الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة فضيلة الشيخ المُحَدِّث مصطفى بن العدوي
تقديم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد، فهذه جملةٌ طيبة من الفوائد الحديثية والفقهية، وغيرِ ذلك من الفوائد العلمية الشرعية، جَمَعها أخي الشيخ الفاضل أبو أويس أشرف الكُرْدي - حَفِظه الله - وذلك في ثنايا الدروس المنعقدة لمراجعة أبحاث إخواني من طلبة العلم.
وقد بَذَل فيها جهدًا - حَفِظه الله ووفقه - وضَمَّنها بعض الأبحاث الخاصة به، وخَرَّج ما يَحتاج إلى تخريج، وحَكَم على بعض ما يَحتاج إلى الحُكْم عليه بما يستحق، فجزاه الله خيرًا وبارك فيه.
هذا، وعن هذه الفوائد فهي متنوعة بحَسَب أعمال إخواني العلمية، التي تَمَّتْ مراجعتها، وهي - ولله الحمد - أبحاث نافعة.
فأشكر الله ثم أشكر أخي الشيخ أبا أويس، على جده واجتهاده وعمله النافع، أسأل الله أن يتقبله منه، وأن يجعله في موازين أعماله يوم لقاء الله عز وجل.
هذا، وقد نظرتُ في هذا العمل، بعد أن راجعتُ أعمال إخواني بدقة، نظرتُ في هذا العمل نظرة إجمالية، فألفيتُه نافعًا موفقًا.
فاللهَ أسأل أن يوفق أخي أبا أويس، وأن يَزيده من العلم النافع والعمل الصالح.
وصَلِّ اللهم على نبينا محمد، وسَلِّم.
والحمد لله رب العالمين.
كَتَبه
أبو عبد الله مصطفى بن العدوي
(1)
(1)
بعد فجر السبت (9) ذي القعدة (1442 هـ) المُوافِق (19/ 6/ 2021 م).
تقديم العَلَّامة عبد العزيز بن إبراهيم القرشي الفيومي
(1)
• نقول وبالله الحمد: هذا كتاب جديد في مأتاه، لم يُسبَق إليه، وقد جَمَع جهودًا كثيرة لبعض شبابنا وأبنائنا العلماء، فَجَدُّوا في البحث ووثقوا أخباره، فأكدوا صحتها بعرضها على العَلَّامة الإمام مصطفى العدوي - حفظه الله - وكان ثوبه قشيبًا ومأتاه عجيبًا.
وأسأل الله سبحانه أن ينفع به القاصي والداني، والمبتدئ والمنتهي؛ فهو مَعِين صافٍ، يغترف منه أهل الحديث فيرويهم، وأهلُ الفقه فلا يَمَلون شرابه ولو كان عَلَلًا بَعْد نَهَلٍ.
فبارك الله في القائمين عليه، وفي ابننا الحبيب أبي أويس الكردي، الذي جَمَع شتاته، وهو كظننا به، يعمل دأبًا ولا يَعرفُ كسلًا، غزيرٌ علمُه واسعٌ فهمُه، فإذا قلتَ محدِّثًا، تَنَازَعَهُ أهل الفقه فقالوا: بل هو فقيه.
(1)
هو عبد العزيز بن إبراهيم بن حسين بن عبد الوهاب، ثم إلى خليفة بن فرحان بن مميه بن حرب بن عقال، النجدي القرشي الشريف.
وُلِدَ في إحدى قرى محافظة الفيوم، وتسمى دار السلام، وتُعْرَف قديمًا بالزربي.
من أعلام القراءات والتفسير واللغة والبيان وتوجيه القراءات، على بصيرة، وكان متقنًا رحمه الله، ذا حكمة، ومن المُصلِحين بين الناس على بصيرة.
وسَمِع جُلّ هذا الكتاب مني، وله تعليقات منسوبة إليه رحمه الله، فقد تُوفي رحمه الله بعد ظهر يوم الأحد، بتاريخ (25) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (31/ 10/ 2021 م).
وقد استمعتُ إليه يَقرأ ويتحدث، فأدركتُ علمَه باللغة وإدراكَه لمعانيها الرائقة، أقول هذا شهادةً لله سبحانه، ولم أوفه حقه؛ فإنه - والله حسيبه - فوقَ ذلك.
بتاريخ مساء الأربعاء (18) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (28/ 7/ 2021 م).
مقدمة المؤلف
الحمد لله القائل لسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا»
(1)
.
وبعد، فالرحلة في طلب العلم النافع ابتغاء وجه الله الأعلى - مِنْ أَجَلّ العبادات وأقرب القُرَب وأشرف الزيارات في الله، قال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
(1)
صحيح: أخرجه الترمذي (227)، وابن ماجه (231)، وأحمد (16754)، والدارمي (228)، والحاكم (249)، والطبراني في «الكبير» (1541)، وأبو يعلى (7413)، والبزار (3416) من حديث الزُّهْري، عن محمد بن جُبير بن مُطعِم، عن أبيه جُبَيْر.
وأخرجه الترمذي (2658)، وابن ماجه (232)، والحُميدي (88)، ومن طريقه الشاشي (277) من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه.
وأخرجه أيضًا ابن ماجه (236)، وأحمد (13350) من حديث أنس بن مالك.
وأخرجه ابن ماجه (230) من حديث زيد بن ثابت.
ورُوي عن أبي سعيد الخُدْري بسند ضعيف.
يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ»
(1)
.
• وفيها الازدياد من العلم، ومعرفة مفاتيحه ومواكبة العصر ودقة الفهم والصحبة الصالحة والتعاون على البر والتقوى وإحياء السنن وإماتة البدع.
• وبها تُدْفَع الشبهات، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ، أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لِأَبِي إِهَابِ بْنِ عُزَيْزٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ. فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي، وَلَا أَخْبَرْتِنِي. فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟» فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ، وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ
(2)
.
• وبها نال الشباب بركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، فَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ:«ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»
(3)
.
• وفيها يَتلقى المتعلم من العالم، ويستفيد الشيخ من الطالب، وتُعْقَد مجالس الربانيين فتَحفُّهم ملائكة الرحمن، ويجدون بغيتهم.
(1)
أخرجه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر تعليقي عليه في تحقيقي كتاب «الرحلة» للخطيب البغدادي ط/ دار ابن تيمية بالقاهرة.
(2)
أخرجه البخاري رقم (88).
(3)
أخرجه البخاري (6008) ومسلم (674).
فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ» قَالَ: «فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» قَالَ: «فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ» قَالَ: «فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟» قَالَ: «فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ» قَالَ: «فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا» قَالَ: «يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟» قَالَ: «يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ» قَالَ: «يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا» قَالَ: «يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً» قَالَ: «فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ» قَالَ: «يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا رَأَوْهَا» قَالَ: «يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً» قَالَ: «فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ» قَالَ: «يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ، لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ» . قَالَ: «هُمُ الجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»
(1)
.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ،
(1)
أخرجه البخاري (6408) ومسلم (2689).
وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»
(1)
.
• والرحلة ومجالس العلم صِمام أمان للأمة والأجيال القادمة، وهذا واضح في رغبة نبي الله زكريا عليه السلام من الذرية {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 5، 6].
• والرحلة طريق للارتقاء والبحث عن المتقنين والترقي في درجات العلم والإيمان: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وقال تعالى في شأن الصِّدِّيق يوسف عليه السلام: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].
وخَيْر ما يجتهد فيه طالب العلم بعد تقوى الله
(2)
العمل بما تَعَلَّم وتعليم مَنْ لم يعلم، ومذاكرة مَنْ يَعْلم، وتقييد العلم ونشره في الآفاق، فحفظ العلم في الصدر أو في القرطاس أو الكتاب أو نَشْره عبر الوسائل الحديثة المتاحة - كلها طرائق لحفظ العلم ونشره في الآفاق، فربما بَلَغ علمك مكانًا لن تبلغه ببدنك طيلة عمرك، فيكون زاداً لك في رحلتَي البزخ والقيامة بعد مماتك، ورُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع.
وقد قال تعالى في فضل حفظ العلم عن ظهر قلب: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي
(1)
أخرجه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].
صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة وفد عبد القيس: «احْفَظُوهُنَّ، وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ»
(1)
.
وقال عمرو بن أَخْطَبَ رضي الله عنه: «فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا»
(2)
.
وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ - كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ. وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ، لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ»
(3)
.
ولله دَرُّ القائل:
العلم في الصدر مثل الشمس في الفلك
…
والعقل للمرء مثل التاج للملك
فاشدد يديك بحبل العلم معتصماً
…
فالعلم للمرء مثل الماء للسمك
(4)
(1)
أخرجه البخاري (53) ومسلم (17) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه مسلم (2892).
(3)
أخرجه البخاري (79) ومسلم (2282).
(4)
«مجاني الأدب في حدائق العرب» (1/ 22).
فكرة الكتاب
• كنتُ بفضل الله منذ أن قَدِمْتُ «منية سمنود» في عام (1425 هـ) المُوافِق (2004 م) حريصًا على تدوين مجالس شيخنا، وأَعْظَمُها فائدة «مجلس الظُّهر» الذي كان يُفتتح بقراءة «صحيح الإمام مسلم» وكتب العقيدة و «الرسالة» للشافعي و «النكت على ابن الصلاح» ثم مراجعة الأبحاث والتحقيقات، فنِعم المجلس المعمور بالعلم والأدب والبحث والجديد من الفوائد.
ومن وراء تدوين العلم والفوائد كان هذا الكتاب الذي بين يديك، فلله الحمد والمنة والفضل والشكر.
• اقتناص الفوائد
• قال الإمام الشافعي: «اعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ يَنِدُّ كَمَا تَنِدُّ الْإِبِلُ، فَاجْعَلُوا الْكُتُبَ لَهُ حُمَاةً وَالْأَقْلَامَ عَلَيْهِ رُعَاةً»
(1)
.
وكانت الكتابة سببًا في كثرة علم عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ»
(2)
.
(1)
«تقييد العلم» (ص: 114).
(2)
أخرجه البخاري (113).
قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 207): وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ، إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ، مَعَ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَقَلُّ مِنَ الْمَوْجُودِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ.
فَإِنْ قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، فَلَا إِشْكَالَ؛ إِذِ التَّقْدِيرُ: لَكِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ الْكِتَابَةُ - لَمْ يَكُنْ مِنِّي. سَوَاءٌ لَزِمَ مِنْهُ كَوْنُهُ أَكْثَرَ حَدِيثًا لِمَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ أَمْ لَا.
وَإِنْ قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، فَالسَّبَبُ فِيهِ مِنْ جِهَاتٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرَ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِالتَّعْلِيمِ، فَقَلَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ.
ثَانِيهَا: أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ مُقَامِهِ بَعْدَ فُتُوحِ الْأَمْصَارِ بِمِصْرَ أَوْ بِالطَّائِفِ، وَلَمْ تَكُنِ الرِّحْلَةُ إِلَيْهِمَا مِمَّنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ، كَالرِّحْلَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُتَصَدِّيًا فِيهَا لِلْفَتْوَى وَالتَّحْدِيثِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَيَظْهَرُ هَذَا مِنْ كَثْرَةِ مَنْ حَمَلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ ثَمَانَمِائَةِ نَفْسٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يَقَعْ هَذَا لِغَيْرِهِ.
ثَالِثُهَا: مَا اخْتُصَّ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ بِأَنْ لَا يَنْسَى مَا يُحَدِّثُهُ بِهِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا.
رَابِعُهَا: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ قَدْ ظَفِرَ فِي الشَّامِ بِحِمْلِ جَمَلٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ،
فَكَانَ يَنْظُرُ فِيهَا وَيُحَدِّثُ مِنْهَا، فَتَجَنَّبَ الْأَخْذَ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وإليك هذا البيان المُعبِّر:
هَذَا كِتَابُ فَوَائِدٍ مَجْمُوعَةٍ
…
جُمِعَتْ بِكَدِّ جَوَارِحِ الْأَبْدَانِ
جُمِعَتْ عَلَى بُعْدِ الْمَشَقَّةِ وَالنَّوَى
…
وَالسَّيْرِ بَيْنَ فَيَافِي الْبُلْدَانِ
(1)
.
(1)
«تقييد العلم» (ص: 134) للخطيب.
طرائق العَلَّامة مصطفى بن العدوي في مجلسه
• يَغرس في جلسائه الاحتساب
(1)
وحُب العلم والرسوخ فيه، والصبر على تحصيله وتعليمه ونشره، وأنه الثمرة التي يُنتفع بها من الباحث بعد رحيله ويَنتفع هو بها بعد مماته، وفي الحديث:«إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»
(2)
.
• يَغرس في طلابه الإتقان
(3)
والأمانة، فلا يَشرع باحث في عرض الأحاديث عليه للتدرب إلا بعد دراسة مصطلح الحديث، والاجتياز فيه بدرجة لا تَقِلّ عن ثمانين بالمائة (80%)، ويَكتب الاختبار للباحثين الجدد بنفسه.
وأحيانًا يُوقِف الباحث خلال النقاش، ويسأله عن اجتيازه الاختبار.
وتارة يَطرح عليه أسئلة ويستمع إلى جوابه.
وتارة يُدقِّق وراء الباحث، ويُراجِع المصادر بنفسه أو بمساعدة الباحثين الحاضرين.
(1)
وكم من كتب قام بمراجعتها في هذا المجلس، وقَدَّم لها حِسبة.
(2)
أخرجه مسلم (1631).
(3)
وقد قال تعالى لداود عليه السلام: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 10، 11] عدِّل المسمار في الحَلْقة، ولا تُصغِّره فيقلق، ولا تُعظِّمه فتنفصم الحَلْقة. انظر «زاد المَسِير» (3/ 491) لابن الجوزي.
وثالثة: يَسأل عن طبعات الكتاب الذي يقوم الباحث بتحقيقه، وما الحامل له على هذا التحقيق؟ حتى يوجهه للأنفع له وللمسلمين، ويأمن من السطو على أعمال الآخرين، ويُذكِّر بسطو شخص على أحد كتبه، وتقديمها لإحدى الجهات، وفي ثنايا هوامشها:(قلت: مصطفى).
ورابعة: يَسأل عن الأبحاث المُؤلَّفة في بحث الشخص؛ حتى يَبدأ من حيث انتهى غيره.
وخامسة: يَرُدّ الباحثَ للبحث في كتب العلل أو لقصورٍ ظهر في البحث، أو للبحث عن شواهد أو عمومات، أو يسنده لمراجعته مع باحث متقدم، ويُبيِّن أن المجلس مهما اشتددنا فيه على الباحث، فهو أفضل له ولنا عند الله؛ لأن هذا دِين، وأَسْلَمُ من الانتقادات التي قد تَرِد.
• يَزرع فيهم الجد والاجتهاد ونَبْذ التقليد، والاعتناء في أول الطلب بتحرير العلم قبل الانشغال بأعباء الدعوة؛ فإن أثر ذلك ينعكس عليك في التأليف والتحقيق وكِبَر سنك، وبقاء ثمرة الاجتهاد دون نقض لها.
• يُذكِّر طلابه بشكر النعم، فهل يَستوي مَنْ مَنَّ الله عليه بتحفيظ القرآن للأطفال، ومَن مَنَّ الله عليه بصحبة حَمَلة القرآن وأصحاب الأبحاث النافعة؟ ففي كُلٍّ خير لكن الثاني أكثر ارتقاء ونفعًا واستنباطًا.
ويُذكِّر بأول طلبه وقلة المصادر، وبَذْل الأوقات الكثيرة في تخريج حديث من الكتب، أما الآن فيوجد وفرة في المراجع مع سرعة الجمع بالتِّقنيات الحديثة.
• لا يَبخل على الناس بما عنده من علم ونصيحة وخير، وكأني به يُذكِّر بقوله تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] وبقول عائشة رضي الله عنها: «وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ» ثُمَّ قَرَأَتْ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]
(1)
وبعموم: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ، فَلْيَفْعَلْ»
(2)
وحديث: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»
(3)
.
• لا ينخدع ببهرجة القول وجمال العرض، واللف والدوران وكثرة القول، بل يطير فرحًا بالأدلة وصراحة الاستدلال، وتدعيم الفَهْم بأقوال أئمتنا من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، وأصحاب المذاهب الأربعة وابن حزم والشوكاني، ثم المعاصرين رحمهم الله جميعًا، ثم الربط بالواقع (العمل الميداني).
فإذا ما ظهر له وجه الحق في مسألة أو في الحُكم على حديث بالإعلال أو الصحة، اعتنقه؛ لأن هذا ديننا الذي نُسأل عنه في دنيانا ويوم نلقى الله:{مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65] ثم يَشكر الباحثَ بالقول والفعل.
• يُذكِّر بالتزكية وسلامة الصدر وأخوة الإيمان، وأننا بَشَر، وللقدماء حق وللجُدُد أصحاب الفوائد حق، وقد قال تعالى:{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237].
(1)
أخرجه البخاري (4855).
(2)
أخرجه مسلم (2199).
(3)
أخرجه مسلم (55).
ويَنصح بعض الباحثين بتعديل بعض الأساليب مِنْ: (قلنا)، (بحثنا)، (لم يُعِل الخبرَ أحد) إلى (قلتُ)، (بحثتُ)، (لم يُعِله أحد فيما وقفتُ عليه).
• ويقول متواضعًا: إنه يستفيد من الباحثين أكثر مما يستفيدون منه، {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20] {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].
• يُذكِّر بسَعة الشريعة والعلم، وأن خطة البحث والفترة الزمانية المحددة له سببان في الإنجاز، وقد قال تعالى:{قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3].
• يُعَوِّد الباحثَ الحفظ
(1)
مع الفَهْم، فيفاجئه بإغلاق أوراق البحث، ويَطلب منه أن يُفصِح عما جاء به.
وتارة يُغلِق خريطة البحث لتشعبها، ويقول له مثلًا: هذا الخبر كم شخصًا رواه عن أبي هريرة؟ ثم مَنْ عنهم؟ ثم يَطلب الحُكم على كل طريق، وهل رجع بعضها إلى بعض أو لا؟.
• وتارة في نقاش الأبحاث يقول للباحث: أُخْبِرك بما عندي، ولو عندك زيادة أو تعقيب تَفضَّلْ به بعد الانتهاء.
وأحيانًا يَطلب من بعض الجالسين تلخيص ما قيل حتى يتأكد أنهم حَصَّلوا واستفادوا.
(1)
ويَذكر أنه كان في أول الأمر يُلقِي المحاضرات من أوراق، ثم عَوَّد نفسه ألا يرتبط بالورق، وأن يُعوِّد الذاكرة الحفظ.
• يُبيِّن قيمة الوقت والثمرةَ المرجوة منه، فيُكلِّف بعض القائمين على العرض بضبط وقتٍ محدد، كخَمْس دقائق أو عَشْر أو ربع ساعة للباحث؛ حتى لا يطغى على حقوق الآخرين، ومِن ثَمّ لا تتراكم الأعمال.
• يَفتح مجالًا للمشاركة العلمية من الحاضرين
(1)
ويُحفِّز عليها بعسل النحل أو التمر أو الهدايا، مع الثناء على قيمة الفائدة؛ شحذًا للهمم وإخراجًا للمزيد، وحضًّا على التكامل العلمي والتلقيح العقلي والتقويم البحثي.
• يتشاور مع إخوانه في مراجعة بعض الكتب، هل تقربه من الله أو تضر به؟ وأحيانًا وقته لا يَسمح بمراجعتها، فيُجَزِّئها على بعض الباحثين القدامى، ويَنص في تقديمه على ما رأى وسَمِع.
• توزيع الأبحاث النافعة التي حُررت في المكان على طلبة العلم، وعلى الوافدين بما يناسبهم منها.
(1)
وفي قول أنس رضي الله عنه: «فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ» أخرجه مسلم (12).
منهجي في الكتاب
1 -
جَمَعْتُ بفضل الله كثيرًا من المادة العلمية التي ناقشها شيخنا مع الباحثين حَفِظهم الله، وذلك بمجالسة الباحث ومناقشته والاستفادة من عقله وبحثه، ومراجعة بعض ما يشكل أو بتوثيق فائدته من بحثه لضيق وقته، أو بالتقاط صورة ضوئية من بحثه، أو بتدوينها في ثنايا النقاش العلمي، مع تأريخها هجريًّا وميلاديًّا غالبًا.
وكتابة الخلاصة مع التوثيق اليسير.
وإن كانت الفائدة مكررة، أكدتُها بما وصل إليه الباحث الجديد، مع ذكر اسمه وتاريخ نقاشه غالبًا؛ حتى يُعْلَم المتقدم من المتأخر ويُنسَب الفضل لأهله.
2 -
وضعتُ خلاصةً في نهاية الفائدة، اشتملت على خلاصة ما انتهيتُ إليه، مع تمييز ما يُنسَب لشيخنا من منطوقه أو مكتوب بنانه أو مفهوم المناقشة.
فإن كان ثَم وجهة للباحث في المخالفة، أَثبتُّها له إثراء للبحث وإحياء للعلم وفتحًا لباب الاجتهاد، وقد قال تعالى:{وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].
3 -
راجعتُ شيخنا - حفظه الله - في عدد من الأخبار التي اختَلف اجتهاده فيها، فأَثبتُّ رأيه الأخير بتاريخه، وربما أشرتُ للسابق واللاحق دفعًا للتعارض بين الباحثين، أو تآلفًا بين النقاشات المصورة، أو تنبيهًا على التراجعات التي تَراجَع عنها مع الباحثين أو في كتبه الأخرى.
4 -
استأنستُ في ترتيب هذه الفوائد بصحيحَي البخاري ومسلم. واستأنستُ في تبويبها بتبويبات الكتب الستة وغيرها.
5 -
ضممتُ إليها كثيرًا من الفوائد التي بحثتُها وناقشتُها مُفرَدة أو ضِمن أبحاثي.
6 -
هَمَّشْتُ ببيان غريب أو ضبط نسبة أو غير ذلك.
7 -
عَرَّفْتُ بغالب الباحثين تعريفًا موجزًا
(1)
، يشمل اسمه ونسبته، وأبحاثه أو تحقيقاته النافعة، التي قَدَّمَ لها شيخنا حفظه الله له وذلك من منطوق الباحث أو مكتوبه فأسفر هذا التعريف عن منزلة الباحث ومؤلفاته التي طبعت والتي لما تطبع.
(1)
اقتبست جُلّه من تراجم كنتُ أجريتُها مع إخواننا طلبة العلم الأفاضل كـ: د الشيخ رمزي بن صادق، والشيخ محمد العلاوي، والشيخ طلال الطرابيلي، والشيخ حسان بن عبد الرحيم، والشيخ مجدي بن حمودة أبي إسحاق، والشيخ سيد بن حمودة،
…
كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وثم آخرون يأتي الحديث عنهم إن شاء الله تعالى كالشيخ إبراهيم النحاس، والشيخ عادل أبي هند ود/ أحمد بن إبراهيم الحامولي رفيق دربي، وأبي مصعب طلعت الحلواني، وأبي مصعب عصاد جاد صاحب بحثي فقه الأيمان والنذور، والشيخ أسامة بن عبد العزيز، والشيخ أحمد بن عادل المحلاوي والشيخ محمد بن طلعت، والشيخ أبي محمد حازم الشربيني، والشيخ أحمد بن سليمان، والشيخ أحمد بن سالم أبي الأشبال والشيخ طارق بن عبد الرزاق والشيخ طارق أبي مريم، والشيخ محمد العفيفي
…
إلخ.
ومال زال البحث جاريا لاستيفاء كل من رحلوا إلى شيخنا حفظهم الله وقدّم لهم أو زكاهم للالتحاق بالجامعات أو غير ذلك
…
إلخ.
8 -
ختمتُ الكتاب بفهرس مؤلفات شيخنا وتحقيقاته، وغالب الكتب والرسائل والأبحاث التي قدّم لها مِنْ جمع الباحث يحيى بن مصطفى بن العدوي، حفظه الله.
لَمَّا تم ما مَنَّ الله به عليَّ، سميتُه: «سلسلة الفوائد الحديثية والفقهية المنتقاة
(1)
من مجلس العَلَّامة المُحَدِّث مصطفى بن العدوي مع طلابه».
واللهَ أسأل بما سأله به خليل الرحمن وابنه إسماعيل عليهما السلام: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] وبما سأله به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أضحيته: «اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ»
(2)
.
كَتَبه
أبو أويس
أشرف بن نصر بن صابر بن إبراهيم بن محمد، البُرُلُّسي الكُرْدي
بتاريخ عصر (19) جمادى الأولى (1443)، المُوافِق (23/ 12/ 2021 م).
ت/ 01007192699
(1)
ومما يَشهد للانتقاء قوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18].
(2)
أخرجه مسلم (1967) من حديث عائشة رضي الله عنها.
كتاب التوحيد
(أسماء الله الحسنى)
هل أسماء الله الحسنى محصورة بعدد؟
• أسماء الله ليست محصورة بعدد عند الجمهور.
وأَصْرَحُ دليل لهم: حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه:«أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتُهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتُهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ غَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا» وعِلته أبو سلمة الجُهَني.
ولهم دليلان محتملان:
أ - قوله صلى الله عليه وسلم: «لا أُحصِي ثناء عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك»
(1)
.
ب - قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة العظمى: «ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا، لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي»
(2)
.
ج - ولهم توجيه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»
(3)
خلافًا لابن حزم
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (486).
(2)
أخرجه البخاري (7410) ومسلم (193) من حديث أنس رضي الله عنه، واللفظ للبخاري، ونحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري رقم (4712) ومسلم رقم (194).
(3)
صحيح: رواه جماعة عن أبي هريرة رضي الله عنه:
1 -
هَمَّام بن مُنَبِّه، أخرجه مسلم (2677) وأحمد (7623) وغيرهما، وفيه:(أحصاها)(إن الله وتر يحب الوتر).
2 -
محمد بن سيرين، أخرجه مَعْمَر في «جامعه» (19656) وأحمد (10481) وغيرهما، وعند أحمد:(أحصاها كلها).
3 -
أبو سلمة، أخرجه إسماعيل بن جعفر في «حديثه» (168).
4 -
أبو رافع، أخرجه الترمذي (3506) وفيه:(أحصاها).
5 -
عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج وأبو الزناد، وعنه جمهور الرواة - شُعيب بن أبي حمزة، أخرجه البخاري (2736) ومحمد بن عجلان، أخرجه أبو عَوَانة (11779) ومالك بن أنس وابن أبي الزناد، أخرجه أبو عَوَانة (11780) - بلفظ:«أحصاها» .
وخالفهم ابن عُيينة واختُلف عليه: فابن أبي عمر عنه، كما عند مسلم كرواية الجماعة:«أحصاها» والأكثر عنه - وهم عمرو الناقد وزهير بن حرب والحُميدي -: «حَفِظها» وعلي بن المديني، كما عند البخاري (6410) بلفظ:«لا يَحفظها أحد» .
والخلاصة: أن لفظة: «أحصاها» هي الصحيحة، ولفظة:«حَفِظها» وهم أو رُويت بالمعنى من ابن عيينة رحمه الله، ومن عاداته أنه إذا نَصَّ أو أَكَّد تجد مشكلة إسنادية أو متنية غالبًا، وهذا مثال حيث قال:(حفظناه من أبي الزناد) فضلًا عن الاختلاف عليه في اللفظ.
وكَتَب شيخنا معي بتاريخ السبت (11 صفر 1443 هـ) الموافق (18/ 9/ 2021 م): الأشهر لفظة: «مَنْ أحصاها» .
(4)
ففي «المُحَلَّى» (1/ 30): وقد صح أنها تسعة وتسعون اسمًا فقط، ولا يَحِلّ لاحد أن يجيز أن يكون له اسم زائد؛ لأنه عليه السلام قال:«مِائة غير واحد» فلو جاز أن يكون له تعالى اسم زائد، لكانت مِائة اسم، ولو كان هذا لكان قوله عليه السلام:«مِائة غير واحد» كذبًا، ومَن أجاز هذا فهو كافر.
• قال النووي (ت/ 676):
(1)
.
اتَّفَق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى،
(1)
في «شرح مسلم» (17/ 5).
فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين.
وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين مَنْ أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء؛ ولهذا جاء في الحديث الآخَر:«أسألك بكل اسم سَمَّيْتَ به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك» وقد ذَكَر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال: لله تعالى ألف اسم. قال ابن العربي: وهذا قليل فيها. والله أعلم.
•وقال ابن تيمية (ت/ 728) في «دَرْء تَعارُض العقل والنقل» (3/ 332):
والصواب الذي عليه جمهور العلماء: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مَنْ أحصاها دخل الجنة» معناه أن مَنْ أَحْصَى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة، ليس مراده أنه ليس له إلا تسعة وتسعون اسمًا
…
فأَخْبَر أنه صلى الله عليه وسلم لا يُحصِي ثناء عليه، ولو أَحْصَى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها، فكان يُحصِي الثناء عليه؛ لأن صفاته إنما يُعبَّر عنها بأسمائه.
• وقال ابن حجر في «فتح الباري» (11/ 220):
اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْعَدَدِ، هَلِ الْمُرَادُ بِهِ حَصْرُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ، أَوْ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنِ اخْتَصَّتْ هَذِهِ بِأَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الثَّانِي وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ.
العلي الأعلى المتعال عز وجل
-
• جاء (العلي) مقترنًا أو منعوتًا بالعظيم والكبير والحكيم:
1 -
فالأول مع سَعة المُلْك والعلم في آية الكرسي: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] وقال تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الشورى: 4].
2 -
العلي الكبير عن كل شرك وباطل، فهو أغنى الأغنياء عن الشرك:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62]
(1)
.
وفي سياق الرد على مَنْ أَنْكَر البعث ثم أَقَر به، وطَلَب الرجعة إلى الدنيا:{ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12].
وقالت الملائكة: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23]
(2)
.
(1)
ونحوها في آية سورة لقمان عليه السلام: [لقمان: 30].
(2)
أخرج البخاري رقم (4701) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ - قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ - فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ. فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ - وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ
…
».
3 -
(1)
.
• وجاء المتعال عز وجل مع سَعة علمه تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 8، 9]
(2)
.
• وجاء الأعلى عز وجل في موطنين
(3)
:
أ - مع الأمر بتسبيحه: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 1 - 3].
ب - ومع إخلاص العباد: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 19، 20].
(1)
ووَصَف حفظ كتابه بذلك فقال: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4].
(2)
ورَدَ خبر فيه: «بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاخْتَالَ، وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالَ» ضَعَّفه أبو حاتم في «علله» رقم (1838) بثلاث علل: نكارة وانقطاع وضَعْف.
(3)
ووُصِف الأفق بالأعلى، فقال جل ذكره عن جبريل عليه السلام:{وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [النجم: 7].
• ومع القاعدة العظمى ليس كمثله شيء: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60]، وقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: 27].
• التعبد بهذه الأسماء على أربعة أنحاء:
أولًا - بالتأمل في معانيها؛ فقد جَمَعَتْ سياقات هذه الأسماء العلو المطلق لله عز وجل
(1)
:
1 -
علو ذات، فهو الرحمن على العرش استوى.
2 -
علو قَدْر، فله المثل الأعلى في السموات والأرض.
3 -
علو قَهْر، فهو الواحد القهار.
ثانيًا - اعتزاز العابد بربه وعبادته على أهل الباطل، والتواضع لربه ثم لأهل الإيمان:{قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه: 68].
وفي غزوة أُحُد أَخَذَ أبو سفيان يَرْتَجِزُ: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا تُجِيبُوا
(2)
لَهُ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ:«قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ»
(1)
ودرسًا تربويًّا للأزواج: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34].
(2)
الأصل: (تجيبون) فعل مضارع مرفوع لتَجرُّده من الناصب والجازم، وعلامة نصبه ثبوت النون لأنه من الأمثلة الخمسة، وقد حذفت تخفيفًا. وقال العيني في «عمدة القاري» (14/ 284): قوله: «ألا تجيبوا» بحذف النون بغير الناصب والجازم، وهي لغة فصيحة.
قَالَ: إِنَّ لَنَا العُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا تُجِيبُوا لَهُ؟» قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ:«قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، وَلَا مَوْلَى لَكُمْ»
(1)
.
ثالثًا - طلبُ العلو والارتقاء بمعالي الأخلاق وتَرْك سفسافها، وكذلك فضول القول واللغو، والسبق في المعالي والسمو في الدعوات. وفي الخبر:«فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ»
(2)
.
والأعمالِ
(3)
والذِّكر، ففي الحديث القدسي:«فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ»
(4)
.
والدعاء؛ فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعُبيد أبي عامر: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ»
(5)
. وكقولك: اللهم أنت العلي الأعلى المتعال، فارزقنا العلو بطاعتك في الدنيا والآخرة.
• ومن أمثلة ذلك: عموم قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وقال
(1)
أخرجه البخاري (3039).
(2)
أخرجه البخاري (2790) وفي سنده فُلَيْح بن سليمان، لكن عادة البخاري الانتقاء. والخبر في الفضائل.
(3)
وفي البخاري رقم (2809): «يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى» .
(4)
أخرجه البخاري (7405) ومسلم (2675).
(5)
أخرجه البخاري (4323) ومسلم (2498).
تعالى في رسله: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253] وقال في إدريس عليه السلام: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57] وفي نبينامحمد صلى الله عليه وسلم: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] وقال في أهل الإيمان: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه: 75].
وشرفٌ لك أن يضاف اسم ولدك أو حفيدك للأعلى عز وجل، وذلك بتسميته (عبد الأعلى)
(1)
أو (عبد العلي) أو (عبد المتعال)
(2)
فهذا ذِكر ممتد لك كلما ذُكِرَ أو نودي أو كُتِبَ في سِجل.
رابعًا - حُسْن الظن في الله وفي تشريعاته، وأنها كلها علو وارتقاء، قال تعالى:{وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40] وقال جل ذكره: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
وتَأَمَّلْ ذكر السجود في أجمل هيئة، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وشعاره:(سبحان ربي الأعلى) وفي الوتر بثلاث ركعات، تَقرأ في الأولى منهن سورة الأعلى عز وجل.
(1)
وَرَدَ عدد منهم في «تقريب التهذيب» من رقم (3729) حتى (3739) منهم في الصحيحين: عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الأعلى بن حماد، البصريان، وعبد الأعلى بن مُسْهِر الدِّمَشقي.
(2)
وعَبْد المتعال بن طالب، أحد شيوخ البخاري الثقات، ففي «صحيحه» رقم (1764) وقد تابعه غيره خارج الصحيح.
• فائدة: بما سبق وفيما سيأتي بصيرة لأهل البصائر، ورَدٌّ على المُعطِّلة والمُؤوِّلة والمُحرِّفة صفة العلو لله عز وجل، وهي ثابتة بالكتاب والسُّنة والإجماع، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
• تنبيه: أما قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] فمؤول بالعلم لأمور ثلاثة:
1 -
سياق الآية.
2 -
وختامها في العلم.
3 -
الإجماع.
وأما قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 84] فإله: أي: معبود.
المَلِك المالك المليك عز وجل
• قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]
(1)
جَمَع بين اسمَي الملك والمالك.
وأما المليك، ففي قوله تعالى:{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55].
• قال البخاري في «صحيحه» رقم (6205) وفي «الأدب المفرد» (817): حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَخْنَى الأَسْمَاءِ
(2)
يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ - رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلَاكِ».
وتابع شُعيبًا ابن أبي الزناد، وهو عبد الرحمن - وهو ضعيف - أخرجه ابن
(1)
في «المبسوط في القراءات العشر» (ص: 86): قرأ أبو جعفر ونافع وابن كَثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة: {مَلِكِ} بغير ألف. وقرأ عاصم والكِسائي ويعقوب وأبو حاتم وخَلَف: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بالألف. ولم يختلفوا في كسر الكاف واللام.
(2)
قال الخطابي في «أعلام الحديث» (3/ 2216 (: قوله: «أخنى الأسماء» إن كان محفوظا، فمعناه أفحش الأسماء وأقبحها من الخنا وهو الفحش.
وأما أخنع، فمعناه أوضعها لصاحبه وأذلها له عند الله. يقال: خنع الرجل خنوعا، إذا تواضع وذل.
وهب في «جامعه» (65).
وتابعهما سفيان بن عُيينة في رواية سبعة عنه، وخالفهم أبو بكر بن أبي شيبة، فزاد:«لا مالك إلا الله» أخرجه مسلم (2143) والبيهقي.
ورواه محمد بن رافع، كما عند مسلم (2143): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
…
فَذَكَرَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ - رَجُلٍ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ، لَا مَلِكَ إِلَّا اللهُ» .
وتابع محمدَ بن رافع الإمام أحمد، كما في «مسنده» (8176).
• وخالفهما اثنان:
1 -
إسحاق بن نصر، كما عند البخاري (4073) بلفظ:«اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ - يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ - اشْتَدَّ غَضَبُ الله عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
2 -
أحمد بن يوسف السُّلَمي، أخرجه أبو عَوَانة في «مستخرجه» (6870).
• ورواه جماعة عن عوف - هو ابن أبي الجميلة - عن خِلَاس - هو ابن عمرو - عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، على ثلاثة أنحاء:
الأول: بلفظ: «لَا مَلِكَ إِلَّا اللَّهُ» أخرجه إسحاق في «مسنده» رقم (501): أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، نَا عَوْفٌ، عَنْ خِلَاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ، لَا مَلِكَ إِلَّا اللَّهُ» .
وتابع النضرَ هَوْذة بن خليفة، أخرجه أبو عَوَانة في «مستخرجه» (6870)
وهذا إسناده صحيح.
الثاني: بلفظ: «لَا مُلْكَ إِلَّا لِلَّهِ عز وجل» أخرجه أحمد (10384) عن رَوْح - هو ابن عُبَادة - عن عوف، به.
الثالث: محمد بن جعفر، أخرجه أحمد (10384):«اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عز وجل عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ نَبِيُّهُ» .
• ورواه محمد بن سيرين عن أبي هريرة بسبب ورود الحديث، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (4365): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِلْآخَرِ: يَا شَاهَانْ شَاهْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُ مَلِكُ الْمُلُوكِ» .
وفي سنده أبو مالك النَّخَعي، تَفرَّد به، وهو متروك.
• الخلاصة: أن الخبر دون سبب الورود صحيح، وبه ثلاثة ألفاظ:
1 -
«لا مَلِك إلا الله» إسنادها صحيح.
2 -
«لا مالك إلا الله» شذ بها ابن أبي شيبة عن سائر الرواة، مع صحة إسنادها ومعناها، وقد يُجْمَع بينها وبين الرواية السابقة من حيث الكتابة، فربما كتبت بالألف الخنجرية، كقراءتَي (مالك) و (مَلِك) من سورة الفاتحة.
3 -
«لَا مُلْكَ إِلَّا لِلَّهِ عز وجل» ربما تكون رويت بالمعنى أو تصحفت.
وكَتَب شيخنا معي، بتاريخ الثلاثاء (27 صفر 1443 هـ) الموافق (5/ 10/ 2021 م) عن رواية ابن أبي شيبة: شاذة من هذا الوجه، ولمعناها شواهد.
وكَتَب عن رواية محمد بن رافع والإمام أحمد: صحيح بلا ريب من هذا الوجه.
وقال عن رواية رَوْح: شاذة أو تصحيف.
السلام عز وجل
-
• ورد اسم السلام عز وجل في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23].
• وجاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم:
1 -
في تشهد الصلاة؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ، قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»
(1)
.
2 -
وفي ختام الصلاة فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه
(2)
، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: «اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ،
(1)
أخرجه البخاري (835) ومسلم (402).
(2)
هو ثوبان بن بجدد القرشى الهاشمى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم سُبِيَ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْتَقَهُ، فَلَزِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَصَحِبَهُ، وَحَفِظَ عَنْهُ كَثِيْراً مِنَ العِلْمِ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ. توفي سنة أربع وخمسين بحمص.
تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: " كَيْفَ الْاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ "
(1)
.
• أقوال العلماء في شرح اسم الله السلام:
• قال ابن القيم (ت/ 751): فإطلاق السلام على الله تعالى لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص
فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله.
وسلام في صفاته من كل عيب ونقص.
(1)
إسناده صحيح: رواه جمهور الرواة - أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج كما عند أحمد (22365)، عبد الله بن المبارك كما عند أحمد (22408) والدارمي (1388)، وبشر بن بكر وعمرو بن أبي سلمة أخرجه ابن خزيمة (737) الأول موصولا والثاني معلقا، يحيى بن عبد الله البابلتي أخرجه الطبراني في ((الدعاء)) (649) - عن الأوزاعي عن أبي عمار شداد عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان بلفظ:((إذا أراد أن ينصرف)) خلافا للوليد بن مسلم كما عند مسلم (591) بلفظ: ((إذا انصرف)) كما هنا.
وخالفهم جميعا عمرو هاشم البيروتي وزاد: ((إذا أراد أن يسلم من الصلاة)) أخرجه ابن خزيمة (737) وقال: وَإِنْ كَانَ عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ لَمْ يَغْلَطْ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ - أَعْنِي قَوْلَهُ: قَبْلَ السَّلَامِ - فَإِنَّ هَذَا الْبَابَ يُرَدُّ إِلَى الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ.
والخلاصة: أن زيادة عمرو بن هاشم منكرة؛ لأن أبا حاتم قال فيه: كان قليل الحديث ليس بذاك كان صغيرا حين كتب عن الأوزاعي.
وكتب شيخنا معي بتاريخ 16 جمادى الأولى 1443 هـ موافق 20/ 2/ 2021 م: يرجاء هذا البحث للتدقيق لأننا ما علمنا أحدًا قال إن هذا الذكر قبل السلام.
تنبيه: قال البيهقي في «الدعوات الكبير» (1/ 180): وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَزَادَ فِيهِ: وَإِلَيْكَ السَّلَامُ.
وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار.
فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه ونزهه به رسوله فهو السلام من الصاحبة والولد والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل.
والسلام من الشريك ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها فحياته سلام من الموت ومن السِّنَة والنوم وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقا وعدلا وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني عن كل ما سواه وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه وإلاهيته سلام من مشارك له فيها بل هو الله الذي لا إله إلا هو وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذلك أو مصانعة كما يكون من غيره بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلما أو تشفيا أو غلظة أو قسوة بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه علي إحسانه وثوابه ونعمه بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضا لحكمته ولعزته فوضعه العقوبة
موضعها هو من عدله وحكمته وعزته فهو سلام مما يتوهم أعداؤه والجاهلون به من خلاف حكمته
وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة وشرعه ودينه سلام من التناقض والإختلاف والإضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته بل شرعه كله حكمة ورحمة ومصلحة وعدل وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطى ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق بل عطاؤه إحسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من أن يكون محتاجا إلى ما يحمله أو يستوي عليه بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه فهو الغنى عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجه ما ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه وسلام مما يضاد غناه وكماله سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصورا في شيء تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذلك كما يوالي المخلوق المخلوق بل هي موالاة رحمة وخير وإحسان وبر كما قال: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي
الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: 111] فلم ينف أن يكون له ولي مطلقا بل نفي أن يكون له ولي من الذل وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له أو انتفاع بقربه وسلام مما يتقوله المعطلون فيها وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل فتأمل كيف تضمن اسمه السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى وكم ممن حفظ هذا الإسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان المسئول أن يوفق للتعليق على الأسماء الحسنى على هذا النمط إنه قريب مجيب
(1)
.
• وقال ابن منده (ت/ 395): مَعْنَى السَّلَامِ أَنَّ ذَاتَ اللَّهِ عز وجل خَلَصَتْ بِانْفِرَادِ الْوَحْدَانِيَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَبَانَتْ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَخْلَصَتْ بِهِ الْقُلُوبُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ عز وجل وَسَلِمَتْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89]
(2)
.
• وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ (ت/ 388): وَقِيلَ السَّلَامُ هُوَ الَّذِي سَلَّمَ الْخَلْقَ مِنْ ظُلْمِهِ وَمِنْهَا «الْغَنِيُّ» قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38]
(3)
.
• كيفية التعبد باسم الله السلام:
أولا: ننزه الله سبحانه وتعالى عن كل عيب ونقص قال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}
(1)
«بدائع الفوائد» (2/ 605).
(2)
«التوحيد» (2/ 68).
(3)
كما «الأسماء والصفات» (1/ 102).
[الإسراء: 111] وقال جل ذكره: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
(1)
.
ثالثا: بإفشاء السلام عند اللقاء والانصراف وفي الهواتف وفي المقاطع الدعوية فهو أمان لسامعه مطمئن له وهو تحية الملائكة لنبي الله آدم وتحية ذريته من بعده ومؤلف للقلوب فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»
(2)
.
(1)
أخرجه مسلم (2577).
(2)
أخرجه مسلم (54) من طريق لأبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه به مرفوعا.
وورد من مخرج متسع بسند فيه بشر بن رافع ضعيف ويزداد ضعفه في روايته عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (20117)، والعقيلي في «الضعفاء» (1/ 140) والطبراني في «الأوسط» (3008) وفيه:«إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ» .
رابعًا: الارتقاء في دار السلام بسلامة القلب وزيادة الإيمان والمسابقة في الخيرات والسلامة من الشرك والكبائر والمعاصي.
المؤمن عز وجل
-
• ورد اسم الله المؤمن عز وجل مقترنا بالسلام ففي ختام سورة الحشر قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23]
• أقوال العلماء:
• قال ابن منده (ت/ 395): قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: مَعْنَى الْمُؤْمِنِ الْمُصَدِّقُ الصَّادِقِينَ، دَعَا خَلْقَهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَقِيلَ: الَّذِي يَمْلِكُ أَمَانَ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيُقَالُ: الْمُوَحِّدُ نَفْسَهُ يَقُولُ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّصْدِيقُ وَالْعَبْدُ مُؤْمِنٌ بِهِ مُصَدِّقٌ وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلْعَبْدِ
(1)
.
• قال الزجاجي (ت/ 669): المؤمن في صفات الله عز وجل على وجهين:
أحدهما أن يكون من الأمان أي: يؤمن عباده المؤمنين من بأسه وعذابه فيأمنون ذلك كما تقول: «آمن فلان فلانًا» أي: أعطاه أمانًا ليسكن إليه ويأمن. فكذلك أيضًا يقال: «الله المؤمن» أي: يؤمن عباده المؤمنين فلا يأمن إلا من آمنه.
(1)
«التوحيد» (2/ 68).
والوجه الآخر: أن يكون المؤمن من الإيمان وهو التصديق فيكون ذلك على ضربين:
أحدهما: أن يقال: «الله المؤمن» أي مصدق عباده المؤمنين أي يصدقهم على إيمانهم فيكون تصديقه إياهم قبول صدقهم وإيمانهم وإثابتهم عليه.
والآخر: أن يكون الله المؤمن أي: مصدق ما وعده عباده كما يقال: «صدق فلان في قوله وصدق» إذا كرر وبالغ، يكون بمنزلة ضرب وضرب، فالله عز وجل مصدق ما وعد به عباده ومحققه. فهذه ثلاثة أوجه في المؤمن سائغ إضافتها إلى الله
(1)
.
• قال السعدي: المؤمن الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وبكمال الجلال والجمال، الذي أرسل رسله وأنزل كتبه بالآيات، والبراهين وصدق رسله بكل آية وبرهان، يدل على صدقهم وصحة ما جاؤا به
(2)
.
• كيفية التعبد بهذا الاسم:
أولا: لا إيمان ولا أَمْنَ إلا بالله، فمن الأول قوله تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7].
ومن الثاني قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4] " وقوله جل ذكره: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا
جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67] وقوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112]
فاللهم جدد الإيمان في قلوبنا وأمنا في أوطاننا.
ثانيا: وسمى بعض عباده بالمؤمن، فقال:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} فسبحان من فاضل بين عباده في درجات الإيمان وزياداته فاللهم جدد لنا إيماننا.
الخالق الخَلَّاق عز وجل
-
• جاء اسم الخالق عز وجل ضمن عدد من الأسماء في ختام سورة الحشر، قال تعالى:{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 24]{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] وثَم آيات أُخَر
(1)
.
(1)
جاء اسم (الخالق) عز وجل في سياقات متعددة، منها التعريف به تعالى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام: 102]{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [غافر: 62]{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62]{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16].
ومنها باسم الفاعل في قصة خلق آدم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 28]{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} [ص: 71].
ومنها في التذكير بالنعم {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3].
• وأما (الخَلَّاق) عز وجل، فجاء ذكره في موطنين:
أ - في الرد على منكري البعث، وأن خَلْق الله للمخلوقات التي هي أعظم منا برهان على إعادة بعثنا:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 81، 82].
ب - وفي سياق مواساته صلى الله عليه وسلم ضد أهل مكة وإكرامه بأُم القرآن، في ختام سورة الحِجْر، قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [الحجر: 86].
• التعبد باسمَي الله (الخالق)(الخَلَّاق):
أولًا - نسبة الفضل والخلق كله لله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62]{قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16]{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3].
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور:
35 -
37] قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ
…
»
(1)
.
وفي سؤال الأعرابي: فمَن خَلَق السماء ونَصَب الجبال
(2)
.
(1)
صحيح دون «كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ» فأسانيده ضعيفة:
رواه محمد بن جُبير بن مطعم عن أبيه. وعنه اثنان:
1 -
ابن شهاب الزُّهْري. وعنه ثلاثة:
أ - الإمام مالك بلفظ: «قرأ في المغرب بالطور» أخرجه البخاري (765) ومسلم (463).
ب - سفيان بن عيينة. حَدَّثُونِي عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، س قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ.
قَالَ سُفيَانُ: فَأَمَّا أَنَا فَإِنَّمَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ. لَمْ أَسْمَعْهُ زَادَ الَّذِي قَالُوا لِي. أخرجه البخاري (485) عن الحُميدي.
وخالف الحُميديَّ محمدُ بن الصباح فقال: عن سفيان. ووصل الزيادة. أخرجه ابن ماجه (832).
وعلة هذا الطريق أَفْصَحَ عنها ابن عيينة كما سبق، وهو موسوم بالتدليس.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكببير» (1141) من طريق إبراهيم بن محمد بن جُبير عن أبيه، به، لكنَّ محمدًا مجهول.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه أحمد (13011) ومسلم (12) وغيرهما، من طرق عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس، به. بلفظي: الحج
…
ورجل من أهل البادية.
وقال الدارقطني في «علله» (12/ 27): خالفه حماد بن سلمة، فرواه عن ثابت مرسلًا، وحماد بن سلمة أَثْبَتُ الناس في حديث ثابت.
وأخرجه البخاري (63) وأحمد (12719) وابن ماجه (1402) من طرق عن الليث بن سعد عن سعيد المَقبُري عن شَريك بن عبد الله بن أبي نَمِر عن أنس، به وفيه تفسير الرجل من البادية بضِمَام بن ثعلبة، ولم يَذكر «الحج» .
وذَكَر ابن أبي حاتم في «علله» (475) طريقين عن المقبري، وقال عن طريق المقبري عن شريك: هو الأشبه.
ثانيًا - التفكر في بديع خلق الله وحُسنه وإتقانه وجماله:
وقال تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88]
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7]
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [الحجر: 16، 17].
• والثمرة من ذلك زيادة الإيمان ورسوخ اليقين، والاجتهاد في تجويد العمل وإتقانه.
ثالثًا - الاستدلال بالخلق على الخالق، كما في قصص خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، قال تعالى:{فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
[الأنعام: 78، 79].
• والاستدلال بالخلق الأول على البعث والنشور والقيام لرب العالمين، قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ
الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 78 - 81]
• والمتأمل في سياقات الخَلْق ومشتقاته يَرى قدرة الله وعظمته وحكمته وإتقانه.
• تنزيه الله عن العبث في خلقه، بل الإتقان والحكمة البالغة:
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115، 116]
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
• الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية أو العكس
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام: 102].
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [غافر: 62].
{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62].
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»
(1)
.
• انتَبِه: خَلَق الله العظائم كالعرش والجنة والنار والسموات والأرَضين، وتَحدَّى بالصغائر كالذباب والبعوض، فسبحان الخَلَّاق العظيم.
(1)
أخرجه البخاري (4477).
البارئ عز وجل
-
• قال الله جل ذكره في ختام سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 24].
وقال تعالى في سياق توبة بني إسرائيل: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 54].
• كيفية التعبد باسم الله البارئ عز وجل:
1 -
يقف العبد متفكرًا في أثر أسماء الله الحسنى في خلقه وخَلْق ذريته، وما أنعم الله عليه من نعم التقدير والخلق والبرء وحُسن الخلق والتصوير، فحقًّا دعوة لتعظيم الله عز وجل.
2 -
التسمي بعبد البارئ.
• الفارق بين اسمي الله عز وجل الخالق الخلاق، والبارئ المصور عز وجل.
أولًا - الخالق: المبدع فاطر المخلوقات على غير مثال سابق.
والخَلْق في كلام العرب: ابتداع الشيء على مِثال لم يُسبَق إليه: وَكل شيء
خَلَقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سُبق إليه: ألا له الخَلْق والأَمْر
(1)
.
وأما الخَلَّاق، فكرَزَّاق، صيغة مبالغة تدل على كثرة الخَلْق، فكم في اللحظة الواحدة من المليارات التي يخلقها الله عز وجل وتأمل قوله تعالى:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 19، 20][فاطر: 16، 17].
• قال الأزهري: وَمِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْخَالِقُ والخلَّاقُ، وَلَا تَجُوزُ هَذِهِ الصِّفَةُ بالأَلف وَاللَّامِ لِغَيْرِ اللَّهِ عز وجل، وَهُوَ الَّذِي أَوْجَدَ الأَشْيَاءَ جَمِيعَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً
(2)
.
ثانيًا - هل بين البارئ والخالق فارق؟ قولان:
1 -
بمعنى واحد، قال البخاري:«فَاطِرٌ وَالبَدِيعُ وَالمُبْدِعُ وَالبَارِئُ وَالخَالِقُ وَاحِدٌ»
(3)
.
• وقال الخَطَّابي: البَارئُ: هُوَ الخَالِقُ، يُقَالُ مِنْهُ: بَرَأَ اللهُ الخَلْقَ يَبْرَؤُهُمْ. وَالبَرِيَّةُ: الخَلْقُ - فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ - إِلَّا أَنْ لِهَذهِ اللَّفْظَةِ مِنَ الاخْتِصَاصِ بالحَيَوَانِ مَا لَيْسَ لَهَا بِغَيْرِهِ مِنَ الخَلْقِ، وَقَلَّما يُسْتَعْمَلُ فِي خَلْقِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ، فَيُقالُ: بَرَأَ اللهُ السَّمَاءَ، كَمَا يُقَالُ: بَرأَ اللهُ النَّسَمَةَ
(4)
.
(1)
«لسان العرب» (10/ 85).
(2)
«لسان العرب» (10/ 85).
(3)
في «صحيحه» عقب رقم (6990).
(4)
«شأن الدعاء» (1/ 50).
2 -
(الخالق) أعم من (البارئ): قال الزَّجَّاج: البَرْء خَلْق على صفة، فكل مبروء مَخْلُوق، وَلَيْسَ كل مَخْلُوق مبروءًا، وَذَلِكَ لِأَن الْبُرْء من تبرئة الشَّيء من الشَّيء، من قَوْلهم: برأتُ من الْمَرَض وبرئتُ من الدَّين، أَبْرَأ مِنْهُ. فبعض الخلق إذا فصل من بعض سُمي فاعله بارئًا. وَفِي الْأَيْمَان: لَا وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة.
وَقَالَ أَبُو عَليّ: هُوَ الْمَعْنى الَّذِي بِهِ انفصلت الصُّور بَعْضهَا من بعض، فصورة زيد مُفَارِقَة لصورة عَمْرو، وَصُورَة حمَار مُفَارقَة لصورة فرس، فَتَبَارَكَ الله خَالِقًا وبارئًا
(1)
.
• وقد يُحمَل البَرء على نقل الخَلْق وفصله من مرحلة سابقة إلى نفخ الرُّوح؛ لأَثَر علي رضي الله عنه.
فعنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ
(2)
، مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا
(1)
«تفسير أسماء الله» (ص: 37) للزَّجَّاج.
(2)
أي: الرُّوح. ويؤيده ما أخرجه مالك في «الموطأ» (49) والنَّسَائي (15778) وابن ماجه (4271) وأحمد (15778): عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» .
وتابع مالكًا يونسُ بن يزيد.
أخرجه أحمد (15780)، والليث بن سعد في الموصول عنه، أخرجه ابن حِبان (4657)، ومَعْمَر، أخرجه أحمد (15776) وفي وجه عن عمرو بن دينار كرواية الجماعة عن الزُّهْري، أخرجه الحُميدي (897) وفي وجه عن شُعيب بن أبي حمزة، أخرجه أحمد (15787) وأبو أويس في وجه، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (121).
وخالفهم صالح - هو ابن كَيْسَان - فقال: عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، أنه بلغه أن كعب بن مالك قال. أخرجه أحمد (15777).
وخالفهم زَمْعة بن صالح - وهو ضعيف - فأرسله. أخرجه الطيالسي (1031).
أورد البخاري في «التاريخ الكبير» خلافًا على بعض الرواة، وخَتَمه برواية الليث عن عُقيل عن الزُّهْري عن ابن لكعب مرسلًا.
والخلاصة: أن الأصح فيما سبق رواية مالك ومَن تابعه وإسناده صحيح.
يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي القُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ»، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»
(1)
.
• وقد قال ابن كَثير في «تفسيره» (4/ 413): الخَلْق: التقدير، والبَرْء هو الفَرْي، وهو التنفيذ وإبراز ما قَدَّره وقرره إلى الوجود، وليس كل مَنْ قَدَّر شيئًا ورتبه يَقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل.
قال الشاعرُ يمدح آخَر:
ولأنت تَفري ما خلقتَ وبعـ
…
ـض القوم يَخلق ثم لا يفري
أي: أنت تُنفِّذ ما خلقتَ، أي قدرتَ، بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع ما يريد، فالخلق: التقدير، والفري: التنفيذ. ومنه يقال: قدر الجلاد ثم فرى، أي: قطع على ما قدره بحَسَب ما يريده.
• تنبيه: اختار شيخنا معي هذا الرأي بتاريخ 4 جمادى 1443 موافق 8/ 12/ 2021 م وكتب على قول الزجاج السابق: تكرما
(1)
أخرجه البخاري (3047) ومسلم (78) مختصرًا.
وتفضلا تولي أقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين اهتمامًا أكبر قبل علماء اللغة.
3 -
إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
المُصوِّر عز وجل
-
• قال الله جل ذكره في ختام سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 24].
•وجاء من فعله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6].
• {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: 64][التغابن: 3].
• قال الخَطَّابي: المُصوِّر: هو الذي أنشأ خَلْقه على صُوَر مُختلِفة ليتعارفوا بها، فقال الله تعالى:{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: 64].
وقال [تعالى]: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار 6، 7]. ومعنى التصور: التخطيط والتشكيل
(1)
.
• فائدة: في دلالة اقتران الأسماء الثلاثة الخالق الباريء المصور عز وجل.
(1)
«شأن الدعاء» (1/ 51) للخَطَّابي.
• قال ابن القيم في «شفاء العليل» (ص: 121): وهذه الأسماء الثلاثة نظير الأسماء الثلاثة، وهي الخالق البارئ المصور، فالجبار المتكبر يجريان مَجرى التفصيل لمعنى اسم العزيز، كما أن البارئ المصور تفصيل لمعنى اسم الخالق.
• وقال الشنقيطي في «أضواء البيان» (8/ 77): في نهاية هذا السياق يقف المؤمن وقفة إجلال وتعظيم لله!
فـ (الخالق) هو المُقدِّر قبل الإيجاد.
و (البارئ): الموجد من العدم على مقتضى الخلق والتقدير، وليس كل مَنْ قَدَّر شيئا أوجده إلا الله.
و (المصور) المشكل لكل موجود على الصورة التي أوجده عليها، ولم يُفرِد كل فرد من موجوداته على صورة تختص به إلا الله سبحانه وتعالى، كما هو موجود في خلق الله للإنسان والحيوان والنبات، كل في صورة تخصه.
وبالرجوع مرة أخرى إلى أول السياق، فإن الخلق والتقدير لابد أن يكون بموجب العلم، سواء كان في الحاضر المُشاهَد أو للمستقبل الغائب، وهذا لا يكون إلا لله وحده عالم الغيب والشهادة، فكان تقديره بموجب علمه. والملك القدوس القادر على التصرف في ملكه يوجد ما يقدره.
• التعبد باسم الله المصور عز وجل:
أولًا: بالتفكر في ألوان خلق الله واختلاف صورهم، وأن لا يُعجَب الإنسان بجمال صورته على غيره، قال تعالى مذكرًا عبده بسابق إحسانه إليه:{يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)} [الانفطار: 6 - 8].
ثانيًا: اللجأ إلى الله في تحسين صور نسلك وعقبك وأحفادك، فالله على كل شيء قدير ولا يَثقُله شيء.
ثالثا: معرفة حكم التماثيل
(1)
والتصاوير
• أما صنع التماثيل فكان جائزًا في شرع نبي الله سليمان عليه السلام:
1 -
قال تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13]
• عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13] قَالَ: «مِنْ نُحَاسٍ»
(2)
.
• وعَنْ قَتَادَةَ {وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13] قَالَ: «مِنْ زجاجٍ وَشَبَهِ»
(3)
.
• عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13] قَالَ: «الصُوَرُ»
(4)
.
• قال القرطبي: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ اسْتَجَازَ الصُّوَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا؟ قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ وَنُسِخَ ذَلِكَ بِشَرْعِنَا كَمَا بَيَّنَّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(5)
.
(1)
في «فتح الباري» (1/ 531) لابن حجر: التَّمَاثِيلِ هُوَ جَمْعُ تِمْثَالٍ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ بَيْنَهُمَا مِيمٌ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّورَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ فَالصُّورَةُ أَعَمُّ.
(2)
إسناده ضعيف: أخرجه الطبري في «تفسيره» (19/ 231) من طريق ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ به.
(3)
إسناده حسن: أخرجه الطبري في «تفسيره» (19/ 231) حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ به.
(4)
ضعيف جدًّا: أخرجه الطبري في «تفسيره» (19/ 231) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ به. وجويبر هو ابن سعيد متروك.
(5)
«تفسير القرطبي» (14/ 273) وانظر: «فتح الباري» (10/ 382) لابن حجر.
2 -
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ، وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«حَوِّلِي هَذَا، فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا»
(1)
.
• قال النووي: هذا محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل ويراه ولا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة
(2)
.
3 -
عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ» قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ، رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: «إِلَّا رَقْمًا
(3)
فِي ثَوْبٍ»
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (2107).
(2)
«شرح النووي على مسلم» (14/ 87) وانظر: «آداب الزفاف» (ص: 113).
(3)
قال ابن حجر في «فتح الباري» (10/ 390): قَالَ النَّوَوِيُّ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاسْتِثْنَاءِ الرَّقْمِ فِي الثَّوْبِ مَا كَانَتِ الصُّورَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ كَصُورَةِ الشَّجَرِ وَنَحْوِهَا اه وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (2/ 123): «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تمثال» وفيه أنه قال: إلا رقما في ثوب فهذا إن صح رفعه كان مخصصا لما رقم في الأثواب من التماثيل.
قال ابن عثيمين في «شرح رياض الصالحين» (6/ 178): قال بعض العلماء: إنه لا بأس به إذا كان ملونا واستدلوا بحديث زيد بن خالد وفيه: «إلا رقما في ثوب» قالوا: هذا يدل على أن هذا مستثنى فيدل على أن المحرم ما له روح فقط، ولكن الراجح الذي عليه جمهور العلماء أنه لا فرق بين المجسم وبين الملون الذي يكون بالرقم كله =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
محرم؛ لأن الذي يرقم باليد صورة يحاول أن يكون مبدعا مشابها لخلق الله عز وجل فيدخل في العموم.
(4)
أخرجه البخاري (5958)، ومسلم (2106).
وأخرجه الترمذي (1750) وغيره من طريق أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ يَعُودُهُ، قَالَ: فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ، قَالَ: فَدَعَا أَبُو طَلْحَةَ إِنْسَانًا يَنْزِعُ نَمَطًا تَحْتَهُ، فَقَالَ لَهُ سَهْلٌ: لِمَ تَنْزِعُهُ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ فِيهِ تَصَاوِيرَ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا قَدْ عَلِمْتَ، قَالَ سَهْلٌ: أَوَلَمْ يَقُلْ «إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ» ، فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِي.
وخالفه ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» . أخرجه البخاري (4002) ومسلم (2106). فلم يذكر «رقما في ثوب» .
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(8/ 483): مضعفًا سند أبي النضر مع إن ظاهره الصحة: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَلَا أَبَا طَلْحَةَ وَلَا حُفِظَ لَهُ عَنْهُمَا وَلَا عَنْ أَحَدِهِمَا سَمَاعٌ وَلَا لَهُ سِنٌّ يدركها بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَلَا خِلَافَ أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ بَعْدَ شُهُودِ صِفِّينَ وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَكَبَّرَ عَلَيْهِ سِتًّا وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ بِالْبَدْرِيِّينَ
وَأَمَّا أَبُو طَلْحَةَ فَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وَفَاتِهِ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا فَقِيلَ توفي سنة أربع وثلاثين في خِلَافَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه.
ثم قال: والصَّحِيحُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ بَيْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَبَيْنَ أَبِي طَلْحَةَ وَسَهْلِ بن حنيف فيه بن عباس
كذا رواه الزهري من رواية بن أبي ذئب وغيره.
• وأما التماثيل والتصاوير فقد حرمت في شريعتنا:
1 -
شدة عذاب الآخرة فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَفِي البَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ»
(1)
.
2 -
عدم دخول الملائكة البيت عن أَبَي طَلْحَةَ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ»
(2)
.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: وَاعَدَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ عليه السلام فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصًا، فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ:«مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلُهُ» ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ:«يَا عَائِشَةُ، مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَاهُنَا؟» فَقَالَتْ: وَاللهِ، مَا دَرَيْتُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ» ، فَقَالَ:«مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ، إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ»
(3)
.
3 -
الحفاظ على توحيد الربوبية من المشابهة بخلق الله قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6] وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى
(1)
أخرجه البخاري (6109).
(2)
أخرجه البخاري (4002)، ومسلم (2106).
(3)
أخرجه مسلم (2104).
سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَتَكَهُ وَقَالَ:«أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ
(1)
.
4 -
سد ذريعة الغلو في الصالحين قال تعالى عن قوم نوح: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23] وعن عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»
(2)
.
• الشاهد: قوله: «وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةِ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ» فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي ذَلِكَ الشَّرْعِ مَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ شَرُّ الْخَلْقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ صُوَرِ الْحَيَوَانِ فِعْلٌ مُحْدَثٌ أَحْدَثَهُ عُبَّادُ الصُّوَرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(3)
.
وعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ، الشَّامَ صَنَعَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ النَّصَارَى طَعَامًا وَدَعَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ:«إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا» - يَعْنِي التَّمَاثِيلَ -
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (5954).
(2)
أخرجه البخاري (3225) ومسلم (528).
(3)
في «فتح الباري» (10/ 382) لابن حجر.
(4)
صحيح: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» () وعلقه البخاري.
5 -
حب الدنيا وانشغال القلب عن الطاعة فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ، وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«حَوِّلِي هَذَا، فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا»
(1)
.
• مذاهب العلماء:
• قال النووي: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى وسواء ما كان فى ثوب أو بساط أودرهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها.
وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نفس التصوير وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فإن كان معلقا على حائط أو ثوبا ملبوسا أو عمامة ونحوذلك مما لايعد ممتهنا فهو حرام وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت فيه كلام نذكره قريبا إن شاء الله ولافرق فى هذا كله بين ماله ظل ومالاظل له هذا تلخيص مذهبنا في المسألة وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
(2)
.
• قال ابن العربي: حاصل ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع وإن كانت رقما فأربعة أقوال: الأول: يجوز مطلقا على ظاهر قوله في حديث الباب إلا رقما في ثوب.
الثاني: المنع مطلقا حتى الرقم.
الثالث: إن كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم وإن قطعت الرأس أو تفرقت الأجزاء جاز قال وهذا هو الأصح.
الرابع: إن كان مما يمتهن جاز وإن كان معلقا لم يجز
(1)
.
• وثمَّ مستثنيات من التصوير:
1 -
تصوير الأشجار والأنهار والجبال عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الحَسَنِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا» فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ
(2)
.
2 -
اللعبة من العهن فعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ» ، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ
(1)
«فتح الباري» (10/ 391).
(2)
أخرجه البخاري (2225)، ومسلم (2110).
مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ
(1)
.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ
(2)
يَلْعَبْنَ مَعِي، «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ
(3)
مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي»
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (1960)، ومسلم (1136).
(2)
صواحب جمع صاحبة؛ لأن وزن فاعله يجمع جمع تكسير على فواعل قياسًا سواءٌ أكان علَمًا كفاطمة وفواطم وفاختة وفواخت أم كان وصفًا كما هنا ومثل ذلك كافرة وكوافر قال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وحاجة وحواجّ وصافة وصواف قال تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36]
وأما فاعل فإن كان لغير عاقل جمع هذا الجمع كفرس صاهلٍ وخيل صواهل وحمار ناهق وكلاب نابح.
وإن كان فاعلًا وصفًا لمؤنث عاقل جمع أيضًا هذا الجمع كنساء حوائض وحوامل وطوالق.
وإن كان مذكرًا لعاقل فقليلًا ما يجمع هذا الجمع وذلك كفارس وفوارس وناكس ونواكس ولا يجوز جمع فواعلَ جمع تكسير لأنه صيغة منتهى الجموع وهي أقصى الجمع وإنما يجوز جمع تصحيح فنقول: نواكسون وحوائضات وهكذا.
(3)
أي يتغيبن. يقال للإنسان: قد انقمع وقمع، إذا دخل في الشيء أو دخل بعضه في بعض، قال الأصمعي: ومنه سمي القمع الذي يصب فيه الدهن وغيره؛ لأنه يدخل في الإناء. انظر: «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (28/ 509).
(4)
أخرجه البخاري (6130)، ومسلم (2440).
• ما يمتهن كالمفارش والسجاجيد
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّهَا كَانَتِ اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ
(1)
لَهَا سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَاتَّخَذَتْ مِنْهُ نُمْرُقَتَيْنِ، فَكَانَتَا فِي البَيْتِ يَجْلِسُ عَلَيْهِمَا»
(2)
3 -
التصوير لأجراء المعاملات الرسمية كالبطاقات والجوزات وغيرهما للضرورة قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]
4 -
بعض أهل العلم جوز تصوير مجالس العلم وخطب الجمعة لنفعها وتقليلًا للفساد وقد قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].
• فائدة: صح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: الصُّورَةُ الرَّأْسُ فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلَيْسَ بِصُورَةٍ
(3)
.
(1)
بفتح سين مهملة وسكون هاء كوة بين الدارين ذكره في شرح السنة، وفي الفائق هي كالصفة تكون بين يدي البيت، وقيل: هي بيت صغير منحدر في الأرض وسمكه مرتفع منها شبيه بالخزانة، يكون فيها المتاع، وقيل: شبيهة بالرف أو الطاق يوضع فيه الشيء كأنها سميت بذلك، لأنها يسهى عنها لصغرها وخفائها. انظر:«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (7/ 2851).
(2)
أخرجه البخاري (2479).
(3)
رواه عكرمة واختلف عليه:
1 -
رواه عنه مقطوعًا أيوب السختياني وعنه ابن عليه أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (25808) بلفظ: إِنَّمَا الصُّورَةُ الرَّأْسُ، فَإِذَا قُطِعَ فَلَا بَأْسَ. وإسناده صحيح.
2 -
وخالف ابن المديني عدي بنُ الفضل فأسنده عن ابن عباس مرفوعًا كما في «معجم شيوخ الإسماعيلي» (291) وعدي متروك.
3 -
خالفهما وهيب بن خالد فأوقفه أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (14580).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومرة أبدل أيوب بخالد بن مهران كما في «مسائل أحمد لأبي داود» (676).
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/ 287) من طريق حَمَّاد بْن زَيْدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«الصُّورَةُ الرَّأْسُ، فَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ رَأْسٌ، فَلَيْسَ بِصُورَةٍ» وإسناده ضعيف لإبهام الراوي عن عكرمة.
المهيمن عز وجل
-
• قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23]
وورد وصف القرآن بأنه مهيمن قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48]
• أقوال العلماء في تفسير المعنى والاسم:
1 -
بمعنى الشهيد فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ: {الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23] قَالَ: الشَّهِيدُ
(1)
. وقال قتادة: قَوْلُهُ: {الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23] قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل كِتَابًا فَشَهِدَ عَلَيْهِ
(2)
.
(1)
إسناده ضعيف: أخرجه الطبري في «تفسيره» (22/ 552) حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس به. وعلي لم يسمع من ابن عباس وأبو صالح هو عبد الله بن صالح كاتب الليث ضعيف.
(2)
إسناده حسن: أخرجه الطبري في «تفسيره» (22/ 553) حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة به.
وبنحوه رواه معمر عن قتادة: الشهيد عليه. أخرجه الطبري في «تفسيره» (22/ 553).
وكتب شيخنا معي بتاريخ 9 جمادى الأولى 1443 موافق 13/ 12/ 2021 م: صحيح عن قتادة.
2 -
بمعى الأمين فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] قَالَ: «مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ»
(1)
.
3 -
بمعنى مصدق فعن ابْن زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:{الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23] قَالَ: الْمُصَدِّقُ لِكُلِّ مَا حَدَّثَ، وَقَرَأَ:{وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] قَالَ: فَالْقُرْآنُ مُصَدِّقٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، وَاللَّهُ مُصَدَّقٌ فِي كُلِّ مَا حَدَّثَ عَمَّا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا بَقِيَ، وَمَا حَدَّثَ عَنِ الْآخِرَةِ
(2)
.
• قال الطبري في «تفسيره» (8/ 486): أَصْلُ الْهَيْمَنَةِ: الْحِفْظُ وَالارْتِقَابُ، يُقَالَ إِذَا رَقَبَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ وَحَفِظَهُ وَشَهِدَهُ: قَدْ هَيْمَنَ فُلَانٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ يُهَيْمِنُ هَيْمَنَةً، وَهُوَ عَلَيْهِ مُهَيْمِنٌ.
(1)
إسناده ضعيف: أخرجه الطبري وفي سنده التميمي وهو أربدة تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق السبيعي ووثقه العجلي وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال ابن حجر في «التقريب» : صدوق. وقال في «التهذيب» : راوي التفسير، عَنْ ابن عباس.
وقال ابن البرقي: مجهول، ذكره أبو العرب الصقلى حافظ القيروان فى «الضعفاء» .
وورد من سلسلة العوفيين وهي ضعيفة.
وكتب شيخنا معي بتاريخ 9 جمادى الأولى 1443 موافق 13/ 12/ 2021 م: أسانيده ضعيفة عن ابن عباس لا تصح والله أعلم.
(2)
صحيح إلى ابن زيد: أخرجه الطبري في «تفسيره» (22/ 554) حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد به. وكتب شيخنا معي بتاريخ 9 جمادى الأولى 1443 موافق 13/ 12/ 2021 م: صحيح إلى ابن زيد.
• وقال السعدي في «تفسيره» (ص: 947): «المهيمن» : المطلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علما.
• كيفية التعبد باسم الله المهيمن عز وجل:
أولا: نجمّل باطننا وظاهرنا بما يحب ربنا ويرضى فهو الرقيب وهو المهيمن وهو المسيطر وهو المحيط بكل شيء علما وهو القاهر تاقهار لكل شيء.
ثانيًا: يحملنا هذا الاسم الكريم على مراقبة أعمالنا ومشاريعنا العلمية والدعوية والتجارية بقوة كما كان نبي الله سليمان عليه السلام يتابع من يعمل عنده فهذا أعون للارتقاء والقوة في الدين والدنيا والمؤمن القوي أحب إلى الله.
ثالثًا: يحثنا أن نكون قادة وقدوة لا ذيولا وإنْ مَعَه.
الرزاق الرازق عز وجل
-
• وردت عدة صيغ لاسم الله الرازق في قوله تعالى: {وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة: 114] وقال جل ذكره: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الحج: 58].
وجاءَ الاسمُ علمًا مفردًا في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: غَلَا السِّعْرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَلَا السِّعْرُ، سَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ»
(1)
.
(1)
رواه أكثر الرواة بلفظ: (الرازق) - يونس بن محمد وسُريج بن يونس، كما عند أحمد (12591) وهُدْبة بن خالد كما عند ابن حِبان (4935) وعمرو بن عون كما عند الدارمي (2587) وإبراهيم بن الحَجاج وعبد الواحد كما عند أبي يعلى (2861، 3830) وموسى بن إسماعيل كما عند البيهقي في «الأسماء والصفات» (111) وحَجاج بن مِنهال كما عند ابن ماجه (2200) وابن منده في «التوحيد» (234) وعند الترمذي (1314) والبيهقي في «السُّنن الكبرى» (6/ 48) بلفظ: (الرزاق) وعفان بن مسلم في وجه كما عند أبي داود (3451) وفي وجه كلفظ الترمذي كما عند أحمد (14057) والبيهقي في «السُّنن الكبرى» (6/ 48) عن حماد بن سلمة عن حميد وقتادة وثابت، عن أنس رضي الله عنه بلفظ:(الرازق).
ورواية حماد بن سلمة عن قتادة فيها ضعف، وكذلك في جمعه أصحاب أنس س نظر. وذَكَر الخليلي في «الإرشاد» (1/ 416) عن بعض الحفاظ لماذا لم يُخْرِج البخاري عن حماد بن سلمة في «الصحيح»؟ لأنه جَمَع بين جماعة من أصحاب أنس فيقول: حدثنا قتادة وثابت وعبد العزيز بن صُهيب، وربما خالف في بعض ذلك.
وأَعَل الإمام أحمد خبرًا في ذلك، وهو:«إذا لم تجدوا غيرها، فارحضوها بالماء» فقال: هذا من قبيل حماد، وكان لا يقوم على مثل هذا، يَجمع الرجال ثم يجعله إسنادًا واحدًا، وهم يختلفون.
وللخبر متابعة رواها مبارك - وهو ابن فَضَالة - عن الحسن عن أنس، باسمي القابض الباسط. أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (2774) وفي سنده مبارك، يُدلِّس وقد عنعن، وهو لَيِّن كثير الخطأ.
الخلاصة: أني أختار تصحيح السند لأنه لم يَظهر لرواية العطف أثر في الاختلاف، ولم أجد مَنْ أَعَل الخبر بخصوصه.
أما شيخنا فكتَبَ معي بتاريخ (15) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (21/ 10/ 2021 م): العطف يريبنا.
الرزاق بصيغة المبالغة مرة واحدة، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]
(1)
.
• كيفية التعبد باسمي الله الرازق الرازق:
أولًا - غنى الله لا نهاية له ولا نفاد له، وخزائن كل شيء بيديه تعالى، ورِزق الخلق كلهم بيديه جل ذكره: قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6].
وقال جل ذكره: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ
(1)
في «إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر» (ص: 516 (لشهاب الدين الدمياطي: عن ابن مُحيصِن من «المبهج» من رواية البَزّيّ: (وفي السماء رازقكم) اسم فاعل.
يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3]
{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 7]
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} [ص: 9]
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 37].
•وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» وَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ» وَقَالَ: «عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى المِيزَانُ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ»
(1)
.
فهذا يملأ قلبك حسن ظن في الله وغنى بالله واستغناء عن خلقه تعالى قال تعالى عن إبراهيم؛: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 17].
وفي طلب نزول المائدة قال عيسى عليه السلام: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة: 114].
ثانيا - الشكر يُثبِّت النعمة وينميها، قال تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
ومن صور الشكر شكر نبي الله سليمان؛، لما جاء عرش ملكة بلقيس إليه: {فَلَمَّا
(1)
أخرجه البخاري (7411)، واللفظ له، ومسلم (993)، بلفظ:«يمين الله» وهو المتفق عليه.
رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]
وتأمل جواب مريم عليها السلام نبيَّ الله زكريا عليه السلام، وهي تَنسب الفضل لله:{يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].
•وتأمل قصة صاحب الحديقة!
(1)
.
ثالثًا - أمثلة وصور في الأرزاق في الدنيا والآخرة:
فهذا نبي الله يوسف عليه السلام، يَمُن الله عليه برزق الدنيا والآخرة، قال تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
(1)
أخرجه مسلم (2984).
(56)
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: 55 - 57].
وهذا نبي الله سليمان عليه السلام، مَنَّ الله عليه برزق النبوة والرسالة والمُلك والمال، بدعوة، حيث قال:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 35 - 40].
وتأمل عموم الخلق لو أن الله وَكَّل أحدًا بأرزاقهم كيف يكون حالك من الأرق والخوف؟ والأصل في البشر الإمساك والإقتار: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء: 100].
وقال الله جل ذكره: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64].
وتأمل كرم الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]
وتأمل أن يَرزقك بضعفائك، قال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31].
وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ رضي الله عنه، أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟»
(1)
.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا المُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ»
(2)
.
وسيأتي إن شاء الله فضل الله ومنه وعطاءه لأدنى أهل الجنة منزلة.
(1)
أخرجه البخاري (2896).
(2)
أخرجه الترمذي (2516).
الوهاب عز وجل
-
• ورد هذا الاسم الكريم
(1)
في دعوة نبي الله سليمان ودعاء أهل الإيمان به، قال تعالى عن نبيه سليمان؛:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] وقال جل ذكره عن أهل الإيمان: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].
• كيفية التعبد باسم الوهاب عز وجل:
أولًا - من معاني اسم الله الوهاب سَعة العطاء بالذرية وصلاحها، قال تعالى:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49، 50].
وصلاح الذرية هبة من الله، قال تعالى عن خليله إبراهيم: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ
(1)
في «اشتقاق أسماء الله» (ص 126) للزَّجَّاجي: الوهاب: الكثير الهبة والعطية، و (فَعَّال) في كلام العرب للمبالغة، فالله عز وجل وَهَّاب، يَهَبُ لعباده واحدًا بعد واحد ويعطيهم، فجاءت الصفة على (فَعَّال) لكثرة ذلك وتردده. والهبة: الإعطاء تفضلًا وابتداء من غير استحقاق، ولا مكافأة.
رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم: 49، 50].
وقال عن موسى عليه السلام: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مريم: 53].
وقال عز وجل عن نبيه داود عليه السلام: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30].
وقال جبريل لمريم عليهما السلام: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 19].
فأنت يا عبد الله هبة من الوهاب عز وجل، وأعضاؤك هبة وأولادك هبة، فأَدِّ صدقة أعضائك شكرًا للوهاب عز وجل، فإِنْ عَجَزْتَ عن إفراد كل عضو بصدقة، فعليك بركعتين من الضحى.
ثانيًا - الدعاء بهذا الاسم كما دعا نبي الله سليمان وأهل الإيمان كما سبق، وكذلك في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]. وكما في دعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: 83] وفي دعوة نبي الله زكريا عليه السلام: {قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: 38].
ثالثًا - ومن أنواع التعبد بهذا الاسم:
أ - تعبيد الأبناء والأحفاد بهذا الاسم في التسمية، فتسمي عبد الوهاب.
ب - فقه باب الهبات، وأن الله يهب ما شاء كيف شاء. أما البشر فهباتهم لا تنفك عن شرع الله حتى لا يقعوا في ظلم.
ت - شُكْر الله على هذه الهبات، قال تعالى عن نبي الله إبراهيم عليه السلام:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم: 39].
ث - لا تنشغل بالهبة عن الوهاب عز وجل، وإن ابتُليتَ فيها فاصبر؛ فأَمْر المؤمن كله له خير
(1)
.
• تنبيه: الفارق بين الرازق الرزاق
(2)
والوهاب
(3)
يتفقان في أمرين:
1 -
كلاهما عطاء وفضل من الله.
2 -
كلاهما يقعان من الخالق والمخلوق {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11] وللهبة من البشر لبعضهم باب في الفقه.
ويفترقان في كون الرزق في حق الله عامًّا، والهبة أخص لكونها وردت في أمور عظيمة لا يستطيعها البشر
(4)
كالهداية والإمامة والذرية والعطاء العظيم:
(1)
وانظر غير مأمور: «الجامع في الهبات» لأخينا عبده بن غانم، بتقديم شيخنا حفظهما الله.
(2)
في «بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز» (3/ 67): (الرازق) يقال لخالق الرِّزق ومعطيه والمُسبِّب له، وهو الله تعالى، ويقال للإِنسان الذى يصير سببًا في وصول الرّزق. و (الرزاق) لا يقال إلا لله تعالى.
(3)
في «لسان العرب» (1/ 803): وَهَبَ: فِي أَسماءِ اللَّهِ تَعَالَى: الوَهَّابُ. الهِبةُ: العَطِيَّة الخاليةُ عَنِ الأَعْوَاضِ وَالأَغْرَاضِ، فإِذا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا، وَهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ المُبَالَغَةِ.
(4)
شيخنا حفظه الله عنده تَحفُّظ على هذه الجملة السابقة. «لا يستطيعها البشر» .
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]
{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [الصافات: 100]
{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: 83].
أما في حق البشر فقد تختلف درجاتها.
الحَكَم عز وجل
-
• قال أبو داود في «سُننه» رقم (4955): حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِي ابْنَ الْمِقْدَامِ - ابْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ، أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ قَوْمِهِ، سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ؟» .
فَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ، أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا أَحْسَنَ هَذَا! فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟» قَالَ: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ. قَالَ:«فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟» قُلْتُ: شُرَيْحٌ. قَالَ: «فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» .
• الخلاصة: إسناده صحيح، وسقط (المِقدام) عند النَّسَائي، والجماعة بإثباته.
وعُرِض مرة أخرى بتاريخ الاثنين (19) صفر (1440 هـ) الموافق (29/ 10/ 2018 م) فكانت الخلاصة: رواه ثلاثة عن المِقدام عن شُريح عن أبيه هانئ به.
أ - يزيد بن المِقدام - وهو حسن الحديث - أخرجه النَّسَائي (5387).
ب - قيس بن الربيع - وهو يَصلح في الشواهد - أخرجه ابن سعد والطبراني في «المعجم الكبير» (464).
ت -
شَريك - وهو ضعيف - أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (465).
هل (المعطي) من أسمائه تعالى؟
• قال الإمام البخاري رقم (3116): حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ ظَاهِرُونَ» .
• وخالف ابنَ المبارك عبدُ الله بن وهب، أخرجه البخاري رقم (71): حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» .
وتابع سعيدَ بن عُفَيْر على لفظ: «وَاللَّهُ يُعْطِي» إسماعيلُ، كما في رقم (7312) ولفظه:«ويُعطِي الله» وتابعهما حرملة بن يحيى، كما عند مسلم (1037) ولفظه:«ويعطي الله» .
• والرواة الثلاثة عن ابن وهب أَثْبَتُ مِنْ حِبان عن المبارك، ففي ترجمة حِبان أنه روى عنه جَمْع، وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال ابن مَعِين: ليس صاحبَ حديث، ولا بأس به.
• وقد تابع ابنَ وهب متابعة قاصرة بلفظ: «ويُعطِي الله» عبدُ الوهاب بن أبي بكر، وهو ثقة، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (19/ رقم 755) وفيه عبد الله بن صالح، ضعيف.
• وتابعه أيضًا بلفظ: «ويعطي الله عز وجل» محمدُ بن عبد الله ابن أخي الزُّهْري، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (9115) لكن في سنده مصعب بن إبراهيم القيسي، منكر الحديث.
• وخالفهم في الإسناد مَعْمَر بن راشد، فقال: عن الزُّهْري، عن سعيد بن المُسيِّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه. أخرجه أحمد (7193)، وابن ماجه (220)، والبزار (7717) وغيرهم، لكن من رواية عبد الأعلى وعبد الواحد بن زياد البصريين، ورواية البصريين عن مَعْمَر متكلم فيها.
• لذا قال الدارقطني في «علله» (1210): يَرْوِيهِ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَيَرْوِيهِ الْبَصْرِيُّونَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ وَغَيْرِهِ.
وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ حُمَيْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ.
• وخالفهم شُعيب بن أبي حمزة، فقال: عن الزُّهْري، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هريرة، به، وفيه «وَيُعْطِي اللهُ» أخرجه النَّسَائي في «الكبرى» (6017). وإسناده صحيح، والزُّهْري واسع الرواية.
• ورواه صفوان بن عمرو السَّكْسَكي، واختُلف عليه:
فرواه عنه عبد القُدوس بن الحَجاج عن أبي الزاهرية عن معاوية، به، أخرجه أحمد (16936) وغيره.
وخالفه بقية فقال: (أبي هزّان عطية) بدل (أبي الزاهرية). وتابعه متابعة قاصرة فُضَيْل بن فَضَالة عن أبي هزّان. أخرجهما البخاري في «التاريخ الكبير» (7/ 10).
• وقال البخاري عن طريق عبد القدوس: لا يصح. وقال ابن حِبان: وأبو الزاهرية لا يصح له عن صحابي سماع.
• والخلاصة أن لفظ «يعطي» متفق عليه. ولفظ «المُعطِي» من تفردات البخاري، وهو مرجوح، والأول أصح، والله أعلم.
• وقال شيخنا معي: لفظة «والله يعطي» هي الصواب، ولفظة «والله المعطي» شاذة. فعليه، اسم (المعطي) لا يصح له سند. والله أعلم، ونَبِّه شيخك ابن عبد المعطي
(1)
على هذا.
(1)
ترجمة شيخي العَلَّامة محمد بن أحمد بن علي بن عبد العاطي، الشهير بـ (محمد بن عبد المعطي) رحمه الله من إملائه حيث قال: وُلِدْتُ في الخامسَ عشرَ من شهر إبريل (مِيسان) سنة إحدى وخمسين وتِسعمِائة وألف.
وأمضيتُ جزءًا يسيرًا من طفولتي بقريتي (الميساه) مركز (دِيَرب نجم) شرقية، وكانت تابعة لمحافظة الدقهلية يومئذٍ، والبَلَمُون مركز السنبلوين، دقهلية.
ثم جاء بنا والدنا رحمه الله إلى (طنطا) سنةَ أربع وخمسين وتِسعمِائة وألف.
وما زلتُ بها حتى اليومِ، وأمضيتُ فيها مراحلي الابتدائيةَ بمعهد النور للمكفوفين، والإعداديةَ بمعهد المنشاوي، حيث كنتُ - بفضل الله - الأولَ على الإعدادية الأزهرية في الجمهورية، سنة سبع وستين وتِسعمِائة وألف، والثانويةَ بمعهد طنطا الأزهري بجوار المحطة، وطلعتُ - بفضل الله - الرابع على الجمهورية.
وتلقيتُ التعليم الجامعي بكلية اللغة العربية، بجامعة الأزهر، بالقاهرة، وحَصَلتُ في الشهادة العليا على تقدير (امتياز مع مرتبة الشرف الأولى)، حيث كنتُ الثانيَ على الدفعة، سنة خمس وسبعين وتِسعمِائة وألف.
وحصلتُ على دبلوم الدراسات العُلا لمدة سنتين، تمهيدًا للماجستير الذي حصلتُ عليه بتقدير (امتياز) بفضل الله تعالى.
وكانت الدراسة تحقيقًا ودراسة لكتاب: «بلوغ الأرب، شرح شذور الذهب، في معرفة كلام العرب» لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله. ط/ دار البصائر، بالقاهرة.
وكان ذلك في الرابع والعشرين من شهر إبريل، سنة ثلاث وثمانين وتِسعمِائة وألف.
وكنتُ معيدًا في الكلية، فمدرسًا مساعدًا، إلى أن حصلتُ على الدكتوراه في تحقيق ودراسة النصف الأول من:«المناهل الصافية في شرح الشافية» للعَلَّامة لطف الله الظفيري اليمني، المُتوفَّى سنة خمس وثلاثين وألف. من أولها إلى باب الإمالة.
وحصلتُ على مرتبة الشرف الأولى بفضل الله تعالى، وكان ذلك في السابع من أكتوبر، سنة ست وتسعين وتِسعمِائة وألف.
وعَمِلتُ بكلية اللغة العربية بـ (إيتاي البارود) مدرسًا بقسم اللُّغويات، حتى أُحِلْتُ إلى المعاش، في الخامسَ عَشَرَ من إبريل، سنة إحدى عَشْرة وألفين.
وعَمِلتُ مدرسًا متفرغًا من يومها.
واللهَ أسأل أن يَشفيني ويَشفي مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين، وأن يَختم لنا بحُسْن العمل، آمين!
تُوفي رحمه الله يوم الاثنين، الرابع عشر من شهر الله المُحرَّم، سنة أربعين وأربعمِائة وألف من الهجرة النبوية المباركة، الموافق الرابع والعشرين من شهر سبتمبر، سنة ثماني عَشْرة وألفين من الميلاد.
وانظر تفصيل سيرته في كتابي «سير أعلام النبلاء المعاصرين» ط/ دار اللؤلؤة.
• تنبيه: (المُعطِي) أصلها: (الذي يُعطِي) فـ (أل) هاهنا اسم موصول، والسيوطي في «الأشباه والنظائر» في باب الحذف والاختصار - يبين فيه أن لغتنا قائمة على الإيجاز ومن وسائله الحذف، فأتى بـ (أل) بدل (الذي) منعًا للتطويل،
وإن كان في اسم الفاعل ما يدل على التجدد والاستمرار كالمضارع، وبكونه اسمًا قد دل على الثبوت والدوام.
هذا رأي اللغة، ولكن الأمر مقصور على الرواية لتعلقه بأسماء الله وصفاته عز وجل.
وإن كنتُ - الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القرشي - أرى أن هذه التصاريف اللُّغوية لا بأس بها، وهذا ما يسمى بالاشتقاق الكبير.
• وهناك اشتقاق يسمى بالكبار، مثاله: القلب المكاني في (كَتَبَ) فتقول:
1 -
كَتَبَ.
2 -
كَبَتَ.
3 -
تَكَبَ.
4 -
تَبَكَ.
5 -
بَكَتَ.
6 -
بَتَكَ.
يراجع في ذلك «التصريف الملوكي» لابن جِني، ت/ د. البدراوي زهران. و «معجم العين» للخليل.
الله طَيِّب
• قال الإمام مسلم رقم (1015): حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]» ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!
• رواه فُضَيْل بن مرزوق، وعنه جماعة:
1 -
أبو أسامة حماد بن أسامة، أخرجه مسلم (1015).
2 -
أبو النضر هاشم بن القاسم، أخرجه أحمد (8463).
3 -
أبو نُعَيْم، أخرجه الدارمي (275).
4 -
علي بن الجعد، كما في «مسنده» (2008).
5 -
ابن المبارك، كما في «الزهد» (456).
6 -
الثوري، أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (8830).
7 -
سعيد بن سليمان، أخرجه ابن أبي الدنيا في «إصلاح المال» (5).
كلهم عن فُضَيْل بن مرزوق، به.
• ومدار الخبر على فُضَيْل بن مرزوق (ت: 160):
فقد وثقه الثوري (ت: 161) وهو تلميذه، ونَقَل الشافعي (ت: 204) عن ابن عُيينة (ت: 198) توثيقه، ووثقه ابن مَعِين في رواية، وفي أخرى: لا بأس به. وفي ثالثة: صالح الحديث، ولكنه شديد التشيع. وقال العِجلي: جائز الحديث، ثقة، وكان فيه تَشيُّع، وهو كوفي. ووثقه يعقوب بن سفيان وابن خِرَاش.
وقال البخاري: مقارب الحديث.
و (مقارب) اسم فاعل أو مفعول، قال السخاوي في بيانها «فتح المغيث» (2/ 174): أو مقاربه، أي: الحديث، من القرب، ضد البعد، وهو بكسر الراء، كما ضُبط في الأصول الصحيحة من كتاب ابن الصلاح المسموعة عليه، وكذا ضَبَطهما النووي في مختصريه وابن الجوزي، ومعناه أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات، أو جَيِّده، أي: الحديث، من الجودة، أو حَسَنه، أو مُقارَبه (بفتح الراء) أي: حديث يقاربه حديث غيره، فهو على المعتمد بالكسر والفتح، وسط لا ينتهي إلى درجه السقوط ولا الجلالة، وهو نوعُ مَدْح. وممن ضَبَطهما بالوجهين ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَابْنُ دِحْيَةَ، وَالْبَطْلَيُوسِيُّ، وَابْنُ رُشَيْدٍ فِي رِحْلَتِهِ.
وقال ابن عَدِيّ: أرجو أنه لا بأس به. وقال أبو حاتم: صدوق، صالح الحديث، يَهِم كثيرًا، يُكتَب حديثه. قال ابن أبي حاتم لأبيه: يُحتجّ به؟ قال: لا.
وضَعَّفه النَّسَائي وابن مَعِين في رواية، وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال: يخطئ. وقال في «الضعفاء» : كان يخطئ على الثقات، ويَروي عن عطية الموضوعات.
وممن تَكلم فيما ينفرد به عن الثقات - الحاكم.
وقال الدارقطني كما في «أطراف الغرائب والأفراد» (5/ 283): تَفَرَّد به فُضَيْل بن مرزوق عن عَدِيّ، ورواه الثوري عن فُضَيْل، وهو غريب من حديثه، لا أعلم رواه عنه غير هذين: عبد الرزاق بن هَمَّام، وإبراهيم بن سليمان الزيات.
وقال الحاكم: فُضَيْل بن مرزوق ليس من شرط الصحيح، فعِيب على مسلم بإخراجه في الصحيح، كما في «سؤالات السَّجْزي» .
• والخلاصة: أن الخبر سنده صحيح؛ لأن الأثبات حملوه عن فُضَيْل بن غَزْوَان.
• وأما الطعن في فُضَيْل فمن وجهين:
1 -
التشيع، وليس هذا الخبر فيه.
2 -
الرواية عن عطية العَوْفي، وليس هذا منها.
وأما الحاكم، فصَحَّح له في «المُستدرَك» (1901، 2517، 3153) وقال عقبها: صحيح على شرط مسلم.
وقال في (3015): وقد احتَج مسلم بالفُضَيْل بن مرزوق.
وبهذا فقد أَيَّد الإمامَ مسلمًا وإن كان نَقَل العيب عن غيره، فلم يُقِره.
• الخلاصة: قال شيخنا معي في تعليقه النهائي لهذا الخبر، بتاريخ الأحد (18) شوال (1442 هـ) الموافق (30/ 5/ 2021 م): وفُضَيْل بن مرزوق أقرب إلى الضعف، ولكن لمتن الحديث في الجملة شواهد عامة، والمتن ليس بمُستنكَر.
وكَتَب مع أبي البخاري في مناقشته ترجمة فُضَيْل، بتاريخ (17) ذي القعدة
(1442)
الموافق (29/ 6/ 2021 م): لِتَحَمُّل العلماء لهذا الحديث ولعدم نكارة المتن، يُقبَل هذا الحديث، وما وراء ذلك فكُلٌّ بحَسَبه.
هل (الطبيب) من أسماء الله تعالى؟
• ورد في ذلك حديثان:
الأول: زيادة عند أحمد في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها
(1)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ، قَالَ:«أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» .
وتابع مسروقًا ثلاثة: عروة بن الزبير عند مسلم (4158). والأسود بن يزيد كما عند ابن حِبان (3024) وأبو الجوزاء أوس بن عبد الله، أخرجه أحمد (2567).
وخالف هؤلاء الأربعة ابن أبي مُلَيْكة، فزاد:«وأنت الطبيب» أخرجه أحمد (24218) والنَّسَائي (18806).
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم يوسف، بتاريخ (23) ذي القعدة (1442) الموافق (4/ 7/ 2021 م): لفظة: «أنت الطبيب» يبدو - والله أعلم - شذوذها لما يلي:
1 -
الكثرة لم يثبتوها.
2 -
تَنكُّب الصحيحين عنها.
(1)
البخاري رقم (5743) ومسلم رقم (4155) وغيرهما.
الثاني: أخرجه الحُميدي في «مسنده» رقم (890): ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبْحَرَ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رَمْثَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَى أَبِي الَّذِي بِظَهْرِهِ، فَقَالَ: دَعْنِي أُعَالِجُ الَّذِي بِظَهْرِكَ؛ فَإِنِّي طَبِيبٌ. فَقَالَ: «إِنَّكَ رَفِيقٌ، وَاللَّهُ الطَّبِيبُ» قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي: «مَنْ ذَا مَعَكَ؟» فَقَالَ ابْنِي: أَشْهَدُ لَكَ بِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ، وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ» وَذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدْعَ الْحِنَّاءِ.
وتابع سفيانَ ابنُ إدريس، أخرجه أبو داود (4207). وتابعهما مَرْوان بن معاوية، أخرجه الرَّامَهُرْمُزِيّ (ص/ 341).
• خالفهم:
1 -
أبو عَوَانة فقال: «طبيبها الله» أخرجه أحمد (7111).
2 -
حسين بن علي بلفظ: «طبيبها الذي وَضَعها» أخرجه ابن أبي شيبة (23423).
• ورواية (أنت الطبيب) عن عبد الملك بن أبجر أصح.
• وتابعهما متابعة قاصرة عن إياد بن لَقِيط:
1 -
عُبيد الله بن إياد، أخرجه أحمد (7109) بلفظ:(طبيبها الذي خَلَقها).
2 -
عبد الملك بن عُمَيْر، أخرجه أحمد (7118):(طبيبها الله).
3 -
قيس بن الربيع الأسدي، أخرجه أحمد (7115):(طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا).
وروايتهم أصح، وثَم طرق أخرى ليس فيها هذا اللفظ، كطريق ثابت بن منفذ عن أبي رَمْثَة، أخرجه أحمد (7114).
• الخلاصة: أن إياد بن لَقِيط ثقة، ورُوي عنه الخبر على ثلاثة أوجه:
1 -
«أنت الطبيب» وإسناده صحيح.
2 -
«طبيبها الله» وهو الأصح.
3 -
دون اللفظين. أخرجه أحمد (7112).
• فالأرجح لديَّ أن الأكثر عن إياد (طبيبها الله) وهي رواية ابنه عنه.
بينما كَتَب شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف، على ترجمة أبي رَمْثَة: لا ينبني عليه اسم من أسماء الله، وهذا ما أختاره، ولك الحق في إبداء رأيك. وعليه، فيرى الباحث صحة الخبر بلفظ:(أنت الطبيب).
• في «فيض القدير» (2/ 126): لكن تسمية الله بالطبيب إذا ذكره في حالة الاستشفاء، نحو (أنت المُداوِي)(أنت الطبيب) سائغ، ولا يقال:(يا طبيب) كما يقال: (يا حكيم) لأن إطلاقه عليه متوقف على توقيف.
المستعان عز وجل
-
أولًا - من الكتاب العزيز قول نبي الله يعقوب عليه السلام: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].
وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 112].
ثانيًا - ومِن السُّنة المباركة:
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ، لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعَوْتَ بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ، لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا. فَقَالَ:«أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ؟ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ الْبَلَاغُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»
(1)
.
(1)
ضعيف: رواه ليث بن أبي سُليم، واختُلف عليه:
فرواه عمار بن محمد عنه، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أُمامة رضي الله عنه، به، أخرجه الترمذي (3521).
وخالفه مُعتمِر بن سليمان، فقال: عنه عن ثابت بن عجلان، عن أبي عبد الرحمن، عن أبي أُمامة. أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (679) ومداره على ليث بن أبي سُليم، وهو ضعيف.
• وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُعَلِّمُكَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي قَالَهُنَّ مُوسَى عليه السلام حِينَ انْفَلَقَ الْبَحْرُ؟» قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: «قُلِ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَبِكَ الْمُسْتَغَاثُ، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ»
(1)
.
ثالثًا - من أقوال الصحابة رضي الله عنهم:
• قول عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك: وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا، إِلَّا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]
(2)
.
• وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَفَتَحْتُ لَهُ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللَّهَ.
ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَفَتَحْتُ لَهُ، فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللَّهَ.
(1)
ضعيف: أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (339) وفي «الأوسط» (3394) من طريق جعفر بن النضر الواسطي، حدثنا زكريا بن فَرُّوخ التمار الواسطي، عن وكيع بن الجَرَّاح، عن الأعمش، عن شَقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود، به. وقال: تَفرَّد به حعفر.
وأخرجه البيهقي في «الدعوات الكبير» (264) من طريق عبد الله بن نافع بن يزيد بن أبي نافع، عن عيسى بن يونس السَّبِيعي، عن الأعمش، به.
وقال البيهقي: تَفرَّد به عبد الله بن نافع هذا، وليس بالقوي.
(2)
أخرجه البخاري (2661)، ومسلم (2770).
ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي:«افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ» فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ المُسْتَعَانُ
(1)
.
وورد بسند ضعيف من قول رفاعة بن زيد رضي الله عنه، في قصة بني أُبَيْرِق، لَمَّا سَرَقوا سلاحه وطعامه
(2)
.
رابعًا - اختَلف المحصون في عده:
فورد عند ابن العربي، والقرطبي، وابن الوزير، وابن حجر، والحَمُّود، والشَّرباصي.
ولم يَرِد في طرق حديث الأسماء، وفي جمع جعفر الصادق، وسفيان بن عُيينة، والخَطَّابي، وابن مَنْدَه، والحليمي، والبيهقي، وابن حزم، والأصبهاني، وابن القيم، والسعدي، وابن عثيمين
…
(3)
.
• تنبيهان:
الأول: (المستعان) نَعْت لله تعالى إلا في موطن جاء مطلقًا: (أنت المستعان)
(1)
أخرجه البخاري (3693) ومسلم (2403) بلفظ: «اللَّهُمَّ صَبْرًا - أَوْ: اللهُ الْمُسْتَعَانُ -» .
(2)
ضعيف: أخرجه الترمذي في «سُننه» (3036) والطبري في «تفسيره» (7/ 458) وغيرهما، من طريق محمد بن سَلَمة الحَرَّاني، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده، به.
وحَسَّن إسناده بعض أهل العلم، إلا أنه معل بعلتين: عنعنة ابن إسحاق، والإرسال.
فقد قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نَعْلَم أحدًا أسنده غير محمد بن سلمة الحَرَّاني. وروى يونس بن بُكير وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، مرسلًا، لم يَذكروا فيه عن أبيه عن جده.
(3)
انظر: «مُعتقَد أهل السُّنة والجماعة في أسماء الله الحسنى» (ص: 166) أ د. محمد بن خليفة بن علي التميمي.
وفي سنده ليث بن أبي سُليم، ضعيف. صلى الله عليه وسلم
الثاني: في النصوص السابقة (المستعان عز وجل استُعمل في مواطن الشدة.
وفي مواطن الرخاء نُذكِّر بوصية رسول الله لمعاذ رضي الله عنه قائلًا: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»
(1)
.
(1)
صحيح: أخرجه أحمد في «مسنده» (22119، 22126) وغيره، وسيأتي مزيد تعليق عليه إن شاء الله.
جَوَادٌ وَاجِدٌ مَاجِدٌ
• قال الترمذي في «سُننه» رقم (2495): حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُ فَسَلُونِي الهُدَى أَهْدِكُمْ، وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزُقْكُمْ، وَكُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُ، فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى المَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلَا أُبَالِي.
وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ - اجْتَمَعُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ - اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ - اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مِنْكُمْ مَا سَأَلَ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي إِلَّا كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِالبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ، ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ وَاجِدٌ مَاجِدٌ، أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ، عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ، إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ: كُنْ، فَيَكُونُ».
«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ» وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
والخبر ضعيف لضعف شهر، وقد اختُلف عليه.
وبسياق مقارب دون الشاهد في «صحيح مسلم» رقم (2577): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ -، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تبارك وتعالى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ
…
».
• وأخرجه أحمد رقم (21696): حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا شَهْرٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ غَنْمٍ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: يَا عَبْدِي، مَا عَبَدْتَنِي وَرَجَوْتَنِي، فَإِنِّي غَافِرٌ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ، وَيَا عَبْدِي، إِنْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً، مَا لَمْ تُشْرِكْ بِي، لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» .
(21369)
وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ أَنَا عَافَيْتُهُ» . فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ وَاجِدٌ مَاجِدٌ، إِنَّمَا عَطَائِي كَلَامٌ» .
• ورواية عبد الحميد بن بَهْرَام الفَزَاري عن شهر بن حوشب - مختلف فيها:
فقد ضَعَّفها شُعبة وقال: نِعم الشيخ عبد الحميد بن بهرام، ولكن لا تكتبوا عنه؛ فإنه يُحَدِّث عن شهر بن حوشب. وقال تارة: صدوق، إلا أنه يُحَدِّث عن شهر بن حوشب.
• وقال صالح بن محمد الأسدي الحافظ: ليس بشيء، يَروي عن شهر، عنده صحيفة منكرة، و لا أعلم أنه روى عن غير شهر إلا عن عاصم الأحول حديثًا واحدًا في الدعاء.
• قال الحافظ أبو بكر الخطيب: الحمل فى الصحيفة التي ذَكَر صالح أنها منكرة - على شهر لا على عبد الحميد.
• بينما قَوَّى رواية عبد الحميد في شهر: الإمام أحمد بن حنبل، وابن المديني، وأحمد بن صالح المصري، وأبو حاتم، ويحيى القطان:
• فقد قال أحمد بن حنبل: حديثه عن شهر مقارب، كان يحفظها كأنه يَقرأ سورة من القرآن، وهو سبعون حديثًا طِوالًا.
• قال علي بن المديني: ثقة عندنا، وإنما كان يَروي عن شهر بن حوشب من كتاب كان عنده.
• قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عنه فقال: هو في شهر بن حوشب مِثل الليث في سعيد المقبري. قلت: ما تقول فيه؟ قال: ليس به بأس، أحاديثه عن شهرٍ صحاح، لا أعلم روى عن شهر بن حوشب أحاديث أحسن منها و لا أكثر منها، أملى عليه في سواد الكوفة
(1)
. قلت: يُحتج بحديثه؟ قال: لا، ولا بحديث شهر بن حوشب، و لكن يُكتَب حديثه.
• وقال أحمد بن صالح المصري: عبد الحميد بن بهرام ثقة، يعجبني حديثه، أحاديثه عن شهر صحيحة.
(1)
في «الإبانة في اللغة العربية» (3/ 246 (لسلمة الصُّحاري: وسواد الكوفة: عمرانها وحضرتها. وبياضُها: خرابُها وعامِرُها وهو ما حواليها من القُرى والرساتيق.
• وقال علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد القطان: مَنْ أراد حديث شهر فعليه بعبد الحميد بن بهرام. انظر ترجمتَي عبد الحميد وشيخه من «التهذيب» .
• الخلاصة في رواية ابن بهرام عن شهر: كَتَب شيخنا معي بتاريخ الثلاثاء (5) ذي القعدة (1442 هـ) الموافق (15/ 6/ 2021 م): أَجْنَح إلى تضعيف شهر بن حوشب، والنزاع قائم في قَبول ابن بهرام عنه، وأجنح فيه إلى أنه لا يُعتمد شهر ولو روى عنه ابن بهرام
(1)
.
(1)
ممن أَثْبَتَ اسم الجواد لله عز وجل ابن منده في «كتاب التوحيد» (2/ 99).
وأثبته أيضًا ابن القيم في «نونيته» (2/ 88) فقال:
«وَهُوَ الجَوَادُ فَجُودُهُ عَمَّ الوُجُو دَ جَمِيعَهُ بِالفَضْلِ وَالإحْسَانِ
وَهُوَ الجَوَادُ فَلا يُخَيِّبُ سَائِلًا وَلَوْ أنَّهُ مِنْ أُمَّةِ الكُفْرَانِ»
هل (الدهر) من أسمائه تعالى؟
• قال الإمام مسلم رقم (2246): وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللهُ عز وجل: يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ» .
وتابع ابنَ وهب الليثُ بن سعد، أخرجه البخاري (6181).
وتابع يونسَ مَعْمَرٌ، أخرجه البخاري (6182) ومسلم (2246).
وتابعهما سفيان بن عُيينة في الأَشْهَر عنه - الحُميدي وعلي بن المَديني وابن أبي عمر وإسحاق بن إبراهيم - على الرفع
(1)
وبسعيد بن المُسيِّب
(2)
بدلًا من أبي سلمة
(3)
- أخرجه البخاري (7491) ومسلم (2246) وغيرهما.
(1)
قال الخليلي في «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» (1/ 333): وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَقَفُوهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا. وَكَذَا رَوَاهُ مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ وَغَيْرُهُ، وَتَابَعَهُ زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
(2)
بكسرِ الياءِ وفتحِهَا وَهُوَ الأشْهَرُ، والأوَّلُ أولى لما نُقِلَ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الفتحَ، ويقولُ: سيَّبَ اللهُ مَنْ سيَّبَنيْ. كما في «فتح الباقي بشرح ألفية العراقي» (2/ 187 (للسنيكي.
(3)
وقال النَّسَائي كما في «فتح الباري» (10/ 565) عن الطريقين: كلاهما محفوظ، لكن حديث أبي سلمة أشهرهما.
وتابعهما الأعرج، أخرجه مسلم (2246) والبخاري في «الأدب المفرد» (769)
(1)
.
وتابعهم ابن سيرين، أخرجه مسلم (2246)، وأحمد (10367) وغيرهما.
وزاد ابن منده: (الله هو الدائم) وفي سندها أحمد بن محمد بن عمر الوراق، لم أقف له على ترجمة.
وتابعهم همام بن مُنَبِّه، أخرجه مسلم (2247) وأحمد (8228).
وتابعهم خِلَاس، ووالد العلاء بن عبد الرحمن ويحيى الأنصاري.
• والخلاصة: أن الخبر صحيح متفق عليه، وبه ثلاث زيادات ضعيفة:
1 -
«الله هو الدائم» في سندها شيخ ابن منده كما سبق.
2 -
«فإن الدهر هو الله» تَفَرَّد بها يحيى بن يحيى الليثي، مُخالِفًا جمهور الرواة عن مالك القائلين:«فإن الله هو الدهر» كما في «الاستذكار» (8/ 550) ووافقني شيخنا على ضعف الزيادتين وصحة الخبر، بتاريخ (14) ربيع أ (1443) الموافق (20/ 10/ 2021 م).
3 -
إدراج ابن عُيينة ذِكر آية الجاثية (24) كما عند الطبري في «تفسيره» (21/ 97) وإسحاق بن إبراهيم، كما عند ابن حِبان رقم (5715).
(1)
رواه أبو الزِّنَاد عن الأعرج، وعنه المغيرة بن عبد الرحمن ويونس بن يزيد وورقاء ومالك في رواية الجماعة عنه، وخالف الجميعَ يحيى بن يحيى الليثي فقال:«فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» .
• قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ: تَأْوِيلُهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ شَأْنُهَا تَذُمُّ الدَّهْرَ وَتَسُبُّهُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهِمْ، مِنْ مَوْتٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ تَلَفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: إِنَّمَا يُهْلِكُنَا الدَّهْرُ. وَهُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. فَيَقُولُونَ: أَصَابَتْهُمْ قَوَارِعُ الدَّهْرِ، وَأَبَادَهُمُ الدَّهْرُ. فَيَجْعَلُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ اللَّذَان
(1)
يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، فَيَذُمُّونَ الدَّهْرَ بِأَنَّهُ الَّذِي يُفْنِينَا وَيَفْعَلُ بِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ» عَلَى أَنَّهُ يُفْنِيكُمْ، وَالَّذِي يَفْعَلُ بِكُمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّمَا تَسُبُّونَ اللَّهَ تبارك وتعالى؛ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل فَاعِلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. كما في «الأسماء والصفات» (1/ 378) للبيهقي.
• وقال ابن خُزيمة في «صحيحه» (2/ 1186): قَوْلُهُ: «وَأَنَا الدَّهْرُ» أَيْ: وَأَنَا آتِي بِالدَّهْرِ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، أَيْ: بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ كَيْفَ شِئْتُ؛ إِذْ بَعْضُ أَهْلِ الْكُفْرِ زَعَمَ أَنَّ الدَّهْرَ يُهْلِكُهُمْ، قَالَ اللَّهُ عز وجل حِكَايَةً عَنْهُمْ:{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]. فَأَعْلَمَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَأَنَّ مَقَالَتَهُمْ تِلْكَ ظَنٌّ مِنْهُمْ. قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24].
وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ شَاتِمَ مَنْ يُهْلِكُهُمْ هُوَ شَاتِمُ رَبِّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الدَّهْرَ يُهْلِكُهُمْ، فَيَشْتُمُونَ مُهْلِكَهُمْ، وَاللَّهُ يُهْلِكُهُمْ لَا الدَّهْرُ، فَكُلُّ كَافِرٍ يَشْتِمُ مُهْلِكَهُ فَإِنَّمَا تَقَعُ الشَّتِيمَةُ مِنْهُمْ عَلَى خَالِقِهِمُ الَّذِي يُهْلِكُهُمْ، لَا عَلَى الدَّهْرِ الَّذِي لَا فِعْلَ لَهُ؛ إِذِ اللَّهُ خَالِقُ الدَّهْرِ.
(1)
لعل: اللذين.
• سُئل ابن عثيمين كما في «المجلى في شرح القواعد المُثْلَى في صفات الله وأسمائه الحسنى» (ص: 86): ما حُكْم سب الدهر؟
فأجاب قائلًا:
سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يَقصد الخبر المحض دون اللوم. فهذا جائز، مثل أن يقول:(تَعِبنا من شدة الحَرّ هذا اليوم!) أو: (بَرْده!) وما أَشْبَهَ ذلك لأن الأعمال بالنيات، واللفظ صالح لمجرد الخبر.
القسم الثاني: أن يَسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأنه يَقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يُقَلِّب الأمور إلى الخير أو الشر. فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقًا، حيث نَسَب الحوادث إلى غير الله.
القسم الثالث: أن يَسب الدهر وهو يعتقد أن الفاعل هو الله، ولكن يسبه لأنه محل هذه الأمور المكروهة. فهذا محرم لأنه مُنافٍ للصبر الواجب، وليس بكفر لأنه ما سب الله مباشرة، ولو سَبَّ الله مباشرة لكان كافرًا.
• حديث آخر قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (7988) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ غ قَالَ:«يَقُولُ اللَّهُ: اسْتَقْرَضْتُ عَبْدِي فَلَمْ يُقْرِضْنِي، وَيَشْتُمُنِي عَبْدِي، وَهُوَ لَا يَدْرِي، يَقُولُ: وَادَهْرَاهْ، وَادَهْرَاهْ، وَأَنَا الدَّهْرُ» .
وتابع محمد بن إسحاق محمد بن جعفر أخرجه الطبراني.
• والخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث أبي حمزة السويسي بتاريخ 23/ 11/ 2021 م: صحيح لشواهده.
• قال الإمام مسلم رقم (2569): حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ عز وجل يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا بْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟! قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا بْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟! قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا بْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي» .
ومحمد بن حاتم مُختلَف فيه. وبَهْز بن أسد مِنْ أثبت الناس في بَهْز.
وتَابَع محمدَ بن حاتم جماعة:
1 -
حسن بن موسى الأشيب، أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (474).
2 -
ومحمد بن كَثير العبدي، أخرجه الطبراني في «مكارم الأخلاق» (170).
3 -
وعلي بن عثمان اللاحقي، أخرجه البيهقي في «الشُّعَب» (8752).
4 -
عفان بن مسلم، أخرجه ابن حِبان (269) لكن بلفظ:«أما عَلِمْتَ أنك لو عُدْتَه لوجدتني» دون لفظ: (عنده).
5 -
النَّضْر بن شُمَيْل، أخرجه إسحاق في «مسنده» (28) وعنه البخاري في «الأدب المفرد» (517) وفيه فقرة على الشك: «
…
لَوَجَدْتَ ذلك عندي، أو:
وَجَدتَني عنده» وعند ابن حِبان من طريق إسحاق بالجزم: (لوَجَدْتَ ذلك عندي).
6 -
زيد بن الحُبَاب بلفظ: (لوَجَدْتَ ذلك عندي) أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (473).
• وأخرجه أحمد في «الزهد» (994) عن عبد الصمد. وتابعه ابن الجعد كما في «مسنده» (3095) وتابعهما طالوت بن عَبَّاد، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (5979) ثلاثتهم عن سَلَّام بن مسكين عن الحسن - هو البصري - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا لَوْ أَنَّكَ كُنْتَ أَطْعَمْتَهُ لَأَطْعَمْتُكَ الْيَوْمَ، وَاسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا لَوْ كُنْتَ أَسْقَيْتَهُ لَأَسْقَيْتُكَ الْيَوْمَ» .
والأكثر على عدم سماع الحسن من أبي هريرة، كما في «جامع التحصيل» ويُروَى بواسطة أبي رافع عن أبي هريرة، كما في البخاري (291) ومسلم (348) وتارة روايته معطوفة هكذا (الحسن وابن سيرين) كما عند البخاري (3321) وتارة (الحسن ومحمد وخِلَاس) كما عند البخاري (3404).
وجاءت رواية في سندها ابن لَهيعة، أخرجه أحمد في «سنده» (9242): حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ قَالَ:«مَرِضْتُ فَلَمْ يَعُدْنِي ابْنُ آدَمَ، وَظَمِئْتُ فَلَمْ يَسْقِنِي ابْنُ آدَمَ، فَقُلْتُ: أَتَمْرَضُ يَا رَبِّ؟! قَالَ: يَمْرَضُ الْعَبْدُ مِنْ عِبَادِي مِمَّنْ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يُعَادُ، فَلَوْ عَادَهُ كَانَ مَا يَعُودُهُ لِي، وَيَظْمَأُ فِي الْأَرْضِ فَلَا يُسْقَى، فَلَوْ سُقِيَ كَانَ مَا سَقَاهُ لِي» .
وخالف ابنَ لَهيعة الليثُ، فأَبْدَل سعيدًا بصفوان بن سُليم، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (122) وانظر «علل ابن أبي حاتم» (1985).
• والخلاصة: انتهى شيخنا معي بتاريخ الثلاثاء (3) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (9/ 11/ 2021 م) إلى صحة رواية مسلم، ولا يُعَكِّر عليها رواية الحسن بالوقف.
• قال ابن القيم في «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (4/ 280): فجَعَل جوع عبده جوعه، ومَرَضَه مَرَضَه؛ لأن العبد موافق لله فيما يحبه ويرضاه، ويأمر به وينهى عنه، وقد عُرِفَ أن الرب نفسه لا يجوع ولا يَمرض.
ومعلوم أن وصفه بالجوع والمرض أبعد من وصفه بالمشي بين الناس والاختلاط بهم. ولهذا نظائر كثيرة موجودة في كلام الأنبياء وغير الأنبياء من الخاصة والعامة.
ولا يَفهم عاقل من ذلك أن ذات المذكور اتحدت بالآخَر أو حَلَّتْ فيه، إلا مَنْ هو جاهل كالنصارى.
والناس يرون الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك، في الماء الصافي وفي المرآة المجلوة، ونحو ذلك.
ويقول أحدهم: (رأيتُ وجه فلان في هذه المرآة) و (رأيتُ الشمس والقمر في المرآة) أو (في الماء) مع علم كل عاقل أن نفس الشمس والقمر وغيرهما لم تَحِلَّا، لا في المرآة ولا في الماء، ولكن هذه رؤية مقيدة رآها بواسطة المثال الذي تَمَثَّل في المرآة أو الماء، سواء كان ذلك شعاعًا منعكسًا أو غير ذلك.
(صفات ربنا جل في علاه)
صفة الكلام لله تعالى
1 -
قال البخاري رقم (7483): حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيُنَادَى بِصَوْتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ» .
خالف حفصَ بن غياث الجماعةُ من أصحاب الأعمش - أبو معاوية ووكيع، أخرجه مسلم (380) وغيره، وأبو أسامة، أخرجه البخاري (3348) ومُحاضِر بن المُورِّع، أخرجه ابن حُميد (917) وجرير - هو ابن عبد الحميد - كما عند البخاري ومسلم - فلم يَذكروا «فَيُنَادَى بِصَوْتٍ» .
زاد جرير عن الجماعة لفظ: «أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ» وأشار إليها مسلم رحمه الله
(1)
.
• والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف، إلى أن لفظة:«بصوت» شاذة، تَفَرَّد بها حفص عن سائر أصحاب الأعمش.
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث محمد البسيوني، وزاد شذوذ زيادة جرير.
(1)
أفادها الباحث محمد البسيوني، بتاريخ الاثنين (28) صَفَر (1443 هـ) الموافق (4/ 10/ 2021 م).
ولها شاهد من حديث جابر بن عبد الله، عَلَّقه البخاري في «صحيحه» رقم (7480) ووَصَله في «خَلْق أفعال العباد» رقم (480) وأحمد في «مسنده» (16042) وغيرهما، وفيه:«ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بعد كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قربَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ» وفي سنده ابن عَقيل الأكثر على ضعفه
(1)
والراوي عنه القاسم بن عبد الواحد، مقبول.
والمفهوم صحيح، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [النازعات: 15، 16].
{قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 144].
(1)
قال الحاكم أبو أحمد: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم يحتجان بحديثه، ليس بذاك المتين المعتمد.
وقال الترمذي: صدوق، وقد تَكلَّم فيه بعض أهل العلم مِنْ قِبل حفظه، وسَمِعْتُ محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم، والحُميدي - يحتجون بحديث ابن عَقيل. قال محمد بن إسماعيل: وهو مقارب الحديث.
{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6].
وكل الأحاديث القدسية، ومنها حديث:«إني حَرَّمْتُ الظلم على نفسي» وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللهُ عز وجل: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»
(1)
.
• تنبيه: لا نستجيز أمام الله أن نَستدل بالضعيف.
2 -
قال أبو داود في «سُننه» رقم (4738): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ، سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا، فَيُصْعَقُونَ، فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ، حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ» قَالَ: «فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: الْحَقَّ، فَيَقُولُونَ: الْحَقَّ، الْحَقَّ» .
• هذا الخبر رواه عن ابن مسعود اثنان:
1 -
مسروق، وعنه ثلاثة:
أ - غَزْوان الغِفَاري على الوقف، أخرجه ابن نصر في «تعظيم قدر الصلاة» .
ب - الشَّعْبي، أخرجه الطبري في «تفسيره» (9/ 276).
(1)
أخرجه البخاري (7405) ومسلم (2675).
ت - أبو الضحى، وعنه اثنان:
• منصور بن المُعتمِر قولًا واحدًا على الوقف، أخرجه ابن خُزيمة (353).
•الأعمش وجمهور أصحابه عنه على الوقف، إلا أبا معاوية فقد اختُلف عليه فالأصح عنه على الرفع.
2 -
إبراهيم بن يزيد قولًا واحدًا على الوقف، كما عَلَّقه البخاري عقب (7480) ووَصَله الطبري (9/ 276).
• الخلاصة: انتهيتُ فيه مع شيخنا في «إرضاء رب العباد بشرح لُمْعة الاعتقاد» ط/ دار اللؤلؤة، إلى الوقف.
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث محمد البسيوني، بتاريخ (15) صَفَر (1443) الموافق (22/ 9/ 2021 م) فكَتَب: الوقف أصح فيما يبدو، والله أعلم.
3 -
قال البخاري رقم (4701): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ - قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ - فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ. فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ. وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ - وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ اليُمْنَى، نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ - فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ المُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ، إِلَى
الَّذِي هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الأَرْضِ - فَتُلْقَى عَلَى فَمِ السَّاحِرِ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُصَدَّقُ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، يَكُونُ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا؟ لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ».
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:«إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ» ، وَزَادَ:«وَالكَاهِنِ» .
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ فَقَالَ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:«إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ» ، وَقَالَ:«عَلَى فَمِ السَّاحِرِ» قُلْتُ لِسُفْيَانَ: أَأَنْتَ سَمِعْتَ عَمْرًا؟ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْكَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَرْفَعُهُ أَنَّهُ قَرَأَ:«فُرِّغَ» قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو، فَلَا أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أَمْ لَا. قَالَ سُفْيَانُ: وَهِيَ قِرَاءَتُنَا.
وتابع علي بن المديني جماعة - ابن أبي عمر والحُميدي وغيرهما - ووقع خلاف في بعض الطرق خارج الصحيح ولا يَضر، وصورته أنه زاد في السند بين عكرمة وأبي هريرة:(ابن عباس) كما في «العلل» وهو خطأ. وعلي بن حرب تارة أوقفه، وتارة أَدْخَل ابنَ عباس.
• والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد البسيوني إلى صحته من مسند أبي هريرة، كما عند البخاري.
4 -
قال ابن أبي عاصم في «السُّنة» رقم (527): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سمْعَانَ الْكِلَابِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُوحِيَ بِأَمْرٍ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ أَخَذَتِ السَّمَوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ مِنْ خَوْفِ اللهِ عز وجل، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ، صُعِقُوا وَخَرُّوا سُجَّدًا، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَيُكَلِّمُهُ اللهُ مِنْ وَحْيهِ بِمَا أَرَادَ، فَيَنْتَهِي بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ قَالَ أَهْلُهَا: مَاذَا قَالَ رَبُّنَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: قَالَ الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» قَالَ: «فَيَقُولُونَ كُلُّهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ جِبْرِيلُ، حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِمْ جِبْرِيلُ حَيْثُ أَمْرَهُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
تابع محمدَ بن عوف جماعة، منهم محمد بن سهل، كما في «الشريعة» (668) للآجُرِّيّ، وزكريا بن يحيى كما عند ابن خُزيمة (348) ويحيى بن عثمان، كما عند ابن حِبان (998) ومحمد بن يحيى كما في «تعظيم قدر الصلاة» (216).
ونُعَيْم بن حماد صدوق يخطئ، وتابعه عمرو بن مالك الراسبي - وهو ضعيف - كما في «العظمة» وتابعهما إبراهيم بن موسى الطَّرَسوسي
(1)
- ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» كما عند الحكيم الترمذي (51).
(1)
«الأنساب» (9/ 65 (للسمعاني: بفتح الطاء والراء المهملتين والواو بين السينين المهملتين الأولى مضمومة والثانية مكسورة، هذه النسبة إلى طرسوس، وهي من بلاد الثغر بالشام، وكان يضرب بعيدها المثل.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد البسيوني، بتاريخ (22) صَفَر (1443 هـ) الموافق (29/ 9/ 2021 م): الطرق إلى الوليد بن مسلم ضعيفة. ا هـ.
5 -
وورد من حديث ابن عباس مرفوعًا، عَلَّقه البخاري في «خَلْق أفعال العباد» (99) ووَصَله غيره. وموقوفًا، أخرجه ابن خُزيمة (3418) ولم يَسُق لفظه.
وكَتَب شيخنا مع الباحث محمد البسيوني، بتاريخ (22) صَفَر (1443 هـ) الموافق (29/ 9/ 2021 م): مُعَلّ بالوقف.
القرآن كلام الله
• قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6].
• ومن الأدلة العامة في إثبات كلام الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253]. وقال جل ذكره: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]
(1)
.
• ومن السُّنة: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَوْقِفِ، فَقَالَ:«أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي»
(2)
.
(1)
قال النحاس كما في «إرشاد الساري» للقسطلاني (5/ 377 (: أجمع النَّحْويون على أنك إذا أَكَّدْتَ الفعل بالمصدر، لم يكن مجازًا.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه أحمد (14770)، وأبو داود (4734)، والترمذي (2686)، والنَّسَائي في «الكبرى» (7680)، وابن ماجه (1970) وغيرهم.
من طرق عن إسرائيل بن يونس، حدثنا عثمان بن المغيرة، عن سالم، عن جابر بن عبد الله، به.
وقال الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/ 60): لم يَرْوِ هذا الحديث عن عثمان بن المغيرة إلا إسرائيل.
وفي رواية: «حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي»
(1)
.
• والإجماع:
• قال عُبيد الله السِّجْزي في «رسالته السَّجْزي إلى أهل زَبيد في الرد على مَنْ أنكر الحَرْف والصوت» (ص: 151): (لا خلاف بين المسلمين أجمع في أن القرآن كلام الله عز وجل، وأنه الكتاب المُنَزَّل بلسان عربي مبين، الذي له أَوَّل وآخِر، وهو ذو أجزاء وأبعاض، وأنه شيء ينقري
(2)
، ويتأتى أداؤه وتلاوته.
ثم اختلفوا بعد هذه الجملة:
فقال أهل الحق: هو غير مخلوق؛ لأنه صفة من صفات ذاته، وهو المتكلم به على الحقيقة، وهو موصوف بالكلام فيما لم يزل.
وقال بعض أهل الزيغ: هو مخلوق، أَحْدَثَه في غيره، وأضافه إلى نفسه
…
إلخ.
(1)
أخرجها ابن حِبان (7012) من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، به.
وبَوَّب البيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 413) له: باب عَرْض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب، وما لَحِقه من الأذى في تبليغه رسالة ربه عز وجل، إلى أن أَكْرَم الله به الأنصار من أهل المدينة، وما ظَهَر من الآيات لله عز وجل في إكرامه نبيه صلى الله عليه وسلم بما وعده من إعزازه وإظهار دينه.
أفاده أخي القليوبي حَفِظه الله.
(2)
(ينقري): هكذا في الأصل، وهو بمعنى: يُقْرَأ.
• وقال عبد الغني المقدسي في «الاقتصاد في الاعتقاد» (ص: 136): أجمع أئمة السلف والمُقتدَى بهم من الخَلَف على أنه غير مخلوق، ومَن قال:(مخلوق) فهو كافر.
• وقال الصابوني في «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص: 3): يَشهد أصحاب الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله وكتابه، ووحيه وتنزيله، غير مخلوق. ومَن قال بخَلقه واعتقده، فهو كافر عندهم
(1)
.
• والإجماع على صفة الكلام لله تعالى نَقَله الآجري في «الشريعة» (3/ 1107): فَإِنَّهُ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ اللهَ عز وجل لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى فَقَدْ كَفَرَ، يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ؟
قِيلَ: لِأَنَّهُ رَدَّ الْقُرْآنَ وَجَحَدَهُ، وَرَدَّ السُّنَّةَ، وَخَالَفَ جَمِيعَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَزَاغَ عَنِ الْحَقِّ، وَكَانَ مِمَّنْ قَالَ اللهُ عز وجل:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
وَأَمَّا الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ قَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].
• وقال أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، كما في «شرح أصول الاعتقاد» (1/ 198): سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَمَا أَدْرَكَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، وَمَا يَعْتَقِدَانِ مِنْ ذَلِكَ.
(1)
وانظر «السُّنة» لابن أبي عاصم (2/ 645) رقم (1559).
فَقَالَا: أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ - حِجَازًا وَعِرَاقًا وَشَامًا وَيَمَنًا - فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِجَمِيعِ جِهَاتِهِ. وَالْقَدَرُ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ مِنَ اللهِ عز وجل.
وَخَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا عليه الصلاة والسلام: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عليهم السلام، وَهُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ.
وَأَنَّ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَشَهِدَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ.
وَالتَّرَحُّمُ عَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، وَالْكَفُّ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ.
وَأَنَّ اللهَ عز وجل عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، بِلَا كَيْفٍ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
وَأَنَّهُ تبارك وتعالى يُرَى فِي الْآخِرَةِ، يَرَاهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بِأَبْصَارِهِمْ، وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ كَيْفَ شَاءَ وَكَمَا شَاءَ.
وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، وَهُمَا مَخْلُوقَانِ، لَا يَفْنَيَانِ أَبَدًا، وَالْجَنَّةُ ثَوَابٌ لِأَوْلِيَائِهِ، وَالنَّارُ عِقَابٌ لِأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ عز وجل.
وَالصِّرَاطُ حَقٌّ، وَالْمِيزَانُ حَقٌّ، لَهُ كِفَّتَانِ، تُوزَنُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، حَقٌّ.
وَالْحَوْضُ الْمُكْرَمُ بِهِ نَبِيُّنَا حَقٌّ. وَالشَّفَاعَةُ حَقٌّ، وَالْبَعْثُ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ حَقٌّ. وَأَهْلُ الْكَبَائِرِ فِي مَشِيئَةِ اللهِ عز وجل.
وَلَا نُكَفِّرُ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِذُنُوبِهِمْ، وَنَكِلُ أَسْرَارَهُمْ إِلَى اللهِ عز وجل.
وَنُقِيمُ فَرْضَ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ مَعَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فِي كُلِّ دَهْرٍ وَزَمَانٍ.
وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَلَا الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ، وَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِمَنْ وَلَّاهُ اللهُ عز وجل أَمْرَنَا، وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ.
وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ.
وَأَنَّ الْجِهَادَ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَ اللهُ عز وجل نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام، إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، مَعَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ. وَالْحَجُّ كَذَلِكَ.
وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ مِنَ السَّوَائِمِ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالنَّاسُ مُؤَمَّنُونَ فِي أَحْكَامِهِمْ وَمَوَارِيثِهِمْ، وَلَا نَدْرِي مَا هُمْ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل.
فَمَنْ قَالَ: (إِنَّهُ مُؤْمِنٌ حَقًّا) فَهُوَ مُبْتَدِعٌ.
وَمَنْ قَالَ: (هُوَ مُؤْمِنٌ عِنْدَ اللَّهِ) فَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ.
وَمَنْ قَالَ: (هُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ حَقًّا) فَهُوَ مُصِيبٌ.
وَالْمُرْجِئَةُ وَالْمُبْتَدِعَةُ ضُلَّالٌ. وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُبْتَدِعَةُ ضُلَّالٌ. فَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ أَنَّ اللهَ عز وجل لَا يَعْلَمُ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، فَهُوَ كَافِرٌ.
وَأَنَّ الْجَهْمِيَّةَ كُفَّارٌ. وَأَنَّ الرَّافِضَةَ رَفَضُوا الْإِسْلَامَ. وَالْخَوَارِجَ مُرَّاقٌ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ بِاللهِ الْعَظِيمِ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ.
وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ مِمَّنْ يَفْهَمُ، فَهُوَ كَافِرٌ.
وَمَنْ شَكَّ فِي كَلَامِ اللهِ عز وجل، فَوَقَفَ شَاكًّا فِيهِ، يَقُولُ:(لَا أَدْرِي مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ!) فَهُوَ جَهْمِيٌّ. وَمَنْ وَقَفَ فِي الْقُرْآنِ جَاهِلًا، عُلِّمَ وَبُدِّعَ وَلَمْ يُكَفَّرْ.
وَمَنْ قَالَ: (لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ) فَهُوَ جَهْمِيٌّ، أَوِ (الْقُرْآنُ بِلَفْظِي مَخْلُوقٌ) فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:
وَعَلَامَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ: الْوَقِيعَةُ فِي أَهْلِ الْأَثَرِ.
وَعَلَامَةُ الزَّنَادِقَةِ: تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ (حَشْوِيَّةً) يُرِيدُونَ إِبْطَالَ الْآثَارِ.
وَعَلَامَةُ الْجَهْمِيَّةِ: تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ (مُشَبِّهَةً).
وَعَلَامَةُ الْقَدَرِيَّةِ: تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ الْأَثَرِ (مُجَبِّرَةً).
وَعَلَامَةُ الْمُرْجِئَةِ: تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ (مُخَالِفَةً) وَ (نُقْصَانِيَّةً).
وَعَلَامَةُ الرَّافِضَةِ: تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ (نَاصِبَةً).
وَلَا يَلْحَقُ أَهْلَ السُّنَّةِ إِلَّا اسْمٌ وَاحِدٌ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَجْمَعَهُمْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ.
• الآثار المترتبة على القول بخَلْق القرآن الكريم:
1 -
القول بأن صفة من صفات الله تعالى مخلوقة وهذا قول الجَهْمِيَّة والكُلَّابِيَّة
(1)
والمعتزلة والإباضية، وبذلك اجتمعوا مع المشركين في قوله تعالى:{فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 24، 25].
2 -
تعطيل الصفات، وقد قال تعالى في الأصنام:{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف: 148].
(1)
وهم أتباع عبد اللَّه بن سعيد بن كُلّاب، المُتكلِّم البَصري.
وقال تعالى: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} [الأنبياء: 63، 64]
3 -
الاستخفاف بالنصوص، وجَعْلها بمنزلة النص الأدبي للنقد كما زعم فلان وفلان وفلان.
4 -
إنكار صلاحية القرآن لكل زمان ومكان، ونَفْي الإعجاز عنه، قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].
5 -
إسقاط تعظيم النصوص في نفوس البشر.
أفاده الباحث/ أحمد بن سعيد بن شفيق أبو سريع السويفي، حَفِظه الله
(1)
.
• خبر آخر أخرجه الحاكم في «مستدركه» رقم (2039): أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي
(1)
وُلد بقرية (أطواب) مركز الواسطة، محافظة بني سويف.
من الأبحاث التي رَاجَعها شيخنا وقَدَّم لها:
1 -
«أربعون حديثًا في فضل تلاوة القرآن» .
2 -
وراجع بحث «ما لم يَثبت فيه حديث، قِسم العبادات، وقِسم العقيدة» تمت مراجعته ولما يقدم له.
ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ لَا تَرْجِعُونَ إِلَى اللهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ - يَعْنِي الْقُرْآنَ -» وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ورواه الإمام أحمد في «الزهد» (190) و «السُّنة» (81، 1040) لابنه عبد الله، به، عن جُبَيْر بن نُفَيْر مرسلًا.
وتابع الإمامَ أحمد محمدُ بن يحيى، كما في «المراسيل» (534) لأبي داود. وإسحاق بن منصور كما عند الترمذي (2917) والحسن بن علي الواسطي وعبد الرحمن بن منصور، وعبد الرحمن بن المبارك. لكن أسانيد هؤلاء ضعيفة.
ورواه ليث بن أبي سُليم واختُلف عليه:
فتارة رواه عن عيسى - وهو مجهول - عن زيد بن أرطأة، به مرسلًا، كرواية الجماعة. أخرجه الطبراني في «الكبير» (1614).
وتارة جعله من مسند أبي أمامة بالشاهد. أخرجه الترمذي (2917) وغيره.
وتارة بإثبات عيسى دون الشاهد. أخرجه ابن أبي شيبة (7519).
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث صالح بن أحمد، بتاريخ (11) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (16/ 11/ 2021 م) إلى أن الصواب الإرسال.
علو الله عز وجل مُجْمَع عليه
• تواترت أدلة العلو لله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16]
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18]
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61] إلخ.
• وفي حديث معاوية بن الحَكَم السُّلَمي: «كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: «ائْتِنِي بِهَا» فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا:«أَيْنَ اللهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»
(1)
.
(1)
أخرجه مسلم (537) وغيره من طرق عن همام وحرب بن شداد وأبان وغيرهم.
وخالفهم مَعْمَر، كما عند عبد الرزاق بلفظ:«فأشارت إلى السماء» وهذه اللفظة على شذوذها يَستدل بها المؤولة.
والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أبي الحسن إبراهيم فَرَّاج، بتاريخ (18) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (26/ 8/ 2021 م): شاذة.
ووردت من حديث عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، رواها عنه ابن شهاب، واختُلف عليه، فرواه عنه مالك كما في «الموطأ» ويونس كما في «السُّنن الكبرى» (9986) على الإرسال.
وخالفهما مَعْمَر فوَصَله، كما عند عبد الرزاق (17880) وأحمد (15743).
والأصح الإرسال، وهو اختيار شيخنا مع الباحث أبي الحسن إبراهيم فَرَّاج.
ووردت من حديث أبي هريرة، أخرجه أبو داود في «سُننه» (3284) وغيره، من طريق المسعودي. وإسناده ضعيف؛ لأن الرواة عنه جميعًا بعد الاختلاط.
وجاءت القصة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (30343) وفيه:«أتَشهدين أن لا إله إلا الله؟» وفي سنده ابن أبي ليلى، ضعيف.
ووردت القصة من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، واختُلف عليه، فرواه عنه حماد بن سلمة عن الشَّريد، أخرجه أحمد (19466) وفي لفظه: «مَنْ ربك
…
».
وأشار النَّسَائي إلى إعلال هذا الطريق، فقال: رواه أبو معاوية وعبد العزيز بن مسلم على الإرسال.
ورواه عبد العزيز بن مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: في السماء. كرواية مسلم.
وأخرجه عبد الرزاق (6851) عن محمد بن عمرو عن عمرو بن أوس عن رجل من الأنصار. وفي سندها شيخ عبد الرزاق (أبو بكر بن محمد) متهم.
وأخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (4991) وإسناده حسن.
وثَم أحاديث أُخَر، منها ما أخرجه البخاري (4351) ومسلم (1064) من حديث علي، وفيه:«أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ؟ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً» .
• وقال ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (7/ 136): أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَجَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى عَلَى
عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، لَا يَأْبَى ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَنِ انْتَحَلَ مَذَاهِبَ الْحُلُولِيَّةِ، وَهُمْ قَوْمٌ زَاغَتْ قُلُوبُهُمْ، وَاسْتَهْوَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، فَمَرَقُوا مِنَ الدِّينِ، وَقَالُوا:(إِنَّ اللَّهَ ذَاتَهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ) فَقَالُوا: (إِنَّهُ فِي الْأَرْضِ كَمَا هُوَ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ بِذَاتِهِ حَالٌّ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ) وَقَدْ أَكْذَبَهُمُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَأَقَاوِيلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. ا هـ.
ونَقَل الإجماع كذلك عدد.
• الخلاصة: وَصَّى شيخنا الباحث أبا البخاري محمد بن محمود بن علي آل مسلم، بتاريخ (7) شوال (1442 هـ) الموافق (19/ 5/ 2021 م) بضم الآثار المترتبة على القول بأنه في كل مكان، وأول مَنْ أثار هذه الضلالة.
• أفاد الباحث أن أول مَنْ أثارها هو الجعد بن درهم، وتَلَقَّفَها عنه الجَهْم بن صفوان وعنه انتشرت.
• وتَبِع الجهميةَ متأخرو الأشاعرة، بخلاف المتقدمين منهم كأبي الحسن وأصحابه، فإنهم يُثبتون علو الله على عرشه.
• فائدة: ثبتت الإشارة إلى السماء عن عمر بن الخطاب وسَمُرة بن جُنْدُب رضي الله عنهما:
أما أثر عمر رضي الله عنه، فأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (36111): حَدَّثنا وَكِيعٌ
(1)
، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ اسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ رَكِبْتَ بِرْذَوْنًا، يَلْقَاكَ عُظَمَاءُ النَّاسِ وَوُجُوهُهُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَرَاكُمْ هَاهُنَا، إِنَّمَا الأَمْرُ مِنْ هَاهُنَا. وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى
(1)
وأخرجه من طريق وكيعٍ الخَلَّالُ في «السُّنة» (294).
السَّمَاءِ.
وأما أثر سَمُرة بن جُنْدُب، فأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (33869) حَدَّثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخبرَنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ، فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ، فَتَعَاقَبُوهَا إِلَى الظُّهْرِ مِنْ غَدْوَةٍ، يَقُومُ قَوْمٌ وَيَجْلِسُ آخَرُونَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا سَمُرَةُ، أَكَانَتْ تُمَدُّ؟ قَالَ سَمُرَةُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَعْجَبُ؟! مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا مِنْ هَاهُنَا. وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ.
وتابع ابنَ أبي شيبة محمدُ بن بشار، أخرجه الترمذي (2645) والنَّسَائي (6531). وتابعهما عثمان بن محمد، أخرجه الدارمي (58) وابن حِبان (6623).
وانتهى شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف إلى صحة الأثرين.
• وَيْلٌ لَكَ مِنْ يَوْمٍ يَضَعُ الْمَلِكُ كُرْسِيَّهُ
• وردت عدة أخبار كلها ضعيفة، منها حديث جعفر بن أبي طالب مرفوعًا، أخرجه ابن أبي عاصم في «السُّنة» رقم (594) من طريق عَمْرِو بْن أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، لَقِيَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«حَدِّثْنِي بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ» قَالَ: مَرَّتِ امْرَأَةٌ عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ فِيهِ طَعَامٌ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ، فَأَصَابَهَا، فَرَمَى بِهَا، فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ وَهِيَ تُعِيدُهُ فِي مِكْتَلِهَا، وَهِيَ تَقُولُ: وَيْلٌ لَكَ مِنْ يَوْمٍ يَضَعُ الْمَلِكُ كُرْسِيَّهُ، فَيَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ! فَضَحِكَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ:«كَيْفَ يُقَدِّسُ اللهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهَا مِنْ شَدِيدِهَا حَقَّهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ» .
وتابع عَمْرًا منصور بن الأسود، أخرجه البزار (2464) وتابعهما خالد الواسطي، أخرجه عثمان بن سعيد في «نقض الإمام أبي سعيد عثمان» (1/ 419) وتابعهم حماد بن سلمة لكن بسند نازل جدًّا، أخرجه ابن المحب في «صفات رب العالمين» (812) وفي سنده إبراهيم بن محمد بن الحارث، له غرائب.
• والخلاصة: أن عطاء اختَلط، وخالد عنه بعد الاختلاط، وحماد في الحالين، ومنصور وعمرو لم يتميز حالهما قبل أو بعد.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (35666) من طريق سعد بن مَعْبَد القرشي عن أسماء بنت عُمَيْس عن جعفر موقوفًا.
وفي سنده سعد بن مَعْبَد، مقبول. وزكريا بن أبي زائدة مدلس وعنعن، وسَمِع من أبي إسحاق بعد الاختلاط.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف، بتاريخ (27) صَفَر (1443 هـ) الموافق (3/ 10/ 2021 م) عن طريق حماد بن سلمة: نزول السند مع ما به من له غرائب لا يشجعنا أبدًا على التصحيح في باب المُعتقَد.
• تنبيه: اختلفت ألفاظ الخبر، فالموقوف بلفظ:(يَجلس) والمرفوع كل من رواه عن عطاء بلفظ (يضع) إلا حماد، بلفظ:(يقعد).
الله عز وجل جميل
• أخرج مسلم رقم (91): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِي يَحْيَى ابْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» .
• وتَابَع ابنَ المثنى جَمْع على المتن، والأكثر عن يحيى بن حماد بذكر: «إن الله جميل
…
».
• وخالف يحيى بنَ حماد عن شعبة اثنان، فلم يذكرا الزيادة:
أ - أبو الوليد الطيالسي كما عند مسلم (91).
ب - رَوْح بن عبادة كما عند ابن خُزيمة (2/ 771).
وتابعهم حَجاج بن أرطأة واختُلف عليه، فرَفَعه يزيد بن هارون، وخالفه أبو خالد الأحمر. ورواية يزيد أرجح إِنْ تَحَمَّل حَجاجٌ الخلاف.
ورواه ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ» أخرجه مسلم.
• وتابع عليَّ بن مُسْهِر سعيدُ بن حسان وأبو بكر بن عياش وغيرهما.
• ورواه الجماعة - أحمد بن إسحاق، وعبد الواحد بن عثمان، وعفان وغيرهم - عن عبد العزيز بن مسلم القَسْمَلي، كرواية ابن مُسْهِر.
• وخالف الجميعَ عارمُ بن النعمان في السند، فقال: عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن جَعْدة، عن ابن مسعود، وزاد في المتن:(إن الله جميل).
وعِلل هذا الطريق:
1 -
يحيى بن جعدة لم يَسمع ابن مسعود.
2 -
وصَوَّب أبو حاتم والدارقطني الإرسال من وجوه أُخَر في طريق يحيى بن جعدة.
• تنبيهات:
1 -
سياق الإمام مسلم لهذا الخبر وتصديره برواية يحيى بن حماد - يؤيد قَبولها، لكن إدخاله رواية الأعمش بين الطريقين إلى فُضيل والطريق الثانية التي خَتَم بها لم يَذكر فيها الزيادة.
2 -
ذِكر لفظ: (قال) عقب سؤال الرجل - قد يَفهم منه شخصٌ الإدراج لعدم علمه مَنْ قائل: (إن الله جميل) وفي الطرق خارج مسلم دون سؤال الرجل.
3 -
ثَم شواهد ضعيفة، منها ما أخرجه الروياني في «مسنده» رقم (1003): نَا ابْنُ إِسْحَاقَ، نَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ، نَا يُونُسُ بْنُ حَلْبَسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّى رَجُلٌ أُحِبُّ الْجَمَالَ، حَتَّى فِي نَعْلِي وَجِلَاءِ سَوْطِي، وَإِنَّ قَوْمِي يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ كِبْرٍ مِنِّي، وَذَلِكَ يُؤْذِينِي! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ،
وَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْكِبْرِ، إِنَّمَا الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ الْحَقَّ وَتغْمِصَ النَّاسَ»
منقطع بين أبي إدريس وثابت، والسند إليه ضعيف، وثابت هو الصحابي الوحيد الذي نُفِّذَتْ وصيته بعد موته.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث ياسر بن الدسوقي اليماني
(1)
إلى صحة الإسناد زيادة «إن الله جميل» .
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث/ عماد الدمياطي، بتاريخ (24) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (3/ 8/ 2021 م) زيادة مقبولة، وأخرجها مسلم، وسندها صحيح ولم تُنتقد.
• قال ابن القيم في «النونية» :
وهو الجميل على الحقيقة كيف لا
…
وجمال سائر هذه الأكوان
من بعض آثار الجميل فربها
…
أولى وأجدر عند ذي العرفان
فجماله بالذات والأوصاف وال
…
أفعال والأسماء بالبرهان
لا شيء يشبه ذاته وصفاته
…
سبحانه عن إفك ذي بهتان
(1)
وُلد بالمحلة الكبرى، حاصل على ليسانس دعوة إسلامية، والدكتوراه في علوم الحديث، من جامعة مانوستا الأمريكية، عام (2020 م).
له من الكتب التي راجعها شيخنا وقَدَّمها له:
1 -
«الإيمان» لأبي عُبيد، ط/ اللؤلؤة.
2 -
«الشرك وأنواعه وصوره» ط/ دار اللؤلؤة ثم عباد الرحمن.
3 -
«الصفات العلا» ط/ دار اللؤلؤة ثم عباد الرحمن.
4 -
«المسند الجامع للحدود» ط/ دار اللؤلؤة ثم عباد الرحمن.
5 -
«ثبوت الرجم في الإسلام» تحت الطبع.
• تنبيه: قال شيخنا بتاريخ (16) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (24/ 8/ 2021 م) في اختياره: إن الجميل وصف، ولا بد في ضبط الاسم والصفة من أمور أربعة:
1 -
التحرير اللفظي والإسنادي.
2 -
قواعد اللغة.
3 -
كيفية الدعاء به.
4 -
إثبات الأولين.
السمع والبصر
• قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
• قال أبو داود في «سُننه» رقم (4728): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسَائِيُّ، الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ - يَعْنِي ابْنَ عِمْرَانَ - حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ» قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ الْمُقْرِئُ: يَعْنِي: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، يَعْنِي أَنَّ لِلَّهِ سَمْعًا وَبَصَرًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ:«وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ» .
وتابع شيخَي أبي داود محمدُ بن يحيى الذُّهْلي، أخرجه ابن خُزيمة في «التوحيد» (46) وابن حِبان (624).
وتابعهم هشام بن صِدِّيق، أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (381).
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف، بتاريخ (14) مُحَرَّم (1442 هـ) الموافق (22/ 8/ 2021 م): سنده صحيح.
• قلت (أبو أويس): أبو يونس سُليم بن جُبير وثقه النَّسَائي وابن حِبان، وروى عنه خمسة، وأخرج له مسلم
(1)
وعليه فالخبر لديَّ سنده صحيح.
وفي الباب رواية مدرجة «وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ» أخرجها البخاري، رقم (7407) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ - وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ» .
وورد بسند فيه ابن لَهيعة: فأشار بيده إلى عينه.
(1)
أخرج مسلم رقم (217): وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا زُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ، مِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ» .
صفة اليدين لله عز وجل
-
• قال تعالى: {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: 75].
• وقال الإمام مسلم رقم (2759): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ
(1)
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللهَ عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» .
• وأخرجه مسلم أيضًا رقم (179): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ
(2)
، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعٍ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُهُ، وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ» .
• وتابع شعبةَ على اللفظين الأعمش والعلاء بن المُسيب، بينما الثوري والمسعودي اقتصرا على «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ .... » .
(1)
هو عامر بن عبد الله، وثقه ابن مَعِين وهو من رجال الصحيحين.
(2)
تنبيه من الباحث: وثقه ابن مَعِين، وأَخْرَج له مسلم، وقال البخاري: كثير الغلط. وجاءت الرواية بالعنعنة.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا للباحث/ إبراهيم بن حسن العَزَّازي
(1)
بتاريخ السبت (19) رمضان (1442 هـ) الموافق (2/ 5/ 2021 م): لا نرى - والله أعلم - أن بأحدهما علة.
1 -
وخاصة المتن غير مستنكر، وشواهد الشريعة تَشهد.
2 -
ومسلم أخرجها.
3 -
لم نقف على أحد طَعَن فيها.
(1)
وُلد بألمانيا، نزيل منية سمنود. عَرَض على شيخنا:
1 -
أحاديث متفرقة.
2 -
بحثًا في حُكم صلاة الجماعة.
كَتَبَ الله بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (9597): حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» وتابع يحيى جماعة بإثبات صفة اليد.
بينما رواه الجماعة - أبو صالح، وأبو رافع في الأصح في الطريق إليه، وعطاء، والأعرج - عن أبي هريرة دونها
(1)
كما في «الصحيحين» وغيرهما، أخرجه البخاري رقم (3194) ومسلم رقم (2751): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا قَضَى
(2)
اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ
(3)
غَضَبِي».
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث إبراهيم العزازي، بتاريخ (23) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (5/ 4/ 2021 م): هذه الزيادة من طريق ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة - مُخالِفة للثقات عن أبي هريرة الذين لم يَذكروها.
(1)
إلا في طريق مرجوحة عن مُعتمِر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه، فقد زادها أبو سلمة عن مُعتمِر، وخالفه بدونها جماعة، وأخرجها البخاري وأحمد بدونها.
(2)
في رواية مسلم: (خَلَقَ).
(3)
في رواية مسلم: (تَغْلِبُ).
لكن صفة اليد ثابتة من وجوه كثيرة على الوجه اللائق بربنا جل وعز.
ما جاء في الخِنصَر
(1)
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (12260): حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143] قَالَ: " قَالَ: هَكَذَا، يَعْنِي أَنَّهُ أَخْرَجَ طَرَفَ الْخِنْصَرِ " قَالَ: أَبِي: «أَرَانَاهُ مُعَاذٌ» قَالَ: فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ: مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَهُ ضَرْبَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا حُمَيْدُ؟ وَمَا أَنْتَ يَا حُمَيْدُ؟ يُحَدِّثُنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَقُولُ أَنْتَ: مَا تُرِيدُ إِلَيْهِ؟
وتابع معاذَ بن معاذ رَوْح بن عُبَادة، أخرجه أحمد (13178) وسليمان بن حرب، أخرجه الترمذي (3074) وفيه:«أمسك بطرف إبهامه على أنملة أصبعه اليمنى، قال: فساخ الجبل» وهُدْبَة بن خالد، أخرجه ابن أبي عاصم في «السُّنة» (480).
وتابع حمادًا شُعبة، أخرجه الطبراني في «الأوسط» وفي سنده داود بن المُحبر متروك. وإسحاق بن داود بن صُبَيْح صاحب مناكير.
وتابع ثابتًا قتادة، كما في «السُّنة» (482) لابن أبي عاصم.
(1)
انظر: «إبطال التأويلات لأخبار الصفات» (1/ 336) للقاضي أبي يعلى.
وتابع ثابتًا معاوية بن قُرَّة، كما في «الحِلْيَة» وفي لفظه:«طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت بالمدينة» وفي سنده الجَلْد بن أيوب، وهو متروك.
• والخلاصة: أن البزار قال: لا يُعْرَف إلا من رواية حماد عن ثابت. وكذا الترمذي وحَسَّن إسناده. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وكذا صَحَّح إسناده المقدسي.
وأما أبو زُرْعَة في «الضعفاء» فنَصَّ على وقفه وهو مقتضى سياق كلامه. بينما في «العلل» لابن أبي حاتم فيه الرفع موافقة لظاهر السند. وذَكَر ابن عَدِيّ في «ذخيرة الحفاظ» أنه موقوف من طريق قتادة. وذَكَره ابن الجوزي في «الموضوعات» .
أفاده الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف، بتاريخ (9) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (14/ 11/ 2021 م) وطَلَب شيخنا مزيد بحث.
وقال شيخنا من قبل، بتاريخ الاثنين (19) من صَفَر (1440 هـ) الموافق (29/ 10/ 2018 م) مع الباحث أحمد بن علي: رواية حماد عن ثابت عن أنس ثابتة، ولا التفات إلى استنكار حُميد على ثابت.
صفة مسح ظَهْر آدم
• وردت فيه أخبار:
1 -
قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (311): حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنِي مَالِكٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ: وحَدَّثَنَا مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الْآيَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ، وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ. ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ» .
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ عز وجل إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ. وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ» .
وتابع رَوْحًا وإسحاق ومصعبًا مَعْنُ بن عيسى، أخرجه الترمذي (3075) وقُتيبة بن سعيد، أخرجه النَّسَائي (11126) وعبد الله القَعْنَبِي، أخرجه أبو داود
في «سُننه» (4703).
وخالف مالكًا اثنان من الضعفاء - وهما: يزيد بن سنان وعمر بن جعثم - فأثبتا واسطة بين مسلم وعمر، وهي نُعَيْم بن ربيعة، وهو مقبول عند ابن حجر، ولا يُعْرَف عند الذهبي. ورَجَّح الدارقطني في «العلل» إثبات الواسطة. ومسلم بن يسار الجُهَني لم يَسمع من عمر.
والأرجح من حيث ظاهر السند طريق مالك، لكنه كان يقصر، وبخاصة إذا كان الراوي ضعيفًا عنده، فلعل هذا هو سر ترجيح الدارقطني إثبات الواسطة.
والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف إلى ضعف الخبر، بتاريخ (9) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (14/ 11/ 2021 م).
2 -
قال أبو يعلى في «مسنده» رقم (6377 - 6396): حَدَّثنا أَبُو هَمَّامٍ، حَدَّثنا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ تَكُونُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَعَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَرَأَى فِي وَجْهِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ، فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ لَهُ وَبِيصٌ أَعْجَبَهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا رَبِّ؟ قَالَ: هَذَا مِنْ وَلَدِكَ، اسْمُهُ دَاوُدُ. قَالَ: وَكَمْ عُمْرُهُ يَا رَبِّ؟ قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً. قَالَ: زِدْهُ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: إِذًا يُكْتَبُ وَيُخْتَمُ وَلَا يُبَدَّلُ. قَالَ: فَلَمَّا نَفَذَ عُمْرُ آدَمَ إِلَى الأَرْبَعِينَ الَّتِي وَهَبَهَا لِدَاوُدَ، أَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ، فَقَالَ آدَمُ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً. قَالَ: أَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ؟ قَالَ: فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، فَرَأَى فِيهِمُ القَوِيَّ وَالضَّعِيفَ وَالغَنِيَّ وَالفَقِيرَ وَالمُبْتَلَى. قَالَ: يَا رَبِّ أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُشْكَرَ» .
وخالف ابنَ وهب خَلَّادُ بن يحيى، فأَبْدَل عطاء بن يسار بأبي صالح. أخرجه البزار (8892) وخَلَّاد صدوق، في أحاديثه غلط كثير.
ومدار الخبر على هشام بن سعد المدني، والأكثر من المتقدمين على ضعفه إلا أبا داود، فإنه قال: ثقة وهو أَثْبَتُ الناس في زيد بن أسلم.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف، بتاريخ (9) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (14/ 11/ 2021 م): المتن فيه غرابة ونكارة من عدة وجوه:
1 -
آدم كيف عَرَف أن عمره ألف سنة؟
(1)
.
2 -
كيف يَسُوغ له أن يَهَب؟
3 -
كَوْن داود أوضأ - أو: مِنْ أوضأ - ذريته
(2)
.
فنجنح الآن إلى أن السند يُضعَّف، ويُتحفظ على قول أبي داود في هذا المقام، ونبقى مع أكثر العلماء القائلين بتضعيف هشام، فضلًا عن الخلاف في السند.
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث حسان بن عبد الرحيم، بتاريخ (26) ربيع الآخِر (1443 هـ)(1/ 12/ 2021 م).
3 -
قال الإمام أحمد في «مسنده» (2270): حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا
(1)
وقد يَرِد على ذلك قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27].
(2)
في رواية أبي يعلى: «فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ لَهُ وَبِيصٌ أَعْجَبَهُ» وعند غيره (أزهر).
نَزَلَتْ آيَةُ الدَّيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَحَدَ آدَمُ؛ - أَوْ: أَوَّلُ مَنْ جَحَدَ آدَمُ -، إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا خَلَقَ آدَمَ، مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ ذَرَارِيَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَ يَعْرِضُ ذُرِّيَّتَهُ عَلَيْهِ، فَرَأَى فِيهِمْ رَجُلًا يَزْهَرُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، كَمْ عُمْرُهُ؟ قَالَ: سِتُّونَ عَامًا. قَالَ: رَبِّ زِدْ فِي عُمْرِهِ. قَالَ: لَا، إِلا أَنْ أَزِيدَهُ مِنْ عُمْرِكَ. وَكَانَ عُمْرُ آدَمَ أَلْفَ عَامٍ، فَزَادَهُ أَرْبَعِينَ عَامًا، فَكَتَبَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةَ.
فَلَمَّا احْتُضِرَ آدَمُ، وَأَتَتْهُ الْمَلائِكَةُ لِتَقْبِضَهُ، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ عَامًا. فَقِيلَ: إِنَّكَ قَدْ وَهَبْتَهَا لِابْنِكَ دَاوُدَ. قَالَ: مَا فَعَلْتُ. وَأَبْرَزَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ».
• والخلاصة: أن في سنده يوسف بن مِهران وهو لين. وعلي بن زيد بن جُدْعَان، وهو ضعيف، وإن كان بعض العلماء يقوي رواية حماد عنه.
صفة الحثو لله عز وجل
-
• قال الإمام أحمد «مسنده» رقم (22303): حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَا عَذَابٍ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي» .
وهذا السند مداره على إسماعيل بن عَيَّاش، وهو صدوق في الشاميين، ومحمدُ بن زياد هو الألهاني، كما عند ابن ماجه رقم (4286) حمصي.
وتابع محمدَ بن زياد أبو اليمان الهَوْزَنِيّ وسُليم بن عامر، أخرجه أحمد (222156) وهو مقبول. وسُليم بن عامر قال عنه ابن عَدِيّ: يَروي المناكير. وفي «ذخيرة الحفاظ» : أنكرت عليه هذه النسخة.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم المنوفي، بتاريخ (23) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (28/ 11/ 2021 م): إسناده حسن.
وله شاهد من حديث عُتبة بن عبدٍ السُّلَمي، بلفظ:«يحثي بكفه ثلاث حثيات» أخرجه أبو سعيد «نقضه» وفي سنده عامر بن زيد البِكَالي، ترجمه البخاري وابن أبي حاتم، ولم يَذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. وذَكَره ابن حبان في «الثقات» ولم يعرفه أبو زُرْعَة العراقي. وهو يَرجع إلى حديث أبي سعيد
الأنماري، فإن مدارهما على معاوية بن سَلَّام. وفي الأول سقط زيد بن سَلَّام، وفي الثاني قيس الكِنْدي، مختلف في نسبته.
وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر، أخرجه أحمد (1706) وفيه «وحثا عبد الله
…
».
وورد من حديث أبي هريرة: «قال أبو بكر: يا عمر، إنما نحن حفنة من حفنات الله» وفي سندها إسحاق بن أبي فروة، وهو متروك.
وفي «مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» (ص: 405): وَرَدَ لَفْظُ الْيَدِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فِي أَكْثَرِ مِنْ مِائَةِ مَوْضِعٍ، وُرُودًا مُتَنَوِّعًا مُتَصَرَّفًا فِيهِ، مَقْرُونًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا يَدٌ حَقِيقَةً مِنَ الْإِمْسَاكِ وَالطَّيِّ، وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ، وَالْمُصَافَحَةِ وَالْحَثَيَاتِ، وَالنَّضْحِ بِالْيَدِ، وَالْخَلْقِ بِالْيَدَيْنِ، وَالْمُبَاشَرَةِ بِهِمَا، وَكَتْبِ التَّوْرَاةِ بِيَدِهِ، وَغَرْسِ جَنَّةِ عَدْنٍ بِيَدِهِ، وَتَخْمِيرِ طِينَةِ آدَمَ بِيَدِهِ، وَوُقُوفِ الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيْهِ
…
إلخ.
الريح من روح الله
• قال يعقوب عليه السلام لأبنائه: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]
(1)
.
(1)
أخرج الطبري في «تفسيره» (13/ 314) بسند حسن عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ:{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87]: " أَيْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
وصح عن عن ابن زيد فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87] قَالَ: «مِنْ فَرَجِ اللَّهِ، يُفَرِّجُ عَنْكُمُ الْغَمَّ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ» وبإسناد حسن عن السدي به.
وقال الطبري في «تفسيره» (13/ 314): {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87] يَقُولُ: لَا يَقْنَطُ مِنْ فَرَجِهِ وَرَحْمَتِهِ وَيَقْطَعُ رَجَاءَهُ مِنْهُ {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] يَعْنِي: الْقَوْمَ الَّذِينَ يَجْحَدُونَ قُدْرَتَهُ عَلَى مَا شَاءَ تَكْوِينُهُ.
وقد أضيفت الروح في قصص آدم وعيسى عليهما الصلاة والسلام وهي مخلوقة فقد قال قوام السنة في «الحجة لقوام السنة» (1/ 506): لَا خِلافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الأَرْوَاحَ الَّتِي فِي آدم وبنيه وَعِيسَى وَمن سَوَاء مِنْ بَنِي آدَمَ كُلّها مخلوقة، اللَّه خلقهَا وانشأها وَكَونهَا واخترعها، ثُمَّ أضافها إِلَى نَفسه، كَمَا أضَاف سَائِر خلقه ". قَالَ اللَّه عز وجل:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} .
وقال ابن تيمية في ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) (4/ 396): قولهم: لأنه ليس خالق إلا الله وكلمته وروحه إن أرادوا بكلمته كلامه وبروحه حياته فهذه من صفات الله كعلمه وقدرته فلم يعبر أحد من الأنبياء عن حياة اللة بأنها روح اللة فمن حمل كلام أحد من الأنبياء بلفظ الروح أنه يراد به حياة الله فقد كذب فالخالق هو الله وحده وصفاته داخلة في مسمى اسمه لا يحتاج أن تجعل معطوفة على اسمه بواو التشريك التي تؤذن أن لله شريكا في خلقه فإن الله لا شريك له.
قال الإمام أحمد رقم (7631) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَخَذَتِ النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَاجٌّ، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ: مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الرِّيحِ؟ فَلَمْ يُرْجِعُوا إِلَيْهِ شَيْئًا، فَبَلَغَنِي الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَاسْتَحْثَثْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أُخْبِرْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنِ الرِّيحِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ، وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا، فَلَا تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا»
تابع معمرا الأوزاعي و يونس بن يزيد أخرجه أحمد (9299، 10714). وثابت بن قيس تفرد بالرواية عنه الزهري ووثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن حجر.
وتابعه سعيد بن المسيب من طريقين عنه في أحدهما عمران القطان ضعيف وفي الآخر طلق بن السمح مقبول. أخرجه النسائي (10699) والبزار (7812) وعلى ما سبق فالسند صحيح لدي.
• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث د إبراهيم بن يوسف بتاريخ 15 جمادى الأولى 1443 هـ الموافق 19/ 12/ 2021 م: بعد الاطلاع على ما أورده أخي إبراهيم - حفظه الله - تبين أن الطرق التي فيها الريح من روح الله
كلها فيها مقال والثابت لا تسبوا الريح لكن كلمة من روح الله لها شواهد اذكرها.
وللخبر شاهد من حديث أبي بن كعب أخرجه أحمد (21139) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِنَّهَا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَسَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ»
وخالف الأعمش أسباط بن محمد في السند فلم يذكر ذر بن عبد الله وفي المتن فلم يذكر الشاهد وهو «فَإِنَّهَا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ» أخرجه أحمد (21138) ورواية الأعمش أرجح لكن في سندها محمد بن يزيد الكوفي وهو مجهول.
نزول الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا
• قال الإمام مسلم رقم (758): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْأَغَرِّ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» .
وتابع أبا سلمة وأبا عبد الله الأغر: أبو صالح، وسعيد المَقبُري، ونافع بن جُبير
…
وغيرهم.
وخالفهم سعيد بن مَرجانة، وعنه سعد بن سعيد الأنصاري، فزاد:«ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ تبارك وتعالى، يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ وَلَا ظَلُومٍ؟» .
• والخلاصة: الخبر صحيح والزيادة ضعيفة؛ لأن سعد بن سعيد الأنصاري ضَعَّفه أحمد، وكذلك ابن مَعِين في رواية، وقال النَّسَائي: ليس بالقوي. وقال الترمذي: تكلموا فيه مِنْ قِبل حفظه.
بينما وثقه ابن سعد، وقال الدارقطني: ليس به بأس. وقال ابن مَعِين في رواية: صالح. وقال ابن عَدِي: له أحاديث صالحة تَقْرُب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأسًا بمقدار ما يرويه.
وانتهى شيخنا مع الباحث أحمد بن علي، في يوم الخميس (5) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (15/ 7/ 2021 م) إلى أن النهائي في سعد بن سعيد أنه ضعيف.
صفة الاستحياء لله عز وجل
-
• صفة الاستحياء ثابتة لله تعالى بالكتاب والسُّنة، وليس كاستحياء الخَلْق لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65].
أما الدليل من الكتاب العزيز، فقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] وقوله جل ذكره {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53].
• وأما الدليل من السُّنة، فحديث أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِىِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِى الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَ وَاحِدٌ. قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِى الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ»
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (66) ومسلم (2176).
وحديث أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ:«نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ»
(1)
.
وما أخرجه النَّسَائي في «سُننه» رقم (407): أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل سِتِّيرٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلْيَتَوَارَ بِشَيْءٍ» .
وخالف أبا بكر زهيرٌ، فأَسْقَط صفوان، أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (4012) وأتى بالمتن تامًّا عن عبد الملك بن أبي سليمانَ العَرْزَمي، عن عطاء، عن يَعْلَى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يغتسل بالبَراز بلا إزار، فصَعِد المِنبر، فحَمِد الله وأثنى عليه، ثم قال:«إِنَّ اللهَ عز وجل حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ» .
وتابع زهيرًا ابنُ أبي ليلى - وهو ضعيف - أخرجه وكيع في «الزهد» (387) وعنه أحمد (18251).
وخالفهم ابن جُريج كما عند عبد الرزاق (1111) فأرسله عن عطاء مع قصة.
وقال أبو حاتم عن طريق أبي بكر بن عَيَّاش: ليس بذاك.
واستَنكر أحمد وصله. وحَمَّل الدارقطني الأسود وصله.
(1)
أخرجه البخاري (130) ومسلم (313).
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد أبو عسكرية، بتاريخ الأحد (18) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (24/ 10/ 2021 م): الخبر ضعيف الإسناد.
والحديث الثالث، حديث سلمان أخرجه إسماعيل بن جعفر في ((حديثه)) رقم (127) - حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، أَنَّهُ قَالَ:«إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي أَنْ يَمُدَّ عَبْدُهُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ يَيسه غْأَلُهُ خَيْرًا ثُمَّ يَرُدَّهُمَا صِفَرًا»
وتابع حميدًا وهو الطويل على الوقف سليمان التيمي وثابت وسعيد الجريري.
وخالفهم جعفر بن ميمون فرفعه، أخرجه أبو داود (1488) والترمذي (3556) وابن ماجه (3865) وجعفر مختلف فيه فقد قال أحمد والنسائي: ليس بقوي
…
إلخ.
• والخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث د إبراهيم بن يوسف بتاريخ 15 جمادى الأولى 1443 موافق 19/ 12/ 2021 م: الموقوف أصح.
صفة العَجَب
• قال تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12] بضم التاء على قراء حمزة والكِسائي
(1)
.
ومن صحيح السُّنة: ما أخرجه البخاري رقم (3010): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«عَجِبَ اللهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ» .
وسيأتي في صفة الضحك في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة س مرفوعًا: «لَقَدْ عَجِبَ اللهُ عز وجل أَوْ: ضَحِكَ - مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ» .
وأخرج أحمد (17443) وأبو داود في «سُننه» (666) والنَّسَائي (677) وابن حِبان (1660) من طرق عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي عشانة، عَنْ عُقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةِ الْجَبَلِ، يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل:
(1)
انظر «حجة القراءات» (ص/ 606) لابن زنجلة.
وفي الباب قوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} البقرة: 175]، وقوله:{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17]، وقوله:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [مريم: 38]، وقوله:«مَا أَغَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» في قراءة سعِيد بن جُبَيْر.
أفادني بهذه الآيات الأربع شيخنا/ د: علي بن لقم حَفِظه الله، في (3) ربيع الأول (1434 هـ). وانظر:«الإتقان في علوم القرآن» (2/ 288).
انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا، يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ».
وتابع عمرَو بن الحارث ابنُ لَهيعة، أخرجه أحمد (17312).
• والخلاصة: أن سند أحمد والنَّسَائي صحيح؛ لأن أبا عشانة وثقه غير واحد.
بينما كَتَب شيخنا مع الباحث/ إبراهيم بن عبد الرحمن، بتاريخ (16) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (24/ 8/ 2021 م): سنده حسن.
صفة التبشبش
• قال الإمام أحمد رقم (8350): حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، وَابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُوَطِّنُ - قَالَ ابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ: لَا يُوَطِّنُ - رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ بِهِ حَتَّى يَخْرُجَ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ، إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ» .
• وتابع أبا النضر وابنَ أبي بكير جماعةٌ - ابن وهب وشَبَابة وحَجاج والطيالسي وآدم بن أبي إياس
…
وغيرهم، ولم يُختلَف عليه.
• وتابع ابنَ أبي ذئب محمدُ بن عجلان، واختُلف عليه في الوقف والرفع، والرفع أسند إن لم يَرجع الخلاف لابن عجلان. أخرجه ابن خُزيمة (359) والدارقطني على الوجهين في «العلل» .
• وتابعهما في الرفع - ابن أبي ذئب وابن عجلان في الأسند عنه - الليث بن سعد في رواية مرجوحة عنه:
• رواها عنه هاشم بن القاسم أبو النضر في وجه عنه، كما في «مسند الحارث» (128) وقُتيبة بن سعيد، كما في «علل الدارقطني» (2086).
• وخالفهما شُعيب بن الليث ويونس بن محمد وحَجاج ويحيى بن بُكير وهاشم بن القاسم في وجهٍ آخَر، فأثبتوا أبا عُبيدة بين سعيد المقبري وسعيد بن
يسار وهو مجهول، ورجحه الدارقطني. وقال: يُشْبِه أن يكون الليث قد حفظه من المقبري.
• وصَحَّح طريق ابن أبي ذئب: ابن خُزيمة وابن حِبان، والحاكم ووافقه الذهبي، وصَحَّح إسناده البوصيري والإشبيلي والعَلَّامة الألباني. وقال ابن حجر: صحيح موقوف.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث ياسر بن الدسوقي: الحديث ضعيف؛ فيه مجهول. ا هـ.
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث محمد بن رمضان بن شرموخ
(1)
بتاريخ الخميس (7) ذي القعدة (1442 هـ) الموافق (17/ 6/ 2021 م) فقال: أختار ما صوبه الدارقطني من إثبات الواسطة.
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف، بتاريخ (27) صَفَر (1443 هـ) الموافق (3/ 10/ 2021 م) ثَم بَيَّن وجه اختياره، وهو أن علماء العلل كثيرًا ما يرجحون الرواية التي فيها الرواة الأكثر، إلا إذا صُرِّح بالتحديث.
• قلت (أبو أويس): ووجهة مَنْ صَحَّح طريق ابن أبي ذئب أقوى لديَّ؛ لعدم الخلاف عليه، والاختلاف في طريقي الليث وابن عجلان، ولمنزلته في
(1)
وُلد بقرية الجزائز، مركز سمالوط، بمحافظة المنيا.
حاصل على ليسانس في الدراسات العربية والعلوم الإسلامية ودبلومة تربوية، يعرض على شيخنا في بحثَي:
1 -
2 -
«أحكام المساجد» .
سعيد المقبري، فقد سُئل ابن مَعِين عن الليث وابن أبي ذئب في سعيد المقبري، أيهما أثبت؟ فقال: كلاهما ثَبْت.
صفة الضحك لربنا عز وجل
-
• أخرج البخاري (2826) ومسلم (1890): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، يَدْخُلَانِ الجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى القَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ» .
• وأخرج البخاري (6571)، ومسلم (187) - واللفظ له -: من حديث ابن مسعود رضي الله عنه في آخِر رجل يَدخل الجنة، وفيه:«فَيَقُولُ اللهُ عز وجل لَه: أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ، أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟» فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ؟ فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ» .
• وأخرج البخاري (3798) و (4889) من طريقَي أبي أسامة وعبد الله بن داود، عن فُضيل بن غَزْوَان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَنِي الجَهْدُ. فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ
…
«لَقَدْ عَجِبَ
اللَّهُ عز وجل
- أَوْ: ضَحِكَ - مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ» على الشك. وأخرجه مسلم (2059) من طريق جرير بن عبد الحميد عن فُضيل به «عَجِب» بلا شك
(1)
.
وقد وردت زيادة: «حتى تبدو لَهَواته - أو: أضراسه -» وهي زيادة شاذة منكرة.
أخرجها أبو عَوَانة في «مستخرجه» (2/ 95) رقم (433): حدثنا عباس الدُّوري، حدثنا يحيى بن مَعِين، حدثنا حَجاج بن محمد، عن ابن جُريج، حدثنا أبو الزبير (ح) وحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، وأحمد أخي رحمه الله
(2)
- قالا: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا رَوْح، حدثنا ابن جُريج، حدثنا أبو الزبير، أنه سَمِع جابر بن عبد الله يُسأل عن الورود، فذَكَر مثله، فيقولون: حتى ننظر إليك. فيتجلى لهم يضحك، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «حتى تبدو لَهَواته - أو: أضراسه - فينطلق ربهم فيتبعونه، ويُعْطَى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورًا، وتغشى - أو كلمة نحوها - ثم يتبعونه، وعلى جسر جهنم كلاليب وحَسَك، تأخذ مَنْ شاء الله، ثم يُطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون
…
»
(3)
.
• وإسحاق بن منصور قد اختُلف عليه:
1 -
رواها عنه أخو أحمد وعبد الله بن أحمد، كما هنا.
(1)
قال الحافظ في «فتح الباري» (8/ 632): «قوله: «لقد عَجِب الله عز وجل أو: ضحك» كذا هنا بالشك، وذَكَره مسلم من طريق جرير عن فُضَيْل بن غَزْوَان بلفظ «عَجِب» بغير شك، وعند ابن أبي الدنيا في حديث أنس:«ضَحِك» بغير شك».
(2)
ولم يَعرفه الباحث.
(3)
وانظر: «شرح النووي على مسلم» (3/ 47).
2 -
تابعهما محمد بن نُعيم على وجه عنه، كما عند ابن منده في «الإيمان» (850) عن علي بن محمد عنه، به. وخالفه محمد بن يعقوب فلم يَذكرها
(1)
كما في المصدر السابق.
• وتابع محمد بن شاذان ومحمد بن نُعَيْم في وجه عند الإمام مسلم، فلم يَذكرها
(2)
.
• أخرجه مسلم في «صحيحه» رقم (191): حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، كِلَاهُمَا عَنْ رَوْحٍ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ الْقَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُسْأَلُ عَنِ الْوُرُودِ، فَقَالَ: نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا، انْظُرْ أَيْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ؟
قَالَ: فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: مَنْ تَنْظُرُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَنْظُرُ رَبَّنَا. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ. فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ.
(1)
وقال تارة: عن محمد بن شاذان عن إسحاق.
(2)
وأيضًا: (عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن رَوح، عن ابن جُريج، عن أبي الزبير) واختُلف عليه في ذكرها:
ففي «السُّنة» (457) بدونها، بينما رواها عنه أبو بكر النَّيسابوي في «الصفات» (32) للدارقطني، بذكرها، وفي «الرؤية» له (35) بدونها.
وفي «السُّنة» (458) من طريق عباس الدُّوري عن ابن مَعِين عن حَجاج عن أبي الزبير، بدونها.
قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ، وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مُنَافِقًا أَوْ مُؤْمِنًا نُورًا، ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ، تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ، فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، سَبْعُونَ أَلْفًا، لَا يُحَاسَبُونَ. ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَأِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ:(لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً. فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ، وَيَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ، حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّيْءِ فِي السَّيْلِ، وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ، ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا.
• ووردت من طريق ابن لَهيعة واختُلف عليه، فالجماعة - عبد الغفار بن داود، وموسى بن داود، وأسد بن موسى، ويحيى بن إسحاق، والنضر بن عبد الجبار، وعبد الله بن يوسف. ستتهم - عنه بدونها.
• أخرجه أسد بن موسى في «الزهد» (46)، والدارمي في «الرد على الجهمية» (185)، والدارقطني في «الرؤية» (49).
• وخالفهم: أبو عبد الرحمن المقرئ، كما في «إبطال التأويلات» (202) لأبي يعلى، وسعيد بن كَثير، كما في «تفسير الطبري» (18/ 236).
• واقتَصر البخاري (6558)، ومسلم (191) على جزء من هذا السياق، وهو: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ» قُلْتُ: مَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ: «الضَّغَابِيسُ
(1)
، وَكَانَ قَدْ سَقَطَ فَمُهُ» فَقُلْتُ
(1)
(الضَّغَابِيس): جَمْع ضُغْبُوس، بالضم؛ لِفَقْدِ فَعْلُول بالفَتْح، وهو صِغَار القِثَّاء. انظر:«تاج العروس» (16/ 189).
لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَبَا مُحَمَّدٍ سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ مِنَ النَّارِ» ؟ قَالَ: نَعَمْ.
• ورواه أبو نضرة
(1)
وأبو سفيان
(2)
ويزيد الفقير
(3)
عن جابر، مختصرًا دون الزيادة.
• تنبيه: روى الزيادة منسوبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع سياق المتن - وَهْب مُنَبِّه عن جابر، وإن كان لم يَسمع منه. قاله ابن مَعِين، وقال المِزِيّ: بل سَمِع منه.
• أخرجه الآجُرّي في «الشريعة» رقم (646): حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ قَالَ: نَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: نَا أَبُو حُذَيْفَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَقِيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ الْوُرُودِ، قَالَ:«فَيَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ عز وجل يَضْحَكُ» قَالَ جَابِرٌ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ حَتَّى تَبْدُوَ لَهَوَاتُهُ.
• وثَم سياق قريب من حديث ابن مسعود، وفيه: قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قَالَ: فَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً.
• أخرجه مسلم (186) والبخاري (806) وأيضًا مسلم (299) من حديث أبي هريرة، وفيه ذكر الضحك لله عز وجل. وفي البخاري من حديث أبي سعيد (7439) ولم يَذكر الضحك.
(1)
«جامع مَعْمَر» (20863).
(2)
عند الترمذي (2597)، وأحمد (15198).
(3)
أخرجه مسلم (319).
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمود بن مسعود السكندري إلى نكارة زيادة «حتى تبدو لَهَواته - أو: أضراسه -» والتوصية بدراسة أصل الحديث في مسلم. ويَرى الباحث أن اللفظة منكرة من طريق ابن لَهيعة، وشاذة من طريق عبد الله بن أحمد.
صفتا المحبة والبغض لله تعالى
• قال البخاري رقم (3209): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَتَابَعَهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ غ، قَالَ:«إِذَا أَحَبَّ اللهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ» .
ورواه أبو صالح واختُلف عليه، فرواه عبد الله بن دينار عنه كرواية نافع، أخرجها البخاري (7485).
وخالفه سُهيل واختُلف عليه، فرواه مالك وبعض الرواة بلفظ:(وفي البغض مثل ذلك).
ورواه بعضهم مطولًا، أخرجه مسلم (2637): عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ. قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ. قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ. قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ
لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ».
• الخلاصة: انتهى شيخنا بتاريخ (28) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (5/ 9/ 2021 م) مع الباحث/ محمد بن لملوم، إلى قَبول زيادة سُهيل المطولة؛ لأنه يَروي عن أبيه ولم يُستنكَر عليه.
صفتا السخط والرضا
• وردت أدلة في إثبات هاتين الصفتين لله تعالى:
فأما صفة السخط، فمن الكتاب العزيز: قوله تعالى: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 80].
وقوله تعالى: {اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ} [محمد: 28].
• ومن السُّنة: ما أخرجه البخاري (6549)، ومسلم (2829) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ. فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا» .
وما أخرجه مسلم (486) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ؛ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» .
وما أخرجه أحمد رقم (22939) وأبو داود (4977) والنَّسَائي (10002) وغيرهم، من طرق: عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ: سَيِّدَنَا؛ فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدَكُمْ فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ» .
وتابع قتادة عقبة بن الأصم - وهو ضعيف - أخرجه الحاكم في «مستدركه» (7865).
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أبي حازم مصطفى المحلاوي الأزهري، بتاريخ (23) صَفَر (1443 هـ) الموافق (30/ 9/ 2021 م): نَفَى البخاري سماع قتادة من ابن بُريدة، ونخشى أن يكون قتادة قد أسقط عقبة بن الأصم. فالله أعلم.
وأما صفة الرضا، فمن الكتاب العزيز: قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 18] وقوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: 8] وقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التَّوْبَةِ: 96]{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزُّمَر: 7].
وأما السُّنة: فمنها ما أخرجه مسلم (2734) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» .
وما أخرجه أيضًا (2726) عَنْ جُوَيْرِيَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً، حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ:«مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ
قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ».
وفي رواية بذكر التسبيح في كل مرة، وهي الأَوْلَى:«سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ» .
ومما جَمَع بين الصفتين من السُّنة: ما أخرجه الترمذي في «سُننه» رقم (1899): حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ» .
خالف خالدَ بن الحارث جمهورُ الرواة عن شعبة، فأوقفوه وهو الصواب، لكن مدار الرفع والوقف على عطاء والد يعلى، ولم يَرْوِ عنه إلا ابنه، وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال أبو الحسن القطان: مجهول الحال. وتَبِعه الذهبي. وقال ابن حجر: مقبول.
• والخلاصة: أن الخبر ضعيف مرفوعًا وموقوفًا. وإلى هذا انتهى شيخنا مع الباحث أبي حازم مصطفى المحلاوي الأزهري.
صفة التحنن لله عز وجل
-
• قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (34192): حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْعُتْوَارِيِّ - جَدِّ بَنِي لَيْثٍ، وَكَانَ فِي حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ فَنَاجٍ مُسْلِمٌ وَمَخْدُوجٌ بِهِ، ثُمَّ نَاجٍ مُحْتَبِسٌ بِهِ وَمَنْكُوسٌ فِيهِ.
فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، يَفْقِدُ الْمُؤْمِنُونَ رِجَالًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا، كَانُوا يُصَلُّونَ صَلَاتَهُمْ وَيُزَكُّونَ زَكَاتَهُمْ وَيَصُومُونَ صِيَامَهُمْ وَيَحُجُّونَ حَجَّهُمْ، وَيَغْزُونَ غَزْوَهُمْ، فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا، عِبَادٌ مِنْ عِبَادِكَ، كَانُوا مَعَنَا فِي الدُّنْيَا يُصَلُّونَ صَلَاتَنَا وَيُزَكُّونَ زَكَاتَنَا وَيَصُومُونَ صِيَامَنَا وَيَغْزُونَ غَزْوَنَا، لَا نَرَاهُمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: اذْهَبُوا إِلَى النَّارِ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِيهَا فَأَخْرِجُوهُ مِنْهَا. فَيَجِدُونَ قَدْ أَخَذَتْهُمُ النَّارُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ: فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى عُنُقِهِ وَلَمْ يُغْشَ الْوَجْهُ، فَيَطْرَحُونَهُمْ فِي مَاءِ الْحَيَاةِ».
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا مَاءُ الْحَيَاةِ؟ قَالَ:«غُسْلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .
فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الزَّرِيعَةُ فِي غُثَاءِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَشْفَعُ الْأَنْبِيَاءُ فِيمَنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا، ثُمَّ يَتَحَنَّنُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ فِيهَا، فَمَا يَتْرُكُ فِيهَا عَبْدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا أَخْرَجَهُ مِنْهَا»
(1)
.
• ورواه إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، واختُلف عليه في ذكر صفة التحنن: فرواه عنه أحمد رقم (11081) بلفظ: قَالَ: «ثُمَّ يَتَحَنَّنُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ فِيهَا، فَمَا يَتْرُكُ فِيهَا عَبْدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا أَخْرَجَهُ مِنْهَا» .
وخالفه مُؤمَّل بن هشام - وهو ثقة - أخرجه ابن خُزيمة في «التوحيد» (2/ 767) بلفظ: «ثُمَّ يَتَجَلَّى اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ فِيهَا، فَمَا يُتْرَكُ فِيهَا عَبْدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ، إِلَّا أَخْرَجَهُ مِنْهَا» .
وتابعهما بإثبات صفة التحنن أحمدُ بن خالد الوَهْبي، أخرجه الحاكم (8738).
والأصح عن ابن إسحاق إثبات صفة التحنن وإسناده حسن، لكن رَوى الحديث بأجزاء منه خَلْق - عطاء بن يسار كما في البخاري (7439) ومسلم (183) ويحيى بن عمارة كما في البخاري (22) ومسلم، وأبو المتوكل وأبو صالح وأبو نَضْرة وجابر بن عبد الله وعقبة بن عبد الغافر - عن أبي سعيد مطولًا ومختصرًا، دون هاتين الصفتين: «يتجلى
…
يتحنن» وهل وقع فيهما تصحيف؟
(1)
أخرجه ابن ماجه رقم (1280) عن ابن أبي شيبة مختصرًا دون الشاهد.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف، بتاريخ (1) جمادى الأولى (1443 هـ) الموافق (5/ 12/ 2021 م) إلى أنها زيادة شاذة ولا يتحملها ابن إسحاق
(1)
.
(1)
وانظر حديثا آخَر لابن إسحاق في آداب قضاء الحاجة.
حَقْو الرحمن عز وجل
-
• مدار هذه الصفة (حَقْو الرحمن) على معاوية بن أبي مُزَرِّد
(1)
وعنه ثلاثة: سليمان بن بلال بالزيادة في المرجوح عنه، وكذلك حاتم بن إسماعيل، وأما أبو بكر الحنفي ففي الأرجح عنه بالزيادة، وتَابَعه بلا خلاف عنه محمد بن جعفر بن أبي كثير.
وروى الخبر دون الزيادة عن معاوية جماعة - وكيع
(2)
ويزيد بن الهاد
(3)
وابن المبارك
(4)
-.
أما الثلاثة فـ:
1 -
سليمان بن بلال، أخرجه البخاري (4830): حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ. قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ.
(1)
قال فيه ابن مَعِين: صالح. وقال أبو حاتم وأبو زُرْعَة: لا بأس به. وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» . وأخرج له الشيخان.
(2)
أخرجه مسلم وأحمد في «الزهد» وابن أبي شيبة بلفظ: «الرحم معلقة بالعرش
…
».
(3)
أخرجه الطبراني في «الأوسط» بلفظ: «الرحم شجنة» .
(4)
أخرجه البخاري والنَّسَائي دون الزيادة.
قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَذَاكِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22].
خالف خالدَ بن مَخْلَد ثلاثةٌ:
1 -
إسماعيل بن أبي أويس، كما عند البخاري أيضًا.
2 -
ابن وهب في «جامعه» (148).
3 -
سعيد بن أبي مريم، كما عند البخاري
(1)
.
• وأما الطريق الثاني، فطريق حاتم بن إسماعيل، رواه عنه الجماعة - أبو مصعب الزُّهْري وهشام بن عمار، كما عند الحاكم بسند ثابت، وإبراهيم بن حمزة، كما عند البخاري
(2)
وقُتيبة بن سعيد واختُلف عليه، فأخرجه عنه الإمام مسلم بدونها.
وأخرجه البيهقي كما في «الشُّعَب» و «الأسماء والصفات» بإسناديه عنه بذكر الزيادة.
• ورواه محمد بن عَبَّاد واختُلف عليه في السند والمتن، فرواه عنه الإمام مسلم بدونها. وأخرجه عنه أبو يعلى فأبدل سعيد بن يسار عن أبي هريرة بيزيد
(1)
رواه سعيد بن أبي مريم. وفي وجه عن إسماعيل بن أبي أويس، ووَجْه عن ابن وهب بإبدال سعيد بن يسار عن أبي هريرة بيزيد بن رُومان عن عروة عن عائشة بلفظ: «الرحم شجنة، فمَن وَصَلها وصلتُه
…
».
(2)
ذَكَر السند عقب رواية خالد بن مَخْلَد التي فيها (حقو الرحمن) وقال: بهذا. لكن من صنيعه في رواية بشر بن محمد قال أيضًا بهذا، ثم ذَكَر متنه في موطن آخر، وليس فيه الزيادة، فهي محتملة أن تكون بالزيادة وعدمها.
بن رومان عن عروة عن عائشة مرفوعًا بلفظ: «الرَّحِمُ شِجْنَةٌ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ» .
• والخلاصة: لم يُصَرِّح بالزيادة من طريق حاتم إلا البيهقي، والإمام مسلم أعرض عنها.
• وأما الطريق الثالث، فرواه أبو بكر الحنفي واختُلف عليه، فرواه عنه بالزيادة الإمام أحمد في «مسنده» والحاكم في «مستدركه» .
وخالفهما بدونها ثلاثة:
1 -
يزيد بن سِنان، كما عند أبي عَوَانة في «مستخرجه» .
2 -
وأحمد بن الفرات كما في «التوحيد» لابن منده
(1)
.
3 -
أبو موسى محمد بن المُثَنَّى، أخرجه المحاملي في «أماليه» فأبدل سعيد بن يسار عن أبي هريرة، بيزيد بن رُومان عن عروة عن عائشة بلفظ: «الرحم شجنة، فمَن وَصَلها
…
».
فالأرجح لديَّ في طريق أبي بكر الحنفي ذكر الزيادة؛ لقوة الإمام أحمد وعلو سنده.
• وأما الطريق الرابع، فطريق محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخرجه الطبري في «تفسيره» (21/ 214): حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَا: ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي الْمُزَرِّدِ الْمَدِينِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ
(1)
لكنه زاد في المتن: «لما خَلَق الله آدم فَضَل من طينه، فخَلَق منه الرحم» وهي منكرة، كما أشار بذلك الإمام الألباني في بعض كتبه.
قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ تَعَلَّقَتِ الرَّحِمُ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ
(1)
، فَقَالَ: مَهْ. فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: أَفَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، وَأَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ».
قَالَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22].
وأخرجه أبو عَوَانة من طريق صالح بن عمرو عن سعيد بن أبي مريم، به.
• وتابع معاويةَ بن أبي مُزَرَّد عبد الله بن دينار بلفظ: «الرحم شجنة» كما عند أبي بكر الشافعي في «الغيلانيات» رقم (384): حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ
(2)
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ
(3)
قَالَ: حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ
(4)
، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ
(1)
الحَقْو (بفتح فسكون): مَعقِد الإزار من الإنسان.
والحقو في حق الرحمن عز وجل على ظاهر الخبر {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
وانظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (5/ 566).
(2)
وهو ابن غالب، قال عنه ابن أبي حاتم: صدوق. وقال الدارقطني: ثقة وَهِم في أحاديث.
(3)
وعبد الصمد بن النعمان قال عنه أبو حاتم: صدوق. وقال ابن مَعِين: ثقة، لا أراه ممن كان يَكذب. وقال الدارقطني والنَّسَائي: ليس بالقوي.
(4)
هو ابن عمر اليشكري، صدوق إلا عن منصور.
وَتَعَالَى، مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ»
(1)
.
• وتابع سعيدَ بن يسار محمدُ بن كعب القُرَظِيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، تَقُولُ: يَا رَبِّ إِنِّي قُطِعْتُ، يَا رَبِّ إِنِّي أُسِيءَ إِلَيَّ، يَا رَبِّ إِنِّي ظُلِمْتُ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ. قَالَ: فَيُجِيبُهَا: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟»
(2)
.
أخرجه أحمد (8975) وغيره، من طرق عن شُعبة عن محمد بن عبد الجبار
(3)
عنه.
• الخلاصة: قال شيخنا مع الباحث/ وائل بن عبد الله، بتاريخ شهر ربيع الأول (1440 هـ) الموافق (2/ 1/ 2019 م): في النفس منها شيء.
ثم كَتَب شيخنا مع الباحث/ عاطف بن رشدي، بتاريخ (24) ذي القعدة (1442 هـ) الموافق (5/ 7/ 2021 م): لفظة (حقو الرحمن) شاذة في هذا الخبر، وتَفَرَّد بها خالد بن مَخْلَد من طريق سليمان بن بلال وقُتيبة، من طريق البيهقي في «الشُّعَب» .
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2118): وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثٍ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، وَإِنَّهَا آخِذَةٌ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ» فَقَالَ: قَالَ
(1)
ذَكَر الدارقطني في «العلل» طرقًا عن عبد الله بن دينار، ثم رَجَّح طريق ورقاء.
(2)
ذَكَر العُقيلي هذا الخبر في «الضعفاء» (4/ 104) وقال: وهذا يُروَى من غير وجه بأسانيد جياد.
(3)
قال عنه الحافظ: مقبول.
الزُّهْرِيُّ: عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم البَلَاغُ، وَمِنَّا التَّسْلِيمُ. قَالَ: أَمِرُّوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا جَاءَتْ
(1)
.
وساق بسنده إلى سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، عن هذه الأحاديث التي فيها الصفة والرؤية والقرآن، فقال: أَمِرُّوها كما جاءت بلا كَيْفٍ.
• تنبيه: وردت رواية بلفظ: «الرحم شجنة معلقة بحقوي الرحمن» . وفي سندها أبو جعفر الرازي عن بَشير بن يسار عن أبي هريرة، مخالفًا الجميع، وهو سيئ الحفظ.
وقال أبو حاتم في «العلل» (5/ 474): هَذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبِي: أَخْطَأَ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ.
(1)
جاء.
لذة النظر إلى وجه الله عز وجل
-
• قال النَّسَائي في «سُننه الكبرى» رقم (1229): أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلَاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَقَدْ خَفَّفْتَ - أَوْ: أَوْجَزْتَ - الصَّلَاةَ. فَقَالَ: أَمَّا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتُ اللهَ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، هُوَ أَبِي، غَيْرَ أَنَّهُ كَنَّى عَنْ نَفْسِهِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّعَاءِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبِرَ بِهِ الْقَوْمَ:«اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ - يَعْنِي فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ - وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحُكْمِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَبِيدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرَدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» .
وفي بعض الطرق حماد بن زيد، كما في «السُّنة» (425) لابن أبي عاصم، و «الرد على الجهمية» (188) و «مسند البزار» (1393)، وابن حِبان (1971) فقد اجتمع الحمادان.
وأخرجه النَّسَائي في «السُّنن الكبرى» رقم (1230): أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا. قَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَّا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهِ «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» .
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف المنوفي، بتاريخ (23) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (28/ 11/ 2021 م) على طريق الحمادين: إسناده حسن.
رؤية الله عز وجل
-
• وردت نصوص كثيرة من الوحيين في إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة.
منها: قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] وقال جل ذكره عن الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
ووردت أخبار كثيرة في ذلك منها:
1 -
ما أخرجه مسلم رقم (181): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ» قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل» .
وتابع ابنَ مهدي أكثر من ستة عَشَر راويًا، كما خرجتُه في تحقيقي كتاب «رؤية الله عز وجل» (153) للدارقطني، ط/ ابن تيمية.
وخالف حماد بن سلمة أربعة:
1 -
حماد بن زيد، فجَعَله من قول ابن أبي ليلى مختصرًا، أخرجه عبد الله في «السُّنة» (445) وغيره.
2 -
سليمان بن المغيرة، أخرجه ابن خُزيمة (2/ 447) وغيره.
3 -
مَعْمَر، أخرجه الطبري في «تفسيره» (17623).
4 -
حماد بن واقد، كما في «تحفة الأشراف» (4/ 198) قاله أبو مسعود الدمشقي.
فمن حيث الترجيح حماد بن واقد هو العيشي، ضعيف، وقال العُقيلي: أَنْكَرُهم روايةً عن ثابتٍ مَعْمَر.
ورواية سليمان وحماد ثابتة، إلا أن حماد بن سلمة مُقَدَّم عليهما في ثابت.
قال علي بن المَديني في «العلل» (ص: 72): لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ ثَابِتٍ أَثْبَتُ مِنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، ثُمَّ بَعْدَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، ثُمَّ بَعْدَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَهِيَ صِحَاحٌ.
وقال مسلم في «التمييز» (ص: 152): اجتماع أهل الحديث ومن علمائهم على أن أثبت الناس في ثابتٍ البُناني حماد بن سلمة.
وكذلك قال يحيى القطان، ويحيى بن مَعِين، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أهل المعرفة.
وانظر «شرح علل الترمذي» (2/ 690) لابن رجب. وانظر «السُّنن الكبرى» (1/ 463) للبيهقي. وتحقيقي كتاب «رؤية الله عز وجل» للدارقطني، رقم (153)
• الخلاصة: صحة الخبر، وأن الأشهر فيه النظر إلى الله، بخلاف بعض الرواية النازلة، أو المختلف فيها وهي: النظر إلى وجه الله.
وكَتَب شيخنا معي بتاريخ الخميس (26) من ذي الحجة (1442) الموافق (5/ 8/ 2021 م): خلصنا بأن رواية حمادبن سلمة في ثابت قوية:
1 -
قوة حماد في ثابت.
2 -
كثرة الرواة لحماد بن سلمة لهذا الخبر مع علو السند.
3 -
قَبول العلماء لها في التفسير.
4 -
هل حماد بن زيد كمالك في التقصير في الأسانيد عند الخلاف أم لا؟
وقال يعقوب بن شيبة كما في «تهذيب التهذيب» (3/ 10): حماد بن زيد أَثْبَتُ من ابن سلمة، وكُلٌّ ثقة، غير أن ابن زيد معروف بأنه يُقصِّر في الأسانيد، ويُوقِف المرفوع، كثير الشك بتَوَقِّيه وكان جليلًا، لم يكن له كتاب يرجع إليه، فكان أحيانًا يَذكر فيَرفع الحديث، وأحيانًا يهاب الحديث ولا يرفعه، وكان يُعَدّ من المتثبتين في أيوب خاصة.
• تنبيه: هناك خلاف على حماد بن سلمة في اللفظ، فالأكثر - ابن مهدي ويزيد بن هارون ورَوْح بن أسلم وبِشْر بن السَّرِيّ وحَجاج بن منهال وعفان بن مسلم في وجه، وقَبيصة كذلك - والأعلى إسنادًا بالنظر إلى الله. رواه آخرون - مسلم بن إبراهيم والأسود بن عامر ومحمد بن عبد الله الخُزَاعي وحَوْثَرة بن أشرس وسليمان بن داود والهيثم بن جميل وعفان بن مسلم في وجه، وكذلك هُدْبَة بن خالد وقَبيصة - بالنظر إلى وجه الله. فمن حيث الترجيح: الأول أعم وأرجح. وصفة الوجه لربنا ثابتة بالكتاب وصحيح السُّنة.
2 -
ومنها ما أخرجه الإمام البخاري رقم (7435): حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ اليَرْبُوعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا» .
وتابع أبا شهاب على زيادة: «عِيَانًا» زيد بن أبي أُنيسَة، أخرجه الدارقطني في «الرؤية» (130)، والطبراني (9301) بلفظ:«إنكم ستُعايِنون ربكم» وإسناد الدارقطني حسن؛ لأجل المعافى بن سليمان. وقال الدارقطني: جَوَّده زيد بن أبي أُنيسَة.
وقال الطبراني في «الأوسط» (9/ 120): وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِمَّنْ رَوَى هَذَا الحَديثَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ: (تُعَايِنُونَ رَبَّكُمْ) إِلَّا زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ وَأَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ.
وتابعهما وكيع في وجه ذَكَره الدارقطني في «علله» (12/ 453).
وخالفهم خَلْق، منهم شُعبة، أخرجه أحمد (19190) وابن إدريس والقطان - عن إسماعيل بن أبي خالد، وروايتهم في «الصحيحين» بدون لفظ:«عِيَانًا» .
وتابع إسماعيلَ بن أبي خالد جماعة بدونها.
وتابع قيسَ بن أبي حازم عبد الله بن جرير عن أبيه، أخرجه الدارقطني في «الرؤية» (142) وتابع قيسًا أيضًا أبو بكر بن عمارة بن رُؤَيْبَة، أخرجه الدارقطني في «الرؤية» (142).
• والخلاصة: أن لفظة: «عِيَانًا» وإن كان إسنادها محفوظًا، إلا أنها مرجوحة من حيث جمع الطرق، ومعناها صحيح.
وهذا ما انتهيتُ إليه في تحقيقي «رؤية الله عز وجل» للدارقطني (ص/ 164) ط/ ابن تيمية بالقاهرة.
وكذا يَرى الباحث محمد بن يحيى البسيوني، بتاريخ (26) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (1/ 11/ 2021 م).
بينما كَتَب شيخنا مع الباحث: «عِيَانًا» معلولة.
وانتهى من قبل إلى شذوذها في «المِائة الأولى» (ص/ 348) ط/ دار اللؤلؤة.
رؤية الله في الجنة يوم الجمعة
• قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (5630): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَانِي
جِبْرِيلُ، وَفِي يَدِهِ كَالْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ، فِيهَا كَالنُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَة. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا لَنَا فِيهَا؟ قَالَ: تَكُونُ عِيدًا لَكَ وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَيَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى تَبَعًا لَكَ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا لَنَا فِيهَا؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، هُوَ لَهُ قَسْمٌ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، أَوْ لَيْسَ لَهُ بِقَسْمٍ، إِلَّا ذَخَرَ لَهُ عِنْدَهُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، أَوْ يَتَعَوَّذُ بِهِ مِنْ شَرٍّ هُوَ عَلَيهِ مَكْتُوبٌ إِلَّا صَرَفَ عَنْهُ مِنَ الْبَلَاءِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ».
قَالَ: «قُلْتُ لَهُ: وَمَا هَذِهِ النُّكْتَةُ فِيهَا؟ قَالَ: هِيَ السَّاعَةُ، وَهِيَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ عِنْدَنَا سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَوْمَ الْمَزِيدِ. قَالَ: قُلْتُ: مِمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: لأَنَّ رَبَّك تبارك وتعالى اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا مِنْ مِسْكٍ أبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ هَبَطَ مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، تبارك وتعالى، ثُمَّ حَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، ثُمَّ يَجِيءُ النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ حَفَّ المَنَابِرَ
بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ، مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوَاهِرِ، ثُمَّ جَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيهَا، وَيَنْزِلُ أَهْلُ الْغُرَفِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ.
ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ تبارك وتعالى، ثُمَّ يَقُولُ: سَلُونِي أُعْطِكُمْ. قَالَ: فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا، فَيَقُولُ: رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارِي، وَأَنالَكُمْ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ. قَالَ: فَيَسْأَلُونَهُ الرَّضَا. قَالَ: فَيُشْهِدُهُمْ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ. قَالَ: فَيُفْتَحُ لَهُمْ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. قَالَ: وَذَلِكُمْ مِقْدَارُ انْصِرَافِكُمْ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ».
قال: ثُمَّ يَرْتَفِعُ، وَيَرْتَفِعُ مَعَهُ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ، وَيَرْجِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ، وَهِيَ دُرَّةٌ بَيْضَاءُ، لَيْسَ فِيهَا قَصْمٌ وَلَا فَصْمٌ، أَوْ دُرَّةٌ حَمْرَاءُ أَوْ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ، فِيهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا مَطْرُورَةٌ، وَفِيهَا أَنْهَارُهَا، وَثِمَارُهَا مُتَدَلِّيَةٌ».
قَالَ: فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ لِيَزْدَادُوا إِلَى رَبِّهِمْ نَظَرًا، وَلِيَزْدَادُوا مِنْهُ كَرَامَةً».
وتابع عبدَ الرحمن المحاربي جَمْع كبير - منهم شُعبة وسفيان الثوري -.
والليث هو ابن أبي سُليم ضعيف، وشيخه عثمان هو ابن عُمَيْر وهو متروك.
وتابع عثمانَ جَمْع من الضعفاء:
1 -
يزيد الرَّقَاشي، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5518) وغيره.
2 -
علي بن الحَكَم، أخرجه أبو يعلى (4228) وهذا السند راجع إلى طريق عثمان بن عُمَيْر المتروك. وانظر نص أبي زُرْعَة في «العلل» لابن أبي حاتم.
3 -
عمر بن عبد الله، كما في «الرد على الجهمية» (75) وعمر لم يَلْقَ أنسًا، قاله أبو حاتم كما في «العلل» .
4 -
سالم بن عبد الله، أخرجه قوام السُّنة في «الترغيب والترهيب» (892) وسالم هذا شامي كما نص أبو حاتم. وفي السند إليه عبد الرحمن بن ثابت، ضعيف.
5 -
يحيى بن أبي كثير، أخرجه أبو نُعَيْم في «الحِلية» (3/ 72) ويحيى قال فيه ابن حِبان: كان يدلس، فكل ما روى عن أنس فقد دلس عنه، لم يَسمع من أنس ولا من صحابي.
6 -
عبد الله بن بُريدة، أخرجه الطبراني في «الأحاديث الطوال» (35) وابن منده في «التوحيد» (398) وفي سنده صالح بن حيان، ضعيف.
7 -
أبو صالح، أخرجه أبو نُعيم في «صفة الجنة» (395) وفي سنده عصمة بن محمد، كذاب.
8 -
أبان بن أبي عياش - وهو متروك - أخرجه الداني في «السُّنن الواردة» (432) وسنده مسلسل بالضعفاء.
9 -
عُبيد بن عُمير، أخرجه البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (6690) وفي سنده موسى بن عبيدة، ضعيف. وإبراهيم بن محمد الكلام فيه معلوم.
10 -
قتادة بن دِعَامة، أخرجه الدارقطني في «رؤية الله» (64) وفي سنده حمزة بن واصل، قال فيه العُقيلي: عن قتادة مجهول في الرواية، وحديثه غير محفوظ من حديث قتادة.
11 -
وثابت البُناني، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (34115): حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ سُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فِيهَا كُثْبَانُ الْمِسْكِ، فَإِذَا
خَرَجُوا إِلَيْهَا هَبَّتْ رِيحٌ - قَالَ حَمَّادٌ: أَحْسِبُهُ قَالَ: شَمَالٍ - فَتَمْلَأُ وُجُوهَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ مِسْكًا، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا».
وتابع عفانَ سعيدُ بن عبد الجبار، أخرجه مسلم (2833) دون تقييد بالجمعة ودون شك.
• الخلاصة: أن أصح الطرق السابقة طريق ثابت، وطلبُ الرضا والمزيد لهما شواهد.
وانتهى شيخنا مع الباحث عبد الله بن سيد، بتاريخ (1) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (7/ 10/ 2021 م) إلى أن كل طرقه ضعيفة، ورواية مسلم غير مقيدة بالرؤية.
فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ
• وردت زيادة شذ بها هَمَّام بن يحيى عن أصحاب قتادة، وهي (في داره) في حديث الشفاعة الطويل، من حديث أنس رضي الله عنه، عَلَّقها البخاري رقم (7440) ووَصَلها الإمام أحمد في «مسنده» رقم (13562): حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُحْشَرُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ
…
».
وخالف همامًا أربعة، وهم:
1 -
أبو عَوَانة، كما عند البخاري (6565) ومسلم (193) بلفظ:«فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا» .
2 -
هشام الدَّستُوائي، كما في «البخاري» رقم (7410) بلفظ:«فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ» .
3 -
شيبان أبو معاوية، كما عند النَّسَائي (11369) بلفظ:«فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ» .
4 -
سعيد بن أبي عَروبة، كما عند النَّسَائي رقم (11179) بلفظ:«فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيَأْذَنُ لِي» .
وتابع قتادةَ على عدم ذكرها أيضًا مَعْبَد العَنَزي عن أنس، أخرجه مسلم (326) وغيره.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أحمد بن عبد التواب آل صالح
(1)
إلى شذوذها.
وقد سَبَقهما إلى الحُكم عليه بالشذوذ العَلَّامة الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (4/ 354) وفي «مختصر العلو» (ص 88).
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث علي بن رضا الخواجه، بتاريخ الأحد (5) صَفَر (1443 هـ) الموافق (12/ 9/ 2021 م).
• قلت (أبو أويس): وأنصح بدراسة زيادات همام بن يحيى في قتادة؛ لأنه سبق أن شذ بلفظ (أربعين) في مدة قنوته صلى الله عليه وسلم على رِعْل وذَكْوَان. وتَأملْه أيضًا في غير قتادة في حديث: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ» من هذه السلسلة.
(1)
وُلد بـ «سيدي بِشر» بالإسكندرية.
قَدَّم له شيخنا: «الرَّوح والريحان في تفسير كلمات الصلاة» وهو مطبوع.
عُذْر مَنْ جَهِل صفة من صفات الله عز وجل
-
• قال الإمام البخاري رقم (7508): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا فِيمَنْ سَلَفَ - أَوْ: فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالَ كَلِمَةً: يَعْنِي - أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا، فَلَمَّا حَضَرَتِ الوَفَاةُ، قَالَ لِبَنِيهِ: أَيّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ - أَوْ: لَمْ يَبْتَئِزْ - عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا، وَإِنْ يَقْدِرِ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ، فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِي - أَوْ قَالَ: فَاسْحَكُونِي - فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِي فِيهَا.
فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي، فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: كُنْ. فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ، قَالَ اللَّهُ: «أَيْ عَبْدِي، مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟» قَالَ: مَخَافَتُكَ - أَوْ: فَرَقٌ مِنْكَ -. قَالَ: «فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا» . وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: «فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا» .
فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ، غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ:«أَذْرُونِي فِي البَحْرِ» أَوْ كَمَا حَدَّثَ
(1)
.
(1)
لفظ مسلم: «لَتَفْعَلُنَّ مَا آمُرُكُمْ بِهِ أَوْ لَأُوَلِّيَنَّ مِيرَاثِي غَيْرَكُمْ» و «فَإِنِّي لَمْ أَبْتَهِرْ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا، وَإِنَّ اللهَ يَقْدِرُ عَلَيَّ أَنْ يُعَذِّبَنِي» .
• قال الإمام البخاري رقم (7506): حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ: فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ، وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي البَرِّ وَنِصْفَهُ فِي البَحْرِ؛ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ
(1)
، فَأَمَرَ اللَّهُ البَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ. فَغَفَرَ لَهُ»
(2)
.
وتابع مالكًا ابنُ عجلان وابن أبي الزِّناد. وتابع أبا الزِّناد عبد الله بن الفضل، كما في «مسند الشاميين» (128).
وتابع الأعرجَ حُميد بن عبد الرحمن، أخرجه البخاري (348) ومسلم (2756).
ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة، وتارة عن غير واحد عن الحسن وابن سيرين مرسلًا، وفيه:«لم يَعمل خيرًا قط إلا التوحيد» والاستثناء في «إلا التوحيد» مُعَل، أخرجه أحمد (3785)(8040).
• قال الإمام البخاري رقم (6480): حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُسِيءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَخُذُونِي فَذَرُّونِي فِي البَحْرِ فِي
(1)
قال ابن حجر في «فتح الباري» (6/ 523): قوله: «لئن قَدَّر عليَّ» بتشديد الدال، أي: قَدَر على أن يعذبني، لَيُعذبني.
(2)
ولفظ مسلم: «فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي، لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا» «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ، يَا رَبِّ - أَوْ قَالَ: مَخَافَتُكَ - فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ» .
يَوْمٍ صَائِفٍ. فَفَعَلُوا بِهِ، فَجَمَعَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَا حَمَلَنِي إِلَّا مَخَافَتُكَ. فَغَفَرَ لَهُ»
(1)
.
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (20039): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، وَيَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا بَهْزٌ الْمَعْنَى، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّهُ كَانَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا، وَكَانَ لَا يَدِينُ اللَّهَ دِينًا. قَالَ يَزِيدُ: فَلَبِثَ حَتَّى ذَهَبَ عُمُرٌ، وَبَقِيَ عُمُرٌ تَذَكَّرَ، فَعَلِمَ أَنْ لَمْ يَبْتَئِرْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا، دَعَا بَنِيهِ فَقَالَ: يَا بَنِيَّ، أَيَّ أَبٍ تَعْلَمُونِي؟ قَالُوا: خَيْرَهُ يَا أَبَانَا. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَا أَدَعُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَالًا هُوَ مِنِّي، إِلَّا أَنَا آخِذُهُ مِنْهُ، أَوْ لَتَفْعَلُنَّ مَا آمُرُكُمْ بِهِ. قَالَ: فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا. قَالَ: إِمَّا لَا فَإِذَا مُتُّ فَخُذُونِي فَأَلْقُونِي فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ حُمَمًا فَدُقُّونِي» . قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ:«اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ لَعَلِّي أَضِلُّ اللَّهَ» .
قَالَ: «فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ حِينَ مَاتَ. قَالَ: فَجِيءَ بِهِ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَعُرِضَ عَلَى رَبِّهِ فَقَالَ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى النَّارِ؟» قَالَ: خَشِيتُكَ يَا رَبَّاهُ. قَالَ: «إِنِّي لَأَسْمَعَنَّ الرَّاهِبَةَ. قَالَ يَزِيدُ: أَسْمَعُكَ رَاهِبًا. فَتِيبَ عَلَيْهِ» .
قَالَ بَهْزٌ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْحَسَنَ، وَقَتَادَةَ وَحَدَّثَانِيهِ:«فَتِيبَ عَلَيْهِ» أَوْ «فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» شَكَّ يَحْيَى.
ورواه عن بهز جماعة - ابن عُلَيَّة، ومَعْمَر، والنَّضْر بن شُمَيْل، وعَدِيّ بن الفضل، وعبد الله بن بكر السهمي، وخالد الواسطي، وهَوْذة بن خليفة -.
(1)
وهو عند الطحاوي (557) من حديثَي حذيفة وأبي مسعود، وفيه:«فَإِنِ اللهُ يَقْدِرْ عَلَيَّ يُعَذِّبْنِي» .
وتابع بَهْزًا سُوَيْد بن حُجَيْر، أخرجه أحمد (20012، 20024).
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ محمد بن سيد بن عبد الغني الفيومي
(1)
: روى بَهْز بن حكيم هذا الحديث، وفيه ألفاظ لم يوردها الأثبات في الصحيح، منها:
1 -
«وَكَانَ لَا يَدِينُ اللَّهَ دِينًا» .
2 -
3 -
«إِنِّي لَأَسْمَعَنَّ الرَّاهِبَةَ، قَالَ يَزِيدُ: أَسْمَعُكَ رَاهِبًا، فَتِيبَ عَلَيْهِ» ا هـ.
حَمَل الطحاوي «قَدَر» على التضييق، ومنه قول نبي الله يونس عليه السلام:{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} وقوله تعالى: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} .
• قال الطحاوي: فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ قَوْلُ ذَلِكَ الْمُوصِي: «فَوَاللهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا» أَيْ: لَا يُضَيِّقُ عَلَيَّ أَبَدًا؛ لِمَا قَدْ فَعَلْتُهُ بِنَفْسِي رَجَاءَ رَحْمَتِهِ وَطَلَبَ غُفْرَانِهِ؛ ثِقَةً مِنْهُ بِهِ، وَمَعْرِفَةً مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ وَصَفْحِهِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ.
ورَدَّ ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (11/ 410) هذا الوجه حيث قال: ومَن تأول قوله: (لئن قَدَر الله عليّ) بمعنى (قَضَى) أو بمعنى (ضَيَّق) فقد أبعد النُّجْعَة
(1)
وُلد بمدينة الفيوم، حاصل على (ليسانس آداب وتربية إنجليزي)، و (عالية القراءات).
رَاجَع له شيخنا وقَدَّم:
1 -
«أحكام النظر في الصلاة» تحت الطبع.
2 -
«الجامع للألفاظ والروايات الشاذة» وذلك بمشاركة الباحث محمد بن عيد بن متولي الشرقاوي. ط/ دار اللؤلؤة.
وحَرَّف الكَلِم عن مواضعه؛ فإنه إنما أَمرَ بتحريقه وتفريقه لئلا يُجْمَع ويعاد، وقال:«إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قَدَر عليَّ ربي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا» فذِكر هذه الجملة الثانية بحرف الفاء عَقيب الأولى - يدل على أنه سبب لها، وأنه فَعَل ذلك لئلا يَقدر الله عليه إذا فَعَل ذلك.
فلو كان مُقِرًّا بقدرة الله عليه إذا فَعَل ذلك كقدرته عليه إذا لم يفعل، لم يكن في ذلك فائدة له. ولأن التقدير عليه والتضييق موافقان للتعذيب، وهو قد جَعَل تفريقه مغايرًا لأن يَقدر الرب، قال: فوالله لئن قَدَر الله عليَّ ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا من العالمين. فلا يكون الشرط هو الجزاء. ولأنه لو كان مراده ذلك لقال: فوالله لئن جازاني ربي أو لئن عاقبني ربي، ليعذبني عذابًا. كما هو الخطاب المعروف في مثل ذلك.
• قال النووي في «شرح النووي على مسلم» (9/ 71):
اختَلف العلماء في تأويل هذا الحديث:
1 -
فقالت طائفة: لا يصح حمل هذا على أنه أراد نفي قدرة الله؛ فإن الشاك في قدرة الله تعالى كافر، وقد قال في آخِر الحديث: إنه إنما فَعَل هذا من خَشية الله تعالى، والكافر لا يَخشى الله تعالى ولا يَغفر له.
قال هؤلاء: فيكون له تأويلان:
أحدهما: أن معناه: لئن قَدَر عليَّ العذاب، أي: قضاه، يقال منه: قَدَر (بالتخفيف) وقَدَّر (بالتشديد) بمعنى واحد.
والثاني: أن (قَدَر) هنا بمعنى (ضَيَّق) على ما قال الله تعالى: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} وهو أحد الأقوال في قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} .
2 -
وقالت طائفة: اللفظ على ظاهره، ولكن قاله هذا الرجل وهو غير ضابط لكلامه ولا قاصد لحقيقة معناه ومُعتقِد لها، بل قاله في حالةٍ غَلَب عليه فيها الدهش والخوف وشدة الجزع، بحيث ذهب تيقظه وتَدبُّر ما يقوله، فصار في معنى الغافل والناسي. وهذه الحالة لا يُؤاخَذ فيها، وهو نحو قول القائل الآخَر الذي غَلَب عليه الفرح حين وَجَد راحلته:«أنت عبدي وأنا ربك» فلم يَكفر بذلك الدهش والغلبة والسهو. وقد جاء في هذا الحديث في غير مسلم: «فلَعَلِّي أضل الله» أي: أَغيب عنه. وهذا يدل على أن قوله: (لئن قَدَر الله) على ظاهره.
3 -
قالت طائفة: هذا من مجاز كلام العرب وبديع استعمالها، يُسَمُّونه (مَزْج الشك باليقين) كقوله تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى} فصورته صورة شك والمراد به اليقين.
4 -
وقالت طائفة: هذا الرجل جَهِل صفة من صفات الله تعالى.
وقد اختَلف العلماء في تكفير جاهل الصفة:
قال القاضي: وممن كَفَّره بذلك ابن جرير الطبري، وقاله أبو الحسن الأشعري أولًا.
وقال آخرون: لا يَكفر بجهل الصفة ولا يَخرج به عن اسم الإيمان، بخلاف حجدها. وإليه رجع أبو الحسن الأشعري، وعليه استقر قوله؛ لأنه لم يعتقد ذلك اعتقادًا يَقطع بصوابه ويراه دِينًا وشرعًا، وإنما يَكفر مَنْ اعتقد أن مقالته حق. قال هؤلاء: ولو سُئل الناس عن الصفات، لوُجد العَالِم بها قليلًا.
5 -
وقالت طائفة: كان هذا الرجل في زمن فترة، حين ينفع مجرد التوحيد، ولا تكليف قبل ورود الشرع على المذهب الصحيح؛ لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} .
6 -
وقالت طائفة: يجوز أنه كان في زمن شرعهم فيه جواز العفو عن الكافر بخلاف شرعنا، وذلك من مجوزات العقول عند أهل السُّنة، وإنما منعناه في شرعنا بالشرع، وهو قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} وغير ذلك من الأدلة، والله أعلم.
وقيل: إنما وَصَّى بذلك تحقيرًا لنفسه وعقوبةً لها لعصيانها وإسرافها؛ رجاءَ أن يرحمه الله تعالى.
• والأرجح الذي يقتضيه سياق الحديث: أنه فَعَل ذلك جاهلًا بدقائق قدرة الله تعالى.
• وقال شيخنا أبو عبد الله العدوي حَفِظه الله: هذا أحد أدلة العذر بالجهل، وبه نقول.
توحيد الألوهية
فضل التوحيد
• فضائل التوحيد كثيرة! فهو راحة للعبد، ورافع للدرجات، ومُثقِّل للميزان، وأمان لصاحبه في الدارين. قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] وقال تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 221].
ويكفي في ذم ضده - وهو الشرك - أن الله لا يغفره لمن مات مشركًا، ويَجلب لصاحبه الخلود في النار.
وثَم نصوص كثيرة من السُّنة في فضله، منها:
1 -
قال البخاري رقم (5827): حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، وَهُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ:«مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» .
وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ
(1)
.
• ورواه المعرور بن سُويد عن أبي ذر، وعنه اثنان:
أ - واصل الأحدب، أخرجه البخاري (7487) ومسلم (185) بلفظ:«مَنْ مات من أمتي لا يُشرك بالله شيئًا» .
ب - الأعمش، أخرجه مسلم (990) واختَلف اللفظ عنه، هل قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر «عشاء وهو يَمشي في حَرة المدينة» أو «وهو جالس في ظل الكعبة .. » ؟ والأظهر اللفظة الأولى.
• ورواه زيد بن وهب، وعنه جماعة، منهم الأعمش كذلك.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث سيد رفعت، بتاريخ (7) شعبان (1441 هـ) الموافق (31/ 3/ 2020 م) إلى ضعف في «ظل الكعبة» وصحة «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟» وكذا «أنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، دَخَلَ الْجَنَّةَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» لاتساع المخارج.
2 -
قال أبو نُعَيْم في «صفة الجنة» رقم (166): حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، فَتَحَ اللَّهُ لَهُ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ، وَلَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ» .
(1)
وأخرجه مسلم رقم (94): حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، به.
وتابع القاسمَ حكيمُ بن عُمير كما عند أبي نُعَيْم، وفي سنده الأحوص بن حكيم، ضعيف. وعلي بن هارون فيه كلام، كما في «تاريخ بغداد» . وهشام بن عمار فيه ضعف لكونه كان يتلقن، والسند نازل.
ولهذا الخبر طرق أخرى مَرَدُّها إلى رواية شهر بن حوشب.
منها التي أخرجها أحمد (97): حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، قِيلَ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شِئْتَ» .
وحكى الخلاف في طرق هذا الحديث الدارقطني في «العلل» رقم (149) وانظر: (38) وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، فَفَحَصَ عَنْ إِسْنَادِهِ، وَبَيَّنَ عِلَّتَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأَنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَطَاءٍ فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّهُ لَقِيَ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ، وَأَنَّهُ لَقِيَ زِيَادَ بْنَ مِخْرَاقٍ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ فُسِدَ عِنْدَ شُعْبَةَ بِذِكْرِ ابْنِ حَوْشَبٍ فِيهِ.
وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مَا رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أبي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، وفيه مرفوعًا:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» أخرجه مسلم رقم (234).
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث جابر درباله: في كل طرقه مقال.
ثم عرضه الباحث سيد بيومي، بتاريخ (10) ربيع الأول (1443) الموافق (17/ 10/ 2021 م): اكتب: إسناده حسن لحال معاوية.
وله شواهد، منها ما أخرجه مسلم (26): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» وتابع ابنَ عُلَيَّة بِشرُ بن المُفضَّل كما عند مسلم، وتابعهما شُعبة
(1)
كما عند أحمد (464) والنَّسَائي (10886، 10887).
4 -
قال الإمام أحمد في «مسنده» (1/ 201): حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رحمه الله يُحَدِّثُ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حِينَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَزِنُوا عَلَيْهِ، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يُوَسْوِسُ.
قَالَ عُثْمَانُ: وَكُنْتُ مِنْهُمْ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي ظِلِّ أُطُمٍ مِنَ الْآطَامِ، مَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ رضي الله عنه، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، فَلَمْ أَشْعُرْ أَنَّهُ مَرَّ وَلَا سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ: مَا يُعْجِبُكَ أَنِّي مَرَرْتُ عَلَى عُثْمَانَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ
(1)
وانظر «علل الدارقطني» (260) في ترجيح أحد الوجهين على شُعبة، حيث رَجَّح رواية عبد الصمد وغُنْدَر وغيرهما عن شُعبة، على رواية عبد الله بن حُمْرَان عن شُعبة، التي أخرجها النَّسَائي في «الكبرى» (10888) وابن خُزيمة في «التوحيد» (540) والطبراني في «الأوسط» (1663).
عَلَيَّ السَّلامَ؟ وَأَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي وِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، حَتَّى سَلَّمَا عَلَيَّ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَاءَنِي أَخُوكَ عُمَرُ، فَذَكَرَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْكَ، فَسَلَّمَ فَلَمْ تَرُدَّ؛، فَمَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا فَعَلْتُ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلَى، وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتَ، وَلَكِنَّهَا عُبِّيَّتُكُمْ يَا بَنِي أُمَيَّةَ. قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ أَنَّكَ مَرَرْتَ بِي، وَلَا سَلَّمْتَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ عُثْمَانُ، وَقَدْ شَغَلَكَ عَنْ ذَلِكَ أَمْرٌ؟ فَقُلْتُ: أَجَلْ. قَالَ: مَا هُوَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: تَوَفَّى اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الْأَمْرِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَنْتَ أَحَقُّ بِهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَجَاةُ هَذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَبِلَ مِنِّي الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُ عَلَى عَمِّي، فَرَدَّهَا عَلَيَّ، فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ» .
وتابع شُعيبًا صالح بن كَيْسَان، أخرجه أحمد (1/ 204) وتابعهما مَعْمَر في وجه أخرجه البزار (4)
(1)
.
خالفهما جماعة بأسانيد ضعيفة، فقالوا: عن الزُّهْري عن سعيد بن المسيب عن ابن عمرو عن عثمان، به. وتارة بإسقاط ابن عمرو.
ورواه جماعة من أصحاب الزُّهْري عن الزُّهْري عن رجال من الأنصار عن عثمان. ذَكَرهم الدارقطني في «علله» (1/ 173): وصَوَّب الإرسال.
ورواه ابن عمر عن أبي بكر، وفي سنده الكوثر بن حكيم، ضعيف.
وورد أيضًا من طريق أبان بن عثمان وعمر وجابر عن عثمان، وأسانيدها ضعيفة.
(1)
ورواية معمر عند عبد الرزاق في «تفسيره» (1134) مرسلة.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث علي بن إسماعيل البحراوي، بتاريخ (25) ربيع الآخِر (1443 هـ) (30/ 11/ 2021 م): مرسل.
4 -
قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (23324) - حَدَّثَنَا حَسَنٌ، وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ نُعَيْمٍ ـ قَالَ عَفَّانُ فِي حَدِيثِهِ ـ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَسْنَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِي فَقَالَ: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ـ قَالَ حَسَنٌ: ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ـ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث أبي حمزة السويسي بتاريخ 23/ 11/ 2021 م: رجاله ثقات ولمعناه شواهد.
الترهيب من الشرك
• قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48][النساء: 116].
قال الإمام البخاري رقم (1238): حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ» وَقُلْتُ أَنَا: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ» .
وأخرجه مسلم رقم (92): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، به.
وفي رواية عبد الواحد وأبي حمزة عن الأعمش
(1)
عند البخاري رقم (4497، 6683): «مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا، دَخَلَ النَّارَ» وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ وَهْوَ لَا يَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا دَخَلَ الجَنَّةَ.
(1)
وتابع الأعمش على لفظهما ثلاثة:
1، 2 - سَيَّار أبو الحكم ومغيرة، أخرجه أحمد (3552).
3 -
عاصم بن أبي النَّجُود، أخرجه أحمد (3811) وغيره.
تنبيه: خالف أحمدَ بن عبد الجبار ثلاثة عن أبي بكر بن عياش، فأدرجه أخرجه ابن الأعرابي في «معجمه» رقم (840): نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ دَخَلَ النَّارَ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
خالف أبو معاوية جمهورَ الرواة - أبا حمزة، وعبد الواحد، وحفص بن غِيَاث، ووكيع، وابن نُمَيْر، وشُعبة، - عن الأعمش، فقَلَب المتن، أخرجه أحمد (3625): حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَةً، وَقُلْتُ أُخْرَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، دَخَلَ الْجَنَّةَ» قَالَ: وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، دَخَلَ النَّارَ.
وتابع جمهورَ الرواة عن الأعمش متابعة قاصرة - المغيرة وسَيَّار عن أبي وائل، أخرجه أحمد (3552) وعاصم، كما عند أحمد (3811) وغيره.
• الخلاصة: أن هذا من أخطاء أبي معاوية في الأعمش، ومِثله تقديم مسح اليدين على الوجه في التيمم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ثم أدرج أحمد بن عبد الجبار عن أبي بكر بن عياش الفقرة الموقوفة، فجَعَل المتن كله مرفوعًا.
وانتهى شيخنا إلى ذلك مع الباحث إسماعيل بن عرفة، بتاريخ (20) ربيع الأول (1443) الموافق (26/ 10/ 2021 م).
قال الإمام مسلم رقم (89): حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ:«الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصِنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» .
وتابع عبدَ الله بن وهب عبدُ العزيز بن عبد الله، أخرجه البخاري رقم (6857).
وخالف أبا الغيث وهو سالم المدني أبو سلمة بن عبد الرحمن من رواية ابنه عمر عنه، مرفوعًا وموقوفًا، ولا يتحمله عمر فقد قال البخاري: صدوق إلا أنه يخالف في بعض حديثه، وفيه: «الْكَبَائِرُ سَبْعٌ:
…
وَالْأَعْرَابِيَّةُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ» أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (578) موقوفًا. وفي رواية مرفوعة: «وانْقِلَابٌ إِلَى الْأَعْرَابِ» أخرجه اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السُّنة» «1912» .
• والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أحمد الصاوي، بتاريخ (4) جمادى الأولى (1443 هـ) الموافق (9/ 12/ 2021 م) إلى صحة رواية الصحيحين.
الموت على الكفر
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (16907): حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ - وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا، أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» .
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث سعيد القاضي، بتاريخ (2/ 12/ 2021 م) عن أبي عون: لا يصح حديثه.
وكَتَب عن طريق أبي داود (427) أبي الدرداء: الأسانيد غير قوية وغير مُطَمْئِنة مع غرابة المتن فيما يتعلق بـ «الرجل يَقتل مؤمنًا متعمدًا» والله أعلم.
الكفر بالطاغوت
• قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (23): حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِيَانِ الْفَزَارِيَّ - عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ؛ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ» .
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، ح، وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ وَحَّدَ اللهَ
…
» ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
• الخلاصة: انتهى شيخنا بتاريخ (4) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (17/ 3/ 2021 م) مع الباحث محمد منصور، إلى أن للمتن شواهد، لكن الأهم في ترجمة طارق بن أَشْيَم
(1)
في تفرده بحديث (أَيْ بُنَي، مُحْدَث) فمِن ثَم تُبحث ترجمته بدقة.
(1)
طارق بن أَشْيَم، بمعجمة وتحتانية، كـ (أَعْلَم).
له حديث آخَر في «مسلم» رقم (4/ 2073) ورقم (34 - (2697): حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ - يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ - حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ مَنْ أَسْلَمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي» .
وأضاف الحافظ المِزي حديثين آخرَين في الكتب الستة، هما: حديث القنوت، وحديث «مَنْ رآني في المنام فقد رآني» .
قال العُقيلي في «الضعفاء» (3/ 10) عقب رواية القنوت: لا يُتابَع عليه، وإنما أنكر سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، لما حكى أبو الوليد.
والصحيح عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قَنَت ثم تَرَك، وهذا يَذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَقنت.
وقال الخطيب: في صحبته نظر. بينما قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة في تمييز الصحابة» (3/ 412): وأَغْرَب الخطيب فقال في كتاب «القنوت» : في صحبته نظر، وما أدري أيّ نظر فيه بعد هذا التصريح؟! ولعله رأى ما أخرجه ابن مَنْدَه من طريق أبي الوليد عن القاسم بن معن، قال: سألتُ آل أبي مالك الأشجعي، أَسَمِع أبوهم من النبي صلى الله عليه وسلم؟
قالوا: لا. وهذا نَفْي يُقَدَّم عليه مَنْ أثبت.
ويحتمل أنه عنى بقوله: (أبوهم) أبا مالك، وهو كذلك لا صحبة له، إنما الصحبة لابنه. واللَّه أعلم.
ماشطة ابنة فرعون داعية إلى التوحيد
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (2821): حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلادِهَا» .
قَالَ: «قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِاسْمِ اللَّهِ. فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ. قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟! قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ.
فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا. قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَتَدْفِنَنَا. قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الحَقِّ».
قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ صِغَارٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ.
وتابع أبا عمرو الضرير جماعةٌ - وهم هُدْبَة بن خالد، كما عند أبي يعلى (2517) وعفان بن مسلم، كما عند أحمد بن مَنيع في «إتحاف المهرة» (8539) ويزيد بن هارون كما عند ابن حِبان (2309).
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد شرموخ إلى حُسنه؛ لأن الأكثر على أن رواية حماد عن عطاء قبل الاختلاط
(1)
.
(1)
في «الكواكب النيرات» (ص: 61): قد استَثنى الجمهور رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، قاله ابن مَعِين وأبو داود والطحاوي وحمزة الكِناني.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وذَكَر ذلك عن ابن مَعِين: ابن عَدِيّ في «الكامل» وعباس الدُّوري وأبو بكر بن أبي خيثمة.
وقال الطحاوي: وإنما حديث عطاء الذي كان منه قبل تغيره - يُؤخَذ من أربعة لا مِنْ سواهم، وهم شُعبة، وسفيان الثوري، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد.
وقال حمزة بن محمد الكِناني في «أماليه» : حماد بن سلمة قديم السماع من عطاء.
وقال عبد الحق في «الإحكام» : إن حماد بن سلمة سَمِع منه بعد الاختلاط، كما قاله العُقيلي.
الرياء من الشرك الأصغر
• قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
• أخرج الإمام أحمد في «مسنده» رقم (23630): عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ» .
قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟
اختُلف فيه على عمرو بن أبي عمرو: فتارة عن عاصم بن قتادة، وأخرى بإسقاطه، وهو الصواب؛ لأنه من رواية إسماعيل بن جعفر ويزيد بن الهاد.
وخالفهم بالإثبات ثلاثة:
1 -
عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، وهو ضعيف، انظرها عند أحمد (23636).
2 -
عبد العزيز بن محمد، كما عند الطبراني. والسند إليه فيه عبد الله بن شَبيب، ذاهب الحديث. وجَعَله من مسند (رافع بن خَديج).
3 -
عبد الله بن ذَكْوان، ولم يَثبت السند إليه.
وتَابَع الضعفاء متابعة قاصرة مع الاختلاف في اللفظ - سعد بن إسحاق، فقال: عن عاصم بن قتادة، عن محمود بن لَبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم وشِرك
السرائر» قالوا: وما شِرك السرائر؟ قال: «أن يقوم أحدكم يُزَيِّن صلاته جاهدًا؛ ليَنظر الناس إليه، فذلك شِرك السرائر» .
أخرجه ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» رقم (8627) وفي سنده أبو خالد الأحمر، لكن تابعه عيسى بن يونس، كما عند ابن خُزيمة (937).
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث عصام سَبَل إلى أن إسناده صحيح، ورواية سعد بن إسحاق شاهدة بالمعنى لرواية عمرو بن أبي عمرو
(1)
المنقطعة على الأصح.
وكَتَب شيخنا مع الباحث عمر شوقي، بتاريخ الاثنين (17) ذي القعدة (28/ 6/ 2021 م): يُحسَّن لشواهده.
ثم كَتَب هذا التقرير مع الباحث عزت بن عبد الجواد، بتاريخ السبت (20) مُحَرَّم (1443 هـ).
2 -
قال ابن ماجه رقم «سُننه» رقم (3989): حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ
(2)
، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
(3)
، أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَاعِدًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْكِي؟ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: يُبْكِينِي شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
(1)
تُنْظَر ترجمته للخلاف فيه.
(2)
أخرج المعافي بن عمران في «الزهد» رقم (52) من طريق الأوزاعي عن رجل عن عمر رضي الله عنه.
(3)
ورواه ابن عمر عن معاذ، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (4950) وفي سنده أبو قَحْذَم، ضعيف. وأخرجه كذلك رقم (7112) وإسناده ضعيف.
وعيسى بن عبد الرحمن متروك. ورواه عياش بن عباس عن عيسى بن عبد الرحمن، كما عند الطبري (1118) وغيره، وتارة بإسقاط عيسى، أخرجه الحاكم (4) وغيره. وطريق إثبات الواسطة أشهر من إسقاطها.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ عزت بن عبد الجواد، بتاريخ (25) مُحَرَّم (1443 هـ) المُوافِق (2/ 9/ 2021 م): الأوثق إثبات الواسطة.
3 -
قال البزار في «مسنده» رقم (3481): حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: نَا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ: نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيهٍ رضي الله عنه قَالَ:«كُنَّا نَعُدُّ الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرِّيَاءَ» .
وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَلَامًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ نَحْفَظْ هَذَا الْكَلَامَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْنَاهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ.
وتابع عمرَ بن الخطاب جماعة، وتارة بعطف يحيى بن أيوب على ابن لَهيعة، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (196). وتارة بإفراد ابن لَهيعة، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (7160).
وعلة هذا الطريق ابن لَهيعة والغافقي، وفيهما ضعف. ولمُحَسِّن أن يُحسِّنهما. بينما يَرى شيخنا ضعفه مع الباحث عزت بن عبد الجواد، بتاريخ (25) مُحَرَّم (1443 هـ) المُوافِق (2/ 9/ 2021 م).
ورُوي بمتن آخَر، أخرجه أبو داود في «الزهد» رقم (365): حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ قَالَ: نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: نَا أَبِي صَالِح، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ - وَهُوَ الَّذِي مَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ غُلَامٌ، مِنْ بِئْرِهِمْ - أَنَّ شَدَّادَ بْنَ أَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ - ابْنَ أَخِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ - بَكَى وَمَحْمُودٌ جَالِسٌ عِنْدَهُ، وَقَالَ: يَا نِفَاقَ الْعَرَبِ. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَنْ أَخَافَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ، إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَتُؤْتَوْنَ مِنْ قِبَلِ الرُّءُوسِ الَّذِينَ إِذَا أَمَرُوا بِخَيْرٍ أُطِيعُوا، وَإِذَا أَمَرُوا بِشَرٍ أُطِيعُوا، وَمَا الْمُنَافِقُ؟
…
الْمُنَافِقُ كَالْبَذَجِ اخْتَنَقَ فِي رِبَقِهِ، لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ.
وتابع الزُّهْريَّ على الوقف رجاءُ بن حَيْوة، أخرجه ابن بطة (1646) وغيره. وإسناد الزُّهْري صحيح بالوقف.
ورُوي من وجوه أُخَر مرفوعة ضعيفة.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث عزت بن عبد الجواد، بتاريخ الخميس (25) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (2/ 9/ 2021 م): الوقف أصح.
قال الإمام مسلم رقم (2985): حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» .
وورد خبر من حديث أبي سعيد بن أبي فَضَالة، أخرجه الترمذي (3154) وابن ماجه (3203) ومتنه:«إِذَا جَمَعَ اللهُ النَّاسَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ، لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا، فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ» .
وفي سنده زياد بن ميناء، قال عنه ابن المديني: مجهول.
وكَتَب شيخنا مع الباحث عزت بن عبد الجواد، بتاريخ (13/ 10/ 2021 م): للمتن شواهد. ا هـ.
ثم ذَكَر خبر أبي هريرة السابق.
الرياء يُذهِب أجر صاحبه
• قال تعالى: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 16]
قال النَّسَائي في «سُننه» رقم (3140): أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ هِلَالٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ
(1)
، مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا شَيْءَ لَهُ» فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا شَيْءَ لَهُ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ» .
• الخلاصة: إسناده حسن.
وقال ابن رجب في «جامع العُلوم والحِكَم» (1/ 81): وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ سعيد القاضي، بتاريخ (24) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (1/ 9/ 2021 م): الحديث، وإن كان لُمحَسِّن أن يُحَسِّن سنده، لكن في النفس ريبة لأمور:
1 -
محمد بن حِمْيَر، وتَفرُّده به، وهو صاحب حديث آية الكرسي.
(1)
وصححه العلامة الألباني في «الصحيحة» رقم (52).
2 -
معاوية.
3 -
عكرمة.
4 -
تَفرُّد النَّسَائي.
5 -
المتن، وهل له مُعارِض أم لا؟ ا هـ.
• تنبيه: انظر «العلل» (494) لابن أبي حاتم.
وقال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (1/ 79):
اعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ لِغَيْرِ اللَّهِ أَقْسَامٌ:
1 -
فَتَارَةً يَكُونُ رِيَاءً مَحْضًا، بِحَيْثُ لَا يُرَادُ بِهِ سِوَى مُرَاآةِ الْمَخْلُوقِينَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، كَحَالِ الْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاتِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]. وَقَالَ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 4 - 6]. وَكَذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَ بِالرِّيَاءِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} [الأنفال: 47].
وَهَذَا الرِّيَاءُ الْمَحْضُ لَا يَكَادُ يَصْدُرُ مِنْ مُؤْمِنٍ فِي فَرْضِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَقَدْ يَصْدُرُ فِي الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الْحَجِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، أَوِ الَّتِي يَتَعَدَّى نَفْعُهَا، فَإِنَّ الْإِخْلَاصَ فِيهَا عَزِيزٌ، وَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّهُ حَابِطٌ وَأَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَحِقُّ الْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ وَالْعُقُوبَةَ.
2 -
وَتَارَةً يَكُونُ الْعَمَلُ لِلَّهِ وَيُشَارِكُهُ الرِّيَاءُ، فَإِنْ شَارَكَهُ مِنْ أَصْلِهِ فَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَحُبُوطِهِ أَيْضًا
…
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّ
الْعَمَلَ إِذَا خَالَطَهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّيَاءِ كَانَ بَاطِلًا: طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ: عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَالْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَغَيْرُهُمْ
…
وَلَا نَعْرِفُ عَنِ السَّلَفِ فِي هَذَا خِلَافًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَإِنْ خَالَطَ نِيَّةَ الْجِهَادِ مَثَلًا نِيَّةٌ غَيْرُ الرِّيَاءِ، مِثْلُ أَخْذِهِ أُجْرَةً لِلْخِدْمَةِ، أَوْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ، أَوِ التِّجَارَةَ، نَقَصَ بِذَلِكَ أَجْرُ جِهَادِهِمْ، وَلَمْ يُبْطَلْ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَصْلُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الرِّيَاءِ:
فَإِنْ كَانَ خَاطِرًا وَدَفَعَهُ، فَلَا يَضُرُّهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
وَإِنِ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ، فَهَلْ يُحْبَطُ بِهِ عَمَلُهُ أَمْ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَيُجَازَى عَلَى أَصْلِ نِيَّتِهِ؟
فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ قَدْ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَرَجَّحَا أَنَّ عَمَلَهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُجَازَى بِنِيَّتِهِ الْأُولَى
…
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي عَمَلٍ يَرْتَبِطُ آخِرُهُ بِأَوَّلِهِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، فَأَمَّا مَا لَا ارْتِبَاطَ فِيهِ، كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ وَنَشْرِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِنِيَّةِ الرِّيَاءِ الطَّارِئَةِ عَلَيْهِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ.
فَأَمَّا إِذَا عَمِلَ الْعَمَلَ لِلَّهِ خَالِصًا، ثُمَّ أَلْقَى اللَّهُ لَهُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، فَفَرِحَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ
(1)
. انتهى باختصار.
(1)
أخرج مسلم (2642) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ:«تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ» .
لا يُذبَح لله بمكان يُذبَح فيه لغير الله
• تعددت النصوص في سد الذرائع، وبخاصة في باب التوحيد، ومنها ما أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (3313): حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ
(1)
، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟» قَالُوا: لَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» .
خالف شُعيبًا أربعة - الوليد بن مسلم، كما عند النَّسَائي (3771) وابن حِبان (4367) والوليد بن مَزْيَدٍ، كما في «الإيمان» لابن منده (637) وأبو المغيرة عبد القدوس بن الحَجاج، كما عند النَّسَائي (3813) وبِشر بن بكر، كما في «مشكل الآثار» (835) - فلم يَذكروا قصة (إبلًا ببُوَانة).
(1)
بضم الباء وتخفيف الواو: موضع في أسفل مكة دونَ يَلَمْلَم. كما في «شرح المصابيح» لابن الملك (4/ 109).
• ووافقهم الجماعة وهم ستة - هشام الدَّسْتُوَائي
(1)
كما عند مسلم (110) وأحمد (16385) وغيرهم، وأبان بن مَزيد، كما عند أحمد (16385) وأبي يعلى (1535) وعلي بن المبارك، كما عند البخاري (6047) وحرب بن شداد، كما عند أحمد (16387) ومعاوية بن سَلَّام، كما عند مسلم (110) وأبي داود (3257) ومَعْمَر بن راشد، كما عند عبد الرزاق (15812) - عن يحيى بن أبي كثير، دون سبب الورود (إبلًا ببُوَانة).
أخرجه البخاري (6047): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ - حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ» .
وتابع يحيى بن أبي كَثير على عدم ذكرها خالدٌ الحَذَّاء، كما في البخاري (1363) والنَّسَائي (3770) وابن حِبان (4366) وأيوب السَّختياني، كما في البخاري (6105) ومسلم (110) وأحمد (16390).
(1)
في «الأنساب» (معتمد) (5/ 347 (للسمعاني: بفتح الدال وسكون السين المهملتين، وضم التاء ثالث الحروف، وفتح الواو، وفي آخره الألف ثم الياء آخر الحروف، هذه النسبة إلى بلدة من بلاد الأهواز يقال لها دَسْتُوَا، وإلى ثياب جُلبت منها.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ أحمد النمر، بتاريخ (22) شوال (1442 هـ): كلامك له وجه، وابحث عن سلف لك، فإن لم تجد فاجهر بما وصلتَ إليه.
• له شاهد ضعيف، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (19/ 190) رقم (427): حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ كَرْدَمَ بْنَ سُفْيَانَ الثَّقَفِيَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ ذود إِبِلٍ بِبُوَانَةَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«عَلَى وَثَنٍ؟» فَقَالَ: لَا. فَقَالَ: «أَعَلَى جَمْعٍ مِنْ جُمُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ حَيْثُ كَانَ، يَا كَرْدَمُ إِنَّهُ لَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» .
سد الذرائع في باب التوحيد
• وردت أدلة كثيرة في سد الذرائع المفضية إلى الشرك.
منها ما أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (2042): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ»
(1)
.
وتابع أحمدَ بن صالح سُرَيْجُ بن النعمان، أخرجه أحمد (8804) وتابعهما مسلم بن عمرو الحَذَّاء، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (8030).
• الخلاصة: سنده حسن؛ للكلام في عبد الله بن نافع. وله شواهد يصح بها.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ أحمد بن عبد العاطي القناوي، بتاريخ (25) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (4/ 8/ 2021 م): لا بد من مراجعة أمرين:
1 -
ترجمة موسعة في عبد الله بن نافع.
(1)
في «سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي» رقم (117): وقال لي أبو زُرْعَة: ابن نافع الصائغ عندي منكر الحديث، حَدَّث عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بين بيتي ومنبري
…
» وأحاديث غيرها مناكير، وله عند أهل المدينة قدر في الفقه.
تنبيه: يَخشى شيخنا أن يكون هذا المتن راجعًا للحديث الذي معنا، بتاريخ السبت (13) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (21/ 8/ 2021 م).
ثم انتهى إلى خلاصتها مع الباحث، بتاريخ (3) مُحَرَّم (1442 هـ) الموافق (11/ 8/ 2021 م): إنه لا بدّ من النظر في متن الحديث، فإن كان له شواهد قَبِلناه وإلا فلا.
2 -
وأقوال علماء العلل فيه. ا هـ.
وقال: قوله: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عيدًا»
(1)
له شواهد. أما قوله: «وَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ» فتُحَرَّر لأنها مسألة عَقَدية.
ثم أورد الباحث شواهد للخبر، منها حديث علي بن أبي طالب، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7624) (7750): حَدَّثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، حَدَّثنا جَعْفَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - مِنْ وَلَدِ ذِي الْجَنَاحَيْنِ - قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَجِيءُ إِلَى فُرْجَةٍ كَانَتْ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ غ، فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيَدْعُو، فَدَعَاهُ فَقَالَ: أَلا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ:«لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ وَتَسْلِيمَكُم تَبْلُغُنِي حَيْثمَا كُنْتُمْ» .
وجعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحين - مجهول.
وشاهد آخَر مرسل عن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أخرجه ابن أبي شيبة (7625) وعبد الرزاق (6726).
وله مرسل آخَر ضعيف عن سعيد بن أبي سعيد مولى المَهْري.
(1)
لهذه الفقرة شاهد من حديث أبي هريرة بلفظ: «اللهم لا تَجعل قبري وثنًا يُعبَد» أخرجه أحمد (7311) وغيره. وسنده حسن.
هل ثَبَتت الاستعاذة بالمخلوق الحي فيما يَقْدر عليه؟
• قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (1659): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ غُلَامَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ:(أَعُوذُ بِاللهِ) قَالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ، فَقَالَ:(أَعُوذُ بِرَسُولِ اللهِ) فَتَرَكَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَاللهِ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ» قَالَ: فَأَعْتَقَهُ.
وحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ:«أَعُوذُ بِاللهِ» ، «أَعُوذُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» .
وتابع محمدَ بن جعفر وهبُ بن جرير، أخرجه أبو عَوَانة (6061)، والبيهقي (669).
وتابع شُعبةَ على عدم الزيادة جماعة:
1 -
عبد الواحد بن زياد، أخرجه مسلم (1659).
2 -
أبو معاوية، أخرجه مسلم (1659) والبخاري في «الأدب المفرد» (171) وأبو داود (5159).
3 -
سفيان الثوري، أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (17959) وأحمد (22354) وغيرهما.
4 -
الفُضَيْل بن عِيَاض، أخرجه عبد بن حُميد كما في «المنتخب» (239).
5 -
جرير، كما عند البيهقي.
• الخلاصة: أن زيادتي «أعوذ بالله» «أعوذ برسول الله» تَفرَّد بهما ابن أبي عَدِيّ، مخالفًا محمد بن جعفر ووهب بن جرير، وروايتهما أصح إِنْ سَلِم ضبط شُعبة لألفاظه
(1)
وقد وافقهما الجماعة عن الأعمش.
وكَتَب شيخنا مع الباحث السيد البدوي، بتاريخ (19) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (25/ 10/ 2021 م): زيادة (أعوذ بالله) شاذة هنا.
وفي الباب حديث أُم سَلَمَة أُم المؤمنين قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ غ: «يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ، فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ:«يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ، وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ»
(2)
.
(1)
ونَصَّ الإمام مسلم على ذلك. وقال الإمام أحمد: ابن أبي عَدِي روى عن شُعبة أحاديث يرفعها، ننكرها عليه. وقال أحمد أيضًا: أخاف أن شعبة لم يكن يقوم على الألفاظ، هو ذا يُختلَف عليه.
(2)
أخرجه مسلم (2882) ويُحرَّر وجه الشاهد في طرقه.
التوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب
1 -
قال الترمذي في «سُننه» رقم (2517): حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:«اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» .
وتابع يحيى بنَ سعيد خالدُ بن يحيى، أخرجه البيهقي في «الشُّعَب» (1206). وتابعهما علي بن غراب، أخرجه ابن عَدِيّ في «الكامل» (5/ 206).
والمُغِيرة بن أبي قُرَّة السَّدُوسي ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال ابن القطان: لا يُعْرَف. وقال الحافظ: مستور.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا بتاريخ (27) شعبان (1441 هـ) الموافق (21/ 4/ 2020 م) مع الباحث سيد بن رفعت: السند ضعيف، والمعنى له شواهد
(1)
.
(1)
منها: ما أخرجه ابن حِبان في «صحيحه» رقم (731): أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أُرْسِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» . ويعقوب بن عبد الله ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال ابن حجر: مقبول.
ومنها: ما أخرجه ابن القيسراني في «صفوة التصوف» (ص: 308): أَخْبَرَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ قَالَ: أَنَا ابْنُ حُبَابَةَ قَالَ: نَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ قَالَ: نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: أَنَا شَرِيكٌ، عَنْ هِلَالٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتْرُكُ نَاقَتِي - أَوْ: بَعِيرِي - وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أَعْقِلُهُ وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:«بَلِ اعْقِلْهُ وَتَوَكَّلْ» .
2 -
قال ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» (26128): حَدَّثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ شَهِيدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ يَصْنَعُ الطَّعَامَ مِنْ كَسْبِهِ، فَيَدْعُو الْمَجْذُومِينَ فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ.
وتابع القطانَ سفيانُ بن حبيب، أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (3/ 29) مسند علي.
وتابعهم الجماعة - علي بن الجعد، ووَهْب بن جرير، وغُنْدَر، وعبد الرحمن الرصاصي - عن شُعبة.
وفي وجه معلق عن شُعبة (أن عمر أَخَذ بيد مجذوم
…
).
وخالفهم مُفضَّل بن فَضَالة فقال: عن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن المنكدر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ، فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ فِي القَصْعَةِ، ثُمَّ قَالَ:«كُلْ بِاسْمِ اللَّهِ، ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ»
(1)
.
(1)
أخرجه أبو داود (3878)، والترمذي (1922) وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، وَالمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ هَذَا شَيْخٌ بَصْرِيٌّ، وَالمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ شَيْخٌ آخَرُ مِصْرِيٌّ، أَوْثَقُ مِنْ هَذَا وَأَشْهَرُ، وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ، وَحَدِيثُ شُعْبَةَ أَشْبَهُ عِنْدِي وَأَصَحُّ.
استَنكر الرواية المرفوعة العُقيلي وابن عَدِيّ وغيرهما، وأشار البخاري أيضًا إلى ترجيح الموقوف.
• الخلاصة: الأرجح رواية عبد الله بن بُريدة عن سلمان، لكن النفس لا تطمئن إلى سماعه، فليُراجَع.
بتاريخ (27) شعبان (1441 هـ) الموافق (21/ 4/ 2020 م) مع الباحث أحمد بكري.
3 -
قال الترمذي في «سننه» رقم (2344) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الجَيْشَانِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» .
وتابع ابن المبارك عبد الله بن يزيد المقرئ أخرجه أحمد (205) وغيره.
وتابع بكر بن عمرو ابن لهيعة أخرجه أحمد (370) وابن ماجه (4164).
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
• الخلاصة: كتب شيخنا مع ابنه يحيى بتاريخ 16 جمادى الأولى 1443 موافق 20/ 12/ 2021 م: بعد الاطلاع على أن ابن لهيعة من شيوخ بكر بن عمرو: «الحديث يحسن بطريقيه ومتنه ليس بمستنكر تشهد له الآيات»
(1)
.
(1)
وتأمل إسناد البزار.
وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ
• قال أبو داود في «سُننه» رقم (5109): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَسَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ الْمَعْنَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ» وَقَالَ سَهْلٌ وَعُثْمَانُ: «وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ» - ثُمَّ اتَّفَقُوا - «وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ» قَالَ مُسَدَّدٌ وَعُثْمَانُ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَادْعُوا اللَّهَ لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» .
وخالف هؤلاء الثلاثةَ عبدُ الملك بن مَعْن، فأثبت إبراهيمَ التيمي بين الأعمش ومجاهد، ولم يَذكر: «مَنْ صَنَع إليكم
…
» أخرجه ابن حِبان (3434).
ورواية الجماعة دون واسطة أرجح للكثرة وعلو السند.
والأعمش مدلس وقد عنعن، سواء بإثبات الواسطة أو عدمها
(1)
.
وقد تابع الأعمش جماعة:
(1)
وهناك خلافات أخرى على الأعمش:
فتارة رواه عن نافع عن ابن عمر، أخرجه أبو الشيخ في «صفات المُحَدِّثين» (1072) بعطف ليث بن أبي سُليم على الأعمش.
وتارة عن أبي صالح عن أبي هريرة، أخرجه البَزَّار (9272) وفي سنده زكريا بن يحيى الضرير، ترجمه الخطيب ولم يَذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، بل ذَكَر حديثًا منكرًا.
وتارة رواه عن أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة، أخرجه الحاكم (1439) وفي سنده أبو بكر بن عياش، مُختلَف فيه. وفي سنده أيضًا الحارث بن أسامة، فيه مقال.
1 -
العوام بن حَوْشَب، أخرجه الطبراني (13298) ورجاله ثقات إلا الكلام في عثمان بن أبي شيبة، وأتى بأول فقرتين، وزاد:«مَنْ أَهْدَى إليكم كراعا فاقبلوه» .
2 -
حُصَيْن بن عبد الرحمن، أخرجه الطبراني (13248) وفي سنده أبو جعفر الرازي، صدوق سيئ الحفظ. وسلمة بن الفضل صدوق يخطئ كثيرًا.
3 -
ليث بن أبي سُليم - وهو ضعيف - أخرجه أحمد (5703).
وله شاهد من حديث ابن عباس، أخرجه أبو داود رقم (5108): حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجُشَمِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ - قَالَ: نَصْرٌ: ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَهِيكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْطُوهُ» قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: «مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ» .
وأبو نَهِيك اسمه عثمان بن أبي نَهِيك، روى عنه خمسة، وقال ابن حجر: مقبول.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف المنوفي، بتاريخ (15) من ذي القعدة (1442 م) الموافق (25/ 7/ 2021 م): كل طرق الحديث فيها مقال، وهل يُحسَّن بمجموعها أو لا؟ وجهان.
ويَرى الباحث وأبو أويس تصحيح القَدْر المشترك بين الأعمش وتابعيه، وهي:«مَنْ استعاذ بالله فأعيذوه، ومَن سأل بالله فأعطوه، ومَن دعاكم فأجيبوه» .
لا عَدْوَى ولا طِيَرة
• قال البخاري رقم (5757): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَكَمِ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ» .
وقال رقم (5717): حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُ إِبِلِي، تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَأْتِي البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا؟! فَقَالَ:«فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟» .
وأخرجه مسلم (2221) من طريقَي صالح ويونس عن الزُّهْري.
• وأخرج البخاري (5770): حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُ الإِبِلِ، تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيُخَالِطُهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟» .
5771 -
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ أنه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» وَأَنْكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الأَوَّلِ، قُلْنَا: أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ «لَا عَدْوَى» ؟ فَرَطَنَ بِالحَبَشِيَّةِ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ
(1)
.
• وقال البخاري رقم (5707): وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»
(2)
.
وجملة: «فِرّ من المجذوم» وردت من طرق أخرى لا تَثبت
(3)
.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ أحمد بن حسيني بن بكري بن علي بن جادَ اللهُ المشتولي الشرقاوي
(4)
إلى صحة الروايات السابقة، إلا لفظ:«ولا نَوْء»
(5)
.
(1)
قال النووي في «شرح مسلم» (14/ 214):
ولا يُؤثِّر نسيان أبي هريرة لحديث «لا عدوى» لوجهين:
أحدهما: أن نسيان الراوي للحديث الذي رواه - لا يَقدح في صحته عند جماهير العلماء، بل يجب العمل به.
والثاني: أن هذا اللفظ ثابت من روايةِ غير أبي هريرة، فقد ذَكَر مسلم هذا من رواية السائب بن يزيد، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
ذَكَر الخَطَّابي في «أعلام الحديث شرح البخاري» : حدثنا عفان. مما يفيد الوصل.
وقد وصله أبو الشيخ الأصبهاني من طريقَي الطيالسي وسَلْم بن قُتيبة.
والبيهقي في «السُّنن الكبير» (13887)، و «الخلافيات» (4170) من طريق عمرو بن مرزوق.
ثلاثتهم عن سُليم بن حيان، به. وهذه المتابعات يُقَوِّي بعضها بعضًا.
(3)
انظرها في «التاريخ الكبير» (1/ 139)، و «الكامل» لابن عَدِيّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
(4)
وُلد في مدينة مشتول السوق، بتاريخ (1/ 11/ 1983 م) سَجَّل الماجستير بعنوان:«مرويات محمد بن إسحاق في الأحكام، وأثرها في اختلاف المُحَدِّثين والفقهاء» دراسة حديثية فقهية مقارنة.
ومن أشهر النماذج:
• حديث سهل بن حُنيف في الرخصة في نضح الثوب إذا أصابه المذي، وهو مِنْ أفراد ابن إسحاق، ولم يَعمل به جمهور العلماء سوى أحمد في قول له.
وانتهى الباحث إلى صحته والعمل به؛ باعتباره غير مخالف للقياس.
• حديث جابر في الرخصة في استقبال القِبلة عند قضاء الحاجة. ورَجَّح الباحث صحته بشاهده من حديث ابن عمر، وإن كان قاصرًا عن الاستدبار، لكن عَمِل به الجمهور وحملوا أحاديث الرخصة على البنيان، وأحاديثَ النهي على الصحراء.
وكَتَب شيخنا مع الباحث إسماعيل بن حامد، بتاريخ (29) صَفَر (1443 هـ) الموافق (6/ 10/ 2021 م): الخبر ضعيف. فسألته عن علة الضعف فقال: ابن إسحاق لا يتحمله.
• وأول حديث عرضتُه على الشيخ - حفظه الله - هو: «فَعَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ البَقَرِ؛ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ» وكنتُ أرى صحته، وأن الوجه المرفوع المتصل هو الراجح كما قال الدارقطني، إلا أن الشيخ كان يميل إلى ضعفه واضطراب إسناده، وتَوقَّف أبو حاتم الرازي فيه. وفي ختام النقاش قال الشيخ: اكتب قولك، ومن حقنا أن نُثبِت رأينا.
قَدَّم له شيخنا:
1 -
«الصحيح في فضائل رمضان» وهي رسالة قصيرة، شملت نحو بضعة وثلاثين حديثًا.
2 -
رَاجَع مع شيخنا بعض الأجزاء من «موسوعة السُّنة» وكانت له تعليقات مفيدة في الحُكم النهائي على بعض الأحاديث وبعض الرواة.
وللباحث «عودة الحُكم بما أَنْزَل الله» رَاجَع شيخنا بعضه، وهو جَمْع شامل لكل الآيات الخاصة بهذا الموضوع، مع تخريج الأحاديث والآثار الواردة في تفسيرها، وأسباب نزولها، مع الجَمْع لكل أقوال أهل العلم في المسألة.
(5)
أخرجه مسلم رقم (2220) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا نَوْءَ وَلَا صَفَرَ» .
• تنبيه: واتساع المخرج في «فِرّ من المجذوم» أقوى في القَبول والتصحيح من اتساع المخرج في «لا نَوْء» لأن سند الأُولى صحيح، أما «لا نَوْء» ففيه العلاء بن عبد الرحمن، وقد تَكلَّم فيه عدد من الأئمة، وإن كان صنيع الإمام مسلم يقويها.
وأيضًا: معناها صحيح من حيث المعنى.
• كما في حديث البخاري رقم (846) ومسلم (71): عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:«هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: (مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ) فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: (مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا) فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» .
• وقال الإمام مسلم رقم (934): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، ح وحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا حَبَّانُ ابْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ،
وَالنِّيَاحَةُ» وَقَالَ: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» .
• وقال البخاري رقم (3850): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أنه سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:«خِلَالٌ مِنْ خِلَالِ الجَاهِلِيَّةِ: الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالنِّيَاحَةُ» وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ.
• قلت (أبو أويس): ينبغي دراسة زيادات إسماعيل بن جعفر، وبخاصة «لا نَوْء» هنا، هل يتحملها هو أو شيخه، وفي مخالفته وزيادته:«وأبيه» في حديث «أفلح وأبيه إِنْ صَدَق» أخرجها مسلم رقم (11).
الطِّيَرة شِرْك
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (3687): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ - ثَلَاثًا - وَمَا مِنَّا إِلَّا
(1)
، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ»
(2)
.
• وفي «شُعَب الإيمان» عقب رقم (1166): قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: يُرِيدُ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -: الطِّيَرَةُ شِرْكٌ عَلَى مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ فِيهَا.
ثُمَّ قَالَ: «وَمَا مِنَّا إِلَّا» يُقَالُ: هَذَا مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَوْلُهُ: «وَمَا مِنَّا إِلَّا» وَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ عِنْدَ ذَلِكَ، عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَقَضَتْ بِهِ التَّجَارِبُ، لَكِنَّهُ لَا يُقَرُّ فِيهِ، بَلْ يُحْسِنُ اعْتِقَادَهُ أَنْ لَا مُدَبِّرَ سِوَى اللهِ تَعَالَى، فَيَسْأَلُ اللهَ الْخَيْرَ، وَيَسْتَعِيذُ بِهِ مِنَ الشَّرِّ، وَيَمْضِي عَلَى وَجْهِهِ مُتَوَكِّلا عَلَى اللهِ عز وجل.
(1)
قوله: «وما منا إلا» معناه: إلا مَنْ يعتريه التطير وسَبَق إلى قلبه الكراهة فيه، فحُذف اختصارًا للكلام واعتمادًا على فَهم السامع. قاله الخَطَّابي في «معالم السُّنن» (4/ 232).
(2)
وأخرجه أبو داود (3910)، وابن ماجه (3537)، وابن حِبان (6122)، والحاكم (1/ 17) وغيرهم، من طريقَي سُفيان وشُعبة، به.
كَمَا رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أُرِيتَ مِنَ الطِّيَرَةِ مَا تَكْرَهُ، فَقُلِ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ» .
وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ وَمَا قِيلَ فِيهَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ.
• وقال البخاري كما في «العلل الكبير» (485): وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْ يَكُونَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهَذَا الْحَرْفِ: «وَمَا مِنَّا» وَكَانَ يَقُولُ: هَذَا كَأَنَّهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَوْلُهُ.
وتَعقَّب ابن القطان دعوى الإدراج في «بيان الوهم والإيهام» (5/ 387) فقال: كل كلام مسوق في السياق لا ينبغي أن يُقبَل ممن يقول: (إنه مُدرَج) إلا أن يجيء بحجة.
وتَبِعه العَلَّامة الألباني في «الصحيحة» (429).
• وأخرج البزار في «مسنده» (2316) من طريق شُيَيْم بن بَيْتَانَ، عن شيبان بن أمية، عن رُوَيْفِع بن ثابت رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَدْ قَارَفَ الشِّرْكَ» وشيبان مجهول.
وسُئِل أبو حاتم كما في «العلل» (2347) عن الحديث، فقال: حديث منكر.
وفي «النُّكَت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 827) قال: رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» عن شُعبة، مثل حديث وكيع. ورواه علي بن الجَعْد، وغُنْدَر، وحَجاج بن محمد، ووَهْب بن جرير، والنَّضْر بن شُمَيْل، وجماعة - عن شُعبة، فلم يَذكروا فيه:«وما منا إلا» .
وهكذا رواه إسحاق بن رَاهَوَيْهِ، عن أبي نُعَيْم، عن سفيان الثوري.
قلتُ: والحُكْم على هذه الجملة بالإدراج متعين، وهو يشبه ما قدمناه في
المدرك الأول للإدراج، وهو ما لا يَجوز أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لاستحالة أن يضاف إليه شيء من الشرك.
• الخلاصة: انتهى شيخنا معي في «قصص نبي الله صالح عليه السلام» وكذلك مع بعض إخواني حَفِظهم الله، إلى إدراج لفظة:«وَمَا مِنَّا إِلَّا» .
إذا طَلَع النجم رُفِعَتِ العاهة
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (8495): حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا طَلَعَ النَّجْمُ ذَا صَبَاحٍ، رُفِعَتِ الْعَاهَةُ» .
• وتابع وُهَيْبَ بن خالد على الرفع عبدُ العزيز بن المختار، كما عند مُسَدَّد في «مسنده» رقم (2838) وتابعهما أبو الجُوَيْرِيَة، كما في «مشيخة ابن طهمان» (196).
• وخالفهما عبد الوهاب الثقفي فأوقفه، كما في «العظمة» (695). وتابعه عبد العزيز بن المختار (3/ 324).
وعِسْل بن سفيان ضعيف
(1)
والأرجح عنه الرفع، لكنه لا يتحمل الخلاف.
(1)
قال المِزي في ترجمته من «تهذيب الكمال» : قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ليس هو عندي قوي الحديث. وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن مَعِين: ضعيف. وقال البخاري: عنده مناكير. وقال النَّسَائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال أبو أحمد بن عَدِيّ: قليل الحديث، و هو مع ضعفه يُكتب حديثه. وذَكَره ابن حبان فى كتاب «الثقات» وقال: يخطئ ويُخالِف على قلة روايته. روى له أبو داود حديثًا، والترمذي آخَر، وقد وقع لنا حديثه عاليًا. ثم ذَكَره بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن السَّدْل في الصلاة. رواه الترمذي عن هَنَّاد بن السَّرِيّ، عن قَبيصة بن عقبة، عن حماد بن سلمة، وقال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عِسْل. اهـ.
قال الحافظ في «تهذيب التهذيب» (7/ 194): وقال البخاري في «الضعفاء» : فيه نظر. وقال ابن سعد: فيه ضعف. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالمتين عندهم. وقال يعقوب بن سفيان: ليس بمتروك، ولا هو حجة. اهـ.
ثم عَرَض الباحث محمد بن عادل حديث السَّدْل، بتاريخ (19) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (25/ 10/ 2021 م): وانتهى مع شيخنا إلى الضعف.
وعَرَض الدارقطني في «علله» (4/ 263) الخلاف في الرفع والوقف والإرسال، وقال: ورُوي هذا الحديث عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وفي رفعه نَظَرٌ؛ لأن ابن جُريج رَوَى عن عطاء بن أبي رباح، أنه كان يَسْدِل في الصلاة.
وتابعه على الرفع أبو حنيفة، كما في «مشكل الآثار» (2284) و «الآثار» (904)، (917) وأبو حنيفة فقيه مشهور ضعيف.
وتابع عطاءَ بن أبي رباحٍ الشَّعبي، كما في «الغرائب» للدارقطني (5315) وقال: غريب من حديث الشَّعبي
…
وإنما يُعْرَف من حديث أبي حنيفة عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وله شاهد من حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا، أخرجه ابن عَدِيّ في «الكامل» (13058) وفي سنده عطية العوفي، ضعيف.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا بتاريخ (27) شعبان (1441 هـ) الموافق (21/ 4/ 2020 م) مع الباحث أحمد بكري: كل طرقه ضعيفة
(1)
.
• وأخرج أحمد (5012)، (5105) من طرق عن ابن أبي ذئب، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ، فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم
(1)
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث/ د. عمرو بن عبد الهادي البلقاسي، بتاريخ الثلاثاء (23) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (31/ 8/ 2021 م).
عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ» قُلْتُ: وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا. وإسناده صحيح.
• وأخرجه مالك في «الموطأ» (1811) وابن أبي شيبة في «مصنفه» (23196) عن أبي الزناد.
• وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (15196) من طريق الزُّهْري.
كلاهما عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت، الأول بلفظ: أَنَّهُ كَانَ «لَا يَبِيعُ ثِمَارَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا» والثاني بلفظ النهي: عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ: «لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ:«إِنَّ الْعَاهَةَ لَتَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ» وإسنادهما صحيح.
• وأخرج الطبري في «تفسيره» (24/ 747): حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق: 3] قَالَ: «كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: الْغَاسِقُ: سُقُوطُ الثُّرَيَّا. وَكَانَتِ الْأَسْقَامُ وَالطَّوَاعِينُ تَكْثُرُ عِنْدَ وُقُوعِهَا، وَتَرْتَفِعَ عِنْدَ طُلُوعِهَا»
(1)
.
(1)
إسناده صحيح مقطوعًا. وقال الطبري عقبه: وَلِقَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ عِلَّةٌ مِنْ أَثَرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
شفاعة رب العالمين
• قال البخاري رقم (7439): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدٍ
(1)
، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ:«هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟» قُلْنَا: لَا. قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا»
(2)
.
وفيه: «فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلَائِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي. فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ
(1)
قال الذهبي في «سِيَر أعلام النبلاء» (5/ 316): قَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ يَجْلِسُ إِلَى زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ إِلَى مَنْ يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ.
(2)
هذا يسمى بأسلوب الحكيم، ولَفْت نظر السائل إلى أنه كان يجب أن يكون سؤاله على جهة معينة. وفيه إثبات للرؤية وبيان لكيفيتها. ومنه قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189].
وانظر: «علم المعاني» د. بسيوني عبد الفتاح فيّود.
فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ».
• وتابعه مَعْمَر، كما في «جامعه» (20857 - 21782): عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ
…
• وتابعهم حفص بن ميسرة، أخرجه مسلم رقم (183): وَحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ
(1)
قَالَ: حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، به، وفيه: «فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، أَلَا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ، أَوْ إِلَى الشَّجَرِ، مَا
(1)
وسُويد على ضعفه تابعه زُهير بن عَبَّاد، وهو ضعيف كذلك.
يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ، وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ. قَالَ:«فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ. ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ. فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا» .
وتابعهم هشام بن سعد، أخرجه الدارقطني في «رؤية الله» رقم (2) وابن منده (816).
وخالفهم عثمان بن مطر - وهو ضعيف - أخرجه الآجُرّي (807) وعبد الرحمن بن إسحاق، أخرجه أحمد (11127) والإمام مالك، أخرجه البخاري (6549) فرووه مختصرًا دون الزيادة.
وتابعهم دون الزيادة: أبو نضرة المنذر بن مالك
(1)
وأبو المتوكل
(2)
ويحيى بن عمارة
(3)
وعطاء بن يزيد
(4)
.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث عبد الوكيل القاضي:
(1)
أخرجه مسلم (185) وابن ماجه (4309).
(2)
أخرجه أحمد (11441) وغيره.
(3)
أخرجه البخاري (6560) ومسلم (184).
(4)
لكن الأخير عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما. انظر البخاري (6573)، (7437) ومسلم (182).
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ذَكَر أخي عبد الوكيل - حَفِظه الله - ما يلي:
1 -
روى الحديث عن أبي سعيد جَمْع على الاختصار، باستثناء عطاء بن يسار، فقد رواه مطولًا، وعطاء بن يزيد رواه أيضًا بنحوه مطولًا مع بعض الاختلافات في نهاية الحديث بين أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما
…
4 -
تَفرَّد عطاء بن يسار في روايته المطولة بذكر لفظة: «لم يَعمل خيرًا» . ورواها عنه زيد بن أسلم.
5 -
والسند إلى زيد بن أسلم صحيح بذكرها.
6 -
الزيادة في البخاري ومسلم.
فعليه، فنرى - والله أعلم - لاتساع المَخْرَج عن أبي سعيد أن اللفظة تصح سندًا، إذا لم يكن وَهِم زيد أو أخطأ.
وأورد من طريق زيد بن أسلم (عن غير عطاء بن يسار) حديث الذي كان يداين الناس، وفيه:«لم يَعمل خيرًا قط» لكن لا نراها معلة للحديث الأصلي. اهـ.
(1)
بتاريخ (29) رجب (1441 هـ) الموافق (24/ 3/ 2020 م).
(1)
أفاد الباحث/ أحمد شفيق أن في الخبر رسالة من مِائتي صفحة، للشيخ فوزي، فعَقَّب الشيخ أن مؤلفها خارجي.
شائعة التداوي بالشَّعْر من الكورونا
• يشاع أن امرأة رأت رسول الله في منامها، وأَمَرها بقراءة المُعوِّذات، ثم بالنظر في المصحف، فترى شعرة فتأخذها وتُقَلِّبها في ماء ثم تشربها هي وأهل بيتها، فلا تصيبهم الكورونا.
• الرد:
أولًا - هل هذه الشائعة ترجع للشرع أو الخبرة؟
إن كان للشرع فالرؤى لا تُبنَى عليها أحكام شرعية؛ لأن الله أتم دينه، إنما هي بُشْرَيات، وليس ذلك سببًا شرعيًّا يقتضي امتثاله واعتقاده.
وإن كانت لأهل الخبرة من الطب، فلا يعترفون بمثل هذا الخزعبلات.
ثانيًا - من حيث التجربة والتاريخ، فمسألة الشَّعر متكررة في أزمنة الفتن والحروب، ففي حرب (1967 م) رُؤِيَ مثل ذلك للنصر وكانت الهزيمة.
ثالثًا - من ناحية العقل هذا أمر غير معقول، وقد قال تعالى:{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43].
كتاب الإيمان بالملائكة
جبريل عليه السلام
-
• جبريل عليه السلام اصطفاه الله بالوحي إلى رسل الله لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192 - 195].
وقال تبارك وتعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19 - 21].
وقال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 97].
ومن صحيح السُّنة:
1 -
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَرِّكُهُمَا. وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ - فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16، 17] قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
} [القيامة: 18]
قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَرَأَهُ
(1)
.
2 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ»
(2)
.
3 -
وَعَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: «احْتَبَسَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ: أَبْطَأَ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ. فَنَزَلَتْ: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3]
(3)
.
4 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ؛ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»
(4)
.
ووَجْه الجَمْع بين ما سبق من نصوص في اختصاص جبريل عليه السلام بالوحي، وما أخرجه مسلم (806) والنَّسَائي (6967) من طرق ثلاثة، عن أبي الأحوص، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ
(1)
أخرجه البخاري (5) ومسلم (448).
(2)
أخرجه البخاري (3219) ومسلم (819).
(3)
أخرجه البخاري (1125) ومسلم (1797).
(4)
أخرجه البخاري (1902) ومسلم (2308).
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ
(1)
وتابع أبا الأحوص معاوية بن هشام، أخرجه ابن أبي شيبة (31701) وأبو يعلى في «مسنده» (2488) وابن حِبان (778) وغيرهم.
ووَجْه الجَمْع أن هذا المَلَك جاء مُبشِّرًا مبينًا ثوابهما.
وعلى فرض أنه أتى بهما، فجبريل حاضر أو مُستثنًى من عموم {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} .
أما وَجْه الترجيح فالأدلة الأكثر مقدمة على هذا الخبر، وإن كان رواته ثقات إلا أن علي بن المَديني قال في ترجمة عبد الله بن عيسى: منكر الحديث. وقال أبو نُعَيْم في «الحِلْيَة» (4/ 305): تَفرَّد به عمار بن رُزَيْق عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
• قال القرطبي في «تفسيره» (1/ 121): قال ابن عطية: ظَنَّ بعض العلماء أن جبريل عليه السلام لم يَنزل بسورة الحمد؛ لِما رواه مسلم عن ابن عباس قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، سَمِع نقيضًا من فوقه، فرَفَع رأسه فقال: هذا باب
من
(1)
في «المفهم لأبي العباس القرطبي» (2/ 434): قوله: «سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ» أي: صوتًا. والنقيض: صوت الباب عند فتحه.
السماء، فُتِح اليوم، لم يُفتَح قط إلا اليوم، فنَزَل منه مَلَك، فقال: هذا مَلَك نَزَل إلى الأرض، لم يَنزل قط إلا اليوم، فسَلَّم وقال: أَبشِر بنورين أُوتيتَهما، لم يُؤتَهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تَقرأ بحرف منهما إلا أُعطيتَه.
قال ابن عطية: وليس كما ظَن؛ فإن هذا الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام تَقدَّم الملكَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم مُعْلِمًا به وبما يَنزل معه، وعلى هذا يكون جبريل شارك في نزولها، والله أعلم.
• قلت: الظاهر من الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام لم يُعْلِم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك.
وقد بينا أن نزولها كان بمكة، نَزَل بها جبريل عليه السلام؛ لقوله تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193] وهذا يقتضي جميع القرآن، فيكون جبريل عليه السلام نزل بتلاوتها بمكة، ونزل المَلَك بثوابها بالمدينة. والله أعلم.
وقد قيل: إنها مكية مدنية، نزل بها جبريل مرتين، حكاه الثعلبي. وما ذكرناه أَوْلَى.
• والخلاصة: انتهى شيخنا معي بتاريخ (11) ربيع الآخِر (1443 هـ) الثلاثاء (16/ 11/ 2021 م) إلى صحة إسناده، وأن المَلَك نزل بالفضل، ولم ينتقده أحد صراحة.
مجيء المَلَك في صورة رجل
وقال البخاري رقم (2): حَدثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رضي الله عنه، سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي، فَأَعِي مَا يَقُولُ» .
قَالَتْ عَائِشَةُ، رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.
مداره على هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، به.
وعنه جماعة:
1 -
الإمام مالك إمام دار الهجرة، أخرجه البخاري (2) وهو في «الموطأ» رقم (7) وفيه زيادة:«يا رسول الله» بعد السؤال.
2 -
محمد بن بِشر العبدي الكوفي، أخرجه مسلم (2333).
3 -
عبدة بن سليمان الكوفي، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»
(3346)
.
4 -
محمد بن عبد الله الطُّفَاويّ، أخرجه الآجُرّيّ في «الشريعة» (985).
5 -
عامر بن صالح الزُّبيري، أخرجه أحمد (25252).
6 -
مَعْمَر بن راشد، أخرجه أحمد (25303).
7 -
أنس بن عِيَاض، أخرجه ابن مندة (678).
وخالفهم سُفيان بن عُيينة فقال: «وَيَأْتِينِي أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صُورَةِ الْفَتَى، فَيَنْبِذُهُ إِلِيَّ فَأَعِيهِ، وَهُوَ أَهْوَنُهُ عَلَيَّ» بدل «وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» أخرجه الحُميدي (258) وإسحاق في «مسنده» (654).
• والخلاصة: أن رواية الجماعة بما فيهم إمام دار الهجرة أرجح؛ لأمور أربعة:
1 -
للكثرة.
2 -
قال الإمام أحمد كما في «شرح علل الترمذي» (2/ 678): كأن رواية أهل المدينة عنه أحسن. أو قال: أصح. وقال: ما أَحْسَنَ حديث الكوفيين عن هشام بن عروة!
وقال الدارقطني: أَثْبَتُ الرواة عن هشام بن عروة: الثوري، ومالك، ويحيى القطان، وابن نُمير، والليث بن سعد.
3 -
تَنكُّب أصاحبا «الصحيحين» عنها، وهي على شرطهما.
4 -
كَوْن إسحاق بن رَاهَوَيْهِ أخرجها في «مسنده» فهي إشارة إلى الإعلال.
وانتهى شيخنا إلى إعلال لفظة: «مِثْلِ صُورَةِ الْفَتَى» .
القرين من الملائكة والجن
• قال الإمام مسلم رقم (2814): حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا - جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ» قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ
(1)
، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ».
وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِيَانِ ابْنَ مَهْدِيٍّ - عَنْ سُفْيَانَ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ، مِثْلَ حَدِيثِهِ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ:«وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ» .
رواه جمهور الرواة - جرير بن عبد الحميد وعمار بن رُزَيْق - كما عند مسلم - وزياد البكائي وشيبان وسليمان التيمي وشُعبة - كلهم عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه، به، أخرجه مسلم (2814) وأحمد (4392) وعبد الرزاق في «تفسيره» (848) والبزار (1871).
(1)
بضم الميم وفتحها رويناه. فبالضم: يَسلم منه النبي صلى الله عليه وسلم. وبالفتح: أَسْلَمَ القرين، أي: آمَنَ بالله ورسوله. وقد رُوي في غير هذه الكتب: «فَاسْتَسْلَمَ» «مطالع الأنوار على صحاح الآثار» (5/ 498).
وزاد الثوري كما عند مسلم: «وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ
…
وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ» والثوري ثقة، ولم يَنتقد أحد عليه الزيادة فهي مقبولة.
وفي لفظ شيبان عند الطحاوي: «قرينه من الجن والإنس» والظاهر شذوذ «والإنس» .
وتَصَرَّف شُعبة في اللفظ فقال: «وُكِّل به شيطانه، وقال: أعانني الله بإسلامه» فهي تؤيد فتح الميم من (أَسْلَمَ).
ومداره على أبي الجعد رافع، روى عنه اثنان - ابنه سالم والشَّعبي - وكان قارئًا للقرآن، ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقيل له: صحبة. وقال ابن حجر: مخضرم. وأَخْرَج له مسلم هذا الخبر.
لكن يَشهد له ما أخرجه مسلم (2815) من حديث عائشة زَوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا. قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ:«مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ؟ أَغِرْتِ؟» فَقُلْتُ: وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ:«نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ» .
• الخلاصة: انتهى شيخنا بتاريخ (25) شعبان (1441 هـ) الموافق (20/ 4/ 2020 م) مع الباحثين، إلى صحة الزيادة؛ لأن الثوري أَثْبَتُ مِنْ كل مَنْ خالفه على حدة، ولكَوْن بعض الأسانيد نازلة، إلا الروايات التي أوردها مسلم في «صحيحه» ومنها رواية جرير.
• تنبيه:
قرينة رد الزيادة:
1 -
كثرة العدد بدونها.
2 -
كَوْن مسلم لم يخرجها في الأصول، وقَدَّم غيره عليها.
• قرينة القَبول:
1 -
ثقة الثوري.
2 -
لم ينتقدها أهل العلم.
3 -
شاهد من القرآن قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].
أفاد الأول محمد بن لملوم وأحمد بن علي.
وأفاد الثاني د. محمد بن ياسين
(1)
.
(1)
وُلد بقرية البراهمة التابعة لمركز قِفْط القنياوية، وهي بلد القارئ ورش.
وقَدَّم له شيخنا:
1 -
«الوَهَم وأثره في رواية الحديث» .
2 -
3 -
صفة مَلَك من حَمَلة العرش
• قال أبو داود في «سُننه» رقم (4727): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ»
(1)
.
• الخلاصة: ظاهر إسناده الصحة، لكن انتهى شيخنا مع الباحث/ عبد المنعم بن عبد الله بن علي البحراوي
(2)
إلى غرابته، وأن ابن طَهْمَان لا يتحمله؛ لقول ابن حِبان عمومًا في ترجمة إبراهيم بن طَهْمَان
(3)
.
• قال أبو يعلى في «مسنده» رقم (6619 - 6639): حَدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ
(1)
له شاهد من حديث أنس، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (5603) وفي سنده عُبيد الله بن عبد الله بن المُنكدِر، مجهول.
(2)
وُلد بمنطقة منشية الخزان، مركز دمنهور، البحيرة. حاصل على ليسانس آداب، قسم إنجليزي، و «عالية القراءات» يَعمل في عرض أحاديث متفرقة.
(3)
قال ابن حِبان في «الثقات» : قد روى أحاديث مستقيمة تُشْبِه أحاديث الأثبات، وقد تَفَرَّد عن الثقات بأشياء معضلات.
قلت: الحق فيه أنه ثقة صحيح الحديث إذا روى عنه ثقة، ولم يَثبت غلوه في الإرجاء ولا كان داعية إليه، بل ذَكَر الحاكم أنه رجع عنه، والله أعلم.
المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ قَدْ مَرَقَتْ رِجْلَاهُ الأَرْضَ السَّابِعَةَ، وَالعَرْشُ عَلَى مَنْكِبِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ أَيْنَ كُنْتَ؟ وَأَيْنَ تَكُونُ؟» .
تابع إسحاقَ عُبيد الله بن موسى، أخرجه الحاكم في «مسنده» (4/ 297).
• وقال الدارقطني في «علله» (4/ 122): وغَيْرُه - أي: غير إسحاق بن منصور - يَرويه، عن إِسرائيل، عن إبراهيم أبي إسحاق، وهو إبراهيم بن الفضل، مدنيّ ضعيف.
• الخلاصة: قال شيخنا مع الباحث/ سعيد القاضي، بتاريخ (29) صَفَر (1443 هـ) الموافق (5/ 10/ 2021 م): علة هذا الخبر المدمرة هي ما نص عليها الدارقطني.
أما الباحث، فيَرى تصحيح السند لكونه لم يقف على سند مَنْ خالف إسحاق بن منصور وعُبيد الله بن موسى.
كثرة الملائكة في السماء
• قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31].
وقال تعالى في شأن ليلة القدر: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4].
قال الترمذي في «سُننه» رقم (2312): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُهَاجِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ.
وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ».
تابع أبا أحمد الزُّبيري على هذا اللفظ عُبيد الله بن عبد المجيد، أخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (507) وعُبيد الله بن موسى، أخرجه ابن ماجه (4190).
وخالفهم أسود بن عامر، فجَعَل جملة:«لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ» ففَصَل ما أدرجه غيره.
وخالف إسرائيلَ وكيع، فأسقط مُوَرِّقًا العِجْليَّ وأوقفه، كما في «الزهد» لوكيع (33).
وتابع وكيعًا متابعة قاصرة على إسقاط مُورِّق - يونس بن خَبَّاب، كما عند الحاكم (8724) ويونس ضعيف رافضي.
وخالفهما الأعمش فأبدل مورقًا بعبد الرحمن بن أبي ليلى ووقفه، ولم يَذكر أوله. أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (34682): حَدَّثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مَا انْبَسَطْتُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، وَلَا تَقَارَرْتُمْ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ وَتَبْكُونَ، وَاللهِ لَوْ أَنَّ اللهَ خَلَقَنِي يَوْمَ خَلَقَنِي شَجَرَةً تُعْضَدُ وَتُؤْكَلُ ثَمَرَتِي.
وإسناده صحيح، وهو أَصْوَبُ طريق لهذا الخبر، وليس فيه «أَطَّتِ السَّمَاءُ» ولا ذِكر الملائكة.
وورد له طريق من مخرج متسع، أخرجه عبد الله بن أحمد في «الزهد» رقم (790): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حسابٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ - يَعْنِي: ابْنَ سُلَيْمَانَ - عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَائِذِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا اسَتَقْلَلْتُمْ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَا تَمَتَّعْتُمْ مِنَ الأَزْوَاجِ، وَلَا شَبِعْتُمْ مِنَ الطَّعَامِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعَدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ عز وجل» فَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي شَجَرَة تُعَضَّدُ.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث إسماعيل بن عرفة، بتاريخ (21) صَفَر (1443 هـ) الموافق (28/ 9/ 2021 م): أُعِلَّ بالوقف والانقطاع.
جرُّ الملائكة جهنمَ
• أخرج الإمام مسلم رقم (2842): حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاهِلِيِّ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» .
وخالف العلاءَ بن خالد عبدُ الله بن سعيد فأوقفه، أخرجه البزار (1756).
وتَابَعه على الوقف مَرْوان بن معاوية عن العلاء، أخرجه ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» رقم (34117)، وأحمد في «الزهد» رقم (860).
وتابعه سفيان، كما عند الترمذي (2573) وقال: سفيان لا يرفعه. بينما في وجه عند البزار بالرفع (1755).
وتَابَع العلاءَ بن عبد الرحمن على الوقف عاصم. وعنه الحسين بن واقد، أخرجه ابن أبي الدنيا في «الزهد» رقم (162).
ورواه أيضًا أسباط بن نصر، عن عاصم، عن ذَر، عن عبد الله. أخرجه ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» (34116).
• والصواب لديَّ: الموقوف، ورَجَّحه العُقيلي في «الضعفاء الكبير» (3/ 344) حيث ذَكَره موقوفًا، وقال: وهذا أَوْلَى. ا هـ.
• وقال الدارقطني: رَفْعه وهم، رواه الثوري ومَرْوان وغيرهما، عن العلاء بن خالد، موقوفًا.
• وقال ابن عمار الشهيد في «علل أحاديث مسلم» (ص: 99): الْمَشْهُورُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، مَوْقُوفًا. انْفَرَدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، وَهُوَ مِنَ الأُصُولِ الَّتِي لَمْ يُخَرِّجْهَا الْبُخَارِيُّ. عُورِضَ بِأَصْلِهِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ.
• الخلاصة: أن الأصوب فيه الوقف.
ثم بعد زمنٍ عَرَضه الباحث ناجي بن محمد السويسي، بتاريخ (15) مُحَرَّم (1442 هـ) الموافق (23/ 8/ 2021 م) فكَتَب شيخنا: الصواب الوقف. وقال: ربما يكون من الإسرائيليات.
• تنبيه: ستأتي وظائف وأعمال للملائكة عليهم السلام، كمعاونة مَلَك الموت في قبض الأرواح، والمساءلة في القبر، وتوكيل مَلَكٍ بالسحاب، والملائكة السياحين في التماس مجالس العلم، والعلة من عدم التفل في الصلاة على اليمين لوجود مَلَك، ولَعْن الملائكة المرأة الناشز
…
إلخ.
كتاب الإيمان بالكتب
• قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] وقال جل ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136].
وقال جل ذكره: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} [الشورى: 15].
ومن السُّنة: حديث جبريل في تفسير الإسلام والإيمان والإحسان، وفيه:«فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» ، قَالَ: صَدَقْتَ»
(1)
.
وفي حديث البراء بن عازب، وفيه:«آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ»
(2)
.
قال ابن حجر: يحتمل أنه يريد القرآن. ويحتمل أنه يريد اسم الجنس، فيشمل كل كتاب أُنْزِلَ.
(1)
أخرجه البخاري (50)، ومسلم (8) واللفظ لمسلم.
(2)
أخرجه البخاري (6311) ومسلم (2710).
الكتب التي نُص على أسمائها
1، 2 - صحف إبراهيم وموسى، قال تعالى:{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 18، 19] والأكثر على أن صحف موسى هي التوراة، وهي الألواح. وقيل: كتاب أُنْزِلَ على موسى قبل التوراة.
1 -
الزَّبور، قال تعالى:{وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163] وقوله تعالى على وجه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ عليه السلام القُرْآنُ
(1)
، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ، فَيَقْرَأُ القُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ، وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»
(2)
.
(1)
اللهم بَارِك لنا في أوقاتنا كما باركتَ لداود عليه السلام.
قال ابن حجر في «فتح الباري» (6/ 455): البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير.
وقال أيضًا في «فتح الباري» (8/ 397): والمراد بالقرآن مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمة.
(2)
أخرجه البخاري (3417).
4، 5 - التوراة والإنجيل، قال تعالى:{وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ} [آل عمران: 3، 4].
وفي حديث «صحيح مسلم» (3/ 1327): عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا فَدَعَاهُمْ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟» قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ:«أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟» قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ».
وفي حديث أبي هريرة، وفيه:«صحيح مسلم» (4/ 2084) «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ
…
» أخرجه مسلم (2713).
6 -
القرآن الكريم، قال تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ} [الأنعام: 19]{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87]{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: 1 - 6].
وقت نزول الكتب
• أما القرآن الكريم فنَزَل في ليلة القدر، قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 1 - 3]
(1)
.
وأما سائر الكتب فورد فيه خبر فيه ضعف، أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (16984): حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ أَبُو الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ» .
(1)
أَخْرَج الطبري في «تفسيره» (22/ 359: (حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«نَزَلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ فُرِّقَ فِي السِّنِينَ بَعْدُ» قَالَ: وَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75] قَالَ: «نَزَلَ مُتَفَرِّقًا» .
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث عمرو بن عبد العزيز بن شومان البلقاسي
(1)
إلى ضعف إسناده؛ مِنْ أَجْل عمران بن داور العَمِّيّ، مُختلَف فيه، وهو إلى الضعف أقرب.
(1)
قَدَّم له شيخنا كتابين: أحدهما في الملائكة، والثاني في التعزير.
كتاب الإيمان بالرسل
• قال تعالى عن أهل الإيمان: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285].
وقال تبارك وتعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179].
وقال جبريل عليه السلام: «فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» . قَالَ: صَدَقْتَ»
(1)
.
وقال جل ذكره: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136].
وقال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 141] قال المفسرون: والمراد بالمُرسَلين: صالح وحده؛ لأنه مَنْ كَذَّب نبيًّا فقد كَذَّب الكُلّ
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري (50) ومسلم (8) واللفظ لمسلم.
(2)
كما في «زاد المَسِير» (2/ 540).
عدد الأنبياء والمرسلين
• قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] وقال جل ذكره: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24].
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَبِيٌّ كَانَ آدَمُ؟ قَالَ:«نَعَمْ، مُكَلَّمٌ» قَالَ: كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ؟ قَالَ: «عَشَرَةُ قُرُونٍ»
(1)
قَالَ: كَمْ كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: «عَشَرَةُ قُرُونٍ» .
(2)
.
(1)
قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 172): اختَلف السلف في تعيين مدة القرن: فقيل: مِائة سنة. وهو الأشهر، وحَكَى الحربي الاختلاف فيه من عَشَرة إلى مِائة وعشرين، ثم قال: عندي أن القرن كل أمة هلكت، فلم يَبْقَ منها أحد.
(2)
صحيح دون الزيادة فمختلف فيها: رواه أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي، ثنا معاوية بن سَلَّام، حدثني زيد بن سَلَّام، أنه سمع أبا سَلَّام يقول: حدثني أبو أمامة رضي الله عنه، به.
واختُلف عليه، فرواه عنه بدون الزيادة أبو حاتم الرازي، كما في «تفسير ابنه» (15183) وتابعه محمد بن عبد الملك بن زنجويه، كما عند ابن حِبان (3113) لكن فيه محمد بن عمر بن يوسف، شيخ ابن حِبان، أكثر عنه.
وتابعهما عثمان بن سعيد الدارمي، كما في «الرد على الجهمية» (299) وعنه إبراهيم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بن إسماعيل القاري بالزيادة، أخرجه الحاكم في «مستدركه» (3039)، وعنه البيهقي في «الأسماء والصفات» (440) وإبراهيم القاري، أَخْرَج عنه الحاكم عددًا من الروايات، وصَحَّح له وقال: كان من الصالحين.
وتابعه متابعة قاصرة أحمد بن خُلَيْد - وثقه الدارقطني - عن أبي توبة، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (403) لكن بدون «مُكلَّم». وأيضًا في «مسند الشاميين» (2861) وفيه:«ثَلَاثَ مِئَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ» بدل «ثلاث مئة وخمسة عشر» .
وتابعهما - عن أبي توبة - عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي - قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا - أخرجه أبو جعفر البختري، كما في «مجموع مصنفاته» (768).
قال الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/ 128): لا يُروَى هذا الحديث عن أبي أُمامة إلا بهذا الإسناد. تَفرَّد به معاوية بن سَلَّام.
والأصح لديَّ عدم صحة الزيادة؛ لأن مَنْ لم يَذكرها أحفظ وأوثق وأثبت ممن ذكرها، وكذا عدم ذكرها في الكتب العالية أو المشهورة.
تنبيه: وقع في «المراسيل» (ص: 215) لابن أبي حاتم الرازي: «سمعتُ أبي يقول: ممطور أبو سَلَّام الأعرج الحبشي الدمشقي - روى عن ثوبان والنعمان بن بشير وأبي أُمامة وعمرو بن عَبَسَة، مرسل» .
فقال العلائي في «جامع التحصيل» (ص: 286): وجَزَم [أبوحاتم] بأن حديثه عن النعمان بن بشير وأبي إمامة وعمرو بن عبسة مرسل.
وهذا مردود بأمور:
منها: أن قوله: «مرسل» عائد على أقرب مذكور، وهو عمرو بن عبسة فقط، بدليل ما بعده من توقف أبي حاتم في سماع أبي سَلَّام من ثوبان رضي الله عنه.
ومما يُجلي لك هذا نص ابن أبي حاتم في «الجَرْح والتعديل» (8/ 431): ممطور أبو سَلَّام الأعرج الحبشى الدمشقي - روى عن ثوبان والنعمان بن بَشير وأبي أُمامة، وسَلْمَى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمرو بن عبسة، مرسل.
وثالثًا - الصواب: تصريحه بالسماع عند ابن أبي حاتم كما في هذا الحديث.
أخيرًا: الرواية على شرط مسلم كما في رقم (804).
دفاعات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
• لا شك أن الشياطين تؤز
(1)
إخوانهم من الإنس والمنافقين في عداوة رسول الله وأتباعه. وهذا واضح في قصص آدم عليه السلام وسيرته صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 60].
وقال عن أهل الكتاب: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
ويَكفي في كل ما سبق قوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 8، 9].
وقوله جل ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا
(1)
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83].
اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 57، 58]{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 137]{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] وسبب نزول قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1].
ومن دفاع الملائكة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: دفاع مَلَك الجبال بمكة.
فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟
(1)
.
ودفاع جبريل وميكائيل في غزوة أُحُد فَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: «رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ
(1)
أخرجه البخاري (2331) ومسلم (1795) واللفظ للبخاري.
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عليهما السلام»
(1)
.
ومن دفاع رسول الله عن نفسه: فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ اليَهُودَ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا:(السَّامُ عَلَيْكَ) فَلَعَنْتُهُمْ، فَقَالَ:«مَا لَكِ؟» قُلْتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «فَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ»
(2)
.
وأَهْدَر دم كعب بن الأشرف، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا - يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَنَّانَا وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ. قَالَ: وَأَيْضًا، وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ، قَالَ: فَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ، فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ
(3)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد: «مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الجَنَّةُ؟» فقُتِل دونه سبعة.
فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ:«مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ؟» - أَوْ «هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» - فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا فَقَالَ:«مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ؟» أَوْ: «هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» - فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه البخاري (4054) دون الفقرة الأخيرة ومسلم (2306) واللفظ له.
(2)
أخرجه البخاري (2935) ومسلم (2165).
(3)
أخرجه البخاري (3033) ومسلم (1801).
لِصَاحِبَيْهِ: «مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا»
(1)
.
ومن دفاع الصحابة رضي الله عنهم دفاع طلحة بن عُبيد الله، أَحَد العَشَرة المبشرين بالجنة، في غزوة أُحُد، في السَّنة الثالثة من الهجرة.
فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ
يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ
القِدِّ، يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ،
فَيَقُولُ: «انْشُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ» .
فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَى القَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ.
وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تُنْقِزَانِ القِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ، فَتَمْلَآَنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ. وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلَاثًا
(2)
.
ودفاع سعد بن أبي وقاص في غزوة أُحُد.
فعن عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ
مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ:«يَا سَعْدُ، ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم (1798) وفيه عطف علي بن زيد على ثابت فليحرر اللفظ.
(2)
أخرجه البخاري (3811) ومسلم (1810).
(3)
أخرجه البخاري (4059) ومسلم (2411).
ومن دفاع الشباب دفاع مُعاذ ومُعَوِّذ رضي الله عنهما.
فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ - حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا - فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا بْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا. فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي.
فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ:«أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟» قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ. فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟» قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ:«كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ» وَكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ
(1)
.
ومن دفاع الجمادات ومنها الأرض.
فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ
يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ
(1)
أخرجه البخاري (3141) ومسلم (1752) واللفظ للبخاري.
لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ. فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ. فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ، فَأَلْقَوْهُ»
(1)
.
وباب الدفاع مفتوح إلى قيام الساعة، فهنيئًا لمن وُفق للذب عن الله ورسوله ودين الإسلام وأهل الإيمان، فاللهم اجعل هذه النصوص شاهدة لنا، وزادًا لنا ولغيرنا في الدفاع عن دينك ورسولك وعبادك المؤمنين.
أفاده الباحث/ سيد بن الدكروني بن عبده، بتاريخ (20) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (25/ 11/ 2021 م).
(1)
أخرجه البخاري (3617).
كتاب الإيمان باليوم الآخر
• قال تعالى في وصف المتقين: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4].
وقال جبريل عليه السلام: «فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قَالَ: صَدَقْتَ»
(1)
.
وقال جل ذكره: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136].
(1)
أخرجه البخاري (50) ومسلم (8) واللفظ لمسلم.
طرائق الناس في الحشر
• قال الإمام النَّسَائي في «السُّنن الكبرى» رقم (2223): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو هِشَامٍ - وَهُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ - قَالَ: حَدَّثَنَا وهَيْبٌ - هُوَ ابْنُ خَالِدٍ أَبُو بَكْرٍ - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا» .
خَالَف المغيرةُ بن سلمة جمهورَ الرواة: - مُعَلَّى بن أسد، وأحمد بن إسحاق، وبَهْز بن أسد، وعبد الله بن معاوية، وعفان بن مسلم - فقَيَّد الحشر بيوم القيامة، كما في البخاري (6522)، ومسلم (2861) وغيرهما.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن عيد - إلى شذوذ هذه اللفظة حديثيًّا، لكن من حيث المعنى يذكر قوله تعالى:{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85]. ا هـ.
وفي «فتح الباري» (11/ 382) لابن حجر: ولم أقف في شيء من طرق الحديث الذي أخرجه البخاري على لفظ «يوم القيامة» لا في «صحيحه» ولا في غيره، وكذا هو عند مسلم والإسماعيلي وغيرهما، ليس فيه يوم القيامة، نعم، ثَبَت لفظ (يوم القيامة) في حديث أبي ذر المُنبَّه عليه قبل.
وقال النووي في «شرحه على مسلم» (9/ 197): قال العلماء: وهذا الحشر في آخر الدنيا قُبيل القيامة وقُبيل النفخ في الصور، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:«وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ وَتُصْبِحُ وَتُمْسِي» وهذا آخِر أشراط الساعة، كما ذَكَر مسلم بعد هذا.
النفخ في الصور
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (6507): حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
(1)
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ
(2)
، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ
(3)
، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الصُّورُ؟ «قَالَ: قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ».
• والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث سعيد القاضي إلى الإعلال؛ لتفرد سليمان التيمي به، وقد قال الترمذي فيه:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ»
(4)
.
(1)
هو ابن عُلية، وتابعه ابن المبارك ومُعتمِر وسفيان
…
وغيرهم.
(2)
وثقه ابن مَعِين والنَّسَائي والعِجلي وابن حِبان، وروى عنه ثلاثة.
(3)
وثقه ابن مَعِين والعِجلي وابن حِبان، وروى عنه ثلاثة.
(4)
قال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (13/ 383): فَوَافَقَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِّينَاهَا قَبْلَهُ، وَتَأَمَّلْنَا مَا فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل مِنْ ذِكْرِهِ عز وجل الصُّورَ فِيهِ، فَوَجَدْنَا فِيهِ قَوْلَهُ عز وجل فِي سُورَةِ يس:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51]، وَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّفْخَ فِي الصُّورِ أَعَادَ إِلَيْهِمْ أَرْوَاحَهُمْ، حَتَّى عَادُوا يَنْسِلُونَ، بَعْدَمَا قَدْ كَانُوا مَوْتَى لَا أَرْوَاحَ لَهُمْ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ مِنَ النَّفْخِ فِي الصُّوَرِ سَبَبًا لِعَوْدِ أَرْوَاحِهِمْ إِلَيْهِمْ حَتَّى عَادُوا كَذَلِكَ، وَهَكَذَا يَقُولُ أَهْلُ الْآثَارِ.
• وقال أبو يعلى في «مسنده» رقم (1082 - 1084): حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ التَقَمَ، وَحَنَا جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ؟» .
قِيلَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا نَقُولُ يَوْمَئِذٍ؟
قَالَ: «قُولُوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا» .
وتابعه أبو يوسف القاضي، كما في «الخَرَاج» (ص/ 7) و (أبو يوسف) مُتكلَّم فيه.
وتابعهما إسماعيل أبو يحيى - وهو ضعيف - كما عند الحاكم (8678).
• وظاهر سند جَريرٍ السلامة، لكن خالفهم آخَرون:
1 -
سفيان الثوري، كما عند عبد الرزاق في «تفسيره» (2642) وعنه أحمد (11696). وفي رواية عبد الرزاق عن سفيان مقال.
2 -
لكن تابعه شُعبة، وفي السند إليه محمد بن سليمان بن أبي فاطمة، كذاب، فقالا: عن الأعمش، عن عطية العَوْفي، عن أبي سعيد، به، مرفوعًا.
• و تابعهما عن عطية العوفي ثلاثة:
1 -
مُطَرِّف بن طَريف، كما عند الترمذي (3243)، وأحمد (11039).
2 -
خالد بن طَهْمَان، كما عند ابن المبارك في «مسنده» (90).
3 -
عمار الدُّهْني، كما في «العظمة» (397).
• ومما يُرجِّح طريق عطية العَوْفي ما يلي:
1 -
مُتابَعة الثلاثة السابقين عن العَوْفي.
2 -
الاختلاف على الأعمش.
3 -
قول أبي نُعْيَم: (مشهور من طريق الثوري عن الأعمش عن عطية) مُعِلًّا به طريق أبي صالح عن أبي هريرة.
وهذه الطريق عن إسحاق في «مسنده» (538) بالوصل والإرسال عقبه، وهو كتاب عالي القِدَم في العِلل، والظاهر أنه يشير إلى ترجيح المرسل.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع باحثَين، أحدهما سعيد القاضي
(1)
وكَتَب للآخر: ضعيف معلول. بتاريخ (10) ربيع الآخِر (1441 هـ) المُوافِق (7/ 12/ 2019 م).
وورد الخبر عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم أبو هريرة، وابن عباس، وزيد بن أرقم، وجابر بن عبد الله
(2)
وهذه ترجع إلى عطية العَوْفي. وورد بسند ضعيف عن أنس
(3)
وأبي هريرة رضي الله عنهم
(4)
.
(1)
بتاريخ (29) شعبان (1441 هـ) الموافق (22/ 4/ 2020 م).
(2)
اختُلف فيه على الثوري: تارة عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد، هكذا قال عبد الرزاق وأبو نُعيم. وخالفهما الفِريابي فقال: عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه.
وقال أبو نُعيم: غريب من حديث الثوري عن جعفر، ومشهوره ما رواه أبو نُعيم وغيره عن الثوري عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد.
(3)
أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (6/ 365) وفي سنده أحمد بن منصور بن حبيب أبو بكر الخَضِيب، ترجمه الخطيب، وكذا الذهبي، ولم يَذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، إذًا فهو مجهول.
(4)
أخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (391) والحاكم في «مستدركه» رقم (8676) من طريق عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَصَمِّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ طَرْفَ صَاحِبِ الصُّورِ مُذْ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدٌّ، يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ» .
وعُبيد الله روى عنه ثلاثة، وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال ابن حجر: مقبول.
وكَتَب شيخنا مع الباحث سعيد القاضي: سنده ضعيف. بتاريخ (29) شعبان (1441 هـ) الموافق (22/ 4/ 2020 م).
• تنبيه: هل يقال: (للأعمش شيخان في هذا الخبر؟) الظاهر أنه بعيد.
هل يُحسَّن الخبر بالشواهد التي ليس فيها عطية العَوْفي؟ أراه قويًّا، وأَلْمَحَ شيخنا إلى الباحث سعيد القاضي بهذا.
• فائدة: كل الأحاديث التي في كون إسرافيل هو الذي ينفخ في الصور - أحاديث فيها مقال، لكن قال ابن حجر في «فتح الباري» (11/ 368): اشْتُهِرَ أَنَّ صَاحِبَ الصُّورِ إِسْرَافِيلُ عليه السلام، وَنَقَلَ فِيهِ الْحَلِيمِيُّ الْإِجْمَاعَ، وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْمَذْكُورِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ.
أسباب الظل في القيامة
• قال الإمام مسلم رقم (2566): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي» .
وتابع قُتيبةَ ابنُ المبارك وابن مهدي ورَوْح بن عُبَادة، أخرجه أحمد (7231) وتابعهم أبو مصعب الزُّهْري والقَعْنَبي.
وخالفهم إبراهيم بن طَهْمَان، كما في «مشيخته» رقم (80) فأبدل عبد الله بن عبد الرحمن وسعيد بن يسار بسعيد بن أبي سعيد المقبري.
وقال الدارقطني في «العلل» (1482): لم يُتابَع عليه ابن طَهْمَان. ووَهَّمه أبو حاتم في «العلل» (1901).
وتابع الجمهور عن مالك متابعة قاصرة فُلَيْح بن سليمان، أخرجه أحمد (8832).
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن مجدي بن رشدي المنوفي، بتاريخ الأحد (8) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (18/ 7/ 2021 م) إلى صحة إسناد مالك، وأن مخالفة ابن طَهْمَان لا تضر.
أقوى حديث في تفسير الظل بظل العرش
• أخرج الترمذي رقم (1306): حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»
(1)
.
• وتابع إسحاق ثلاثة:
1 -
عثمان بن عمر، أخرجه الطوسي (1211).
2 -
إسماعيل بن عمر، كما عند البزار (8906).
3 -
حماد بن مَسْعَدة في «مشيخة ابن المهتدي» (ق/ 184 أ) لكن قال: لا أعلمه إلا عن أبي صالح.
ورواية الجماعة دون شك، وهي أصح.
وسأل أخونا الباحث/ أحمد بن بكري شيخَنا عن هذا الشك، فقال: غير مُؤَثِّر.
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وقال البزار: هذا الحديث لا نَعلم رواه عن زيد، عن أبي صالح، عن أبي
(1)
مَخْرَج حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ
…
» متسع، فقد أخرجه البخاري (6806)، ومسلم (1031) مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، به.
هريرة - إلا داود بن قيس. ورواه بعض أصحاب داود عن داود، عن زيد. قال: ولا أعلمه
(1)
إلا عن أبي صالح.
• وخالف داودَ بن قيس في متنه اثنان:
أ - محمد بن عجلان، أخرجه أحمد (8730) وغيره.
ب - هشام بن سعد، كما عند أبي عَوَانة في «مستخرجه» (5669).
كِلَاهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، كَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا!
فَلَمَّا هَلَكَ، قَالَ اللَّهُ عز وجل لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ يَتَقَاضَى، قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا! قَالَ اللهُ عز وجل: قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ» وإسناده صحيح.
وقد تَابَع أبا صالح عُبَيْد الله بن عبد الله بن عُتبة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ؛ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا! فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ» .
أخرجه البخاري (2078)، ومسلم (1562).
وقد رُوي من طرق لا تخلو من ضعف عن زيد بن أسلم، عن أبي اليَسَر
(2)
(1)
وقوله: (لا أعلمه) أفاد القطع عند قائلها ودفع غيره إلى التبين. الشيخ عبد العزيز الفيومي.
(2)
بفتح الياء والسين. انظر: «الإصابة في تمييز الصحابة» (4/ 605) لابن حجر.
منقطعًا.
انظر: «غوامض الأسماء» لابن بشكوال. و «السُّبوعيات» للشحامي «تفسير الواحدي» (1/ 399).
• تنبيه:
• حديث أبي اليَسَر محفوظ من طرق عن أبي اليَسَر، منها ما أخرجه مسلم رقم (3006): حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَالسِّيَاقُ لِهَارُونَ - قَالَا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا.
فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ، مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ، وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ
(1)
، وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ.
فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا عَمِّ، إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِكَ سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ
(2)
.
قَالَ: أَجَلْ، كَانَ لِي عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْحَرَامِيِّ مَالٌ، فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ، فَسَلَّمْتُ، فَقُلْتُ: ثَمَّ هُوَ؟ قَالُوا: لَا. فَخَرَجَ عَلَيَّ ابْنٌ لَهُ جَفْرٌ
(3)
، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ:
(1)
بفتح الميم: ضَرْب من الثياب يُنسَب إلى مَعَافِر، قرية باليمن
…
وحَكَى لنا شيخنا ابن سراجٍ الضم، وأنكره يعقوب. انظر:«مطالع الأنوار على صحاح الآثار» (4/ 53).
(2)
(سَفْعة): هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا، لُغَتَانِ، وَبِإِسْكَانِ الْفَاءِ، أَيْ: عَلَامَةٌ وَتَغَيُّرٌ. كما في «شرح النووي على مسلم» (18/ 134).
(3)
(الجَفْر): هو الذي قَارَب البلوغ. وقيل: هو الذي قَوِيَ على الأكل. وقيل: ابن الخمس
سنين. كما في «شرح النووي على مسلم» (10/ 132).
سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي. فَقُلْتُ: اخْرُجْ إِلَيَّ؛ فَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ أَنْتَ. فَخَرَجَ، فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اخْتَبَأْتَ مِنِّي؟! قَالَ: أَنَا وَاللهِ أُحَدِّثُكَ، ثُمَّ لَا أَكْذِبُكَ، خَشِيتُ وَاللهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ، وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ، وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُنْتُ وَاللهِ مُعْسِرًا.
قَالَ: قُلْتُ: آللهِ
(1)
؟ قَالَ: اللهِ. قُلْتُ: آللهِ؟ قَالَ: اللهِ. قُلْتُ: آللهِ؟ قَالَ: اللهِ.
قَالَ: فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِي، وَإِلَّا أَنْتَ فِي حِلٍّ.
فَأَشْهَدُ بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ - وَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ - وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ - رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ:«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ» .
• والخلاصة: انتهى الباحث أحمد بن بكري مع شيخنا إلى أن طريق داود بن قيس يُصحَّح على ظاهر إسناده، وأن الإعلال بالمخالفة من حديث أبي هريرة أو من حديث أبي اليَسَر - ليس بالقوي. ولا مانع من أن يَروي زيد بن أسلم أكثر من متن.
(1)
همزة استفهام فيها معنى القَسَم، أو الهمزة همزة قَسَم فيها معنى الاستفهام.
ويجوز فيها:
أ - 1 - الإبدال ألفًا: آا لله.
2 -
التسهيل وتُكتب هكذا: أَأْلله
ب - الحذف مع بقاء أثر الهمزة التي هي حرف جر، وإنما قلنا بحذف الهمزة؛ لأنها هي الحرف الدخيل. أفاده العلامة عبد العزيز الفيومي رحمه الله.
بشرى لمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
فسيراه في الآخرة
• أَخْرَج البخاري (6993): حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
(1)
، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ
(2)
، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي».
• روى هذا الحديث عن أبي هريرة جماعة:
أبو صالح، وعبد الرحمن بن يعقوب والد العلاء، ومحمد بن سيرين، وكُليب بن شهاب، كلهم بلفظ: «مَنْ رآني في المنام فقد رآني
…
».
• ورواه أبو سلمة، وعنه اثنان:
أ - محمد بن عمرو بن علقمة
(3)
كرواية الجماعة عن أبي هريرة.
ب - الزُّهْري، وعنه ثلاثة:
1 -
أنس بن عِيَاض، كرواية الجماعة. أخرجه ابن حِبان (6051).
(1)
المشهور أنه ابن المبارك. ويؤيد هذا أنه من شيوخه في «التهذيب» ولم يَذكر ابن وهب من شيوخه.
(2)
انظر كلام النووي في توجيه اللفظة على الهجرة إليه أو في الآخرة.
(3)
أخرجه أحمد رقم (7553): حَدَّثَنَا يَعْلَى وَيَزِيدُ، قَالَا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ، إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَشَبَّهُ بِي» .
2 -
عبد الله بن وهب على الشك: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ - أَوْ: لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ - لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي» أخرجه مسلم (2266).
3 -
عبد الله، غير منسوب في رواية البخاري، وجاء بلفظ:«فسيراني في اليقظة»
(1)
.
• روى الحديث: جابر وأنس وأبو قتادة وأبو سعيد في «الصحيحين» وخارجهما: ابن مسعود وأبو جُحيفة وابن عباس، بلفظ:«مَنْ رآني في المنام، فقد رآني» .
• الخلاصة: انتهى شيخنا إلى شذوذ لفظة: «فسيراني في اليقظة» مع الباحث حسن بن محمد بن حسن، بتاريخ (25) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (7/ 4/ 2021 م).
• وثَم ضوابط للرؤية المنامية الصادقة:
1 -
أن يكون المُخْبِر صادقًا.
2 -
أن يكون موافقًا بالصفات الخَلقية والخُلقية.
3 -
ألا يأمره بما يُخالِف الشريعة.
(1)
ولها شاهد عند الطبراني في «المعجم الكبير» (660) من حديث مالك بن عبد الله الخَثْعَمِي، واختُلف في صحبته.
وفي السند إليه شُريح بن عبد الرحمن بن عقبة، مجهول.
الشفاعة العظمى
• وردت أخبار كثيرة في الشفاعة العظمى وما دونها.
ومنها: ما أخرجه البخاري (335) ومسلم (521) من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا، وفيه:«وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ» .
ومنها: ما أخرجه البخاري رقم (7509): حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ شُفِّعْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، أَدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ فَيَدْخُلُونَ، ثُمَّ أَقُولُ: أَدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ» فَقَالَ أَنَسٌ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه البخاري (7510) ومسلم (193) من طريق حماد بن زيد، عن مَعْبَد بن هلال العَنَزي، عن أنس، بحديث الشفاعة مطولًا، وفيه: «
…
انطلق فأَخْرِجْ منها مَنْ كان في قلبه مثقال ذرة
…
».
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع أبي البخاري، بتاريخ شهر صفر (1443) الموافق (2/ 10/ 2021 م): أبو بكر بن عياش لا يتحملها، ويُرجَى متابعة المزيد من أقوال العلماء فيها، فضلًا عن الذهبي، مع مراجعة ترجمة أبي بكر بن عياش. اهـ.
ثم أورد الباحث ترجمة أبي بكر بن عياش، وأنه صدوق في الجملة، إلا ما ذَكَره العُقيلي أنه يَروي عن حُميد وهشام غير حديث منكر، ويُخْطِئ عن الكوفيين.
قال ابن حجر في «فتح الباري» (13/ 475): قَوْلُهُ: «فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، أُدْخِلَ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ» هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَفِي الَّتِي بَعْدَهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَقُولُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي سَائِرِ الْأَخْبَارِ.
وقال العُقيلي في «الضعفاء الكبير» (2/ 189): يَروي أبو بكر عن البصريين، عن حُميد وهشام غير حديث منكر، ويُخْطِئ عن الكوفيين خطأ كثيرًا.
وقال الذهبي في «سِيَر أعلام النبلاء» (8/ 508): هذا من أغرب ما في «الصحيح» .
كتاب الجنة
أول مَنْ يَدخل الجنة
• أَخْرَج الإمام مسلم (197): حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَسْتفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ» .
• الخلاصة: زاد هاشم بن القاسم: (بك أُمِرْتُ
…
) وجاءت عن ابن المبارك في وجه مرسل.
وحَاوَل الباحث أحمد شعبان الفيومي إعلالها، لكن أَصَرّ الشيخ على التصحيح وأنها من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وورد معناها في حديث الشفاعة الطويل.
مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ
• أخرج البخاري (574): حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ
(1)
دَخَلَ الجَنَّةَ».
ومسلم (635): حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ
(2)
.
اختُلف في نسبة أبي بكر عن أبيه في هذا الخبر، هل هو ابن أبي موسى الأشعري، كما في رواية البخاري؟ أو بلا نسبة، كما في إحدى روايتَي مسلم؟ أو هو راجع لِما رواه أبو بكر بن عُمَارَة بن رُؤَيْبَة الثقفي عن أبيه، كما في رواية مسلم (634) بلفظ:«لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» وهي التي قَدَّمها مسلم؟
والظاهر أن الخطأ فيها من هَمَّام بن يحيى؛ لمخالفته واعترافه لعفان بأخطائه عمومًا.
(1)
يريد بالبردين: صلاتَي الفجر والعصر؛ وذلك لأنهما تُصلَّيان في بَرْدَيِ النهار، وهما طَرَفاه حين يطيب الهواء وتَذهب سَوْرة الحر. «أعلام الحديث» (1/ 448) للخَطَّابي.
(2)
وقال بعده: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ (ح) قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَنَسَبَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَا: ابْنُ أَبِي مُوسَى.
وقال البزار عقب الخبر: وهذا الحديث لا نَعلمه يُرْوَى عن أبي موسى إلا من هذا الوجه، وإنما يُعْرَف عن أبي بكر بن عمارة بن رُويبة، ولكن هكذا قال همام.
وقال الدارقطني في «العلل» (3/ 381): قال بعض أهل العلم: أبو بكر هذا هو أبو بكر بن عمارة بن رُؤيبة الثقفي، وهذا الحديث محفوظ عنه
(1)
.
(1)
وانظر أقوالهم في «فتح الباري» (3/ 214 فما بعد) لابن رجب الحنبلي.
كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى
• قال البخاري رقم (7280): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ
(1)
حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ:«مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»
(2)
.
وأخرج الطبري في «تفسيره» (24/ 477): حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ يَأْبَى. قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَنْ يَأْبَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟! قَالَ: فَقَرَأَ: {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 16].
ومكحول لم يَسمع من أبي هريرة رضي الله عنه، كما في «جامع التحصيل» .
(1)
وتَابَع محمدَ بن سنان يونسُ بن مسلم، كما عند أحمد (8728)، والحاكم (182).
(2)
أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» رقم (5482): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: نَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَرْزَمِيُّ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّةَ كُلُّكُمْ أَجْمَعُونَ أَكْتَعُونَ، إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ كَشِرَادِالْبَعِيرِ» .
لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ إِلَّا شَرِيكٌ، تَفَرَّدَ بِهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَرْزَمِيُّ. وإسحاق متروك.
وأخرجه الحاكم (183) وليُحَرَّر سنده.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث عصام سَبَل - إلى التماس وجهة البخاري بأن الخبر في الفضائل وله شواهد.
عدد أهل الجنة
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (23002): حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ضِرَارٌ - يَعْنِي ابْنَ مُرَّةَ - أَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَانُونَ صَفًّا» .
وتابع عبدَ العزيز محمدُ بن فُضيل، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (31713).
وتابع محاربَ بن دِثَار علقمةُ بن مَرْثَد في الصحيح عنه، أخرجه ابن ماجه (4289) والدارمي (2877) واختُلف على علقمة على ثلاثة أوجه: الإرسال والوصل ومن مسند ابن عمر. حَكَى الدارقطني في «علله» (2849) الخلاف وقال: والصحيح حديث ابن بُريدة عن أبيه.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن جمال بن خضر، بتاريخ (15) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (21/ 10/ 2021 م) على سند ضِرَار بن مُرَّة: سندٌ صحيحٌ، وعَلِّق بما ترى.
• تنبيه: وللخبر شواهد باللفظ السابق من حديث ابن مسعود، أخرجه أحمد (4328) وفي سنده الحارث بن حَصِيرَةَ، مختلف فيه، وأصل حديث ابن مسعود في «الصحيحين» مقتصرًا على شطر أهل الجنة. أخرجه البخاري (6642) ومسلم (221).
وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (10682) وفي سنده خالد بن يزيد البَجَلي، وهو ضعيف.
وسَبَق فيما أخرجه مسلم رقم (222) حديث أبي سعيد بشطر أهل الجنة، مع التنبيه على شذوذ لفظ:«أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ» : «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَحَمِدْنَا اللهَ وَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَحَمِدْنَا اللهَ وَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الْأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ» .
ولا شك أن الأصح في خبري ابن مسعود وأبي سعيد في أن هذه الأمة شطر أهل الجنة - أصح من خبر بُريدة بثمانين صفًّا، وهو ما يعادل الثلثين، ويُمْكِن الجمع بأنه زيادة فضل من الله تعالى لهذه الأمة.
صفة أهل الجنة
• قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (2840): حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللَّيْثِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ، أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ» .
خالف أبا النضر ابنا إبراهيم بن سعد - يعقوب بن إبراهيم كما عند أحمد في «مسنده» (8365) وسعد بن إبراهيم - وغيرهما، كما عند الدارقطني في «علله» (1788) فأرسلوه، ورَجَّحه الدارقطني، وعبد الله بن أحمد.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ خالد بن صالح: رَجَّح الدارقطني الإرسال. بتاريخ (13) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (25/ 3/ 2021 م).
غُرَف الجنة
• قال الحاكم في «مستدركه» رقم (1200 - 1217): حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الْهِسِنْجَانِيُّ، ثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا» . قَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
• الخلاصة: اختُلف في (حُيَيّ بن عبد اللَّه):
فوَثَّقه ابن حِبان.
وقال ابن مَعِين في رواية: لا بأس به. وفي أخرى: ليس بذاك القوي.
وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير.
وقال البخاري: فيه نظر.
وقال النَّسَائي: ليس بالقوي.
وقَيَّده ابن عَدي بالراوي عنه، فقال: أرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة.
وقال شيخنا مع الباحث/ عبد التواب العشري: في سنده حُيَيّ، وهو إلى الضعف أقرب، ولبعض المتن شواهد.
وورد الخبر من حديث علي، لكنه ضعيف.
وأفاد الباحث محمد بن عيد بما أخرجه البخاري (3256): عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ؛ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ، لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ:«بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ» .
وأخرجه مسلم (2831).
تربة الجنة
• قال الإمام مسلم رقم (2928): حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ - عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ صَائِدٍ: «مَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ؟» قَالَ: دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَالَ:«صَدَقْتَ» .
وتابع بشرَ بن المُفضَّل عبدُ العزيز بن المختار، أخرجه أبو حاتم في «الزهد» (80).
ورواه الجُرَيْري عن أبي نَضْرة، واختُلف عليه:
فرواه عنه حماد بن سلمة كرواية أبي مَسْلَمة، أخرجه أحمد (10788) وأبو يعلى (1183).
وخالفه أبو أسامة حماد بن أسامة، فجَعَل السائلَ ابنَ صَيَّاد، أخرجه مسلم (2928).
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أحمد بن عزت بن سرحان الشرقاوي
(1)
بتاريخ عام (2021 م): الناحية الحديثية تقتضي ترجيح رواية أبي
(1)
وُلد بتاريخ (15/ 4/ 1987 م) بمدينة القُرين التابعة لمركز أبي حماد، بمحافظة الشرقية، حاصل على ليسانس دعوة إسلامية، جامعة الأزهر بالقاهرة، عام (2009 م).
وهو إمام وخطيب بالأوقاف. وله كتاب «النسمات العاطرة في الخُطَب المعاصرة» ط/ العلوم والحكم. و «أريج الأزهار في حقوق الجار» ط/ دار التقوى.
وأجازه الشيخ عبد الفتاح بن محمد بن مصيلحي، المولود بتاريخ (17/ 2/ 1972 م) بقرية الطويلة، مركز فاقوس، بمحافظة الشرقية، حاصل على بكالوريوس علوم وتربية جامعة الأزهر، عام (1994 م).
وقد أجاز الباحثَ في «التأسيس في أصول الفقه» للشيخ مصطفى سلامة، و «الإعلام في أصول الأحكام» ، و «الرسالة الندية في القواعد الفقهية» ، و «قَصْد السداد شرح لُمعة الاعتقاد» كلها للشيخ عبد الفتاح، كما أفادني به الشيخ عبد الفتاح وصاحب الترجمة بمكتبة أهل السُّنة والجماعة، بمنية سمنود، بتاريخ (25) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (31/ 10/ 2021 م).
وهو يَعقد اختبارًا في كتابه «المختصر في أصول الفقه» .
وله طريقة في الاختبار تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 -
تحريري لاختبار الطالب في جميع معلومات الكتاب.
2 -
شفوي لاختباره في كيفية عرض المادة.
3 -
عملي، وهو اختبار في التطبيق العملي للقواعد التي تم دراستها في المادة.
مسلمة وحماد بن سلمة، فالأظهر إذا صَدَق الأخ أن السائل هو رسول الله، والله أعلم.
قال النووي في «شرح النووي على مسلم» (18/ 52): قَوْلُهُ فِي تُرْبَةِ الْجَنَّةِ: (هِيَ دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ خَالِصٌ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا فِي الْبَيَاضِ دَرْمَكَةٌ، وَفِي الطِّيبِ مِسْكٌ. وَالدَّرْمَكُ: هُوَ الدَّقِيقُ الْحَوَارِيُّ الْخَالِصُ الْبَيَاضِ. وَذَكَرَ مُسْلِمٌ الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ ابْنَ صَيَّادٍ عَنْ تُرْبَةِ الجَنَّةِ، أَوِ ابْنَ صَيَّادِ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَظْهَرُ.
غِرَاس الجنة
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ» .
أخرجه الترمذي (3464)، وأبو يعلى (2233)، وابن حِبان (2335)، والدِّينَوَريّ في «المُجالَسة» (67) من طرق عن رَوْح بن عُبَادة، عن حَجَّاج الصَوَّاف، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، به.
وتابع رَوْحًا حماد بن سلمة، أخرجه الحاكم (1871)، والطبراني في «الدعاء» (1675).
وتارة تابع حمادٌ حَجاجًا، أخرجه الترمذي (3465)، وفي سنده المُؤمَّل بن إسماعيل عن حماد، وهو ضعيف.
• الخلاصة: أرى تحسينه، بينما يميل شيخنا إلى ضعفه.
هل في الجنة زراعة؟
• قال البخاري رقم (2348): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلَالٌ، ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ. قَالَ: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا بْنَ آدَمَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ!
فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: وَاللَّهِ لَا تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا؛ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ! فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وتابع محمدَ بن فُليح أبو عامرٍ العَقَدي، أخرجه البخاري (2348)، وتابعهما عبد الملك بن عمرو، أخرجه أحمد (10642) وتابعهم عثمان بن عمر، أخرجه البزار (8759) وقال: ولا يَروي عن هلال إلا فُليح، وقد رُوي عن أبي هريرة من وجوه أخرى.
وتوبع فُليح متابعة قاصرة من طريق زيد بن أسلم عن عطاء به، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (7272) وفي سنده إبراهيم المِصيصي، وَضَّاع.
• الخلاصة: قال شيخنا مع الباحث/ أحمد أبي سُنَّة الله، بتاريخ الأحد
(12)
شَوَّال (1442 هـ): نحن نقول: أخرجه البخاري، ولم يُبْنَ عليه حُكْم،
والله على كل شيء قدير.
بينما قال للباحث: لك أن تَكتب: أخرجه البخاري فيما وقفتُ عليه، ولم أَرَ مُتابِعًا لفُليح بن سليمان، ففي نفسي منه شيء. وإذا كان أحد ضَعَّفه قبلك، فاذكره. فذَكَر الباحث كلام البزار السابق.
قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (189): حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، وَابْنِ أَبْجَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رِوَايَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ - ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدٍ، سَمِعَا الشَّعْبِيَّ، يُخْبِرُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، وَابْنُ أَبْجَرَ سَمِعَا الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، يُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ - قَالَ سُفْيَانُ: رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا، أُرَاهُ ابْنَ أَبْجَرَ - قَالَ:
قَالَ: «رَبِّ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ
بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ».
قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] الْآيَةَ.
رواه سفيان بن عيينة عن شيخيه: مُطرِّف بن طَريف وعبد الملك بن سعيد بن أَبْجَر. وقال: رَفَعه أحدهما أراه ابن أبجر. وأورده مسلم عقب طريق سفيان عن عبد الملك بن أبجر موقوفًا، وتابعه مُجالِد كما عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (34018) - وهو ضعيف - على الوقف.
ورَجَّح رفعه الترمذي في «سُننه» (5/ 347): هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ المُغِيرَةِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَالمَرْفُوعُ أَصَحُّ.
وقال أبو نُعيم في «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» (7/ 311) عن المرفوع: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ.
وقال الدارقطني في «العلل» (3/ 315): ولم يَرفع هذا الحديث غير ابن عيينة، والمحفوظ موقوف، ورواه غير ابن عُيينة، عن ابن أبجر موقوفًا.
وكَتَب شيخنا معي: مُعَلّ بالوقف.
وأخرجه ابن منده في «الإيمان» (2/ 822): قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَبَيَانُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْقُرْآنِ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الْآيَةُ [السجدة: 17] ..
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث/ أشرف بن سلطان، بتاريخ (21) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (27/ 10/ 2021 م).
كتاب النار، أعاذنا الله منها
ما ورد في طِينة الخَبَال
• ورد في طِينة الخَبَال عدة أحاديث، منها:
الحديث الأول: قال الإمام مسلم رقم (2002): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ - عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ - وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عز وجل عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ:«عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» أَوْ «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» .
• الخلاصة: هذا الخبر أقوى ما في الباب، لكن نَبَّه شيخنا إلى بحث مفردات عبد العزيز بن محمد الدراوردي. بتاريخ الأحد (18) شَوَّال (1442 هـ) الموافق (30/ 5/ 2021 م).
الحديث الثاني: قال الحُميدي في «مسنده» رقم (609): ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ شَابُورَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، وَأَنَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَجْلَانَ أَحْفَظُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ
الصَّغَارِ،
يُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي النَّارِ يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ، يَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ، عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ».
وتابع ابنَ شابور ومحمد بن عجلان أبو عيسى الخياط - وهو متروك - أخرجه البيهقي في «شُعب الإيمان» (7834).
• الخلاصة: لم يقف الباحث على كلام في رواية ابن عجلان عن عمرو بن شُعيب، وعليه فظاهر إسناد الحُميدي الحُسن، إلا أن شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم يوسف، بتاريخ الأحد (18) شَوَّال (1442 هـ) المُوافِق (30/ 5/ 2021 م) كَتَب عن هذا الحديث، وحديث آخَر من سلسلة عمرو بن شُعيب، بلفظ:«مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ سُكْرًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» . قِيلَ: وَمَا طِينَةِ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عُصَارَةُ أَهْلِ جَهَنَّمَ» أخرجه ابن وهب في «جامعه» رقم (79):
هذه المتون مَرَدُّها إلى عبد الله بن عمرو، وهو معروف بروايات الإسرائيليات، وليست الأسانيد عنه بهذه المقامات بتلك القوة إلى القول على الحكم بحسنه، والله أعلم.
ثم نَبَّه شيخنا على ضعف مُؤمَّل بن إسماعيل في سند ابن أبي حاتم في «علله» رقم (2812): سألتُ أبي عن حديث حَدَّثَنا به حُمَيْد بن عَيَّاش الرملي، عن المُؤَمَّل بن إسماعيل، عن حماد بن سَلَمة، عن يَعْلَى بن عطاء، عن نافع بن عاصم بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه، عن جَده، أنه قال: في الجنة قَصْر يقال له: عَدَنٌ، حَوْله البروج والمُروج، لا يَدخله إلا نبي أو صِدِّيق أو شهيد، أو إمامٌ
عَدْل. وفي النار قَصْر يقال له: بُولَس، يَدخله الجَبَّارون والمُتكبِّرون، فيه نار الأنيار، وأَشَرُّ الأشرار، وحُزْن الأحزان، وموت الأموات، والشَّر، وأنيار الشر.
فسمعتُ أبي يقول: هذا خطأ، إنما هو: نافع بن عاصم بن عُروة بن مسعود، عن عبد الله بن عمرو.
قلتُ - أي: ابن أبي حاتم -: الكلام الأخير لا أَعْلَمه في شيء من الحديث.
الحديث الثالث: قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (6644): حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ بِالطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ: الْوَهْطُ، وَهُوَ مُخَاصِرٌ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ، يُزَنُّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ، فَقُلْتُ: بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ: أَنَّه مَنْ شَرِبَ شَرْبَةَ خَمْرٍ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ تَوْبَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَأَنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَأَنَّهُ مَنْ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ، خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.
فَلَمَّا سَمِعَ الْفَتَى ذِكْرَ الْخَمْرِ، اجْتَذَبَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنِّي لَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ شَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ شَرْبَةً، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ - قَالَ: فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ - فَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدْغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وتَابَع أبا إسحاق الفَزَاري: الوليد بن مسلم، ومحمد بن يوسف الفِريابي.
وخالفهم بقية بن الوليد، كما عند النَّسَائي (5160).
وتابعه الوليد بن مَزيد، أخرجه الحاكم (81).
وتابعهما يحيى بن عبد الله بن البابلتي - وهو ضعيف - أخرجه الطبراني (14551).
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم بن يوسف، بتاريخ الأحد (29) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (11/ 4/ 2021 م) إلى صحة إسناد أبي إسحاق، مع الإشارة لرواية الوقف؛ فقد أخرجها ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» رقم (25659): حَدَّثنا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ شَارِبِ الْخَمْرِ، فَقَالَ: لَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
• الحديث الرابع: قال أبو داود في «سُننه» رقم (3597): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: جَلَسْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَجَلَسَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ! وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ! وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» .
• تابع يحيى بنَ راشد على الرفع اثنان:
1 -
نافع، وعنه مَطَرٌ الوراق، أخرجه أبو داود والبيهقي (17618) وفي السند إلى مطر ضعف، فضلًا عن الكلام في مطر.
2 -
عطاء الخُراساني، أخرجه قِوَام
(1)
السُّنَّةِ في «الترغيب والترهيب» (757) فرجع إلى طريق مطر السابق.
• الخلاصة: قال أبو حاتم في «العلل» (2045): هذا خطأ، والصحيح عن ابن عمر. ا هـ. ورواية الوقف مرسلة لأن عبد الوهاب بن بُخْت عن ابن عمر مرسل.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ د. إبراهيم يوسف، بتاريخ الأحد (25) شوال (1442 هـ) المُوافِق (6/ 6/ 2021 م): الحديث فيه ضعف لإعلاله.
• الحديث الخامس: قال الطبراني في «المعجم الكبير» رقم (470): حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ، ثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي الْجَنُوبِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَدِينَةُ مُهَاجَرِي وَمَضْجَعِي فِي الْأَرْضِ، حَقٌّ عَلَى أُمَّتِي أَنْ يُكْرِمُوا جِيرَانِي مَا اجْتَنِبُوا الْكَبَائِرَ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ سَقَاهُ اللهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قُلْنَا: يَا أَبَا يَسَارٍ، مَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ:«عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ»
(2)
.
• وفي سنده أبو مَعْشَر وشيخه عبد السلام بن أبي الجَنوب، ضعيفان.
(1)
ويحتمل فتح القاف مع تشديد الواو وتخفيفها، فهذان وجهان.
وإليك تأصيل الضبط من «المصباح المنير» (م/ ق و م): قام بالأمر يقوم به قيامًا، فهو قَوَّام وقائم. واستقام الأمر. وهذا قوامه بالفتح والكسر، وتُقلَب الواو ياء جوازًا مع الكسرة، أي: عماده الذي يقوم به وينتظم. ومنهم مَنْ يَقتصر على الكسر، ومنه قوله تعالى:{الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] والقِوام (بالكسر): ما يقيم الإنسانَ من القوت.
(2)
أخرجه الرُّوياني في «مسنده» (1301).
• والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ أبي سنة الله أحمد بن عبده، إلى ضعف كل ما ورد في (طِينة الخَبَال).
كتاب الإيمان بالقَدَر
منزلة الإيمان بالقَدَر
• قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (8): حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ - وَهَذَا حَدِيثُهُ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ:
كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ - أَوْ: مُعْتَمِرَيْنِ - فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ.
فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ: - وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ: - وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ.
قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي! وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ، مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ
(1)
.
(1)
قال النووي في «شرح مسلم» (1/ 156):
هذا الذي قاله ابن عمر رضي الله عنهما ظاهر في تكفيره القَدَرية.
قال القاضي عِيَاض رحمه الله: هذا في القَدَرية الأُوَل الذين نَفَوْا تقدم علم الله تعالى بالكائنات. قال: والقائل بهذا كافر بلا خلاف، وهؤلاء الذين ينكرون القَدَر هم الفلاسفة في الحقيقة.
قال غيره: ويجوز أنه لم يُرِد بهذا الكلام التكفير المُخْرِج من الملة، فيكون مِنْ قَبيل كفران النعم، إلا أن قوله:(ما قَبِله الله منه) ظاهر فى التكفير؛ فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر، إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم:(لا يَقبل عمله) لمعصيته وإن كان صحيحًا، كما أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة غير محوجة إلى القضاء عند جماهير العلماء بل بإجماع السلف، وهي غير مقبولة فلا ثواب فيها على المختار عند أصحابنا. والله أعلم.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ. قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ
رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»
(1)
قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي:«يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» .
ورواه مطرٌ الوراق كـ: (والبعث بعد الموت).
• والخلاصة: كَتَب شيخنا بتاريخ (1) رمضان (1442 هـ) الموافق (13/ 4/ 2021 م) مع الباحث محمد منصور الشرقاوي: رواية كَهْمَس أصح لفظًا، والأخرى رويت بالمعنى.
(1)
والمعنى: أن العَرَب الذين كانوا لا يستقرون في مكان، وإنما كانوا ينتجعون مواقع الغَيْث، يَسكنون البلدان ويتطاولون في البنيان، كل ذلك لاتساع الإسلام. انظر:«كشف المشكل من حديث الصحيحين» (1/ 131). كدول الخليج الآن: كدُبَيّ والرياض، فصَدَق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أول ما خَلَق الله القلم
• ورد عن ستة من الصحابة، أصحها خبر عُبَادة بن الصامت رضي الله عنه، ورواه عنه جماعة:
1 -
عُبَادَة بن الوليد بن عُبَادَة، أخرجه أحمد رقم (22705): حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُبَادَةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ أَتَخَايَلُ فِيهِ الْمَوْتَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، أَوْصِنِي وَاجْتَهِدْ لِي.
فَقَالَ: أَجْلِسُونِي.
فَلَمَّا أَجْلَسُوهُ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَطْعَمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ، وَلَنْ تَبْلُغْ حَقَّ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ بِاللهِ، حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، وَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ مَا خَيْرُ الْقَدَرِ مِنْ شَرِّهِ؟
قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ.
يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمُ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ. فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
يَا بُنَيَّ، إِنْ مِتَّ وَلَسْتَ عَلَى ذَلِكَ، دَخَلْتَ النَّارَ.
وعَلَّقه البخاري في «التاريخ» (7880).
2 -
محمد بن عُبَادَة بن الصامت، أخرجه الآجُري في «الشريعة» رقم (181).
وفي سنده معاوية بن يحيى، ضعيف.
3 -
عطاء بن أبي رباح كما عند الترمذي (2155).
وفي سنده عبد الواحد بن سُلَيْم، قال البخاري: فيه نظر. وقال أحمد: أحاديثه موضوعة. وحَسَّن له الترمذي.
• وتَابَعه عبد الله بن السائب، كما في «الأوائل» لابن أبي عاصم (2) و «السُّنة» (104).
4 -
يزيد بن أبي حبيب، وعنه ابن لَهيعة، أخرجه أحمد (22707).
• الخلاصة: انتهى شيخنا معي في تحقيقي «السُّنة» لابن أبي عاصم، ومع الباحث ياسر بن سيد الفيومي، إلى أن هذه الطرق عن عُبَادة لا يخلو طريق منها من مقال، لكنها تتقوى بالمجموع
(1)
.
• ووَرَد من حديث ابن عمر، وسنده ضعيف، وورد في أحد طرق حديث عُبَادة رضي الله عنه، وهو في «أطراف الغرائب» (3129).
• فائدة:
قال ابن تيمية في «الصَّفَدية» (2/ 79): قد تَنازَع السلف هل خُلِق العرش أولًا أو القلم؟ على قولين حكاهما الحافظ أبو نُعَيْم العلاء الهَمْداني وغيره، أصحهما أن العرش أولًا.
(1)
والتقوية بالمجموع لا تتحقق في كل خبر له طرق، إنما ذلك على حَسَب درجة الضعف في الطرق. وانظر «تفسير سورة القلم» لشيخنا حفظه الله.
ومَن قال: «إن القلم خُلِق أولًا» احتَج بحديث عُبَادة بن الصامت، وقد رُوِيَ عن ابن عباس من عدة أوجه:«أول ما خَلَق الله القلم»
(1)
فهذه الأحاديث هي المعروفة عند أهل العلم بالحديث.
وإنما قولنا: (الصحيح أن العرش خُلِق أولًا) لأن ذلك ثَبَت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في «صحيحه» أنه قَدَّر مقادير الخلائق قبل أن يَخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء.
فهذا يدل على أنه قَدَّر إذ كان عرشه على الماء، فكان العرش موجودًا مخلوقًا عند التقدير، لم يوجد بعده.
(1)
قال الطِّيبي في «الكاشف عن حقائق السُّنن» (2/ 554):
قوله: «إن أول ما خَلَق الله القلم» .
قال بعض المغاربة: وهو برفع القلم - وإن صحت الرواية بنصبه - فيكون منصوبًا على لغة مَنْ يَنصب خبر «إِنَّ» . (وانظر هامش «الرسالة» للشافعي في توجيه نصب معمولَي إِنَّ)(ص 453).
قال المالكي: يجوز على مذهب الكِسَائي أن يكون منصوبًا بـ (كان) المُقدَّرة، أي أن أول ما خَلَق الله كان القلم. وأنشد:(يَا لَيْت أَيَّام الصِّبَا رَوَاجِعَا)! أي: كانت رواجعا.
وقال المغربي: لا يجوز أن يكون «القلم» مفعول «خَلَق» لأن المراد أن القلم أول مخلوق خلقه الله تعالى، ولو جُعِل مفعولًا لوَجَب أن يقال: إن اسم «إِنَّ» ضمير الشأن، و «أول» ظرف منصوب بـ «إِنَّ» فينبغي سقوط الفاء من قوله:«فقال» فرجع المعنى إلى قوله: «فقال له: اكتب» حين خلقه، فلا يكون في الحديث إخبار بأن القلم أول مخلوق، كما يقتضيه معنى الرواية الصحيحة، ورفع القلم.
ولو صحت الرواية بالنصب لم تَمنع الفاء من تنزيل الحديث على ذلك المعنى، وذلك أن يُقَدَّر قبل «فقال»: أمره بالكتابة «فقال: اكتب» فيكون هو العامل في الظرف، والجملة مُفسِّرة للضمير.
وكذلك قوله في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري
(1)
: «كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكَتَب في الذِّكر كل شيء» وفي رواية: «ثم كَتَب في الذِّكر كل شيء» .
فهو أيضًا دليل على أن الكتابة في الذِّكر كانت والعرش على الماء
…
إلخ.
(1)
رقم (7418).
مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟
• قال الفِريابي في «القَدَر» رقم (14): حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: «فِيمَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ» .
• وتابع عمرَ بن حفص جماعةٌ، فظاهر السند الصحة، لكن قال الإمام أحمد كما في «الجامع لعلومه» (15/ 126): هذا حديث منكر. وقال: هذا من خطأ الأوزاعي. وهو كثيرًا ما يخطئ في يحيى بن أبي كَثير.
وفي «العلل الكبير» للترمذي (ص: 368): سألتُ محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرفه. قال أبو عيسى: وهو حديث غريب من حديث الوليد بن مسلم، رواه رجل واحد من أصحاب الوليد.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ جمعة بن جمال - في تحقيقه كتاب «القَدَر» للفِريابي، إلى ضعف الخبر وله شاهد، صَوَّب فيه الدارقطني في «علله» الإرسال.
ومن حديث عبد الله بن شقيق عن مَيْسَرة الفَجْر، بلفظ:«متى كنتَ نبيًّا؟» .
• فائدة: الاعتناء بأقوال أهل العلل لا غنى عنه، ولا يُقتصَر على الحُكْم على ظاهر الإسناد.
كتابة القَدَر بين العينين
• قال أبو يعلى في «مسنده» رقم (5775): حَدَّثنا زُهَيْرٌ، حَدَّثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثنا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ
(1)
يُحَدِّثُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبدِ الرَّحمَنِ بْنِ هُنَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَ نَسَمَةً، قَالَ مَلَكُ الأَرْحَامِ مُعْرِضًا: أَيْ رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقُولُ، فَيَقْضِي اللهُ أَمْرَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَيَقْضِي اللهُ أَمْرَهُ، ثُمَّ يَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَا هُوَ لَاقٍ حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا» .
وأخرجه الفِريابي (137) وابن حِبان رقم (6178) من طرق عن يونس بن يزيد، به.
وتابع يونسَ عمرُو بن سعيد كما في «السُّنة» (188).
وخالفهما ثلاثة فأوقفوه:
1 -
عمرو بن دينار، كما في «الإبانة» (1605)
(2)
.
2 -
عَقيل كما في «القَدَر» (139) للفِريابي.
(1)
وتابع يونس بن يزيد على الرفع صالح بن الأخضر، لكن قال: عن الزُّهْري عن سالم عن أبيه، به. أخرجه ابن أبي عاصم في «السُّنة» (186) وأبو الفضل الزُّهْري في «حديثه» (575).
(2)
يُنظَر حديث حذيفة بن أَسيد رضي الله عنه.
3 -
مَعْمَر في وجه
(1)
أخرجه الفِريابي في «القَدَر» (138).
وتابعهم الأوزاعي، أخرجه الفِريابي (137) وقال: عن الزُّهْري عمن حدثه.
• الخلاصة: أن إسناد يونس صحيح، وقال البخاري: أصحها حديث يونس. وقال الدارقطني: وحديث يونس أصح.
بينما كَتَب شيخنا مع الباحث/ جمعة بن جمال، بتاريخ الأربعاء (24) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (1/ 9/ 2021 م): الحديث مُعَلّ بالوقف.
(1)
وفي وجه بالرفع كما في «السُّنة» (183).
العين حق
• قال الإمام مسلم (2188): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ - قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» .
• الخلاصة: خالف وُهيبًا مَعْمَر، فأَرْسَله تارة
(1)
وقَطَعه أخرى
(2)
. ولفظ: «العَيْنُ حَقٌّ» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
(3)
.
وقَبِل شيخنا رواية وُهَيْب؛ لأن المخالف ليس عددًا، إنما هو واحد.
• وله شاهد مُرسَل، قال الحُميدي في «مسنده» (332): قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَنِي جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمُ الْعَيْنُ، أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ فَقَالَ:«نَعَمْ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» .
(1)
كما في «جامع مَعْمَر» (19770).
(2)
كما عند الطبري (24/ 702).
(3)
أخرجه البخاري (5740)، ومسلم (2187).
خالف الحُميديَّ أحد عشر راويًا، منهم أحمد بن حنبل
(1)
وإسحاق بن رَاهَوَيْهِ
(2)
وابن أبي شيبة
(3)
ومُسَدَّد
(4)
فأَرْسَلوه عن عُبَيْد بن رِفاعة الزُّرَقِيّ قال: قالت أسماء لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
…
به.
وخالف سفيانَ أيوبُ السَّختياني من رواية مَعْمَر عنه فوَصَله، كما عند الترمذي (2059) وصَوَّبه بالوصل الدارقطني على طريقَي سفيان وابن جُريج وورقاء.
لكن يَرِد على هذا أمران:
1 -
عموم قول ابن مَعِين: إذا حَدَّثك مَعْمَر عن العراقيين، فخَفْه إلا عن الزُّهْري وابن طاوس؛ فإن حديثه عنهما مستقيم.
2 -
أن مَعْمَرًا هو الذي أرسل حديث ابن عباس: «لو كان شيءٌ سَابَقَ القَدَر
…
» كما سبق.
وقصة بني جعفر وإسراع العين إليهم أخرجها مسلم (2198): عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ، وَقَالَ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ:«مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً، تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ؟!» قَالَتْ: لَا، وَلَكِنِ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ! قَالَ:«ارْقِيهِمْ» قَالَتْ: فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:«ارْقِيهِمْ» .
(1)
في «مسنده» (27470).
(2)
في «مسنده» (2137).
(3)
في «مصنفه» (23591).
(4)
كما عند ابن عبد البر في «التمهيد» (4182).
• فائدة: يَرى الباحث محمد بن خليل أن رواية «وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» مرجوحة عند مسلم.
قال القضاعي في «مسنده» رقم (1059): وأنا ذُو النُّونِ بْنُ أَحْمَدَ الْعَطَّارُ، نا أَبُو الْفَضْلِ، أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ الْهَرَوِيُّ، نا أَبُو الْفَضْلِ، مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِنِيرَةَ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، أنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهَبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الْعَيْنَ لَتُدْخِلُ الْمَرْءَ الْقَبْرَ وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ»
وأيضًا (1057) - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دُوَسْتَ النَّيْسَابُورِيُّ - لَقِيتُهُ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ - ثنا أَبُو زُرْعَةَ، مُحَمَّدُ بْنُ الْجُرْجَانِيِّ بِمَكَّةَ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّرِيفِينِيُّ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَيْنَ لَتُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَتُدْخِلُ الْجَمَلَ الْقِدْرَ»
هذا الإسناد ظاهره الحسن لحال معاوية لكنه معل لكونه مردود إلى طريق علي بن أبي علي؛ فإنه منكر الحديث.
قال ابن عدي في «الكامل» بعد رقم (16457): لم يحدث عن محمد بن المنكدر من حديث الثوري عنه الا معاوية
…
ثم قال: ولمعاوية بن هشام غير ما ذكرت حديث صالح عن الثوري وقد أغرب عن الثوري بأشياء وأرجو أنه لا بأس به.
• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ نعيم بن محمد بن إبراهيم بتاريخ 15 جمادى الأولى 1443 موافق 19/ 12/ 2021 م: راجع إلى الأول. أعله علماء
العلل.
حُكْم أطفال المسلمين
• قال الإمام مسلم رقم (2662): حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ صَبِيٌّ، فَقُلْتُ: طُوبَى لَهُ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَ لَا تَدْرِينَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ النَّارَ، فَخَلَقَ لِهَذِهِ أَهْلًا وَلِهَذِهِ أَهْلًا»
(1)
.
وتابع جريرًا - وهو ابن عبد الحميد - اثنان:
1 -
خَلَف بن خليفة، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (4515) وفي سنده الحسين بن سَيَّار الحَرَّاني، متروك كما في «الميزان» .
2 -
محمد بن فُضَيْل، وعنه ثلاثة:
1 -
واصل بن عبد الأعلى، أخرجه أبو الفضل الزُّهْري في «حديثه» رقم (267) وإسناده صحيح.
2 -
أحمد بن عمر الوكيعي، أخرجه القاضي أبو بكر الأزدي في «جزئه» رقم (66) وسنده صحيح.
(1)
قال الذهبي في «سِيَر أعلام النبلاء» (14/ 462): (رواه جماعة عن طلحة، وهو مما يُنكَر من حديثه.
كلاهما - واصل وأحمد بن عمر - قالا: نا ابن فُضَيْل، عن العلاء بن المُسيِّب عن فُضَيْل بن عمرو، به.
3 -
الإمام أحمد، لكن بالشك في شيخ ابن فُضَيْل (عَنْ العلاء أو حبيب بن أبي عَمْرة) وهذا الشك لا يضر؛ لأن كليهما ثقة، أخرجه عبد الله بن أحمد في «العلل» رقم (1380)
(1)
سَمِعتُ أبي يقول: طلحة بن يحيى أَحَبُّ إِلَيّ من بُريد بن أبي بُرْدَة، بُرَيْد يَروي أحاديث مناكير، وطلحة حَدَّث بحديث «عُصْفُور من عصافير الجنة» حدثنِي أبي قال: حدثنا ابن فُضَيْل عن العلاء أو حَبيب بن أبي عَمْرَة. قال أبي: وما أراه سمعه إلّا من طلحة. يعني ابن فُضَيْل.
• تنبيه: قال ابن رجب في «أهوال القبور» (ص: 175): وقد ضَعَّف أحمد هذا الحديث من أجل طلحة بن يحيى، وقال: قد روى مناكير. وذَكَر له الحديث. وقال ابن مَعِين فيه: ليس بالقوي. وأما رواية فُضَيْل بن عُمَيْر له عن عائشة، فقال أحمد: ما أراه سمعه إلا من طلحة بن يحيى. يعني أنه أَخَذه عنه ودلسه، حيث رواه عن عائشة بنت طلحة.
• تعقيب: قوله: (ما أراه سمعه إلا من طلحة بن يحيى. يعني هكذا بلفظه في نقل عبد الله بن أحمد عن أبيه.
أما ما بعده من تفسير - فَهْم أو تحليل - ابن رجب، فقد اختُلف مع نقل عبد الله؛ لأن في نقل عبد الله يعود إلى محمد بن فُضَيْل. ومما يُؤكِّد ذلك قول الإمام أحمد: حَدَّثَنا ابن فُضَيْل.
(1)
ومن طريق عبد الله العُقيلي في «الضعفاء» (2/ 226) هكذا بلفظ (عبد الله) دون تصحيف.
وأما في نقل ابن رجب فيعود إلى فُضَيْل بن عمرو الفُقَيْمي ويتهمه بالتدليس فيه، وعليه فتسقط المتابعة لرجوعه لطلحة بن يحيى.
ويَرى الباحث/ أحمد النمر أن فهم ابن رجب خطأ؛ لما يلي:
1 -
اتفاق النقْلين في هذه الفِقرة (ما أراه سمعه إلا من طلحة بن يحيى يعني ابن فُضَيْل.
2 -
لم يَتهم أحدٌ فُضَيْل بن عمرو بالتدليس، ولا محمدَ بن فُضَيْل، ولم يَذكرهما الحافظ في «طبقات المدلسين» .
بينما يَرى شيخنا مع الباحث أحمد النمر، بتاريخ الاثنين (8) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (16/ 8/ 2021 م) صحة كلام ابن رجب، وعليه فيرى إعلال الخبر.
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث هاني العشماوي، بتاريخ الأحد (28) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (5/ 9/ 2021 م) فقال: أخرجه مسلم وانتقده بعض العلماء، وإن قال قائل: له مُتابِع فمتكلم فيها [فيه].
• قلت (أبو أويس): ويُشكَر الباحث على جهده وتعقيبه، لكن لا بد من التماس العذر لابن رجب؛ لأنه ربما وقف على اجتهاد آخر للإمام أحمد ولم يصل إلينا.
• تنبيه: وللخبر طريقان آخران:
الأول - وهو الأشهر -: رواه جمهور الرواة عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة رضي الله عنها، به. أخرجه مسلم وأحمد وغيرهما.
والثاني: أخرجه الطيالسي (1679) عن قيس بن الربيع - وهو ضعيف - عن يحيى بن إسحاق، عن عائشة بنت طلحة، به.
قال النووي في «شرحه على مسلم» (16/ 207):
أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا.
وَتَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا.
وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ نَهَاهَا عَنِ الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ، كَمَا أَنْكَرَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي قَوْلِهِ:(أَعْطِهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا) قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا
…
» الْحَدِيثَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ، فَلَمَّا عَلِمَ قَالَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
• تنبيه: هذا مثال رائع في باب المتابعات التي يَعتدّ بها بعض أهل العلم دون غيرهم! ونحوه حديث: «كُنَّا نَصُومُ عَاشُورَاءَ وَنُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ وَنَزَلَتِ الزَّكَاةُ، لَمْ نُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ، وَكُنَّا نَفْعَلُهُ» وسيأتي في صدقة الفطر إن شاء الله تعالى
حُكْم أهل الفترة
• ورد فيهم عدد من الأحاديث فيها مقال، وهاك بيانها:
الأول: حديث أبي هريرة، أخرجه ابن أبي عاصم في «السُّنة» (404) من طريق حماد بن سلمة، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ يُدْلِي عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحُجَّةٍ وَعُذْرٍ: رَجُلٌ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، وَرَجُلٌ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ هَرَمًا، وَرَجُلٌ أَصَمُّ أَبْكَمُ، وَرَجُلٌ مَعْتُوهٌ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَلَكًا رَسُولًا، فَيَقُولُ: اتَّبِعُوهُ. فَيَأْتِيهِمُ الرَّسُولُ فَيُؤَجِّجُ لَهُمْ نَارًا، ثُمَّ يَقُولُ: اقْتَحِمُوهَا. فَمَنِ اقْتَحَمَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَمَنْ لَا حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ» .
وعلي بن زيد هو ابن جُدْعَان، ضعيف، لكن تابعه الحسن البصري، أخرجه إسحاق في «مسنده» (41) وأحمد (16302) عن علي بن المديني، كلاهما عن معاذ بن هشام، عن هشام الدَّستوائي، عن قتادة، عن الحسن، به.
وكلاهما أيضًا به عن قتادة عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سَريع، به.
وخالفهما محمد بن المُثَنَّى، فرواه عن قتادة عن الحسن عن الأسود، أخرجه البزار، كما في «كشف الأستار» (2172) ولم يَسمع منه.
وقتادة أدرك نحو سبع سنين من حياة الأحنف، فالظاهر أنه لم يدركه، وهو أيضًا مدلس وقد عنعن.
وأيضًا: الحسن البصري مدلس وقد عنعن.
ورواه مَعْمَر، واختُلف عليه:
فرواه عنه أبو سفيان المَعْمَري، فقال: عن هَمَّام بن مُنَبِّه عن أبي هريرة موقوفًا، أخرجه الطبري (22294) وفي السند إليه سُنيد المِصيصي، ضعيف.
وخالفه محمد بن ثور، فقال: عن قتادة عن أبي هريرة، أخرجه الطبري (22294) وقتادة لم يَسمع من أبي هريرة موقوفًا.
وخالفهما عبد الرزاق، كما في «تفسيره» (1541) فقال: عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، موقوفًا.
ومحمد بن ثور أقوى في مَعْمَر من عبد الرزاق، فقد قال أبو زُرْعَة في مقام المفاضلة بين عبد الرزاق وابن ثور وهشام بن يوسف: ابن ثور أفضلهم.
وعليه، فيُرَد هذا الطريق لطريق هشام الدستوائي عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، مرفوعًا.
ورواية مَعْمَر عن قتادة والبصريين متكلم فيها، وعليه فرواية الدستوائي أقوى، لكن فيها عنعنة قتادة والحسن.
ويقويها رواية ابن جُدْعَان عن أبي رافع.
وله شواهد، منها: عن أنس رضي الله عنه، أخرجه أبو يعلى (4224) والبزار كما في «كشف الأستار» (2174) من طريق ليث بن أبي سُليم، عن عبد الوارث الأنصاري، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا. وليث وشيخه ضعيفان.
ومن حديث أبي سعيد الخُدْري، أخرجه ابن الجعد في «مسنده» (2038) والطبري في «تفسيره» (24661) من طريق فُضَيْل بن مرزوق، عن عطية العَوْفي، عن أبي سعيد، به مرفوعًا، واقتَصر على ثلاثة: الهالك في الفترة والمغلوب على
عقلة والصبي الصغير.
فُضَيْل بن مرزوق مختلف فيه، لكن قال ابن حِبان: يَروي عن عطية الموضوعات.
وعطية العوفي ضعيف.
ومن حديث معاذ رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في «الكبير» (158) و «الأوسط» (7955) وفي سنده عمرو بن واقد، متروك.
• الخلاصة: أن في كل طرقه مقالًا، ومَن حَسَّنه فله وجه.
الأعمال بالخواتيم
• قال البخاري رقم (6607): حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَعْظَمِ المُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنِ المُسْلِمِينَ، فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الرجل مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» .
فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى المُشْرِكِينَ، حَتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ.
فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسْرِعًا، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ! فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: قُلْتَ لِفُلَانٍ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ» وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِنَا غَنَاءً عَنِ المُسْلِمِينَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ المَوْتَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ» .
خالف أبا غَسَّان محمد بن مُطَرِّفٍ الجماعة - ابن أبي حازم، كما عند البخاري (4207) ويعقوب بن عبد الرحمن، كما عند مسلم (112)، وخالد بن مَخْلَد وعبد الله بن عبد الرحمن بن دينار، كما عند أحمد (22813) وسعيد
بن عبد الرحمن الجُمَحي، كما عند ابن الجعد (2930) - فلم يَذكروا زيادة:«وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ» .
قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 380): زادها أبو غَسَّان، وهو ثقة حافظ، فاعتمده البخاري.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ محمد الغَنَّامي؛ «
…
وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ» فيها شذوذ، والله أعلم.
كتاب الإيمان
تعريف الإيمان
• سَبَق في حديث سؤال جبريل عليه السلام تفسير الإيمان والإسلام والإحسان، وفُسِّر أيضًا في قصة وفد عبد القيس من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرج مسلم في «صحيحه» رقم (35): حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» فجمع الحديث بين اعتقاد القلب ونطق اللسان وعمل الجوارح
(1)
.
(1)
قال العالم الرباني ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (7/ 170): أقوال السلف وأئمة السنة في " تفسير الإيمان ": فتارة يقولون: هو قول وعمل.
وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية.
وتارة يقولون: قول وعمل ونية واتباع السنة.
وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وكل هذا صحيح.
فإذا قالوا: قول وعمل فإنه يدخل في القول قول القلب واللسان جميعا؛ وهذا هو المفهوم من لفظ القول والكلام ونحو ذلك إذا أطلق.
والناس لهم في مسمى " الكلام" و"القول" عند الإطلاق أربعة أقوال:
فالذي عليه السلف والفقهاء والجمهور أنه يتناول اللفظ والمعنى جميعا كما يتناول لفظ الإنسان للروح والبدن جميعا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقيل: بل مسماه هو اللفظ والمعنى ليس جزء مسماه بل هو مدلول مسماه وهذا قول كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم وطائفة من المنتسبين إلى السنة وهو قول النحاة لأن صناعتهم متعلقة بالألفاظ.
وقيل: بل مسماه هو المعنى وإطلاق الكلام على اللفظ مجاز لأنه دال عليه وهذا قول ابن كلاب ومن اتبعه.
وقيل: بل هو مشترك بين اللفظ والمعنى وهو قول بعض المتأخرين من الكلابية ولهم قول ثالث يروى عن أبي الحسن أنه مجاز في كلام الله حقيقة في كلام الآدميين لأن حروف الآدميين تقوم بهم فلا يكون الكلام قائما بغير المتكلم بخلاف الكلام القرآني؛ فإنه لا يقوم عنده بالله فيمتنع أن يكون كلامه ولبسط هذا موضع آخر.
والمقصود هنا أن من قال من السلف: الإيمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح؛ ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب.
ومن قال: قول وعمل ونية قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله إلا باتباع السنة وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل إنما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال ولكن كان مقصودهم الرد على " المرجئة " الذين جعلوه قولا فقط فقالوا: بل هو قول وعمل والذين جعلوه " أربعة أقسام " فسروا مرادهم كما سئل سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو؟ فقال: قول وعمل ونية وسنة لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة.
الاستسلام الكامل لله رب العالمين
• قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
وقال جل ذكره عن خليله وعبده إسماعيل عليهما السلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128].
وقالت هاجر لخليل الرحمن بمكة: «آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا»
(1)
.
قال ابن أبي عاصم في «السُّنة» رقم (15): ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي وَارَهْ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، ثَنَا بَعْضُ مَشْيَخَتِنَا - هِشَامٌ أَوْ غَيْرُهُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» .
رواه نُعَيْم بن حماد واختُلف عنه:
فرواه عنه محمد بن مسلم بن واره كما هنا، و «الحجة في بيان المحجة» (103) وابن بطة في «الإبانة» (279).
وخالفه أحمد بن مهدي، فأَسْقَط عبد الوهاب الثقفي، أخرجه قوام السُّنة في
(1)
أخرجه البخاري (3364).
«الترغيب والترهيب» (30).
وعند ابن أبي عاصم: حدثنا بعض مشيختنا، حدثنا هشام أو غيره.
وخالفهما محمد بن الحسن الأَعْيَن، فقال: عن نُعَيْم عن عبد الوهاب عن هشام. بلا شك، أخرجه النَّسَوِيّ في «الأربعين» (8) والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (6/ 20) والبَغَوي في «شرح السُّنة» (104).
وتابعه جعفر بن فُضَيْل، أخرجه البيهقي في «المدخل» (209).
وتابعهما عبد الرحمن بن حاتم، كما في «الغرائب الملتقطة» (2989).
فيه علل:
1 -
ضَعْف نُعيم بن حماد المروزي. ونُعيم هذا وإن كان وَثَّقه جماعة من الأئمة، وخَرَّج له البخاري، فإن أئمة الحديث كانوا يُحْسِنون به الظن؛ لصلابته في السُّنة، وتَشدُّده في الرد على أهل الأهواء، وكانوا ينسبونه إلى أنه يَهِم، ويُشَبَّه عليه في بعض الأحاديث، فلمَّا كَثُر عثورهم على مناكيره، حكموا عليه بالضعف.
وما أخرجه البخاري عنه رقم (7189): «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ» مَرَّتَيْنِ. فقد تابعه عليه محمود بن غَيْلَان المروزي وهو ثقة.
ورقم (3849): عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ» مقطوعًا.
وما ورد في «مقدمة مسلم» (1/ 22»: عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: «كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ» فمقطوع أيضًا.
2 -
اختُلف على نُعيم في إسناده: فرُوي عنه عن الثَّقَفي، عن هشام. ورُوي عنه عن الثقفي، حدثنا بعض مشيختنا - هشام أو غيره -. وعلى هذه الرواية، فيكون شيخ الثقفي غير معروفٍ عَيْنه، ورُوي عنه عن الثقفي، حدثنا بعض مشيختنا، حدثنا هشام أو غيره. فعلى هذه الرواية، فالثقفي رواه عن شيخ مجهول، وشيخه رواه عن غير مُعَيَّن، فتزداد الجهالة في إسناده.
3 -
الاختلاف في سماع عُقبة بن أوس السَّدوسي البصري من عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
قال الغلابي في «تاريخه» : يزعمون أنه لم يَسمع من عبد الله بن عمرو، وإنما يقول:(قال عبد الله بن عمرو) فعلى هذا تكون رواياته عن عبد الله بن عمرو منقطعة، والله أعلم.
انتهى مختصرًا من «جامع العلوم والحكم» (3/ 1148).
4 -
وضَعَّفه ابن رجب والهَرَوي والعَلَّامة الألباني والشيخ مُقْبِل في «المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح» (ص: 15).
وصححه نُعيم بن حماد، كما نَقَل عنه ابن رجب في «جامع العلوم والحِكم» وقال ابن حجر في «فتح الباري» (13/ 289): أخرجه الحسن بن سفيان وغيره، ورجاله ثقات، وقد صححه النووي في آخِر «الأربعين» .
وقال الهروي في «ذم الكلام وأهله» (2/ 169): جَوَّدَهُ الْأَعْينُ، وَلَهُ عِلَتَّانِ.
• الخلاصة: انتهى شيخنا معي في «تحقيق الأربعين النووية» من سنين إلى ضعفه.
آية المنافق
• قال الإمام مسلم رقم (59): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ - مَوْلَى الْحُرَقَةِ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» .
خالف محمدَ بنَ جعفر يحيى بنُ محمد بن قيس أبو زكير، فزاد:«وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ» أخرجه مسلم. ويحيى ضعيف.
ثم أورد الإمام مسلم سندًا آخر من مخرج متسع لهذه الزيادة من طريق حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المُسيب عن أبي هريرة، به.
وحماد يُخْطِئ في داود بن أبي هند، قال الإمام مسلم في «التمييز له» (ص: 218): قَالَ يحيى القطَّان ويحيى بن مَعِين وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أهل المعرفَة: وحماد يُعَدّ عندهم إذا حَدَّث عن غير ثَابت، كحديثه عن قتادة، وأيوب، ويونس، وداود بن أبي هند، والجُرَيْري، ويحيى بن سعيد، وعمرو بن دينار، وأشباههم، فإنه يُخْطِئ في حديثهم كثيرًا.
وأَصْل الحديث دون الزيادة متفق عليه، من طريق نافع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
• الخلاصة: سألتُ شيخنا لما رَدّ الباحثَ محمود بن عوض، من كفر الشيخ، بتاريخ (25) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (4/ 8/ 2021 م)
للبحث في إبداء سند حماد، فقال: الزيادة عندنا منكرة من قديم، لكن القصد من المناقشة ليس صحة الحديث أو ضعفه، إنما هناك أمور أخرى.
الخوف من النفاق
• أَخْرَج البخاري في «صحيحه» معلقًا، ووَصَله في «تاريخه» (5/ 137): محمد بن سعيد قال: أَخبرنا يحيى بن اليمان، عن سفيان، عن ابن جُرَيْج، عن ابن أَبي مُلَيْكَة قال: أدركتُ ثلاثين من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يَخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إِنه على إيمان جبريل وميكائيل.
وإسناده ضعيف لكَوْن يحيى بن يمان سيئ الحفظ. وعنعنة ابن جُريج، وإن كانت عنعنته لا تَضر مع ابن أبي مُلَيْكَة، فقد قال أبو حاتم ويحيى القطان: أحاديث ابن جُريج عن ابن أبي مُلَيْكَة كلها صحاح، وتُحْمَل على الاتصال.
وهذه فائدة تُلحَق بالاستثناءات في باب التدليس.
وروى الأثر ثلاثة عن الصلت بن دينار - وهو ضعيف، وكثير المناكير - عن ابن أبي مُلَيْكَة به. أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» مسند ابن عباس (2/ 676) ومحمد بن نصر في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 634) و «شرح أصول اعتقاد» لِلَّالكائي (5/ 1026).
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ محمود بن عبد الفتاح، بتاريخ الثلاثاء (16) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (24/ 8/ 2021 م): إسناده ضعيف، ومعناه صحيح.
ذم ذي الوجهين
• قال تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 143].
وأخرج أبو داود في «سُننه» رقم (4873): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا، كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ» وشَريك ضعيف.
وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (6278) وفي سنده خالد بن يزيد، كذاب، وهو من مفاريده كما نص الطبراني.
وله شاهد ثانٍ من حديث أنس رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (140) وفي سنده إسماعيل بن مسلم، ضعيف.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ محمود بن عبد الفتاح، بتاريخ (9) صَفَر (1443 هـ) الموافق (16/ 9/ 2021 م): لا يصح.
من علامات المنافقين فصاحة اللسان وضلال المُعتقَد
قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30].
قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (310): حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا دَيْلَمُ بْنُ غَزْوَانَ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا مَيْمُونٌ الْكُرْدِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ تَحْتَ مِنْبَرِ عُمَرَ، وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ» .
تابع يزيدَ - وهو ابن هارون - عن ديلم بن غَزْوَان جماعة - محمد بن عبد الملك القرشي، ومحمد بن الفضل، وأبو سعيد، وعمرو بن علي، ومُعَلَّى بن أسد، وعُبيد الله بن عمر الجُشَمِيّ، وعلي بن عبد العزيز -.
وتابع ديلم على الرفع الحسنُ بن أبي جعفر - وهو ضعيف - أخرجه الفِريابي في «صفة المنافقين» (25).
وخالفهما حماد بن زيد فأوقفه، أخرجه ابن نصر في «تعظيم قدر الصلاة» (685).
والوقف أصح لقوة حماد، وقد تابعه متابعة قاصرة على الوقف مُعَلَّى بن زياد عن أبي عثمان. أخرجه ابن نصر في «تعظيم قدر الصلاة» (683) وقال الدارقطني في «علله» (246): الأشبه الوقف.
• ورواه حسين المعلم على الأصح، والأشهر عنه عن عبد الله بن بُريدة عن عمر في قصة طويلة موقوفًا.
وقال الدارقطني في «علله» (196): وهو الصواب. وخَطَّأ وجهًا عن عِمران بن حُصَيْن.
وروى من طريق الأحنف بن قيس عن عمر بأسانيد نازلة على الرفع وبالوقف عند أحمد في «الزهد» (1300).
• والخلاصة: أن الأثر صحيح موقوفًا مُعَل مرفوعًا.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ مصطفى أبي حازم المحلاوي، بتاريخ (15) صَفَر (1443 هـ) الموافق (22/ 9/ 2021 م): والأظهر عدم ثبوت الرفع، لكن يبقى النظر في صحة الوقف.
تَرْك الجهاد من صفات المنافقين
• قال الإمام مسلم رقم (1910): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ الْأَنْطَاكِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ وُهَيْبٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ؛ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ» .
قَالَ ابْنُ سَهْمٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: فَنُرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
• تابع وُهَيْبًا عبدُ الله بن رجاء، انظر:«علل الدارقطني» (1885).
وعمر بن محمد بن المُنكدِر وثقه ابن حِبان. وقال أحمد: يُروى عنه الشيء. وقال الأزدي: في القلب منه شيء. وليس له إلا هذا الحديث في الكتب الستة.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا بتاريخ الأحد (1) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (14/ 3/ 2021 م) مع الباحث حمادة أبي المعاطي: (يُبحث عن شواهده)
(1)
.
(1)
له شاهد دون ذكر النفاق وتحديث النفس، أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (2503): حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَقَرَأْتُهُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْجُرْجُسِيِّ قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ لَمْ يَغْزُ أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا، أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ؛ أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ» .
قَالَ: يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ فِي حَدِيثِهِ: «قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وفيه الخلاف في القاسم وعنعنة الوليد فيما سِوى شيخه، فقد صَرَّح بالتحديث منه عند ابن ماجه (2762).
• تنبيه: تَخلُّف المنافقين عن الجهاد يَشفع لمعنى الحديث، لكن يَبقى تحديث النفس به.
قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (91): حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ، وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ
(1)
، كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، قَالَ مِنْجَابٌ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ» .
وتابع علي بن مسهر أبو بكر بن عياش أخرجه أحمد (3671)، وأبو داود (4091) والترمذي (1998).
وتابعهما عبد العزيز بن مسلم القسملي أخرجه أبو يعلى (5066) وغيره.
وتابعهم سعيد بن سلمة - وهو ضعيف - أخرجه ابن ماجه رقم (59، 4173).
وخالفهم وكيع فأوقفه أخرجه أبو بكر الخلال في «السنة» رقم (1586) - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ» .
(1)
وأخرجه ابن ماجه رقم (59، 4173).
• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث أشرف سلطان بتاريخ 9 جمادى الأولى 1443 هـ موافق 13/ 12/ 2021 م: فيما بدا لنا الآن أن رواية وكيع أقرب للصحة للآتي ذكره:
1 -
قوة وكيع في الأعمش.
2 -
مخالفوا وكيع وإن كانوا كُثر لكنهم دونه بكثير وفي بعضهم كلام وعلى بعضهم خلاف وبعضهم متكلم فيه على الأعمش.
زاد الباحث أن الإرجاء أول ما ظهر بالكوفة والإسناد كوفي. وخالف منصور الأعمش وفضيل بن عمرو فقال عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْسَانٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ» أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (30442) - حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ به.
• قلت أبو أويس: والمتن المرفوع مخالف لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ غ قَالَ:«يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدْ امْتَحَشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ، أَوِ الْحَيَا، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟» أخرجه البخاري (6560) ومسلم (184).
وعلى فرض ثبوته فموجه فقد قال النووي في شرحه الخبر: «فالمراد به دخول الكفار وهو دخول الخلود» .
لمحة عن «شرح السُّنة» للإمام البَرْبَهاريّ (ت: 329 هـ)
• «شرح السُّنة» للبَرْبَهاري من المتون النافعة، لكن من أشد ما فيه قوله رحمه الله في الفقرة رقم (104):
«فرَحِم الله عبدًا ورحم والديه قرأ هذا الكتاب، وبَثَّه وعَمِل به، ودعا إليه واحتج به؛ فإنه دِين الله ودِين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه مَنْ انتَحَل شيئًا خلاف ما في هذا الكتاب، فإنه ليس يَدين الله بدين، وقد رده كله. كما لو أن عبدًا آمن بجميع ما قال الله عز وجل، إلا أنه شك في حرف، فقد رد جميع ما قال الله وهو كافر
…
».
غَفَر الله للمؤلف، فكيف يُسَوِّي بين كتابه وكتاب الله في القَبول والرد، وكُلٌّ يؤخذ من قوله ويُرَدّ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكيف يقول هذا وفي الكتاب أشياء ليست عليها أدلة صحيحة؟!
1 -
منها: الاستثناء في قوله في الفقرة (17) ط/ دار المنهاج: (لكل نبي حوض إلا صالحًا؛ فإن حوضه ضَرْع ناقته).
و «ضَرْع ناقته» لا يصح فيه خبر، فقد أورد فيه العُقيلي في «الضعفاء الكبير» (3555) حديثًا موضوعًا: «حوضي أَشْرَب منه يوم القيامة ومَن اتبعني من الأنبياء، ويَبعث الله ناقة ثَمُود لصالح، فيَحتلبها، فيَشربها والذين آمنوا معه، حتى تُوافي بِها المَوقِف معه، ولها رُغَاء
…
» وحَكَم عليه ابن الجوزي وابن حجر بالوضع.
وله شاهد آخَر حَكَم عليه الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (772) بالوضع.
2 -
ومنها: قوله في الفقرة (23): (وبنزول عيسى
…
ويتزوج
…
).
والنزول ثابت، لكن التقييد بالزواج والذرية وَرَدَ فيه خبر موضوع في «العلل المتناهية» (1529) من حديث ابن عمر مرفوعًا:«يَنزل عيسى ابن مريم إلى الأرض، فيتزوج ويُولِّد» هذا حديث لا يصح، والإفريقي ضعيف بمرة.
3 -
وقوله في الفقرة (79): (واعلم أن أول مَنْ يَنظر إلى الله في الجنة الأَضِرَّاء) وهذه الأولية لم يَثبت فيها خبر
(1)
.
4 -
وقال في رقم (42): (يَنزل يوم عرفة).
وَرَدَ النزول في خبرين ضعيفين:
أحدهما: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (8830) وفي سنده ابن مجاهد، هو عبد الوهاب، ضعيف.
وأخرجه ابن حِبان (1887) وفي سنده سِنان بن الحارث، يَروي المقاطيع.
والثاني: من حديث جابر رضي الله عنه. وسيأتي في كتاب الحج.
(1)
إنما ورد فيها أثر ضعيف عن الحَسَن البصري قال: «أَوَّلُ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ تبارك وتعالى الْأَعْمَى» أخرجه اللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (3/ 578) رقم (924) ذَكَره عبد الرحمن قال: ثنا أبي قال: نا محمد بن حاتم المؤدب قال: (حُدِّثْتُ) عن أبي الأشهب، عن الحسن، به. وعِلته (حُدِّثْتُ).
وجاء في «صحيح مسلم» رقم (1348): «وإنه ليدنو» من حديث عائشة رضي الله عنها
(1)
.
(1)
هذا من رواية مَخْرَمَة بن بُكَيْر عن أبيه، وهي في «صحيح مسلم» سبع عَشْرة مرة، والراوي عن مَخْرَمة هو ابن وهب.
وذهب الجمهور إلى أنه لم يَسمع من أبيه إلا حديثًا استثناه أبو داود. وقيل: سَمِع أكثر من حديث، لكن في إسناد هذا ابن أبي أويس، فيه ضعف.
وقال البيهقي: «قد اعتمده مالك بن أنس فيما أَرْسَل في «الموطأ» عن أبيه بُكَيْر، وإنما أَخَذه عن مَخْرَمة. واعتمده مسلم بن الحَجاج، فأَخْرَج أحاديثه عن أبيه، في «الصحيح»
…
فيحتمل أن يكون المراد بما حُكي عنه من إنكاره سماع البعض دون الجميع. والله أعلم.
ثم هَبْ أن الأمر على ما حُكي عنه من الإنكار، أليس قد جاء بكتب أبيه الرجل الصالح، فإذا فيها تلك الأحاديث؟!» (معرفة السنن 12/ 368).
وقال العلائي: «أَخْرَج له مسلم عن أبيه عدة أحاديث، وكأنه رأى الوجادة سببًا للاتصال، وقد انتُقد ذلك عليه» «جامع التحصيل» (ص: 275).
وقال ابن القيم في رده إعلال حديثٍ من روايته عن أبيه:
«والجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أن كتاب أبيه كان عنده محفوظًا مضبوطًا، فلا فرق في قيام الحجة بالحديث بين ما حَدَّثه به أو رآه في كتابه، بل الأخذ عن النسخة أحوط إذا تَيَقَّن الراوي أنها نسخة الشيخ بعينها.
وهذه طريقة الصحابة والسلف. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَبعث كتبه إلى الملوك، وتقوم عليهم بها الحجة، وكَتَب كتبه إلى عماله في بلاد الإسلام، فعملوا بها واحتجوا بها.
ودَفَع الصِّديق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة إلى أنس بن مالك، فحَمَله وعَمِلَتْ به الأمة. وكذلك كتابه إلى عمرو بن حزم في الصدقات، الذي كان عند آل عمرو. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولم يَزَلِ السلف والخَلَف يحتجون بكتاب بعضهم إلى بعض، ويقول المكتوب إليه: (كَتَب إليَّ فلان أن فلانًا أخبره
…
) ولو بَطَل الاحتجاج بالكتب لم يَبْقَ بأيدي الأمة إلا أيسر اليسير، فإن الاعتماد إنما هو على النُّسَخ لا على الحفظ، والحفظ خَوَّان (تعقيب: لو قال: (خائن) لكان أَوْلَى؛ لأن (خَوَّان) فيها مبالغة) والنسخة لا تخون.
ولا يُحفظ في زمن من الأزمان المتقدمة أن أحدًا من أهل العلم رد الاحتجاج بالكتاب، وقال:(لم يشافهني به الكاتب فلا أقبله) بل كلهم مُجمِعون على قَبول الكتاب والعمل به إذا صح عنده أنه كتابه
…
» «زاد المعاد» (5/ 242، 243).
وقال المُعَلِّمي اليماني:
«قال أبو داود: لم يَسمع من أبيه إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث الوتر. فقد سَمِع من أبيه في الجملة، فإن كان أبوه أَذِن له أن يَروي ما في كتابه ثَبَت الاتصال، وإلا فهي وجادة؛ فإن ثَبَت صحة ذاك الكتاب قَوِيَ الأمر.
ويدل على صحة الكتاب أن مالكًا كان يَعتدّ به. قال أحمد: "أَخَذ مالك كتاب مَخْرَمة، فكل شيء يقول: (بَلَغني عن سليمان بن يسار) فهو من كتاب مَخْرَمة عن أبيه عن سليمان".
وربما يَروي مالك عن الثقة عنده عن بُكَيْر بن الأشج. وقد قال أبو حاتم: "سألتُ إسماعيل بن أبي أويس، قلت: هذا الذي يقول مالك: (حدثني الثقة) مَنْ هو؟ قال: مَخْرَمة بن بكير». (التنكيل - ضمن آثار الشيخ المُعَلِّمي 11/ 205).
أفاده الباحثان: أحمد بن عبد الله، وأحمد بن بكري.
بينما كَتَب شيخنا مع ابنه عبد الرحمن: أحاديث مسلم من طريق مَخْرَمة عن أبيه منتقدة، ومن أشهرها في مسلم، وانتَقَد حديث تعيين ساعة الجمعة بأنها من طلوع الإمام إلى انقضاء الصلاة.
5 -
رواية أبي بكر أحمد بن محمد بن غالب، المعروف بـ (غلام خليل) لكتاب «شرح السُّنة» وهو يضع الحديث
(1)
. وثَم أمور أخرى.
(1)
جل هذه الفائدة من مطالعتي «شرح السُّنة» ط/ مكتبة دار المنهاج، ت/ عبد الرحمن بن أحمد الجميزي. وأطلعتُ شيخنا على هذه الفائدة بالمكتبة الكبرى، عام (1433 هـ).
كتاب بَدْء الوحي
السُّنة وحي
• قال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34].
وقال جل ذكره: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].
أَخْرَج أبو داود في «سُننه» (3646): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُغِيثٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ، يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟!
فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ:«اكْتُبْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ» .
• الخلاصة: إسناده صحيح، والوليد بن عبد اللَّهِ بن أبي مُغِيث وثقه ابن مَعِين وابن حِبان. وعُبيد الله بن الأخنس وثقه أحمد وأبو داود والنَّسَائي، ويحيى بن مَعِين في رواية
(1)
، وفي أخرى
(2)
: ليس به بأس
(3)
. وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال: يُخْطِئ كثيرًا. اهـ. وليس هذا من أخطائه، والآية تَشهد له {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3، 4].
وأما شيخنا، فأَقَر الباحثَ عادل بن عبد السلام الأنصاري
(4)
على تصحيح الخبر
(5)
.
(1)
وفي رواية الدارمي «التاريخ عن ابن مَعِين» (ص 139).
(2)
«سؤالات ابن الجُنيد» (ص 272).
(3)
وكلام ابن مَعِين في هذا الراوي قرينة لتفسير «ليس به بأس» عنده بمعنى الثقة.
ومما يؤيد ذلك سؤال ابن أبي خيثمة في «التاريخ» (1/ 227 (: قلتُ ليحيى بن مَعِين: إنك تقول: (فلان ليس به بأس) و (فلان ضعيف)؟ قال: إذا قلتُ لك: (ليس به بأس) فهو ثقة، وإذا قلتُ لك:(هو ضعيف) فليس هو بثقة، لا يُكْتَب حديثه.
ومثل ابن مَعِين البغدادي (ت/ 233) في (ليس به بأس) دُحَيْم عبد الرحمن بن إبراهيم البغدادي (ت/ 245). انظر: «المدخل إلى علم الجَرْح والتعديل» (ص/ 172 حتى 174) ط/ دار المودة، لأخينا الباحث أبي محمد حازم الشربيني حفظه الله.
(4)
وُلد بإمبابة بالجيزة، رَاجَع وقَدَّم له شيخنا:
1 -
«منهج السلف في علاج المس والسِّحر» ط/ شركة زاد للنشر.
2 -
«أحكام التبرك» تحت الطبع.
3 -
«المهدي المُنتظَر خليفة آخِر الزمان» تحت الطبع.
(5)
«الصحيحة» رقم (1532).
التمسك بالسُّنة
• قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
وقال جل ذكره: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112]
(1)
.
قال أبو داود في «سُننه» رقم (4607): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
(2)
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ، وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92] فَسَلَّمْنَا، وَقُلْنَا: أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ.
فَقَالَ الْعِرْبَاضُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ
(1)
قال ابن كَثير في «تفسيره» (1/ 385: (قوله: {مُحْسِنٌ} أي: متبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن للعمل المتقبل شرطين: أحدهما: أن يكون خالصًا لله وحده. والآخَر: أن يكون صوابًا موافقًا للشريعة. فمتى كان خالصًا ولم يكن صوابًا، لم يُتقبل.
(2)
في «المسند» (17419).
اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» .
تابع الإمامَ أحمد عليُّ بن المديني، أخرجه ابن حِبان (5). وتابع خالدًا ضَمْرةُ بن حبيب، أخرجه ابن ماجه رقم (17416) وغيره.
وتابع عبدَ الرحمن بن عمرو وحُجْر بن حُجْر يحيى بنُ المطاع، أخرجه ابن ماجه (42) والبزار (4201) وغيرهما.
وتابعهم مُهاصِر بن حبيب، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (623).
عَرَض ابن رجب طرقه في «جامع العلوم والحِكم» وضَعَّفه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» .
وصححه الترمذي، وابن حِبان، والحاكم، وأبو نُعيم، والبزار، وابن عبد البر، والهَرَوي، والمَقْدِسي، والجَوْرقَاني، وابن حجر، والشيخ مقبل، والشيخ الألباني، رحمهم الله.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ سيد بن الدكروني بن عبده، بتاريخ (3) ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (13/ 7/ 2021 م): بمجموع طرقه يصح.
ثم كَتَب مع الباحث إبراهيم بن محمد بن كامل الفيومي، بتاريخ الأحد (22) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (1/ 8/ 2021 م): يُصحَّح أو يُحسَّن.
ثم كَتَب مع الباحث أبي حفص، بتاريخ الخميس (25) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (2/ 9/ 2021 م): الحديث بالقدر المذكور يصح لشواهده [و] الألفاظ التي انفرد بها بعض الرواة لا تقوى كالجمل. اهـ.
وهي زيادة عند ابن ماجه في وصف المؤمن: «فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ» .
•قال وكيع في «الزهد» رقم (315): حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا؛ فَقَدْ كُفِيتُمْ، كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» .
وتابع وكيعًا: يعلى بنُ أمية، وزائدة، وعيسى بن يونس، ومُجالِد ومُحاضِر.
وأخرجه ابن بطة (408) عن قَبيصة. والخرائطي (408) عن ابن مهدي. كلاهما عن الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم بن يزيد.
وأخرجه ابن وضاح رقم (1) عن أسد عن أبي هلال، كلاهما عن ابن مسعود، به.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ محمد البسيوني، بتاريخ الخميس (2) صَفَر (1443 هـ) الموافق (9/ 9/ 2021 م): اختلفت المخارج وبالمجموع تُحسَّن.
هل جَمَع ورقة بن نوفل أكثر من لغة؟
• أخرج البخاري رقم (3): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْيِ - الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ
…
وفيه: «
…
فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى، ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ.
فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا بْنَ عَمِّ
(1)
، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ».
وخالف يحيى بنَ بُكَيْر في ذلك الجماعة:
1 -
عبد الله بن يوسف، فقال:«يَقرأ الإنجيل بالعربية» أخرجه البخاري، رقم (3392).
(1)
هذه الرواية هي الصواب ومتفق عليها.
أما لفظ: «أي: عم» فهي وهم؛ لأنه وإن كان صحيحًا لجواز إرادة التوقير، لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد، فلا يُحْمَل على أنها قالت ذلك مرتين، فتَعيَّن الحَمْل على الحقيقة.
وإنما جَوَّزْنا ذلك فيما مضى في العبراني والعربي؛ لأنه من كلام الراوي في وصف ورقة، واختلفت المخارج فأمكن التعداد، وهذا الحكم يطرد في جميع ما أشبهه. انظر:«فتح الباري» (1/ 25).
2 -
وتَابَعه على العربية حَجاج بن محمد المِصِّيصي، أخرجه أحمد (25865).
3 -
وتابعهما متابعة قاصرة عن الزُّهْري - يونس بن يزيد، أخرجه البخاري (4953)، ومسلم (322).
4 -
وتابعهما مَعْمَر، أخرجه البخاري (6982).
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ كريم بن محمد بن محمد الإسمعلاوي، القنطرة شرق: على ما أورده فإن العربية هي الأصح. والله أعلم.
لكن سَلَك ابن حجر مسلك الجمع في «فتح الباري» (1/ 25):
قَوْلُهُ: «فَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ» وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَمَعْمَرٍ: «وَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ» وَلِمُسْلِمٍ: «فَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ» وَالْجَمِيعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ وَرَقَةَ تَعَلَّمَ اللِّسَانَ الْعِبْرَانِيَّ وَالْكِتَابَةَ الْعِبْرَانِيَّةَ فَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ كَمَا كَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْكِتَابَيْنِ وَاللِّسَانَيْنِ.
كتاب العلم
فَضْل العلم
• قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] وثَم نصوص كثيرة في الباب.
• قال ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (268): حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي الْقُلْزُمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى الْقُلْزُمِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خُنَيْسٍ الْكَلَاعِيُّ بِدِمْيَاطَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ الْقُرَشِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ زَيْدٍ الْعَمِّيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ؛ فَإِنَّ تَعْلِيمَهُ لِلَّهِ خَشْيَةً، وَطَلَبَهُ عِبَادَةً، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمَنَارُ سُبَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ الْأُنْسُ فِي الْوَحْشَةِ، وَالصَّاحِبُ فِي الْغُرْبَةِ، وَالْمُحَدِّثُ فِي الْخَلْوَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالسِّلَاحُ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَالزَّيْنُ عِنْدَ الْأَخِلَّاءِ.
يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً وَأَئِمَّةً، يُقْتَصُّ آثَارُهُمْ وَيُقْتَدَى بِأَفْعَالِهِمْ، وَيُنْتَهَى إِلَى رَأْيِهِمْ، تَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خُلَّتِهِمْ وَبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهُمْ، يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَحِيتَانُ الْبَحْرِ وَهَوَامُّهُ وَسِبَاعُ الْبَرِّ وَأَنْعَامُهُ؛ لِأَنَّ
الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ مِنَ الْجَهْلِ، وَمَصَابِيحُ الْأَبْصَارِ مِنَ الظُّلَمِ.
يَبْلُغُ الْعَبْدُ بِالْعِلْمِ مَنَازِلَ الْأَخْيَارِ وَالَدَّرَجَاتِ الْعُلَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ يَعْدِلُ الصِّيَامَ، وَمُدَارَسَتُهُ تَعْدِلُ الْقِيَامَ، بِهِ تُوصَلُ الْأَرْحَامُ، وَبِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ مِنَ الْحَرَامِ، وَهُوَ إِمَامٌ وَالْعَمَلُ تَابِعُهُ، يُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ وَيُحْرَمُهُ الْأَشْقِيَاءُ».
وعبد الرحيم بن زيد أبو زيد البصري، عن أبيه، تركوه، قاله البخاري.
ورواه أبو عِصْمَة نوح بن أبي مريم موقوفًا، ونوح كذاب متهم بالوضع.
وقال ابن عبد البر: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ جِدًّا، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ قَوِيٌّ.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ م. طارق محجوب القليوبي، إلى ضعفه.
• تنبيه: هذا الأثر وإن كان ضعيفًا إلا أن معناه طيب، وفي الباب ما سبق:«مَنْ سَلَك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سَهَّل له به طريقًا إلى الجنة» و «العلماء ورثة الأنبياء» .
وفيما يُنسب لعلي رضي الله عنه، وهو يُفاخِر الأغنياء الجهال:
رَضِينا قسمة الجبار فينا لنا عِلم وللجهال
(1)
مالُ
فإن المال يَفنى عن قريب وإن العلم ليس له زوالُ
(1)
في كثير من المصادر البيت غير منسوب لعلي رضي الله عنه، وبدل (للجهال):(للأعداء).
فَضْل العلماء وطلبة العلم
• قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
• قال الترمذي في «سُننه» رقم (2322): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُؤَدِّبُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ قُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ضَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ»
(1)
.
• الخلاصة: عِلته عبد الرحمن بن ثابت، وقد اختُلف عليه
(2)
ومتنه يخالفه حديث: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي
(1)
قال الترمذي في «سُننه» : «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ» . وصححه العَلَّامة الألباني في «الصحيحة» (2797).
(2)
انظر: «علل الدارقطني» (2117).
وقال البزار في «مسنده» (5/ 145) عقب رواية ابن مسعود رضي الله عنه: هذا الحديث قد رواه غير واحد عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان بغير هذا الإسناد، ولا نَعْلَم أحدًا تَابَع المغيرة بن المُطَرِّف على هذه الرواية.
النِّسَاءِ»
(1)
.
وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»
(2)
.
وله شاهد من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه
(3)
لكنه مُعَل بالوقف.
(1)
أخرجه مسلم (2742).
(2)
أخرجه مسلم (1467).
وانظر «جامع العُلوم والحِكم» (2/ 885) لابن رجب الحنبلي، وفيه: وقد ظَن طوائف من الفقهاء والصوفية أن ما يوجد في الدنيا من هذه العبادات أفضل مما يوجد في الجنة من النعيم! قالوا: لأن نعيم الجنة حق العبد، والعبادات في الدنيا حق الرب، وحق الرب أفضل من حظ العبد، وهذا غلط
…
إلخ.
(3)
أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» رقم (612).
وفي سنده خِدَاش بن المُهاجِر، قال فيه أبو حاتم: شيخ مجهول، أرى حديثه مستقيماً.
وخالفه اثنان فأوقفاه وهو الصواب:
1 -
أخرجه أحمد في «الزهد» رقم (732) من طريق ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، يُحَدِّثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رحمه الله قَالَ: الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا أَدَّى إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَالْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ. وإسناده منقطع؛ لأن خالدًا لم يَسمع من أبي الدرداء.
2 -
أخرجه أبو داود (222) من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْن وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: الدُّنْيَا مَلْعُونَةُ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، أَوْ آوَى إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وإسناده حسن لحال معاوية بن صالح.
فضائل مجالس العلم
• وقال جل ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]
(1)
.
• قال الترمذي في «سُننه» رقم (3509): حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، أَنَّ حُمَيْدًا المَكِّيَّ مَوْلَى ابْنِ عَلْقَمَةَ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ؟ قَالَ:«المَسَاجِدُ» قُلْتُ: وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ» .
هذا حديث غريب. وسُئل البخاري عنه كما في «العلل الكبير» (584) من حديث أنس رضي الله عنه، فلم يَعرفه. وقال: لمحمد بن ثابت البُناني عجائب.
وقال الدارقطني عقبه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، كما في «غرائب مالك» (ص: 8): هذا باطل موضوع، وأبو ذر هذا كان ضعيفاً.
(1)
(يَرفع) فعل مضارع مجزوم في جواب الشرط المُقدَّر، وتقديره: فإن تفعلوا يَرفع الله. أو هو جواب الطلب، وعلامة جزمه السكون، وحُرِّك السكون للكسر لالتقاء الساكنين.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث خالد بن صالح بن عبد الحميد
(1)
إلى أن كل طرقه ضعيفة
(2)
. بتاريخ (13) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (25/ 3/ 2021 م).
(1)
وُلد بقرية (تِزْمَنْت الغربية، التابعة لمركز بني سويف) ويَعمل في أحاديث متفرقة.
(2)
هذا من الأخبار التي اختَلف فيها قول العَلَّامة الألباني فقد ضَعَّفه في «الضعيفة» (1150) ثم صححه في «الصحيحة» (2562).
الرحلة في طلب العلم والوصية بطلابه
• أخرج الرَّامَهُرْمُزِيّ في «المُحَدِّث الفاصل» رقم (21): حَدَّثَنَا الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا ابْنُ إِشْكَابٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ
(1)
، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:«مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوصِينَا بِكُمْ» .
وأورد الباحث ثلاثة طرق عن سعيد بن سليمان، به.
وظاهر السند الصحة لكنه مُعَل.
وثَم متابعة قاصرة فيها مبهم، وهو أبو عبد الله.
وأخرجه أبو نُعَيْم في «الحِلْيَة» (14179) من طريق الثوري، عن أبي هريرة، عن أبي سعيد. وهو منقطع.
وأيضًا: رواه شَهْر بن حَوْشَب، عن أبي سعيد. والسند إلى شَهْر أضعف منه.
• وفي «العلل» للخَلَّال (ص: 131): وذُكِر ليحيى بن مَعين حديث أبي هارون هذا، فقال: قد رواه ليث بن أبي سُلَيْم، عن شهر بن حوشب، عن أبي
(1)
وفي رواية سفيان: عَنْ أَبِي هَارُونَ العَبْدِيِّ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أَبَا سَعِيدٍ فَيَقُولُ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ، وَإِنَّ رِجَالًا يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ، يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ، فَإِذَا أَتَوْكُمْ، فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا» كما عند الترمذي (2650).
سعيد، مثله. فقيل ليحيى: هذا أيضًا ضعيف مثل أبي هارون؟ قال: لا، هذا أقوى من ذلك وأحسن. ا هـ.
• وروى الخبر أصحاب الكتب العالية، كالطيالسي (2305) والترمذي (2651) وابن ماجه (249) وغيرهم، من طرق عن أبي هارون العبدي - وهو متروك - عن أبي سعيد، به. وقال الترمذي: لا نَعرفه إلا من حديث أبي هارون.
• وسُئِل الإمام أحمد عن الطريق الذي ظاهره الصحة، فقال: ما خَلَق الله من ذا شيئًا، هذا حديث أبي هارون عن أبي سعيد. كما في «العلل» للخَلَّال (ص: 132).
• تنبيه: هل الخَلَل فيه من الجُرَيْري؟ وهل رواية عَبَّاد عنه بعد الاختلاط أو قبله؟
(1)
.
• وحَسَّنه العَلَّامة الألباني كما في تعليقه على «سُنن الترمذي» ، وضَعَّفه في «سُنن ابن ماجه» .
• والخلاصة: أن أسلم طريق للخبر هو طريق الرَّامَهُرْمُزِيّ، وظاهره الصحة، لكن الحديثَ حديثُ
(2)
أبي هارون العبدي، وهو متروك.
• وقال شيخنا العدوي بتاريخ (9) من ربيع الآخِر عام (1441 هـ) الموافق (5/ 12/ 2019 م) للباحث عبد الله بن إسماعيل الهلاوي: لو كانت هذه الأسانيد غير نازلة، لقلنا بصحته.
(1)
أفاده الباحث أحمد بن عبد الله.
(2)
بالرفع خبر (لكنّ).
الرحلة في المسألة النازلة
• أخرج البخاري (88): عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ، أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لِأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ
(1)
فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي، وَلَا أَخْبَرْتِنِي! فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟» فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ، وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ.
• قال ابن بَطَّال في «شرح صحيح البخارى» (6/ 195): قد قام دليل التحريم بقول المرأة أنها أرضعتهما، لكنه لم يكن قاطعًا ولا قويًّا؛ لإجماع العلماء أن شهادة امرأة واحدة لا تجوز في مثل ذلك، لكن أشار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأحوط.
الباحث هاني الدميري. بتاريخ (12) رجب (1441 هـ) الموافق (7/ 3/ 2020 م).
(1)
بفتح المهملة وزاءين منقوطتين. كما في «الإصابة» (12/ 38) لابن حجر.
العِلم بالتعلم
• قال وكيع في «الزهد» رقم (518): حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَمْرِو بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «إِنَّ أَحَدًا لَا يُولَدُ عَالِمًا، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» .
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ عبد الله بن السيد، بتاريخ (26) ذي القعدة (1442 هـ) الموافق (7/ 7/ 2021 م): إسناده صحيح.
طلب العلم لا يُنال براحة الجسد
• قال جل ذكره: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
• قال الإمام مسلم في جمعه طرق أحاديث المواقيت، رقم (612): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: «لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ» .
• حَكَى القاضي عِيَاض - رحمه الله تعالى - عن بعض الأئمة قال: سَبَبُه أن مسلمًا - رحمه الله تعالى - أعجبه حُسْن سياق هذه الطرق التي ذَكَرها لحديث عبد الله بن عمرو، وكثرةُ فوائدها وتلخيصُ مقاصدها، وما اشتملت عليه من الفوائد في الأحكام وغيرها، ولا نَعْلم أحدًا شاركه فيها، فلما رأى ذلك أراد أن ينبه مَنْ رَغِب في تحصيل الرتبة التي يَنال بها معرفة مثل هذا فقال: طريقه أن يُكثِر اشتغاله وإتعابه جسمه في الاعتناء بتحصيل العلم.
• ثم ذَكَر شيخنا بتاريخ (6) من شَوَّال (1442 هـ) الموافق (18/ 5/ 2021 م) في مُدارَسته «صحيح مسلم» بعد جلسة الشروق: تَبَيَّن أن قوله: «وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ» شاذ، تَفَرَّد به هَمَّام عن أصحاب قتادة.
أخرجها الإمام مسلم رقم (612): حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا
لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ».
تَعاهُد العلم والقرآن
• تعددت سُبُل المحافظة على العلم والقرآن، وذلك بالمعاهدة عليه وبالقيام به وبتدبره ونشره وتأليفه.
ومن أدلة ذلك ما أخرجه الإمام مسلم رقم (789): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ» .
وحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُو الْقَطَّانُ -، ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ
(1)
، ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
(1)
وهل لفظها يؤيد زيادة موسى بن عقبة؟ وهاك اللفظ: «مَثَلُ الْقُرْآنِ إِذَا عَاهَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ - كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ، فَإِنْ عَقَلَهَا حَفِظَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ عُقُلَهَا ذَهَبَتْ، فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ» .
أخرجه أحمد (4923). ورواية مَعْمَر عن البصريين متكلم فيها. وأيوب بن أبي تميمة بصري. وقال ابن حجر في مَعْمَر: ثقة ثبت فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئًا، وكذا فيما حَدَّث به بالبصرة.
ورواه مَعْمَر عن الزُّهْري عن سالم عن ابن عمر، أخرجه أبو عَوَانة (3818) وغيره.
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيِّبِيُّ
(1)
، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ -، جَمِيعًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ
(2)
، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ:«وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ، فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ» .
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ السيد البدوي، بتاريخ الأحد (22) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (1/ 8/ 2021 م) إلى أن موسى بن عقبة زادها، وخالف الأثبات أصحاب نافع، وفي روايته عن نافع كلام
(3)
ونَصَّ الإمام مسلم على أنه زادها. ا هـ.
• قلتُ (أبو أويس): لا يَخفى على أهل القرآن أن معنى هذه الزيادة صحيح، وغالب الحَفَظة يَلمس معنى صحتها في شهر القرآن.
(1)
وخالف محمدَ بنَ إسحاق يونسُ بن عبد الأعلى، فلم يَذكر الزيادة. أخرجه أبو عَوَانة رقم (3819).
(2)
وتابعهم الزُّهْري، أخرجه أبو نُعيم في «الحِلية» والطبراني في «الأوسط» (1874) وفي سنده أحمد بن طاهر بن حرملة، كذاب.
وتابعهم أسامة بن زيد، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (304) وفي سنده عبد الأعلى بن عبد الواحد، مجهول.
(3)
قال ابن مَعِين: كانوا يقولون في روايته عن نافع: فيها شيء.
وقال مرة: ليس موسى بن عقبة في نافع مثل مالك وعُبيد الله.
وقال مالك أَثْبَتُ في نافع من أيوب وليث وغيرهما.
وأما ابن المديني فقَدَّم أيوب على مالك في نافع.
الترهيب من ترك العمل بالعلم
• قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
وقال جل ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2].
وورد حديث أنس رضي الله عنه، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (12211): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ. قَالَ: قُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، مِمَّنْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ، أَفَلَا يَعْقِلُونَ» .
تابع وكيعًا جَمْع، كعفان وابن المبارك ويونس.
وتابع حماد بن سلمة ابن فَضَالة، أخرجه الطيالسي (2172) ومحمد بن عبد الله، كما في «مسند الحارث» (769).
ورواية حماد بن سلمة قوية في علي بن زيد على ضعفة، وتابع عليَّ بن زيد جماعة: سليمان التيمي، كما عند أبي يعلى (4069) وأبي نُعيم، والطبراني في «الأوسط» (411) وخالد بن سلمة، أخرجه البيهقي (4614) وخالد لم يَسمع من أنس. والسند إلى قتادة ضعيف.
ورواه المغيرة بن حبيب عن مالك بن دينار عن ثُمَامة عن أنس، أخرجه ابن حِبان (53) وأبو يعلى (4160) وتارة بإسقاط ثُمَامة، أخرجه أبو نعيم. والمغيرة بن حبيب متكلم فيه.
وقال الدارقطني في «العلل» : والصحيح عن مالك بن دينار عن ثُمَامة عن أنس.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ محمد بن راضي، بتاريخ (13) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (19/ 10/ 2021 م): الظاهر أن الحديث يُحسَّن بطريقيه. اهـ.
• تنبيه: أَخْرَج مسلم قصة المعراج من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت وسليمان التيمي، عن أنس، دون هذا المتن.
لكن لما ذَكَرْتُ لشيخنا رواية الصحيح، اختار عدم الإعلال بها لكونها قصة مطولة.
مُجدِّد كل قرن
• قال أبو داود في «سُننه» رقم (4291): حَدَّثنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، أَخبَرنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ يَزِيدَ الْمُعَافِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِيمَا أَعْلَمُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» .
تابع سليمانَ بن داود جماعةٌ: أحمد ابن أخي عبد الله بن وهب، وعمرو بن سواد، وحرملة بن يحيى، والربيع بن سليمان المرادي.
• وقَالَ أَبُو دَاوُدَ عقبه: رَوَاهُ عَبدُ الرَّحمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، لَمْ يَجُزْ بِهِ شَرَاحِيلَ. ووافقه المنذري فقال: عبد الرحمن بن شُرَيْح ثقة، من رجال «الصحيحين» وقد عضَل الحديثَ.
وقال الطبراني: لا يُروَى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، تَفرَّد به ابن وهب.
قال ابن عَدِيّ في «الكامل» (1/ 287): هذا الحديث لا أعلم يرويه غير ابن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، ولا عن ابن وهب غير هؤلاء الثلاثة؛ لأن هذا الحديث في كتاب الرجال لابن وهب، ولا يرويه عن ابن وهب إلا هؤلاء.
وتَعقَّبه ابن حجر في قوله: «غير هؤلاء الثلاثة» فزاد ثلاثة آخرين.
وصَحَّح الخبرَ: الحاكم، وابن حجر، والسيوطي
(1)
والسخاوي
(2)
وابن كَثير، والمُنَاوي، والعراقي، والألباني، والأرناؤوط.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع ابنه يحيى، بتاريخ (26) شَوَّال (1442 هـ) (7/ 6/ 2021 م): مُعَلّ بعدد من العلل:
1 -
القطع (مقطوعًا).
2 -
الشك (فيما أعلم).
3 -
عدم توثيقِ مُعتبَر لشراحيل. ا هـ.
• تنبيه: لشراحيل حديثان آخران:
أحدهما: أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» رقم (647): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيُّ
(3)
قَالَ: حَدَّثَنِي شَرَاحِيلُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَدِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا»
(4)
.
(1)
ممن عَدَّ نفسه من المجددين: السيوطي رحمه الله، وكان ذلك سببًا للكلام فيه. وفي الحكمة:(مَنْ رَضِي عن نفسه كَثُر الساخط عليه). انظر: «مَجْمَع الأمثال» (2/ 453) للميداني.
(2)
انظر: «المقاصد الحسنة» (ص: 203).
(3)
بفتح الميم والعين. كما في «الأنساب» (3846) للسمعاني.
(4)
المقصود بكلمة (قُرَّاؤُهَا): فقهاؤها. ومما يؤيد ذلك حديث: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ» .
بينما قال الطِّيبي في «الكاشف عن حقائق السُّنن» (2/ 718): هم الذين يَحفظون القرآن نفياً للتهمة عن أنفسهم ويعتقدون تضييعه، وكان المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة.
والثاني: أخرجه مسلم في «مقدمته» رقم (7): حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ شَرَاحِيلَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ» .
لا تَزال طائفة من أمتي على الحق
• قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» رقم (38): حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الرَّبِيعِ الْعَدَوِيِّ قَالَ: لَقِينَا عُمَرَ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَنَا بِكَذَا وَكَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ. قَالَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَخَطَبَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عز وجل» .
وتابع أبا داود الطيالسي أبو الوليد الطيالسي، كما عند الحاكم (7389). وتابعهما عمرو بن مرزوق في الأرجح عنه، كما في «التاريخ الكبير» (4/ 12) للبخاري، وقال: ولا يُعْرَف سماع قتادة من ابن بُريدة، ولا ابن بُريدة من سليمان.
وسليمان بن الربيع ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» .
وخالف همامًا هشام الدَّستُوائي
(1)
فقال: عن قتادة، عن أبي الأسود الدؤلي، عن عمر، به. أخرجه إسحاق وأبو يعلى كما في «المطالب العالية» (4352) والطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 814) مسند عمر رضي الله عنه.
(1)
وخالف هشامًا ثلاثة:
1 -
سعيد بن أبي عَروبة البصري، كما في «تهذيب الآثار» (1145).
2 -
نافع بن عامر.
3 -
سعيد بن بشير الشامي. كلاهما في «تهذيب الآثار» (1146) فقالوا: عن قتادة عن عبد الله بن أبي الأسود عن عمر، به.
لكن الراوي عن هؤلاء الثلاثة إسماعيل بن عياش، وروايته عن سعيد بن أبي عَروبة البصري مُعَلة؛ لضَعْفه في غير أهل بلده، ونافع لم يقف له الباحث على ترجمة، ورواية إسماعيل عن سعيد بن بشير قوية؛ لأنه من أهل بلده، لكن رواية سعيد عن قتادة فيها ضعف، فضلًا عن ضعفه.
وقال ابن مَعِين: لم يَسمع قتادة من أبي الأسود. وقال العلائي: في سماع أبي الأسود من عمر تردد.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ جابر درباله، بتاريخ (29) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (8/ 8/ 2021 م): ضعيف الإسناد وله شواهد. وانظر حديث ثوبان
(1)
. ا هـ.
(1)
أخرجه مسلم رقم (1920): حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ -، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ: (وَهُمْ كَذَلِكَ).
وتابع أيوبَ قتادةُ، فرواه مطولًا، أخرجه مسلم رقم (2889) وهو في المتابعات التي في المكررات التي عند مسلم، ولها علة وهي عدم سماع قتادة من أبي قِلَابة، نَصَّ عليه أبو بكر بن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» عقب رقم (458) فقال: وقتادة لم يسمعه من أبي قِلَابة.
لكن له طريق آخر عند مسلم، هو حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قِلَابة.
تقييد الطائفة المنصورة ببيت المقدس
• قال عبد الله بن أحمد في «المسند» رقم (22320): وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ: حَدَّثَنِي مَهْدِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنِ السَّيْبَانِيِّ - وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو - عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ، ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ:«بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» .
وتابع مهديَّ بن جعفر أحمدُ بن الفرج، أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 823) والطبراني في «المعجم الكبير» (8/ 145) وليس فيه (وأكناف بيت المقدس).
وخالف ضمرةَ بن ربيعة عَبَّادُ بن عَبَّاد أبو عُتبة، فأَبْدَل عمرو بن عبد الله الحضرمي بأبي وَعْلة الوَعْلاني، وجَعَله من مسند مُرَّة البَهْزي، أخرجه الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 298) والطبراني في «المعجم الكبير» (20/ 317) بلفظ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ:«بِأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَنَّ «الرَّمْلَةَ هِيَ الرَّبْوةُ، ذَلِكَ أَنَّهَا مُغَرِّبَةٌ وَمُشَرِّقَةٌ» .
وعَبَّاد وثقه ابن مَعِين ويعقوب والعِجلي. وقال أبو حاتم بن حِبان: كان ممن غَلَب عليه التقشف والعبادة، حتى غَفَل عن الحفظ و الضبط، فكان يأتي بالشيء على حَسَب التوهم، حتى كثرت المناكير في روايته، فاستحق الترك.
• والخلاصة: أن طريق ضَمْرة بن ربيعة هو الأرجح والأشهر والأثبت. وشيخ شيخه عمرو بن عبد الله ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» ووثقه العِجلي. وقال الذهبي: تابعي لا يُعْرَف، ما عَلِمْتُ روى عنه سوى يحيى بن أبي عمرو السَّيباني. وقال ابن حجر: مقبول. أي: حيث يُتابَع.
وأبو وعلة لم يقف الباحث على مُوثِّق له، ولا يُعْرَف إلا في هذا الخبر.
• وقال العَلَّامة الألباني في «السلسلة الضعيفة» (13/ 876): وجملة القول أن علة هذا السياق هو أبو وَعْلة هذا؛ لأنه لا يُعْرَف إلا في هذه الرواية، فهو مجهول.
على أن عَبَّاد بن عَبَّاد الرملي فيه ضعف مِنْ قِبل حفظه، فمن المحتمل أن
يكون أخطأ في إسناده ومتنه. والله أعلم.
وانتهى شيخنا مع الباحث/ محمد بن منصور، بتاريخ الثلاثاء (20) شَوَّال (1442 هـ) الموافق (1/ 6/ 2021 م) إلى ضعف زيادة «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ:«بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» لأن شيخَي يحيى بن أبي عمرو مجهولان.
• تنبيه: صَدْر الحديث في «الصحيح» وختامه منكر، وهل يؤيدها قول معاذ عند البخاري (3641) عن مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» .
قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ.
وأخرج مسلم رقم (1925): عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ
(1)
ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
• قال ابن تيمية في «الفتاوى الكبرى» (3/ 544):
والنبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا الكلام بمدينته النبوية، فغَرْبه ما يغرب عنها وشَرْقه ما يشرق عنها، فإن التشريق والتغريب من الأمور النسبية؛ إذ كل بلد له شرق وغرب؛ ولهذا إذا قَدِم الرجل إلى الإسكندرية من الغرب، يقولون:(سافر إلى الشرق) وكان أهل المدينة يُسَمُّون أهل الشام: (أهل الغرب) ويُسَمُّون أهل نجد والعراق: (أهل الشرق) كما في حديث ابن عمر قال: قَدِم رجلان من أهل المشرق فخطبا. وفي رواية: من أهل نجد.
ولهذا قال أحمد بن حنبل
(2)
: أهل الغرب هم أهل الشام، يعني هم أهل الغرب، كما أن نجدًا والعراق أول الشرق، وكل ما يشرق عنها فهو من الشرق، وكل ما يغرب عن الشام من مصر وغيرها، فهو داخل في الغرب
…
إلخ.
وانظر: «السلسلة الضعيفة» رقم (6390) لأهمية ما فيها.
(1)
والمقصود بالغرب ليس غرب الكون كله: لكن بقعة الشام.
(2)
انظر: «مسائل أحمد - رواية ابن هانئ» (ص 454) رقم (2041).
رَفْع العلم من علامات الساعة
• أخرج البخاري رقم (6037): حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ
(1)
، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ» قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: «القَتْلُ القَتْلُ» .
وتابع شُعيبَ بن أبي حمزة يونسُ بن يزيد، أخرجه مسلم (157) وتابعهما إسحاق بن يحيى والليث بن سعد، كما عند الطبراني في «الأوسط» (8682). وخالفهم مَعْمَر واختُلف عليه: فالجماعة عنه عن الزُّهْري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه موصولًا. وخالفهم عبد الرزاق في «مصنفه» (21675) فقال عن سعيد مرسلًا. ورواية الجماعة أصح.
• والخلاصة: الوصل أصح من الإرسال وهو المحفوظ، كما قاله الدارقطني في «علله» وانتهى شيخنا إلى هذا مع الباحث/ محمد بن صلاح. بتاريخ (9) صَفَر (1443 هـ) الموافق (16/ 9/ 2021 م).
(1)
وأخرجه مسلم رقم (157): حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا أبو اليمان، به.
كراهة مطالعة كتب أهل الكتاب
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (15156): حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَغَضِبَ وَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ
(1)
فِيهَا يَا بْنَ الْخَطَّابِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي». وتابع هُشيمًا حماد بن زيد وابن نُمَيْر وسعيد بن زيد.
• وتابع مجالدًا جابر الجُعْفي، كما عند عبد الرزاق في «المُصنَّف» (10903)، وأحمد (15903).
ومجالد وجابر ضعيفان، لكن لهما مُتابِع قوي، وإن كان منقطعًا.
أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (10902): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِرَجُلٍ يَقْرَأُ كِتَابًا سَمِعَهُ سَاعَةً، فَاسْتَحْسَنَهُ فَقَالَ لِلرَّجُلِ: أَتَكْتُبُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَاشْتَرَى أَدِيمًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَيْهِ، فَنَسَخَهُ فِي بَطْنِهِ وَظَهْرِهِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَلَوَّنُ.
(1)
أي: (أمُتحيِّرون) وزنًا ومعنى.
فَضَرَبَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِيَدِهِ الْكِتَابَ، وَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ، أَلَا تَرَى إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ الْيَوْمِ، وَأَنْتَ تَقْرَأُ هَذَا الْكِتَابَ؟!
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ فَاتِحًا وَخَاتَمًا، وَأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَفَوَاتِحَهُ، وَاخْتُصِرَ لِي الْحَدِيثُ اخْتِصَارًا، فَلَا يُهْلِكَنَّكُمُ المُتَهَوِّكُونَ» .
وتابع حماد مَعْمَرًا عند أبي داود في «مراسيله» (455).
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث عمر بن ثابت بن عمر أبي سِخْل
(1)
إلى ضعف لفظ: «أمُتهوِّكون» وقال: إن {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} على أحد الوجوه: أهل الكتاب. والإتيان بالتوراة كان في موقف خاص، ليس تقعيدًا لمطالعة أسفار أهل الكتاب.
• قلت: الطرق السابقة أسانيدها ضعيفة، لكن هل تَرْقَى؟ أرى ذلك بخاصة دون لفظ:«أمتهوكون» وكذلك الباحث. وثَم نصوص تفيد سؤال أهل الكتاب، ورواية الصحابة عن أهل الكتاب، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإتيان بالتوراة في أمر الرجم.
قلت بالكراهة لغضبه صلى الله عليه وسلم، ولما فيها من التحريف والانشغال بها عن الوحيين (يُعَلِّمان مطلق اللغة والذائقة البلاغية، وهذه الكتب تَسْلب ما تَعَلَّم من اللغة والذائقة الأدبية) في حق طلبة العلم وعموم الناس.
أما العلماء الذين يدافعون ويذبون عن الدين، وفي مأمن من الشبهات، فلهم ذلك لأنه أَلْزَم للحجة وأَقْطَع للخَصم.
(1)
وُلد بقرية بني رافع بمحافظة أسيوط، قام بتحقيق كتاب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» للحافظ عبد الغني المقدسي.
منتهى الأعذار ثلاث
• قال موسى عليه السلام للخضر: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76]
وقال تعالى في باب الأنكحة وإنهاء المعاشرات الزوجية: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].
والاستئذان ثلاث فعن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ س، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ، إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ القَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ القَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ، فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (6245) ومسلم (2153).
هناك رواية مرجوحة أن الذي قام هو أبي بن كعب رضي الله عنه وفيها أيضًا: «فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم» أخرجها مسلم رقم (2154) وغيره من طرق عن طلحة بن يحيى، وتابعه حميد بن هلال العدوي وغيره عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري - عامر - قال الدارقطني في «علله»: وطلحة بن يحيى من الثقات ممن روى عن أبي بردة، وحديث أبي سعيد هو المحفوظ. ا هـ أفاده الباحث محمد بن حسن.
هذه الفائدة من مجلس البخاري بتاريخ ليلة الاثنين بتاريخ 16/ جمادى الأولى 1443 هـ موافق 19/ 12/ 2021 م.
كفارة المجلس
• قال النَّسَائي في «السُّنن الكبرى» (9/ 123) رقم (10067): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أخْبَرَنَا خَلَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسًا قَطُّ، وَلَا تَلَا قُرْآنًا، وَلَا صَلَّى صَلَاةً إِلَّا خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ.
قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ مَا تَجْلِسُ مَجْلِسًا، وَلَا تَتْلُو قُرْآنًا، وَلَا تُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا خَتَمْتَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ:«نَعَمْ، مَنْ قَالَ خَيْرًا خُتِمَ لَهُ طَابَعٌ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرًّا كُنَّ لَهُ كَفَّارَةً: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» .
وتابع ابنَ أبي مريم منصورُ بن سلمة، أخرجه أحمد (24486) وفيه:«كَانَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا أَوْ صَلَّى، تَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ» .
وتابعهما عبد الله بن أبي الحكم ويحيى بن بُكَيْر، كما في «الدعاء» (1912) للطبراني.
• ورواه الجماعة - شُعيب بن الليث، وعبد الله بن صالح، ويحيى بن بُكَيْر، وعبد الله بن عبد الحكم - عن الليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن زُرَارة بن أوفى، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا كَانَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنَ الْمَجْلِسِ إِلَّا قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبِّي وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» .
فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَكْثَرَ مَا تَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، إِذَا قُمْتَ فَقَالَ:«إِنَّهُ لَا يَقُولُهُنَّ أَحَدٌ حِينَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ» .
خالفهم قُتيبة بن سعيد، فأسقط ابن الهاد وأَبْدَل زُرَارة بـ (محمد بن عبد الرحمن بن زُرَارة) عن شيخ من أهل الشام عن عائشة. أخرجه النَّسَائي (10339).
ورواية الجماعة أرجح عن الليث، لكن تابعه متابعة تامة عمرو بن الحارث، كما في «العلل» لابن أبي حاتم (6/ 334) ويرويه الناس عن محمد بن عبد الرحمن بن زُرَارة، عن رجل من أهل الشام، عن عائشة.
• الخلاصة: يَرى شيخنا مع الباحث أحمد الجندي أن هذا المتن منكر.
وأشار الباحث محمود بن أبي زيد إلى علة أراها مسددة، وهي ما أخرجه البخاري (4967) ومسلم (484): عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إِلَّا يَقُولُ فِيهَا: «سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» .
وقال مع الباحث/ سعيد القاضي، بتاريخ (21) من ذي القعدة (1442 هـ) الموافق (1/ 7/ 2021 م): كل أحاديث كفارة المجلس أسانيدها استقلالًا ضعيفة، لكن القدر المشترك منها وهو «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أَنْ لا إله إلا أنت
…
» يصح بالمجموع.
كتاب الطهارة
كراهة ابن عمر وابن عمرو التطهر بماء البحر
• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ: التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ
(1)
.
وتابعه على هذا الرأي بل أشد - عبدُ الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: مَاءُ الْبَحْرِ لَا يُجْزِئُ مِنْ وُضُوءٍ وَلَا جَنَابَةٍ، إِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، ثُمَّ مَاءً، ثُمَّ نَارًا
(2)
.
وفي وجهٍ ضعيف من قول أبي هريرة رضي الله عنه
(3)
.
• بيان: لعله لم يبلغهما رواية أبي هريرة في جواز التطهر بماء البحر، فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ
(1)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» (1403): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، به. ورجاله ثقات، وعنعنة قتادة مغتفرة برواية شُعبة عنه.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» (1404): حدثنا أبو داود الطيالسي، عن هشام، عن قتادة، عن أبي أيوب - هو يحيى بن مالك المراغي - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه به. ورجاله ثقات.
فائدة: مدار الأثرين على قتادة رحمه الله، وهو إمام واسع الرواية يَتحمل مثل هذا.
(3)
إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» (1405): حدثنا ابن عُلية، عن هشام الدَّستُوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، به.
وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»
(1)
.
(1)
صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (46) ومن طريقه أحمد (2/ 237)، وأبو داود (83)، والترمذي (69)، والنَّسَائي (4350)، وابن ماجه (386)، والشافعي في «المسند» (1) وغيرهم، عن صفوان بن سُليم، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بُردة، سَمِع أبا هريرة، به مرفوعاً.
والحاكم في «المستدرك» (1/ 237) من طريقي عبد الرحمن بن إسحاق وإسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن صفوان، به.
وأخرجه أحمد (2/ 392) من طريق أبي أويس، لكن قال:(أبا بُردة بن عبد الله) بدل (المغيرة بن أبي بُردة).
ذَكَر الدارقطني في «العلل» (9/ 12) خلافاً كثيرًا في هذا الحديث، وقال: وأشبهها بالصواب قول مالك ومَن تابعه، عن صفوان بن سُليم. اهـ.
وصفوان بن سُليم ثقة، وسعيد بن سلمة وشيخه وثقهما النَّسَائي، وذَكَرهما ابن حِبان في «الثقات» .
وقال الإمام الشافعي في «الأم» (1/ 16): ظاهر القرآن يدل على أن كل ماء طاهر، ماء بحر وغيره، وقد رُوي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يوافق ظاهر القرآن، في إسناده مَنْ لا أعرفه.
وله شواهد، منها حديث جابر، أخرجه أحمد (3/ 373)، ومن طريقه ابن ماجه (388)، وابن خُزيمة (112)، وابن حِبان (1244)، وابن الجارود في «المنتقى» (879) وغيرهم، ثنا أبوالقاسم بن أبي الزناد، أخبرني إسحاق بن حازم، عن أبي مِقسم - عُبيد الله بن مِقسم - عن جابر بن عبد الله، به.
وهذا إسناد حسن؛ ابن أبي الزناد وثقه أحمد، وقال ابن مَعِين: لا بأس به. وإسحاق وعُبيد الله ثقتان.
وأخرجه الدارقطني (69)، والطبراني في «المعجم الكبير» (3871)، والحاكم (1/ 240) من طريق ابن جُريج.
والدارقطني (68) من طريق مبارك بن فَضَالة، كلاهما عن أبي الزبير عن جابر، به. وابن جُريج ومبارك وشيخهما مدلسون وقد عنعنوا.
وأخرجه الدارقطني (71) من طريق عبد العزيز بن أبي ثابت، عن إسحاق بن حازم الزيات، عن وهب بن كَيسان، عن جابر، عن أبي بكر الصِّديق.
وعبد العزيز ضعيف، بل قال النَّسَائي: متروك. وخالفه عمرو بن دينار عن أبي الطُّفيل عن أبي بكر موقوقاً، وهو الصواب. قاله الدارقطني في «العلل» (1/ 240).
وللحديث طرق وشواهد كثيرة يَطول الكلام بإيرادها، والتكلم عن أسانيدها، فرَاجِعها في «البدر المنير» (1/ 348)، و «التلخيص الحبير» (1/ 119).
• وقال ابن قُدَامة عن طهارة ماء البحر: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْبَحْرِ: التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إِلَيْنَا مِنْهُ، هُوَ نَارٌ
(1)
.
(1)
«المغني» (1/ 9).
لَا يُجْنِبُ المَاءَ شَيْءٌ
• قال ابن خُزيمة في «صحيحه» رقم (267): حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى القَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبدُ الوَارِثِ - يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ الرِّشْكُ - عَنْ مُعَاذَةَ - وَهِيَ العَدَوِيَّةُ - قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: أَتَغْتَسِلُ المَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا مِنَ الجَنَابَةِ، مِنَ الإِنَاءِ الوَاحِدِ، جَمِيعًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، المَاءُ طَهُورٌ، وَلَا يُجْنِبُ المَاءَ شَيْءٌ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الإِنَاءِ الوَاحِدِ. قَالَتْ: أَبْدَأُهُ فَأُفْرِغُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَغْمِسَهُمَا فِي الْمَاءِ.
• خالف يزيد بن الرِّشْك الجماعة - عاصم الأحول
(1)
وقتادة والمبارك بن فَضَالة - عن مُعاذة العدوية، فقال:«وَلَا يُجْنِبُ المَاءَ شَيْءٌ» .
• وتابعهم الجماعة - القاسم، والأسود، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وحفصة بنت عبد الرحمن، وعُبَيْد بن عُمَيْر، ومسروق بن الأجدع - عن عائشة، متابعة قاصرة.
• الخلاصة: انتهى شيخنا إلى شذوذها مع الباحث أبي عبد الرحمن محمد بن عيد السِّملاوي الشرقاوي
(2)
بتاريخ الثلاثاء (20) شوال (1442 هـ)
(1)
في مسلم (321): وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لِي، دَعْ لِي. قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ.
(2)
قَدَّم له شيخنا:
1 -
«جلسة الاستراحة في الصلاة» تحت الطبع.
2 -
«الجامع في أحكام الوقف» تحت الطبع.
3 -
«الجامع في الألفاظ والروايات الشاذة» بمشاركة الباحث محمد بن السيد الفيومي. طُبع منه ثلاث مئة لفظة.
الموافق (1/ 6/ 2021 م).
وأوصى بدراسة روايات يزيد الرِّشْك عن مُعاذة عن عائشة؛ لأن بها روايات منتقدة، كحديث:«عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتْهَا: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا؟ قَالَتْ: «نَعَمْ، أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» أخرجه أحمد، رقم (24924) من طريق يزيد الرِّشْك، وقد تابعه قتادة عند مسلم (719).
قال ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (2/ 891): أنكره أحمد، والأثرم، وابن عبد البر
…
وغيرهم، ورَدُّوه بأن الصحيح عن عائشة قالت: «مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُبْحَةَ الضُّحَى
(1)
قَطُّ» أخرجه البخاري (1128) ومسلم (718).
(1)
أي: صلاة الضحى. ومنه قوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] وقال أهل العلم بالتأويل: من المصلين. إلا أن السُّبحة إنما لزمت صلاة النافلة في الأغلب. وانظر: «الاستذكار» (6/ 145).
إذا بَلَغ الماء قُلتين، لم يَحمل الخَبَث
• قال أبو داود في «سُننه» رقم (63): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمَاءِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» .
وتارة رواه الوليد بن كَثير عن محمد بن عَبَّاد، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، أخرجه أبو داود (63).
وتارة رواه الوليد بن كَثير عن محمد بن جعفر، عن عُبيد الله، عن أبيه. أخرجه النَّسَائي (328).
• ورواه محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر، عن عُبيد الله بن عبد الله، عن أبيه. أخرجه ابن ماجه (517) وغيره.
• ورواه جماعة عن حماد بن سلمة، عن عاصم عن عُبيد الله عن أبيه، بلفظ:«إذا كان الماء قُلتين» وبعضهم بالشك: «قلتين أو ثلاثة» على الشك.
• وورد عن ابن عباس، وفي سنده لوط بن أبي يحيى، متروك. وورد عن يحيى بن يَعْمُر مرسلًا.
• قال شيخنا مع الباحث إسلام بن خميس الفيومي، بتاريخ الأحد (21) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (29/ 8/ 2021 م): اكتب ما تتدين الله به، واكتب لنا: في سنده اختلاف، والنفس غير مطمئنة لصحته.
• تنبيه: قال الحاكم في «المستدرك» (1/ 213): هكذا رواه الشافعي في «المبسوط» عن الثقة. وهو أبو أسامة بلا شك فيه.
كراهة ابن عمر الوضوء في النَحَاس
• عن نَافِع، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي النَّحَاسِ
(1)
قَالَ: «جَاءَتْهُ النُّضَارُ وَالرِّكَاءُ وَطَسْتُ نَحَاسٍ»
(2)
.
• وعن عبد الله بن دينار
(3)
، عن ابن عمر أنه كان لا يَتوضأ في الصُّفْر»
(4)
.
(1)
عن أبي عُبَيدة قال: النُّحاس (بضم النون): الدُّخَان. والنِّحاس (بكسر النون): الطبيعة والأصل. وقال الأصمعي نحوه.
والنُّحَاس: الصُّفر والآنية. شمر عن ابن الأعرابي قال: النِّحاس والنَّحَاس جميعًا: الطبيعة. وأنشد بيت لَبيد:
وكم فينا إِذا ما المَحْلُ أَبْدَى
…
نِحاسَ القوم من سَمْحٍ هَضُوم
وقال آخَر: يا أيها السائل عن نِحَاسي.
قال النَّحَّاس: مبلغ أصل الشيء. أبو عُبَيد: اسْتَنْحَسْت الخَبَرَ، إذا تَنَدَّسْتَه وتَحسَّسْتَه.
ابْن بُزُرْج: نُحاس الرجل ونِحَاسه: سَجِيَّتُه وطبيعته. قال: ويقولون: النُّحاس (بالضم): الصُّفر نفسه، والنِّحاس (مكسور): دُخانه. وغَيْره يقول للدخان: نُحاس. كما في «تهذيب اللغة» للأزهري (4/ 186).
(2)
إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (171) عن ابن جُريج قال: أخبرني نافع، به.
(3)
وأخرج عبد الرزاق أيضًا: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ فِي طَسْتٍ مِنْ نُحَاسٍ. قَالَ: «وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْرَبَ فِي قَدَحٍ مِنْ صُفْرٍ» وإبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى، متروك.
(4)
إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (172) عن الثوري، عن عبد الله بن دينار، به.
قال سفيان: «ولا نأخذ به»
(1)
.
وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: ذَكَرْتُ لَهُ كَرَاهِيَةَ ابْنِ عُمَرَ فِي النُّحَاسِ قَالَ: «الْوُضُوءُ فِي النُّحَاسِ مَا يُكْرَهُ مِنَ النُّحَاسِ شَيْءٌ، إِلَّا لِرِيحِهِ قَطْ»
(2)
.
• بيان:
ورد التطهر في آنية النحاس لكن الشاهد منه شاذ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ:«أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ»
(3)
.
(1)
في «المُصنَّف» .
(2)
إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (174) عن ابن جُريج، به.
(3)
صحيح دون وجه الشاهد فشاذ: رواه عمرو بن بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم، به.
واختُلف عليه.
فرواه عنه عبد العزيز بن أبي سلمة بالشاهد، أخرجه البخاري (197)، وأبو داود (100)، وابن الأعرابي في «معجمه» (870).
وخالفه الجماعة - مالك ووُهيب وسليمان بن بلال وخالد بن عبد الله، كما عند البخاري (185، 191، 192، 199) ورواية الجماعة أصح وأصوب.
وتابعهم متابعة قاصرة عَبَّاد بن تميم وعمرو بن أبي حسن، كما عند البخاري (158) مختصرًا، و (186)، وواسع، أخرجه مسلم (236).
وورد له شاهد، أخرجه أبو داود (98) من طريق حماد: أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:«كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ» وهو مرسل، وإسناده ضعيف.
وحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ»
(1)
.
وورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ كَانَ «يَتَوَضَّأُ فِي آنِيَةِ النُّحَاسِ»
(2)
.
• قال ابن قُدَامة بعد ذكره آنية الذهب والفضة: لا يُكْرَه استعمال شيء من الآنية في قول عامة أهل العلم، إلا أنه رُوي عن ابن عمر أنه كَرِه الوضوء في الصُّفْر والنحاس والرصاص، وما أشبه ذلك.
واختار ذلك الشيخ أبو الفرج المقدسي؛ لأن الماء يتغير فيها، ورُوي أن الملائكة تَكره ريح النحاس
(3)
.
(1)
وجه الشاهد منكر: أخرجه أبو داود (98) وأصل الحديث في البخاري (250)، ومسلم (319).
وقال النووي في «الإيجاز في شرح سُنن أبي داود» (ص: 386): قولها: (تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ) هو بفتح الشين المعجمة والباء المُوحَّدة، وهو النُّحاس.
وقال القسطلاني في «إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» (1/ 316): هو نوع من النُّحَاس.
(2)
إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (175) وإبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى، متروك.
(3)
«المغني» (1/ 58) لابن قُدَامة.
آنية الفضة
• قال البخاري رقم (5896): حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ - وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ مِنْ قُصَّةٍ - فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِي الجُلْجُلِ، فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا.
تابع مالكَ بن إسماعيل مصعبُ بن المقدم، أخرجه إسحاق في «مسنده» (4/ 141).
خالفهما النَّضْر بن شُمَيْل فقال: «جلجل من فضة» أخرجه إسحاق في «مسنده» (4/ 141).
وتابع إسرائيلَ على (الجلجل» دون تفسير بفضة أو قصة - جماعة:
1 -
سلام بن أبي مطيع، أخرجه البخاري (5897) وغيره.
2 -
شيبان النَّحْوي، أخرجه أحمد (26535).
3 -
أبو حمزة السُّكَّري، أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (1/ 235).
4 -
أبو حنيفة، أخرجه أبو يوسف في «الآثار» (1023).
5 -
منصور بن دينار، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (765).
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ محمود بن مسعود السكندري، بتاريخ الاثنين (21/ 6/ 2021 م): وعلى التحرير الحديثي يبدو - والله أعلم - أن لفظة النضر شاذة، وانقل كلام الحافظ. اهـ.
• قال الحافظ في «فتح الباري» (10/ 352):
اختُلف في ضبط (قصة) هو بقاف مضمومة ثم صاد مهملة أو بفاء مكسورة ثم ضاد معجمة.
فأما قوله: «وقَبَض إسرائيل ثلاث أصابع» فإن فيه إشارة إلى صغر القدح. وزَعَم الكرماني أنه عبارة عن عدد إرسال عثمان إلى أُم سلمة. وهو بعيد.
وأما قوله: (فيها) فضمير لمعنى القدح؛ لأن القدح إذا كان فيه مائع يسمى كأسًا، والكأس مؤنثة، أو الضمير للقصة، كما سيأتي توجيهه. وأما رواية الكشميهني بالتذكير فواضحة.
وقوله: «من فضة» إن كان بالفاء والمعجمة، فهو بيان لجنس القدح.
قال الكرماني: ويُحْمَل على أنه كان مُموَّهًا بفضة، لا أنه كان كله فضة.
قلت: وهذا ينبني على أن أُم سلمة كانت لا تجيز استعمال آنية الفضة في غير الأكل والشرب، ومن أين له ذلك؟!
وقد أجاز جماعة من العلماء استعمال الإناء الصغير من الفضة في غير الأكل والشرب.
وإن كان بالقاف والمهملة، فهو من صفة الشَّعر، على ما في التركيب من قلق العبارة؛ ولهذا قال الكرماني: عليك بتوجيهه، ويَظهر أن (مِنْ) سببية، أي: أرسلوني بقدح من ماء بسبب قصة فيها شَعر.
وهذا كله بِناء على أن هذه اللفظة محفوظة بالقاف والصاد المهملة، وقد ذَكَره الحُميدي في الجمع بين «الصحيحين» بلفظ دالّ على أنه بالفاء والمعجمة، ولفظه: (أَرسلَني أهلي إلى أُم سلمة بقدح من ماء، فجاءت بجلجل من فضة فيه شَعر
…
) إلخ، ولم يَذكر قول إسرائيل، فكأنه سَقَط على رواة البخاري قوله:(فجاءت بجلجل) وبه يَنتظم الكلام ويُعْرَف منه أن قوله: (من فضة) بالفاء والمعجمة، وأنه صفة الجلجل لا صفة القدح الذي أحضره عثمان بن مَوْهَب.
• قال ابن دِحية: وقع لأكثر الرواة بالقاف والمهملة. والصحيح عند المحققين بالفاء والمعجمة، وقد بينه وكيع في «مُصنَّفه» بعد ما رواه عن إسرائيل فقال: كان جلجلًا من فضة صيغ صوانًا لشعرات كانت عند أُم سلمة من شَعر النبي صلى الله عليه وسلم.
الإناء المُضبَّب بالفضة
• قال البخاري رقم (3109): حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ عَاصِمٌ: رَأَيْتُ القَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ.
وخالف عبدانَ عليُّ بن الحسن بن شقيق، وعنه ابنه محمد بن علي بن الحسن
واختُلف عليه على وجهين:
1 -
كرواية البخاري بلفظ: (فاتَّخذ مكان الشِّعب) رواها موسى بن هارون. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (8050) والخطيب في «الفصل والوصل» (19).
2 -
بلفظ: «فجعلتُ» أي: مِنْ فعل أنس رضي الله عنه. أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبرى» (115) من طريق علي بن حَمْشَاذ، عن عثمان بن علي الزعفراني - وهو مجهول - وموسى بن هارون.
وتابع أبا حمزة السُّكَّري على لفظ: (قد انصدع فسَلسَله بفضة» أخرجه البخاري (5638) وتابعهما شَريك بن عبد الله كما عند أحمد (12410).
• الخلاصة: أن الخلاف في هذا الخبر هل إسناد السلسلة مرفوعة أو موقوفة من فعل أنس رضي الله عنه؟ فرواية البخاري غير صريحة، ورواية البيهقي موضحة من فعل أنس لكنها ضعيفة.
في حين قال شيخنا مع الباحث/ محمود بن مسعود السكندري: بتاريخ الاثنين (21/ 6/ 2021 م): الصواب أنها من فعل أنس.
• تنبيه: ذهب الخطيب البغدادي، وابن الصلاح، والنووي، وابن دقيق العيد، وابن عبد الهادي، والسيوطي، وابن كَثير، وابن المُلقِّن، إلى أنها من فعل أنس رضي الله عنه. وقال سِبْط بن العجمي: وهذا الذي عليه الحُفاظ.
حرمة الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة
• قال البخاري (5426): حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ، فَلَمَّا وَضَعَ القَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ. كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أَفْعَلْ هَذَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ» .
وتابع أبا نُعيم عبدُ الله بن نُمير، أخرجه مسلم رقم (2067).
وتابع سيفًا على لفظ: (وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا) منصور بن المعتمر، أخرجه أحمد (23437) وتابعهما غالب بن عُبيد وهو متروك، أخرجه ابن وهب في «جامعه» (621).
وخالفهم ابن عون كما عند البخاري (5633) وابن أبي نَجيح كما عند البخاري (583) دون ذكر الأكل.
وتابع مجاهدًا على عدم ذكر الأكل يزيد بن أبي زياد، أخرجه أحمد (23464) والحَكَم بن عُتيبة، كما في البخاري (5632) ومسلم (2067).
وتابع عبدَ الرحمن بن أبي ليلى عبدُ الله بن عُكَيْم، أخرجه مسلم. وتابعهما قتادة بن دِعامة كما في «جامع مَعْمَر» (19928) ولم يَسمع قتادة من حذيفة. وتابعهم أبو وائل كما في «مسند البزار» (2877)
(1)
.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمود بن مسعود السكندري، بتاريخ الأربعاء (16/ 6/ 2021 م) إلى أن لفظة الأكل محفوظة من حديث حذيفة، وهي متفق عليها. وشذ علي بن مُسْهِر بلفظَي:(الأكل) و (الذهب) من حديث أُم سلمة، أخرجه مسلم (5436). والحديث بدونها في البخاري (5634) ومسلم (2065).
وهناك لفظة «أو إناء فيه شيء من ذلك - أي: من الذهب أو الفضة -» وهي منكرة من حديث ابن عمر، أخرجه الدارقطني (96) والبيهقي (108) وحَكَم عليها بالنكارة: الذهبي، والبيهقي، وابن حجر، والنووي، وابن القطان، وابن تيمية، والألباني رحمهم الله.
(1)
ولفظة «وأن يُجلَس عليه» أخرجها البخاري رقم (5837): حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ:«نَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» .
بسند سباعي من طريق وهب بن جرير عن أبيه، ولم يَتكلم أحد فيها.
ومال شيخنا مع الباحث رمضان بن ثابت السويفي، بتاريخ (18) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (24/ 8/ 2021 م) إلى ضعفها، وطَلَب مزيد بحث في رواية وهب عن أبيه. ولم يقف الباحث على شيء فيها، إنما الكلام في رواية جرير عن شُعبة.
• قال النووي في «المجموع» (1/ 250): أجمعت الأُمة على تحريم الأكل والشرب وغيرهما من الاستعمال في إناء ذهب أو فضة، إلا ما حُكي عن داود، وإلا قول الشافعي في القديم، ولأنه إذا حرم الشرب فالأكل أَوْلَى لأنه أطول مدة وأبلغ في السرف.
• وقال ابن قُدامة في «المغني» (1/ 104): «
…
ويَحرم استعمال الآنية مطلقًا، في الشرب والأكل وغيرهما؛ لأن النص ورد بتحريم الشرب والأكل، وغيرُهما في معناهما.
ويَحرم ذلك على الرجال والنساء؛ لعموم النص فيهما، ووجود معنى التحريم في حقهما، وإنما أبيح التحلي في حق المرأة؛ لحاجتها إلى التزين للزوج والتجمل عنده، وهذا يختص الحلي فتختص الإباحة به».
تعليم آداب قضاء الحاجة
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (7409): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، حَدَّثَنِي الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ، أُعَلِّمُكُمْ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ، فَلَا تَسْتَقْبِلُوهَا وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ» وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَيَنْهَى عَنِ الرَّوَثِ وَالرِّمَّةِ.
وتابع يحيى القطان أربعة - ابن المبارك كما عند أبي داود (8) وابن عُيينة كما عند أحمد (7368) وعبد الله بن رجاء والمغيرة بن عبد الرحمن، كما عند ابن ماجه (312).
وخالف ابن عجلان سُهيل، أخرجه مسلم (265): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ، فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا» .
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث إسماعيل بن حامد، بتاريخ (2) صَفَر (1443 هـ) الموافق (9/ 9/ 2021 م) على طريق ابن عجلان: سند حسن.
الاستتار في قضاء الحاجة
• مِنْ فعله وقوله صلى الله عليه وسلم.
فمن الأول:
1 -
ما أخرجه مسلم رقم (3012): حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَالسِّيَاقُ لِهَارُونَ - قَالَا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، فِي سِيَاقٍ طَوِيلٍ، وَفِيهِ قَالَ:
سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، فَقَالَ:«انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ» فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ، الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، فَقَالَ:«انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ» فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا، لَأَمَ بَيْنَهُمَا - يَعْنِي جَمَعَهُمَا - فَقَالَ:«الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ» فَالْتَأَمَتَا.
قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ: فَيَتَبَعَّدَ - فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا
بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلًا، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا، فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى
سَاقٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ وَقْفَةً، فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا - وَأَشَارَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ بِرَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا - ثُمَّ أَقْبَلَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَالَ:«يَا جَابِرُ هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي؟» قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ:«فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، فَأَقْبِلْ بِهِمَا، حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ» .
قَالَ جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ، فَانْذَلَقَ لِي، فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُهُ، فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ:«إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَأَحْبَبْتُ، بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ» .
تابع هارونَ ومحمدَ بن عَبَّاد عمرُ بن زُرَارة الكلابي، أخرجه ابن حِبان (6524).
وتابع حاتمَ بن إسماعيل محمدُ بن عمر الواقدي، أخرجه أبو نُعيم في «دلائل النبوة» (296).
• والخلاصة: أن مدار الخبر على يعقوب بن مجاهد أبي حَزْرَة، فقد قال ابن المديني: كان عندنا ثقة، وكان قاصًّا بالمدينة. ووثقه النَّسَائي، وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال أبو زُرعة: لا بأس به. وقال ابن سعد: كان قاصًّا، وكان قليل الحديث. وذَكَره العُقيلي في «الضعفاء» ونَقَل عن ابن مَعِين: كان في
الحديث صويلحًا. وقال هارون بن معروف: ويقال: أبو حَزْرة، كان ضعيفًّا وكان قاصًّا.
فقول مَنْ وثقه لديَّ مُقدَّم على ما نَقَله ابن معروف بصيغة التضعيف، إضافة إلى تصحيح مسلم وابن حِبان الخبر.
ولم ينتقده أحد فيما وقف الباحث؛ فلذا أرى صحة الخبر.
بينما قال شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن حامد، بتاريخ السبت (18) صَفَر (1443 هـ) الموافق (25/ 9/ 2021 م): اكتب: أخرجه مسلم، وأبو حَزْرَة لا أراه يتحمل مثل هذا الخبر. ا هـ. وهذا رأي الباحث.
2 -
قال أبو داود في «سُننه» رقم (1): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ مُحَمَّدٍ - يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو -، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ، أَبْعَدَ.
وتابع عبدَ العزيز إسماعيلُ بن عُلَيَّة، أخرجه ابن ماجه (331).
خالفهما ثلاثة - عبد الوهاب الثقفي، كما عند الترمذي (20) وإسماعيل بن جعفر، أخرجه النَّسَائي (16) ومحمد بن عُبيد، كما عند أحمد (18171): فربطوا هذا المتن بقصة سفر المغيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ.
قَالَ: فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ:«ائْتِنِي بِوَضُوءٍ» فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
قَالَ الشَّيْخُ: إِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْقَارِئُ.
وقصة المغيرة بن شُعبة رواها جمهور الرواة - مسروق وعروة بن المغيرة، كما في البخاري رقم (363، 5799) والأسود بن هلال، كما في مسلم رقم (274).
وخارج «الصحيحين» قَبيصة بن بُرْمَةَ وأبو السائب وحمزة بن المغيرة وعروة بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي نُعْمٍ وغيرهم - عنه رضي الله عنه مفصلة - عن المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ:«أَمَعَكَ مَاءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الإِدَاوَةَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا، حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ:«دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
• والخلاصة لديَّ، وكذا الباحث إسماعيل بن حامد: ووَجْه الربط بين المتن المختصر والقصة من وجهين:
1 -
من حيث السند، فالصحابي واحد.
2 -
من حديث المتن فقد فصل ثلاثة فذكر المطول والمختصر كما سبق.
ووجهة مَنْ يَرى تصحيحهما اتساع المَخْرَج، وقد يقال بتعدد المجالس.
وأما شيخنا فكان يشير إلى إعلاله زمن تحقيقي أنا والشيخ بدر بن رجب «توضيح الأفكار» للصنعاني، ط/ ابن تيمية. لكن طَلَب مزيد بحث من الباحث.
3 -
قال أبو نُعيم في «الحِلية» (7/ 138): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّيَّانِ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ غَطَّى رَأْسَهُ، وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ غَطَّى رَأْسَهُ».
قال ابن عَدِيّ في «الكامل» (9/ 430): وهذا لا أعلمه رواه غير الكُدَيْمي بهذا الإسناد، والكُدَيْمي أظهر أمرًا من أن يَحتاج أن يُبيَّن ضعفه.
ورواه علي بن حيان الجَزَري - وهو مجهول - عن الثوري، به. كما في «الحِلية» لأبي نُعيم.
• والخلاصة: انتهى شيخنا إلى ضعفه مع الباحث إسماعيل بن حامد، بتاريخ (22) صَفَر (1443 هـ) الموافق (29/ 9/ 2021 م).
وثَبَت خبر يُستدل به على وجوب الاستتار، أخرجه مسلم رقم (338): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ» .
تابع زيدَ بن الحُباب محمدُ بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فُدَيْك، أخرجه أبو داود في «سُننه» (4018).
• والخلاصة: أن إسناده حسن للاختلاف في حال الضحاك بن عثمان؛ فقد وثقه أحمد، وابن المَديني، وابن مَعِين، وأبو داود، وابن حِبان، والعِجْلي.
وقال أبو حاتم: يُكتَب حديثه ولا يُحتج به. وقال أبو زُرْعَة: ليس بقوي. وقال ابن نُمير: لا بأس به، جائز الحديث. وقال ابن عبد البر: كان كثير الخطأ، ليس بحجة. وقال ابن حجر: صدوق يَهِم.
وانتهى شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن حامد إلى تحسينه، بتاريخ (3) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (8/ 11/ 2021 م).
النهي عن استقبال القبلة واستدبارها
• ثَبَت في النهي عنهما مطلقًا حديث أبي أيوب في «الصحيحين» و من حديث سلمان الفارسي، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه
(1)
.
ونَقَل ابن عمر فعل النبي صلى الله عليه وسلم في استدبار القبلة في البنيان
(2)
ونَقَل جابر فعله في الاستقبال
(3)
.
(1)
سبق بإسناد حسن.
(2)
أخرج البخاري (149) من طريق يزيد بن هارون، ورقم (145) من طريق مالك. ومسلم (266) من طريق سليمان بن بلال، ثلاثتهم: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ فَلَا تَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ المَقْدِسِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَقَدْ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى لَبِنَتَيْنِ، مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ المَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ.
خالفهم وُهيب كما عند ابن حِبان (1418) وحفص بن غِيَاث كما عند ابن أبي شيبة (1611) فقالا: (مستقبل القبلة مستدبر الشام).
وتابع يحيى بنَ سعيد عبيدُ الله بن عمر فالجماعة - أنس بن عِيَاض كما عند البخاري (148) ومحمد بن بِشر، كما عند مسلم (266) وعبدة بن سليمان، كما عند أحمد (4606) ويحيى القطان رقم (4617) - عنه كرواية الجماعة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وخالفهم وُهيب كذلك، كما عند ابن حبان (1418). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وخالف واسع بن حَبَّان أبو المغيرة بن حُنَيْن، فقال: إن ابن عمر رأى مذهبًا للنبي مواجهًا للقبلة. أخرجه أحمد (5715) ورواية واسع أصح بغير التقعيد، ومُقيَّدة بالاستدبار على الأصح، وأبو المغيرة مقبول.
وخالف واسعَ بن حَبان نافعٌ فقال: رأيتُ رسول الله يتخلى على لَبِنتين مستقبل القبلة. أخرجه أحمد (5747) وفي سنده أيوب بن عتبة، ضعيف. وأخرجه ابن ماجه (323) وفي سنده عيسى الحَنَّاط، ضعيف.
والخلاصة: أن رواية الجماعة هي الأصح وقد اتُّفق عليها.
وكَتَب شيخنا مع الباحث إسماعيل بن حامد الشرقاوي، بتاريخ الثلاثاء (13) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (19/ 10/ 2021 م): الأصح: (مستدبر القِبلة).
(3)
أخرجه أحمد (14872) وأبو داود (13) والترمذي (9) وابن ماجه (325) من طريق ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَانَا عَنْ أَنْ نَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ، أَوْ نَسْتَقْبِلَهَا بِفُرُوجِنَا إِذَا أَهْرَقْنَا الْمَاءَ» قَالَ: «ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» .
وخالف مجاهدًا أبو الزبير، فرواه عن جابر عن أبي قتادة، أخرجه أحمد (22560) والترمذي (10).
والراوي عن أبي الزبير ابن لَهيعة، وهو ضعيف. وقال الترمذي: حديث جابر عن أبي قتادة ليس بمحفوظ. وكذا الدارقطني في «علله» (1047).
والخلاصة: إسناد ابن إسحاق حسن، وقد صَرَّح بالتحديث.
بينما كَتَب شيخنا مع الباحث إسماعيل بن حامد، بتاريخ (29) صَفَر (1443 هـ) الموافق (6/ 10/ 2021 م): الخبر ضعيف. فسألته عن علة الضعف فقال: ابن إسحاق لا يتحمله.
ثم أَكَّد هذه النتيجة مع إسماعيل بن موسى، بتاريخ (21) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (27/ 10/ 2021 م).
النهي عن قضاء الحاجة وَسْط القبور
• قال ابن ماجه رقم (1567): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَأَنْ أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ، أَوْ أَخْصِفَ نَعْلِي بِرِجْلِي - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ، وَمَا أُبَالِي أَوَسْطَ الْقُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتِي أَوْ وَسْطَ السُّوقِ» .
وتابع ابنَ سَمُرة علي بن حرب، أخرجه الروياني في «مسنده» رقم (171).
وخالف عبد الرحمن المحاربي شَبَابة بن سَوَّار فأوقفه، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (11774).
• والخلاصة: أن الأرجح شَبَابة بن سَوَّار؛ لأنه أوثق من عبد الرحمن المحاربي.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن حامد، بتاريخ (17) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (25/ 8/ 2021 م): الوقف أصح فيما يبدو والله أعلم. وانتهى إلى هذه النتيجة الشيخ الطريفي في «الأحاديث المعلة» (1/ 237) ود. ماهر الفحل في «الجامع في العلل والفوائد» (5/ 51) وصححه العَلَّامة الألباني في «إرواء الغليل» (63).
كيفية الجلوس على قضاء الحاجة
• قال البيهقي في «السُّنن الكبرى» (1/ 156) رقم (457): أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ أَحَدُنَا الْخَلَاءَ أَنْ يَعْتَمِدَ الْيسْرَى، وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى» .
• الخلاصة: في سنده مُبهَمان ومقبولان.
وانتهى شيخنا إلى ضعفه مع الباحث/ إسماعيل بن حامد، بتاريخ (17) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (25/ 8/ 2021 م).
باب النهي عن الكلام أثناء قضاء الحاجة
• قال أبو داود في «سُننه» رقم (15): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» .
تابع ابنَ مهدي جماعة: الثوري، وشُعبة، وعبد الله بن رجاء
…
وغيرهم.
وخالفهم عُبيد الله بن عُقَيْل فقال: عن عكرمة عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة، نحوه. أخرجه النَّسَائي في «الكبرى» (35).
وخالفهم الأوزاعي عن يحيى فأرسله.
• وقال أبو حاتم الرازي عن المرسل: الصحيح هذا، وحديث عكرمة وهم.
وضَعَّف الإمام أحمد رواية عكرمة عن يحيى مطلقًا.
• وقال ابن خُزيمة: الوهم من عكرمة بن عمار، حيث قال: عن هلال بن عِيَاض.
• قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَّا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ علاء بن أبي بكر
(1)
إلى أن الصحيح فيه الإرسال. بتاريخ الخميس (3) رمضان (1442 هـ) المُوافِق (14/ 4/ 2021 م).
ثم عرض بتاريخ 9 ربيع الآخر 1443 موافق 14/ 11/ 2021 م: لا يصح لثلاث علل: الإرسال وجهالة هلال وضعف عكرمة في يحيى.
وضَعَّف شيخنا الخبر مع الباحث إسماعيل بن حامد، بتاريخ الخميس (19) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (29/ 7/ 2021 م).
وللخبر شاهد من حديث جابر رضي الله عنه، أخرجه الحاكم في «مستدركه» (513) من طريق عقيل بن جابر عن أبيه. وعقيل مقبول، قاله الحافظ.
(1)
وُلد بقرية أولاد الشيخ علي - مركز مطاي - محافظة المنيا، حاصل على ليسانس الحقوق.
له من الكتب التي قَدَّمها شيخنا:
1 -
«الجامع لأحكام السواك، دراسة حديثية فقهية مقارنة» تحت الطبع.
2 -
«فهارس في مسائل العقيدة» تحت الطبع.
3 -
«تاج القلوب في الإخلاص لعَلَّام الغيوب» ما زال قيد المراجعة، وثَم كتب أخرى.
هل ثَبَت أنه صلى الله عليه وسلم وَضَع خاتمه عند قضاء الحاجة؟
• قال أبو داود في «سُننه» رقم (19): حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ، وَضَعَ خَاتَمَهُ» .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ. وَالْوَهْمُ فِيهِ مِنْ هَمَّامٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ إِلَّا هَمَّامٌ.
قال النووي في «شرحه على مسلم» (6/ 75):
قال القاضي: قال جميع أهل الحديث: هذا وهم من ابن شهاب، فوَهِم من خاتم الذهب إلى خاتم الوَرِق.
والمعروف من روايات أنس من غير طريق ابن شهاب اتخاذه صلى الله عليه وسلم خاتم فضة، ولم يطرحه، وإنما طرح خاتم الذهب، كما ذَكَره مسلم في باقي الأحاديث.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن حامد، إلى أن همامًا وَهِم في حديث الزُّهْري، فأبدل متنًا بمتن، كما قال أبو داود، وأن لفظة (وَرِق) في طريق الزُّهْري مُعَلة، والصواب (الذهب).
• تنبيه: هذا الخبر على فرض ثبوته غير واضح الدلالة على ترك ما فيه ذكر الله عند دخول الخلاء، إلا إِنْ جَعَلْنَا نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم:«محمد رسول الله» .
البول قائمًا
• قال الإمام الترمذي في «سُننه» رقم (13): حَدثنا هَنَّادٌ قال: حَدثنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ عَلَيْهَا قَائِمًا، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوءٍ، فَذَهَبْتُ لأَتَأَخَّرَ عَنْهُ، فَدَعَانِي حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
وتابع الأعمشَ مَنْصُورٌ، كما في «العلل الكبير» (7)، وعُبَيدَةُ الضَّبِّيُّ، عن أبي وائل، به.
وخالفهم عاصم بن أبي النَّجُود، وحماد بن أبي سليمان، فقالا: عن أبي وائل، عن المغيرة بن شُعبة، ووَهِما فيه على أبي وائل، أفاده الدارقطني في «علله» رقم (1234).
وقال الترمذي عقبه: وَحَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَصَحُّ.
وقال في «العلل الكبير» (7): والصحيح ما رَوى منصور والأَعمش.
• والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ هاني الدميري، بتاريخ (9) مُحَرَّم (1442 هـ) الموافق (18/ 8/ 2021 م) إلى أنه صحيح من مسند حذيفة لا المغيرة، رضي الله عنهما.
2 -
أخرج الحاكم في «مستدركه» (645): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ
(1)
.
وسنده ضعيف فقد تَعقَّب الذهبيُّ الحاكم في قوله: حديث صحيح
…
رواته كلهم ثقات. قال الذهبي: حماد بن غسان ضعفه الدارقطني.
انتهى شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن عرفة، بتاريخ (22) صَفَر (1443 هـ) الموافق (29/ 9/ 2021 م) إلى ضعفه.
3 -
قال الإمام مسلم رقم (273): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ، وَيَبُولُ فِي قَارُورَةٍ، وَيَقُولُ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ جِلْدَ أَحَدِهِمْ بَوْلٌ، قَرَضَهُ بِالْمَقَارِيضِ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ:«لَوَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ لَا يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَتَمَاشَى، فَأَتَى سُبَاطَةً خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ، فَبَالَ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ»
وأخرجه البخاري (225).
4 -
قال ابن ماجه رقم (308): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا، فَقَالَ:«يَا عُمَرُ، لَا تَبُلْ قَائِمًا» فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ.
خالف عبدَ الكريم بن أبي المخارق عبيدُ الله بن عمر فأوقفه، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1324) والبزار (149) وقال الترمذي عن المرسل:
(1)
عرق في الفخذ والأبض هو المأبض وهو باطن الركبة.
وهذا أصح. ووافقه شيخنا مع الباحث/ محمد البسيوني، بتاريخ (22) صَفَر (1443 هـ) الموافق (29/ 9/ 2021 م).
الاستطابة بالشمال
1 -
قال أبو داود (33): حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى» .
• وعِلته إبراهيم النَّخَعي، لم يَسمع من عائشة. وجاء في بعض الطرق إثبات واسطة، هي الأسود بن يزيد، بين إبراهيم وعائشة. ورَجَّح الدارقطني في «عِلله» رقم (3627) الإرسال.
• وأخرجه أحمد (26284) عن ابن أبي عَدي، عن ابن أبي عَروبة، عن رجل، عن أبي مَعْشَر، به منقطعًا.
• ورواه الأعمش واختُلف عليه، ورَجَّح الدارقطني من هذا الخلاف طريق زهير بن معاوية عن الأعمش: سَمِعتُهم يَذكرون: مسروق عن عائشة، باللفظ السابق.
• وأصل الحديث في «الصحيحين»
(1)
من طريق الأشعث، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» .
(1)
أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268).
• الخلاصة: انتهى شيخنا بتاريخ (11) ربيع الآخِر (1441 هـ) المُوافِق (8/ 12/ 2019 م) مع الباحث/ أحمد بن عيد، إلى ضعف اللفظ الأول، وتقديم رواية الصحيح والإعلالات السابقة فيها.
الخبر الثاني: قال أبو عَوَانة في «مستخرجه» رقم (766): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى الْخَلَاءَ، ثُمَّ خَرَجَ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ قَالَ:«أُصَلِّي فَأَتَوَضَّأُ؟» زَادَ يُونُسُ: آكُلُ بِيَمِينِي، وَإِنَّمَا أَسْتَطِيبُ بِشِمَالِي.
وخالف يونسَ بن عبد الأعلى جمهورُ الرواة عن ابن عُيينة، وتابعهم متابعة قاصرة الجماعةُ عن عمرو بن دينار، وتابع عَمْرًا ابن جُريج كما عند مسلم (374).
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ محمد بن عيد، بتاريخ الثلاثاء (20) شَوَّال (1442 هـ) الموافق (1/ 6/ 2021 م) إلى شذوذ زيادة:«آكُلُ بِيَمِينِي، وَإِنَّمَا أَسْتَطِيبُ بِشِمَالِي» .
• قال إسحاق بن رَاهَوَيْهِ في «مسنده» رقم (1987): أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، نَا حَمَّادٌ - وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ سَوَاءٍ، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِهِ، اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَجْمَعُ عِبَادَكَ» وَكَانَتْ يَمِينُهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ وَأَخَذِهِ وَإِعْطَائِهِ، وَشِمَالُهُ لِطُهُورِهِ، وَكَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَفِي الْجُمُعَةِ الثَّانِي يَوْمَ الِاثْنَيْنِ».
وتابع النضرَ عفانُ، أخرجه أحمد (26464) وتابع حمادًا أبانُ العطار، أخرجه أحمد (26465).
واختُلف فيه على عاصم على أكثر من وجه، مع الاقتصار على بعض المتن.
منها ما أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» رقم (347): حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، جَعَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَكَانَتْ يَمِينُهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَطُهُورِهِ وَمَائِهِ، وَكَانَتْ شِمَالُهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ.
• والخلاصة: إِنْ سَلِم الخبر من اضطراب عاصم، فالمُسيَّب لم يَسمع من الصحابة إلا البراء. وسَوَاء الخُزاعي مقبول.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن حامد، بتاريخ (19) ربيع الأول (1443 هـ) الموافق (25/ 10/ 2021 م): سنده ضعيف.
استنكار الاستنجاء بالماء
• قال ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» رقم (591): حَدَّثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ - أَوْ: مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ - قَالَ: مَرَّ سَعْدٌ بِرَجُلٍ يَغْسِلُ مَبَالَهُ، فَقَالَ: لِمَ تَخْلِطُوا فِي دِينِكُمْ مَا لَيْسَ مِنْهُ؟!
وتابع إبراهيمَ الشَّعبيُّ، أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (303).
• الخلاصة: كَتَب شيخنا بتاريخ (18) شَوَّال (1442 هـ) الموافق (30/ 5/ 2021 م) مع الباحث/ محمود بن شعبان العوفي: يُحسَّن بطريقيه.
• وثَبَت أيضًا عن سلمة بن الأكوع بإسناد صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» رقم (1645): حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ، أَنَّ سَلَمَةَ كَانَ لَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ.
• ووَرَد عن حذيفة أيضًا بسند ظاهره الصحة، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (1635): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قال: سُئِلَ عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ، بِالْمَاءِ، فَقَالَ: إِذًا لَا تَزَالُ يَدي فِي نَتنٍ.
• كَتَب شيخنا للباحث على أثر حذيفة: أَشِر إلى ما قد يكون خلافًا. ا هـ. أي أن سند سعد وحذيفة مشتركان في أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم.
• وورد عن ابن عمر بسند حسن، أخرجه ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» (1647): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، كُنْتُ أَتَيْتُهُ بِحِجَارَةٍ مِنَ الْحَرَّةِ، فَإِذَا امْتَلَأَتْ خَرَجْتُ بِهَا وَطَرَحْتُهَا، ثُمَّ أَدْخَلْتُ مَكَانَهَا.
• وثَبَت بسند صحيح عن ابن الزبير، أخرجه ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» رقم (591): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقِبْطِيَّةِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَغْسِلُ عَنْهُ أَثَرَ الْغَائِطِ، فَقَالَ:«مَا كُنَّا نَفْعَلُهُ» .
• قلت (أبو أويس): فسألتُ شيخنا: هل يُدرَج هذا في المفاريد؟ فقال: نعم، يُنبَّه عليه، كمسألة التمتع.
الاستنجاء بالأحجار
• فيه أخبار، منها قول الإمام الشافعي كما في «مسنده» (ص: 13): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو وَجْزَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ:«بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ» .
وتابع الشافعيَّ الحميديُّ كما في «مسنده» في وجه عنه، وآخَر مرسل.
وظاهر إسناد الشافعي الصحة.
لكن خالف سفيانَ الجماعةُ، وَهُمْ: عَبْدة بن سليمان، ووكيع، وعلي بن مُسْهِر، وابن نُمير، وأبو أسامة
…
وغيرهم، فرووه عن هشام بن عروة، عن عمرو بن خُزيمة - وهو مجهول - عن عمارة، به.
أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (41): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الِاسْتِطَابَةِ، فَقَالَ:«بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ» ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَذَا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ.
• قال البيهقي في «معرفة السُّنن» رقم (138): هذا قال سفيان: (أبو وَجْزة) وأخطأ فيه، وإنما هو أبو خُزيمة، واسمه عمرو بن خُزيمة، وكذلك رواه الجماعة عن هشام بن عروة.
• وقال في «السُّنن الكبير» (1/ 181): قال ابن المَديني: الصواب رواية الجماعة عن هشام بن عروة، عن عمرو بن خُزيمة.
قال أبو زُرعة كما في «العلل» (139): الحديث حديث وكيع وعبدة. قال البخاري: الصحيح ما روى عبدة ووكيع
…
ا هـ.
• وهناك وجهٌ آخَر رواه أبو معاوية عن هشام، عن عبد الرحمن بن سعد، عن عمرو بن خُزيمة، فزاد في الإسناد عبد الرحمن بن سعد، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (3723). وخالفه مالك فرواه عن هشام مرسلًا، كما في «الموطأ» (41).
• قال الإمام أحمد: أبو معاوية يضطرب في حديث هشام.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث سيد بن بيومي، بتاريخ (9) ذي القعدة (1442 هـ) الموافق (20/ 6/ 2021 م): الأصح رواية الجماعة، والله أعلم.
• ومنها: ما أخرجه البخاري رقم (156): حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ:«أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ» وَقَالَ: «هَذَا رِكْسٌ» .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
حَكَى الترمذي في «سُننه» (1/ 27): الخلاف فيه على أبي إسحاق وقال: هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ.
وقال: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبدِ الرَّحمَنِ: أَيُّ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الحَدِيثِ عَنْ أَبِي إِسحَاقَ أَصَحُّ؟ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ. وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا، فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَكَأَنَّهُ رَأَى حَدِيثَ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسحَاقَ، عَنْ عَبدِ الرَّحمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبدِ اللهِ، أَشْبَهَ، وَوَضَعَهُ فِي كِتَابِ الجَامِعِ.
وَأَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا عِنْدِي حَدِيثُ إِسْرَائِيلَ وَقَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِسحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ، عَنْ عَبدِ اللهِ؛ لأَنَّ إِسْرَائِيلَ أَثْبَتُ وَأَحْفَظُ لِحَدِيثِ أَبِي إِسحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ.
وسَمِعْت أَبَا مُوسَى مُحَمَّدَ بْنَ المُثَنَّى يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبدَ الرَّحمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: مَا فَاتَنِي الَّذِي فَاتَنِي مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسحَاقَ، إِلَّا لِمَا اتَّكَلْتُ بِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ؛ لأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي بِهِ أَتَمَّ.
قال أَبو عيسى: «وَزُهَيْرٌ فِي أَبِي إِسحَاقَ لَيْسَ بِذَاكَ؛ لأَنَّ سَمَاعَهُ مِنْهُ بِأخَرةٍ
…
».
• الخلاصة: أن الأصح: عن أبي إسحاق، عن أبي عُبيدة، عن ابن مسعود. ولم يَسمع منه. ورواية زُهير عن أبي إسحاق فيها ضعف كما سبق. ورواية أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله أُعِلت بأن أبا إسحاق لم يَسمع من علقمة.
وانتهى شيخنا إلى إعلاله مع الباحث/ هاني الدميري، بتاريخ (9) مُحَرَّم (1442 هـ) الموافق (18/ 8/ 2021 م).
استحباب الوتر في الاستجمار
• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (10718): حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَنْجَى فَلْيُوتِرْ» .
تَفرَّد الإمام أحمد بلفظ: «وَمَنِ اسْتَنْجَى، فَلْيُوتِرْ» وخالفه يحيى بن حكيم، كما عند ابن خُزيمة (75) وأبو داود الحَرَّاني، كما عند أبي عَوَانة (673) والحسن بن مُكْرَمٍ، أخرجه أبو عَوَانة (647) فقالوا:(ومَن استَجمر فليوتر).
وتابعهم متابعة قاصرة عن يونس ثمانية - عبد الله بن الحارث، وابن المبارك، وابن وهب، ووهب بن راشد، وحسان بن إبراهيم، وشَبيب بن سعد، ومحمد بن إسحاق، ويزيد بن يونس -.
وتابعهم متابعة قاصرة ثلاثة - مالك بن أنس كما عند مسلم (237) ومَعْمَر بن راشد وصالح بن كَيْسَان -.
وتابعهم متابعة قاصرة عن أبي هريرة ستة - الأعرج كما عند البخاري (162) ومسلم (237) وهمام بن مُنبِّه وأبو سعيد الخير وأبو يونس بن سُليم وأبو سلمة وعطاء -.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ محمد بن عيد، بتاريخ الخميس (4) مُحَرَّم (1442 هـ) الموافق (12/ 8/ 2021 م): اللفظة شاذة، والصواب: مَنْ استجمر.
قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 257): وَيُسْتَحَبُّ حِينَئِذٍ الْإِيتَارُ لِقَوْلِهِ: «وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِزِيَادَةٍ فِي أَبِي دَاوُدَ حَسَنَةِ الْإِسْنَادِ قَالَ: «وَمَنْ لَا، فَلَا حَرَجَ» وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْبَابِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَوْ كَانَ الْقَصْدُ الْإِنْقَاءَ فَقَطْ، لَخَلَا اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ عَنِ الْفَائِدَةِ، فَلَمَّا اشْتَرَطَ الْعَدَدَ لَفْظًا وَعُلِمَ الْإِنْقَاءُ فِيهِ مَعْنًى، دَلَّ عَلَى إِيجَابِ الْأَمْرَيْنِ. وَنَظِيرُهُ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ، فَإِنَّ الْعَدَدَ مُشْتَرَطٌ وَلَوْ تَحَقَّقَتْ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ.
قال الإمام مسلم رقم (239): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ» .
تابع ابنَ جُريج اثنان مع اختلاف في اللفظ:
1 -
ابن لَهيعة، أخرجه أحمد (14608) بلفظ:«إذا تغوط أحدكم فليَمسح ثلاث مرات» وابن لَهيعة ضعيف، ولم يَرْوِ عنه أحد العبادلة.
2 -
مَعقِل بن عُبيد الله، أخرجه مسلم رقم (1300): حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ - وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْجَزَرِيُّ - عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الِاسْتِجْمَارُ تَوٌّ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ تَوٌّ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَوٌّ، وَالطَّوَافُ تَوٌّ، وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ» .
وقال ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (2/ 793): مَعقِل بن عُبيد الله الجَزَري ثقة، كان أحمد يُضعِّف حديثه عن أبي الزبير خاصة، ويقول: يُشْبِه حديثه حديث ابن لَهيعة.
ومَن أراد حقيقة الوقوف على ذلك، فليَنظر إلى أحاديثه عن أبي الزبير؛ فإنه يجدها عند ابن لَهيعة يرويها عن أبي الزبير كما يرويها مَعقِل سواء.
وأصح الطرق الثلاثة رواية ابن جُريج، لكن لفظها يفيد استحباب الإيتار، بينما خالف أبا الزبير المكي أبو سفيان طلحة بن نافع القرشي، فرواه بلفظ الأمر الذي يفيد الوجوب، فقال:«فليستجمر ثلاثًا» أخرجه أحمد (15296) وابن خُزيمة (76).
وقَدَّم أبو حاتم
(1)
وابن مَعِين رواية أبي الزبير على رواية أبي سفيان عمومًا، وقال شُعبة: حديث أبي سفيان عن جابر إنما هي صحيفة.
• والخلاصة: أن رواية أبي الزبير أرجح بخاصة من رواية ابن جُريج عنه باستحباب الإيتار.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن حامد الشرقاوي، بتاريخ (2) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (8/ 11/ 2021 م):(الاستجمار تَوٌّ) لا يصح.
(1)
قال أبو حاتم في ترجمة أبي سفيان: أبو الزبير أَحَبُّ إليَّ منه.
وقال ابن مَعِين كما في ترجمة أبي الزبير: هو أَحَبُّ إليَّ من أبي سفيان.
الأمر بالاستنزاه من البول
• قال الإمام مسلم رقم (292): وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ: - حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ:«أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ» .
قَالَ: فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ:«لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» .
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَكَانَ الْآخَرُ لَا يَسْتَنْزِهُ عَنِ الْبَوْلِ - أَوْ: مِنَ الْبَوْلِ -
(1)
.
تابع عبد الواحد ووكيع اثنان:
1 -
أبو معاوية، أخرجه البخاري (1361).
2 -
جرير عن الأعمش في وجه، أخرجه البخاري (1378) عن قُتيبة بن سعيد.
(1)
وفي رواية عبد الواحد عن الأعمش كلام، وعليه فتُقدَّم رواية وكيع بالاستتار.
وخالف قتيبةَ عثمانُ وعَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدِ فقالا: عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، فأسقطا طاوسًا، أخرجه البخاري (216، 6055).
ووَجْه الجَمْع أنه من المزيد في متصل الأسانيد؛ لأن مجاهدًا من أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما
(1)
.
وخالف الجماعةَ عن الأعمش في سنده ومتنه - أبو عَوَانة، أخرجه أحمد رقم (9033): حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَكْثَرَ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْبَوْلِ» وتابع عفانَ يحيى بنُ حماد، أخرجه أحمد (8331).
ورواية الجماعة عن الأعمش أصح سندًا ومتنًا، واتفق عليها الشيخان، وقد خولف أبو عَوَانة من ابن فُضيل فأوقفه، ذَكَره الدارقطني في «علله» (1518) ورَجَّح الوقف.
ومِن قبله الإمام أحمد، كما في «تنقيح التحقيق» (1/ 93): ورُوي موقوفًا، ويشبه أن يكون أصح.
وقال أبو حاتم كما في «العلل» (10/ 81): على طريق أبي عَوَانة هذا حديث باطل. يعني رفعه.
(1)
ورواه أبو يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا: «عامة عذاب القبر من البول، فتنزهوا منه» أخرجه عبد بن حُميد (642). وفي سنده أبو يحيى، ضَعَّفه أبو حاتم وابن مَعِين والعُقيلي.
ورواه العوام بن حوشب، أخرجه الطبراني في «المعجم» (11104) وفي سنده عبد الله بن خِرَاش، ضعيف.
بينما رَجَّح البخاري طريق الأعمش، كما في «العلل الكبير» (37) وقال عن طريق أبي عَوَانة: هذا حديث صحيح، وهذا غير ذاك الحديث.
• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن حامد، بتاريخ (2) صَفَر (1443 هـ) الموافق (9/ 9/ 2021 م) إلى ترجيح رواية الأعمش ومنصور، وتضعيف لفظ:«عامة عذاب القبر من البول» واطراح رواية أبي عَوَانة وابن فُضيل عن الأعمش.
وورد له شاهد من حديث أنس رضي الله عنه، رواه ثلاثة - إبراهيم بن الحَجاج وحَرَمِيّ وحَبَّان بن هلال - عن حماد بن سلمة، عن ثُمامة عن أنس رضي الله عنه، بلفظ:«استَنزِهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر من البول» كما في «العلل» (37) لابن أبي حاتم.
وخالفهم أبو سلمة موسى بن إسماعيل فأرسله، أخرجه ابن أبي حاتم في «العلل» بإسناده مرسلًا. وقال أبو حاتم: وهذا أشبه عندي. وقال الدارقطني: المحفوظ مرسل.
بينما قال أبو زُرْعَة: المحفوظ الموصول، وقَصَّر أبو سلمة.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن حامد، بتاريخ (2) صَفَر (1443 هـ) الموافق (9/ 9/ 2021 م): والصواب مرسل.
الدعاء عند دخول الخلاء
• قال البخاري رقم (142): حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الخَلَاءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ» .
وتابع آدمَ - وهو ابن أبي إياس - ثلاثة: محمد بن عَرْعَرة، أخرجه البخاري (6322) ومحمد بن جعفر، أخرجه أحمد (13999) وعلقه البخاري. ووكيع، أخرجه الترمذي (5).
وتابع شعبةَ: هُشيم وحماد بن زيد وابن عُلَيَّة، أخرجهما مسلم (375) وغيره.
وتابعهم عبد الوارث بن سعيد، أخرجه أبو داود (4).
• خالفهم سعيد بن زيد فزاد: (إذا أراد أن يَدخل) علقه البخاري ووصله في «الأدب المفرد» رقم (692): حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، به.
وسعيد بن زيد مختلف فيه، وقال ابن حِبان: كان صدوقًا حافظًا، ممن كان يخطئ فى الأخبار ويَهِم، حتى لا يُحتجّ به إذا انفرد.
• وخالفهم أيضًا عبد العزيز بن المختار، فزاد «باسم الله» قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 244): وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار، عن عبد العزيز بن صُهيب، بلفظ الأمر، قال: «إذا دخلتم الخلاء
فقولوا: باسم الله، أعوذ بالله من الخُبث والخبائث» وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية، ولم أَرَها في غير هذه الرواية.
ورواه اثنان عن أنس بذكر التسمية:
1 -
عبد الله بن أبي طلحة، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5) وفي سنده أبو مَعْشَر نَجيح، ضعيف.
2 -
قتادة
(1)
أخرجه الطبراني في «الدعاء» (356) وفي سنده عَدِيّ بن أبي عمارة، قال العُقيلي: في حديثه اضطراب، والراوي عنه قَطَنٌ الذَّرَّاع.
(1)
وقد خالف عَدِيَّ بن أبي عمارة عن قتادة - الأثباتُ من أصحاب قتادة، فجعلوا الحديث من حديث زيد بن أرقم. واختُلف على قتادة في هذا الحديث، فرواه عنه شُعبة ومَعْمَر، وسعيد بن أبي عَروبة في وجه مرجوح عنه، ثلاثتهم عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم، بلفظ: «إن هذه الحشوش
…
».
وخالفهم هشام الدَّستُوائي وسعيد بن بشير - وهو ضعيف في قتادة - وتابعهما الجماعة - عبد الوهاب بن عطاء وأسباط بن محمد وعبدة بن سليمان ويزيد بن زُرَيْع، عن سعيد بن أبي عَروبة فقالوا: عن قتادة عن القاسم الشيباني عن زيد، به.
ووَجْه الجَمْع أن يقال: لقتادة فيه شيخان، وهو مكثر، وهو الأرجح لديَّ.
وقال البخاري: لعل قتادة سمع منهما جميعًا عن زيد بن أرقم، ولم يَقضِ فيه بشيء.
ووَجْه الترجيح سَلَكه الدارقطني فقال: يُشْبِه أن يكون القول قول شُعبة ومَن تابعه.
بينما حَكَم الترمذي بالاضطراب. ورَدَّ أبو زُرْعَة هذا الخبر إلى حديث عبد العزيز بن صُهيب عن أنس المتفق عليه.
وقال شيخنا مع الباحث إسماعيل بن حامد، بتاريخ (27) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (2/ 21/ 2021 م): يعجبني قول البخاري في التوقف.
قلت (أبو أويس): الظاهر أن البخاري اختار الجمع، بينما وفَهِم الترمذي منه عدم الترجيح.
ورواه الحسن البصري عن أنس، أخرجه الطبراني في «الدعاء» (365) بلفظ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» وفي سنده إسماعيل بن مسلم، ضعيف الحديث.
• فائدة: وسُئل أبو زرعة كما في «علل الحديث» لابن أبي حاتم (1/ 17): عن الخبر فقال: إسماعيل ضعيف، فأرى أن يقال: الرجسُ النجسُ الخبيثُ المخبّثُ الشيطانُ الرجيمُ، فإن هذا دعاء.
• الخلاصة: أن رواية الجماعة عن عبد العزيز هي الصواب، وقد اتُّفق عليها، لكن دون:
1 -
ذكر التسمية.
2 -
إذا أراد أن يَدخل.
3 -
إن هذه الحشوش مُحتضَرة.
وكَتَب شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن حامد، بتاريخ (19) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (24/ 11/ 2021 م): دَقِّق في رواية شُعبة عن ابن صُهيب:
1 -
لفظ الأمر. 2 - اللهم - أعوذ بالله. 3 - كان إذا دخل الخلاء قال. اهـ.
وعلى ما سبق، وهو أثر الدراسة الحديثية أن الأصوب في ذكر دخول الخلاء: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. وإن ذهب الجمهور إلى استحباب التسمية.
فقد قال النووي في «المجموع» (2/ 74): ويُستحب أن يقول إذا دخل الخلاء: باسم الله
…
قوله: «إذا دخل» أي: أراد الدخول. وهذا الأدب متفق على
استحبابه، ويستوي فيه الصحراء والبنيان، صَرَّح به المحاملي والأصحاب، والله أعلم.
الخروج من الخلاء
• قال الإمام أبو داود في «سُننه» رقم (30): حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الغَائِطِ، قَالَ:«غُفْرَانَكَ» .
رواه جمهور الرواة عن إسرائيل
(1)
.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن حامد، بتاريخ الخميس (19) من ذي الحجة (1442 هـ) الموافق (29/ 7/ 2021 م):
1 -
الحديث في الفضائل.
2 -
لم يضعفه أحد.
3 -
صَحَّح الحديث إجمالًا عدد. ا هـ.
وقال شيخنا معي ثم مع ابنه يحيى - حفظه الله - بتاريخ (1) رجب (1441) الموافق (25/ 2/ 2020 م):
إن أقل أحواله الحُسن؛ لحال يوسف بن أبي بُرْدَة.
فقد وثقه العِجْلي وابن حِبان والذهبي.
وقال ابن حجر: مقبول.
(1)
كما سبق تفصيل القول فيه في كتابي «كيف تكون محققًا على نهج كبار المحققين؟» ط/ دار اللؤلؤة.
وصَحَّح حديثَه: ابنُ خزيمة، وابن حِبان والحاكم.
وقال الترمذي: حسن غريب.
• وقال أبو حاتم كما في «العللِ» رقم (93): أصح حديث في هذا الباب - يعني في باب الدعاء عند الخروج من الخلاء - حديثُ عائشة. يعني حديث إسرائيل، عن يوسف بن أبي بُرْدَة، عن أبيه، عن عائشة.
• تنبيه: هذه الأصحية مُقَيَّدة بإذا ما قورن بما وَرَد في هذا الباب من أخبار ضعيفة، فهذا أصحها.
ولم نقف على أحد ضَعَّف يوسف
(1)
، وهو من طبقة أتباع التابعين الذين زَكَّاهم النبي صلى الله عليه وسلم تزكية عامة
(2)
.
(1)
لا يُغتَر بنقل ابن الجوزي في «الموضوعات» عن ابن مَعِين، أنه قال فيه: ليس بشيء. إنما هذا في يوسف بن أبي ذرة، كما في «تلخيص كتاب الموضوعات» (ص: 43) للإمام الذهبي.
(2)
أخرج البخاري (2652)، ومسلم (2533): عَنْ عَبْدِ اللهِ - هو ابن مسعود رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
…
».
الحفاظ على المتطهر من الوساوس
• قال أبو داود في «سُننه» رقم (27): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» قَالَ أَحْمَدُ: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ»
(1)
.
علة هذا الإسناد هي أن رواية مَعْمَر عن الأشعث فيها ضعف لأنه بصري، والحسن لم يَسمع من ابن مُغَفَّل.
ورواه قتادة واختُلف عليه: فرواه سعيد بن بَشير عن قتادة عن الحسن كرواية مَعْمَر. وسعيد ضعيف في قتادة، والسند نازل عند الطبراني في «الأوسط» (6793) وخالفه شُعبة بلفظ:«البول في المُغتسَل يأخذ منه الوسواس» كما عند
(1)
في «عون المعبود وحاشية ابن القيم» (1/ 32):
قَالَ الْحَافِظُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: حَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمُغْتَسَلُ لَيِّنًا وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَذٌ، بِحَيْثُ إِذَا نَزَلَ فِيهِ الْبَوْلُ شَرِبَتْهُ الْأَرْضُ وَاسْتَقَرَّ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ صُلْبًا بِبَلَاطٍ وَنَحْوِهِ، بِحَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهِ الْبَوْلُ وَلَا يَسْتَقِرُّ، أَوْ كَانَ فِيهِ مَنْفَذٌ كَالْبَالُوعَةِ وَنَحْوِهَا، فَلَا نَهْيَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِهِ» : إِنَّمَا نَهَى عَنِ الِاغْتِسَالِ فِيهِ إِذَا كَانَ صُلْبًا، يُخَافُ مِنْهُ إِصَابَةُ رَشَاشِهِ. فَإِنْ كَانَ لَا يُخَافُ ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْفَذٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا كَرَاهَةَ
…
إلخ.
ابن أبي شيبة (1201) وسعيد بن أبي عَروبة بلفظ: «نُهِيَ أو زُجِرَ أن يُبال في المُغتسَل» كما عند الحاكم (663) فروياه عن قتادة عن عقبة بن صَهْبَان عن عبد الله بن مُغَفَّل. أخرجه أبو يعلى (36)، والبيهقي (467).
وقال العُقيلي في «الضعفاء الكبير» : أشعث بن عبد الله الأعمى - وهو الحداني - في حديثه وهم. ثم ساق الأسانيد المرفوعة والموقوفة، وقال: وحديث شُعبة أَوْلَى: - أي: الموقوف - لأن رواية ابن أبي عَروبة محتملة.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ أبي الحسن إبراهيم فراج: الوقف أصح.
وكَتَب أيضًا على طريق مَعْمَر عن الأشعث: هو بصري.
ثم أَكَّد شيخنا هذه النتيجة بتاريخ السبت (18) صَفَر (1443 هـ) الموافق (25/ 9/ 2021 م) مع الباحث إسماعيل بن حامد.
• تنبيه: ومما يُغلَق به باب الوسوسة ما جاء في سجود السهو، وقد يُستأنس بما أخرجه مسلم (282) و البخاري (293) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» وعند البخاري: (فيه) بدل (منه).
كتاب النجاسات
حُكْم دم الآدمي
• اجتمعت الأدلة على نجاسة الدم:
فمِن الكتاب العزيز:
1 -
قال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145].
2 -
وقال جل ذكره: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173].
ومن صحيح السُّنة ما اتفق عليه البخاري (227) ومسلم (291): عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ:«تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ» .
وأيضًا ما اتفق عليه البخاري (228) ومسلم (333): عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي» .
وأما الإجماع، فنَقَله ابن حزم في «مراتب الإجماع» (ص: 19): اتفقوا على أن الكثير من الدم أي دم كان، حاشا دم السمك وما لا يسيل دمه - نجس.
• وقال النووي في «المجموع» (2/ 557): ولا أعلم فيه خلافًا عن أحد من المسلمين، إلا ما حكاه صاحب «الحاوي» عن بعض المتكلمين، أنه قال: هو طاهر. ولكن المتكلمين لا يُعتد بهم في الإجماع.
ونَقَله أيضًا ابن عبد البر في «التمهيد» (22/ 230) والقرطبي في «تفسيره» (2/ 221) وابن حجر في «الفتح» (1/ 352).
• وقال ابن تيمية في «شرح العمدة» (ص: 105): قَالَ أَحْمَدُ: " الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَالْمِدَّةُ عِنْدِي أَسْهَلُ مِنَ الدَّمِ الَّذِي فِيهِ شَكٌّ " يَعْنِي فِي نَجَاسَتِهِ، وَسُئِلَ: الْقَيْحُ وَالدَّمُ عِنْدَكَ سَوَاءٌ؟ فَقَالَ: " الدَّمُ لَمْ يَخْتَلِفِ النَّاسُ فِيهِ، وَالْقَيْحُ قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ".
وقال الإمام مالك في «المدونة» (1/ 128) فِي الرَّجُلِ يُصَلِّيَ وَفِي ثَوْبِهِ دَمٌ يَسِيرٌ، مِنْ دَمِ حَيْضَةِ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَرَاهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يُبَالِي أَلَّا يَنْزِعَهُ، وَلَوْ نَزَعَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا.
وَإِنْ كَانَ دَمًا كَثِيرًا، كَانَ دَمَ حَيْضَةٍ أَوْ غَيْرِهِ، نَزَعَهُ وَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا بِإِقَامَةٍ، وَلَا يَبْنِي عَلَى شَيْءٍ مِمَّا صَلَّى. وَإِنْ رَأَى بَعْدَمَا فَرَغَ، أَعَادَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ. وَالدَّمُ كُلُّهُ عِنْدِي سَوَاءٌ، دَمُ الْحَيْضَةِ وَغَيْرُهُ.
وقال الشافعي في «الأم» (2/ 146): في هذا دليل على أن دم الحيض نجس، وكذا كل دم غيره.
• تنبيه: ذهب إلى طهارة دم الإنسان الشوكاني في «الدرر المضية» (1/ 32) وصِديق حسن خان في «الروضة الندية» (1/ 18) و العَلَّامة الألباني/ في «السلسلة الصحيحة» (1/ 610).
• أدلتهم:
العمل البراءة الأصلية.
وعَوْد الضمير في آية (الأنعام) إلى أقرب مذكور.
وكثرة الجراحات في الغزو.
وصلاة الأنصاري لَمَّا ضُرب بسهم.
وسَيَلان جرح سعد بن معاذ رضي الله عنه.
ودَفْن الشهيد بدمه.
ووَطْء المستحاضة.
وانتهى شيخنا مع الباحث كريم بن محمد إلى نجاسة الدم.
تطهير الثياب من بول الصبي
• في «الصحيحين» من حديث عائشة أُم المؤمنين رضي الله عنها، أنها قالت:«أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ»
(1)
.
رواه جمهور الرواة - مالك، والثوري، ووكيع، ويحيى بن سعيد، وابن المبارك، وابن نُمَيْر، وجَرير، وعيسى بن يونس، ومحمد بن فُضَيْل
…
وغيرهم - عن هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، به.
• وخَالَفهم أبو معاوية، فأَتَى بصيغة الأمر، فقال كما في «مسند إسحاق» (583): حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ، فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:«صُبُّوا عَلَيْهِ الْمَاءَ صَبًّا» .
• والأصح رواية الجمهور. ورواية أبي معاوية شاذة.
(1)
أخرجه البخاري (222، 583)، ومسلم (286).
طهارة بول الجارية
• قال الترمذي في «سُننه» (610): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي بَوْلِ الغُلَامِ الرَّضِيعِ:«يُنْضَحُ بَوْلُ الغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الجَارِيَةِ»
(1)
قَالَ قَتَادَةُ: «وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا، فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا»
(2)
.
وتابع معاذًا عبد الصمد بن عبد الوارث، أخرجه أحمد (563).
• قال الإمام الترمذي في «العلل الكبير» (ص: 42): سألتُ محمدًا عن هذا الحديث، فقال: شُعبة
(3)
لا يرفعه، وهشام الدَّستُوائي حافظ، ورواه يحيى القَطَّان
(4)
، عن ابن أبي عَروبة، عن قتادة، فلم يرفعه.
(1)
أخرجه أحمد (757) وأبو داود في «سُننه» رقم (388)، وابن ماجه (525)، وابن خُزيمة (284) وغيرهم.
(2)
قول قتادة عند الأكثر، ولم يَذكره ابن ماجه ولا ابن خُزيمة
…
إلخ.
(3)
نَقْل البيهقي على فرض ثبوته يؤيد أن في قول البخاري: (سعيدًا) لا شُعبة.
(4)
أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (377).
وتابعه على الوقف عبدة بن سليمان، أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/ 258) رقم (1302): حدثنا عبدة بن سليمان، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: قال علي: بول الغلام يُنضَح، وبول الجارية يُغسَل. لكن بإسقاط أبي الأسود. وتابع عبدةَ عثمانُ بن مطر - وهو ضعيف - كما عند عبد الرزاق في «مصنفه» (1488).
• تنبيه: نَقَل البيهقي في «السُّنن الكبرى» (2/ 582): فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي عِيسَى أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ لَا يَرْفَعُهُ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ يَرْفَعُهُ، وَهُوَ حَافَظٌ. قُلْتُ: إِلَّا أَنَّ غَيْرَ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ مُرْسَلًا.
• وقال البزار في «مسنده» (2/ 295): قَدْ رُوِىَ هَذَا الْفِعْلُ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي لَيْلَى، وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأُمِّ قَيْسٍ ابْنَةِ مِحْصَنٍ، وَأُمِّ الْفَضْلِ، وَأَسَانِيدُهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَأَحْسَنُهَا إِسْنَادًا حَدِيثُ عَلِيٍّ، وَحَدِيثُ أُمِّ قَيْسٍ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ مُعَاذٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، مَوْقُوفًا.
• وسُئل عنه الدارقطني في «علله» (2/ 117) فقال: رَفَعه هشام بن أبي عبد الله من رواية ابنه معاذ، وعبد الصمد بن عبد الوارث، عن هشام.
ووقفه غيرهما عن هشام.
وكذلك رواه سعيد بن أبي عَروبة، وهمام، عن قتادة، موقوفًا، والله أعلم.
• وقال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/ 88): إسناده صحيح، إلا أنه اختُلف في رفعه ووقفه، وفي وصله وإرساله، وقد رَجَّح البخاري صحته، وكذا الدارقطني.
وقال البزار: تَفرَّد برفعه معاذ بن هشام عن أبيه.
وقد رُوي هذا الفعل من حديث جماعة من الصحابة، وأحسنها إسنادًا حديث علي.
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ عبد الله بن محمد فاروق: سنده حسن. واذكر ما تراه في العلل على أنك لم تقف على الروايات مسندة.
وذَكَر ابن حجر له شاهدين:
الأول في «سُنن أبي داود» رقم (376).
• فائدة: في زيادات أبي الحسن بن سلمة على ابن ماجه في «سُننه» رقم (525): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْمِصْرِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «يُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَالْمَاآنِ جَمِيعًا وَاحِدٌ» قَالَ: لِأَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّمِ. ثُمَّ قَالَ لِي:«فَهِمْتَ؟» أَوْ قَالَ: «لَقِنْتَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ آدَمَ، خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ ضِلَعِهِ الْقَصِيرِ، فَصَارَ بَوْلُ الْغُلَامِ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَصَارَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّمِ. قَالَ، قَالَ لِي: فَهِمْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لِي: نَفَعَكَ اللَّهُ بِهِ.
طهارة الثوب
• قال عبد الله في زياداته على «المسند» رقم (20920): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ مَخْلَدُ بْنُ الْحَسَنِ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي زُمَيْلٍ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو الرَّقِّيَّ - عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ - يَعْنِي ابْنَ عُمَيْرٍ - عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي آتِي فِيهِ أَهْلِي؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِلَّا أَنْ تَرَى فِيهِ شَيْئًا فَتَغْسِلَهُ» .
• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أحمد الصاوي، بتاريخ الخميس (18) مُحَرَّم (1443 هـ) الموافق (26/ 8/ 2021 م): والله أعلم الوقف أصح.
وله شاهد في «معاني الآثار» رقم (300): حدثنا أبو بكرة قال: ثنا إبراهيم بن بشار قال: ثنا سفيان، عن مِسْعَر، عن جَبَلة بن سُحَيْم قال: سألتُ ابن عمر عن المني، يصيب الثوب، قال:«انضحه بالماء» فقد يجوز أن يكون أراد بالنضح: الغَسل؛ لأن النضح قد يسمى غَسلًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إني لأعرف مدينة يَنضح البحر بجانبها» يعني يَضرب البحر بجانبها. ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد غير ذلك.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ أحمد الصاوي: في السند كلام، ثم هو موقوف.
وقوع الفأرة في السمن
• قال عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (279): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ، قَالَ:«إِذَا كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهُ وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» .
خالف مَعْمَرًا الجماعةُ - مالك، كما عند البخاري (5540) وسفيان بن عُيينة، كما عند البخاري (5538) ويونس، كما عند البخاري (5539) والأوزاعي، كما عند أحمد (26803) وعبد الرحمن بن إسحاق، كما عند الطبراني في «الكبير» (27) - فقالوا
(1)
: عن الزُّهْري، عن عُبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، بغير تفصيل بين الجامد والمائع. انظر البخاري (5538) وغيره.
(1)
وخالفهم اثنان:
1 -
ابن جُريج كما في «الحِلية» (3/ 381) وفي سنده يكر بن سهل، ضعيف.
2 -
وعبد الجبار بن عمر وهو ضعيف، كما عند الطبراني في «الأوسط» (888).
كلاهما عن الزُّهْري عن سالم عن أبيه. وإسناده ضعيف.
وثَم وجه رابع من الخلاف تارة عن عُقَيْل عن الزُّهْري عن عُبيد الله، مرسلًا.
• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ محمد بن صلاح المنياوي، بتاريخ (29) ربيع الأول (1443) الموافق (4/ 11/ 2021 م): مَعْمَر وَهِم سندًا ومتنًا.