المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة الحمد لله القائل: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} - سلسلة الفوائد الحديثية والفقهية - جـ ١٠

[أبو أويس الكردي]

فهرس الكتاب

‌مقدمة

الحمد لله القائل: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8].

والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ»

(1)

.

وبعد، فهذه الأجزاء الثلاثة - العاشر والحادي عشر والثاني عشر- من «سلسلة الفوائد الحديثية والفقهية» ابتدأتُ ترتيبها بفضل الله تعالى بعد اكتمالها بتاريخ ليلة الاثنين (26) صفر (1445 هـ) الموافق (10/ 9/ 2023 م).

وجعلتُ ترتيبها كترتيب الأجزاء التسعة السابقة، وما كان من تعديل يسير أو تعقيب أو تَراجُع مقتضب، جعلتُه في نهاية الجزء الثاني عشر حتى يتمكن مَنْ اقتنى الأجزاء التسعة الأولى أن يرجع إليه بيسر وسهولة.

واللهَ أسأل أن يتقبله مني ومن إخواني ومشايخي بقَبول حسن، وأن يبارك فيهم جميعًا وفي أوقاتهم وعلمهم، ويجعلهم منارة هدى، وأن يبارك

(1)

أخرجه البخاري (2977)، ومسلم (523).

ص: 5

في شيخنا وفي علمه وعمله وأهله وماله وطلابه، وأن يستعملنا في نصرة دينه ابتغاء وجهه ذي الجلال والإكرام.

وكَتَبه

أبو أويس أشرف بن نصر بن صابر بن إبراهيم،

الكردي البُرلسي المصري

نزيل مدينة منية سمنود، بلد العلم والعلماء

مركز أجا/ محافظة الدقهلية/ مصر.

ص: 6

‌كتاب التوحيد

(أسماء الله الحسنى)

‌اسم الله الأعظم

وردت فيه أخبار فيها مقال:

منها ما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (27611): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي هَذَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] وَ {الم 1 اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 2]: «إِنَّ فِيهِمَا اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ» .

وخالف محمدَ بن أبي بكر أبو عاصم الضحاك بن مخلد في المتن، كما عند الدارمي في «سننه» رقم (3432):«اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163]» فجعل الآيتين من «البقرة» .

وخالفهما عيسى بن يونس في المتن، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (29363) وأبو داود (1496) والترمذي (3478) وابن ماجه (3855): «اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، وَفَاتِحَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: {الم 1 اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ

ص: 7

الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 2]». وتابعه مَكِّيّ بن إبراهيم، أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» رقم (178).

عِلته ابن لَهيعة، والراوي عنه عبيد الله.

ومنها ما أخرجه الدارمي في «سننه» رقم (3436): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قرأ رَجُلٌ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، فَقَالَ:«قَرَأْتَ سُورَتَيْنِ فِيهِمَا اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى» وعِلته جابر بن يزيد الجُعفي، ضعيف.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث عمرو بن خالد بن محمد بن سليم النبراوي

(1)

بتاريخ الاثنين (23) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (12/ 6/ 2023 م): كل طرقه ضعيفة، راجع أيضًا كتاب «اسم الله الأعظم» . اه.

(1)

وُلد بتاريخ (20/ 7/ 2006 م) بمدينة نبروه بمحافظة الدقهلية، وهو على مشارف الصف الثالث الثانوي الأزهري.

ص: 8

‌الصادق عز وجل

-

قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ

ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146] ووجه الدلالة من الآية أن اسم الصادق جاء مشتقًّا على اسم الفاعل.

وقال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (31308): حَدَّثنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي مُوسَى، فَجَنَّنَا اللَّيْلُ إِلَى بُسْتَانٍ خَرِبٍ. قَالَ: فَقَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَةً حَسَنَةً، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّك مُؤْمِنٌ تُحِبُّ الْمُؤْمِنَ، وَمُهَيْمِنٌ تُحِبُّ الْمُهَيْمِنَ، سَلَامٌ تُحِبُّ السَّلَامَ، صَادِقٌ تُحِبُّ الصَّادِقَ. وإسناده صحيح.

* وإليك طرفًا من أقوال العلماء:

قال الزَّجَّاجي (ت: 337) في «اشتقاق أسماء الله» (ص: 169): الصادق في خبره: الذي لا تكذيب له، فالله عز وجل الصادق في جميع ما أَخْبَر به عباده.

*-والصادق أيضًا: الصادق في وعده، الوافي به، يقال: وفى بعهده ووعده وأوفى به، وفي كلام بعضهم «ما أرى كاليوم قفا وافٍ» فقال له:«هي قفا غادر شر» فالله عز وجل الصادق في جميع ما وعد به عباده، وهذه الصفة من صفاته مستنبطة من «سورة مريم» من قوله:{إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [التوبة: 19]: أي آتيًا، مفعول بمعنى فاعل، وإذا كان وعده آتيًا فهو الصادق فيه، وكل شيء وعد

ص: 9

الله عز وجل عباده به فهو كائن كما وعد به عز وجل لا محالة.

وقال البيهقي (ت: 458) في «الأسماء والصفات» (ص: 133): ومنها: (الصادق): وهو في خبر عبد العزيز بن الحصين مذكور. وفي كتاب اللّه عز وجل: {ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} . وقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ} .

أما شيخنا معي بتاريخ (23 رجب 1444 هـ) الموافق (14/ 2/ 2023 م): فقال: نثبته كما جاء، ونحوه في قوله تعالى:{أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64].

ص: 10

‌هل الدَّيَّان من أسماء الله عز وجل

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (16042): حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي، فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا، حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ الشَّامَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ: قُلْ لَهُ: جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ. فَقَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

فَخَرَجَ يَطَأُ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْتُهُ، فَقُلْتُ: حَدِيثًا بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِصَاصِ، فَخَشِيتُ أَنْ تَمُوتَ أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ - عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا» قَالَ: قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا؟ قَالَ: «لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ» قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عز وجل عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا؟ قَالَ: «بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ» .

تابع يزيدَ بن هارون جماعة: موسى بن إسماعيل كما في «الأدب المفرد»

ص: 11

(970)

وداود بن شبيب كما في «خَلْق أفعال العباد» (408) وعفان بن مسلم كما في «معرفة الصحابة» (2/ 135) لابن قانع، وشيبان بن فروخ كما في «السُّنة» (526) لابن أبي عاصم، وهُدبة بن خالد كما في «مسند الحارث» (44).

وتابع همامًا عبد الوارث بن سعيد كما عند الخطيب في «الرحلة» (32) ومحمد بن مسلم الطائفي كما في «مسند الروياني» (1491) وداود بن الوازع كما في «الأوسط» (8593) للطبراني.

ومحمد بن عبد الله بن عقيل مُختلَف فيه، وهو إلى الضعف أقرب.

وقال البيهقي في «الأسماء والصفات» (273): هذا حديث تَفرَّد به القاسم عن ابن عقيل، والقاسم لم يَحتج به الشيخان، واختَلف الحُفاظ في الاحتجاج برواية ابن عقيل لسوء حفظه، ولم يَثبت في كلام الله عز وجل أو في حديث صحيح عن النبي غير حديثه، وليس بنا ضرورة إلى إثباته.

وتابع ابن عقيل اثنان:

1 -

محمد بن المنكدر كما عند الطبراني في «مسند الشاميين» (151). وعلته سليم بن صالح

(1)

عن ابن ثوبان، لا يُعرَف، قاله الذهبي في «الميزان» .

2 -

أبو الجارود العبسي كما في «الرحلة» (33) للخطيب. وعلته عمر بن الصبح، قال الدارقطني: متروك.

والخلاصة: أن البخاري علقه ووصله في «الأدب المفرد» و «خَلْق أفعال العباد» وأسلمُ سند له وأشهرُه طريق عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مُختلَف

(1)

وعند الطبراني: سليمان. وفي «فوائد تمام» (928) قال: السليم بن صالح.

ص: 12

فيه، وقد صحح إسناده الحاكم، وقال الذهبي: حديثه في مرتبة الحسن. وقال ابن حجر: ابن عقيل إذا انفرد فيُحسَّن حديثه وأما إذا خالف فلا يُقبَل. وحَسَّن الخبر العراقي والهيثمي والعلامة الألباني.

وانتهى شيخنا معي من قبل في «تحقيقي الرحلة» للخطيب، ط دار ابن تيمية بالقاهرة، إلى ضعف إسناده ولبعض فقراته شواهد. ثم عَرَضه الباحث علي بن محمد القناوي على شيخنا، بتاريخ (8) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (28/ 5/ 2023 م) فانتهى إلى ضعف إسناده لحال ابن عقيل.

شواهد الفقرات:

1 -

قوله: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ - عُرَاةً غُرْلًا» له شاهد في البخاري (4740) ومسلم (2860).

2 -

قوله: «فيناديهم بصوت» جاء في البخاري رقم (4741) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «فينادي بصوت» على الاختلاف في ضبط دال (ينادي) بالفتح أو الكسر. وفي إسناده حفص، مُتكلَّم فيه.

وقد قال ابن القيم في «النونية» (1/ 80):

وكذا النداء فإنه صوت بإجم اع النحاة وأهل كل لسانِ

3 -

قوله: «وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ

» جاءت الأخبار في القِصَاص في الآخرة.

ص: 13

ومنها حديث البخاري (2449) وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» .

ص: 14

‌صفات ربنا جل في علاه ذو الجلال والإكرام

قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27].

قال النَّسائي في «سننه الكبرى» رقم (11499): أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَلِظُّوا بِذِي الْجِلَالِ وَالْإِكْرَامِ» .

وتابع محمدَ بن يحيى أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه

(1)

، أخرجه الحاكم (1836).

وتابع عبدان جماعة: إبراهيم بن إسحاق، أخرجه أحمد (17596)، وسلمة بن سليمان كما عند ابن منده (354) ومحمد بن عيسى عند النسائي (7669) وعبد الله بن سنان، كما عند الروياني (1478) ويحيى الحِمَّاني، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (4594).

والخلاصة: أن رجاله ثقات بخاصة سند النسائي. وكَتَب شيخنا مع الباحث

(1)

قال فيه الخليلي في «الإرشاد» (3/ 915): حَافِظٌ، سَمِعَ عَبْدَانَ وَغَيْرِهِ

مَعْرُوفٌ بِالْأَمَانَةِ وَالْعِلْمِ.

وقال الذهبي في «تذكرة الحُفاظ» (2/ 143): الحافظ الثقة.

ص: 15

هشام بن مجدي السويفي، بتاريخ (4) ذي الحجة (1444 هـ) الموافق (22/ 6/ 2023 م): سنده صحيح.

وللخبر شاهد من حديثَي أنس وأبي هريرة رضي الله عنه:

1 -

حديث أنس رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (29969): حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلِظُّوا بِ: يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ» .

وتابع الأعمش الرحيل بن معاوية، أخرجه الترمذي (3539). ويزيد ضعيف.

ورواه حماد -هو ابن سلمة كما نصّ عليه الدارقطني- واختُلف عليه في الوصل والإرسال، وصَوَّب الإرسال أبو حاتم في «علله» (5/ 394) والدارقطني في «علله» (2365).

2 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه الحاكم (1843) وفي سنده رشدين بن سعد، ضعيف.

فائدة: هناك من يسمى رشدين غير رشدين بن سعد:

1 -

رشدين بن عبد العزيز المصري، قال فيه الذهبي في «تاريخ الإسلام» (6/ 81): شيخٌ مُعمَّر مصري.

2 -

رشدين بن كريب المدني، قال فيه البخاري: منكر الحديث.

3 -

رشدين بن القاسم بن عمير، ترجمه ابن أبي حاتم ولم يَذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. وانظر:«شرح علل الترمذي» (2/ 874).

ص: 16

‌توحيد الألوهية

‌فضل كلمة التوحيد

وردت فيه أدلة كثيرة:

منها ما أخرجه النَّسَائي في «سُننه الكبرى» رقم (10780): أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابنِ وَهْبٍ قال: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ بِهِ، وَأَدْعُوكَ بِهِ. قَالَ: يَا مُوسَى، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ، كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هَذَا. قَالَ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصُّنِي بِهِ. قَالَ: يَا مُوسَى، لَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي، وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ- فِي كِفَّةٍ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ، مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» .

وتابع أحمدَ بن عمرو ثلاثةٌ: حرملة بن يحيى، كما عند ابن حبان (6309)، وأحمد بن صالح، كما في «الدعاء» (1377) للطبراني، وأصبغ بن الفرج، كما عند الحاكم (1876).

وتابع عمرَو بن الحارث ابنُ لَهِيعة، كما عند الطبراني في «الدعاء» (1378) مختصرًا.

وعِلته دَرَّاج أبو السمح، ضعيف وبخاصة في أبي الهيثم.

ص: 17

وله شاهد مختصر من حديث أنس، كما في «الأربعين في فضائل ذِكر رب العالمين» (29) وفي سنده يزيد الرَّقَاشي وهو ضعيف. وتلميذه سعيد بن راشد متروك.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن ممدوح المنوفي، بتاريخ (15 رمضان 1444 هـ) الموافق (6/ 4/ 2023 م) إلى ضعفه. وقال للباحث: إن حديث البطاقة لا يَصلح شاهدًا له.

ومنها ما جاء في «زوائد المسند» رقم (16023): حَدَّثَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ الضَّبِّيُّ دَاوُدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ الْمُسَيِّبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عِبَادٍ الدِّيلِيِّ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا أَسْلَمَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَ عَيْنِي بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ، يَقُولُ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، تُفْلِحُوا» وَيَدْخُلُ فِي فِجَاجِهَا وَالنَّاسُ مُتَقَصِّفُونَ عَلَيْهِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَقُولُ شَيْئًا، وَهُوَ لَا يَسْكُتُ، يَقُولُ:«أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا» إِلَّا أَنَّ وَرَاءَهُ رَجُلًا أَحْوَلَ وَضِيءَ الْوَجْهِ، ذَا غَدِيرَتَيْنِ، يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ، كَاذِبٌ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَذْكُرُ النُّبُوَّةَ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُكَذِّبُهُ؟ قَالُوا: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ. قُلْتُ: إِنَّكَ كُنْتَ يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا، قَالَ: لَا وَاللَّهِ إِنِّي يَوْمَئِذٍ لَأَعْقِلُ.

وتابع أبا سليمان إبراهيم بن أبي العباس، أخرجه أحمد (19004).

وتابعهما سعيد بن أبي مريم، كما عند الحاكم (39).

وتابع عبد الله بن ذكوان حسين بن عبد الله بن عبيد الله وهو ضعيف، أخرجه أحمد (16025).

ص: 18

ومحمد بن المنكدر

(1)

من رواية محمد بن عمرو، كما عند الطبراني (4584) وسعيد بن سلمة كما عند الحاكم (38)، والطبراني في «الأوسط» رقم (1487).

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث إسماعيل بن موسى، بتاريخ (5) صَفَر (1444 هـ) الموافق (30/ 8/ 2022 م): لأول وهلة يُحسَّن بمجموع الطرق.

(1)

وفي «زوائد عبد الله» (16022): قَالَ عَبَّادٌ: أَظُنُّ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَبَيْنَ رَبِيعَةَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ.

ص: 19

‌الصدق من شروط «لا إله إلا الله»

قال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33].

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (16215): حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْكَدِيدِ - أَوْ قَالَ: بِقُدَيْدٍ - فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنَّا يَسْتَأْذِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ فَيَأْذَنُ لَهُمْ.

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«مَا بَالُ رِجَالٍ يَكُونُ شِقُّ الشَّجَرَةِ الَّتِي تَلِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْغَضَ إِلَيْهِمْ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ؟» فَلَمْ نَرَ عِنْدَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا بَاكِيًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الَّذِي يَسْتَأْذِنُكَ بَعْدَ هَذَا لَسَفِيهٌ. فَحَمِدَ اللَّهَ، وَقَالَ حِينَئِذٍ:«أَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَمُوتُ عَبْدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ ثُمَّ يُسَدِّدُ إِلَّا سُلِكَ فِي الْجَنَّةِ» .

قَالَ: «وَقَدْ وَعَدَنِي رَبِّي عز وجل أَنْ يُدْخِلَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا حَتَّى تَبَوَّءُوا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِكُمْ وَأَزْوَاجِكُمْ وَذُرِّيَّاتِكُمْ مَسَاكِنَ فِي الْجَنَّةِ» وَقَالَ: «إِذَا مَضَى نِصْفُ اللَّيْلِ - أَوْ قَالَ: ثُلُثَا اللَّيْلِ - يَنْزِلُ اللَّهُ عز وجل إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي أَحَدًا غَيْرِي، مَنْ ذَا يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ مَنِ الَّذِي يَدْعُونِي فأَستَجِيبَ لَهُ؟

ص: 20

مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ».

وتابع إسماعيلَ بن إبراهيم جماعة مطولًا ومختصرًا.

وتابع هشامًا الدَّستُوائي الأوزاعي، أخرجه أحمد (16317) وغيره.

وتابعهما شيبان بن عبد الرحمن، أخرجه أحمد (16468).

الخلاصة: قال شيخنا مع الباحث أبي حمزة السويسي، بتاريخ (12 محرم 1444 هـ) الموافق (10/ 8/ 2022 م): إسناده صحيح.

ص: 21

‌الاستغناء عن الناس

قال الإمام الطبري في «تفسيره» (27): حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْهِلَالِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَغْنُوا عَنِ النَّاسِ وَلَوْ بِشُوصِ السِّوَاكِ»

(1)

.

تابع عبدَ الرحمن بن المبارك عبدُ الواحد بن غياث، أخرجه البزار (4824).

وتابعهما يحيى بن إسحاق وحجاج بن منهال، أخرجه الطبري (12257).

وخالف عبدَ العزيز بن مسلم جريرُ بن حازم فقال: عن الأعمش ومنصور عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب، مرسلًا. وقال أبو حاتم: المرسل أشبه.

وقال غير واحد: عن الأعمش عن الحَكَم عن ابن أبي ليلى. كما عند البيهقي في «شُعب الإيمان» (5/ 168).

وسُئل أحمد عن رواية عبد العزيز القسملي المرفوعة فقال: منكر، ما رأيتُ حديثًا أنكر منه.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث إبراهيم بن فراج، بتاريخ (19) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (4/ 10/ 2023 م) إلى إعلاله.

(1)

أي: عن سؤالهم (ولو بشوص السواك) روى بعضهم بضم الشين المعجمة وفتحها، أي: غسالته أو ما يتفتت منه عند التسوك. والمراد التقنع بالقليل والاكتفاء بالكفاف. كما في «السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير» (1/ 202).

ص: 22

‌حكم النُّشْرَة

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (14135): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَقِيلُ بْنُ مَعْقِلٍ

(1)

، سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّشْرَةِ، فَقَالَ:«مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» .

وعن الإمام أحمد رواه أبو داود في «سُننه» (3868).

وتابع الإمام أحمد شعثم بن أصيل

(2)

كما في «الثقات» (5/ 220) لابن حبان.

وخالفهما إسحاق الدبري كما في «المصنف» (19762) فأوقفه هكذا: أَخبَرنا عَقِيلُ بن مَعْقِلٍ، عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: سُئِلَ جَابِرُ بن عَبدِ اللهِ عَنِ النَّشْرِ، فَقَالَ: مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

(3)

.

(1)

وفي «مسند أحمد» عقبه: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ أَبِي: عَقِيلُ بْنُ مَعْقِلٍ هُوَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ بْنُ عَقِيلٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَقِيلٍ، وَكَانَ عَسِرًا لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ، فَأَقَمْتُ عَلَى بَابِهِ بِالْيَمَنِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، حَتَّى وَصَلْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِحَدِيثَيْنِ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَحَادِيثُ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ، فَلَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَسْمَعَهَا مِنْ عُسْرِهِ، وَلَمْ يُحَدِّثْنَا بِهَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ لِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا، فَلَمْ أَسْمَعْهَا مِنْ أَحَدٍ.

(2)

ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وأسند له هذا الحديث.

(3)

هل هذا من زيادات عبد الرزاق على «جامع معمر» لأنه في «جامعه» هكذا أخبرنا عقيل.

ص: 23

والخلاصة: أن الإسناد صحيح بالوجهين رفعًا ووقفًا، وعَقيل وثقه ابن مَعين وأحمد بن حنبل. ورواية وهب عن جابر صحيفة

(1)

.

وله شاهد مرسل، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (25061): حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنِ النُّشَرِ فَذَكَرَ لِي عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ: «هِيَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» .

وتابعهما على الإرسال علي بن الجعد، كما عند أبي داود في «مراسيله» رقم (453).

وخالفهم مسكين بن بكير فوَصَله عن الحسن عن أنس، أخرجه البزار في «مسنده» (6709) والحاكم (4/ 414) و «حِلية الأولياء» (1031).

ورواية الجماعة هي الصواب بالإرسال، وخَطَّأه أبو حاتم في «العلل»

(1)

وصححه أخونا الباحث الشيخ محمد العَلَاوي في تحقيقه «شرح كتاب التوحيد» لابن باز (ص/ 145) ط دار الضياء.

وكَتَب شيخنا في تحقيقه «قُرة العين» (ص/ 246 - 247):

رجاله ثقات وفيه بعض الكلام:

وفي هذا الحديث بعض الإشكالات:

أحدها: أنه قد أُعل بالوقف.

ثانيًا: تَكلَّم بعض العلماء كابن مَعين، في سماع وهب من جابر وقال: هي صحيفة ليست بشيء. وقال في موضع آخَر: إنما هو كتاب.

لكن قد يمكن أن يجاب على هذا بأن الوجادة معمول بها عند كثيرين، لكن قوله:«هي صحيفة ليست بشيء» محتمل أكثر من وجه: فيحتمل أن ابن مَعين يضعفها مطلقًا، ويحتمل أنه يَقصد أنها ليست بشيء يُثبِت السماع.

هذا وللحديث شاهد ضعيف أخرجه الحاكم.

ص: 24

(2393)

وصَوَّب الإرسال.

وقال البيهقي عقب رواية وهب عن جابر في «السُّنن الكبير» (9/ 590): وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، وَهُوَ مَعَ إِرْسَالِهِ أَصَحُّ، وَالْقَوْلُ فِيمَا يُكْرَهُ مِنَ النُّشْرَةِ وَفِيمَا لَا يُكْرَهُ كَالْقَوْلِ فِي الرُّقْيَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث طارق بن جمال البِيَلي، بتاريخ (5 ذي القعدة 1444 هـ) الموافق (25/ 5/ 2023 م) إلى أنه لا يصح حديث في النشرة.

قال ابن حجر في «تغليق التعليق» (5/ 49): قال أبو جعفر بن جرير في «تهذيب الآثار» له: ثنا حميد بن مسعدة ثنا يزيد بن زُريع ثنا سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب، أنه كان لا يَرى بأسًا إذا كان الرجل به سِحر أن يمشي إلى مَنْ يطلق ذلك عنه. قال: هو صلاح. قال: وكان الحسن يَكره ذلك ويقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر.

قال: فقال سعيد بن المسيب: لا بأس بالنشرة، إنما نُهي عما يضر ولم يُنْهَ عما ينفع. إسناده صحيح.

وقال ابن القيم في «إعلام المُوقِّعين» (6/ 558):

النشرة حَل السحر عن المسحور، وهي نوعان:

حل سحر بسحرٍ مثله، وهو الذي مِنْ عمل الشيطان، فإن السحر من عمله فيَتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب، وعلى النوع المذموم يُحمَل قول الحسن: لا يَحل السحر إلا ساحر.

ص: 25

‌القضاء على رواسب الجاهلية

(1)

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (9588): حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ، مَنْ تَرَكَ شَيْئًا خِيفَةً فَلَيْسَ مِنَّا» يَعْنِي الْحَيَّاتِ.

وتابع يحيى القطانَ جماعةٌ- صفوان بن عيسى، كما عند أحمد (10752)، وزياد بن سعد، كما في «فوائد أبي بكرٍ النَّيسابوري» (130، 131)، وأبو عاصم النبيل، كما في «مشكل الآثار» (1338)، وحيوة بن شُريح، كما عند الطبري في «تفسيره» (763). وفي سنده حَجاج بن رِشدين، ضعيف. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (6223) وزاد:«فإنه لا يبدو لكم مسلموها» وعبد الله بن محمد منكر الحديث، قاله العُقيلي، ورَوَى عن أبيه نسخة موضوعة.

ورواه سفيان بن عيينة عن ابن عجلان كرواية الجماعة السابقة، أخرجه أبو داود (5248) وتارة بإثبات واسطة بين ابن عجلان وأبيه، وهي بُكير بن الأشج، أخرجه الحميدي (1190) وقال الدارقطني في «العلل» (2174): ولعل محمد بن عجلان سمعه عن أبيه، واستثبته من بُكير بن الأشج.

(1)

في «عون المعبود شرح سنن أبي داود» (9/ 2534): قَدْ جَرَتِ العَادَةُ عَلَى نَهْجِ الجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ: (لَا تَقْتُلُوا الْحَيَّاتِ فَإِنَّكُمْ لَوْ قَتَلْتُمْ لَجَاءَ زَوْجُهَا وَيَلْسَعُكُمْ لِلِانْتِقَامِ) فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَالِاعْتِقَادِ. كَذَا فِي «الْمِرْقَاةِ» .

ص: 26

الخلاصة: أن هذا الإسناد حسن لحال عجلان، فقد ذَكَره ابن حبان في «الثقات» وقال النَّسائي: لا بأس به. واستَشهد به البخاري، وأَخْرَج له مسلم.

وكَتَب شيخنا مع الباحث إبراهيم بن محمود بن إبراهيم بن صالح البلقاسي، بتاريخ (18) ربيع الآخِر (1445 هـ) الموافق (2/ 11/ 2023 م): احكم على السند

(1)

.

وللخبر شاهدان:

الأول: حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه الطحاوي في «شرح مُشكِل الآثار» رقم (1339): حَدَّثَنَا بَكَّارٌ

(2)

قَالَ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

فَذَكَرَ مِثْلَهُ

(3)

.

(1)

هذا في المرة الثالثة لعرض هذا الخبر عليه، فمرة كَتَب: يُراجَع الخبر مع أحد إخوانك. ومرة ثانية كان في آخِر العرض فكتب: يُعرَض أولَ شيء.

(2)

هو ابن قُتيبة، وثقه مَسلمة بن قاسم والحاكم. وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» .

(3)

أي: مِثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 27

تابع مسروقَ بن الأجدع اثنان:

1 -

عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، أخرجه أبو داود في «سُننه» (5249) والنَّسائي (3193)، وفي سنده شَريك، ضعيف. وعبد الرحمن مختلف في سماعه من أبيه بين النفي والإثبات واستثناء بعض الأحاديث، وهذا ليس منها.

2 -

المسيب بن رافع، أخرجه أحمد (3984)، والمسيب لم يَسمع من ابن مسعود وزاد:«مَنْ قَتَل حية فله سبع حسنات، ومَن قَتَل وزغًا فله حسنة» .

وهذه الطرق أسلمها طريق الطحاوي، وبمجموعها يصح.

الشاهد الثاني: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه أحمد في «مسنده» (2037)، وأبو داود في «سُننه» (5250): حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ الطَّحَّانُ الصَّغِيرُ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ فِيمَا أُرَى إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ الْحَيَّاتِ مَخَافَةَ طَلَبِهِنَّ فَلَيْسَ مِنَّا، مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ» .

وتابع موسى أيوبُ السَّختياني من رواية مَعمر لكن قال: لا أَعْلَمُه إلا رَفَع الحديث. أخرجه عبد الرزاق في «مُصنَّفه» (19617)، ورواية مَعمر في البصريين مُتكلَّم فيها. وعِلته عدم الجزم بالرفع.

تنبيه:

قال ابن عبد البر في «التمهيد» (16/ 23):

اختَلف العلماء في قتل الحيات جملة:

ص: 28

فقال منهم قائلون: تقتل الحيات كلها في البيوت والصحاري في المدينة وغير المدينة. لم يَستثنوا منها نوعًا ولا جنسًا، ولا استثنوا في قتلهن موضعًا. وسنذكر اختلافهم في إذنها بالمدينة وغيرها، في (باب صيفي) إن شاء الله.

ص: 29

‌كتاب الملائكة

‌كثرة الملائكة في ليلة القدر

قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4]

قال الطيالسي في «مسنده» رقم (2668): حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ:«إِنَّهَا لَيْلَةُ سَابِعَةٍ أَوْ تَاسِعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى» .

وتابع الطيالسيَّ عمرُو بن مرزوق، كما عند الطبراني في «الأوسط» (2522).

تَفرَّد به عمران عن قتادة، قاله الطبراني.

وقال البزار عقب الخبر: لا نَعْلَم رَوَى قتادة عن أبي ميمون عن أبي هريرة إلا هذين الحديثين، ولا نَعْلَم لهما طريقًا عن أبي هريرة إلا هذا الطريق الذي ذكرنا.

وقال البرقاني في «سؤالاته» (593): سمعتُ الدارقطني يقول: قتادة عن أبي ميمون عن أبي هريرة مجهول يُترَك.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أبي سهل الرَّبَعي، بتاريخ (15 رمضان 1444 هـ) الموافق (6/ 4/ 2023 م) إلى أن الخبر ضعيف؛ لما يلي:

1 -

لضَعْف عمران.

ص: 30

2 -

جهالة أبي ميمون.

3 -

التفرد.

ص: 31

‌هل ثَبَت أن المُوكَّل بالقطر هو ميكائيل؟

وردت هذه الوظيفة من طريقين:

1 -

بُكير بن شهاب. 2 - ابن أبي ليلى. ويُقوِّي أحدهما الآخَر.

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (2483): حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعِجْلِيُّ، وَكَانَتْ لَهُ هَيْئَةٌ رَأَيْنَاهُ عِنْدَ حَسَنٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْبَأْتَنَا بِهِنَّ عَرَفْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَاتَّبَعْنَاكَ. فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ إِسْرَائِيلُ عَلَى بَنِيهِ، إِذْ قَالُوا: اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ.

قَالَ: «هَاتُوا» قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ عَلامَةِ النَّبِيِّ. قَالَ: «تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ» قَالُوا: أَخْبِرْنَا كَيْفَ تُؤْنِثُ الْمَرْأَةُ، وَكَيْفَ تُذْكِرُ؟ قَالَ:«يَلْتَقِي الْمَاآنِ، فَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَتْ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ آنَثَتْ» قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ: «كَانَ يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا أَلْبَانَ كَذَا وَكَذَا - قَالَ أَبِي: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي الْإِبِلَ- فَحَرَّمَ لُحُومَهَا» قَالُوا: صَدَقْتَ. قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا هَذَا الرَّعْدُ؟ قَالَ: «مَلَكٌ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ عز وجل مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ، بِيَدِهِ - أَوْ: فِي يَدِهِ - مِخْرَاقٌ مِنْ نَارٍ، يَزْجُرُ بِهِ السَّحَابَ، يَسُوقُهُ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ» قَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟ قَالَ: «صَوْتُهُ» قَالُوا: صَدَقْتَ، إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الَّتِي نُبَايِعُكَ إِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَأَخْبِرْنَا مَنْ صَاحِبُكَ؟ قَالَ:«جِبْرِيلُ عليه السلام» قَالُوا: جِبْرِيلُ ذَاكَ الَّذِي

ص: 32

يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ وَالْعَذَابِ عَدُوُّنَا، لَوْ قُلْتَ: مِيكَائِيلَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالنَّبَاتِ وَالْقَطْرِ، لَكَانَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} [البقرة: 97] إِلَى آخِرِ الْآيَةَ.

وخالف بُكيرَ بن شهاب حبيبُ بن أبي حبيب فأوقفه مختصرًا على ابن عباس بسؤال ما حَرَّم إسرائيل على نفسه. أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 114، 115)

(1)

.

وتابع سعيدَ بن جُبير شهرُ بن حوشب من رواية عبد الحميد بن بهرام، وهي قوية في المتابعات لكن دون وجه الشاهد، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (2514): حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ

(2)

، حَدَّثَنَا شَهْرٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ. قَالَ:«سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ، وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عليه السلام، عَلَى بَنِيهِ: لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا فَعَرَفْتُمُوهُ، لَتُتَابِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ» قَالُوا: فَذَلِكَ لَكَ.

قَالَ: «فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ» قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ: أَخْبِرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ؟ وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ؟ كَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ؟ وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ هَذَا النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ فِي النَّوْمِ؟ وَمَنْ وَلِيُّهُ مِنَ المَلائِكَةِ؟ قَالَ: «فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ أَنَا أَخْبَرْتُكُمْ لَتُتَابِعُنِّي؟» قَالَ: فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ.

(1)

وانظر ما سبق في «سلسلة الفوائد» (6/ 201).

(2)

وتابع عبد الحميد بن بهرام موسى البزار كما عند الخرائطي (1017).

ص: 33

قَالَ: «فَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ عليه السلام، مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، وَطَالَ سَقَمُهُ، فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سَقَمِهِ، لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانُ الْإِبِلِ، وَأَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانُهَا؟» قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ، فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ، الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ أَبْيَضُ غَلِيظٌ، وَأَنَّ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ، فَأَيُّهُمَا عَلا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ؟ إِنْ عَلا مَاءُ الرَّجُلِ عَلَى مَاءِ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنْ عَلا مَاءُ الْمَرْأَةِ عَلَى مَاءِ الرَّجُلِ كَانَ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ؟» قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ، فَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ؟» قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» .

قَالُوا: وَأَنْتَ الْآنَ فَحَدِّثْنَا مَنْ وَلِيُّكَ مِنَ المَلَائِكَةِ؟ فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ أَوْ نُفَارِقُكَ. قَالَ: «فَإِنَّ وَلِيِّيَ جِبْرِيلُ عليه السلام، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ» قَالُوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ، لَوْ كَانَ وَلِيُّكَ سِوَاهُ مِنَ المَلائِكَةِ لَتَابَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ. قَالَ:«فَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ أَنْ تُصَدِّقُوهُ؟» قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 97] إِلَى قَوْلِهِ عز وجل: {كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 101] فَعِنْدَ ذَلِكَ {بَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} ، الْآيَةَ

(1)

.

(1)

سقطت الفاء وهي عند الطيالسي في «مسنده» (2854): {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90].

ص: 34

وتابع سعيد بن جبير وشهر بن حوشب يوسفُ بن مَاهَك، أخرجه البيهقي (15059) مختصرًا.

وتابع الثلاثة السابقين مِقسم عن ابن عباس، أخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (291) وفي سنده ابن أبي ليلى، فيه ضعف.

وخالف القاسم محمدُ بن عبد الله بن عباس فقال عن جَده: إن الله أرسل إلى بيته ملكًا

ومحمد يَثبت سماعه من جده. أخرجه النسائي وغيره دون الشاهد.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث حسان بن عبد الرحيم، بتاريخ (1) محرم (1445 هـ) الموافق (17/ 8/ 2023 م): محتمل للتحسين، وإِنْ ضَعَّفه مُضعِّف فله وجه.

تنبيه: أخرج البخاري (4480): حَدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ، أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟

قَالَ: «أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا» قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلَائِكَةِ. فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} «أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ المَرْأَةِ نَزَعَ الوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ المَرْأَةِ نَزَعَتْ» .

ص: 35

قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي. فَجَاءَتِ اليَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ فِيكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا! قَالَ:«أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ؟» فَقَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ! فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا! وَانْتَقَصُوهُ، قَالَ: فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ.

ص: 36

‌هل ثَبَت أن ميكائيل لم يَضحك منذ خُلقت النار؟

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (13343) و «الزهد» (359): حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُمَيْدَ بْنَ عُبَيْدٍ مَوْلَى بَنِي الْمُعَلَّى يَقُولُ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِجِبْرِيلَ:«مَا لِي لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا قَطُّ؟ قَالَ: مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ» .

وتابع ثابتًا البُناني حُميد الطويل، أخرجه ابن أبي الدنيا في «الرقة والبكاء» (408): حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، به مرفوعًا.

والإسناد الأول ضعيف لأمرين:

1 -

حُميد بن عُبيد مولى بني المُعَلَّى، لا يُدرَى مَنْ هو، وهل هو الأنصاري الذي ذكره ابن حبان في «الثقات» ؟ الله أعلم.

2 -

رواية إسماعيل بن عياش فيها ضعف في غير أهل بلده وهذا منها.

والمُتابَعة فيها أحمد بن عبد الوهاب بن وهب، ضعيف.

وله شاهد مرسل في «صفة النار» لابن أبي الدنيا (15) من طريق ضرار بن مُرة عن بعض المشيخة.

ص: 37

وله مرسل آخَر عن المطلب بن عبد الله المخزومي، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (912) وإسناده صحيح.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ (9) محرم (1445 هـ) الموافق (27/ 7/ 2023 م) إلى ضعف الخبر وقال: هل له شاهد في قصة الإسراء والمعراج: لما رأى النبي مالكًا خازن النار لم يَضحك قط؟

تنبيه: ليس بينهما رابط، فلم يُعلَم أن ميكائيل خازن للنار.

ص: 38

‌مَشْي الملائكة خلف ظهره صلى الله عليه وسلم

-

قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]

(1)

.

قال ابن حبان في «صحيحه» رقم (6312): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مَوْلَى ثَقِيفٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنَزِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجُوا مَعَهُ مَشَوْا أَمَامَهُ، وَتَرَكُوا ظَهْرَهُ لِلْمَلَائِكَةِ.

الخلاصة: انتهى شيخنا إلى ضعفه سندًا ومتنًا.

أما السند فلضعف نُبيح.

وأما المتن فالأدلة على أخذه صلى الله عليه وسلم بالأسباب كثيرة منها:

قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 121].

وقوله جل ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: 71].

(1)

عود الضمير في (له) في الآية فيه أربعة أقوال منها النبي صلى الله عليه وسلم انظر: «زاد المسير» (4/ 310).

ص: 39

‌كتاب الإيمان بالرسل

‌خصائص نبي الله موسى عليه السلام

-

قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (2375): حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَتَيْتُ - وَفِي رِوَايَةِ هَدَّابٍ: مَرَرْتُ - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» .

وجاء عند أبي يعلى (3325) دون عطفٍ هكذا: (3325): حَدَّثنا هُدْبَةُ وَشَيْبَانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، به. وحماد مِنْ أثبت الناس في ثابت.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث د. محمد ياسين، بتاريخ (4) صفر (1445 هـ) الموافق (20/ 8/ 2023 م): إلى صحته؛ لأن الخبر في «مسلم» وسليمان التيمي توبع عند أبي يعلى (3325).

ثم عرضه الباحث محمد بن أشرف الذهبي مع شيخنا بتاريخ (25) ربيع الآخِر (1445 هـ) الموافق (9/ 11/ 2023 م) فقال: في سنده سليمان التيمي، ينفرد بأحاديث، وقد توبع في بعض الطرق من حماد عن ثابت، لكن تحرَّر أقوال العلماء في حماد إذا عَطَف الشيوخ.

ص: 40

تنبيه:

اختصر من هذا الحديث ما أخرجه أبو يعلى في «مسنده» رقم (3425): حَدَّثَنَا أَبُو الْجَهْمِ الْأَزْرَقُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ

(1)

، حَدَّثَنَا الْمُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ

(2)

، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ» .

وهذا السند وإن كان ظاهره الصحة إلا أنه مُعَل بما يلي:

1 -

تَفرُّد المُستلِم فيما قاله البزار.

2 -

أنه مختصر من رواية «صحيح مسلم» (2375) السابقة.

3 -

أُعِلَّ بالوقف فيما أخرجه البيهقي في «حياة الأنبياء» (ص: 74): أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عُثْمَانَ الْإِمَامُ رحمه الله، أَنْبَأَ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذٍ

(1)

تابع يحيى الحسنُ بن قتيبة المدائني، وهو متروك. وقال البيهقي في «حياة الأنبياء» (ص: 70): هَذَا يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ الْمَدَائِنِيِّ.

(2)

وأخرجه البيهقي في «حياة الأنبياء» (ص: 75) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُتْرَكُونَ فِي قُبُورِهِمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَلَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عز وجل حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ» .

ومحمد بن عبد الرحمن قال فيه الإمام أحمد: كان سائ الحفظ، مضطرب الحديث، كان فقه ابن أبي ليلى أَحَبَّ إلينا من حديثه، في حديثه اضطراب.

وقال البيهقي عقبه: وَهَذَا إِنْ صَحَّ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَالْمُرَادُ بِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: لَا يُتْرَكُونَ لَا يُصَلُّونَ إِلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ، ثُمَّ يَكُونُونَ مُصَلِّينَ فِيهَا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عز وجل، كَمَا رُوِّينَا فِي الحَدِيثِ الأَوَّلِ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ رَفْعَ أَجْسَادِهِمْ مَعَ أَرْوَاحِهِمْ.

ص: 41

المَالِينِيُّ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا مُؤَمَّلٌ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«الأَنْبِيَاءُ فِي قُبُورِهِمْ أَحْيَاءٌ يُصَلُّونَ» . وعُبيد الله الهُذَلي متروك.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن أشرف الذهبي، بتاريخ (18) ربيع الآخِر (1445 هـ) الموافق (2/ 11/ 2023 م) إلى ضعفه.

ص: 42

‌الجواب عن شبهة الاحتفال بالمولد النبوي

قال البخاري في «صحيحه» رقم (5101): حَدَّثَنَا الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفيَانَ أَخْبَرَتْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفيَانَ. فَقَالَ:«أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكِ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ ذَلِكِ لَا يَحِلُّ لِي» قُلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ قَالَ: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟!» قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ»

(1)

.

قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ

(2)

، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ.

(1)

أخرجه مسلم رقم (1449): حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَتْ

به، دون قول عروة.

(2)

قوله: بشر حيبة، يعني بشر حال. يقال: بات الرجل بحيبة سوء، أي بحال سوء وكانت ثوبية قد أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما في «أعلام الحديث» (3/ 1962).

ص: 43

ورد قول عروة بما يلي:

1 -

أنه مرسل ولا يُعلَم مَنْ أَخْبَرَه به.

2 -

وذَكَر السُّهيلي في «الروض الأُنُف» (5/ 123) أثر عروة، وقال: وفي «صحيح البخاري»

(1)

أن بعض أهله رآه في المنام

ثم ذَكَر كلام عروة. وقال: وفي غير البخاري أن الذي رآه من أهله هو أخوه العباس

(2)

.

قال ابن حجر في «فتح الباري» (9/ 145):

أجيب أولًا: بأن الخبر مُرسَل، أرسله عروة ولم يَذكر مَنْ حَدَّثه به. وعلى تقدير أن يكون موصولًا، فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه، ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يُحْتَجّ به.

وثانيًا: على تقدير القَبول فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصًا من ذلك، بدليل قصة أبي طالب كما تقدم، أنه خُفف عنه فنُقل من الغمرات إلى الضحضاح.

(1)

وهذا يوهم أن الأثر مسند في البخاري، وقد تقدم أنه مِنْ مُرسَل عروة.

(2)

وهذا مُتعقَّب؛ لأنه غير مُسنَد، ولم يقف الباحث عليه في كتب السِّير ولا السُّنة.

ص: 44

‌هل ثَبَت أنه صلى الله عليه وسلم كان كثير اللحم في آخِر عمره؟

ورد في ذلك ما أخرجه البخاري رقم (4837): حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَبدِ العَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، سَمِعَ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ:«أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟» فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ.

لم يُتابِع الحسنَ ولا شيخه على لفظ: (كثر لحمه) أحد، وأكثر الروايات على «فلما أسن» أو (بدّن) بالتشديد، وهو الذي نص عليه العلماء، بمعنى أسن. وبالتخفيف من البدانة، وقد تُحمَل على كثر لحمه فلذا يُحمِّلها الباحث د. محمد ياسين لعبد الله بن يحيى مستأنسًا بكلامَي الداودي وابن الجوزي

(1)

.

(1)

ففي «فتح الباري» (8/ 584): قوله: «فلما كثر لحمه» أنكره الداودي وقال: المحفوظ: «فلما بدن» أي: كبر، فكأن الراوي تأوله على كثرة اللحم. انتهى.

وتَعَقَّبَه أيضًا ابن الجوزي فقال: لم يصفه أحد بالسمن أصلًا، ولقد مات صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز الشعير في يوم مرتين، وأحسب بعض الرواة لما رأى «بدن» ظنه كثر لحمه، وليس كذلك وإنما هو بدن تبدينًا، أي: أسن، قاله أبو عُبيدة. قلت: وهو خلاف الظاهر، وفي استدلاله بأنه لم يشبع من خبز الشعير نظر؛ فإنه يكون من جملة المعجزات كما في كثرة الجماع. اه.

ص: 45

في حين يَرى شيخنا معه بتاريخ (28) صفر (1445 هـ) الموافق (14/ 9/ 2023 م) أن الكتب لم تكن شُكلت وضُبطت على أن تحمل على التخفيف أو التشديد. ثم لَفَت النظر إلى بما بعدها: «فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ» لما يترتب عليها من حكم، وهذه الجملة جاءت من طرق أخرى عن عائشة، ولم تكن محل البحث لدى الباحث.

ويُفهَم من مسابقته لعائشة رضي الله عنها وتعليلها بأن النبي صلى الله عليه وسلم سبقها وأنها لم تسبقه في هذه المرة لكونها حملت اللحم.

ص: 46

‌شيبه صلى الله عليه وسلم

-

ورد فيه أخبار منها:

*-ما أخرجه الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (2343): حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبْيَضَ قَدْ شَابَ، كَانَ

(1)

الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ.

وتابع واصلًا عمرو بن علي، أخرجه البخاري (3544) لكن بلفظ:«قد شمط» .

وأما جمهور الرواة عن إسماعيل بن أبي خالد وهم عشرة، فقالوا:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الحسن يشبهه» دون الزيادة.

2 -

رواه أبو إسحاق السَّبيعي عن أبي جحيفة في البخاري (30545) بلفظ: «رأيت بياضًا من تحت شفته السفلى العَنفقة» . ومسلم (2342)«هذه منه بيضاء» ووَضَع زهير بعض عنفقته.

3 -

وأخرجه أبو يعلى (879) من طريق صالح بن مسعود، ولفظه: «كان

(1)

وعند الترمذي في «سننه» (2826)(وكان).

ص: 47

رجلًا أبيض قد شمط عارضاه» وسنده صحيح، لكن قال الإمام أحمد كما في «موسوعة أقواله»: حدثني بعض أصحابنا عن مَرْوان

وما أراه إلا خطأ.

وأما الإمام مسلم فأشار إلى الزيادة، وكذلك الترمذي في «سنته» (286) فقد أشار إلى لفظ ابن فُضيل فقال: وقد رَوَى غير واحد عن إسماعيل بن خالد ولم يَزيدوا.

والخلاصة: كَتَب شيخنا عن لفظة «قد شاب» : محمد بن فُضيل صاحب زيادات وله أخطاء وخالف سائرَ أصحاب إسماعيل فيُتحفَّظ عليه.

ثم عَقَّب على سؤال الترمذي للبخاري في «العلل الكبير» (640): فيه مروان عن إسماعيل بن أبي خالد، والصواب مَرْوان عن صالح بن مسعود.

*ومنها ما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (12635): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ شَابَ إِلَّا يَسِيرًا، وَلَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُ خَضَبَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.

قَالَ: وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَحْمِلُهُ، حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ:«لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ لَأَتَيْنَاهُ تَكْرُمَةً لِأَبِي بَكْرٍ» فَأَسْلَمَ وَلِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«غَيِّرُوهُمَا، وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ» .

الخلاصة: سَبَق هذا الخبر من قبل وأنه مُعَل إجمالًا، ثم بَحَثه الباحث محمد بن عبد التواب، بتاريخ (6) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (21/ 9/ 2023 م) فانتهى شيخنا إلى إعلاله؛ لأن رواية محمد بن سلمة مطولة خارج

ص: 48

«الصحيح» ، ومختصرة في «الصحيحين» وتوبع على الاختصار، ويَزيده إعلالًا كونه ورد من رأي ابن سيرين.

ص: 49

‌علامات النبوة

قال الإمام مسلم رقم (868): وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى- وَهُوَ أَبُو هَمَّامٍ- حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ، لَعَلَّ اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ.

قَالَ: فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ» .

قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ. فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ

(1)

.

(1)

قال النووي في «شرحه على مسلم» (6/ 157):

«ناعوس البحر» ضبطناه بوجهين:

أشهرهما: «ناعوس» بالنون والعين، هذا هو الموجود في أكثر نسخ بلادنا.

والثاني: «قاموس» بالقاف والميم. وهذا الثاني هو المشهور في روايات الحديث في غير «صحيح مسلم» .

وقال القاضي عياض: أكثر نسخ «صحيح مسلم» وقع فيها «قاعوس» بالقاف والعين. قال: ووقع عند أبي محمد بن سعيد: «تاعوس» بالتاء المثناة فوق. قال: ورواه بعضهم: «ناعوس» بالنون والعين. قال وذَكَره أبو مسعود الدمشقي في أطراف الصحيحين والحُميدي في الجمع بين الصحيحين: «قاموس» بالقاف والميم.

قال بعضهم: هو الصواب. قال أبو عُبيد: قاموس البحر: وسطه. وقال ابن دُريد: لُجَّتُه.

وقال صاحب كتاب العين: قعره الأقصى. وقال الحربي: قاموس البحر: قعره.

ص: 50

قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ.

قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَعَلَى قَوْمِكَ» قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي.

قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً. فَقَالَ: رُدُّوهَا؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ.

تابع عبدَ الأعلى ثلاثةٌ:

1 -

حفصُ بن غِيَاث، كما عند أحمد (4744).

2 -

مَسْلَمَة بن محمد، أخرجه ابن منده (128).

3 -

يحيى بن زكريا، أخرجه النَّسَائي (3278) مختصرًا.

والخلاصة: داود بن أبي هند وثقه أبو حاتم وابن مَعِين والنَّسَائي وآخَرون.

ص: 51

وقال ابن حِبَّان: إلا أنه كان يهم إذا حَدَّث من حفظه.

وقال أبو داود: رجل البصرة، إلا أنه خولف في غير حديث.

وقال أحمد: ثقة ثقة. ومرة: كان كثير الاضطراب والخلاف.

وقال ابن حجر: ثقة متقن، كان يَهِم بآخره.

فانتهى شيخنا مع الباحث أبي حمزة السويسي، بتاريخ الخميس (17) شعبان (1444 هـ) الموافق (9/ 3/ 2023 م) إلى أن الحديث في «مسلم» ولم ينتقده أحد.

ص: 52

‌إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بمن يُبدِّل سُنته من بعده

فيه أخبار منها:

ما أخرجه أبو يعلى في «مسنده» رقم (868 - 870): حَدَّثَنَا الحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الغَازِ

(1)

، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ قَائِمًا بِالقِسْطِ حَتَّى يَثْلِمَهُ

(2)

رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ».

وتابع يحيى بنَ حمزة أبو المغيرة، أخرجه نُعيم في «الفتن» (806).

وتابع هشامَ بن الغاز الأوزاعيُّ كما عند أبي يعلى (871)

(3)

.

والخلاصة: أن الحديث لا يصح لأسباب:

(1)

ورواه ابن غنيم عن هشام عن مكحول عن أبي ثعلبة عن أبي عبيدة، فزاد واسطة كما عند الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (138) وابن غنيم مجهول.

وتابعه سليمان الحراني وهو متروك، وأسقط هشام بن الغاز، أخرجه البزار (1284).

ورواه صدقة بن عبد الله عن هشام بن عروة عن أبيه عن جابر عن أبي عبيدة، كما في «التدوين» (349) وصدقة ضعيف.

(2)

ثلم الإناء والسيف ونحوه يثلمه ثلما وثلمه فانثلم وتثلم كسر حرفه والثلمة فرجة الحرف المكسور. انظر: «المحكم والمحيط الأعظم» (10/ 155).

(3)

ومَدار المتابعة على الحَكَم بن موسى.

ص: 53

1 -

الانقطاع بين مكحول وأبي عُبيدة.

2 -

ضعف الطرق التي فيها الواسطة- أبو ثعلبة-.

3 -

ضعف طريق جابر بن عبد الله؛ لضَعْف صدقة بن عبد الله.

وله شاهد قد يُحسَّن به لكن دون تعيين يزيد بن معاوية، وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (38623): حَدَّثنا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ

(1)

، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ» .

وخالف هَوْذَةَ خمسة، أربعة قالوا: عن عوف عن مهاجر بن مخلد عن أبي العالية عن أبي ذر. أخرجه ابن أبي عاصم في «الأوائل» (63) من طريق معاذ بن معاذ. والدولابي في «الكنى والأسماء» (922) من طريق النضر بن شُميل. وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (288) من طريق ابن عيينة.

وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (71188) من طريق سعد بن عبد الكريم.

وخالفهم عبد الوهاب الثقفي فذَكَر واسطة بين أبي العالية وأبي ذر، هي أبو مسلم الجذامي، أخرجه البخاري في «التاريخ الأوسط» (158) وأبو يعلى كما في «المطالب العالية» (4463).

والخلاصة: أن وجهة مَنْ صَحَّح هي ما يلي:

1 -

اتصال السند بسماع أبي العالية من أبي ذر على وجه، فقد أَثْبَته ابن

(1)

وفي «المطالب العالية» (4462): أبو مجلز بدلًا من أبي خلدة، وأصل المصنف كما هنا.

ص: 54

عساكر في «تاريخه» (18/ 159)، والذهبي في «السير» (4/ 207).

2 -

سَلَك مَسلك الجَمْع بجعل شيخين لعوف الأعرابي.

ووجهة مَنْ يُضعِّف هي ما يلي:

1 -

ترجيح الانقطاع بين أبي العالية وأبي ذر على وجه، فقد نفاه ابن مَعين في رواية الدُّوري عنه (4/ 120).

2 -

الإعلال بالتاريخ، فقد قال البخاري في «تاريخه الأوسط» (1/ 397): كان أبو ذر بالشام وعليها يزيد بن أبي سفيان، فغزا الناس فغنموا.

والمعروف أن أبا ذر كان بالشام زمن عثمان وعليها معاوية، ومات يَزيد في زمن عمر، ولا يُعرَف لأبي ذر قدوم الشام زمن عمر رضي الله عنه.

تنبيه: يَرِد على إعلال البخاري بالتاريخ ما ذكره ابن عساكر والذهبي، مِنْ أن أبا ذر شهد فتح بيت المقدس والجابية مع عمر رضي الله عنه.

3 -

الترجيح على شيخ عوف وأنه مهاجر بن مخلد في رواية الجماعة، وهي أرجح من رواية هَوْذَة.

وكَتَب شيخنا مع الباحث عبد الرحمن بن صالح، بتاريخ (1 ذي القعدة 1444 هـ) الموافق (21/ 5/ 2023 م):

1 -

سماع أبي العالية من أبي ذر.

2 -

تعيين شيخ عوف الأعرابي.

ص: 55

‌آية أو معجزة

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (1954): حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرِنِي الْخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْكَ؛ فَإِنِّي مِنْ أَطَبِّ النَّاسِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَلَا أُرِيكَ آيَةً؟» قَالَ: بَلَى. قَالَ: «فَنَظَرَ إِلَى نَخْلَةٍ» فَقَالَ: «ادْعُ ذَلِكَ الْعِذْقَ» قَالَ: فَدَعَاهُ، فَجَاءَ يَنْقُزُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«ارْجِعْ» فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: يَا آلَ بَنِي عَامِرٍ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَسْحَرَ.

وتابع الإمامَ أحمد إسحاقُ بن إبراهيم كما عند الدارمي (24)، وأحمد بن عبد الجبار كما في «دلائل النبوة» (6/ 15) للبيهقي.

وخالف أبا معاوية

(1)

عبد الواحد بن زياد فقال: (سالم بن أبي الجعد) بدلًا من أبي ظبيان، أخرجه أبو يعلى (2350) وغيره. وفي رواية عبد الواحد عن الأعمش كلام.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن منصور الشرقاوي، إلى صحة سند أبي ظبيان، بتاريخ (20) شوال (1444 هـ) الموافق (10/ 5/ 2023 م).

(1)

وتابعه والد محمد بن أبي عبيدة كما عند ابن منده (133).

ص: 56

‌هل لكل نبي حوض؟

قال الإمام الترمذي في «سُننه» رقم (2443): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نِيزَكَ البَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً» .

وتابع أحمدَ بن محمد إبراهيمُ بن المستمر، كما في «السُّنة» (734) لابن أبي عاصم.

وتابعهما عبد الله بن الحسين، أخرجه الطبراني (6881).

وتابعهم أبو زُرعة بن عبد الرحمن كما في «مسند الشاميين» (647).

خالف قتادة اثنان فأرسلاه:

1 -

الأشعث بن عبد الملك، ذَكَره الترمذي.

2 -

هشام بن حسان كما في «الزهد» (404).

وقال الترمذي عقبه: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَى الأَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ سَمُرَةَ، وَهُوَ أَصَحُّ» .

ص: 57

والخلاصة: أن الصواب هو الإرسال؛ لضَعْف سعيد بن بَشير في قتادة. وكَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن رمضان بن شرموخ، بتاريخ (23) محرم (1445 هـ) الموافق (10/ 8/ 2023 م): الصواب مرسل.

تنبيه: للخبر شاهدان:

1 -

عن أبي سعيد الخُدري، أخرجه اللالكائي (117) من رواية عطية العوفي عنه، وهو ضعيف.

2 -

عن ابن عباس، وفي سنده جهالة، ذَكَره ابن كثير في «تفسيره» واستغربه.

ص: 58

‌كتاب الإيمان باليوم الآخِر

‌علامات آخر الزمان

قال ابن حبان في «صحيحه» رقم (6761): أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ النَّصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو التَّقِيِّ

(1)

، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَكُونُ حَدِيثُهُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ، لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ» .

وتابع عيسى بنَ يونس أبو الخليل بذيع

(2)

أخرجه الداني في «السنن الواردة في الفتن» (305) والطبراني (10452).

وله شاهد من حديث أنس، أخرجه الحاكم (7916) وفي سنده أحمد بن بكر البالسي، منكر الحديث. وزيد بن الحُباب، يخطئ في الثوري.

وورد مقطوعًا عن الحسن، أخرجه ابن أبي شيبة (35310).

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أبي الحسن المنصوري، بتاريخ (11) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (4/ 1/ 2023 م): طرقه فيها مقال.

أما الشيخ الألباني رحمه الله فصححه بطريقيه.

(1)

أبو التقى اثنان: أحدهما ثقة، والآخَر مجهول لم يوثقه إلا ابن حِبان.

(2)

لا يُتابَع على حديثه، قاله ابن عَدي.

ص: 59

‌كيفية خروج يأجوج ومأجوج

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (10632): حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا. فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ، وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ، حَفَرُوا، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَيَسْتَثْنِي، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيُنَشِّفُونَ الْمِيَاهَ، وَيَتَحَصَّنَ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ، وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا

(1)

فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ شُكْرًا مِنْ لُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ» .

تابع رَوْحًا عبد الأعلى، أخرجه ابن ماجه (4080).

(1)

"النَّغَفَ" بفتح النون والغين المعجمة وفاء، دود يكون في أُنُوف

الإِبل، وِالغنم، واحدها نغفة. كما في «قوت المغتذي على جامع الترمذي» (2/ 542).

ص: 60

وتابع سعيدَ بن أبي عروبة جماعة: أبو عَوَانة، أخرجه الترمذي (4153)، وسليمان والد المعتمر، أخرجه أبو يعلى (6436) وابن حبان (6829) وشيبان، أخرجه أحمد (10421).

قال ابن كثير في «تفسيره» (5/ 198)

(1)

:

وَهَذَا إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ، وَلَكِنْ فِي رَفْعِهِ نَكَارَةٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ ارْتِقَائِهِ وَلَا مِنْ نَقْبِهِ؛ لِإِحْكَامِ بِنَائِهِ وَصَلَابَتِهِ وَشِدَّتِهِ. وَلَكِنْ هَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، أَنَّهُمْ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ يَأْتُونَهُ فَيَلْحَسُونَهُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَيَقُولُونَ: غَدًا نَفْتَحُهُ. فَيَأْتُونَ مِنَ الْغَدِ وَقَدْ عَادَ كَمَا كَانَ، فَيَلْحَسُونَهُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَيَقُولُونَ كَذَلِكَ، وَيُصْبِحُونَ وَهُوَ كَمَا كَانَ، فَيَلْحَسُونَهُ وَيَقُولُونَ: غَدًا نَفْتَحُهُ. وَيُلْهَمُونَ أَنْ يَقُولُوا: «إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَيُصْبِحُونَ وَهُوَ كَمَا فَارَقُوهُ، فَيَفْتَحُونَهُ. وَهَذَا مُتَّجِهٌ.

وَلَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَةَ تَلَقَّاهُ مِنْ كَعْبٍ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا كَانَ يُجَالِسُهُ وَيُحَدِّثُهُ، فَحَدَّثَ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَتَوَهَّمَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ فَرَفَعَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ -مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ نَقْبِهِ وَلَا نَقْبِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَمِنْ نَكَارَةِ هَذَا الْمَرْفُوعِ-قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ

(1)

جَدِير أن تُجرَى دراسة علمية حول الأحاديث التي استَنكر ابن كثير متونها وبيان أسباب الاستنكار مع تحريرها.

ويستفاد من جمع أبي عبد الرحمن محمود الملاح «الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي حَكَم عليها الحافظ ابن كثير في تفسيره» .

ص: 61

حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ سُفْيَانُ: أَرْبَعَ نِسْوَةٍ-قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَوْمِهِ. وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، وَهُوَ يَقُولُ:«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ! وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ! فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا» وحَلَّق. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ:«نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، وَلَكِنْ سَقَطَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ذِكْرُ حَبِيبَةَ، وَأَثْبَتَهَا مُسْلِمٌ، وَفِيهِ أَشْيَاءُ عَزِيزَةٌ نَادِرَةٌ قَلِيلَةُ الْوُقُوعِ فِي صِنَاعَةِ الْإِسْنَادِ

إلخ.

الخلاصة: أن إسناده صحيح، وكَتَب شيخنا مع الباحث محمود الباز، بتاريخ (18) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (3/ 10/ 2023 م): احكم على السند، وأشر إلى كلام ابن كثير العاري عن الاستدلال

(1)

.

(1)

وتَبِعه الشيخ مقبل في «أحاديث مُعَلة ظاهرها الصحة» (456).

ص: 62

‌علامات الساعة كعقد انفرط

الحديث الأول: قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (2941): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا» .

وخالف أبا زُرْعَة خالدُ بن الحويرث، فرواه بالمعنى، هكذا أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (7040): حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ، فَإِنْ يُقْطَعِ السِّلْكُ يَتْبَعْ بَعْضُهَا بَعْضًا» .

وخالد بن الحُويرث ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» ، وقال ابن مَعِين: لا أعرفه.

الحديث الثاني: أخرجه الحاكم في «المُستدرَك» (4/ 589) رقم (8639): أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ الزَّاهِدُ بِبَغْدَادَ، ثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْأَمَارَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ بِسِلْكٍ، فَإِذَا انْقَطَعَ السِّلْكُ تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضًا» .

ص: 63

تنبيه: هذا السند ظاهره الحُسن، لكن ثمة رَبْط بينه وبين طريق خالد بن الحُويرث في حماد بن سلمة.

الحديث الثالث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه ابن حِبان في «صحيحه» رقم (6833): أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خُرُوجُ الْآيَاتِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، تَتَابَعْنَ كَمَا تَتَتَابَعُ الخَرَزُ» .

وتابع أبا يعلى عبدُ الله بن أحمد، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (4368).

وسُئل عنه الدارقطني في «علله» (5/ 22) فقال: رواه أبو الربيع الزَّهْراني، عن أبيه، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. ووَهِم فيه، وإنما رواه هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية من قوله.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث: محمود الباز

(1)

، بتاريخ (23 شعبان

(1)

وُلد بتاريخ (23/ 5/ 1989 م) بقرية (أبو داود السباخ) التابعة لمركز تمي الأمديد، التابع لمحافظة الدقهلية.

قَدَّم له شيخنا:

«الجامع في الدجال» وتناول فيه الصحيح والضعيف، ودَفْع الشبهات التي وردت على حديث الجَسَّاسة، والجَمْع بين الأخبار، ومنها أن ابن صَيَّاد ليس هو الدجال.

وكيفية النجاة منه، وذلك بالتعوذ بالله منه، وقراءة الآيات العَشْر من أول «سورة الكهف» ، وسُكنَى مكة والمدينة، مع المحافظة على تجديد الإيمان وترسيخه.

وقَدَم لهذا الكتاب بعد عصر (23) شعبان (1444 هـ) الموافق (15/ 3/ 2023 م) وإليك نص التقديم:

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد، فهذا بحث في التحذير من الدجال وبيان صفاته وأعماله، ففِتنته عظيمة، ولا يَخفى أننا نتعوذ بالله في صلواتنا من فتنة المسيح الدجال، وقد حَذَّر منه الأنبياء عليهم السلام أُممهم.

وقد جَمَع مادة هذا البحث أخي في الله/ محمود بن محمد الباز -حَفِظه الله.

وقد راعى صحة الأحاديث والآثار وسلامتها، وخَرَّجها تخريجًا جيدًا، وحَكَم عليها بما تستحقه من الصحة والضعف.

وقد راجعتُ معه عمله فألفيتُه- ولله الحمد- نافعًا موفقًا، زاده الله سدادًا وتوفيقًا وعلمًا وعملًا ودعوة إلى الله.

وصَلِّ اللهم على نبينا محمد وسَلِّم، والحمد لله رب العالمين.

كَتَبه أبو عبد الله مصطفى العدوي.

ومما يمتاز به شيخنا- حَفِظه الله-:

1 -

تعظيم الدليل والعمل به.

2 -

التجرد من الأهواء والاعتصام بالوحيين.

3 -

التواضع.

4 -

حرصه على وقته.

5 -

حرصه على نفع إخوانه والمسلمين، حتى وهو مريض.

ص: 64

1444 هـ) الموافق (15/ 3/ 2023 م): في طرقه مقال، وانظر شاهده عند مسلم:«الأخرى على إثرها قريبًا» .

ص: 65

‌بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة

قال المَقدِسي في «الأحاديث المختارة» (4/ 375) رقم (1542): أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعْمَرِ نَقَاءُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حُنَّذٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ، أَنَّ أَبَا غَالِبٍ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْبَنَّا أَخْبَرَهُمْ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَسْنُونٍ النَّرْسِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّرَّاجُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ- هُوَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ- نَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، نَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ بِهِ السَّاعَةَ؟ فَحَدَّثَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَسْتُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَتْ مِنِّي، إِنِّي بُعِثْتُ وَالسَّاعَةُ نَسْتَبِقُ» .

خالف أحمد بن عمرو اثنان:

1 -

الربيع بن سليمان كما في «جزء من مصنفات أبي العباس الأصم» (141).

2 -

بحر بن نصر، كما في «المستدرك» (8510) للحاكم.

فلم يَذكرا «لست من الدنيا

».

وتابع بشرَ بن بكر اثنان دون «لستُ من الدنيا

»:

1 -

مسكين بن بكير كما في «جزء من حديث الأوزاعي» (7).

ص: 66

2 -

أبو المغيرة كما عند أحمد (13336).

ورواه الجماعة- أبو التَّيَّاح كما عند البخاري (6504) ومسلم (2951)، وقتادة كما عند مسلم (2951) وأحمد (13287) ومَعبد بن سيرين كما عند مسلم (2951) - عن أنس قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» .

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أحمد النمر، بتاريخ (19) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (12/ 1/ 2023 هـ): على سياق المختارة: بهذا السياق فيه مقال.

ص: 67

‌هل شدة الحرص على الدنيا من علامات الساعة

قال الحاكم في «مستدركه» رقم (8130): أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، وَلَا يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إِلَّا حِرْصًا، وَلَا يَزْدَادُونَ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا» .

وتابع النُّفيلي علي بن عبد العزيز كما في «مسند الشهاب» (597)، وتابعهما أبو عمر الإمام كما في «فوائد تمام» (1081).

خالف مخلدَ بن يزيد الجماعةُ - الثوري ووكيع ويحيى بن آدم وعبد الله بن أبي داود وأبو أحمد الزبيري- فقالوا: (سَيَّار أبي حمزة الكوفي) بدلًا من (سَيَّار أبي الحكم).

وخَطَّأ الدارقطني في «العلل» (762) ذكر سيار أبي الحكم، والصواب سيار أبو حمزة الكوفي.

والخلاصة: أن الخبر ضعيف لِما يلي:

1 -

سيار أبو الحكم ثقة لكنه لم يَسمع من طارق بن شهاب، قاله الدارقطني.

2 -

بشير بن زاذان ضعيف.

ص: 68

3 -

سيار أبو حمزة مقبول.

وانتهى شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ (24 شوال 1444 هـ) الموافق (14/ 5/ 2023 م) إلى ضعفه.

تنبيه: هذا مثال نافع في الإعلال بالاختلاف في تعيين الراوي.

ص: 69

‌على مَنْ تقوم الساعة؟

قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (148): حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللهُ، اللهُ» .

تابع زهيرًا جمعٌ: الإمام أحمد (13833)، وجعفر بن محمد الصائغ، أخرجه أبو عَوَانة (294)، وإسحاق بن إبراهيم، أخرجه ابن حِبَّان (6849)، ويعقوب بن إسحاق المخزومي ومحمد بن إسحاق، أخرجهما ابن منده (447).

وتابع عفانَ جماعةٌ: أسود بن عامر، أخرجه أحمد (13729)، وشاذان كما عند أبي عَوَانة (294)، وعبد الصمد بن عبد الوارث، كما عند الحاكم (8739).

وهذا الطريق إسناده صحيح، وللخبر طريق آخَر تُكلم فيه، وهو طريق حُميد عن أنس مرفوعًا، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (12043): حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ» .

ص: 70

وتابع ابنَ أبي عَدِي على الرفع ثلاثةٌ:

1 -

يزيد، أخرجه أحمد (13082).

2 -

الأنصاري، أخرجه ابن منده (449).

3 -

ابن إسحاق، أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار، مسند عمر» (1166).

خالفهم خالد بن الحارث فأوقفه، أخرجه الترمذي في «العلل الكبير» رقم (601): حدثنا محمد بن المُثنَّى، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا حميد، عن أنس، قال:«لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله» .

وسئل البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا حديث فيه اضطراب ورَوَى بعضهم هذا الحديث عن حُميد ولم يرفعه.

والخلاصة: أن طريق ثابت صحيح، وأما الخلاف على طريق حُميد في الرفع والوقف فالأرجح فيه الرفع، والوقف إن رُجح فيُحمَل على الغيبيات التي لها حُكم الرفع.

وأما شيخنا، فكَتَب مع الباحث عمرو بن عمران، بتاريخ (17 شعبان 1444 هـ) الموافق (9/ 3/ 2023 م): مطلوب مزيد من البحث.

ثم عَرَضه الباحث بتاريخ (23 شعبان 1444 هـ) الموافق (15/ 3/ 2023 م) فسألتُ شيخنا: هل تختار صحة سند مسلم؟ فقال: نعم.

ص: 71

‌وصف أرض المحشر

قال سعيد بن منصور في «تفسيره» رقم (1194): حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال: حدثني أبي، عن سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يُحشَر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقي، ليس فيها علم لأحد» .

ورواه محمد بن جعفر بن أبي كثير، واختُلف عليه في لفظ:«ليس فيها مَعلم لأحد»

(1)

فرواه خالد بن مخلد، أخرجه مسلم (2790) كرواية عبد العزيز مرفوعة.

وخالفه سعيد بن أبي مريم، فرواها على الشك هكذا:«قال سهل أو غيره: لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَدٍ» أخرجه البخاري (6521).

(1)

أي: مِلك له.

وأما الأحاديث الواردة في لواء الغادر يوم القيامة فهي عقوبة له، وعَكْسه في الثواب مَنْ جاء على منابر من نور.

1 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، يُنْصَبُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِغَدْرَتِهِ» . أخرجه البخاري (3188)، ومسلم (4550).

2 -

عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ- قَالَ أَحَدُهُمَا: يُنْصَبُ. وَقَالَ الآخَرُ: يُرَى يَوْمَ القِيَامَةِ- يُعْرَفُ بِهِ» . أخرجه البخاري (3186)، ومسلم (7557) واللفظ للبخاري.

3 -

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه مسلم (4558).

ص: 72

والخلاصة: أن رواية عبد العزيز بن أبي حازم ومَن تابعه أرجح لديّ؛ لرواية الابن عن أبيه، والاختلاف على محمد بن جعفر، وأخرجه مسلم دون شك.

وكَتَب شيخنا معي بتاريخ (21) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (10/ 6/ 2023 م): اذكر وجوه الخلاف

(1)

.

(1)

قال ابن حجر في «فتح الباري» (11/ 375): قوله: قال سهل أو غيره: «ليس فيها مَعْلَم لأحد» هو موصول بالسند المذكور، وسهل هو راوي الخبر، و «أو» للشك، والغير المبهم لم أقف على تسميته. ووقع هذا الكلام الأخير لمسلم من طريق خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر مدرجًا بالحديث، ولفظه:«ليس فيها علم لأحد» ومثله لسعيد بن منصور عن ابن أبي حازم عن أبيه.

و «العَلَم» و «المَعْلَم» بمعنى واحد، قال الخَطَّابي: يريد أنها مستوية، و «المَعْلَم» بفتح الميم واللام بينهما مهملة ساكنة: هو الشيء الذي يُستدَل به على الطريق.

وقال عياض: المراد أنها ليس فيها علامة سكنى ولا بناء ولا أثر، ولا شيء من العلامات التي يُهتدَى بها في الطرقات، كالجبل والصخرة البارزة، وفيه تعريض بأرض الدنيا وأنها ذهبت وانقطعت العلاقة منها.

وقال الداودي: المراد أنه لا يحوز أحد منها شيئًا إلا ما أدرك منها.

وقال أبو محمد بن أبي جمرة: فيه دليل على عظيم القدرة والإعلام بجزئيات يوم القيامة؛ ليكون السامع على بصيرة فيُخلِّص نفسه من ذلك الهول؛ لأن في معرفة جزئيات الشيء قبل وقوعه رياضة النفس وحملها على ما فيه خلاصها، بخلاف مجيء الأمر بغتة. وفيه إشارة إلى أن أرض الموقف أكبر من هذه الأرض الموجودة جدًّا. والحكمة في الصفة المذكورة أن ذلك اليوم يوم عدل وظهور حق، فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه ذلك طاهرًا عن عمل المعصية والظلم، وليكون تجليه سبحانه على عباده المؤمنين على أرض تليق بعظمته. ولأن الحكم فيه إنما يكون لله وحده، فناسب أن يكون المحل خالصًا له وحده. انتهى ملخصًا.

وفيه إشارة إلى أن أرض الدنيا اضمحلت وأُعدمت، وأن أرض الموقف تجددت، وقد وقع للسلف في ذلك خلاف في المراد بقوله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} هل معنى تبديلها تغيير ذاتها وصفاتها؟ أو تغيير صفاتها فقط؟ وحديث الباب يؤيد الأول.

ص: 73

‌كثرة الكَتَبة من أشراط الساعة

(1)

قال الإمام أحمد في «مسنده» (39/ 519): حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا

(1)

وقال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (6/ 635):

ففي الحديث إشارة قوية إلى اهتمام الحكومات اليوم في أغلب البلاد بتعليم الناس القراءة والكتابة والقضاء على الأمية، حتى صارت الحكومات تتباهى بذلك، فتُعلِن أن نسبة الأمية قد قلت عندها حتى كادت أن تمحى! فالحديث عَلَم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي.

ولا يخالف ذلك - كما قد يَتوهم البعض - ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن مِنْ أشراط الساعة أن يُرفَع العلم ويَظهر الجهل؛ لأن المقصود به العلم الشرعي الذي به يَعرف الناس ربهم ويعبدونه حق عبادته، وليس بالكتابة ومحو الأمية، كما يدل على ذلك المشاهدة اليوم، فإن كثيرًا من الشعوب الإسلامية فضلًا عن غيرها، لم تستفد مِنْ تعلمها القراءة والكتابة على المناهج العصرية إلا الجهل والبعد عن الشريعة الإسلامية، إلا ما قَلَّ وندر، وذلك مما لا حكم له.

وإن مما يدل على ما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يَقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العِباد، ولكن يَقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخَذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسُئلوا فأَفتوا بغير علم فضَلُّوا وأَضَلوا» . رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمرو، وصَدَّقَتْه عائشة، وهو مُخرَّج في «الروض النضير» (رقم 579).

ص: 74

أَبِي، سَمِعْتُ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَفِيضَ الْمَالُ وَيَكْثُرَ، وَيَظْهَرَ الْقَلَمُ، وَتَفْشُوَ التِّجَارَةُ» . قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لِيَبِيعُ الْبَيْعَ فَيَقُولُ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ تَاجِرَ بَنِي فُلَانٍ. وَيَلْتَمِسُ فِي الْحَيِّ الْعَظِيمِ الْكَاتِبَ، وَلَا يُوجَدُ.

تابع يونسَ- وهو ابن عُبيد- أشعث بن عبد الملك، أخرجه ابن قانع في «معرفة الصحابة» (713) وتابعهما مبارك بن فَضَالة، أخرجه الطيالسي في «مسنده» (1267) متصلًا

(1)

.

والخلاصة: إسناده صحيح؛ الحسن البصري راوية عمرو بن تغلب، فقد قال الإمام مسلم: لم يَرْوِ عنه إلا الحسن بن أبي الحسن. وجاء التصريح بالسماع منه في البخاري (923) في غير هذا الحديث؛ ولذا قال شيخنا: لا تضر عنعنة الحسن هنا، وعمرو بن تغلب مُقِل.

وكَتَب شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (7) محرم (1445 هـ) الموافق (25/ 7/ 2023 م): تُدرَس لفظة «ويَظهر القلم»

(2)

دراسة مقارنة، وإن لم تفعل حَكَمْتَ على السند.

ولفظة «ظهور القلم» لها شاهد أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (1049) وأحمد (3870)، (3982) وهاك سياقه: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ،

(1)

وذَكَره ابن عبد البر في «التمهيد» (17/ 297) معلقًا مرسلًا. وهذا لا يضر؛ لأن السند العالي موصول وهو متابع لما سبق.

(2)

وفي ط دار التأصيل من «سُنن النَّسائي» (8/ 229) جمع بين روايتي (القلم) و (العلم) بأن القلم كناية عن العلم.

ص: 75

حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ جُلُوسًا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: قَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ رَأَيْنَا النَّاسَ رُكُوعًا، فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ وَرَكَعَ وَرَكَعْنَا، ثُمَّ مَشَيْنَا وَصَنَعْنَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ، فَمَرَّ رَجُلٌ يُسْرِعُ، فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَلَمَّا صَلَّيْنَا وَرَجَعْنَا، دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ، جَلَسْنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَمَا سَمِعْتُمْ رَدَّهُ عَلَى الرَّجُلِ: صَدَقَ اللَّهُ، وَبَلَّغَتْ رُسُلُهُ، أَيُّكُمْ يَسْأَلُهُ؟ فَقَالَ طَارِقٌ: أَنَا أَسْأَلُهُ. فَسَأَلَهُ حِينَ خَرَجَ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ.

ورجاله ثقات إلا سيارًا أبا الحَكَم، فقد قال ابن مَعين: وهم مَنْ كناه بأبي الحكم، والصواب سيار أبو حمزة. وقال أبو داود: سيار أبو الحكم ماله ولطارق بن شهاب؟! ووهمه غير واحد.

وسيار أبو حمزة ذَكَره ابن حبان في «الثقات» وقال ابن حجر: مقبول.

ص: 76

‌مِنْ أشراط الساعة وجود العلم في الأراذل

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (12943): حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعِيدٍ، حَدَّثَنَا مَكْحُولٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى نَدَعُ الِائْتِمَارَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ:«إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذَا كَانَتِ الْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ، وَالْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ، وَالْعِلْمُ فِي رُذَالِكُمْ» .

خالف الإمام أحمدَ العباسُ بن الوليد كما عند ابن ماجه (4015) ومحمد بن خلف الرازي كما في «جامع بيان العلم» (1048) فزادا الهيثم بن حميد بين زيد بن يحيى وحفص بن غيلان.

وتابعهما متابعة قاصرة على زيادة الهيثم محمد بن عائذ، كما في «البدع» (195) لا بن وضاح. والحَكَم بن موسى، أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3350) وابن عَدي في «الكامل» (4/ 90).

والأرجح إثبات الواسطة في طريق أحمد قول زيد: حدثنا. ووَجْه الجمع أن يُحمَل على المزيد في متصل الأسانيد.

وخالف حفصًا زيدُ بن واقد فقال: عن مكحول عن كثير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن أبي حاتم في «علله» (2745).

وتابع زيدَ بن واقد عليٌّ القرشي في ذكر كثير بن مُرة، لكن خالفه فجَعَله من

ص: 77

مسند أنس رضي الله عنه. أخرجه أبو نُعيم في «الحلية» (247) وقال عقبه: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ، لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

الخلاصة: أن علة هذا الخبر الاختلاف في سماع مكحول من أنس رضي الله عنه، فقد نفاه البخاري وأثبته ابن معين.

وكذلك رواه مكحول تارة بالعنعنة وأخرى بإثبات واسطة. وقال العلائي: يرسل ويدلس.

قال الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (5703): مكحول مدلس وقد رواه بالعنعنة.

وقال شيخنا مع الباحث علي القناوي، بتاريخ (14) صفر (1445 هـ) الموافق (30/ 8/ 2023 م): هذا الخبر معلول. وكَتَب: يُراجَع.

ص: 78

‌حضور الشيطان الإنسانَ عند الاحتضار

وردت فيه أدلة غير صريحة:

1 -

قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ 97 وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 97، 98]

2 -

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (1377): حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ»

(1)

.

3 -

قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (135): حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ لْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ» .

وتابع عثمانَ بن أبي شيبة أبو خيثمة كما عند أبي يعلى (1904).

(1)

وأخرجه مسلم رقم (588): حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَائِشَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، به.

ص: 79

ورواية جرير في الأعمش مُتكلَّم فيها

(1)

وخالفه جماعة- أبو معاوية ومحمد بن فُضيل

(2)

كما عند مسلم (2033) وشيبان ومالك بن سعير، ويعلى بن عبيد، وعيسى بن يونس كما عند أبي عَوانة في «مستخرجه» (8277 - 8288) - فلم يذكروا:«إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ» .

الخلاصة: أن زيادة: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ» فيها أمران:

1 -

مخالفة جرير للجماعة عن الأعمش، فزادها.

2 -

أن رواية جرير عن الأعمش فيها مقال.

لكن جاءت من وجه آخَر من طريق أبي الزبير عن جابر، وفيه:«إن الشيطان يَرصد الإنسان في كل شيء حتى عند مَطعمه»

(3)

.

(1)

قال ابن مَعين كما في «الجَرح والتعديل» (7/ 247) لابن أبي حاتم: أبو معاوية أثبت من جرير في الأعمش.

(2)

عَطَف محمد بن فُضيل أبا صالح على أبي سفيان.

(3)

رواه أبو الزبير عن جابر، وعنه جماعة:

1 -

الثوري.

2 -

ابن عيينة.

كلاهما عند مسلم (2033) بدونها، وفي بعض الطرق عن ابن عيينة زيادة:«القصعة» وتارة «الصحفة» .

3 -

ابن لهيعة واختُلف عليه، تارة بدونها من رواية قتيبة كما عند الترمذي (1802) وبها من رواية حسن الأشيب كما عند أحمد (15237).

4 -

ابن جُريج واختُلف عليه بدونها من رواية حَجاج بن محمد، أخرجه النسائي في «الكبرى» (6736)، وأبي عاصم كما عند عبد بن حميد (630) ورَوْح كما عند أبي يعلى (2247)، وبدونها من رواية أبي عاصم عنه كما عند ابن حبان (5253)، ورَوْح كما عند أبي يعلى (246) والأَشْهَر بدونها إن سلم ابن جُريج من الاضطراب فيها.

تنبيه: ورواه جماعة- حَجاج بن محمد وأبو عاصم ورَوْح بن عبادة والثلاثة سبقوا، ويحيى وعبد الله بن الحارث وحماد بن مسعدة- عن ابن جُريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعًا:«إذا أَكَل أحدكم طعامًا فلا يمسح يده بالمنديل حتى يَلعقها أو يُلعقها»

ص: 80

وكَتَب شيخنا مع الباحث أبي سهل الرَّبَعي، بتاريخ (12) من المحرم (1445 هـ) الموافق (30/ 7/ 2023 م):[رواية] جرير عن الأعمش فيها مقال، لكن لبعض الألفاظ شواهد تصح بها

(1)

.

4 -

حديث أبي اليَسَر، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (15523): حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ- يَعْنِي ابْنَ أَبِي هِنْدٍ- عَنْ صَيْفِيٍّ، مَوْلَى أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَسَرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ السَّبْعِ، يَقُولُ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَمِّ وَالْغَرَقِ وَالْحَرَقِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا» .

وتابع الإمام أحمدَ عبيد الله بن عمر القواريري كما عند أبي داود (1552) والعباس الدوري كما عند الشاشي (1521) وعلي بن بحر كما في «المعجم

ص: 81

الكبير» (381).

وخالفهم عبد الصمد بن الفضل البلخي كما في «المستدرك» (1948) فزاد واسطة بين عبد الله بن سعيد وصيفي، وهي (جَده).

ورواية الجماعة عن مكي أصح، وتابعهم:

1 -

الفضل بن موسى، أخرجه النسائي (5531).

2 -

عيسى بن يونس، أخرجه أبو داود (1553) لكن قال:(مولى لأبي أيوب) مكان (صيفي).

3 -

محمد بن جعفر، أخرجه النسائي (5533) لكن قال: أبي الأسود السُّلمي بدل أبي اليَسَر. وقال الحافظ المِزي: هذا وهم.

ورواه أنس بن عياض واختُلف عليه، فرواه عنه اثنان بدون (جَده) وهما:

1 -

يونس بن عبد الأعلى كما عند النسائي (5532).

2 -

إبراهيم بن حمزة، والراوي عنه مصعب بن إبراهيم، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (381) وقال الهيثمي: لا أعرف مصعبًا.

ورواه ثلاثة بذكر (جَده):

1 -

علي بن بحر، أخرجه أحمد (15524).

2 -

هارون بن موسى، أخرجه الطبراني في «الدعاء» (1362).

3 -

يعقوب بن حميد

(1)

أخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»

(1)

وهو ضعيف.

ص: 82

(1919)

.

وأعله أبو حاتم الرازي بإثبات الواسطة وهي مجهولة: وقال: هي أشبه.

وكَتَب شيخنا مع الباحث أبي سهل الربعي، بتاريخ (12) من المحرم (1445 هـ) الموافق (30/ 7/ 2023 م): رَاجِع الشواهد.

ثم عَرَضه الباحث تارة أخرى بتاريخ (16) من المحرم (1445 هـ) فكَتَب: الخبر محتمل للوجهين، إثبات الجَد من عدمه. اه.

وقال: إِنْ حَسَّنه مُحسِّن فلا بأس به؛ لأنه في الفضائل

(1)

.

5 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (8667): حَدَّثَنَا أَسْوَدُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ غَمًّا أَوْ هَمًّا، أَوْ أَنْ أَمُوتَ غَرَقًا، وَأَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، أَوْ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا» .

وفي سنده إبراهيم أبو إسحاق، متروك، قاله النسائي.

(1)

بل في الدعاء.

ص: 83

‌أين أرواح الكفار؟

قال عبد الرزاق في «مُصنَّفه» رقم (9118)

(1)

: عَنِ ابنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ فُرَاتٍ القَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: خَيْرُ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ ذِي مَكَّةُ، وَوَادٍ فِي الهِنْدِ هَبَطَ بِهِ آدَمُ صلى الله عليه وسلم، فِيهِ هَذَا الطِّيبُ الَّذِي تَطَّيَّبُونَ بِهِ. وَشَرُّ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ: وَادِي الأَحْقَافِ، وَوَادٍ بِحَضْرَمَوْتَ، يُقَالُ لَهُ: بَرَهَوْتُ. وَخَيْرُ بِئْرٍ فِي النَّاسِ زَمْزَمُ، وَشَرُّ بِئْرٍ فِي النَّاسِ بَلَهَوْتُ، وَهِيَ بِئْرٌ فِي بَرَهَوْتَ، تَجْتَمِعُ فِيهِ أَرْوَاحُ الكُفَّارِ.

وله طريق آخَر من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس عن علي رضي الله عنه، أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (1111) وفي سنده علي بن زيد، ضعيف.

الخلاصة: أن إسناده صحيح موقوفًا.

وانتهى شيخنا مع الباحث محمد بن راضي، بتاريخ (17) ربيع الآخِر (1445 هـ) الموافق (1/ 11/ 2023 م) إلى أنه موقوف. وكأنه استغربه.

(1)

والأثر في «أخبار مكة» للفاكهي، رقم (1110) وحدثنا محمد بن أبي عمر، وهو متروك.

ص: 84

‌دنو الشمس من الخَلْق

فيه أخبار:

الأول: حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ»

(1)

.

الثاني: قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (2864): حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ» - قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ - قَالَ:«فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.

وتابع الإمام مسلمًا على نسبة المقداد إلى ابن الأسود اثنان:

1 -

علي بن عبد العزيز، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/ 255).

2 -

الحسن بن سفيان، أخرجه البيهقي في «شُعب الإيمان» (255).

(1)

أخرجه البخاري رقم (1475).

ص: 85

وخالفهم الحربي في «غريب الحديث» له (1/ 323) فقال: حدثني المقداد. دون نسبة. وروايتهم أرجح.

وتابع يحيى بنَ حمزة عبد الله بن المبارك، واختُلف على ابن المبارك، فرواه اثنان على لفظ:(المقداد بن الأسود) وهما:

1 -

الحسن بن عيسى كما عند ابن أبي الدنيا في «الأهوال» (90) و «معجم الصحابة» (2124).

2 -

نُعيم بن حماد، أخرجه الطبراني (20/ 225).

وخالفهما جماعة فقالوا: (المقداد) دون نسبة، وهم:

1 -

ابن المبارك في «مسنده» (95).

2 -

إبراهيم بن إسحاق، أخرجه أحمد (23813).

3 -

سويد بن نصر، أخرجه الترمذي في «جامعه» (2421).

4 -

عبد الوارث بن عبيد الله، أخرجه ابن حبان (7330).

5 -

عبد الله بن سنان، أخرجه اللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» .

ورواية الجماعة أرجح دون نسبة.

*-وخالف عبد الرحمن بن يزيد عمر بن جعثم

(1)

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/ 281) وفي سنده إبراهيم بن محمد بن عرق، شيخ الطبراني، قال فيه الذهبي: غير معتمد.

(1)

وثقه أحمد كما في «بحر الدم» (742).

ص: 86

وهذا السند الضعيف المرجوح، وخَطَّأ أبو حاتم الرازي في «العلل» (2143) مَنْ قال:(المقداد بن الأسود) وقال: إنما هو مقدام بن معدي كرب.

وقال ابن رجب في «فتح الباري» (4/ 52): الشاميون كانوا يسمون المقدام بن معد يكرب: (المقداد) ولا ينسبونه أحيانًا، فيَظن مَنْ سمعه غير منسوب أنه ابن الأسود، وإنما هو ابن معد يكرب وقد وقع هذا الاختلاف لهم في غير حديث من رواياتهم.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع محمد بن عيسى، بتاريخ (11) رجب (1444 هـ) الموافق (2/ 2/ 2023 م): المذكور أمامي في الأسانيد مفاده أن الأصح المقداد بن الأسود. ثم ضَرَب على (بن الأسود).

ص: 87

‌ما صحة حديث:

«هَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» ؟

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (24696): حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ:«أَمَّا فِي مَوَاطِنَ ثَلَاثَةٍ فَلَا: الْكِتَابُ، وَالْمِيزَانُ، وَالصِّرَاطُ» .

تابع القاسمَ بن الفضل يونس بن عبيد، أخرجه أبو داود (4755).

وتابعهما المبارك بن فَضالة، أخرجه الآجري في «الشريعة» (906).

والحسن لم يَسمع من عائشة رضي الله عنها، وتابعه اثنان:

1 -

الشَّعبي كما عند ابن أبي شيبة (34406) وقال ابن مَعين: الشعبي عن عائشة مرسل.

2 -

القاسم بن محمد كما عند أحمد (24793) لكن في سنده ابن لهيعة، ضعيف.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث سلمان الكردي، بتاريخ (5) محرم (1444 هـ) الموافق (3/ 8/ 2022 م): كل طرقه ضعيفة، وإِنْ حَسَّنه مُحسِّن بمجموع طرقه فله وجه. والله أعلم.

ص: 88

‌نَعيم القبر وعذابه

قال الإمام ابن حبان في «صحيحه» رقم (5054): أَخبَرنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ، قَالَ: حَدثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ أَبَا السَّمْحِ، حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ فِي قَبْرِهِ لَفِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَيُرْحَبُ لَهُ قَبْرُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَيُنَوَّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَتَدْرُونَ فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:{فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} أَتَدْرُونَ مَا الْمَعِيشَةُ الضَّنْكَةُ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ يُسَلَّطَ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينًا، أَتَدْرُونَ مَا التِّنِّينُ؟ سَبْعُونَ حَيَّةً، لِكُلِّ حَيَّةٍ سَبْعُ رُؤُوسٍ يِلْسَعُونَهُ، وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

تابع حرملةَ أحمدُ بن يحيى كما عند أبي يعلى (6644) والآجري في «الشريعة» (840).

وتابعهما هارون بن سعيد، أخرجه البيهقي في «إثبات عذاب القبر» (68).

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث إسماعيل بن موسى بن عبد الغني البحراوي، بتاريخ (20) من المحرم (1445 هـ) الموافق (7/ 8/ 2023 م) إلى أن أبا السمح لا يتحمل هذا المتن. وكَتَب:

1 -

أبو السمح مُتكلَّم فيه. 2 - ما اسم ابن حُجَيْرة؟

(1)

[و] سماعه من أبي هريرة رضي الله عنه.

(1)

عبد الرحمن.

ص: 89

‌هل ثَبَت حديث ضغطة القبر

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (24283): حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: عَنْ إِنْسَانٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ» .

ورواه جماعة عن شعبة عن سعد عن نافع عن صفية زوج عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (897)، وابن حبان (3112)، وابن الجعد في «مسنده» (1548) وغيرهم.

واختُلف في شيخ نافع على أربعة أوجه:

1 -

مرسل، كما عند ابن سعد في «الطبقات» (4426).

2 -

عن إنسان.

3 -

عن صفية.

4 -

عن ابن عمر، كما عند الدارقطني في «علله» (3571) وفي سنده يزيد بن أبي زياد الخُراساني، مجهول.

5 -

بإسقاط هذه الوسائط السابقة.

ونافع لم يَسمع من عائشة، قاله أبو حاتم. ورجح الدارقطني ذكر صفية،

ص: 90

ويمكن حمل كلمة (إنسان) علاها وسبق أن شعبة يخطئ في أسماء الرجال.

في حين كَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ (3) ذي الحجة (1444 هـ) الموافق (21/ 6/ 2023 م): رواية محمد بن جعفر والقطان عن شعبة أصح، وسندها أعلى، فذِكر (إنسان) أصح من تسمية صفية. ا هـ.

وللحديث شواهد بنحوه من حديث جابر عند أحمد (14459) وسنده ضعيف.

ومن حديث ابن عباس عند الطبراني (6593)، وفيه زياد مولى ابن عباس.

ومن حديث أنس كما في «المختارة» للمقدسي. وفي سنده أبو رشيد الصواف.

ومن حديث ابن عمر، أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (267) وفي سنده أبو حذيفة موسى بن مسعود، وهو ضعيف في الثوري.

وثَمة مراسيل أخرى:

1 -

سعيد المقبري، كما في «الطبقات» (4228).

2 -

أبو المتوكل الناجي، كما في «السُّنة» لعبد الله (1332).

ص: 91

‌زخرفة البيوت من علامات الساعة

قال الإمام البخاري في «الأدب المفرد» رقم (459): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ

(1)

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَبْنِيَ النَّاسُ بُيُوتًا، يُشَبِّهُونَهَا بِالْمَرَاحِلِ» .

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَعْنِي الثِّيَابَ الْمُخَطَّطَةَ.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث: د. محمد بن ياسين، بتاريخ (13) محرم (1444 هـ) الموافق (11/ 8/ 2022 م) إلى أنه منقطع لأن سعيد بن أبي هند لم يَسمع من أبي هريرة. قاله أبو حاتم في «المراسيل» (ص/ 75)

(2)

.

ذ

(1)

وتابع إبراهيم بن المنذر عبد الرحمن بن يونس، أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (459) وفيه «يوشونها وَشْي المراحل» .

(2)

جاءت روايات من مخارج متسعة عن أبي هريرة رضي الله عنه، فيها:«لا تقوم الساعة» بغير هذا السياق.

ص: 92

‌هل يَشعر الأموات بنفخة الصعق؟

1 -

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (11286): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأُفِيقُ فَأَجِدُ مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَجُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ أَوْ أَفَاقَ قَبْلِي» .

خالف وكيعًا جماعة في لفظ: «وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» :

1 -

محمد بن يوسف، أخرجه البخاري (3398) وفيه:«فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ» .

2 -

أبو أحمد الزبيري، أخرجه مسلم (2374) ولم يَسُق لفظه. وأخرجه ابن بشران في «أماليه» (1377) كلفظ محمد بن يوسف.

3 -

قَبيصة بن عقبة، أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (838) كلفظ محمد بن يوسف.

ورواه جماعة- أبو نُعيم كما عند البخاري (6916) وابن مهدي، أخرجه أبو يعلى (1368) وعبد الله بن نُمير، أخرجه مسلم (2374) ومحمد بن أبي بكر المقدمي، أخرجه ابن حبان (6237) - بلفظ:«لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ» .

ص: 93

وتابع سفيان- وهو الثوري- جماعة:

1 -

وُهيب بن خالد، واختُلف عليه في اللفظ.

أ-فرواه عنه موسى بن إسماعيل، أخرجه البخاري (2412) كلفظ وكيع.

ب-أيوب بن يونس كذلك كلفظ وكيع، أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (5/ 423).

وخالفهما أحمد بن إسحاق، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (31837) وفيه:«فأرفع رأسي» .

2 -

ورقاء بن عمر، أخرجه أحمد (11365) وفيه:«فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ التُّرَابِ، فَأَجِدُ مُوسَى عليه السلام» .

3 -

خالد بن عبد الله، أخرجه أبو نُعيم في «دلائل النبوة» (28) وفيه:«فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ» .

ورواه عبد العزيز بن محمد كما عند الطحاوي في «معاني الآثار» (7110) وفي سنده نعيم بن حماد، ضعيف. وسعيد بن أبي أيوب، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (260) كلاهما مختصرًا:«لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ» .

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن عيسى البُرلسي، بتاريخ (24) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (17/ 1/ 2023 م): احتمالية تصحيح السندين باللفظين قائمة، لكن نحتاج إلى مرجحات من وجوه أُخَر.

2 -

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (9821): حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ: وَالَّذِي اصْطَفَى

ص: 94

مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ! قَالَ: فَلَطَمَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: تَقُولُ هَذَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا؟! قَالَ: فَأَتَى الْيَهُودِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68]، قَالَ: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلِي، أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ، ومن قال: إني خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، فَقَدْ كَذَبَ» .

وتابع يزيدَ جماعة دون خلاف على محمد، هو ابن عمرو بن علقمة.

وخالف محمدَ بن علقمة الزُّهْري، فلم يَذكر الآية وقال في لفظه:«فأكون أول مَنْ يفيق» أخرجه البخاري (3408) ومسلم (2373).

وتابع الزُّهري على عدم ذكر الآية أبو الزناد، أخرجه البخاري (6518) وفيه:«فأكون أول مَنْ قام» .

ووافق محمد بن عمرو في معنى الآية عبد الله بن الفضل عن الأعرج، أخرجه البخاري (3414) ومسلم (2373) وفيه:«فأكون أول مَنْ بُعث» .

ورواه عامر الشَّعبي عن أبي هريرة، ولم يَذكر الآية وقال: «إني أول مَنْ يَرفع رأسه بعد النفخة الآخرة

» أخرجه البخاري (4813).

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن عيسى، بتاريخ (3) رجب (1444 هـ) الموافق (25/ 1/ 2023 م): يَبقى النظر في الجمع بين الروايات وطرائق أهل العلم في ذلك.

وخلاصة البحث أن الباحث يميل إلى ترجيح: «فأكون أول مَنْ يفيق» على

ص: 95

«أول مَنْ تنشق عنه الأرض» وهي وهم.

وسأله الباحث ياسر الدسوقي عن وجه الجمع فقال: إن الروايات واحدة وتَصَرَّفَ بعضُ الرواة.

تنبيه: تَكلَّم في هذين الحديثين من حيث المعنى ابن القيم في «الرُّوح» (ص: 59 فما بعد):

ففي الحديث الصحيح أن «الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول مَنْ يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور» . فهذا صعق في موقف القيامة إذ جاء اللّه تعالى لفصل القضاء، وأشرقت الروح. الأرض بنوره، فحينئذٍ تصعق الخلائق كلهم، قال تعالى:{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} ولو كان هذا الصعق موتًا لكانت موتة أخرى.

وقد تَنَبَّهَ لهذا جماعة من الفضلاء، فقال أبو عبد اللّه القرطبي: ظاهر هذا الحديث أن هذه صعقة غَشْي تكون يوم القيامة، لا صعقة الموت الحادثة عن نفخ الصور. قال: قد قال شيخنا أحمد بن عمرو: ظاهر حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أن هذه الصعقة إنما هي بعد النفخة الثانية، نفخة البعث، ونَصُّ القرآن يقتضي أن ذلك الاستثناء إنما هو بعد نفخة الصعق، ولما كان هذا قول فيحتمل أن يكون موسى ممن لم يَمُتْ من الأنبياء، وهذا باطل.

وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون المراد بهذه صعقة فزع بعد النشور، حين تنشق السموات والأرض. قال: فتستقل الأحاديث والآثار.

ورَدَّ عليه أبو العباس القرطبي فقال: يَرُد هذا قوله في الحديث الصحيح أنه حين يَخرج من قبره يَلقى موسى آخذًا بقائمة العرش. قال: وهذا إنما هو عند

ص: 96

نفخة الفزع.

قال أبو عبد اللّه: وقال شيخنا أحمد بن عمرو: الذي يزيح هذا الإشكال إن شاء اللّه تعالى أن الموت ليس بعدم محض، وإنما هو انتقال من حال إلى حال، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يُرزقون، فرحين مستبشرين، وهذه صفة الأحياء في الدنيا، وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء بذلك أحق وأَوْلَى، مع أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء، وخصوصًا بموسى، وقد أَخْبَرَ بأنه ما من مسلم يُسلِّم عليه إلا رَدَّ اللّه عليه رُوحه حتى يَرُد -عليه السلام-.

إلى غير ذلك مما يَحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو رجع إلى أن غُيبوا عنا، بحيث لا ندركهم، وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة، فإنهم أحياء موجودون ولا تراهم، وإذا تقرر أنهم احياء، فإذا نُفخ في الصور نفخة الصعق، صعق كل مَنْ في السموات ومَن في الأرض إلا مَنْ شاء اللّه، فأما صعق غير الأنبياء فموت، وأما صعق الأنبياء فالأظهر أنه غشية، فإذا نُفخ في الصور نفخة البعث، فمَن مات حيي، ومَن غشي عليه أفاق.

ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق على صحته: «فأكون أول مَنْ يفيق» فنبينا أول مَنْ يَخرج من قبره قبل جميع الناس إلا موسى. فإنه حصل فيه تردد: هل بُعث قبله من غشيته أو بقي على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصعق مفيقًا؛ لأنه حوسب بصعقة يوم الطور؟ وهذه فضيلة عظيمة لموسى، ولا يَلزم من فضيلة واحدة أفضليته على نبينا مطلقًا؛ لأن الشيء

ص: 97

الجزئي لا يوجب أمرا كليًّا. انتهى.

قال أبو عبد الله القرطبي: إِنْ حُمِلَ الحديث على صعقة الخَلْق يوم القيامة فلا إشكال، وإِنْ حُمِلَ على صعقة الموت عند النفخ في الصور فيكون ذكر يوم القيامة يراد به أوائله، فالمعنى: إذا نُفخ في الصور نفخة البعث كنتُ أول مَنْ يَرفع رأسه، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟

قلت: وحَمْل الحديث على هذا يصح؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم تردد: هل أفاق موسى قبله أم لم يصعق بل جوزي بصعقة الطور؟ فالمعنى: لا أدري أصعق أم لم يصعق، وقد قال في الحديث:«فأكون أول مَنْ يفيق» وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم يصعق فيمن يصعق، وأن التردد حصل في موسى: هل يصعق وأفاق قبله من صعقته أم لم يصعق.

ولو كان المراد به الصفة الأولى وهي صعقة الموت، لكان صلى الله عليه وآله وسلم قد جَزَم بموته، وتَرَّدد هل مات موسى أم لم يمت. وهذا باطل لوجوه كثيرة، فعُلِمَ أنها صعقة فزع لا صعقة موت.

وحينئذٍ فلا تدل الآية على أن الأرواح كلها تموت عند النفخة الأولى، نعم، تدل على أن موت الخلائق عند النفخة الأولى، وكل مَنْ لم يَذق الموت قبلها فإنه يذوقه حينئذٍ، وأما مَنْ ذاق الموت أو مَنْ لم يُكتب عليه الموت فلا تدل الآية على أنه يموت موتة ثانية. والله أعلم.

فإن قيل: فكيف تصنعون بقوله في الحديث: «إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول مَنْ تنشق عنه الأرض، فأجد موسى باطشًا بقائمة العرش» ؟

ص: 98

قيل: لا ريب أن هذا اللفظ قد ورد هكذا، ومنه نشأ الإشكال، ولكنه دخل فيه على الراوي حديث في حديث، فركب بين اللفظين فجاء هذا والحديثان هكذا:

أحدهما: أن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول مَنْ يفيق.

والثاني هكذا: أنا أول مَنْ تنشق عنه الأرض يوم القيامة.

ففي الترمذي وغيره من حديث أبي سعيد الخُدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذٍ، آدم فمَن سواه، إلا تحت لوائي، وأنا أول مَنْ تنشق عنه الأرض ولا فخر» .

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

فدخل على الراوي هذا الحديث في الحديث الآخَر، وكان شيخنا أبو الحَجاج الحافظ يقول ذلك.

فإن قيل: فما تصنعون بقوله: «فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله عز وجل» والذين استثناهم الله إنما هم مُستثنَون من صعقة النفخة لا من صعقة يوم القيامة، كما قال اللّه تعالى:{ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ ومَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ} ، ولم يقع الاستثناء من صعقة الخلائق يوم القيامة.

قيل: هذا والله أعلم غير محفوظ، وهو وهم من بعض الرواة، والمحفوظ ما تواطأت الروايات الصحيحة من قوله: «فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة

ص: 99

الطور» فظَنَّ بعض الرواة أن هذه الصعقة هي صعقة النفخة، وأن موسى داخل فيمن استثنى منها، وهذا لا يلتئم على مساق الحديث قطعًا؛ فإن الإفاقة حينئذٍ هي إفاقة البعث، فكيف يقول:«لا أدري أبُعث قبلي أم جوزي بصعقةالطور» ؟ فتأمله، وهذا بخلاف الصعقة التي يصعقها الخلائق يوم القيامة، إذا جاء الله سبحانه لفصل القضاء بين العباد وتجلى لهم فإنهم يصعقون جميعًا، وأما موسى عليه السلام فإن كان لم يصعق معهم، فيكون قد حوسب بصعقته يوم تجلى ربه للجبل فجعله دكًّا فجعلت صعقة هذا التجلي عوضًا من صعقة الخلائق لتجلي الرب يوم القيامة.

فتَأَمَّلْ هذا المعنى العظيم، ولو لم يكن في الجواب إلا كشف هذا الحديث وشأنه، لكان حقيقًا أن يعض عليه بالنواجذ، ولله الحمد والمنة وبه التوفيق.

وانظر كلام ابن كثير في «تفسيره» (2/ 300): (

الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة

).

ص: 100

‌شفاعة المؤمنين

قال ابن خُزيمة في «التوحيد» (2/ 745): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ يَشْفَعُ لِلرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، وَالرَّجُلُ لِلرَّجُلِ» .

وتابع إسحاقَ بن منصور زهيرُ بن حرب والحسين بن مهدي، أخرجه البزار (3473).

والخلاصة: أن علته ضعف مَعْمَر في ثابت، قال ابن مَعين: معمر عن ثابت مضطرب كثير الأوهام.

وانتهى شيخنا إلى ذلك مع الباحث عمر بن حاتم بن محمود الحلواني

(1)

بتاريخ (26) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (19/ 1/ 2023 م).

(1)

حاصل على كلية تجارة، من مواليد عام (1997 م).

ص: 101

‌كتاب الجنة

‌ماذا قال جبريل عليه السلام لما رأى الجنة؟

قال الإمام أحمد في «مسنده» (8398): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، أَرْسَلَ جِبْرِيلَ، قَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا. فَجَاءَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ. قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، قَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا. فَجَاءَهَا فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أُعِدَّ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَرَجَعَ فقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعَ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا» .

وتابع محمدَ بن بِشر جماعة، حماد بن سلمة، أخرجه أحمد (8648)، وأبو داود (4744).

وتابعهما الفضل بن موسى، وعبدة بن سليمان، وخالد بن عبد الله، وأبو نصر التمار، ويحيى، وإسماعيل بن جعفر.

ص: 102

والخلاصة:

انتهى شيخنا معي بتاريخ (29) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (14/ 10/ 2023 م) إلى تحسين إسناده.

ص: 103

‌سؤال الله الجنة

قال الإمام أبو يعلى في «مسنده» رقم (6192): حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ، إِلَّا قَالَتِ النَّارُ: يَا رَبِّ إِنَّ عَبْدَكَ فُلَانًا قَدِ اسْتَجَارَكَ مِنِّي فَأَجِرْهُ. وَلَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ الْجَنَّةَ فِي يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ، إِلَّا قَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ إِنَّ عَبْدَكَ فُلَانًا سَأَلَنِي فَأَدْخِلْهُ» .

والخلاصة: أن هذا الخبر به علل، أشهرها:

الأول: تعيين يونس، هو ابن خباب كما جاء في «ومسند الطيالسي» و «صفة الجنة» (69) لأبي نعيم، والدارقطني في «علله» (2213).

ويونس بن خبيب منكر الحديث، قاله البخاري وكذبه غيره، وقال أحمد: خبيث الرأي. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه.

أما العَلَّامة الألباني فقال: إنه يونس بن يزيد الأيلي الثقة؛ لأمرين:

1 -

اتحاد الطبقة.

2 -

اتحاد المشايخ والتلاميذ عنهما.

والأول هو الصواب، وهو الموافق لما في الأسانيد.

الثاني: الاختلاف في شيخ يونس على ثلاثة أوجه: علقمة أو أبو علقمة أو أبو

ص: 104

حازم.

الثالث: جاءت متابعة من طريق يحيى بن عبد الله القرشي عن أبيه عن أبي هريرة. أخرجه أبو نعيم في «صفة الجنة» (67). ويحيى القرشي متروك.

وانتهى شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ الأربعاء (15) من المحرم (1445 هـ) الموافق (2/ 8/ 2023 م) إلى ضعفه.

ص: 105

‌اشتياق الجنة إلى أهلها

قال الحاكم في «المستدرك» (4729): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ السَّكَنِ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الْأَيَادِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اشْتَاقَتِ الْجَنَّةُ إِلَى ثَلَاثَةٍ: عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَسَلْمَانَ»

(1)

.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن عبد التواب، بتاريخ (15) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (30/ 9/ 2023 م) إلى ضعفه من كل طرقه، وأن أَسْلَمها طريق الحاكم، وفيه أبو ربيعة، وثقه ابن معين، وقال فيه أبو حاتم منكر. وحكم ابن الجوزي عليه بالوضع في «العلل المتناهية» (1/ 284) فقال: هذا حديث لا يصح، وأبو ربيعة اسمه زيد بن عوف، ولقبه فهد، قال ابن المديني: ذاهب الحديث. وقال الفلاس ومسلم بن الحَجاج متروك الحديث.

(1)

وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

ص: 106

‌رضوان الله أفضل من نعيم الجنة

قال ابن حبان في «صحيحه» رقم (7439): أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْخَلَّالُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ اللَّهُ: أَتَشْتَهُونَ شَيْئًا فَأَزِيدَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا وَمَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتَنَا؟» قال: «فَيَقُولُ: بَلَى رِضَايَ أَكْثَرُ» .

تابع عباسًا الدوري جماعة: سلمة بن شبيب، أخرجه الحاكم (276)، والفضل بن يعقوب، أخرجه ابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» (ص/ 100)، وإبراهيم بن محمد بن يوسف المقدسي، أخرجه أبو نعيم في «صفة الجنة» (ص/ 283)، وقال: رواه الأشجعي مرفوعًا، ورواه وكيع وغيره فلم يرفعوه.

وتابع محمدَ بن يوسف الفريابي على الرفع عبيدُ الله بن عبد الرحمن الأشجعي، أخرجه الحاكم (277) وصححه وقال: وقد تابع الأشجعيَّ محمد بن يوسف على إسناده ومتنه.

وتابعهما عبد الله بن المغيرة، أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (9025) وعبد الله بن المغيرة متروك، قاله المُناوي.

خالفهم جماعة فأوقفوه:

1 -

يحيى القطان، أخرجه مسدد كما في «المطالب العالية» رقم (4618):

ص: 107

حدَّثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا رضي الله عنه يَقُولُ: لَمَّا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: (اللهُ عز وجل أُعْطِيكُمْ خَيْرًا مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: رَبَّنَا، مَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا؟ قَالَ تبارك وتعالى: رِضَائِي.

2 -

وكيع كما في «صفة الجنة» (ص/ 283) لأبي نعيم.

3 -

أبو أحمد الزبيري، أخرجه الطبري (6751).

4 -

وتابعهم متابعة قاصرة على الوقف رَوح بن القاسم، أخرجه الواحدي كما في «الوسيط» (2/ 511) بسندٍ رجاله ثقات إلى رَوح. قاله الباحث.

وجهة مَنْ صَحَّح الرفع:

1 -

صحة الإسناد والكلام في رواية الفريابي عن سفيان، فقد تابعه عبيد الله كما سبق.

2 -

تصحيح ابن حبان والحاكم، وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» (20/ 357): هذا الحديث على شرط البخاري ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه. وقال المقدسي في «صفة الجنة» (ص/ 72): هذا عندي على شرط الصحيح.

3 -

المتن ليس بمستنكر فله شواهد، منها حديث أبي سعيد بنحوه، أخرجه البخاري (7518) ومسلم (2829): عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ

ص: 108

ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا».

ووجهة مَنْ يُرجِّح الوقف:

1 -

كون يحيى القطان ووكيع في الطبقة الأولى في الثوري، وروياه على الوقف

(1)

، والمتابعة القاصرة لهما من رَوح بن القاسم مع نزول سندها.

ووَجْه الجمع أن يقال: إن الموقوف له حكم المرفوع؛ لأن جابرًا يخبر عن رب العزة. أو نشط جابر رضي الله عنه فرواه تارة مرفوعًا وأخرى موقوفًا.

وكَتَب شيخنا مع الباحث أحمد بن محمد بن عبد العاطي الرفاعي، بتاريخ (23) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (8/ 10/ 2023 م) على الموقوف: الحديث أسانيده نازلة

(2)

ومِن ثَم فهو مريب وقد اختُلف في رفعه ووقفه، وانظر شواهده.

(1)

وكذلك أبو أحمد الزُّبيري.

(2)

إلا سند مُسدَّد فَعَالٍ.

ص: 109

‌علامات أهل الجنة أو النار

(1)

قال أبو داود في «سُننه» رقم (4801): حَدَّثنا أَبُو بَكْرٍ وَعُثمَانُ، ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ

(2)

، قَالَا: حَدَّثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْجَوَّاظُ، وَلَا الْجَعْظَرِيُّ» .

قَالَ: وَالْجَوَّاظُ: الْغَلِيظُ الْفَظُّ.

وخالفهما الإمام أحمد في «متنه» هكذا في «مسنده» رقم (18728): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ، لَوْ يُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ، لَأَبَرَّهُ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ جَوَّاظٍ جَعْظَرِيٍّ مُسْتَكْبِرٍ» .

وتابع الإمام أحمدَ محمد بن عبد الله بن نُمير في مسلم (2853).

وخالفهم أيضًا في السند الإمام أحمد في «مسنده» رقم (17993): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْجَوَّاظُ وَالْجَعْظَرِيُّ وَالْعُتُلُّ الزَّنِيمُ» قَالَ: هُوَ سَقَطَ مِنْ كِتَابِ أَبِي.

(1)

سَبَق في «سلسلة الفوائد» (1/ 305): «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ» أخرجه مسلم، وأعله الدارقطني بالإرسال.

(2)

وفي مُصنَّفه مختصرًا.

ص: 110

والرواية الأخيرة ضعيفة لضَعْف شهر، وابن غَنْم مُختلَف فيه.

ورواية ابني ابن أبي شيبة مختصرة ومُخالِفة لجمهور الرواة

(1)

عن سفيان، وتابعهم الأعمش

(2)

وشعبة

(3)

وهي المتفق عليها هكذا: عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، وَأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ جَوَّاظٍ عُتُلٍّ مُسْتَكْبِرٍ» .

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أحمد الصاوي

(4)

بتاريخ (25)

(1)

وَهُمْ:

1 -

ابن مهدي، أخرجه أحمد (18730).

2 -

محمد بن كثير، أخرجه البخاري (6071).

3 -

أبو نُعيم، أخرجه البخاري (4918) وغيره.

(2)

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (3256).

(3)

أخرجه مسلم (2853) والبخاري (6657).

(4)

وُلد بقرية «الأبطال» بمحافظة الإسماعلية، وحاصل على ليسانس أصول الدين والدعوة الإسلامية، قسم الحديث وعلومه، جامعة الأزهر بالزقازيق.

وقَدَّم له شيخنا كتاب «شرح حديث السبع الموبقات» وإليك نص التقديم:

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد، فهذا بحث في شرح حديث السبع الموبقات، عافانا الله وإياكم والمسلمين من الموبقات.

أَعَده أخي في الله أحمد الصاوي -حفظه الله-وقد نظرتُ في الأحاديث التي أوردها في ثنايا شرحه للكتاب، وإذا به قد اعتنى بإعطائها الأحكام التي تستحقها، وحَرَص من البداية على صحتها وتخريجها، وكذلك الآثار.

وفي الجملة، فبحثه بحمد الله نافع، أسأل الله له مزيدًا من التوفيق والسداد.

وصَلِّ اللهم على نبينا محمد وسَلِّم.

والحمد لله رب العالمين.

كَتَبه أبو عبد الله مصطفى بن العدوي.

ص: 111

جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (18/ 1/ 2023 م): رواية الجماعة عن سفيان أولى وهي في «الصحيحين» والله أعلم.

تنبيه: سبب بحث هذا الحديث اشتهار رواية أبي داود السابقة: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْجَوَّاظُ، وَلَا الْجَعْظَرِيُّ» على مواقع التواصل، فمِن ثَم بحثها الباحث وتَبيَّن له أن رواية «الصحيحين» تخالفها في المتن فهي وصف بعض صفات أهل النار.

ص: 112

‌عدد أبواب الجنة

(1)

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (3257): حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ» .

وخالف أبو غسان جمهور الرواة عن أبي حازم، فزاد:«فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ»

ولفظ الجمهور كما سبق في «سلسلة الفوائد» : «إن في الجنة بابًا يقال له: الريان» .

والخلاصة: أن زيادة أبي غسان من هذا الوجه شاذة، وقد يُفهَم من ترجمة بدر الدين العيني لأبي غسان وأبي حازم أنه يشير إلى التفرد.

(1)

قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73].

وقال الكرماني في «أسرار التَّكرار في القرآن» (ص 219):

قَوْله {فتحت أَبْوَابهَا} وَبعده {وَفتحت} بِالْوَاو للْحَال، أَي: جاءوها وَقد فُتحت أَبْوَابهَا. وَقيل: الْوَاو فِي {وَقَالَ لَهُمْ خزنتها} زَائِدَة، وَهُوَ الْجَواب. وَقيل: الْوَاو وَاو الثَّمَانِية.

ص: 113

وكَتَب شيخنا مع الباحث سيد بن عبد العزيز الشرقاوي (4) محرم (1444 هـ) الموافق (2/ 8/ 2022 م): ترجمة أبي غسان موسعة.

تنبيه: ورد اختلاف على الثوري بالرفع والوقف، وكذلك عن يعقوب بن عبد الرحمن بالوقف.

ص: 114

‌صفة الحُور العِين

وردت فيه أخبار منها:

1 -

ما أخرجه الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (2796): حَدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ، أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ- يَعْنِي سَوْطَهُ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .

وتابع أبا إسحاق يحيى بن أيوب كما عند أحمد (12603) وتابعهما آخرون.

وخالفهم ابن المبارك عن حميد عن أنس قال: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ- أَوْ قَالَ: قَيْدُ- أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ، لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهَا، وَلَنَصِيفُهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» كما في «الزهد» (2/ 73) و «الجهاد» رقم (23) لابن المبارك موقوفًا

(1)

.

ص: 115

وتابعه مَرْوان بن معاوية في «سبعيات أبي المعالي» (16)

(1)

وتابعهما الأنصاري، أخرجه أبو حاتم في «العلل» رقم (931) وقال: حديث حميد فيه مثل ذا كثير، واحد عنه يُسنِد، وآخَر يُوقِف

(2)

. فحَمَّله لحميد، في حين سُئل عن المرفوع من رواية الماجشون فقال في «العلل» رقم (2131): هذا خطأ؛ الصحيح: عن أنس، موقوف.

وأخرجه الإمام مسلم رقم (1880): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ولم يخرجه البخاري من طريق ثابت مع أنه أثبت في أنس رضي الله عنه.

الخلاصة: أن أول فقرتين:

1 -

«لغدوة

» عند مسلم من طريقِ ثابت.

2 -

«لقاب

» من طريقِ ثابت كذلك لكنها عند أحمد خارج مسلم.

3 -

جمع حميد ثلاث فقرات، الفقرتين السابقتين و «لو أن امرأة

» عند

(1)

وفي وجه بالرفع في «بُغية الطلب في تاريخ حلب» (5/ 2429).

(2)

وقال ابن المديني عن يحيى بن سعيد: كان حميد الطويل إذا ذهبتَ تقفه على بعض حديث أنس يَشك فيه.

ص: 116

البخاري.

4 -

الاختلاف في الرفع والوقف، واختيار أبي حاتم الوقف.

أفاده الباحث أحمد بن مصطفى المنياوي مع شيخنا، بتاريخ ليلة السبت (9) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (24/ 9/ 2023 م).

2 -

ومنها ما أخرجه البزار في «مسنده» (1855): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عِيسَى بْنِ سَاسَانَ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَا: نَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ قَالَ: نَا الْفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْحُلَلِ كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الْأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ» .

خالف فضيلَ بن مرزوق معمرٌ، كما في «جامعه» رقم (20867): أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ

(1)

، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:«إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَيُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ مِنْ تَحْتِ سَبْعِينَ حُلَّةً، كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الْأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ» .

تابع معمرًا متابعة قاصرة عطاء بن السائب، أخرجه هناد في «الزهد» رقم (10): حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ

(2)

، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ

(1)

من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه، وروايته عنه في الكتب الستة. وهناك عمرو بن ميمون الجَزَري، ثقةٌ أَنْزَلُ مِنْ هذا، تُوفي سنة (147).

(2)

وتابع أبا الأحوص ابن فُضيل، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (33989).

ص: 117

قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً، فَيُرَى سَاقُهَا وَمُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ الْحُلَلِ.

قَالَ: بِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 58] وَالْيَاقُوتُ حَجَرٌ، فَلَوْ أَدْخَلْتَ خَيْطًا لَرَأَيْتَهُ مِنْ فَوْقِ الْحُلَلِ.

الخلاصة: أن الرواية الموقوفة صحيحة وهي الأرجح؛ لقوة مَنْ رواها.

ولقول البزار عقب الرواية المرفوعة: وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا نَحْفَظُهُ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

وكذلك قال الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/ 281): لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِلَّا الْفُضَيْلُ.

وأيضًا: قال ابن حبان في رواية فُضيل بن مرزوق عن الثقات: ربما ينفرد عن الثقات بما لا يُتابَع عليه، ويُتنكَّب عنها في الاحتجاج.

واعتمد شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ (22) ربيع الآخِر (1445 هـ) الموافق (6/ 11/ 2023 م): كلام ابن حبان؛ لَمَّا عَرَض عليه الباحث المرفوع فقط.

ص: 118

‌كم زوجة للشهيد في الجنة؟

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (17182): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، وَالحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل قَالَ الحَكَمُ: سِتَّ خِصَالٍ - أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى - قَالَ الحَكَمُ: وَيُرَى - مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنَ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ - قَالَ الحَكَمُ: يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ - وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ» .

تابع إسحاقَ والحَكَم جماعة: سعيد بن منصور، وهشام بن عمار، وإسحاق بن إدريس، وداود بن عمر، وعبد الوهاب بن نَجْدة.

وتارة رواه الحَكَم بن نافع

(1)

وسعيد بن منصور، وعثمان بن أبي شيبة، وداود بن عمر. أربعتهم عن إسماعيل، عن بَحِير عن خالد بن مَعْدَان، عن كثير

(1)

وفي وجه ثالث عن الحَكَم، فجَعَله موقوفًا على عقبة بن عامر، أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (1163) عن أبي زُرْعَة.

ص: 119

بن مُرة

(1)

عن عُبادة، بالمتن.

وتابع الأكثر عن إسماعيل بن عَيَّاش بقيةُ بن الوليد، أخرجه الترمذي (1663) وفي سنده نُعيم بن حماد.

ورواية الأكثر مع قرينة متابعة بقية على ضعف إسنادها- تُحسِّن الإسناد إِنْ ضَبَطه إسماعيل، وهو من روايته عن الشاميين، وجعلنا لخالد بن مَعْدَان فيه شيخين.

ولم يقف الباحث على أحد حَكَم عليه بالاضطراب إلا محققي «مسند أحمد» .

تنبيه: قال البخاري: سَمِع خالد من المِقدام. وروايته عنه في «البخاري» ، وقال أبو حاتم: لقي المِقدام، لكن قال الإسماعيلي: بينه وبين المِقدام جُبير بن نُفير.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث إبراهيم بن عبد الرحمن، إلى تحسين الخبر من طريق الجماعة عن إسماعيل بن عياش.

(1)

ورواه كثير بن مُرَّة أيضًا عن قيس الجذامي مرفوعًا، أخرجه أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (5723) وظاهر إسناده الحُسن بست خصال. وقيس الجذامي مُختلَف في صحبته، والأكثر على إثباتها.

وتارة أخرى عن رجل كان له صحبة. أخرجه أحمد (17783) من طريق عبد الرحمن بن ثابت، عن أبيه، عن مكحول. قال صالح بن محمد: أنكروا عليه أحاديث يرويها عن أبيه عن مكحول مسندة.

وثالثة عن معاذ، كما في «أمالي ابن بشران» (1057) وفي سندها الحسن بن عليٍّ السَّرِيّ، لم يقف له الباحث على ترجمة.

ص: 120

تنبيه: لم تتفق الروايات على التنصيص على ست، بل هذا المتن فيه ست، وعند العدّ تسع، مع زيادة الفضل في الزواج.

ص: 121

‌المرأة لأي زوجيها في الجنة؟

قال عبد بن حميد في «المُنتخَب» رقم (1212): حَدَّثَنِي عُبَيْدٌ الْعَطَّارُ، ثَنَا سِنَانُ بْنُ هَارُونَ الْبُرْجُمِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْمَرْأَةُ مِنَّا يَكُونُ لَهَا فِي الدُّنْيَا زَوْجَانِ، ثُمَّ تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ هِيَ وَزَوْجَاهَا، لِأَيِّهِمَا تَكُونُ: لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلْأَخِيرِ؟ قَالَ: «تُخَيَّرُ أَحْسَنَهُمَا خُلُقًا كَانَ مَعَهَا فِي الدُّنْيَا، فَيَكُونُ زَوْجَهَا فِي الْجَنَّةِ، يَا أُمَّ حَبِيبَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَخَيْرِ الْآخِرَةِ» .

أورده العقيلي في «الضعفاء الكبير» (2/ 171): ولا يُحفَظ إلا من حديث سنان.

الخلاصة: انتهى شيخنا إلى ضعفه مع الباحث سلمان الكردي، بتاريخ (5) محرم (1444 هـ) الموافق (3/ 8/ 2022 م) إلى ضعفه.

ص: 122

‌هل الغنم من دواب الجنة؟

قال الإمام مالك في «مُوطَّئه» رقم (2697): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خُثَيْمٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ، فَأَتَاهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى دَوَابَّ، فَنَزَلُوا عِنْدَهُ. قَالَ حُمَيْدٌ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اذْهَبْ إِلَى أُمِّي فَقُلْ: إِنَّ ابْنَكِ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: أَطْعِمِينَا شَيْئًا. قَالَ: فَوَضَعَتْ ثَلَاثَةَ أَقْرَاصٍ فِي صَحْفَةٍ، وَشَيْئًا مِنْ زَيْتٍ وَمِلْحٍ، ثُمَّ وَضَعَتْهَا عَلَى رَأْسِي، وَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا وَضَعْتُهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، كَبَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْبَعَنَا مِنَ الْخُبْزِ، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامُنَا إِلَّا الأَسْوَدَيْنِ: الْمَاءَ وَالتَّمْرَ. فَلَمْ يُصِبِ الْقَوْمُ مِنَ الطَّعَامِ شَيْئًا، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا بْنَ أَخِي، أَحْسِنْ إِلَى غَنَمِكَ، وَامْسَحِ الرُّعَامَ عَنْهَا، وَأَطِبْ مُرَاحَهَا، وَصَلِّ فِي نَاحِيَتِهَا؛ فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الثُّلَّةُ مِنَ الْغَنَمِ أَحَبَّ إِلَى صَاحِبِهَا مِنْ دَارِ مَرْوَانَ.

وخالف مالكًا عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني، فأَدْخَل واسطة بين محمد بن عمرو بن حلحلة وحميد، وهي وهب بن كيسان، ورَفَع الحديث، أخرجه البزار (8417).

ورواه جماعة عن أبي هريرة مرفوعًا، والأسانيد إليهم ضعيفة ونازلة، انظر «مسند البزار» (7829، 8771) و «السنن الكبير» (4359) للبيهقي.

ص: 123

وعند الطبراني في «الأوسط» (5346) من طريق أبي حيان التيمي عن أبي زُرعة، عن رجل من بني هاشم أو رجل من المدينة. وقال أبو زُرعة كما في «العلل» (380): هذا أشبه.

وحَكَى الدارقطني في «علله» الخلاف على سفيان الثوري وقال: رَفْعه غير ثابت.

وأورده عبد الرزاق في «مصنفه» (1599) عن مَعْمَر عن أبي إسحاق عن رجل من قريش، بدل أبي هريرة مرفوعًا. ورواية معمر عن أبي إسحاق مُتكلَّم فيها، ورجل من قريش مبهم.

تنبيه: رُوي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وليست فيه «دواب الجنة» ورَجَّح البيهقي في «سُننه» (2/ 630) الوقف.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أبي الحسن إبراهيم بن فراج، بتاريخ (4) محرم (1445 هـ) الموافق (22/ 7/ 2023 م): الموقوف أصح.

ص: 124

‌المآل إلى جنة أو نار

قال تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7].

قال الطبراني في «الأوسط» رقم (1651): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلّامٍ الْمَنْبِجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ:«قُلْ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللهِ إِلَيْكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَرَدَّ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ، خُلُودٌ لا مَوْتٌ، وَإِقَامَةٌ لَا ظَعْنٌ، فِي أَجْسَادٍ لَا تَمُوتُ» .

وخالف حبيبًا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، فأثبت عمرو بن ميمون الأودي بين عبد الرحمن بن سابط ومعاذ رضي الله عنه، أخرجه الحاكم (281) وفي سنده مسلم بن خالد الزنجي، ضعيف. فرواية ابن سابط (118 هـ) أرجح ولم يُدرِك معاذًا (ت/ 18 هـ) فبينهما مِائة سنة

(1)

.

وخالفه الشعبي فأوقفه، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (34365): وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ إِلَى الْيَمَنِ، خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَإِنَّمَا هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَالْجَنَّةُ

(1)

قال العَلَّامة الألباني في «السلسلة الصحيحة» (4/ 232): ابن سابط لم يُدرِك معاذًا. قلت: الذي سقط بينهما عمرو بن ميمون.

ص: 125

وَالنَّارُ، إِقَامَةٌ فَلَا ظَعْنَ وَخُلُودٌ فَلَا مَوْتَ.

والخلاصة: أن الخبر ضعيف مرفوعًا وموقوفًا:

أما المرفوع فكَتَب شيخنا عليه مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ (3) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (17/ 9/ 2023 م): منقطع.

وأما الموقوف فقال أبو زُرعة: الشعبي عن معاذ مرسل، كما في «جامع التحصيل» (ص/ 204) للعلائي.

تنبيه: في البخاري (4730) واللفظ له، ومسلم (2849) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ. فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ. وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ. فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ» .

ص: 126

‌كتاب النار،

عياذًا بالله منها

‌نَفَس من جهنم

(1)

قال أبو يعلى في «مسنده» رقم (6670): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ

(2)

، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ- هُوَ ابْنُ شَبِيبٍ- عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَوْ كَانَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مِائَةٌ أَوْ يَزِيدُونَ، وَفِيهِ رَجُلٌ مِنَ النَّارِ فَتَنَفَّسَ فَأَصَابَ نَفَسُهُ، لَاحْتَرَقَ الْمَسْجِدُ وَمَنْ فِيهِ» .

وتابع أبا عُبيدة عبد الرحيم بن هارون، وكذبه الدارقطني.

أخرجه البزار (9623) وقال: وهذا الحديث لا نَعْلَم رواه عن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إلا أبو هريرة رضي الله عنه، ولا نَعْلَم له طريقًا غير هذا الطريق، وهذا الحديث رواه، عن هشام أبو عبيدة الحداد وعبد الرحيم، ولم نَسمعه إلا من محمد بن موسى، عن عبد الرحيم، وإنما يُعرَف هذا الحديث بأبي عبيدة الحداد عبد الواحد بن واصل.

ص: 127

وقال ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 455): قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، ومحمد بن شَبيب لا يُعرَف.

وفي «البداية والنهاية» (20/ 132): وهذا حديث غريب جدًّا.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث عمر بن حاتم، بتاريخ (11) رجب (1444 هـ) الموافق (2/ 2/ 2023 م) إلى ضعفه واستغراب متنه.

ص: 128

‌هل ثَبَت: «لله عتقاءُ في كل ليلة من النار» ؟

1 -

قال الإمام الترمذي في «سُننه» رقم (682)، وابن ماجه (1642)، وابن خُزيمة في «صحيحه» رقم (1971)

(1)

: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ

(2)

قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ» .

وتَابَع أبا بكر بن عياش قُطْبَة بن عبد العزيز، كما ذَكَر الدارقطني في «علله» (5/ 115).

وخالفهما أبو معاوية فقال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ أَبِي سَعِيدٍ- هُوَ شَكَّ، يَعْنِي الأَعْمَشَ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ

(1)

وتابعهما أحمد بن علي بن المُثنَّى، كما عند ابن حِبان (3435).

(2)

وتارة رواه أبو كُرَيْب فأبدل شيخ أبي صالح بأبي سفيان، وأبا هريرة بجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فيما أخرجه ابن ماجه رقم (1643): حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» .

ص: 129

مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ»

(1)

أخرجه أحمد (7450).

وحَكَى الدارقطني في «علله» (5/ 115) الخلاف على الأعمش في جعله من مسند أبي هريرة، أو أبي هريرة وأبي سعيد على الشك، وجابر رضي الله عنهما، ورَجَّح الأول قائلًا: المحفوظ حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه

(2)

.

ومما يُؤيِّد ما ذهب إليه الدارقطني هنا: قول الترمذي عقب الخبر: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ.

وقال: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ

» فَذَكَرَ الحَدِيثَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ.

(1)

أفاد الباحث سيد البدوي في المناقشة أن هذا المتن عامّ وغير مُقيَّد برمضان.

(2)

ثم ذَكَره في موطن آخَر من «العلل» رقم (3296) من رواية أبي إسحاق الفَزَاري - وهي عند أبي نُعيم في «الحِلية» (8/ 257) عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر.

وخالفه قطبة بن عبد العزيز، والربيع بن بدر، ومحمد بن كِنَاسة، رووه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وهو الأشبه بالصواب.

ثم ذَكَره في «علله» (1520) مُرجِّحًا غير الجادة على الجادة، فقال: فرواه مالك بن سُعَيْر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه قطبة بن عبد العزيز، والربيع بن بدر، ومحمد بن كناسة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. والأول أصح.

ص: 130

وقال أبو نُعيم في «الحِلية» (8/ 257): غريب من حديث الفَزَاري والأعمش، لم نكتبه إلا من هذا الوجه.

إذًا وجهة مَنْ يُضعِّف هذا الخبر ما يلي:

1 -

ترجيح البخاري المقطوع من قول مجاهد على الموصول من طريق أبي بكر بن عياش، وإن كان اختاره الدارقطني في موطنين، لكن قال محمد بن عبد الله بن نُمير: أبو بكر ضعيف في الأعمش وغيره.

2 -

الاختلاف القوي على الأعمش:

أ- من قول مجاهد.

ب-عن أبي صالح عن أبي هريرة.

ت- عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم.

ث-عن أبي صالح عن أبي هريرة أو أبي سعيد، شَكَّ الأعمش.

ج-عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه.

ح - حسين الخُرَاساني عن أبي غالب، عن أبي أُمامة رضي الله عنه

(1)

.

فهذه ستة أوجه تجعل الباحث يَحكم بأن الأعمش اضطرب فيه، وإن لم

(1)

أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (22202): حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ حُسَيْنٍ الخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ» .

وأخرجه ابن الأعرابي في «معجمه» (1369)، والبيهقي في «الشُّعب» (5/ 221).

ص: 131

أقف على مَنْ قال به هنا

(1)

.

3 -

خالف الأعمشَ أبو سهيل

(2)

نافع بن أبي أنس، عن أبيه مالك بن أبي عامر، عن أبي هريرة رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ

(3)

، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ».

أخرجه البخاري رقم (1800)، ومسلم رقم (1079).

*-مَنْ صَحَّح أو حَسَّن

(4)

اعتَمَد سند أبي معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أو أبي سعيد. وسَبَق أنه مرجوح عند الدارقطني.

وكَتَب شيخنا معي بتاريخ (28) شعبان (1444 هـ) الموافق (20/ 3/ 2023 م): عندنا ريب هنا، سببه:

1 -

إعراض «الصحيحين» عن إخراج رواية أبي معاوية.

2 -

عدم ترجيح علماء العلل عند المقارنة رواية أبي معاوية.

(1)

وانظر «علل الدارقطني» (11/ 343) حديث عمر رضي الله عنه

قد أصاب مني ما بين المِائة إلى العشرة.

ليس شيء أقطع على صحته بأن الأعمش اضطرب فيه.

وحديث: (اجتمع ثلاثة نفر عند البيت، قليلٌ فقه قلوبهم). كما في «التتيع» (101) قال الدارقطني: الأعمش اضطرب في إسناده.

(2)

ولا يلتبس هذا بسُهيل بن أبي صالح عن أبيه.

(3)

وفي رواية مسلم: «إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ» .

(4)

بِناء على رواية الأعمش عن حسين الخُرَاساني عن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه. أخرجه أحمد (22202) كما سبق.

ص: 132

تنبيه: في الباب ما يلي:

1 -

حديث أنس رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ، إِلَّا رَجُلًا أَفْطَرَ عَلَى خَمْرٍ» .

وعلته واسط بن الحارث، أورده ابن عَدِي في «الكامل» (7542).

2 -

حديث ابن مسعود رضي الله عنه: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجِنَانِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَاحِدٌ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَاحِدٌ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَغُلَّتْ عُتَاةُ الْجِنِّ، وَنَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى انْفِجَارِ الصُّبْحِ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ تَمِّمْ وَأَبْشِرْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَأَبْصِرْ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ يَتُوبُ

(1)

عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى سُؤْلَهُ؟ وَلِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، سِتُّونَ أَلْفًا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَعْتَقَ مِثْلَ مَا أَعْتَقَ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ مَرَّةً، سِتِّينَ أَلْفًا سِتِّينَ أَلْفًا»

(2)

.

وعلته ناشب بن عمرو الشيباني، ضعيف بل منكر الحديث.

3 -

حديث سلمان رضي الله عنه، أخرجه ابن خُزيمة في «صحيحه» رقم (1887): ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ،

(1)

وفي رواية النسائي في «الكبرى» (10425): «هَلْ مِنْ تَائِبٍ يُتَابُ عَلَيْهِ؟» .

(2)

أخرجه البيهقي في «فضائل الأوقات» (ص 166).

ص: 133

شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ المُوَاسَاةِ، وَشَهْرٌ يَزْدَادُ فِيهِ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ.

مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ» قَالُوا: لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ. فَقَالَ: «يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تَمْرَةٍ، أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ، أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ.

وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ. مَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَأَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ.

وَاسْتَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: خَصْلَتَيْنِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ، وَخَصْلَتَيْنِ لَا غِنَى بِكُمْ عَنْهُمَا. فَأَمَّا الخَصْلَتَانِ اللَّتَانِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ، فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَتَسْتَغْفِرُونَهُ. وَأَمَّا اللَّتَانِ لَا غِنَى بِكُمْ عَنْهمَا، فَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعُوذُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ. وَمَنْ أَشْبَعَ فِيهِ صَائِمًا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ».

وتابع همامَ بن يحيى حكيمُ بن حزام أبو سمير، وهو متروك

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في «فضائل رمضان» (58).

ص: 134

وعلي بن زيد ضعيف. وتَابَعه إياس بن أبي إياس

(1)

كما عند العُقيلي في «الضعفاء الكبير» (1/ 35) وقال: وذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، لَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ يَثْبتُ ثَبْتٌ.

4 -

حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وهو راجع لحديث أبي هريرة، وليس فيه وجه الشاهد

(2)

.

(1)

قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (1/ 282) في ترجمته: لا يُعْرَف أيضًا، وخبره مُنكَر.

(2)

أخرجه النَّسَائي في «سُننه» رقم (2208): أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ شَيْبَانَ، أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ: حَدِّثْنِي بِأَفْضَلِ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ يُذْكَرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.

فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ ذَكَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَفَضَّلَهُ عَلَى الشُّهُورِ، وَقَالَ:«مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .

قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: «هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ: أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ» .

ص: 135

‌كتاب الإيمان بالقَدَر

‌السلامة في الإيمان بالقَدَر

(1)

قال ابن حبان في «صحيحه» رقم (6724): أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدثنا يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ الْيَشْكُرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُوَائِمًا، أَوْ مُقَارِبًا، مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْوِلْدَانِ وَالْقَدَرِ»

(2)

.

تابعهما عن جرير أبو عاصم الضحاك بن مخلد، كما عند البزار (4739).

وخالفهم جماعة من الثقات- وكيع كما في «السُّنة» (870) وأبو أسامة كما في «الكنى» (391) للدولابي، ويزيد بن هارون وعبد الرحمن بن عمرو الحراني كما في «القَدَر» (259، 260) للفريابي - فأوقفوه، وصَوَّب البيهقي في «القضاء والقَدَر» (446) الوقف وقال: هو الصحيح.

والخلاصة: أن الصواب هو الوقف وإسناده صحيح. وانتهى شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ (24) شوال (1444 هـ) الموافق (14/ 5/ 2023 م) إلى الإعلال بالوقف.

(1)

وانظر ما سبق في «سلسلة الفوائد» (1/ 320) من جواب ابن عمر رضي الله عنهما عن أول ظهور للقَدَرية.

(2)

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الْوِلْدَانُ أَرَادَ بِهِ أَطْفَالَ الْمُشْرِكِينَ.

ص: 136

‌المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة

قال البزار في «مسنده» رقم (8878): حَدَّثَنا محمد بن مسكين، قال: حَدَّثَنا يحيى، قال: حَدَّثَنا عبد العزيز عن طارق وعباد بن كثير، عن أبي الزِّنَاد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة

(1)

، وإن الصبر يأتي من الله على قدر البلاء».

وعبد العزيز هو الدراوردي تارة بالعطف كما هنا، وأخرى جَعَل طارقًا شيخًا لعباد كما عند ابن عدي في «الكامل» (5/ 184) وقال: طارق بن عمار يُعرَف بهذا الحديث. ونقل عن البخاري: لا يُتابَع عليه.

وله طريق آخَر عن ابن شاهين في «الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك»

(1)

يريد أن العبد إذا أهمه القيام بمؤونة مَنْ تَلزمه مؤونته شرعًا، فإن كانت تلك المؤن قليلة قلل له وإن كانت كثيرة وتَحمَّلها على قدر طاقته وقام بحقها، وعاين من فنون الدنيا ما أُمر به لأجلها، أَمَده الله بمعونته ورَزَقه من حيث لا يحتسب بقدرها.

وعماد ذلك طلب المعونة من الله تعالى بصدق [و] إخلاص، فهو حينئذٍ مجاب فيما طَلَب من المعونة، فمَن كانت عليه مؤونة شيء فاستعان الله عليها، جاءته المعونة على قدر المؤونة، فلا يقع لمن اعتمد ذلك عجز عن مرام أبدًا.

وفي ذلك ندب إلى الاعتصام بحول الله وقوته، وتوجيه الرغبات إليه بالسؤال والابتهال، ونهي عن الإمساك والتقتير على العيال. كما في «فيض القدير» (2/ 391).

ص: 137

رقم (273)

(1)

: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، ثَنَا عَمَّارُ بْنُ نَصْرٍ أَبُو يَاسِرٍ، حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْقُبِّيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ به. قال الباحث: وعلته أبو بكر القُبَيّ.

وتابع الأعرج أبو سلمة، علقه البيهقي في (9483) بصيغة التمريض.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ (3) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (17/ 9/ 2023 م) إلى ضعفه. وكَتَب على طريق البيهقي: روينا.

تنبيه: قال البزار: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا بِهَذَا الإِسْنَادِ.

(1)

وأخرجه البيهقي بإسناد أَنْزَلَ (9483).

ص: 138

‌ذم القَدَرية

قال ابن أبي عاصم في «السُّنة» رقم (359): حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُخِّرَ الْكَلَامُ فِي الْقَدَرِ لِشِرَارِ هَذِهِ الأُمَّةِ» .

وخالف عنبسة الأغلب بن تميم عن أبي خالد الخزاعي عن الزهري عن رجل من الأنصار، كما عند العقيلي (3/ 365) وقال العقيلي: هذا أشبه.

وتابع سعيدَ بن المسيب محمدُ بن سيرين كما عند البزار (10079) وفي سنده عمر بن أبي خليفة، منكر الحديث. وقال البزار عقبه: هذا حديث منكر.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أبي الحسن إبراهيم بن فراج، بتاريخ (4) محرم (1445 هـ) الموافق (22/ 7/ 2023 م): اذكر أقوال علماء العلل واقتَصِر على ذلك.

ص: 139

‌المقدر سيكون

قال ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» رقم (2806): حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:«لَا تُكْثِرْ هَمَّكَ، مَا يُقَدَّرْ يَكُنْ وَمَا تُرْزَقْ يَأْتِكَ» .

وتابع عبدَ الله بن يزيد اثنان:

1 -

معاوية بن يحيى، أخرجه ابن بطة في «الإبانة» (1934) وابن أبي الدنيا في «الفرج بعد الشدة» (28) وأورده البغوي من هذا الطريق، وقال عقبه في «معجم الصحابة» (5/ 241): ولم يَرْوِ هذا الحديث غير أبي مطيع معاوية بن يحيى، وهو ضعيف الحديث.

2 -

ابن المبارك، أخرجه ابن بطة في «الإبانة» (1935).

وقال ابن حجر في «الإصابة» (9/ 460): وأخرجه الخرائطي في «مكارم الأخلاق» من طريق أخرى، عن الغساني فقال: عن مالك بن عبادة الغافقي.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث إسماعيل بن موسى، بتاريخ (20 محرم 1444 هـ) الموافق (18/ 8/ 2022 م) إلى ضعفه بالإرسال.

ص: 140

‌الأعمال بالخواتيم

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (12214): حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ، حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ، فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ، أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ، بِعَمَلٍ صَالِحٍ، لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا سَيِّئًا، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْبُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ، لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ» .

تابع يزيدَ بن هارون: خالدُ بن عبد الله وعبد الوهاب الثقفي وإسماعيل بن جعفر ووُهيب بن خالد. وثَمة طرق أخرى.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أحمد بن عبد العاطي، بتاريخ (11) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (26/ 9/ 2023 م): أسلم طريق له ما أخرجه أحمد كما هنا وطريق حميد عن أنس، وتارة بإدخال الحسن البصري، وكلاهما على الرفع، وشاهده في «الصحيح» فقال: اكتب: صحيح لشواهده.

ص: 141

‌كتاب الإيمان

‌زيادة الإيمان

قال ابن ماجه في «سُننه» رقم (64): حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ نَجِيحٍ - وَكَانَ ثِقَةً - عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ

(1)

، فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا».

تابع وكيعًا الحَجاج بن نُصَيْر، كما في «السُّنة» (50).

وتابعهما أبو عامر العَقَدي، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/ 165).

حماد بن نَجِيح وثقه وكيع وأحمد وابن مَعين. وقال أبو حاتم: لا بأس به ثقة. واستَشهد به البخاري. وقال ابن عَدي في «كامله» (3/ 340) عقب الخبر: وهذا الحديث لا يرويه عن أبي عمران غير حماد بن نَجِيح، وليس هو بكثير الرواية.

(1)

جَمْعُ الْحَزْوَرِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ زَايٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ وَاوٍ ثُمَّ رَاءِ وَيُقَالُ لَهُ: الْحَزَوَّرُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ هُوَ الْغُلَامُ إِذَا اشْتَدَّ وَقَوِيَ وَحَزَمَ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ. انظر: «حاشية السندي على سنن ابن ماجه» (1/ 31).

ص: 142

الخلاصة: أن إسناده صحيح. وكَتَب شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (24) ربيع الآخِر (1445) الموافق (8/ 11/ 2023 م): حماد ليس بالمكثر، وهذا الأثر ليس بمشهور بين الصحابة، انفرد بالمعنى، ففي النفس منه شيء، ولا يُعرَف عن جندب إلا من هذا الوجه. اه. وقال: إنه من مفاريد ابن ماجه.

ص: 143

‌استحباب تجديد الإيمان

1 -

قال ابن نصر في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 787) رقم (799): وَقَدْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ

(1)

قَالَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا صَدَقَةُ أَبُو الْمُغِيرَةِ- وَهُوَ ابْنُ مُوسَى الدَّقِيقِيُّ- ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، عَنْ سُمَيْرِ بْنِ نَهَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ» قَالُوا: وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» .

ورواه سليمان بن داود كما عند أحمد (8525)، وعمرو بن مرزوق كما في «معجم ابن الأعرابي» (1106) دون ذكر تجديد الإيمان.

وعِلته صدقة بن موسى الدَّقِيقي وهو ضعيف. وشيخ شيخه سُمَيْر بن نَهَار لم يَرْوِ إلا هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه.

2 -

قال الطبراني في «المعجم الكبير» (13/ 36) رقم (84): حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: ثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فسلوا الله أن يُجَدِّد الْإِيمَانَ فِي

(1)

وخالف البخاري إسماعيل بن إسحاق وهشام السَّدوسي، كما عند الحاكم (3264) دون ذكر تجديد الإيمان.

ص: 144

قُلُوبِكُمْ».

وتابع حرملةَ أبو الطاهر، أخرجه الحاكم.

وعبد الرحمن بن ميسرة مقبول.

وله شاهد في «أخبار أصبهان» (1/ 330) من حديث ابن عباس، وفي سنده مجاهيلُ، منهم سعيد بن يعقوب.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن ممدوح المنوفي، بتاريخ (15) رمضان (1444 هـ) الموافق (6/ 4/ 2023 م) إلى ضعفه.

تنبيه: لمُحسِّن أن يُحسِّنه لشواهده.

ص: 145

‌استعمال الله عبدَه

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (17787): حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ الْبَهْرَانِيُّ حِمْصِيٌّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ زُرْعَةَ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَزَالُ اللَّهُ عز وجل يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ بِغَرْسٍ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ» .

وتابع الهيثمَ هشام بن عمار، أخرجه ابن ماجه (8) وغيره.

وتابعهما يزيد بن قبيس كما في «شرح مذاهب أهل السُّنة» (43) لابن شاهين. وتابعهم كذلك عبد الرحمن بن يحيى، أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 137) والدولابي في «الكنى» (227).

والخلاصة: أن في سنده بكر بن زرعة، قال فيه الذهبي: صويلح الحديث مُقِل. وقال ابن حجر: مقبول.

وأبو عِنَبة الخَوْلاني (ت/ 118) مُختلَف في صحبته، قاله العلائي. وقال أبو حاتم: وهو بأن لا تكون له صحبة أشبه. وقال الدارقطني: أحاديث أبي عنبة مرسلة. انظر ترجمته في «تحفة التحصيل» .

وانتهى شيخنا إلى ضعفه مع الباحث محمد بن وجيه الكردي، بتاريخ (27) ذي الحجة (1443 هـ) الموافق (26/ 7/ 2022 م).

ص: 146

‌من الإيمان: سَدُّ حاجة الجار

سبق في «سلسلة الفوائد» (4/ 419) حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ، وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ» وعلته عبد الله بن مساور.

ثم أورد له الباحث حسام الدين بن محمد بن سليمان الإسمعلاوي شواهد:

الأول: من حديث عمر رضي الله عنه، أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (390): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَعْدًا لَمَّا بَنَى الْقَصْرَ، قَالَ: انْقَطَعَ الصُّوَيْتُ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ أَخْرَجَ زَنْدَهُ وَأَوْرَى نَارَهُ وَابْتَاعَ حَطَبًا بِدِرْهَمٍ، وَقِيلَ لِسَعْدٍ: إِنَّ رَجُلًا فَعَلَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: ذَاكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ، فَقَالَ: نُؤَدِّي عَنْكَ الَّذِي تَقُولُهُ، وَنَفْعَلُ مَا أُمِرْنَا بِهِ. فَأَحْرَقَ الْبَابَ ثُمَّ أَقْبَلَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّدَهُ فَأَبَى، فَخَرَجَ فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَهَجَّرَ إِلَيْهِ، فَسَارَ ذَهَابَهُ وَرُجُوعَهُ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَقَالَ: لَوْلا حُسْنُ الظَّنِّ بِكَ، لَرَأَيْنَا أَنَّكَ لَمْ تُؤَدِّ عَنَّا. قَالَ: بَلَى، أَرْسَلَ يَقْرَأُ السَّلامَ وَيَعْتَذِرُ وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ. قَالَ: فَهَلْ زَوَّدَكَ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُزَوِّدَنِي أَنْتَ؟ قَالَ: إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ آمُرَ لَكَ، فَيَكُونَ لَكَ الْبَارِدُ وَيَكُونَ لِي الْحَارُّ، وَحَوْلِي أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَدْ قَتَلَهُمُ الْجُوعُ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَشْبَعُ الرَّجُلُ دُونَ جَارِهِ» .

وتابع الثوريَّ أخوه عمر به، أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (513) وغيره.

ص: 147

وخالفهما قيس بن الربيع فقال: عن سعيد عن عباية عن جَده عن عمر. وروايتهما أصوب، وقال الدارقطني في «العلل»: والصواب رواية الثوري وأخيه عمر.

وكَتَب شيخنا مع الباحث حسام الدين، بتاريخ (28) صفر (1445 هـ) الموافق (13/ 9/ 2023 م): أصح الطرق عباية عن عمر، وهو ضعيف لعدم سماع عباية بن رفاعة من عمر

(1)

.

الثاني: من حديث أنس رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» رقم (751): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَثْرَمُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ» .

وعلة هذا الخبر محمد بن سعيد الأثرم، فقد ضَعَّفه أبو زرعة. وقال الذهبي في «حق الجار» (ص/ 39): هذا حديث منكر.

الخلاصة: وكَتَب شيخنا مع الباحث حسام الدين، بتاريخ (28) صفر (1445 هـ) الموافق (13/ 9/ 2023 م): كل الطرق ضعيفة. اه. ثم قال: لا ترقى عندنا بمجموعها.

(1)

قال أبو زُرعة: ابن رفاعة عن عمر مرسل. كما في «المراسيل» (551) لابن أبي حاتم. وقال الدارقطني: عباية بن رفاعة مرسلًا عن عمر.

ص: 148

‌منزلتك عند ربك

قال الإمام البزار في «مسنده» رقم (9202): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ صِيتُهُ فِي السَّمَاءِ، فَإِنْ كَانَ صِيتُهُ فِي السَّمَاءِ حَسَنًا وُضِعَ فِي الأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ صِيتُهُ سَيِّئًا وُضِعَ فِي الأَرْضِ»

(1)

.

وخالف والدَ وكيع بن الجراح عبدُ الله بن دينار، كما في «البخاري» رقم (7485) وسُهيل بن أبي صالح كما عند مسلم (2637) بلفظ: «إذا أَحَبَّ الله عبدًا نادى جبريلَ

» وقد سبق في «سلسلة الفوائد» (1/ 168).

وَرَوَاهُ نَافِعٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ» .

أخرجه البخاري (3209).

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أحمد النمر، بتاريخ (4) محرم (1444 هـ) الموافق (2/ 8/ 2022 م) إلى نكارة لفظ الجَرَّاح بن مَلِيح.

(1)

قال البزار عقبه: وَهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إِلَّا أَبَا وَكِيعٍ.

ص: 149

‌أي المتحابين في الله أفضل؟

قال ابن حبان في «صحيحه» رقم (566): أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ يَزِيدَ الْفَرَّاءُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ

(1)

، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا تَحَابَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ، إِلَّا كَانَ أَفْضَلَهُمَا أَشَدُّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ» .

وتابع سعد بن يزيد جماعة - موسى بن إسماعيل كما عند البخاري في «الأدب المفرد» (544)، ويزيد بن هارون عند البزار (6869)، وهُدْبَة بن خالد كما عند ابن الجعد (3192) وغيره-.

وتابع مباركَ بن فَضَالة

(2)

عبدُ الله بن الزبير الحميدي الباهلي

(3)

كما عند الطبراني في «الأوسط» (2899).

وخالفهما حماد بن سلمة فقال: عن ثابت عن مُطَرِّف كنا نتحدث. أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (35137) - عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ

(1)

وتابع ثابتًا أبان بن عياش، كما في «الجامع» (198).

(2)

أورده ابن عدي في «كامله» (8/ 26) ثم قال: ولمبارك غير ما ذكرتُ أحاديث، وعامة أحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة، فقد احتمل مَنْ قد رُمي بالضعف أكثر ما رُمي مبارك به.

(3)

وقال فيه أبو حاتم: مجهول. وقال الدارقطني: شيخ بصري صالح. وروى عنه ثلاثة. وانظر: «تحرير التقريب» (3321).

ص: 150

ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَابَّ رَجُلَانِ فِي اللَّهِ إِلَّا كَانَ أَفْضَلَهُمَا أَشَدُّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ. قَالَ: فَلَمَّا سُيِّرَ مَذْعُورٌ أَوْ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَقِيَ مَذْعُورٌ مُطَرِّفًا فَجَعَلَ يُذَاكِرُهُ، قَالَ مُطَرِّفٌ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَيْ أَخِي، عَلَامَ تَحْبِسُنِي وَقَدْ تَهَوَّرَتِ النُّجُومُ وَذَهَبَ اللَّيْلُ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ فِيكَ. ثُمَّ يُذَاكِرُهُ السَّاعَةَ فَيَقُولُ: يَا أَخِي، عَلَامَ تَحْبِسُنِي وَقَدْ تَهَوَّرَتِ النُّجُومُ وَذَهَبَ اللَّيْلُ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ فِيكَ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَدْ سُيِّرَ، فَعَرَفْتُ لَيْلَتَيْنِ فَضْلَهُ عَلَيَّ.

وصَوَّب الدارقطني في «علله» (2366) طريق حماد قائلًا: ورواه حماد عن ثابت مرسلًا، وهو الصواب.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن أشرف الذهبي الشرقاوي، بتاريخ (22) صفر (1445 هـ) الموافق (7/ 9/ 2023 م): الصواب مرسل.

ص: 151

‌مَنْ أَحَبَّ رجلًا فليُعلِمه

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (12430): حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا الرَّجُلَ. قَالَ:«هَلْ أَعْلَمْتَهُ ذَلِكَ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «قُمْ فَأَعْلِمْهُ» قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا هَذَا، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. قَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ.

وتابع زيدَ بن حُباب عليُّ بن حسين بن واقد كما عند ابن حبان (571).

وتابع حسينَ بن واقد عبدُ الله بن الزبير - وهو مجهول- أخرجه أبو يعلى (3442) وغيره.

وتابعهما عمارة بن زاذان كما عند ابن عدي (6/ 150).

وتابعهم المبارك بن فَضَالة كما عند أحمد (12514) وأبي داود (5125)، وابن الجعد (3191).

ورواه حماد بن سلمة، واختُلف عنه على وجوه:

1 -

مُؤمَّل بن إسماعيل كرواية الجماعة عن ثابت.

2 -

الحسن بن موسى وابن إسحاق قالا: عن حماد عن ثابت عن حبيب بن سبيعة عن الحارث، أن رجلًا كان عند النبي. فسلك غير الجادة.

ص: 152

3 -

ورواه الحجاج بن منهال وابن عائشة وعفان وسليمان بن حرب وموسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة عن ثابت عن حبيب عن الحارث عن رجل حدثه. وصوبه النسائي في «السُّنن الكبرى» عقب الرواية.

4 -

ورواه ابن المبارك عن حماد عن ثابت عن حبيب مرسلًا. ورجحه أبو حاتم في «العلل» وقال: هذا أشبه وهو الصحيح، وذلك لزم الطريق.

وأما الدارقطني في «علله» (2361) فرجح رواية الحارث عن رجل.

وذَكَر أبو نُعيم الجماعة عن ثابت على الجادة ثم قال: وهو وهم، وحديث حماد أشهر وأثبت.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أشرف سلطان، بتاريخ (19) صفر (1445 هـ) الموافق (4/ 9/ 2023 م): أسانيده تُحسَّن عمومًا عن ثابت، وهي في الفضائل. والله أعلم. وحماد اختُلف عليه

(1)

. ا هـ.

(1)

فلذا لم يُسلَّم بسلوك غير الجادة ورَدَّ الجادة في هذا المثال.

ص: 153

‌أوثق عُرَى الإيمان الحُبّ في الله والبغض في الله

قال الطيالسي في «مسنده» رقم (783): حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ؟» قُلْنَا: الصَّلَاةُ. قَالَ: «الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ، وَلَيْسَ بِذَاكَ» قُلْنَا: الصِّيَامُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى ذَكَرْنَا الْجِهَادَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْحَبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللهِ» .

وتابع جريرًا ابن فُضيل، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (37057): حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، زَادَ جَرِيرٌ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ» .

وتابعهما إسماعيل بن عياش، أخرجه أحمد (18524).

وتابعهم إسماعيل بن زكريا، أخرجه ابن أبي الدنيا في «الإخوان» (1/ 35).

خالفهم موسى بن أَعْيَن فقال: عن ليث عن عمرو عن معاوية بن سُويد عن أبيه، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (1/ 104).

ص: 154

ورواية الجماعة أرجح، والمَدار على ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وخالفه أبو اليسع المكفوف

(1)

فقال: عن عمرو بن مُرة، معضلًا مرسلًا، أخرجه وكيع في «الزهد» (329) وهو الصواب.

وللخبر شواهد:

الأول: حديث أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه، أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (4681): حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ» .

وتابع يحيى مكحولٌ الشامي، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (9083).

وخالفهما عبد الرحمن بن يزيد- هو ابن تميم- فأوقفه، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (34730) وعبد الرحمن بن يزيد ضعيف.

الشاهد الثاني: حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه.

وعنه اثنان:

1 -

زَبَّان، وهو ضعيف.

2 -

أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون، أخرجه أحمد (15638) والترمذي (2521) وقال: هذا حديث منكر. واستنكر: (وأَنْكَح لله).

(1)

وثقه ابن مَعين.

ص: 155

الشاهد الثالث: حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

وأُعِلَّ بعلل:

1 -

الانقطاع بين القاسم وجَدّه ابن مسعود.

2 -

وله طريق آخَر في سنده عقيل الجعدي، وهو منكر الحديث، قاله البخاري.

3 -

أُعل بالإعضال، كما عند ابن أبي شيبة في «الإيمان» (134).

وثمة شواهد أخرى ضعيفة، وهي عن ابن عباس، وفي سنده حنش بن قيس وهو ضعيف، أخرجه الطبراني (11537) وعن أبي ذر، أخرجه أبو داود في «سُننه» (4599) وفي سنده رجل مبهم عن أبي ذر. وعن أبي هريرة، أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (398) وفي سنده الوليد بن أبي ثور، وهو ضعيف.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث عبد الله بن أسامة التهامي، بتاريخ (17) ربيع الآخِر (1445 هـ) الموافق (1/ 11/ 2023 م) على حديث البراء: الإرسال أصح. ثم كَتَب: حَسَن بمجموع طرقه وشواهده. اه.

ص: 156

‌الوُد والبغض يُتوارثان

قال الحاكم في «مستدركه» رقم (7548): حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ المُلَيْكِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: لَقِيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ، يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي الْوُدِّ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الوُدَّ وَالعَدَاوَةَ يُتَوَارَثَانِ» .

ويوسف بن عطية ضعيف، وشيخه أبو بكر المُلَيْكي مقبول.

وتابعه عبد الرحمن بن أبي بكرٍ المُلَيْكي

(1)

وهو ضعيف، لكن بإسقاط عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه.

أخرجه القُضَاعي في «مسند الشهاب» (218)، والطبراني في «المعجم الكبير» (507)، والبيهقي في «شُعَب الإيمان» (7519).

والخلاصة: انتهى شيخنا إلى ضعفه، مع الباحث محمد بن صبحي بن عبد الكريم المنوفي، بتاريخ (15) شعبان (1444 هـ) الموافق (7/ 3/ 2023 م).

(1)

ورواه جماعة عن عبد الرحمن، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، عن أبي بكرٍ الصِّديق مرفوعًا. أخرجه الأصبهاني في «أمثال الحديث» (216)، وأبو بكرٍ الشافعي في «الفوائد» (111)، وابن سمعون في «الأمالي» (174).

ص: 157

تنبيه: ضَعَّفه السُّيوطي في «الجامع الصغير» رقم (9667)، والعجلوني في «كشف الخفا» (6166)، والعَلَّامة الألباني في «الضعيفة» (7/ 151).

ص: 158

‌خَصلتان لا تجتمعان في منافق

1 -

قال الترمذي في «سُننه» رقم (2684): حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ العَامِرِيُّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ، حُسْنُ سَمْتٍ، وَلَا فِقْهٌ فِي الدِّينِ» .

«هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ، إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَذَا الشَّيْخِ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ العَامِرِيِّ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَرْوِي عَنْهُ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ العَلَاءِ، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ» .

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث: د. محمد بن ياسين، بتاريخ (13) محرم (1444 هـ) الموافق (11/ 8/ 2022 م) إلى ضعف الخبر لجهالة خلف بن أيوب العامري.

*-وله شاهد ضعيف، رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَصْلَتَانِ لَا تَكُونَانِ فِي مُنَافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ وَلَا فِقْهٌ فِي دَيْنٍ» أخرجه القُضاعي في «مسند الشهاب» رقم (318) ومحمد بن حمزة لم يَسمع من جده، وأُعل بالإرسال كما في «الزهد» رقم (459) لابن المبارك.

ص: 159

‌حكم من نسب لغير أبيه

وردت فيه أخبار منها حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ

»

(1)

.

ومنها ما أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (16822): عَنِ الثَّورِيِّ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ الأَزْدِيِّ- وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَخْبَرَةَ- قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى مَنِ ادَّعَى إِلَى نَسَبٍ غَيْرِ نَسَبِهِ، وَتَبَرَّأَ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ.

وتابع الثوري على الوقف جماعة

(2)

.

وخالفهم حجاج بن أرطأة فرَفَعه، وجعل شيخَ الأعمش عمارة بن عمير. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (8575) وروايتهم أصوب.

ورواه قيس بن أبي حازم عن أبي بكر، واختُلف عليه في الرفع والوقف، فرواه على الرفع بيان بن بشر، لكن من رواية السري بن إسماعيل

(3)

وهو متروك. أخرجه الطبراني (2818).

(1)

أخرجه البخاري (3508)، ومسلم (61).

(2)

وأورد الدارقطني وجهًا عن شعبة عن منصور عن عبد الله بن مُرة عن أبي بكر رضي الله عنه مرفوعًا.

(3)

وتارة بإسقاط بيان، أخرجه الدارمي (22905) والبزار (70).

ص: 160

ورواه إسماعيل بن أبي خالد عن قيس به مرفوعًا وموقوفًا. انظر: «العلل» للدارقطني.

ورواه عيسى بن المسيب عن قيس به موقوفًا، ذَكَره الدارقطني في «علله» (1/ 59) وقال: في رواية قيس: والموقوف أشبه بالصواب، والله أعلم.

وقال في رواية أبي معمر: الصواب مَنْ رواه عن الأعمش موقوفًا.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث إبراهيم بن محمود بن إبراهيم بن صالح العدوي البلقاسي

(1)

بتاريخ (4) رجب (1444 هـ) الموافق (26/ 1/ 2023 م): كل هذه الطرق مرفوعها وموقوفها ضعيفة.

(1)

وُلد بتاريخ (22/ 10/ 1992 م) بقرية الدولتلي ببلقاس، حاصل على ليسانس آداب جامعة المنصورة، عام (2012 - 2013 م).

جاء المكان في عام (2012 م) حتى عام (2016 م) ثم ذهب إلى أخينا في الله هاني بن مقبل، ثم إلى الشيخ محمد بن حسن بن عبد الغفار بالإسكندرية إلى الآن.

ص: 161

‌هل ثَبَت نفي العدوى في حديث ابن عمر رضي الله عنهما

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْمَرْأَةُ وَالْفَرَسُ وَالدَّارُ» .

سَبَق انتهاء شيخنا مع الباحث أشرف بن سلطان، إلى صحة الفقرتين.

ثم عَرَضه الباحث محمد بن مرعي، بتاريخ (2) ذي الحجة (1443 هـ) الموافق (31/ 7/ 2022 م): فكتب على ما أورده أخونا محمد مرعي - حفظه الله- نقول وبالله التوفيق: إن زيادة (لا عدوى) في حديث ابن عمر لا تصح لشذوذ راويها يونس، ولكن لها طرق أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

وقال لي عندما سألته عقب نقاش الباحث محمد بن مرعي: أنا على اختياري الأخير، أي: شذوذها من حديث ابن عمر

(1)

.

(1)

مدار الخبر على الزُّهْري عن سالم وحمزة ابني ابن عمر عن أبيهما، فرواه ابن وهب عن مالك بهذه الزيادة، وخالفه سائر أصحاب مالك فلم يذكروها.

ورواه يونس بن يزيد عن الزهري بهذه الزيادة، وخالفه سائر أصحاب الزهري فلم يذكروها، وأشار مسلم إلى إعلالها والدارقطني في «علله» (7/ 131) وأبو عبد الله الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (1241).

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (10/ 244): وَذَكَرَ مُسْلِمٌ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» إِلَّا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ. قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مَبْرُورٍ عَنْ يُونُسَ بِدُونِهَا، فَكَانَ الْمُنْفَرِدُ بِالزِّيَادَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ.

ص: 162

‌علة إدخال المسح على الخُفين والرجم في كتب العقائد

أما المسح فلمخالفة الشيعة.

وأما الرجم فلإنكار الخوارج والمعتزلة إياه.

فقد قال ابن قُدامة في «المغني» (12/ 309): قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومَن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفًا إلا الخوارج، فإنهم قالوا: الجَلد للبِكر والثيب لقول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]. وقالوا: لا يجوز ترك كتاب الله تعالى الثابت بطريق القطع واليقين؛ لأخبار آحاد يجوز الكذب فيها، ولأن هذا يُفضِي إلى نسخ الكتاب بالسُّنة، وهو غير جائز.

وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (15/ 38): والجمهور على أن الثيب يُرجَم ولا يُجلَد

وأما أهل البدع من الخوارج والمعتزلة، فلا يرون الرجم على أحد من الزناة، ثيبًا كان أو غير ثيب، وإنما حد الزناة عندهم الجَلد، الثيب وغير الثيب سواء عندهم. وقولهم في ذلك خلاف سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاف سبيل المؤمنين، فقد رَجَم رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده، وعلماءُ المسلمين في أقطار الأرض متفقون على ذلك من أهل الرأي والحديث وهم أهل الحق. وبالله التوفيق.

ص: 163

‌هل ختم الإمام البخاري كتاب الإيمان بالاستغفار؟

(1)

قال الإمام البخاري رقم (58): حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ. ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلَامِ، فَشَرَطَ عَلَيَّ:«وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا المَسْجِدِ

(2)

إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ

(3)

.

(1)

أفاده شيخنا في شرح البخاري، ليلة الاثنين (2) صفر (1444 هـ) الموافق (28/ 8/ 2022 م) وقد توافق هذا مع ختامه كتابه في الناسخ والمنسوخ في السُّنة النبوية.

(2)

جواز القَسَم دون أن يُطلَب منك لتثبيت معنى من المعاني.

(3)

ختم عمره صلى الله عليه وسلم بالاستغفار كما في «سورة النصر» ، وقال نوح عليه السلام في ختام عمره:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28] وختام الحج وختام الصلاة، وختام المجالس.

ص: 164

‌كتاب العِلم

‌فضل أهل العلم

وردت فيه أدلة كثيرة منها ما أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (6/ 214) رقم (6219): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ زُرَارَةَ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مُعَلِّمُ الْخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبِحَارِ".

خالف إسماعيلَ محمدُ بن عيينة فقال: عن أبي إسحاق الفَزَاري، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن سعيد بن جُبير، موقوفًا. أخرجه الدارمي (354).

ومحمد مقبول، وتابعه متابعة قاصرة أبو معاوية عن الأعمش، أخرجه ابن أبي شيبة (26637) وابن عبد البر في «بيان العلم وفضله» (481).

وتابع أبا معاوية سفيان، كما عند البيهقي (390).

وتارة أسقط الأعمش الواسطة- وهي شمر- كما عند عبد الرزاق في «مُصنَّفه» (21030) لكن من رواية مَعْمَر عن الأعمش، وفيها كلام

(1)

.

(1)

وتابع الأعمشَ على هذا الوجه أبو حمزة، كما عند ابن عبد البر (134) ومع نزوله ففيه ضعف.

ص: 165

والأرجح فيما سبق الوقف، لكن سنده ضعيف، وشمر لم يَسمع من ابن جُبير، قاله أحمد كما في «المراسيل» .

وورد في عدة أحاديث:

1 -

حديث أبي أُمامة رضي الله عنه، وأُعِلَّ بالإرسال، أخرجه الترمذي (2685): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا عَابِدٌ، وَالآخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ- لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ» .

وخالف سلمةَ يزيدُ بن هارون، كما عند الدارمي (298) فأرسله عن مكحول.

ومَداره على الوليد بن جميل، وله عن القاسم مناكيرُ، وقال ابن عَدِيّ: لم أجد للوليد عن غير القاسم. وعليه فيترجح طريق يزيد بن هارون بالإرسال، وهو أعلى إسنادًا.

2 -

حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه البزار (169)، وفي سنده محمد بن عبد الملك الأنصاري، متروك.

وله متابعة عند ابن عَدِيّ في «الكامل» (2/ 464) وفيها شاذ بن فياض، لا يُشتغَل بروايته.

ص: 166

وقال الحاكم: الحارث بن شبل عن أُم النعمان أوهى أسانيد عائشة نسخةً عند البصريين.

3 -

حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أخرجه ابن عَدِيّ في «الكامل» (4/ 128)، وفي سنده زياد بن أبي عمار، كذاب.

4 -

حديث عمر رضي الله عنه، كما في «مخطوط أبي الحسن الأزدي» (50) ونافع لم يَسمع من عمر، وثَمة علل أخرى.

5 -

حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، أخرجه الترمذي في «سُننه» رقم (2682): حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ البَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ

(1)

قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ المَدِينَةِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَهُوَ بِدِمَشْقَ، فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِي؟

قَالَ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ: أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ؟ قَالَ: لَا.

قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ؟ قَالَ: لَا.

قَالَ: مَا جِئْتَ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الحَدِيثِ؟

قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا، سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، حَتَّى الحِيتَانُ فِي

(1)

نَصَّ الترمذي على أنه قيس بن كثير، والأسانيد فيها كَثِير بن قيس، وهو ضعيف.

ص: 167

المَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»

(1)

.

اختُلف فيه على عاصم، وأَسْلَمُها ما رواه الجماعة عن عبد الله بن داود الخُرَيْبِيّ، عن عاصم عن داود بن جميل، عن كثير بن قيس، عن أبي الدرداء. أخرجه أبو داود (3641) وغيره.

ورواه الأوزاعي، وفي سنده قلب، والسند إليه ضعيف. انظر:«مسند الشاميين» (1574).

ورواه عطاء الخُراساني عن أبي الدرداء، والسند إليه ضعيف ومنقطع.

ورواه الوليد بن مسلم، واختُلف عليه: تارة عن شَبِيب بن شيبة. وتارة عن خالد بن يزيد، وهو ضعيف.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث عمرو بن عمران، بتاريخ (7) رمضان (1444 هـ) الموافق (29/ 3/ 2023 م): كل طرقه ضعيفة، وفي أسانيده اختلافات.

(1)

وقال الترمذي عقبه: وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الحَدِيثَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ، هَكَذَا حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ هَذَا الحَدِيثَ.

وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا الحَدِيثُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ خِدَاشٍ، وَرَأَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا أَصَحَّ.

ص: 168

‌أفضل ما في الدنيا

سبق حديث: «أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ» وأن عِلته عبد الرحمن بن ثوبان، وذَكَر الدارقطني في «علله» (2017) الخلاف على عبد الرحمن على ثلاثة أوجه، ضَعَّف وجهين بالوهم وأنها لا تصح.

قلت (أبو أويس): وأَسْلَمُها

(1)

طريق الترمذي (2322) وابن ماجه (4122) لكن فيه إضافة إلى ما سبق من الكلام في عبد الرحمن، وكذلك الكلام في عطاء بن قُرة، فقد ذَكَره ابن حبان في «الثقات» وقال أبو زُرعة: كان من خيار عباد الله. وقال الترمذي: حسن غريب.

الخلاصة: أن سنده ضعيف كما سبق، وكَتَب شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (30) صفر (1444 هـ) الموافق (26/ 9/ 2022 م): كل طرقه تالفة.

(1)

من طريقَي علي بن ثابت وأبي خليد، كلاهما عن عبد الرحمن بن ثابت عن عطاء بن قُرة عن عبد الرحمن بن ضَمْرة عن أبي هريرة مرفوعًا.

وتابع عبد الرحمن الثوري، لكن في إسناده خالد بن يزيد، كَذَّبه ابن مَعين وأبو حاتم، وهو في «العلل المتناهية» (1330).

وخالفهما وُهيب بن الورد فأرسله عن عبد الله بن ضمرة، كما في «شرح السُّنة» للبغوي (4028) وفي سنده محمد بن يزيد بن خنيس، قال فيه ابن حجر: مقبول.

ص: 169

‌فضل الرحلة في طلب العلم

وردت فيه أخبار.

منها

(1)

حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ»

(2)

.

ومنها ما أخرجه الترمذي في «سُننه» رقم (2647): حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ العَتَكِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ العِلْمِ، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ» .

وتابع يزيدَ عَبَّاد بن يوسف، أخرجه أبو علي الصواف في «فوائده» (107).

وقال الترمذي عقبه: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَرْفَعْهُ

(3)

.

الخلاصة: أن الخبر ضعيف لأمور:

(1)

وقد سبق في «سلسلة الفوائد» (1/ 10).

(2)

أخرجه مسلم (2699) وانظر تعليقي عليه في تحقيقي كتاب «الرحلة» للخطيب البغدادي، ط/ دار ابن تيمية بالقاهرة.

(3)

لم يقف الباحث على مَنْ وقفه مسندًا.

ص: 170

1 -

ضَعْف أبي جعفر في الربيع، فقد قال ابن حِبان في ترجمة الربيع: الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه؛ لأن في أحاديثه عنه اضطرابًا كثيرًا.

وقال في ترجمة أبي جعفر

(1)

: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا فيما وافق الثقات، ولا يجوز الاعتبار بروايته فيما يخالف الأثبات.

2 -

إشارة الترمذي إلى الوقف.

3 -

الكلام في الراويين عن أبي جعفر.

وانتهى شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (10) ربيع الآخِر (1445 هـ) الموافق (25/ 10/ 2023 م) إلى ضعفه.

ومنها ما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (18089): حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: غَدَوْتُ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ، أَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ. قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ وَرَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

(1)

قال فيه أبو حاتم: ثقة صدوق صالح الحديث. وقال مرة أخرى: شيخ يهم كثيرًا. وقال ابن المَديني: يُكتَب حديثه إلا أنه يخطئ. وقال النَّسائي: ليس بالقوي في الحديث.

ص: 171

وتابع حمادًا على الرفع اثنان:

1 -

مَعْمَر بن راشد، أخرجه أحمد (18093).

2 -

أبو جعفر الرازي، أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (165).

وخالفهم الجمهور-حماد بن سلمة وحماد بن زيد وهمام وشعبة، هكذا بالعطف عند الطيالسي (1261)، وحماد بن زيد، أخرجه أحمد (18100) وابن خزيمة (17)، وسفيان بن عيينة، أخرجه أحمد (18095) وغيره، وشعبة بن الحجاج، أخرجه النسائي (158)، وعبيد الله بن عمرو، أخرجه ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (4/ 429) - فأوقفوه.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث علي القناوي، بتاريخ (1) شعبان (1444 هـ) الموافق (21/ 2/ 2023 م): الوقف أصح.

تنبيه: لم يقف الباحث على أحد أَعَله بالوقف

ص: 172

‌الحكمة ضالة المؤمن

قال الترمذي في «سُننه» رقم (2687): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الوَلِيدِ الكِنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الفَضْلِ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الكَلِمَةُ الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» .

تابع محمدَ بن عمر عبدُ الرحمن بن عبد الوهاب، أخرجه ابن ماجه في «سُننه» (4169) وأحمد بن عبد الصمد، أخرجه البيهقي في «شُعب الإيمان» (1523).

وتابع عبدَ الله بن نُمير مخلد بن يزيد، أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (15).

قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الفَضْلِ المَخْزُومِيُّ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ.

وزاد ابن حِبان: كان فاحش الخطأ، تَفرَّد به إبراهيم بن الفضل، وليس بالقوي.

وقال البخاري: مُنكَر الحديث عن المَقبُري.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (24) ربيع الآخِر (1445) الموافق (8/ 11/ 2023 م) إلى ضعفه.

ص: 173

‌الإخلاص في طلب العلم

وردت فيه أخبار منها:

1 -

ما أخرجه الإمام الترمذي في «سُننه» رقم (2654): حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ البَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» .

تابع أميةَ بن خالد اثنان:

1 -

سليمان بن بلال، أخرجه الحاكم في «مستدركه» (293) والبيهقي في «الشُّعب» (1636) والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (24).

2 -

خالد بن يزيد العمري -وهو متروك- أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (199).

ومداره على إسحاق بن يحيى بن طلحة، وسُئل عنه أحمد فقال: هذا شيخ متروك الحديث. وضَعَّفه الدارقطني، وقال البخاري: يتكلمون في حفظه ويُكتَب حديثه.

وللخبر شواهد منها حديث ابن عمر، أخرجه ابن ماجه في «سننه» (253)

ص: 174

وفيه أبو كرب الأزدي، مجهول. وحماد بن عبد الرحمن، ضعيف.

وأيضًا رقم (258) بلفظ: «مَنْ طَلَب العلم لغير الله أو أراد به غير الله، فليتبوأ مقعده من النار» وفيه انقطاع بين خالد بن دريك وابن عمر رضي الله عنهما.

ومنها حديث أبي هريرة، أخرجه ابن ماجه (260) وفي سنده عبد الله بن سعيد المقبري، متروك.

ومنها حديث حذيفة، أخرجه ابن ماجه (259) وفي سنده بشير بن ميمون، متروك. وأشعث بن سوار ضعيف.

وثَمة شواهد أخرى ضعيفة.

الخلاصة: انتهى شيخنا إلى ضعفه مع الباحث محمد بن وجيه كرد، بتاريخ (5) محرم (1444 هـ)، الموافق (3/ 8/ 2022 م).

2 -

ومنها ما أخرجه ابن ماجه في «سُننه» رقم (254): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ» .

تابع محمدَ بن يحيى محمدُ بن سهل، أخرجه ابن حبان (77).

وتابعهما عثمان بن سعيد، أخرجه الحاكم (290).

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث مختار بن سلام، بتاريخ (24) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (17/ 1/ 2023 م): في السند يحيى بن أيوب

ص: 175

الغافقي، وهذا فيه بعض الكلام. ثم قال: أضف كلام ابن عَدي في «الكامل» (5/ 2600): رواه يحيى بن أيوب عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر. وهذا غير محفوظ، وهذا معروف بحيى عن ابن جريج، لا يرويه غير هذا.

*-وجاء معنى الحديث من حديثي حذيفة رضي الله عنه، رقم (259) عند ابن ماجه، وأبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه ابن ماجه (260).

ص: 176

‌النية تجارة رابحة

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (18031): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ سَعِيدٍ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ» .

قَالَ: «فَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، فَإِنَّهُ مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلَمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ» .

وَأَمَّا الَّذِي أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ فَإِنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ» قَالَ: «فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ» قَالَ: «وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا» قَالَ: «فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ» قَالَ: «فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ» قَالَ: «وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ» قَالَ: «وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ!» قَالَ: «هِيَ نِيَّتُهُ، فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ» .

تابع ابنَ نُمير الفضل بن دكين، أخرجه الترمذي (2325) والبغوي في «شرح

ص: 177

السُّنة» (4097) والطبراني في «المعجم الكبير» (868).

وهذا السند ضعيف؛ لأن (يونس بن خباب) الجمهور على ضعفه، فقد قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث ليس بالقوي. وقال النسائي: ليس بالقوي، مُختلَف فيه. وقال في «الضعفاء»: ضعيف. وقال الدارقطني: كان رجلَ سَوْء فيه شيعية مفرطة، كان يَسب عثمان. ذَكَره ابن حبان في «المجروحين» وقال: كان رجلَ سَوْء غاليًا في الرفض، لا تَحِل الرواية عنه. وثقه عثمان بن أبي شيبة.

وسعيد الطائي، قال فيه ابن عبد البر في «الاستيعاب» (2/ 648): لم يَسمع من أبي كبشة.

*-ورواه سالم بن أبي الجعد واختُلف عليه، فرواه الأعمش عن سالم عن أبي كبشة، وعن الأعمش جماعة:

1 -

أبو معاوية، أخرجه هناد في «الزهد» (586).

2 -

وكيع بن الجراح، أخرجه أحمد (1824).

3 -

عبد الواحد بن زياد، أخرجه ابن الأعرابي في «معجمه» (1900).

4 -

شعبة من رواية محمد بن جعفر، أخرجه أحمد (18025) وأبو زيد الهروي كما في «مستخرج أبي عَوَانة» (1293).

وخالفهما رَوح بن عبادة فأثبت سماع سلام من أبي كبشة

(1)

كما عند أحمد في «مسنده» رقم (18027): حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ:

(1)

لكن قال الحافظ: إنه غير محفوظ.

ص: 178

سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ أَرْبَعَةٍ

» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

ورواه منصور بن المعتمر واختُلف عليه، فرواه جماعة - جرير بن عبد الحميد كما عند أبي عَوانة (1293) وقال عن أداة التحمل بين سالم وأبي كبشة:(حدّثت) وسفيان الثوري كما عند أحمد (18026) ومِسعر بن كِدَام، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (863)، - كرواية الأعمش دون ذكر واسطة.

وخالفهم اثنان، هما المفضل بن مهلهل ومعمر بن راشد، كما عند ابن ماجه (4228)، فأثبتا واسطة بين سالم وأبي كبشة، هي ابن أبي كبشة وهو مقبول، قاله ابن حجر.

ورواية الجماعة عن منصور أرجح، وبخاصة رواية جرير ففيها بيان العلة وهي عدم سماع سالم من أبي كبشة.

قال ابن حجر في «النكت الظراف» (9/ 274): وسالم لم يَسمع من أبي كبشة.

الخلاصة: انتهى شيخنا معي في عام (1431 هـ) الموافق (2010 م) إلى ضعفه في كتابي «الضعيف من الأمثال النبوية» ط دار ابن تيمية. ثم أَكَّد هذه النتيجة مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (4) صفر (1445) الموافق (20/ 8/ 2023 م).

ص: 179

‌عقوبة مَنْ سَمَّع الناسَ بعمله

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (6509): حَدَّثَنَا يَحْيَى- يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ-، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: سَمِعْتُ رَجُلًا فِي بَيْتِ أَبِي عُبَيْدَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ، سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ سَامِعَ خَلْقِهِ، وَصَغَّرَهُ وَحَقَّرَهُ» ، قَالَ: فَذَرَفَتْ عَيْنَا عَبْدِ اللَّهِ.

تابع شعبة جماعةٌ: الأعمش ومسعر بن كدام وأبان بن تغلب.

وعلته إبهام شيخ عمرو بن مُرة كما في روايتي شعبة ومسعر، أما رواية الأعمش ففيها عن رجل يكنى أبا اليزيد، كما عند أحمد (6986).

وأما رواية أبان عند الطبراني في «المعجم الكبير» (1444 هـ)(7) فسماه خيثمة.

وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (5748) من طريق سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما به. وقال: لم يَرْوِ هذا الحديث عن سعيد إلا عبد الكريم، تَفرَّد به سليمان بن أبي داود. اه.

تنبيه: سليمان بن أبي داود قال فيه البخاري: منكر الحديث. ولَيَّنه أبو زرعة.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (2) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (22/ 5/ 2023 م): ضعيف؛ ففيه رجل لم يُسَمَّ

(1)

.

(1)

أي: في السند، وهو شيخ عمرو بن مُرة كما سبق.

ص: 180

‌عقوبة العَالِم المُضلِّل في الآخرة

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (17758): حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي يَدِهِ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ. قَالَ: فَوَضَعَهَا، ثُمَّ جَلَسَ، فَبَالَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ. قَالَ: فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «وَيْحَكَ، أَمَا عَلِمْتَ مَا أَصَابَ صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْبَوْلِ، قَرَضُوهُ بِالْمَقَارِيضِ، فَنَهَاهُمْ، فَعُذِّبَ فِي قَبْرِهِ» .

وتابع أبا معاوية جماعة-وكيع كما عند أحمد (17760)، وسفيان بن عيينة كما عند الحميدي (906) وعبد الواحد بن زياد كما عند أبي داود (22) وأبو عوانة كما في «شرح مشكل الآثار» (5206) وكذلك عبيد الله (5207) وهو عند الحاكم (606)، وأيضًا عنده، رقم (607) من طريق زائدة بن قدامة. ويعلى بن عبيد كما في «المنتقى» (131).

والخلاصة: أن إسناده صحيح، وكَتَب شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (2) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (22/ 5/ 2023 م): احكم على السند.

وكَتَب مع الباحث إبراهيم بن عبد الرحمن، بتاريخ (7) صفر (1445 هـ) الموافق (23/ 8/ 2023 م): سنده صحيح لكن ينظر في المتن هل قطعوا الجلد

ص: 181

أم قطعوا الثوب؟

وسبق في «سلسلة الفوائد» الكلام عن تشدد أبي موسى رضي الله عنه في البول.

ص: 182

‌الدَّوْرات العلمية المكثفة

(1)

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (21587): حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّةَ؟ إِنَّهَا تَأْتِينِي كُتُبٌ» قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: «فَتَعَلَّمْهَا» فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

تابع جريرًا جمعٌ: يحيى بن عيسى كما عند ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» (138)

(2)

، وأبو معاوية كما في «المعجم الكبير» (4929)، وقيس بن الربيع كما في «المُنتخَب» (243).

وخالفهم أبو بكر بن عَيَّاش، فأبدل ثابت بن عُبيد بعَدِيّ بن ثابت. أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (4930) وقال: هكذا رواه أبو بكر بن عَيَّاش،

(1)

في «صحيح مسلم» رقم (2892): وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ: قَالَ حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ- يَعْنِي عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا.

(2)

وجاء بعطف يحيى بن عيسى على جرير بن عبد الحميد، عند الطبراني في «المعجم الكبير» (4928).

ص: 183

فخَالَف أصحابَ الأعمش في الإسناد.

وقال محمد بن عبد الله بن نُمَيْر: أبو بكر ضعيف في الأعمش.

وتابع ثابتَ بن عُبيد خارجةُ بن زيد، أخرجه أحمد (21618) وغيره، من طرق عن عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد، عن أبيه، عن خارجة، به.

وعبد الرحمن أخرج له مسلم عن أبيه في «مقدمة صحيحه» أثرًا، وقال ابن المديني: ما حَدَّث بالمدينة فهو صحيح، وما حَدَّث ببغداد أفسده البغداديون.

والرواة عنه هنا بغداديون إلا إسماعيل بن أبي أُويس، فهو مدني مُتكلَّم فيه، وروايته مُعلَّقة في «التاريخ الكبير» (1278).

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (1) رمضان (1444 هـ) الموافق (23/ 3/ 2023 م) إلى صحة إسناده.

ص: 184

‌هل ثَبَت النهي عن كتابة شيء سوى القرآن؟

قال الإمام مسلم (3004): حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي، وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ - قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ قَالَ: مُتَعَمِّدًا- فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .

تابع هَدَّابًا جماعة: ابن علية وعفان بن مسلم ويزيد بن هارون وعبد الواحد بن واصل، أربعتهم عند أحمد (11085، 11536، 11158، 11344) وهشام بن عبد الملك، أخرجه أبو يعلى (1288)، وكثير بن يحيى، أخرجه ابن حبان (64).

ورواه الثوري واختُلف عليه، تارة عن زيد متابعًا لهمام، لكن في سند هذه المتابعة النضر بن طاهر، قال الدارقطني فيه: متروك. وتارة عن خارجة مصعب عن زيد به، أخرجه ابن عدي في «الكامل» (6347) في ترجمة خارجة وأنه ليس بشيء وتَرَكه غير واحد من الأئمة.

ورواه ابن عيينة تارة عن زيد بن أسلم، أخرجه الدارمي (465) عن أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم، وهو مختلف فيه

(1)

والترمذي (2665) عن سفيان

(1)

قال أبو حاتم: صدوق. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وكَتَب عنه أبو زُرعة.

ص: 185

بن وكيع وهو ضعيف.

وتارة عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه زيد بن أسلم.

أخرجه الرامهرمزي في «المُحدِّث الفاصل» (306) من طريق الحسين بن الحسن المروزي.

والخطيب في «تقييد العلم» (10) من طريق لُوين محمد بن سليمان.

وابن عدي في «الكامل» (63) من طريق محمد بن خلاد.

والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4707) من طريق إبراهيم بن بشار.

أربعتهم عن سفيان بأسانيد نازلة مع زيادة في السند، وهي عبد الرحمن بن زيد، وهو ضعيف.

ورواه عبد الله بن عمر ويعقوب بن محمد، كلاهما عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فجعلاه من مسند أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجهما الخطيب في «تقييد العلم» (13، 15) ولكن عبد الرحمن بن زيد ضعيف، والخبر مشهور من مسند أبي سعيد رضي الله عنه، وهو الصواب.

فأسلم طريق للمرفوع هو طريق همام الذي أخرجه الإمام مسلم. لكن قال الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (3/ 390): قال أبو داود: وهو منكر، أخطأ فيه همام، هو من قول أبي سعيد.

وقال الخطيب في «تقييد العلم» (8): تَفَرَّدَ هَمَّامٌ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، هَكَذَا مَرْفُوعًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَيْضًا، عَنْ زَيْدٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْمَحْفُوظَ رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ، غَيْرَ

ص: 186

مَرْفُوعٍ إِلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 208): ومنهم مَنْ أَعَل حديث أبي سعيد وقال: الصواب وقفه على أبي سعيد. قاله البخاري وغيره.

ورواه عن أبي سعيد موقوفًا:

1 -

أبو المتوكل الناجي، أخرجه أبو داود (3648): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:«مَا كُنَّا نَكْتُبُ غَيْرَ التَّشَهُّدِ وَالْقُرْآنِ» .

2 -

أبو نضرة، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (26440): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: قُلْنَا لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: لَوْ أَكْتَبْتَنَا الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ: «لَا نُكْتِبُكُمْ، خُذُوا عَنَّا كَمَا أَخَذْنَا عَنْ نَبِيِّنَا» وتابع كهمسًا الجريري، أخرجه الدارمي (487) وأحمد كما في «العلل» (930) وابن عدي في «الكامل» (1/ 96).

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (6) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (21/ 9/ 2023) إلى ما انتهى إليه من قبل في كتابه «الناسخ والمنسوخ في السُّنة النبوية» (ص/ 32) ط مكة: والصواب لديَّ أنه موقوف على أبي سعيد من قوله.

تنبيه: هناك ما يعارض هذا الخبر، كحديث:«اكتبوا لأبي شاه» . وإِذْن النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمرو، وحديث أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا

ص: 187

أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي القُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ» قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»

(1)

(1)

أخرجه البخاري (3047) ومسلم (78) مختصرًا. وقد سبق في «سلسلة الفوائد» (1/ 54 - 55).

ص: 188

‌إِذْن النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه بالكتابة

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (113): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: أَخْبَرنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَلَا أَكْتُبُ.

وتابع وهبَ بن منبه مَعْمَر، كما في «جامعه» (20489).

ورواه محمد بن إسحاق فزاد فيه: «فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ بِيَدِهِ وَيَعِيهِ بِقَلْبِهِ، وَكُنْتُ أَعِيهِ بِقَلْبِي وَلَا أَكْتُبُ بِيَدِي، وَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكِتَابِ عَنْهُ، فَأَذِنَ لَهُ» .

أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (9231): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَاقِدٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: «مَا كَانَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ بِيَدِهِ، وَيَعِيهِ بِقَلْبِهِ، وَكُنْتُ أَعِيهِ بِقَلْبِي وَلَا أَكْتُبُ بِيَدِي، وَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكِتَابِ عَنْهُ فَأَذِنَ لَهُ»

وتابع محمد بن سلمة أحمد بن خالد الوهبي، أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (7127) وإبراهيم بن سعد كما في «تقييد العلم» (ص/ 83) وجرير بن حازم، واقتصر في السند على مجاهد ولم يَذكر الزيادة، أخرجه البزار

ص: 189

(9368)

.

ورواه عبد الرحمن بن سلمان وفيه نظر، قاله البخاري، عن عقيل بن خالد عن المغيرة بن حكيم عن أبي هريرة. أخرجه ابن وهب (118) بالزيادة.

ورواه بالزيادة عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة، أخرجه أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (4/ 1888) وفي سنده رَوح بن أسلم، قال الدارقطني: ضعيف متروك. وقال أبو حاتم: لَيِّن الحديث.

وأسلم طريق للزيادة بالاستئذان هو طريق ابن إسحاق، لكن رواه تارة أخرى عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن ابن عمرو، أخرجه أحمد (7020، 6930) وابن خزيمة (2280).

وتابعه على هذا الوجه دُوَيْدٌ الخُرساني وهو مقبول، أخرجه أحمد (7018).

واستئذان ابن عمرو رضي الله عنه في الكتابة دون التفصيل السابق له طريق آخَر من مَخرج متسع، سبق في «سلسلة الفوائد» (1/ 363): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ، يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟! فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ:«اكْتُبْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ» وسنده صحيح.

والخلاصة: قال شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (2) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (17/ 9/ 2023 م): اذكر الخلاف على ابن إسحاق.

ص: 190

تنبيه: زيادة ابن إسحاق على طريق همام الذي في البخاري- مَخرجها واسع وإسنادها حسن، ولها طريق سنده صحيح من حديث ابن عمرو رضي الله عنه، وقد سبق.

ص: 191

‌ما لا يجوز تعلمه من العلوم

قال الإمام أحمد في «مسنده» (2000): حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا اقْتَبَسَ رَجُلٌ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ، إِلَّا اقْتَبَسَ بِهَا شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ، مَا زَادَ زَادَ» .

تابع يحيى- وهو ابن سعيد- رَوح بن القاسم، أخرجه أحمد (2840) والحارث بن عبيد الإيادي، أخرجه عبد بن حميد كما في «المنتخب» (714) والطبراني في «المعجم الكبير» (11278).

والخلاصة: أن الخبر إسناده صحيح، ولم يقف الباحث على أحد ذَكَر الحديث في أخطاء عبيد الله؛ فقد وثقه ابن معين وأحمد وأبو داود والنسائي، وهو من رجال البخاري. وقال ابن حبان: يخطئ كثيرًا. والوليد بن عبد الله وثقه ابن معين، وذَكَره ابن حبان في «الثقات» .

وكَتَب شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (4) ربيع الآخِر (1445 هـ) الموافق (19/ 10/ 2023 م): تُراجَع. أي: ترجمة عبيد الله بن الأخنس.

وكَتَب في تحقيقه «قُرة عيون الموحدين» (ص/ 236) ط مكتبة فياض: إسناده صحيح.

ص: 192

قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (35/ 193): فقد صَرَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن علم النجوم من السحر، وقد قال الله تعالى:{وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] وهكذا الواقع؛ فإن الاستقراء يدل على أن أهل النجوم لا يفلحون، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

ص: 193

‌سَعة السُّنة النبوية

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (21439): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ الْمُنْذِرِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:«لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا يَتَقَلَّبُ فِي السَّمَاءِ طَائِرٌ إِلَّا ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا» .

وتابع محمدَ بن جعفر أبو داود الطيالسي كما في «مسنده» (481) لكن قال: «أصحاب له» بدل «أشياخ له» .

وتابع شعبةَ ابن نُمير، أخرجه أحمد (1361) لكن قال:«أشياخ من التيم» بدل «أشياخ لهم» .

وعلة هذا الطريق جهالة الأشياخ

(1)

.

ورواه فِطر بن خليفة واختُلف عليه:

1 -

حَجاج هو ابن نصير، عنه عن منذر عن أبي ذر. أخرجه أحمد (21440) وحجاج ضعيف لتَلقُّنه، ومنذر لم يدرك أبا ذر رضي الله عنه، قاله البزار.

2 -

سفيان بن عيينة عنه عن أبي الطُّفيل عن أبي ذر، ولا تصح الأسانيد إلى

(1)

اعتَمد البخاري نحو هذا فيما أخرجه رقم (3642): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُفيَانُ، حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الحَيَّ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَجَاءَ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ.

ص: 194

ابن عيينة، أخرجه البزار (3897) وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن يزيد المقرئ، ولم أقف له على ترجمة. والصيداوي في «معجمه» وفي سنده عيسى بن أبي حرب، لم أقف له على ترجمة. وخالف عيسى محمدُ بن أبي بكر، أخرجه أبو يعلى في «مسنده» رقم (5109): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا فِي السَّمَاءِ طَيْرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحِهِ إِلاَّ ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا.

وهذا أسلم الطرق إلى فطر، لكن عطاء هو ابن أبي رباح (ت/ 114) ولم يُدرِك أبا الدرداء رضي الله عنه (ت/ 32) فبَيْن وفاتيهما اثنتان وثمانون سنة.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث حسن بن السيد بن حسن النبراوي

(1)

بتاريخ (23) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (12/ 6/ 2023 م) إلى ضعف الخبر لجهالة الأشياخ. اه.

(1)

وُلد بتاريخ (12/ 2/ 2007 م) بمدينة نبروه بمحافظة الدقهلية، وهو على مشارف الصف الثالث الثانوي الأزهري.

يَعرِض تحقيق الرسالة الحَمَوية لابن تيمية، وهي رسالة في بيان مُعتقَد أهل السُّنة في صفات الله تعالى والردود على الفِرق المخالفة من الجهمية والمعتزلة وغيرهما.

ص: 195

‌ذم التقعر في العلم وهو من وصف الخوارج

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (23688): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِىُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنِ الغُلُوطَاتِ.

وتابع عليَّ بن بحر على المرفوع جَمْع - إبراهيم بن موسى وأبو بكر بن أبي شيبة ومُسدَّد وإسحاق بن راهويه ومحمد بن سلام ومحمد بن كثير المِصيصي ونُعيم بن حماد وجنادة بن محمد-.

وخالف عيسى بنَ يونس رَوْح بن عبادة فأَبْهَم الصحابي -رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد (23687).

وقد يُحمَل المُبهَم على معاوية رضي الله عنه.

وجَمَع بهذا الجمع سعيد بن منصور في «سُننه» (1179).

وخالفهما الوليد بن مسلم فأبدل الصنابحي بعبادة بن نسي، أخرجه ابن بطة في «الإبانة» (301) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (29/ 46).

وخالف الوليدَ بن مسلم عبدُ الملك بن محمد الصنعاني، فأبدل عبد الله بن سعد بعمرو بن سعد، ذَكَره الدارقطني في «العلل» (9/ 12) وقال مرجحًا: والصحيح حديث عيسى بن يونس.

ص: 196

الخلاصة: أن الأرجح عن الأوزاعي طريق عيسى بن يونس. وفي سنده عبد الله بن سعد، قال فيه أبو حاتم: مجهول. وذَكَره ابن حبان في «الثقات» وقال: يخطئ. وقال الذهبي: ليس له راوٍ سوى الأوزاعي.

وانتهى شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (11) رجب (1444 هـ) الموافق (2/ 2/ 2023 م) إلى ضعفه.

ص: 197

‌فضل نَشْر العِلم

قال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]

وأخرج الإمام أحمد في «مسنده» رقم (2945): حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَسْمَعُونَ، وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ، وَيُسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ» .

وتابع أسودَ بن عامر أحمدُ بن عبد الله بن يونس، أخرجه ابن أبي حاتم في «الجَرح والتعديل» (2/ 8).

وتابع أبا بكر بن عياش جماعةٌ: جرير بن عبد الحميد كما عند أبي داود (3659) والحاكم في «مستدركه» (328) وغيرهما. وشيبان بن عبد الرحمن، أخرجه ابن حِبان (62)، وفُضيل بن عياض كما في «مسند الحارث» (52).

وخالفهم سفيان الثوري فأوقفه من رواية ابن مهدي عنه، أخرجه ابن أبي حاتم في «الجَرح والتعديل» (2/ 8).

وخالف ابنَ مهدي عصامُ بن يزيد فرَفَعه كما في «الجَرح والتعديل» (2/ 8) ورواية عصام في الثوري فيها ضعيف.

والخلاصة: أن مدار الخبر على عبد الله بن عبد الله الرازي، ووثقه أحمد،

ص: 198

وقال ابن المديني: معروف. وقال النَّسائي: لا بأس به.

وانتهى شيخنا مع الباحث: على بن محمد القناوي، بتاريخ (11) رجب (1444 هـ) الموافق (2/ 2/ 2023 م) إلى صحة إسناده.

ص: 199

‌مَنْ كان مفتاحًا للخير

قال عيسى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31].

قال ابن ماجه في «سُننه» رقم (243): حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِىُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ» .

وتابع محمدَ بن أبي عدي ابنُ وهب كما في «الكامل» (7/ 410) وتابعهما أبو داود الطيالسي في «مسنده» (2195).

وعلته محمد بن أبي حميد، ضعيف سيئ الحفظ، وعنده أحاديث لا يُتابَع عليها. وقال ابن حبان: كان مغفلًا، يَقلب الأسانيد ولا يَفهم ويلزق به المتن، بَطَل الاحتجاج بروايته. وقال أحمد والبخاري وابن مَعين وغيرهم: منكر الحديث.

وتابعه موسى بن وردان كما عند ابن أبي عاصم في «السُّنة» (297) لكن مَرَدّ هذه المتابعه لمحمد بن أبي حميد، والخطأ فيها منه أو من الراوي عنه، وهو إسماعيل بن أبي عياش الشامي، فروايته عن غير أهل بلده ضعيفة، وابن أبي حميد عراقي مدني.

ص: 200

وللخبر شاهد من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أخرجه ابن ماجه رقم (244): حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ

(1)

أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ» .

تابع ابنَ وهب جماعةٌ-إسماعيل بن أبي أويس وإسماعيل بن أبي زكريا وعقبة بن محمد المدني

(2)

-.

وعلة هذا الخبر عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فقد ضَعَّفه أحمد وابن معين والنسائي وأبو داود وغيرهم. وقال ابن حبان: يَقلب الأسانيد ويَرفع المراسيل ويسند الموقوف، فاستحق الترك. وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أحمد بن محمد بن عبد العاطي الرفاعي، بتاريخ (3) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (18/ 9/ 2023 م) إلى ضعفه ولا يرتقي بشاهده.

تنبيه: حَسَّن الخبرَ بالشاهد العلامة الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1232)، وضَعَّفه العلامة أبو إسحاق الحويني في «مجلة التوحيد» (عدد ربيع الآخِر 1435 هـ) و «تنبيه الهاجد» (2632) وقال: حديث منكر.

(1)

ابن وهب هنا وفي الحديث السابق.

(2)

قال ابن حِبان: وهو منكر الحديث، وينفرد عن أبي حازم بما لا يشبه حديثه، لا يُحتج به إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد بأوابد؟

ص: 201

‌عقوبة مَنْ أفتى بغير علم

قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]

وقال جل ذكر: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169].

قال إسحاق في «مسنده» رقم (332): أَخْبَرَنَا الْمُقْرِئُ

(1)

، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ

(2)

، حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنِ اسْتَشَارَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ فَقَدْ خَانَهُ، وَمَنْ أَفْتَى فُتْيَا بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ فَإِنَّ إِثْمَهَا عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ» .

وتابع إسحاقَ الجماعةُ: الدارمي كما في «سُننه» (161)، والحسن بن علي، كما عند أبي داود (3659)، ويزيد بن سِنَان، ومُبشِّر بن الحسن، كما في «مُشكِل الآثار» (411)، وأبو يحيى بن أبي مَسَرَّة، كما عند الحاكم (436).

وخالفهم أبو بكر بن أبي شيبة، كما عند ابن ماجه (53)، فأبدل (بكر بن عمرو) ب (حُميد بن هانئ).

(1)

تابع عبدَ الله بن يزيد المقرئ عبدُ الله بن وهب في وجه، كما في «مسنده» (1190) وفي وجه بإثبات عمرو بن أبي نعيمة.

(2)

وسعيد بن أبي أيوب وثقه ابن مَعِين والنَّسَائي وابن سعد.

ص: 202

وخالفهم أيضًا أحمد بن حنبل، كما في «مسنده» (8082) فزاد واسطة بين بكر بن عمرو ومسلم بن يسار، وهي عمرو بن أبي نعيمة، وقال فيه الدارقطني: مجهول مصري يُترَك.

وخالف سعيدَ بن أبي أيوب يحيى بنُ أيوب الغافقي، فقال: عن بكر عن عمرو بن أبي نعيمة، عن مسلم، به.

أخرجه ابن وهب في «مسنده» (1190)، و «شرح مُشكِل الآثار» (3648)، والحاكم (350).

وخالف سعيدَ بن أبي أيوب ويحيى بنَ أيوب رِشدينُ بن سعد فقال: عن بكر، عن عمرو بن أبي نعيمة، عن مسلم بن يسار، مرسلًا. أخرجه أحمد (8776).

والخلاصة: أن علة هذا الخبر إثبات الواسطة، وهي عمرو بن أبي نعيمة، وهو مجهول. ومسلم بن يسار ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال الدارقطني: يُعتبَر به. وحديثه في مقدمة مسلم رقم (6).

وكَتَب شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (5) رمضان (1444 هـ) الموافق (27/ 3/ 2023 م): الخبر فيه مقال؛ مِنْ أجل بكر ومِن أجل الواسطة كذلك.

ص: 203

‌التحديث عن بني إسرائيل

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (19921): حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُنَا عَامَّةَ لَيْلِهِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا يَقُومُ إِلَّا إِلَى عُظْمِ صَلَاةٍ

(1)

.

وتابع بهزًا جماعة.

وخالف أبا هلال في السند ثلاثة فقالوا: عن قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عمرو مرفوعًا. وهو الذي رجحه علماء العلل.

1 -

سعيد بن أبي هلال، أخرجه ابن حِبان (6255) وقال ابن عَدِيّ في رواية حرملة بن يحيى عن ابن وهب: يَروِي عنه أشياء سمجة كرهتُ ذكرها. ويُنظَر اختلاط سعيد.

2 -

هشام الدَّستُوائي، أخرجه أحمد (19922)، وأبو داود (3663)، وابن خُزيمة (1342) من طريق معاذ بن هشام، وهو ضعيف.

3 -

سعيد بن بشير، ذَكَره ابن أبي حاتم في «علله» (451)، وسعيد ضعيف في قتادة.

(1)

في «حاشية السِّندي على مسند أحمد» (19/ 22): ضبط (عُظْم) بضم فسكون، وقيل: المراد: إلا إلى فريضة، فإن عُظْم الشيء أكبره، والله تعالى أعلم.

ص: 204

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث عمرو بن عمران، بتاريخ (7) رمضان (1444 هـ) الموافق (29/ 3/ 2023 م): طرقه ضعيفة.

ص: 205

‌صُوَر مذمومة من كتمان العِلم

1 -

كتمان اليهود آية الرجم

(1)

ووَصْف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42]، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71].

2 -

كتمان علم الشهادة والتوحيد على حديث عهد بالإسلام، ففي حديث:«مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أَلْجَمَهُ اللهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

3 -

كتم المرأة الحمل أو الحيض لما يترتب على ذلك من أضرار ومفاسد، قال تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228].

4 -

كتم الشهادة وهو قادر على أدائها، قال تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ

(1)

فيما أخرجه البخاري (6819): عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ أَحْدَثَا جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّ أَحْبَارَنَا أَحْدَثُوا تَحْمِيمَ الوَجْهِ وَالتَّجْبِيهَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: ادْعُهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ بِالتَّوْرَاةِ. فَأُتِيَ بِهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، وَجَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَإِذَا آيَةُ الرَّجْمِ تَحْتَ يَدِهِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرُجِمَا عِنْدَ البَلَاطِ، فَرَأَيْتُ اليَهُودِيَّ أَجْنَأَ عَلَيْهَا.

ص: 206

وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وقال تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282].

ص: 207

‌خوف الصحابة رضي الله عنهم من كتمان العلم

الشواهد كثيرة منها:

1 -

عَنْ حُمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ قَالَ: وَاللهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا، وَاللهِ لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا» قَالَ عُرْوَةُ: الْآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إِلَى قَوْلِهِ: {اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]

(1)

.

2 -

خوف أبي هريرة رضي الله عنه من آيتي كتمان العلم، فَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ أَكْثَرَ، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ، وَيَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يَتَحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَرَضِيهِمْ، وَإِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا.

وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا: «أَيُّكُمْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ، فَيَأْخُذُ مِنْ حَدِيثِي هَذَا، ثُمَّ يَجْمَعُهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْسَ شَيْئًا سَمِعَهُ» فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَيَّ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ

(1)

أخرجه البخاري (160) ومسلم (227).

ص: 208

حَدِيثِهِ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ، وَلَوْلَا آيَتَانِ أَنْزَلَهُمَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا حَدَّثْتُ شَيْئًا أَبَدًا:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159] إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ

(1)

.

2 -

وأجاب ابن عباس رضي الله عنهما نَجْدة الحَرُوري خَشية كتمان العلم، فَعَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِلَالٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ. كَتَبَ إِلَيْهِ نَجْدَةُ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَخْبِرْنِي: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ وَمَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ وَعَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟

فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ، فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ. وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ. وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ، فَلَا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ. وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي: مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ فَلَعَمْرِي، إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ، ضَعِيفُ الْعَطَاءِ مِنْهَا، فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ، فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ. وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟ وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ: هُوَ لَنَا، فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَاكَ

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري (2350) ومسلم (2492).

(2)

أخرجه مسلم (1812).

ص: 209

‌كتمان العلم لعلة راجحة

1 -

خَشية الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري في «صحيحه» رقم (107): حَدثنا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ: حَدثنا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لَا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يُحَدِّثُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .

وتابع أبا الوليد محمد بن جعفر، أخرجه أحمد (1413) وفيه: «

لم أفارقه منذ أسلمتُ

».

وتابع جامعَ بن شداد وبرةُ بن عبد الرحمن، أخرجه أبو داود في «سُننه» (3651) وفيه: «

لقد كان لي منه وجه ومنزلة

».

وتابع عامرَ بن عبد الله على القَدْر المرفوع عمرُ بن عبد الله أخوه، أخرجه أبو داود في «سُننه» (239).

*-قال ابن أبي حاتم في «الجَرح والتعديل» (1/ 18): حَدَّثَنا أحمد بن سنان، قال: سمعتُ عبد الرحمن بن مهدي يقول: كنا عند مالك بن أنس، فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، جئتك من مسيرة ستة أشهر، حَمَّلني أهل بلادي مسألة أسألك عنها. قال: فسل. قال: فسأل الرجل عن أشياء، فقال: لا أُحسن. قال: فقطع بالرَّجُل، كأنه قد جاء إلى مَنْ يَعلم كل شيء، قال: وأي شيء أقول لأهل

ص: 210

بلادي إذا رجعتُ إليهم؟! قال: تقول لهم: قال مالك بن أنس: لا أُحْسِن

(1)

.

*-وقال الخطيب: ومما رأى العلماء أن الصدوف عن روايته للعوام أَوْلَى أحاديث الرخص.

2 -

خَشية أن يَقصر بعض الناس عن فَهم العلم، فعن عَلِيّ رضي الله عنه: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ

(2)

.

3 -

خَشية ترك العمل والاتكال، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ:«يَا مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: «يَا مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: «يَا مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ:«إِذًا يَتَّكِلُوا» فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذُ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا

(3)

.

4 -

كَتْم بعض العلم خوفًا على النفس، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ، قُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ

(4)

.

5 -

كتمان بعض العلم عن الظلمة تخفيفًا لظلمهم ففي «تفسير ابن كثير»

(1)

إسناده صحيح.

(2)

أخرجه البخاري (127)

(3)

أخرجه البخاري (128) ومسلم (32) ومعنى التأثم: التحرج من الوقوع في الإثم.

(4)

أخرجه البخاري (120) وإن كتم هنا لعلة رضي الله عنه فقد حمله النهي عن كتم العلم على كثرة التحديث فيما أخرجه البخاري (2350) ومسلم (2492).

ص: 211

(3/ 96): مَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ سَلَامِ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا نَدِمْتُ عَلَى حَدِيثٍ مَا نَدِمْتُ عَلَى حَدِيثٍ سَأَلَنِي عَنْهُ الْحَجَّاجُ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟

وذَكَر قصة العُرنيين.

وقال الذهبي في «سِيَر أعلام النبلاء» (10/ 578): ينبغي للمُحدِّث أن لا يُشهِر الأحاديث التي يَتشبث بظاهرها أعداء السُّنن من الجهمية

وأهل الأهواء، والأحاديثَ التي فيها صفات لم تَثبت؛ فإنك لن تُحدِّث قومًا بحديث لا تَبلُغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم. فلا تَكتم العلم الذي هو علم، ولا تَبذُله للجهلة الذين يشغبون عليك أو الذين يَفهمون منه ما يضرهم.

6 -

كتمان العلم لأمر سياسي، فقد أخرج مسلم في «صحيحه» رقم (1361): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ خَطَبَ النَّاسَ، فَذَكَرَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، فَنَادَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ فَقَالَ:«مَا لِي أَسْمَعُكَ ذَكَرْتَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَلَمْ تَذْكُرِ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» وَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي أَدِيمٍ خَوْلَانِيٍّ إِنْ شِئْتَ أَقْرَأْتُكَهُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ مَرْوَانُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ ذَلِكَ.

وتابع سليمانَ بن بلال فُليح، أخرجه أحمد (17272) وفيه:«أَجَلْ، قد بَلَغَنَا ذلك» .

وتابع نافعًا عبدُ الله بن عمرو بن عثمان بن عفان على القَدْر المرفوع، أخرجه مسلم (456) وأحمد (17271).

ص: 212

الخلاصة: انتهى شيخنا معي بتاريخ (4) رجب (1444 هـ) الموافق (26/ 1/ 2023 م) إلى صحته.

وللقَدْر المرفوع شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري (1873)، ومسلم (1372).

ومن حديث جابر عند مسلم رقم (1362).

ص: 213

‌أشخاص آثرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعلم

1 -

حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، ففي الخبر:«أليس فيكم- أو: منكم- صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟ يعني حذيفة» كما في البخاري (3743) ومسلم (824).

2 -

فاطمة رضي الله عنها، ففي الخبر: «سَارَّها النبي صلى الله عليه وسلم:

إني لا أرى الأجل إلا قد اقترب .... أما تَرضَين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين

» انظر: البخاري رقم (6285) ومسلم (ص 2450).

3 -

علي رضي الله عنه، ففي الخبر: «ما عندنا إلا كتاب الله وفَهْم يعطيه الله رجلًا،

وصحيفة فيها العقل وفكاك الأسير وأن لا يُقتل مسلم بكافر». انظر: البخاري رقم (6903) ومسلم (78).

ص: 214

‌طرق حديث: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ،

»

*-ورد عن أحد عشر صحابيًّا:

1 -

أبو هريرة. 2 - ابن عمرو. 3 - ابن عمر. 4 - ابن عباس. 5 - ابن مسعود. 6 - أبو سعيد. 7 - جابر. 8 - أنس. 9 - عمرو بن عبسة. 10 - طَلْق بن علي. 11 - سعد بن المدحاس رضي الله عنهم.

والخبر صح لشواهده لدي

(1)

وأما شيخنا فكَتَب لي في مقدمة الرسالة: هذا

(1)

وكنتُ أهديتُ هذا الكتاب للشيخ مشهور بن حسن- حفظه الله- في معرض الكتاب عام (1430 هـ) الموافق (2009 م) ثم قابلته في معرض آخَر، فأفادني أنه قرأ الكتاب وعلق عليه، لكن التعليقات ليست معه، وعلق على قولي في (ص 50) وخلاصة القول في الحديث: في كل طرقه مقال، ومَن حَسَّنه لشواهده فله وجه، والله أعلم. فقال: ينبغي في الدراسات أن نسلك مسلك الترجيح والاختيار.

تنبيه: قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (13/ 367 - 368) في قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22]:

اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المَقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا. فإنه تعالى أَخْبَر عنهم بثلاثة أقوال، ضَعَّف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلًا لرَدَّه كما ردهما.

ثم أَرْشَد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا:{قل ربي أعلم بعدتهم} فإنه ما يَعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} أي: لا تُجهِد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يَعلمون من ذلك إلا رَجْم الغيب.

فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف، أن تَستوعب الأقوال في ذلك المقام وأن يُنبَّه على الصحيح منها ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم.

فأما مَنْ حكى خلافًا في مسألة ولم يَستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يَحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضًا. فإِنْ صَحَّح غير الصحيح عامدًا فقد تعمد الكذب، أو جاهلًا فقد أخطأ.

كذلك مَنْ نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالًا متعددة لفظًا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان وتَكثَّر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبَي زور. والله الموفق للصواب.

ص: 215

الحديث كما يبدو من خلال العمل، في كل طرقه مقال، ولقائل أن يُضعفه. وانظر طرقه في رسالة «فقه كتمان العلم» ط/ دار ابن عباس، وط دار اللؤلؤة.

* المصححون والمحسنون للخبر والمضعفون:

أما المضعفون فهم:

1 -

الإمام أحمد كما في «العلل المتناهية» (1/ 105):

الأحاديث فيمن كتم علمًا ألجمه بلجام من نار. لا يصح منها شيء.

2 -

وقال ابن الجوزي في المصدر السابق: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 216

3 -

قال العجلوني في «كشف الخفا» (2/ 419): باب (مَنْ سُئل عن علم فكَتَمه) لم يصح فيه حديث.

4 -

وضَعَّفه أبو علي الحافظ شيخ الحاكم، كما في «المستدرك» (1/ 102) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ذَاكَرْتُ شَيْخَنَا أَبَا عَلِيٍّ الْحَافِظَ بِهَذَا الْبَابِ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ: هَلْ يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الأَسَانِيدِ عَنْ عَطَاءٍ؟ فَقَالَ: لَا. قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ عَطَاءً لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وأما المصححون والمُحسِّنون لبعض الأخبار، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه، فَهُمْ:

1 -

قال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن.

2 -

قال العقيلي في ترجمة إسماعيل الكربيسي عن حديث أبي هريرة: إسناده صالح.

3 -

قال الحاكم في «مستدركه» (1/ 102) عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه: هَذَا حَدِيثٌ تَدَاوَلَهُ النَّاسُ بِأَسَانِيدَ كَثِيرَةٍ تُجْمَعُ وَيُذَاكَرُ بِهَا، وَهَذَا الإِسْنَادُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

4 -

قال الذهبي في «الكبائر» (ص/ 110) عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه: إسناده صحيح.

5 -

وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه «تفسير الطبري» (3/ 252).

6 -

وصححه العلامة الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (1/ 28).

أو حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:

ص: 217

1 -

قال ابن القيم في «تهذيب السُّنن» (10/ 93/ عون) عن حديث ابن عمرو رضي الله عنهما: إسناده صحيح.

2 -

قال الهيثمي في «مَجْمَع الزوائد» (1/ 198) عن حديث ابن عمرو رضي الله عنهما: رواه الطبراني في «الكبير» و «الأوسط» ورجاله موثقون.

3 -

وصحح الزركشي إسناده، ورَدَّ على ابن الجوزي.

أو التصحيح لغيره من حديثَي أبي هريرة وابن عمرو رضي الله عنهما:

1 -

الشيخ مقبل في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين» (789، 1364).

2 -

قال شيخنا أبو إسحاق الحويني عندما سألته عن هذا الحديث: اكتب عني: «صحيح من حديث عبد الله بن عمرو، بضميمة بعض طرق حديث أبي هريرة رضي الله عنه» .

وممن صححه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:

1 -

ابن حجر في «المطالب العالية» بعد رقم (3348): حديث ابن عباس صحيح.

2 -

قال المنذري في «الترغيب والترهيب» (1/ 70) عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: رواه أبو يعلى، ورواته ثقات محتج بهم في الصحيح، ورواه الطبراني في «الكبير» و «الأوسط» بسند جيد.

3 -

قال السيوطي في «الدُّر المنثور» (1/ 392): وأخرج أبو يعلى والطبراني

ص: 218

بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وممن حَسَّنه أو صححه بشواهده:

1 -

قال أبو نُعيم: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث بأسانيد ذوات عدد.

2 -

قال ابن كثير في «تفسيره» (1/ 472) ط/ دار طيبة: وقد ورد في الحديث المسند من طرق يَشد بعضها بعضًا عن أبي هريرة وغيره.

3 -

قال الكتاني: يُشبِه أن يُعَد في الأحاديث المتواترة وإن لم أَرَ الآن مَنْ عَدَّه منها. والله أعلم.

4 -

وسألتُ الشيخ عليًّا الحلبي رحمه الله عن حاصل ما كتبه حول هذا الحديث، فكتب لي يوم الجمعة من شهر المحرم عام (1429 هـ) في معرض الكتاب الدولي: حديثٌ حَسَن بطرقه ولبعض المشتغلين في الحديث من المتأخرين جزء في تحسينه، وكان شيخنا العلامة الألباني يُحسِّنه، والله الموفق.

5 -

صححه الشيخ صالح العصيمي في «رفع المنار لطرق حديث: مَنْ سُئل عن عِلم فكتمه، أُلجم بلجام من نار» وهو مطبوع عام (1413 هـ).

قلت: أبو أويس الكردي: وأختار التصحيح بشواهده، وأقواها حديث ابن عمرو وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم.

ص: 219

‌فقه حديث كتمان العلم

جمعتُ في كتابي «فقه كتمان العلم» (ص/ 82 - 83): تراجم وتبويبات أهل العلم للحديث كفقه للخبر، وكان أشهرها ترجمة أبي داود في «سُننه» قبل رقم (3658): كراهية منع العلم. وتبويب ابن حبان في «صحيحه» (1/ 297): ذكر إيجاب العقوبة في القيامة على الكاتم العلم الذي يُحتاج إليه في أمور المسلمين.

وقال الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (2/ 386): بَابُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُفْتِي فِي فَتْوَاهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُفْتٍ سِوَاهُ، لَزِمَهُ فَتْوَى مَنِ اسْتَفْتَاهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159].

ثم أوردتُ شروحات العلماء للخبر في «فقه كتمان العلم» (ص/ 84 - 88) فتتلخص في ثلاثة أقوال:

1 -

العلم اللازم التعليم، كاستعلام كافر عن الإسلام ما هو؟ وجاهل بالصلاة وصفتها، وكالمستفتي في الحلال والحرام، وكالذي تَعيَّن عليه علم ويُسأل عن دقائقه حتى يحفظه للأمة. انظر:«مَعالم السُّنن» (4/ 171) للخطابي.

2 -

وقال الثوري كما في «شرح السُّنة» للبغوي (1/ 207): ذاك إذا كتم

ص: 220

السُّنة.

3 -

وقيل: علم الشهادة، قال ابن عباس: هي الشهادة تكون عند الرجل يُدعَى لها أو لا يُدعَى وهو يَعلمها ولا يُرشِد صاحبها إليها، فهو هذا العلم. ا هـ.

وقال سحنون: إن حديث أبي هريرة وابن عمر هذا إنما جاء في الشهادة، قاله ابن العربي في «أحكام القرآن» (الآية 29 البقرة) ثم قال معقبًا: والصحيح خلافه؛ لأن في الحديث: «مَنْ سُئل عن علم» ولم يقل: (عن شهادة) والبقاء على الظاهر حتى يرد عليه ما يزيله، والله أعلم. انظر:«تفسير القرطبي» (1/ 565) ط الريان

(1)

.

(1)

تم الانتهاء من تأليفي «فقه كتمان العلم» (ليلة 14/ رمضان عام 1429 هـ الموافق 4/ 9/ 2008 م).

ثم مَنَّ الله عليّ بتلخيصه هنا في يومَي الخميس والجمعة، قُبيل خطبة الجمعة، بتاريخ (5 رجب 1444 هـ) الموافق (27/ 1/ 2023 م) ثالث أيام معرض الكتاب الدولي بالقاهرة.

ص: 221

‌ما الذي يُرفَع من العلم أولًا؟

قال الإمام النَّسَائي في «سُننه الكبرى» (5878): أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ يَوْمًا فَقَالَ:«هَذَا أَوَان يُرْفَعُ الْعِلْمُ» .

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ زِيَادٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، يُرْفَعُ الْعِلْمُ وَقَدْ أُثْبِتَ وَوَعَتْهُ الْقُلُوبُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ كُنْتُ لَأَحْسَبُكَ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» وَذَكَرَ لَهُ ضَلَالَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ.

قال: فَلَقِيتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ، فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ: صَدَقَ عَوْفٌ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَوَّلِ ذَلِكَ يُرْفَعُ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: الْخُشُوعُ حَتَّى لَا تَرَى خَاشِعًا.

تابع ابنَ وهب اثنان:

1 -

يحيى بن بُكَيْر، أخرجه البخاري في «خَلْق أفعال العباد» (1/ 79).

2 -

عبد الله بن صالح

(1)

، أخرجه البزار (2741).

(1)

وتارة رواه عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جُبير، عن أبيه، عن أبي الدرداء، به مرفوعًا. أخرجه الترمذي (2653) والدارمي (296).

وعبد الله بن صالح ضعيف، وقد اختُلف عليه، والأكثر عنه- عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وفهد بن سليمان، وبكر بن سهل- بهذا السند.

ص: 222

وتابع الليثَ بن سعد اثنان:

1 -

محمد بن حِمْيَر، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (23990).

2 -

يحيى بن أيوب، أخرجه الطحاوي في «شرح مُشكِل الآثار» (303).

والخلاصة: أن سنده صحيح، وتَوقَّف فيه شيخنا مع الباحث علي بن محمد القناوي، بتاريخ (19) شعبان (1444 هـ) الموافق (11/ 3/ 2023 م).

ثم عَرَضه الباحث، بتاريخ (23) شعبان (1444 هـ) الموافق (15/ 3/ 2023 م) فكَتَب شيخنا: القواعد تقتضي تحسينه، لكن في المتن غرابة، وبه جزء موقوف

(1)

على عوف بن مالك. والله أعلم.

تنبيه: للخبر شاهد مُعَل بالانقطاع، أخرجه أحمد في «مسنده» (17920): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَوَانُ ذَهَابِ الْعِلْمِ» - قَالَ شُعْبَةُ: أَوْ قَالَ «هَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ الْعِلْمِ» - فَقُلْتُ: وَكَيْفَ وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ، نُعَلِّمُهُ أَبْنَاءَنَا وَيُعَلِّمُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ؟! قَالَ:«ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ابْنَ لَبِيدٍ، مَا كُنْتُ أَحْسَبُكَ إِلَّا مِنْ أَعْقَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَلَيْسَ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى فِيهِمْ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى؟» - قَالَ شُعْبَةُ: أَوْ قَالَ: «أَلَيْسَ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى فِيهِمُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ - ثُمَّ لَمْ يَنْتَفِعُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ؟» أَوْ قَالَ: «أَلَيْسَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، أَوْ أَهْلُ الْكِتَابِ» شُعْبَةُ يَقُولُ: ذَلِكَ - فِيهِمْ كِتَابُ اللَّهِ».

(1)

بل على شداد بن أوس، وهو قوله لجُبير بن نُفير: (وهل تَدرِي ما رَفْع

).

ص: 223

وتابع عمرَو بن مُرة اثنان:

1 -

الأعمش، أخرجه أحمد (17473)، وابن ماجه (4084).

2 -

منصور بن المُعتمِر، كما في «بُغية النقاد» (1/ 319).

وسالم بن أبي الجعد، قال البخاري كما في «التاريخ» (1163): ولا أرى سالمًا سَمِع من زياد. وجَزَم ابن حجر في «الإصابة» (2/ 587) بأنه لم يَلْقَ زيادًا.

ص: 224

‌كتاب الطهارة

‌سُؤْر الهرة

سبق في «سلسلة الفوائد» (2/ 27 - 28) حديث: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ- أَوْ: الطَّوَّافَاتِ-» .

مداره على إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، واختُلف عنه اختلافًا كثيرًا، وأصحه طريق الإمام مالك

(1)

ومَن تابعه عنه عن حميدة عن كبشة بنت كعب عن أبي قتادة مرفوعًا. وحميدة ذَكَرها ابن حبان في «الثقات» ولم يوثقها مُعتبَر.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث إسلام بن خميس الفيومي، بتاريخ (16) محرم (1444 هـ) الموافق (14/ 8/ 2022 م): على ما أورده أخونا إسلام فالطريق ضعيفة.

فائدة: صح من فعل أبي قتادة رضي الله عنه، أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (347)، وابن خزيمة (103) من طرق عن عكرمة، أَنَّهُ رَأَى أَبَا قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ يُصْغِي الْإِنَاءَ لِلْهِرِّ فَتَشْرَبُ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا.

وتابع عكرمة أبو قِلابة، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (324).

وتابعهما صالح مولى التوأمة، أخرجه عبد الرزاق (350).

(1)

أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (75)، والترمذي (92)، والنَّسائي (68)، وابن ماجه (367).

ص: 225

والموقوف يؤيد القصة وطهارة سؤر الهرة.

قال النووي في «المجموع» (1/ 175): ورُوي عن ابن عمر كراهة الوضوء بفضل الهرة. قال الشافعي رحمه الله: «الهرة ليست بنجس فنتوضأ بفضلها» ونكتفي بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكون في أحد قال خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم حجة. قال أصحابنا: ولو صح حديث أبي هريرة لم يكن فيه دليل؛ لأنه متروك الظاهر بالاتفاق، فإن ظاهره يقتضي وجوب غَسل الإناء من ولوغ الهرة، ولا يجب ذلك بالإجماع.

ونَقَل ابن حزم إجماعًا مخالفًا لإجماع النووي، ففي «مراتب الإجماع» (ص: 24): وأجمعوا أن مَنْ غسل أثر الكلب والخنزير والهر سبع مرات بالماء والثامنة بالتراب، فقد طهر.

ص: 226

‌بول وروث غير مأكول اللحم

ذهب الجمهور - من الحنفية

(1)

والمالكية

(2)

والشافعية

(3)

والحنبلية

(4)

- خلافًا لداود الظاهري

(5)

والشعبي إلى نجاسة روث وبول غير مأكول اللحم.

مستند الجمهور ما سبق:

1 -

ما أخرجه البخاري في «صحيحه» رقم (156) عن عَبْد اللَّهِ رضي الله عنه: أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى

(1)

ففي «المبسوط» (1/ 60) للسرخسي: رَوْث ما لا يؤكل سواء، وهو نجس عندنا.

(2)

وفي «المعونة على مذهب عالم المدينة» (ص: 167): لا خلاف أن أبوال ما يَحرم أكله وأرواثه نجسة، وأما ما يؤكل لحمه فعندنا أبوالها وأرواثها طاهرة، وقال أبو حنيفة والشافعي: نجسة.

(3)

قال النووي في «روضة الطالبين وعمدة المفتين» (1/ 16) وهو يَتحدث عن حكم المفصول من الحيوان: الثاني: كَالدَّمِ، وَالْبَوْلِ، وَالْعَذِرَةِ، وَالرَّوْثِ، وَالْقَيْءِ. وَهَذِهِ كُلُّهَا نَجِسَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ، أَيْ: مَأْكُولُ اللَّحْمِ وَغَيْرُهُ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثَهُ طَاهِرَانِ.

(4)

في «الإرشاد إلى سبيل الرشاد» (ص: 26) لمحمد بن أحمد الهاشمي البغدادي (ت: 428 هـ): فأما بول ما لا يؤكل لحمه وروثه فنجس قولًا واحدًا.

(5)

ففي «المحلى» (1/ 169): قال داود: بول كل حيوان ونجوه - أُكل لحمه أو لم يؤكل - فهو طاهر، حاشى بول الإنسان ونجوه فقط فهما نجسان.

ص: 227

الرَّوْثَةَ، وَقَالَ:«هَذَا رِكْسٌ» .

والأصح عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود رضي الله عنه، وهو منقطع أو مضطرب، وهو عند البخاري من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق، وفيها ضعف لأنه روى عنه بآخرة.

2 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»

(1)

.

3 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمَاءِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» في سنده اختلاف، والنفس غير مطمئنة لصحته.

أما أدلة داود الظاهري فهي:

1 -

البراءة الأصلية.

2 -

قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبًا، وَكَانَتِ الكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

ولفظة (تبول) علقها البخاري في بعض النسخ، وتَنكَّب عنها الإمام مسلم، والدراسة المقارنة تؤيد إعلالها.

(1)

أخرجه مسلم (279).

ص: 228

‌كتاب الغُسل

‌هل ثبتت زيادة: (إنما النساء شقائق الرجال)؟

لم تَثبت، وإليك البيان:

أولًا- وردت من حديث أُم سلمة، أخرجها أحمد في «مسنده» رقم (26195): حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا، قَالَ:«يَغْتَسِلُ» ، وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلَا يَرَى بَلَلًا، قَالَ:«لَا غُسْلَ عَلَيْهِ» فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ تَرَى ذَلِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» .

وخالف حمادَ بن خالد:

1 -

عبد الرزاق (974).

2 -

عبد الله بن نافع، كما في «الأوسط» (594) لابن المنذر.

وروايتهما أرجح، وأَعْرَضَ عنها مسلم في «صحيحه» واستنكرها الإمام أحمد، كما في «فتح الباري» لابن رجب (1/ 343).

ثانيًا- وردت من حديث أنس رضي الله عنه، من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وعنه الأوزاعي منفردًا بها، واختُلف عليه في إسنادها:

ص: 229

فرواها محمد بن كثير على الرفع، كما عند الدارمي (791).

وخالفه أبو المغيرة فقال: عن إسحاق عن جَدته مرسلًا، كما عند أحمد (27118)، وأَعَله بالإرسال أبو حاتم، كما في «العلل» (163)، والدارقطني في «العلل» (2342).

الخلاصة: انتهى شيخنا مِنْ قبل إلى صحة زيادة «النساء شقائق الرجال» لكن مع الباحث إسلام بن خميس الفيومي، بتاريخ (27) شعبان (1444 هـ) الموافق (19/ 3/ 2023 م) أرجأ الكلام في هذا القَدْر، وانتهى إلى صحة القَدْر الذي أخرجه مسلم، من حديث عائشة رضي الله عنها، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ إِذَا احْتَلَمَتْ وَأَبْصَرَتِ الْمَاءَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: تَرِبَتْ يَدَاكِ وَأُلَّتْ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعِيهَا، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ ذَلِكِ؟ إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ» .

ص: 230

‌طهارة المَنِيّ

قال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» رقم (284): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:«كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَابِسًا بِأَصَابِعِي، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَغْسِلُهُ» .

وخالف علي بن شيبة مسلم بن الحَجاج (288) وإسماعيل بن قُتيبة كما عند البيهقي (4165) فلم يَذكرا: «وَلَا يَغْسِلُهُ» .

وتابعهما متابعة قاصرة دون الزيادة عن خالد بن عبد الله: أبو بِشر الواسطي ووهيب بن بقية.

وتابعهم الجماعة عن أبي معشر، والجماعة عن إبراهيم، والجماعة عن عائشة رضي الله عنها.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن عيد، بتاريخ الأربعاء (20) شوال (1444 هـ) الموافق (10/ 5/ 2023 م):«ولا يَغسله» لفظة شاذة وإن كان المعنى يقتضي ذلك.

ص: 231

‌اغتسال الرجل مع زوجه

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (264): حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ

(1)

قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ.

زَادَ مُسْلِمٌ وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ: مِنَ الجَنَابَةِ.

وَصَل طريقَ وهب- وهو ابن جرير- الإسماعيلي في «مستخرجه» كما في «تغليق التعليق» (2/ 156) وقال ابن حجر: لم أجد الزيادة عنده.

وتابع شعبة على جعله من مسند أنس دون الزيادة سفيانُ الثوري، أخرجه أبو يعلى (4309).

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث عبد الله بن أسامة التهامي، بتاريخ (3) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (18/ 9/ 2023 م): يبدو-والله أعلم- أن الزيادة شاذة من حديث أنس، رواها أصحاب شعبة بدونها، وتوبع شعبة من سفيان بدونها. ا هـ.

تنبيه: أَسْنَدَ البخاري (263) ومسلم (319) هذه الزيادة من مسند عائشة رضي الله عنها.

(1)

وتابع أبا الوليد جَمْع دون الزيادة، وهم: يحيى بن سعيد القطان ومحمد بن جعفر وبهز وعفان وعثمان بن عمر وسعيد بن عامر.

ص: 232

‌لفظة شاذة في حديث ميمونة رضي الله عنها في صفة الغسل

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (249): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، غَيْرَ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الأَذَى، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ، ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، هَذِهِ

(1)

غُسْلُهُ مِنَ الجَنَابَةِ.

تَفرَّد محمد بن يوسف بتقديم الوضوء قبل غَسل الفرج خلافًا للجماعة عن سفيان الثوري

(2)

وهم ابن المبارك كما عند البخاري، وعبد الرزاق كما في «الأوسط» والحسين بن حفص وعبد الله بن الوليد. وتابعهم الجماعة عن الأعمش.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث سيد بن عبد العزيز الشرقاوي، بتاريخ (1) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (16/ 9/ 2023 م): الوضوء قبل غَسل الفرج شاذ، ويمكن حملها في حال صحتها على أن الواو لا تقتضي الترتيب. والله أعلم.

(1)

قوله: هذه غسله الإشارة إلى الأفعال المذكورة أو التقدير هذه صفة غسله وللكشميهني هذا غسله وهو ظاهر وأشار الإسماعيلي إلى أن هذه الجملة الأخيرة مدرجة من قول سالم بن أبي الجعد. كما في «فتح الباري» (1/ 362) لابن حجر.

(2)

وتَفرَّد الثوري بلفظ: «وما أصابه من الأذى» . وله متابعة من ابن أبي ليلى عن سلمة بن كُهيل عن كُريب به.

ص: 233

‌رواية عامة جاءت مُقيَّدة بالليل، وهي شاذة

قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (874): حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ، فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا» .

خالف حفصًا -وهو ابن غِيَاث- الجمهور، وهم:

1، 2 - ابن أبي زائدة ومَرْوان بن معاوية، كما عند مسلم (308).

3، 5 - سفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك وهمام بن يحيى، كما عند النَّسائي (262).

6، 7 - شعبة بن الحَجاج، ومحاضر بن المورع، كما عند أحمد (11227).

8 -

أبو الأحوص كما عند ابن حبان (1210).

9 -

جرير بن عبد الحميد كما عند أبي يعلى (1164).

10 -

سفيان الثوري كما عند ابن شاهين (480).

وتابعهم متابعة قاصرة عن أبي المتوكل قتادة، كما في «مسند الشاميين» (2712).

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن عيد، بتاريخ الأحد (24) شوال (1444 هـ) الموافق (14/ 5/ 2023 م) إلى شذوذ التقييد «من الليل» .

ص: 234

‌النهي عن البول في المُغتسَل

قال الطبراني في «الأوسط» (2077): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ أَبُو عَبَّادٍ

(1)

، قَالَ: حَدَّثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مَاعِزٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَا يُنْقَعُ بَوْلٌ فِي طَسْتِ فِي الْبَيْتِ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ يُنْقَعُ، وَلَا تَبُولَنَّ فِي مُغْتَسَلِكَ» .

خالف يحيى بنَ عَبَّاد وهو مُتكلَّم فيه سفيانُ الثوري، فيما أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (1855): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مَاعِزٍ

(2)

، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، يَحْسَبهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «لَا تَبُولُ

(3)

فِي طَسْتٍ فِي بَيْتٍ تُصَلِّي فِيهِ، وَلَا تَبُلْ فِي مُغْتَسَلِكَ».

ورواية الثوري أرجح بالوقف، لكن فيها شك هكذا (يَحسبه).

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ (21) محرم

(1)

قال الحافظ أبو بكر الخطيب في «تاريخ بغداد» (16/ 217): تَرْك أهل البصرة الرواية عنه لا يوجب رد حديثه، حَسْبك برواية أحمد بن حنبل وأبي ثور عنه، ومع هذا فقد احتج بحديثه محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري، وأحاديثه مستقيمة، لا نَعْلَمه روى منكرًا.

(2)

رَوَى عنه جماعة، ووثقه ابن مَعين والعِجلي، وذَكَره ابن حبان في «الثقات» .

(3)

لا تبل.

ص: 235

(1445 هـ) الموافق (8/ 8/ 2023 م) إلى ضعفه مرفوعًا، والأرجح الوقف.

تنبيه: له شاهد من حديث علي رضي الله عنه، أخرجه ابن عَدي في «الكامل» (5/ 388) وفي سنده انقطاع؛ لأن عبد الله بن نجي لم يَسمع عليًّا رضي الله عنه. وفيه أيضًا أبو بكر بن عياش الشامي عن المغيرة بن مِقسم الكوفي. وأبو بكر يخطئ في غير أهل بلده.

وفي الباب أثران موقوفان:

الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (897): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ ضِرَارٍ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنِ اغْتَرَفَ مِنْ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ، فَمَا بَقِيَ مِنْهُ نَجِسٌ، وَلَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ. (وهذا إسناده حسن، وهو من مفاريد ابن عمر رضي الله عنهما.

الثاني: أبو الدرداء رضي الله عنه، أخرجه ابن عَدي في «الكامل» (7/ 169) وفي سنده الأعجف بن رزين، وهو مجهول.

ص: 236

‌حكم البول قائمًا

سبق في «سلسلة الفوائد» (1/ 434) في جواز البول قائمًا حديث حذيفة رضي الله عنه، وهو متفق عليه

(1)

.

وثَمة أحاديث في النهي عن البول قائمًا، كلها ضعيفة إلا حديث عائشة رضي الله عنها في وصفه:

أما الأحاديث الضعيفة فهي:

1 -

حديث جابر رضي الله عنه، أخرجه ابن ماجه (309) وفي سنده عَدي بن الفضل، متروك الحديث.

2 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه ابن شاهين في «ناسخه» (76) وفي سنده السري بن سهل، متروك الحديث.

3 -

حديث عمر رضي الله عنه، وسبقت أن علته عبد الكريم بن أبي المخارق المتروك. وتارة عند ابن حبان (1423) فأسقط عبد الكريم وجَعَله من مسند ابن عمر. وقال ابن حبان: أخاف أن ابن جُريج لم يَسمع من نافع هذا الخبر.

4 -

حديث بُريدة رضي الله عنه: (ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا

) وعلته

(1)

لفظ المسح على الخُفين تَفرَّد به مسلم عن البخاري، والمسح على الخُفين متفق عليه من حديث المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه. أفاده الباحث فاروق بن فاروق.

ص: 237

الاختلاف على ابن بُريدة:

تارة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا، أخرجه البزار (4424) وغيره.

وتارة عن ابن بريدة عن ابن مسعود موقوفًا أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (1654) وغيره

(1)

.

وتارة عن ابن بريدة: (كان يقال

) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1327).

وقال الترمذي في «سُننه» رقم (12): حديث بُريدة غير محفوظ. وقال البيهقي في «السُّنن الكبير» (3552): قال البخاري: هذا حديث منكر، يضطربون فيه.

وأما حديث عائشة رضي الله عنها، فأخرجه أحمد في «مسنده» رقم (25045): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقْهُ، مَا بَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا مُنْذُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ.

وتابع سفيانَ إسرائيلُ بن أبي يونس، أخرجه الحاكم (660) وتابعهما شريك النَّخَعي كما عند الترمذي (12) وغيره، وقال: حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح.

ووَجْه الجَمْع بين حديث عائشة رضي الله عنها في النفي وحديث حُذيفة رضي الله عنه في الإثبات، أن كلًّا منهما أخبر بما رأى.

(1)

ورواه المسيب بن رافع عن ابن مسعود موقوفًا كما عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» (4716) والمسيب لم يَسمع من ابن مسعود، قاله أبو حاتم في «المراسيل» (270).

ص: 238

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 330): والصواب أنه غير منسوخ، والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها، فيُحمَل على ما وقع منه في البيوت، وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه، وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة، وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة، فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن، وقد ثَبَت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قيامًا، وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش، والله أعلم، ولم يَثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء، كما بينتُه في أوائل شرح الترمذي، والله أعلم.

وانتهى شيخنا مع الباحث فاروق بن فاروق الحسيني

(1)

بتاريخ (14) من المحرم (1445 هـ) الموافق (1/ 8/ 2023 م) إلى أن كل أحاديث النهي عن البول قائمًا ضعيفة، إلا ما ورد عن عائشة رضي الله عنها، ويُجمَع بينه وبين حديث حذيفة رضي الله عنه.

(1)

وُلد بتاريخ (6/ 9/ 1986 م) بقرية كفر الجنينة، بمركز نبروه، بمحافظة الدقهلية، حاصل على ليسانس لغة عربية، بجامعة الأزهر، فرع المنصورة، عام (2009 م).

قَدَّم له شيخنا:

1 -

«فقه صلاة الاستسقاء في سؤال وجواب» ط/ دار اللؤلؤة.

2 -

«فقه الشتاء في سؤال وجواب» ط/ دار اللؤلؤة.

3 -

«فقه يوم الجمعة في سؤال وجواب» ط/ دار اللؤلؤة.

4 -

«فقه النوم في سؤال وجواب» تحت العمل، وهذه الفائدة منه.

ص: 239

‌كتاب خصال الفطرة

‌حُكْم الختان

فيه خبران:

الأول: أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (20719): حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ- يَعْنِي ابْنَ العَوَّامِ- عَنِ الحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي المَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ، مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ» .

وخالف سُريجًا ابنُ أبي شيبة في «مُصنَّفه» (26428) فأَدْخَل رجلًا بين حَجَّاج وأبي المَلِيح، وأسقط والد أبي المَلِيح.

وتابع عَبَّادًا حفصٌ، هو ابن غِيَاث، تارة كعَبَّاد، أخرجه البيهقي (17567)، وأخرى زاد فيها شداد بن أوس بعد والد أبي المَلِيح، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (7113).

وتابعه على زيادة شداد محمدُ بن فُضيل، أخرجه الطبراني (7112)، وأبو الطاهر في «المُخلِّصيات» (2807).

وتارة رواه حَجَّاج بن أرطأة عن مكحول عن أبي أيوب مرفوعًا، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبرى» (8/ 563) وقال: منقطع. وقال أبو حاتم كما في «العلل» (5/ 647) لابنه: الذي أتوهم أن حديث مكحول خطأ، وإنما أراد حديث حَجَّاج.

ص: 240

ما قد رواه مكحول، عن أبي الشمال، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «خَمْس من سُنن المرسلين: التعطر، والحناء، والسواك

» فتَرَك أبا الشمال، فلا أدري هذا من الحَجَّاج أو من عبد الواحد.

وقد رواه النعمان بن المنذر عن مكحول، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الختان سُنة للرجال، مَكرُمة للنساء» .

والخلاصة: أن في هذا الخبر علتين:

1 -

حَجَّاج بن أرطأة مُختلَف فيه، وهو مُدلِّس وقد عنعن، بل أدخل واسطة (رجلًا) بينه وبين أبي المَلِيح.

2 -

اضطراب حَجَّاج فيه، فتارة أَدْخَل واسطة، وأخرى أسقط والد أبي المَلِيح، وثالثة زاد شدادًا، ورابعة منه أو من غيره، عن مكحول عن أبي أيوب.

وانتهى شيخنا مع الباحث: علي بن سلطان، بتاريخ (23) شعبان (1444 هـ) الموافق (15/ 3/ 2023 م) إلى ضعفه.

الخبر الثاني: ما أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» رقم (11590): حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الوَزَّانُ، ثَنَا الوَلِيدُ بْنُ الوَلِيدِ، ثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ، مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ» .

والوليد بن الوليد مُنكَر الحديث، قاله الدارقطني.

وخالف محمدَ بن عجلان أبو هاشم

(1)

فأوقفه، أخرجه الطبراني في

(1)

قال فيه أحمد: منكر الحديث. ووثقه ابن مَعِين. وقال أبو حاتم وأبو زُرْعَة: في حديثه اضطراب.

ص: 241

«المعجم الكبير» (12009) وفي سنده خَلَف بن عبد الحميد، قال عنه أحمد: لا أعرفه.

وتابع عكرمةَ عن ابن عباس جابرُ بن زيد موقوفًا، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12828) وفي سنده سعيد بن بَشِير، وهو ضعيف.

والخلاصة: أن الأرجح الوقف، ولا يصح مرفوعًا ولا موقوفًا. وانتهى شيخنا إلى ذلك مع الباحث: علي بن سلطان بتاريخ (23) شعبان (1444 هـ) الموافق (15/ 3/ 2023 م).

الخبر الثالث: ما أخرجه قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (17908): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ يَعْنِي مُحَمَّدًا

(1)

، عَنْ عُبَيِدِ اللَّهِ، أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ كَرِيزٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إِلَى خِتَانٍ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ:«إِنَّا كُنَّا لَا نَأْتِي الْخِتَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا نُدْعَى لَهُ»

وتابع عبيد الله أو عبد الله أبو حمزة العطار أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8382).

والخلاصة: اختلف في سماع الحسن من عثمان بن أبي العاص فنفاه الحافظ المزي وابن حجر وأورد البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 212): عن الحسن: كنا ندخل على عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه.

(1)

وابن إسحاق عن الحسن بن دينار عن الحسن، ذَكَره ابن عَدي في «الكامل» (3/ 128).

ص: 242

وقال البخاري في «الأدب المفرد» رقم (1245): حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَتْنَا عَجُوزٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ جَدَّةُ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الْمُهَاجِرِ قَالَتْ: سُبِيتُ فِي جَوَارِي مِنَ الرُّومِ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا عُثْمَانُ الْإِسْلَامَ، فَلَمْ يُسْلِمْ مِنَّا غَيْرِي وَغَيْرُ أُخْرَى، فَقَالَ عُثْمَانُ: اذْهَبُوا فَاخْفِضُوهُمَا، وَطَهِّرُوهُمَا.

وعلته جهالة عجوز من أهل الكوفة أفاده الباحث: محمد بن عادل بتاريخ (20) شوال (1444 هـ) موافق (10/ 5/ 2023 م).

ص: 243

‌كيفية ختان النساء

وردت فيه أحاديث:

الأول: ما أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (5271): حَدَّثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبدِ الرَّحمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الأَشْجَعِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ، قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْكُوفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَنْهَكِي؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى البَعْلِ»

(1)

.

ورواه عُبيد الله بن عمرو، عن رجل من أهل الكوفة، عن عبد الملك بن عُمير، عن الضحاك بن قيس قال: كَانَ بِالمَدِينَةِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ عَطيَّةَ، تَخفِضُ الجَوَارِىَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«يا أُمَّ عَطيَّةَ، اخْفِضِي ولا تَنْهَكِي؛ فَإِنَّهُ أَسْرَى لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ» .

أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (17561)، والضحاك ليس الفِهْري الصحابي، قاله ابن مَعِين، وبِناء على ذلك فالحديث مُرسَل.

وتارة رواه عُبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أُنَيْسَة، عن عبد الملك، عن الضحاك، أن أُم عطية

مرسلًا. أخرجه الحاكم (6236) وفي سنده العلاء الرَّقِّيّ، قال أبو حاتم: مُنكَر الحديث.

(1)

قال أبو داود عَقِب الخبر: مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ مَجْهُولٌ، وَهَذَا الحَدِيثُ ضَعِيفٌ.

ص: 244

وتارة رواه عُبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك، عن الضحاك، أن أُم عطية

مرسلًا، أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (24/ 282)، وفي سنده منصور بن صُقَير، وهو ضعيف.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث: علي بن سلطان، بتاريخ (23) شعبان (1444 هـ) الموافق (15/ 3/ 2023 م) إلى ما انتهى إليه أبو داود من الضعف.

الحديث الثاني: حديث أنس رضي الله عنه، أخرجه الدُّولابي في «الكُنَى» رقم (1821): حدثنا مُعاوية بن صَالِح أَبو عُبَيد الله، قال: حدثنا مُحمد بن سَلَّام الجُمَحيُّ، مَولَى قُدَامَة بن مَظعون، قال: حدثنا زَائِدَة بن أَبي الرُّقَاد أَبو مُعَاذ، عَنْ ثَابِت، عَنْ أَنَس بن مَالِك قال: قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأُمِّ عَطيَّةَ: «إِذَا خَفَضْتِ فَأَشِمِّي ولا تَنهَكِي؛ فَإِنَّه أَشرَى لِلوَجْه وأَحظَى لِلزَّوج» .

وتابع معاوية بن صالح ثعلب، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (2253)، وتابعهما أبو خليفة وأحمد بن موسى.

وزائدة بن أبي الرُّقَاد منكر الحديث، قاله البخاري عمومًا.

وتابع ثابتًا الحسن، أخرجه الأصبهاني في «تاريخه» (3/ 346) وفي سنده إسماعيل بن أبي أمية، كان يضع الحديث، قاله الدارقطني.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث: علي بن سلطان بتاريخ (23) شعبان (1444 هـ) الموافق (15/ 3/ 2023 م) إلى ضعفه.

الحديث الثالث: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البزار في «مسنده» رقم (6178): حَدَّثنا سَهْل بن بحر، حَدَّثنا علي بن عَبد الحميد، حَدَّثنا مَنْدَلُ بْنُ

ص: 245

عَلِيٍّ، عَنْ ابْنِ جُرَيج، عَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ أُمَيَّة، عَنْ نافعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَر قَالَ: دَخَلَ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نِسْوة من الأنصار فقال: «يا نساء الأنصار، اختَضِبن خمسًا وَاخْفِضْنَ ولَا تُنْهِكْنَ؛ فَإِنَّهُ أَحْظَى عِنْدَ أَزْوَاجِكُنَّ، وَإِيَّاكُنْ وَكُفْرَ الْمُنَعَّمِينَ» قَالَ مَنْدَلٌ: يَعْنِي الأَزْوَاجَ.

وعلته: مَنْدل بن علي، ضعيف.

الحديث الرابع: حديث علي رضي الله عنه، أخرجه الخطيب البغدادي في «تاريخه» (14/ 232) رقم (4169): أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّاهِدُ بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ عَوْفُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ النِّعَالِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْيَقْطِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَغْلِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَتْ خَفَّاضَةٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا خَفَضْتِ فَأَشِمِّي وَلا تَنْهَكِي؛ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ لِلْوَجْهِ وَأَرْضَى لِلزَّوْجِ» .

وفيه علتان:

1 -

أبو البَخْتَري لم يَسمع من علي رضي الله عنه.

2 -

أبو تغلب لم يقف الباحث له على ترجمة.

ص: 246

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث: علي بن سلطان، بتاريخ (23) شعبان (1444 هـ) الموافق (15/ 3/ 2023 م): كل طرق حديث: «أَشِمي ولا تنهَكي» تالفة، ولا يصح بمجموعها، والله أعلم.

ص: 247

‌أول خفاض للبنات

قال البيهقي في «شعب الإيمان» (11/ 124) رقم (8277): أَخبَرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثنا الأَصَمُّ، حَدَّثنا أُسَيْدُ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثنا الْحُسَيْنُ يَعْنِي ابْنَ حَفْصٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَتْ أَجَرَ بِسَارَةَ فَأَعْطَتْ أَجَرَ إِبْرَاهِيمَ، فَاسْتَبَقَ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ، فَسَبَقَهُ إِسْمَاعِيلُ فَجلَسَ فِي حِجْرِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ سَارَةُ: أَظُنُّهُ وَاللهِ لأُغَيِّرَنَّ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَشْرَافٍ، فَخَشِيَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ تَجْدَعَهَا أَوْ تَخْرِمَ أُذُنَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَكِ أَنْ تَفْعَلِي شَيْئًا وَتَبَرِّي يَمِينَكِ، تَثْقُبِينَ أُذُنَيْهَا أَوْ تَخْفِضِيهَا، فَكَانَ أَوَّلَ الْخِفَاضِ هَذَا.

الخلاصة: أن إسناده حسن إلى علي رضي الله عنه لكن انتهى شيخنا مع الباحث: أبي البخاري بتاريخ (10) محرم (1444 هـ) الموافق (8/ 8/ 2022 م): لا يثبت عن رسول الله شيء وبين علي وإبراهيم آلاف السنين وفي المتن طعن في سارة عليها السلام وهو من الإسرائليات.

ص: 248

‌كيفية الأخذ من الشارب

1 -

قال البخاري في «صحيحه» (5893) - حَدثني مُحَمَّدٌ

(1)

، أَخبَرَنا عَبْدَةُ

(2)

، أَخبَرَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «انْهَكُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى» .

خالف عبدة اثنان:

1 -

ابن نمير.

2 -

يحيى القطان أخرجهما مسلم (259) وقالا: «أحفوا» بدل «أنهكوا» .

وتابعهما على الإحفاء متابعة قاصرة عن نافع:

1 -

عمر بن محمد بن يزيد أخرجه البخاري (5892) ومسلم (259).

2 -

أبو بكر بن نافع أخرجه مسلم (259) وأبي داود (4199)، والترمذي (2764).

3 -

عبد الرحمن بن علقمة أخرجه النسائي (5045).

(1)

قال ابن حجر في «فتح الباري» (10/ 295): قوله: «حدثني محمد» كذا للأكثر غير منسوب، ووقع في رواية أبي علي بن السكن:«حدثنا محمد بن سلام» وبه جَزَم المِزي في «الأطراف» .

(2)

وعبدة هو ابن سليمان ثقة وله رواية في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه الآتي، لكنه مُتابَع من جمع كبير.

ص: 249

وخالفهم حنظلة بن أبي سفيان وعنه ثلاثة اثنان بلفظ: «قصّ الشارب»

1 -

إسحاق بن سليمان أخرجه البخاري (5890).

2 -

المكي بن إبراهيم (5888).

وخالفهما ابن وهب فقال: «أخذ الشارب» أخرجه النسائي (12).

الخلاصة: أن الأرجح رواية الإحفاء

(1)

وإن حمل على أنه مبالغة في الأخذ فلا تعارض لحديث: «سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحْفَوْهُ المَسْأَلَةَ»

(2)

وكتب شيخنا مع الباحث إسماعيل بن حامد بتاريخ 27 محرم 1445 موافق 13/ 8/ 2023 م: لفظة الإنهاك يتجه إليها المقال والأكثرون على الإحفاء وبعدهما على القص.

2 -

قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (25493) - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ،

(1)

وهناك وجه آخَر في تفسير الإحفاء، هو أخذ ما زاد على طرف الشفة.

قال النووي في «شرحه على مسلم» (3/ 151):

وأما الشارب فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «أحفوا» و «انهكوا» وهو قول الكوفيين.

وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال، وقاله مالك وكان يَرى حلقه مُثلة ويأمر بأدب فاعله، وكان يَكره أن يؤخذ من أعلاه. ويذهب هؤلاء إلى أن الإحفاء والجز والقص بمعنى واحد، وهو الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة.

وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الأمرين. هذا آخِر كلام القاضي.

والمختار ترك اللحية على حالها وألا يُتعرض لها بتقصير شيء أصلًا. والمختار في الشارب ترك الاستئصال، والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة. والله أعلم.

(2)

أخرجه البخاري (6362) ومسلم (2359) من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 250

عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ» .

وتابع عبده جمع كبير -يحيى القطان ووكيع كما عند أحمد (19273، 19263) والمعتمر كما عند النسائي (5047)، وعبيد بن حميد أخرجه الترمذي (2761) ويعلى ومحمد ابنا عبيد كما في «المنتخب» (264).

خالفهم الربيع بن زياد الضبي فقال عن يوسف عن زيد العمي عن ابن عمر ذكره الدارقطني في «علله» (12/ 442) ورايتهم أصوب وقال الدارقطني عن رواية الجماعة: وهي الصواب.

وأسنده العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/ 195)«ترجمة مصعب بن سلام» فقال: وَمِنْ حَدِيثِهِ مَا حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَرْجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزِّبْرِقَانُ السَّرَّاجُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَارِبَهُ فَلَيْسَ مِنَّا»

(1)

.

(1)

وتأمل بيان الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3/ 379) في قوله: «فليس منا» حيث قال:

فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي نَفَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَتْ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ فِيهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ مَذْمُومَةً، فَكَانَ اللهُ عز وجل قَدِ اخْتَارَ لَهُ صلى الله عليه وسلم الْأُمُورَ الْمَحْمُودَةَ، وَنَفَى عَنْهُ الْأُمُورَ الْمَذْمُومَةَ، فَكَانَ مَنْ عَمِلَ الْأُمُورَ الْمَحْمُودَةَ مِنْهُ، وَمَنْ عَمِلَ الْأُمُورَ الْمَذْمُومَةَ لَيْسَ مِنْهُ.

كَمَا حَكَى عز وجل عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي ذُرِّيَّتِهِ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وَكَمَا قَالَ عز وجل مُخْبِرًا لِعِبَادِهِ فِي قِصَّةِ نَبِيِّهِ دَاوُدَ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] فِي أَمْثَالٍ لِهَذَا مَوْجُودَةٍ فِي الْكِتَابِ، مَعْنَاهَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا.

فَدَلَّ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ عَمَلًا عَلَى شَرِيعَةِ نَبِيِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ أَتْبَاعُهُ فَإِنَّهُ مِنْهُ، وَأَنَّ كُلَّ عَامِلٍ عَمَلًا تَمْنَعُ مِنْهُ شَرِيعَةُ نَبِيِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ أَتْبَاعُهُ لَيْسَ مِنْهُ; لِخُرُوجِهِ عَمَّا دَعَاهُ إِلَيْهِ، وَعَمَّا هُوَ عَلَيْهِ إِلَى ضِدِّ ذَلِكَ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.

ص: 251

تنبيه: قد يظن شخص أن الزبرقان تابع يوسف لكن قال العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/ 195): مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ انْقَلَبَتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ، جَعَلَهَا عَنِ الزِّبْرِقَانِ السَّرَّاجِ

الخلاصة: أن إسناد عبدة ومن تابعه صحيح وكتب شيخنا في تحقيقه «المنتخب» لعبد بن حميد: «صحيح» .

وقال مع الباحث إسماعيل بن حامد بتاريخ 27 محرم 1445 موافق 13/ 8/ 2023 م: إسناده صحيح.

ص: 252

‌هل عدم الأخذ من الشارب كبيرة؟

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (19263): حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ، وَوَكِيعٌ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ

(1)

، عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» .

وتابع يحيى بنَ سعيد جماعةٌ:

1 -

عُبيدة بن حُميد، أخرجه الترمذي (2761).

2 -

المُعتمِر بن سليمان، أخرجه النَّسَائي (5047)، والبزار (4332).

3 -

عَبْدة بن سليمان، أخرجه ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» (25493).

4 -

حمزة الزيات، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (7886).

خالف هؤلاءِ الخمسةَ خَلَّادُ بن يحيى الكوفي، فأدخل واسطة بين (حبيب وزيد بن أرقم) وهو (أبو رملة) وهو مجهول.

والخلاصة: أن رواية الجماعة هي الصواب، وعليه فالسند صحيح، وصححه الترمذي.

وكَتَب شيخنا مع الباحث: محمد الصغير، بتاريخ الخميس (17) شعبان

(1)

وتابع يوسفَ بن صُهيب الزِّبرقانُ السَّرَّاج، أخرجه الطبراني في «المعجم الصغير» (278) من طريق مصعب، وهو ضعيف، واستنكره أبو زُرْعَة.

ص: 253

(1444 هـ) الموافق (9/ 3/ 2023 م): حبيب بن يسار لا يحتمل مثل هذا المتن، وليس له إلا هذا الخبر. فالله أعلم.

ثم كَتَب لخطأ في الخارطة بجعل وكيع متابعًا ليوسف:

يعاد النظر بما حاصله أن الذي تفرد بالحديث عن حبيب هو يوسف، فتُبحَث ترجمته بدقة، ويُنظَر إلى السقط مرة أخرى.

ص: 254

‌فضل السواك

قال الإمام أحمد

(1)

في «مسنده» رقم (26340) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ

(2)

، قَالَ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«فَضْلُ الصَّلَاةِ بِالسِّوَاكِ، عَلَى الصَّلَاةِ بِغَيْرِ سِوَاكٍ، سَبْعِينَ ضِعْفًا» .

وهذا السند ربما يغتر به شخص كما اغتر الحاكم رحمه الله فصححه لكن أداة التحمل في قول ابن إسحاق (قَالَ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ)

(1)

تابع الإمام أحمد محمد بن يحيى، أخرجه ابن خُزيمة (137) وإبراهيم بن سعيد، أخرجه البزار في «مسنده» (108) وخلف بن سالم، أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 218).

(2)

ورواه معاوية بن يحيى الصدفي عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، وعنه أربعة:

1 -

إسحاق بن سليمان الرازي، أخرجه أبو يعلى (4738) وغيره.

2 -

محمد بن الحسن الواسطي، أخرجه البزار (109) وغيره.

3 -

إسحاق بن إسماعيل، أخرجه قوام السُّنة في «الترغيب والترهيب» (1567).

4 -

مسلمة بن علي وهو متروك، أخرجه تمام في «فوائده» (248).

وتابع الزُّهْريَّ أبو الأسود، كما عند البيهقي في «السُّنن الكبير» (160) وفي سنده الواقدي، متروك.

وتابع عروةَ عَمْرة بنت عبد الرحمن، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (161) وفي سنده أكثر من ضعيف، منهم حماد بن قيراط.

ص: 255

يفيد أن ثمة سقط. ومما يؤيد ذلك:

1 -

قول الإمام أحمد كما في «الإمام» (1/ 326): إذا قال ابن إسحاق: (وذكر) فلم يسمعه.

2 -

نصوص العلماء في كون ابن إسحاق أخذ الحديث من معاوية بن يحيى الصدفي في رحلة من العراق إلى الري ثم دلسه فأسقط معاوية انظر: «الجرح والتعديل» (1/ 330) لابن أبي حاتم. ونحوه هذا الكلام في «العلل» (3447) للدارقطني.

قَالَ ابن خزيمة: «أَنَا اسْتَثْنَيْتُ صِحَّةَ هَذَا الْخَبَرِ لِأَنِّي خَائِفٌ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَإِنَّمَا دَلَّسَهُ عَنْهُ» .

وقال البيهقي في «السنن الكبير» (1/ 62): وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا يُخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَدْلِيسَاتِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ فَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ.

وقال ابن معين كما في «التمهيد» (7/ 200) لابن عبد البر: لا يصح حديث الصلاة بأثر السواك أفضل من الصلاة بغير سواك وهو باطل.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث إسلام بن عبد التواب بن عبد الله الفيومي

(1)

بتاريخ 20/ من المحرم 1445 موافق 7/ 8/ 2023 م: إلى ضعفه.

(1)

وُلد بقرية «العضامي» التابعة لمركز أبشواي، بمحافظة الفيوم، بتاريخ (14/ 2/ 2002 م) وهو في الفرقة الرابعة بكلية الزراعة جامعة الفيوم، وسأله شيخنا عن دراسته في الحياة، فقال: مهندس إنتاج نباتي.

ص: 256

تنبيه: أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (29664) - حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«الذِّكْرُ الْخَفِيُّ الَّذِي لَا يَكْتُبُهُ الْحَفَظَةُ يُضَاعَفُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الذِّكْرِ سَبْعِينَ ضِعْفًا»

ووجه الربط بين الخبرين:

1 -

الصحابي واحد.

2 -

مضاعفة الأجر في ختام المتنين.

3 -

الأول مرفوع والثاني موقوف وعلته إبهام الراوي عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 257

‌كيفية استعمال سواك الآخر

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (246) قَالَ عَفَّانُ: حَدثنا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءَنِي رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ مِنْهُمَا.

ووصله البيهقي في «السنن الكبير» (171) - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ بِبَغْدَادَ، أنا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، ثنا عَفَّانُ به.

وتابع عفان علي بن نصر أخرجه مسلم في «صحيحه» (2271).

وتابع صخرًا أسامة بن زيد الليثي من رواية الجماعة- يعمر بن بشر كما عند أحمد (6226) وحبان بن موسى والحسن بن عيسى كما عند الإسماعيلي، وعبدان كما عند البيهقي في «السنن الكبير» (172) والحسين بن الحسن كما في «النوادر» (669) - عن ابن المبارك عنه.

وخالفهم نعيم بن حماد فاختصره أخرجه الطبراني في «الأوسط» (3218) حَدَّثنا بَكْرٌ

(1)

، قَالَ: حَدَّثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ

(1)

بكر هو ابن سهل، ضَعَّفه النَّسائي، وتابعه محمد بن إسماعيل الترمذي كما في «مكارم الأخلاق» (384). وتابعهما أبو حفص عمر بن موسى، كما في «الغيلانيات» (934).

ص: 258

أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَمَرَنِي جِبْرِيلُ أَنْ أُكَبِّرَ، أَوْ قَالَ: أَنْ قَدِّمُوا الكْبِيرَ

(1)

.

الخلاصة: أن الأصوب رواية الجماعة عن ابن المبارك بسبب الورود وعدم الاختصار.

وأشير عقب رواية البخاري للمعلق إلى اختصار نعيم هكذا: قَالَ أَبُو عَبدِ اللهِ: اخْتَصَرَهُ نُعَيْمٌ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

وانتهى شيخنا مع الباحث عبد الله بن أسامة التهامي بتاريخ 13 صفر 1445 موافق 29/ 8/ 2023 م: إلى صحة رواية الجماعة ونكارة رواية نعيم.

وللخبر شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه الإمام أبو داود في «سننه» رقم (50) - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثنا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَنُّ وَعِنْدَهُ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَأُوحِي إِلَيْهِ فِي فَضْلِ السِّوَاكِ، أَنْ كَبِّرْ، أَعْطِ السِّوَاكَ أَكْبَرَهُمَا.

وتابع محمد بن عيسى محمد بن بكار أخرجه البزار (82).

وتابع عنبسة عبد الله بن محمد بن زاذان وهو ضعيف وأورد ابن عدي هذا الخبر في ترجمته.

وخالفهما معمر في «جامعه» (19604) فأرسله. وقال أبو حاتم في «العلل» على طريق عبد الله بن محمد هذا خطأ وعبد الله ضعيف والصواب عن عروة

(1)

وقال الطبراني عقبه: لَمْ يَرْوِ هَذا الحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ إِلَّا أُسَامَةُ، تَفرَّدَ به ابْنُ الْمُبَارَكِ.

ص: 259

مرسلا.

والخلاصة: أن أبا حاتم رحمه الله ذكر طريقي معمر المرسلة وطريق عبد الله بن زاذان الموصولة الضعيفة ولم يتعرض لرواية عنبسة وسندها صحيح. وحسنها البخاري.

وانتهى شيخنا مع الباحث عبد الله بن أسامة التهامي بتاريخ 13 صفر 1445 موافق 29/ 8/ 2023 م: إلى اعتماد كلام أبي حاتم وهو الإعلال بالإرسال.

تنبيه: جمع الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 357): هذا يقتضي أن تكون القضية وقعت في اليقظة ويجمع بينه وبين رواية صخر أن ذلك لما وقع في اليقظة أخبرهم صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم تنبيها على أن أمره بذلك بوحي متقدم فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض ويشهد لرواية بن المبارك ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عائشة.

ص: 260

(يَشُوص فاه من الليل) هل مقيدة بالوضوء أو التهجد أو عموم الليل؟

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (245): حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.

وتابع عثمانَ إسحاق بن إبراهيم، كما عند مسلم (255).

وتابع جريرًا سفيان بن عيينة وعبيدة بن حميد.

ورواه الثوري بعطف حصين على منصور، كما عند البخاري (889) وكذلك بعطف الأعمش على حصين ومنصور، كما عند مسلم (255).

والخلاصة: أن في هذا الخبر ثلاثة ألفاظ ينبغي التنبيه عليها من حيث جمع الطرق:

1 -

«ليتهجد» رواها حصين بن عبد الرحمن عن أبي وائل، أخرجها البخاري (1136) ومسلم (255) وأشار مسلم إلى زيادتها.

2 -

«كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل» رواها أبو حصين وهو عثمان بن عاصم، عن أبي وائل. واختُلف على أبي حصين، فتارة القائل حذيفة رضي الله عنه، أخرجه النسائي (1634) من رواية أبي سنان سعيد بن سنان، وله أوهام. وتارة من قول أبي وائل الراوي عن حذيفة، أخرجه النسائي (1624) من رواية

ص: 261

إسرائيل بن يونس عن أبي حصين.

فالأرجح عن أبي حصين رواية إسرائيل، والأصوب في لفظ الحديث عمومًا هو الأول المتفق عليه من فعله صلى الله عليه وسلم.

3 -

«إذا قام من الليل يتوضأ» أخرجها ابن عَدي في «الكامل» (7/ 499) وفي سندها يحيى بن سلمة، متروك.

وانتهى شيخنا مع الباحث فاروق بن فاروق الحسيني، بتاريخ (17) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (6/ 6/ 2023 م) إلى أن هذه الاختلافات غير مؤثرة.

ص: 262

‌كتاب قضاء الحاجة

‌النهي عن استقبال القبلة واستدبارها

أخرج الإمام مسلم (265): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ، فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا» .

خالف عمرَ بن عبد الوهاب أميةُ بن بسطام

(1)

فقال: عن يزيد بن زريع، عن رَوح بن القاسم، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا

(2)

.

وتابع أميةَ بن بسطام متابعة قاصرة عن ابن عجلان تسعةٌ من الرواة: ابن

(1)

ومما يُرجِّح رواية أمية بن بسطام على رواية عمر بن عبد الوهاب:

1 -

أن أمية ابن عم يزيد، كما في «السِّير» (11/ 9).

2 -

وأنه أيضًا صاحب يزيد، كما قاله ابن عدي كما في «إكمال التهذيب» (2/ 267).

3 -

روى له البخاري ستة أحاديث، ومسلم تسعة وعشرين حديثًا.

4 -

وسَمِع من يزيد بن زُريع، قاله الإمام مسلم في «الكنى والأسماء» (1/ 133).

(2)

أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (1/ 313): أَخبرَنا أبو عبدِ اللَّه الحافظُ، أخبرَنا أبو بكرٍ أحمدُ بنُ سَلمانَ الفقيهُ، حدثنا عبدُ المَلِكِ بنُ محمدٍ الرَّقَاشِيُّ، حدثنا أُمَيَّةُ بنُ بسطام، حدثنا يَزيدُ بنُ زُرَيعٍ، حدثنا رَوح بنُ القاسِمِ، عن محمدِ بنِ عَجلانَ. فذَكَر مَعناه مِثلَ إسنادِه، إلا أنَّه قال: ونَهَى عن الرَّوْثِ والرِّمَّةِ، وأَمَرَ بثَلاثَةِ أحجارٍ.

ص: 263

المبارك كما عند أبي داود (8)، ويحيى القطان كما عند أحمد (7409)، والنسائي في «المجتبى» رقم (40)، وعبد الله بن رجاء كما عند ابن ماجه (312)، والليث بن سعد كما عند أبي عَوانة (582)، وسفيان بن عيينة كما عند الحميدي (1018)، وصفوان بن عيسى كما عند أبي عَوانة في «مستخرجه» (581)، وأبو غسان كما عند الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (6584)، ووُهيب بن خالد كما عند ابن خزيمة رقم (80)، وابن حبان (1975)، ورَوْح بن القاسم كما عند البيهقي في «السُّنن الكبير» (503)، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار كما في المصدر السابق (431).

ورواية ابن عجلان أصوب من رواية سُهيل لِما يلي:

1 -

من حيث التوثيق، فابن عجلان أوثق

(1)

فقد وثقه ابن عيينة وابن معين وأحمد وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي

وغيرهم.

2 -

من حيث كلام علماء العلل، فقد انتقده على الإمام مسلم أبو الفضل ابن عمار الشهيد، في «علل الأحاديث في صحيح مسلم» (ص/ 59 - 60) فقال: هذا حديث أخطأ فيه عمر بن عبد الوهاب الرياحي عن يزيد بن زريع؛ لأنه حديث يُعرَف بمحمد بن عجلان عن القعقاع، وليس لسُهيل في هذا الحديث أصل.

(1)

ومعلوم أن الكلام فيه يرجع إلى أمرين:

1 -

الكلام في روايته عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل عن أبي هريرة، فاختلطت عليه فجعلها عن أبي هريرة.

والحديث الذي معنا ليس منها.

2 -

اضطرابه في روايته عن نافع كما قال العُقيلي.

ص: 264

وقال الدارقطني في «التتبع» (17): وهذا غير محفوظ عن سُهيل بن أبي صالح، وإنما هو حديث ابن عجلان، حَدَّث به الناس عنه، منهم رَوح بن القاسم، كذا قال أمية بن بسطام عن يزيد.

وحَمَّل الحافظ المزي كما في «تحفة الأشراف» (9/ 4441) الوهم لعمر بن عبد الوهاب الرياحي.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أحمد بن عبد العاطي، بتاريخ (15) ذي القعدة (1444) الموافق (4/ 6/ 2023 م): كان من دقيق العلل، ولا يكاد يَتفطن شخص لمثل هذا، فأحيانًا يكون الحديث معروفًا من رواية راوٍ، ويأتي آخَر يَتوهم أنه متابِع، وليس كذلك بل وهم.

وانظر ما سبق في «سلسلة الفوائد» (1/ 419) في الربط بين المتنين والإشارة إلى الإعلال.

تنبيه: قال الشافعي عن الخبر: إنه ثابت. وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن عبد البر والنووي والعلامة الألباني وآخرون.

وللخبر شواهد، منها حديث أبي أيوب الأنصاري، وهو متفق عليه.

ص: 265

‌هل جملة: «مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ» في حديث ابن عمر رضي الله عنهما شاذة؟

أَخْرَجَ البخاري رقم (145): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخبَرَنا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ فَلَا تَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ المَقْدِسِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَقَدِ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى لَبِنَتَيْنِ، مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ المَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ، وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللهِ.

قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي الَّذِي يُصَلِّي وَلَا يَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ، يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالأَرْضِ.

وتابع مالكًا جماعة:

1 -

يزيد بن هارون، أخرجه البخاري (145).

2 -

سليمان بن بلال، أخرجه مسلم رقم (266).

3 -

أنس بن عياض، أخرجه أبو عَوانة (514).

4 -

هشيم، أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» (2592).

5 -

الأوزاعي، أخرجه ابن ماجه (322).

ص: 266

وخالفهم حفص بن غياث فقال: «مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ» فيما أخرجه الإمام ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (1621): حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا يَقْضِي حَاجَتَهُ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ.

وتابع يحيى بنَ سعيد عبيدُ الله بن عمر، أخرجه البخاري (148)، ومسلم (266).

وخالف يحيى وعبيدَ الله محمدُ بن عجلان فقال: «محجوبًا عليه بلَبِن مُستقبِل القبلة» أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (6594).

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن عيد، بتاريخ الأربعاء (20) شوال (1444 هـ) الموافق (10/ 5/ 2023 م) إلى شذوذ:«مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ» . وكَتَب على لفظ ابن عجلان: شذ ابن عجلان باللفظة، والله أعلم.

ص: 267

‌فضل الانحراف عن القِبلة في قضاء الحاجة

قال الطبراني في «الأوسط» رقم (1321): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ الْمُوصِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ الْجَرْمِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَمْ يَسْتَدْبِرْهَا فِي الْغَائِطِ، كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ وَمُحِيَ عَنْهُ سَيِّئَةٌ» .

أصله عند مسلم رقم (265): وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ- يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ- حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ، فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا» .

ووَجْه الربط بين الخبرين:

1 -

من حيث السند فالصحابي واحد لكن المخارج متسعة.

2 -

من حيث المتن، اشتركا في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة.

3 -

افترقا في لفظ: «كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ، وَمُحِيَ عَنْهُ سَيِّئَةٌ» ولم يرد في أبواب استقبال القبلة إلا في هذا الحديث.

ص: 268

والخلاصة:

من حيث القَبول فأمران:

أ-صحة سند الطبراني، وهو اختيار العلامة الألباني رحمه الله.

ب-اتساع المخرج.

ومن حيث الرد أمران:

1 -

فمن حيث السند ففي سند الطبراني إبراهيم بن طهمان، وهو ثقة يغرب. وكذلك حسين بن ذَكوان المعلم، وهو مع ثقته إلا أنه يضطرب كما قال القطان والعُقيلي.

وقول الطبراني عقبه: لَمْ يَرْوِ هَذا الحَديثَ عَنْ يَحْيَى إِلاَّ حُسَيْنٌ، وَلَا عَنْ حُسَيْنٍ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ، وَلَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا الْقَاسِمُ، تَفرَّدَ به أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ.

فيَرى الباحث أنهما لا يتحملان التفرد بهذه الفضيلة.

ب-لم تأتِ هذه الفضيلة في الأحاديث الثابتة في النهي عن الاستقبال أو الاستدبار.

ت-تَفرُّد الطبراني.

وكَتَب شيخنا مع الباحث إبراهيم بن فراج أبي الحسن، بتاريخ (6) محرم (1445 هـ) الموافق (24/ 7/ 2023 م): متن الطبراني غريب والله أعلم. أما عن المخارج فالمخارج متسعة.

ص: 269

‌هل بال النبي صلى الله عليه وسلم في إناء؟

قال الإمام النسائي في «سُننه الكبرى» رقم (6418): أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ، لَقَدْ دَعَا بِالطَّسْتِ لِيَبُولَ فِيهَا، فَانْخَنَثَتْ نَفْسُهُ صلى الله عليه وسلم، وَمَا أَشْعُرُ فَإِلَى مَنْ أَوْصَى.

وتابع عمرَو بن علي على زيادة: «لِيَبُولَ فِيهَا» :

1 -

نصر بن علي، أخرجه ابن حبان (6603).

2 -

العباس بن محمد الدُّوري، أخرجه البيهقي في «الكبرى» (480).

وخالفهم عبد الله بن محمد فلم يَذكر الزيادة، أخرجه البخاري (4459).

فالأرجح عن أزهر إثبات الزيادة.

وتابعه عليها ثلاثة:

1 -

وهيب بن خالد، أخرجه أبو عوانة (4642) بلفظ:«فبال فيها» .

2 -

محمد بن عبد الله الأنصاري.

3 -

معاذ بن معاذ العنبري.

أخرجهما ابن سعد في «الطبقات» (2209).

ص: 270

4 -

سليم بن أخضر من رواية حميد بن مسعدة عنه، أخرجه الترمذي في «شمائله» (387) وفيه:«ليبول فيها ثم بال فمات» .

وخالف حميدًا أحمد بن عبدة الضبي وهو أثبت منه، فلم يَذكر الزيادة. أخرجه ابن خزيمة (65).

وخالف هؤلاء الثلاثة سليم في الوجه المرجوح عنه اثنان من جبال الحفظ:

1 -

ابن علية، أخرجه البخاري (2741) ومسلم (1636) وابن ماجه (1626)، وأحمد (24039) وغيرهم.

2 -

حماد بن زيد، أخرجه النسائي (3625).

والخلاصة: أن الخبر متفق عليه دون الزيادة، والذي يَظهر لي أنها مدرجة أو مرجوحة وإن كان إسنادها صحيحًا، وقصة الطست في مرض موته صلى الله عليه وسلم كان للغسل.

وأما شيخنا فكَتَب مع الباحث حلمي بن سعد المنوفي، بتاريخ (7) رجب (1444 هـ) الموافق (29/ 1/ 2023 م): يبدو - والله أعلم- أن رواية (فبال فيها) مرجوحة. والله أعلم.

وفي‌

‌ ذكر البول في الإناء

خبران آخران ضعيفان:

أحدهما: من طريق حُكيمة بنت أُميمة عن أمها، أخرجه النسائي في «سننه الكبرى» رقم (31): أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّقِّيُّ الْوَزَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ - قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرْتِنِي حُكَيْمَةُ بِنْتُ أُمَيْمَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ قَالَتْ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدَحٌ مِنْ عِيدَانٍ يَبُولُ فِيهِ، وَيَضَعُهُ تَحْتَ

ص: 271

السَّرِيرِ.

وتابع أيوبَ بن محمد خمسة - وعند ثلاثة منهم زيادة: فيما أخرجه أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (6/ 3263) رقم (7517): حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ الْحَذَّاءُ الرَّقِّيُّ، ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ح، وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيُّ، ثَنَا أَيُّوبُ الْوَزَّانُ، ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَتْنِي حُكَيْمَةُ بِنْتُ أُمَيْمَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبُولُ فِي قَدَحِ عِيدَان ثُمَّ يَرْفَعُ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَبَالَ فِيهِ، فَأَرَادَهُ فَإِذَا الْقَدَحُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَقَالَ لِامْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: بَرَكَةُ، كَانَتْ تَخْدُمُ أُمَّ حَبِيبَةَ، جَاءَتْ بِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ:«أَيْنَ الْبَوْلُ الَّذِي كَانَ فِي الْقَدَحِ؟» قَالَتْ: شَرِبْتُهُ، قَالَ:«وَلَقَدِ احْتَظَرْتِ مِنَ النَّارِ بِحِظَارٍ» .

والخلاصة: أن مدار الخبر على حُكيمة بنت أميمة، وقال فيها الذهبي وابن حجر: غير معروفة. وانتهى شيخنا مع الباحث حلمي بن سعد المنوفي، بتاريخ (7) رجب (1444 هـ) الموافق (29/ 1/ 2023 م) إلى ذلك.

الثاني: من حديث أم أيمن، أخرجه أبو يعلى كما في «المطالب العالية» رقم (3823)

(1)

: وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثَنَا سِلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَّارَةٌ يَبُولُ فِيهَا، فَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَصْبَحَ يَقُولُ:«يَا أُمَّ أَيْمَنَ، صُبِّي مَا فِي الْفَخَّارَةِ» فَقُمْتُ لَيْلَةً وَأَنَا عَطْشَى، فَشَرِبْتُ مَا فِيهَا، فَقَالَ

(1)

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (4/ 303) وفي سنده فاطمة بنت ناصر، مجهولة لدى الباحث.

ص: 272

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أُمَّ أَيْمَنَ، صُبِّي مَا فِي الْفَخَّارَةِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُمْتُ وَأَنَا عَطْشَى فَشَرِبْتُ مَا فِيهَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّكِ لَنْ تَشْتَكِي بَطْنَكِ بَعْدَ يَوْمِكِ هَذَا أَبَدًا» .

وعلى فرض سلامة هذا السند من التصحيف

(1)

وحُسنه، إلا أن الدارقطني في «العلل» (4106) لم يَذكر هذا السند، لكن قال: رواه أبو مالك النَّخَعي

(2)

عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أم أيمن، به.

وتارة أبو مالك عن الأسود بن قيس عن نُبيح العَنَزي عن أم أيمن، به. ثم قال: وأبو مالك ضعيف والاضطراب فيه من جهته.

وقال في «الغرائب والأفراد» : تَفرَّد به أبو مالك عبد الملك بن حسين عن الأسود.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث حلمي بن سعد المنوفي، بتاريخ (7) رجب (1444 هـ) الموافق (29/ 1/ 2023 م) إلى ضعفه.

(1)

فهنا الحسين بن حريث، واسم أبي مالك عبدُ الملك بن حسين.

(2)

قال ابن حجر في «الإصابة» (8/ 213): وأَخْرَج ابن السكن من طريق عبد الملك بن حصين عن نافع بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن أم أيمن قالت: «كان للنبي صلى الله عليه وسلم فخارة يبول فيها بالليل

».

تنبيه: في السند تصحيف في (حصين عن نافع بن) وهو (

بن حسين عن يعلى بن

).

ص: 273

‌كتاب الوضوء

‌العمل بالأحوط في ترك الوضوء من الماء المشبته

قال الإمام عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (103): عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:«نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَكْشِفَ سِتْرًا، أَوْ نَكُفَّ شَعْرًا، أَوْ نُحْدِثَ وُضُوءًا» . قَالَ: قُلْتُ لِيَحْيَى: قَوْلُهُ: «أَوْ نُحْدِثَ وُضُوءًا» قَالَ: إِذَا وَطِئَ نَتِنًا وَكَانَ مُتَوَضِّئًا. قَالَ: وَقَوْلُهُ: «وَلَا نَكْشِفُ سِتْرًا» يَقُولُ: لَا يَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ يَدِهِ إِذَا سَجَدَ

وعلته الانقطاع بين أبي عبيدة وابن مسعود.

وله طريقان آخران:

الأول: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (102): عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ:«كُنَّا لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ، وَلَا نَكْشِفُ سِتْرًا، وَلَا نَكُفُّ شَعْرًا» . قَالَ: قَوْلُهُ: «وَلَا نَكْشِفُ سِتْرًا» : يَدَهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا الثَّوْبُ فِي الصَّلَاةِ. وعِلته قول ابن جُريج: (أُخبرت).

الثاني: أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (8052): حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«كُنَّا لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ وَلَا نَكُفُّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا فِي الصَّلَاةِ» .

وتابع أبا معاوية وابن إدريس سفيانُ بن عيينة، أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (101) وغيره.

ص: 274

ورواية الأعمش عن أبي وائل في «الصحيحين» وعليه فظاهر هذا السند الصحة، إلا أن هذه الرواية مستثناة، لم يَسمعها الأعمش من أبي وائل، قاله الإمام أحمد. وقال ابن خزيمة في «صحيحه» (1/ 25):«هَذَا الْخَبَرُ لَهُ عِلَّةٌ، لَمْ يَسْمَعْهُ الْأَعْمَشُ مِنْ شَقِيقٍ، لَمْ أَكُنْ فَهِمْتُهُ فِي الْوَقْتِ» .

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن عبد الفتاح، بتاريخ (2) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (17/ 9/ 2023 م) إلى ضعفه لتدليس الأعمش.

ص: 275

‌استحباب السواك عند الوضوء

قال الإمام في «مسنده» رقم (9928): قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» .

وتابع ابن مهدي رَوح بن عبادة وبِشر بن عمر والقعنبي، وهو في «الموطأ» هكذا: رقم (115): وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:«لوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ، لَأَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» .

خالفهم ابن وهب فقال: «مع كل صلاة» أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (233).

ورواه على الشك بلفظ (الوضوء) أو (الصلاة):

1 -

قتيبة بن سعد، أخرجه النسائي (3032).

ورواه جماعة - حماد بن مسعدة وخالد بن الحارث وابن المبارك

(1)

-عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة باللفظين، فليُحرَّر.

2 -

ابن القاسم، أخرجه النسائي (3033).

(1)

ورواه جماعة: يحيى بن سعيد وهشام بن حسان وأبو أسامة وابن نُمير بالصلاة.

ص: 276

تنبيه: اتفق الأئمة الأربعة على استحباب التسوك عند الوضوء، واختلفوا في التسوك للصلاة، مع أن رواية الصلاة متفق عليها في «الصحيحين» .

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث مع الغنامي، بتاريخ (24) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (17/ 1/ 2023 م) على رواية الجماعة عن مالك: سند صحيح، يَبقى النظر في سند:«عند كل صلاة» من وجوه أُخر.

ثم عَرَضه الباحث بتاريخ (3) رجب (1444 هـ) الموافق (25/ 1/ 2023 م) فكان أقوى طريق بذكر «عند كل صلاة» وأيضًا «مع كل صلاة» هو طريق مالك عند البخاري (887) وغيره، وسفيان بن عيينة عند مسلم (252) وغيره، كلاهما عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

وتابع الأعرج أبو سلمة

(1)

أخرجه الترمذي (12) وغيره.

وانتهى شيخنا إلى صحة الوجهين وأنهما حديثان بالوضوء والصلاة.

تنبيه: لم يقف الباحث على أحد أَعَل طريق الوضوء بطريق الصلاة، بل يتعامل العلماء على أنهما حديثان فقهًا وحديثًا.

(1)

رواه أيضًا أبو سلمة عن غير أبي هريرة، واختَلف العلماء أهما حديثان أو حديث واحد، رَجَّح الترمذي الأول.

ص: 277

‌الوضوء مرة مرة

قال الإمام البخاري (140): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ بِلَالٍ- يَعْنِي سُلَيْمَانَ- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى، فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ، يَعْنِي اليُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ.

وتابع سليمانَ بن بلال على تفصيل الرواية ورقاء وروح كما سيأتي.

ورواه ثلاثة آخرون: «توضأ مرة مرة» مختصرًا هكذا، أخرجه البخاري (157): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ

(1)

، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ

(2)

،

(1)

وتابع محمدَ بن يوسف: يحيى القطان ووكيع وأبو عاصم وعُبيد الله بن موسى

وغيرهم. وخالفهم قبيصة بن عقبة فزاد: «ونَضَح فرجه» أخرجه الدارمي (736) والبيهقي في «الكبرى» (772) وقال: تَفرَّد به (بهذا اللفظ) قبيصة عن سفيان، ورواه جماعة عن سفيان دون هذه الزيادة.

(2)

رواه الضحاك بن شُرحبيل عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر: رأيت رسول الله توضأ مرة مرة. أخرجه أحمد (151، 153) وغيره.

ورواه عبد الله بن سنان الزُّهْري عن زيد عن ابن عمر عن أبيه.

وأَعَلهما الترمذي وأبو حاتم والعُقيلي والبزار وابن عدي. وقال الدارقطني في «علله» (1/ 179): كلاهما وهم.

ص: 278

عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً» .

وتابع الثوريَّ داود بن قيس، كما عند عبد الرزاق (127) وكذلك معمر

(1)

.

والخلاصة: أن الرواية المجملة محمولة على المفصلة، وإن كان الأصح والأكثر على «مرة مرة» وانتهى شيخنا مع الباحث أبي البخاري، بتاريخ (11) صفر (1445 هـ) الموافق (27/ 9/ 2023 م) إلى صحة السياقين.

تنبيه: قال ابن القيم في «الفروسية» (ص/ 192): رُوي حديث وضوء النبي صلى الله عليه وسلم «توضأ مرة مرة» وقال في رواية مهنا-أي: عن الإمام أحمد-: الأحاديث فيه ضعيفة. ا هـ.

وفي «مسائل أحمد» رواية ابن هانئ (ص: 50): سمعتُ أبا عبد الله يقول: الوضوء مرة مرة يجزئ، وإن توضأ ثلاثًا أحبُّ إلينا، [و] هو الذي لا اختلاف فيه.

وإن صح نقل ابن القيم عن الإمام أحمد فهو محجوج بصحة الرواية، وقد صححها البخاري، وقال الترمذي: حديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح. ا هـ.

ولا شك أن النقل عن الإمام أحمد من أصل الرواية مُقدَّم على النقل بواسطة، ومما يؤيد ذلك رواية أبي داود (35) وصالح (542) وعبد الله (87).

(1)

وانظر طرقًا أخرى في مسح الأذنين.

ص: 279

وقال ابن المنذر في «الإجماع» (ص: 34): أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم، على أن مَنْ توضأ مرة مرة فأسبغ الوضوء، أن ذلك يجزيه؛ لأن الله جل ذكره قال:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الآية، فأَمَر بغسل الوجه، ومَن غسله مرة يقع عليه اسم غاسل، ومَن وقع عليه اسم غاسل فقد أدى ما عليه.

ص: 280

‌غَسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثًا

قال الإمام البخاري رقم (185): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ- وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى-: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ. فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.

وتابع عبدَ الله بن يوسف عبدُ الله بن مسلمة، أخرجه أبو داود (118).

وتابع مالكًا جماعة:

1 -

خالد بن عبد الله، أخرجه البخاري (191)، ومسلم (235).

2 -

عبد العزيز بن أبي سلمة، أخرجه البخاري (197).

3 -

سليمان بن بلال، أخرجه البخاري (199).

4 -

سفيان بن عيينة، واختُلف عليه:

*-فابن أبي عمر كالجماعة، أخرجه الترمذي (47).

*-وخالفه محمد بن منصور ففَصَّل، أخرجه النسائي (99) غَسَل الوجه

ص: 281

ثلاثًا ويديه، ورأسه ورجليه مرتين.

*-ورواه حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد، أخرجه مسلم (236)، وأحمد (16459).

*-ورواه فُليح بن سليمان مختصرًا، أخرجه البخاري «صحيحه» رقم (158): حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ.

وتابع يونسَ بنَ محمدَ سريجٌ، أخرجه أحمد (16464).

الخلاصة: أن رواية فُليح مجملة، مُبيَّنة في رواية غيره. وكَتَب شيخنا مع الباحث إسماعيل بن حامد، بتاريخ (17) محرم (1444 هـ) الموافق (15/ 8/ 2022 م): الجمع أولى من التوهيم، وذلك لاتساع المخارج. والله أعلم.

ثم عَرَضه الباحث أبو البخاري، بتاريخ (1) صفر (1445 هـ) الموافق (17/ 8/ 2023 م) فقال شيخنا لي بعدما أطلعتُه على النتيجة السابقة: أتراجع عنه واكتب: الاختصار أخل بالمعنى، والذي اختصر هو فليح، وهو من رجال البخاري المتكلم فيهم ولا يتحمل.

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 259): وَفُلَيْحٌ وَمَنْ فَوْقَهُ مَدَنِيُّونَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ ابْنُ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ، وَحَدِيثُهُ هَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ مَشْهُورٍ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَمَا سَيَأْتِي بَعْدُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ الْغَسْلُ مَرَّتَيْنِ إِلَّا فِي الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ.

ص: 282

‌هل ثَبَت عن ابن عمر أنه كان يَبلغ إبطيه في الوضوء؟

قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (604): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا بَلَغَ بِالْوُضُوءِ إِبْطَهُ فِي الصَّيْفِ».

وتابع العمريَّ وهو عبد الله بن عمر، المُصغَّر الرواية المُكبَّر الاسم وهو ضعيف، محمدُ بن عجلان، أخرجه أبو عُبيد في «الطهور» رقم (24): حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ فِي الصَّيْفِ، فَرُبَّمَا بَلَغَ فِي الْوُضُوءِ إِبْطَيْهِ.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أبي البخاري، بتاريخ (25) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (10/ 10/ 2023 م) إلى تحسينه بطريقيه، وأنه لم يكن عادة لابن عمر رضي الله عنه.

ص: 283

‌صفة مسح الرأس

ورد عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، وأَمْثَلُها ما أخرجه الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (186)

(1)

: حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ.

وتابع وهيب بن خالد جماعة، وهم:

1 -

عبد العزيز الماجشون، أخرجه البخاري (197).

2 -

خالد الواسطي، أخرجه البخاري (191)، ومسلم (235).

3 -

عبد العزيز الدراوردي، أخرجه الدارمي (719).

4 -

محمد بن فليح، وهو من رجال البخاري المُتكلَّم فيهم، أخرجه الدارقطني في «سُننه» (270).

5 -

خارجة بن مصعب- وهو ضعيف - أخرجه الطيالسي (1198).

(1)

وكذلك أَخْرَج رواية وهيبٍ مسلم (235).

ص: 284

6 -

سليمان بن بلال، وفيه:«فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَدْبَرَ بِهِ وَأَقْبَلَ»

(1)

أخرجه البخاري (199)، ومسلم (235) ولم يَسُق لفظه.

7 -

ابن عيينة، كما عند أحمد (16715) ولفظه:«فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ، وَوَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ» سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ: غَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ مَرَّةً:«مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً» وَقَالَ مَرَّتَيْنِ: «مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ» وهي رواية شاذة

(2)

.

ورواه أصحاب الإمام مالك

(3)

-يحيى بن يحيى والشافعي وابن مهدي وعبد الرزاق، ومعن بن عيسى وابن مسلمة وعبد الله بن يوسف وابن القاسم وابن وهب

وغيرهم

(4)

-عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ- وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: نَعَمْ. فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.

(1)

وهذه هي المشهورة في العمل بها في أيامنا.

(2)

وسَبَق تفصيلها في الألفاظ الشاذة.

(3)

كما في «الموطأ» (32) ومن طريقه أخرجه البخاري (185) ومسلم (235).

(4)

خالفهم في اللفظ.

ص: 285

وخالف مالكٌ الجماعةَ في لفظين:

1 -

«فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» والجماعة بالغسل ثلاثًا. وتَكلَّم عليها ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 292): كذا بتَكرار «مرتين» ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل اليدين مرتين، لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زيد، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وفيه:«ويده اليمنى ثلاثًا، ثم الأخرى ثلاثًا» فيُحمَل على أنه وضوء آخَر لكَوْن مَخرج الحديثين غير متحد.

2 -

«فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ» وأشار إليها الإمام مسلم

(1)

فقال: وحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ: مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ. وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ.

وخالف أصحابَ مالك عثمانُ بن عمر، فجَعَل صفة المسح من فعل الإمام مالك، كما عند أحمد في «مسنده» (16443): قَالَ عُثْمَانُ: مَسَحَ مَالِكٌ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا».

ومما يؤيد ذلك فتوى مالك في تعميم مسح الرأس، كما في «الاستذكار» (2/ 30): قال مالك: والفرض مسح جميع الرأس.

الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث أبي البخاري، بتاريخ (27) صفر

(1)

في حين اختار ابن حجر عدم الإدراج، وعليه عَمَل جمهور الفقهاء.

ص: 286

(1445 هـ) الموافق (12/ 9/ 2023 م) عن الزيادة الأولى: الأصح - والله أعلم- عن عمرو بن يحيى: ثلاثًا ثلاثًا.

وكَتَب عن الزيادة الثانية: هل هناك غير عبد الله بن زيد روى في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

؟ مِنْ أين نبدأ في مسح الرأس؟

ثم أورد الباحث حديث علي بن أبي طالب، وحديث المقدام ومعاوية وعائشة والربيع وطلحة بن يحيى عن أبيه عن جده، وكلها ضعيفة إلا حديث علي، ففيه زيادة زائدة بن قُدامة

(1)

.

(1)

أخرجه ابن حِبان في «صحيحه» رقم (1056):

أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: صَلَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ- الْفَجْرَ، ثُمَّ دَخَلَ الرَّحَبَةَ، فَدَخَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَتَاهُ الْغُلَامُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ، فَأَخَذَ الْإِنَاءَ بِيَمِينِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَسَارِهِ، فَغَسَلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، غَسَلَ كَفَّيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الْإِنَاءَ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ، فَغَرَفَ مِنْهُ مَاءً، فَمَلَأَ فَاهُ فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا مُقَدَّمَهُ وَمُؤَخَّرَهُ، ثُمَّ أَدْخَلَ الْيُمْنَى، فَأَفْرَغَ عَلَى قَدَمِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَغَسَلَ الْأُخْرَى، ثُمَّ قَالَ:«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَذَا وُضُوءُهُ» .

وتابع أبا الوليد الحسينُ بن عليٍّ الجُعْفِيّ، أخرجه أبو داود (112) وغيره.

وخالفهم ابن مهدي وابن المبارك، فروياه عن زائدة مقتصرًا على مسح الرأس دون تفصيل.

ورواه شعبة واختُلف عليه، فرواه عنه غُندر مختصرًا دون محل الشاهد عند أبي داود (113) ورواه عنه يزيد بن زُريع، وفيه:«فمَسَح برأسه» دون تفصيل. ورواه الطيالسي بلفظ مخالف، هكذا:«ثم مَسَح رأسه وأقبل بيديه على رأسه، ولا أدري أدبر بهما أم لا» وتَفرَّد ب «وغَسَل وجهه ثلاثًا بيد واحدة» .

ورواه ابن المبارك عن شعبة بلفظ: «فمَسَح برأسه» وأشار شعبة مرة من ناصيته إلى مؤخر رأسه، ثم قال: لا أدري أَرَدَّهما أم لا.

ورواه يحيى القطان «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، - وَصَفَ يَحْيَى: فَبَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، قَالَ: وَلا أَدْرِي أَرَدَّ يَدَهُ أَمْ لَا -» .

ورواه حَجاج عن شعبة وفيه: «

ثم مَسَح رأسه. قال حَجاج: فأشار بيده مِنْ مقدم رأسه إلى مؤخر رأسه. قال: ولا أدري أردهما إلى مقدم رأسه أم لا.

واختار شيخنا مع الباحث أبي البخاري إدراج صفة المسح في رواية شعبة. ونَقَل الباحث عن النسائي وغيره خطأ شعبة في تسمية شيخه خالد بن علقمة بمالك بن عرفطة.

ص: 287

وقال شيخنا مع الباحث أبي البخاري، بتاريخ (5) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (20/ 9/ 2023 م): هذا مثال حي للزيادة المردودة.

تنبيه: تَمحَّص مما سبق أن أسلم الروايات هي رواية الجماعة في صفة مسح الرأس، وهي:«أَقْبَلَ بيديه وأدبر بهما» وخالفهم مالك فزاد: «بدأ بمُقدَّم رأسه

» وعليها عمل جمهور الفقهاء، من المالكية والشافعية والحنابلة، وجعلوا رواية مالك موضحة لقوله:«أقبل بيديه وأدبر بهما» وقالوا: الواو لا تقتضي الترتيب.

ص: 288

‌صفة مسح ابن عمر وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهما الرأس في الوضوء

*-أما أثر ابن عمر رضي الله عنهما، فأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (136): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً.

وتابع ابنَ نُمير يحيى الأموي، أخرجه الدارقطني في «سننه» رقم (376) ولفظه:«أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ رَفَعَ الْقَلَنْسُوَةُ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ» .

وتابع يحيى بنَ سعيد الأنصاري ثلاثةٌ:

1 -

عبد ربه، أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (8)، ومن طريقه ابن المنذر في «الأوسط» (386) ولفظه:«أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّةً» .

2 -

أيوب السَّختياني، أخرجه ابن أبي شيبة في «الأوسط» (154) ولفظه:«أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ هَكَذَا» ، وَوَضَعَ أَيُّوبُ كَفَّهُ وَسَطَ رَأْسِهِ، ثُمَّ أَمَرَّهَا إِلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ».

3 -

محمد بن ثابت وهو ضعيف، أخرجه أبو عُبيد في «الطهور» (84) ولفظه:«سُئِلَ نَافِعٌ وَأَنَا شَاهِدٌ: كَيْفَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ؟ قَالَ: «مَسْحَةً وَاحِدَةً. وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى هَامَتِهِ، ثُمَّ مَسَحَ إِلَى مُقَدِّمَةِ رَأْسِهِ» .

ص: 289

الخلاصة: أن الروايات أسانيدها صحيحة ويُبيِّن بعضها بعضًا.

*-أما أثر سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، فأخرجه ابن سعد في «الطبقات» (4/ 307): أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، وَنَضَحَ بِيَدِهِ جَسَدَهُ وَثِيَابَهُ. (وإسناده صحيح).

قال ابن المنذر في «الأوسط» (1/ 394): بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ أَقُولُ؛ لِأَنَّهُ أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ، وَيُجْزِي مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ.

فائدة: قال الفيومي في «المصباح» (م/ ب ع ض): وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: «الْبَاءُ لِلتَّبْعِيضِ» فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ، فَيَكْفِي أَنْ تَقَعَ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَعْضٌ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَقَالُوا: الْبَاءُ هُنَا لِلتَّبْعِيضِ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ، وَنَصَّ عَلَى مَجِيئِهَا لِلتَّبْعِيضِ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي «أَدَبِ الْكَاتِبِ» وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ جِنِّي، وَنَقَلَهُ الْفَارِسِيُّ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي «شَرْحِ التَّسْهِيلِ» وَتَأْتِي الْبَاءُ موافقة مِنَ التَّبْعِيضِيَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِمُشْكِلَاتِ مَعَانِي الْقُرْآنِ: وَتَأْتِي الْبَاءُ بِمَعْنَى «مِنْ» تَقُولُ الْعَرَبُ: «شَرِبْتُ بِمَاءِ كَذَا» أَيْ: مِنْهُ، وَقَالَ تَعَالَى:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] أَيْ: مِنْهَا

وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْبَابَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَقَالَ: إنَّ الْبَاءَ تَقَعُ مَوْقِعَ «مِنْ» وَ «عَنْ» وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: «سَقَاكَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَاءِ كَذَا» أَيْ: بِهِ، فَجَعَلُوهُمَا بِمَعْنًى.

وَذَهَبَ إلَى مَجِيءِ الْبَاءِ بِمَعْنَى التَّبْعِيضِ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ اللِّسَانِ،

ص: 290

وَقَالَ بِمُقْتَضَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ، حَيْثُ لَمْ يُوجِبَا التَّعْمِيمِ، بَلْ اكْتَفَى أَحْمَدُ بِمَسْحِ الْأَكْثَرِ فِي رِوَايَةٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ بِمَسْحِ الرُّبْعِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّبْعِيضِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَجَعْلُهَا فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى التَّبْعِيضِ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِزِيَادَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ.

ص: 291

‌هل ثَبَت شيء مرفوع في مسح الأذنين؟

ورد عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، وكلها لا تخلو من ضعف، وذلك بالدراسة المقارنة:

* الحديث الأول: حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه، وله عنه طريقان:

أ-عمرو بن يحيى عن أبيه، فرواه عنه سبعة وَهُمْ: مالك

(1)

ووهيب وسليمان بن بلال وخالد بن عبد الله وابن عيينة والدراوردي ومحمد بن فُليح. وعندهم: «مَسَح رأسه ثم غَسَل رجليه» .

ورواه عبد العزيز الماجشون وعنه أربعة

(2)

، كرواية الجماعة السابقة.

ورواه هاشم بن القاسم واختُلف عليه، فرواه القاسم بن سَلَّام في «الطهور» (92) كرواية السابقين، وخالفه الإمام أحمد في «مسنده» (16719) وزاد «مسح الأذنين» .

ب-حبان بن واسع عن أبيه، وعنه طريقان:

1 -

عمرو بن الحارث وعنه ابن وهب، واختُلف عليه، فرواه ثمانية من الرواة

(1)

أخرجه البخاري (185) ومسلم (235).

(2)

وَهُمْ: أحمد بن يونس كما عند البخاري (197) وأبو الوليد وسهل بن حماد، كلاهما عند أبي داود (100) وصالح بن محمد، أخرجه ابن حبان (1093).

ص: 292

-هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن السرح

(1)

وحجاج الأزرق وسُريج بن النعمان وعلي بن خشرم وابن أخي بن وهب وحرملة بن يحيى في الوجه الأصح عنه -

وخالفهم الهيثم بن خارجة، كما عند البيهقي في «السنن الكبرى» (310) وزاد «مسح الأذنين» وتابعه عليها بالعطف عبد العزيز بن عمران وحرملة بن يحيى، كما عند الحاكم (538) وفي سنده ابن أبي عبيد، مُتكلَّم فيه، وسبقت رواية حرملة عند ابن حبان وغيره دون مسح الأذنين.

2 -

ابن لهيعة، أخرجه أحمد (16732) وفيه:«وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَبَرَ مِنْ فَضْلِ يَدِهِ»

(2)

.

* الحديث الثاني: حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعنه خمسة رواة:

1 -

حُمران مولى عثمان، وعنه جماعة -عطاء بن يزيد وعروة بن الزبير وبكير والد مَخرمة وجامع بن شداد وموسى بن طلحة ومَعبد الجُهني- كلهم

(3)

عن حُمران، دون ذكر مسح الأذنين.

*-ورواه معاذ بن عبد الرحمن، وعنه ثلاثة:

1 -

نافع بن جُبير.

2 -

عبد الله بن أبي سلمة.

(1)

ثلاثتهم في «صحيح مسلم» (236).

(2)

ورَجَّح الترمذي رواية عمرو بن الحارث التي فيها بماء غير فضل يده.

(3)

وبعضهم مطولًا بالصفة، وبعضهم مختصرًا.

ص: 293

كلاهما عند مسلم (232) مجملة دون محل الشاهد.

3 -

محمد بن إبراهيم التيمي، واختُلف عليه:

أ-يحيى بن أبي كثير، أخرجه البخاري (6433) مجملًا بذكر حسن الوضوء وفضل ركعتين بعده

(1)

.

ب-خالفه ابن إسحاق وزاد «مسح الأذنين» أخرجه أحمد (496).

*-زيد بن أسلم، وعنه اثنان:

1 -

عبد العزيز الدراوري

(2)

أخرجه مسلم (229) ولفظه مجمل.

2 -

أبو غسان، أخرجه أبو عَوانة في «مستخرجه» رقم (671): حدثنا يزيد بن سنان، والصغاني، ويعقوب بن سفيان، ومحمد بن حيويه، قالوا: حدثنا ابن أبي مريم، أخبرنا أبو غسان، به.

وقال أبو عَوانة عقبه: زاد يعقوب، والصغاني: قال حمران: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه غَسَل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، ومَسَح برأسه وأذنيه، وغَسَل رجليه ثلاثًا ثلاثًا.

والصواب من طريق حُمران ما اتفق عليه الشيخان دون ذكر مسح الأذنين، وابن إسحاق كسند حسن، لكن عند الدراسة المقارنة لا يتحمل التفرد بهذه

(1)

ولفظه: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، وَهُوَ فِي هَذَا المَجْلِسِ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ:«مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الوُضُوءِ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ويُحرَّر التقييد بالمسجد.

(2)

وسبق في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه، وسيأتي في حديث ابن عباس رضي الله عنه.

ص: 294

الزيادة، ورواية أبي غسان لا تَسْلَم كذلك، وأشار أبو عَوانة إلى الزيادة.

*-ورواه ابن المنكدر عن حمران، وعنه اثنان:

1 -

أيوب بن سيار -وهو متروك- أخرجه البزار (434) بالزيادة.

2 -

عثمان بن حكيم، أخرجه مسلم (245) مجملًا.

الطريق الثاني: عن عثمان رضي الله عنه عمرو بن سعيد بن العاص، عند مسلم (228) بفضل الوضوء.

3 -

أبو علقمة، أخرجها أبو داود (109) دون ذكر مسح الأذنين. وفي سندها عبيد الله بن أبي زياد القداح، وفيه مقال.

4 -

ابن أبي مُليكة بالزيادة، أخرجه أبو داود (108)، وابن أبي مُليكة لم يَسمع من عثمان رضي الله عنه، قاله أبو زُرعة. وفي السند إليه سعيد بن زياد، مقبول، قاله ابن حجر.

5 -

أبو وائل بالزيادة، أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (125) وفي سنده عامر بن شقيق، مُختلَف، فيه وهو لين الحديث، قاله ابن حجر. وهذا الطريق رواه بعضهم عن أبي وائل عن حُمران عن عثمان رضي الله عنه فرجع إليه.

وهذه الأسانيد إلى عثمان رضي الله عنه بالزيادة ضعيفة.

* الحديث الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وله عنه طريقان:

الطريق الأول: طريق عطاء بن يسار، وعنه زيد بن أسلم، وعنه تسعة، ستة منهم دون مسح الأذنين، وهم-سليمان بن بلال وورقاء بن عمر ورَوح بن

ص: 295

القاسم

(1)

وسفيان الثوري ومَعمر وداود بن قيس

(2)

-.

ورواه ثلاثة، وَهُمْ:

1 -

ابن عجلان وعنه ثلاثة:

أ-أبو خالد الأحمر، أخرجه ابن أبي شيبة (74).

ب-حماد بن مَسعدة، كما في «أحاديث أبي عَروبة» (51) وفيه:«توضأ مرة مرة» .

ت-عبد الله بن إدريس بزيادة «مسح الأذنين» أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (64) و (172) والبزاز في «مسنده» (5278) وقال: فأما حديث ابن إدريس فزاد «مسح ظاهر أذنيه وباطنهما» ولا نعلم أحدًا قال في هذا عن ابن عباس غيره.

2 -

هشام بن سعد وفيه: «ثم مَسَح بها رأسه وأذنيه ثم قَبَض قبضة أخرى من الماء فرَشَّ على رجله اليمنى وفيها النعل

» أخرجه أبو داود (137) وسياقه فيه غرابة، مما لا يجعلنا ننشط لتحسينها لمقولة أبي داود في رواية هشام في زيد، فكل حديث بحَسَبه.

3 -

عبد العزيز الدرواردي، أخرجه الشافعي في «الأم» (2/ 67 - 68)،

(1)

ثلاثتهم مع تفصيل صفة الوضوء، انظر البخاري (140) وأحمد (2455)، والطبراني في «الأوسط» (714) والبيهقي (317).

(2)

ثلاثتهم «توضأ مرة مرة» انظر: البخاري (157) وأبا داود (138) والترمذي (42) والنسائي (80) وابن ماجه (411).

ص: 296

والنَّسائي (101) وقال البيهقي: وهشام بن سعد وعبد العزيز بن محمد ليسا من الحفظ، بحيث يُقبَل منهما ما ينفردان به، كيف وقد خالفهما عدد ثقات، مع أنه يحتمل حديثهما أنه رش الماء عليهما في النعلين وغسلهما فيهما.

ورواية الجماعة عن زيد بن أسلم أصح وأرجح، ومُقدَّمة على مَنْ خالفهم.

ورواية من زاد «مسح الأذنين» لم تَسْلَم من المقال، وأَسْلَمُها طريق عبد الله بن إدريس، لكن فيها أمران: غَمْز البزار، والخلاف على ابن عجلان هل يتحمل أو لا؟

الطريق الثاني: طريق سعيد بن جُبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه أبو داود (133) من طريق عَبَّاد بن منصور عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير به، وفيه «ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة» وعَبَّاد بن منصور مختلف فيه، والأرجح ضعفه لدى الباحث.

وقال ابن حبان في ترجمة عَبَّاد: كل ما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحُصين، فدلسها عن عكرمة.

وسَبَقه إلى هذا أبو حاتم الرازي كما في «الجَرح والتعديل» (6/ 86).

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أبي البخاري، بتاريخ (29) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (14/ 10/ 2023 م) إلى ضعف كل ما ورد مرفوعًا في مسح الأذنين، وبالدراسة المقارنة يتبين أنها شاذة أو معلولة، وكَتَب: الوارد من حديث عبد الله بن زيد في صفة الوضوء لا يصح فيه مسح الأذنين، ومَن ذَكَرها شذ. اه.

ص: 297

وقال الفيروز أبادي في «رسالة في بيان ما لم يَثبت فيه حديث صحيح من الأبواب» (ص/ 19): لم يصح فيه شيء

(1)

.

* الحديث الرابع: حديث المقدام بن معديكرب:

أخرجه أبو داود (121 - 123) وابن ماجه (442) وفيه: «ثم مَسَح برأسه وأذنيه» وعلته عبد الرحمن بن ميسرة، روى عنه ثلاثة ووثقه العجلي، وذَكَره ابن حبان في «الثقات» وقال ابن المديني: مجهول. وقال ابن حجر: مقبول.

* الحديث الخامس: حديث الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ رضي الله عنها:

أخرجه أبو داود (126 - 129) والترمذي (33، 34) وابن ماجه (438، 390) وغيرهم وفي سنده عبد الله بن محمد بن عقيل مختلف فيه وهو أقرب إلى الضعف وفيه اختلاف في ألفاظه.

* الحديث السادس: حديث عائشة رضي الله عنها،

وفيه أنها بَيَّنَتْ لسالم سبلان كيفية وفيه: «

مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره، ثم أَمَرَّتْ يديها بأذنيها، ثم مرّت على الخدين» أخرجه النسائي (100) في «الكبرى» (105) وعِلته عبد الملك بن مَرْوان بن الحارث، لم يَرْوِ عنه إلا الجُعيد، وذَكَره ابن حبان في «الثقات» وقال ابن حجر: مقبول.

تنبيه: نُقل الإجماع على مشروعية مسح الأذنين في الوضوء، وإنما الخلاف في حكم المسح، وذهب الجمهور إلى الاستحباب.

(1)

وقال: باب تخليل اللحية ومسح الأذنين والرقبة لم يصح فيه شيء.

ص: 298

‌هل غَسْل العضدين والساقين من مفاريد أبي هريرة، التي عَمِل بها فريق من الفقهاء؟

أولًا- جاء في رواية مرجوحة شذ بها خالد بن مَخْلَد، فقد قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (246): حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِرِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ. وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إِسْباغِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ» .

خالف سليمانَ بن بلال ابنُ لَهيعة فلم يرفعه، أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (210) ورواية سليمان من طريق خالد بن مَخْلَد أرجح لديَّ كسند، لكن ابن لهيعة قد تابعه الجماعة متابعة قاصرة على الوقف:

1 -

سعيد بن أبي هلال عن نُعيم، أخرجه البخاري (136)

(1)

، ومسلم

(1)

ولفظ البخاري (136): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُعَيْمٍ المُجْمِرِ قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ المَسْجِدِ، فَتَوَضَّأَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» .

وأخرجه أحمد (9195): حدثنا أبو العلاء قال: حدثنا الليث به مطولًا.

وإنما حَمَل البخاري على الاختصار فقهه واستنباطه بما يتناسب مع فضل الوضوء.

ص: 299

(246)

ولفظها عند مسلم: عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إِلَى السَّاقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» .

2 -

فُليح بن سليمان، أخرجه أحمد (8529، 10929).

3 -

عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (764).

وتابع نعيمًا على الوقف في الصواب إليه:

1 -

أبو زُرعة، أخرجه البخاري (5953) ولفظه:«دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، فَرَأَى فِي أَعْلَاهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي؟ فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً» ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مُنْتَهَى الحِلْيَةِ.

2 -

أبو حازم، أخرجه مسلم (250) ولفظه: «كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إِبْطَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا هَذَا

ص: 300

الْوُضُوءُ؟ فَقَالَ: يَا بَنِي فَرُّوخَ، أَنْتُمْ هَاهُنَا؟ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ، سَمِعْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ» .

3 -

عبد الرحمن بن يعقوب، أخرجه مسلم (249) نحوه.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أبي البخاري، بتاريخ (19) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (4/ 10/ 2023 م): الوقف أصح. ا هـ.

ووافق الباحثَ في شذوذ خالد بن مَخْلَد برفعه، وأن لفظ:«فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ»

(1)

مُدرَج، وإن كان ظاهر سياقه الرفع في البخاري ومسلم كما سبق، لكن نص العلماء

(2)

على إدراجه من قول أبي هريرة

(1)

قال ابن القيم في «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» (ص 201):

وأما قوله: «فمَن استطاع منكم أن يطيل غُرته، فليفعل» فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بَيَّن ذلك غير واحد من الحفاظ، وفي «مسند الإمام أحمد» في هذا الحديث: قال نُعيم: فلا أدري قوله: «من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله أبو هريرة من عنده. وكان شيخنا يقول: هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله؛ فإن الغُرة لا تكون في اليد، لا تكون إلا في الوجه، وإطالتها غير ممكنة إذ تَدخُل في الرأس فلا تسمى ذلك غُرّة.

(2)

قال ابن القيم في «زاد المعاد» (1/ 189):

وكذلك لم يَثبت عنه أنه تجاوز المرفقين والكعبين، ولكن أبو هريرة كان يَفعل ذلك ويتأول حديث إطالة الغرة. وأما حديث أبي هريرة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه غَسَل يديه حتى أشرع في العضدين، ورجليه حتى أشرع في الساقين، فهو إنما يدل على إدخال المرفقين والكعبين في الوضوء، ولا يدل على مسألة الإطالة.

ص: 301

رضي الله عنه

(1)

.

ثانيًا- قال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (1/ 221): وهذا شيء لم يُتابَع عليه أبو هريرة، والمسلمون مُجمِعون على أنه لا يُتعدى بالوضوء ما حَدَّ الله ورسوله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبدر الناس إلى الفضائل، وأرغبهم فيها- لم يُجاوِز قَطُّ موضع الوضوء فيما بَلَغَنا. اه.

قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 236): معقبًا على ابن بطال في نقله الإجماع: أما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك، فهي مردودة بما نقلناه عن ابن عمر، وقد صَرَّح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية

(2)

والحنفية

(3)

.

(1)

قال العلامة الألباني - رحمه الله في «السلسلة الصحيحة» (1/ 509):

وهو متفق عليه بين الشيخين، لكن قوله: «فمَن استطاع

» مدرج من قول أبي هريرة، ليس من حديثه صلى الله عليه وسلم، كما شَهِد بذلك جماعة من الحُفاظ، كالمنذري وابن تيمية وابن القيم والعسقلاني

وغيرهم.

وقد بينتُ ذلك بيانًا شافيًا في «الأحاديث الضعيفة» فأغنى عن الإعادة. ولو صحت هذه الجملة لكانت نصًّا على استحباب إطالة الغرة والتحجيل، لا على إطالة العضد. والله ولي التوفيق.

(2)

قال النووي في «المجموع» (1/ 428): فاتَّفَق أصحابنا على استحباب غسل ما فوق المرفقين والكعبين، ثم جماعة منهم أطلقوا استحباب ذلك ولم يَحدوا غاية الاستحباب بحد كما أطلقه المصنف رحمه الله. وقال جماعة: يُستحب إلى نصف الساق والعضد. وقال القاضي حسين وآخرون: يَبلغ به الإبط والركبة. وقال البغوي: نصف العضد فما فوقه، ونصف الساق فما فوقه. والله أعلم.

وقال في «روضة الطالبين وعمدة المفتين» (1/ 60): فَالْغُرَّةُ: غَسْلُ مُقَدِّمَاتِ الرَّأْسِ وَصَفْحَةِ الْعُنُقِ مَعَ الْوَجْهِ. وَالتَّحْجِيلُ: غَسْلُ بَعْضِ الْعَضُدَيْنِ مَعَ الذِّرَاعَيْنِ، وَبَعْضُ السَّاقَيْنِ مَعَ الرِّجْلَيْنِ. وَغَايَتُهُ اسْتِيعَابُ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ. وَقَالَ كَثِيرُونَ: الْغُرَّةُ: غَسْلُ بَعْضِ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ فَقَطْ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

في المذهب الحنبلي روايتان:

1 -

الاقتصار على المرفق.

2 -

يُستحب أن يشرع في العضد والساق إذا غسل يديه ورجليه في أشهر الروايتين.

قاله ابن تيمية في «شرح العمدة» (ص: 214) وانظر: «الإنصاف» (1/ 168).

(3)

وفي «السعاية في كشف ما في شرح الوقاية» (ص: 200):

ومقتضاه أنه لو غَسَل ما فوق المرفق والكعب يكون مسيئًا وظالمًا، وليس كذلك لكون إطالة الغُرة والتحجيل مستحبة

وقال معقبًا على ابن بطال: ودعوى الاجماع لا يقبل من خلاف أبي هريرة والشافعي وأصحابه؛ فإنهم قالوا باستحباب غسل ما فوق المرفقين والكعبين، لا خلاف فيه بين أصحابه.

ص: 302

قال ابن القيم في «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» (ص: 201): وقد احتج بهذا مَنْ يَرى استحباب غسل العضد وإطالته، والصحيح أنه لا يُستحب وهو قول أهل المدينة، وعن أحمد روايتان.

تنبيه: ذهبت المالكية

(1)

ورواية عن أحمد، وهو اختيار الخَلَّال

(2)

وابن تيمية وابن القيم، أن الصحيح لا يُستحب غسل العضد.

(1)

لكونه ليس عملًا لأهل المدينة ولا يصح مرفوعًا.

(2)

في «المسائل الفقهية من كتاب الروايتين» لأبي يعلى الفراء (1/ 71): قال أبو بكر الخَلَّال: العمل على أنه لا يُغسَل لأنه عضو محدود، فلم يكن له تابع يُغسَل معه.

ص: 303

‌حُكْم أخذ ماء جديد للأذنين

اختُلف في المسألة على قولين شهيرين:

القول الأول: يُستحَب أخذ ماء جديد للأذنين.

وبه قال الجمهور من المالكية

(1)

والشافعية

(2)

والحنابلة

(3)

.

ومستندهم أمران:

أ-رواية في إحدى طرق حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه، وهي أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَتوضأ، فأَخَذ لأذنيه ماءً خِلاف الماء الذي أَخَذ لرأسه. وقد سبق تخريجها بالتفصيل وأنها شاذة.

ب-أثر ابن عمر رضي الله عنه، فيما أخرجه مالك في «المُوطَّأ» (73): عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لأُذُنَيْهِ. (وإسناده صحيح).

(1)

في «التمهيد» (3/ 157): واحْتَجّ مالك والشافعي في أخذهما للأذنين ماء جديدًا، بأن عبد الله بن عمر كان يَفعل ذلك.

وفي «المُنتقَى شرح الموطأ» (1/ 75):

وَلِذَلِكَ أَخَذَ الْمَاءَ لَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الأَعْضَاءِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا.

(2)

انظر «الأم» (2/ 59): وأُحِبّ أن يَمسح ظاهر أذنيه وباطنهما بماء غير ماء الرأس.

(3)

«الإنصاف» (1/ 288): والصحيح استحباب أخذ ماء جديد لهما.

ص: 304

القول الثاني: أن السُّنة مسح الأذن بالماء الذي مسح به الرأس.

وهو قول الحنفية

(1)

ورواية عن أحمد

(2)

.

ومستندهم أخبار ضعيفة، منها:

1 -

حديث علي رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَسَح أذنيه بماءٍ مَسَح به رأسه» .

2 -

حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأذنان من الرأس» .

والخلاصة: اختار شيخنا مع الباحث أبي البخاري، بتاريخ (9) ربيع الآخِر (1445 هـ) الموافق (24/ 10/ 2023 م) أن الأمر فيه سَعة وقال: لم يَثبت في مسح الأذنين حديث.

تنبيه: هذه من المسائل الشهيرة التي أُخذت على ابن عمر رضي الله عنه، كما سبق في كلام ابن المنذر وابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (1/ 279)

(3)

.

وقال ابن القيم في «زاد المَعاد» (2/ 45) في المقارنة بين منهجَي ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما

:

(1)

«بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» (1/ 23).

(2)

«الإنصاف» (1/ 288): وعنه لا يُستحب، بل يُمسحان بماء الرأس.

(3)

ولفظه:

ولهذا نظائر كثيرة، مثل ما كان ابن عمر يُدخِل الماء في عينيه في الوضوء، ويأخذ لأذنيه ماء جديدًا. وكان أبو هريرة يَغسل يديه إلى العضدين في الوضوء، ويقول: مَنْ استطاع أن يطيل غُرته فليفعل. ورُوي عنه أنه كان يَمسح عنقه ويقول: هو موضع الغُل. فإن هذا وإن استحبه طائفة من العلماء اتباعًا لهما، فقد خالفهم في ذلك آخرون وقالوا: سائر الصحابة لم يكونوا يتوضئون هكذا.

ص: 305

وكذلك كان هذان الصاحبان الإمامان، أحدهما يميل إلى التشديد والآخَر إلى الترخيص، وذلك في غير مسألة.

وعبد الله بن عمر كان يأخذ من التشديدات بأشياء لا يوافقه عليها الصحابة، فكان يَغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمي من ذلك، وكان إذا مَسَح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد، وكان يَمنع من دخول الحَمَّام، وكان إذا دخله اغتسل منه. وابن عباس كان يَدخل الحَمَّام.

وكان ابن عمر يتيمم بضربتين: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، ولا يقتصر على ضربة واحدة، ولا على الكفين. وكان ابن عباس يخالفه ويقول: التيمم ضربة للوجه والكفين.

وكان ابن عمر يتوضأ من قُبلة امرأته ويُفتِي بذلك، وكان إذا قَبَّل أولاده تمضمض ثم صلى. وكان ابن عباس يقول: ما أبالي قَبَّلتُها أو شممتُ ريحانًا.

وكان يأمر مَنْ ذَكَر أن عليه صلاة وهو في أخرى أن يُتِمها، ثم يصلي الصلاة التي ذكرها ثم يعيد الصلاة التي كان فيها. ورَوَى أبو يعلى الموصلي في ذلك حديثًا مرفوعًا في «مسنده» والصواب أنه موقوف على ابن عمر. قال البيهقي: وقد رُوي عن ابن عمر مرفوعًا ولا يصح. قال: وقد رُوي عن ابن عباس مرفوعًا ولا يصح. والمقصود أن عبد الله بن عمر كان يَسلك طريق التشديد والاحتياط.

ص: 306

‌وجوب غَسل القدمين

أولًا- الأصل في القدمين المكشوفتين الغَسل، قال تعالى:{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] على قراءة متواترة

(1)

.

ثانيًا- ثَبَتت الأخبار في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه غَسَل قدميه، من حديث عثمان رضي الله عنه وعبد الله بن زيد، والأصوب في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك حديث علي رضي الله عنه.

وإليك البيان:

أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فأخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (137): حَدَّثَنَا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثنا زَيْدٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتُحِبُّونَ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، فَاغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ اليُمْنَى، فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ،

(1)

اختلفوا في نصب اللام وخفضها.

ففي «المبسوط في القراءات العَشْر» (ص: 184):

قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وابن كثير، وعاصم في رواية أبي بكر، وحمزة وخَلَف:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ} بالخفض.

وقرأ نافع وابن عامر، وعاصم في رواية حفص، والكسائي ويعقوب:{وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب.

ص: 307

ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَجَمَعَ بِهَا يَدَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ المَاءِ، ثُمَّ نَفَضَ يَدَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً أُخْرَى مِنَ المَاءِ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَفِيهَا النَّعْلُ، ثُمَّ مَسَحَهَا بِيَدَيْهِ: يَدٍ فَوْقَ الْقَدَمِ وَيَدٍ تَحْتَ النَّعْلِ، ثُمَّ صَنَعَ بِالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ.

تابع هشامَ بن سعد عبدُ العزيز الدراوردي، أخرجه البيهقي في «معرفة السُّنن» (1/ 291)

(1)

وتابعهما رَوح بن القاسم، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (714).

وخالفهم جماعة فقالوا: (غسل رجليه):

1 -

سليمان بن بلال، أخرجه البخاري (140).

2 -

ورقاء بن عمر اليشكري، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (317).

3 -

محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (349).

4 -

ابن عجلان، أخرجه الترمذي (36) والنَّسائي (102) وابن ماجه (439).

وثَم آخَرون- الثوري ومَعمر وداود بن قيس-.

ورواية الجماعة أصح، وقد قال البيهقي في «معرفة السُّنن» (1/ 292): وهشام بن سعد وعبد العزيز بن محمد ليسا من الحفظ بحيث يُقبَل منهما ما

(1)

وفي «سُنن النَّسائي الكبرى» (1/ 108): قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَجْلَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ.

ص: 308

ينفردان به. كيف وقد خالفهما عدد ثقات، مع أنه يحتمل حديثهما أنه رش الماء عليهما في النعلين وغَسَلهما فيهما.

ونقل في «السُّنن الكبير» (1/ 74) عن الشافعي: قد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم مَسَح على ظهور قدميه، ورُوي أنه رش ظهورهما، وأحد الحديثين من وجه صالح الإسناد، ولو كان منفردًا ثَبَت، والذي خالفه أكثر وأثبت منه.

ثم قال البيهقي: إنما عنى بالحديث الأول حديث الدراوردي وغيره عن زيد، وعنى بالحديث الآخَر- والله أعلم- حديث عبد خير عن علي في المسح على ظهور القدمين، وقد بينا أنه أراد إن صح ظهر الخُفين، وهو مذكور في باب المسح على الخف بعلله. وقد رُوي عن علي من وجه آخَر في معنى الحديث الأول.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أبي البخاري، بتاريخ (15) ربيع الآخِر (1445 هـ) الموافق (30/ 10/ 2023 م): رواية البخاري المعتمدة

(1)

ورواتها عن زيد أكثر.

(1)

فيما أخرجه البخاري رقم (140): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ الرَّحِيمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ بِلَالٍ- يَعْنِي سُلَيمَانَ- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ، يَعْنِي اليُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ.

ص: 309

قال ابن المنذر في «الأوسط» (2/ 60): وَالْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ فِي هَذَا الْبَابِ تَكْثُرُ، وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي كِتَابِ «السُّنَنِ» . وَقَدْ أَجْمَعَ عَوَّامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا خُفَّ عَلَيْهِ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ.

وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَاللَّيْثُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَكُلِّ مَنْ حَفِظْتُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 266): وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غَسَل رجليه، وهو المُبيِّن لأمر الله، وقد قال في حديث عمرو بن عبسة، الذي رواه ابن خُزيمة وغيره مطولًا، في فضل الوضوء:«ثم يَغسل قدميه كما أمره الله» ولم يَثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثَبَت عنهم الرجوع عن ذلك.

قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أَجْمَعَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غَسل القدمين. رواه سعيد بن منصور. وادَّعَى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ، والله أعلم.

وأما حديث علي رضي الله عنه، فأخرجه البخاري (5616): حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ

ص: 310

رضي الله عنه، أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ، فِي رَحَبَةِ الكُوفَةِ، حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةُ العَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ فَشَرِبَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ

(1)

، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ.

وخالف آدمَ الجماعةُ- غُندر وبَهْز بن أسد ووهب بن جرير والطيالسي وعفان ووكيع وغيرهم- فقالوا: (مسح على رأسه ورجليه) بدلًا من (وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ) ولعل هذا من تصرف البخاري؛ لأن البيهقي في «السُّنن الكبير» (355) رواه من طريق آدم كرواية الجماعة هؤلاء.

(1)

قال ابن حجر في «فتح الباري» (10/ 82):

قوله: (فشَرِبَ وغَسَل وجهه ويديه، وذَكَر رأسه ورجليه) كذا هنا، وفي رواية بَهْز:(فأَخَذ منه كفًّا فمَسَح وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه) وكذلك عند الطيالسي: (فغَسَل وجهه ويديه ومَسَح على رأسه ورجليه) ومثله في رواية عمرو بن مرزوق عند الإسماعيلي. ويؤخذ منه أنه في الأصل ومَسَح على رأسه ورجليه، وأن آدم تَوقَّف في سياقه فعَبَّر بقوله:(وذَكَر رأسه ورجليه).

ووقع في رواية الأعمش: (فغَسَل يديه ومضمض واستنشق، ومَسَح بوجهه وذراعيه ورأسه) وفي رواية علي بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي: (فمَسَح بوجهه ورأسه ورجليه).

ومن رواية أبي الوليد عن شعبة ذكر الغَسل والتثليث في الجميع، وهي شاذة مُخالِفة لرواية أكثر أصحاب شعبة، والظاهر أن الوهم فيها من الراوي عنه، أحمد بن إبراهيم الواسطي، شيخ الإسماعيلي فيها، فقد ضَعَّفه الدارقطني.

ص: 311

وتابع شعبةَ على مسح الرِّجلين منصور بن المعتمر ومِسْعَر لكن روايته مجملة بلفظ: «ثم أَخَذ منه- أي: الماء- فتَمسَّح ثم قال: هذا وضوءُ مَنْ لم يُحدِث» والأعمش

(1)

وفيه: «فأَخَذ كفًّا من ماء فمضمض واستنشق ومَسَح وجهه وذراعيه ورأسه، ثم شَرِب وهو قائم، ثم قال: هذا وضوءُ مَنْ لم يُحدِث» .

فثَبَت مسح الرجلين عن علي رضي الله عنه، لكن في الروايات:«هذا وضوءُ مَنْ لم يُحدِث» .

وقال البيهقي في «السُّنن الكبير» (1/ 75): وثَبَت في مثل هذه القصة أنه مَسَح، وأخبر أنه وضوءُ مَنْ لم يُحدِث.

وقال الذهبي في «المهذب في اختصار السُّنن الكبير» (1/ 78): كَوْنه مَسَح بحفنةٍ أعضاءه دالّ على أنه ما توضأ عن حدث، بل تبرد بالماء فهذا يُبيِّن ما ورد في ذلك أنه مسح عن غير حدث، لكن بعض الرواة اختصر الحديث فلم يَنقل قوله:(هذا وضوءُ مَنْ لم يُحدِث).

الخلاصة:

انتهى شيخنا مع الباحث أبي البخاري، بتاريخ (27) ربيع الآخِر (1445) الموافق (11/ 11/ 2023 م) إلى صحة المسح، لكن يُرَدّ على الشيعة الذين يقولون بمسح الرِّجلين بأمور:

(1)

لكن من رواية محمد بن فضيل، قال شيخنا مع الباحث: وهو يُخالِف الثقات، وقد تفرد هنا.

ص: 312

1 -

أن المسح محمول على التبرد ولم يكن عن حدث؛ لقول علي رضي الله عنه: «هذا وضوءُ مَنْ لم يُحدِث»

(1)

.

2 -

أنه مِنْ فعل علي رضي الله عنه، بخلاف الشرب قائمًا فإنما رَفَعه

(2)

.

3 -

إن قلتم بالمسح على القدمين، فنُلزِمكم بالمسح على الوجه.

فائدة: من أقوى المرجحات أن المراد في الآية الغسل ما ثبت في حديث عمرو بن عبسة «ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَنَامِلِهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعَرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا قَدَمَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ مَعَ الْمَاءِ»

أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (17019) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ يَعْنِي ابْنَ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ - وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرُو بْنَ عَبَسَةَ به

وتابع عبد الله بن يزيد أبو داود الطيالسي أخرجه ابن خزيمة (165) وتابعهما يزيد بن عبد الله أخرجه الدارقطني في «سننه» (378، 379).

(1)

انظر: «نخب الأفكار» (1/ 306).

(2)

انظر: «فتح الباري» (10/ 82) لابن حجر.

ص: 313

وخالفهم النضر بن محمد فعطف شداد بن عبد الله على يحيى بن أبي كثير ولم يذكر: «كما أمره الله» أخرجه مسلم (832).

وروايتهم أرجح لما يلي:

1 -

للكثرة.

2 -

للخلل في رواية عكرمة عن يحيى وربما ساق لفظ يحيى بن أبي كثير ويحيى لم يسمع من أبي أمامة

(1)

.

3 -

شيخ الإمام مسلم في هذه الرواية التي بالعطف أحمد بن جعفر المعقري قال فيه ابن حجر: مقبول.

ورواه جماعة عن أبي أمامة دون (كما أمره الله) وهم:

1 -

ممطور أبو سلام أخرجه ابن خزيمة (260، 1277) واختلف في سماع ممطور من أبي أمامة فنفاه أبو حاتم وله رواية في مسلم تحرر.

2، 4 - أبو يحيى وضمرة بن حبيب وأبو طلحة ثلاثتهم بالعطف من رواية معاوية بن صالح أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (176).

ورواه عن عمرو بن عبسة ثلاثة دون قوله: «كما أمره الله» وهم:

1 -

عبد الرحمن بن البيلماني وهو ضعيف أخرجه ابن ماجه (283).

(1)

انظر: «جامع التحصيل» قال أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري وغيرهم: لم يدرك أحدًا من الصحابة إلا أنس بن مالك فإنه رآه رؤيا ولم يسمع منه.

ص: 314

2 -

أبو عبيد سليمان بن عبد الملك

(1)

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (2479).

3 -

شرحبيل بن السمط

(2)

وعنه أبو قلابة

(3)

وتارة بإسقاط شرحبيل أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» وأبو عبيد في «الطهور» .

قال البيهقي في «السنن الكبير» (1/ 216): وَرُوِّينَا فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بن عَبَسَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الوُضُوءِ: ثُمَّ يَغْسِلُ قَدْمَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِهِمَا، وَأَمَّا الأَثَرُ الَّذِي.

الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث أبي البخاري بتاريخ 5 جمادى الأولى 1445 موافق 19/ 11/ 2023 م: على طريق عكرمة عن شداد عند أحمد وغيره: سنده حسن.

(1)

قال فيه الحاكم: تابعي قديم لا ينكر سماعه من عمرو بن عبسة. وذكره ابن حجر في الطبقة الخامسة من صغار التابعين. فعلى كلام الحافظ في السماع بعد.

(2)

مختلف في صحبته وتوفي سنة أربعين.

(3)

وأبو قلابة عن عمرو بن عبسة مرسلًا كما في «تهذيب التهذيب» (22/ 10).

ص: 315

‌من مفاريد ابن عمر رضي الله عنهما غَسْل القدمين سبعًا

قال ابن المنذر في «الأوسط» رقم (401): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ سَبْعًا سَبْعًا.

الخلاصة: أن إسناد الأثر صحيح، وعمر بن محمد هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر، ثقة. وعلي بن عبد العزيز هو البغوي، قال فيه الدارقطني: ثقة مأمون. وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (3/ 143): ثقة، لكنه يَطلب على التحديث، ويَعتذر بأنه محتاج.

وكَتَب شيخنا معي، بتاريخ (1) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (16/ 9/ 2023 م) لما ذَكَر له الباحث أحمد النمر أن رواية البغوي عن أبي نُعيم ضعيفة، كَتَب: تُراجَع رواية علي بن عبد العزيز البغوي عن أبي نُعيم.

كلام العلماء:

قال ابن المنذر في «الأوسط» (2/ 50): وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُشَدِّدُ عَلَى نَفْسِهِ فِي أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ وَضُوئِهِ، مِنْ ذَلِكَ أَخْذُهُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا، وَنَضْحُهُ الْمَاءَ فِي عَيْنَيْهِ، وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ سَبْعًا سَبْعًا. وَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ.

ص: 316

‌حكم التنشيف بالمنديل

‌تساقط الذنوب مع آخر قطر الماء

قال الإمام الترمذي في «سننه» رقم (53): حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خِرْقَةٌ يُنَشِّفُ بِهَا بَعْدَ الوُضُوءِ» .

وتابع سفيانَ بن وكيع محمدُ بن عبد اللَّه بن عبد الحَكَم، أخرجه الحاكم (558) والبيهقي في «السنن الكبير» (877).

قال الترمذي عقبه: حَدِيثُ عَائِشَةَ لَيْسَ بِالقَائِمِ، وَلَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا البَابِ شَيْءٌ. وَ (أَبُو مُعَاذٍ) يَقُولُونَ: هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ.

والخلاصة: أن علته أبو معاذ سليمان بن أرقم، كما نَصَّ الترمذي والدارقطني وغيرهما. وانتهى شيخنا مع الباحث جمعة بن جمال، بتاريخ (11) من المحرم، عام (1445 هـ) الموافق (29/ 7/ 2023 م) إلى ضعفه.

قال الإمام الترمذي في «سننه» رقم (54): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ

ص: 317

مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ».

وتابع عتبةَ بن حميد محمدُ بن سعيد الكذاب، أخرجه الطبراني في «معجمه الكبير» (127).

والخلاصة: أن طريق رشدين ضعيف بثلاث علل، هن ضعف رشدين وشيخه وشيخ شيخه.

ومتابعة محمد بن سعيد تالفة؛ لأنه كذاب.

وانتهى شيخنا مع الباحث جمعة بن جمال، بتاريخ (11) من المحرم، عام (1445 هـ) الموافق (29/ 7/ 2023 م) إلى ضعفه.

أقوال الفقهاء:

1 -

قول عطاء وفقه، ففي «المصنف» لعبد الرزاق (1/ 334) رقم (714): عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ المِنْدِيلِ المُهَدَّبِ، أَيَمْسَحُ بِهِ الرَّجُلُ المَاءَ؟ فَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ فِيهِ، وَقَالَ: هُوَ شَيْءٌ أُحْدِثَ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ يُذْهِبَ المِنْدِيلُ عَنِّي بَرْدَ المَاءِ؟ قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذًا.

2 -

قال النووي (ت/ 676) في «شرحه على مسلم» (3/ 231):

وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ فِي التَّنْشِيفِ، عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ.

وَالثَّانِي: مَكْرُوهُ فِيهِمَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى.

ص: 318

وَالثَّالِثُ: يُكْرَهُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الغُسْلِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.

وَقَدْ جَاءَ فِي تَرْكِ التَّنْشِيفِ هَذَا الْحَدِيثُ

(1)

، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي الصَّحِيحِ، أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «اغْتَسَلَ وَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً»

(2)

.

وَأَمَّا فِعْلُ التَّنْشِيفِ، فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِنْ أَوْجُهٍ، لَكِنَّ أَسَانِيدَهَا ضَعِيفَةٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شيء.

3 -

قال ابن القيم في «زاد المعاد» (1/ 190): ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتاد تنشيف أعضائه بعد الوضوء، ولا صح عنه في ذلك حديث البتة، بل الذي صح عنه خلافه.

(1)

حديث ميمونة ~ في الغسل أخرجه البخاري (274) وفيه: «فأتيته بالمنديل فلم يَرُده، وجعل يَنفض بيده» . ومسلم (317) وفيه: «ثم أتيته بالمنديل فرَدَّه» .

(2)

أخرجه البخاري (275)، ومسلم (605) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 319

‌هل النوم ناقض للوضوء؟

قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (376): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:«أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَاجِي رَجُلًا، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ» .

وتابع معاذًا العنبري محمدُ بن جعفر، أخرجه البخاري (9292).

وتابع شعبة ابنُ علية وعبد الوارث كما عند مسلم.

تابع عبد العزيز ثابتٌ البُناني كما عند البخاري (643) ومسلم (376).

وثَمة ألفاظ انفرد بها بعض الرواة عن أنس:

1 -

ما أخرجه مسلم رقم (376): حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ- وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ- حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» قَالَ: قُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسٍ؟ قَالَ: إِي وَاللهِ.

وتابع خالدًا أبو عامر العَقَدي وشبابة وهاشم بن القاسم. ويحيى بن سعيد في وجه عند أحمد (13383) والترمذي (78).

*-والوجه الآخَر من رواية تمتام عن محمد بن بشار عن يحيى، كما عند البيهقي (594) وزاد:«على عهد رسول الله» .

*-وزاد محمد بن عبد السلام الخُشني عن محمد بن بشار، كما في

ص: 320

«المُحَلَّى» فزاد: «يضعون جنوبهم» .

وخالف الجماعةَ عن شعبة عبدُ الأعلى فزاد: «يضعون جنوبهم» كما في «التلخيص الحبير» (264).

2 -

و «يضعون جنوبهم» جاءت من روايتي خالد بن الحارث، كما عند أبي يعلى (3199) وعبدة بن سليمان كما عند الطبراني في «الأوسط» (49) وفي وجه

(1)

عن ابن أبي عَدي كما عند البزار (7077) ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه.

3 -

«حتى تخفق رءوسهم» من رواية هشام عن قتادة به، كما عند أبي داود (200) وغيره.

4 -

«غطيطًا» من رواية مَعمر عن قتادة به، كما في «المصنف» (483) والبيهقي (474)، ورواية معمر عن قتادة ضعيفة.

5 -

«فمنا مَنْ ينعس وينام» من رواية أبي هلال الراسبي

(2)

عن قتادة. أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3444).

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد الغَنَّامي، بتاريخ (18) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (7/ 6/ 2023 م): اعتَمِد رواية «الصحيحين» ونَوِّه على رواية مسلم وما فيها من الاختلافات في الألفاظ على قتادة.

(1)

والوجه الآخَر عند أبي عَوَانة (849).

(2)

صدوق فيه لِين.

ص: 321

‌هل يُتوضأ من لحوم الإبل؟

عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ» قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «لَا» .

*-رواه عن جعفر بن أبي ثور عن جابر رضي الله عنه جماعةٌ:

1 -

أشعث بن أبي الشعثاء.

2 -

عثمان بن عبد الله بن موهب.

أخرجهما مسلم (360) وأحمد (21009، 21015).

3 -

سِمَاك بن حرب، أخرجه أحمد (21044)، والطيالسي (801)، بلفظ:«سُئل عن الوضوء من لحوم الإبل، فأَمَر به» وأشار الدارقطني في «علله» إلى خلاف في طريق سِمَاك، فرواه الأكثر عن سِمَاك عن جعفر عن جَده، وخالفهم حماد فرواه عن جعفر عن أبيه عن جَده

إلخ.

4 -

محمد بن قريش -وهو ثقة- أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (513) بلفظ: «كنا نتوضأ من لحوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم» .

وجعفر بن أبي ثور روى عنه أربعة، وروايته هنا عن جَده، ووثقه ابن حبان،

ص: 322

وصَحح له الأئمة: أحمد ومسلم وابن خزيمة وأبو عبد الله بن مَنده والبيهقي

وغير واحد.

وقال الحاكم: هو من مشايخ الكوفيين الذين اشتهرت روايتهم عن جابر.

وقال أبو حاتم بن حبان: جعفر بن أبي ثور هو أبو ثور بن عكرمة، فمَن لم يُحكِم صناعة الحديث تَوهَّم أنهما رجلان مجهولان.

قلت: والأرجح تصحيح حديثه، وتجهيل ابن المديني له إنما هو من رواية ابنه عبد الله. وقد سُئل عنه الدارقطني فقال: إنما أَخَذ كتبه وروى إجازة ومناولة. قال: وما سَمِع كثيرًا من أبيه. قلتُ: لِمَ؟ قال: لأنه ما كان يُمكنه من كتبه.

فائدة: وله ابنٌ آخَر اسمه محمد، وثقه الدارقطني.

وإليك أقوال أهل العلم:

1 -

صححه الإمام مسلم كما سبق.

2، 3 - قال الترمذي في «سننه» (1/ 125): قال إسحاق: أصح ما في هذا الباب حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حديث البراء، وحديث جابر بن سَمُرة. ووافقه الإمام أحمد كما في «السنن الكبرى» (1/ 456) للبيهقي.

4 -

قال ابن خزيمة في «صحيحه» (1/ 152): لم نَرَ خلافًا بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر أيضًا صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه. ا هـ.

الخلاصة: انتهى شيخنا معي من سنين في شرح متن أبي شجاع، إلى صحة إسناده.

ثم عَرَضه الباحث: د. إبراهيم بن يوسف، بتاريخ (9) محرم (1444 هـ)

ص: 323

الموافق (8/ 8/ 2022 م) وكان غرض الباحث تقرير طريقة صحيحة في الحكم على الأحاديث، لا سيما وقد حَكَم ابن المديني على جعفر بن أبي ثور بالجهالة.

لكن بالنظر في كلام الأئمة المتقدمين نجد كلامهم أوفق في التصحيح من تجهيل ابن المديني، وله منهج في الجهالة ويُسلَّم به إذا لم نجد ما يعارضه من التوثيق الصريح أو الضمني الناجم عن التصحيح عند المتقدمين.

أما شيخنا فأشار إلى أن جعفرًا لم يوثقه معتبر، وقال بعض الفقهاء بخلاف الحديث.

قال النووي في «شرحه على مسلم» (4/ 48): اختَلف العلماء في أكل لحوم الجزور، وذهب الأكثرون إلى أنه لا يَنقض الوضوء، وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وابن مسعود وأُبَيّ بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أُمامة، وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم.

وذهب إلى انتقاض الوضوء به: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خُزيمة، واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي، وحُكي عن أصحاب الحديث مطلقًا، وحُكي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. واحْتَجّ هؤلاء بحديث الباب.

وقال ابن قُدامة في «المغني» (1/ 138): وجملة ذلك أن أكل لحم الإبل يَنقض الوضوء على كل حال، نيئًا ومطبوخًا، عالمًا كان أو جاهلًا.

ص: 324

‌كتاب النجاسات

‌هل ثَبَت أن ابن عمر رضي الله عنهما قص أثر النجاسة من ثوبه بعد غسله؟

(1)

قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (2092): حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ رَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا فَغَسَلَهُ، فَبَقِيَ أَثَرُهُ أَسْوَدَ، وَدَعَا بِمِقَصٍّ فَقَصَّهُ فَقَرَضَهُ.

خالف عبيدَ الله الجماعةُ فلم يَذكروا: «فَبَقِيَ أَثَرُهُ أَسْوَدَ، وَدَعَا بِمِقَصٍّ فَقَصَّهُ فَقَرَضَه» وهم:

1 -

بُرْد بن سنان وهو صدوق، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7364).

2 -

الليث بن سعد وأيوب، كما في «الطهور» للقاسم بن سَلَّام (416).

3 -

ابن جابر، كما عند البيهقي في «معرفة السُّنن» (4897).

ورواه الزُّهْري عن سالم عن ابن عمر، أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (3744): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا رَأَى الإِنْسَانُ فِي ثَوْبِهِ دَمًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَانْصَرَفَ يَغْسِلُهُ أَتَمَّ مَا بَقِيَ عَلَى مَا مَضَى، مَا لَمْ

(1)

من مفاريد ابن عمر رضي الله عنه.

ص: 325

يَتَكَلَّمْ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَالَ سَالِمٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَنْصَرِفُ لِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ.

وتابع معمرًا على الوقف: يونس وعقيل في وجه عن الزُّهْري «أن النبي صلى الله عليه وسلم وَجَد في ثوبه دمًا فانصرف» مرسلًا، كما في «المراسيل» (10) لأبي داود.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن عبد الفتاح، بتاريخ (2) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (17/ 9/ 2023 م): موقوف.

تنبيه: الوقف صحيح على اختلاف في المتون، وتَفرُّد ابن نمير بلفظ:«فَبَقِيَ أَثَرُهُ أَسْوَدَ، وَدَعَا بِمِقَصٍّ فَقَصَّهُ فَقَرَضَه» ولا يتحمل.

ص: 326

‌كتاب الحيض

‌مواساة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في حال الحيض

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (298): حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا، قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيصَةٍ، إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، قَالَ: أَنُفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي، فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ.

وخالف المكيَّ بن إبراهيم جمهورُ أصحاب هشام-معاذ بن معاذ ويحيى القطان وخالد بن الحارث، ووهب بن جرير وعبد الملك بن عمرو وعبد الصمد بن عبد الوارث- فقالوا: خميلة في صدر الحديث ونهايته، أما المكي فقال: في صدره: «خميصة» وفي نهايته: «خميلة» .

وتابعهم متابعة قاصرة أصحاب يحيى، وهم: شيبان بن عبد الرحمن وهمام وأبان بن يزيد.

وخالف يحيى بنَ أبي كثير محمدُ بن عمرو عن أبي سلمة عن أم سلمة، وفيه: فقال: في لحافه

فادخلي معي في اللحاف. أخرجه ابن ماجه (638).

والخلاصة: أن رواية «خميلة» هي الصواب و «خميصة» شاذة أو تصحيف. هذا من حيث الترجيح، أما من حيث الجمع فكل بمعنى.

ص: 327

وانتهى شيخنا معي بتاريخ (25) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (18/ 1/ 2023 م) إلى أن رواية محمد بن عمرو مرجوحة، والجمع بين الألفاظ سهل.

قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 402 - 403):

قوله: «في خَمِيصَة» بفتح الخاء المعجمة وبالصاد المهملة: كساء أسود له أعلام، يكون من صوف وغيره.

ولم أَرَ في شيء من طرقه بلفظ: «خَمِيصَة» إلا في هذه الرواية وأصحاب يحيى، ثم أصحاب هشام كلهم قالوا:«خميلة» باللام بدل الصاد، وهو الموافق لِما في آخِر الحديث، قيل:«الخميلة» القطيفة، وقيل: الطنفسة. وقال الخليل: الخميلة ثوب له خمل، أي: هدب. وعلى هذا لا منافاة بين «الخَمِيصَة» و «الخَمِيلَة» فكأنها كانت كساء أسود لها أهداب. اه.

ص: 328

‌هل تحيض الحُبلى؟

قال الدارمي في «سننه» رقم (985): أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:«إِنَّ الْحُبْلَى لَا تَحِيضُ، فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ، فَلْتَغْتَسِلْ، وَلْتُصَلِّ» .

وتابع سليمانَ بن موسى مطرٌ الوراق، أخرجه الدارمي وغيره.

وقال البيهقي في «السُّنن الكبير» (7/ 695): هَكَذَا رَوَاهُ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَقَدْ ضَعَّفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد البسيوني، بتاريخ الثلاثاء، عقب العودة من حج بيت الله الحرام (27) ذي الحجة (1443 هـ) الموافق (26/ 7/ 2022 م): الأثر ضعيف موقوفًا، ولا يصح في هذا الباب خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن على هذا أكثر العلماء، وذهب قليل منهم إلى إمكانية حيض الحامل. اه.

قال أحمد: الحُبلى لا تحيض عندي. قال إسحاق: لا يُلتفت إليه.

ص: 329

‌إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة فهل يَلزمها إعادة الصلاة؟

اختَلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا قضاء عليها. وبه قال الأحناف

(1)

والمالكية

(2)

والأوزاعي.

القول الثاني: تَقضِي بشرط أن تُدرِك من الوقت أداء الصلاة. وبه قالت الشافعية

(3)

.

القول الثالث: تَقضِي مطلقًا. وهو قول الحنابلة

(4)

وإسحاق بن إبراهيم

(1)

في «المبسوط» (2/ 14): إذا أدركها الحيض في شيء من الوقت، وقد افتتحت الصلاة أو لم تفتتحها، سقطت تلك الصلاة عنها وليس عليها قضاء تلك الصلاة إذا طهرت عندنا.

(2)

في «المدونة» (1/ 153):

فما يقول مالك في الحائض تحيض بعد أن طلع الفجر، وقد كانت حين طلع الفجر طاهرًا؟ هل عليها إعادة صلاة الصبح إذا طهرت؟ قال: لا إعادة عليها.

(3)

في «نهاية المطلب» (2/ 438): ونَصَّ الشافعي على أن المرأة إذا كانت طاهرة في أول وقت الظهر، فمضى ما يسع أربع ركعات ثم حاضت، فيَلزمها قضاء هذه الصلاة إذا طهرت.

قال الجُويني: فجَعَلها مُدرِكة لصلاة الظهر بإدراك ما يسعها من أول الوقت.

(4)

في «مسائل أحمد» رواية إسحاق (2/ 104): قلت لأحمد: امرأة حاضت بعد ما زالت الشمس في أول الوقت. قال: تعيد. وانظر: «الكافي» (1/ 194).

ص: 330

والثوري والشَّعبي وابن أبي ليلى.

الخلاصة: اختيار شيخنا مع الباحث سيد بن رفعت العارف، بتاريخ (17) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (2/ 10/ 2023 م): قول الأحناف والمالكية؛ لأن المسألة لا نص فيها، وكثرت الحالات في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولم يُنقل أنهم أُمروا بالقضاء.

تنبيه: لو طهرت قبل انقضاء وقت الصلاة بقدر ما تتمكن فيه من الغسل والأداء:

فالأحناف

(1)

: فإن كان طُهرها من أقل من عَشَرة أيام وبقي قدر الغسل والتحريمة، وجبت عليها. وإن طهرت من عشرة أيام

(2)

وجب قضاؤها ولو بقي لمحة.

أما المالكية

(3)

: فإن أدركت بعد غسلها غير متوانية، أربعَ ركعات في الحضر أو ركعتين في السفر، تصلي الظهر والعصر.

وأما الشافعية

(4)

: فإذا طهرت وبقي من الوقت مقدار ركعة، لزمها ذلك الوقت. أما إذا طهرت وبقي مقدار تكبيرة، لم يَلزمها في القديم ولزمها في الجديد؛ قياسًا على المسافر يَقتدي بمقيم في جزء يسير لزمه الإتمام.

(1)

«مجمع الأنهر» (1/ 53) وانظر: «الدر المختار» (1/ 291).

(2)

لأن تحقق الحيض عندهم بعَشَرة أيام.

(3)

انظر: «النوادر والزيادات» (1/ 275).

(4)

انظر: «العزيز شرح الوجيز» (1/ 385).

ص: 331

أما الحنابلة

(1)

: فمَن طهرت في وقت العصر قضت الظهر والعصر، ومَن طهرت في وقت العشاء الآخرة قضت المغرب والعشاء.

وقال الأوزاعي: إن طهرت في آخِر الوقت وأَخَذَتْ في الغسل ولم تفرغ حتى خرج وقت الصلاة، فليس عليها إعادة تلك الصلاة.

(1)

في «الكافي» (1/ 194).

ص: 332

‌كتاب مواقيت الصلاة

قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].

قال أبو داود في «سُننه» رقم (394): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ قَاعِدًا عَلَى الْمِنْبَرِ، فَأَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا.

فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَدْ أَخْبَرَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِوَقْتِ الصَّلَاةِ.

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: [اعْلَمْ] مَا تَقُولُ.

فَقَالَ عُرْوَةُ: سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «نَزَلَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَنِي بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ» يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ.

فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حِينَ يَشْتَدُّ الْحَرُّ. وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ، قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا الصُّفْرَةُ، فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَيَأْتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ تَسْقُطُ الشَّمْسُ. وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الأُفُقُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ. وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى

ص: 333

فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ».

خالف أسامةَ جمهورُ الرواة عن الزُّهْري، فلم يَذكروا فيه بيان المواقيت، ولا:(وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ).

وتابعهم متابعة قاصرة عن عروة آخَرُون، كرواية الجماعة عن الزُّهْري.

وقال أبو داود عقبه: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: مَعْمَرٌ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمْ، لَمْ يَذْكُرُوا الْوَقْتَ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَلَمْ يُفَسِّرُوهُ

إلخ.

ووافق أبا داود ابنُ خُزيمة في «صحيحه» (352)، والطبراني في «الأوسط» (8694)، والدارقطني في «العلل» (6/ 184) وغيرهم.

تنبيه: هناك مَنْ صَحَّح سياق أسامة، منهم البيهقي في «السُّنن الكبرى» (1700)، والحازمي كما في «تحفة الأحوذي» (2/ 45)، والخَطَّابي في «فتح الباري» (5/ 166).

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن السيد الفيومي، بتاريخ (5) رمضان (1444 هـ) الموافق (27/ 3/ 2023 م):

(ثم لم يَعُد إلى الإسفار حتى مات)

(1)

شاذة.

الخبر فيه مقال مِنْ أجل بكر، ومِن أجل الواسطة.

وقال: إن التغليس له شواهد.

(1)

وصوابه: ثم لم يَعُد إلى أن يُسفِر.

ص: 334

‌المحافظة على المصطلحات الشرعية والنهي عن اتباع الأعراب في تسمية المغرب عِشاء

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (563): حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ- هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو- قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ المُزَنِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ المَغْرِبِ» قَالَ الأَعْرَابُ: وَتَقُولُ: هِيَ العِشَاءُ.

وتابع عبدَ الله بن عمرو عبدُ الصمد في الأكثر عنه بلفظ: «هي العشاء» فقد رواه عنه كذلك:

1 -

الإمام أحمد (20553).

2 -

ابن إسحاق، أخرجه الروياني في «مسنده» (906).

3 -

عبد الوارث بن عبد الصمد، أخرجه ابن خزيمة (341) عن أبيه عن حسين به، بإسقاط الجَد، وهو عبد الوارث.

*-خالفهم أبو مسعود فقال: «فإن الأعراب تسميها عَتَمة» أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (1737).

ورواية الجماعة أرجح في تسمية الأعراب المغرب عشاء وأما تسميتها «عَتَمَة» فشاذ، وإليه أشار البيهقي حيث قال: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي صَلَاةِ عِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ

ص: 335

عُمَرَ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. قَالَ الشَّيْخُ: إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْهُ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ عَلَى اللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ.

والخلاصة: انتهى شيخنا معي، بتاريخ (19) محرم (1444 هـ) الموافق (17/ 8/ 2022 م) إلى شذوذ تسمية المغرب عتمة.

فائدة: تسمية العشاء عَتَمَة جاء في عدد من الأخبار في «الصحيحين» منها:

1 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» . أخرجه البخاري (615)، ومسلم (437).

2 -

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالعَتَمَةِ، حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ. أخرجه البخاري (864).

3 -

حديث أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ العَتَمَةَ، فَقَرَأَ: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، فَسَجَدَ، فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: «سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ» أخرجه البخاري (766) ومسلم (578).

4 -

عَنْ أَسْلَمَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ، ثُمَّ نَزَلَ، فَصَلَّى المَغْرِبَ وَالعَتَمَةَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ:«إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ المَغْرِبَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا» أخرجه البخاري (3000)

(1)

.

(1)

تنبيه: وقع من قول التابعي إطلاق العتمة على المغرب والعشاء، فيما أخرجه البخاري رقم (1675): حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه، فَأَتَيْنَا المُزْدَلِفَةَ حِينَ الأَذَانِ بِالعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ....

وليس الشاهد في رواية جرير بن حازم عن أبي إسحاق، أخرجه أحمد (3893).

ص: 336

‌السمر بعد العشاء

قال ابن أبي شيبة في «مسنده» رقم (205)

(1)

: نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، نَا شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «جَدَبَ

(2)

لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّمَرَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَتْمَةِ».

وتابع ابنَ فُضيل جماعةٌ:

1 -

همام بن يحيى، أخرجه الطيالسي في «مسنده» (250) وابن حبان (2031).

2 -

جرير، هو ابن عبد الحميد، أخرجه ابن خزيمة (1340) والبزار (1740).

3 -

زياد بن عبد الله، أخرجه البزار (1740).

4 -

وهيب بن خالد، أخرجه الشاشي في «مسنده» (612، 616).

(1)

وتابع ابنَ أبي شيبة ثلاثة عند ابن ماجه (703).

(2)

أَي عابَ وذَمَّ. وكلُّ عائِبٍ، فَهُوَ جادِبٌ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

فَيا لَكَ مِنْ خَدٍّ أَسِيلٍ، ومَنْطِقٍ

رَخِيمٍ، ومِنْ خَلْقٍ تَعَلَّلَ جادِبُه. انظر:«لسان العرب» (1/ 257).

ص: 337

5 -

عمر بن فرقد، أخرجه ابن عدي في «الكامل» (11734).

6 -

أبيض بن أبان، كما في «طبقات المُحدِّثين» (4/ 162).

7 -

الجَرَّاح بن مَلِيح، أخرجه أحمد (3686).

8 -

خالد بن عبد الله، أخرجه أحمد (3894).

وممن نص على سماعه من عطاء:

قبل الاختلاط أو التغير أو قديمًا

بعد الاختلاط

سفيان وشعبة إلا حديثين، والحمادان: ابن زيد وابن سلمة

إلخ

جرير وخالد بن عبد الله وابن عُلية وعلي بن عاصم

إلخ

والخلاصة:

كَتَب شيخنا مع الباحث: د. أحمد بن عبد الناصر الحايك

(1)

بتاريخ (20)

(1)

وُلد بتاريخ (18/ 7/ 1984 م) بمدينة غزة بفلسطين، حاصل على دكتوراه في علوم الحاسوب (الذكاء الاصطناعي).

وتَلقَّى على الشيخ سيد بن عبد العاطي بألمانيا، مدينة ساربرُكن، العقيدة الواسطية ورسالة لطيفة للشيخ السعدي في أصول الفقه وغيرهما.

وأجيز بالمسجد النبوي من الشيخ عبد المحسن القاسم، بعدد من الكتب ككتب ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهما.

وهو الآن رئيس قسم الذكاء الاصطناعي بجامعة الأمير مِقْرن بن عبد العزيز، بالمدينة النبوية.

ومن أنشطة الجامعة التي تُسنَد إليه إلقاء محاضرات في تدبر القرآن الكريم.

تم ذلك إملاء من صاحب الترجمة بمكتبة أهل السُّنة والجماعة، عقب الانتهاء من تبييض الخبرين اللذين عرضهما على شيخنا حفظهم الله.

وممن دَرَّس له في المكان دورة التخريج:

1 -

الشيخ أشرف سلطان وكلفه بهذين الحديثين.

2 -

وتَلقَّى ثلاثة مجالس في التخريج مع الشيخ سيد حمودة.

3 -

ودرس معي كتابي «كيف تكون محققًا على نهج كبار المحققين» ط دار اللؤلؤة وأجزته به.

ص: 338

من المحرم (1445 هـ) الموافق (7/ 8/ 2023 م): ضعيف؛ لاختلاط عطاء والرواة عنه بعد الاختلاط.

قال البزار في «مسنده» (5/ 149): وَلَا نَعْلَمُ رَوَى عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ.

ص: 339

‌هل ثَبَت أن ابن عمر رضي الله عنهما كان ينام قبل العشاء؟

قال عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (2135): عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُبَالِي أَقَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا، إِذَا كَانَ لَا يَغْلِبُهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا.

وقال كذلك في «مصنفه» رقم (2146): عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ رُبَّمَا رَقَدَ عَنِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ أَنْ يُوقِظُوهُ

(1)

بيان وتوجيه:

الوجه الأول: أن النهي لم يَبلغه، ففي حديث أبي بَرْزَة الأَسْلَمِيّ رضي الله عنه في وصف المواقيت:«كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ العِشَاءَ، الَّتِي تَدْعُونَهَا العَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا»

(2)

.

الوجه الثاني: أن ابن عمر رضي الله عنه إن كان بلغه النهي، فأَعْمَلَ العلة من النهي وهي خروج الوقت؛ فلذا أَمَر مَنْ يوقظه.

أقوال العلماء:

قال ابن عبد البر في «التمهيد» (24/ 216 - 217):

(1)

ذَكَر ابن عبد البر في «التمهيد» (24/ 217): ورُوي أنه ما كانت نومة أحب إلى علي رضي الله عنه من نومة بعد العشاء قبل العشاء.

(2)

أخرجه البخاري (547) ومسلم (647).

ص: 340

اختَلف العلماء في هذا الباب، فقال مالك: أَكره النوم قبل صلاة العشاء الآخرة، وأَكره الحديث بعدها

والشافعي كمالك. قال محمد بن الحسن: نَكره النوم قبل صلاة العشاء. ولم يَحْكِ عن أحد من أصحابه خلافًا.

وقال الترمذي في «سننه» (1/ 235):

وَقَدْ كَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ النَّوْمَ قَبْلَ صَلَاةِ العِشَاءِ، وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَكْثَرُ الأَحَادِيثِ عَلَى الكَرَاهِيَةِ. وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي النَّوْمِ قَبْلَ صَلَاةِ العِشَاءِ فِي رَمَضَانَ.

وقال ابن حجر بعد ذكره كلام الترمذي في «فتح الباري» (2/ 49):

ومَن نُقلت عنه الرخصة قُيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له مَنْ يوقظه أو عَرَف من عادته أنه لا يَستغرق وقت الاختيار بالنوم. وهذا جيد حيث قلنا: إن علة النهي خَشية خروج الوقت. وحَمَل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء، والكراهة على ما بعد دخوله.

ص: 341

‌كتاب الأذان

(1)

‌استحباب إجابة المؤذن:

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (614): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.

وتابع البخاري خمسة عشر راويًا-الإمام أحمد في «مسنده» (15045) وإبراهيم بن يعقوب أخرجه الترمذي (221)، ومحمد بن يحيى الذهلي والعباس بن الوليد ومحمد بن أبي الحسين أخرجهم ابن ماجه (722) موسى بن سهل أخرجه ابن خزيمة (420)، ومحمد بن مسلم بن واره أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (826) وإبراهيم بن الهيثم كما في «أمالي الشجري» (116) وأبو إسحاق الجوزجاني أخرجه الطوسي (192) ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه ومحفوظ بن توبه أخرجهما السراج في «مسنده» (57) وعمرو بن منصور في وجه أخرجه النسائي (680) وأخذه عنه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (95) وزاد:«الدرجة الرفيعة» وأشار ابن حجر في «التلخيص» (1/ 518) إلى أنه ليست في البخاري ولا في شيء من طرقه. وحكم عليها

(1)

انظر ما سبق في «سلسلة الفوائد» (2/ 94).

ص: 342

السخاوي في «المقاصد» (ص/ 343) بالإدراج.

وخالفهم محمد بن عوف الطائي كما عند البيهقي في «السنن الكبير» (1933) فزاد: «إنك لا تخلف الميعاد» وأشار السخاوي في «المقاصد الحسنة» (343) إلى أنها في رواية الكشميهني للبخاري.

*-وخالفهم أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي واختلف عليه:

الأول ما أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» رقم (895) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ قَالَ: «اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ أَعْطِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ، وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ» .

فزاد الطحاوي:

1 -

«كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ» .

2 -

«سَيِّدَنَا» .

وخالفه الطبراني فرواه كرواية الجماعة عن علي بن عياش وزاد: «اللَّهُمَّ بِحَقِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ» هكذا في «المعجم الأوسط» رقم (670) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ بِحَقِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ

ص: 343

الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ "

الخلاصة: أن هذا الخبر به أمران:

الأول: خمس زيادات لا تصح:

1 -

«كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ» .

2 -

«سَيِّدَنَا» .

3 -

«الدرجة الرفيعة» .

4 -

اللَّهُمَّ بِحَقِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ.

5 -

«إنك لا تخلف الميعاد» .

6 -

قال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/ 211): وزاد الرافعي في المحرر في آخره يا أرحم الراحمين وليست أيضا في شيء من طرقه.

الثاني: سأل ابن أبي حاتم أباه عن صحة هذا الحديث في «علله» (2/ 173) فقال: رواه شُعيب بن أبي حمزة، عن مُحمد بن المنكدر، عن جابر وقد طعن فيها وكان عرض شُعيب على ابن المنكدر كتابا فأمر بقراءته عليه فعرف بعضًا وانكر بعضًا وقال: لابنه أو لابن أخيه اكتب هذه الأحاديث فدون شُعيب ذلك الكتاب ولم يثبت رواية شُعيب تلك الأحاديث على الناس وعرض علي بعض تلك الأحاديث فرأيتها مشابهة لحديث إسحاق بن أبي فروة وهذا الحديث من تلك الأحاديث.

واعتمد ابن رجب كلام أبي حاتم في «شرح علل الترمذي» (2/ 862) فقال: ومصداق ذلك ما ذكره أبو حاتم: أن شعيب بن أبي حمزة روى

إلخ.

ص: 344

وسأل شيخنا الباحث سيد بن رفعت العارف في نهاية المناقشة بتاريخ 5/ ربيع الأول 1445 موافق 20/ 9/ 2023 م: هل تضعف الحديث أم تعمل به؟

فتمثل الباحث قول الذهبي في حديث

(1)

من عاد لي وليا فوافقه شيخنا حفظهما الله.

(1)

قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (1/ 641) عن حديث «مَنْ عادى لي وليًّا

» الذي أخرجه البخاري: فهذا حديث غريب جدًّا، لولا هيبة الجامع الصحيح لعَدُّوه في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شَريك وليس بالحافظ، ولم يُرْوَ هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرجه مَنْ عدا البخاري، ولا أظنه في «مسند أحمد» .

ص: 345

‌استحباب الترسل في الأذان والحدر في الإقامة

قال الترمذي في «سننه» رقم (195) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا المُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُنْعِمِ، وَهُوَ صَاحِبُ السِّقَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ الحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالٍ:«يَا بِلَالُ، إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِكَ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ، وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالمُعْتَصِرُ إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» .

وتابع المعلى بن أسد يونس بن محمد كما عند الترمذي (196) وعبد بن حميد (1009).

وتابعهما معلى بن مهدي كما عند ابن عدي (18221) ومن طريقه البيهقي في «السنن» (1/ 428).

وتابعهم عمار بن هارون أخرجه الجرجاني في «تاريخه» (153).

وخالفهم علي بن حماد فزاد عمرو بن فائد بين عبد المنعم وشيخه يحيى أخرجه الحاكم (744) وابن فائد متروك قاله الدارقطني.

وقال الترمذي: «حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ المُنْعِمِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ» .

ص: 346

وخالف يحيى بن مسلم الحسن بن عبيد الله فأبدل جابرا بأبي هريرة أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (1/ 428) وفي سنده صبيح بن عمير مجهول قاله البيهقي.

وله شواهد:

1 -

من حديث أبي جحيفة أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في «أحاديثه» (ص: 99) رقم (43) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ هِلَالٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَوْدِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:«رَأَيْتُ بِلَالًا رضي الله عنه يُؤَذِّنُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الْأَذَانَ بِصَوْتَيْنِ صَوْتَيْنِ»

وفي سنده معلى بن هلال كذاب. وإسماعيل بن عمرو ضعيف.

2 -

من حديث علي رضي الله عنه أخرجه الدارقطني في «سننه» رقم (915) - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ التُّبَّعِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا أَنْ نُرَتِّلَ الأَذَانَ وَنَحْذِفَ الإِقَامَةَ.

وفي سنده عمرو بن شمر كذاب.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث سيف الدين بن طلبة البحراوي

(1)

(1)

وُلد بتاريخ (10/ 5/ 2000 م) حاصل على كلية أصول الدين، قسم حديث، عام (2023 م) وهذا أول حديث للباحث في عرضه على شيخنا -حفظهما الله- وثَمة حديث آخَر سبق «هذا قَسْمي

» وكَتَب شيخنا معه: المرسل أصح.

ص: 347

بتاريخ 23 ذي القعدة 1444 موافق 10/ 6/ 2023 م إلى ضعف المرفوع.

وورد موقوفًا:

1 -

عن عمر رضي الله عنه أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2248) - حَدَّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: جَاءَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْذِمْ.

وفي سنده أبو الزبير مؤذن بيت المقدس انتهى شيخنا مع الباحث إلى جهالته.

2 -

ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2255) ولفظه: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يُرتِّل الأَذَانَ، وَيَحْدُرُ الإِقَامَةِ.

ص: 348

‌هل ثبت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه يكون بعدي أو بعدك قوم سفلتهم مؤذنوهم» ؟

قال البزار في «مسنده» رقم (9266) - حدثنا أخبرنا بن منصور بن سيار حدثنا عتاب بن زياد حدثنا أبو حمزة السكري عن الأعمش عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين قالوا يا رسول الله لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكون بعدي أو بعدك قوم سفلتهم مؤذنوهم.

تفرد أبو حمزة السكري بزيادة: «قالوا يا رسول الله لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكون بعدي أو بعدك قوم سفلتهم مؤذنوهم» مخالفًا الجماعة عن الأعمش وهم سفيان الثوري وابن عيينة وأبا معاوية وأبا الأحوص ومحمد بن عبيد وعيسى بن يونس وجرير وزائدة وأبا خالد الأحمر وهشيم وابن نمير وابن فضيل فلم يذكروها.

وقال الدارقطني في «العلل» (5/ 135): وزاد فيه ألفاظا لم يأت بها غيره وهي: فقال رجل: يا رسول الله تركتنا نتنافس في الأذان، قال: إن بعدكم زمانا سفلتهم مؤذنوهم، وليست هذه الألفاظ بمحفوظة.

وقال البزار عقبه: وهذا الحديثُ قد روى صدره جماعة عن الأعمش على اضطرابهم فيه وفي إسناده، وآخر هذا الحديث لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ إلاَّ أبو حمزة

ص: 349

السكري ولم يتابع عليه

(1)

.

وقال الخليلي في «الإرشاد» (3/ 885): هذه اللفظة لا تروى إلا من رواية أبي حمزة، وربما هذا من قول بعض الرواة، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الخلاصة: سبق ضعف هذا الخبر وأن علته قول الأعمش حدثت عن أبي صالح وقال الإمام أحمد: ليس له أصل وسبق كل هذا في «سلسلة الفوائد» (2/ 100) وزاد الباحث سيد بن رفعت العارف زيادة أبي حمزة السكري والكلام عليها وأكد شيخنا معه ضعف أصل الخبر والزيادة بتاريخ 1 ربيع الأول 1445 موافق 16/ 9/ 2023 م.

(1)

واعتَمد ابن رجب كلامه. وجَزَم ابن عَدي أنها من أفراد أبي حمزة. ونَقَل ابن حجر كلام الدارقطني والخليلي في «الإرشاد» واختاره.

ص: 350

‌الصلاة خير من النوم في أذان الفجر

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (16477) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَضْرِبَ بِالنَّاقُوسِ يَجْمَعُ لِلصَّلَاةِ النَّاسَ، وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ لِمُوَافَقَتِهِ النَّصَارَى، طَافَ بِي مِنَ اللَّيْلِ طَائِفٌ وَأَنَا نَائِمٌ، رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ يَحْمِلُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ، قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ، قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ: إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ، فَكَانَ بِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ، وَيَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَاتَ غَدَاةٍ إِلَى الْفَجْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَائِمٌ، قَالَ: فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ الصَّلَاةُ

ص: 351

خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ.

وأخرجه الإمام أحمد (16478) مع خلاف في السند ونقص في المتن فلم يذكر: «وَيَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَاتَ غَدَاةٍ إِلَى الْفَجْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَائِمٌ، قَالَ: فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ» هكذا: - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ فِي الْجَمْعِ لِلصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، قَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: تَقُولُ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ:«إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» ، قَالَ: فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ،

ص: 352

قَالَ: فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي أُرِيَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» .

وتابع الإمام أحمد على هذا الوجه:

1 -

محمد بن سلمة الحراني أخرجه ابن ماجه (706).

2 -

محمد بن منصور الطوسي أخرجه أبو داود (499).

3 -

محمد بن يحيى الذهلي أخرجه ابن خزيمة (371) وابن الجارود (158).

4 -

ابن وهب أخرجه الطبراني في «الأوسط» (1162).

5 -

عبد الله بن سعد الزهري أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (1835).

وتابع إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق يحيى بن سعيد الأموي كلفظ الجماعة عن يعقوب أخرجه الترمذي (189) وابن خزيمة (363).

الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث سيد بن رفعت العارف بتاريخ 17 صفر 1445 موافق 2/ 9/ 2023 م: السند فيه تدليس بن إسحاق وهو واضح.

قول سعيد بن المسيب مرسل. والله أعلم

(1)

.

والسند الثاني: محمد بن عبد الله بن زيد

(2)

لم يوثقه معتبر لكن يمكن

(1)

كانت هذه الجملة آخِر كلام، لكن قدمتُها لاقتضاء السياق. والله أعلم.

(2)

وثقه النسائي والعِجلي، وذَكَره ابن حبان في «الثقات» . وروى عنه جمع.

ص: 353

التغاضي عن ذلك لكون أبيه صاحب القصة لكن ثم غرابة بالمتن وهي لما أمر رسول الله بالناقوس ليضرب

(1)

.

ص: 354

‌رواية شاذة في ترديد الأذان

قال البخاري في «صحيحه» رقم (611) - حَدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخبَرَنا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ.

وتابع عبد الله بن يوسف يحيى بن يحيى أخرجه مسلم (383) وتابعهما يحيى بن سعيد والشافعي وابن مهدي ومعن بن عيسى والقعنبي في وجه.

خالفهم ابن وهب كما عند ابن خزيمة (411) فلم يذكر لفظ: «المؤذن» وتابعه أبو عاصم النبيل أخرجه الطبراني في «الدعاء» (246)، ومحمد بن جعفر كما عند أحمد (11742) وعبد الرحمن بن القاسم أخرجه ابن المظفر في «غرائب مالك» (122) والقعنبي في وجه كما سبق. ورواية أصحاب مالك أصوب واختاره ابن حجر في «فتح الباري» () وردّ على ابن وضاح في دعواه الإدراج.

وخالف مالكًا فلم يذكر لفظ: «المؤذن» :

1 -

يونس بن يزيد كما عند أحمد (11806) والدارمي (1237) وغيرهما.

2 -

ابن جريج كما عند أبي عوانة (987).

تنبيه: خالف كل الرواة عن مالك زيد بن حباب فجعل الترداد من فعله صلى الله عليه وسلم لا من أمره وشذ بذلك أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2372) - حَدَّثَنَا زَيْدُ

ص: 355

بْنُ حُبَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث سيد بن رفعت العارف بتاريخ 28 محرم 1445 موافق 15/ 8/ 2023 م: إلى شذوذ رواية زيد بن الحباب وأن الخلاف في ذكر «المؤذن» مفهوم من السياق فغير مؤثر.

ص: 356

‌تأول ابن عمر رضي الله عنهما ترك الأذان في السفر إلا الفجر

قال عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (1913) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: كَمْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُؤَذِّنُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: أَذَانَيْنِ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَذَّنَ بِالأُولَى، فَأَمَّا سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَإِقَامَةٌ، إِقَامَةٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ، كَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا التَّأَذِينُ لِجَيْشٍ، أَوْ رَكْبٍ سَفْرٍ عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ، فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ لِيَجْتَمِعُوا لَهَا، فَأَمَّا رَكْبٌ هَكَذَا، فَإِنَّمَا هِيَ الإِقَامَةُ.

بيان:

وردت أخبار في الأذان في السفر منها في المنفرد:

1 -

في البخاري رقم (609) من طريق أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ، قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ:«لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»

2 -

وفي البخاري رقم (628) ومسلم (674) عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا، قَالَ: ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ.

ص: 357

‌هل تردد الإقامة كالأذان

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (15620) - حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا زَبَّانُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُنَادِيَ يُثَوِّبُ بِالصَّلَاةِ، فَقُولُوا كَمَا يَقُولُ»

وتابع ابن لهيعة رشدين بن سعد أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (396) وابن عدي في «الكامل» (4/ 73).

الخلاصة: أن الخبر ضعيف لما يلي:

1 -

ضعف ابن لهيعة وبخاصة أنه ليس من رواية العبادلة عنه.

2 -

أورده ابن عدي في ترجمة رشدين وهو ضعيف.

3 -

مدار المتابعتين على زبان بن فائد المصري قال فيه ابن حبان: منكر الحديث جدًّا ينفرد عن سهل بن معاذ بنسخة كأنها موضوعة.

وقال غيره: لا بأس بسهل بن معاذ إلا في روايات زبان عنه.

وانتهى شيخنا مع الباحث أحمد بن عبد العاطي العيسوي الرفاعي بتاريخ 13/ صفر 1445 موافق 29/ 8/ 2023 م إلى ضعفه من وجوه وأن لفظ البخاري رقم (611) ومسلم (383) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا: «إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن» عام لا يشهد للخاص في حديث معاذ

ص: 358

بن أنس الجهني.

وأن التثويب محمول على الصلاة خير من النوم في الفجر.

تنبيه: قال السندي: يثوب يقيم أي ينبغي إجابة الإقامة كما ينبغي إجابة المؤذن. ووافقه العلامة الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3/ 317)

حيث قال: و (التثويب): الدعاء على الصلاة كما في " القاموس ". فهو يشمل الأذان والإقامة.

بل قال الإمام الترمذي في «سننه» (1/ 397): وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي تَفْسِيرِ التَّثْوِيبِ:

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّثْوِيبُ أَنْ يَقُولَ فِي أَذَانِ الفَجْرِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ.

وقَالَ إِسحَاقُ، فِي التَّثْوِيبِ غَيْرَ هَذَا، قَالَ: هُوَ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ فَاسْتَبْطَأَ القَوْمَ، قَالَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَ إِسحَاقُ: هُوَ التَّثْوِيبُ الَّذِي كَرِهَهُ أَهْلُ العِلْمِ، وَالَّذِي أَحْدَثُوهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَالَّذِي فَسَّرَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، أَنَّ التَّثْوِيبَ أَنْ يَقُولَ المُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الفَجْرِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ.

وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَيُقَالُ لَهُ التَّثْوِيبُ أَيْضًا، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ العِلْمِ وَرَأَوْهُ.

ص: 359

وَرُوِيَ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ.

وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ مَسْجِدًا، وَقَدْ أُذِّنَ فِيهِ، وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِ، فَثَوَّبَ المُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ عَبدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ المَسْجِدِ، وَقَالَ: اخْرُجْ بِنَا مِنْ عِنْدِ هَذَا المُبْتَدِعِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ.

وَإِنَّمَا كَرِهَ عَبدُ اللهِ التَّثْوِيبَ الَّذِي أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدُ.

ص: 360

‌هل ثبتت «إلا قد قامت الصلاة» ؟

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (605) - حَدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ، إِلاَّ الإِقَامَةَ.

وتابع سماكا معمر بن راشد

(1)

لكن فيه: «إِلَّا قَوْلَهُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ» أخرجه ابن خزيمة (375) وابن أبي شيبة (1794) وأبو عوانة (955).

وخالفهما جماعة فلم يستثوا «إِلاَّ الإِقَامَةَ» وهم:

1 -

عبد الوارث بن سعيد.

2 -

وهيب بن خالد.

3 -

عبد الوهاب بن عبد المجيد ثلاثتهم عند مسلم.

4 -

شعبة كما عند ابن حبان (1675) وغيره.

(1)

وقال الإمام مسلم رقم (378) عقبها:

زَادَ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَيُّوبَ فَقَالَ: إِلَّا الْإِقَامَةَ.

هذه الزيادة وإن كانت مجملة محتملة للرفع، لكن بَيَّنَتْها رواية البخاري (607) بأنها من قول أيوب، وهكذا نص ابن منده ومغلطاي على أنها مدرجة من قول أيوب.

ص: 361

5 -

عبيد الله بن عمرو الجزري كما عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (818).

*-ورواه الجماعة-ابن علية

(1)

يزيد بن زريع

(2)

وعبد الوهاب الثقفي

(3)

وعبد الوارث بن سعيد والحمادان ابن زيد وابن سلمة وشعبة والثوري وآخرون- عن خالد الحذاء عن أبي قلابة كرواية الجماعة عن أيوب.

ورواية الجماعة أرجح وانتهى ابن حجر في «فتح الباري» (3/ 83) إلى

(1)

ورواه خلف بن هشام عن حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة به، دون «إلا الإقامة» أخرجه مسلم (378).

(2)

تنبيه: رواه الجماعة عن يزيد بلفظ: «أمر بلال» وجاءت رواية عند النسائي (627)«أن رسول الله أمر بلالًا» .

وانتهى شيخنا مع الباحث سيد بن رفعت العارف إلى الجمع بين الروايتين، وأن الآمر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في حين يَرى الباحث شذوذها للآتي:

1 -

رواه قتيبة بن سعيد واختُلف عليه، فرواه النسائي عنه (627) بلفظ:«إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَالًا» .

وخالفه الترمذي (193) فقال: (أمر بلال).

2 -

ورواه عفان وعبد الأعلى بن حماد وأحمد بن المقدام، ثلاثتهم عن يزيد كرواية الترمذي.

3 -

وتابعهم الناس عن خالد الحذاء بمثل رواية الترمذي.

فائدة: نحو هذا الخلاف على أنس رضي الله عنه في التوقيت في خصال الفطرة.

ففي «صحيح مسلم» (258): قَالَ أَنَسٌ: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ

».

وفي النسائي (14) عن أنس رضي الله عنه «وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَصِّ الشَّارِبِ

».

(3)

أخرجه البخاري (606) ومسلم (378).

ص: 362

رفعها في حين تعقبه ابن منده كما في «نصب الراوية» (1/ 374) ومغلطاي وابن بطال بأنها مدرجة من قول أيوب. وقال الحاكم: هذا حديث رواه الناس عن أيوب فلم يذكروا الزيادة من تثنية «قد قامت الصلاة» غير سماك بن عطية.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث سيد بن رفعت العارف بتاريخ 22/ محرم 1445 موافق 9/ 8/ 2023 م إلى أن العمل يقتضي تثنيتها.

ص: 363

‌الأذان في البادية

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (18964) - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُبَيِّعَة

(1)

السُّلَمِيِّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَسَمِعَ مُؤَذِّنًا يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَشْهَدُ أَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«تَجِدُونَهُ رَاعِيَ غَنَمٍ، أَوْ عَازِبًا عَنْ أَهْلِهِ» . فَلَمَّا هَبَطَ الْوَادِي، قَالَ: مَرَّ عَلَى سَخْلَةٍ مَنْبُوذَةٍ، فَقَالَ:«أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى أَهْلِهَا لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا»

تابع وكيعا أبو عمر النميري كما في «معرفة الصحابة» (1/ 259) للبغوي. وشبابة بن سوار كما في «المدرج» (1/ 593) للخطيب.

خالفهم جماعة -محمد بن جعفر وابن مهدي وحجاج الأعور ثلاثتهم في المدرج للخطيب (1/ 593) فقالوا قال شعبة قال الحكم لم أسمع هذا الحرف من ابن أبي ليلي: «تَجِدُونَهُ رَاعِيَ غَنَمٍ، أَوْ عَازِبًا عَنْ أَهْلِهِ» . فَلَمَّا هَبَطَ الْوَادِي، قَالَ: مَرَّ عَلَى سَخْلَةٍ مَنْبُوذَةٍ، فَقَالَ:«أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى أَهْلِهَا لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا» .

(1)

في «عون المعبود شرح سُنن أبي داود» (7/ 198): بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ وَكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ، هُوَ اِبْنُ فَرْقَدٍ السُّلَمِيُّ.

ص: 364

وتابعهم عمر بن مرزوق كما في «معجم الصحابة» (2/ 333) وعفان بن مسلم كما عند الخطيب في «المدرج» ورواه مختصرا دون الزيادة يزيد بن زريع أخرجه النسائي في «الكبرى» (9976).

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث سيد بن رفعت العارف بتاريخ 21/ صفر 1445 موافق 6/ 9/ 2023 م: إن سلمت الصحبة لعبد الله

(1)

فالسند صحيح والزيادة مدرجة.

(1)

فأَثْبَتَها ابن المديني والفسوي والنسائي وأبو نُعيم والحاكم، ونفاها أبو حاتم تارة وأخرى قال: إن السُّلمي تابعي.

ص: 365

‌كتاب المساجد

‌تحية المسجد

قال ابن خزيمة في «صحيحه» رقم (1571): حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ المِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، أَخْبَرَنِي عَبدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ لِلنَّاسِ: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ وَالنَّاسُ رُكُوعٌ، فَلْيَرْكَعْ حِينَ يَدْخُلُ، ثُمَّ لِيَدِبَّ رَاكِعًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ السُّنَّةُ. قَالَ عَطَاءٌ: وَقَدْ رَأَيْتُهُ هُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.

وتابع سعيدًا حرملةُ بن يحيى، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (7016).

رواية ابن وهب عن ابن جُريج في البخاري ومسلم، لكن قال أبو عَوَانة كما في «تهذيب التهذيب» (6/ 66) في كتاب الجنائز من «صحيحه»: قال أحمد بن حنبل: في حديث ابن وهب عن ابن جريج شيء. قال أبو عَوانة: صَدَق لأنه يأتي عنه بأشياء لا يأتي بها غيره.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أحمد بن علي، بتاريخ (27) ذي الحجة (1443 هـ) الموافق (26/ 7/ 2022 م): هذا الحديث يحتاج إلى مزيد بحث إن شئتَ مزيدًا من الإتقان، وإلا فعلى القَدْر الظاهر هو ضعيف؛ لبعض الكلام في رواية ابن وهب عن ابن جريج.

ص: 366

‌تسمية المسجد بأحد الصالحين أو بعض القبائل أو العائلات

ذهب إلى جواز ذلك جمهور العلماء، خلافًا لإبراهيم النَّخَعي

(1)

.

ومن أدلتهم ما يلي:

‌1 - تسمية مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

-:

فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي مَسْجِدِ عَبْدِ القَيْسِ، بِجُوَاثَى مِنَ البَحْرَيْنِ»

(2)

.

وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ، فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، حَرِيصَةً عَلَى اللهْوِ»

(3)

.

(1)

قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (8285): حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ. وَلَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَقُولَ: مُصَلَّى بَنِي فُلَانٍ.

ورجاله ثقات، وقد قال ابن حجر في ترجمة مغيرة بن مِقسَم: ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس ولا سيما عن إبراهيم.

(2)

أخرجه البخاري (892).

(3)

أخرجه مسلم (892) والبخاري (5236) ولفظه: (يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ).

ص: 367

‌2 - تسمية مسجد بني زُريق:

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنَ الحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ

(1)

.

‌3 - تسمية مسجد بني عمرو بن عوف:

فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسْجِدَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، مَسْجِدَ قُبَاءَ، يُصَلِّي فِيهِ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ رِجَالُ الْأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَدَخَلَ مَعَهُ صُهَيْبٌ، فَسَأَلْتُ صُهَيْبًا: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ إِذَا سُلِّمَ عَلَيْهِ؟، قَالَ:«يُشِيرُ بِيَدِهِ»

(2)

.

أقوال الفقهاء:

قال أبو بكر الجَصَّاص الحنفي في «أحكام القرآن» (3/ 158):

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] فَأَثْبَتَ لَهُمْ مِلْكَ السَّفِينَةِ، وَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ.

قِيلَ لَهُ: قَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا أُجَرَاءَ فِيهَا، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُلَّاكًا لَهَا، وَإِنَّمَا

(1)

أخرجه البخاري (420) ومسلم (1870).

(2)

إسناده صحيح: أخرجه أحمد (4568): حدثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر، به.

وثَبَت سماع زيد من ابن عمر، قال ابن خُزيمة عقبه: هَذَا حَدِيثُ أَبِي عَمَّارٍ، زَادَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: قَالَ سُفْيَانُ: قُلْتُ لِزَيْدٍ: سَمِعْتَ هَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

ص: 368

نَسَبَهَا إلَيْهِمْ بِالتَّصَرُّفِ وَالْكَوْنِ فِيهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] فَأَضَافَ الْبُيُوتَ تَارَةً إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَارَةً إلَى أَزْوَاجِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِلْكًا لَهُ أَوْ لَهُنَّ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَهُنَّ، وَلَهُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ؛ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهَا مِلْكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ، فَثَبَتَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إِنَّمَا صَحَّتْ لِأَجْلِ التَّصَرُّفِ وَالسُّكْنَى، كَمَا يُقَالُ:(هَذَا مَنْزِلُ فُلَانٍ) وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهِ غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ، وَ (هَذَا مَسْجِدُ فُلَانٍ)، وَلَا يُرَادُ بِهِ الْمِلْكُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] هُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.

وقال ابن العربي في «أحكام القرآن» (4/ 321): الْمَسَاجِدُ وَإِنْ كَانَتْ لِلَّهِ مِلْكًا وَتَشْرِيفًا، فَإِنَّهَا قَدْ نُسِبَتْ إِلَى غَيْرِهِ تَعْرِيفًا، فَيُقَالُ: مَسْجِدُ فُلَانٍ. وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَيْفَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. وَتَكُونُ هَذِهِ الْإِضَافَةُ بِحُكْمِ الْمَحَلِّيَّةِ، كَأَنَّهَا فِي قِبْلَتِهِمْ، وَقَدْ تَكُونُ بِتَحْبِيسِهِمْ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ مِلْكًا، ثُمَّ يَخُصُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ، فَيَرُدُّهَا إلَيْهِ، وَيُعَيِّنُهَا لِعِبَادَتِهِ، فَيَنْفُذُ ذَلِكَ بِحُكْمِهِ.

وقال النووي في «المجموع» (2/ 180): ولا بأس أن يقال: (مسجد فلان) و (مسجد بني فلان) على سبيل التعريف.

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (3/ 153): وهذا وإن كان من قول عبد الله بن عمر ليس مرفوعًا، إلا أن تعريف المسجد بذلك يدل على اشتهاره بهذه الإضافة في زمن المسابقة، ولم يشتهر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين شيء

ص: 369

إلا وهو غير ممتنع؛ لأنه لو كان محظورًا لما أَقَر عليه، خصوصًا الأسماء؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُغيِّر أسماء كثيرة يَكرهها من أسماء الأماكن والآدميين، ولم يُغيِّر هذا الاسم للمسجد، فدل على جوازه.

أفاده الباحث محمد بن رمضان شرموخ (1443 هـ) الموافق (2022 م) مع شيخنا، حَفِظهما الله، واختار شيخنا رأي الجمهور.

ص: 370

‌حكم بناء المحراب في قبلة المسجد

أولًا- المحاريب التي جاء ذكرها في قصص نبي الله داود وابنه سليمان ونبي الله زكريا مع مريم عليهم السلام غير المحاريب التي في قبلة المساجد الآن وإنما محمولة على بِناءٍ كغرفة للعزلة والعبادة.

ثانيًا- لم يَثبت فيه خبر مرفوع ولا أثر موقوف. قال إسحاق بن منصور الكوسج قلت لأحمد: تكره المحراب في المسجد؟ قال: ما أعلم فيه حديثا يثبت، ورب مسجد يحتاج إليه يرتفق به.

(1)

.

ثالثًا- المعنى اللغوي يشمله فقد قال الأَزهريّ في «تاج العروس» (2/ 254): المِحْرَابُ عندَ العَامَّةِ الَّذِي يفهَمُه الناسُ: مَقَامُ الإِمَامِ مِنَ المَسْجِدِ.

رابعًا- اختلف في حكم بنائه في المساجد:

فذهب الجمهور -من الأحناف والمالكية

(2)

والشافعية

(3)

والأصح عند

(1)

«مسائل إسحاق» (248).

(2)

في «المَدخل لابن الحاج المالكي» (2/ 272): وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّلَفِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مِحْرَابٌ، وَهُوَ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ لَكِنَّهَا بِدْعَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ إذَا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ لَا يَعْرِفُونَ الْقِبْلَةَ إِلَّا بِالْمِحْرَابِ، فَصَارَتْ مُتَعَيِّنَةً. لَكِنْ يَكُونُ الْمِحْرَابُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ.

(3)

في «المجموع» (3/ 201) للنووي:

أما المحراب فيجب اعتماده، ولا يجوز معه الاجتهاد، ونَقَل صاحب «الشامل» إجماع المسلمين على هذا. واحْتَجّ له أصحابنا بأن المحاريب لا تُنصَب إلا بحضرة جماعة من أهل المعرفة بسَمْت الكواكب والأدلة، فجرى ذلك مَجرى الخبر.

ص: 371

الحنابلة

(1)

- إلى الجواز وجملة ما يستدل لهم به:

1 -

المعنى اللغوي لكلمة محراب والأدلة الضعيفة.

2 -

قيل: أنه من المصالح المرسلة من هداية الغريب عن المكان للقبلة، وتقوية صوت الإمام عند انقطاع الكهرباء، وأنه يوفر صفًّا في بعض المساجد الضيقة.

وخالفهم ابن حزم فقال بالكراهة

(2)

. وقال الإمام السيوطي والعلامة الألباني

(3)

رحمهما الله بالحرمة؛ لكون الأخبار ضعيفة وأنه أمر محدث بعد القرن الأول ولا مبرر لجعله من المصالح المرسلة.

(1)

في «الإنصاف» (2/ 298): يُبَاحُ اتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْبَنَّا. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي «الْمُذْهَبِ» ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي مَوْضِعٍ، وَقَدَّمَهُ فِي «الْآدَابِ الْكُبْرَى» .

(2)

في «المُحَلَّى» (4/ 239) لابن حزم:

وتُكرَه المحاريب في المساجد

وقال علي: أما المحاريب فمُحدَثة، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف وحده، ويصف الصف الأول خلفه. وقال علي: لو كان أبو بكر في محراب لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كَشَف السِّتر، وكان هذا يوم موته عليه السلام.

(3)

في «الثمر المستطاب في فقه السُّنة والكتاب» (1/ 472): وأما المحراب في المسجد فالظاهر أنه بدعة؛ لأننا لم نقف على أي أثر يدل على أنه كان موجودًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 372

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن رمضان بن شرموخ، بتاريخ (18) محرم (1444 هـ) الموافق (16/ 8/ 2022 م) إلى ما سبق، ونَقَل الباحث عنه في مجلس التفسير قوله: الأمر فيه واسع.

تنبيه: مجمع الهدى والنور بمنية سمنود بمحراب، وكذلك مجمع الإحسان، وكلاهما تحت إشراف شيخنا - حفظه الله- وأما مسجد أهل السُّنة بمنية سمنود فقد بُني قديمًا دون محراب.

ص: 373

‌حُكْم الكتابة على محراب المسجد

لم يَثبت فيها شيء مرفوع، وإنما هي أقوال للفقهاء، منها:

في «البحر الرائق شرح كنز الدقائق» (2/ 40): وَفِي «النِّهَايَةِ» : وَلَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ؛ لِمَا يُخَافُ مِنْ سُقُوطِ الْكِتَابَةِ وَأَنْ تُوطَأَ.

وفي «المَدخل» لابن الحاج (2/ 214): وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَسَاجِدِ، هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ فِي قِبْلَتِهَا بِالصَّبْغِ، مِثْلُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَنَحْوِهَا؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَالتَّزْوِيقِ. وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ.

وفي «إعلام الساجد بأحكام المساجد» (ص: 337) لبدر الدين الزركشي: ويُكرَه أن يُكتَب في قبلة المسجد آية من القرآن أو شيء منه. قاله مالك، وجوزه بعض العلماء، وقال: لا بأس به لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [التوبة: 18] الآية، ولِما رُوي من فعل عثمان ذلك بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يُنكَر ذلك.

أفاده الباحث محمد بن رمضان شرموخ، مع شيخنا بتاريخ (18) محرم (1444 هـ) الموافق (16/ 8/ 2022 م).

ص: 374

‌بأي القدمين تَدخُل المسجد وتَخرُج منه؟

قال الحاكم في «مستدركه» (2/ 104) رقم (887) وعنه البيهقي في «السُّنن الكبير» (4322): حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُفِيدُ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شَدَّادٌ، أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى، وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُسْرَى. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَقَدِ احْتَجَّ بِشَدَّادِ بْنِ سَعِيدٍ أَبِي طَلْحَةَ الرَّاسِبِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

وقال البيهقي في «السنن الكبير» (5/ 167): تَفَرَّدَ به شَدَّادُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو طَلْحَةَ الرَّاسِبِيُّ، وَلَيْسَ بِالقَوِىِّ.

والكلام في هذا السند في رجلين:

1 -

شداد أبي طلحة وتَفرُّده كما سبق في كلام البيهقي، والاختلاف فيه.

فقد قال أحمد: شيخ ثقة. ووثقه ابن مَعين وأبو داود والنسائي.

وقال البخاري: ضَعَّفه عبد الصمد بن عبد الوارث.

وقال ابن عَدي: ليس له كبير حديث، ولم أَرَ له حديثًا منكرًا.

وقال العُقيلي: له غير حديث لا يُتابَع عليه.

ص: 375

وقال الدارقطني: بصري يُعتبَر به.

وذَكَره ابن حبان في «الثقات» وقال: ربما أخطأ.

2 -

عمر بن جعفر البصري، شيخ الحاكم.

ترجمه ابن حجر في «لسان الميزان» (6/ 74):

انتَخَب الكثير على البغاددة، وكان صدوقًا إن شاء الله.

حَدَّث، عن أبي خليفة وعبدان.

وله خطأ وأوهام، وقد كان الدارقطني يَتَّبَّع خطأه فيما انتقاه على أبي بكر الشافعي خاصة.

قال الخطيب: وكان أبو محمد السبيعي يقول فيه: كذاب كذاب.

وقال ابن أبي الفوارس: كانت كتبه رديئة.

وفي الباب عموم:

حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ

(1)

.

وما علقه البخاري في «صحيحه» (1/ 164): وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ اليُمْنَى، فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ اليُسْرَى.

ذكر ابن حجر رحمه الله أنه لم يقف عليه موصولًا.

(1)

أخرجه البخاري (426) ومسلم (268) وقد سبق في «سلسلة الفوائد» (1/ 437).

ص: 376

والخلاصة: انتهى شيخنا مع حلمي الغندور، بتاريخ (22) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (15/ 1/ 2023 م) إلى ضعف المرفوع، وطَلَب البحث عن سند ابن عمر الموقوف.

ص: 377

‌هل الفضل بن عباس رضي الله عنهما دخل الكعبة مع النبي صلى الله عليه وسلم

أَخْرَج النسائي في «سننه» رقم (2906): أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ، وَمَعَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ وَبِلَالٌ، فَأَجَافُوا

(1)

عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَمَكَثَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ خَرَجَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِيتُ بِلَالًا، قُلْتُ: أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: «مَا بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ» .

خالف هُشيم بن بَشير الجماعةَ عن ابن عون فزاد: «وَمَعَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ» .

والجماعة عن ابن عون هم: خالد بن الحارث، والمُثَنَّى بن معاذ، وعبد الواحد بن زياد، وحسين بن الحسن، وأشهل بن حاتم.

وأيضًا: الجماعة عن نافع وهم: أيوب كما عند البخاري (468) ومسلم (1329) ويونس بن يزيد، ومالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر وحسان بن عطية، وموسى بن عقبة.

وكذلك الجماعة عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهم: سالم، في البخاري (1598) ومسلم (1329)، ومجاهد وعمرو بن دينار.

(1)

أي: أغلقوا.

ص: 378

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن عيد، بتاريخ الأربعاء (20) شوال (1444 هـ) الموافق (10/ 5/ 2023 م) إلى شذوذ ذكر الفضل بن عباس رضي الله عنهما.

ص: 379

‌هل مُضاعَفة أجر الصلاة في الحَرَمَيْنِ تقوم مَقام قضاء الفريضة؟

قال النووي في «شرحه على مسلم» (9/ 166): فثواب صلاة فيه يَزيد على ثواب ألف فيما سواه ولا يَتعدى ذلك إلى الإجزاء عن الفوائت، حتى لو كان عليه صلاتان فصلى في مسجد المدينة صلاة لم تجزئه عنهما، وهذا لا خلاف فيه، والله أعلم.

أفاده الباحث أحمد بن علي مع شيخنا، بتاريخ (7) صفر (1445 هـ) الموافق (23/ 8/ 2023 م) ونَبَّه شيخنا على أهمية هذا الإجماع؛ فلذا طَلَب مصادره.

ص: 380

‌هل ما فات المُصلِّي من ركعات يقضيها أو يؤديها؟

وردت أخبار، منها حديث أبي قتادة، وفيه:«وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»

(1)

.

وكذلك الأَشْهَر والأصح في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «فاقضوا» تَفرَّد بها سفيان بن عيينة عن الزُّهْري

(2)

وقال الإمام مسلم في «التمييز» : أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة، ولا أعلم رواها عن الزُّهْري غيره.

ورواها: «فاقضوا» محمد بن سيرين عن أبي هريرة، كما عند مسلم (602).

وقال البيهقي في «السُّنن» (3674): والذين قالوا: «فأَتِموا» أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة، فهو أَوْلَى، والله أعلم.

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث حلمي بن سعد المنوفي، بتاريخ (12) محرم (1444 هـ) الموافق (10/ 8/ 2022 م) على طريق ابن عيينة: لفظة «وما فاتكم فاقضوا» شاذة، والصواب «وما فاتكم فأَتِموا» كذا رواها الأكثرون.

(1)

أخرجه البخاري (635)، ومسلم (603).

(2)

مخالفًا مَعْمَرًا وابن أبي ذئب وشعيبًا ويونس وإبراهيم بن سعد ويزيد بن الهاد وعقيلًا ومحمد بن أبي حفصة.

وتابع الزُّهْري على لفظ «فأَتِموا» سعد بن إبراهيم، كما عند ابن خزيمة (1505) وخالفهما عمر بن أبي سلمة عن أبيه:«فليَقضِ ما فاته» أخرجه أحمد (10103) وعبد الرزاق (3405).

ص: 381

تنبيه: زيادة «فاقضوا» سندها صحيح من طريق ابن سيرين، وهذا يَحملنا على البحث في مخالفات ابن سيرين في الألفاظ، فقد سبق له لفظ في تتريب الإناء في حديث الولوغ

(1)

.

*-لكن حَمَل الذهبي القضاء بمعنى الأداء، واحْتَجَّ بقوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200].

(1)

هاكه: أخرجه مسلم (279): وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» .

ص: 382

‌قصة نوم ابن عمر رضي الله عنهما في المسجد

قال البخاري في «صحيحه» رقم (3738): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى رُؤْيَا، قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ البِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ:(أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ)

(1)

فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ.

فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ» .

قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ

(2)

لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا».

وتابع إسحاقَ بن نصر جمعٌ: محمود بن غَيْلَان، أخرجه البخاري (1122)،

(1)

وفي مسلم قالها ثلاثًا.

(2)

زاد مسلم: (بعد ذلك).

ص: 383

وإسحاق بن إبراهيم وعبد بن حُميد، أخرجه مسلم (2479)، والإمام أحمد في «مسنده» (6330)، وأحمد بن يوسف السُّلَمي، كما عند أبي عَوَانة (10037)، وهو عند عبد الرزاق (1645).

وتابع عبدَ الرزاق اثنان:

1 -

هشام بن يوسف، أخرجه البخاري (7030).

2 -

عبد الله بن معاذ الصنعاني، أخرجه ابن ماجه (3919) وزاد: (اللهم إن كان لي عندك خير، فأرني رؤيا يُعبِّرها لي النبي صلى الله عليه وسلم.

وتابع مَعْمَرًا سعيدُ بن عبد العزيز، أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (2700)، وصَرَّح الوليد بن مسلم بالسماع في سند الطبراني.

وخالفهما اثنان:

1 -

يونس بن يزيد الأيلي في السند والمتن، أخرجه أبو داود في «سُننه» (382): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبًا، وَكَانَتِ الكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

وتابع أحمدَ بن صالح حرملةُ بن يحيى

(1)

، أخرجه ابن حِبان (1690).

(1)

وخالفهما يحيى بن سليمان فقال: عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر، عن حفصة مرفوعًا:«إن عبد الله رجل صالح» . أخرجه البخاري (3740) ويحيى بن سليمان صدوق يخطئ.

ص: 384

تابع ابنَ وهب أيوبُ بن سُوَيْد، وهو سيئ الحفظ. أخرجه ابن خُزيمة (300).

وتابعهما والد أحمد بن شَبِيب، وهو شَبِيب بن سعيد، الحَبَطي

(1)

البصري، أخرجه البخاري (174) معلقًا بصيغة الجزم، قال أحمد بن شَبِيب. ووَصَله البيهقي في «السُّنن الكبرى» (3903).

وهذه الطرق عن يونس ثابتة بلفظة: (تَبُول) وإن كان وقع خلاف في بعض نُسَخ البخاري في ذكرها وعدمه. نَبَّه عليه ابن حجر في «تغليق التعليق» (2/ 109).

وتَوقَّف شيخنا مع الباحث حلمي بن سعد الغندور في لفظة (تَبُول) وأن إثباتها وعدمه عند البخاري راجعٌ للنُّسَخ الخطية.

فنبهتُه إلى أن اللفظة موجودة خارج البخاري، وقد علمت مما سبق صحة إسنادها، ويونس من أصحاب الزُّهْري، مع العلم بأن الإمام أحمد استنكر على يونس عن الزُّهْري عن سالم عن ابن عمر، مرفوعًا:«فيما سَقَتِ السماء العُشْر» .

2 -

صالح بن أبي الأخضر، وهو ضعيف في الزُّهْري، ولم يَذكر لفظ:(تَبُول). أخرجه أحمد (5366).

*-وتابع سالمًا نافعٌ كلفظ مَعْمَر، أخرجه البخاري (7016) ومسلم (2481) وغيرهما.

(1)

بفتح الحاء والباء، كما في «الأنساب» (2/ 169).

ص: 385

تنبيه:

مَنْ قَبِل اللفظة اعتَمَد على ما يلي:

1 -

صحة سند يونس بن يزيد خارج «الصحيحين» .

2 -

أنها زيادة في قصة مَبِيت ابن عمر في المسجد. وهذا الأظهر لديَّ.

3 -

وأن ذلك كان في ابتداء الحال، كما قاله ابن حجر.

ومَن رَدَّها استند على ما يلي:

1 -

الدراسة المقارنة، وأنها ليست في الطرق الأخرى.

2 -

تَنكُّب مسلم عنها، وهي عند البخاري مُعلَّقة في بعض النُّسَخ. وهذا ما يميل إليه الباحث وذَكَر أنه لم يقف على أحد أَعَلها.

ص: 386

‌حُكْم تخصيص مكان في المسجد للعبادة

قال الإمام أبو داود في «سُننه» رقم (862): حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْحَكَمِ، ح، وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ، قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبْعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ» .

وذَكَر له ابن عَدي هذا الخبر، وكذا العُقيلي، وأسند عن البخاري أنه قال: حَدَّثَنِي آدَمُ قَالَ: سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ قَالَ: تَمِيمُ بْنُ مَحْمُودٍ رَوَى عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالِدُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، إلى ضعف الخبر؛ لضعف تميم بن محمود.

وللخبر شواهد ضعيفة، منها عند أحمد (53758) وغيره.

ومِن الآثار الصريحة في الباب ما أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (5018): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبِيهٍ، عَنْ جُمْهَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ سَعْدًا جَاءَ مِرَارًا وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَمَشَى بَيْنَ الصَّفِّ وَالْجِدَارِ حَتَّى انْتَهَى إلَى مُصَلَّاهُ، وَكَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الْخَامِسَةِ.

(وفي سنده جُمهان، مقبول، قاله ابن حجر).

ص: 387

وورد أثر عن المِسْوَر غير صريح، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (5019): حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: رَأَيْتُ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلَاةُ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الثَّانِي أَوِ الأَوَّلِ. (وإسناده صحيح).

ومِن آثار التابعين ما أخرجه ابن أبي شيبة (5020): حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُ مُصَلًّى وَاحِدًا فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهِ، وَلَا يُصَلِّي فِي غَيْرِهِ، وَرَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وسنده حَسَن للخلاف في محمد بن صالحٍ التَّمَّار، فقد قال أحمد: ثقة ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالقوي، لا يعجبني حديثه.

أما أقوال أصحاب المذاهب:

فذهبت الأحناف إلى الكراهة، ففي «فتح القدير» (1/ 422): ويُكرَه أن يَتخذ في المسجد مكانًا معينًا يصلي فيه.

وفي «الذخيرة» (2/ 151) للقَرَافي المالكي: وله أن يُوطِّن موضع سجوده، ورُوي عنه الكراهة.

وذَكَر الماوردي في «الحاوي الكبير» (2/ 435): منهياتٍ، وذَكَر حديث التوطين.

وتوسعت الحنابلة في هذا الباب، ففي «كَشَّاف القناع» (1/ 494):(ويُكرَه اتخاذ غير الإمام مكانًا بالمسجد، لا يصلي فرضه إلا فيه)«لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إيطان المكان كإيطان البعير» وفي إسناده تميم بن محمود، وهو مجهول، وقال البخاري: في إسناد حديثه نظر.

ص: 388

لا بأس (به) أي: اتخاذ مكان لا يصلي إلا فيه (في النفل) للجَمْع بين الأخبار. وقال المروزي: كان أحمد لا يوطن الأماكن ويَكره إيطانها.

قال في «الفروع» : وظاهره ولو كانت فاضلة، خلافًا للشافعي، ويتوجه احتمال وهو ظاهر ما سبق من تحري نقرة الإمام؛ لأن «سلمة كان يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى الصلاة عندها» متفق عليه، قال: وظاهره أيضًا: ولو كان لحاجة، كإسماع حديث وتدريس، وإفتاء ونحوه، ويتوجه لا، وذَكَره بعضهم اتفاقًا.

الخلاصة: أنه يجوز للإمام الراتب والمعتكف ذي الخباء والمشهور بمكان للفتيا أو التديس، أن يُخصِّص مكانًا.

وانتهى شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ (29) ذي الحجة (1443 هـ) الموافق (28/ 7/ 2022 م) إلى الجواز؛ لِما ثَبَت عن المِسوَر والقاسم وسعيد بن المسيب كما سبق. اه.

فائدة: الكراهة عند أبي حنيفة يراد بها التحريم؛ فقد رُوي أن أبا يوسف قال لأبي حنيفة: إذا قلتَ في شيء: (أَكرهه) فما رأيك فيه؟ قال: التحريم. «البناية» (1/ 734) و «الجواهر النيرة» (2/ 185)، و «العناية» (9/ 502) و «الهداية» (4/ 352).

أفاده الباحث أحمد بن سالم العَقيلي.

ص: 389

‌حُكْم ضرب الأخبية أو الخيام في المسجد

ثبتت النصوص بجواز ضرب الأخبية في المسجد:

1 -

في قصة سعد رضي الله عنه فيما أخرجه البخاري في «صحيحه» رقم (468) ومسلم (1769): عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ- وَفِي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ- إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟! فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو

(1)

جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ فِيهَا.

2 -

وضَرْب الأخبية من نسائه صلى الله عليه وسلم للاعتكاف، فيما أخرجه البخاري (2041) ومسلم رقم (1172): عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ، وَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ. قال

(2)

: فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ تَعْتَكِفَ فَأَذِنَ لَهَا، فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ قُبَّةً، وَسَمِعَتْ زَيْنَبُ بِهَا فَضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الغَدَاةِ، أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ فَقَالَ:«مَا هَذَا؟» فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ:«مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا؟ آلْبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فَلَا أَرَاهَا» فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ العَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ.

(1)

أي: يسيل.

(2)

إشارة للإرسال.

ص: 390

وفي «عمدة القارئ» (4/ 238) جواز الخيمة للمرضى وغيرهم.

وفي «الكواكب الدراري» (4/ 99) أنها تباح لمن لم يكن له مسكن ولا مبيت.

وفي «فتح الباري» (1/ 556) لابن حجر: تَجُوز الخيمة في المسجد.

وفي «فتح الباري» (3/ 464) لابن رجب: جواز ضرب الخيام في المسجد.

وسُئل الإمام أحمد: يَعكتف الرجل في المسجد في خيمة، فكَرِهه وقال: إلا أن يشتد البرد. انظر: «الجامع لعُلوم أحمد» (7/ 485).

الخلاصة: اختار شيخنا مع الباحث محمد بن رمضان الشرموخي، بتاريخ (4) صفر (1444 هـ) الموافق (31/ 8/ 2022 م) الجواز لحاجة.

ص: 391

‌حَجْز المكان في المسجد أو الصف

قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (2179): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، وَقَالَ قُتَيْبَةُ: أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ- يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ- كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ- وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ: مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ- ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .

وقال ابن عابدين في «الدر المختار» (1/ 662): ينبغي تقييده بما إذا لم يَقم عنه على نية العَود بلا مهلة، كما لو قام للوضوء مثلًا، ولا سيما إذا وَضَع فيه ثوبه لتحقق سبق يده. تأمل.

وقال ابن رُشد في «البيان والتحصيل» (17/ 231 - 232): سُئل مالك عن الرجل يقوم من المجلس، فقيل له: إن بعض الناس يزعم أنه إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع إليه، أنه أحق به، فقال: سمعتُ في ذلك شيئًا وإنه لحسن، إن كان إتيانه قريبًا. وإن تباعد ذلك حتى يَذهب بعيدًا ونحو ذلك، فلا أرى ذلك له. وإن هذا لمن محاسن الأخلاق.

وقال النووي في «المجموع» (4/ 545): إن قام رجل من موضعه لحاجة فجلس رجل مكانه ثم عاد، فالمستحب أن يَرُد الموضع إليه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال ابن قدامة في «المغني» (2/ 260): فإذا قام من مجلسه ثم رجع إليه،

ص: 392

فهو أحق به.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ، بتاريخ (5) محرم (1444 هـ) الموافق (3/ 8/ 2022 م) إلى جواز حجز المكان إذا كان الوقت يسيرًا، كمن يتوضأ. أما الوقت البعيد كمن يَحجز من الظهر إلى العصر، فلا.

ص: 393

‌الاستلقاء في المسجد مِنْ فعله وقوله صلى الله عليه وسلم

-

ثبتت فيه أخبار:

منها في الفعل ما أخرجه البخاري في «صحيحه» رقم (475): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ

(1)

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا فِي المَسْجِدِ، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى

(2)

.

وتابع مالكًا على هذا السياق بذكر «واضعًا» جماعةٌ:

1 -

ابن عيينة، كما عند البخاري (6287) ومسلم (2100).

2 -

يونس بن يزيد الأيلي، كما عند مسلم رقم (2100).

3 -

ابن أبي ذئب عند الطيالسي رقم (1197).

(1)

ابن الماجشون خالف الجماعة عن الزهري، فأَدْخَل واسطة بين الزهري وعباد بن تميم، وهي محمود بن لبيد. وكأن أبا حاتم وأبا زُرعة في «العلل» (2298) يَرُدّان هذا فقد قالا: خالف عبد العزيز الماجشون أصحاب الزهري في ذلك، أَدْخَل فيما بين الزهري وعباد محمود بن لبيد، ولم يُدخِله أحد من الحُفاظ. ونحوهما ابن الجعد في «مسنده» (2864).

(2)

ومما يردّ القول بالنسخ ما ثَبَت في البخاري، حيث ذَكَر عقب الخبر: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ.

ص: 394

وخالفهم:

1 -

إبراهيم بن سعد فقال: «رافعًا» بدل «واضعًا» ، أخرجه البخاري (5969).

2 -

مَعمر بن راشد. وعنه اثنان:

أ-معتمر بن سليمان بلفظ «واضعًا» أخرجه أحمد (16447).

ب-عبد الرزاق كما في «مصنفه» (21291) بلفظ: «رافعًا» وعنه كذلك عبد بن حميد كما في «المنتخب» (516).

وأما رواية الإمام أحمد (16430) فبلفظ: «واضعًا» .

تنبيه: ورد عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» (25506) بلفظ: «في المجلس» بدل «في المسجد» .

والخلاصة: أن أكثر الرواة عن الزُّهْري بلفظ: «واضعًا» في حين كَتَب شيخنا مع الباحث فاروق بن فاروق الحسيني، بتاريخ (19) شوال (1444 هـ) الموافق (9/ 5/ 2023 م): حَدَث قصور في التخريج، فأهمل

(1)

إيراد رواية إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ: «رافعًا»

(2)

والظاهر أن اللفظ رُوي بالمعنى.

ومنها في النهي عن الاستلقاء ما أخرجه مسلم رقم (2099): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ

(3)

، «أَنَّ

(1)

أي الباحث.

(2)

استدركها في المجلس الباحث: أحمد بن علي الأزهري، حَفِظ الله الجميع.

(3)

تنبيه: هناك طريق عند البزار (4685) فيه أن هذا الخبر من مسند ابن عباس وعنه جابر رضي الله عنهم.

وقال الدارقطني في «علله» (3238): إنه من مسند جابر رضي الله عنه أصح. ونحو الدارقطني البزار في «مسنده» (4685).

ص: 395

رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَالِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ».

وتابع قتيبة وابن رُمْح على لفظ: «أن يرفع الرجل

»:

1، 2 - حجين ويونس، كما عند أحمد (14770).

وخالف الليث اثنان فقالا: «لا يستلقين أحدكم ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى» بلفظ الوضع:

1 -

عبيد الله بن أبي الأخنس، أخرجه مسلم (2099).

2 -

ابن جريج، أخرجه مسلم (2099).

وسَلَك البيهقي مسلك الجمع بين النهي وفعله صلى الله عليه وسلم، فقال في «السنن الكبرى» (2/ 317): وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ ضِيقٍ، مُسْتَلْقِيًا مِنْ أَجْلِ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ إِذَا رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ ضِيقِ الْإِزَارِ، لَمْ يَسْلَمْ مِنْ أَنْ يَنْكَشِفَ شَيْءٌ مِنْ فَخِذَيْهِ، وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْإِزَارُ سَابِغًا أَوْ كَانَ لَابِسُهُ عَنِ التَّكَشُّفِ مُتَوَقِّيًا، فَلَا بَأْسَ بِهِ، قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ اسْتِدْلَالًا ب حديث عبد الله بن زيد السابق في فعله صلى الله عليه وسلم.

ص: 396

‌العِلم بالنجاسة أثناء الصلاة

أو‌

‌ حُكْم الصلاة بالنعال في المساجد غير المفروشة أو المسرمكة، كساحات الحرمين وساحة الجامع الأزهر، والمساجد التي تحت الإنشاء.

ذهب الجمهور إلى جواز الصلاة في النعال؛ لدليل خاص وعام.

أما الخاص: فأخرجه الإمام أبو داود في «سننه» رقم (650): حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، قَالَ:«مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟» قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى-» وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى، فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» .

تابع حمادًا جماعة: الحَجاج- هو ابن الحجاج- أخرجه ابن خزيمة (786)، وأبو عامر الخزاز وعمران القطان، ذَكَرهما الدارقطني في «علله» (11/ 328).

ورواه أيوب على ثلاثة أوجه:

أحدها: مثل الجماعة، أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (4088).

ص: 397

والثاني: عن رجل عن أبي سعيد، بإسقاط أبي نضرة. أخرجه عبد الرزاق (1516).

والثالث: عن ابن سيرين عن أبي هريرة. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (8730) ووَهَّم هذه الرواية الدارقطني.

ورحج علماء العلل رواية الجماعة عن أبي نَعَامَة بالوصل، فقد قال أبو حاتم كما في «العلل» (2/ 226): والمتصل أشبه؛ لأنه اتفق اثنان عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الدارقطني في «العلل» (4/ 84): رواه حماد بن سلمة، عن أبي نَعَامَة، عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد، وهو الصواب.

والخلاصة: أن رواية الجماعة عن أبي نَضْرة بالوصل هي الصواب، وإسنادها صحيح، وهو اختيار شيخنا مع الباحث محمد بن رمضان الشرموخي، بتاريخ (13) شهر رجب (1444 هـ) الموافق (14/ 2/ 2022 م).

ثم أَكَّد النتيجة مع الباحث علي بن سلطان الفيومي، بتاريخ (2) ربيع الأول (1445) الموافق (17/ 9/ 2023 م).

وأورد الباحث الثاني شواهد، هاكها:

الشاهد الأول وهو أقواها: حديث أنس رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في «الأوسط» رقم (4293): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ السَّامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ يَخْلَعِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا مَرَّةً، فَخَلَعَ الْقَوْمُ نِعَالَهُمْ،

ص: 398

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟» قَالُوا: رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا. فَقَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا قَذَرًا»

(1)

.

تابع إبراهيمَ بن الحَجاج السَّرِيُّ هو ابن خزيمة، أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (4091).

وتابعهما على خلع النعل دون سياق القصة حاتم هو ابن عباد الجرشي، كما في «كشف الأستار» (605).

وخالف ثُمامةَ أَبْو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الأَزْدِيُّ، فقَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . أخرجه البخاري (5850) ومسلم (555).

والخلاصة: أن الأصوب من حديث أنس ما اقتَصَر عليه البخاري ومسلم، والطريق بالسياق خارج «الصحيحين» فيه عبد الله بن المثنى، وهو من رجال البخاري المُتكلَّم فيهم، ولم يُخرج البخاري هذا المتن له

(2)

.

والشاهد الثاني: حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي شيبة (334) وفي سنده أبو حمزة الأعور، وهو متروك. وله طريق آخَر عن ابن عَدي في «الكامل» (14822) وفي سنده محمد بن جابر، لَيِّن الحديث.

(1)

وقال الطبراني عقبه: لَمْ يَرْوِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَنْ ثُمَامَةَ إِلَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ.

(2)

وقد كان عَرَضه الباحث محمد بن عبد الفتاح، بتاريخ (29/ محرم 1445 هـ) الموافق (16/ 8/ 2023 م) فانتهى شيخنا إلى صحته قائلًا: له عدة طرق يصح بها، وسياق أنس في «الصحيحين» مقتصرًا على حكم الصلاة في النعل، دون مجيء جبريل عليه السلام ولا الأذى الذي بالنعل.

ص: 399

الشاهد الثالث: من حديث ابن عباس رضي الله عنه، أخرجه الدارقطني في «سننه» (1/ 399) وفي سنده فرات بن السائب، وهو متروك.

أقوال الفقهاء:

وفي «حاشية الطحطاوي» (ص/ 163): «وليُصَلِّ فيهما» دليل على استحباب الصلاة في النعال، وهو منصوص عليه في المذهب.

وفي «مواهب الجليل في شرح مختصر خليل» (1/ 141): الصَّلَاةُ فِي النَّعْلِ رُخْصَةٌ مُبَاحَةٌ، فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَذَلِكَ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَةُ النَّعْلِ. قَالَ لْأَبي: ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ الْيَوْمَ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْمَسَاجِدِ الْجَامِعَةِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ، يَعْنِي مِنْ إنْكَارِ الْعَوَامِّ. وَذَكَرَ حِكَايَةً وَقَعَتْ مِنْ ذَلِكَ أَدَّتْ إِلَى قَتْلِ اللَّابِسِ. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَفْعَلَهُ مِنَ الْعَوَامِّ مَنْ لَا يَتَحَفَّظُ فِي الْمَشْيِ بِنَعْلِهِ. قَالَ الْأَبِيُّ: بَلْ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ بِالنَّعْلِ مَخْلُوعَةً إِلَّا وَهِيَ فِي كِنٍّ.

وفي «المجموع» (3/ 156):

الصلاة في النعل الطاهرة جائزة، وأنه يجوز المشي في المسجد بالنعل، وأن العمل القليل في الصلاة جائز، وأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم يُقتدَى بها كأقواله.

وفي «مَطالب أُولِي النُّهى في شرح غاية المنتهى» (1/ 346): وَسُنَّ تَعَاهُدُ النَّعْلِ عِنْد بَابِ الْمَسْجِدِ

ص: 400

‌حكم تشبيك الأصابع في المسجد

ثبتت الأخبار بجواز تشبيك الأصابع في المسجد من حديث أبي هريرة، كما عند البخاري (482) وعمومًا من حديث أبي موسى وابن عمر أو ابن عمرو، كما في البخاري كذلك.

وورد النهي عن تشبيكها في المسجد من حديث أبي هريرة، أخرجه الدارمي في «سننه» رقم (1446): أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَلَا تَقُولُوا هَكَذَا» يَعْنِي: يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.

ومحمد بن مسلم ضعيف، لكنه توبع من عبد الوارث بن سعيد، كما عند ابن خزيمة (439).

ورواه ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، واختُلف عليه على ثلاثة أوجه:

1 -

يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة، أخرجه ابن خزيمة (440).

2 -

ابن جريج عن ابن عجلان عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة، أخرجه عبد الرزاق (3332).

ص: 401

3 -

شَريك والدراوردي عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة، أخرجه الحاكم (746) ووَهَّمه وما قبله الدارقطني.

وخالف إسماعيلَ بن أمية وابنَ عجلان اثنان:

1 -

ابن أبي ذئب عن سعيد عن رجل عن أبيه عن جَده عن كعب بن عُجْرة، كما عند أحمد (18112) بلفظ:«لَا يَتَطَهَّرُ رَجُلٌ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، إِلَّا كَانَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ، وَلَا يُخَالِفْ أَحَدُكُمْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ» وعِلته جهالة الرجل وأبيه وجَدّه.

2 -

الليث بن سعد عن سعيد عن أبي عبيدة عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة، كما عند أحمد (8065، 8487) دون ذكر تشبيك الأصابع. وعِلته جهالة أبي عبيدة. وقال الدارقطني في «علله» (11/ 9): ويُشبِه أن يكون الليث قد حفظه من المقبري.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أبي الحسن إبراهيم بن فراج، بتاريخ (12) من المحرم (1445) الموافق (30/ 7/ 2023 م): ضعيف.

ص: 402

‌كتاب الجمعة

‌فَضْل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

-

قال الإمام الترمذي في «سُننه» رقم (2457): حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ، قَامَ فَقَالَ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ» .

قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ:«مَا شِئْتَ» . قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ. قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ. قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا. قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» .

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث إبراهيم بن عبد الرحمن: ضعيف؛ لضَعْف عبد الله بن محمد بن عَقِيل، وقد تَفرَّد، واختيارنا في هذا الرجل أنه ضعيف.

ثم قال: الشيخ مقبل مع شدته في التصحيح، وكان يَكتب كتاب الشفاعة، فجئنا إلى حديث لابن عَقِيل فقال: أختار أنه ثقة، نتحاكم إلى الإخوة. فابتسم وقال: أختار تحسين حديثه.

ص: 403

‌حُكْم وضع المنبر في المسجد

ذهب الجمهور إلى استحبابه، ومستندهم ما أخرجه البخاري رقم (449): حَدَّثَنَا خَلَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا؟ قَالَ:«إِنْ شِئْتِ» فَعَمِلَتِ المِنْبَرَ.

أقوال الفقهاء:

في «حاشية الطحطاوي» (ص: 510): ذَكَر البدر العيني في شرح البخاري أن من السُّنة اتخاذ المنبر عن يمين المحراب، فإن لم يكن منبر فموضع عالٍ، وإلا فإلى خشبة؛ اتباعًا لفعله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يَخطب إلى جذع قبل اتخاذ المنبر. ويُكرَه المنبر الكبير جدًّا إذا لم يكن المسجد متسعًا. اه.

وفي «فتح الباري» (2/ 400) لابن حجر: وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إِنْ كَانَ الْخَطِيبُ هُوَ الْخَلِيفَةَ فَسُنَّتُهُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ.

وقال أيضًا: وَفِي الحديث اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي مُشَاهَدَةِ الْخَطِيبِ وَالسَّمَاعِ مِنْهُ.

وفي «مغني المحتاج» (1/ 288): (وتُسَن على منبر) للاتباع، رواه الشيخان، وهو بكسر الميم، مأخوذ من النبر وهو الارتفاع

ويُكرَه منبر كبير

ص: 404

يُضيِّق على المصلين.

ويُسَن التيامن في المنبر الواسع (أو) على موضع.

ويُسَن أن يكون المنبر على يمين المحراب، والمراد يمين مصلى الإمام، قال الرافعي: هكذا وُضع منبره صلى الله عليه وسلم.

قال الصيمري: وينبغي أن يكون بين المنبر والقبلة قدر ذراع أو ذراعين.

وفي «المغني» (3/ 160 - 161): ويُستحب أن يصعد للخطبة على منبر ليسمع الناس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على منبره.

ويُستحب أن يكون المنبر على يمين القبلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا صَنَع.

أفاده الباحث محمد بن رمضان الشرموخي مع شيخنا، بتاريخ (18) محرم (1444 هـ) الموافق (16/ 8/ 2022 م).

ص: 405

‌صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة

قال الإمام مسلم (867): حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ:«صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ» وَيَقُولُ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ:«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» ثُمَّ يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ» .

وتابع عبدَ الوهاب جمعٌ مع اختلاف في الطول والاختصار في المتون.

وحكى الدارقطني في «علله» (7/ 323): أن الأكثر على وصله، وأرسله ابنُ عيينة، وقال: وهو الصحيح عن جابر

(1)

. اه.

ومَدار الخبر على جعفر الصادق.

وقد وثقه الشافعي وأحمد وأبو حاتم وابن معين، والنسائي وابن عدي وابن حبان والحاكم

وغيرهم.

(1)

تنبيه: الطرق التي وقف عليها الباحث كلها بالوصل، خلا طريق ابن عيينة ولم يقف عليه، فربما يكون الضمير في (وهو الصحيح) عائدًا إلى أبعد مذكور.

ص: 406

وتَكلَّم ابن عيينة فقال: لا يُعتمَد على حديثه. وتارة قال: كان في حفظه شيء. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، ولا يُحتج به ويُستضعف.

وقال يحيى بن سعيد: في نفسي منه شيء. وقال مرة: ما كان كذوبًا. وقال مرة: مُجالِد أَحَبُّ إليَّ منه.

وسُئل جعفر بن محمد مرة: أسَمِعتَ هذه الأحاديث من أبيك؟ قال: نعم. وتارة قال: إنما وجدتُها في كتبه.

وجَمَع الحافظ ابن حجر بين ذلك قائلًا: يحتمل أن يكون السؤالان وقعا في أحاديث مختلفة، فذَكَر فيما سمعه أنه سمعه، وفيما لم يسمعه أنه وجده، وهذا يدل على تثبته.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أبي حمزة السويسي، بتاريخ (29) رجب (1444 هـ) الموافق (20/ 2/ 2023 م) إلى أن أقل تقدير أن جعفر بن محمد الصادق يُحسَّن حديثه، ولو رُدت أخباره لرددنا أحاديث كثيرة في «صحيح مسلم» منها حديث حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

واشتدتِ الشيعة على البخاري من أجل أنه لم يُخْرِج له، وأَخْرَج لعمران بن حِطان وفُليح بن سليمان وغيرهما ممن هم دونه.

وأما والد جعفر بن محمد، فأَخْرَج له الستة، ومن الأحاديث التي أخرجها البخاري له رقم (4219) حديث:«نهى عن لحوم الحُمُر ورَخَّص في الخيل» .

ص: 407

‌حُكْم العمل يوم الجمعة

أولًا- العمل قبل الصلاة وبعدها جائز، وقد يكون مستحبًّا أو واجبًا. ومستند ذلك قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 9 فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 9، 10].

ثانيًا- تَرْك العمل يوم الجمعة تسننًا وتعبدًا ليس عليه مستند، بل حَظَر العلماء منه بهذا الغرض حتى لا يقع التشبه بأهل الكتاب.

فقد قال مالك كما في «المُدوَّنة» (1/ 234): وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتْرُكَ الرَّجُلُ الْعَمَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، كَمَا تَرَكَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْعَمَلَ فِي السَّبْتِ وَالْأَحَدِ.

وفي «التاج والإكليل لمختصر خليل» (2/ 548): (وَالْعَمَلُ يَوْمَهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَةُ كَرَاهَةُ تَرْكِ الْعَمَلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ. أَصْبَغُ: مَنْ تَرَكَ الْعَمَلَ اسْتِرَاحَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا اسْتِنَانًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ.

وانظر: «الفتاوى الفقهية الكبرى» (1/ 236) لابن حجر الهيتمي.

تنبيه: إذا كَرِهَ سلفنا الصالح العطلة يوم الجمعة خَشية التشبه بأهل الكتاب، فمِن باب أَوْلَى أن لا تُعطَّل الأعمال يومَي السبت والأحد لِما فيهما من شدة

ص: 408

الموافقة لأهل الكتاب، وفي الخبر:«لتَتبعن سَنن مَنْ قبلكم» .

أفاده الباحث فاروق بن فاروق الحسيني، بتاريخ (1) صفر (1444 هـ) الموافق (28/ 8/ 2022 م).

ص: 409

‌الحَبْوَة يوم الجمعة

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (15630): حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَرْحُومٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْحُبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» .

وتابع الإمامَ أحمد جمعٌ.

وتابع أبا مرحوم زَبَّان بن فائد، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (385).

وزَبَّان ضَعَّفه ابن مَعين. وقال ابن حنبل: أحاديثه مناكير. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًّا، ينفرد عن سهل بن معاذ بنسخة كأنها موضوعة، فلا يُحتج به.

وسهل بن معاذ ضَعَّفه ابن معين. وقال ابن حبان: لا يُعتبَر حديثه ما كان من رواية زبان عنه. وذَكَره في «المجروحين» (1/ 441): فقال: منكر الحديث جدًّا، فلست أدري أوقع التخليط منه أو من زبان.

الخلاصة: أن الخبر ضعيف لضَعْف سهل بن معاذ، وله شاهدان ضعيفان

(1)

(1)

الأول: من حديث جابر، أخرجه ابن عَدي في «الكامل» (4715) وفي سنده عبد الله بن ميمون القداح، متروك.

الثاني: من حديث ابن عمرو، أخرجه ابن ماجه (1134) وفي سنده عبد الله بن واقد، مجهول.

ص: 410

وإلى هذا انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن وجيه الكردي، بتاريخ (27) ذي الحجة (1443 هـ) الموافق (26/ 7/ 2022 م).

وفي الحَبْوَة رسالة للباحث تامر بن إسماعيل السويسي.

ص: 411

‌هل هَمّ النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة، كانت عشاءً أو في صلاة الجمعة؟

قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (652) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، سَمِعَهُ مِنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ:«لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ»

وزهير مُتكلَّم في روايته عن أبي إسحاق بأنها بآخرة، مع أن البخاري ومسلمًا أخرجا عددًا منها، وعند مسلم تصريح بالتحديث بين زهير وأبي إسحاق.

وتابع زهيرًا مَعمر وروايته عن العراقيين ففيها كلام، أخرجه أحمد في «مسنده» (4297).

والخلاصة: أن وجهة مَنْ يُصحِّح هذا الخبر:

1 -

كونه في مسلم، وقد انتقى له روايات كما فَعَل شيخه البخاري في «صحيحه» .

2 -

كون معمر قد تابع زهيرًا.

3 -

القول بتعدد الوقائع، ويُفهَم من كلام النووي.

4 -

حَمْل الجمعة على الجماعة في كلام الإمام البيهقي.

ص: 412

ووجهة مَنْ يُضعِّف:

1 -

الكلام في روايتي زهير ومعمر في أبي إسحاق.

2 -

جاءت أخبار كثيرة

(1)

، أصحها ما أخرجه البخاري رقم (644): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ» .

وتابع مالكًا سفيان بن عيينة كما عند مسلم (251).

وكَتَب شيخنا مع الباحث عبد الله بن سيد القليوبي، بتاريخ (14) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (3/ 6/ 2023 م) على حديث ابن مسعود: كل طرقه ضعيفة، اختُلف على أبي إسحاق فيها.

تنبيه: رواية زهير تُقَوَّى بأمرين:

1 -

متابعة مَعمر، وسبق ما فيها.

2 -

انتقاء الإمام مسلم له، وكذا البخاري.

(1)

وَرَدَ منها الضعيف عن أنس رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2763). ومنها ابن أُم مكتوم عند أحمد (15491) وأُعِلَّ بالإرسال عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3472).

ص: 413

‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة

سبقت في «سلسلة الفوائد» (2/ 434) أحاديث في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة منها:

الحديث الأول: حديث أوس بن أوس رضي الله عنه. وقيل: شداد بن أوس، وهو وهم. وعلة هذا الخبر الاختلاف في نسبة عبد الرحمن بن يزيد، فالأسانيد على أنه ابن جابر الثقة، وعلماء العلل على أنه ابن تميم الضعيف.

الحديث الثاني: حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. وعلته الانقطاع بين زيد بن أيمن وعبادة بن نُسي. وزيدت علة ثانية وهي الانقطاع بين عبادة بن نسي وأبي الدرداء، قاله العلائي في «جامع التحصيل» (334).

الحديث الثالث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو ضعيف جدًّا.

الحديث الرابع: حديث أبي أُمامة رضي الله عنه، وهو منقطع.

الحديث الخامس: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وعِلته عمرو بن شمر، متروك. وضَعَّف الخبر البيهقي.

الحديث السادس: حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، وفيه أبو رافع، متروك.

الحديث السابع: حديث أنس رضي الله عنه، وعنه أربعة: قتادة ويزيد الرَّقاشي وأبو

ص: 414

إسحاق وحكامة. وسبق ضعفها. وخالفهم بُريد بن أبي مريم، فرواه دون تقييد بالجمعة هكذا، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (11998): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَمْرٍو- يَعْنِي يُونُسَ بْنَ أَبِي إِسْحَاقَ- عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ» .

وتابع محمدَ بن فُضيل الجماعةُ: أبو نُعيم كما عند البخاري في «الأدب المفرد» (643)، ومحمد بن يوسف وحجاج ويحيى بن آدم، أخرجه النسائي في «الكبرى» (10122، 10123، 9807) وخَلَّاد بن يحيى كما في «فوائد أبي محمد الفاكهي» (146) ومحمد بن بشر العبدي، أخرجه ابن حبان (904).

خالفهم مخلد بن يزيد، وهو صدوق له أوهام، فأَدْخَل الحسن بين بريد وأنس رضي الله عنه. أخرجه النسائي في «السنن الكبير» (9808) ورواية هؤلاء السبعة عن يونس أرجح، ولعل الزيادة من أوهام مخلد.

ثم عَرَض هذه الأخبار الباحث محمد بن جمال بن خضر، بتاريخ (13) من المحرم (1445 هـ) الموافق (31/ 7/ 2023 م) فكَتَب شيخنا:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

1 -

أما عن «إن الله حَرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» فمُختلَف في تعيين عبد الرحمن بن يزيد، هل هو ابن تميم أو ابن جابر؟

2 -

أحاديث الحث على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة- لم يَثبت فيها

ص: 415

خبر صحيح لِذَاته غير المذكور

(1)

لكن قد يُحسِّنها مُحسِّن لطرقها وإن كانت ضعيفة. اه. وقال: أَمْثَلُ ما ورد في فضل الصلاة يوم الجمعة حديث ابن تميم.

(1)

وأشار بسهم رواية ابن جابر السابقة.

ص: 416

‌قراءة سورة الكهف

سبق في «سلسلة الفوائد» (2/ 448 - 451) حديث أبي سعيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه قال: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وفيه ما يلي:

1 -

أنه معل بالوقف وله حكم الرفع، وعليه العمل.

2 -

أن لفظ (يوم) أرجح من لفظ: (ليلة) وإن كان قد يُعبَّر عن أحدهما بالآخَر.

3 -

ثمة اختلاف بين روايتي شعبة وسفيان في هذا الخبر.

وكان قد أَفْرَدَ الباحث شادي بن محمد بن محمود المصري

(1)

هذا الخبر

(1)

وكَتَب في (ص 8) من رسالته: نزيل منية سمنود، في (27/ صفر/ 1432 هـ).

ثم صَوَّر نصّ تقديم شيخنا حفظهما الله له:

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذا مبحث حديثي بالدرجة الأولى في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، أَعَدّه أخي في الله/ شادي بن محمد بن محمود -حفظه الله.

وقد جَمَع فيه ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد، وخَرَّجه تخريجًا جيدًا، وحَكَم عليه بما يستحقه من الصحة أو الضعف. وكذا أورد الآثار الواردة في الباب، وخَرَّجها وحَكَم عليها. ثم أردف ذلك بأقوال لعدد من أهل العلم في المسألة، وكذا بعض فتاوى أهل العلم.

فجزاه الله خيرًا على ما صنع، وأسأل الله له مزيدًا من التوفيق والسداد.

هذا وقد نظرتُ في عمل أخي شادي، فألفيته نافعًا.

والحمد لله رب العالمين.

وصَلِّ اللهم على نبينا محمد وسَلِّم.

كَتَبه أبو عبد الله مصطفى بن العدوي.

ص: 417

بدراسة، بعنوان:«قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، دراسة حديثية وفقهية»

(1)

ووُزعت على الجالسين في مجلس شيخنا -حفظه الله- ليلة الاثنين (1) رجب (1444 هـ) الموافق (23/ 1/ 2023 م) قُبيل معرض الكتاب الدولي.

فأورد فيها ستة أحاديث:

طَرف الحديث

الحكم والإفادة

1 - حديث أبي سعيد السابق: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ»

درس سند الحديث من (ص/ 12 - 34) ثم متنه من (ص/ 35 - 43).

1 - (ص/ 32) من العلماء الذين رجحوا وقف الحديث: النسائي في «سننه الكبرى» (6/ 25)، والدارقطني في «العلل» (11/ 307)، والبيهقي في «الدعوات الكبير» (59)، والحازمي كما في «البدر المنير» (2/ 288)، وابن القيم في «زاد المعاد» (1/ 365)، وابن حجر كما في «فيض القدير» (6/ 258)، وقال في «النكت الظراف» (3/ 447): ومثله لا يقال من قبيل الرأي فله حكم المرفوع.

2 - الصواب في حديث أبي سعيد إطلاق الرواية دون تقييد ب (الجمعة) فقد زادها قبيصة بن عقبة.

وزادها كذلك محمد بن الفضل السَّدوسي مخالفًا الجماعة عن هشيم.

وقال الشيخ محمد بن عمرو بن عبد اللطيف في «تبييض الصحيفة» (35): فمِن الطرائف أيضًا أن الثوري وشعبة خالفا هشيمًا فقالا: «مَنْ قرأ سورة الكهف كما أُنزلت» هكذا بدون تقييد بالجمعة، فرواية هشيم شاذة.

3 - الاختلاف في الفضل المترتب على قراءتها (ص/ 39) ففي جل الروايات: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ

(2)

، كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ مَقَامِهِ إِلَى مَكَّةَ» وفي بعضها:«أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وفي بعضها أن الدجال لم يُسلَّط عليه. وفي بعضها: «وَمَنْ قَرَأَ بِعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا، فَخَرَجَ الدَّجَّالُ، لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ» .

وزاد نعيم بن حماد وهو ضعيف: «أضاء له من النور ما بين الجمعتين» .

4 - (ص/ 18، 21) زيادة البسملة عند الوضوء عند الطبراني في «الدعاء» (388) وفي سندها يحيى الحِمَّاني، متهم بسرقة الحديث.

(1)

دون رقم إيداع.

(2)

لفظ: (كما أنزلت) لم تَرِد من طريق هشيم، إنما هي في طريقَي شعبة وسفيان.

ومعنى: «كما أنزلت» أي: بجميع وجوه القراءات، وفيه نظر، والمتبادر أن يقرأها بغير نقص حسًّا ولا معنى. «فيض القدير» (6/ 257).

ص: 418

طَرف الحديث

الحكم والإفادة

2 - حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا: « .. فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة .. » أخرجه المقدسي في «المختارة» (43، 429)

في سنده: إبراهيم بن عبد الله بن أيوب، ليس بثقة، حَدَّث عن قوم ثقات بأحاديث باطلة. انظر:«سؤالات السهمي للدارقطني» (ص/ 168).

3، 4 - حديث ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما: وفيه: « .. وصلى عليه سبعون ألف مَلَك حتى يصبح .. » عُزي للديلمي في «مسند الفردوس»

علته إسماعيل بن أبي زياد الكوفي، قال فيه الدارقطني: متروك، يضع الحديث.

ومن حديث ابن عباس، وفي سنده سوار بن مصعب، واهٍ.

5 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: « .. سَطَع له نور من تحت قدمه إلى السماء»

استنكره العَلَّامة الألباني في «تمام المنة» (1/ 324) لمخالفته حديث أبي سعيد. وانظر: «الميزان» (3/ 543) للذهبي.

ص: 420

طَرف الحديث

الحكم والإفادة

6 - مرسل: «أَلَا أُخبركم بسورة .. شَيَّعها سبعون ألف مَلَك .. » أخرجه ابن الضريس في «فضائل القرآن» (197)

علته إسماعيل بن رافع بن عويمر، متروك.

وانتهى في رسالته (ص 58) إلى أنه لم يصح إلا حديث أبي سعيد، وهو معل بالوقف، وأنه لم يَثبت لديه تقييد القراءة بيوم الجمعة.

ثم أورد ثلاثة آثار، أقواها ما أخرجه ابن الضريس في «فضائل القرآن» رقم (208): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ- يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ- عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنِ الْمُهَلَّبِ، قَالَ:«مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَانَ لَهُ كَفَّارَةٌ إِلَى الْأُخْرَى» .

والجُريري اختلط، لكن رواية خالد عنه في البخاري.

ثم نَقَل عن الجمهور

(1)

استحباب قراءتها يوم الجمعة.

(1)

في «الدر المختار وحاشية ابن عابدين» (2/ 164): مما اختص به يومها قراءة الكهف فيه.

وقال ابن الحاج في «المَدخل» (2/ 281): ينهى الناس عما أحدثوه من قراءة سورة الكهف يوم الجمعة جماعة في المسجد أو غيره، وإن كان قد ورد استحباب قراءتها كاملة في يوم الجمعة خصوصًا، فذلك محمول على ما كان عليه السلف رضي الله عنهم لا على ما نحن عليه، فيقرأها سرًّا في نفسه في المسجد أو جهرًا في غيره أو فيه إن كان المسجد مهجورًا، ما لم يكن فيه مَنْ يتشوش بقراءته، والسر أفضل، وأما اجتماعهم لذلك فبدعة كما تقدم، والله تعالى أعلم.

وقال الشافعي في «الأم» (2/ 432): وأُحِبّ قراءة الكهف ليلة الجمعة ويومها لِما جاء فيها.

وقال ابن قُدامة في «المغني» (2/ 262): وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.

ص: 421

ثم خالفهم قائلًا: فيوم الجمعة يستوي مع غيره من الأيام في فضل قراءة سورة الكهف.

وقد نَقَل عن الشيخ يحيى الحاجوري القول بعدم استحباب قراءتها في كل جمعة؛ لعدم ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعدم انتشاره بين السلف رضوان الله عليهم، والله أعلم.

ص: 422

‌عقوبة مَنْ تَرَك صلاة الجمعة

*-سبق في «سلسلة الفوائد» (2/ 443) حديث: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» وأنه في «صحيح مسلم» وأنه ثابت لديَّ. وتَوَقَّفَ فيه شيخنا مع الباحث وليد بن خليل.

ثم بَحَثه الباحث عبد الله بن سيد مع شيخنا، بتاريخ (26) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (19/ 1/ 2023 م) فأفاد:

1 -

رواية مسلم في «صحيحه» (865) من طريق معاوية بن سَلَّام، عن أخيه الأكبر زيد بن سلام، عن جَده أبي سلام ممطور الحبشي، عن الحَكَم بن ميناء، عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما مرفوعًا.

وتابع زيدَ بن سلام يحيى بنُ أبي كثير في وجه

(1)

كما عند أحمد (3100) وتَكلَّم العلماء

(2)

في متابعة يحيى بن أبي كثير والخلاف عليه، وسكتوا عن

(1)

وتارة رواه عن زيد بن سلام، فنزل درجة ورجع إلى سند مسلم، أخرجها الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3186).

وتارة أخرى بأنزل فقال: عن الحضرمي بن لاحق عن زيد بن سلام، به. أخرجها النسائي (7).

وتارة ثالثة عن محمد عن ابن عباس وابن عمر، أخرجها أبو يعلى (5765).

(2)

وهم: يحيى بن مَعين وأبو حاتم والدارقطني. ووَجْه الكلام في سماع يحيى بن أبي كثير من زيد بن سلام، ومِن جدّه أبي سلام ممطور الحبشي.

ص: 423

رواية «صحيح مسلم» وهي رواية معاوية بن سلام عن زيد بن سلام به، كما سبق.

2 -

الكلام في أبي سلام ممطور الحبشي، فقد وثقه الدارقطني والعجلي وأَخْرَج له مسلم. لكن يَرى الباحث أنها في المتابعات المنتقدة، وانتقد على الباحث كريم بن محمد الإسمعلاوي بأنها أصول، فلتحرر.

3 -

قال أبو بكر الخَلَّال في «السُّنة» (5/ 55) رقم (1598): حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«مَنْ تَرَكَ أَرْبَعَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ» .

وتابع سفيانَ هشيمٌ، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5536). والإسناد الأول صحيح وفي المتابعة عنعنة هشيم.

وتابع سعيدَ بن أبي الحسن عكرمةُ، أخرجه الشافعي كما في «مسنده» (70) وفيه إبراهيم بن محمد.

ص: 424

‌كتاب العيدين

‌حكم استماع خطبة

(1)

العيد

قال الإمام النسائي في «سننه الكبرى» رقم (1958): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بْنِ إِبرَاهِيمَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى العِيدَ وَقَالَ:«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَنْصَرِفْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيُقِمْ» .

تابع محمدَ بن يحيى جمعٌ على الرفع.

وخالف الفضلَ بن موسى عبدُ الرزاق، فأرسله كما في «مصنفه» رقم (5670 - 5741): عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «إِذَا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَنْتَظِرِ الْخُطْبَةَ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَذْهَبْ» .

وتابع عبدَ الرزاق على الإرسال هشامُ بن يوسف وسفيان، كما عند البيهقي (3/ 423).

وصَحَّح الإرسال أبو زُرعة كما في «علل ابن أبي حاتم» (2/ 460) وكذلك أبو داود. وقال البيهقي في «السنن الكبير» (3/ 423) عن المرفوع: هذا خطأ إنما هو عن عطاء فقط، وإنما يغلط فيه الفضل بن موسى.

(1)

أو خطبتَي؛ قياسًا على الجمعة. وانظر «المغني» (3/ 276) لابن قُدامة.

ص: 425

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث عبد الله بن صادق، بتاريخ (19) محرم (1444 هـ) الموافق (17/ 8/ 2022 م): ضعيف لإرساله.

ص: 426

‌كتاب صلاة المسافرين

‌التأمير في السفر

قال الإمام أبو داود في «سننه» رقم (2608)

(1)

: حَدَّثَنا عليُّ بن بحرِ بن بَرِّي، حدَّثنا حاتمُ بن إسماعيلَ، حدَّثنا محمدُ بن عجلانَ، عن نافع، عن أبيْ سَلَمةَ عن أبي سعيدٍ الخُدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا خرجَ ثلاثةٌ في سفرٍ، فليُؤمِّروا أحدهم» .

وتابع عليَّ بن بحر

(2)

على جعله من مسند أبي سعيد رضي الله عنه محمدُ بن عباد المكي، كما عند أبي يعلى (1054) والطبراني في «الأوسط» (8093) لكن عند أبي يعلى:(فليَؤمَّهم) بدل (فليُؤمِّروا)

(1)

تابع أبا داود على جعله من مسند أبي سعيدٍ هلالُ بن العلاء، أخرجه أبو عَوَانة في «مستخرجه» (7538) ومحمد بن علي بن داود، أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2620).

(2)

أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (2609): حدَّثنا علي بن بحرٍ، حدَّثنا حاتمُ بن إسماعيلَ، حدَّثنا محمدُ بن عَجلانَ، عن نافعٍ، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرة، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا كان ثلاثةٌ في سفرٍ فليُؤمِّروا أحدَهم» قال نافعٌ: فقُلنا لأبي سلمةَ: فأَنت أَميرُنا.

فجَعَله من مسند أبي هريرة، وهو مرجوح؛ لأن الأكثر على جعله من مسند أبي سعيد رضي الله عنه.

ص: 427

وخالفهما عبيس بن مرحوم، فسَلَك الجادة وجعله من مسند ابن عمر رضي الله عنهما. أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (5850).

وروايتهما أرجح.

وخالف حاتمَ بن إسماعيل عبدُ الله بن محمد بن عجلان، فجَعَله من مسند ابن عمر. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (1/ 152) ولفظه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ، فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» .

وخالف حاتمَ بن إسماعيل الثقاتُ فأرسلوه، كما في «العلل» لابن أبي حاتم (2/ 75) والدارقطني (9/ 326) وهم:

1 -

يحيى القطان.

2 -

الليث بن سعد.

3 -

يحيى بن أيوب.

وقال الدارقطني: عن أبي سلمة مرسلًا، وهو الصواب.

وحَكَى أبو زرعة وأبو حاتم الخلاف وصَوَّبا الإرسال.

ومما يُقوِّي الإرسال أن معاوية بن صالح وثور بن يزيد وفرج بن فَضَالة- حَدَّثُوا عن المهاصر بن حبيب عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الخلاصة: أن ابن عجلان لم يَضبط هذا الحديث، وقال فيه العقيلي: يضطرب في حديث نافع.

وانتهى شيخنا مع الباحث أحمد بن محمد بن عبد العاطي الرفاعي، بتاريخ

ص: 428

(20)

من المحرم (1445 هـ) الموافق (7/ 8/ 2023 م) إلى الإرسال، وكَتَب على محمد بن عجلان: ضعيف في نافع.

تنبيه: هناك حديث في «صحيح مسلم» رقم (674) من مَخرج متسع، هكذا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ» .

وتابع أبا عَوانة شُعبة وهشام الدَّستُوائي وهمام وغيرهم.

ووَجْه الربط بين الحديثين:

1 -

اتحاد الصحابي، وهو أبو سعيد على الأرجح، في رواية نافع.

2 -

الاشتراك في صدر الحديث، ومجيء (فليؤمهم) في بعض طرق ابن عجلان، كما عند البزار والطبراني.

ويميل الباحث إلى ربط الحديثين ببعضهما، في حين يَرى شيخنا اتساع المخارج ولا ربط.

ص: 429

‌كم مدة سفر المرأة الذي يُشترَط فيه المَحرمية؟

1 -

أَخْرَجَ مسلم في «صحيحه» رقم (1339): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ

(1)

، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا» .

تابع مالكًا جماعة، منهم ابن أبي ذئب كما عند البخاري (1038) ومسلم.

وخالف كيسانَ والدَ سعيد أبو صالح والدُ سهيل من رواية ابنه سُهيل عنه فقال: (ثلاثًا) بدل «يوم وليلة» أخرجه مسلم رقم (1339): حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ- يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ- حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» .

والخلاصة: أن رواية (يوم وليلة) أرجح للخلاف في حال سُهيل. وأما شيخنا فانتهى مع الباحث أحمد الصاوي، بتاريخ (17) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (6/ 6/ 2023 م) إلى مراجعة الباحث بعض إخوانه.

(1)

وفي بعض الروايات خارج «الصحيحين» بإسقاط كيسان والد سعيد، كما عند أحمد (9741) وابن ماجه (2899).

ص: 430

2 -

أَخْرَج البخاري رقم (1087): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلَاَثًا إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» .

وتابع مسددًا زهيرُ بن حرب ومحمد بن المُثَنَّى، كما عند مسلم (1338).

وتابع يحيى القطانَ أبو أسامة، أخرجه البخاري (1086).

وابن نُمير، كما عند أحمد (6289).

وأنس بن عِيَاض، أخرجه ابن حبان (2730).

وتابع عبيد الله بن عمر الضحاك بن عثمان، أخرجه مسلم (1338).

وخالفهما عبد الله العمري فأوقفه، وروايتها أرجح ومتفق عليه، ومتابعة الضحاك لعُبيد الله تدفع قول القطان: ما أَنكرتُ على عُبيد الله بن عمر إلا حديثًا واحدًا

(1)

.

أفاده الباحث أحمد الصاوي، بتاريخ (25) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (14/ 6/ 2023 م).

ص: 431

‌التكبير على المرتفعات

ورد فيه خبران:

الأول: أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (8310): حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ سَفَرًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي. قَالَ:«أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ» فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ ازْوِ لَهُ الْأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ» .

تابع رَوْحَ بن عُبادة الجمهورُ وهم عَشَرة: وكيع، وابن وهب، وعثمان بن عمر، وزيد بن الحُبَاب، وسليمان بن حيان، وفُضيل بن سليمان، وسفيان، وأبو أسامة، وعُبيد الله بن موسى، وجعفر بن عَوْن.

ووَرَد مِنْ فعله صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه البخاري رقم (1797)، ومسلم رقم (428) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أحمد بن عبد الباسط، بتاريخ (19) شعبان (1444 هـ) الموافق (12/ 3/ 2023 م) على طريق أسامة بن زيد: سندها حسن إذا سَلِمَتْ من العلة.

الحديث الثاني: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري (1797): حَدَثَّنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ

ص: 432

رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ، ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ:«لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ»

(1)

.

وتابع عبدَ الله بن يوسف جماعةٌ.

وتابع مالكًا على معناه عُبيد الله، كما عند مسلم (1344) وفيه: «

إذا أوفى على ثَنِيَّة أو فَدْفَد

(2)

».

وتابعهما أيوب

(3)

كما عند أحمد (4496)، والترمذي (950).

وتابع نافعًا سالم، كما عند البخاري (2995) وفيه:«يَقُولُ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ، أَوْ فَدْفَدٍ: كَبَّرَ ثَلَاثًا» .

والخلاصة: أن الخبر رواه عن ابن عمر ثلاثة:

1 -

نافع، ورواه عنه مالك وعُبيد الله وأيوب، فذكروا التكبير على كل شَرَف أو فَدْفَد من الأرض، يُكبِّر ثلاثًا.

وخالفهم جويرية بن أسماء وموسى بن عقبة، وكلاهما عند البخاري

(1)

ما زال الإشكال قائمًا، متى يقال هذا الذِّكر؟ في أثناء السفر، أو في أوله عند الركوب؟ ورواية علي البارقي الأَزْدِيّ تفيد أنه ذِكر في أول الركوب.

(2)

الفَدْفَد (بفاءين مفتوحتين بينهما مهملة): هي الأرض الغليظة ذات الحصى. وقيل: المستوية. وقيل: المكان المرتفع الصُّلب. كما في «فتح الباري» (6/ 136) لابن حجر.

(3)

وفي مسلم مقرونًا بغيره، وقال: إلا حديث أيوب، وفيه التكبير مرتين.

ص: 433

(3084، 4116) فلم يَذكرا التكبير على كل شَرَف

2 -

سالم بن عمر، وفيه:«يَقُولُ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ، أَوْ فَدْفَدٍ: كَبَّرَ ثَلَاثًا» كما عند البخاري.

3 -

علي البارقي، وفيه: «كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر، كَبَّر ثلاثًا

» أخرجها مسلم (1342).

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أحمد بن عبد الباسط، بتاريخ (16) رمضان (1444 هـ) الموافق (8/ 4/ 2023 م) إلى صحة التكبير على كل شَرَف.

ص: 434

‌مدة قَصْر الصلاة في السفر

(1)

وردت فيه أخبار، منها ما أخرجه الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (4298): حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ

(2)

.

وتابع ابنَ المبارك جماعةٌ:

1 -

أبو شهاب، أخرجه البخاري (4299) لكن غير مقيد بمكة.

2 -

أبو عَوانة، لكن بعطف حصين على عاصمٍ الأحول وغير مقيد بمكة، وزاد عمل ابن عباس بمقتضى الحديث، هكذا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا.

3 -

ومِثل أبي عَوانة أبو معاوية دون عطف، أخرجه الترمذي (549) وأحمد (1958).

كل هؤلاء على (تسعة عشر يومًا) وخالفهم حفص بن غِيَاث فقال: (سبعة عشر) وقيد بمكة. أخرجه أبو داود (1230).

(1)

انظر: «الفتاوى الكبرى» (2/ 343).

(2)

أخرج مسلم رقم (687) من طريق بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» .

ص: 435

وقال أبو داود عقب الرواية: قَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقَامَ تِسْعَ عَشْرَةَ.

وهي الأرجح من رواية عاصم، ويؤيدها رواية عَبَّاد المعلقة هذه.

وتابع حفص بن غِيَاث متابعة قاصرة شريكُ عن ابن الأصبهاني عن عكرمة، به، بسبعة عشر ومقيدًا بمكة. أخرجه أبو داود (1232).

وأخرجه ابن ماجه رقم (1076): حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الصَّيْدَلَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَقَامَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» .

فقيد بفتح مكة وجعل العدد خمسة عشر.

والخلاصة: أن الأرجح هو (تسعة عشر) وهو الذي انتهى إليه شيخنا مع الباحث: د. سيد سُكَّر، بتاريخ (22) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (15/ 1/ 2023 م).

ص: 436

‌حُكْم الجَمْع الصُّوري

(1)

قال أبو داود في «سننه» رقم (1212): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ وَاقِدٍ، أَنَّ مُؤَذِّنَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الصَّلَاةُ. قَالَ: سِرْ، سِرْ. حَتَّى إِذَا كَانَ قَبْلَ غُيُوبِ الشَّفَقِ، نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتُ. فَسَارَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَسِيرَةَ ثَلَاثٍ

(2)

.

خالف والدَ محمد بن فضيل الجماعةُ، فلم يَذكروا التفصيل في كيفية الجمعة.

وتابع والدَ محمد بن فضيل عبدُ الرحمن بن يزيد الأزدي وهو ثقة، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (5516) والطحاوي في «معرفة السنن والآثار» (982).

*-سَلَك الطحاوي مسلك الجَمْع، وهو حمل المُجمَل في روايات الجماعة على المُبيَّن في رواية فضيل والد محمد.

في حين سلك البيهقي مَسلك الترجيح، فحَكَم على رواية فضيل بالشذوذ،

(1)

كأن يصلي صلاة الظهر في آخر وقتها مثلًا والعصر في أول وقتها.

(2)

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ جَابِرٍ عَنْ نَافِعٍ، نَحْوَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ.

ص: 437

حيث قال في «معرفة السنن والآثار» (4/ 295): فَهَؤُلَاءِ قَدْ خَالَفُوا الْأَئِمَّةَ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَنَتْرُكُ رِوَايَتَهُمْ وَنَأْخُذُ بِرِوَايَةِ الْحُفَّاظِ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ.

كَيْفَ وَقَدْ رَوَاهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ مَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه.

الخلاصة: هذا الخبر صحيح دون التفصيل: «نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ» فمرجوح أو وهم.

وكَتَب شيخنا مع الباحث محمد الغَنَّامي، بتاريخ (13) من المحرم (1445 هـ) الموافق (31/ 7/ 2023 م):

1 -

وَهِم ابن فضيل وكذا الراوي عنه.

2 -

[وهما] ممن يُتوقف في أمرهم.

ص: 438

‌جَمْع التقديم في السفر

وردت رواية: «كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» وَهِم فيها الليث بن سعد أو قتيبة بن سعيد.

والراجح أن الوهم من الليث لأسباب:

1 -

قول البخاري لقتيبة في «معرفة علوم الحديث» (ص: 120) للحاكم: مَعَ مَنْ كَتَبْتَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ؟ فَقَالَ: كَتَبْتُهُ مَعَ خَالِدٍ الْمَدَاينِيِّ. قَالَ: الْبُخَارِيُّ، وَكَانَ خَالِدٌ الْمَدَاينيُّ يُدْخِلُ الْأَحَادِيثَ عَلَى الشُّيُوخِ.

2 -

أنه جاء معطوفًا فيما أخرجه أبو داود في «سننه» رقم (1208): حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ، وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلَ ذَلِكَ، إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا.

بذكر الوهم في جمع التقديم.

ص: 439

3 -

أن حماد بن خالد رواها مختصرة كرواية الجماعة عن أبي الزبير، أخرجه أحمد (22036).

4 -

أن مُفضَّل بن فَضَالة المصري الثقة

(1)

روى الحديث منفردًا عن الليث باللفظ الصواب. أخرجه البحاري (1111، 1112) ومسلم (704) من رواية جماعة عن قتيبة بن سعيد عنه.

5 -

أن الليث بن سعد لما نظرنا روايته دون عطف على مفضل، وجدناه رواه عن عقيل مخالفًا لمفضل مع تغيير في اللفظ، فقال: «إذا أراد أن يَجمع

» أخرجه مسلم.

وأما تبرئة قتيبة بن سعيد، فرواية الجماعة عنه عن مفضل بن فضالة في البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وأبي داود، على الصواب بلفظ: «فإن زاغت قبل أن يَرحل صلى الظهر ثم ركب

».

ورواه جماعة كذلك، أحمد وأبو داود والترمذي والحسن بن سفيان وموسى بن هارون، خمستهم عنه عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطُّفيل

وفيه الخطأ: «وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا

».

فتظهر براءة قتيبة من الخطأ لأنه ضبط اللفظين عن الليث ومفضل، أما رواية الليث من غير طريق قتيبة ففيها الخطأ كما سبق عند مسلم (704) وأبي داود (1208).

(1)

هناك مفضل بن فَضَالة آخَر، ضعيف.

ص: 440

والخلاصة: أن شيخنا تراجع عما كان محفوظًا عنده أن جملة «وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا» وأنه كان يقول بأن ذلك في الحضر. ووَعَد الباحثَ بهدية على هذه الإفادة، بعد أن تأكد أنها في غزوة تبوك من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه

(1)

: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا»

(2)

.

وهذا اللفظ الصواب عن أبي الطُّفيل سندًا ومتنًا.

ثم طَلَب من الباحث أحمد النمر مراجعة رسالة الشيخ مقبل بن هادي رحمه الله «الجمع بين الصلاتين» .

(1)

وقيدت بحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ لأن حديث أنس رضي الله عنه في البخاري (1112) ومسلم (704) ظاهره أنه في الحضر.

(2)

رواه على هذا المتن أربعة ثقات:

1 -

مالك بن أنس، كما عند مسلم (706) وهو في «الموطأ» .

2 -

سفيان الثوري، أخرجه أحمد (22062).

3 -

قُرة بن خالد، أخرجه مسلم (706) وأحمد (21997).

4 -

زُهير بن معاوية، كما عند مسلم.

5 -

هشام بن سعد من رواية حماد بن خالد الخياط عنه، أخرجه أحمد (22036).

وخالف حمادَ بن خالد الليثُ بن سعد ومفضل من رواية يزيد بن خالد عنهما، أخرجه أبو داود (1208).

تنبيه: رواية أبي الزبير عن أبي الطُّفيل مجملة، ورواية الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل جاءت مفصلة مما وقع في التفصيل الوهم.

ص: 441

‌النافلة في الطائرة والقطار والسيارة وغيرها

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (1100): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: اسْتَقْبَلْنَا أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ، فَلَقِينَاهُ- بِعَيْنِ التَّمْرِ- فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الجَانِبِ- يَعْنِي عَنْ يَسَارِ القِبْلَةِ- فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ القِبْلَةِ! فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ، لَمْ أَفْعَلْهُ.

وتابع حَبَّان عفانُ بن مسلم كما في «صحيح مسلم» رقم (702).

وتابعهما يزيد بن هارون، أخرجه أبو عَوَانة (2365).

وتابع أنسَ بن سيرين حميدٌ الطويل والحسن البصري.

ورواه جمهور الرواة عن يحيى بن سعيد عن أنس رضي الله عنه، أخرجه عبد الرزاق (4524) وغيره.

وخالفهم محمد بن عجلان من رواية داود بن قيس عنه تارة، وأخرى بإسقاطه، أخرجه النَّسائي في «سُننه» (908): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ رَأَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ رَاكِبٌ إِلَى خَيْبَرَ، وَالقِبْلَةُ خَلْفَهُ.

وقال النَّسَائي عَقِبه: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ.

ص: 442

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (1795): الموقوف أصح.

وقال الدارقطني في «العلل» (2646): الصواب من فعل أنس.

وكَتَب شيخنا مع الباحث خالد بن صالح كلام الدارقطني، بتاريخ الثلاثاء (8) شعبان (1444 هـ) الموافق (28/ 2/ 2023 م): الصواب في حديث أنس الوقف، والله أعلم. ولما راجعتُه قال: المرفوع فيه أَمْر القبلة.

ص: 443

‌هل من السُّنن المهجورة صلاة المسافر ركعتين عند القدوم؟

نعم؛ فقد أَخْرَج البخاري (3088): حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَمِّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ كَعْبٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ضُحًى، دَخَلَ المَسْجِدَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ.

وأخرجه مسلم رقم (716): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ- يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ، ح، وَحَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَا جَمِيعًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، به.

قال البخاري في «صحيحه» رقم (3087): حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ قَالَ لِي:«ادْخُلِ المَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» .

وأخرجه مسلم (715): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ:«اشْتَرَى مِنِّي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيرًا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ، فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» .

وإليك أقوال الفقهاء:

قال العيني في «عمدة القاري» (15/ 16): إن الصلاة عند القدوم من السفر سُنة وفضيلة، فيها معنى الحمد لله على السلامة والتبرك بالصلاة أول ما يُبدأ في الحضر، ونِعم المفتاح إلى كل خير، وفيها يناجي العبد ربه، وذلك هَدْي رسوله

ص: 444

وسُنته، ولنا فيه الأسوة. وفيه الابتداء ببيت الله تعالى قبل بيته، وجلوسه للناس عند قدومه ليُسلِّموا عليه.

وفي «أسهل المدارك» (1/ 317): يُندَب للمسافر أن يُعجِّل الرجوع إلى وطنه بعد قضاء أوطاره ومهمته، ويُستحَب له أن يَدخل ضحى، وأن لا يَطرق عليهم ليلًا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر يَبدأ بالمسجد فيركع ركعتين قبل دخول المنزل. ويُستحب للمسافر أيضًا أن يصحب معه هدية يقسمها بين الأقارب والأحباب لإدخال السرور عليهم، سواء كان رجوعه من سفر التجارة أو الحج والزيارة.

وقال النووي في «المجموع» (4/ 399 - 400): السُّنة إذا وصل منزله أن يَبدأ قبل دخوله بالمسجد القريب إلى منزله، فيصلي فيه ركعتين بنية صلاة القدوم

فإن كان القادم مشهورًا يَقصده الناس استُحب أن يقعد في المسجد أو في مكان بارز؛ ليكون أسهل عليه وعلى قاصديه. وإن كان غير مشهور ولا يُقصَد ذهب إلى بيته بعد صلاته الركعتين في المسجد.

وفي «فتح الباري» (2/ 460) لابن رجب الحنبلي: قد صَرَّح الشافعية بأن صلاتهم في المسجد سُنة، وهذا حق لا تَوقُّف فيه.

الخلاصة: ذهب شيخنا مع الباحث محمد بن رمضان الشرموخي، بتاريخ (6) رجب (1443) الموافق (13/ 8/ 2022 م) إلى قول الجمهور بالاستحباب.

ص: 445

‌كتاب الكسوف

‌حكم صلاتَي الخسوف والكسوف في المسجد

ثَبَت أنه صلى الله عليه وسلم صلاها في المسجد، من حديث عائشة، أخرجه البخاري (1046) ومسلم (901) وأبي موسى، أخرجه البخاري (1059)، ومسلم (912)، وأبي بكرة، أخرجه البخاري (1063).

وإليك أقوال المذاهب:

قال الكاساني الحنفي (ت/ 587): أَمَّا فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُصَلَّى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ الْعِيدُ، أَوِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَتُؤَدَّى فِي الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ. وَلَوِ اجْتَمَعُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَصَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ أَجْزَأَهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ؛ لِمَا مَرَّ

(1)

.

وفي «تحفة الفقهاء» (1/ 183): كَانَ أَبُو حنيفَة يَرى صَلَاة الْكُسُوف فِي الْمَسْجِد، وَلَكِن الْأَفْضَل أَنْ تُؤَدَّى فِي أعظم الْمَسَاجِد، وَهُوَ الْجَامِع الَّذِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَة، وَلَو صَلَّوْا فِي مَوضِع آخَر أجزأهم.

وفي «المعونة على مذهب عالم المدينة» (ص: 328): وتُصلَّي في المسجد دون المُصلَّى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يُصلِّها في المُصلَّى، وإنما صلاها في المسجد،

ص: 446

وكذلك السلف بعده.

وفي «الأم» (1/ 280) للشافعي: ويصلي في المسجد حيث يصلي الجمعة، لا حيث يصلي الأعياد، وإِنْ تَرَك ذلك وصلى في غيره أجزأه إن شاء الله تعالى.

وفي «المغني» (3/ 322) لابن قُدامة: والسُّنة أن يصليها في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فيه.

وفي «الإنصاف» (2/ 442) للمرداوي: وَتَجُوزُ صَلَاتُهَا مُنْفَرِدًا فِي الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ فِعْلَهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ، وَفِي الْجَامِعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ تُفْعَلُ فِي الْمُصَلَّى.

أفاده الباحث محمد بن رمضان الشرموخي مع شيخنا، بتاريخ (6) رجب (1443) الموافق (13/ 8/ 2022 م).

ص: 447

‌كتاب الاستسقاء

‌خَرَجَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي

قال الحاكم في «مستدركه» رقم (1215 - 1232): حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْعُمَرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «خَرَجَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي، فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدِ اسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ» .

تابع إبراهيمَ بن إسحاق أحمدُ بن سعد، أخرجه الدارقطني (188).

وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث سيد بن سُكَّر، بتاريخ (1) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (21/ 5/ 2023 م) إلى ضعفه لكون محمد بن عون لم يوثقه مُعتبَر.

ص: 448

‌كتاب الصلاة

‌الصلاة في الثوب الواحد

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (365): حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ:«أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ؟» ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ، فَقَالَ: إِذَا وَسَّعَ اللهُ فَأَوْسِعُوا، جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ، فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ. قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ.

ورواه ابن عُلية عن أيوب واختُلف عليه، فرواه نحو رواية سليمان بن حرب زهير بن حرب، أخرجه أبو يعلى (6053).

وأخرجه مسلم عن زهير وعمرو المقعد، بالعطف دون: «ثم سأل رجل عمر

».

ورواه خالد الحَذَّاء وعاصم وهشام كما عند أحمد، ثلاثتهم عن ابن سيرين، دون: «ثم سأل

».

ورواه سعيد بن المسيب وعكرمة

(1)

وعبد الرحمن الأعرج، كما عند مسلم،

(1)

انظر البخاري ومسلمًا.

ص: 449

وأبو سلمة بن عبد الرحمن، كما عند أحمد.

الخلاصة: اختار الباحث أن «ثم سأل رجل عمر

» مُدرَج على أصل الحديث. في حين توقف شيخنا مع الباحث حسان بن عبد الرحيم، بتاريخ (11) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (26/ 9/ 2023 م) فقال: لا نستطع الجزم بصحة القول عن عمر أو لا.

ص: 450

‌حكم الصلاة في الأرض المغصوبة أو في المسجد الذي بُني عليها

نَقَل النووي الإجماع على حرمة الصلاة في الأرض المغصوبة فقال في «المجموع» (3/ 164): الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع، وصحيحة عندنا وعند الجمهور من الفقهاء وأصحاب الأصول. وقال أحمد بن حنبل، والجُبائي وغيره من المعتزلة: باطلة.

وفي «التنبيه على مشكلات الهداية» (4/ 267) لابن أبي العز الحنفي: وفِعل الصلاة في الأرض المغصوبة اشتمل على طاعة وهي الصلاة، وعلى معصية وهي استعمال الأرض المغصوبة، فيثاب على الطاعة ويُعاقَب على المعصية.

وفي «شرح مختصر خليل» (1/ 253):

أَنَّ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ الْخَالِيَةَ مِنَ الْبِنَاءِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا مَا لَمْ يَبْنِهَا الْغَاصِبُ، فَإِذَا بَنَاهَا حَرُمَتِ الصَّلَاةُ فِيهَا. ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ صَحَّتْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِنْهُ يُؤْخَذُ مَنْعُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْأَسْوَاقِ الْمَغْصُوبَةِ بَلْ وَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ.

وفي «المجموع» (3/ 163) للنووي: ولا يجوز أن يُصلِّي في أرض مغصوبة؛ لأن اللبث فيها يحرم في غير الصلاة فلأَنْ يحرم في الصلاة أَوْلَى. فإن صلى فيها صحت صلاته؛ لأن المنع لا يختص بالصلاة فلا يمنع صحتها.

ص: 451

وفي «منار السبيل في شرح الدليل» (1/ 77): ولا تصح الصلاة في الأرض المغصوبة لحرمة لبثه فيها. وعنه: بلى مع التحريم

(1)

. اختاره الخَلَّال، والفنون وفاقاً. قاله في الفرع. - يعنى وفاقاً للأئمة الثلاثة - لحديث:«جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» وقال أحمد: تُصلَّى الجمعة في موضع الغصب. يعني إذا كان الجامع مغصوبًا وصلى الإمام فيه، فامتنع الناس فاتتهم الجمعة.

أفادها الباحث محمد بن رمضان الشرموخي مع شيخنا، بتاريخ (4) صفر (1444 هـ) الموافق (31/ 8/ 2022 م).

(1)

وقال ابن عثيمين في «الشرح الممتع» (2/ 248): القول بصحة الصلاة مع الإثم هو الراجح؛ لأن الصلاة لم يُنْهَ عنها في المكان المغصوب، بل نُهي عن الغصب.

ص: 452

‌الصلاة في أول وقتها

قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (619): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ:«شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ فِي الرَّمْضَاءِ، فَلَمْ يُشْكِنَا» .

أَصْل هذا الخبر ما أخرجه البخاري رقم (3612): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ إِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» .

الخلاصة: أن وجه الربط بين الخبرين من حيث السند: ذِكر الصحابي.

ومن حيث المتن:

1 -

اتفاق صدر المتنين: (شكونا).

2 -

سياق متن القصة الصحيحة دون ذكر (الصلاة) فكأنه اختصار.

3 -

كلام ابن كثير نافع في هذا المقام، وهو الذي أختاره.

ص: 453

4 -

أقوى ما تمسك به ابن حجر وجود ذكر (الصلاة) لكنها شاذة، وهو اختيار شيخنا مع الباحث أحمد النمر، بتاريخ (7) صفر (1445 هـ) الموافق (1445 هـ) الموافق (23/ 8/ 2023 م) حيث قال: لا صلة بين الخبرين من حيث السند، ولفظة (الصلاة) شذ به أبو الأحوص عن سائر أصحاب أبي إسحاق.

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (7/ 167): أَغْرَبَ الشيخ عماد الدين بن كثير، فزعم أن الحديث الوارد عن خباب عند مسلم وأصحاب السُّنن:(شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حَر الرمضاء، فلم يُشْكِنَا) طرفٌ من حديث الباب، وأن المراد أنهم شَكَوْا ما يَلقونه من المشركين من تعذيبهم بحَرّ الرمضاء وغيره، فسألوه أن يدعو على المشركين فلم يُشْكِهم، أي: لم يُزِلْ شكواهم، وعَدَل إلى تسليتهم بمن مضى ممن قبلهم، ولكن وعدهم بالنصر. انتهى.

ويُبعِد هذا الحمل أن في بعض طرق حديث مسلم عند ابن ماجه: (الصلاة في الرمضاء) وعند أحمد: (يعني الظُّهر) وقال: إذا زالت الشمس فصَلُّوا. وبهذا تمسك مَنْ قال: إنه ورد في تعجيل الظُّهر، وذلك قبل مشروعية الإبراد، وهو المعتمد. والله أعلم.

ص: 454

‌الاستفتاح ب «الحمد لله رب العالمين»

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (743): حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ

(1)

قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِ {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [الفاتحة: 2].

تابع شعبةَ جماعةٌ: هشام، وابن أبي عَرُوبة، وأيوب السَّختياني، ومَعْمَر، وأبو عَوَانة، وحماد بن سلمة، وهمام بن يحيى، وشيبان.

وتابعهم متابعة قاصرة عن أنس جماعةٌ:

1 -

إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أخرجه مسلم (399).

2 -

حُميد الطويل، أخرجه أبو يعلى (2985)

(2)

.

(1)

أخرجه مسلم (399) عن محمد بن جعفر، به.

(2)

اختُلف على حميد، فقال الإمام مالك في «مُوطَّئه» رقم (30): عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ كَانَ لَا يَقْرَأُ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ.

وخالف مالكًا جمهورُ الرواة- إسماعيل بن جعفر، وابن عُيينة، وعبد الوهاب الثقفي، وحماد بن سلمة، ومَعْمَر، وابن أبي عَدِيّ، وزهير بن معاوية، ومعاذ بن معاذ، وهُشيم بن بَشِير، وابن المُقرِئ، ومَرْوان الفَزَاري- فقالوا: كَانُوا يَفْتَتِحُونَ القِرَاءَةَ- الصَّلَاةَ- بِ {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [الفاتحة: 2].

وتابع حميدًا الجماعة - قتادة، وإسحاق، وأبو عَوَانة، وثابت، ومنصور، وابن سيرين، ومحمد بن نوح، وأبو قِلَابة - عن أنس رضي الله عنه.

ورَجَّح الشافعي رواية الجماعة على رواية الإمام مالك.

ص: 455

3 -

أبو نَعَامَة، أخرجه أحمد (13259).

4 -

ثابتٌ البُناني، أخرجه أحمد (13784).

5 -

منصور بن زاذان، أخرجه النَّسَائي (606).

6 -

ابن سيرين، أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1204).

7 -

محمد بن نوح، أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1206).

8 -

أبو قِلَابة، أخرجه ابن حِبَّان (1802).

وخالف الجميعَ الأوزاعيُّ فقال: «لَا يَذْكُرُونَ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا» أخرجه مسلم (399).

والخلاصة: أن رواية الجماعة هي الصواب، وأَعَلَّ رواية الأوزاعي عددٌ من علماء العلل.

والأثر الفقهي المترتب هو هل تُقرَأ البسملة أو لا؟ ورواية الجماعة محتملة أن البسملة يُسَر بها، بخلاف رواية الأوزاعي.

وانتهى شيخنا من زمن طويل إلى ضعفها

(1)

ثم أَكَّد ذلك مع الباحث محمد بن السيد الفيومي، بتاريخ الثلاثاء (15) شعبان (1444 هـ) الموافق (7/ 3/ 2023 م).

(1)

انظر بحث أخينا الشيخ سيد بن حمودة -حَفِظه الله-.

ص: 456

‌إلى أين تُرفَع الأيدي؟

تنوعت فيه الأخبار، فمنها:

الحديث الأول: أخرجه الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (391): حَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» فَعَلَ مِثْلَ ذَلِك.

وخالف الإمامَ مسلم عبدُ الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي فقال: «حذو منكبيه» كما عند الدارقطني.

واختُلف على قتادة في اللفظ:

1 -

شعبة وعنه «فروع أذنيه» كما عند أبي داود (745) و «إلى أذنيه» عند أحمد (20531) و «حيال أذنيه» عند النسائي (880).

2 -

سعيد «فروع أذنيه» عند أحمد (15604) ومسلم (795).

3 -

همام «فروع أذنيه» أخرجه أحمد (20537).

4 -

هشام «قريبًا من أذنيه» أخرجه ابن ماجه (859).

وخالف نصرَ بن عمران أبو قِلابة، فلم يَذكر إلى أين تُرفَع الأيدي؟ أخرجه

ص: 457

مسلم (391): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ هَكَذَا.

وتابع يحيى بنَ يحيى إسحاقُ بن شاهين، أخرجه البخاري (737).

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث يوسف الحسيني، بتاريخ (22) من المحرم (1445 هـ) الموافق (9/ 8/ 2023 م):

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:

1 -

ليس في رواية «الصحيحين» عن مالك بن الحويرث من طريق أبي قِلابة، ذِكر موطن الرفع.

2 -

نصر بن عاصم وثقه النسائي وابن حبان، ورَوَى عنه عدد.

ثم أضاف بتاريخ (27) محرم (1445 هـ) الموافق (14/ 8/ 2023 م): الصواب في رواية قتادة عن نصر: «فروع أذنيه» . اه.

الحديث الثاني: أخرجه مسلم (401): حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ وَمَوْلًى لَهُمْ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ - وَصَفَ هَمَّامٌ حِيَالَ أُذُنَيْهِ - ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ

ص: 458

سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ.

ورواه عاصم بن كُليب فيما أخرجه أحمد (18870): حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، أَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيَّ أخْبَرَهُ قَالَ: قُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَيْفَ يُصَلِّي؟ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ قَامَ فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ.

وتابع زائدةَ شريكٌ، أخرجه أبو داود (728)، وتابعهما محمد بن فضيل وبشر بن المفضل.

وأما الثوري فلفظه عند أحمد (18845): عَنْ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ سَجَدَ، وَيَدَاهُ قَرِيبَتَانِ مِنْ أُذُنَيْهِ.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث يوسف الحسيني، بتاريخ (27) محرم (1445 هـ) الموافق (14/ 8/ 2023 م): الصواب من رواية وائل بن حُجْر-والله أعلم- «حيال أذنيه» وتُفسِّرها رواية الثوري ووَصْف همام، ورواية همام لم يتبين [فيها] الإدراج من عدمه. اه.

قلت: بل الإدراج واضح لمن قرأ الرواية.

الحديث الثالث: أخرجه البخاري (735) ومسلم (390) من طريق سَالِمِ بْنِ عَبدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ» وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ.

وطريق نافع لهذا الخبر به خلاف. وسبق الخبر في «سلسلة الفوائد»

ص: 459

(2/ 245).

الحديث الرابع: أخرجه البخاري (828) من حديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه قال: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ

».

أقوال الفقهاء:

ذهب جمهور الفقهاء من المالكية

(1)

والشافعية

(2)

والحنابلة

(3)

إلى رفع اليدين إلى المَنكِبين؛ لحديثَي ابن عمر وأبي حُميد.

وأما الأحناف

(4)

فذهبوا إلى رفع اليدين إلى فروع الأذنين.

(1)

في «الاستذكار» (4/ 109):

وأَثْبَتُ ما فيه حديث ابن عمر هذا «حذو منكبيه» وعليه جمهور التابعين وفقهاء الأمصار وأهل الحديث، وكل ذلك واسع حسن.

(2)

في «المجموع» (3/ 305): والمذهب الرفع حذو المنكبين

(3)

في «المغني» (1/ 339): وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي رَفْعِهِمَا إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ أَوْ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَبْلُغَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَإِنَّمَا خُيِّرَ لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَالرَّفْعُ إلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما.

(4)

في «المبسوط» (1/ 19): والمسنون عندنا أن يَرفع يديه حتى يحاذي إبهاماه شحمتي أذنيه ورءوس أصابعه فروع أذنيه.

ص: 460

‌وَضْع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة

ورد في ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم:

الأول: ما أخرجه الإمام البخاري رقم (740): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:«كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اليَدَ اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ اليُسْرَى فِي الصَّلَاةِ» . قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ: يَنْمِي.

الثاني: ما أخرجه مسلم في «صحيحه» رقم (401): حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ

(1)

، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ وَمَوْلًى لَهُمْ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ- وَصَفَ هَمَّامٌ حِيَالَ أُذُنَيْهِ - ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ.

ورواه كُليب بن شهاب عن وائل، أخرجه أحمد (18871).

(1)

رواه محمد بن جحادة تارة بإثبات علقمة وأخرى بإسقاطه.

وحَدَث قلب في اسم (علقمة بن وائل) إلى (وائل بن علقمة) في طريق عبد الوارث، كما عند ابن حِبان (1862) تارة بالقلب وأخرى بالصواب.

ص: 461

تنبيه: رواه سعيد بن عبد الجبار، فخالف في سنده ومتنه، فقال: عن عبد الجبار عن أمه أُم يحيى عن وائل. وقال: «ثم وَضَع يمينه على يساره على صدره» أخرجه البزار (4488)، والطبراني في «المعجم الكبير» (22/ 49) رقم (118). وسعيد ضعيف، وأُم يحيى مجهولة، وعبد الجبار لم يَسمع منها.

وجاءت هذه اللفظة من طريق مُؤمَّل بن إسماعيل عن سفيان الثوري عن عاصم بن كُليب عن أبيه عن وائل. أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» رقم (479).

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن السيد الفيومي أبي صهيب، بتاريخ (23) محرم (1444 هـ) الموافق (21/ 8/ 2022 م) إلى نكارة لفظة:«ثم وَضَع يمينه على يساره على صدره» .

وثَمة ألفاظ شاذة في هذا الحديث قام ببحثها وعرضها على شيخنا، الباحثُ كريم بن محمد، بتاريخ (26) محرم (1444 هـ) الموافق (24/ 8/ 2022 م)

(1)

.

منها: «وإذا رَفَع رأسه من السجود رَفَع يديه أيضًا» أخرجها أبو داود (723) شذ بها عبيد الله بن عمر-ثقة ثبت- عن عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن

(1)

وقال شيخنا في مطلع نقاشه للباحث:

أَلفِت النظر إلى أمرين:

1 -

اعتَمَد كثير ممن صَنَّف في صفة الصلاة على هذا الخبر.

2 -

وائل بن حُجْر وافد، ولم يكن ملازمًا، فإذا خالف غيره من الصحابة الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم قُدم قولهم.

ص: 462

جُحَادَة به. وقد خالف عمران بن موسى كما عند ابن خزيمة (905) وإبراهيم بن الحجاج، كما عند ابن حبان.

وقد رَوَى الخبر دون الزيادة همام عن محمد بن جُحَادة، أخرجه مسلم (401).

وثَمة طرق أخرى عن علقمة بن وائل بدونها.

وأشار أبو داود إلى ذلك حيث قال: رَوَى هذا الحديث همام عن ابن جُحَادَة، ولم يَذكر الرفع من الرفع من السجود.

ومنها: «فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا» تفرد بها زائدة بن قدامة عن عاصم بن كُليب عن كليب بن شهاب عن وائل. أخرجها أحمد (18870) وغيره. وقد خالف زائدة جمعًا غفيرًا من الرواة، منهم شعبة وسفيان بن عيينة والثوري. وانظر مزيدًا في «العلل» لشيخنا حفظه الله.

الحديث الثالث: أخرجه عبد الله في «زوائده على المسند» رقم (21968): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْهُلْبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:«رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاضِعًا يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَرَأَيْتُهُ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ» .

وتابع وكيعًا عبد الرزاق في «مصنفه» (327).

وتابعهما ابن مهدي، أخرجه الدارقطني (1117).

وخالفهم يحيى بن سعيد وهو القطان، فزاد:«رأيته يضع هذه على صدره» أخرجه أحمد (21967).

ص: 463

وتابع الثوري على أخذ الشمال باليمين جماعة، أقواهم أبو الأحوص. أخرجه الترمذي (252). وقال: حديث هُلْب حديث حسن.

والخلاصة: أن مداره على سِمَاك عن قَبيصة بن هُلْب، واختَلف العلماء في قبيصة، فوثقه العجلي وذَكَره ابن حبان في «الثقات» وقال ابن حجر: مقبول. وجَهِله ابن المديني والنسائي. وقال الإمام مسلم في «الوحدان» : تَفرَّد سماك بن حرب عنه.

وانتهى شيخنا مع الباحث محمد بن السيد الفيومي أبي صهيب، بتاريخ (23) محرم (1444 هـ) الموافق (21/ 8/ 2022 م) إلى ضعفه لجهالة قَبيصة. وهكذا انتهى صاحبا «تحرير التقريب» .

الحديث الرابع: أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (22497): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ سَيْفٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ غُطَيْفٍ- أَوْ: غُطَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ- قَالَ: مَا نَسِيتُ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَمْ أَنسَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعًا يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ.

وتابع ابنَ مهدي على هذا جماعة - حماد بن خالد وزيد بن الحُباب وعبد الله بن صالح ومَعْن بن عيسى-.

وخالفهم ابن وهب في رواية الأكثر عنه

(1)

فزاد بين يونس بن سيف وغُطيف أبا راشد الحبراني، أخرجه ابن عدي في «الكامل» (8/ 144)، وأبو نُعيم في

(1)

خالفهم عبد الله بن سليمان بن الأشعث، فرواه كرواية الجماعة دون ذكر أبي راشد، أخرجه ابن قانع في «معجم الصحابة» (1/ 185).

ص: 464

«معرفة الصحابة» (2123)، والطبراني في «المعجم الكبير» (3/ 276) رقم (3400) وهذا أحسن الطرق إلى ابن وهب.

والخلاصة: لي مع الباحث محمد بن السيد الفيومي أبي صهيب، بتاريخ (23) محرم (1444 هـ) الموافق (21/ 8/ 2022 م): أن في سنده يونس بن سيف

(1)

وثقه الدارقطني وقال: لا أدري أَسَمِعَ من غُطيف أم لا.

وسبق في الطرق ما يؤيد إثبات الواسطة، وهي ثقة، في طريق ابن وهب

(2)

ويَشهد له ما سبق من وضع اليمنى على اليسرى دون تقييد بالصدر.

(1)

وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال البزار: صالح الحديث. وقال ابن حجر: مقبول. وتعقبه صاحبا تحرير التقريب فقالا: بل ثقة.

(2)

وأَكَّد إثباتها ابن منده كما نَقَله عنه ابن حجر في «الإصابة» .

ص: 465

‌النهي عن السدل في الصلاة

وردت فيه أخبار ضعيفة وأثر محتمل:

أما المرفوع، فمنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (7934): حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنِ السَّدْلِ

(1)

فِي الصَّلَاةِ.

وتابع حمادًا سعيد بن أبي عَروبة، أخرجه أحمد (8582) وغيره. وتابعهما وهيب- هو ابن خالد- أخرجه أحمد (8496).

وخالفهم هشام الدَّستُوائي فأوقفه، كما في «العلل» (1608) للدارقطني. اه.

ورواية الجماعة بالرفع أرجح.

وتابع عِسْلًا الحسن بن ذكوان، زاد:«وأن يُغطِّي الرجل فاه» . واختُلف عليه،

(1)

أي: سَدْل الثياب.

واختُلف في صفته على أقوال:

1 -

الإسبال. وهو بعيد لأن هناك أحاديث في النهي عن الإسبال من غير تقييد بالصلاة.

2 -

أن يضع الثوب على كتفيه دون ضم بعضه إلى بعض.

3 -

أن يضع الثوب على وسط رأسه ثم يرسله عن يمينه وشماله.

4 -

كأنه كاشتمال الصَّمَّاء.

ص: 466

فرواه عنه محمد بن راشد، أخرجه ابن ماجه (966) وميمون بن زيد، أخرجه البخاري في «تاريخه» (551) معلقًا.

وخالفهما ابن المبارك فأدخل واسطة بين الحسن بن ذكوان وعطاء، هي سليمان الأحول، أخرجه أبو داود (442) وغيره.

وخالف عِسْلًا والحسن بن ذكوان عامرٌ الأحول فأرسله، أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (3310) والدارقطني في «علله» (1608) وقال: وفي رفعه نظر؛ لأن ابن جُريج رَوَى عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يَسْدِل في الصلاة

(1)

.

الخلاصة: أن الطرق الثلاثة لهذا الخبر عن عطاء ضعيفة؛ لضَعْف عِسْل والحسن بن ذكوان

(2)

والسند بالإرسال إلى عطاء فيه الكارزي، لم يقف له الباحث علي بن سلطان الفيومي على مُوثِّق. وعامر الأحول متكلم فيه. بتاريخ (6) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (21/ 9/ 2023 م). وهذه هي النتيجة السابقة في «سلسلة الفوائد» (1/ 244).

ومنها: حديث أبي جُحيفة، ومداره في أشهر طريقيه على أبي مالك النَّخَعي كما عند البزار (4215) وحفص بن سليمان كما في «المعجم الكبير» (6164) وكلاهما متروك في الحديث. ورواه أبو حنيفة عن علي بن الأقمر مرسلًا، أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (14، 15).

ومنها: حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفي سنده بِشر بن رافع وهو منكر

(1)

أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (1419) وابن أبي شيبة (6546، 6547).

(2)

أكثر العلماء على تضعيفه، وهو من رجال البخاري المُتكلَّم فيهم.

ص: 467

الحديث. واختُلف في وصله كما عند البيهقي (3439) وإرساله كما عند عبد الرزاق في «مصنفه» (1417).

ومنها: حديث ابن عباس، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» رقم (11677): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عِيسَى بْنُ قِرْطَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّيْتُمْ فَارْفَعُوا سَبَلَكُمْ؛ فَكُلُّ شَيْءٍ أَصَابَ الْأَرْضَ مِنْ سَبَلِكُمْ فَهُوَ فِي النَّارِ» وعِلته عيسى بن قِرطاس، متروك متهم بالكذب

(1)

.

وأما الآثار: فمنها أثر علي رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (6542): حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَلِيًّا رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ وَقَدْ سَدَلُوا، فَقَالَ: كَأَنَّهُمُ الْيَهُودُ خَرَجُوا مِنْ فِهْرِهِمْ.

وتابع ابنَ علية هُشيم، أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3313) وفي سنده أبو الحسن الكارزي كما سبق.

ورواه الثوري واختُلف عليه، تارة متابع لابن عُلية وهشيم كما في «الأوسط» (2383) لابن المنذر، من طريق عبد الله بن الوليد العدني، وهو مختلف فيه، قال ابن عَدي: روى عن الثوري غرائب. وتارة بإسقاط والد عبد الرحمن بن سعيد، أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (1434).

(1)

وأورده العُقيلي في ترجمة عيسى بن قرطاس. وكذا ابن عَدي في «الكامل» (6/ 442) وقال العُقيلي عقبه: وَقَدْ رُوِيَ فِي كَرَاهِيَةِ السَّبَلِ أَحَادِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ صَالِحَةُ الْأَسَانِيدِ.

ص: 468

الخلاصة: أن سند ابن علية رجاله ثقات، وربما وقع سقط في طريق عبد الرزاق فليُحرَّر. وانتهى شيخنا مع الباحث علي بن سلطان، بتاريخ (8) ربيع الأول (1445 هـ) الموافق (21/ 9/ 2023 م) إلى أن الموقوف فيه كلام، والمرفوع ضعيف.

ص: 469

‌النهي عن البصق عن اليمين

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (27221)

(1)

: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّيْتَ فَلَا تَبْصُقْ عَنْ يَمِينِكَ وَلَا بَيْنَ يَدَيْكَ، وَابْصُقْ خَلْفَكَ وَعَنْ شِمَالِكَ إِنْ كَانَ فَارِغًا، وَإِلَّا فَهَكَذَا» وَدَلَكَ تَحْتَ قَدَمِهِ، وَلَمْ يَقُلْ وَكِيعٌ وَلَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ

(2)

: «وَابْصُقْ خَلْفَكَ» وَقَالَا: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ورواه اثنا عشر راويًا عن منصور دون الزيادة، وقد سبق تخريجه في كتابي «كيف تكون محققًا على نهج كبار المحققين» (ص/ 133 - 136) ط/ دار اللؤلؤة.

(1)

وتابع الإمام أحمد ثلاثة:

1 -

محمد بن بشار، أخرجه الترمذي (571).

2 -

عبيد الله بن سعيد، أخرجه النسائي (726).

3 -

محمد بن المثنى، أخرجه ابن خزيمة (876) عطفًا على بندار، وهو محمد بن بشار.

وخالفهم مسدد فقال: عن يحيى عن سفيان الثوري. فلم يَذكر: «خلفك» . كما في «مستدرك الحاكم» (941).

وتابع مسددًا يحيى بن حكيم، كما عند الطوسي في «مستخرجه» (471).

(2)

وتابعهما عبيد الله الأشجعي كما عند الحاكم (941) والحسين بن حفص، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبرى» (3598).

ص: 470

وقد أَنْكَر الإمام أحمد هذه اللفظة كما فهمه ابن رجب في «فتح الباري» (2/ 344).

وقال الدارقطني: هي وهم من يحيى بن سعيد.

في حين عَنْوَنَ ابن خزيمة في «صحيحه» لها بقوله: باب الرخصة في إباحة بصق المصلي خلفه وليّ العنق وراء ظهره.

والخلاصة: انتهى شيخنا معي من سنين إلى شذوذها. ثم عَرَضها الباحث خالد بن صالح، بتاريخ (11) محرم (1444 هـ) الموافق (9/ 8/ 2022 م) فكَتَب: فيما يبدو شذوذ لفظة «ومِن خلفك»

(1)

والله أعلم.

(1)

الأَولى: (وَابْصُقْ خَلْفَكَ) أو (ولكن خَلْفَك

).

ص: 471

أسباب قَبول الصلاة

قال البزار في «مسنده» رقم (4823) - حَدَّثنا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ الْحَرَّانِيُّ، قَال: حَدَّثنا عَبد اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنِّي لا أَتَقَبَّلُ الصَّلاةَ إلاَّ مِمَّنْ تَوَاضَعَ بِهَا لِعَظَمَتِي وَلَمْ يَسْتَطِلْ عَلَى خَلْقِي وَلَمْ يَبِتْ مُصِرًّا عَلَى مَعْصِيَتِي وَقَطَعَ نَهَارَهُ فِي ذِكْرِي وَرَحِمَ الْمِسْكِينَ، وَابن السَّبِيلِ وَالأَرْمَلَةَ وَرَحِمَ الْمُصَابَ ذَلِكَ نُورُهُ كَنُورِ الشَّمْسِ أَكْلَؤُهُ بِعِزَّتِي وَأَسْتَحْفِظُهُ مَلائِكَتِي وَأَجْعَلُ لَهُ فِي الظُّلْمَةِ نُورًا وَفِي الْجَهَالَةِ حِلْمًا وَمَثَلُهُ فِي خَلْقِي كَمَثَلِ الْفِرْدَوْسِ فِي الْجَنَّةِ.

الخلاصة: أن هذا الخبر مما أُخذ على عبد الله بن واقد الحَرَّاني.

وإليك كلام ابن عَدي في «الكامل» (4/ 148): هذا الحديث متنه غير محفوظ، ولم يُؤْتَ مِنْ قِبل حنظلة، وإنما أُتي مِنْ قِبل الراوي عنه أبو قتادة هذا، واسمه عبد الله بن واقد الحراني، وقد تُكلم فيه، يأتي ذكره في «باب العَين» فيمن اسمه عبد الله، إلا أن أحمد بن حنبل أثنى عليه وقال: كان رجلًا صالحًا، إلا أنه يَحمل على حفظه فيخطئ، وهذا الحديث عندي رواه عن حنظلة توهمًا أن حنظلة حدثه بهذا؛ لأن عامة ما يَروي حنظلة مستقيم، ولحنظلة أحاديث صالحة، وإذا حَدَّث عنه ثقة فهو مستقيم الحديث.

وقال البزار: هذا الحديث لا نَعْلَمه يُروَى عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا

ص: 472

مِنْ هذا الوجه بهذا الإسناد، وعبد اللهِ بن واقد لم يكن بالحافظ، وقد حَدَّثَ عنه جماعة كثيرة من أهل العلم، وعبد اللهِ بن واقد كان حرانيًّا عفيفًا، وكان حافظًا متفقهًا بقول أبي حنيفة، وكان يَغلط فيُلقَّن الصواب فلا يَرجع، وكان يكنى أبا قتادة، وكان قاضيًا.

ص: 473

‌هل ثَبَت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَلتفت في الصلاة؟

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (2485): حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، وَالطَّالَقَانِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، لَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ»

(1)

.

وتابع الحسنَ بن يحيى والطالقانيَّ جمعٌ: الحسين بن حُريث، أخرجه ابن خزيمة (485) وابن حبان (2288) وغيرهما، ومحمود بن غيلان، أخرجه الترمذي (588) ويوسف بن عيسى وثَمة آخرون.

*-ورواه وكيع عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، واختُلف عليه، فرواه عنه محمود بن غيلان كما عند الترمذي (588) ومحمد بن إسماعيل الحساني كما عند الدارقطني في «سننه» (1865) والإمام أحمد كما في «مسنده» (2486) ثلاثتهم عنه عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن رجل، مرسلًا.

وخالفهم هناد بن السَّرِيّ، أخرجه أبو داود في «الصلاة» كما في «تحفة الأشراف» (6014) فقال: عنه عن عبد الله بن سعيد عن رجل عن عكرمة مرسلًا.

(1)

وقال الطَّالَقَانِيُّ كما عند أحمد عقب الخبر: حَدَّثَنِي ثَوْرٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

مِثْلَهُ.

ص: 474

أقوال العلماء في التصحيح والتضعيف:

المصححون:

1 -

قال ابن عَدي في «الكامل» (1/ 274): قال إسحاق: ذُكِرَ عند يحيى بن معين هذا الحديث، فقال أبو خيثمة: إن هذا حديث يرويه وكيع مرسل. فقال له يحيى: تدري عمن يحدثك؟ يحدثك عن أمير المؤمنين الفضل بن موسى.

2 -

وصححه ابن القطان الفاسي في «الوهم والإيهام» كما في «نَصْب الراية» (2/ 90) قائلًا: هذا حديث صحيح وإن كان غريبًا لا يُعرَف إلا من هذا الطريق، فإن عبد الله بن سعيد وثور ثقتان، وعكرمة احتج به البخاري، فالحديث صحيح. والله أعلم.

3 -

وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه «سنن الترمذي» قائلًا: وليست هذه علة، بل إسناد الحديث صحيح، والرواية المتصلة زيادة من ثقة فهي مقبولة، والفضل بن موسى ثقة ثبت.

4 -

صححه العلامة الألباني رحمه الله.

والمضعفون:

1 -

قال البرقاني في «سؤالاته» للدارقطني رقم (45): قلت له: حديث الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاحظ في صلاته يمينًا وشمالًا» قال: ليس بصحيح. قلت: إسناده حسن، حَدَّث به عن الفضل جماعة، قال: إي والله حسن، إلا أن له علة، حَدَّث به وكيع عن عبد الله بن سعيد عن ثور عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: لم يسنده إلا الفضل. قال: به نعم.

ص: 475

2 -

وأَعَله بالإرسال الشيخ مقبل في «أحاديث مُعَلة» (234).

والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث خالد بن صالح، بتاريخ (21) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (14/ 1/ 2023 م): المرسل أصح، والله أعلم.

ص: 476

‌لُب العبادة ما يُعقَل منها

قال ابن أبي الدنيا في «العقل وفضله» رقم (14): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ صُقَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ، قَالَ:«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ- حَتَّى ذَكَرَ سِهَامَ الْخَيْرِ- وَمَا يُجْزَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا بِقَدْرِ عَقْلِهِ» .

خالف موسى بنَ أَعْيَن جمهورُ الرواة- خالد بن حيان كما عند ابن أبي الدنيا في «فضل العقل» (8)، وجندل بن والق كما في «مسند الشهاب» (942)، وعبد الله بن جعفر كما في «السنن الصغير» (4321) للبيهقي، وحكيم بن سيف كما في «الكفاية» (365) للخطيب، ويوسف بن عدي وعمرو بن خالد، كلاهما عند ابن عَدي في «الكامل» (1/ 329)، وعلي بن معبد، كما في «الضعفاء» (19324) للعقيلي، وبقية بن الوليد في وجه كما في «الكفاية» (365) للخطيب - فأدخلوا واسطة بين عبيد الله ونافع، هي إسحاق بن أبي فروة، وهو متروك.

ورواية الجماعة أصوب وإن كانت أسانيدها نازلة؛ فالراوي عن موسى بن أعين

(1)

هو منصور بن صُقَيْر، ضعيف.

(1)

وموسى بن أَعْيَن صاحب عُبيد الله بن عمرو.

ص: 477

تنبيه: بقية بن الوليد يدلس ويُسوِّي، وذَكَر عبيدَ الله بن عمر بكنيته أبي وهب الأسدي، دون اسمه، ثنا نافع، به. كما عند الخطيب البغدادي في «الكفاية» (364) لكي لا يفطن له حتى إذا تُرك إسحاق بن أبي فروة لا يُهدَى إليه.

وحَمَّل ابن أبي حاتم في «العلل» (1957) تصريح أبي وهب الأسدي: (حدثنا نافع) لإسحاق بن راهويه.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث سيف الدين بن طلبة البحراوي، بتاريخ (12) من المحرم (1445 هـ) الموافق (30/ 7/ 2023 م): تالف.

فائدة: ورد نحو هذا الخبر المرفوع موقوفًا على عليّ رضي الله عنه، أخرجه الدِّينوري في «المجالسة» (72) وفيه:«ولكنهم عَقَلوا عن الله» .

ص: 478

‌المشغول لا يُشغَل

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (1216): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعْنَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَقَالَ:«إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» .

اختُلف فيه على الأعمش، فرواه ثلاثة كرواية ابن فُضيل بإثبات علقمة، وخالفهم ستة فأسقطوا علقمة كما عند أحمد (3884) وغيره.

وتابع هؤلاء الستةَ متابعة قاصرة على إسقاط علقمة اثنان:

1 -

الحَكَم بن عُتيبة، كما عند النسائي (544).

2 -

حماد بن أبي سليمان، كما عند الطحاوي في «معاني الآثار» (2622).

الخلاصة: أن الأرجح إسقاط الواسطة، ورجحه أبو حاتم وابن عمار الشهيد، ونَقَله ابن رجب الحنبلي عن كثير من الحفاظ. وقد طَلَب شيخنا مزيد بحث من الباحث خلف الفيومي، بتاريخ (9) رمضان (1443 هـ) الموافق (10/ 4/ 2022 م).

ص: 479

‌الحركة في الصلاة أو التصفيق للنساء

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (7190): حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ المَدَنِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرٍو، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَتَاهُمْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلَاةُ العَصْرِ فَأَذَّنَ بِلَالٌ وَأَقَامَ، وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ، فَشَقَّ النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَتَقَدَّمَ فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ. قَالَ: وَصَفَّحَ القَوْمُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْرُغَ، فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لَا يُمْسَكُ عَلَيْهِ الْتَفَتَ، فَرَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، أَنِ امْضِهْ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ هُنَيَّةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ مَشَى القَهْقَرَى، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ تَقَدَّمَ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ:«يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ إِذْ أَوْمَأْتُ إِلَيْكَ أَنْ لَا تَكُونَ مَضَيْتَ؟» قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ لِلْقَوْمِ: «إِذَا رَابَكُمْ أَمْرٌ، فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ» .

تابع أبا النعمان على الأمر في التصفيح جماعةٌ

(1)

: عفان ويحيى بن حسان

(1)

ورواه يونس بن محمد عن حماد، فأَدْخَل واسطة بين حماد وأبي حازم، هي عُبيد الله بن عمر. أخرجه أحمد (2222).

ورواه كذلك في السند إسحاق بن هشام التمار، واختُلف عليه في اللفظ، فرواه كمن سبق أبو إبراهيم الزهري، أخرجه أبو عوانة (2036).

وخالفه محمد بن علي بن داود، كما في «المشكل» (565).

*-ورواه عبد الأعلى عن عبيد الله بن عمر، فلم يَذكر الأمر بالتصفيح. أخرجه ابن خزيمة (853) وأبو عَوَانة (2037).

ص: 480

وعمرو بن عون وخلف بن هشام وأحمد بن عبدة.

*-ورواه عن أبي حازم الجماعة- مالك كما عند البخاري (1684) ومسلم (102) وابن عيينة كما عند أحمد (22845) ومَعمر كما عند عبد الرزاق (4072) وابن عجلان كما عند السراج في «مسنده» (1077) وغيرهم- بقصة الصلح، وفيه:«إنما التصفيق للنساء» .

الخلاصة: وكَتَب شيخنا مع الباحث خالد بن صالح، بتاريخ (11) محرم (1444 هـ) الموافق (9/ 8/ 2022 م): رواه الأكثرون عن أبي حازم بلفظ: «التصفيق للنساء» وخالف ابنُ زيد فرواه بلفظ الأمر.

ص: 481

‌العمل في الصلاة

قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (1200): حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ: مَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنَ الدَّوَابِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابِ، وَالْحَيَّةِ. قَالَ:«وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا» .

وخالف شيبانَ مسددٌ كما عند البخاري (1827) وعفان وحَجاج، فلم يَذكروا «الحية» .

وتابعهم متابعة قاصرة عن زيد بن جُبير:

1 -

زهير كما عند مسلم (1200).

2 -

نافع

3 -

سلام أبو الأحوص.

كلاهما عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» (14821، 14822).

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث خالد بن صالح، بتاريخ (22) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (11/ 6/ 2023 م): يبدو- والله أعلم- أن ذكر «الحية والصلاة» وهم في هذا الحديث، والله أعلم.

تنبيه: قال ابن حجر في «فتح الباري» (4/ 35): وزاد «الحية» وزاد في آخره

ص: 482

ذكر «الصلاة» ليُنبِّه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال

ولم أَرَ هذه الزيادة في غير هذه الطريق، فقد أخرجه مسلم من طريق زهير بن معاوية والإسماعيلي من طريق إسرائيل، كلاهما عن زيد بن جبير بدونها.

ص: 483

‌القراءة في صلاة الظُّهر

قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (459): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَفِي الْعَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ.

وتابع محمدَ بن المثنى إسحاقُ بن منصور، أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (1145).

وخالف ابنَ مهدي الطيالسيُّ واختُلف عليه، فرواه يونس بن حبيب كابن مهدي، أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (4083).

وخالفه أبو بكر بن أبي شيبة، أخرجه مسلم (460) فلم يَذكر العصر وقال: بسبح اسم ربك الأعلى.

وخالف شعبةَ حمادُ بن سلمة من رواية الجماعة عنه- وهم: عفان بن مسلم وموسى بن إسماعيل ويزيد بن هارون وحجاج وبهز وأبو داود الطيالسي-فقالوا: بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج، ونحوهما من السور.

وخالفهم عبد الرحمن بن مهدي واختُلف عليه، فرواه الإمام أحمد كما في «مسنده» (21048) وعمرو بن علي كما عند النسائي (991) كرواية الجماعة.

وخالفهما محمد بن المثنى كما عند البزار (4260) بلفظ: «كان يَقرأ في

ص: 484

الظهر والعصر ب «سبح اسم ربك الأعلى» و «هل أتاك حديث الغاشية» .

وتارة بقصة عمر مع سعد رضي الله عنهما هكذا، عند مسلم (453): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: قَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ. قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِي الْأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. وَمَا آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» فَقَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ. أَوْ: ذَاكَ ظَنِّي بِكَ.

وأخرجه البخاري رقم (770): حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، به.

وكذلك مسلم في «صحيحه» رقم (453): حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَبِي عَوْنٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، به.

والخلاصة: أن رواية أبي عون متفق عليها ومقدمة على رواية سماك، بذكر:(كان يَمد في الأُوليين ويَحذف في الأُخريين).

والخلاف على سماك في تسمية السُّوَر مَرَدُّه إليه، وقد قال النسائي: كان ربما لُقن فتَلقَّن، فإذا انفرد بأصل، لم يكن حجة لأنه كان يُلقَّن فيَتلقن.

وانتهى شيخنا معي بتاريخ (11) جمادى الآخرة (1444 هـ) الموافق (4/ 1/ 2023 م) إلى أن الأرجح هو الرواية المتفق عليها، وسماك يضطرب.

ص: 485

‌قراءة السورتين في الركعة

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (20651): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لِكُلِّ سُورَةٍ حَظُّهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» قَالَ: ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقُلْتُ لَهُ:«إِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ بِالسُّوَرِ، فَتَعْرِفُ مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا الْحَدِيثَ؟» قَالَ: إِنِّي لَأَعْرِفُهُ، وَأَعْرِفُ مُنْذُ كَمْ حَدَّثَنِيهِ، حَدَّثَنِي مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً.

وتابع يحيى بنَ سعيد أبو معاوية وعبدة بن سليمان، كما عند أحمد (2059)، وعبد الواحد بن زياد ومَرْوان بن معاوية، أخرجه البيهقي (4694، 4695).

والخلاصة: أن إسناده صحيح، ولكن قال شيخنا مع الباحث محمد بن سيد الفيومي، بتاريخ (28) محرم (1445) الموافق (15/ 8/ 2023 م): إذا كان أبو العالية يريد النهي عن الجمع بين سورتين فهذا مرفوض لدينا؛ لأن في البخاري (775) ومسلم (822) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ، سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» . وكذلك الصحابي الأنصاري الذي كان يَفتتح قراءته ب «قل هو الله أحد» وأَحَبه الله. وسبق تخريجه في «سلسلة الفوائد» (2/ 261).

ص: 486

‌تَكرار الآية في القراءة في الصلاة

ورد فيه حديثان مرفوعان:

الأول: حديث أبي ذر رضي الله عنه، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (21388): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا قُدَامَةُ الْعَامِرِيُّ، عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَرَدَّدَهَا حَتَّى أَصْبَحَ:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118].

وتَابَع وكيعًا جمعٌ: يحيى بن سعيد ومحمد بن فُضيل وعبد الواحد بن زياد، ومَرْوان بن محمد ومحمد بن عبيد وأبو خالد الأحمر.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن السيد الفيومي، بتاريخ (3) ذي الحجة (1444 هـ) الموافق (21/ 6/ 2023 م) إلى ضعفه؛ لقول البخاري في جَسْرة: عندها عجائب. ثم كَتَب: هل سَمِعَتْ جَسْرة من أبي ذر رضي الله عنه؟ ثم قال: لأن التضعيف بأكثر من علة أَوْلَى من علة.

الحديث الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه الترمذي في «سننه» رقم (448): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ البَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبدِ الوَارِثِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ العَبدِيِّ، عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ النَّاجِيّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِآيَةٍ مِنَ القُرْآنِ لَيْلَةً.

ص: 487

خالف عبدَ الوارث اثنان فأرسلاه:

1 -

ابن المبارك، كما في «الزهد» (104).

2 -

عبد الله بن داود، كما عند أبي الشيخ (578).

وخالفهم زيد بن الحُباب فسلك الجادة، إن قلنا: إن أداة التحمل سقطت بين إسماعيل والناجي، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (11594): حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ النَّاجِيُّ

(1)

، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّدَ آيَةً حَتَّى أَصْبَحَ.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن السيد الفيومي، بتاريخ (3) ذي الحجة (1444 هـ) الموافق (21/ 6/ 2023 م): هل روجعت أقوال علماء العلل؟

ومما يُستنبَط من أثر أسماء رضي الله عنها الذي أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (6092): حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ جَدِّهِ عَبَّادِ بْنِ حَمْزَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَسْمَاءَ وَهِيَ تَقْرَأُ: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} قَالَ: فَوَقَفَتْ عَلَيْهَا فَجَعَلَتْ تَسْتَعِيذُ وَتَدْعُو. قَالَ عَبَّادٌ: فَذَهَبْتُ إِلَى السُّوقِ فَقَضَيْتُ حَاجَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ، وَهِيَ فِيهَا بَعْدُ تَسْتَعِيذُ وَتَدْعُو.

وخالفه أبو معاوية سندًا ومتنًا، كما عند أبي عُبيد في «فضائل القرآن» (187) حُدّثت.

(1)

وأخرجه البيهقي في «شُعب الإيمان» (3/ 406) من طريق أبي مسلم عن زيد بن الحُباب عن إسماعيل بن مسلمٍ العَبْديّ.

ص: 488

أما السند فقال: عبد الوهاب بن يحيى بن حمزة عن أبيه عن جَده.

وأما المتن فقال: ثم رجعتُ وهي تكررها وهي في الصلاة.

وأبو معاوية يهم في غير الأعمش، ومُتكلَّم في روايته عن هشام، فقد قال أبو داود: قلت لأحمد: كيف حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة؟ قال: فيها أحاديث مضطربة، يَرفع منها أحاديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. اه.

ص: 489

‌هل تَأوُّله صلى الله عليه وسلم وسؤاله عند التلاوة في الفرض والنفل نَصٌّ أو في النفل نص وفي الفرض قياس؟

قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (23311): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ

(1)

، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ خَوْفٍ تَعَوَّذَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ سَأَلَ. قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَكَعَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» .

وخالف الثوريَّ أبو معاوية وابن نُمير وجرير بن عبد الحميد، كما عند مسلم رقم (772): ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الْأَحْنَفِ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ «الْبَقَرَةَ» ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ «النِّسَاءَ» ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ «آلَ عِمْرَانَ» ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ:«سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ:«سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. قَالَ: وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ مِنَ

(1)

وفي «المصنف» بتجزئة المتن على مرتين، رقم (4046) وفي إحداهما رقم (2875) إسقاط سعد بن عُبيدة.

ص: 490

الزِّيَادَةِ، فَقَالَ:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» .

وتابعهم على التقييد بالنفل: حفص بن غياث وأبو عَوانة وشعبة بن الحَجاج في الأرجح عنه.

الخلاصة: أن رواية الجماعة عن الأعمش أرجح وأشهر، وربما يكون الاختصار من عبد الرزاق وشعبة بن الحجاج من رواية محمد بن جعفر، كما عند أحمد (23240) وسعيد بن عامر كما عند الدارمي (1345) وفي رواية غيرهما مقيدة بالليل. أفاده الباحث أحمد بن علي.

قام بمناقشة شيخنا في هذا الخبر الباحث أحمد النمر، بتاريخ (19) ذي القعدة (1444 هـ) الموافق (8/ 6/ 2023 م) وكأن شيخنا لم يُقِره على اختياره الاختصار.

ص: 491

‌هل صح لفظ: «قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ» ؟

قال النسائي في «السنن» رقم (1201): أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ، قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَقُولُوا هَكَذَا؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عَبَّادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» .

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث علاء بن جمال، بتاريخ (2) ذي الحجة (1443 هـ) الموافق (31/ 7/ 2022 م) إلى ضعف لفظ:«قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ» .

ص: 492

‌حُكْم الصلاة متربعًا

وردت فيه أخبار منها:

الحديث الأول أخرجه النَّسَائي

(1)

في «سُننه» رقم (1661): أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» .

تابع هارونَ بن عبد الله ثلاثةٌ:

1 -

محمد بن عبد الله، أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (2780).

2 -

يوسف بن موسى، أخرجه ابن خُزيمة في «صحيحه» (927)، والبيهقي (304).

3 -

محمد بن عبد الله في وجه

(2)

، أخرجه ابن خُزيمة (1170) وابن حِبَّان (2512).

وتابع أبا داود الحَفَري محمدُ بن سعيد وهو الكوفي، أخرجه الحاكم في

(1)

وتابع النسائيَّ موسى بن هارون، أخرجه الحاكم (275) وإسحاق بن إبراهيم، أخرجه الطحاوي في «شرح مُشكِل الآثار» (5234).

(2)

وفي وجه عن يوسف بن موسى السابق.

ص: 493

«مُستدرَكه» (962) لكن عنده (حُميد بن قيس) بدل (حُميدٍ الطويل)

(1)

.

خالف حفصَ بن غِيَاث الرواة.

وأَعَل العلماء صفة التربع مرفوعًا:

1 -

محمد بن نصر في «مختصر قيام الليل» (ص 201): وَحَدِيثُ الصَّلَاةِ جَالِسًا رَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ غَيْرُ وَاحِدٍ، كَمَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ رحمه الله، وَلَا ذَكَرَ التَّرَبُّعَ فِيهِ.

وقال أبو عبد الرحمن النَّسَائي عقبه: «لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ أَبِي دَاوُدَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلَا أَحْسِبُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا خَطَأً، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ» .

وقال ابن المنذر في «الأوسط في السُّنن والإجماع والاختلاف» (4/ 376): حَدِيثُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ، رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّرَبُّعِ، وَلَا أَحْسَبُ الحَدِيثَ يَثْبُتُ مَرْفُوعًا، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الحَدِيثُ فَلَيْسَ فِي صِفَةِ جُلُوسِ الْمُصَلِّي قَاعِدًا سُنَّةٌ تُتَّبَعُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَكُونَ جُلُوسُهُ كَمَا سَهُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ صَلَّى مُتَرَبِّعًا، وَإِنْ شَاءَ مُحْتَبِيًا

(2)

، وَإِنْ شَاءَ جَلَسَ كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، كُلُّ ذَلِكَ

(1)

وهناك ثلاثة:

1 -

حُميد الطويل البصري، ثقة يُدلِّس عن أنس، ورَوَى له أصحاب الكتب الستة، وهو من الطبقة الخامسة.

2 -

حُميد بن قيس المكي، الأكثر على توثيقه، رَوَى له أصحاب الكتب الستة، وهو من الطبقة السادسة.

3 -

حُميد بن طَرْخَان، وثقه ابن مَعِين وابن حجر. وقيل: هو الطويل.

(2)

قوله: "محتبيًا"؛ أي: جالسًا بحيث تكون ركبتاه منصوبتين وبطن قدميه على الأرض، ويداه موضوعتين على ساقيه.

ص: 494

قَدْ رُوِيَ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ.

والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث طارق بن جمال البِيَلي، بتاريخ الخميس (24) شعبان (1444 هـ) الموافق (16/ 3/ 2023 م) إلى ما انتهى إليه شيخه مُقبِل بن هادي الوادعي، من إعلال لفظ التربع.

الحديث الثاني: أخرجه أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» رقم (2235): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ، ثَنَا الحَضْرَمِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ ذَيَّالِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي حَنْظَلَةَ يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا مُتَرَبِّعًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلَ بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ وَأَحَبِّ كُنَاهُ.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث طارق بن جمال، بتاريخ الخميس (24) شعبان (1444 هـ) الموافق (16/ 3/ 2023 م) إلى ضعفه؛ لأن محمد بن عثمان مقبول. وأبو بكر الطَّلْحي لم يقف الباحث له على مُوثِّق.

*-وفي الباب فِعل ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في «صحيحه» رقم (827): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا جَلَسَ، فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ، فَنَهَانِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ اليُمْنَى وَتَثْنِيَ اليُسْرَى. فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِنِي.

ص: 495

‌صلاة الجالس نصف صلاة القائم

وردت فيه أخبار:

الأول: أخرجه البخاري في «صحيحه» رقم (1116): حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، وَكَانَ رَجُلًا مَبْسُورًا، وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ مَرَّةً: عَنْ عِمْرَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ:«مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ» .

تابع عبدَ الوارث جماعةٌ، منهم: رَوح بن عُبادة كما عند البخاري (1115) ويحيى بن سعيد عند أحمد (19899)، وعيسى بن يونس وإبراهيم بن طهمان، كلاهما عند الترمذي (371، 372).

الحديث الثاني: أخرجه مسلم في «صحيحه» رقم (735): وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ» ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ:«مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو؟» قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قُلْتَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ» ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا، قَالَ:«أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ» .

ص: 496

تابع جريرًا- هو ابن عبد الحميد- سفيان، كما عند أحمد (6512) وغيره. وشعبةُ بن الحجاج كما عند أحمد (6883) وابن خزيمة (1237).

وثَمة متابعات عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

الحديث الثالث: أخرجه الطوسي في «مستخرجه على جامع الترمذي» (344): نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الْكُوفِيُّ قَالَ: نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى نِصْفِ صَلَاةِ القَائِمِ» .

اختُلف فيه على عمرو بن دينار، تارة هكذا، وأخرى: ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عمرو، أخرجه عبد الرزاق (4122) وسماع عمرو من ابن عمر مختلف فيه، أما عمرو بن دينار عن ابن عمر ففي «الصحيح» ، وتارة عمرو بن دينار عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جَده، كما عند الطبراني في «الأوسط» (857) وابن المقرئ (4).

*-ورواه الزُّهْري واختُلف عليه، هل هو من مسند ابن عمر أو ابن عمرو؟ صَوَّب الدارقطني فيه الإرسال. وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (2/ 608): إنما يَروي ذا عن الزهري، عن مولى لعبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن عمرو.

الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث عمرو بن عمران، بتاريخ (18) صفر (1445 هـ) الموافق (3/ 9/ 2023 م): الصواب عن الزهري عن سالم عن ابن عمر منقطعًا

(1)

.

(1)

بل مالك كما في «موطئه» (20) وعبيد الله بن عمر، كما عند ابن أبي شيبة (4634) كلاهما عن الزهري عن ابن عمرو رضي الله عنه منقطعًا. وقال الدارقطني في «علله» (2620) عن هذا: هو المحفوظ.

ص: 497

‌صفة التشهد

‌من مفاريد ابن عمر رضي الله عنهما

-

قال مالك في «الموطأ» رقم (1/ 91): وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَشَهَّدُ فَيَقُولُ: بِاسْمِ اللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، شَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. يَقُولُ هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. وَيَدْعُو إِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ، بِمَا بَدَا لَهُ. فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، تَشَهَّدَ كَذَلِكَ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّشَهُّدَ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ. فَإِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ. فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَنْ يَسَارِهِ، رَدَّ عَلَيْهِ.

وردت «السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» في بعض طرق حديث ابن مسعود، وهل هي موقوفة أو مقطوعة؟ أخرجه البخاري رقم (6265): حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ،

ص: 498

السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا، فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا: السَّلَامُ - يَعْنِي - عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

تنبيه: طريق مجاهد راجع إلى ابن عمر، والأرجح عنه عن ابن مسعود.

أفاده شيخنا مع الباحث أحمد النمر، بتاريخ (11) رمضان (1443 هـ) الموافق (12/ 4/ 2022 م).

ص: 499