).
قِيْمَتِها لصاحِبها أوْ لا؟ فقالَ الجمهورُ
(1)
: إنهُ يضمنُ قيمتَها والمشهورُ عنْ مالكٍ
(2)
أنهُ لا يضمنُ، واحتجَّ بالتسويةِ بينَ الملتقِطِ والذِّئب، والذّئبُ لا غرامةَ عليهِ، فكذلكَ المُلتَقِطُ. وأُجِيبَ بأنَّ اللَّامَ ليستْ للتّمليكِ لأنَّ الذئبَ لا يملكُ. وقدْ أجمعُوا
(3)
على أنهُ لو جاءَ صاحِبُها قبلَ أنْ يأكلَها الملتقِطُ فهيَ باقيةٌ على مُلْكِ صاحِبها.
والمسألةُ الثالثةُ: في ضالةِ الإبلِ، وقدْ حَكَمَ صلى الله عليه وسلم بأنَّها لا تُلْتَقَطُ بلْ تُتْرَكُ تَرْعَى الشجرَ وتردُ المياهَ حتَّى يأتيَ صاحبُها. قالُوا: وقدْ نَبَّهَ صلى الله عليه وسلم على أنَّها غنيةٌ غيرُ محتاجةٍ إلى الحفظِ بما ركَّبَ اللَّهُ في طِبَاعِهَا منَ الجلادةِ علَى الْعَطَشِ، وتناولِ الماءِ بغيرِ تَعَبٍ لطولٍ عُنُقِها وقوتِّها على المشي، فلا تحتاجُ إلى الملتقِطِ بخلافِ الغنمِ. وقالتِ الحنفيةُ
(4)
وغيرُهم: الأَوْلى التقاطُها، قالَ العلماءُ: والحِكْمَةُ في النَّهْي عن التقاطِ الإبلِ أن بقاءَها حيثُ ضلَّتْ أقربُ إلى وُجْدَانِ مالِكِها لها منْ تَطَلُّبِهِ لها في رحالِ الناسِ.
4/ 890 - وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدَ لُقَطَة فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمّ لَا يَكْتُمْ، وَلَا يُغَيِّبْ، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللهِ يُؤتيهِ مَنْ يَشَاءُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(5)
، والأَرْبَعَةُ
(6)
، إلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَصَحّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْجَارُودِ
(7)
، وَابْنُ حِبّانَ
(8)
. [صحيح]
(1)
انظر: "فتح الباري"(5/ 83) مفهومًا لا نصًا.
(2)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 119 - 120) بتحقيقنا.
(3)
قال ابن المنذر في "كتاب الإجماع"(ص 130): كتاب اللقطة: "لم يثبت فيها إجماع" اهـ. وقد نقل الإجماع - الذي نقله الشارح - الحافظُ ابن حجر في "الفتح"(5/ 83).
(4)
انظر: "المبسوط"(11/ 9: 11).
(5)
في "المسند"(4/ 161، 162).
(6)
أبو داود (1709)، والنسائي في "الكبرى"(3/ 418 رقم 1/ 5808)، وابن ماجه (2505).
(7)
في "المنتقى"(رقم 671).
(8)
في صحيحه (ص 284 رقم 1169 - الموارد).
قلت: وأخرجه الطيالسي (1/ 279 رقم 1409 - المنحة)، والطحاوي في شرح المعاني" (4/ 136)، وفي "مشكل الآثار" (4/ 207، 208)، والبيهقي (6/ 187)، والطبراني في "الكبير" (17/ 358 - 360 رقم 986، 987، 989، 990)، وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (1/ 321 رقم 1503).
ترجمة عياض
(وعنْ عياضٍ)
(1)
بكسرِ المهملةِ، آخرهُ ضاد معجمةٌ (ابن حمارٍ) بلفظِ الحيوانِ المعروفِ، صحابيٌّ معروفٌ (قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: منْ وَجَدَ لُقَطَةً فليُشْهِدْ ذويْ عَدْلٍ، وليحفظْ عِفَاصَها وَوِكَاءَها، ثمَّ لا يَكْتُمْ ولا يُغَيِّبْ، فإنْ جاءَ ربُّها فهوَ أحقُّ بها، إلا فهوَ مالُ اللهِ يؤتيهِ مَنْ يشاءُ. رواهُ أحمدُ، والأربعةُ إلَّا الترمذيَّ، وصحَّحَهُ ابنُ خزيمةَ، وابنُ الجارودِ، وابن حِبَّانَ).
تقدَّمَ الكلامُ
(2)
في اللقطةِ والعِفاصِ والوكاءِ، وأفادَ هذا الحديثُ زيادةَ وجوبِ الإشهادِ بعدلينِ على التقاطِها. وقدْ ذهبَ إلى هَذَا أبو حنيفةَ
(3)
، وهوَ أحدُ قَوْلَيّ الشافعيِّ
(4)
فقالُوا: يجبُ الإشهادُ على اللُّقَطَةِ، وعلَى أوْصَافِها. وذهبَ الهادي
(5)
، ومالكٌ
(6)
، وهوَ أحدُ قَوْلَي الشافعيِّ
(7)
إلى أنهُ لا يجبُ، قالُوا: لِعَدَمِ ذِكْرِ الإشهادِ [على اللقطة]
(8)
في الأحاديثِ الصحيحةِ
(9)
، فَيُحْمَلُ هَذا على النَّدْبِ، وقالَ الأولون: هذِه الزيادةُ بعدَ صِحَّتِها يجبُ العملُ بها فيجبُ الإشهادُ، ولا ينافي ذلكَ عدمُ ذِكْرِهِ في غيرِه منَ الأحاديثِ، والحقُّ وجوبُ الإشهادِ، وفي قولِهِ:"فهوَ مالُ اللَّهِ يؤتيهِ منْ يشاءُ" دليلٌ للظاهريةِ
(10)
في أنَّها تصيرُ مُلْكًا للملتقطِ ولا يَضْمَنُها، وقدْ يجابُ بأنَّ هذَا مقيَّدٌ بما سلفَ من إيجابِ الضمانِ. وأما قولُه صلى الله عليه وسلم: يؤتيهِ منْ يشاءُ، فالمرادُ أنهُ يحلُّ انتفاعُه بها بعدَ مرورِ سنةِ التعريفِ.
النهي عن لقطة الحاج
5/ 891 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 322 رقم 4144).
(2)
في شرح الحديث رقم (2/ 888) من كتابنا هذا.
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار (4/ 136).
(4)
انظر: "روضة الطالبين"(5/ 391).
(5)
انظر: "البحر الزخار"(4/ 280).
(6)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 121) بتحقيقنا.
(7)
انظر: "روضة الطالبين"(5/ 391) وهو الأصح كما قال النووي رحمه الله تعالى.
(8)
زيادة من (أ).
(9)
منها الأحاديث المتقدمة في هذا الباب.
(10)
انظر "المحلَّى": (8/ 266: 270).
نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
. [صحيح]
ترجمة عبد الرحمن التيمي
(وعنْ عبدِ الرحمنِ
(2)
بن عثمانَ التيميِّ) هوَ قُرَشِيٌّ، وهوَ ابنُ أخي طلحةَ بن عبيدِ اللَّهِ صحابيٌّ، وقيلَ إنهُ أدركَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وليستْ لهُ رؤيةٌ، وأسلمَ يومَ الحديبيةِ. وقيلَ يومَ الفتْحِ، وقُتِلَ معَ ابن الزبيرِ، (أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ لُقَطَةِ الحاجّ. رواهُ مسلمٌ)، أي عن التقاطِ الرجلِ ما ضاعَ للحاجّ، والمرادُ ما ضاعَ في مكةَ لما تقدَّمَ
(3)
منْ حديثِ أبي هريرةَ أنَّها: "لا تحلُّ لُقَطَتُها إلا لِمُنْشِدٍ". وتقدَّمَ أنهُ حملَ الجمهورُ على أنهُ نَهَى عن التقاطِها لِلتَّمَلُّكِ لا للتعريفِ بها فإنهُ يحلُّ، قالُوا: وإنَّما اختصتْ لقطةُ الحاجّ بذلكَ لإمكانِ إيصَالِها إلى أربابها؛ لأنَّها إنْ كانتْ لمكيٍّ فظاهرٌ، وإنْ كانتْ لآفاقيٍّ فلا يخلُو أفقٌ في الغالبِ منْ واردٍ منهُ إليها، فإذا عرَّفَها واجِدُها في كلِّ عامٍ سَهُلَ التوصُّلُ إلى معرفةِ صاحِبها قالهُ ابنُ بطَّالٍ
(4)
.
وقالَ جماعةٌ: هي كغيرهَا منَ البلادِ وإنَّما تَخْتَصُّ مكةُ بالمبالغةِ في التعريفِ، لأنَّ الحاجَّ يرجعُ إلى بلدِهِ وقدْ لا يعودُ فاحتاجَ الملتقِطُ إلى المبالغةِ في التعريفِ بها، والظاهرُ القولُ الأولُ، وأنَّ حديثَ النَّهي هذا مقيد بحديثِ أبي هريرةَ بأنهُ لا يحل التقاطُها إلَّا لِمُنْشِدٍ، فالذي اختصَّتْ بهِ لقطةُ مكةَ أنَّها لا تلتقطُ إلَّا للتعريفِ بها أبدًا فلا تجوزُ [للتمليك]
(5)
، ويحتملُ أن هذَا الحديثَ في لُقَطَةِ الحاجِّ مُطْلَقًا في مكةَ وغيرِها؛ لأنهُ هُنَا مطلقٌ، ولا دليلَ علَى تقييدِهِ بِكَوْنِها في مكةَ.
لقطة الذمي والمعاهد كلقطة المسلم
6/ 892 - وَعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(1)
في "صحيحه"(3/ 1351 رقم 11/ 1724).
قلت: وأخرجه أبو داود (1719)، وأحمد (3/ 499)، والبيهقى (6/ 199).
(2)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(3/ 472 رقم 3349).
(3)
برقم (12/ 690) من كتابنا هذا.
(4)
انظر: "فتح الباري"(5/ 88).
(5)
في (ب): "للتملُّكِ".
"أَلَا لَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَلَا الْحِمَارُ الأَهْلِيُّ، وَلَا اللقَطَةُ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ، إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
. [صحيح]
(وعنِ المقدامِ بن معدِ يكربَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا لا يحلُّ ذو نابٍ منَ السِّبَاعِ، ولا الحمارُ الأهليُّ، ولا اللقطةُ منْ مالِ معاهِدٍ إلَّا أنْ يستغنيَ عنْها. رواهُ أبو داودَ). ويأتي
(2)
الكلامُ على تحريمِ ما ذُكِرَ في باب الأطعمةِ وذَكَرَ الحديثَ هُنَا لقولِهِ: "ولا اللقطةُ منْ مالِ معاهدٍ"؛ فدلَّ على أن اللقطةَ منْ مالهِ كاللقطةِ منْ مالِ المسلمِ، وهذَا محمولٌ على التقاطِها منْ محلِّ غالب أهلُه، أو كلُّهم ذميُّونَ، وإلَّا فاللقطةُ لا تُعْرَفُ منْ مالِ أيِّ إنسان عندَ التقاطِها. وقولُه:"إلَّا أن يستغنيَ عنَها" مُؤَوَّلٌ بالحقيرِ كما سلفَ في التمرةِ ونحوِها، أو بعدمِ معرفةِ صاحِبها بعدَ التعريفِ بها كما سلفَ أيضًا، وعبَّرَ عنهُ بالاستغناءِ لأنهُ سببُ عدمِ المعرفةِ في الأغلبِ، فإنهُ لو لم يستغنِ عنْها لبالغَ في طَلَبِها أو نحوِ ذلكَ.
فائدةٌ: قالَ النوويُّ في "شرح المهذَّب"
(3)
: اختلفَ العلماءُ فيمنْ مرَّ ببستانٍ أو زَرْعٍ أو ماشيةٍ، فقالَ الجمهورُ: لا يجوز أَن يَأْخُذَ منهُ شيئًا إلا في حالِ الضرورةِ، فيأخذُ ويغرَّمُ عندَ الشافعيِّ والجمهورِ، وقالَ بعضُ السلفِ: لا يلزمُه شيءٌ.
وقالَ أحمدُ: إذا لمْ يكنْ للبستانِ حائطٌ جازَ لهُ الأكلُ منَ الفاكهةِ الرطبةِ في أصحِّ الروايتينِ، ولوْ لمْ يحتجْ إلى ذلكَ. وفي الأُخْرَى إذا احتاجَ ولا ضمانَ عليهِ في الحالينِ، وعلَّقَ الشافعيُّ
(4)
القولَ بذلك على صحةِ الحديثِ، قالَ البيهقيّ
(5)
يعني حديثَ ابن عمرَ مَرْفُوعًا: "إذا مرَّ أحدُكم بحائطٍ فليأكلْ ولا يتخذْ خبنةً" أخرجَهُ الترمذيُّ
(6)
، واستغرَبَهُ.
(1)
في "سننه"(3804) وطرفه في (4604).
وأخرجه أحمد (4/ 130، 131)، وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 723 رقم 3229).
(2)
انظر الأحاديث (1/ 1240): (3/ 1242) من كتابنا هذا.
(3)
"المجموع"(9/ 54 - 55).
(4)
انظر: "السنن الكبرى"(9/ 358).
(5)
في "السنن الكبرى" له (9/ 359).
(6)
في "سننه"(1287).
وأخرجه ابن ماجه (2301)، وصحَّحه الألباني في "صحيح الترمذي"(2/ 25 رقم 1034).
قالَ البيهقي
(1)
: لم يصحّ وجاءَ منْ أَوْجُهٍ أُخَرَ غيرِ قويةٍ.
قالَ المصنفُ
(2)
رحمه الله: والحقُّ أن مجموعَها لا يَقْصُرُ عنْ درجةِ الصحيحِ، وقدِ احتجُّوا في كثيرٍ منَ الأحكامِ بما هوَ دونَها، وقدْ بيَّنتُ ذلكَ في كتابِ "المنحةُ فيما علقَ الشافعيُّ القولَ بهِ على الصَّحةِ" اهـ.
وفي المسألةِ خلافٌ وأقاويلُ كثيرةٌ، وقدْ نَقَلَها الشارحُ عن "المهذبِ"، ولم يتخلَّص البحثُ لتعارضِ الأحاديثِ في الإباحةِ والنَّهي، فلمْ تَقْوَ أحاديثُ الإباحةِ على نَقْلِ الأصلِ، وهوَ حرمةُ مالِ الآدميِّ، وأحاديثُ
(3)
النَّهْي أكَّدَتْ ذلكَ الأصلَ.
* * *
(1)
في "السنن الكبرى له"(9/ 359).
(2)
في "فتح الباري"(5/ 90).
(3)
منها ما مر أثناء شرح الحديث رقم (4/ 818): "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه".
[الباب العشرون] باب الفرائض
الفرائض جَمْعُ فريضةٍ، وهيَ فعيلةٌ بمعنَى مفروضةٍ منَ الفرْضِ، وهوَ القطْعُ، وخُصَّتِ المواريثُ باسمِ الفرائضِ منْ قولِه تعالَى:{نَصِيبًا مَفْرُوضًا}
(1)
، أي مقدرًا معلومًا. وقدْ وردتْ أحاديثُ
(2)
كثيرةٌ في الحثِّ على تَعَلُّمِ علمِ الفرائضِ، ووردَ أنهُ أولُ عِلْمٍ يُرْفَعُ
(3)
.
1/ 893 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ"، مُتَّفَق عَلَيْهِ")
(4)
. [صحيح]
(عن ابن عباسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ألحقُوا الفرائضَ بِأَهْلِها)، والمرادُ بها الستُّ المنصوصُ عليها وعلى أهلِها في القرآنِ، (فما بقيَ فَهُوَ لأَوْلَى رجلٍ ذكرٍ). اختُلِفَ في فائدةِ وَصْفِ الرجلِ بالذَّكرِ والأقربُ أنهُ تأكيدٌ. ونَقَلَ في
(1)
سورة النساء: الآية 7.
(2)
(منها) ما أخرجه الترمذي (4/ 413 رقم 2091) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "تعلَّموا القرآن والفرائض وعلِّموا الناس فإني مقبوض"، قال الترمذي: هذا حديث فيه اضطراب. اهـ ومن طريق أخرى عنه مرفوعًا: "تعلَّموا الفرائض وعلِّموها فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي"، أخرجه ابن ماجه (2719)، والحاكم (4/ 332) وسكت عنه وضعَّفه الذهبي، وأخرجه أيضًا البيهقي (6/ 259) وهو حديث ضعيف، ضعَّفه المحدّث الألباني في "الإرواء"(6/ 103، 104) وقد ساق له شواهد كلها ضعيفة، واللهُ أعلم.
(3)
انظر الطريق الثانية لحديث أبي هريرة المتقدم في التعليق السابق.
(4)
البخاري (6732) وأطرافه في (6735، 6737، 6746)، ومسلم (2، 3/ 1615).
قلت: وأخرجه أبو داود (2898)، وابن ماجه (2740)، وأحمد (1/ 313)، والدارمي (2/ 368)، والبيهقي (6/ 238) وغيرهم.
الشرحِ كلامًا كثيرًا وفائدتُه قليلةٌ (متفقٌ عليهِ). والفرائضُ المنصوصةُ في القرآنِ
(1)
ستٌّ:
(1)
آيات المواريث ثلاث، جمعت أصول علم الفرائض وأركان أحكام المواريث وهي:
1 -
2 -
3 -
وهناك آيات كريمة وردت في شأن المواريث ولكنها مجملة تشير إلى حقوق الورثة بدون تفصيل وهي:
1 -
قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال: 75].
2 -
وقال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)} [الأحزاب: 6].
3 -
وقال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)} [النساء: 7].
وهذه الآيات الكريمة مجملة جاء تفصيلها في الآيات السابقة التي حدَّد اللَّهُ فيها نصيب كل وارث، وهي عماد علم الميراث كما قد علمت.
• وإليك أخي القارئ ما يستفاد من آيات المواريث:
أولًا: أحكام البنين والبنات:
1 -
إذا خلف الميت ذكرًا واحدًا وأنثى واحدة فقط اقتسما المال بينهما للذكر سهمان وللأنثى سهم واحد.
2 -
إذا كان الورثة جمعًا من الذكور والإناث فإنهم يرثون المال للذكر ضعف الأنثى.
3 -
إذا وجد مع الأولاد أصحاب فروض كالزوجين أو الأبوين فإننا نعطي أصحاب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الفروض أوَّلًا، ثم ما تبقَّى نقسمه بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.
4 -
إذا ترك الميت ابنًا واحدًا فقط فإنه يأخذ كل المال ويؤخذ هذا من مجموع الآيتين: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} و {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} ، فيلزم أن نصيب الابن إذا انفرد جميع المال.
5 -
يقوم أولاد الابن مقام الأولاد إذا عدموا، لأن كلمة:"أولادكم" تتناول الأولاد الصلبيين وأولاد الابن مهما نزلوا بالإجماع.
ثانيًا: حكم الأبوين:
1 -
الأب والأم يأخذ كل واحد منهما السدس إذا كان للميت فرع وارث.
2 -
إذا لم يكن مع الأبوين أحد من الأولاد، فإن الأم ترث ثلث المال والباقي وهو الثلثان يرثه الأب.
3 -
إذا وجد مع الأبوين إخوة للميت (اثنان فأكثر)، فإن الأم ترث سدس المال والباقي خمسة أسداس للأب وليس للإخوة والأخوات شيء أصلًا لأن الأب يحجبهم.
ثالثًا: الدَّين مقدَّم على الوصية.
رابعًا: حكم الزوج:
1 -
إذا ماتت الزوجة ولم تخلف فرعًا وارثًا فإن نصيب الزوج النصف.
2 -
إذا ماتت الزوجة وقد خلفت فرعًا وارثًا فإن نصيب الزوج الربع.
خامسًا: حكم الزوجة أو الزوجات:
1 -
إذا مات الزوج ولم يخلف فرعًا وارثًا فإن نصيب الزوجة أو الزوجات الربع.
2 -
إذا مات الزوج وكان قد خلف فرعًا وارثًا فإن نصيب الزوجة أو الزوجات الثمن.
سادسًا: حكم الأخوة أو الأخوات لأم:
1 -
إذا مات عن أخ لأم منفرد، أو أخت لأم منفردة، فإن الواحد منهما يأخذ السدس.
2 -
إذا مات عن أكثر من ذلك (يعني أخوين لأم أو أختين لأم)، فيستحقون الثلث بالسوية.
سابعًا: حكم الإخوة والأخوات الشقيقات أو لأب:
1 -
إذا مات وخلف أختًا شقيقة واحدة أو لأب ولم يكن له أصل ولا فرع، فللأخت الشقيقة أو لأب نصف التركة.
2 -
إذا مات وخلف أختبن شقيقتين فأكثر أو لأب ولم يكن له أصل ولا فرع، فللشقيقتين أو لأب الثلثان من التركة.
3 -
إذا مات وخلف إخوة وأخوات (أشقاء أو لأب)، فإن التركة يتقاسمها الإخوة والأخوات على أساس أن نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى.
4 -
إذا ماتت الشقيقة - ولم يكن لها أصل ولا فرع - فإن الأخ الشقيق يأخذ جميع المال وإن كان هناك أكثر من أخ اقتسموا المال على عدد الرؤوس.
وهكذا حكم الأخوة والأخوات لأب عند عدم وجود الإخوة الأشقاء أو الأخوات الشقيقات.
النِّصْفُ، ونصفهُ، ونصفُ نِصْفِهِ، والثلثانِ، ونصفُهما، ونصفُ نِصْفِهمَا. والمرادُ منْ أهْلِها مَنْ يستحقُّها بنصِّ كتاب اللهِ، قالَ ابنُ بطَّالٍ
(1)
: المرادُ بِأوْلَى رجلٍ أن الرجالَ منَ العصبةِ بعدَ أهلِ الفَرائضِ إذا كانَ فيهمْ مَنْ هوَ أقربُ إلى الميْتِ استحقَّ دونَ مَنْ هوَ أبعدُ، فإنِ اسْتَووْا اشتركُوا ولم يقصدْ منْ يدلي بالآباءِ والأمهاتِ مَثَلًا لأنهُ ليسَ فيهمْ مَنْ هوَ أوْلَى [إلى الميت]
(2)
إذا اسْتَوَوْا في المنزلةِ. وقالَ غيرُه
(3)
: المرادُ بهِ العمَّةُ معَ العمِّ، وبنتُ الأخ معَ ابن الأخِ، وبنتُ العمِّ معَ ابن العمِّ، وخَرَجَ منْ ذلكَ الأخُ والأختُ لأبوينِ، أَوْ لأب، فإنهم يرثونَ بنصِّ قولِه تعالى:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
(4)
وأقربُ العصباتِ البنونَ، ثمَّ بَنُوْهُم وإنْ سَفلُوا، ثمَّ الأبُ، ثمَّ الجدُّ أبُو الأبِ وإنْ عَلَا، وتفاصيلُ العصباتِ وسائرِ أهلِ الفرائضِ مُسْتَوْفَى في كُتُبِ الفرائضِ. والحديثُ مبنيٌّ على وجودِ عَصَبةٍ منَ الرجالِ فإذا لم توجدْ عَصَبَةٌ منَ الرِّجالِ أعْطَى بقيةَ الميراثِ مَنْ لا فَرْضَ لهُ منَ النساءِ كما يأتي
(5)
في بنتٍ، وبنتِ ابنٍ، وأختٍ.
منع التوريث بين المسلم والكافر
2/ 894 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(6)
. [صحيح]
(1)
انظر: "فتح الباري"(12/ 11).
(2)
في (ب): "من غيره".
(3)
وهو ابن التين كما بينه الحافظ في "الفتح"(12/ 11).
(4)
سورة النساء: الآية 176.
(5)
في الحديث رقم (3/ 895) من كتابنا هذا.
(6)
البخاري (6764)، ومسلم (1/ 1614).
قلت: وأخرجه أبو دا ود (2909)، والترمذي (2107)، وابن ما جه (2729)، وابن الجارود (رقم 954)، والدارقطني (4/ 69 رقم 7)، والبيهقي (6/ 217)، والدارمي (2/ 370)، وأحمد (5/ 200)، والطيالسي (1/ 283 رقم 435 - منحة المعبود)، ومالك (2/ 519 رقم 10)، والحميدي (1/ 248 رقم 541)، وسعيد بن منصور (1/ 65)، وعبد الرزاق (6/ 14 - 15 رقم 9851، 9852)، وابن خزيمة (4/ 322 رقم 2985)، وابن حبان (7/ 609 رقم 6001 - الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (1/ 163 رقم=
(وعنْ أسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لا يرثُ المسلم الكافرَ، ولا يرثُ الكافر المسلمَ. متفقٌ عليهِ). المسلمُ في صدرِ الحديثِ فاعلٌ، والكافرُ مفعولٌ، وفي آخرِه بالعكسِ، وإلى ما أفادَهُ الحديثُ ذهبَ الجماهيرُ
(1)
، ورُوِيَ خلافُه عنْ معاذٍ، ومعاويةَ، ومسروقٍ، وسعيدِ بن المسيبِ، وإبراهيمَ النخعيِّ، وإسحاقَ. وذهبَ إليهِ الإماميةُ
(2)
، والناصرُ فقالوا: إنهُ يرثُ المسلمُ الكافرَ منْ غير عكسٍ، واحتجَّ معاذٌ بأنهُ سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ:"الإسلامُ يزيدُ ولا ينقصُ"، أخرجَهُ أبو داودَ
(3)
، وصحَّحَهُ الحاكمُ
(4)
. وقدْ أخرجَ مسدِّدٌ
(5)
أنهُ اخْتَصَمَ إلى معاذٍ أخوان: مسلم ويهودي ماتَ أبوهما يهوديًا فحاز ابنه اليهودي ميراثه، فنازعه المسلمُ فورَّث معاذٌ المسلمَ.
وأخرجَ ابنُ أبي شيبةَ
(6)
منْ طريقِ عبدِ اللَّهِ بنَ مَعْقِلٍ
(7)
قالَ: ما رأيتُ قضاءً أحسنَ منْ قضاءِ معاويةَ، نرثُ أهلَ الكتاب ولا يرثونا، كما يحلُّ لنا النكاحُ منْهم، ولا يحلُّ لهم مِنَّا. وأجابَ الجمهورُ
(8)
بأنَّ الحديثَ المتَّفَقَ عليهِ نصُّ في مَنْعِ التوريثِ، وحديثَ معاذٍ ليسَ فيهِ دلالةٌ على خصوصيةِ الميراثِ، وإنَّما فيهِ الإخبارُ بأنَّ دينَ الإسلامِ يَفضُلُ غيرَه منْ سائرِ الأديانِ، ولا يزالُ يزدادُ ولا ينقصُ.
= 391)، (1/ 167 رقم 412)، وفي "الأوسط"(1/ 310 رقم 510)، والشافعي (2/ 190 رقم 676 - ترتيب المسند)، والحاكم (2/ 245)، وأبو نعيم في، الحلية، (3/ 144 - 145)، والبغوي في "شرح السنة"(8/ 363)، (11/ 154) وغيرهم.
(1)
انظر: "فتح الباري"(12/ 50، 51).
(2)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 369).
(3)
في "سننه"(2912، 2913).
(4)
في "المستدرك"(4/ 345)، ووافقه الذهبي على تصحيحه.
وأخرجه البيهقي (6/ 254 - 255)، وابن أبي شيبة (11/ 374 رقم 11496)، والطيالسي (1/ 283 رقم 1436 - (المنحة)، وهو حديث ضعيف، ضعَّفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(ص 287 رقم 624، 625).
(5)
عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(12/ 50).
(6)
في "المصنف"(11/ 374 رقم 11497).
(7)
في المخطوط والمطبوع: "مُغَفَّل"، والتصويب من "المصنف" و"الفتح"(12/ 50).
(8)
انظر: "فتح الباري"(12/ 50).
ميراث البنت وبنت الابن والأخت
3/ 895 - وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضِيَ الله تَعَالَى عنْهُ في بِنْتٍ، وَبِنْتِ ابن، وَأُخْتٍ، فَقَضَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"للابْنَةِ النِّصْف، وَلابْنَةِ الابن السُّدْس - تكمِلَةَ الثُّلُثَينِ - وَمَا بَقِيَ فَلِلأخْتِ" رَوَاهُ الْبُّخَارِيُّ
(1)
. [صحيح]
(وعنِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه في بنتٍ، وبنتِ ابنٍ، وأختٍ، فقضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم للابنةِ النِّصْفُ، ولابنةِ الابنِ السدس، تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وما بقيَ فللأختِ. رواهُ البخاريُّ).
فيهِ دلالةٌ على أن الأختَ معَ البنتِ، وبنتِ الابن عُصْبَةٌ تُعْطَى بقي الميراثِ وهوَ مجمع
(2)
على أنَّ الأخواتِ معَ البناتِ عصبات، وقدْ كانَ
(3)
أفتَى أبو موسى بأنَّ لِلأختِ النصفَ ثمَّ أمر السائلَ أنْ يسألَ ابنَ مسعودٍ فقضَى ابنُ مسعودٍ بقضاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ أبو موسى: لا تَسألُوني ما دامَ هذا الحبْرُ فيكمْ. ضبطَ أئمةُ اللغةِ الحبْرَ بكسرِ الحاءِ وفتحِها، ورواية المحدِّثينَ جميعًا لهُ بِفَتْحِها، قالَ أبو عُبَيْدٍ
(4)
: هوَ العالمُ بتحبيرِ الكلامِ وتحسينِه، وقيلَ سُمِّيَ حَبْرًا لما يبقى منْ أثرِ علومهِ - زادَ الراغبُ
(5)
- في قلوب الناسِ وعنْ آثارِ أفعالِه الحسنةِ المُقتَدَى بِهَا.
4/ 896 - وَعَنْ عَبْدُ الله بْنِ عَمْرٍو
(6)
رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتوَارَث أَهْل مِلَّتَينِ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(7)
، والأَربَعَة
(8)
، إلَّا
(9)
التِّرمِذِيَّ، وَأَخْرَجَهُ
(1)
في "صحيح"(6736) وطرفه في (6743).
قلت: وأخرجه أبو داود (2890)، والترمذي (2093)، وابن ماجه (2721)، وأحمد (1/ 389)، والبيهقي (6/ 230).
(2)
انظر: "فتح الباري"(12/ 18) فقد نقل عن ابن بطال قوله: ولا خلاف بين الفقهاء فيما رواه ابن مسعود، وعن ابن عبد البر: لم يخالف في ذلك إلا أبو موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة الباهلي، وقد رجع أبو موسى عن ذلك.
(3)
كما في حديث الباب كما رواه البخاري (6736).
(4)
انظر: "غريب الحديث" له (1/ 86).
(5)
انظر: "فتح الباري"(12/ 17).
(6)
في المطبوع: "عمر"، والصواب ما أثبتناه وهو الموافق لما في كتب الحديث.
(7)
في "المسند"(2/ 178، 195).
(8)
أبو داود (2911)، والنسائي في "الكبرى"(6383، 4/ 6384)، وابن ماجه (2731).
(9)
في المطبوع: "و" وعطف الأربعة على الترمذي لا يفيد شيئًا، والحديث ليس في سنن =
الْحَاكِمُ
(1)
بِلَفْظِ أُسَامَةَ
(2)
. وَرَوَى النَّسَائِي
(3)
حَدِيثَ أُسَامَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ
(4)
[بإسناد حسن]
(وعنْ عبدِ اللَّهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا يتوارثُ أهلُ مِلَّتَيْنِ.
رواهُ أحمدُ، والأربعةُ إلَّا الترمذيَّ، وأخرجهُ الحاكمُ بلفظِ أسامةَ، ورَوَى النسائي حديثَ أسامةَ بهذا اللفظِ). والحديثُ دليلٌ على أنهُ لا توارثَ بينَ أهلِ ملَّتَيْنِ مختلفتينِ بالكفرِ، أو بالإسلامِ والكفرِ، وذهبَ الجمهورُ
(5)
إلى أن المرادَ بالملَّتينِ الإسلامُ والكفرُ؛ فيكونُ كحديثِ: "لا يرثُ المسلمُ الكافرَ"، الحديثَ. قالُوا: وأما توارث مِلَلِ الكفر بعضهم منْ بعضٍ فإنهُ ثابتٌ، ولم يقلْ بعمومِ الحديثِ لِلْمِلَلِ كلِّها إلَّا الأوزاعيُّ (5)؛ فإنهُ قالَ: لا يرثُ اليهوديُّ منَ النصرانيِّ ولا عَكْسُهُ، وكذلكَ سائرُ المللِ. [وظاهر]
(6)
الحديثِ معَ الأوزاعي، وهوَ مذهبُ الهادويةِ
(7)
.
والحديثُ مخصِّصٌ للقرآنِ في قولهِ [تعالى]
(8)
: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}
(9)
؛ فإنهُ عامٌّ [للأولاد]
(10)
فيخصُّ [به]
(11)
الولدُ الكافرُ؛ فإنه لا يرثُ منْ أبيهِ المسلمِ، والقرآنُ يُخَصُّ بأخبارِ الآحادِ
(12)
كما عُرِفَ في الأصولِ.
ميراث الجد والجدَّة
5/ 897 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم
= الترمذي فأثبتنا لفظة "إلا"، واللَّهُ أعلم.
(1)
في "المستدرك"(4/ 345).
(2)
أي بلفظ حديث أسامة المتقدم برقم (2/ 894).
(3)
في "السنن الكبرى"(4/ 82 رقم 6381/ 1، 6382/ 2).
(4)
أي بلفظ حديث ابن عمرو رضي الله عنهما، وأخرج حديث ابن عمرو أيضًا ابن الجارود (3/ 232 رقم 967)، والبغوي (8/ 364 رقم 2232)، والدارقطني (4/ 72 رقم 16)، والبيهقي (6/ 218) وسنده حسن، حسَّنه المحدِّث الألباني في "الإرواء"(6/ 121)، وصحَّح الحافظ في "الفتح"(12/ 51)"سند أبي داود".
(5)
انظر: "فتح الباري"(12/ 51).
(6)
في (ب): "والظاهر من".
(7)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 369).
(8)
زيادة من (أ).
(9)
سورة النساء: الآية 11.
(10)
في (ب): "في الأولاد".
(11)
في (ب): "منه".
(12)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 267 وص 269).
فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ، فَمَا ليَ مِنْ مِيرَاثِهِ؟ فَقَالَ:"لَكَ السُّدُسُ،، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: "لَكَ سُدُسٌ آخَرُ"، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: "إِن السُّدُسَ الآخَرَ طُعْمَةٌ". رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
، وَالأَرْبَعَةُ
(2)
، وَصَحّحَهُ التّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصرِيّ عَنْ عِمْرَانَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. [ضعيف]
(وعنْ عِمْرَانَ بن الحصينِ رضي الله عنه قالَ: جاءَ رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالَ: إن ابنَ ابني ماتَ فما لي منْ ميراثِهِ؟ قالَ: لكَ السُّدُس، فلما ولَّى دعاهُ، فقالَ: لك سُدُسٌ آخر، فلما ولَّى دعاهٌ، فقالَ: إنَّ السُّدُس الآخرَ طعمةٌ. رواه أحمد، والأربعة، وصحَّحَه الترمذي، وهوَ منْ روايةِ الحسنِ البصري عنْ عمرانَ. وقيلَ: إنه لم يَسْمَعْ مِنْه).
قالَ قتادةُ
(3)
: لا أدري معَ أيِّ شيءٍ وَرِثَهُ، وقالَ: أقلُّ شيءٍ وُرِّثَ الجدُّ السدسُ
(4)
، وصورةُ هذهِ المسألةِ أنهُ تركَ الميتُ بنتينِ وهذَا السائلُ وهوَ الجدُّ، فللبنتينِ الثلثانِ، وبقيَ ثلثٌ، فدفَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى السائلِ السُّدسَ بالفرضِ لأنهُ فرضُ الجدِّ هنا، ولم يدفعْ إليهِ السدسَ الآخرَ لِئَلّا يظنُّ أن فَرْضَه الثلثُ، وتَرَكَهُ حتَّى ولَّى أيْ ذهبَ فَدَعَاهُ وقال: لكَ سُدُسٌ آخرُ وهوَ بقيةُ التَّرِكَةِ، فلما ذهبَ دعاهُ فقالَ: إنَّ الآخِرَ - بكسرِ الخاءِ - طُعْمَةٌ أي زيادةٌ على الفريضةِ. والمرادُ منْ ذلكَ إعلامُه بأنهُ زائدٌ على الفرضِ الذي لهُ فله السدس فَرْضًا والباقي تَعْصِيْبًا.
6/ 898 - وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
وَالنَّسَائيُّ
(6)
. وَصَحّحَهُ ابْنُ
(1)
في "المسند"(4/ 91 - 92 رقم 77 (الفتح الرباني).
(2)
أبو داود (2896)، والترمذي (2099) وقال: حسن صحيح، والنسائي في "الكبرى"(6337/ 5). وأخرجه الدارقطني (4/ 84 رقم 52)، وابن أبي شيبة (11/ 290 رقم 11260)، والبيهقي (6/ 244)، وابن الجارود (3/ 224 رقم 961) وهو حديث ضعيف، ضعَّفه المحدِّث الألباني في "ضعيف أبي داود"(ص 285 رقم 619).
(3)
قتادة هو راوي الحديث عن الحسن عن عمران، وانظر قوله في آخر رواية الحديث في "سنن أبي داود"(2896).
(4)
إلى هنا آخر كلام قتادة.
(5)
في "سننه"(2895).
(6)
في "السنن الكبرى"(6338/ 6).
خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ
(1)
وَقَوّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ. [ضعيف]
(وعنِ ابن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عنْ أبيهِ رضي الله عنه هوَ بريدةُ بنُ الحُصَيْبِ (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلَ للجدَّةِ السدسَ إذا لم يكنْ دونَها أمٌّ. رواة أبو داود، والنسائي، وصحَّحَهُ ابن خزيمةَ، وابن الجارودِ، وقوَّاه ابن عَدِيٍّ). فيهِ عبيدُ اللَّهِ
(2)
العَتَكِيُّ مُختَلَفٌ
(3)
فيهِ، وثَّقَهُ أبو حاتم.
والحديثُ دليلٌ على أن ميراث الجدَّةِ السدسُ، سواءً كانتْ أمُّ أمٍّ، أوْ أمُّ أب، ويشتركُ فيهِ الجدَّتانِ فأكثرُ إذا استوينَ؛ فإنِ اختلفْنَ سقط الأبعد منَ الجهتينِ بالأقربِ، ولا يسقطهنَّ إلا الأمُّ وإلا الأبُ يُسقطُ مَنْ كانَ منْ جهَتِهِ.
توريث الخال وذوي الأرحام
7/ 899 - وَعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْخَالُ وَارثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
(4)
، وَالأَرْبَعَةُ
(5)
سِوَى التِّرْمِذِيِّ، وَحَسّنَهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَصَحّحَهُ الحَاكِمُ
(6)
، وَابْنُ حِبَّانَ
(7)
. [صحيح]
(1)
في "المنتقى"(3/ 224 رقم 960).
وأخرجه البيهقي (6/ 234) وهو حديث ضعيف، ضعَّفه الألباني في "الإرواء"(6/ 121 رقم 1676).
(2)
في المخطوط والمطبوع: "عبد اللهِ"، والصواب ما أثبتنا موافقة لما في كتب الحديث.
(3)
وثقه ابن معين وابن عدي وقال البخاري: عنده مناكير، فأنكر عليه أبو حاتم وقال: هو صالح الحديث، وضعفه النسائي، وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالمقلوبات.
انظر ترجمته في: "الميزان"(3/ 11 رقم 5373)، وقال الحافظ في "التقريب" (1/ 535 رقم 1473): صدوق يخطئ.
(4)
في "المسند"(4/ 131، 133).
(5)
أبو داود (3/ 320، 321 رقم 2899: 2901)، والنسائي في "الكبرى" (1/ 6354: 6357/ 4)، وابن ماجه (2738).
(6)
في "المستدرك"(4/ 344).
(7)
في "صحيحه"(1/ 530 رقم 1225، 1226 - الموارد).
وأخرجه الطحاوي: (4/ 397، 398)، والبيهقي (6/ 215)، وابن الجارود (3/ 228 رقم 965)، والدارقطني (4/ 85 رقم 57) وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "الإرواء"(6/ 138)، وانظر الحديث القادم.
(وعنِ المقدامِ بن معدِ يكربَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: الخال وارث مَنْ لا وارثَ له. أخرجه أحمدُ، والأربعة سِوَى الترمذي، وحسَّنَة أبو زرعةَ الرازي، وصحَّحَه الحاكمُ وابنُ حِبَّانَ). فيهِ دليلٌ على توريثِ الخالِ عندَ عدمِ منْ يرثُ منَ العصبةِ، وذوي السِّهامِ. والخالُ منْ ذوي الأرحامِ. وقدْ اختلفَ العلماءُ في توريثِ ذوي الأرحامِ، فذهبتْ طائفةٌ كثيرةٌ منْ علماءِ الآلِ
(1)
وغيرِهم إلى تَوْرِيثهمِ، فمنْ خلَّفَ عمَّتَه وخالتَهُ ولا وارثَ لهُ سِوَاهُما كانَ للعمَّةِ الثلثانِ والخالةِ الثلثُ، واستدلُّوا بِهَذَا الحديثِ، وبقولهِ تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}
(2)
، وخالفتْ طائفة منَ الأئمةِ
(3)
وقالُوا: لا يثبتُ لذوي الأرحامِ ميراثٌ لأنَّ الفرائضَ لا تَثْبُتُ إلَّا بكتابِ اللَّهِ، أو سنةٍ صحيحَةٍ، أو إجماعٍ، والكلُّ مفقود هنا.
وأجابُوا عن حديثِ البابِ بأنهُ نصٌّ في الحالِ لا في غيرِه، والآيةُ مُجْمَلَةٌ ومسمّى أولي الأرحَامِ فيها غيرُ مسمّاهُ في عُرفِ الفقهاءِ. وقدْ وَرَدتْ أحَاديثُ [بأنهُ]
(4)
: "لا ميراثَ للعمَّةِ والخالةِ"
(5)
، وإنْ كانَ فيها مقالٌ، لكنَّها مُعْتَضِدَةٌ بأنَّ الأصْلَ عدمُ الميراثِ حتَّى يقومَ الدليلُ الناهضُ مما ذَكَرْنَاهُ والقائلونَ بأنهُ لا ميراثَ لذوي الأرحامِ يقولونَ يكونُ مالُ مَنْ لا وارثَ لهُ لِبَيْتِ المالِ إذا كانَ مُنْتظِمًا، وهوَ إذا كانَ في يدِ إمامٍ عادلٍ يصرفُه في مصارفهِ، أوْ كانَ في البلدِ قاضٍ قائمٌ بشروطِ القضاءِ مأذونٌ لهُ في التَّصَرُّفِ في مالِ المصالحِ دُفِعَ إليهِ ليصرَفه فيها. وتفاصيلُ بقيةِ مواريثِ ذوي الأرحامِ على القولِ بهِ مستوفاةٌ في كُتُبِ هذا الفنِّ فلا نُطَوِّلُ بِها.
8/ 900 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ رضي الله عنه قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ
(1)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 352).
(2)
سورة الأنفال: الآية 75.
(3)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 186، 187) بتحقيقنا.
(4)
زيادة من (ب).
(5)
أخرجه أبو داود في "المراسيل"(ص 263 رقم 361)، والبيهقي (6/ 213)، والدارقطني (4/ 98 رقم 95) من مرسل عطاء بن يسار.
ووصله الحاكم في "المستدرك"(4/ 343) من حديث عطاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال الذهبي عنه: فيه ضرار وهو مالك. اهـ، وقد ضعَّفه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(3/ 81).
وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
، وَالأَرْبَعَةُ
(2)
سِوَى أَبِي دَاوُدَ، وَحَسّنَهُ التّرْمِذِيُّ، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(3)
. [صحيح]
(وعنْ أبي أمامةَ بن سهلٍ رضي الله عنه قالَ: كَتَبَ عمر إلى أبي عبيدة أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: الله ورسوله مَوْلَى مَنْ لا مَوْلَى له، والخال وارث مَنْ لا وارثَ له. رواهُ أحمد، والأربعة سِوَى أبي داود، وحسَّنة الترمذيُّ، وصحَّحَه ابن حِبَّانَ).
الحديثُ يردُّ قولَ مَنْ قالَ إنَّ المرادَ بالخالِ في حديثِ المقدامِ السلطانُ، إذ لوْ كانَ كذلكَ لقالَ: وأنا وارثُ مَنْ لا وارثَ لهُ. وقدْ أخرجَ أبو داودُ
(4)
وصحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ
(5)
: "أنا وارثُ مَنْ لا وارثَ لهُ أعقلُ عنهُ وأَرِثُه". فالجمعُ بينَه وبينَ حديثِ المقدامِ وحديثِ أبي أمامةَ الدالَّيْنِ على ثبوتِ ميراثِ الخالِ حيث لا وارثَ له، أنهُ أرادَ بهِ أنهُ صلى الله عليه وسلم وارثُ مَنْ لا وارثَ لهُ في جميعِ الجهاتِ منَ العصباتِ، وذوي السِّهام، والخالِ. والمرادُ منْ إِرْثهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ يصيرُ المالُ لمصالحِ المسلمينَ، وأنهُ لا يكون المالُ لبيتِ المالِ إلَّا عندَ عدمِ جميعِ مَنْ ذُكِرَ منَ الخالِ وغَيرِهِ.
ميراث المولود
9/ 901 - وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَولُود وَرِثَ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(7)
. [صحيح]
(1)
في "المسند"(1/ 28).
(2)
الترمذي (2103) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه (2737).
(3)
في "صحيحه"(1/ 530 رقم 1227 - الموارد).
قلت: وأخرجه ابن الجارود (3/ 227 رقم 964)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 397)، والدارقطني (4/ 84 رقم 53)، والبيهقي (6/ 214) وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "الإرواء"(6/ 137 رقم 1700) ويشهد له حديث الباب الماضي قبل هذا.
(4)
في "سننه"(2899).
(5)
في "صحيحه"(1/ 530 رقم 1225) من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه مرفوعًا وهو الحديث السابق برقم (7/ 899) من كتابنا هذا.
(6)
ليس الحديث في سنن أبي داود من رواية جابر رضي الله عنه، وإنما هو فيه (3/ 335 رقم 2920) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه. وهو حديث صحيح بشواهده كما في "الإرواء"(6/ 147 رقم 1707).
(7)
في "صحيحه"(13/ 392 رقم 6032 - الإحسان). =
(وعنْ جابرٍ رضي الله عنه عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: إذا استهلَّ المولود وَرِثَ. رواهُ أبو داودَ وصحَّحَه ابن حِبَّانَ). والاستهلالُ رُوِيَ في تفسيرهِ حديثٌ مرفوعٌ ضعيفٌ: "الاستهلالُ العُطَاسُ"، أخرجَهُ البزارُ
(1)
.
وقالَ ابنُ الأثيرِ
(2)
: استهلَّ المولودُ إذا بَكَى عندَ وَلادَتِهِ. وهوَ كنايةٌ عنْ وِلَادَتِهِ حَيًّا وإنْ لمْ يستهلَّ، بلْ وُجِدَتْ منهُ أَمَارَةٌ تدلُّ على حياتِهِ.
والحديثُ دليلٌ على أنهُ إذا استهل السِّقْطُ ثبتَ لهُ حكمُ غيرِه في أنهُ يَرِثُ، ويُقَاسُ عليهِ سائرُ الأحكامِ منَ الغُسلِ والتكفينِ والصلاةِ عليهِ، ويلزمُ منْ قَتْلِه القَوَدُ أوِ الدِّيَةُ، واختلفُوا هلْ يكفي في الإخبارِ باستهلالِه عَدْلَةٌ أوْ لا بدَّ منْ عَدْلَتينِ، أوْ أربعٍ. الأولُ للهادويةِ
(3)
، والثاني للهادي (3)، والثالثُ للشافعي
(4)
، وهذَا الخلافُ يجري في كلِّ ما يتعلقُ بعوراتِ النساءِ. وأفادَ مفهومُ الحديثِ أنهُ إذا لم يستهلَّ لا يُحْكَم له [بحياتِه]
(5)
، فلا يثبتُ لهُ شيءٌ منَ الأحكامِ التي ذَكَرْنَاها.
ميراث القاتل
10/ 902 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيسَ لِلْقَاتِلِ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيءٌ"، رَوَاهُ النَّسَائيُّ
(6)
، وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(7)
، وَقَوّاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ. وَأَعَلَّهُ النَّسَائِي، وَالصَّوَابُ وَقفُهُ عَلَى عَمْرٍو. [صحيح]
= قلت: وأخرجه الترمذي (1032)، وابن ماجه (2750)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 8)، (8/ 9)، وهو حديث صحيح بشواهده كما في "الإرواء"(6/ 148، 149).
(1)
في المسند رقم (1390 - كشف)، وعزاه إليه الهيثمي في "المجمع" (4/ 225) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا ثم قال: وفيه محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، وهو ضعيف. اهـ.
(2)
انظر: "النهاية" له (5/ 271).
(3)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 21).
(4)
انظر: "روضة الطالبين"(11/ 253، 254).
(5)
في (ب): "بحياة".
(6)
في "السنن الكبرى"(4/ 97 رقم 6367/ 1).
(7)
في "سننه"(4/ 96، 97 رقم 87، 88).
وأخرجه أبو داود (4564)، والبيهقي (6/ 220) وهو حديث صحيح بشواهده، صحَّحه الألباني في "الإرواء"(6/ 117 رقم 1671).
(وعنْ عمرِو بنَ شعَيْب عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ قالَ: قالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: ليسَ للقاتلِ منَ الميراثِ شيءٌ. رواة النسائيُّ، والدارقطنى، وقوَّاهُ ابن عبدِ البرِ، وأعلَّه النسائيُّ، والصَّواب وَقْفُهُ على عمرٍو). [وللحديث]
(1)
شواهدُ كثيرةٌ لا تَقْصرُ عن العملِ بمجموعِها. وإلى ما أفادَهُ منْ عدمِ إرثِ القاتلِ عَمْدًا كانَ أو خطأً ذهبَ الشافعي
(2)
، وأبو حنيفةَ
(3)
، وأصحابهُ، وأكثرُ العلماءِ قالُوا: لا يرثُ من المال، ولا من الديةِ. وذهبتِ الهادويةُ
(4)
، ومالكٌ
(5)
إلى أنهُ إنْ كانَ القَتْلُ خطأً وَرِثَ منَ المالِ دونَ الديةِ، ولا يتمّ لهمْ دليلٌ ناهضٌ على هذهِ التفرقةِ، بلْ أخرجَ البيهقيُّ
(6)
عنْ خِلاسٍ
(7)
أن رجلًا رَمَى بحجرٍ فأصابَ أمَّهُ فماتتْ منْ ذلكَ، فأرادَ نصيبَه منْ ميراثِها فقالَ لهُ إخوتُه: لا حقَّ لكَ، فارتفعُوا إلى عليٍّ عليه السلام فقالَ لهُ عليٌّ عليه السلام: حقُّكَ منْ ميراثِها الحجرُ، فأغرَمهُ الديةَ، ولم يعطِهِ منْ ميراثِها شيئًا.
وأخرجَ أيضًا
(8)
عنْ جابرِ بن زيدٍ قالَ: "أيُّما رجلٍ قتل رجلًا أوِ امرأةً عَمْدًا أو خطأً ممنْ يرثُ فلا ميراثَ لهُ مِنْهما، وأيُّما امرأةٍ قتلتْ رجلًا أوِ امرأةً عمدًا أو خطأً فلا ميراثَ لها منْهما"، وإنْ كانَ القتلُ عمدًا فالقَوَدُ إلَّا أنْ يعفوَ أولياءُ المقتولِ، فإنْ عَفَوْا فلا ميراثَ لهُ منْ عَقْلِهِ، ولا منْ مالهِ، قَضَى بذلكَ عمرُ بنُ الخطابِ، وعليٌّ، وشريحٌ، وغيرُهم منْ قضاةِ المسلمينَ
(9)
. اهـ.
الولاء لا يورث
11/ 903 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
في (ب): "والحديث".
(2)
انظر: "الأم"(4/ 76)، و"المعرفة"(9/ 103، 104).
(3)
انظر: "المبسوط"(30/ 46، 47).
(4)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 367، 368).
(5)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 220) بتحقيقنا.
(6)
في "السنن الكبرى"(6/ 220).
(7)
وهو ابن عمرو الهَجَري البصري، ثقة، كان على شرطة عليّ، انظر:"التقريب"(1/ 230 رقم 182).
(8)
البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 220).
(9)
آخر النقل من "السنن الكبرى".
يَقُولُ: "مَا أَحْرَزَ الْوَالِدُ أَوِ الْوَلَدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
، وَالنَّسَائِي
(2)
، وَابْنُ مَاجَهْ
(3)
، وَصَحّحَهُ ابْنُ الْمَدِيني، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
(4)
. [حسن]
(وعنْ عمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه قالَ: سمعت رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: ما أحرزَ الوالد أوِ الولدُ فهوَ لعصبتهِ مَنْ كانَ. رواهُ أبو داودَ، والنسائي، وابنُ ماجهْ، وصحَّحَهُ ابنُ المديني، وابنُ عبدِ البَرِّ). المرادُ بإحرازِ الوالدِ أوِ الولدِ أن ما صارَ مُسْتَحِقًا لهما منَ الحقوقِ، فإنهُ يكونُ للعصبةِ ميراثًا. والحديثُ فيهِ قصةٌ، ولفظهُ في السُّنَنِ
(5)
: "أن رِئَابَ بنَ حذيفةَ تزوجَ امرأةً، فولدتْ لهُ ثلاثةَ غلمةٍ، فماتتْ أمُّهُم، فورثوها رباعَها، وولاءَ مَوَاليها، وكانَ عمرُو بنُ العاصِ عصبةَ بَنِيْها، فأخرجَهُمْ إلى الشامِ فماتُوا، فقدمَ عمرُو بنُ العاصِ وماتَ مولىً لها وتركَ مالًا فخاصَمَهُ إخوتُها إلى عمرَ بن الخطابِ فقالَ عمرُ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ما أحْرزَ - الحديثَ - قالَ: فكتَب لهُ كِتَابًا فيهِ شهادةُ عبدِ الرحمنِ بن عوفٍ، وزيدِ بن ثابتٍ، ورجلٍ آخرَ". والحديثُ دليل على أن الولاء لا يُوَرَّثُ وفيهِ خلافٌ، وتظهرُ فائدةُ الخلافِ فيما إذا أعتقَ رجلٌ عبدًا ثمَّ ماتَ ذلكَ الرجلُ وتركَ أخوينِ أو ابْنَيْن ثم ماتَ أحدُ الابنين وتركَ ابنًا، أو أحدَ الأخوين وَترك ابنًا. فعلَى القولِ بالتوريثِ ميراثُه بينَ الابنِ وابنِ الابنِ، أوِ الأخِ وابنِ الأخِ، وعلى القَولِ بعدَمِه يكُونُ للابنِ وحدَهُ.
12/ 904 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوَلَاءُ لُحْمَة كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ"، رَوَاهُ الْحَاكِمُ
(6)
مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ
(7)
، عَنْ مُحَمّدِ بن الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ،
(1)
في "سننه"(2917).
(2)
في "السنن الكبرى"(3/ 6348).
(3)
في "سننه"(2732).
وأخرجه أحمد (1/ 27) وابن أبي شيبة (11/ 391 رقم 11564)، والبيهقي (10/ 304)، وهو حديث حسن، حسَّنه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 563 رقم 2531).
(4)
ذكر ابن التركماني في "الجوهر النقي"(10/ 304) قول ابن عبد البر عن هذا الحديث: صحيح حسن غريب.
(5)
في سنن أبي داود (2917).
(6)
في "المستدرك"(4/ 341).
(7)
وقد أخرجه كما في ترتيب "المسند"(2/ 72 رقم 237).
وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
(1)
، وَأَعَلَّهُ الْبَيْهَقِي
(2)
. [صحيح]
(وعنْ عبدِ اللَّهِ بن عمرَ قالَ: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الولاءُ لحمةٌ كلحمةِ النَّسَبِ، لا يبَاع ولا يوهَبُ. رواه الحاكم منْ طريقِ الشافعيِّ، عنْ محمدِ بن الحسنِ، عنْ أبي يوسفَ. وصحَّحَه ابن حِبَّانَ، وأعلَّه البيهقيُّ). وللعلماءِ كلامٌ كثيرٌ في طُرُقِ الحديثِ وصحَّتِهِ وعدَمِها. وقدْ تقدَّمَ
(3)
في كتابِ البيعِ. ودلَّ على أن الولاء لا يُكْتَسَبُ ببيع ولا هِبَةٍ، ويقاسُ عليهمَا سائرُ التمليكاتِ منَ النَّذْرِ والوصيةِ، لأنهُ قدْ جعلَه كالنَّسَبِ، والنَّسَبُ لا ينتقلُ بِعِوضٍ ولا بغيرِ عِوَضٍ.
13/ 905 - وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْرَضُكُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
(4)
، وَالأَرْبَعَةُ
(5)
سِوَى أَبِي دَاودَ، وَصَحّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ
(6)
، والْحَاكِمُ
(7)
، وَأُعِلّ بِالإرْسَالِ. [صحيح]
ترجمة أبي قلابة
(وعنْ أبي قِلَابَةَ) بِكسرِ القافِ، وتخفيفِ اللامِ، بعدَه ألفٌ مُوَحَّدَةٌ، تابعيٌّ
(8)
(1)
في صحيحه (7/ 220 رقم 4929).
(2)
في "السنن الكبرى"(10/ 292، 293).
قلت: وأخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد"(4/ 231)، وهو حديث صحيح، وقد صحَّحه المحدث الألباني في الإرواء (رقم 1668) وتوسع في الكلام عليه فانظره إن شئت.
(3)
في الحديث رقم (16/ 751) من كتابنا هذا.
(4)
في "المسند"(3/ 184).
(5)
الترمذي (3791)، وقال: حسن صحيح، وأخرجه من طريق قتادة عن أنس مرفوعًا برقم (3790) وقال: حسن غريب، ثم قال: والمشهور حديث أبي قلابة. اهـ.
والنسائي في "الكبرى"(8287/ 1)، وابن ماجه (154، 155).
(6)
في "صحيحه"(16/ 74 رقم 7131)، (7137، 7252).
(7)
في "المستدرك"(3/ 422).
وأخرجه البيهقي (6/ 210)، وهو حديث صحيح، صحَّحه الألباني في "صحيح الترمذي"(3/ 227 رقم 2981).
(8)
واسمه عبد الله بن زيد الجرمي، انظره في:"التقريب"(1/ 417 رقم 319).
جليلٌ، (عنْ أنسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَفْرَضُكم زيدُ بنُ ثابتٍ. أخرجَهُ أحمدُ، والأربعةُ سِوَى أبي داودَ، وصحَّحَهُ الترمذيُّ، وابن حِبَّانَ، والحاكمُ، وأُعِلَّ بالإرسالِ) [لأن]
(1)
أبا قِلابةَ لم يسمعْ
(2)
هذا الحديثَ منْ أنسٍ، وإنْ كانَ سماعُه لغيرِه منَ الأحاديثِ عنْ أنسٍ ثابتًا.
وهذَا الذي ذُكِرَ قطعةٌ منَ الحديثِ، فإنهُ حديثٌ طويل
(3)
فيهِ ذِكْرُ سبعةٍ منَ الصحابةِ يختصُّ كل مِنْهم بخَصْلَةِ خيرٍ، فذكرَ المصنفُ منهُ ما لهُ تعلُّقٌ ببابِ الفرائضِ [لأنها]
(4)
شهادةٌ لزيدِ بن ثابتٍ بأنهُ أعلمُ المخاطَبِيْنِ من أصحابه بالمواريثِ، فَيُوخَذُ [منهُ]
(5)
أنهُ يُرْجَعُ إليهِ عندَ الاختلافِ.
وقد اعتمدَه الشافعي
(6)
في الفرائضِ ورجَّحهُ على غيرِهِ.
* * *
(1)
في (ب)، "بأنَّ".
(2)
انظر: "التلخيص الحبير"(3/ 79).
(3)
ولفظ الترمذي: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر اللهِ عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب اللهِ أُبَيُّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينًا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
(4)
في (ب): "لأنه".
(5)
في (أ)"من".
(6)
قال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(6/ 210 بحاشية السنن الكبرى للبيهقي): ذكر الإمام تاج الدين الفزاري أن المشهور عند الفقهاء إن الشافعي لم يقلِّد زيدًا وإنما وافق رأيُه رأيَه، فإن المجتهد لا يقلِّد المجتهد. اهـ.
[الباب الحادي والعشرون] باب الوصايا
الوصَايا جَمْعُ وصيةٍ، كهدَايا وهديةٍ، وهي شَرْعًا: عهدٌ خاصٌّ يُضَافُ إلى ما بعدَ الموتِ.
حكم الوصية
1/ 906 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِم لَهُ شَيءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيلَتَينِ إِلَّا وَوَصيّتُهُ مَكْتُوبَة عِنْدَهُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
(عن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ لهُ شيءٌ يريدُ أنْ يوصيَ فيهِ يبيتُ ليلتينِ إلّا ووصيتُه مكتوبةٌ عندَهُ. متفقٌ عليهِ). كلمةُ ما بمعنَى ليسَ، وحقُّ اسمِها وخبرِها ما بعدَ إلَّا، والواوُ زائدةٌ في الخبرِ لوقوعِ الفصلِ بإلا.
(1)
البخاري (2738)، ومسلم (1/ 1627).
قلت: وأخرجه أبو داود (2862)، والنسائى (6/ 238 - 239)، والترمذي (2118)، وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه (2702) ومالك (2/ 761 رقم 1)، والشافعي (2/ 129 رقم 138 (1) بدائع المنن) وأحمد (2/ 10، 50، 57، 80، 113)، والدارمي (2/ 402)، والطيالسي (1841)، وابن الجارود (946)، والبيهقي (6/ 272)، وابن حبان (7/ 606 رقم 5992 - الإحسان)، والحميدي (2/ 306 رقم 697) والدارقطني (4/ 150 رقم 4)، والبغوي (5/ 277)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 352)، وأبو أمية الطرسوسي في "مسند ابن عمر" (رقم: 56) من طريق نافع عن ابن عمر وتابعه سالم عن ابن عمر: أخرجه مسلم (4/ 1627)، والنسائي (6/ 239)، وأحمد (2/ 3 - 4، 34، 127)، وابن حبان (7/ رقم 5993 - الإحسان).
قالَ الشافعي
(1)
رحمه الله: معناهُ ما الحزمُ والاحتياطُ للمسلمِ إلَّا أنْ تكونَ وصيَّتُه مكتوبةٌ عندَهُ إذَا كانَ لهُ شيءٌ يريدُ أنْ يوصيَ فيهِ، لأنهُ لا يدري متَى تأتيهِ مَنِيّتُهُ؛ فتحولُ بينَه وبينَ ما يريدُ منْ ذلكَ.
وقالَ غيرهُ
(2)
: الحقُّ لغةً الشيءُ الثابِتُ، ويُطْلَقُ شرْعًا على ما يثبتُ بهِ الحكمُ، والحكمُ الثابتُ أعمُّ منْ أنْ يكونَ واجِبًا أوْ مندُوبًا، ويطْلَقُ على المباحِ بقلةٍ
(3)
، فإنِ اقْتَرنَ بهِ "على" ونحوُه كانَ ظاهرًا في الوجوبِ، وإلَّا فهوَ على الاحتمالِ. وفي قولِهِ:"يريدُ أنْ يوصي" ما يدلُّ على أن الوصيةَ ليستْ بواجبةٍ، وإنَّما ذلكَ عندَ إرادتِهِ. وقدْ أجْمَعَ
(4)
المسلمونَ على الأمرِ بها، وإنَّما اختلفُوا هلْ هيَ واجبةٌ أمْ لا؟ فذهبَ الجماهيرُ إلى أنَّها مندوبةٌ، وذهبَ داودُ وأهلُ الظاهرِ
(5)
إلى وجُوبها، وحُكِيَ عن الشافعيِّ
(6)
في القديمِ وادعى ابنُ عبدِ البَرّ
(7)
الإجماعَ على عدمِ وُجُوبِها مُسْتدِلًّا منْ حيثُ المعنَى بأنهُ لو لم يوصِ لَقُسِمَ جميعُ مالهِ بينَ وَرَثَتِهِ بالإجماعِ، فلوْ كانتِ الوصية واجبةً لأَخْرَجَ منْ مالهِ سهمًا ينوبُ عن الوصيةِ، والأقربُ ما ذهبَ إليهِ الهادويةُ
(8)
، وأبو ثورٍ منْ وجوبها على مَنْ عليهِ حقٌّ شَرْعِيٌّ يَخْشَى أنْ يَضِيْعَ إنْ لم يوصِ بهِ، كوديعةٍ، ودَيْنٍ للَّهِ تعالَى، أوْ لآدَميٍّ. ومحلُّ الوجوبِ فيمنْ عليهِ حقٌّ ومعَهُ مالٌ، ولم يُمْكِنْهُ تخليصُه إلَّا إذا أَوْصَى بهِ، وما انتَفَى فيهِ واحدٌ منْ ذلكَ [فليسَ بواجبِ]
(9)
، وقولُه:"ليلتينِ" للتقريبِ لا للتحديدِ، وإلا فقدْ رُويَ
(10)
ثلاثُ ليالٍ.
وقالَ الطيبيُّ
(11)
: في تخصيصِ الليلتينِ والثلاثِ تسامحٌ في إرادةِ المبالغةِ أي: لا ينبغي أنْ يبيتَ زمانًا وقدْ سامحْنَاهُ في الليلتينِ والثلاثِ، فلا ينبغي أنْ
(1)
انظر: "فتح الباري"(5/ 358) وبنحوه في "الأم"(4/ 92).
(2)
القرطبي كما بينه الحافظ في "الفتح"(5/ 358).
(3)
في المخطوط: "فعله"، وما أثبتناه من المطبوع و"الفتح".
(4)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص 90).
(5)
انظر: "المحلَّى"(9/ 312).
(6)
انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (9/ 185).
(7)
نسبه إليه الحافظ في "الفتح"(5/ 358).
(8)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 303).
(9)
في (ب)"فلا وجوب".
(10)
في "صحيح مسلم"(4/ 1627).
(11)
انظر: "فتح الباري"(5/ 358).
يتجاوزَ ذلكَ. ورَوَى مسلمٌ
(1)
عن ابن عمرَ راوي الحديثِ أنهُ قالَ: لمْ أبتْ ليلةً إلَّا ووصيَّتي مكتوبةٌ عندي، وأما ما أخرجَهُ ابنُ المنذرِ
(2)
بسندٍ صحيحٍ عنْ نافعٍ أنهُ قيلَ لابنِ عمرَ في مرضِ موتهِ: ألا تُوصِي؟ [فقال:] أما مالي فاللهُ أعلمُ ما كنتُ أصنعُ فيهِ، فَيُجْمَعُ
(3)
بينَهُ وبينَ ما قَبْلَهَ بأنهُ كانَ يكتبُ وَصِيَّتَهُ، ويتعاهدُها وينجزُ ما كانَ يوصي بهِ حتَّى وَفَدَ عليهِ الموتُ، ولم يكنْ لهُ شيءٌ يوصي بهِ.
وفي قولِهِ: "أما مالي فاللَّهُ أعلمُ ما كنتُ أصنعُ فيهِ"، ما يدلُّ لِهَذَا الجَمْعِ.
واستدلَّ بقولِه: "مكتوبةٌ عندَهُ"، على جوازِ الاعتمادِ على الكتابةِ والخطِّ، وإنْ لم يقترنْ بشهادةٍ.
وقالَ بعضُ أئمةِ الشافعيةِ
(4)
: إنَّ ذلكَ خاصٌّ بالوصيةِ، وأنهُ يجوزُ الاعتمادُ على الخطِّ فيها منْ دونِ شهادةٍ لثُبُوتِ الخبرِ فيها، ولأنَّ الوصيةَ لما أمرَ الشارعُ صلى الله عليه وسلم بها وهيَ تكونُ مما يلزمُ المؤمن منْ حقوقٍ ولوازمَ لا تزال تُجَدّدُ في الأوقاتِ، واستصحابُ الإشهادِ في كل لازِمٌ يريدُ أنْ يتخلَّصَ منهُ خشيةَ مفاجأةِ الأجلِ متعسِّرٌ بل متعذرٌ في بعضِ الأوقاتِ، فيلزمُ منهُ عَدَمُ وجوب الوصيةِ أوْ شرعيَّتُها بالكتابةِ منْ دون شهادةٍ؛ إذْ لا فائدةَ في ذلكَ. وقدْ ثبتَ الأمرُ المذكورُ في الحديثِ بها فدلَّ على قَبُولِهَا منْ غيرِ شهادةٍ.
وقالَ الجماهيرُ
(5)
: المرادُ مكتوبة بشروطها وهوَ الشهادةُ واستدلُوا بقولهِ تعالَى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}
(6)
؛ فإنه دالٌّ على اعتبارِ الإشهادِ في الوصيةِ، وأَجِيْبَ بأنهُ لا يلزمُ منْ ذِكْرِ الإشهادِ في الآيةِ أنَّها لا تَصِحُّ الوصيةُ إلَّا بهِ، والتحقيقُ أن المُعْتَبَرَ معرفةُ الخطِّ فإذا عُرِفَ خطُّ الموصِي عُمِلَ بهِ، ومثلُه خَطُّ الحاكِم، وعليهِ عَمِلَ الناسُ قديمًا وحديثًا، وقدْ كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يبعثُ الكتبَ
(7)
يدعُو فيها العبادَ إلى اللَّهِ تعالى وتقومُ عليهمُ الحجَّةُ بذلكَ، ولم يزلِ
(1)
في "صحيحه"(4/ 1627).
(2)
نسبه إليه الحافظ في "الفتح"(5/ 359) وصححه.
(3)
جمع بينهما الحافظ في "الفتح".
(4)
بيَّنه الحافظ في "الفتح" بأنه محمد بن نصر وهو المروزي.
(5)
انظر: "الفتح"(5/ 359).
(6)
سورة المائدة: الآية 106.
(7)
من ذلك ما أرسله إلى هرقل عظيم الروم، أخرجه البخاري (7) وأطرافه في (51، 2681، =
الناسُ يكتبُ بعضهم إلى بعض في المهماتِ منَ الدّينياتِ والدُّنْيَوياتِ، ويعملونَ بها، وعليهِ العملُ بالوجادةِ
(1)
، كلُّ ذلكَ منْ دونِ إشهادٍ. والحديثُ دليل على الإيصاءِ بشيءٍ يتعلَّقُ بالحقوقِ ونحوِها لقولِه:"لهُ شيءٌ يريدُ أنْ يوصِي فيه". وأما كَتْبُ الشهادتينِ ونحوهِما مما جرتْ بهِ عادةُ الناسِ فلا يُعْرَفُ فيهِ حديثٌ مرفوعٌ وإنَّما أخرجَ عبدُ الرزاقِ
(2)
بسندٍ صحيحٍ عنْ أنسٍ موقُوفًا قالَ: كانُوا يكتبونَ في صدورِ وَصَاياهُم: بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ، هذَا ما أَوْصَى بهِ فلانُ بنُ فلانٍ أنهُ يشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ اللَّهَ يبعثُ مَنْ في القبورِ، وأوْصَى مَنْ تَرَكَ منْ أهلِهِ أنْ يتَّقُوا اللَّهِ، ويصلِحُوا ذاتَ بَيْنِهِم، ويطيعُوا اللَّهَ ورسولَه إنْ كانُوا مؤمنينَ، وأوصاهمُ بما أَوْصَى بهِ إبراهيمُ بنيهِ ويعقوبُ:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
(3)
، وضميرُ كانُوا عائد إلى الصحابةِ إذِ المخبرُ صحابيٌّ. واختلفَ العلماءُ هلْ أَوْصَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أوْ لمْ يوصِ لاختلافِ الرواياتِ في ذلكَ؟ ففي البخاريِّ
(4)
عن ابن أبي أَوْفَى أنهُ لم يوصِ قالُوا: لأنهُ لم يتركْ بعده مالًا. وأمَّا الأرضُ فقدْ كانَ سَبَّلها، وأما السلاحُ والبغلةُ فقدْ كانَ أخبرَ أنَّها لا تُورَّثُ، كذا ذكرهُ النوويُّ
(5)
. وفي "المغازي"
(6)
لابنِ إسحاقَ أنهُ صلى الله عليه وسلم لم يوصِ
= 2804، 2941، 2978، 3174، 4553، 5980، 6260، 7196، 7541)، ومسلم (1773).
(1)
الوجادة: هي أن يقف على أحاديث بخط راويها - لا يرويها الواجد - فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه حدثنا فلان، ويسوق الإسناد والمتن، أو قرأت بخط فلان عن فلان، هذا الذي استمر عليه العمل قديمًا وحديثًا. انظر:"تدريب الراوي شرح تقريب النواوي" للسيوطي (2/ 61).
(2)
في "المصنف"(9/ 53 رقم 16319).
وأخرجه الدارمي (2/ 404)، والبيهقي (6/ 287) وإسناده صحيح، صحَّحه الألباني في "الإرواء"(6/ 84 رقم 1647).
(3)
سورة البقرة: الآية 132.
(4)
في "صحيحه"(2740)، وأطرافه في (4460، 5022).
وأخرجه مسلم (1634)، والترمذي (2119)، والنسائي (6/ 240).
(5)
انظر: "شرح مسلم"(11/ 88).
(6)
عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(5/ 362) قال: رواية يونس بن بكير عنه - أي عن ابن=
عندَ موتهِ إلَّا بثلاثٍ لكلٍّ منَ الدارسينَ، والرهاويينَ، والأشعريينَ، بجادّ
(1)
مائةِ وسْقٍ منْ خيبرَ، وأنْ لا يُتْرَكَ في جزيرةِ العربِ دِيْنَانِ، وأنْ يُنَفَّذَ بعثُ أسامةَ. وأخرجَ مسلمٌ
(2)
منْ حديثِ ابن عباسٍ رضي الله عنه: "أوْصَى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: أجيزُوا الوفدَ بنحو ما كنتُ أجيزُهم"، الحديثَ.
وفي حديثِ ابن أبي أَوْفَى أَوْصَى بكتاب اللَّهِ، وفي حديثِ أنسٍ عندَ النسائيِّ
(3)
، وأحمدَ
(4)
، وابنِ سعدٍ
(5)
كانتْ وَصِيّتهُ صلى الله عليه وسلم حينَ حَضَرَهُ الموتُ الصلاةَ وما ملكتْ أيمانُكم. وقد ثبتتْ وصيتُه بالأنصارِ
(6)
، وبأهلِ بيتِه
(7)
، ولكِنَّها ليستْ عندَ الموتِ، ورُوِيَ غيرُ ذلكَ. وقدْ ثبتَ أنهُ صلى الله عليه وسلم أرادَ في مرضِهِ أنْ يكتبَ كتابًا وهوَ وصيّتُه صلى الله عليه وسلم للأمةِ إلا أنهُ حِيْلَ بينَه وبينَه كما [رواه]
(8)
البخاريُّ
(9)
.
الوصيَّة عند الموت بثلث المال
2/ 907 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا
= إسحاق - حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد اللهِ بن عبد اللهِ بن عتبة قال: فذكره، وهذا إسناد مرسل عبيد اللهِ تابعي مشهور، انظر:"التقريب"(1/ 535 رقم 1469).
(1)
الجاد - بالجيم وبالدال المهملة المشددة - بمعنى المجدود، أي النخل الذي يجد منه التمر. اهـ من حاشية المطبوع.
(2)
في "صحيحه"(20/ 1637).
وهو أيضًا في "صحيح البخاري"(4431).
(3)
في كتاب الوفاة (ص 44 رقم 18، 19).
(4)
في "المسند"(3/ 117).
(5)
في "الطبقات الكبرى" له (2/ 253).
وأخرجه ابن ماجه (2697)، وابن حبان (1/ 552 رقم 1220 - الموارد) وإسناده صحيح صحَّحه الألباني في "إرواء الغليل"(7/ 237 رقم 2178).
(6)
من ذلك ما رواه البخاري (3799)، وطرفه (3801)، من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا:"أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم".
(7)
من ذلك ما رواه مسلم (2408) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه مرفوعًا وفيه: "
…
وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي".
(8)
في (ب): "أخرجه".
(9)
في "صحيحه"(4431، 4432).
وأخرجه أيضًا مسلم (1637).
رَسُولِ اللَّهِ، أَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدُّقُ بِثُلْثَي مَالِي؟ قَالَ:"لَا"، قُلْتُ: أَمَّا"تَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: "لا"، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النّاسَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
(وعنْ سعدِ بن أبي وقاصٍ قالَ: قلت: يا رسولَ اللهِ، أنا ذو مالٍ) وقعَ في روايةٍ
(2)
: (كثير)، (ولا يرثُني إلا ابنةٌ لي واحدةٌ، أفأتصدق بثُلثَيْ مالي؟ قالَ: لا، قلت: أفأتصدقُ بِشَطْرِ مالي؟ قالَ: لا، قلت؟ أفأتصدق بثلُثِهِ؟ قَالَ: الثُّلُث، والثلث كثيرٌ إنكَ إنْ) يُرْوَى بفتحِ الهمزةِ وكسرِها، فالفتحُ على تقديرِ لامِ التعليلِ، والكسرُ على أنَّها شرطيةٌ، وجوابُه خيرٌ على تقديرِ فهوَ خيرٌ (تذرْ وَرَثَتَكَ أغنِياءَ خيرٌ [لكَ]
(3)
منْ أنْ تَذَرَهم عالةً)، جَمْعُ عائلٍ هوَ الفقيرُ، (يتكففونَ) يسألونَ (الناسَ) بِأَكُفِّهم (متفقٌ عليه). اخْتلِفَ متَى وقعَ هذا الحكمُ، فقيلَ: في حَجَّةِ الوداعِ بمكةَ، فإنهُ مرضَ سعدٌ فعادَهُ صلى الله عليه وسلم فذكرَ ذلكَ، وهوَ صريحٌ في روايةِ الزُّهْرِيِّ
(4)
. وقيلَ: في فتحِ مكةَ أخرجَهُ الترمذيُّ
(5)
عن ابن عُيَيْنَةَ، واتفقَ الحفاظُ
(6)
أنهُ وَهْمٌ، وأنَّ الأوَّلَ هوَ الصحيحُ. وقيلَ: وقعَ ذلكَ في المرتينِ مَعًا، وأُخِذَ من مفهومِ قولِه: كثيرٌ أنهُ لا يُوصَى منْ مالٍ قليلٍ. رُوِيَ
(7)
هذَا عنْ عليٍّ، وابنِ عباسٍ، وعائشةَ. وقوله:"لا يَرِثُنِي إلَّا ابنةٌ لي"، أي لا يرثُني منَ الأولادِ، وإلَّا فإنَّ سعدًا كانَ منْ بني زُهرةَ،
(1)
البخاري (1295) ومسلم (5/ 1628).
قلت: وأخرجه أبو داود (2864)، والترمذي (2116)، والنسائي (6/ 241 - 242)، وابن ماجه (2708)، والدارمي (2/ 407)، وأحمد (1/ 179)، والطيالسي (1/ 282 رقم 1433 - منحة المعبود)، ومالك (2/ 763 رقم 4) وغيرهم بألفاظ متعددة.
(2)
في "صحيح مسلم"(8/ 1628).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
رواها البخاري (1295)، ومسلم (5/ 1628).
(5)
في "سننه"(2116).
(6)
قاله الحافظ في "الفتح"(5/ 363).
(7)
انظر: "المحلَّى"(9/ 312) وفيه:
"أن ابن عباس قال فيمن ترك ثمانمائة درهم قليل ليس فيها وصية، وأن عليًا نهى من لم يترك إلا من السبعمائة إلى التسعمائة عن الوصية، وأن عائشة أم المؤمنين قالت فيمن ترك أربعمائة دينار في هذا فضل من ولده" اهـ. وانظر: "فتح الباري"(5/ 357).
وهمْ عُصْبَتُهُ، وكانَ هذا قبلَ أنْ يولدَ لهُ الذُّكُورُ، وإلَّا فإنهُ ذكرَ الواقديُّ
(1)
أنهُ ولدَ لسعدٍ بعدَ ذلكَ أربعةُ بنينَ، وقيلَ أكثرُ منْ عَشَرَةٍ، ومنَ البناتِ اثْنَتَا عَشْرَةَ بِنْتًا، وقولُه:"أفأتصدقُ"، يحتملُ أنهُ استأذَنَهُ في تنجيزِ ذلكَ في الحالِ، أو [أنهُ]
(2)
أرادَ بعدَ الموتِ، إلَّا أنهُ في روايةٍ بلفظِ
(3)
: أوصي، وهي نصٌّ في الثاني، فَيُحْمَلُ الأولُ عليهِ. وقولُه:"بشطرِ مالي" أرادَ بهِ النِّصْف، وقولُه:"والثلثُ كثيرٌ" يُروَى بالمثلثةِ، وبالموحدةِ على أنهُ شكٌّ منَ الراوي، وقعَ ذلكَ في البخاريِّ
(4)
، ومثلهُ وقعَ في النسائيِّ
(5)
، وأكثرُ الرواياتِ بالمثلثةِ، ووصفَ الثُّلُثَ بالكثرةِ بالنسبةِ إلى ما دونَه. وفي فائدةِ وصْفِه بذلكَ احتمالانِ:
الأولُ: بيانُ الجوازِ بالثلث، وأنَّ الأوْلَى أن ينقص عنها ولا يزيد عليهِ، وهذا المتبادرُ وفَهِمَهُ ابنُ عباسٍ
(6)
رضي الله عنه فقالَ: وددتُ أن الناسَ غضُّوا منَ الثلثِ إلى الرُّبُع في الوصيةِ.
والثاني: بيانُ أن التصدُّقَ بالثلثِ هوَ الأكملُ أي كثيرٌ أجْرُه، ويكونُ منَ الوصفِ بحالِ المتعلِّقِ. وفي الحديثِ دليلٌ علَى مَنْعِ الوصيةِ بأكثرَ منَ الثُّلثِ لمنْ لهُ وارثٌ، وعلى هذَا استقرَّ الإجماعُ
(7)
. وإنَّما اختلفُوا هلْ يُسْتَحَبُّ الثُّلُثُ أوْ أقلُّ، فذهبَ ابنُ عباسٍ والشافعي
(8)
، وجماعةٌ إلى أن المسْتَحَبَّ ما دونَ الثُّلُثِ لقولِه: والثُّلُثُ كثيرٌ. قالَ قتادةُ
(9)
: أَوْصَى أبو بكرٍ بالخُمسِ، وأَوْصَى عمرُ بالرُّبُعِ والخمسُ أحبُّ إليَّ، وذهبَ آخرونَ إلى أن المسْتَحَبَّ الثُّلُثُ لقولِه صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اللَّهَ جعلَ لكمْ في الوصيةِ ثلثَ أموالِكم زيادة في حسناتِكم"، وسيأتي
(10)
قَرِيْبًا أنهُ
(1)
كذا في المخطوط والمطبوع، وفي "الفتح"(5/ 366) أن الذي ذكر ذلك هو الفاكهي.
(2)
زيادة من (أ).
(3)
في "الصحيح": (5/ 363 رقم 2742).
(4)
في "صحيحه"(2744).
(5)
في "سننه"(3631: 3634).
(6)
كما رواه عنه البخاري في "صحيحه"(2743)، ومسلم (1629).
(7)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص 89 رقم 336)، و"فتح الباري"(5/ 365).
(8)
انظر: "فتح الباري"(5/ 370).
(9)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(9/ 66 رقم 16363) وعن أبي بكر دون عمر أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 270) وإسناده ضعيف، فإن قتادة لم يلق أبا بكر. انظر:"إرواء الغليل"(6/ 85 رقم 1649).
(10)
برقم (5/ 910) من كتابنا هذا.
حديثٌ ضعيفٌ. والحديثُ ورد فيمن له وارثٌ، فأمّا منْ لا وارت له فذهبَ مالكٌ
(1)
إلى أنه مِثلُ مَنْ لهُ وارثٌ لا تستحب لهُ الزيادةٌ على الثُّلُث، وأجازتِ الهادويةُ
(2)
: والحنفيةُ
(3)
لهُ الوصية بالمالٍ كلِّه وهو قولٌ ابن مسعود
(4)
. فلو أجاز الوارثُ الوصية صحّت بأكثرٌ من الثلثِ نُفِّذَتْ لإسقاطهم حقَّهِم وإلى هذا ذهب الجمهورٌ. وخالفت الظاهرية
(5)
: والمزنيُّ وسيأتي
(6)
في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنه: "إلّا أن يشاء الورثة" وأنه حَسَنٌ يُعْمَلُ به. نعم فلو رجع الورثةٌ عن الإجازة فذهبَ جماعةٌ إلى أنه لا رجوعَ لهم في حياةٍ الموصي، ولا بعد وفاته. وقيل إِنْ رجِعُوا بعد وفاتِهِ فلا يصحُّ. لأنّ الحقَّ قد انقطع بالموت بخلاف حال الحياةِ، فإنهُ يتجددُ لهم الحق. وسبب الخلاف الاختلاف في المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّك إن تَذر" إلى آخره هل يُفهم منه علّةُ المنع من الوصية بأكثر منَ الثُّلُث، وأنَّ السبب في ذلك رعايةُ حقِّ الوارث، وأنه إذا انتَفى ذلك الحكمُ بالمنع، أو أن العلَّة لا تعدي الحكم، أو يُجْعَلُ المسلمون بمنزلة [الوارث]
(7)
كما كما هو قول المؤيد
(8)
، وأحد قولي الشافعي
(9)
. والأظهرٌ أنَّ العلةَ متعديةٌ وأنهُ ينتفي الحكمُ في حقِّ مَنْ ليس لهُ وارثٌ مُعَيّنٌ.
3/ 908 - وَعَن عائِشةَ أن رجُلًا أتى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يا رسُول الله، إنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نفسُها وَلَم تُوصِ، وأَظُنُّها لو تَكلَّمَت تَصَدَّقت، أفلَها أجْرٌ إنْ تَصَدَّقت عنْها؟ قال:"نعم"، مُتَّفَقٌ عليه
(10)
. واللفظ لِمُسلمٍ. [صحيح]
(1)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 187). بتحقيقنا.
(2)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 304).
(3)
انظر: "المبسوط"(29/ 18).
(4)
انظر: "المحلى"(9/ 318).
(5)
انظر: "المحلى"(9/ 317).
(6)
في آخر الحديث رقم (4/ 909) من كتابنا هذا.
(7)
في (ب): "الورثة".
(8)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 306).
(9)
انظر: "الأم"(4/ 110، 111) والحاشية مما نقل البلقيني عن اختلاف العراقيين.
(10)
البخاري: (2760) ومسلم (1004).
وأخرجه النسائي (3649)، ومالك (2/ 760 رقم 53)، والبيهقي (6/ 277)، وابن حبان (8/ 140 رقم 3353 - الإحسان).
(وعنْ عائشة رضي الله عنها أنّ رجلًا) جاء مبينًا
(1)
أنه سعد بن عبادة (أتَى النبي صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسول اللَّه، إنّ أمي افتُلِتَتْ) بِضمِّ المثناةٍ بعد الفاءٍ الساكنة، وكسر اللام (نفسها) أي أُخِذتْ فَلْتَةً (ولم توصِ، وأظنُّها لو تكلّمت تصدّقت، أفَلها أَجْرٌ إن تصدّقتُ عنها؟ قالَ: نعم. متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم).
[فيه]
(2)
دليلٌ أنَّ الصدقة منّ الولد تلحقُ الميت. ولا يعارضُه قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)}
(3)
لثبوت حديث
(4)
: "إنّ أولادكم من كسْبكُم" ونحوهُ، فولده منْ سَعْيه، وثبوتٍ
(5)
: "أوْ ولدٍ صالحٍ يدعو له". وقَدَّمْنَا الكلام في ذلك
(6)
في آخر كتاب الجنائزٍ.
لا وصية لوارث
4/ 909 - وَعَنْ أبِي أُمَامَةَ الْبَاهِليِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ الله قَد أَعطَى كُلّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، فلا وَصِيَةَ لوَارث" رَوَاهُ أَحْمَدُ
(7)
. وَالأربَعَة
(8)
إِلَّا النّسَائِيَّ، وَحسّنَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُ، وَقَوّاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُود
(9)
. [صحيح]
(1)
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه البخاري (2756)، وطرفاه رقم (2762، 2770).
(2)
في (ب): "في الحديث".
(3)
سورة النجم، الآية 39.
(4)
أخرجه أبو داود (3530)، وابن ماجه (2292) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه:"إن أولادكم من أطيب كسبكم" وإسناده صحيح، صحّححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 674 رقم 3015) وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه أبو داود (3528، 3529) وصحّحه الألباني أيضًا.
(5)
انظر تخريجه برقم (1/ 873) من كتابنا هذا، وهو في صحيح مسلم.
(6)
أثناء شرح الحديث رقم (60/ 559) من كتابنا هذا.
(7)
في مسنده (5/ 267).
(8)
أبو داود (2870)، والترمذي (2120) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (2713).
(9)
في "المنتقى" له (رقم 949).
قلت: وأخرجه الطيالسي في "المسند"(ص 154 رقم 1127)، وسعيد بن منصور (1/ 125 رقم 427)، والبيهقي (6/ 264) والدولابي في "الكنى"(1/ 64) وهو حديث صحيح، صحّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(2/ 554 رقم 1445)؛ وفي الباب من حديث عمرو بن خارجة وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن عمرو بن العاص =
- وَرَواهُ الدَّرَقُطْنِيُّ
(1)
من حديث ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما، وَزَاد في آخرِهِ:"إلَّا أَنْ يَشاءَ الوَرَثة"، وإسْنادُهُ حَسَنٌ. [حسن]
(وعنْ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ الله قدْ أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصيةَ لوارثٍ. رواه أحمدُ، والأربعةُ إلَّا النسائيّ، وحسَّنَهُ أحمد، والترمذيُّ، وقوَّاه ابنُ خُزيْمة، وابنُ الجارود، ورواه الدارقطنيُّ من حديث ابن عباس، وزاد في آخره: إلَّا أن يشاء الورثة. وإسنادهُ حَسَنٌ).
وفي الباب عن عمرو بن خارجة عند الترمذيِّ
(2)
والنسائيِّ
(3)
، وعن أنسٍ
عندَ ابن ماجه
(4)
، وعنْ عمرو بن شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدَّهِ عندَ الدارقطني
(5)
،
وعن جابر عنده
(6)
أيضًا، وقال: الصواب إرساله. وعنْ عليٍّ عند ابن أبي شيبة
(7)
، ولا يخلو إسناد كلِّ واحدٍ منهما عنْ مقالٍ، لكنَّ مجموعها ينتهض على العمل به، بل جزم الشافعيُّ
(8)
في "الأمِّ" أن هذا المتْنَ متواترٌ؛ فإنه قال: إنه نَقْلُ كافةٍ عن كافةٍ، وهو أقْوى من نقلِ واحدٍ.
قلتُ: الأقرب وجوبُ العمل به، لتعدُّدِ طرقهِ، ولما قاله الشافعيُّ، وإنْ نازع
= وجابر وعبد الله بن عمرو وعلي ومعقل بن يسار وزيد بن أرقم مع البراء بن عازب ومجاهد مرسلًا.
انظر تخريجها في كتابنا: "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الوصايا، وانظر أيضًا:"الإرواء"(6/ 88).
(1)
في السنن (4/ 152 رقم 9، 11) بلفظ: "لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة" وبلفظ: "لا يجوز لوارث وصية إلا أن يشاء الورثة"، وحسَّنه المصنف أيضًا في "التلخيص الحبير"(3/ 92)، ووافقه عليه الألباني في "الإرواء"(6/ 89).
(2)
في "سننه"(2121) وقال: حسن صحيح.
(3)
في "سننه"(3641: 3643).
قلت وهو صحيح في الشواهد، انظر:"الإرواء"(6/ 88، 89).
(4)
في "سننه"(2741)، وهو حديث صحيح.
(5)
في "السنن"(4/ 98 رقم 93) وعزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 92)، و"الفتح" (5/ 372). وانظر:"الإرواء"(6/ 91).
(6)
أي في "سنن الدارقطني"(4/ 97 رقم 90).
(7)
في "المصنف"(11/ 149 رقم 10767).
(8)
في "الأم"(4/ 114).
في تواترُه الفخرُ الرازيُّ
(1)
، ولا يضرُّ ذلكَ بثبوتهِ، فإنهُ مُتلقَّى بالقَبول منَ الأمةِ كما عُرِفَ. وقدْ ترجمَ به البخاريُّ
(2)
فقال: بابُ لا وصيةَ لوارثٍ، وكأنهُ لم يثبتْ على شرطِه، فلمْ يُخَرِّجْهُ، ولكنهُ أخرجَ
(3)
بعدَهُ عنْ عطاءِ بن أبي رباح، عن ابن عباسٍ موقُوفًا في تفسيرِ الآيةِ
(4)
، ولهُ حكمُ المرفوعِ. والحديثُ دليلٌ على مَنْعِ الوصيةِ للوارثِ، وهوَ قولُ الجماهيرِ
(5)
منَ العلماء. وذهبَ الهادي
(6)
وجماعة إلى جوازِها مستدلينَ بقولِه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}
(7)
الآيةُ. قالُوا: ونَسْخُ الوجوبِ لا ينافي بقاءَ الجوازِ. قُلْنا: نعمْ لوْ لم يردْ هذا الحديثُ فإنهُ نافٍ لجوازِها؛ إذْ وجوبُها قد عُلِمَ نسخُه منْ آيةِ المواريثِ
(8)
كما قال ابنُ عباسٍ
(9)
رضي الله عنه كانَ المال للولدِ، والوصيةُ للوالدينِ، فَنَسَخَ اللَّهُ سبحانَه منْ ذلكَ ما أحبَّ، فجعلَ للذكرِ مثلُ حظِّ الأنْثَيَيْنِ، وجعلَ للأبوينِ لكل واحدٍ منْهما السُّدُسَ، وجعلَ للمرأةِ الثُّمُنَ والرُّبُعَ، وللزوجِ الشَّطْرَ، والرُّبُع. وقولُه:"إلَّا أن يشاء الورثة" دلَّ على أنَّها تصحُّ وتُنَفَّذُ الوصيةُ للوارثِ إنْ أجازَها الورثةُ. وتقدَّم الكلامُ
(10)
في إجازةِ الورثةِ ما زادَ على الثُلُثِ، هلْ ينفذُ بِها أو لا، وأنَّ الظاهريَةِ
(11)
ذهبتْ إلى أنهُ لا أثرَ لإجازتِهم. والظاهرُ معَهم لأنهُ صلى الله عليه وسلم لما نَهَى عن الوصيةِ للوارثِ قيَّدَها بقولِه: "إلا أنْ يشاءَ الورثةُ". وأطلقَ لما منعَ من الوصيةِ بالزائدِ علَى الثُّلُثِ وليسَ لنا تقييدُ ما أطْلَقَهُ، ومَنْ قَيَّدَ هنالك قال: إنهُ يُؤْخَذُ القيدُ منَ التعليلِ بقولهِ
(12)
: "إنكَ إنْ تذرْ إلخ"؛ فإنهُ دلَّ على أن المنْعَ منَ الزيادةِ على
(1)
انظر: "فتح الباري"(5/ 372).
(2)
في "صحيحه"(5/ 372 باب رقم 6).
(3)
برقم (2747)، وطرفاه في (4578، 6739).
(4)
يعني آية [البقرة: 180]: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} .
(5)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 173، 174) بتحقيقنا.
(6)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 308).
(7)
سورة البقرة: الآية 180.
(8)
قدمنا آيات المواريث في أول الفرائض عند الحديث رقم (1/ 893) من كتابنا هذا.
(9)
تقدم قريبًا أن هذا الأثر في "صحيح البخاري"(2747).
(10)
أثناء شرح الحديث رقم (2/ 907) من كتابنا هذا.
(11)
تقدم توجيه النظر إلى "المحلَّى"(9/ 317).
(12)
يعني في الحديث المتقدم برقم (2/ 907).
الثُّلُثِ كانَ مراعاةً لحقِّ الورثةِ؛ فإنْ أجازُوا سقطَ حقُّهم ولا يخلُو عنْ قوةِ. هذَا في الوصيةِ للوارثِ. واختلفُوا إذا أقرَّ [للورثة]
(1)
بشيءٍ منْ مالهِ فأجازَه الأوزاعيُّ
(2)
وجماعةٌ مطلقًا.
وقالَ أحمدُ
(3)
: لا يجوزُ إقرارُ المريضِ لوارثهِ مُطْلَقًا. واحتجَّ بأنهُ لا يؤمنُ بعدَ المنعِ منَ الوصيةِ لوارثه أنْ يجعلَها إقرارًا. واحتجَّ الأولُ بما يتضمنُ الجوابَ عنْ هذِه الحجةِ فقالَ: إنَّ التهمةَ في حقِّ المحتضَرِ بعيدةٌ، وبأنهُ وقعَ الاتفاقُ أنهُ لو أقرَّ بوارثِ صحَّ إقرارُه معَ أنهُ يقتضي الإقرارَ بالمالِ، وبأنَّ مدارَ الأحكامِ على الظاهرِ، فلا يُتْرَكُ إقرارُه للظنِّ المحتَمَلِ، فإنَّ أمْرَهُ إلى اللَّهِ.
قلت: وهذَا القولُ أَقْوَى دليلًا. واسْتَثْنَى مالكٌ
(4)
ما إذا أقرَّ لِبِنْتِهِ ومَعها مَنْ يشارِكُها منْ غيرِ الولدِ كابنِ العمِّ.
قالَ: لأنهُ متهم في أنهُ يزيدُ لابنَتِهٍ وينقصُ ابنَ العمِّ، [وكذا]
(5)
استَثْنَى ما إذا أقرَّ لزوجته المعروفِ بِمَحَبَّتِهِ لها، وميلِهِ إليها، وكانَ بينَه وبينَ ولدِهِ منْ غيرِها تباعدٌ [لا] سيما إذا كانَ لهُ مِنْها ولدٌ في تِلْكَ الحالِ.
قلت: الأحسنُ ما قيلَ عنْ بعضِ المالكية واختارَهُ الروياني (4) منَ الشافعيةِ أن مدارَ الأمرِ على التُّهْمَةِ وعدمِها، فإنْ فقدتْ جازَ، وإلَّا فَلَا، وهيَ تُعْرَفُ بقرائنِ الأحوالِ وغيرِها، وعنْ بعضِ الفقهاءِ أنهُ لا يصح إقرارهُ إلَّا للزوجةِ بمهْرِها.
5/ 910 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِن الله تَصَدَّقَ عَلَيكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيادَةً في حَسَنَاتِكُمْ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(6)
. [حسن بشواهده]
(1)
في (ب): "المريض للوارث".
(2)
انظر: "فتح الباري"(5/ 276).
(3)
انظر: "المغني"(6/ 524 وما بعدها).
(4)
انظر: "فتح الباري"(5/ 276).
(5)
في (ب): "وكذلك".
(6)
في "سننه"(4/ 150 رقم 3).
قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير"(20/ 54 رقم 94) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 212) وقال: "وفيه عتبة بن حميد الضبي وثقة ابن حبان وغيره وضعفه أحمد"، وقال عنه الحافظ في "التقريب" (2/ 4 رقم 13): صدوق له أوهام. اهـ، وهو حديث حسن بشواهده التي منها ما يأتي.
- وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
(1)
، وَالْبَزَّارُ
(2)
مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ. [حسن بشواهده]
- وَابْنُ مَاجَهُ
(3)
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، لكِنْ قَدْ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. [ضعيف]
(وعنْ معاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنّ الله تصدَّقَ عليكمْ بِثُلُثِ أموالِكم عندَ وفاتِكم زيادةً في حَسَنَاتِكُمْ. رواهُ الدارقطنيُّ، وأخرجَهُ أحمدُ والبزَّارُ منْ
(1)
في "المسند"(6/ 440 - 441).
(2)
في "المسند"(2/ 139 رقم 138 (2)"كشف الأستار").
وأخرجه الطبراني في "الكبير"، كما في "مجمع الزوائد"، (4/ 212)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 104) وقال الهيثمي:"وفيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط".
وقال البزار: "وقد روي هذا الحديث من غير وجه، وأعلى من رواه أبو الدرداء ولا نعلم عن أبي الدرداء طريقًا غيره، وأبو بكر بن أبي مريم وضمرة معروفان وقد احتمل حديثهما".
(3)
في سننه (2709).
قلت: وأخرجه البيهقي (6/ 269)، والخطيب في "تاريخ بغداد"، والبزار في مسنده كما في "نصب الراية"(4/ 400)، و"التلخيص الحبير"(3/ 91 رقم 1363) وفي سنده "طلحة بن عمرو" متروك كما في "التقريب"(1/ 379 رقم 37)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 98 رقم 962): "هذا إسناد ضعيف
…
"، وضعفه الألباني في "الإرواء" (6/ 77)، ومن شواهده أيضًا:
1 -
حديث أبي بكر الصديق، أخرجه العقيلي في "الضعفاء"(1/ 275)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 794) وفيه: حفص بن عمر بن ميمون: متروك.
قال العقيلي: "وحفص بن عمر هذا يحدث عن شعبة ومسعر ومالك بن مغول والأئمة بالبواطيل" اهـ.
وقال ابن عدي: "وحفص هذا عامة حديثه غير محفوظ وأخاف أن يكون ضعيفًا كما ذكره النسائي" اهـ.
2 -
حديث خالد بن عبيد السلمي، أخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (4129) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 212) وقال: إسناده حسن وليس كما قال.
وقال المحدث الألباني في "الإرواء"(6/ 79) بعد ما أورد طرق الحديث: "وخلاصة القول: إن جميع طرق الحديث ضعيف شديد الضعف إلا الطريق الثانية (يعني حديث أبي الدرداء)، والثالثة (يعني حديث معاذ)، والخامسة (يعني خالد بن عبيد)، فإن ضعفها يسير، ولذلك فإني أرى أن الحديث بمجموع هذه الطرق الثلاث يرتقي إلى درجة الحسن، وسائر الطرق إن لم تزده قوة لم تضره، وقد أشار إلى هذا الحافظ فقد قال في "بلوغ المرام":
…
فذكر ما في المتن.
حديثِ أبي الدرداءِ، وابن ماجهْ منْ حديثِ أبي هريرةَ، وكلُّها ضعيفةٌ. لكنْ قدْ يقوِّي بعضُها بعضًا)، وذلكَ لأنَّ في إسنادهِ إسماعيلَ
(1)
بنَ عياشٍ وشيخَه عتبةَ
(2)
بنَ حُمَيْدٍ، وهما ضعيفانِ، وإنْ كانَ لهم في روايةِ إسماعيلَ تفصيلٌ معروفٌ.
والحديثُ دليلٌ على شَرْعِيَّةِ الوصيةِ بالثُّلُثِ، وأنهُ لا يُمْنَعُ منهُ الميتُ، وظاهرُه الإطلاقُ في حقِّ مَنْ لهُ مالٌ كثيرٌ، ومَنْ قلَّ مالُه، وسواءٌ [كان]
(3)
لوارثٍ أو غيرِهِ، ولكنْ يُقَيِّدُهُ ما سَلَفَ منَ الأحاديثِ التي هي أصحُّ منهُ، فلا تُنَفَّذُ للوارثِ. وإليهِ ذهبَ الفقهاءُ
(4)
الأربعةُ، وغيرُهم، والمؤيدُ باللَّهِ رَوَى عنْ زيدِ (5) بن عليٍّ. وذهبتِ الهادويةِ
(5)
إلى نفوذِها للوارثِ وادَّعى فيهِ إجماعَ أهلِ البيتِ، ولا يصحُّ هذا.
تقديم الدَّين على الوصية في الأداء
واعلمْ أن قولَه تعالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
(6)
يقتضي ظاهرها أنهُ يخرجُ الدَّيْنُ والوصيةُ منْ تَرِكَةِ الميِّتِ على سواءٍ، فتشاركُ الوصيةُ الدَّيْنَ إذا استُغْرِقَ المالُ. وقد اتفقَ العلماءُ
(7)
على أنهُ يقدَّمُ إخراجُ الدَّيْنِ على الوصيةِ لما أخرجَه أحمدُ
(8)
، والترمذيُّ
(9)
وغيرُهما منْ حديث عليٍّ رضي الله عنه منْ روايةِ الحارِثِ
(1)
قال عنه ابن معين: ليس به بأس في أهل الشام.
وقال دحيم: هو في الشاميين غاية وخلط عن المدنيين.
وقال البخاري: إذا حدَّث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدَّث عن غيرهم ففيه نظر.
وقال ابن المديني: ما كان أحد أعلم بحديث أهل الشام من إسماعيل بن عياش، ولو ثبت على حديث أهل الشام، ولكنه خلط في حديثه عن أهل العراق.
انظر: "ميزان الاعتدال"(1/ 241)، وقال الحافظ في "التقريب" (1/ 73): صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلِّط في غيرهم. اهـ.
(2)
قال عنه أبو حاتم: صالح الحديث. وقال أحمد: ضعيف ليس بالقوي.
انظر: "ميزان الاعتدال" 3/ 28 رقم 5470)، وقال في "التقريب" (2/ 4 رقم 13): بصري صدوق له أوهام. اهـ.
(3)
في (ب): "كانت".
(4)
انظر: "بداية المجتهد"(4/ 173، 174) بتحقيقنا.
(5)
انظر: "البحر الزخار"(5/ 308).
(6)
سورة النساء: الآية 11.
(7)
انظر: "فتح الباري"(5/ 377، 378).
(8)
في "المسند"(1/ 79، 131، 144).
(9)
في "سننه"(2122) وطرفاه في (2094، 2095) ثم قال: والعمل على هذا عند عامة أهل=
الأعْورِ عنهُ قالَ: "قَضَى محمدٌ صلى الله عليه وسلم أن الدَّيْنَ قَبْلَ الوصيةِ، وأنتمُ تقرأونَ الوصيةَ قبلَ الدَّيْنِ". وعلَّقَهُ البخاري
(1)
، وإسنادُهُ ضعيفٌ. لكنْ قالَ الترمذيُّ: العملُ عليهِ عندَ أهلِ العلمِ، وكأنَّ البخاريَّ اعتمدَ عليهِ لاعتضَادهِ بالاتفاقِ على مقتضاهُ. وقدْ أوردَ لهُ شواهد
(2)
ولم يختلف العلماءُ أن الدَّيْنَ يُقَدَّمُ على الوصيةِ. فإنْ قيلَ: فإذا كانَ الأمرُ هكَذَا فَلِمَ قُدِّمَتِ الوصيةُ على الدَّيْنِ في الآيةِ؟
قُلْتُ: أجابَ السُّهَيْلي
(3)
بأنَّها لَمَّا كانتِ الوصيةُ تقعُ على وَجْهِ البرِّ والصلةِ، والدَّيْنُ يقعُ بِتَعَدّي الميتِ بحسبِ الأغلبِ، فبدأ بالوصيةِ لكَوْنِها أفضلَ، وأجابَ غيرُه (3) بأنَّها إنَّما قُدِّمَتِ الوصيةُ لأنهُ شيءٌ يُوخَذُ بغيرِ عِوَضٍ، والدَّيْنُ يؤخذُ بِعِوضٍ، فكانَ إخراجُ الوصيةِ أشقَّ على الوارثِ منْ إخراجِ الدَّيْنِ، وكانَ أداؤُها مَظَنَّةَ التفريطِ بخلافِ الدَّيْنِ، فَقُدِّمَتِ الوصيةُ لذلكَ، ولأنَّها حظُّ الفقيرِ والمسكينِ غالبًا، والدَّيْنُ حظ الغريم يطلبُه بقوةٍ، ولهُ مقالٌ، ولأنَّ الوصيةَ ينشئُها الموصي منْ قِبَلْ نَفْسِهِ فَقُدِّمَتْ تحريضًا على العملَ بها، بخلافِ الدَّيْنِ فإنهُ مطلوبٌ منهُ ذَكرَ أو لم يذكرْ، ولأنَّ الوصيةَ ممكنةٌ منْ كلّ أحدٍ مطلوبة منه إما نَدْبًا، أوْ وُجُوبًا؛ فيشتركُ فيها جميعُ المخاطبينَ. وتقعُ بالمالِ وبالعملِ. وقلَّ منْ يخلُو عنْ ذلكَ بخلافِ الدَّيْنِ، وما يكثرُ وقوعُه أهم بأنْ يذكرَ أوَّلًا على ما يقلُّ وقُوعُهُ.
* * *
= العلم أنه يُبدأ بالدَّين قبل الوصية. اهـ.
وأخرجه ابن ماجه (2715)، وقد حسَّنه الألباني في "صحيح الترمذي"(2/ 212 رقم 1073).
(1)
في "صحيحه"(5/ 377 باب رقم 9) قال: ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدَّين قبل الوصية. اهـ.
(2)
وهي:
1 -
قول اللَّهِ عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
2 -
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى".
3 -
وقوله أيضًا: "العبد راع في مال سيده".
4 -
وقول ابن عباس: "لا يوصي العبد إلا بإذن أهله".
5 -
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حكيم بن حزام: "اليد العليا خير من اليد السفلى".
وانظر وجه هذه الشواهد كما بينه الحافظ في "الفتح"(5/ 377، 379).
(3)
انظر: "فتح الباري"(5/ 378).
[الباب الثاني والعشرون] باب الوديعة
الوديعةُ هي العينُ التي يضعُها مالِكُها أو نَائِبُهُ عندَ آخرَ ليحفَظها، وهي مندوبةٌ إذا وثقَ منْ نفسهِ بالأمانةِ لقولهِ تعالَى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
(1)
، وقولِه صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُ في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيهِ"، أخرجَهُ مسلمٌ
(2)
. وقدْ تكونُ واجبةً إذا لم يكنْ مَنْ يَصْلُحُ لها غيرُه وخافَ الهلاكَ عليْها إن لم يقبلْها.
عدم ضمان الوديعة
1/ 911 - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَيسَ عَلَيهِ ضَمانٌ" أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ
(3)
، وَفي إِسنَادِهِ ضعفٌ. [حسن بطرقه]
وَبَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ تَقَدَّمَ
(4)
في آخِرِ الزكَاةِ.
وَبَابُ قَسْمِ الفيءِ والغنيمةِ
(5)
يأتي عَقِبَ الجهادِ إِن شاءَ الله تعالى.
(1)
سورة المائدة: الآية 2.
(2)
في "صحيحه"(38/ 2699) من حديث أبي هريرة مرفوعًا في حديث طويل، وأخرجه أبو داود (4946)، والترمذي (1425).
(3)
في "سننه"(2401).
قلت: وقد أخرجه الدارقطني (3/ 41 رقم 167)، والبيهقي (6/ 289) بلفظ:"لا ضمان على مؤتمن "ونحوه، وقد ضعف إسناده الألباني إلا أنه حسَّن الحديث بمجموع الطرق، انظر:"الإرواء"(5/ 385 رقم 1547)، وانظره أثناء شرح الحديث رقم (1/ 840) من كتابنا هذا.
(4)
من الحديث رقم (1/ 603) إلى رقم (7/ 609).
(5)
انظر الحديث رقم (32/ 1211) وما بعده.
(عنْ عمرِو بن شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ أودِعَ وديعةً فليسَ عليهِ ضمانٌ. أخرجَه ابن ماجهْ، وإسنادُهُ ضعيفٌ)، وذلكَ أن في رُوَاتِهِ المثنَّى بنَ الصباح، وهوَ متروكٌ. وأخرجَهُ الدارقطني
(1)
بلفظِ: "ليسَ على المستعيرِ غيرُ المغِلِّ ضمانٌ، ولا على المستودَعِ غيرِ المغلِّ ضمانٌ"، وفي إسنادهِ [ضعيفانِ]
(2)
.
قالَ الدارقطني (1): وإنَّما يُرْوَى هذَا عنْ شريحٍ غيرَ مرفوعٍ، وفسَّرَ المغلَّ في روايةِ الدارقطنيِّ بالخائنِ، وقيلَ هوَ المستغِلُّ. وفي البابِ آثارُ عنْ أبي بكرٍ
(3)
، وعلي
(4)
، وابنِ مسعودٍ، وجابرٍ أن الوديعةَ أمانةٌ، وفي بعضِها مقالٌ. ويغني عنْ ذلكَ الإجماعُ
(5)
؛ فإنهُ وقعَ على أنهُ ليسَ على الوديعةِ ضمانٌ إلَّا ما يُرْوَى عن الحسنِ البصريِّ
(6)
أنهُ إذا [اشترطَ]
(7)
عليهِ الضمانَ فإنهُ يضمنُ. وقدْ [تُؤَوَّلُ]
(8)
بأنهُ معَ التفريطِ، والوديعةُ قدْ تكونُ باللفظِ كاستودعْتُكَ ونحوِه منَ الألفاظِ الدالةِ على الاستحفاظِ، وَيكْفي القَبُولُ لفظًا. وقدْ يكونان
(9)
بغيرِ لفظٍ كَأَنْ يَضَعَ في حانوتِه وهوَ حاضرٌ ولا يمنعْهُ منْ ذلكَ، أو في المسجدِ وهوَ غيرُ مُصَلٍّ. وأما إذا كانَ في الصلاةِ فلا لأنهُ لا يمكنُه إظهارُ الكراهةِ.
وفي بابِ الوديعةِ تفاصيلُ في الفروعِ كثيرةٌ.
(وباب قَسْمِ الصدقاتِ) بينَ الأصنافِ الثمانيةِ (تقدمَ في آخرِ الزكاةِ)، وهوَ أَلْيَقُ بالاتصالِ بهِ.
(1)
في "سننه"، وتقدَّم تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (1/ 840) من كتابنا هذا.
(2)
في (ب): "ضعف".
(3)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 403 رقم 1508)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (6/ 289).
(4)
انظر: "السنن الكبرى للبيهقي"(6/ 289).
(5)
انظر: "إجماع ابن المنذر"(ص 129، 130).
وقد روى عن عمر أنه ضمن أنسًا في وديعة، أخرجه البيهقي (289/ 6، 290) ثم قال: يحتمل أنه كان قد فرط فيها فضمنها إياه بالتفريط، واللهُ أعلم. اهـ.
(6)
انظر: "السنن الكبرى"(6/ 290).
(7)
في (ب): "شرط".
(8)
في (ب): "يؤول".
(9)
أي الإيداع والقبول. اهـ من حاشية المخطوط.
(وبابُ قَسْمِ الفيءِ والغنيمةِ، ويأتي عَقبَ الجهاد إنْ شاءَ اللهُ تعالى)، وهوَ أَوْلَى بأن يلِيَ الجهادَ لأنه عن توابعِهِ، وإنما ذكرَ المصنفُ هذَا لأنها جرتْ عادةُ كُتُبِ فروعِ الشافعيةِ على جَعْل هذينِ البابينِ قُبَيْلَ كتابِ النكاحِ، والمصنفُ خالَفهُم فألحَقَهُمَا بما هوَ أَلْيَقُ بِهِمَا.
* * *
تمَّ بحمد الله المجلَّد الخامس من
"سُبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام"
ولله الحمد والمنة
ويليه المجلد السادس
وأوله: [الكتاب الثامن]
كتاب النكاح
* * *