المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنائز ‌ ‌محاسبة النفس • قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ - سلسلة الفوائد الحديثية والفقهية - جـ ٣

[أبو أويس الكردي]

فهرس الكتاب

‌كتاب الجنائز

‌محاسبة النفس

• قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]

وقال جل ذكره: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]

• قال الترمذي في «سُننه» رقم (2417): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

«لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» .

سعيد بن عبد الله ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وجَهِله أبو حاتم، وقال ابن مَعِين: ما سمعنا أحدًا روى عنه إلا الأعمش من رواية أبي بكر بن عياش.

ص: 5

• وله شاهد من حديث معاذ رضي الله عنه موقوفًا على الأصح

(1)

وفي سنده ليث بن أبي سُليم، وهو ضعيف.

• وله شاهد ثالث من حديث ابن عباس، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/ 102) رقم (11177): حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سُلَيْمٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الأَشْقَرُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ، وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ» .

• وفي سنده حسين الأشقر، قال ابن مَعِين: هو من الشيعة الغالية، ولا بأس به

(1)

ذَكَر وجه الرفع الطبراني في «المعجم الكبير» (111) وغيره، من طريق صامت بن معاذ - صدوق يخطئ - عن عبد المجيد بن عبد العزيز، عن الثوري، عن صفوان بن سُليم، عن عَدي بن عَدي، عن الصنابحي، عن معاذ، مرفوعًا.

وخالف عبدَ المجيد قَبيصة في الأصح عنه، كما عند البزار (264) والفريابي كما عند الدارمي (554) وهناد في «الزهد» (724).

وتابع الثوريَّ على الوقف عبدُ الله بن إدريس، كما في «العِلْم» (89) لأبي خيثمة. وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، كما عند ابن أبي شيبة «المصنف» (37421) وعبد الرحمن الطُّفَاوي كما في «الأمالي» (352) وجرير بن عبد الحميد كما عند البزار (2641).

وتابع الصنابحي على الوقف عطاء الخُراساني كما في «الزهد» (204) للمعافى. وعطاء لم يَسمع من معاذ. كما في «تحفة التحصيل» (238) وتابعه فلان العُرَني كما عند الدارمي (553).

ص: 6

عندي وهو صدوق. وقال أبو حاتم والنَّسَائي والدارقطني والحاكم: ليس بالقوي. وقال الإمام أحمد: هذا ليس بأهل أن يُحَدَّث عنه. وقال أبو زُرْعَة: منكر الحديث. وقال البخاري: فيه نظر. وقال تارة: عنده مناكير. وذَكَره العُقيلي في «الضعفاء» . وذَكَر ابن عَدِيّ جملة من الأحاديث وقال: البلاء عندي من الأشقر.

• تنبيه: هذا الخبر يؤيد مذهبه، بخاصة في لفظ:«وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ» بدل «وعن علمه كيف عَمِل فيه» .

وله شاهد رابع من حديث أبي الدرداء، أخرجه الطبراني في «الأوسط» رقم (7410) وفي سنده محمد بن سعيد المصلوب، كذاب.

• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ أبي عبد الرحمن السيد بن رفعت بن محمود العارف الشافعي

(1)

: كل طرقه فيها مقال، ولكن تشهد لمعناه عمومات الشريعة، فلمُحسِّن أن يُحَسِّنه بطرقه

(2)

والله أعلم.

بتاريخ (29) رجب (1441 هـ) الموافق (24/ 3/ 2020 م).

(1)

قَدَّم له شيخنا كتبًا، منها:«ليلة مباركة» ط/ دار اللؤلؤة.

(2)

بل لشواهده.

ص: 7

‌حُسْن الخاتمة

توفيق الله العبد لعمل صالح، فيَقبضه عليه

• قال الإمام أحمد في «المسند» رقم (21949): حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، اسْتَعْمَلَهُ» قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: «يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ، حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ» .

• وتَابَع عبدَ الرحمن بن جُبَيْر جماعةٌ:

1 -

يحيى بن أبي كثير، كما عند الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2640) وفي سنده شيخ ابن سعد، اسمه يحيى بن كَثير، لم يقف الباحث له على مُوَثِّق.

2 -

مكحول الشامي، كما في «مسند الشاميين» (3526) وفي سنده محمد بن إبراهيم بن العلاء، كذاب.

3 -

خالد بن مَعْدَان، وعنه بُحَيْر بن سعد. وعنه بقية بن الوليد، واختُلِف عليه: فرواه عنه أبو زُرْعَة الدِّمَشقي ويزيد بن عبد ربه، كما في «مسند الشاميين» (1152).

• وتابعهما حَيْوَة بن شُرَيْح ويزيد بن عبد ربه في رواية، لكن قالا:(عمر الجُمَحي) بدل (عمرو بن الحَمِق).

وقال أبو نُعَيْم: وصوابه: عمرو بن الحَمِق.

ص: 8

وقال البغوي: يقال: إنه وهم من بقية.

وخالفهم جميعًا: عمرو بن عثمان، كما في «السُّنة» (400) لابن أبي عاصم. وسُرَيْج بن النعمان، كما عند أحمد (17784) فقالا: عن بقية عن محمد بن زياد عن أبي عِنَبَة الخَوْلاني، مرفوعًا. ورواية الجماعة أصح.

وخالفهم هشام بن عبد الملك، فرواه عن بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة. وفي سنده (علي بن الحسن بن المبارك) مجهول الحال.

• والرواية الأولى عن بقية هي الصواب.

وورد عن لقمان بن عامر عن أبي أُمامة مرفوعًا، كما في «مسند الشاميين» رقم (1585).

وفي سنده (يحيى بن سعيد العطار) يَروي الموضوعات عن الأثبات. قال أبو حاتم: هذا حديث منكر.

• أما الطريق الثاني عن عمرو بن الحَمِق، فأخرجه القُضَاعي في «مسند الشهاب» (1390).

وفيه علتان: تدليس الحسن.

و (موسى بن هارون) لم يميزه الباحث.

• أما الطريق الثالث، فهو طريق رفاعة بن شداد، أخرجه البزار (2309) وفي سنده (السُّدي الكبير) مُختلَف فيه.

• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث: صحيح بمجموع طرقه.

• قلت (أبو أويس): ولفظ: «استَعْمَله» له شاهد. أما لفظ: «عَسَلَهُ» فليس في كل الطرق.

ص: 9

• وإليك لفظه: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، عَسَلَهُ» قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: «يَفْتَحُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ، حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ» .

• أما شاهد (استَعْمَله) فأخرجه أحمد في «مسنده» رقم (12036): حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، اسْتَعْمَلَهُ» قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ» .

وإسناده صحيح، لكن ساقه أحمد في موطن آخر بأطول من هذا، رقم (13333): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَعْجَبُوا لِعَمَلِ رَجُلٍ حَتَّى تَعْلَمُوا بِمَا يُخْتَمُ لَهُ بِهِ، فَقَدْ يَعْمَلُ الرَّجُلُ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ - أَوْ: زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ - عَمَلًا سَيِّئًا، لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ مَاتَ عَلَى شَرٍّ، فَيَتَحَوَّلُ إِلَى عَمَلٍ صَالِحٍ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِهِ.

وَقَدْ يَعْمَلُ الْعَبْدُ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ - أَوْ: زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ - عَمَلًا صَالِحًا، لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ مَاتَ عَلَى خَيْرٍ، فَيَتَحَوَّلُ إِلَى عَمَلٍ سَيِّئٍ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِهِ».

قَالَ: وَقَدْ رَفَعَهُ حُمَيْدٌ مَرَّةً، ثُمَّ كَفَّ عَنْهُ.

وقد ذَكَرْتُه في «التحفة الكردية في الخُطَب المنبرية» ط/ دار اللؤلؤة، بعنوان (حُسْن الخاتمة).

ص: 10

‌من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة

• قال أبو داود في «سننه» رقم (3116): حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ أَبِي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

• مداره على عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب به وقال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» : وصالح هذا لا تعرف حاله ولا يعرف روى عنه غير عبد الحميد.

• ورواه أنس بن مالك عن معاذ أخرجه عبد بن حميد في «المنتخب» (117) - حَدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . وإسناده صحيح.

• وأخرجه أحمد (21998) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ هِصَّانَ بْنِ الْكَاهِلِ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ بِالْبَصْرَةِ، فَجَلَسْتُ إِلَى شَيْخٍ، أَبْيَضِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ وَهِيَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، يَرْجِعُ ذَاكَ إِلَى قَلْبٍ مُوقِنٍ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهَا» قُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ

ص: 11

مُعَاذٍ؟ فَكَأَنَّ الْقَوْمَ عَنَّفُونِي، قَالَ: لَا تُعَنِّفُوهُ، وَلَا تُؤَنِّبُوهُ، دَعُوهُ، نَعَمْ أَنَا سَمِعْتُ ذَاكَ مِنْ مُعَاذٍ، يُذَبِّرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ، مَرَّةً: يَأْثُرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ. وهصان مقبول.

• وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (5827) ومسلم (94) من طريق يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، وَهُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ:«مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا عِنْدَ المَوْتِ، أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ وَنَدِمَ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، غُفِرَ لَهُ.

• وآخر من قصة تلقين الغلام اليهودي أخرجه البخاري (1358) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ:«أَسْلِمْ» ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ:«الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» .

• ووردت زيادة مستنكرة على محمد بن إسماعيل الفارسي من حديث أبي هريرة.

أخرجها ابن حبان رقم (719) وأصله في الصحيحين «لقنوا موتاكم .... » .

ص: 12

• وله شاهد آخر من حديث علي رضي الله عنه أخرجه الطبراني في «الأوسط» (574) وفي سنده أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني ورواية أبوي البختري عن علي مرسلة.

• الخلاصة: قال شيخنا عن حديث معاذ رضي الله عنه بتاريخ الأحد 14 محرم 1443 موافق 22/ 8/ 2021 م: مع الباحث/ ياسر بن سعيد اللقاني في سنده صالح بن أبي عريب ومعناه صحيح لشواهده.

ص: 13

‌فضل موت الفجأة للطائع

• قال الإمام أحمد رقم (25042): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَوْتِ الْفَجْأَةِ، فَقَالَ:«رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَأَخْذَةُ أَسَفٍ لِلْفَاجِرِ» .

وتابع وكيعًا أبو إسحاق على الرفع، وخالفهما الثوري فأوقفه.

وعُبيد الله بن الوليد ضعيف، واختُلف عليه، وهذا مما يُوهنه.

وقد توبع متابعة قاصرة من حفصة بنت عبد الرحمن، وموسى بن طلحة، ومجاهد بن جَبْر. ثلاثتهم عن عائشة، والطرق إليهم ضعيفة.

• وذَكَر البيهقي خلافًا في الرفع والوقف على عائشة. وللخبر شواهد من طرق أخرى مرفوعًا وموقوفًا، وأقواها ما أخرجه أحمد (15497): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ - رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْتِ الْفَجْأَةِ:«أَخْذَةُ أَسَفٍ» .

وسنده صحيح، لكن نص شُعبة على أنه رواه على الوقف والرفع.

• وإليك نص شُعبة من قول البيهقي في «السُّنن الكبرى» (3/ 530) رقم (6571): ورواه رَوْح بن عُبَادة، عن شُعبة، عن منصور، عن تميم بن سلمة، عن عُبيد، من غير شك ورَفَعه، قال شُعبة: هكذا حدثنيه. وحدثنيه مرة أخرى فلم يرفعه. أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ محمد بن غالب، ثنا محمد بن بشار، ثنا رَوْح بن عُبَادة، ثنا شُعبة

فذَكَره.

ص: 14

قال ابن بشار: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شُعبة، بهذا موقوف.

• وكَتَب شيخنا مع الباحث: في كل طرق هذا الحديث مقال، ما بين مقال شديد ومقال قريب.

ويَرى الباحث أنه على أقل أحواله يُحسَّن لشواهده. وهو كذلك.

• تنبيه:

يُحْمَل حديث عُبَيْد بن خالد على الكافر، بضميمة النظر في الشواهد الأخرى.

ومما يؤيد ذلك: قوله تعالى عن الكفرة: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 95].

• وختام آيات الواقعة يفيد راحة المؤمن. وحديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل، وفيه:«إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ،؛، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ» . قَالَ: «فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي

(1)

السِّقَاءِ .... » أخرجه أحمد (18534) بإسناد حسن.

(1)

(في) من الأسماء الستة وهو مجرور بالياء ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «حتى اللقمة يضعها في في امرأته» قال ابن مالك:

وارفع بواو وانصبنّ بالألف

واجرر بياء ما من الأسماء أصف

من ذاك ذو إن صحبة أبانا

والفم حيث الميم منه بانا

أبٌ أخٌ حمٌ كذاك وهنّ

والنّقص في هذا الأخير أحسن

وفي أبٍ وتالييه يندر

وقصرها من نقصهنّ أشهر

وشرط ذا الاعراب إن يضفن لا

لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا.

وعلى ما سبق فمن الخطأ أن نقول من في السقاء أو في امرأته بتضعيف الياء آخر الحروف.

ص: 15

‌قَبول التوبة ما لم يغرغر

• قال أبو زُرْعَة في «الفوائد المعللة» (82): ثنا علي بن عياش، ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن جُبَيْر بن نُفَيْر، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يَقبل توبة العبد ما لم يُغرغِر» .

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ إلى أن الخبر مُعَل، وأشار الدارقطني إلى إعلاله بالإرسال.

وهناك علة أوضح، وهي قول صالح بن محمد البغدادي: أَنْكَروا عليه أحاديث يرويها عن أبيه عن مكحول مسندة. وحديث الشامي لا يُضَم إلى غيره، معروفٌ خطؤه من صوابه.

ص: 16

‌صوتان ملعونان

• قال البزار في «مسنده» رقم (7513): حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ بِشْرٍ البَجَلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مِزمار عند نعمة، ورَنة عند مصيبة» .

وشبيب لَيَّنه أبو حاتم، وقال ابن حِبان: يخطئ كثيرًا. ووَثَّقه ابن مَعِين.

• وله شاهد من حديث ابن عباس في «الكامل» (14671) وفي سنده محمد بن زياد، كذاب.

• وله شاهد آخَر في قصة وفاة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وأَصْلها في البخاري رقم (1303) دون وجه الشاهد.

• أخرجه الترمذي في «سُننه» رقم (1005): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، فَوَجَدَهُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَتَبْكِي؟ أَوَلَمْ تَكُنْ نَهَيْتَ عَنِ البُكَاءِ؟! قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ» وَفِي الحَدِيثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ» .

ص: 18

• ومداره على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد اختُلف عليه على ثلاثة أوجه:

أ - من حديث ابن عمر، كما عند الدارقطني في «العلل» (2887) ووهمه.

ب - رواه الجماعة عنه من حديث عبد الرحمن بن عوف، أخرجه البَزَّار (1001) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (6975) وغيرهما.

جـ - ورواه ثلاثة عنه بإسقاط عبد الرحمن بن عوف، وجعلوه من مسند جابر رضي الله عنه، أخرجه الترمذي كما سبق.

• وقال الدارقطني عقب الخلافات السابقة: والاضطراب فيه من ابن أبي ليلى.

• والخلاصة: انتهى شيخنا إلى الضعف مع الباحث/ حسين بن سامي، بتاريخ الثلاثاء (13) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (26/ 3/ 2021 م) قال ابن حبان: ولو لم يَرْوِ ابن أبي ليلى إلا هذا الحديث، لاستَحق الترك.

ثم أكد هذه النتيجة مع الباحث/ منصور بن محمد الشرقاوي بتاريخ 9 ذي القعدة 1442 هـ موافق 19/ 6/ 2021 م.

ص: 19

‌توجيه الميت للقبلة

• قال ابن المنذر في «الأوسط» (2927): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، سَأَلَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ هَلَكَ، وَقَدْ أَوْصَى لَكَ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، يَعْنِي الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَقَبِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصِيَّتَهُ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَقَالَ:«أَصَابَ الْفِطْرَةَ أَصَابَهَا» ثُمَّ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وَقَالَ:«اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَقَدْ فَعَلْتَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ» .

• والأثر أخرجه الحاكم في «مستدركه» (1305) وعنه البيهقي في «السُّنن الكبير» (12613)

(1)

من طريق نُعَيْم بن حماد، عن علي بن عبد العزيز، به وأتى بلفظ:«وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ لَمَّا احْتُضِرَ» وهذه غير واضحة في سند ابن المنذر العالي، ونعيمُ بن حماد ضعيف.

• الخلاصة: أنه مرسل ضعيف؛ لأن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ترجمه ابن أبي حاتم، ولم يَذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وصراحة اللفظ في الاستشهاد في سندها نُعيم بن حماد، ضعيف.

(1)

مختصرًا دون الشاهد.

ص: 20

• قال النووي في «المجموع» (5/ 116): يُستحب أن يُستقبل به القبلة، وهذا مُجْمَع عليه.

• وفي كيفيته المستحبة وجهان:

(أحدهما): على قفاه، وأخمصاه

(1)

إلى القبلة، ويُرفَع رأسه قليلًا ليصير وجهه إلى القبلة. حكاه جماعات من الخُراسانيين وصاحبا «الحاوي» والمُستظهِري من العراقيين، وقَطَع به الشيخ أبو محمد الجُويني والغزالي وغيرهما، قال إمام الحرمين: وعليه عمل الناس.

(والوجه الثاني): وهو الصحيح المنصوص للشافعي في البُويطي، وبه قَطَع جماهير العراقيين، وهو الأصح عند الأكثرين من غيرهم، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة: يضْطحَع على جنبه الأيمن، مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد. فإن لم يمكن لضِيق المكان أو غيره، فعلى جنبه الأيسر إلى القبلة. فإن لم يمكن فعلى قفاه، والله أعلم.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ أحمد بن عيد إلى أن كل الأحاديث في استقبال الميت للقِبلة ضعيفة. وهل تُصحَّح للشواهد فيها أكثر من قول؟ وهناك أخبار عامة في فضل القِبلة، ونَقَل النووي الإجماع، إلا ما يُنقل عن سعيد بن المسيب، فهذا يَحملنا على تدقيق النظر في البدع التي أوردها الشيخ ناصر في «أحكام الجنائز»

(2)

.

(1)

على لغة.

(2)

«أحكام الجنائز» للألباني (1/ 243) توجيه المُحتضَر إلى القِبلة. (أنكره سعيد بن المسيب كما في «المُحَلَّى» (5/ 174) ومالك كما في «المدخل» (3/ 229 - 230) ولا يصح فيه حديث.

ص: 21

‌فضل التغسيل

• قال الطبراني في «الكبير» (1/ 315) رقم (929) - حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَلُولٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَافِعٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً، وَمَنْ حَفَرَ لِأَخِيهِ قَبْرًا حَتَّى يَجُنَّهُ فَكَأَنَّمَا أَسْكَنَهُ مَسْكَنًا مَرَّةً حَتَّى يُبْعَثَ» .

وتابع هارون - وقد وثقه ابن الجوزي - عبد الصمد بن الفضل أخرجه الحاكم (1307) والبيهقي في «معرفة السنن» (7353) وتابعهما عبد الله بن أحمد أخرجه الحاكم (1320) وتابعهم عباس بن عبد الله أخرجه البيهقي في «معرفة السنن» (6655).

• الخلاصة: سنده حسن وكتب شيخنا مع الباحث/ أحمد بن عيد بتاريخ 25 من ذي الحجة 1442 هـ. 6/ 8/ 2021 م: راجع الحديث بدقة فلم يثبت لدي خبر في فضل التغسيل والتكفين والدفن.

• فائدة: اختلف في أخذ الأجرة على التغسيل فأجازها المالكية كما في «التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب» (7/ 169 - 170) والشافعية كما في

ص: 22

«المجموع» (15/ 39) وكرهها الحنفية في «بدائع الصنائع» (4/ 191، 192)

(1)

والحنابلة في صحيح المذهب كما في «الإنصاف» (2/ 540).

(1)

ولا يجوز الاستئجار على غسل الميت.

ص: 23

‌تغسيل الرجل زوجته والعكس

• أما تغسيل المرأة زوجها فإجماع نقله ابن المنذر «الإجماع» (ص/ 44) وابن عبد البر في «الاستذكار» (8/ 198) لأنها ما زالت في عدة الزوجية.

وفي الباب قول عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا غَسَلَهُ إِلَّا نِسَاؤُهُ»

(1)

. وتغسيل أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق رضي الله عنهما ورد من طرق مرسلة يصح بها

(2)

.

• أما تغسيل الرجل زوجته فجوزه الجمهور

(3)

من المالكية كما في «المدونة» (1/ 260) والشافعية كما في «المجموع» (5/ 135) والصحيح من مذهب الحنابلة كما في «الإنصاف» (2/ 479) للمرداوي. والظاهرية كما في

(1)

ظاهره إسناده الحسن: أخرجه أبو داود (3141) حدثنا النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: سمعت عائشة به.

(2)

أخرى من طريق عبد الله بن أبي بكر كما عند عبد الرزاق (6123) وابن أبي مليكة كما عند عبد الرزاق في «مصنفه» (6118) كذلك. وأبو بكر بن حفص كما عند ابن سعد في «الطبقات» (3235) وثم طرق أخى انتهى شيخنا مع الباحث/ أحمد بن عيد إلى صحتها بالمجموع.

(3)

خلافًا للأحناف كما في «بدائع الصنائع» (1/ 305) ورواية عن أحمد كما في «الإنصاف» (2/ 479).

ص: 24

«المحلى» (5/ 174) وقال: برهان ذلك قول الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] فسماها زوجه بعد موتها وهي وإن كانا مسلمين - امرأته في الجنة وكذلك أم ولده وأمته، وكان حلالا له رؤية أبدانهن في الحياة وتقبيلهن ومسهن، فكل ذلك باق على التحليل، فمن ادعى تحريم ذلك بالموت فقوله باطل إلا بنص، ولا سبيل له إليه

• أما تغسيل المرأة الصبي الصغير فإجماع نقله ابن المنذر في «الإجماع» (ص/ 44).

أفاده الباحث/ أحمد بن عيد بتارخ 19 ربيع أول 1443 موافق 25/ 10/ 2021 م.

ص: 25

‌حُكْم الكفن وصفته وعدده

1 -

حُكْم الكفن فرض كفاية

(1)

لحديث ابن عباس في المُحْرِم، وفيه: «

وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» وفي رواية: «ثوبين» وكلاهما متفق عليه.

ولحديث خَبَّاب في قصة كفن مصعب بن عُمير، في غزوة أُحد، وفيه: «

فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ» متفق عليه.

(1)

يُستحب أن يكون من رأس مال الميت؛ قياسًا على تكفين مصعب بن عمير في بُردة، ولعلها بُردته.

قال الكاساني في «بدائع الصنائع» (1/ 308): وكفنُ الميت في ماله إن كان له مال.

وقال ابن أبي زيد القيرواني في «النوادر» (1/ 560): قال مالك: والكفن والحنوط من رأس مال الميت.

وكذا قال الشافعي في «الأُم» (1/ 304) وكذا قال ابن قُدامة في «المغني» (2/ 392).

تنبيه: اختُلف في كفن المرأة، هل على زوجها أو من مالها؟ بالثاني قالت الحنابلة «مسائل أحمد» (ص 217) وثمن الكفن من مالها. ومحمد بن الحسن - كما ذَكَره الكاساني - وابن حزم «المُحَلَّى» (5/ 122).

وخالفهم الشافعية كما في «المجموع» (5/ 189): إذا ماتت مُزوَّجة، فهل يَلزم كفنها؟ فيه وجهان: أصحهما عند جمهور الأصحاب يجب على زوجها، وبه قال مالك وأبو حنيفة

إلخ.

ص: 26

ولحديث جابر، أخرجه مسلم (943) وفيه:«إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ» .

• وقال النووي في «المجموع» (5/ 188): تكفين الميت فرض على الكفاية.

2 -

يُستحب في صفة الكفن البياضُ، كالمُحْرِم ولحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» أخرجه البخاري (1264) ومسلم (941).

وحديث ابن عباس قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» أخرجه أبو داود رقم (3878) وفي سنده عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، يُحَسَّن إسناده ما لم يُستنكر عليه.

3 -

سبق في تكفين مصعب رضي الله عنه أن الثوب يُجْزئ في الكفن عند عدم القدرة، لكن عند اليَسَار فخَيْر الهَدْي هَدْيمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد كُفِّن في ثلاثة أثواب.

• أما كفن المرأة، فقد دَرَج العلماء على خمس لفائف.

ومستنده حديث ضعيف، أخرجه أبو داود (3157) وغيره، من طريق ابن إسحاق، حَدَّثَنِي نُوحُ بْنُ حَكِيمٍ الثَّقَفِيُّ - وَكَانَ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ - عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، يُقَالُ لَهُ: دَاوُدُ، قَدْ وَلَّدَتْهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ لَيْلَى بِنْتَ قَانِفٍ الثَّقَفِيَّةَ قَالَتْ: «كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ وَفَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحِقَاءَ

(1)

، ثُمَّ الدِّرْعَ، ثُمَّ الْخِمَارَ، ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ، ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ» قَالَتْ:

(1)

قوله: (الْحِقَاءَ) ضبط بكسر الحاء، وهي لغة في الحقوق والمراد الإزار. كما في «حاشية السندي على مسند أحمد» (25/ 229).

ص: 27

«وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ، مَعَهُ كَفَنُهَا، يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا» ونوح بن حكيم مجهول.

وردت آثار صحيحة عن ابن سيرين والشَّعبي والحسن، أن المرأة تُكَفَّن في خمسة أثواب: في درع وخمار وحقو ولفافتين» هذا لفظ الحسن. واقتَصَر ابن سيرين على خمسة أثواب أو ثلاثة.

• وقال السرخسي في «المبسوط» (2/ 129): وتُكَفَّن المرأة في خمسة أثواب. وقال ابن أبي زيد في «النوادر» (1/ 558): وأَحَبَّ مالك في الكفن خمسة أثواب.

• وقال النووي في «المجموع» (5/ 205): واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يُستحب تكفين المرأة في خمسة أثواب، وأن الرجل يُكفَّن في ثلاثة، ولا يُستحب الزيادة. وقال المَرداوي في «الإنصاف» (2/ 513): وتُكَفَّن المرأة في خمسة أثواب.

• الخلاصة: أفاده الباحث/ أحمد بن عيد، بتاريخ الخميس (20) ربيع الآخَر (1443 هـ) الموافق (25/ 11/ 2021 م) مع شيخنا، حَفِظهما الله.

ص: 28

‌هل ثَبَت شيء في تبخير الكفن؟

• وردت رواية شاذة: «إذا أجمرتم الميت، فأَجمِروه ثلاثًا» أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (14540): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا قُطْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَجْمَرْتُمُ الْمَيِّتَ، فَأَجْمِرُوهُ ثَلَاثًا» .

وقُطْبَة صدوق، وتابعه أخوه يزيد بن عبد العزيز، أخرجه البزار؛ كما في «كشف الأستار» (831)

(1)

.

خالفهما أبو معاوية؛ كما عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1644) وجرير بن عبد الحميد وسفيان وأبو بكر بن عَيَّاش، ثلاثتهم عند ابن خُزيمة (76) في اللفظ، فقالوا:«إذا استَجمر أحدكم فليَستجمر ثلاثًا» .

• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أحمد بن عيد، بتاريخ السبت (28) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (4/ 12/ 2021 م): «إذا أجمرتم

» شاذة،

(1)

قال البزار في «المسند» (1/ 385): لا نَعْلم رواه إلا جابر بهذا الإسناد، ويَزيد كوفي مشهور، لم يُتابَع على هذا، وإنما يُحفظ عن الأعمش بهذا:«إذا استَجمر أحدكم فليَستجمِر ثلاثًا» .

وقال عباس بن محمد، كما في «السُّنن الكبرى» (3/ 568): سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، وَذَاكَرْتُهُ - يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ - فَقَالَ يَحْيَى: لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَّا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. قَالَ يَحْيَى: وَلَا أَظُنُّ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا غَلَطًا.

ص: 29

والصواب: «إذا استَجمر أحدكم فليوتر» ليس للميت ذِكر. ا هـ. وأفاد الباحث أن عمل الفقهاء على تجمير كفن الميت.

ص: 30

‌هل يُشترَى للشهيد كفن، أو يُكفَّن في ثيابه؟

• وردت زيادة منكرة تُلزِم بالتكفين في ثيابهم، وهي:«زَمِّلوهم في ثيابهم» تَفرَّد بها هُشيم عن محمد بن إسحاق، أخرجها أحمد في «مسنده» (23657): حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ:«زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ» قَالَ: وَجَعَلَ يَدْفِنُ فِي الْقَبْرِ الرَّهْطَ. قَالَ: وَقَالَ: «قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» .

• خالف هُشيمًا اثنان:

1 -

يَزيد بن هارون، أخرجه أحمد (23658).

2 -

عبد الرحمن بن بِشْر، أخرجه أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» .

وخالف ابنَ إسحاق مَعْمَر، كما عند النَّسَائي (3148) وسفيان كما عند أحمد (23659) وإسحاق بن راشد كما عند أبي يعلى (2629) وصالح بن يزيد كما في «الآحاد» (2608) وعمرو بن الحارث كما في «مشكل الآثار» (258) وعبد الرحيم بن سليمان كما في «معرفة الصحابة» (4036) فقالوا:«زَمِّلوهم بدمائهم» .

• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ أحمد بن عيد، بتاريخ السبت (28) ربيع الآخر (1443 هـ) الموافق (4/ 12/ 2021 م): اللفظة شاذة، وإن شئتَ

ص: 31

منكرة، والحديث بتمامه من هذا الوجه لا يَثبت؛ لعدم سماع عبد الله بن ثعلبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

• وله شاهد ضعيف، أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (3134): حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ» .

وتابع زيادَ بن أيوب وعيسى: محمدُ بن زياد والفضل بن سهل وأحمد بن الحسن ويحيى بن أبي طالب.

• والخلاصة: أن مدار الخبر على علي بن عاصم، وقد ضَعَّفه الأئمة، وكَتَب شيخنا مع الباحث/ أحمد بن عيد، بتاريخ السبت (28) ربيع الآخر (1443 هـ) الموافق (4/ 12/ 2021 م): ضعيف لاختلاط عطاء، وروايةُ علي عنه بعد الاختلاط.

ص: 32

‌فضل الصلاة

على الجنازة واتباعها

• قال الإمام البخاري رقم (1325) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ح حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ» ، قِيلَ: وَمَا القِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ»

وأخرجه مسلم (945) وكذلك البخاري أيضًا من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه.

• ثمت ألفاظ في هذا الخبر:

الأولى: «من تبع جنازة من أهلها» رواها خمسة عن سعيد المقبري تارة عن أبيه عن أبي هريرة وأخرى بإسقاط أبيه أخرجها أبو عوانة (679) والبزار (8430، 8505) والإسماعيلي كما في «الفتح» وأخرجه البخاري ولم يسق لفظه.

وخالف هؤلاء الخمسة عبيد الله العمري فلم يذكرها أخرجه البزار (84560)، وأبو الفضل الزهري في «حديثه» (304).

وقد خالف سعيد المقبري الأكثر - الأعرج وابن المسيب وأبا حازم وأبا

ص: 33

سلمة وأبا صالح وابن سيرين والحسن البصري والشعبي ونافع بن جبير وإسحاق الأعور وآخرين - عن أبي هريرة. فهي زيادة مرجوحة ويرى شيخنا مع الباحث شذوذها.

الثانية: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا، وَصَلَّى عَلَيْهَا» أخرجه مسلم رقم (945) وفي سنده أبو صخر، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط. وكلاهما له أوهام. وانتهى شيخنا مع الباحث عاطف بن رشدي بتاريخ 16 جمادى الأولى 1443 هـ الموافق 20/ 12/ 2021 م: إلى شذوذها.

الثالثة: «فمشى معها من أهلها» أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (11218) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ جَاءَ إِلَى جَنَازَةٍ فَمَشَى مَعَهَا مِنْ أَهْلِهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ انْتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ، أَوْ يُفْرَغَ مِنْهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ مِثْلُ أُحُدٍ»

وفي سنده محمد بن يوسُف بن عبد الله بن سَلَام

(1)

قال فيه ابن حجر: مقبول.

(1)

قال فيه البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 262): قال لي خَليفة: حدثنا أَبو داوُد، قال: حدثنا شُعَيب بن صَفوان، قال: حدثنا عبد الملك بن عُمير، أَنْ محمد بن يوسُف بن عبد الله بن سَلَام حَدَّث الحَجاج، عن جَدِّه عبد الله، أَنْ عُثمان قال لكَثير بن الصَّلت: إِني مَقتولٌ، رَأَيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، ومَعه أَبو بكرٍ، وعمرَ، فقال لي: يا عُثمانُ، أَنت عِندَنا غَدًا، وأَنت مَقتولٌ غَدًا.

ص: 34

الرابعة: «من أَتَى جَنَازَة فَانْصَرف عَلَيْهَا الى أَهلهَا كَانَ لَهُ قِيرَاط فَإِذا شيعها كَانَ لَهُ قِيرَاط فَإِذا صلى عَلَيْهَا كَانَ لَهُ قِيرَاط فاذا جلس حَتَّى يقْضى قَضَاؤُهَا كَانَ لَهُ قِيرَاط» فهذه الرواية فيها أربعة قراريط وقال الإمام مسلم في «التمييز» (ص: 206): فَهَذِهِ الرِّوَايَة المتقنون من أهل الْحِفْظ على خلَافهَا وَأَنَّهُمْ لم يذكرُوا فِي الحَدِيث إلا قيراطين قِيرَاط لمن صلى عَلَيْهَا ثمَّ يرجع وَلمن انْتظر دَفنهَا قيراطان كَذَلِك روى أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة عَنْ أبي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ويروي عَنْ غير أبي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِوُجُوه ذَوَات عدد سنذكرها - إن شَاءَ الله - فَأَما حَدِيث معدي بن سُلَيْمَان فِي رِوَايَته من ذكر أَرْبَعَة قراريط فَلم يواطأ عَلَيْهِ من وَجه من الْوُجُوه الْمَعْرُوفَة وخولف فِي اسناده عَنْ ابْن عجلَان.

• أفاده الباحث/ عاطف بن رشدي بتاريخ 16/ جمادى الأولى 1443 هـ موافق 20/ 12/ 2021 م.

ص: 35

‌استحباب تجزئة الصفوف

على الجنازة ثلاثا

• قال أبو داود في «سننه» رقم (3166): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدٍ الْيَزَنِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا أَوْجَبَ» ، قَالَ: فَكَانَ مَالِكٌ «إِذَا اسْتَقَلَّ أَهْلَ الْجَنَازَةِ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ لِلْحَدِيثِ» . وتابع محمد بن عبيد يزيد بن هارون كما عند أحمد (16724) وعارم بن الفضل كما عند البخاري في «التاريخ الكبير» (1288).

وتابع حماد بن زيد جماعة ابن المبارك ويونس بن بكير كما عند الترمذي (1028) وعبد الله بن نمير كما عند ابن ماجه (1490) وأبو شهاب الحناط كما عند أبي يعلى (6831) ومحمد بن أبي عدي كما في «مسند الروياني» (1537).

خالفهم إبراهيم بن سعد فأدخل واسطة بين مرثد ومالك بن هبيرة وهي الحارث بن مالك وأوقفه كما أشار إليه الترمذي ووصله ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (56/ 512).

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ محمد بن جمعة بتاريخ 9 ذي القعدة 1442 موافق 20/ 6/ 2021 م: إلى أن الرفع أصح وأن السند حسن

ص: 36

ولا تضر عنعنة ابن إسحاق لتصريحة كما في رواية الروياني ولنزول السند ولوجود الشاهد من حديث أبي هريرة.

وذهبت الأحناف والشافعية والحنابلة إلى استحباب تجزئة الصفوف ثلاثا استنادا لهذا الحديث.

ص: 37

‌تذكير المصلين على الجنازة

بالإخلاص في الدعاء

• قال أبو داود في «سُننه» رقم (3199): حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ - يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ، فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ» .

وتابع عبدَ العزيز محمدُ بن عُبيد، أخرجه ابن ماجه (1497) وتابعهما عمرو بن هشام، أخرجه ابن حِبان (3067) وأبو جعفر النُّفيلي، أخرجه الطبراني (1205).

وخالف محمد بن سلمة يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق، فأبدل (أبا سلمة) بـ (سعيد بن المسيب) وسلمان الأغر، أخرجه ابن حِبان (3080).

• قال أحمد: ابن إسحاق إذا تفرد لا يُقبل حديثه. وقال أيضًا: في حديثه شيء، يَروي أحاديث مناكير.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ محمد شرموخ بتاريخ (29) رجب (1441 هـ) الموافق (24/ 3/ 2020 م): إلى أن إسناده حسن، ومعناه لا يُخالف.

ثم أكد هذه النتيجة مع الباحث/ محمد بن جمعة الأزهري بتاريخ 1 ذي الحجة 1441 موافق 11/ 7/ 2021 م.

ص: 38

‌الصلاة على أهل الكبائر

ومن أقيمت عليهم الحدود

• ورد في الباب عن جماعة من الصحابة منهم:

1 -

جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما على ثلاثة أوجه:

1 -

رواية لم تفصل. 2 - بإثبات الصلاة. 3 - بنفي الصلاة.

• وأصحها الأولى دون تفصيل.

فقد رواه الزهري واختلف عليه:

• فرواه عنه دون تفصيل شعيب وعقيل وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر وكلها في البخاري ومسلم عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب وأبي هريرة.

• وخالفهم معمر بن راشد فأثبت الصلاة من طريق محمود بن غيلان عنه أخرجه البخاري (6820) - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ، جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَبِكَ جُنُونٌ» قَالَ: لَا، قَالَ:«آحْصَنْتَ» قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ فَرَّ، فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ.

ص: 39

لَمْ يَقُلْ يُونُسُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:«فَصَلَّى عَلَيْهِ» . سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَصَلَّى عَلَيْهِ، يَصِحُّ؟ قَالَ: رَوَاهُ مَعْمَرٌ، قِيلَ لَهُ: رَوَاهُ غَيْرُ مَعْمَرٍ؟ قَالَ: لَا.

• وخالف محمود بن غيلان جماعة - فنوا الصلاة وهذا الوجه الثالث - الإمام أحمد (14462) وعبد الرزاق (13337) - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ اعْتَرَفَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَبِكَ جُنُونٌ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «أَحْصَنَتَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ، فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«خَيْرًا» وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَرَّ قَالَ: «فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ - أَوْ قَالَ: فَلَوْلَا تَرَكْتُمُوهُ -» . قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: لَمَّا رَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَسْلَمِيَّ، قَالُ:«وَارُوا عَنِّي مِنْ عَوْرَاتِكُمْ مَا وَارَى اللَّهُ مِنْهَا، وَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ» .

وكتب شيخنا مع الباحث/ أبي الحسن إبراهيم بن فراج بتاريخ 2 صفر 1443 موافق 9/ 9/ 2021 م: في البخاري رواسة صلى عليه والأكثرون على أنه لم يصل ويبدوا والله أعلم أن قول لم يصل أصح وذلك لرواية أحمد وهذا إنما هو متعلق برواية معمر.

• يقول الباحث: وكأن البخاري يجنح إلى قبول زيادة الثقة وهذا مثال لذلك.

ص: 40

‌الصلاة على رأس المنافقين

• قال الإمام البخاري رقم (4670) - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ

(1)

، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80]، وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ» قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]

(1)

قيل في علة الإعطاء في «شرح النووي على مسلم» (7/ 174): قيل إنما أعطاه قميصه وكفنه فيه تطييبًا لقلب ابنه فإنه كان صحابيا صالحا وقد سأل ذلك فأجابه إليه وقيل: مكافأة لعبد الله المنافق الميت؛ لأنه كان ألبس العباس حين أسر يوم بدر قميصًا.

(2)

يفهم من حديث جابر وهو في البخاري (1350) ومسلم (2773) بلفظ: «أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ قَبْرِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَه» أنه لم يصل عليه.

والمثبت مقدم على النافي وسبب نزول قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] يؤيد ذلك وأيضًا عمر رضي الله عنه صاحب القصة.

ص: 41

• وفي الخبر زيادتان:

الأولى: أخرجها مسلم رقم (6285) نص عليها - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ به

وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ الْقَطَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ وَزَادَ: قَالَ فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ

(1)

.

الثانية: وهي «سأزيد على السبعين» وهي متفق عليها من طريق أبي أسامة. وتابعه أنس بن عياض أخرجه البخاري (4672) وتابعهما شعيب بن إسحاق أخرجه أبو عوانة (10574).

ولم يذكرها يحيى القطان أخرجه البخاري (1269)

• الخلاصة: وكتب شيخنا مع الباحث/ سيد بن الدكروني بن عبده السوهاجي: لفظة: «سأزيد على السبعين» تصح بمجموع طرقها.

• تنبيه: حديث ابن عمر السابق فيه الجزم بالسبعين أما حديث ابن عباس بلفظ: «إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا» أخرجه البخاري (1366).

(1)

وأخرج الزيادة أحمد (4771) والبزار (5548) من طريق محمد عن القطان. والترمذي (3098) من طريق محمد بن بشار عن القطان. والنسائي (1900) من طريق عمرو بن علي عن القطان. وابن حبان (3175) من طريق علي بن المديني عن القطان.

ص: 42

• تنبيه: في حديث أنس أن الآخذ بثوبه صلى الله عليه وسلم هو جبريل؛ أخرجه أبو نعيم في «صفة النفاق» (157) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَرَادَ أَنْ يُصَلِّي عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ؛ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: لا تُصَلِّ» وفي سنده يزيد الرقاشي ضعيف.

ص: 43

‌صلاة الزوج على زوجه

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: رَجَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ جَنَازَةٍ

(1)

بِالْبَقِيعِ، وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَنَا أَقُولُ: وَارَأْسَاهْ قَالَ: «بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ» قَالَ: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَغَسَّلْتُكِ

(2)

وَكَفَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ

(3)

؟» قُلْتُ: لَكِنِّي، أَوْ لَكَأَنِّي بِكَ، وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ، قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بُدِئَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ.

أخرجه ابن إسحاق كما في «السيرة» (2/ 643) وعنه محمد بن سلمة وعنه جماعة:

(1)

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 111)

الْجِنَازَةِ وَهِيَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ بِالْكَسْرِ الْمَيِّتُ نَفْسُهُ وَبِالْفَتْحِ السَّرِيرُ وَرَوَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَكْسَ هَذَا فَقَالَ بِالْكَسْرِ السَّرِيرُ وَبِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ نَفْسُهُ.

والفعل منها جنز من باب ضرب يقال: جَنَزْتُ الشَّيْءَ أي: سَتَرْتُهُ

(2)

قال ابن المنذر في «الإجماع» (ص: 44): وأجمعوا على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات.

(3)

لفظ السيرة لابن إسحاق (2/ 643): «وَمَا ضَرّكِ لَوْ مُتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكَ وَكَفَّنْتُكَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكَ وَدَفَنْتُكَ؟» .

ص: 44

1 -

أحمد بن حنبل كما في «مسنده» (25908) وابن ماجه (1465).

2 -

عمرو بن هشام أخرجه النسائي في «الكبرى» (779) وابن حبان (7349).

3 -

الحكم بن المبارك أخرجه الدارمي في «سننه» (81).

وخالفهم في الإسناد محمد بن أحمد الصيدلاني فزاد عروة بين عائشة وعبيد الله ورواية الجماعة أرجح والأخرى من المزيد في متصل الأسانيد وعلى نحوها عدد من الرواية في خاتمة مقدمة الإمام مسلم رحمه الله.

• وتابع الجماعة بدون زيادة (عروة):

1 -

يونس بن بكير أخرجه البيهقي في «الدلائل» (167 - 169).

2 -

زياد البكائي أخرجه ابن جماعه في «مشيخته» (213).

3 -

عبد الأعلى بن عبد الأعلى أخرجه أبو يعلى (4579) لكن بإسقاط يعقوب بن عتبة وصرح ابن إسحاق بالتحديث من الزهري هنا ومن يعقوب في الروايتين السابقتين وفي سيرته.

ورواه صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة أخرجه أحمد (25156) والنسائي في «الكبرى» (7081) وفيه: «وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ، فَهَيَّأْتُكِ وَدَفَنْتُكِ» ولفظ هيأتك أعم من غسلتك.

ومسلم (6257) مختصرًا. وأخرجه البخاري (5666) من طريق القَاسِم بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَا رَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ

ص: 45

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهْ، لَقَدْ هَمَمْتُ - أَوْ أَرَدْتُ - أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ: أَنْ يَقُولَ القَائِلُونَ - أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ - ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ» .

ثم عرضه يحيى بن مصطفى العدوي بتاريخ 15 ربيع أول 1443 موافق 21/ 10/ 2021 م ثم كتب شيخنا معه: غسلتك مدارها على ابن إسحاق وهل يتحملها وهل تشهد لها لفظة (هيأتك). ا هـ.

• تنبيه: هل رواية القاسم بن محمد صورتها صورة المرسل؟ وأفاد الباحث/ أن الجمهور يجوزون تغسيل الزوج زوجته خلافا للأحناف فقد ضعفوا السند بابن إسحاق لعنعنته وتفرده وأن أصل الخبر في الصحيح دون الزيادة. وعلى فرض ثبوته فمؤول كما أفاده ابن التركماني.

ص: 46

‌الصلاة على الشهيد

• ورد في هذه المسألة خبران ظاهرهما التعارض:

الأول: ترك الصلاة على الشهداء أخرج البخاري (1343) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ:«أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ» ، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ:«أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ» ، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلّ عَلَيْهِمْ

(1)

.

الثاني: الصلاة على شهداء أحد في ختام عمره صلى الله عليه وسلم فقد أخرج البخاري في «صحيحه» رقم (4042) ومسلم رقم (2296) - من طريق يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ،

(1)

رواه الزهري واختلف عليه فرواه الليث عنه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر وهذا ما اعتمده البخاري وصححه ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه واعتمده شيخنا مع الباحث/ إبراهيم فراج بتاريخ 8 ربيع أول 1443 موافق 14/ 10/ 2021 م.

وخالف معمر الليث فرواه عن الزهري عن ابن أبي صعير - وهو عبد الله بن ثعلبة - بإسقاط جابر تارة وإخرى بإثباته وثالثة عن الزهري عن رجل عن جابر كلها عند عبد الرزاق في «مصنفه» (6635).

ورواه ابن عيينة عن الزهري عن ابن أبي صعير مرسلا أخرجه البيهقي (6800).

ورواه عبد ربه بن سعيد عن الزهري عن ابن جابر عن جابر أخرجه أحمد (14189) وهناك طرق أخرى دون ذلك.

ص: 47

عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ المِنْبَرَ فَقَالَ:«إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ، وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا» ، قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

ذهبت المالكية والشافعية والحنابلة في رواية وهي الأصح كما قال ابن قدامة

(2)

إلى ترك الصلاة على شهيد حرب الكفار خلافا للأحناف ورواية عند الحنابلة فقالوا: بالصلاة عليه

(3)

.

(1)

الخلاصة: انتهى شيخنا إلى أن البخاري أخرج صحة الوجهين في إثبات ثماني سنين.

(2)

صححها ابن قدامة في «الكافي في فقه الإمام أحمد» (1/ 357).

(3)

قال السرخسي في «المبسوط» (2/ 49): وَإِذَا قُتِلَ الشَّهِيدُ فِي مَعْرَكَةٍ لَمْ يُغَسَّلْ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا.

والحنابلة: بوجوب الصلاة عليه وبعكسه وهو الحرمة وثالثة بالتخيير أو الاستحباب. انظر: «الإنصاف» (6/ 96 - 97).

قال النووي في «المجموع» (5/ 261): الشهيد الذي لا يغسل ولا يصلى عليه هو من مات بسبب قتال الكفار حال قيام القتال سواء قتله كافر أو أصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه سلاح نفسه أو سقط عن فرسه.

وفي «المدونة» (1/ 183): قال مالك في الشهداء من مات في المعترك فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلي عليه ويدفن بثيابه.

قال الشافعي في «الأم» (1/ 304): وَإِذَا قَتَلَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعْتَرَكِ لَمْ تُغْسَلْ الْقَتْلَى، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ وَدُفِنُوا بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ.

ص: 48

واختار شيخنا مع الباحث/ أبي الحسن إبراهيم فراج بتاريخ 1 ربيع أول 1443 موافق 7/ 10/ 2021 م: ترك الصلاة على الشهيد في حرب الكفار وهذا هو عموم سيرته صلى الله عليه وسلم.

• تنبيه: الشهيد بالهدم والنفاس يغسلوا ويكفنوا ويصلى عليهم كما فعل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 49

‌ثناء الناس على الميت

• قال البخاري (1368): حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ هُوَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ: فَقُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ، شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ» فَقُلْنَا: وَثَلَاثَةٌ، قَالَ:«وَثَلَاثَةٌ» فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ، قَالَ:«وَاثْنَانِ» ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الوَاحِدِ

(1)

.

تابع عفان بن مسلم الجماعة - موسى بن إسماعيل وعبد الله بن يزيد وهشام بن عبد الملك ويونس بن محمد وعبد الصمد وشيبان بن فروخ - على رواية عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود. بينما خالفهم يعقوب الحضرمي فأثبت يحيى بن يعمر بين عبد الله بن بريدة وأبي الأسود ذكره الدارقطني في «العلل» وقال وهم في ذكر يحيى.

(1)

وقال البزار في «مسنده» (1/ 442 (: وَلَا نَعْلَمُ يُرْوَى هَذَا الْكَلَامُ عَنْ عُمَرَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ عُمَرَ، وَلَا رَوَى أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُمَرَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ.

ص: 50

خالف داود بن أبي الفرات عمر بن الوليد الشني وهو ثقة فقال عن عبد الله بن بريدة عن عمر أخرجه أحمد (389) ولم يذكر الزيادة.

• وقال الحاكم في «سؤالاته للدارقطني» (ص: 204) رقم (315) - قلت فداود بن أبي الْفُرَات قَالَ لَيْسَ بِهِ بَأْس أخرج البُخَارِيّ عَنهُ حَدِيث أبي الْأسود خالفوه فِيهِ وَفِي النَّفس من هَذَا الحَدِيث شَيْء.

• قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (3/ 230)

(1)

: قوله عن أبي الأسود هو الديلي التابعي الكبير المشهور ولم أره من رواية عبد الله بن بريدة عنه إلا معنعنا وقد حكى الدارقطني في كتاب التتبع عن علي بن المديني أن ابن بريدة إنما يروي عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود ولم يقل في هذا الحديث سمعت أبا الأسود قلت وابن بريدة ولد في عهد عمر فقد أدرك أبا الأسود بلا ريب لكن البخاري لا يكتفى بالمعاصرة فلعله أخرجه شاهدًا واكتفى للأصل بحديث أنس الذي قبله والله أعلم.

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ حازم بن مسعد أبو زيد بتاريخ 15 من ذي الحجة 1442 موافق 25/ 7/ 2021 م: الحديث معلول ومنتقد من هذا الوجه على البخاري والمعول عليه حديث أنس

(2)

والمتن الزائد في حديث عمر عن حديث أنس معلول.

(1)

وقال ابن حجر في «هدي الساري» : ولم أجد تصريحا لابن بريدة عن أبي الأسود فعلته باقية. وهو اختيار الشيخ مقبل بن هادي في «الإلزامات والتتبع» .

(2)

أخرجه البخاري رقم (1367) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، يَقُولُ: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَجَبَتْ» ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ:«وَجَبَتْ» فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ» .

ص: 51

قال الباحث: والفارق زيادة: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ، شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ» فَقُلْنَا: وَثَلَاثَةٌ، قَالَ:«وَثَلَاثَةٌ» فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ، قَالَ:«وَاثْنَانِ» ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الوَاحِدِ».

ثم أكد شيخنا مع الباحث/ أحمد بن سيد السويفي هذه النتيجة بتاريخ 9 ربيع الآخر 1443 موافق 14/ 11/ 2021 م.

ص: 52

‌اجتهاد ابن عمر

في ترك القراءة في صلاة الجنازة

• قال الإمام مالك في «الموطأ» (19): عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ

(1)

.

• بيان:

• ثبت في «صحيح البخاري» رقم (1335): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ طَلْحَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، ح

(2)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَلَى جَنَازَةٍ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، قال:«لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ»

(3)

.

(1)

وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (11404): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، به.

(2)

(ح) أي تحويل من إسناد إلى آخر. انظر: «مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح» (ص: 386).

(3)

قال الشافعي في «الأم» (1/ 309): وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُولُونَ بِالسُّنَّةِ، وَالْحَقِّ إلَّا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وسأل الباحث/ إبراهيم فراج شيخنا بتاريخ 1 ذي الحجة 1441 موافق 11/ 7/ 2021 م عقب هذا الخبر عن قول الصحابي أنها سنة أو هي سنة هل له حكم الرفع فقال: هذا الموجود في كتب المصطلح.

ص: 53

• وقال الإمام الشافعي في «مسنده» (1/ 308): أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ عَلَى الْمَيِّتِ أَرْبَعًا، وَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى

(1)

.

وفي حديث أبي أمامة بسند ضعيف تفصيل صفة صلاة الجنازة أخرجه الشافعي في «مسنده» (359) وفي سنده مطرف بن مازن ضعيف.

• وقال ابن قُدامة في «المغني» (3/ 411): قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة، وبهذا قال الشافعي وإسحاق.

ورُوي ذلك عن ابن عباس. وقال الثوري والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة: لا يُقرأ فيها بشيء من القرآن؛ لأن ابن مسعود قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها قولًا ولا قراءة. ولأن ما لا ركوع فيه لا قراءة فيه، كسجود التلاوة

(2)

.

• وقال ابن حزم في «المُحَلَّى» (5/ 129): فإذا كَبَّر الأولى، قرأ أُم القرآن ولا بد.

(1)

إسناده ضعيف: إبراهيم بن أبي يحيى وثقه الشافعي وابن الأصبهانى وغيرهما. وكَذَّبه ابن مَعِين. وسُئل الإمام مالك عنه: أكان ثقة؟ فقال: لا، ولا ثقة فى دينه. وقال النَّسَائي: متروك الحديث. وقال فى موضع آخَر: ليس بثقة، ولا يُكتب حديثه. ويُتأمل في ثقة مَنْ رووا عنه أو روى عنهم، والمتن هل به نكارة أو لا؟

(2)

الخلاصة: كتب شيخنا/ مع الباحث محمد بن جمعة بتاريخ 27 صفر 1443 موافق 3/ 10/ 2021 م: المعتمد في السند على ما أبرزته رواية الشعبي عن علقمة وهو موقوف.

ص: 54

• وقال ابن القيم في «زاد المعاد» (1/ 486): وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: لَا تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، بَلْ هِيَ سُنَّةٌ. ا هـ.

ص: 55

‌من فاتته الصلاة على الجنازة فله أن يصلي على القبر

• قال الإمام مسلم رقم (956): حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ - وَاللَّفْظُ لِأَبِي كَامِلٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ - أَوْ شَابًّا - فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عَنْهَا - أَوْ عَنْهُ - فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ:«أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا - أَوْ أَمْرَهُ - فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ عز وجل يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ»

وخالف فضيل بن حسين جماعة

(1)

فلم يذكروا: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ عز وجل يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ» وقال آخرون عن ثابت مرسلة

(2)

.

(1)

وهم:

1 -

سليمان بن حرب كما في البخاري (458) 2 - مسدد كما عند أبي داود (3203)

3 -

يونس بن محمد كما عند أحمد (8634) 4 - وعارم في رواية أخرجه البخاري (1337) 5 - أحمد بن عبده أخرجه ابن ماجه (1527).

(2)

وهم:

1 -

عفان بن مسلم أخرجه أحمد (9037). 2 - محمد بن عبيد أخرجه الخطيب في «الفصل للوصل المدرج في النقل» (70). 3 - عارم في رواية أخرجه الخطيب في «الفصل للوصل المدرج في النقل» (70) 4 - أحمد بن عبده أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (7014).

بينما في مسند أبي يعلي (6429) حماد بن سلمة.

ورواه الطيالسي (2568) بعطف أبي عامر الخزاز على حماد بن زيد وأتى بلفظ أبي عامر وانظره عند أحمد (12517) من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 56

والأصح رواية الجماعة بالتفصل على أن الزيادة مرسلة وقال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 553): وإنما لم يخرج البخاري هذه الزيادة لأنها مدرجة في هذا الإسناد وهي من مراسيل ثابت بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد. ا هـ. وحكم عليها بالإدراج الدارقطني والخطيب والبيهقي.

وتابع فضيل بن حسين هدبة بن خالد كما عند الدارقطني في «العلل» (11/ 202)

(1)

.

• والخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ إسماعيل بن عرفة بتاريخ الاثنين 29 محرم 1443 موافق 6/ 9/ 2021 م: لفظة: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ

» لا تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

بينما في مسند أبي يعلي (6429) حماد بن سلمة.

ورواه الطيالسي (2568) بعطف أبي عامر الخزاز على حماد بن زيد وأتى بلفظ أبي عامر وانظره عند أحمد (12517) من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 57

‌حُكْم الصلاة في المقابر

• قال ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» (7784): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَآنِي عُمَرُ وَأَنَا أُصَلِّي، فَقَالَ: الْقَبْرُ أَمَامَكَ! فَنَهَانِي.

• رواه عن أنس أربعة:

1 -

حُمَيْد، أخرجه ابن أبي شيبة (7783).

2 -

ثابت البُنَاني، وعنه مَعْمَر كما عند عبد الرزاق (1581)، وابن المنذر في «الأوسط» (766) وتابعه حماد بن زيد بسند نازل، كما في «التغليق» (2/ 229).

3 -

الحسن البصري، واختُلف عليه:

فرواه كالجماعة منصور وابن عون. أخرجه ابن أبي شيبة.

وخالفهما حفص بن غِيَاث عن الأشعث، فرَفَعه.

وخَطَّأ البخاري فيه حفصًا، وصَوَّب الوقف على أنس رضي الله عنه.

4 -

حُجَيَّة، أخرجه ابن أبي شيبة.

والأثر بهذه الطرق ثابت لا ريب فيه، لكن لفظ:«ولم يأمره بالإعادة» من كلام البخاري، وقد يظنه المُطالِع أنه من قول الراوي.

وورد في رواية حُميد: «لم أشعر بالقبر» .

• تنبيه: جمهور العلماء على كراهة الصلاة في المقابر والمساجد التي بها قبر، خلافًا للمشهور من مذهب أحمد فإنه يقول بالبطلان.

ص: 58

وصح عن أنس رضي الله عنه أنه كان يَكره أن يُصلَّى في المقابر عمومًا.

وصح عن ثابت أنه كان يقول: «كان أنس بن مالك يأخذ بيدي إذا أراد أن يصلي، فينحى عن القبور» أخرجه عبد الرزاق (1581) وابن المنذر في «الأوسط» (766).

• وصح عن أنس رضي الله عنه: «أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ بَيْنَ الْقُبُورِ» أخرجه عبد الرزاق (7587)، وابن المنذر في «الأوسط» (3119).

وللباحث/ أبي محمد حسان بن عبد الرحيم بحث في الصلاة في المقابر والمساجد التي بها قبور.

• أفاد شيخنا في مجلس آخر حكم الصلاة في المساجد التي بها قبور جائزة مع الكراهة أما دليل الجواز فعموم: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» وصلاته صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية عند الكعبة وحولها الأصنام للحاجة. ولكون أنس لم يؤمر بالإعادة.

وأما دليل الكراهة فاللنهي عن الصلاة إلى المقابر وللعن اليهود في اتخاذهم القبور مساجد.

• فائدة: قال ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (1/ 334): فقد رأيتَ أن سبب عبادة يغوث ويعوق ونَسْرا واللات إنما كانت من تعظيم قبورهم، ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم.

• قال شيخنا: وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور؛ هي التي أوقعت كثيرًا من الأُمم إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك؛ فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، وتماثيل يزعمون

ص: 59

أنه طلاسم للكواكب ونحو ذلك، فإن الشّرك بقبر الرجل الذي يُعتقد صلاحه أقربُ إلى النفوس من الشرك بخشَبة أو حَجَر، ولهذا تجَد أهل الشرك كثيرًا يتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون، ويعبدونهم بقلوبهم عبادةً لا يفعلونها في بيوت الله، ولا وقت السَّحَر، ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد.

فلأجل هذه المفسدة حَسَم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقًا، وإن لم يقصد المصلي بَرَكة البقعة بصلاته، كما يقصد بصلاته بَرَكة المساجد، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها؛ لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة فيها للشمس، فنهى أمته عن الصلاة حينئذٍ، وإن لم يقصد المصلي ما قصده المشركون، سدًّا للذريعة.

قال: وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور، متبرِّكًا بالصلاة في تلك البُقعة، فهذا عين المحادّة لله ورسوله، والمخالفةِ لدينه، وابتداع دينٍ لم يأذن به الله؛ فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة عند القبور منهيّ عنها، وأنه لَعن من اتخذها مساجد، فمِنْ أعظم المحدثات وأسباب الشّرك: الصلاةُ عندها، واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها، فقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه، فقد صرّح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها، متابعةً منهم للسنة الصحيحة الصريحة.

وصرَّح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك، وطائفة أطلقت الكراهة، والذي ينبغي أن يحمل على كراهة التحريم؛

ص: 60

إحسانًا للظن بالعلماء، وأن لا يُظَنّ بهم أن يجُوّزوا فعل ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنُ فاعله، والنهي عنه .... إلخ.

ص: 61

‌المشي بالنعال بين المقابر

أولًا: عمدة القائلين

(1)

بمنع المشي بين القبور بالنعال ما رواه خَالِد بْن سُمَيْرٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ، بَشِيرِ

(2)

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَمْشِي فِي نَعْلَيْنِ بَيْنَ الْقُبُورِ، فَقَالَ:«يَا صَاحِبَ السَّبْتِيَّتَيْنِ، أَلْقِهِمَا»

(3)

. ومداره على خالد بن سمير روى عنه الأسود بن شيبان ووثقه النسائي والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال أحمد كما في «شرح

(1)

وهم الحنابلة قال ابن قدامة في «المغني» (3/ 315): ويستحب خلع النعال لمن دخل المقابر .... لحديث بشير رضي الله عنه.

وفي «مسائل أحمد لأبي داود» (ص: 224) رقم (1063): رأيت أحمد إذا تبع جنازة فقرب من المقابر خلع نعليه.

وفي «مسائل أحمد - رواية عبد الله» (ص: 143): ورأيته إذا أراد أن يخرج الى الْجِنَازَة لبس خفيه وَكَانَ يَأْمر بخلع النِّعَال فِي الْمَقَابِر وَقَالَ حَدِيث بشير بن الخصاصية حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن حزم في «(المحلى)(5/ 137): فهذا إخبار منه؛ بما يكون بعده، وأن الناس من المسلمين سيلبسون النعال في مدافن الموتى إلى يوم القيامة، على عموم إنذاره؛ بذلك، ولم ينه عنه، والاخبار لا تنسخ أصلا، فصح إباحة لباس النعال في المقابر، ووجب استثناء السبتية منها، لنصه؛ عليها.

(2)

أخرجه أحمد (5/ 83) وأبو داود (3230) والنسائي (2047) وابن ماجه (1/ 499) وغيرهم.

(3)

(بشير) قيد بالوصف.

ص: 62

علل الترمذي» (1/ 379): في خالد بن سمير: (لا يعلم) روى عنه أحد سوى الأسود بن شيبان، ولكنه حسن الحديث. وقال مرة أخرى: حديثه عندي صحيح.

وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة، وإنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات. ا هـ.

• الكلام على الحديث:

1 -

أسند ابن ماجه بسند صحيح عقب الخبر عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ يَقُولُ: حَدِيثٌ جَيِّدٌ وَرَجُلٌ ثِقَةٌ.

2 -

وقال الإمام أحمد: إسناده جيِّدٌ. كما في «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (2/ 673) وقال عبد الله بن أحمد: سمعت بعض المشايخ - وأظنُّه أبي - يقول: كان يزيد بن زريع في جنازة، فأراد أن يدخل المقابر، فوقف، فقال: حديثٌ حسنٌ، وشيخٌ ثقةٌ. وخلع نعليه ودخل.

• وقال ابن قدامة في «المغني» (2/ 421): قال أحمد: إسناد حديث بشير ابن الخصاصية جيد، أذهب إليه، إلا من علة.

3 -

وصحح الحاكم إسناده وقال النووي في «المجموع» (5/ 280): إسناده حسن. وقال البيهقي في «السنن الكبير» (4/ 8): هذا حديث قد رواه الجماعة عن الأسود بن شيبان ولا يعرف إلا بهذا الإسناد. وقال ابن عبد البر: حديث مختلف فيه. وقال ابن القيم: وأما تضعيف حديث بشير فمما لم نعلم أحدًا طعن فيه.

ص: 63

ثانيًا: عمدة المجوزين وهم الجمهور

(1)

حديث أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ» أخرجه البخاري (1338) ومسلم (2870).

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ أحمد بن عبد التواب آل صالح

(2)

إلى رأي الجمهور وأن خالد بن سمير لا يتحمل هذا التفرد لأمور:

1 -

لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم مع حضوره آلاف الجنائز أنه خلع نعليه.

2 -

لم ينقل أن الصحابة رضي الله عنهم خلعوا نعالهم.

3 -

استدل بحديث أنس السابق وبما أخرجه النسائي في «الكبرى» رقم (2175) - أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ هُوَ الْأَعْوَرُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدِّثُ قَالَتْ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْنَا: بَلَى قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي هُوَ عِنْدِي - تَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم انْقَلَبَ فَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا

(3)

ظَنَّ أَنِّي قَدْ رَقَدْتُ ثُمَّ انْتَعَلَ رُوَيْدًا فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ رُوَيْدًا وَخَرَجَ رُوَيْدًا

وَجَعَلْتُ

(1)

وهم الأحناف كما في «معاني الآثار» (1/ 512): فَلَمَّا كَانَ دُخُولُ الْمَسَاجِدِ بِالنِّعَالِ غَيْرَ مَكْرُوهٍ، وَكَانَتِ الصَّلَاةُ بِهَا أَيْضًا غَيْرَ مَكْرُوهَةٍ، كَانَ الْمَشْيُ بِهَا بَيْنَ الْقُبُورِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مَكْرُوهًا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى. والمالكية كما في «التمهيد» (21/ 78) والشافعية كما في «المجموع» (5/ 279).

(2)

ولد بـ «سيدي بشر» بالأسكندرية قدّم له شيخنا:

«الروح والريحان في تفسير كلمات الصلاة» .

(3)

(ريثما) ظرف بمعنى قدْر ما.

ص: 64

دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي وَانْطَلَقْتُ فِي إِثْرِهِ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ وَأَطَالَ، ثُمَّ انْحَرَفَ، فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ وَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ فَقَالَ:«مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ حَشْيَا رَابِيَةً؟» قُلْتُ: لَا قَالَ: «لَتُخْبِرنِّي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ قَالَ: «فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَلَهَدَنِي

(1)

فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ثُمَّ قَالَ: «أَظَنَنْتِ أَنْ يُحِيفَ اللهُ عَلَيْكَ وَرَسُولُهُ» قُلْتُ: مَهْمَا يَكْتُمُ النَّاسُ فَقَدْ عَلِمَهُ اللهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ لِيَدْخُلَ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ فَنَادَانِي فَأَخْفَى مِنْكِ فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُ مِنْكِ وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَأَسْتَغْفِرَ لَهُمْ» قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ يَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ»

(2)

.

4 -

توجيه الخبر على فرض صحته منزل منزلة الخصوصية أو واقعة حال.

• ثم انتهى شيخنا إلى هذه النتيجة مع عدد من الباحثين الآخرين منهم

(1)

في «شرح النووي على مسلم» (7/ 44): قوله: (فَلَهَدَنِي) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَرُوِيَ فَلَهَزَنِي بِالزَّايِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ لَهَدَهُ وَلَهَّدَهُ بِتَخْفِيفِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ دَفَعَهُ وَيُقَالُ لَهَزَهُ إِذَا ضَرَبَهُ بِجَمْعِ كَفِّهِ فِي صَدْرِهِ وَيَقْرَبُ مِنْهُمَا لَكَزَهُ.

(2)

هذا السند واللفظ في مسلم معل للإبهام حيث قال الإمام مسلم رقم (974) وسيأتي تفصيله إن شاء الله في زيارة المقابر.

ص: 65

عمرو بن عمران بتاريخ 14/ ربيع أول 1443 موافق 20/ 10/ 2021 م.

ص: 66

‌المرور على قبور المشركين

• أَخْرَج ابن ماجه رقم (1573): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَكَانَ وَكَانَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ:«فِي النَّارِ» .

قَالَ: فَكَأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَيْنَ أَبُوكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ مُشْرِكٍ، فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ» .

قَالَ: فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدُ، وَقَالَ: لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَعَبًا! مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلَّا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ!

وخَالَف إبراهيمَ بن سعد مَعْمَرٌ، فأعضله كما في «جامع مَعْمَر» (19687).

• وقال أبو حاتم في «علله» (5/ 693): كذا رواه يَزيد، وابن أبي نُعَيم، ولا أَعْلَم أحدًا يُجاوِز به الزُّهْريَّ غيرَهما، إنما يروونه عن الزُّهْري، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم

والمُرسَل أَشْبَهُ.

• وقال ابن كَثير في «البداية والنهاية» : غريب، ولم يخرجوه من هذا الوجه.

• وله شاهد أخرجه ابن حِبان (847): أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ النَّقَّالُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا مَرَرْتُمْ بِقُبُورِنَا وَقُبُورِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخْبِرُوهُمْ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ» .

ص: 67

• وعِلته أمران:

1 -

الحارث بن سُرَيْج أحد الفقهاء، روى عن الحَمَّادان وغيرهما.

قال ابن مَعين: ليس بشيء.

وقال النَّسَائي: ليس بثقة.

وقال موسى بن هارون: متهم في الحديث.

وقال ابن عَدي: ضعيف، يَسرق الحديث.

انظر ترجمته من «ميزان الاعتدال» للذهبي.

2 -

ضعف يحيى بن يمان.

3 -

رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة مُتكلَّم فيها؛ لأنه كان يُحَدِّث مرة عن أبي سلمة بالشيء من رأيه، ثم يُحَدِّث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ عبد المنعم بن راضي، بتاريخ (1) رجب (1441 هـ) عام (2020 م) إلى أن الصواب في حديث الزهري هو المرسل؛ لأن مَعْمَرًا مُقَدَّم في الزُّهْري على إبراهيم بن سعد، والخلاف على إبراهيم.

ثم أكد هذه النيجة مع الباحث عزت بن عبد الجواد بتاريخ 23 من ذي الحجة 1442 موافق 2/ 8/ 2021 م وزاد: السيرة العملية لرسول الله غير هذا فإنه صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه ولم يبشرها بالنار.

وأخرج مسلم رقم (203) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ:

ص: 68

«فِي النَّارِ» ، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ:«إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» وتابع عفان جماعة - موسى بن إسماعيل ووكيع بن الجراح وروح بن عبادة - من الثقات. وسند مسلم لا ريب فيه.

وهناك دعوى أن لحماد بن سلمة كاتب سوء والسند إليها غير ثابت ففي سندها كذاب كما عند ابن عدي.

ص: 69

‌هل الموت يسقط الديون

• إذا مات الإنسان وقد وجب عليه حق لله كالزكاة والحج والكفارات فهل تسقط بالموت أو تبقى في الذمة وتخرج من الزكاة قبل قسمته؟

ذهبت الشافعية

(1)

والحنابلة

(2)

والظاهرية

(3)

إلى أنها لا تسقط بالموت ويلزم إخراجها من رأس ماله.

• ومن أدلتهم: عموم قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ولفظ: «الدين» عام يشمل حق الله وحق الآدمي.

ومنها: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ:«نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» ، أخرجه البخاري (1953) ومسلم (1148).

وذهبت الحنفية

(4)

إلى أنها تسقط بالموت ما لم يوص بها فإذا أوصى بها فهي في الثلث وعللوا سقوطها: أن الزكاة عبادة ومن شرطها النية فسقطت بمن هي عليه.

(1)

انظر: «الأم» (3/ 37) و «نهاية المحتاج» (6/ 6)«روضة الطالبين» (6/ 196).

(2)

انظر: «المغني» (4/ 145) لابن قدامة: ولا تسقط الزكاة بموت رب المال

(3)

«المحلى» (6/ 88) رقم المسألة (687).

(4)

انظر: «حاشية ابن عابدين» (6/ 760) و «بدائع الصنائع» (2/ 53).

ص: 70

وانظر تفصيلًا للمالكية في «مواهب الجليل» (3/ 538).

• الخلاصة: اختار شيخنا مع الباحث/ عبده غانم بتاريخ 31/ 8/ 2021 م: أن المال مال وارث وذلك لأنه لم يرد في سنة رسول الله الفعلية أي حديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم خصم مال الزكاة أو الحج أو الكفارات أو غيره قبل تقسيم التركة.

ص: 71

‌هل تبرأ ذمة الميت بتحمل الدين عنه أو لا تبرأ إلا بالأداء عنه

• اختلف فيها على قولين:

الأول: لا تبرأ إلا بالأداء عنه وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد

• واستدلوا بما يلي:

الحديث الأول: وردت زيادة: «الآن بردت عليه جلده» من حديث جابر رضي الله عنه رواها عنه عبد الله بن محمد بن عقيل أخرجه أبو داود الطيالسي رقم (1778) - حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَخَطَّ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، دِينَارَانِ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَيْنُهُ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم:«هُمَا عَلَيْكَ حَقَّ الْغَرِيمِ، وَبَرِئَ الْمَيِّتُ» ، قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ لَقِيَهُ مِنَ الْغَدِ، وَقَالَ:«مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، ثُمَّ لَقِيَهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ:«مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ» ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«الآنَ، بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ» .

ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر دون الزيادة أخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (1111) وأبو داود (3343)

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث سيد البدوي بتاريخ 29 شوال

ص: 72

1442 هـ موافق 10/ 6/ 2021 م: الصواب في - ابن عقيل - الضعف.

• ويرى الباحث ضعف الزيادة من وجوه:

1 -

الكلام في ابن عقيل.

2 -

الخلاف في المتن ففي بعض طرق ابن عقيل: قال النبي لأبي قتادة حق الغريم وبريء منهما الميت؟ كما عند البيهقي في «السنن الكبرى» (11401).

3 -

في قصة أبي قتادة في البخاري رقم (2289) من حديث سلمة بن الأكوع بدونها.

الحديث الثاني حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» رواه سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه واختلف عليه فرواه عنه كذلك سفيان الثوري كما عند أحمد (9679) وغيره.

وتابعه محمد بن عبد الله القرشي أخرجه البيهقي (2062) وتابعهما أيوب السختياني أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (1144).

ورواه إبراهيم بن سعد واختلف عليه فرواه الأكثر - الشافعي وابن مهدي وموسى بن إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم وأبو مروان وعباد بن موسى - عنه بإثبات عمر بن أبي سلمة كرواية الجماعة السابقين أخرجه الترمذي (1079) وابن ماجه (2413) وغيرهما.

وخالفهم ثلاثة - أبو داود الطيالسي في «مسنده» رقم (2512) ويعقوب بن إبراهيم ومحمد بن جعفر الوركاني - فأسقطوا عمر بن أبي سلمة.

ورواه زكريا بن أبي زائدة كهذه الرواية المرجوحة أخرجه الترمذي رقم

ص: 73

(1078)

- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» وقال أبو نعيم في «حلية الأولياء» (3/ 172) عقب طريق زكريا: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ، رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ كَرِوَايَةِ زَكَرِيَّا عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَخَالَفَهُمَا الثَّوْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، فَرَوَيَاهُ عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وتابع زكريا صالح بن كيسان في وجه عنه رواه إسماعيل بن عياش أخرجه الدارقطني. وخالف إسماعيل مسلم بن خالد وهو ضعيف فأبدل سعد بن إبراهيم بالزهري وتابعه متابعة قاصرة معمر بن راشد أخرجه ابن حبان (3061). وتابع معمرا يحيى لكن قال عن الزهري عن رجل عن أبي هريرة.

• الخلاصة: من حيث جمع الطرق فرواية الثوري ومن وافقه أصح وعليه فمحل النزاع في حال عمر بن أبي سلمة فقد سئل ابن معين عن هذا الحديث فقال: هو صحيح. وصححه أبو نعيم وحسن له الترمذي هذا الخبر وقال ابن عدي: هذا الحديث لا بأس به. وقال أحمد: هو صالح ثقة إن شاء الله. وقال العجلى: لا بأس به. وقال البخاري: صدوق إلا أنه يخالف فى بعض حديثه. واستشهد به في الصحيح. وقال أبو حاتم: هو عندى، صالح صدوق فى الأصل، ليس بذاك القوى يكتب حديثه، ولا يحتج به، يخالف فى بعض الشاء. وقال ابن المديني: ليس بذاك.

ص: 74

وضعفه عموما شعبة ويحيى بن سعيد وابن مهدي ووهّى أحاديثه مع أنه من رواة هذا الخبر. وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه. فالظاهر لدي قبول خبره حيث صححه عدد من الآئمة ولم يستنكروه بينما كتب شيخنا مع الباحث سيد البدوي بتاريخ 29 شوال 1442 هـ موافق 10/ 6/ 2021 م: الأصح إثبات الواسطة والواسطة ضعيفة. ثم أكد هذه النتيجة مع الباحث أشرف الفيومي بتاريخ الثلاثاء 2 محرم 1442 موافق 10/ 8/ 2021 م.

القول الثاني: تبرأ بمجرد التحمل عنه وذهب إلى هذا ابن شبرمة وابن أبي ليلى وداود وأبو ثور من الشافعية واستدلوا بأثر ونظر:

• أما الأثر فأحاديث منها:

1 -

حديث أبي سعيد وفيه: يا رسول الله بريء من دينه وأنا ضامن لما عليه. وفيه أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: «وفك الله رهانك كما فككت رهان أخيك» أخرجه الدارقطني في «سننه» رقم (3082) والبيهقي (11398). وفي سنده عبيد الله بن الوليد متروك.

2 -

حديث أبي أمامة مرفوعًا: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ»

(1)

رواه الجماعة

(2)

عن إسماعيل بن عياش الحمصي

(3)

عن شرحبيل بن مسلم

(1)

أصل هذا الحديث لا وصية لوارث.

(2)

وهم ابن معين وعبد الرزاق وسعيد بن منصور والطيالسي ويحيى بن حسان وأبو داود وغيرهم.

(3)

خالفهم المسيب بن رافع فأبدل شرحبيل بمحمد بن زياد كما عند الطبراني في «المعجم الكبير» (7531).

وخالفهم أبو المغيرة فأبدل شرحبيل بصفوان الأصم.

ص: 75

الحمصي عن أبي أمامة

(1)

أخرجه أحمد (22507) وابن ماجه (2405). وحسنه الترمذي وقال البيهقي عقبه: وحديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين لا بأس به. وشبه إجماع على قبول روايته فقد قبلها ابن المديني وأحمد ويعقوب وابن معين وغيرهم جم غفير من المتقدمين والمتوسطين والمتأخرين.

• الخلاصة: كتب مع الباحث/ سيد البدوي بتاريخ الأربعاء 4 ذي الحجة 1442 موافق 14/ 7/ 2021 م: إسناده صحيح.

• وأما النظر فصلاته صلى الله عليه وسلم على الميت لما تحمل أبو قتادة الدين.

وقالوا كيف يجمع المال في ذمتين فإنه لما استحال الجسم الواحد أن يكون في مجلسين في آن واحد استحال أن يجمع المال في ذمتين.

وأيضًا بالقياس على الحوالة.

• الاختيار الفقهي: يميل الباحث إلى القول الثاني

(2)

بتاريخ السبت 22 ذي القعدة 1442 موافق 3/ 7/ 2021 م.

(1)

سمع أبا أمامة نصّ عليه البخاري وعليه فالإسناد حسن ويؤيده كلام البيهقي لما عقب على كلام الإمام الشافعي: «وروى بعض الشاميين حديثًا ليس مما يثبته أهل الحديث فإن بعض رجاله مجهولون» .

(2)

وكذا شيخنا في ليلة الاثنين 15 محرم 1442 موافق 23/ 8/ 2021 م في درس الناسخ والمنسوخ من السنة.

ص: 76

‌من لم يقارف

(1)

الليلة

• قال البخاري رقم (1285): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، قَالَ: فَقَالَ: «هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ:«فَانْزِلْ» قَالَ: فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا.

وتابع عبد الله بن محمد جماعة - محمد بن سنان كما عند البخاري (1342) والإمام أحمد كما في «مسنده» (12275) وتارة عن يونس بن محمد وسريج رقم (13383) وإسحاق بن منصور كما عند الترمذي في «الشمائل» (328).

وتابع أبا عامر اثنان:

1 -

الطيالسي في «مسنده» (2230) دون ذكر المقارفة.

2 -

ابن المبارك أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (7047) وزاد عطف «أبي ذر» على طلحة رضي الله عنهما.

وفليح بن سليمان متكلم فيه لكن إخراج الشيخين له يقوي أمره وثم متابعة بها خطأ في تسمية رقية رضي الله عنها أخرجها أحمد في «مسنده» (13853) - حَدَّثَنَا

(1)

أي: يجامع، أو يقترف إثمًا.

ص: 77

عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رُقَيَّةَ لَمَّا مَاتَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَدْخُلُ الْقَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ أَهْلَهُ اللَّيْلَةَ» .

وتابع عفان يونس أخرجه أحمد (13398) وزاد: «فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْقَبْرَ»

وتابعهما عبيد الله بن محمد بن عائشة أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2512) لكن بلفظ: مَاتَتْ إحْدَى بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَدْخُلِ الْقَبْرَ أَحَدٌ قَارَفَ أَهْلَهُ اللَّيْلَةَ» فَلَمْ يَدْخُلْ زَوْجُهَا.

• والخلاصة: أن أرجح الطرق الثلاثة عن حماد هو عفان بن مسلم وليس فيه روايته ذكر عثمان رضي الله عنه وقد خطأ عدد من العلماء ذكر رقية رضي الله عنها في هذا الطريق قال ابن بطال في «شرح البخارى» (3/ 328): قال البخارى: لا أدرى ما هذا والنبى صلى الله عليه وسلم لم يشهد رقية، وقال الطبرى: روى أنس، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، لما نزلت أم كلثوم بنت النبى صلى الله عليه وسلم، فى قبرها، قال:«لا ينزل فى قبرها أحد قارف الليلة» . فذكرُ رقية فيه وهم، والله أعلم.

• قال ابن حجر في «فتح الباري» (3/ 158): وَهِمَ حَمَّادٌ فِي تَسْمِيَتِهَا فَقَطْ.

بينما قال ابن عبد البر في «التمهيد» (4/ 1841): هذا الحديث خطأ من حماد بن سلمة لأن رسول الله لم يشهد دفن رقية ابنته

وإنما كان ذلك في أم كلثوم ولفظ حديث حماد بن سلمة أيضًا في ذلك منكر مع ما فيه من الوهم في ذكر رقية.

• وانتهى شيخنا معي بتاريخ الثلاثاء 4 ربيع أول 1443 موافق 9/ 11/ 2021 م إلى اعتماد متابعة حماد بن سلمة دون تسمية رقية رضي الله عنها.

ص: 78

‌وضع الميت في القبر

• قال النسائي في «سننه الكبرى» رقم (10860) - أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقَبْرِ فَقُولُوا: بِسْمِ اللهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ» .

وخالف وكيعًا مسلم بن إبراهيم ومعاذ بن هشام فأوقفاه أخرجه الطبراني في «الدعاء» (1208) وقال الدارقطني في «العلل» (12/ 410): المحفوظ عن هشام من قول ابن عمر وفعله.

ورواه محمد بن جعفر وعبد الله وغيرهما عن شعبة بالوقف خلافا لأبي داود الطيالسي.

• الخلاصة: كتب مع الباحث أبي حمزة بتاريخ 26 ذي القعدة 1442 موافق 7/ 7/ 2021 م: والصواب فيه الوقف.

ثم أكد هذه النتيجة مع الباحث عبد التواب العشري بتاريخ 19/ 9/ 2021 م. وزاد الباحث وورد موقوفًا على أبي بكر وعلي رضي الله عنهما؛ لكنها ضعيفة.

ص: 79

‌الاستغفار عقب الدفن للميت

• قال أبو داود في «سننه» رقم (3221) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ، عَنْ هَانِئٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ

(1)

، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ»

(2)

.

• الخلاصة: إسناده حسن لإن هانيء مولى عثمان بن عفان روى عنه اثنان وقال النسائي: لا بأس به.

(1)

الباء في (بالتثبيت) إما أن تكون مقحمةً أي زائدة وهذا مردود بالكلية.

وقد تكون متضمنةً معنى حرفٍ آخر وهو (من) مثلا. وقد تجعل الفعل متضمنًا معنى فعلٍ آخر كـ (اعو) الله له بالتثبيت وهذا مناسب لمقتضى الحال.

ولكن لمَ آثر التعبير باسألوا بدلَ ادعو؟

لأن اسئلوا فيه مظنة الإجابة لما فيه من الإلحاح واشتغال الجوارح كلها بالسؤال فهو يسأل بلسانه ويمد يده ويرغب بقلبه. أفاده العلامة عبد العزيز الفيومي.

(2)

وأخرجه البزار (444) والحاكم (1/ 371) والمقدسي في «المختارة» (388) وغيرهم من طرق عن هشام بن يوسف الصنعاني به.

وذكر له البزار حديث «إن القبر أول منازل الآخرة .... » وقال: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَا يُرْوَيَانِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا إِسْنَادًا عَنْ عُثْمَانَ إِلاَّ هَذَا الإِسْنَادَ.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الإسناد و لم يخرجاه. ا هـ. وحسنه المنذري وصححه العلامة الألباني.

ص: 80

وعبد الله بن بحير هو ابن ريسان كما قال أبو داود. وهو ثقة بخلاف الآخر القاص الضعيف الذي فرق به ابن حبان.

والاستغفار للأموت له شواهد منها ما أخرجه البخاري (1327) ومسلم (951) في قصة النجاشي لما صفهم للصلاة قال: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ» .

• وكتب شيخنا مع الباحث سعيد القاضي بتاريخ 17 ذي القعدة 1442 موافق 28/ 6/ 2021 م

(1)

: لمتكلم أن يتكلم في هذا الخبر

(2)

وإن حسنه محسن فلا تثريب عليه.

• ثم أفاد شيخنا مع الباحث أبي حازم المحلاوي بتاريخ الاثنين 15 محرم 1443 موافق 23/ 8/ 2021 م: وأما لفظ: «مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ» يعارضه حديث رؤية النار في الكسوف: «وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ» أخرجه البخاري (5197) ومسلم (907).

• أما السؤال في القبر فثابت بما في البخاري (1374) ومسلم (2870) عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ، إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ» قَالَ: «يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟» قَالَ: «فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» قَالَ: «فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ

مَقْعَدًا مِنَ

(1)

وبحث هذا الخبرمن قبل الباحث هاني بن عبد الحميد بتاريخ 14 ربيع 1441 هـ. وكانت النتيجة قبوله.

(2)

أي: لتفرد هانيء مولى عثمان بن عفان به.

ص: 81

الْجَنَّةِ» قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا» قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَيُمْلَأُ عَلَيْهِ خَضِرًا، إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

• وفي الباب قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه في «ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي» أخرجه مسلم (121).

ص: 82

‌هل الموتى يسمعون في قبورهم

• اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال:

الأول: يسمعون: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]{إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [فاطر: 14] وقوله جل ذكره في وجه: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام: 36].

ومن السنة ما أخرجه البخاري (9593) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي عَلَى الحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ» .

ويرفع الإنسان المنزلة باستغفار ولده وهو لا يدري.

أما القول الثاني: سماع مطلق وأدلته من السنة فمنها:

1 -

قصة قليب وفيها فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»

(1)

.

(1)

أخرجه البخاري (3976) ومسلم (2873).

ص: 83

2 -

وفي حديث أنس مرفوعًا وفيه: «إِنَّ الْعَبْدَ، إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ»

(1)

.

3 -

والسلام على المقابر من حديثي عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما.

4 -

ووصية عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيه: «فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي» أخرجه مسلم (121) موقوفًا.

وجه الجمع: أن النصوص التي فيها الإخبار بالسماع مقيدة بوقت المسائلة وأما حديث إذا أتيت المقبرة أنه دعاء ويجوز خطاب الجماد ومنه يا مكة إنك أحب بلاد الله.

• الخلاصة: الباحث/ محمد بن عبد التواب بن محمد بن سعيد الحامولي السحايتي. بتاريخ 29/ ربيع أول 1443 موافق 4/ 11/ 2021 م.

(1)

أخرجه البخاري (1374) ومسلم (2870).

ص: 84

‌القراءة على القبر

• قال عباس الدُّوري كما في «التاريخ عن ابن مَعين» (2/ 290) رقم (5238): حدثنا يحيى قال: حدثنا مُبَشِّر بن إسماعيل الحَلَبي

(1)

قال: حدثني عبد الرحمن بن العلاء بن اللَّجْلاج، عن أبيه قال: قال لي أبي: يا بني، إذا أنا مِتُّ فضعني في اللحد، وقل: باسم الله، وعلى سُنة رسول الله، وسُنَّ عَليَّ التراب سَنًّا، واقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها؛ فإني سَمِعتُ عبد الله بن عمر يقول ذلك.

• وعِلة هذا الأثر عبد الرحمن بن العلاء، فقد ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال ابن حجر: مقبول. أي: حيث يُتابَع.

• وله متابعة قاصرة تالفة، كما في «الأمر بالمعروف» (246) للخلال، من طريق يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي، عن أيوب بن نُهَيْك الحلبي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر رضي الله عنه، به.

و (أيوب بن نُهَيْك) ضَعَّفه أبو حاتم. وقال أبو زُرْعَة: لا أُحَدِّث عنه، منكر الحديث.

و (يحيى بن عبد الله البابلتي) قال فيه ابن حِبان: يأتي عن الثقات بأشياء معضلات. وقال ابن عَدي: الضعف على حديثه بَيِّن.

(1)

وثَم خلاف على مُبَشِّر في الرفع والوقف وفي السند، كما في «المعجم الكبير» (491).

ص: 85

• أقوال الأئمة الأربعة ومذاهبهم في القراءة عند القبر:

(وَكَرِهَ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ) لِأَنَّ أَهْلَ الْقَبْرِ جِيفَةٌ. وَكَذَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقَبْرِ لِأَنَّهُ إِهَانَةٌ (وَجَوَّزَهَا) أَيْ: الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ (مُحَمَّدٌ، وَبِهِ) أَيْ: يَقُولُ مُحَمَّدٌ

(أَخْذٌ) لِلْفَتْوَى؛ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ لِوُرُودِ الْآثَارِ بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، عِنْدَ الْقُبُورِ.

وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ

(1)

.

• وقال ابن نُجَيْم الحنفي: الذي ظهر لي أنه مبني على قول أبي حنيفة بكراهة القراءة عند القبر؛ فلذا يَبطل التعيين.

والفتوى على قول محمد من عدم كراهة القراءة عنده، كما في «الخلاصة» فيَلزم التعيين

(2)

.

• الخلاصة: كرهه أبو حنيفة، والفتوى في المذهب على عدم الكراهة.

ففي «المدونة» (1/ 251): مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ؟

قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَيُّ شَيْءٍ يُقَالُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ.

قُلْتُ: فَهَلْ يُقْرَأُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا.

وفي «الشامل في فقه الإمام مالك» (1/ 153): وتُكْرَه القراءة عنده

(3)

خلافًا لابن حبيب، وعند القبر.

ص: 86

• الخلاصة: الإمام مالك على المنع، والمذهب على الكراهة.

• قال الماوردي في «الحاوي الكبير» (3/ 55): فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَأَيْتُ مَنْ أَوْصَى بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ قَبْرِهِ، وَهُوَ عِنْدَنَا حَسَنٌ.

• وقال الرافعي في «فتح العزيز بشرح الوجيز» (5/ 249): سُئل القاضي أبو الطيب عن ختم القرآن في المقابر، فقال: الثواب للقارئ، ويكون الميت كالحاضرين، يُرجَى له الرحمة والبركة، فيستحب قراءة القرآن في المقابر لهذا المعنى. وأيضًا: فالدعاء عَقيب القراءة أقرب إلى الإجابة، والدعاء يَنفع الميت.

• وقال النووي في «المجموع» (5/ 294): يُستحَب أن يَمكث على القبر بعد الدفن ساعة، يدعو للميت ويستغفر له.

نَصَّ عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب. قالوا: ويُستحَب أن يُقرأ عنده شيء من القرآن، وإن خَتَموا القرآن كان أفضل.

وقال جماعات من أصحابنا: يُستحَب أن يُلقَّن .... ويُستدَل لهذا

وروى البيهقي بإسناده أن ابن عمر رضي الله عنهما استَحب قراءة أول البقرة وآخِرها عند القبر. والله أعلم.

• الخلاصة: نَصَّ الإمام الشافعي على استحسانه، والأصحاب على استحبابه.

• وقال ابن قُدامة في «المغني» (3/ 518): ولا بأس بالقراءة عند القبر.

1 -

وقد رُوي عن أحمد أنه قال: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي وثلاث مرات {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم قولوا: اللهم إن فضله لأهل المقابر.

2 -

ورُوي عنه أنه قال: القراءة عند القبر بدعة.

ص: 87

ورُوي ذلك عن هُشَيْم. قال أبو بكر: نَقَل ذلك عن أحمد جماعة، ثم رجع رجوعًا أبان به عن نفسه، فروى جماعة أن أحمد نهى ضريرًا أن يَقرأ عند القبر، وقال له: إن القراءة عند القبر بدعة.

• فقال له محمد بن قُدامة الجوهري: يا أبا عبد الله، ما تقول في مُبَشِّر الحلبي؟ قال: ثقة. قال: فأَخبَرني مُبشِّر عن أبيه، أنه أوصى إذا دُفِن يُقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سَمِعتُ ابن عمر يوصي بذلك. قال أحمد بن حنبل: فارجع فقل للرجل يَقرأ.

• وقال الخَلَّال: حدثني علي الحسن بن الهيثم البزار، شيخنا الثقة المأمون، قال: رأيتُ أحمد بن حنبل يصلي خلف ضرير يَقرأ على القبور، فقرأ «سورة يس» خَفَّف عنهم يومئذٍ.

• وقال المَرْدَاوي في «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» (2/ 557): قَوْلُهُ: (وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي «الْفُرُوعِ» وَغَيْرِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ.

• قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ.

قَالَ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُكْرَهُ.

وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي «الْوَجِيزِ» وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي «الْفُرُوعِ» ، وَ «الْمُغْنِي» ، وَ «الشَّرْحِ» ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَ «الْفَائِقِ» وَغَيْرِهِمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُكْرَهُ، اخْتَارَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَهُ فِي «الْفُرُوعِ» وَاخْتَارَهَا أَيْضًا أَبُو حَفْصٍ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، وَهِيَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَعَلَيْهَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ، وَسَمَّى الْمَرُّوذِيَّ. انْتَهَى.

ص: 88

قُلْتُ: قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ: رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَرَّ بِضَرِيرٍ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرٍ فَنَهَاهُ، وَقَالَ: الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ.

فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ: يَا أَبَا عَبْدَ اللهِ، مَا تَقُولُ فِي مُبَشِّر الْحَلَبِيِّ؟ فَقَالَ: ثِقَةٌ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُبَشِّرٌ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا، وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ. فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ارْجِعْ فَقُلْ لِلرَّجُلِ: يَقْرَأُ.

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ.

وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ وَقْتَ دَفْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ.

قَالَ فِي «الْفَائِقِ» : وَعَنْهُ: يُسَنُّ وَقْتَ الدَّفْنِ. اخْتَارَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ وَشَيْخُنَا.

وَعَنْهُ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا فِعْلِ أَصْحَابِهِ.

فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، فَيُسْتَحَبُّ، عَلَى الصَّحِيحِ.

قَالَ فِي «الْفَائِقِ» : يُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَخِيرًا.

قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ، بَلْ تُسْتَحَبُّ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: تُبَاحُ.

قَالَ فِي «الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى» : وَتُبَاحُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي «الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى» ، وَ «الْحَاوِيَيْنِ» .

ص: 89

قَالَ فِي «الْمُغْنِي» ، وَ «الشَّرْحِ» ، وَ «شَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ»: لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي «الْفُرُوعِ» .

• الخلاصة: نَقَل ابن قُدامة عن الإمام أحمد روايتين:

أ - الأمر بالقراءة.

ب - التراجع وأنه بدعة.

والمذهب أنها لا تُكْرَه. نَقَله المَرْدَاوي.

• وأما أصحاب المذاهب الأخرى، فكَرِهها أبو حنيفة، ومَنَعها الإمام مالك، وبَدَّعها الإمام أحمد في رواية، وأَمَر بها في أخرى. واستحسنها الإمام الشافعي.

وأما المذاهب: فالفتوى في المذهب الحنفي على جوازها. ونفى المذهب الحنبلي الكراهة، على خلاف قوي فيه. واستحبها الأصحاب في المذهب الشافعي.

وأصول الاستدلال: خبر ضعيف في قراءة «يس» وأثر ابن عمر رضي الله عنهما الضعيف

(1)

.

وبَدَّعها الشيخ ابن باز، وابن عثيمين، والألباني، رحمهم الله.

1 -

لأنه لم يُفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين.

2 -

سدًّا للذريعة المفضية للشرك.

• وإليك نصوصهم:

• قال الشيخ ابن باز: لا تُشْرَع القراءة على القبور، لا الفاتحة ولا غيرها.

(1)

قال ابن عرفة في «المختصر الفقهي» (1/ 470): قَبِل عياض استدلال بعض العلماء على استحباب القراءة على القبر؛ لحديث الجريدتين. وقاله الشافعي.

ص: 90

القراءة على القبور بدعة، والقراءة عندها كذلك، السُّنة زيارتها للسلام عليهم والدعاء لهم

(1)

.

• وقال أيضًا: ابن عمر رضي الله عنه له اجتهادات خالف فيها السُّنة.

فمِن ذلك أنه كان يَغسل داخل عينيه، وهذا خلاف السُّنة، وهذا من اجتهاده رضي الله عنه.

ومِن ذلك أنه كان إذا حج واعتمر، يأخذ من لحيته ما زاد على القبضة. وهذا خلاف السُّنة. وقد قال عليه الصلاة والسلام:«خَالِفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى» خَرَّجه البخاري في «صحيحه» . وقال عليه الصلاة والسلام: «قُصُّوا الشوارب وأعفوا اللحى، خَالِفوا المشركين» متفق على صحته.

وكان يأخذ ماء لأذنيه. والسُّنة أن تُمْسَح الأذنان بماء الرأس.

القراءة عند القبر عند وقت الدفن، هذا شيء اجتهد فيه رضي الله عنه، والسُّنة بخلافه.

والإمام أحمد لما بلغه ذلك، كان باجتهاده رضي الله عنه ورحمه، رأى أن يوافق ابن عمر، وأن يُقِر الكفيف على قراءته بعد ما قال له: إنها بدعة. فقوله الأول هو الصواب، وهو الذي يوافق الأدلة الصحيحة الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ولأن القراءة عندها والصلاة عندها وسيلة لعبادتها من دون الله، فالناس قد يَظنون أن القراءة عندها

ص: 91

لها مزية ولها ثواب زائد. وهكذا الصلاة عندها، فيَجُرهم هذا إلى اتخاذها مساجد وإلى دعاء أهلها، وإلى الاستغاثة بأهلها والتوسل بأهلها، فيقع الشرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

• فالحاصل: أنه له اجتهادات رضي الله عنه لا يُوافَق عليها من جهة السُّنة

(1)

.

• وقال ابن عثيمين في «الشرح المُمتِع على زاد المُستقنِع» (5/ 369): قوله: «ولا تُكْرَه القراءة على القبر» القراءة على القبر لا تُكْرَه، ولها صفتان:

الصفة الأولى: أن يَقرأ على القبر، كأنما يَقرأ على مريض.

الصفة الثانية: أن يَقرأ على القبر، أي: عند القبر؛ ليَسمع صاحب القبر فيستأنس به.

فيقول المؤلف: إن هذا غير مكروه.

ولكن الصحيح: أنه مكروه، فنَفْي الكراهة إشارة إلى قول مَنْ قال بالكراهة.

• والصحيح: أن القراءة على القبر مكروهة، سواء كان ذلك عند الدفن أو بعد الدفن.

لأنه لم يُعْمَل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عُهِد عن الخلفاء الراشدين.

ولأنه ربما يَحصل منه فتنة لصاحب القبر، فاليوم يُقرأ عنده رجاء انتفاع صاحب القبر، وغدًا يُقرأ عنده رجاء الانتفاع بصاحب القبر، ويُرَى أن القراءة عنده أفضل من القراءة في المسجد، فيَحصل بذلك فتنة.

• مسألة مهمة: قراءة (يس) على الميت بعد دفنه بدعة، ولا يصح الاستدلال لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:«اقرءوا على موتاكم يس» لأنه لا فائدة من القراءة عليه وهو

ص: 92

ميت، وإنما يستفيد الشخص من القراءة عليه ما دامت رُوحه في جسده، ولأن الميت محتاج للدعاء له؛ ولهذا أَمَر النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ حَضَر الميتَ أن يدعو له، وقال:«فإن الملائكة يُؤَمِّنون على ما تقولون» .

• وقال العَلَّامة الألباني في «أحكام الجنائز» (1/ 191): أما قراءة القرآن عند زيارتها، فمما لا أصل له في السُّنة، بل الأحاديث المذكورة في المسألة السابقة تُشْعِر بعدم مشروعيتها.

إذ لو كانت مشروعة لَفَعَلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعَلَّمها أصحابه.

لا سيما وقد سَألتْه عائشة رضي الله عنها وهي مِنْ أَحَبِّ الناس إليه صلى الله عليه وسلم عما تقول إذا زارت القبور؟ فعَلَّمَها السلام والدعاء. ولم يُعَلِّمها أن تَقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن!

فلو أن القراءة كانت مشروعة لَمَا كَتَم ذلك عنها، كيف وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، كما تَقَرَّر في علم الأصول؟ فكيف بالكتمان؟!

ولو أنه صلى الله عليه وسلم عَلَّمهم شيئًا من ذلك، لنُقِل إلينا، فإذ لم يُنقَل بالسند الثابت دل على أنه لم يقع.

• ومما يُقَوِّي عدم المشروعية: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تَجعلوا بيوتكم مقابر؛ فإن الشيطان يفر من البيت الذي يُقرأ فيه سورة البقرة» .

أخرجه مسلم (2/ 188)، والترمذي (4/ 42) وصححه، وأحمد (2/ 284، 337، 378، 388) من حديث أبي هريرة.

• وله شاهد من حديث الصَّلْصَال بْن الدَّلَهْمَسِ.

رواه البيهقي في «الشُّعَب» كما في «الجامع الصغير» .

ص: 93

فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن القبور ليست موضعًا للقراءة شرعًا؛ فلذلك حَضَّ على قراءة القرآن في البيوت ونَهَى عن جعلها كالمقابر التي لا يُقرأ فيها.

كما أشار في الحديث الآخَر إلى أنها ليست موضعًا لصلاة أيضًا، وهو قوله:«صَلُّوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا» أخرجه مسلم (2/ 187) وغيره عن ابن عمر، وهو عند البخاري بنحوه، وتَرجم له بقوله:(باب كراهية الصلاة في المقابر) فأشار به إلى أن حديث ابن عمر يفيد كراهة الصلاة في المقابر.

فكذلك حديث أبي هريرة، يفيد كراهة قراءة القرآن في المقابر، ولا فَرْق.

ولذلك كان مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وغيرهم

(1)

كراهة القراءة عند القبور.

(1)

ذَكَره عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» (ص: 128) وقال: (ولا يُحْفَظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام؛ وذلك لأن ذلك كان عنده بدعة. وقال مالك: ما عَلِمتُ أحدًا يَفعل ذلك. فعُلِم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه).

وقال في «الاختيارات العملية» (ص: 53): (والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المُحتضَر فإنها تُستحَب بـ «ياسين»).

قلت: لكن حديث (قراءة يس) ضعيف كما تقدم، والاستحباب حُكْم شرعي، ولا يَثبت بالحديث الضعيف، كما هو معلوم من كلام ابن تيمية نفسه في بعض مصنفاته وغيرها.

وأما جاء في كتاب «الرُّوح» لابن القيم (ص: 13): قال الخَلَّال: وأخبرني الحسن بن أحمد الوراق، ثنا علي بن موسى الحداد - وكان صدوقًا - قال: كنتُ مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قُدامة الجوهري في جنازة، فلما دُفِن الميت جلس رجل ضرير يَقرأ عند القبر، فقال له أحمد: يا هذا، إن القراءة عند القبر بدعة!

ص: 94

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فلما خرجتُ من المقابر، قال محمد بن قُدامة لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، ما تقول في مُبَشِّر الحلبي؟

قال: ثقة.

قال: كتبتَ عنه شيئًا؟

قال: نعم.

قال: فأخبرني مُبشِّر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج، (الأصل: الحَلَّاج. وهو خطأ) عن أبيه، أنه أَوْصَى إذا دُفِن أن يُقرأ عند رأسه بفاتحة «البقرة» وخاتمتها، وقال: سَمِعتُ ابن عمر يوصي بذلك.

فقال له أحمد: فارجع وقل للرجل: يَقرأ).

فالجواب عنه من وجوه:

الأول: أن في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظرًا؛ لأن شيخ الخَلَّال (الحسن بن أحمد الوراق) لم أجد له ترجمة فيما عندي الآن من كتب الرجال.

وكذلك شيخه (علي بن موسى الحداد) لم أعرفه. وإن قيل في هذا السند: إنه كان صدوقًا. فإن الظاهر أن القائل هو الوراق هذا، وقد عَرَفْتَ حاله.

الثاني: أنه إن ثبت ذلك عنه، فإنه أخص مما رواه أبو داود عنه، ويَنتج من الجمع بين الروايتين عنه أن مذهبه كراهة القراءة عند القبر إلا عند الدفن.

الثالث: أن السند بهذا الأثر لا يصح عن ابن عمر.

ولو فُرِض ثبوته عن أحمد، وذلك لأن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج معدود في المجهولين، كما يُشْعِر بذلك قول الذهبي في ترجمته من «الميزان»:(ما رَوَى عنه سوى مُبَشِّر هذا) ومن طريقه رواه ابن عساكر (13/ 399/ 2).

وأما توثيق ابن حبان إياه، فمما لا يُعتد به؛ لِما اشتهر به من التساهل في التوثيق؛ ولذلك لم يُعَرِّج عليه الحافظ في «التقريب» حين قال في المُترجَم:(مقبول) يعني عند المتابعة، وإلا فلَيِّن الحديث، كما نص عليه في المقدمة.

ومما يؤيد ما ذكرنا أن الترمذي مع تساهله في التحسين لَمَّا أَخْرَج له حديثًا آخَر (2/ 128) وليس له عنده، سَكَت عليه ولم يُحَسِّنه!

ص: 95

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الرابع: أنه لو ثَبَت سنده كان عن ابن عمر فهو موقوف، لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا حُجة فيه أصلًا.

ومثل هذا الأثر ما ذَكَره ابن القيم أيضًا (ص: 14): (وذَكَر الخَلَّال عن الشَّعْبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره، يَقرءون القرآن).

فنحن في شك من ثبوت ذلك عن الشَّعْبي بهذا اللفظ خاصة، فقد رأيت السيوطي قد أورده في «شرح الصدور» (ص: 15) بلفظ: «كانت الأنصار يَقرءون عند الميت سورة البقرة» .

قال: (رواه ابن أبي شيبة والمروزي) أورده في (باب ما يقول الإنسان في مرض الموت، وما يُقرأ عنده).

ثم رأيته في «المُصنَّف» لابن أبي شيبة (4/ 74) وتَرجَم له بقوله: (باب ما يقال عند المريض إذا حضر).

فتبين أن في سنده مجالدًا، وهو ابن سعيد، قال الحافظ في «التقريب»:(ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره).

فظَهَر بهذا أن الأثر ليس في القراءة عند القبر، بل عند الاحتضار. ثم هو على ذلك ضعيف الإسناد.

وأما حديث: «مَنْ مَرَّ بالمقابر، فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إحدى عَشْرة مرة، ثم وَهَب أجره للأموات؛ أُعْطِيَ من الأجر بعدد الأموات» .

فهو حديث باطل موضوع، رواه أبو محمد الخَلَّال في «القراءة على القبور» (ق 201/ 2) والديلمي عن نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر، عن أبيه، عن علي الرضا عن آبائه. وهي نسخة موضوعة باطلة، لا تنفك عن وضع عبد الله هذا أو وضع أبيه، كما قال الذهبي في «الميزان» وتَبِعه الحافظ ابن حجر في «اللسان» ثم السيوطي في «ذيل الأحاديث الموضوعة» ، وذَكَر له هذا الحديث، وتَبِعه ابن عراق في «تنزيه الشريعة المرفوعة، عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة» .

ثم ذهل السيوطي عن ذلك، فأورد الحديث في «شرح الصدور» (ص: 130) برواية أبي محمد السمرقندي، في «فضائل قل هو الله أحد» وسَكَت عليه!

نعم، قد أشار قبل ذلك إلى ضعفه، ولكن هذا لا يكفي؛ فإن الحديث موضوع باعترافه، فلا يُجزئ الاقتصار على تضعيفه، كما لا يجوز السكوت عنه، كما صَنَع الشيخ إسماعيل العجلوني في «كشف الخفاء» (2 - 382) فإنه عزاه للرافعي في «تاريخه» وسَكَت عليه! مع أنه وَضَع كتابه المذكور للكشف عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس!

ثم إن سكوت أهل الاختصاص عن الحديث قد يوهم مَنْ لا علم عنده به - أن الحديث مما يَصلح للاحتجاج به أو العمل به في فضائل الأعمال كما يقولون!

وهذا ما وقع لهذا الحديث، فقد رأيتُ بعض الحنفية قد احتَج بهذا الحديث للقراءة عند القبور! وهو الشيخ الطهطاوي على «مَراقي الفلاح» (ص: 117)! وقد عَزَاه هذا إلى الدارقطني، وأظنه وهمًا؛ فإني لم أجد غيره عَزَاه إليه.

ثم إن المعروف عند المشتغلين بهذا العلم أن العزو إلى الدارقطني مطلقًا يراد به كتابه «السُّنن» وهذا الحديث لم أره فيه. والله أعلم.

ص: 96

• وهو قول الإمام أحمد، فقال أبو داود في «مسائله» (ص: 158): «سَمِعتُ أحمد سُئِل عن القراءة عند القبر، فقال: لا» .

ص: 97

‌النهي عن الجلوس على القبر

• قال الإمام مسلم رقم (971): وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ - خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ»

(1)

.

وتَابَع جريرًا على الرفع جماعة - سفيان، والدراوردي

(2)

وحماد، ووُهَيْب وشَريك

(3)

وخالد

(4)

.

• وخَالَف أبا صالح زيدُ بن أسلم فأوقفه، أخرجه عبد الرزاق في «مُصنَّفه» رقم (6613).

• وفي «جامع التحصيل» للعلائي (ص: 178): قال يحيى بن مَعِين: لم يَسمع من أبي هريرة رضي الله عنه

(5)

.

(1)

وأورد له الإمام مسلم عقبه شاهدًا رقم (972) من حديث أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا» .

(2)

كما عند مسلم.

(3)

كما عند أحمد (8108، 9048، 10832).

(4)

كما عند أبي داود (3228).

(5)

أخرج الطحاوي في «شرح معاني الآثار» رقم (2952) - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: ثنا الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَعَدَ عَلَى قَبْرٍ، فَتَغَوَّطَ عَلَيْهِ أَوْ بَالَ، فَكَأَنَّمَا قَعَدَ عَلَى جَمْرَةٍ» فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْجُلُوسَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ، هُوَ هَذَا الْجُلُوسُ، فَأَمَّا الْجُلُوسُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ النَّهْيِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم.

تنبيه: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ ضعيف وعليه فالزيادة ضعيفة.

ص: 98

• الخلاصة: الرفع أصح؛ للانقطاع في طريق الوقف. ثم أكد هذه النتيجة مع الباحث عبد التواب الفيومي بتاريخ 4 ربيع أول 1443 موافق 10/ 10/ 2021 م.

• فائدة: في «شرح التلقين» للمازري المالكي (1/ 1199): عندنا أن الجلوس على القبر جائز.

وكَرِه الشافعي الجلوس على القبر، أو يطأه، أو يتكئ عليه.

وقال ابن حنبل: يُكْرَه الدخول إلى المقابر بالنعل، ولا يُكْرَه بالخِفاف والشمشكاة

نحن نتأول النهي عن ذلك على أن المراد به الجلوس للغائط والبول.

• قال ابن حبيب: كذلك فَسَّره مالك وخارجة بن زيد.

• وفي «المسالك في شرح موطأ مالك» (3/ 563) لابن عربي: وورد حديثٌ: «لا بأس بالجلوس على المقابر» .

• والجَمْع بين هذين الحديثين أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن ذلك لحاجة الإنسان.

ألا ترى أن عليًّا كان يَتوسد عليها ويجلس؟

ص: 99

وبهذا التأويل استَحسن مالك أن النهي عن الجلوس على القبور إنما هو لقضاء حاجة الإنسان. وقد قال مِثل هذا زيد بن ثابت.

وهو الأظهر في التأويل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد زار القبور وأباح زيارتها، ولا خلاف اليوم بين المسلمين في جواز الجلوس عليها عند الدفن، فيُحمَل الحديث على ذلك، ويُجْمَع بينه وبين ما رُوِيَ من قول عليّ وفِعله.

• وفي «موطأ مالك» (1/ 233) أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْقُبُورَ، وَيَضْطَجِعُ عَلَيْهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنِ الْقُعُودِ عَلَى الْقُبُورِ - فِيمَا نَرَى - لِلْمَذَاهِبِ.

الباحث/ هاني الدميري.

ص: 100

‌استحباب التعزية

• قال ابن قُدَامة في «المغني» (3/ 485): ويُستحب تعزية أهل الميت. لا نَعلم في هذه المسألة خلافًا، إلا أن الثوري قال: لا تُستحب التعزية بعد الدفن؛ لأنه خاتمة أمره.

• الأدلة المرفوعة:

1 -

مما تَفرَّد به ابن ماجه في «سُننه» رقم (1601): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ أَبُو عُمَارَةَ، مَوْلَى الأَنْصَارِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ، إِلَّا كَسَاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

• له علتان:

الأولى: الانقطاع بين أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وجَدّه.

الثانية: قيس المدني، أبو عمارة الفارسي، ذَكَره ابن حِبان في «الثقات». قال فيه البخاري: فيه نظر. وذَكَره العُقيلي في «الضعفاء» وأورد له حديثين، وقال: لا يُتابَع عليهما. أحدهما: الذي أخرجه ابن ماجه في التعزية بالميت.

قال الذهبي في «الميزان» : حديثه لا يصح.

وهو من الأحاديث التي تَراجَع عن تصحيحها العَلَّامة الألباني، واستُنكِر على النووي وابن حجر والسيوطي.

ص: 101

2 -

قال الترمذي في «سُننه» رقم (1073): حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا واللهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ عَزَّى مُصَابًا، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» .

• قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ مَوْقُوفًا، وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَيُقَالُ: أَكْثَرُ مَا ابْتُلِيَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ بِهَذَا الحَدِيثِ، نَقَمُوا عَلَيْهِ.

• تنبيه: علة هذا الخبر علي بن عاصم، وثَم متابعات فيها متروك أو وضاع أو يَسرق الحديث.

واستَنكَر الحديث الإمام أحمد والعُقيلي، وابن رجب في «علل الترمذي» وأورده بعض العلماء في الموضوعات.

• وقال ابن الجوزي في «التحقيق في مسائل الخلاف» (2/ 22): وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ لَا تَثْبُتُ.

• الخلاصة: انتهى شيخنا أبو عبد الله مع الباحث/ السيد بن بدوي بن محمد إلى ضعفهما.

ص: 102

‌صنع الطعام لأهل الميت

• ورد في صنع الطعام لأهل الميت خبر مرفوع وخبر موقوف:

أما المرفوع فمختلف فيه: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ»

(1)

.

• وأما الموقوف، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ

(2)

، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ، إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا،

أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ

(1)

في سنده خالد بن عُبيد، لا تطمئن النفس إلى تحسين حديثه: أخرجه الحُميدي (547)، وأحمد (1754)، وأبو داود (3132)، والترمذي (998)، وابن ماجه (1610)، والبزار (2245) وغيرهم، ثنا ابن عُيينة، عن جعفر بن خالد بن عُبيد بن سَيَّارة، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، به. وخالد بن عُبيد روى عنه جعفر بن خالد وعطاء، قال البخاري فيه مقارب الحديث كما في «العلل» للترمذي. وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال الترمذي: حسن صحيح. وصَحَّح إسناده الحاكم.

وانتهى شيخنا مع الباحث/ د عمرو بن عبد الهادي بتاريخ 19 ربيع الآخر 1443 هـ. موافق 24/ 11/ 2021 م: إلى ضعفه لأن خالد بن سيارة لم يوثقه كبير. ورغم ضعفه إلا أن كثيرا من الفقهاء يعملون به.

وله شاهد من حديث أسماء بنت عُميس رضي الله عنها، وفي سنده أُم عيسى الجزاز، مجهولة، أخرجه أحمد (26545)، وابن ماجه (1611) وغيرهما.

(2)

(اجتَمع) بالتذكير، ويَجوز أيضًا (اجتمعت) بالتأنيث؛ وذلك لأن الفاعل (النساء) اسم جَمْع، ومن ذلك قوله تعالى:{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} [يوسف: 30] فالتذكير على معنى الجَمْع، والتأنيث على معنى الجماعة.

ص: 103

مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ»

(1)

.

• وأورد البيهقي الدليلين تحت باب «ما يُهيأ لأهل الميت من الطعام» .

• وأما حديث جَرير بن عبد اللَّه البَجَلِيّ رضي الله عنه قال: «كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ» فضعيف

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري (5417)، ومسلم (2216).

(2)

ضعيف: أخرجه أحمد (6730) عن نصر بن باب.

وتابعه هُشيم في الصحيح عنه، كما عند ابن ماجه (1612) والطبراني في «المعجم الكبير» (2279) وغيرهما.

كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير س، به.

و (نصر بن باب) قال فيه الذهبي في «ميزان الاعتدال» (4/ 250): تَرَكه جماعة. وقال البخاري: يرمونه بالكذب. وقال ابن مَعِين: ليس حديثه بشيء. وقال ابن حِبان: لا يُحتج به. وقال أحمد بن حنبل: ما كان به بأس، إنما أنكروا عليه حين حَدَّث عن إبراهيم الصائغ.

وهُشيم بن بَشير مدلس، وقد عنعن.

وخالفهما عَبَّاد بن العوام فقال: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: يُعَدِّدُونَ الْمَيِّتَ - أَوْ قَالَ: أَهْلَ الْمَيِّتِ - بَعْدَمَا يُدْفَنُ؟ - شَكَّ إِسْمَاعِيلُ - قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «كُنَّا نَعُدُّهَا النِّيَاحَةَ» ولم يَذكر الطعام والاجتماع من النياحة، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (2278): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، به، وإسناده صحيح.

وقال أبو داود كما في «مسائله» (1867) عن الرواية الأولى: زَعَمُوا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ شَرِيكٍ. قَالَ أَحْمَدُ: وَمَا أُرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلٌ.

وذكر الدارقطني في «علله» (13/ 463) الخلاف على هُشيم، وقد سُئل عن خالد بن القاسم المدائني الذي أَدْخَل شريكًا واسطة بين هُشيم وإسماعيل، فقيل له: ثقة؟ قال: لا أضمن لك هذا، جرحوه عن هشيم عن شريك عن إسماعيل.

ص: 104

• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ محمود بن أحمد بن عبد المنعم السجاعي الغرباوي

(1)

بتاريخ (12) شعبان (1441 هـ) الموافق (5/ 4/ 2020 م): معلول، شريك والمدائني كلاهما ضعيف، وإِنْ عَوَّل مُعَوِّل على متابعة نصر بن باب، فهو كذاب.

• فائدة: لم يَرِد نص في إعداد الطعام للمغتربين، وإنما يَدخل إطعامهم في واجب إكرام الضيافة.

(1)

وُلد بقرية نشيل، مركز قطور بمحافظة الغربية. سَجَّل رسالته الدكتوراه بعنوان:«جرائم المحمول وطرق الوقاية منها» .

ومن أشهر طرق العلاج الوقائية:

1 -

نَشْر الوعي الديني لتقوية الإيمان.

2 -

التثبت والتحقق من الرسائل التي تُنشر.

ومن أشهر طرق العلاج:

1 -

معاقبة الجاني بما يتناسب معه.

2 -

قيام الدولة بتصنيع أجهزة هواتف المحمول حتى تَقطع الطريق على الدول المتجسسة.

ص: 105

‌زيارة النساء للمقابر

• ورد في الباب أخبار منها ما أخرجه مسلم رقم (974) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدِّثُ فَقَالَتْ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنِّي، قُلْنَا: بَلَى، ح وحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ، حَجَّاجًا الْأَعْوَرَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ - رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ، فَقَالَ:«مَا لَكِ؟ يَا عَائِشُ، حَشْيَا رَابِيَةً» قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، قَالَ:«لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: «فَأَنْتِ السَّوَادُ

الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟»

ص: 106

قُلْتُ: نَعَمْ، فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي، ثُمَّ قَالَ:«أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟» قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، نَعَمْ، قَالَ:" فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِي، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ، فَأَجَبْتُهُ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ "، قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ " قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ ".

وتابع هارون بن سعيد اثنان: هارون بن معروف كما عند ابن شبة في «تاريخ المدينة» .

وسليمان بن داود كما عند النسائي في «الكبرى» (8861) بلفظ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: أَلَا أُحَدِّثَكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنِّي؟ قُلْنَا: بَلَى قَالَتْ: «لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي انْقَلَبَ فَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَوُضِعَ رِدَاءَهُ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، وَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنِّي قَدْ رَقَدْتُ، ثُمَّ انْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ رُوَيْدًا، فَخَرَجَ وَأَجَافَهُ رُوَيْدًا، وَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي، وَانْطَلَقْتُ فِي أَثَرِهِ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ انْحَرَفَ وَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، وَأَحْضَرَ وَأَحْضَرْتُ، وَسَبَقْتُهُ، فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ، فَدَخَلَ» فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا عَائِشُ رَابِيَةً؟» قَالَ سُلَيْمَانُ: حَسِبْتُهُ قَالَ: «حَشْيَا» قُلْتُ: لَا شَيْءَ قَالَ:

ص: 107

«لَتُخْبِرِنِّي، أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ قَالَ: «أَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟» قُلْتُ: نَعَمْ قَالَتْ: «فَلَهَدَنِي لَهْدَةً فِي صَدْرِي أَوْجَعَنِي» قَالَ: أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ قَالَتْ: «مَهْمَا يَكْتُمُ النَّاسُ فَقَدْ عَلِمَهُ اللهُ» قَالَ: «نَعَمْ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ، وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ فَنَادَانِي، وَأَخْفَى مِنْكِ وَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَأَسْتَغْفِرَ لَهُمْ» .

ورواه عبد الرزاق تارة عن ابن جريج أخبرنا محمد بن قيس كما في «المصنف» (6819) وتارة بإثبات واسطة هو عبد الله بن كثير كرواية ابن وهب كما عند ابن حبان «صحيحه» (7110).

ورواه حجاج الأعور عن ابن جريج عن عبد الله رجل من قريش عن محمد بن قيس به أخرجه أحمد. فبان بذلك ما ابهمه مسلم بقوله: (حدثني من سمع حجاجا) فلعله أخذه من الإمام أحمد ولم يسمه ومما يدل على ذلك؛ موافقة لفظ أحمد لما أورده مسلم، وكونه زمن فتن.

وخالف الإمام أحمد يوسف بن سعيد فأبدل عبد الله رجل من قريش بابن أبي مليكة أخرجه النسائي. وخطأ هذا الطريق الجياني في «تقييد المهمل» (3/ 800) والعطار في «غرر الفوائد» (146).

وتابع محمد بن كثير عطاء بن يسار ببعض المتن أخرجه مسلم رقم (974) من طريق شَرِيكٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ

اللَّيْلِ

ص: 108

إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا، مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا، إِنْ شَاءَ اللهُ، بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللهُمَّ، اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ»

• والخلاصة: يرى الباحث صحة هذا الخبر لأمور:

1 -

أن ابن وهب قد توبع من عبد الرزاق عن ابن جريج حدثني محمد بن قيس. فهذا ينفي ما يرد على عبد الله بن كثير من إشكال.

2 -

عبد الله رجل من قريش الذي في رواية حجاج هو عبد الله بن كثير بن المطلب الذي في رواية ابن وهب كما نقل عن الدارقطني في «شرح النووي» والجياني في «تقييد المهمل» وثم خلاف طويل في ترجمته هل هما اثنان أو واحد وعلى كونه واحدا فقد روى عنه جمع وأخرج له مسلم وابن حبان وذكره في الثقات وقال ابن حجر في «التقريب» مقبول. وفي «فتح الباري» : ثقة.

3 -

متابعة ابن أبي مليكة لولا طعن العلماء فيها.

• وانتهى شيخنا مع الباحث/ عاطف بن رشدي بتاريخ 8 ربيع الآخر 1443 موافق 13/ 11/ 2021 م إلى أن الخلاف في الإسناد فني. مع التنبيه أن هذا الخبر حدث مرة بينما في رواية شريك يفيد التكرار ففيه: «كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» فمستنكرة.

بينما عرضه من قبل الباحث سمير قريش ويجنح إلى الضعف.

وعرضه كذلك الباحث محمود بن أبي زيد وانتهى إلى صحة سند النسائي.

الحديث الثاني في زيارة المقابر: ما أخرجه الترمذي في «سننه» رقم (1055) - حَدثنا الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: حَدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ

بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَ عَبدُ الرَّحمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بالحُبْشِيّ، قَالَ: فَحُمِلَ

ص: 109

إِلَى مَكَّةَ، فَدُفِنَ بهَا، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ أَتَتْ قَبْرَ عَبدِ الرَّحمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ:

وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً

مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا

وعشنا بخير في الحياة وقبلنا

أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا

فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا

لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا

ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ لَوْ حَضَرْتُكَ مَا دُفِنْتَ إِلاَّ حَيْثُ مُتَّ، وَلَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ.

خالف عيسى بن يونس ثلاثة فاقتصروا على الزيارة دون أبيات الشعر وما بعدها. وهم:

1 -

عبد الرزاق في «مصنفه» 2 - والثوري 3 - ومحمد بن جعشم كلاهما في «أخبار مكة» .

وروايتهم أرجح؛ لكثرتهم وأما عنعنة ابن جريج فقد صرح بها في رواية عبد الرزاق وابن جعشم.

وتابع هؤلاء الثلاثة على عدم ذكر الشعر وما بعده متابعة قاصرة أيوب عن ابن أبي مليكة أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي وزاد في متنه: أنها صلت عليه. وإسنادها صحيح.

وتابع عيسى بن يونس على زيادة الشعر وما بعده متابعة قاصرة عبد الله بن عمرو بن علقمة عن ابن أبي مليكة أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» بإسناد ظاهره الصحة لأن عمرو بن علقمة محتملة في ابن أبي مليكة.

• والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ عاطف بن رشدي بتاريخ 20 ربيع أول 1443 موافق 26/ 10/ 2021 م: إلى صحته واغتفار عنعنة ابن جريج لأنه من أصحاب بن أبي مليكة.

ص: 110

• تنبيه: ضعفه الشيخ الألباني في غير موطن بعنعنة ابن جريج واستنكار لفظة (لو شهدتك ما زرتك).

• تنبيه: وفي الباب عموم إذنه صلى الله عليه وسلم واستئذانه ربه في زيارة قبر أمه.

ص: 111

‌كتاب الزكاة

(1)

‌فضل الصدقة

• ورد في فضل الصدقة أدلة كثيرة منها في فضل مضاعفتها والخلف على باذليها قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261] وقوله جل ذكره: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]

ومن السنة المباركة ما يلي:

1 -

قال الإمام مسلم رقم (1014) وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ» .

• تابع الليث ابن أبي ذئب أخرجه ابن خزيمة.

(1)

الزكاة تزكية ونماء وبركة وطهرة وهي في الشرع كما قال الماوردي في «الحاوى الكبير» (1/ 135): اسْمٌ صَرِيحٌ لِأَخْذِ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ، عَلَى أَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ.

ص: 112

وخالفهما عبيد الله بن عمر فاقتصر على: «فتربوا» .

ورواه ابن عجلان واختلف عليه فرواه عنه ابن عيينة بلفظ: «كأنما يضعها في كف الرحمن» .

وخالفه اثنان:

1 -

يحيى بن سعيد 2 - بكر بن مضر كلفظ عبيد الله.

وثم خلافات في الألفاظ.

• الخلاصة: أن إثبات صفة اليد هذا الخبر لا إشكال فيه إنما الإشكال أين تنمو الصدقة ففي طريق الليث بن سعد عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عن سعيد بن يسار

(1)

: «فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ» وأخرجها مسلم.

وفي رواية معمر كما في «جامعه» رقم (20050) - عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَصَدَّقَ بِطَيِّبٍ تَقَبَّلَهَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَخَذَهَا بيمينه ورباها كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ، أَوْ فَصِيلَهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَصَدَّقُ بِاللُّقْمَةِ، فَتَرْبُو فِي يَدِ اللَّهِ - أَوْ قَالَ: فِي كَفِّ اللَّهِ - حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ، فَتَصَدَّقُوا» ورواية معمر متكلم فيها عن أيوب.

• وانتهى شيخنا مع الباحث/ سيد بن عبد العزيز إلى شذوذ «فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ»

ولم يقف الباحث على أحد حكم بشذوذها.

(1)

عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد: لم يذكر أين تربوا ولا صفة الكف.

ص: 113

2 -

قال الإمام أحمد رقم (24240) - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، ذَبَحُوا شَاةً، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَقِيَ إِلَّا كَتِفُهَا؟ قَالَ:«كُلُّهَا قَدْ بَقِيَ إِلَّا كَتِفَهَا» وأخرجه الترمذي (2638) وقال: حسن صحيح.

وتابع سفيان وهو الثوري إسرائيل أخرجه الحاكم (7286) وابن عدي في «الكامل» (2703) في مفاريد إسرائيل.

وتابع أبا ميسرة مسروقٌ أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (9908) وفي سنده يحيى بن عيسى قال ابن معين: لا يكتب حديثه. وابن عدي: لا يتابع عليه. وقال النسائي: ليس بالقوي. وأحسن الثناء عليه أحمد ووثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو معاوية الضرير: اكتبوا عنه. وقال ابن حجر: صدوق يخطيء.

• والخلاصة: أن سند أحمد والترمذي صحيح وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني ذكره البخاري في التابعين ووثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو عمر بن عبد البر: كان من فضلاء أصحاب ابن مسعود. وقال الذهبي: فاضل عابد حجة. ا هـ. وتوفي (سنة 63) وعائشة رضي الله عنه (57) فالسماع محتمل بقوة. بينما كتب شيخنا مع الباحث/ سيد بن الدكروني عبده بتاريخ 16/ محرم 1443 موافق 24/ 8/ 2021 م: هل راجعت العلل. هل أعل بالوقف. لماذا أورده ابن عدي في الكامل وبماذا عقب؟

ثم عرضه الباحث بتاريخ الأربعاء 24 محرم 1443 هـ موافق 1/ 9/ 2021 م فقال: احكم على السند.

ص: 114

3 -

قال الطبراني في «المعجم الكبير» (10/ 157) رقم (10196) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْقَطِرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ» .

تابع علي بن أبي طالب البزاز إسحاق بن كعب الأنطاكي أخرجه الحاكم (6689) وتابعهما محمد بن عبيد المحاربي أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (691). ومداره على موسى بن عمير وهو متروك.

وقال البيهقي: تفرد به موسى بن عمير وإنما يعرف هذا المتن عن الحسن البصري عن النبي مرسلا.

وله شاهد من حديث أبي أمامة أخرجه البيهقي في «الشعب» رقم (3279) وفي سنده فضالة بن جبير صاحب مناكير.

• وله شاهد آخر من حديث سمرة بن جندب أخرجه البيهقي في «الشعب» (3280) وفي سنده غياث بن كلوب الكوفي مجهول.

وورد عن الحسن مرسلا أخرجه أبو داود في «مراسيله» رقم (105).

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث سيد بن الدكروني بن عبده بتاريخ 3 ذي الحجة 1442 موافق 13/ 7/ 2021 م: إلى ضعفه.

4 -

قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (2588) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ،

ص: 115

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» .

• انتهى شيخنا مع الباحث/ وليد بن خليل بتاريخ 15 ربيع أول 1443 موافق 21/ 10/ 2021 م: إلى تحسينه وتقديم رواية الجماعة على مالك لأنه كان إذا شك قصر.

ص: 116

‌اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى

• قال البخاري في «صحيحه» رقم (1429) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ، وَالتَّعَفُّفَ، وَالمَسْأَلَةَ:«اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، فَاليَدُ العُلْيَا: هِيَ المُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى: هِيَ السَّائِلَةُ»

وأخرجه مسلم رقم (1033) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ نَافِعٍ به.

• الخلاصة: قال أبو داود في «سننه» (1648): اخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُتَعَفِّفَةُ، وَقَالَ: أَكْثَرُهُمْ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ، وَقَالَ وَاحِدٌ عَنْ حَمَّادٍ: الْمُتَعَفِّفَةُ.

• وقال ابن حجر في «فتح الباري» (3/ 297): لَكِنِ ادَّعَى أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّانِيُّ فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّأِ أَنَّ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدًا لِذَلِكَ ثُمَّ وجدت في كتاب العسكري في الصحابة بإسناد له فيه انقطاع عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اليد العليا خير

من

ص: 117

اليد السفلى ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة ولا العليا إلا المعطية» فهذا يشعر بأن التفسير من كلام بن عمر ويؤيده ما رواه بن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن بن عمر قال كنا نتحدث أن العليا هي المنفقة.

وقال: (3/ 297): فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية وأن السفلى هي السائلة وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور

• وقال شيخنا مع الباحث/ سيد بن عبد العزيز الشرقاوي بتاريخ 8 ربيع الآخر 1443 موافق 13/ 11/ 2021 م: وإن كان التفسير صحيحا إلا أنه عند ابن أبي شيبة من طريق وكيع أنه من ابن عمر

(1)

وأيد الباحث كلامه بنقل عالمين.

(1)

أخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (11000) - حَدَّثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:«كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُتَعَفِّفَةُ» .

ص: 118

‌حكم الزكاة

• فريضة بالكتاب والسنة والإجماع

(1)

:

1 -

أما الآيات فتعدد الأمر فيها بإيتاء الزكاة ومن ذلك قول الحق تبارك وتعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56].

2 -

وأما السنة فمنها: حديث ابن عمر

(2)

وابن عباس

(3)

وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم

(4)

.

(1)

فرضت الزكاة بعد فرض الصيام كما سيأتي في خبر قيس بن سعد رضي الله في وجوب زكاة الفطر أما ابن كثير فقال في «تفسيره» (5/ 462 (: قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} : الأكثرون على أن المراد بالزكاة هاهنا زكاة الأموال، مع أن هذه [الآية] مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة. والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبا بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].

(2)

أخرج البخاري رقم (25) ومسلم رقم (22) واللفظ للبخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» .

(3)

أخرج البخاري (1485) ومسلم (19) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رضي الله عنه عَلَى اليَمَنِ، قَالَ:«إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ» .

(4)

أخرج البخاري رقم (46) ومسلم (11) عن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» . فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَصِيَامُ رَمَضَانَ» . قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» . قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» . قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» .

ص: 119

وما أخرجه البخاري (1453): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ، أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الحِقَّةُ، وَعِنْدَهُ الجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ

ص: 120

بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ».

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث بتاريخ (12) رجب (1441 هـ) الموافق (7/ 3/ 2020 م).

تُكلم في هذا الخبر من وجهين:

الكلام في سماع ثُمامة من أنس، فنفاه ابن مَعِين

(1)

وأثبته البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 177) فقال: سَمِعَ أَنسًا. وهكذا في الرواية هنا (حدثه) وروايته عن أنس في صحيح مسلم كذلك.

حال عبد الله بن المُثَنَّى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، وأنه أقرب إلى الضعف.

وأجيب أن الأُولى بأنه كتاب وعن الثانية بالمتابعة.

فقد أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (1567): حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد

(2)

قال: أخذتُ من ثُمَامة بن عبد الله بن أنس كتابًا، زعم أن أبا بكر كتبه لأنس، وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه مصدقًا، وكَتَبه له، فإذا فيه: «هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين

» مطولًا.

(1)

في «الكامل» (3/ 20): قيل ليحيى بن مَعين، وهو حاضر: فحديث ثمامة عن أَنَس، قال: وجدت كتابا في الصدقات؟ قال: لا يصح، وليس بشَيءٍ، ولا يصح في هذا حديث في الصدقات.

وقال ابن حجر في «هدي الساري» (ص: 394): قيل: إنه لم يأخذه عن أنس سماعا وقد بينا أن ذلك لا يقدح في صحته احتج به الجماعة.

(2)

هو ابن سلمة.

ص: 121

الباحث/ هاني الدميري لأن مالكًا لم يَعمل به. بتاريخ (12) رجب (1441 هـ) الموافق (7/ 3/ 2020 م).

ثم قرر النتيجة السابقة مع الباحث محمد بن باسم بتاريخ 29 من ذي الحجة 1442 موافق 8/ 8/ 2021 م: وزاد أن موسى بن إسماعيل أرجح بإسقاط عامر شيخ حماد بن سلمة؛ لأنه من أثبت الناس في حماد وهذا الخبر من باب المكاتبة وإذا تأكدنا من صحتها قبلت. ولفظة: (وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست في طريق البخاري.

وأما الإجماع على وجوب الزكاة فنقله ابن المنذر في «الإجماع» (ص/ 56) وغيره.

ص: 122

‌حكم زكاة الحُلي

• اختُلف فيها على خمسة أقوال، أشهرها الوجوب وعدمه.

ودليل المنع ضعيف، وصح عن جماعة من الصحابة، وبه قالت المالكية، وهو قول الشافعي في القديم، ورواية عن الإمام أحمد.

وأدلة الوجوب: أقواها العموم، وثَم عدد من الأخبار، أقواها ما ورد من سلسلة عمرو بن شُعَيْب عن أبيه عن جَده.

وبه قالت الأحناف، وهو رواية عن أحمد، وإشارة عن الشافعي في الجديد.

وبه قال الشيخ الشنقيطي، والعَلَّامة ابن باز، والمُحَدِّث الألباني، والفقيه ابن عثيمين رحمهم الله.

• هذا الإجمال، وإليك التفصيل:

القول الأول: الوجوب للعمومات، ومنها:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34]

• وأخرج مالك في «موطئه» رقم (886):

• عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنِ الْكَنْزِ مَا هُوَ، فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ. وإسناده صحيح.

• وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، إِلَّا أُحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبِينُهُ

ص: 123

حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ».

أخرجه البخاري (1403)، ومسلم (987) من طريق أبي صالح.

وفي رواية لمسلم رقم (987) من طريق زيد بن أسلم عن أبي صالح، به.

وفيه: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» .

• ومن الأدلة الخاصة:

• عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ - زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ

(1)

، فَقَالَ:«مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟» ، فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟» قُلْتُ: لَا، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ. قَالَ:«هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ» .

أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (1351)، وفي سنده يحيى بن أيوب الغافقي.

وصح عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت لا تُخْرِج زكاة حُلي بنات أخيها، كما عند مالك في «الموطأ» رقم (10).

(1)

أَيْ: الْخَوَاتِيمَ الْكِبَار التِي كَانَتِ النِّسَاء يَتَخَتَّمْنَ بِهَا، وَالْوَاحِدَةُ فَتْخَةٌ. كما في «عون المعبود شرح سُنن أبي داود» (4/ 428).

ص: 124

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ:«مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ، فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» .

أخرجه أبو داود (1564).

وفي سنده أكثر من علة، منها الانقطاع بين (عطاء) و (أُم سلمة).

• عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالَتِي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَيْهَا أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَنَا:«أَتُعْطِيَانِ زَكَاتَهُ؟» قَالَتْ: فَقُلْنَا: لَا. قَالَ: «أَمَا تَخَافَانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللهُ أَسْوِرَةً مِنْ نَارٍ؟ أَدِّيَا زَكَاتَهُ» .

وفي سنده شهر بن حَوْشَب ضعيف. و (ابن خُثَيْم) مُختلَف فيه.

• عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِطَوْقٍ فِيهِ سَبْعُونَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، خُذْ مِنْهُ الْفَرِيضَةَ. فَأَخَذَ مِنْهُ مِثْقَالًا وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مِثْقَالٍ.

أخرجه ابن حِبان (30)، والدارقطني في «سُننه» (2/ 499).

وفي سنده أبو بكرٍ الهُذَلِيّ، متروك، ولم يأتِ به غيره.

وخَالَف أبا بكر الهُذَلي أبو حمزة ميمون، فقال:«فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ» وقال الدارقطني: متروك.

• عَنْ عَمْرِو بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ عَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنَ الذَّهَبِ عَظِيمٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَتُزَكِّي هَذَا؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا زَكَاةُ هَذَا؟ فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«جَمْرَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَيْهِ» .

أخرجه أحمد رقم (17556) وفي «السُّنن الكبرى» للبيهقي (6/ 323).

ص: 125

تَفرَّد به عمر بن عبد الله بن يعلى، وقد ضَعَّفه يحيى بن مَعِين، ورماه جرير بن عبد الحميد وغيره بشرب الخمر.

• ما أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (1563): حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ - الْمَعْنَى - أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ

(1)

غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا:«أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟» قَالَتْ: لَا. قَالَ: «أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟» قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَتْ: هُمَا لِلهِ عز وجل وَلِرَسُولِهِ.

• وتابع خالدَ بن الحارث اثنان:

حماد بن أسامة، أخرجه الدارقطني في «سُننه» (1982).

محمد بن أبي عَدي، أخرجه القاسم بن سَلَّام في «الأموال» (1260).

• خالف الثلاثةَ مُعتمِر بن سليمان فأرسله، أخرجه النَّسَائي (2271) وقال في «السُّنن الكبرى» (3/ 27): وكذا «تحفة الأشراف» : خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنَ الْمُعْتَمِرِ، وَحَدِيثُ الْمُعْتَمِرِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

بينما قال في «المُجتبَى» : خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنَ الْمُعْتَمِرِ.

• ورواية الجماعة عن حسين أصح؛ لأمرين:

كثرتهم وقوتهم.

ب - قد توبعوا متابعة قاصرة من جماعة من الضعفاء، وهم:

(1)

بفتح الميم وفتح السين المهملة، والواحدة مَسَكة، وهي الأسورة والخلاخيل. كما في «سُبُل السلام» (2/ 135).

ص: 126

الحَجاج بن أرطأة، كما عند أحمد (6932) وغيره.

وابن لَهيعة والمُثَنَّى بن الصَّبَّاح، كما عند الترمذي (637): وقال لا يصح في الباب شيء.

بينما تَعقَّبه ابن حجر، فقال في «التلخيص» (2/ 385) قال: وحسين عن عمرو ثقة، وفيه رَدٌّ على الترمذي حيث جَزَم بأنه لا يُعْرَف إلا من حديث ابن لَهيعة والمُثَنَّى بن الصَّبَّاح، وقد تابعهم حَجاج بن أرطأة.

• وكَتَب شيخنا مع الباحث/ سامح بن سعيد الجرجاوي: إسناده حسن، والكلام على رواية عمرو بن شُعَيْب عن أبيه عن جَده - معروف.

وقد ذَكَره بعض العلماء فيما يؤخذ على عمرو بن شُعَيْب.

ثم أكد هذه النتيجة مع الباحث محمود بن مسعود السكندري بتاريخ 22 ربيع 1443 موافق 28/ 10/ 2021 م.

• قلت: وأورده ابن حِبان في «المجروحين» (1/ 608) من طريق ابن لَهيعة، وقال: في نسخة كتبناها عنه طويلة لا يُنكِر مَنْ هذا الشأن صناعته أن هذه الأحاديث موضوعة أو مقلوبة. وابن لَهيعة ممن قد تبرأنا من عهدته في موضعه من هذا الكتاب.

• وقال البيهقي في «معرفة السُّنن» (6/ 142): حسينٌ المُعَلِّم أوثق من الحَجاج.

غير أن الشافعي رحمه الله كان كالمتوقف في روايات عمرو بن شُعيب إذا لم ينضم إليها ما يؤكدها؛ لِما قيل في رواياته عن أبيه عن جده: «إنها من صحيفة كَتَبها عبد الله بن عمرو» .

ص: 127

وقد ذَكَرنا في (كتاب الحج) وغيره ما يدل على صحة سماع عمرو من أبيه من جَده عبد الله بن عمرو بن العاص، والله أعلم.

وورد بأسانيد ضعيفة عن عمر، وابن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وعائشة، رضي الله عنهم.

• وذهب إلى الوجوب: الأحناف، كما في «شرح مختصر الطحاوي» للجَصَّاص (2/ 313):(والزكاة واجبة في الذهب والفضة كيفما وُجِدا، من حُلي وغيره).

• وقال الماوردي في «الحاوى الكبير» (3/ 581): أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِهِ أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ.

• وقال ابن قُدامة في «المغني» (4/ 220): ذَكَر ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى، أنه فيه الزكاة.

• وقال ابن حزم في «المُحَلَّى» (6/ 75): الزكاة واجبة في حُلي الفضة والذهب إذا بَلَغ كل واحد منهما المقدار الذي ذكرنا، وأتم عند مالكه عامًا قمريًّا.

وقال الشنقيطي في «أضواء البيان» (2/ 134): إخراج زكاة الحُلي أحوط؛ لأن مَنْ اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه. «دَعْ مَا يَرِيبُكَ، إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» والعلم عند الله تعالى.

• وقال الشيخ الألباني بالوجوب، كما «الصحيحة» رقم (6/ 1185).

ص: 128

• وقال الشيخ ابن باز في «مجموع فتاوى» (14/ 84):

باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد:

فقد تَكرَّر السؤال من كثير من الناس عن حُكم زكاة الحُلي من الذهب والفضة، وما ورد في ذلك من الأدلة.

ولتعميم الفائدة أجبتُ بما يلي، والله المُوفِّق والهادي إلى الصواب:

لا ريب أن هذه المسألة من مسائل الخلاف بين أهل العلم من الصحابة ومَن بعدهم.

وقد دل الكتاب والسُّنة على وجوب رد ما تَنازَع فيه الناس إلى كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم عملًا بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} .

وإذا رددنا هذه المسألة إلى الكتاب والسُّنة، وجدناهما يدلان دلالة ظاهرة على وجوب الزكاة في حُلي النساء من الذهب والفضة، وإن كان هذا للاستعمال أو العارية، وسواء كانت قلائد أو أسورة أو خواتيم أو غيرها من أنواع الذهب والفضة.

ومِثل ذلك: ما تُحَلَّى به السيوف والخناجر من الذهب والفضة، إذا كان الموجود من ذلك نصابًا، أو كان عند مالكه من الذهب أو الفضة أو عروض التجارة ما يُكمِّل النصاب.

وهذا القول هو أصح أقوال أهل العلم في هذه المسألة

اهـ.

ص: 129

• وقال ابن عثيمين في «مجموع فتاويه ورسائله» (18/ 124): هذا نص صريح في وجوب الزكاة في الحُلي.

وهذا الحديث يقول فيه الحافظ ابن حجر في «بلوغ المرام» : «إن إسناده قوي، وله شاهد من حديث عائشة وأم سلمة، رضي الله عنهما» .

وإذا كان سنده قويًّا وله شواهد تُعضِّده، وعمومات أخرى في «الصحيحين» بل في القرآن تُعضِّده، لم يَبْقَ إشكال في وجوب زكاة الحُلي.

• أما القول الثاني - عدم الوجوب - فدليله:

عن أبي الزُّبَيْر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ليس في الحُلي زكاة» .

وسنده ضعيف؛ لضَعْف عافية بن أيوب

(1)

، وقد أُعِل بالوقف

(2)

.

(1)

في «لسان الميزان» (4/ 375): عافية بن أيوب. روى عن الليث بن سعد. تكلم فيه ما هو بحجة وفيه جهالة. انتهى.

وقال ابن الجوزي: لما أخرج حديثه في زكاة الحلي في التحقيق قالوا: عافية ضعيف ما عرفنا أحدا طعن فيه قالوا: الصواب موقوف. قلنا: الراوي قد يسند وقد يفتي.

وتعقبه ابن عبد الهادي: الصواب وقفه. وعافية لا نعلم أحدا تكلم فيه.

وقال المنذري: لم يبلغني فيه ما يوجب تضعيفه.

وقد نقل ابن أبي حاتم، عَنْ أبي زرعة أنه قال فيه: ليس به بأس.

وقال البيهقي: مجهول. وإنما يروى، عَنْ جَابر من قوله.

وذكر ابن ماكولا في الإكمال: أنه روى عنه حيوة بن شريح وسعيد بن عبد العزيز ومالك بن أنس وجماعة وآخر من روى عنه بحر بن نصر كذا فيه وهو يقتضي أن يكون له رواة غير بحر فليس هذا بمجهول.

وروى حديث الحلي عنه إبراهيم بن أيوب.

(2)

انظر «تنقيح التحقيق» (3/ 66).

ص: 130

وصح موقوفًا عن أربعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهم: جابر، وابن عمر، وعائشة، وأسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهم.

• تنبيه:

لفظ جابر محتمل الإخراج في الكثرة.

وهل في أثر ابن عمر أن حليهن بلغ النصاب أو لا؟ فالأثر لا يفيد، لكن العُرْف في مهر بنات ابن عمر قد يفيد.

• وبه قال مالك كما في «المدونة» (1/ 305): فِي كُلِّ حُلِيٍّ هُوَ لِلنِّسَاءِ اتَّخَذَتْهُ لِلُّبْسِ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِنَّ فِيهِ.

قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اتَّخَذَتْ حُلِيًّا تُكْرِيهِ فَتَكْتَسِبُ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ، مِثْلَ الْجَيْبِ وَمَا أَشْبَهَهُ، تُكْرِيهِ لِلْعَرَائِسِ لِذَلِكَ عَمِلْتُهُ؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ.

• وقال الشافعي في القديم في «الأم» (2/ 44): قَدْ قِيلَ فِي الْحُلِيِّ صَدَقَةٌ. وَهَذَا مَا أَسْتَخِيرُ اللهَ عز وجل فِيهِ.

(قَالَ الرَّبِيعُ) قال الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ.

• وقال أبو داود في «مسائله» (ص: 114): قال أحمد: الحُلي ليس عندنا فيه زكاة.

• تنبيه: سبقت رواية بالوجوب، وهذه بعدم الوجوب، وثَم رواية:«زكاته: عاريته» .

• الخلاصة: انتهى شيخنا معي، ثم مع الباحث/ سامح بن سعيد الجرجاوي، إلى القول بالوجوب، وهو أحوط. وهو كذلك.

ص: 131

• فائدة:

• قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (9/ 75) رقم (12499): أَجْمَعُوا أن لا زكاة في الحُلي إذا كان جوهرًا أو ياقوتًا لا ذهب فيه ولا فضة، إلا أن يكون للتجارة، فإن كان للتجارة وكان مختلطًا بالذهب أو الفضة عُرف وزن الذهب والفضة وزُكي، وقُوم الجوهر المدير عند رأس كل حول، عند مالك وأكثر أصحابه، مع سائر عروض تجارته، وإن كان غير مدير زكاها حين يبيعها.

ونَقَله ابن قُدامة في «المغني» (6/ 2).

ص: 132

‌هل يشترط في تصدق الزوجة إذن زوجها

• قال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]

قال البيهقي في «السنن الكبرى» رقم (11333) أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنبأ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا أَبُو كَامِلٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» .

• الخلاصة: ظاهر إسناده الحسن لكن المتن مخالف لنصوص كحض النبي صلى الله عليه وسلم النساء على الصدقة يوم العيد ففي البخاري (863) ومسلم (885) ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: شَهِدْتَ الخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلَا مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ - يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ - «أَتَى العَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ، وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُهْوِي بِيَدِهَا إِلَى حَلْقِهَا، تُلْقِي فِي ثَوْبِ بِلَالٍ، ثُمَّ أَتَى هُوَ وَبِلَالٌ البَيْتَ» .

وحديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ،

» أخرجه مسلم (1024) وحديث أَسْمَاءَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ» أخرجه البخاري (1433).

ص: 133

وقال البيهقي قال الشافعي في «السنن الكبرى» (6/ 100): يَعْنِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ: سَمِعْنَاهُ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، فَيَلْزَمُنَا نَقُولُ بِهِ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، ثُمَّ السُّنَّةُ، ثُمَّ الْأَثَرُ، ثُمَّ الْمَعْقُولُ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ، وَالرَّبِيعُ: قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي مَوْضِعِ الِاخْتِيَارِ، كَمَا قِيلَ: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَصُومَ يَوْمًا وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ فَصَوْمُهَا جَائِزٌ، وَإِنْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَبَاعَتْ فَجَائِزٌ، وَقَدْ أَعْتَقَتْ مَيْمُونَةُ رضي الله عنها قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَدَلَّ هَذَا مَعَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِنْ كَانَ قَالَهُ، أَدَبٌ وَاخْتِيَارٌ لَهَا قَالَ الشَّيْخُ: الطَّرِيقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ صَحِيحٌ، وَمَنْ أَثْبَتَ أَحَادِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ لَزِمَهُ إِثْبَاتُ هَذَا، إِلَّا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي مَضَتْ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ أَصَحُّ إِسْنَادًا، وَفِيهَا وَفِي الْآيَاتِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله دَلَالَةٌ عَلَى نُفُوذِ تَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا دُونَ الزَّوْجِ؛ فَيَكُونُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَحْمُولًا عَلَى الْأَدَبِ وَالِاخْتِيَارِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. بتاريخ 9/ رمضان 1442 موافق 20/ 4/ 2021 م.

ص: 134

‌مقدار زكاة التمر بالنص والإجماع

• أما النص، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ»

(1)

.

• وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ»

(2)

.

(الوسق) مكيلة معلومة، وهي سِتون صاعًا

(3)

إذًا (60) في (5) =300 صاع في (4) أمداد= 1200 مُدّ.

(1)

أخرجه البخاري (1459) ومسلم (979).

(2)

صحيح لغيره: أخرجه مسلم (980) في الشواهد من طريق ابن وهب، أخبرني عِيَاض بن عبد الله، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، به.

وعِيَاض بن عبد الله بن عبد الرحمن بن مَعْمَر القرشي الفِهْري، روى عنه أربعة، وقد قال فيه أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن عَدِيّ: حديثه غير محفوظ. وقال الساجي: روى عنه ابن وهب أحاديث فيها نظر. وثقه ابن حِبان وابن بشكوال، وإخراج مسلم له.

والخلاصة: أنه ضعيف لكنه يُعتبَر به. ويَشهد للخبر ما قبله.

فائدة: هناك عِيَاض بن عبد الله بن سعد بن أبى سَرْح القرشي العامري المكي، أعلى من هذا طبقة، ثقة وروايته في الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه في صدقة الفطر.

(3)

«المعجم الوسيط» (2/ 1032).

ص: 135

• وعن أبي حُمَيْدٍ الساعديّ رضي الله عنه قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَأَتَيْنَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةٍ لِامْرَأَةٍ

(1)

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اخْرُصُوهَا»

(2)

فَخَرَصْنَاهَا وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ أَوْسُقٍ

(3)

، وَقَالَ:«أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ، إِنْ شَاءَ اللهُ» وَانْطَلَقْنَا، حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا «كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا؟» فَقَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ

(4)

.

• وأما الإجماع، فقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الصدقة واجبة في الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب

(5)

.

(1)

قال البخاري عقب رقم (1482): كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهُوَ حَدِيقَةٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ يُقَلْ: حَدِيقَةٌ.

وفي «المصباح المنير» (1/ 125): الْحَدِيقَةُ: الْبُسْتَانُ يَكُونُ عَلَيْهِ حَائِطٌ، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ أَحْدَقَ بِهَا، أَيْ: أَحَاطَ.

ثُمَّ تَوَسَّعُوا حَتَّى أَطْلَقُوا الْحَدِيقَةَ عَلَى الْبُسْتَانِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَائِطٍ. وَالْجَمْعُ الْحَدَائِقُ.

(2)

في «المصباح المنير» (1/ 166): خَرَصْتُ النَّخْلَ خَرْصًا، مِنْ بَابِ (قَتَلَ): حَزَرْتُ تَمْرَهُ. وَالِاسْمُ: الْخِرْصُ، بِالْكَسْرِ.

(3)

أوسق: جَمْع وَسْق، جمع تكسير للقلة على وزن أَفعُل (بضم العين) جمع وَسْق (بفتح الواو) كفَلس وأفلس. ويُجمَع في الكثرة على وُسُوق كفَلس وفُلوس، وأتى بالجمع على (أوسق) ابن سِيده في «المُحْكَم» وانظر:«المصباح المنير» (م/ و س ق).

(4)

أخرجه البخاري (1481) ومسلم (1392).

(5)

«الإجماع» (ص: 56).

ص: 136

‌هل ثبت نص في زكاة العسل؟

• لم يثبت نص صريح في زكاة العسل ودونك البيان:

1 -

ابن عمر، أخرجه الترمذي (629): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيسِيُّ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي العَسَلِ: «فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزُقٍّ زِقٌّ» .

قال الترمذي: وَصَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ لَيْسَ بِحَافِظٍ، وَقَدْ خُولِفَ صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الحَدِيثِ، عَنْ نَافِعٍ.

وقال البخاري كما في «العلل الكبير» : هو عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وليس في زكاة العسل شيء يصح.

2 -

عن أبي هريرة، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (6891) وفي سنده عبد الله بن مُحَرَّر العامري متروك الحديث.

3 -

أبي سَيَّارة المُتْعِيّ، أخرجه ابن ماجه رقم (1813) وفي سنده سليمان بن موسى القرشي، صدوق، في حديثه بعض الاضطراب، وسُئل عنه البخاري فقال: هو حديث مرسل، سليمان لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

4 -

عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (1600): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْمِصْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي

ص: 137

مُتْعَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ، وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ: سَلَبَةُ، فَحَمَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ الْوَادِيَ.

فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه:«إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ، فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَأْكُلُهُ مَنْ يَشَاءُ» .

وتابع أبا داود المغيرةُ بن عبد الرحمن، أخرجه النَّسَائي (2499).

وتابع عمرَو بن الحارث عُبيد الله بن أبي جعفر، أخرجه ابن سَلَّام في «الأموال» (1051) وفي سنده ابن لَهيعة، ضعيف، ولفظه:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْخَذُ فِي زَمَانِهِ مِنْ قِرَبِ الْعَسَلِ، مِنْ عَشْرِ قِرَبَاتٍ قِرْبَةٌ مِنْ أَوْسَطِهَا» .

وتابعهما أسامة بن زيد الليثي، أخرجه أبو داود (1602) وابن ماجه (1824) وغيرهما.

• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن سيد الفشني، بتاريخ الخميس (4) مُحَرَّم (1443) الموافق (12/ 8/ 2021 م): إسناده حسن.

وقال ابن خُزيمة في «صحيحه» (3/ 138): قبل عرضه حديث عمرو بن شُعيب: إِنْ صَحَّ الخَبَرُ، فَإِنَّ فِي القَلْبِ مِنْ هَذَا الإِسْنَادِ

(1)

.

وقال الخَطَّابي في «معالم السُّنن» (2/ 43): في هذا دليل على أن الصدقة غير واجبة في العسل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أَخَذ العُشر من هلال المُتْعي، إذ كان قد جاء بها متطوعًا، وحَمَى له الوادي إرفاقًا ومعونة له، بدل ما أَخَذ منه، وعَقَل

(1)

استخدم ابن خزيمة هذا المصطلح هكذا وأحيانا يزيد: (شيئًا).

ص: 138

عمر بن الخطاب المعنى في ذلك، فكَتَب إلى عامله يأمره بأن يَحمي له الوادي إن أدى إليه العُشر، وإلا فلا.

• وقال ابن حجر في «فتح الباري» (3/ 348): قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ فِي الْعَسَلِ خَبَرٌ يَثْبُتُ وَلَا إِجْمَاعٌ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ: يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ أَرْضِ الْخَرَاجِ. وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ مُقَابِلُهُ قَوْلُ التِّرْمِذِيَّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَيْسَ فِي الْعَسَلِ شَيْءٌ.

ص: 139

‌تعجيل صدقة عامين

• قال البيهقي في «السُّنن الكبرى» (4/ 187) رقم (7367): أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّفَّاءُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ح وَأَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَذَكَرَ قِصَّةً فِي بَعْثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ رضي الله عنه سَاعِيًا، وَمَنْعِ الْعَبَّاسِ صَدَقَتَهُ، وَأَنَّهُ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا صَنَعَ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ:«أَمَا عَلِمْتَ يَا عُمَرُ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟ إِنَّا كُنَّا احْتَجْنَا فَاسْتَسْلَفْنَا الْعَبَّاسَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ»

(1)

.

وورد من حديث أبي رافع عند الدارقطني في «سُننه» (2014) وفي سنده إسماعيل بن مسلم، ضعيف.

وورد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه الطيالسي (1000) والبزار (1482) وغيرهما، وفي سنده محمد بن ذكوان، منكر الحديث وقد خولف.

(1)

منقطع بين أبي البَختري وعلي، كما في «السُّنن الكبرى» (4/ 187): وَفِي هَذَا إِرْسَالٌ بَيْنَ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وَعَلِيٍّ رضي الله عنه، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ عَنْهُ.

ص: 140

وورد مرسلًا عن ابن أبي مُلَيْكة وعطاء بن أبي رباح، أخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (1763) وفي سنده حَجاج بن أرطأة، متكلم فيه.

وثَم مُرسَل آخَر صحيح، أخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (2/ 919) رقم (1759): ثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ

(1)

، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الصَّدَقَاتِ. قَالَ: فَأَتَى عَلَى الْعَبَّاسِ، فَسَأَلَهُ صَدَقَةَ مَالِهِ. قَالَ: فَتَجَهَّمُهُ الْعَبَّاسُ وَكَانَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ. قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَشَكَا الْعَبَّاسَ إِلَيْهِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا عَلِمْتَ يَا عُمَرُ، أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟ إِنَّا كُنَّا تَعَجَّلْنَا صَدَقَةَ مَالِ الْعَبَّاسِ الْعَامَ عَامَ أَوَّلَ» .

وصَوَّب هذا المرسل أبو حاتم في «العلل» رقم (623)، والدارقطني في «علله» رقم (788).

• والخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ أحمد بكري: بمجموع الطرق يتقوى، وعليه عمل الكثيرين وهم الجمهور.

(1)

اختُلف على الحَكَم.

ص: 141

‌باب التعزير بالمال

• حَدِيثُ: «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنَ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ بِنْتُ لَبُونٍ، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ

(1)

عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ».

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (19536)، وَأَبُو دَاوُدَ (1575)، وَالنَّسَائِيُّ (2449)، وَالْحَاكِمُ (1/ 397)، وَالْبَيْهَقِيُّ (4/ 104) مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

• الخلاصة: أن ظاهر هذا السند الحُسْن. وكذا قال ابن المديني، كما في «تهذيب السُّنن» (4/ 435)، وابن حجر

(2)

، كما في «الكافي الشافي» (ص 221) وقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مَنْ دونَ بَهْزٍ ثِقَةً.

(1)

قال الشوكاني في «نَيْل الأوطار» (4/ 148): إن لفظة: (شُطِرَ ماله) بضم الشين المعجمة وكسر الطاء المهملة.

قلت (أبو أويس): وسياق الخبر يؤيد المبني للمعلوم.

(2)

وقال ابن حجر في ترجمة بهز بن حكيم في «فتح الباري» (13/ 355): وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ عِنْدِي حُجَّةٌ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَإِنِ اعْتَمَدَ مَنْ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ عَلَى هَذَا كَفَاهُ وَيُؤَيِّدُهُ إِطْبَاقُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ مُعَارِضًا رَاجِحًا وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِمُقْتَضَاهُ يُعَدُّ فِي نُدْرَةِ الْمُخَالِفِ.

ص: 142

بينما انتقده ابن حِبان في ترجمة بَهْز من «المجروحين» (1/ 279): كان بَهْز يخطئ كثيرًا، ولولا هذا الحديث لأدخلناه في الثقات، وهو ممن أستخير الله ? فيه.

• وقال الشافعي كما في «التلخيص الحبير» : هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَلَوْ ثَبَتَ لَقُلْنَا بِهِ

(1)

. وَكَانَ قَالَ بِهِ فِي الْقَدِيمِ.

• وَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ. فَسُئِلَ عَنْ إِسْنَادِهِ فَقَالَ: صَالِحُ الْإِسْنَادِ

إلخ

(2)

.

بَيْنَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: حَدِيثُ بَهْزٍ هَذَا مَنْسُوخٌ.

• وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الَّذِي ادَّعَوْهُ مِنْ كَوْنِ الْعُقُوبَةِ كَانَتْ بِالْأَمْوَالِ فِي الْأَمْوَالِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ - لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا مَعْرُوفٍ. وَدَعْوَى النَّسْخِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّارِيخِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مَا أَجَابَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي سِيَاقِ هَذَا الْمَتْنِ: لَفْظَةٌ وَهِمَ فِيهَا الرَّاوِي، وَإِنَّمَا هُوَ:(فَإِنَّا آخِذُوهَا مِنْ شَطْرِ مَالِهِ) أَيْ: تَجْعَلُ مَالَهُ شَطْرَيْنِ، فَيَتَخَيَّرُ عَلَيْهِ الْمُصَدِّقُ، وَيَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ خَيْرِ الشَّطْرَيْنِ عُقُوبَةً لِمَنْعِهِ الزَّكَاةَ. فَأَمَّا مَا لَا يَلْزَمُهُ فَلَا.

نَقَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي «جَامِعِ الْمَسَانِيدِ» عَنِ الْحَرْبِيِّ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(1)

في «السُّنن الكبير» (4/ 105): لا يُثبِت أهل العلم بالحديث أن تؤخذ الصدقة وشطر إبل الغالّ لصدقة. ولو ثَبَت قلنا به.

(2)

وانظر «السُّنن الكبير» (4/ 176).

ص: 143

• قال شيخنا مع الباحث/ محمد أبو عسكرية: سلسلة بهز بن حكيم هذه في الأصل حسنة، إلا أنها منتقدة في هذا الخبر.

ثم أكد هذه النتيجة مع الباحث/ محمد بن جمال بن خضر

(1)

في بحثه «مرويات بهز بن حكيم عن أبيه عن جده» بتاريخ 9 ذي القعدة 1442 موافق 19/ 6/ 2021 م.

• أثرٌ آخَر في التعزير بالمال، قال مالك في «الموطأ» (3/ 197) رقم (1905): عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، فَانْتَحَرُوهَا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَمَرَ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ، ثُمَّ قال عُمَرُ: إِنِّي أَرَاكَ تُجِيعُهُمْ، وَاللهِ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْكَ. ثُمَّ قال لِلْمُزَنِيِّ: كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِكَ؟ قال: أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ. قَالَ عُمَرُ: أَعْطِهِ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ.

وتابع مالكًا جعفر بن عون، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (17287).

وخالف هشامًا أبو الزناد، فزاد عبد الرحمن بن أبي حاطب بين يحيى وعمر رضي الله عنه، كما في «العلل» (1354) لابن أبي حاتم معلقًا. وقال أبو زُرْعَة عن رواية «الموطأ»: هي الصواب. وأيضًا في سنده عبد الرحمن بن أبي الزناد، ضعيف، وبخاصة في روايته عن أبيه، قاله ابن سعد، وتَكلَّم فيه مالك بن أنس بسبب روايته عن أبيه كتاب «السبعة» وقال: أين كنا نحن عن هذا؟!

(1)

ولد بقرية الطرفاية 2 التابعة لمركز الحامول حاصل على ليسانس آداب لغة عربية.

ص: 144

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ عزت بن عبد الجواد بن خلاف

(1)

إلى أنه منقطع؛ لِما قاله العلائي في «جامع التحصيل» رقم (878) يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة

(2)

قال ابن مَعِين: بعضهم يقول: سَمِع من عمر، وهذا باطل، إنما يَروي عن أبيه عن عمر رضي الله عنه.

• خبر ثالث قال عبد الرزاق في «مصنفه» (8/ 205) رقم (19535) - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ، فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ المَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ.

وخالف معمرًا الأوزاعي ومالك وسفيان بن عيينة فأسقطوا والد حرام - سعد بن محيصة -. و قال ابن حبان في «الثقات» (4/ 185): حرَام بْن سعد (ت/ 113 وهو ابن سبعين سنة) يرْوى قصَّة نَاقَة الْبَراء وَلم يسمع من الْبَراء وَقيل إِنَّه يروي عَنْ أَبِيه عَنْ الْبَراء (ت/ 72).

بينما قال الإمام الشافعي في «اختلاف الحديث» (8/ 814) عقبه: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ نَاقَةَ الْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَفْسَدَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَخَذْنَا بِهِ لِثُبُوتِهِ بِاتِّصَالِهِ

(1)

وُلد بقرية صفط الخمار، محافظة المنيا، بتاريخ (17/ 1/ 1983 م) يَعرض على شيخنا أحاديث متفرقة.

(2)

وُلد في خلافة عثمان رضي الله عنه، وتُوفي سنة (104).

ص: 145

وَمَعْرِفَةِ رِجَالِهِ، قَالَ: وَلَا يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثَ: «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» ، وَلَكِنَّ «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» جملة من الكلام العام المخرج الذي يراد به الخاص.

وقال ابن حجر في «الإصابة» (4/ 297): قال الذهلي، وأَبو داود في التفرد لم يتابع عبد الرزاق على قوله، عَنْ أَبيه وقد رواه مالك والناس، عَنْ الزُّهْرِيّ، عَنْ حرام ابن سَعد مُرْسَلاً.

• الخلاصة: وكتب شيخنا مع الباحث/ هاني العشماوي بتاريخ 4 ذي الحجة 1442 موافق 14/ 7/ 2021 م: الأوزاعي

(1)

خالف ورواه موصولا والإرسال أصح. وأكد هذه النتيجة مع الباحث ياسر اليماني بتاريخ 16 محرم 1443 موافق 24/ 8/ 2021 م فكتب: الأصح عن الزهري الإرسال.

(1)

بل معمر هو الذي وصل والجماعة بإسقاط والد حرام كما سبق.

ص: 146

‌المعدن الذهبي المستخلص من تراب الكرته

هل يشترط فيه مرور الحول

‌وبلوغ النصاب ومقدار الخارج منه.

• ذهب الجمهور - الأحناف والمالكية والحنابلة وقول الشافعي في الجديد - إلى عدم اشتراط الحول كالزروع

(1)

.

لكن اشترطوا بلوغ النصاب.

ومقدار الزكاة ربع العشر.

• أصول أدلة المسألة:

1 -

القياس على زكاة الزروع لكونها تخرج دفعة واحدة.

2 -

أما دليل اشتراط النصاب حديث: ليس فيما دون خمس أواق صدقة.

3 -

أما ربع العشر فقياسا على النقدين.

أما الأحناف فقالوا بعدم اشتراط النصاب وإخراج الخمس ووافقوا الجمهور كما سبق في عدم اشتراط الحول.

وفي الباب ما أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (4/ 256) من طريق الشَّافِعِيّ، أنبأ مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ

(1)

وخالفهم الشافعي في القديم والمزني وابن المنذر.

ص: 147

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرْعِ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ.

هكذا مرسلا وروي متصلا لكن علته كثير بن عبد الله وأبوه ضعيفان.

• وورد حديث: «سئل عن الركاز فقال الذهب والفضة الذي خلقهما الله في الأرض يوم خلقت» وفي رواية: «الذي ينبت في الأرض» يستدل به الأحناف على أن المعدن ركاز يجب فيه الخمس أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وخالف الجماعة عن أبي هريرة رضي الله عنه وحديثهم في الصحيحين بلفظ: «العجماء جبار .... وفي الركاز الخمس» ولم يفسر الركاز.

• وما أخرجه أبو داود في «سننه» رقم (1710) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وفيه: «وَمَا كَانَ فِي الْخَرَابِ يَعْنِي فَفِيهَا وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»

(1)

.

(1)

قال ابن مفلح في «الفروع» (4/ 189): وَذَكَرَ مُسْلِمٌ صَاحِبُ الصَّحِيحِ هَذَا الْخَبَرَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي اسْتَنْكَرَهَا أَهْل الْعِلْمِ عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَالَ: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَوْجَبَ الْخُمُسَ فِي الرِّكَازِ فَقَطْ، وَلَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ صَارَ إلَى الْقَوْلِ فِي اللُّقَطَةِ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ، وَقَالَ: غَرَامَةُ الْمِثْلَيْنِ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَبَرِ أَحَدٍ عَلِمْنَاهُ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِي وَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، والله سبحانه أعلم.

وقال البيهقي في «السنن الكبير» (4/ 258): ذكر الشافعي في رواية الزعفراني عنه اعتلالهم بالحديث الأول ثم قال: هو عند أهل الحديث ضعيف وذكر اعتلالهم بحديث هشام بن سعد عن عمرو بن شعيب هذا ثم قال: إن كان حديث عمرو يكون حجة، فالذي روى حجة عليه في غير حكم وإن كان حديث عمرو غير حجة فالحجة بغير حجة جهل، ثم ذكر مخالفتهم الحديث في الغرامة وفي التمر الرطب إذا آواه الجرين وفي اللقطة ثم قال: فخالف حديث عمرو الذي رواه في أحكام غير واحدة فيه واحتج منه بشيء واحد إنما هو توهم في الحديث فإن كان حجة في شيء فليقل به فيما تركه فيه، قال الشيخ: قوله إنما هو توهم في الحديث إشارة إلى ما ذكرنا من أنه ليس بوارد في المعدن إنما هو في ما هو في معنى الركاز من أموال الجاهلية. والله أعلم.

باحث/ ش أحمد شفيق 24 رجب 1441 موافق 19/ 3/ 2020 م.

ص: 148

• وعلة السند السابق لدى الباحث الإرسال في قول سعيد أن المزني أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (20058) - حَدَّثنا إِسْحَاقُ بن إِبرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى عَبد الرزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بن شُعَيْبٍ خَبَرًا، رَفَعَهُ إِلَى عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ عَبدُ الرَّزَّاقِ: وَأَمَّا المُثَنَّى، فَأَخْبَرَنَا عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، أَنَّ المُزَنِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْبِضْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ، فَاقْبِضْهَا، حَتَّى يَأْتِيَ بَاغِيهَا» .

• الخلاصة: انتهى الباحث/ أحمد بن فتحي بن محمد الأسواني إلى بحث هذه المسألة. بتاريخ 17 ذي القعدة 1442 موافق 29/ 6/ 2021 م.

ص: 149

‌تنمية مال اليتيم بالتجارة

• قال الترمذي في «سننه» رقم (641) - حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدثنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ المُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمرِو بنِ شُعَيب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَلَا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ.

وتابع الوليد يحيى بن أيوب الغافقي أخرجه القاسم بن سلام في «الأموال» (1299) وغيره.

• وتابع المثنى اثنان:

1 -

عبد الله بن علي الإفريقي أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (11300) وفي سنده يعقوب بن إبراهيم القاضي أورد العقيلي الحديث في ترجمته.

2 -

أبو إسحاق الشيباني أخرجه الدارقطني في «سننه» (1971) وفي السند إليه ضعيفان؛ مندل بن علي وعبيد بن إسحاق.

وخالف هؤلاء الثلاثة - المثنى وعبد الله الإفريقي وأبا إسحاق - حسين المعلم فجعله من قول عمر رضي الله عنه أخرجه الدارقطني في «سننه» رقم (1973) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، ثنا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ

ص: 150

الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ:«ابْتَغُوا بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ»

(1)

، وعبد الوهاب هو الخفاف صدوق يخطيء كثيرا.

وذكر البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (6/ 66) المرفوع وقال: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.

وفي «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (3/ 34): وقال المَرُّوذِيُّ: قال أبو عبد الله: عن خمسةٍ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم يزكُّون مال اليتيم. وقال مُهَنَّا: سألت أحمد عن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتَّجروا بأموال اليتامى، لا تأكلها الزكاة» ؟ فقال: ليس بصحيحٍ، هذا يرويه المثنَّى بن الصَّبَّاح عن عمرو.

• وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه أخرجه الطبراني في «الأوسط» (4152) وفي سنده الفرات بن محمد متهم بالكذب.

• والخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ ربيع بن علي بن جودة الفيومي

(2)

بتاريخ 9 ربيع الآخر 1443 موافق 14/ 11/ 2021 م: كل طرقه ضعيفة.

قال الترمذي في «سننه» (2/ 179) عن فقه الحديث: وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا البَابِ؛ فَرَأَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَالِ اليَتِيمِ

زَكَاةً

(1)

وروى الأثر موقوفًا على عمر جماعة بأسانيد منقطعة منها بلاغ مالك في الموطأ ومنها مجاهد قال عمر وكذلك أبو عون أن عمر كلاهما عند عبد الرزاق ومنها مكحول قال عمر كما عند ابن أبي شيبة (10119) ومنها عبيد بن عمير أن عمر كما عند الدارقطني في «سننه» (1977) والبيهقي (7132) وفي سنده أبو الربيع السمان متروك.

(2)

يعرض أحاديث متفرقة من تحقيق سنن الدارقطني.

ص: 151

مِنْهُمْ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسحَاقُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: لَيْسَ فِي مَالِ اليَتِيمِ زَكَاةٌ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَعَبدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ.

ص: 152

‌زكاة الفِطر

• وجوب زكاة الفطر

ثبت وجوب زكاة الفطر بعموم قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وبحديث: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْرِ»

(1)

وبالإجماع

(2)

وثمت نص منسوخ أو مؤول أو معل أخرجه النسائي في «سننه» رقم (2506) - أَخْبَرَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ

(3)

، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ

(4)

، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: «كُنَّا نَصُومُ عَاشُورَاءَ وَنُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ

(1)

أخرجه البخاري (1503) ومسلم (984).

(2)

في «الإجماع» (ص: 59): أجمعوا على أن صدقة الفطر فرض.

(3)

وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي وابن خراش.

(4)

لم ينسب عمرو بن شرحبيل وهناك عمرو بن شرحبيل اثنان أحدهما مجهول والمجهول من ذرية قيس وقال ابن حجر متعقبا هذا الحديث بأن في إسناده راو مجهولا. أفاده د محمد بن ياسين. بتاريخ 3/ 11/ 2021 م.

والثاني أبو ميسرة وهو اختيار النسائي وابن أبي خيثمة عن أبيه والمزي في «التهذيب» والذهبي في «الكاشف» وابن حجر في «الإصابة» والأثيوبي وروى له الستة إلا ابن ماجه ووثقه ابن معين وهو من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه. وذكره ابن حبان فى " الثقات "، وقال: كان من العباد، و كانت ركبته كركبة البعير من كثر الصلاة، مات فى الطاعون قبل أبى جحيفة سنة ثلاث و ستين.

ص: 153

وَنَزَلَتِ الزَّكَاةُ، لَمْ نُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ، وَكُنَّا نَفْعَلُهُ»

(1)

وتابع يزيد بن زريع جماعة - وهب بن جرير وأبو داود وروح ومحمد بن جعفر وسعيد بن عامر -.

وتابع شعبة ابن أبي ليلى أخرجه الطبراني في «الكبير» (888) وغيره.

وخالف الحكم بن عتيبة سلمة بن كهيل فأبدل عمرو بن شرحبيل بأبي عمار الهمداني

(2)

وجاء بنص صريح في الرفع «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ» أخرجه النسائي (2507) وغيره وقال: وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ خَالَفَ الْحَكَمَ فِي إِسْنَادِهِ، وَالْحَكَمُ أَثْبَتُ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ.

• قال الترمذي كما في «العلل الكبير» (ص: 120): سأَلت مُحمدًا عن هذا الحديث وقلت له: حديث الحكم عن القاسم بن مخيمرة، عن عَمرو بن شُرَحبيل، عن قَيس بن سَعد أَصح أَوْ حديث سَلَمة بن كُهيل، عن القاسم، عن

(1)

وثقه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يروي المراسيل. وقال ابن حجر والذهبي: ثقة. ونصّ الذهبي على سماعه من قيس وروى عنه خمسة - الأعمش وأبو إسحاق وطلحة بن مصرف وعمارة بن عمير -.

(2)

ورد حديث ضعيف عن علي رضي الله عنه مرفوعا: «نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن

». أخرجه الدارقطني في «سننه» رقم (4748) وفي سنده الحارث بن نبهان والمسيب بن شريك متروكان. وله سند آخر عند عبد الرزاق (13584) وفيه مبهم والحارث الأعور ضعيف.

وكتب شيخنا مع الباحث سيد بدوي: ليس في الباب خبر مرفوع.

وورد عن ابن عباس رضي الله عنه نحوه أخرجه أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (37) وفي سنده حجاج بن أرطأة والحكم هو ابن ميناء يحرر سماعه من ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 154

أَبى عَمار، عن قَيس بن سَعد فقال: لم أَسمع أَحدا يقضي في هذا بشيءٍ، إِلاَّ أَنْ حديث سَلَمة بن كُهيل أَشبه عندي، إِلاَّ أَنْ هذا خلَاف ما يروى عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الفِطر، قال ابن عُمر: فرض رَسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفِطر.

• وقال ابن حجر والشوكاني: في إسناده رجل مجهول. وقال ابن مفلح في «الفروع» : إسناده جيد.

• وقال البيهقي في «السنن الكبير» (4/ 159): وهذا لا يدل على سقوط فرضها لان نزول فرض لا يوجب سقوط آخر وقد أجمع أهل العلم على وجوب زكوة الفطر وإن اختلفوا في تسميتها فرضا فلا يجوز تركها وبالله التوفيق.

• وقال أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (1/ 33): وهذا قول الذين رأوها منسوخة، إلا أنهم عمّوا بالنسخ كل ما في القرآن ما خلا الزكاة، وقول الذين رأوا هذه الآيات في الصدقة محكمة قائمة، أشدّ عندي موافقة للأحاديث المرفوعة من قول الآخرين.

وانظر كلام ابن حزم في «المحلى» (6/ 119).

• فائدة: فهم الصحابي رضي الله عنه قد يؤثر في الفقه.

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ سيد بدوي بتاريخ 9 محرم 1442 موافق 18/ 8/ 2021 م: الحديث مشكل ودفع الإشكال والله أعلم أن هذا فهم قيس وسائر الصحابة اعتمدوا الأمر الأول.

ثم عرضه الباحث مرة أخرى مع الباحثين د محمد بن ياسين ونصر بن حسن شحاته كرد بتاريخ 28/ ربيع أول 1443 موافق 3/ 11/ 2021 م فكتب:

ص: 155

1 -

لم ينص في السند على تعيين عمرو بن شرحبيل إلا أن النسائي وأبا خيثمة استظهرا أنه الثقة وبه قال سيد بدوي

(1)

.

2 -

يستظهر محمد ياسين أن عمرو بن شرحبيل هو المجهول لكونه من أسرة قيس بن سعد.

3 -

هل يمكن القول بأن للقاسم شيخان أم لا يمكن في هذا المقام.

4 -

هل الأثبت الحكم أم سلمة بن كهيل وذلك فيه بعض النزاع بين العلماء وإن كانت وجهة من قالوا أن الحكم أقوى عند قوم.

وعلى أي حال فالأكثرون على خلافه وعمل المسلمون على خلافه والله أعلم. ا هـ.

(1)

وزاد الباحث أشرف سلطان أن الحافظ المزي أورد الخبر في ترجمة عمرو بن شرحبيل.

ص: 156

‌وقت زكاة الفطر

• ورد فيها مرفوع وموقوف:

فأما المرفوع فعَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:«كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ

(1)

وَالتَّمْرُ».

• الخلاصة: صحيح دون لفظ: (يوم الفطر)

(2)

رواه عن عِيَاض جماعة بدونها:

داود بن قيس وعنه جماعة، أخرجه أحمد (11932)، ومسلم (985)، وابن ماجه (1829) وغيرهم.

ابن عَجْلَان، أخرجه مسلم (985)، وأبو داود (1618) وغيرهما.

إسماعيل بن أُمية، أخرجه مسلم (985) وغيره.

(1)

اللبن المجفف.

(2)

ثم عرضتُ مرة أخرى بتاريخ (10) رمضان (1442 هـ) المُوافِق (22/ 4/ 2021 م) ققال شيخنا: فيما يبدو إن صدق في التخريج وأتقن، فالزيادة شاذة وتُراجَع أقوال الأئمة في ذلك.

وهذه الزيادة لها أثر لأنها من استدلال الجمهور على إخراجها طَوال اليوم.

ص: 157

عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، أخرجه ابن خُزيمة (2412)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3109).

الحارث بن عبد الرحمن، أخرجه عبد الرزاق في «مُصنَّفه» .

زيد بن أسلم، واختُلف عليه:

• فرواه عنه كرواية الجماعة: مالك، والثوري، ورَوْح بن القاسم.

• وخالفهم حفص بن مَيْسَرة

(1)

فزادها، أخرجه البخاري (1510) وهي زيادة شاذة أو منكرة؛ فحفص بن مَيْسَرة ثقة، إلا أن أبا حاتم قال عنه تارة: صالح الحديث. وتارة: يُكتَب حديثه، ومحله الصدق، وفي حديثه بعض الأوهام.

الباحث/ السيد بن بدوي بن محمد (17) رمضان (1440 هـ) المُوافِق (22/ 5/ 2019 م).

(1)

وقد توبع عند الدارقطني في «سُننه» (3/ 77) رقم (2097): حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يُوسُفَ الْمَرْوَذِيُّ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، ثَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ الْجَزِيرَةَ، وَهُوَ سَابِقٌ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعَ طَعَامٍ، أَوْ صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ مِنَ الشَّامِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، فَخَطَبَ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالَ: إِنِّي لَأَرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا ذَكَرَ النَّاسُ الْمُدَّيْنِ.

وسنده ضعيف لجهالة أبي سعيد الذي كان يَسكن الجزيرة.

ص: 158

2 -

ومن المرفوع أيضًا حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» .

صحيح دون لفظ: «وأَمَر بها أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة» فيبدو - والله أعلم - أنه مُدرَج، رواه نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهما، واختُلف عليه، فرواه عنه هكذا:

1 -

عمر بن نافع، أخرجه البخاري (1503) وغيره.

2 -

موسى بن عقبة في وجه، أخرجه البخاري (1509)، ومسلم (986) وغيرهما.

3 -

الضحاك بن عثمان في وجه، أخرجه مسلم (986) وغيره.

4 -

أسامة بن زيد - لكنه ضعيف -، أخرجه أحمد (5345).

• ورواه ثلاثة عَشَر نفسًا دون هذه الزيادة:

الليث بن سعد، أخرجه البخاري (1507)، ومسلم (984).

مالك، كما في «الموطأ» (52) ومن طريقه البخاري (1504).

عُبيد الله بن عمر، أخرجه البخاري (1512)، وأحمد (5781).

أيوب السَّختياني، أخرجه أحمد (4486) وغيره.

يونس بن يزيد، أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3123).

سليمان والد المُعتمِر، أخرجه ابن خُزيمة (2392).

جويرية بن أسماء، أخرجه أبو يَعْلَى (5824).

ص: 159

محمد بن إسحاق، أخرجه عبد بن حُميد في «المُنتخَب» (743).

عبد الله بن عمر، أخرجه أحمد (5942) وغيره.

عُقيل بن خالد، أخرجه ابن خُزيمة (2404).

12، 13 - الضحاك بن عثمان وموسى بن عقبة، كما سبق.

• والخلاصة: أن هذه الزيادة ثابتة لكن يبدو أنها مدرجة، والله أعلم. الباحث السيد بن بدوي بن محمد (17) رمضان (1440 هـ) المُوافِق (22/ 5/ 2019 م).

• أما الموقوف، فَعَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ، بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ

(1)

.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» .

• الخلاصة: إسناده حسن إلا أن التوقيت موقوف: أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والدارقطني في «سُننه» (2067) وغيرهم، من طرق: عن مَرْوَانَ بْن مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، به.

و (أبو يزيد الخَوْلاني) روى عنه ابن وهب ومَرْوان الطَّاطَري، وكان شيخَ صِدق. وقال ابن حجر: مجهول.

(1)

صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» رقم (780).

ص: 160

و (سَيَّار بن عبد الرحمن) روى عنه جماعة، وقال فيه أبو زُرْعَة: لا بأس به. وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال أبو حاتم: شيخ.

وكتب شيخنا مع الباحث/ نصر بن حسن الكردي بتاريخ الخميس 2 صفر 1443 موافق 9/ 9/ 2021 م:

الظاهر أن اللفظة: فمن أداها فهي موقوفة.

وأبو يزيد الخولاني أقرب إلى الجهالة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» (10758) من طريق حُميد، عن الحسن، عن ابن عباس قال: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. و (حُميد عن الحسن) اثنان: الطويل وابن مِهْران، وكلاهما ثقة.

• أقوال العلماء:

• قال السرخسي في «المبسوط» (3/ 102): يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: أَنْ يَغْتَسِلَ، وَيَسْتَاكَ، وَيَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَيُؤَدِّيَ فِطْرَتَهُ.

• وفي «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» (2/ 74): أَمَّا وَقْتُ أَدَائِهَا فَجَمِيعُ الْعُمُرِ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا، وَلَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: وَقْتُ أَدَائِهَا يَوْمُ الْفِطْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ سَقَطَتْ.

وَجْهُ قَوْلِ الْحَسَنِ أَنَّ هَذَا حَقٌّ مَعْرُوفٌ بِيَوْمِ الْفِطْرِ، فَيَخْتَصُّ أَدَاؤُهُ بِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ.

ص: 161

وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقٌ عَنِ الْوَقْتِ، فَيَجِبُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ غَيْرَ عَيْنٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ فِعْلًا، أَوْ بِآخِرِ الْعُمُرِ، كَالْأَمْرِ بِالزَّكَاةِ، وَالْعُشْرِ، وَالْكَفَّارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا، كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يخْرجَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى.

• وفي «المُدوَّنة» (1/ 385): قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ وَاسِعٌ إِنْ شَاءَ أَنْ يُؤَدِّيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا.

• وفي «المجموع» (6/ 128): اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن الأفضل أن يُخرجها يوم العيد قبل الخروج إلى صلاة العيد، وأنه يَجوز إخراجها في يوم العيد كله، وأنه لا يَجوز تأخيرها عن يوم العيد، وأنه لو أخرها عصى ولزمه قضاؤها.

وسَمَّوْا إخراجها بعد يوم العيد (قضاء) ولم يقولوا في الزكاة إذا أخرها عن التمكن: (إنها قضاء) بل قالوا: (يأثم ويَلزمه إخراجها) وظاهره أنها تكون أداء.

والفرق أن الفطرة مؤقتة بوقت محدود، ففِعلها خارج الوقت يكون قضاء كالصلاة، وهذا معنى القضاء في الاصطلاح، وهو فِعل العبادة بعد وقتها المحدود، بخلاف الزكاة فإنها لا تؤقت بزمن محدود، والله أعلم.

ص: 162

• وفي «الإنصاف» (3/ 178) للمَرْدَاوي

(1)

: وَيَجُوزُ فِي سَائِرِ الْيَوْمِ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَيُحْتَمَلُ إِرَادَتُهُ الْجَوَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ.

• تنبيه: أفاد الباحث/ سيد البدوي أن متأخري الشافعية والحنابلة على الجواز، لكن الكراهة عندهم أظهر لمخالفة النص.

(1)

بفتح الميم والدال نسبة إلى مردا على وزن فعلى قرية قرب نابلس، ينسب إليها أبو الحسن علي بن سليمان إمام فقهاء الحنابلة صاحب الإنصاف والتنقيح. انظر: ذيل لب اللباب في تحرير الأنساب، لأحمد بن العجمي الأزهري (ت 1086 هـ).

ص: 163

‌هل زكاة الفطر نسخت بزكاة الفرض

• أخرج البخاري (1463) ومسلم (982) من طريق سليمان بن يسار

(1)

. والبخاري رقم (1464) ومسلم (982) من طريق خثيم بن عراك

(2)

كلاهما عن عراك بن مالك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلَامِهِ صَدَقَةٌ» .

وخالفهما ثلاثة فزادوا: «إلا صدقة الفطر» .

(1)

رواه عنه اثنان:

1 -

عبد الله بن دينار كما في البخاري ومسلم.

2 -

محكول كما عند مسلم من طريق أيوب بن موسى عنه.

وخالفه إسماعيل ومحمد بن راشد وأسامة بن زيد - وهو ضعيف وزاد لفظة: «ولا وليدة صدقة» - فأسقطوا سليمان بن يسار ولم يسمع مكحول من عراك.

وأيضًا رواه عبيد الله بن عمر عن رجل عن محكول عن عراك به وزاد: «إلا صدقة الفطر» وعلته الرجل المبهم والانقطاع بين مكحول وعراك.

ورواه يحيى بن أبي زكريا بن أبي زائدة عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بالزيادة أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (4/ 197) بسند صحيح وخالفه عبد الوهاب بن عبد المجيد وقال البيهقي هذا هو الأصح وحديثه عن أبي الزناد غير محفوظ.

(2)

وثقه النسائي وقال العقيلي: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الأزدي: منكر الحديث.

ص: 164

1 -

بكير بن عبد الله بن الأشج أخرجه مسلم رقم (982) وأحمد (9455) من رواية مخرمة بن بكير وسبق القول فيها أنها وجادة وأنها نوع من أنواع التحمل والقبول لدي بينما شيخنا يرى إعلالها.

2 -

جعفر بن ربيعة أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (2288) وابن حبان (3272) والدارقطني (2025) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2254) بسند صحيح عن جعفر بن ربيعة به.

3 -

موسى بن عقبة أخرجه الطبراني في «الأوسط» (5887) وفي سنده عبد السلام بن مصعب ذكره ابن حبان في الثقات.

وخالف الجميع يزيد بن يزيد بن جابر فأوقفه أخرجه الحميدي (1106) وأبو عبيد القاسم بن سلام (1360).

• الخلاصة: أرى والله أعلم أن رواية خثيم وسليمان أصح وهي المتفق عليها بينما كتب شيخنا معي بتاريخ الخميس 11 محرم 1442 موافق 19/ 8/ 2021 م: نرى والله أعلم شذوذ لفظة (إلا زكاة الفطر) مع ثبوت معناها من عمومات.

ص: 165

‌مصارف الزكاة

• اجتمعت هذه المصارف في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]

• قال ابن المنذر (ت/ 318) في «الإجماع» (ص: 60): أجمعوا على أنه إن فرض صدقته في الأصناف التي ذكرها في سورة براءة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]. الآية، أنه مؤد كما فرض عليه.

ص: 166

‌نَقْل الزكاة من بلد إلى أخرى

• قال أبو داود في «سُننه» رقم (1625): حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَطَاءٍ، مَوْلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ زِيَادًا - أَوْ: بَعْضَ الْأُمَرَاءِ - بَعَثَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لِعِمْرَانَ: أَيْنَ الْمَالُ؟ قَالَ: «وَلِلْمَالِ أَرْسَلْتَنِي؟ أَخَذْنَاهَا مِنْ حَيْثُ كُنَّا نَأْخُذُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَوَضَعْنَاهَا حَيْثُ كُنَّا نَضَعُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .

وأخرجه ابن ماجه رقم (1797) من طريق إبراهيم به.

• واختُلف في سماع عطاء من عمران على قولين:

الأول: إثبات السماع بما أورده البخاري في «التاريخ» (1/ 309): بسند حسن: عن عطاء: قال لي عمران. وعطاء غير موصوف بالتدليس. وسَمِع من أنس وأبي رافع. قاله البخاري.

والثاني: نَفْي السماع؛ فقد قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» مرة: لم يدركه

(1)

. وقال في «سِيَر أعلام النبلاء» (6/ 47): لعله مرسل.

وأيضًا: عِمران تُوفي سنة (52) وعطاء تُوفي (131) فبينهما (79) سنة.

ثالثًا: ليس لعطاء عن عمران في الصحيحين شيء، وخارج الصحيح له روايات قليلة عنه، وأخرى بواسطة الحسن البصري أو مُطَرِّف بن عبد الله.

(1)

ووافقه أبو زُرْعَة في «تحفة التحصيل» .

ص: 167

• الخلاصة: أن ظاهر إسناده الصحة. وقال شيخنا للباحث/ عمرو الجزائري بتاريخ (16) ربيع الأول (1438 هـ) الموافق (15/ 12/ 2016 م): احكم على الرجال، وبَيِّن الخلاف. ا هـ.

• قال أبو عبيد في «الأموال» (2/ 278): وَالْعُلَمَاءُ الْيَوْمَ مُجْمِعُونَ عَلَى هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا أَنَّ أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، أَوْ مَاءٍ مِنَ الْمِيَاهِ، أَحَقُّ بِصَدَقَتِهِمْ، مَا دَامَ فِيهِمْ مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ صَدَقَتِهَا، حَتَّى يَرْجِعَ السَّاعِي وَلَا شَيْءَ مَعَهُ مِنْهَا. بِذَلِكَ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ مُفَسَّرَةً.

قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (25/ 39): هل يجوز نقل الزكاة لمصلحة فتنقل من الشام إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم أو غيرها؟

• فيه قولان لأهل العلم.

قال مالك: لا بأس بنقلها للحاجة وإذا لم يكن أهل البلد مستحقين فتنقل بلا خلاف.

ولما نقل معاذ بن جبل الصدقة من اليمن إلى المدينة أنكر عمر فقال: ما بعثتك جابيا. فقال: ما وجدت آخذا. فعند الشافعي وأحمد: لا تنقل وعند مالك يجوز نقلها.

ص: 168

‌قضاء دَين الميت من الزكاة

• لم يقف الباحث فيها على مرفوع أو موقوف.

• قال أبو عُبيد في «الأموال» رقم (1981): إِنَّمَا افْتَرَقَ الْحَيُّ وَالْمَيِّتُ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ غَارِمًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي أَدَانَهُ قَدْ تَحَوَّلَ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْوَارِثُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ كَانَ فِي مِيرَاثِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ دُونَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَلَيْسَ عَلَى وَارِثِهِ شَيْءٌ وَلَيْسَ بِغَارِمٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ادَّانَ هَذَا الدَّيْنَ، وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْعُلَمَاءُ أَنْ لَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ فِي دَيْنِ مَيِّتٍ. وَأَمَّا الْحَيُّ فَإِنَّهُ يُعْطَاهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

ونَقَل الإجماع ابن عبد البر كذلك، لكن الإجماع مُنتقَد؛ لأن ثَم خلافًا في المذهب المالكي؛ لأن ابن حبيب جَوَّز، وابن المَوَّاز مَنَع.

وكذلك الخلاف عند الشافعية، وقال النووي: الأصح والأشهر المنع. وعلة المنع أن التمليك شرط، وعلة المُجَوِّز أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَرَك دَينًا فعليَّ

» ولم يُفَصِّل.

أفاده الباحث/ سيد البدوي بتاريخ (10) رمضان (1442 هـ) المُوافِق (22/ 4/ 2021 م).

• قال الشيخ صالح الفوزان في فتاويه (2/ 459): أما قضاؤه من الزكاة فمحل خلاف بين أهل العلم؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين مصارف الزكاة للأصناف

ص: 169

الثمانية فيقتصر على ما بينه الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز الزيادة عليها، وقضاء الدين عن الميت، لا يدخل فيما يظهر، وهذا أحد القولين لأهل العلم.

والقول الثاني: وهو رواية عن أحمد، وقد اختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية، أنه يجوز قضاء الدين عن الميت من الزكاة؛ ولكن مهما أمكن أن يقضي الدين من غير الزكاة، فإنه أحوط وأحسن والله أعلم.

ص: 170

‌كتاب الصيام

(1)

‌الصيام ركن من أركان الإسلام

• قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»

(2)

.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»

(3)

.

وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (14/ 78): أجمع العلماء على أن لا فرض في الصوم غير شهر رمضان.

(1)

الصوم لغة الإمساك ومنه قول مريم عليها السلام: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26]

وشرعًا الامتناع من الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التعبد لله تعالى.

(2)

أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16).

(3)

أخرجه البخاري رقم (6502).

ص: 171

‌التهنئة برمضان

• لم يَثبت فيها خبر، وأقوى ما ورد ما أخرجه أحمد رقم (9497): حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ

(1)

، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ»

(2)

(3)

.

• والشاهد: (لَمَّا حَضَر

) ولم تَرِد هذه الفقرة إلا من طريق أبي قِلابة عن أبي هريرة، ولم يَسمع منه.

وورد بسياق في سنده كذاب، وهو محمد بن أبي قيس المصلوب، أخرجه الشاشي في «مسنده» رقم (1224): حَدثنا الصَّغَانِيُّ، حَدثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ،

(1)

في البخاري (1898): من طريق إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ»

ومسلم (1079) من طريق إسماعيل بن جعفر، عن أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» .

(2)

لها شاهد من طريق أبي صالح عن أبي هريرة، وهو معلول لكن المعنى صحيح.

(3)

قال ابن رجب في «لطائف المعارف» (ص: 148): الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان».

ص: 172

حَدثنا مَرْوَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا، وَحَضَرَ رَمَضَانُ:«أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ، فِيهِ خَيْرٌ يَغْشَاكُمُ اللهُ، فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ، وَيَحُطُّ فِيهَا الْخَطَايَا، وَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الدَّعْوَةُ، يَنْظُرُ اللهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِيكُمْ بِمَلَائِكَةٍ، فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ» .

• الخلاصة: ذَكَّر شيخنا بتاريخ (3) رمضان (1441 هـ) الموافق (26/ 4/ 2020 م) بأن أحد إخوانه أرسل له تهنئة بحلول شهر رمضان، مقتصرًا على نص خبر الشاشي السابق، فأَرْسَل له الشيخ أن الخبر في إسناده محمد بن أبي قيس، كذاب

(1)

.

(1)

قاله الإمام أحمد. وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال أبو أحمد الحاكم: كان يضع الحديث. وقال أبو زُرْعَة الدمشقي: حدثنا محمد بن خالد عن أبيه قال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ كَلامًا حَسَنًا أَنْ يَضَعَ لَهُ إِسْنَادًا.

ص: 173

‌فضل رمضان

• قال الإمام النَّسَائي (2427): أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» .

وتابع أيوبَ جماعةٌ، وذَكَر الدارقطني خلافًا في «العلل» رقم (2236).

وقال في «العلل» (5/ 405): الصحيح: عن أبي قِلابة، عن أبي هريرة.

وأبو قِلَابة لم يَسمع من أبي هريرة. قاله الحاكم في «سؤالات السِّجْزي

(1)

(161) والحافظ المِزي، وذَكَر العلائي في «جامع التحصيل» (ص: 211) جماعة منهم أبو هريرة، ثم قال: الظاهر في ذلك كله الإرسال، نعم.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ أيمن بن عطية، إلى الضعف.

(1)

بكسر السين المهملة وسكون الجيم، وفي آخرها الزاي، هذه النسبة إلى سجستان. قاله السمعاني في «الأنساب» (7/ 80). وصاحب السؤالات اسمه مسعود بن عليّ بن مُعاذ بن محمد بن مُعاذ، أبو سعيد السِّجْزيّ، ثمّ النَّيْسابوريّ الوكيل الحافظ. [ت: 438] من أعيان تلامذة أبي عبد الله الحاكم، وله عنه «سؤالات» وقد أكثر عنه. قاله الذهبي في «تاريخ الإسلام» (9/ 578).

ص: 174

‌رمضان إلى رمضان كفارة

• قال الإمام مسلم رقم (233): حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:«الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ - مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» .

وعمر بن إسحاق وثقه العِجلي وابن حِبان. وروى عنه اثنان:

1 -

أبو صخر.

2 -

أسامة بن زيد الليثي.

وكلاهما مختلف فيه.

وليس لعمر بن إسحاق ولا لأبيه عند مسلم غير هذا الحديث.

•وتابعه عبد الله بن السائب، كما عند إسحاق في «مسنده» رقم (435): أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، نَا هُشَيْمٌ، نَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، أَخْبَرنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ

(1)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الشَّهْرُ إِلَى الشَّهْرِ كَفَّارَةٌ» يَعْنِي:

رَمَضَانُ

(1)

سئل عنه الدارقطني في «العلل» (5/ 297) فقال: يرويه العوام بن حوشب، واختُلف عنه: فرواه هُشيم، عن العوام بن حوشب، عن عبد الله بن السائب، عن أبي هريرة.

وخالفه يزيد بن هارون، فرواه عن العوام بن حوشب، عن عبد الله بن السائب، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة. وقول يزيد أشبه بالصواب.

ص: 175

إِلَى رَمَضَانَ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ، وَالصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الَّتِي تَلِيهَا - كَفَّارَةٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ:«إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ» قَالَ: فَعَرَفَنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ حَدَثَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ فَقَدْ عَرَفْنَا، مَا نَكْثُ الصَّفْقَةِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ؟ قَالَ:«نَكْثُ الصَّفْقَةِ أَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا فَتُعْطِيَهُ صَفْقَةَ يَمِينِكَ، ثُمَّ تَرْجِعَ عَلَيْهِ فَتُقَاتِلَهُ بِسَيْفِكَ، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ فَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَمَاعَةِ» .

• ورواه آخرون مع اتساع المَخرج عن أبي هريرة دون (رمضان إلى رمضان):

1 -

العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الصَّلَاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ - كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ» أخرجه مسلم (233).

2 -

محمد بن سيرين، كما عند مسلم رقم (233): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ - كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ» .

3 -

الحسن البصري - ولم يَسمع من أبي هريرة -

(1)

أخرجه أحمد (9480)، وأبو داود (2592).

4 -

عطاء الخُراساني، وعنه كُلثوم بن محمد

(2)

.

(1)

في ترجمة الحسن البصري من «جامع التحصيل» للعلائي (ص: 164) قال قتادة: إنما أَخَذ الحسن عن أبي هريرة.

رواه إسماعيل بن عُلية عن سعيد عنه، وقد خالفه الجمهور في ذلك، فقال أيوب وعلي بن زيد وبهز بن أسد: لم يَسمع الحسن من أبي هريرة. وقال يونس بن عُبيد: ما رآه قط. وذَكَر أبو زُرْعَة وأبو حاتم أن مَنْ قال عن الحسن: (حدثنا أبو هريرة) فقد أخطأ.

(2)

قال ابن عَدِيّ في «الكامل» (7/ 211): يُحَدِّث عن عطاء بمراسيل، ولا يُتابَع عليها. وقال أبو حاتم: لا يصح حديثه. وقال الذهبي: يتكلمون فيه.

ص: 176

• الخلاصة: الزيادة من الوجهين الأولين تصح، والله أعلم.

انتهى شيخنا مع الباحث/ سيد بن رفعت، بتاريخ (2) رمضان (1441 هـ) الموافق (26/ 4/ 2020 م) إلى التصحيح بالوجهين. ا هـ.

• تنبيه: عبد الله بن السائب اثنان:

الأول: صحابي صغيرقُرَشِيّ مخزومي مُقْرِئُ مَكَّةَ، وَلَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ وكان فخرا لأهل مكة مات قبل ابن عباس رضي الله عنهما

(1)

.

الثاني: عبد الله بن السائب بن يزيد الكندى، أبو محمد المدنى وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات. له عند مسلم فى المزارعة، وعند النسائى فى تبليغه عليه الصلاة و السلام أمته.

ص: 177

‌باب الريان

• قال البخاري رقم (1896): حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ» .

• تابع سليمانَ بن بلال

(1)

على هذا السياق دون زيادة: «مَنْ دخل منه شرب، ومَن شرب منه لم يظمأ أبدًا» ثلاثةٌ: حماد بن زيد، وعبد الرحمن بن إسحاق، ومحمد بن مُطَرِّف في وجه.

• وخالفهم ثلاثة، وهم: سعيد بن عبد الرحمن الجُمَحي، وهشام بن سعد، وعبد الله بن جعفر بن نَجيح، فزادوا:«مَنْ دخل منه شرب، ومَن شرب منه لم يَظمأ أبدًا»

(2)

وهذه الزيادة ثابتة في حديث الحوض، أخرجها البخاري، رقم (6583): حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ

عَلَيَّ

(1)

أخرجه مسلم (1152).

(2)

بعضهم اقتصر على «مَنْ دخله لم يَظمأ أبدًا» .

ص: 178

شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي

(1)

، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ».

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ محمود بن عبد العليم، بتاريخ الأحد (20) رمضان (1442 هـ) الموافق (2/ 5/ 2021 م) إلى أن هذه الزيادة من هذا الوجه لا تصح، لكن ثَم شواهد لهذه الجزئية في أبواب أُخَر. يشير إلى رواية البخاري السابقة في الحوض.

• تنبيه: هذه الزيادة وإن كانت لا تصح فهي لا تتعارض مع قوله تعالى لآدم؛: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: 119] لأن باب الريان باب يؤدي إلى الجنة والشرب ودوام الظمأ في الجنة فقوله تعالى {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} بيان لما تقدم وقد يحمل الشرب في الجنة على التلذذ.

(1)

وقال القسطلاني في «إرشاد الساري» (10/ 168) لأبي ذر «ويعرفونني» بنونين. رواية أبي ذر بذكر نون الرفع ونون الوقاية والرواية الأخرى بحذف إحدى النونيين كراهية توالي الأمثال ظيره قوله تعالى: {تَأْمُرُونِّي} [الزمر: 64] وتأمرونني وتأمروني ففي «البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة (ص: 277): قرأ المدنيان - نافع وأبو جعفر - بنون واحدة مكسورة مخففة وفتح الياء بعدها.

وابن كثير بنون واحدة مكسورة مشددة مع المد المشبع للساكنين ومع فتح الياء كذلك، والبصريان والكوفيون كابن كثير إلا أنهم يسكنون الياء وابن عامر بنونين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة مخففتين مع إسكان الياء.

ص: 179

‌حُكْم صيام يوم الشك

• عَنْ صِلَة بْنِ زُفَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ

(1)

، فَقَالَ: كُلُوا. فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ.

• قَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(1)

قوله: (مصلية) - بفتح فسكون - اسم مفعول، مِنْ صليتُ اللحم بالنار: إذا شويته.

(2)

مُعَل: أخرجه أبو داود في «سُننه» (2336)، والترمذي في «جامعه» (686)، والنَّسَائي (2188)، وابن خُزيمة (1914)، وابن حِبان (3595)، والحاكم (1/ 585) وغيرهم، من طرق عن أبي خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق، عن صِلَة، عن عمار، به.

قال البزار: هذا الحديث لا نَعلم رواه عن عمرو بن قيس إلا أبو خالد. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن صحيح، رواته ثقات. وصححه ابن خُزيمة وابن حِبان والحاكم، وابن حجر، والعَلَّامة الألباني.

لكن ذَكَر الترمذي أن له علة خفية، وهي أن بعض الرواة قال فيه:(عن أبي إسحاق قال: حُدِّثتُ عن صلة).

فذَكَره كما في «جزء أبي سعيد الأشج» (65). وكذا في «تغليق التعليق» (3/ 139).

وإن كانت رواية أبي إسحاق عن صلة في الصحيحين: البخاري (3745)، ومسلم (2420) إلا أن في هذا المقام إعمال وجه الإعلال والتدليس أَوْلَى لقوله:(حُدِّثتُ).

وأيضًا: عمرو بن قيس ليس من المشهورين عن أبي إسحاق؛ فقد روى عنه هذا الخبر وبعض الروايات القليلة، وأين أصحاب أبي إسحاق من هذا؟!

ثالثًا - تَفَرُّد أبي خالد الأحمر به.

تنبيه: هذا من الأحاديث التي عَلَّقَها البخاري بصيغة الجزم، وهي مُعَلة كما سبق، فتَفطَّنْ لمنهج الإمام البخاري.

ص: 180

• قال النووي: لا يصح صوم يوم الشك بنية رمضان عندنا

(1)

.

(1)

في «المجموع» (6/ 403 - 405).

ص: 181

‌كم بين الأذانين في رمضان

• قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (1092): حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا.

وقوله: «قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا» هذه الجملة شاذة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ومن قول القاسم في حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه البخاري رقم (1918) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ» ، قَالَ القَاسِمُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إِلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا.

الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ سيد بن عبد العزيز بتاريخ يوم الأحد 8 جمادى الأولى 1443 موافق 12/ 12/ 2021 م إلى أن هذه الجملة من تفردات ابن نمير مخالفا للجماعة عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن ابن عمر رضي الله عنه فهي شاذة.

ص: 182

‌الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصائم

• ذهب الجمهور إلى وجوب الإمساك بطلوع الفجر الصادق لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة وفي الباب ما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (10629): حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ» .

وتابع رَوحًا غسان، أخرجه أحمد رقم (9474): حَدَّثَنَا غَسَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، به.

وتابعهما عبد الأعلى بن حماد، أخرجه أبو داود رقم (2350): حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ.

وكذلك رواه غسان، ورَوح، لكن بجعل الواسطة بين حماد، وأبي هريرة عمار بن أبي عمار، أخرجه أحمد رقم (10630): حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ:«وَكَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إِذَا بَزَغَ الْفَجْرُ» .

ورواه أحمد (9468) عن غسان عن حماد عن يونس عن الحسن مرسلًا.

ص: 183

• السند الأول ظاهره الحُسن أو صحيح بمتابعة عمار لمحمد بن عمرو

(1)

لكن قال ابن أبي حاتم في «العلل» رقم (759): وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ» .

قُلْتُ لِأَبِي: وَرَوَى رَوْحٌ أَيْضًا عَنْ حمَّادٍ، عَنْ عمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ المُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إِذَا بَزَغَ الفَجْرُ.

قَالَ أَبِي: هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ

(2)

لَيْسَا بِصَحِيحَيْنِ، أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ، وَعَمَّارٌ ثِقَةٌ. وَالحَدِيثُ الآخَرُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.

• الخلاصة: قال شيخنا للباحث محمد بن باسم: أَوْرِد كلام أبي حاتم واسكت.

• فائدة: هذا مثال لتقديم أقوال أهل العلل على الأسانيد إذا لم نقف على كلامهم. بتاريخ (22) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (4/ 4/ 2021 م).

(1)

ولم يقف الباحث على الموقوف، وهو مسبوق بالتحقيق في ط/ الرسالة لـ «مسند أحمد» .

(2)

الجادة: (هذان الحديثان) لكن ثم تخريجان:

الأول: حَمْله على إمالة الألف نحو الياء، فتُكتب ياءً، وتُنطق ألفًا ممالة، والإمالة لغةُ بني تميم ومَن جاورهم.

والثاني: حَمْله على لغة بني سُلَيْم، في إجراء القول مُجْرَى الظن مطلقًا في نصب مفعولين، وتُنطق الياء على ذلك ياءً خالصة.

انظر: «هامش العلل» لابن أبي حاتم، والمسألة رقم (25) و (759).

ص: 184

• وللخبر شاهدان:

الأول: قال الطبري في «التفسير» (3/ 259): حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَا جَمِيعًا: عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالْإِنَاءُ فِي يَدِ عُمَرَ، قَالَ: أَشْرَبُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَشَرِبَهَا.

كَتَب شيخنا مع الباحث: الخبر ضعيف منكر؛ لمُخالَفته الآية {حَتَّى يَتَبَيَّنَ} والمؤذن لا يُؤذِّن حتى يتبين. فَضْلًا عن ضعف السند.

الشاهد الثاني: أخرجه أحمد رقم (14755): حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنِ الرَّجُلِ يُرِيدُ الصِّيَامَ، وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ لِيَشْرَبَ مِنْهُ، فَيَسْمَعُ النِّدَاءَ، قَالَ جَابِرٌ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِيَشْرَبْ» . وابن لَهيعة ضعيف، ولم يَرْوِ عنه أحد من العبادلة.

ص: 185

‌باب ما جاء في فضلِ مَنْ فَطَّر صائمًا

• قال الترمذي في «سُننه» رقم (807): حَدثنا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» .

وتابع عبدَ الملك جماعة: حَجاج بن أرطأة، ومَعْقِل بن عُبيد، ويعقوب بن عطاء، وعمرو بن قيس، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى في الأصح عنه

(1)

.

وخالفهم جميعًا حُسين المُعَلِّم، فأوقفه على عائشة، وروايته أرجح لأن مَنْ خالفه ضعفاء.

أخرجه النَّسَائي (3318): أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ»

(2)

.

(1)

وعن عبد الرحمن سفيان بن عُيينة، واختُلف عليه: فرواه عنه الحُميدي وابن أبي عمر دون الشاهد (مَنْ فَطَّر صائمًا) وتابعهما يزيد بن زُريع.

وخالفهم مُؤمَّل بن إسماعيل - وهو صدوق سيء الحفظ -، فأبدل (ابنَ أبي ليلى) بـ (ابن جُريج).

(2)

وهذا السند يَرْجِعُ إلى يزيد بن زريع الراوي عن ابن عُيينة.

ص: 186

• وعلة الموقوف الاختلافُ على يزيد بن زُريع.

والأصح عن حسين المُعَلِّم كما في البخاري (2843): حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى.

ومسلم رقم (1895): حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ - حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا» .

• والخلاصة: أن علة الخبر المرفوع الانقطاع بين عطاء وزيد بن خالد، قاله ابن المديني.

وعلة الموقوف الاختلافُ على يزيد بن زُريع في الرفع والوقف، والاختلاف في الأسانيد والمتن.

• وانتهى شيخنا مع الباحث/ محمود عربان بتاريخ (10) رمضان (1442 هـ) المُوافِق (22/ 4/ 2021 م) إلى ضعف «مَنْ فَطَّر صائمًا» مرفوعًا وموقوفًا، واعتماد رواية «الصحيحين» دون الشاهد.

ص: 187

‌مَنْ أكل أو شرب وهو صائم

• قال البخاري (1933)، ومسلم (1155) من طريق هشام بن حسان

(1)

: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» .

• وتَابَع ابنَ سيرين على هذا اللفظ جماعةٌ:

خلاس، جاء معطوفًا على ابن سيرين، أخرجه البخاري (6669).

أبو رافع الصائغ، أخرجه أحمد (1048) وغيره، ولفظه:«فليُتم صومه، ولا قضاء عليه» .

أبو سعيد المقبري، أخرجه الدارقطني (2247).

• خالف الجماعةَ هؤلاء محمدُ بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أخرجه ابن خُزيمة في «صحيحه» (1990): نَا مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَا مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ، الْبَاهِلِيَّانِ الْبَصْرِيَّانِ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا، لا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» .

هَذَا حَدِيثُ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِي حَدِيثِهِ:«مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» .

(1)

خالفه مبارك بن فَضَالة، لكن عنه عمار بن مَطَر، وهو متروك. أخرجه الدارقطني في «سُننه» (2244).

ص: 188

وتابع أبا سلمة أبو رافع، أخرجه الدارقطني (2245) وفي سنده عمار بن مطر، متروك.

• قال النَّسَائي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو.

• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ أبي صُهيب الراجحي، بتاريخ (25) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (30/ 11/ 2021 م): التحرير يقتضي ترجيح رواية ابن سيرين، والعمل التقليدي قد يقتضي تحسين سند أبي سلمة، لكن نلجأ هنا - والله أعلم - إلى رواية ابن سيربن. اهـ.

• قال ابن عَدِيّ في «الكامل» (9/ 425): هذا غريب المتن والإسناد، وغرابة متنه حيث قال:«فلا قضاء عليه ولا كفارة» وغرابة الإسناد من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

وكان شيخنا من قبل كَتَب مع الباحث نفسه: وَهِم ابن عمرو - أي محمد - في اللفظ. ا هـ.

• تنبيه: تقييد رواية محمد بن عمرو برمضان، ونَفْي القضاء والكفارة، خلافًا لرواية الجماعة وكذا «الصحيحان»

(1)

.

(1)

و «كذا» شبه جملة خبر مقدم و «الصحيحان» مبتدأ مؤخر. قال ابن مالك في «ألفيته» (ص/ 17): وأخبروا بظرفٍ أو بحرف جرّ

ناوين معنى كائنٍ أو استقر.

أفاده العلامة عبد العزيز بن إبراهيم القرشي الفيومي.

ص: 189

‌القُبلة للصائم

• ورد في تجويز القبلة للصائم حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ» ، ثُمَّ ضَحِكَتْ

(1)

وما أخرجه ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» رقم (9657): حَدَّثنا شَبَابَةُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: هَشَشْتُ إِلَى الْمَرْأَةِ فَقَبَّلْتُهَا وَأَنَا صَائِمٌ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا بَأْسَ. قَالَ: «فَفِيمَ؟» .

وتابع شَبَابَةَ: أحمد بن يونس، وعيسى بن حماد، وشُعيب بن يونس، وأبو الوليد، ويحيى بن حسان، والفضل بن الحُبَاب.

• بينما في «شرح معاني الآثار» رقم (3358): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ لَا يَنْظُرُنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا شَأْنِي؟ قَالَ: «أَلَسْتَ الَّذِي تُقَبِّلُ

(1)

أخرجه البخاري (1928) ومسلم (1106). وورد خبر في المنع من القبلة للصائم من طريق عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضِّنِّيِّ، عَنْ مَيْمُونَةَ، مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ، قَالَ:«قَدْ أَفْطَرَا» أخرجه ابن ماجه بسند ضعيف رقم (1686) وأبو يزيد مجهول.

ص: 190

وَأَنْتَ صَائِمٌ؟» فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنِّي لَا أُقَبِّلُ بَعْدَ هَذَا وَأَنَا صَائِمٌ! فَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ قَالَ:«نَعَمْ» .

• الخلاصة: أن طريق الليث بن سعد أصح وأرجح من طريق عمر بن حمزة؛ لضَعْفه

(1)

وقال علي بن المديني كما في «مسند الفاروق» (1/ 417) عن طريق الليث: لا أحفظه إلا من هذا الوجه، وهو حديث مصري، يرجع إلى أهل المدينة، وهو إسناد حسن. وقال ابن كَثير: هذا إسناد حسن، كما قال علي ابن المديني. وقال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 89): فَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ مَعْرُوفٌ لِلرُّوَاةِ. وصحح إسناده النووي في «المجموع» (6/ 321).

• بينما في «المغني» (4/ 361): أن أحمد ضَعَّف هذا الحديث، وقال: هذا ريح، ليس من هذا شيء.

• وقال الإمام النَّسَائي عقبه في «السُّنن الكبرى» (3/ 293): هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَبُكَيْرٌ مَأْمُونٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدٍ رَوَاهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَا نَدْرِي مِمَّنْ هَذَا». وبِناء على كلام الإمام النَّسَائي أورده الشيخ مقبل في «أحاديث مُعَلة ظاهرها الصحة» رقم (98).

(1)

ولأن حديث بُكَيْر في اليقظة، وحديث عمر بن حمزة في المنام. ولأن مذهب ابن عمر في الترخيص في القُبلة للصائم، وإن كان يفرق بين الشيخ والشاب. أفاده الطحاوي رحمه الله.

ص: 191

• بينما كَتَب شيخنا مع الباحث السيد بن بدوي بن محمد

(1)

: بتاريخ (7) رمضان (1441 هـ) الموافق (30/ 4/ 2020 م): ما زلنا بصدد البحث عن العلة. ا هـ. وصححه لشواهده في «المُنتخَب» (21).

• قال ابن عبد البر في «التمهيد» (3/ 576): لا أعلم أحدًا رخص فيها - أي القبلة - لمن يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه.

• قال ابن قدامة في «المغني» (4/ 361): إذا كان ذا شهوة مفرطة، بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل، لم تحل له القبلة؛ لأنها مفسدة لصومه، فحرمت، كالأكل.

(1)

سبقه إلى بحثه وعَرضه أبو البخاري محمد بن محمود، وانتهى إلى أن رجاله ثقات. وكَتَب شيخنا معه: سنده يصح إلى حدٍّ ما، ولكن استنكره النَّسَائي، وأحمد وهاه.

ص: 192

‌المبالغة في الاستنشاق

• قال أبو داود في «سننه» رقم (142) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، فِي آخَرِينَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا، قَالَ: وَأُتِينَا بِقِنَاعٍ - وَلَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: الْقِنَاعَ، وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ - ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا؟ - أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ؟» قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ، إِذْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ إِلَى الْمُرَاحِ، وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقَالَ:«مَا وَلَّدْتَ يَا فُلَانُ؟» ، قَالَ: بَهْمَةً، قَالَ:«فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً» ، ثُمَّ قَالَ:" لَا تَحْسِبَنَّ وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا - يَعْنِي الْبَذَاءَ - قَالَ:«فَطَلِّقْهَا إِذًا» ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ، قَالَ:" فَمُرْهَا يَقُولُ: عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ، وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي، عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ:«أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» .

ص: 193

• الخلاصة: أن سنده حسن لحال عاصم بن لقيط فقد وثقه النسائي والعجلي وذكره ابن حبان وروه عنه اثنان في التهذيب وغيره.

• بينما كتب شيخنا مع الباحث/ سيد بيومي بتاريخ الأحد 12 صفر 1443 موافق 19/ 9/ 2021 م: في السند عاصم بن لقيط ولا يتحمل مثل هذا وانفراد النسائي بتوثيقه بغض النظر عن توثيق العجلي وابن حبان وغيرهم فالظاهر عاصم لا يتحمل هذا المتن ولم يرو عنه إلا واحد.

ص: 194

‌الحجامة للصائم

• أخرج الدارقطني في «سُننه» (3/ 149) رقم (2260): حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«أَفْطَرَ هَذَانِ» .

ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ.

وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ.

كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أشرف الفيومي إلى أن في سنده (خالد بن مَخْلَد) وقد تكلموا فيه خارج الصحيح

(1)

.

(1)

من كبار شيوخ البخاري. قال صالح جزرة: ثقة، إلا أنه كان متهمًا بالغلو في التشيع.

قُلْتُ - ابن حجر -: أما التشيع فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه.

وأمَّا المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه وأوردها في "كامله"، وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد وهو حديث أبي هريرة من عادى لي وليا

الحديث. وروى له الباقون سوى أبي داود. كما في «هدى الساري» (1/ 96).

ص: 195

وأفاد الباحث/ أحمد بن بكري: له أصلًا موقوفًا في البخاري، من طريق ثابت عن أنس، ولم يربطه به شيخنا.

ص: 196

‌الصيام في السفر

• قال البخاري رقم (1945): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ:«خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَابْنِ رَوَاحَةَ»

(1)

.

وتابع عبدَ الرحمن، سعيدُ بن عبد العزيز في الأصح عنه، وقد اختُلف عليه، فرواه عنه جماعة، وهم، عبد القدوس بن حجاج، ومحمد بن بكار، وبِشر بن بكر، وعبد الله بن صالح، وعمرو بن أبي سلمة، كرواية عبد الرحمن بن سعيد.

وخالفهم الوليد بن مسلم

(2)

فزاد: «في شهر رمضان» أخرجه مسلم (1122) وغيره.

وتابعه الوليد بن مزيد البيروتي في وجه، أخرجه تَمام في «فوائده» (633).

• وقال ابن حجر في «فتح الباري» (4/ 182): قَوْلُهُ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ» فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيْضًا:

«خَرَجْنَا

(1)

شَكَّ الشافعي فقال: عبد الله بن حُذافة، أو: ابن رواحة. كما في «السُّنن المأثورة» (315).

(2)

وتابعه يحيى الغساني وابن المبارك، كما عند أبي نُعيم في «الحِلية» (8/ 274) و «معرفة الصحابة» وفي سنده إبراهيم بن هشام، متروك الحديث.

ص: 197

مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ» الْحَدِيثَ وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَتِمُّ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ، وَيَتَوَجَّهُ الرَّدُّ بِهَا عَلَى أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ فِي زَعْمِهِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا، وَقَدْ كُنْتُ ظَنَنْتُ أَنَّ هَذِهِ السَّفْرَةَ غَزْوَةُ الْفَتْحِ.

• وقال في «التلخيص الحبير» (2/ 191): فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صام في رمضان وهو مسافر، وهو في «الصحيحين» بلفظ:(وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة).

• وقال العَلَّامة الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 372): ولم أجد مَنْ نَبَّه على شذوذ هذه الزيادة، حتى ولا الحافظ ابن حجر، بل إنه ذكرها من رواية مسلم، ثم بنى عليه قوله:«وبهذه الزيادة يتم المراد من الاستدلال (يعني على جواز إفطار المسافر في رمضان) ويتوجه الرد بها على ابن حزم في زعمه أن حديث أبي الدرداء هذا لا حجة فيه؛ لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعًا» .

فأقول: إن الرد المذكور غير متجه بعد أن حققنا شذوذ رواية مسلم، شذوذًا لا يَدَع مجالًا للشك فيه، ولو أن الحافظ تَيسَّر له تتبع طرق هذا الحديث وألفاظه، لَمَا قال ما ذكر.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ علي بن إسماعيل البحراوي، إلى شذوذ هذه اللفظة. بتاريخ (13) من شهر رمضان (1442 هـ) الموافق (25/ 4/ 2021 م).

• تنبيه: ذَكَر هذه الزيادة في المتفق عليه الحُميدي في «الجَمْع بين الصحيحين» (53) وعبد الغني المقدسي.

ص: 198

‌الفِطر بغروب الشمس

• قال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]

وأخرج مسلم في «صحيحه» رقم (1101): وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ: «يَا فُلَانُ، انْزِلْ فَاجْدَحْ

(1)

لَنَا» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا. قَالَ:«انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا» .

قَالَ: فَنَزَلَ فَجَدَحَ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ:«إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَا هُنَا، وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»

(2)

.

(1101): وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، كِلَاهُمَا عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ

(1)

(فاجدح) هو أمرٌ من الجَدْح، بجيم ثم مهملتَين، وهو الخَلْط، والمراد هنا: أَخلِطُ السَّويقَ بالماء، أو اللَّبن والماء، وحَرَّكَه، والمِجْدَح: العُود الذي يُحرَّك به في طرَفه عُودان، وقال الدَّاوُدي: معنى أَجْدَحُ: أَخلُب. كما في «اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح» (6/ 415).

(2)

قوله: «فقد أفطر الصائم» معناه أنه قد صار في حكم المفطر وإن لم يأكل وقيل معناه أنه قد دخل في وقت الفطر وحان له أن يفطر. كما في «معالم السنن» (2/ 106) للخطابي.

ص: 199

وَعَبَّادٍ وَعَبْدِ الْوَاحِدِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ:(فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) وَلَا قَوْلُهُ: (وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا) إِلَّا فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ وَحْدَهُ.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ عبد التواب بن عشري بن أحمد الفيومي

(1)

، بتاريخ (1) رمضان (1442 هـ) المُوافِق (13/ 4/ 2021 م) إلى ضعف لفظة:(في شهر رمضان).

وزاد الباحث أن معنى اللفظة الأخرى موجود في الروايات؛ لذا اقتصر على هذه في النقاش، وأنها لم تَرِد في حديث عمر الذي قَدَّمه مسلم على هذا.

(1)

وُلد بقرية «الأَكْرَتْ» التابعة لمركز سِنورس، بمحافظة الفيوم.

من مؤلفاته التي راجعها شيخنا:

1 -

«صيام التطوع» . 2 - «الأضحية» . 3 - «أذكار الصباح والمساء» .

وثَم كُتب أخرى، عَرَض بعض الأحاديث، منها:

1 -

«اعرف أزواج نبيك» . 2 - «بحث في الجنائز» . 3 - «أحكام النفاس» .

ص: 200

‌دعوة الصائم

• قال الإمام أبو داود في «سُننه» رقم (2357): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَبُو مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِي: ابْنَ سَالِمٍ الْمُقَفَّعَ -

(1)

قَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ» وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .

• وتابع عبدَ الله بن محمد بن يحيى جماعة

(2)

• قال الدارقطني في «سُننه» (3/ 156): تَفَرَّدَ بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

(1)

ومَرْوان بن المُقفَّع روى عنه اثنان: الحسين بن واقد، وعزرة بن ثابت وهو ثقة، وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وحَسَّن له الدارقطني كما سبق، واستَغرب له الحاكم الشطر الثاني من الحديث في دعاء الصائم.

والحسين بن واقد مُختلَف فيه، فيُحسَّن له ما لم يُستنكر عليه؛ فقد قال أحمد: في أحاديثه زيادة، ما أدري أي شيء هي! و نَفَض يده. قال الدارقطني في «سُننه» (3/ 156): تَفرَّد به الحسين بن واقد، إسناده حسن.

وقال الحافظ أبو عبد الله: هذا حديث غريب، لم نكتبه إلا من حديث الحسين بن واقد، رواه أبو داود عن عبد الله بن محمد بن يحيى.

(2)

منهم: قريش بن عبد الله، وعلي بن مسلم، وإبراهيم الجوهري، ويحيى بن أبي طالب

وآخرون.

ص: 201

وقال البزار: تفرد به الحسين بن واقد.

• وقال الحاكم في «المستدرك» (1/ 584): هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَقَدِ احْتَجَّا بِالْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَمَرْوَانَ بْنِ الْمُقَنَّعِ

(1)

.

أورد له الباحث شاهدًا في «الأمالي الخميسية» للشجري، من طريق موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد حدثنا أبي، عن أبيه عن جده جعفر عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: «اللهم لك صُمنا

» آفته موسى بن إسماعيل.

• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ السيد بن بدوي: فيه كلام. وحَاوَل الباحث أحمد النمر في (7) رمضان (1441 هـ) الموافق (30/ 4/ 2020 م) رَدَّ هذا الطريق بالطرق الثابتة عن ابن عمر في الأخذ من اللحية في الحج، فلم يجبه الشيخ.

(1)

بل قال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (11/ 137) عقب كلام الحاكم: ورأيتُ بهامشه بخط الحافظ أبي الفتح القشيري، قبالة مَرْوان بن المُقفَّع: مذكور في رجال أبي داود وحده، ولم أره في رجال الشيخين، فيُنظر. انتهى.

والمِزي لم يَذكر هذا الرجل جملة، لا في رجال البخاري ولا في رجال أبي داود، تبعًا لصاحب «الكمال» .

ص: 202

‌من مات وعليه صوم فماذا يفعل وليه

• اختلف في هذه المسألة على أقوال

(1)

:

القول الأول: يقضي عنه أولياءه كالدين وأصح دليل عام في ذلك ما أخرجه الإمام البخاري (1952) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ، حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وأخرجه مسلم (1147) وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ به.

وتابع عمرو بن الحارث ابن لهيعة أخرجه أحمد (24401). ويحيى بن أيوب أخرجه ابن خزيمة في «صحيحة» (2052) والبيهقي في «السنن الصغرى» (376).

(1)

قال ابن قدامة في «المغني» (4/ 398): من مات وعليه صيام من رمضان، لم يخل من حالين:

أحدهما: أن يموت قبل إمكان الصيام، إما لضيق الوقت، أو لعذر من مرض أو سفر، أو عجز عن الصوم، فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم.

الحال الثاني: أن يموت بعد إمكان القضاء، فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين. وهذا قول أكثر أهل العلم.

ص: 203

وخالف محمد بن جعفر بن الزبير سالم بن غيلان وعنه حيوة بن شريح واختلف عليه فرواه ابن وهب كرواية الجماعة أخرجه أحمد (24402).

وخالفه عبد الله بن واقد الحراني أخرجه إسحاق في «مسنده» (900) بلفظ: «من مات وعليه صوم نذر فليصم عنه وليه» فقيده بالنذر.

• والخلاصة: أن تقييد الصوم بالنذر منكر لأن عبد الله بن واقد ضعفه أبو زرعة وقال النسائي: ليس بثقة. وقال البخاري: تركوه منكر الحديث وسكتوا عنه. وقال صالح جزرة: ضعيف مهين. قال ابن أبي عروبة: كان يتكل على حفظه فيغلط. وقال أحمد: ثقة إلا أنه كان يخطئ

إلخ. وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم.

وسالم بن غيلان قال فيه أبو داود والنسائي: لا بأس به. وقال الدارقطني: متروك.

• وكتب شيخنا معي بتاريخ الخميس 16/ صفر 1443 موافق 24/ 9/ 2021 م: التقييد بالنذر في حديث عائشة مرجوح.

ثم كتب مع الباحث/ أحمد النمر بتاريخ 14 ربيع أول 1443 موافق 20/ 10/ 2021 م: أن لفظة النذر هنا منكرة.

القول الثاني: لا يصام عنه إلا النذر وبه قال أحمد وحمل حديث عائشة رضي الله عنها على النذر أخرج البخاري رقم (1953) من طريق زَائِدَة، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ:«نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» .

ص: 204

تابع زائدة على هذا اللفظ لكن بذكر امرأة ولا يضر - أبو معاية، ويحيى القطان، وعيسى بن يونس، وعبثر بن القاسم، وابن نمير، وغيرهم -

خالفهم شعبة في المتن ووافقهم في السند كما عند أحمد (3183) وخالفهم أبو خالد الأحمد فأدرج في السند سلمة بن كهيل وعطاء مع سعيد بن جبير أخرجه مسلم (1148) واستدركه عليه الدارقطني في «التتبع» وكتب شيخنا مع الباحث أحمد النمر بتاريخ 7 ربيع أول 1443 هـ موافق 13/ 10/ 2021 م: رواية شعبة شاذة وكذا رواية أبي خالد الأحمر. ا هـ.

ورواه الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير بلفظ: صوم نذر بدل شهر صوم. أخرجه مسلم.

ورواه جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير كما عند أحمد (1861) وفيه نذرت

».

وعند ابن خزيمة (2053) صوم خمسة عشر يوما وفي سندها أبو حريز وهو غير حريز بن عثمان وهو ضعيف.

• وانتهى شيخنا في رواية جعفر بن إياس والحكم أن سعيد بن جبير يتحمل المتنين واللفظ العام يشهد للفظ الخاص في صيام النذر ويرى الباحث أن كله محمول على صوم النذر. بينما ذهب ابن حجر إلى ترجيح رواية الصحيحين باللفظ العام. ا هـ.

وبهذا القول - لا يصام عنه إلا النذر - قال الإمام أحمد ونقله عنه أبو داود عقب خبرعائشة السابق قال: «هَذَا فِي النَّذْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ» .

ص: 205

القول الثالث: يطعم عنه ولا يصام وهو قول الجمهور وأدلتهم من المرفوع ضعيفة ومن الموقوف صحيحة.

ص: 206

‌صيام التطوع

‌استحباب صيام ست من شوال

• أخرج مسلم (1164) من طريق سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» .

ورواه جماعة من الثقات عن سعيد فهذا يقويه، كحديث «ثلاثةٌ حق على الله عونهم

».

• الخلاصة: أن المتن غير مخالف للشريعة وله شواهد متكلم فيها يصح بها.

وأخرجه مسلم. وانظر «علل الدارقطني» (1009).

ص: 207

‌استحباب صيام الأيام البيض

• ورد من حديث قتادة بن ملحان رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِصِيَامِ الْبِيضِ وَيَقُولُ: «هُنَّ صِيَامُ الدَّهْرِ» أخرجه الطيالسي (1321) النسائي (2430) وغيره وفي سنده عبد الملك بن قتادة بن ملحان لم يرو عنه إلا أنس بن سيرين وذكره ابن حبان في الثقات.

• وورد من حديث أبي ذر رضي الله عنه واختلف فيه على موسى بن طلحة تارة عن ابن الحوتكية عن أبي ذر أخرجه النسائي (2424) وأخرى بإسقاط ابن الحوتكية وثالثة مرسلا ورابعة موسى بن طلحة سمعت أبي ذر وأرجحها بإثبات بن الحوتكية ولم يوثقه معتبر وتفرد عنه موسى بن طلحة. ورجح الدارقطني في «العلل» (511) والمحفوظ عن موسى بن طلحة عن ابن الحوتكية عن أبي ذر.

• وكتب شيخنا مع الباحث/ محمود بن علي الفيومي بتاريخ 19 صفر 1443 موافق 26/ 9/ 2021 م: إن كل طرق حديث الثلاثة البيض فيها كلام ولكن صححها بعضهم بمجموعها.

• وله شاهد عند النسائي (2439) من طريق أبي إسحاق عن جرير وهو منقطع.

ص: 208

• وله شاهد من حديث ابن عباس كان رسول الله لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر أخرجه النسائي (2345). تفرد به جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد عن ابن عباس وقال ابن منده جعفر ليس بقوي في سعيد.

وخالف جعفر بن أبي المغيرة ثلاثة:

جعفر بن أبي وحشية كما عند البخاري (1971) ومسلم (2694).

عثمان بن حكيم كما عند مسلم (2696) بلفظ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ» .

سلمة بن المحبق قال: سألت ابن عباس عن صيام الأيام البيض فقال كان عمر بن الخطاب يصومهن.

4 -

وفي الباب أدلة عامة فيها الوصية بصيام ثلاثة أيام من كل شهر كما في وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة

(1)

وأبي الدرداء

(2)

وأبي ذر

(3)

رضي الله عنهم وفي تخييره صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما

(4)

.

ومن الأدلة العامة ما أخرجه النَّسَائي في «سُننه» رقم (2411): أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، أَنَّ مُطَرِّفًا حَدَّثَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «صِيَامٌ

حَسَنٌ

(1)

أخرجه البخاري (1178) ومسلم (721).

(2)

أخرجه مسلم (722).

(3)

أخرجه أحمد (21518) وغيره وإسناده صحيح.

(4)

أخرجه البخاري (1976) ومسلم (1159) بلفظ: «وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ» فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ» .

ص: 209

ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ».

• الخلاصة: إسناده صحيح، وكَتَب شيخنا مع الباحث محمد بن سيد بن حسن الفاشني

(1)

: صحيح لشواهده.

• ومن شواهده حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: «صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» أخرجه البخاري (1178) ومسلم (721).

• تنبيه: غالب مفاريد الإمام النَّسَائي لها شواهد في الصحيح.

(1)

وُلد بمركز الفشن بمحافظة بني سويف. يُناقش مع شيخنا «مفاريد الإمام النَّسَائي بين الصحة والضعف» .

ص: 210

‌فضل صوم يومَي الاثنين والخميس

• قال الإمام مسلم رقم (2565): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» .

حَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِإِسْنَادِ مَالِكٍ، نَحْوَ حَدِيثِهِ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ الدَّرَاوَرْدِيِّ:(إِلَّا الْمُتَهَاجِرَيْنِ) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَةَ، وقَالَ قُتَيْبَةُ:«إِلَّا الْمُهْتَجِرَيْنِ» .

ورقم (2565): حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَفَعَهُ مَرَّةً قَالَ:«تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عز وجل فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» .

حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ: يَوْمَ الإِثْنَيْنِ وَيَوْمَ

الْخَمِيسِ،

ص: 211

فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، إِلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اتْرُكُوا - أَوْ: ارْكُوا - هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا».

• الخلاصة: الأرجح عن سُهيل بن أبي صالح الرفع بلفظ: «تُفتح أبواب الجنة» أما لفظة: «أبواب السماء» فهي شاذة عنه.

• والأرجح عن مسلم بن أبي مريم الوقف بلفظ: «تُعْرَض أعمال العباد» وهذه اللفظة «تُعْرَض

» وردت في طريق سهيل وهي شاذة عنه.

• وتابع مسلم بن أبي مريم على وقف الخبر بلفظ: «تتفتح» جماعة:

1 -

المسيب بن رافع، كما عند الدارقطني في «علله» .

2 -

الحَكَم بن عُتيبة، وعنه شُعبة في رواية الجماعة عنه

(1)

.

3 -

الأعمش كما في نسخة وكيع، لكن قال: عن أبي هريرة أو كعب موقوفًا، شك الأعمش. وقال الدارقطني: ومَن أوقفه أثبت.

• قلت أبو أويس والباحث: وهو كذلك لكن هل يقال: له حكم الرفع لأنه لا يقال من قَبيل الرأي؟ أو من الإسرائيليات بسبب رواية الأعمش السابقة؟

• بينما اعتمد شيخنا مع الباحث/ العلاء بن جمال السوهاجي، بتاريخ (30) شعبان (1441 هـ) الموافق (23/ 4/ 2020 م) رواية سُهيل المرفوعة.

• وتابع أبا صالح ذكوان السَّمان على الرفع - عبدُ الله بن سليمان مولى عثمان، كما عند أحمد (10415): حَدَّثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْخَزْرَجُ - يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ السَّعْدِيَّ - عَنْ أَبِي أَيُّوبَ - يَعْنِي مَوْلَى عُثْمَانَ - عَنْ

(1)

خلافًا ليحيى بن السَّكَن؛ فقد رَفَعه كرواية سهيل، لكن قال: عن أبي هريرة وأبي سعيد.

ص: 212

أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ» .

والخزرج بن عثمان قال فيه ابن مَعِين: صالح. وقال أبو داود: شيخ. وقال الدارقطني: يُترك.

ص: 213

‌صيام الأشهر الحُرُم

• قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].

• وقال جل ذكره: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب: 35].

• وأخرج مسلم (1163): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» .

وَحَدِيث ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ:«وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» .

• ومن النصوص في الباب حديث مجيبة الباهلية: «صم من الحُرُم وأَفْطِر» به مجاهيل. والأحاديث التي في صيام شهر رجب ضعيفة

(1)

.

(1)

قال ابن تيمية في «الفتاوى الكبرى» (2/ 478): أما صوم رجب بخصوصه، فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة، لا يَعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يُرْوَى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات.

وأكثر ما رُوِيَ في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب يقول: «اللهم بَارِك لنا في رجب وشعبان، وبَلِّغنا رمضان» .

ص: 214

• وأخرج عبد الرزاق في «مُصنَّفه» رقم (7998): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَصُومُ أَشْهُرَ الْحُرُمِ» . وإسناده صحيح.

وأيضًا (7999): عن مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَكَادُ أَنْ يُفْطِرَ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَلَا غَيْرِهَا.

• تنبيه: لفظ: «ولَا غَيْرِهَا» في الأثر فيه ضعف؛ لأنه من رواية مَعْمَر عن أيوب.

• قال النووي في «المجموع» (6/ 386): قال أصحابنا: ومِن الصوم المستحب صوم الأشهر الحُرُم، وهي: ذوالقعدة وذو الحجة والمُحَرَّم ورجب، وأفضلها المُحَرَّم.

• وقال أبوالطاهر التَّنوخي المالكي: ومن المُرغَّب فيه صوم الأشهر الحُرُم.

• وقال ابن مفلح في «الفروع» (5/ 99): وَلَا يُكْرَهُ إِفْرَادُ شَهْرٍ غَيْرِ رَجَبٍ، قَالَ صَاحِبُ «الْمُحَرَّرِ»

(1)

: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِلْأَخْبَارِ.

الباحث/ عبد التواب العشري الفيومي (1) ربيع الآخِر (1441 هـ) المُوافِق (28/ 11/ 2019 م).

(1)

هو مجد الدين ابن تيمية.

ص: 215

‌صيام التاسع

• قال الإمام مسلم رقم (1134): حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ

(1)

، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ

(2)

، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

• وتابع يحيى بن أيوب مسلم بن خالد الزنجي فجعله عن إسماعيل بن أمية عن أبي المنهال عن ابن عباس أخرجه الطبراني (11266) ومسلم بن خالد ضعيف. ورواه طاووس عن ابن عباس أخرجه الطبراني (10891) وفي سنده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف.

• ورواه عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وعنه جماعة:

(1)

ويحيى بن أيوب مختلف فيه وقال الذهبي «سير أعلام النبلاء» (8/ 6 (له غرائب ومناكير، يتجنبها أرباب الصحاح، وينقون حديثه، وهو حسن الحديث.

(2)

وثقه ابن معين والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه تسعة ونقل الحافظ عن ابن أبي داود أنه قال مجهول. والعبرة بقول المتقدمين.

ص: 216

1 -

يزيد بن هارون.

2 -

ابن وهب.

3 -

ابن أبي فديك.

4 -

علي بن الجعد.

5 -

روح بن عبادة.

6 -

أسد بن موسى.

7 -

أحمد بن يونس اليربوعي.

8 -

أبو الوليد الطيالسي.

9 -

أبو عامر العقدي وغيرهم دون شك بين عبد الله بن عمير وابن عباس.

• ورواه وكيع عن ابن أبي ذئب واختلف عليه فروه عنه كرواية الجماعة أحمد بن حنبل كما في «مسنده» (3274) وعلي بن محمد الطنافسي أخرجه ابن ماجه (1736) وابن أبي شيبة في «مصنفه» (9470).

• وخالفهم أبو كريب كما عند مسلم (1134) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَيْرٍ، - لَعَلَّهُ قَالَ: - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ.

• والصحيح رواية الجماعة بعدم الشك.

• وفي سنده القاسم بن عباس وثقه ابن معين وقال أبو حاتم: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات وقال في «مشاهير علماء الأمصار» : من خيار أهل

ص: 217

المدينة وقدماء مشايخهم. ونقل الذهبي عن ابن المديني أنه قال: مجهول. ولينه ابن البرقي وقال الذهبي: بل هو صدوق مشهور.

• وعبد الله بن عمير مولى ابن عباس وقيل مولى أم الفضل وثقه أبو زرعة وقال ابن سعد ثقة قليل الحديث. وذكره ابن حبان وابن خلفون في الثقات. وصرح بالسماع من ابن عباس رضي الله عنهما.

• والخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ أبي البخاري بتاريخ صفر 1443 موافق 21/ 9/ 2021 م: الظاهر والله أعلم ثبوت الخبر لأمور منها:

يحيى بن أيوب وإن كان فيه مقال لكنه هنا لم يخالف.

• متابعة وإن كان فيها خلل في شيخ إسماعيل بن أمية

(1)

لكنها على الأصل متابعة مسلم بن خالد.

متابعة عبيد بن عمير.

عدم طعن أحد من أهل العلم فيما علمنا فيما يبدوا في هذا الخبر بل تلقته الأمة بالقبول.

إخراج مسلم له دون نكير.

وكان قد بحثه الباحث د/ محمد بن ياسين حفظه الله من قبل بتاريخ 11 صفر 1443 موافق 18/ 9/ 2021 م وكانت النتيجة من وجهين:

1 -

أن يحيى بن أيوب الغافقي إلى الضعف أقرب.

(1)

يري الباحث/ أبو البخاري أن الخلل في تلميذ إسماعيل.

ص: 218

2 -

ضعف متابعة القاسم بن عباس عن عبد الله بن عمير عن ابن عباس للكلام في عبد الله بن عمير وتلميذه القاسم.

ثم عقد مجلس آخر وبعد بحث حال يحيى والقاسم وعبد الله بن عمير بتوسع ظهرت النتيجة السابقة. والله الموفق.

• فائدة: وردت أخبارفي التوسعة على الأهل يوم عاشوراء كلها ضعيفة وأسانيدها نازلة:

منها حديث ابن مسعود أخرجه البيهقي في «الشعب» (3513) وفي سنده هيصم بن الشداخ منكر الحديث.

ومنها حديث أبي سعيد أخرجه الطبراني في «الأوسط» (9302) وفي سنده محمد بن إسماعيل بن جعفر منكر الحديث قاله أبو حاتم.

ومنها حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في «الشعب» (3515) والعقيلي في «الضعفاء» (4/ 65) وفي سنده حجاج بن نصر ومحمد بن ذكوان ضعيفان.

ومنها حديث جابر أخرجه البيهقي في «الشعب» (3512) وفي سنده محمد بن يونس ضعيف.

ومنها حديث ابن عمر أخرجه أبو زرعة في «التوسعة على العيال» (12) وفي سنده خطاب بن أسلم مجهول.

• والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث محمد بن خضر الحامولي بتاريخ الخميس 6 ربيع آخر 1443 موافق 11/ 11/ 2021 م إلى ضعفها.

ص: 219

‌رفع الأعمال في شعبان

• عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ

(1)

، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

أخرجه أحمد (5/ 201)، والنَّسَائي (2357)، والبزار (2617) وغيرهم، عن ابن مهدي. والطحاوي في «شرح المعاني» (2/ 82)، وغيره عن القَعْنَبي. والبيهقي في «الشُّعَب» (5/ 352) من طريق ابن أبي أويس. ثلاثتهم: حدثنا ثابت بن قيس أبو الغصن - شيخ من أهل المدينة - قال: حدثني أبو سعيد المقبري قال: حدثني أسامة بن زيد، به.

وخالفهم زيد بن الحُباب فأثبت أبا هريرة بين المقبري وأسامة بن زيد، أخرجه ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» (9858) وغيره. قال الإمام أحمد في زيد بن

(1)

ومما يؤيد أن العبادة مُضاعَفة في وقت الغفلة: ما أخرجه مسلم (2949) من حديث معاوية بن قُرَّة رضي الله عنه مرفوعاً: «الْعِبَادَةُ فِى الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» .

قال النووي: المراد بالهَرْج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس. وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يَغفلون عنها ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد.

ص: 220

الحُباب: كان كثير الخطأ

(1)

.

وثابت بن قيس وثقه أحمد، وقال ابن مَعِين والنَّسَائي: ليس به بأس. وفي رواية عن ابن مَعِين: حديثه ليس بذاك، وهوصالح. وقال أبو داود: ليس حديثه بذاك. وقال ابن سعد: وكان قديماً قد رأى الناس وروى عنهم، وهو شيخ قليل الحديث. وقال ابن عَدِيّ: وهو ممن يُكتب حديثه. وقال الحاكم: ليس بحافظ، ولا ضابط. وقال ابن حِبان في «الضعفاء»: كان قليل الحديث، كثير الوهم فيما يرويه، لا يُحتج بخبره إذا لم يتابعه عليه غيره. وأعاده في «الثقات» .

• الخلاصة: في إسناده ثابت بن قيس أبو الغصن، مختلف فيه، وقال شيخنا العدوي: والأرجح أنه إلى الضعف أقرب. بتاريخ (22) صفر (1441 هـ) الموافق شهر (10) عام (2019 م).

ثم كَتَب هذه النتيجة مع الباحث/ محمد بن خضر، بتاريخ (8) جمادى الأولى (1443 هـ) الموافق (12/ 12/ 2021 م).

(1)

وقَيَّد ابن حجر في «التقريب» إطلاق الخطأ بالثوري.

ص: 221

‌صيام النصف من شعبان

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلَا تَصُومُوا»

(1)

.

• أقوال العلماء:

• قال الطحاوي

(2)

: فلما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار المتواترة صوم يوم وإفطار يوم من سائر الدهر، دل ذلك أن صوم ما بعد النصف من شعبان مما قد دخل في إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، رحمهم الله

• وقال ابن عبد البر

(3)

: قال يحيى بن مَعِين: كانوا يتقون حديث العلاء بن عبد الرحمن، وقد رُوي عن النبي أنه صام شعبان كله، وهذه حجة لهم، ومن

(1)

منكر: أخرجه أبو داود (2339)، والترمذي (738)، وابن ماجه (1651)، وابن أبي شيبة في «المُصنَّف» (9119) وغيرهم، من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن، به.

واستنكره أبو زُرْعَة وابن مَعِين والإمام أحمد على العلاء.

وقال النَّسَائي: لا نَعْلَم أحدًا روى هذا الحديث غير العلاء بن عبد الرحمن.

والأحاديث المُعارِضة له أصح وأثبت، كحديث:«كَانَ صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلًا» . أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (1156). و «لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ» أخرجه البخاري (1914)، ومسلم (1082).

(2)

في «شرح معاني الآثار» (2/ 87).

(3)

في «الاستذكار» (10/ 239).

ص: 222

حديث عائشة رضي الله عنها: ما رأيتُ رسول الله أكثر صياماً منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلًا، بل كان يصومه كله.

ورَوَى الثوري عن منصور، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن أبي سلمة، عن أُم سلمة قالت: ما رأيتُ رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان.

• وقال عبد الله بن المبارك: جائز في كلام العرب أن يقال: (صام الشهرَ كله) إذا صام أكثره إن شاء الله تعالى.

• وقال النووي

(1)

: أما إذا صام بعد نصف شعبان غير يوم الشك، ففيه وجهان:

أصحهما - وبه قَطَع المُصنِّف وغيره من المحققين -: لا يَجُوز للحديث السابق.

والثاني: يَجُوز ولا يُكْرَه، وبه قَطَع المتولي، وأشار المُصنِّف في «التنبيه» إلى اختياره.

وأجاب المتولي عن الحديث السابق: «إذا انتصف شعبان، فلا صيام حتى يكون رمضان» بجوابين:

أحدهما: أن هذا الحديث ليس بثابت عند أهل الحديث.

والثاني: أنه محمول على مَنْ يَخاف الضعف بالصوم، فيُؤْمَر بالفطر حتى يقوى لصوم رمضان.

(1)

في «المجموع» (6/ 400، 401).

ص: 223

والصحيح ما قاله المُصنِّف وموافقوه، والجوابان اللذان ذَكَرهما المتولي يُنازَع فيهما.

• قلت (أبو أويس): بل هما الصواب، وثَم وجه ثالث، وهو أن حديث العلاء مُعارَض بالأدلة السابقة الصريحة الصحيحة، وبها قال الجمهور.

ص: 224

النهي عن صوم الجمعة منفردا

1 -

قال البخاري رقم (1986) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ:«أَصُمْتِ أَمْسِ؟» ، قَالَتْ: لَا، قَالَ:«تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ:«فَأَفْطِرِي» ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ الجَعْدِ: سَمِعَ قَتَادَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ، أَنَّ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَتْهُ: فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ.

وتابع يحيى وغندر عن شعبة جماعة منهم حجاج الأعور والطيالسي والنضر وشبابة بن سوار وعمرو بن مرزوق -.

وخالفهم بقية فجعلها صفية بدل جويرية أخرجه الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص/ 151) وذكره أبو حاتم في «العلل» وخطأ بقية.

وخالف كل هؤلاء عن شعبة روح بن عبادة أخرجه إسحاق (2080) فجعله عن ابن المسيب عن ابن عمرو وكأنه تصحيف لأنه رواه بالسند نفسه على الصواب كما عند إسحاق في «مسنده» (2079).

• ورواه القطان واختلف عليه في الوصل؛ كما في البخاري (1986) والإرسال كما في «العلل» (4324) رواية عبد الله.

• وتابع شعبة على الوصل همام أخرجه أحمد (27425) وغيره.

ص: 225

وتابعهما جماعة بالعطف كما في «معاني الآثار» (3307).

• ورواه جماعة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب عن ابن عمرو أخرجه أحمد (6771) وغيره.

• وتابع سعيد بن أبي عروبة معمر فقال عن قتادة عن ابن المسيب مرسلا.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أحمد النمر بتاريخ 14 صفر 1443 موافق 21/ 9/ 2021 م: إلى ترجيح رواية الإمام البخاري وتصحيحها.

وصححه أبو حاتم من حديثي جويرية وابن عمرو رضي الله عنهما.

2 -

وقال الإمام أحمد في «مسنده» (21954) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، سَمِعْتُ إِيَادَ بْنَ لَقِيطٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ لَيْلَى، امْرَأَةَ بَشِيرٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَصُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَا أُكَلِّمُ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَحَدًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا فِي أَيَّامٍ هُوَ أَحَدُهَا، أَوْ فِي شَهْرٍ، وَأَمَّا أَنْ لَا تُكَلِّمَ أَحَدًا، فَلَعَمْرِي لَأَنْ تَكَلَّمَ بِمَعْرُوفٍ، وَتَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَسْكُتَ»

• وتابع أبا الوليد، وعفان، أبو أحمد الزبيري، أخرجه البيهقي في «الشعب» (7171) وعاصم بن علي كما عند الطبراني (1232) وسنده حسن إلى ليلى وهي مختلف في صحبتها والأكثر على إثباتها لكن كتب شيخنا مع الباحث عمر بن ثابت بتارخ 28 ربيع أول 1443 موافق 3/ 11/ 2021 م: الخلاف القائم في صحبتها يحملنا على التوقف في هذا الخبر.

بينما صححه في «المنتخب» (427) وقال: خذ برأي الآن. وصحح الخبر الشيخ مقبل «الصحيح المسند» (1641) والعلامة الألباني في «الصحيحه» (6/ 1073).

ص: 226

3 -

قال الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (1984): حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا رضي الله عنه: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» زَادَ غَيْرُ أَبِي عَاصِمٍ: يَعْنِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمٍ.

وتابع أبا عاصم حَجَّاجٌ، وهو ابن محمد، أخرجه النَّسَائي (2759) وعبد الرزاق كما في «مصنفه» (7808).

• قال ابن حجر في «تغليق التعليق» (3/ 201): هَذِهِ الزِّيَادَةُ رَوَاهَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ، قَالَ: أَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبرنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى أَنْ يُفْرَدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.

وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: أَخْبرنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَليٍّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُفْرَدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.

• قال ابن حجر أيضًا في «تغليق التعليق» (3/ 202): هَكَذَا رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَليٍّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَكَأَنَّهُ حَمَلَ رِوَايَةَ أَبِي عَاصِمٍ عَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛

فَإِنَّ سِيَاقَ الْمَتْنِ وَالإِسْنَادِ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ، الَّتِي أَخْرَجَهَا البُخَارِيُّ عَنْهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ تَابَعَ أَبَا عَاصِمٍ عَلَى إِدْخَالِ عَبْدِ الحَمِيدِ بَيْنَ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ: حَجَّاجَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرَ وَغَيْرَهُ.

ص: 227

وَتَابَعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَلَى إِسْقَاطِهِ: النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَغَيْرُهُمَا.

فَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ سَمِعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ بِوَاسِطَةٍ، ثُمَّ لَقِيَهُ فَحَدَّثَهُ بِهِ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، بِدَلِيلِ تَصْرِيحِهِ بِالإِخْبَارِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

• الخلاصة: وافق شيخنا مع الباحث/ أشرف بن سلطان، بتاريخ (25) ربيع الآخِر (1443 هـ) الموافق (30/ 11/ 2021 م) إلى الخلل في هذا العطف، وذَكَر أحاديث أخرى في هذا الباب، يُحَرَّر منها ما يخص ليلة الجمعة بقيام.

ص: 228

‌فقه الأوقات

• قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]

وقال جل ذكره: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84]{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32]

(1)

.

• أخرج الترمذي (797): حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نُمَيْرِ بْنِ عَرِيبٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ» .

(1)

أخرج البخاري رقم (2808) من حديث البَرَاء رضي الله عنه قال: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: «أَسْلِمْ، ثُمَّ قَاتِلْ» ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا»

وأخرج البخاري (2268) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الكِتَابَيْنِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ العَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ» ، فَغَضِبَتِ اليَهُودُ، وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا، وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ:«هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ:«فَذَلِكَ، فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» .

ص: 229

• قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، عَامِرُ بْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

• وقال أبو حاتم: لا أعرفه إلا في حديث الصوم في الشتاء.

وهذا مرسل ضعيف؛ لأن نُمَيْرًا لم أقف له على مُوثِّق، وقال أبو حاتم: لا يُعْرَف إلا بهذا الخبر.

وله شاهد من حديث أبي سعيد الخُدْري مرفوعًا: «الشتاء ربيع المؤمن، قَصُر نهاره فصام، وطال ليله فقام» .

• أخرجه أحمد (11716) وعِلته رواية دَرَّاج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد. وهذه السلسلة أعلها الإمام أحمد فقال: أحاديث دَرَّاج مناكير. وقال: أحاديث دَرَّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف.

• وأخرجه أحمد في «الزهد» (986) عن هَمَّام، عن قتادة، عن أنس، عن أبي هريرة قال:«الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة» .

• وخالفه سعيد بن بَشير - وهو ضعيف في قتادة - فرَفَعه من مسند أنس رضي الله عنه.

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (716).

• والخلاصة: أن كل طرق المرفوع ضعيفة.

وسألتُ شيخنا أبا عبد الله - وهو يناقشه مع الباحث/ حمزة بن عبد المقصود كُرْد -: هل يصح بالمجموع؟ فقال: لا.

وهو كذلك؛ لأن المرسل ضعيف. ومن حديث أبي سعيد الخُدري كذلك.

• والصواب في طريق قتادة: الوقف على أبي هريرة. وسنده صحيح.

وفي الباب صيام نبي الله داود. وسبق القول في استحباب صيام الأشهر الحُرُم.

ص: 230

‌إذن الزوج في صيام النفل

• قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (5/ 157) رقم (6042): أَخبَرنا يحيى بن حماد قال: حَدَّثَنا أبو عَوَانة، عن سليمان، قال: حَدَّثَنا أبو صالح، عن أبي سعيد الخُدري قال: جاءت امرأة صفوان بن مُعطّل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، فقالت: إنه يضربني إذا قرأتُ القرآن وأصلي، ويفطرني وأنا صائمة، ولا يصلي الفجر حتى تطلع الشمس.

فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«ما تقول هذه؟ تَذْكُر أنك تضربها على الصلاة وقراءة القرآن» قال: إنها تَقرأ بسورتي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الناس كلهم لو قرءوها لكفتهم - أو: وسعتهم - وتفطرها وهي صائمة» فقال: إني رجل شاب، وإنها تصوم بغير إذني ولا أصبر. فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء أن يصمن تطوعًا إلا بإذن أزواجهن. قال:«وتنام عن صلاة الفجر حتى تطلع الشمس» فقال: إنا أهل بيت نوم، وإني لا أستطيع إلا هذا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا استيقظتَ فصَلِّ» .

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث عبد التواب العشري إلى صحة سند ابن سعد.

ص: 231

‌قضاء يوم لمن أفطر من نفل

• قال عبد الرزاق في «مُصنَّفه» رقم (7933): عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحيَى، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَرَّبْتُ لَهُ حَيْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ، وَقَالَ:«إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ الصِّيَامَ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ أَصُومُ الْيَوْمَ مَكَانَهُ» .

وفي رواية محمد بن منصور عن سفيان

(1)

: «إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ الصَّوْمَ، وَلَكِنْ أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ»

(2)

.

• قال الإمام الشافعي كما في «شرح معاني الآثار» (2/ 109): سَمِعْتُ سُفْيَانَ عَامَّةَ مُجَالَسَتِي إِيَّاهُ لَا يَذْكُرُ فِيهِ: «سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَ ذَلِكَ» ثُمَّ إِنِّي عَرَضْتُ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِسَنَةٍ، فَأَجَازَ فِيهِ:«سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَ ذَلِكَ» .

خالف سُفيان بن عُيينة الجماعة - شُعبة ويحيى القطان والثوري ووكيع وعبد الواحد بن زياد - فلم يَذكروا القضاء.

أخرجه الإمام مسلم رقم (1154): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ

(3)

، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ

(1)

أخرجه النَّسَائي (3286).

(2)

ورواه الحُميدي في «مسنده» رقم (190) عن سفيان دون الزيادة.

(3)

وتابع وكيعًا عند مسلم عبد الواحد بن زياد، بسياق أتم دون الشاهد.

ص: 232

الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقُلْنَا: لَا. قَالَ: «فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ» ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ:«أَرِينِيهِ؛ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا» فَأَكَلَ.

•قال الإمام النَّسَائي في «السُّنن الكبرى» (3/ 364) عقب الزيادة: هَذَا اللَّفْظُ خَطَأٌ، قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ عَنْ طَلْحَةَ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ:«وَلَكِنْ أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ» .

• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ سيد بيومي، بتاريخ (18) شوال (1442 هـ) الموافق (30/ 5/ 2021 م) لفظة:(سأقضي يومًا مكانه) لا تصح. ويعاد النظر في هذه من ناحية تحميل الخطأ لمحمد بن عمرو الباهلي.

• تنبيه: ذهب النَّسَائي وابن عبد البر في «التمهيد» (12/ 70) والبيهقي في «السُّنن الكبير» (2/ 245) إلى تخطئة من زادها، وهو سفيان.

بينما يحملها الدارقطني لتلميذ سفيان، وهو محمد بن عمرو الباهلي. وكلام الإمام الشافعي يَرُده.

ص: 233

‌كتاب العيدين

‌التكبير في صلاة العيدين

• أَخْرَج عبد الرزاق في «مُصنَّفه» (5748): عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ الطَّائفِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى سَبْعًا، ثُمَّ قَرَأَ فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ كَبَّرَ فِي الأُخْرَى خَمْسًا، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ رَكَعَ.

وتابع عبدَ الرزاق وكيعٌ، كما عند ابن أبي شيبة (5743).

وتابعهما المعتمر بن سليمان، أخرجه النَّسَائي (1817).

وتابعهم ابن المبارك، أخرجه ابن ماجه (1278).

و (عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي) اختَلف فيه قول ابن مَعين بين صالح وصويلح وضعيف.

• وقال النَّسَائي: ليس به بأس، ليس بذاك القوي، ويُكتَب حديثه.

• وقال الدارقطني: يُعتبَر به.

• وقال ابن عَدي: يَروي عن عمرو بن شُعَيْب أحاديث مستقيمة، وهو ممن يُكتَب حديثه.

• وقال البخاري: فيه نظر. كما في «التهذيب» وقال مرة: مُقارِب الحديث، هذا حديث صحيح. انظر «العلل الكبير» (1/ 93).

ص: 234

• والخلاصة: أنه يُحسَّن له بخاصة في عمرو بن شُعيب، وقد صحح له البخاري هذا الخبر.

بينما قال الإمام أحمد: ليس يُرْوَى في التكبير في العيدين حديث صحيح.

انظر «البدر المنير» (5/ 62).

• وله شاهد أخرجه الترمذي، رقم (536): حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو أَبُو عَمْرٍو الحَذَّاءُ المَدِينِيُّ، قَالَ: حَدثنا عَبدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِي العِيدَيْنِ، فِي الأُولَى سَبْعًا قَبْلَ القِرَاءَةِ، وَفِي الآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ القِرَاءَةِ.

وتابع عبدَ الله بن نافع إسماعيلُ بن أبي أويس، أخرجه الدارقطني (1731).

وتابعهما محمد بن خالد، أخرجه ابن ماجه (127).

وعلة هذا السند: (كَثير بن عبد الله).

• فقد قال ابن عبد البر: مُجْمَع على ضعفه. وكَذَّبَه الشافعي وأبو داود.

بينما قال الترمذي: سألتُ محمدًا عن هذا الحديث فقال: ليس في الباب أصحُّ من هذا، وبه أقول.

• وقال أبو عيسى: حَدِيثُ جَدِّ كَثِيرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا البَابِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

• وله شاهد ثالث، أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (1149): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا.

ص: 235

وتابع قتيبةَ إسحاقُ بن راهويه في «مسنده» (1157). وتابعهما أبو سعيد مولى بني هاشم، أخرجه أحمد (24362).

وتابعهم عمرو بن خالد، أخرجه الدارقطني (1721) والبيهقي (6174).

• وخالفهم أربعة:

1 -

ابن وهب، كما عند أبي جعفر الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (7267)، والدارقطني (1726).

2 -

يحيى بن إسحاق، عند أحمد (24409).

3 -

إسحاق بن عيسى، أخرجه الدارقطني «سُننه» (1720).

4 -

أسد بن موسى، أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (7265).

فأبدلوا (عُقيل بن خالد) بـ (خالد بن يزيد) وكلاهما ثقة.

وأخرجه ابن ماجه (1280) بعطفهما.

وخالف الجميعَ عبدُ الله بن يوسف، فأبدلهما بـ (يزيد بن أبي حبيب) أخرجه الدارقطني (1722)، وابن المنذر في «الأوسط» (3115).

وفي السند إليه بكر بن سهل، ضَعَّفه النَّسَائي. وقال الذهبي: حَمَل الناسُ عنه، وهو مُقارِب الحال.

• وخالفهم يحيى بن إسحاق فقال: عن ابن لَهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

أخرجه أحمد (8800) مرفوعًا، بينما قال البيهقي: لا شك في صحته موقوفًا على أبي هريرة.

ص: 236

• كما أخرجه الإمام مالك (1/ 254): عَنْ نَافِعٍ - مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الأَولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ.

• قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الأَمْرُ عِنْدَنَا.

• فالظاهر أن ابن لَهيعة اضطرب فيه كما قال الدارقطني في «علله» (5/ 26).

ويَبعد قول ابن عبد البر في «التمهيد» (1635): حديث حسن.

• وضَعَّفه البخاري لضعف ابن لَهيعة. انظر «العلل الكبير» (155) للترمذي.

وورد مرفوعًا بسند ضعيف عند ابن ماجه، رقم (1277) من طريق عبد الرحمن بن سعد، عن سعد بن عمار، عن أبيه، عن جَده مرفوعًا. و (عبد الرحمن) ضعيف.

وورد موقوفًا على جابر بن عبد الله، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبرى» (6273) وفيه (علي بن عاصم) فيه ضعف.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث أحمد بن محمد بن قُرَني

(1)

إلى ضعف طرقه المرفوعة، والصحيح من فعل أبي هريرة رضي الله عنه.

وممن أجاد في هذا الباب: د/ رمزي بن صادق بن إبراهيم البلاصي

(2)

، في كتابه «أحكام العيدين» .

(1)

للباحث «مرويات قُتيبة بن سعيد عن ابن لَهيعة» وهذا خبر منه.

(2)

ولد في قرية أبي نَعامة التابعة لِبهوت - طلخا - الدقهلية حصل على الماجستير بعنوان «اختيارات واعتراضات الإمام الجَعْبري في شرح الشاطبية» جمعًا ودراسة.

وكان للإمام الجعبري فوائد واعتراضات لم يقف عليها صاحب الترجمة في أي شروح للشاطبية بل قال كثير من علماء القراءات: أفضل شرح للشاطبية شرح الإمام الجعبري وأيضًا هو من علماء الحديث وله كتاب «رسوم التحديث في علوم الحديث» ط دار الصحابة.

ثم الدكتوراه بعنوان: «جهود ابن دقيق العيد من خلال كتابه شرح الإلمام بحديث الأحكام»

من الأبحاث والتحقيقات التي قام بها حفظه الله مع شيخنا:

1 -

«جامع أحكام العيدين» ط دار المورد.

2 -

«جامع أحكام الطب والمرضى» لما يطبع حتى الآن وإنما طبعت منه رسالة صغيرة اسمها زيارة المرضى.

3 -

«فقه صلاة الغائب» لما يطبع حتى الآن.

4 -

«فقه الصلاة على القبر بعد الدفن» خاصة إذا كان حديث عهد بالدفن.

5 -

تحقيق «إغاثة اللهفان» لابن القيم ط دار ابن رجب.

6 -

تحقيق كتاب «المواريث» للأنْقَرَوَي على مخطوطة مع الاشتراك مع الباحث يحيى سوس. لما يطبع.

وثم أبحاث وكتب ستأتي في ترجمته الموسعة إن شاء الله تعالى. أفاده صاحب الترجمة بتاريخ 28 جمادى الآخرة 1439 موافق 18/ 3/ 2018 م ببيت صاحب الترجمة.

ص: 237

ثم أكد شيخنا هذه النتيجة مع الباحث سيد بن محمد بن إبراهيم ريد الفيومي بتاريخ الأحد 28 محرم 1443 موافق 5/ 9/ 2021 م.

ص: 238

‌هل عثمان رضي الله عنه

أول مَنْ قَدَّم الخطبة على الصلاة؟

• ثَبَت في البخاري (956) ومسلم (889) من حديثَي أبي سعيد، وأيضًا رقم (49) من حديث طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ - مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ؟ فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» .

• أما الروايات عن عثمان رضي الله عنه فمختلف فيها:

• ففي البخاري (5571) بلفظ: «شَهِدتُ العيد

» وأيضًا (962) من حديث ابن عباس: «شَهِدتُ الفطر مع

وعثمان

يُصَلُّون قبل الخطبة».

• وأَخْرَج ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (37136): حَدَّثَنَا السَّهْمِيُّ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ: مَنْ أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، صَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ، فَرَأَى نَاسًا كَثِيرًا لَمْ يُدْرِكُوا الصَّلَاةَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ.

• الخلاصة: أن الأثبت عن عثمان أنه لم يُقَدِّم الخطبة على الصلاة. والحسن بعيد عن عثمان رضي الله عنه.

ص: 239

• وأَخْرَج عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (5715): عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ - عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، لَمَّا رَأَى النَّاسَ يَنْقُصُونَ، فَلَمَّا صَلَّى حَبَسَهُمْ فِي الْخُطْبَةِ.

• وعند ابن أبي شيبة في «المُصنَّف» رقم (5734): حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَبْدَءُونَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ يُثَنَّونَ بِالْخُطْبَةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ عُمَرُ وَكَثُرَ النَّاسُ فِي زَمَانِهِ، فَكَانَ إِذَا ذَهَبَ لِيَخْطُبَ ذَهَبَ جُفَاةُ النَّاسِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ حَتَّى خَتَمَ بِالصَّلَاةِ.

وخالف - عبدة، وابن جُريج - ابنُ عيينة، أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» فقال:(عثمان) بدل (عمر) رضي الله عنهما.

• وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (10/ 257): لا يصح عن عثمان والله أعلم، وهذه أحاديث مقطوعة، لا يُحتجّ بمثلها، وليس فيها حديث يُحتجّ به إلا حديث ابن شهاب عن أبي عُبَيْد، أنه صلى مع عمر وعثمان وعلي، فكلهم صلى ثم خطب في العيدين. هذا هو الصحيح عنهم.

وانظر «أحكام العيدين» (349 - 355) لأخينا الشيخ رمزي بن صادق، حَفِظه الله.

ص: 240

‌متى يأكل في العيدين

• قال الإمام أحمد رقم (22984): حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلَا يَأْكُلُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ» .

وعقبة الرفاعي ضعيف، وتابعه ثواب بن عتبة المهري، وهو مقبول، وقال البخاري: لا أعرف لثواب غير هذا الحديث. واستغرب الترمذي الخبر وقالَ: قَدْ اسْتَحَبَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ شَيْئًا، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ، وَلَا يَطْعَمَ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ "

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ عبد العزيز الشرقاوي: إلى ضعف الحديث حتى يرجع فيأكل من أضحيته وأن الأكل يوم الفطر قبل الصلاة ثابت ولم تثبت لفظة وترا وكتب راجع كلام أخيك الشيخ رمزي، بتاريخ يوم عرفة 1442 موافق 19/ 7/ 2021 م.

• تنبيه: في البخاري رقم (953) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ» وَقَالَ مُرَجَّأُ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، «وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا» .

ص: 241

‌أيام التشريق

• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (17379) - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُنَّ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» وتابع وكيعًا ثلاثة عشر راويا على هذا.

• قال ابن عبد البر في «التمهيد» (13/ 255): هذا حديث انفرد به موسى بن علي عن أبيه وما انفرد به فليس بالقوي وذكر يوم عرفة في هذا الحديث غير محفوظ وإنما المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق أيام أكل وشرب.

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ عمر بن شوقي الكردي بتاريخ 5 ذي القعدة 1442 موافق 15/ 6/ 2021 م: ضعيف من هذا الوجه وذكر يوم عرفة شاذ.

وفي صحيح مسلم رقم (1141) عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» .

وأيضًا من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أخرجه مسلم (1142) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَنَادَى «أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» .

ومن حديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه رقم (1719) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ

ص: 242

عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» وسنده حسن. ومن وأيضًا رقم (1720) من حديث بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَقَالَ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» . وعند أحمد رقم (567) من حديث علي رضي الله عنه. وثم آخرون.

ص: 243

‌التوسعة على الأولاد

• أخرج ابن حِبان في «صحيحه» رقم (6012): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ بِالدُّفِّ، فَسَبَّهُمَا وَخَرَقَ دُفَّيْهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«دَعْهُمَا؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» .

وخالف إسحاقَ بن راشد الجماعةُ:

• عُقيل بن خالد كما عند البخاري (3530): عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ س دَخَلَ عَلَيْهَا، وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُغَنِّيَانِ، وَتُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ

(1)

، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

عَنْ

(1)

أي: مستتر أو مُتغطٍّ به.

وفي «المُيسَّر في شرح مصابيح السُّنة» (1/ 345) للتوربشتي: التغشي: التغطي بالثوب. وفي كتاب مسلم (مُسجًّى بثوبه) والتسجية إنما تُستعمل في الميت، فلعل الراوي ذَكَره على الاتساع في الأحياء.

وفي أكثر النسخ من كتاب البخاري: (والنبي متغشياً بثوبه) على ما هو في «المصابيح» وقد ضَرَب عليها في كتاب البخاري، ليُعْلم أنها كلمةٌ لَحَن فيها بعض الرواة، فتُركت على حالها، وهذا داب المُحَدِّثين، ينقلون الكلمة على ما سمعوها، وإن كانت ملحونة محرفة، والعَالِم إذا تحققها فعليه أن ينقلها على وجه الصواب أو يقول: رُويت كذا، وصوابها كذا.

ص: 244

وَجْهِهِ، فَقَالَ:«دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«دَعْهُمْ، أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ» يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ.

عمرو بن الحارث ومَعْمَر، أخرجه مسلم (982) وغيره.

الأوزاعي، كما عند أحمد (24019) وغيره.

ابن جُريج (124).

كلهم عن الزُّهْري، فلم يَذكروا:«فَسَبَّهُمَا وَخَرَقَ دُفَّيْهِمَا» .

• والخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ علاء بن طه إلى ضعف هذه الزيادة؛ لضعف إسحاق بن راشد في الزُّهري. قال محمد بن يحيى الذُّهْلي فيه أنه أشد اضطرابًا بحديث الزُّهْري. وقال ابن خُزيمة: لا يُحتَج بحديثه عن الزُّهْري.

• قال ابن رجب في «فتح الباري» (6/ 77): في هذا الحديث: الرخصة للجواري في يوم العيد في اللعب والغناء بغناء الأعراب. وإن سمع ذلك النساء والرجال، وإن كان معه دف مثل دف العرب، وهو يشبه الغربال.

ص: 245

‌كتاب الحج

‌فضل الحج

• فضائل الحج في الوحيين كثيرة:

فمن الكتاب العزيز قوله جل ذكره آمرا نبيه إبراهيم؛: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 27، 28].

وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]

ومن صحيح السنة المباركة حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» . قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ»

(1)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أيضًا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ

لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ»

(2)

.

وفي مغفرة الذنوب قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ،

(1)

أخرجه البخاري (26) ومسلم (83).

(2)

أخرجه البخاري (1773) ومسلم (3355) من حديث أبي هريرة ط.

ص: 246

(1)

أخرجه البخاري (1820) قال ابن حجر في «فتح الباري» (3/ 383): وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك.

(2)

إسناده صحيح: رواه يزيد بن أبي حبيب. واختُلف عليه:

فرواه حيوة بن شُريح. أخرجه مسلم (123) وابن خزيمة في «صحيحه» (2355)، وابن حبان في «الثقات» (1/ 383)، وأبو عَوانة في «مستخرجه» (200).

وتابعه الليث بن سعد. أخرجه أحمد (17372).

وخالفهما ابن لهيعة فقال: عن يزيد عن سويد بن قيس عن قيس بن شُفَيّ عن عمرو بن العاص، به. أخرحه أحمد (17466) وقيس مجهول، وابن لهيعة ضعيف.

وخالفهما ابن إسحاق فقال: عن يزيد عن راشد عن حبيب بن أبي أوس عن عمرو. أخرجه الطبري في «تاريخه» (737)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (5007) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (5011). ورواية حيوة والليث أصح.

(3)

إسناده حسن: أخرجه أحمد (3669) والترمذي (817) والنسائي (2631) وابن أبي شيبة في «المصنف» (12638) عن أبي خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس، عن عاصم بن بهدلة، عن شقيق، عن ابن مسعود ط، به. ورواه ابن حميد فأبدل (شقيقًا) بـ (زِر) والصواب الأول لضعف محمد بن حميد الرازي.

وقال أبو نعيم: غريب من حديث عاصم، تفرد به عنه عمرو بن قيس المُلائي.

وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 247

‌إذا حج من لم يحج عن نفسه

عن العاجز

(1)

هل يصح حجه؟

• قال أبو داود في «سننه» رقم (1811) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالَقَانِيُّ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ - قَالَ إِسْحَاقُ: - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ:«مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قَالَ: أَخٌ لِي - أَوْ قَرِيبٌ لِي - قَالَ: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ:«حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ»

(2)

.

(1)

قال ابن المنذر في «الإجماع» رقم (209): وأجمعوا أن من عليه حجة الإسلام، وهو قادر لا يجزئ إلا أن يحج بنفسه، ولا يجزئ أن يحج عنه غيره.

(2)

معل بالوقف: أخرجه أبو داود (1811) وابن ماجه (2903) وابن أبي شيبة في «مصنفه» (13368) غيرهما من طريق عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ:«مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قَالَ: أَخٌ لِي - أَوْ قَرِيبٌ لِي - قَالَ: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ:«حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ»

وأخرجه ابن أبي عروبة في «المناسك» (13) عن قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به موقوفًا. (نص العلماء على عدم سماع قتادة من سعيد بن جبير) =

ص: 248

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ورواه جماعة عن أبي قلابة عن ابن عباس موقوفًا؛ كما في «مسند الشافعي» (496) وأخرجه البيهقي في «السنن والآثار» (20675) ويرى العلائي في «جامع التحصيل» (ص: 211) أن رواية أبي قلابة عن ابن عباس مرسلة وهي في مسلم.

وأخرجه الدارقطني في «سننه» (3/ 312) من طريق الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَدَعَاهُ، فَقَالَ:«أَحَجَجْتَ قَطُّ؟» ، قَالَ: لَا، قَالَ:«فَاحْجُجْ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ»

وأيضًا في «سننه» (3/ 315) عنه عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ نُبَيْشَةَ. ومداره على الحسن بن عمارة وهو متروك وقد اختلف عليه.

تنبيه: هناك متابعة نازلة عند الطبراني (1/ 377) من طريق حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار ورواية حماد في غير ثابت متكلم فيها فضلا عن تفرد الطبراني بنزول السند

ورواه محمد بن عبد الرحمن بن بي ليلى عن عطاء مرسلاً أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13368) ووصله الدارقطني في «سننه» (2644) ومداره على ابن أبي ليلى وهو ضعيف وقد اختلف عليه.

قال البزار في «مسنده» (11/ 229): وهذا الحديث قد رواه غير عَبدة، عَنْ ابن أبي عَرُوبة عن قتادة، عَنْ عزرة، عَنْ سَعِيد بن جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ موقُوفًا، ولَا نَعْلَمُ أَحَدًا أسنده، عَنْ ابن أبي عَرُوبة إلا عبدة، ولَا نَعْلَمُ اسند عزرة، عَنْ سَعِيد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلاَّ هذه الثلاثة الأحاديث وعزرة رجل مشهور من أهل الكوفة روى عنه داود بن أبي هند وقتادة، وهُو عزرة بن عَبد الرحمن.

وخطأ الرفع الإمام أحمد وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه وقال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (6/ 378): هذا الحديث إنما يدور على عزرة، وعزرة هذا هو عزرة بن تميم، وقد ذكر لي هارون بن محمد العسقلاني عن الغلابي قال: كان يحيى بن سعيد لا يرضى عزرة، يعني صاحب هذا الحديث، وموضع يحيى من هذا هو الموضع الذي لا مثل له فيه، ثم اعتبرنا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى سوى ذلك.

ص: 249

• الخلاصة: كتب شيخنا مع د/ عمرو بن عبد الهادي بتاريخ 3 ذي الحجة 1442 الموافق 13 - 7 - 2021 م عن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد وقد اختلف على سعيد في رفعه ووقفه: يحرر هذا الطريق بدقة.

• استدل بهذا الخبر على اشتراط الحج عن النفس قبل أن يحج عن الآخرين العاجزين في حين استدل بحديث أصح من هذا على الجواز فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ:«نَعَمْ» ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ

(1)

.

(1)

أخرجه البخاري (1513)، ومسلم (1334).

ص: 250

‌صفة طِيبه صلى الله عليه وسلم

-

• قال البخاري (1189): حَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، ثُمَّ يُحْرِمُ» .

• وتابع هشامًا سفيان، أخرجه مسلم (1189).

• وتابع عثمانَ بن عروة عمرُو بن شُعيب، أخرجه الدارقطني (2677) من طريق مَخْرَمة بن بُكَيْر عن أبيه.

• وتابعهما الزُّهْري، وعنه اثنان:

سفيان كالرواية السابقة، أخرجه مسلم (1189) والشافعي كما في «المسند» (774) وغيرهما.

الأوزاعي واختُلف عليه، فرواه ضَمْرة بن ربيعة بلفظ:«طِيبًا لا يُشْبِه طِيبكم هذا» أخرجه النَّسَائي (3856) وأبو عَوَانة (3289) وأبو يعلى (4391).

• وخالف ضمرةَ المفضلُ بن يونس، أخرجه إسحاق (933): أَخْبَرَنَا مُوسَى، حَدَّثنا مُفَضَّلُ بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِإِحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ إِلَى الْبَيْتِ» .

ص: 251

• قَالَ الْقَاسِمُ: وَلَمْ يَكُنْ طِيبُهُمْ كَطِيبِكُمْ هَذَا، إِنَّمَا كَانَ طِيبُهُمُ الْغَالِيَةَ وَالذَّرِيرَةَ، قَدْ تَذْهَبُ فِي سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، وَأَمَّا طِيبُهُمُ الْيَوْمَ الْخَاثِرُ يُخَلِّقُ أَحَدُهُمْ رَأْسَهُ ثُمَّ يُوجَدُ الرِّيحُ مِنْهُمْ.

• وتابع الأوزاعيَّ عن عبد الرحمن بن القاسم دون الزيادة - مالك، أخرجه البخاري وموسى بن عقبة والحَجاج بن الحَجاج. أخرجهما ابن طَهْمَان (220).

وثَم طرق أخرى عن عائشة رضي الله عنها دون الزيادة.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ عبد الله بن محمد بن فاروق

(1)

بتاريخ (29) رجب (1441 هـ) الموافق (24/ 3/ 2020 م) إلى شذوذ لفظ: «طِيبًا لا يُشْبِه طِيبكم هذا»

(2)

.

(1)

نشأ في كنف والديه بمنية سمنود، والآن هو طالب بكلية الهندسة، ويَعرض على شيخنا أحاديث متفرقة للتدريب، وهذا منها.

(2)

وانظر كلام ابن حزم في «حجة الوداع» (ص: 258): وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ طِيبِهِ صلى الله عليه وسلم لإِحْرَامِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا رِوَايَةَ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا رَأَتْ ذَلِكَ الطِّيبَ فِي مَفَارِقِهِ صلى الله عليه وسلم بَاقِيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ. قَالَ الأَسْوَدُ: بَعْدَ ثَلَاثٍ. يَعْنِي لَيَالِيَ.

فَصَحَّ يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الطِّيبَ الَّذِي ذَكَرَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - هُوَ غَيْرُ الطِّيبِ الَّذِي ذَكَرَ عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَعَمْرَةُ وَسَالِمٌ وَمَسْرُوقٌ وَالأَسْوَدُ كُلُّهُمْ عَنْ عَائِشَةَ؛ لأَنَّ الَّذِي ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ عَنْهَا كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ الطِّيبِ وَبَيْنَ إِحْرَامِهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةُ تِطْوَافٍ عَلَى النِّسَاءِ وَاغْتِسَالٍ، وَالطِّيبَ الَّذِي ذَكَرَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَنْ عَائِشَةَ - كَانَ حِينَ الإِحْرَامِ، وَبَقِيَ بَعْدَ الإِحْرَامِ مُدَّةً طَوِيلَةً لَمْ يُغْسَلْ، وَلَوْ غُسِلَ لَمَا بَقِيَ بِلَا شَكٍّ.

فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ وَتَآلَفَتِ الأَحَادِيثُ كُلُّهَا، وَبَطَلَ تَمْوِيهُ مَنْ لَمْ يُرَاقِبِ اللَّهَ ? فِيمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ نَاصِرًا لِتَقْلِيدِهِ، وَثَبَتَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ غَيْرُ مُعَارِضٍ وَلَا مُفْسِدٍ لِأَحَادِيثِ مَنْ ذَكَرْنَا بِلَا شَكٍّ.

ص: 252

وأخرج الإمام أحمد رقم (26078) - حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ، وَالْقَاسِمَ، يُخْبِرَانِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ بِذَرِيرَةٍ لِحَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ: حِينَ أَحْرَمَ، وَحِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» خالف روحَ بن عبادة ستةٌ فلم يذكروا هذه الزيادة وتابعهم متابعة قاصرة ستة عن عائشة رضي الله عنها بدونها.

• والخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ محمد بن عيد عن تفرد روح بن عبادة بزيادة: «حين رمى الجمرة» شاذة.

• تنبيه: قد يستدل بهذه الزيادة على فرض ثبوتها بالتحلل بواحد من ثلاثة والمشهور باثنين من ثلاثة.

ص: 253

‌هل يقلد الهدي بالنعل

• قال البخاري في «صحيحه» رقم (1706): حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، قَالَ:«ارْكَبْهَا» قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: «ارْكَبْهَا» قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا، يُسَايِرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا.

• وتابع مَعْمَرًا عليُّ بن المبارك كما في البخاري وأحمد، وتابعهما المعتمر بن سليمان عن أيوب عن عكرمة، به. كما في «شرح المعاني» (3740).

• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث أحمد بن عبد العاطي القناوي

(1)

: الأكثر عن أبي هريرة بدونها. أي: لفظ: «وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا» .

وشاذة من حديث أنس رضي الله عنه، عند ابن ماجه (3104) فقد رواه أصحاب قتادة بدونها، كما عند البخاري (1690). وتابع قتادةَ بُكَيْر بن الأخنس وثابت، كما عند مسلم (1323).

(1)

وُلد بقرية رفاعة، مركز فرشوط، حاصل على ليسانس أصول الدين، والدعوة الإسلامية، قسم العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، وبعد عرضه لأحاديث متفرقة قَدَّم بحثًا قيد المراجعة، بعنوان «الحقوق التي على العباد» .

ص: 254

وذهب الجمهور إلى تقليد الهدي من الإبل كما عند ابن قدامة في «المغني» (5/ 454).

ص: 255

‌حُكْم مَنْ أَحْرَم قبل الميقات،

أو أَحْرَم من مطار القاهرة الدولي

(1)

.

• لم يُصِب السُّنة؛ لكن انعقد إحرامه.

أما الأول: كونه لم يصب السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ

(2)

»

(3)

.

وفي حجته صلى الله عليه وسلم أحرم من ذي الحُليفة، ولم يُحْرِم من بيته.

وأما الثاني: فانعقاد الإحرام؛ لأن ابن المنذر قال: أجمعوا على أن مَنْ أحرم قبل الميقات أنه مُحْرِم

(4)

.

(1)

الدولي بسكون الواو نسبة إلى المفرد (دولة) ويجوز فتحها على نُدَرة كالصحفي. أفاده العلامة عبد العزيز بن إبراهيم الفيومي.

(2)

ويُعْرَف أيضاً باسم: «آبار علي» أو: «أبيار علي» وهي تسمية مبنية على قصة مكذوبة، مُختلَقة موضوعة، هي أن عليًّا رضي الله عنه قَاتَل الجن فيها. وهذا من وضع الرافضة - لا مَسَّاهم الله بالخير ولا صَبَّحهم -!

وما بُني على الاختلاف فينبغي أن يكون محل هجر وفِراق، فلنهجر التسمية المكذوبة، ولنستعمل ما خرج التلفظ به بين شفتي النبي صلى الله عليه وسلم ولنقل:«ذو الحليفة» .

انظر: «معجم المناهي اللفظية» (ص: 64).

وفي «الشرح الممتع» (7/ 44) لابن عثيمين: أنها أبعد المواقيت عن مكة.

(3)

أخرجه البخاري (1526)، ومسلم (1181).

(4)

«الإجماع» (ص: 64).

ص: 256

• الأدلة المرفوعة في الإحرام قبل الميقات ضعيفة منها:

1 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ عز وجل:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] قَالَ: «مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ»

(1)

.

2 -

عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْأَخْنَسِيِّ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ حَكِيمٍ ابْنَةِ أُمَيَّةَ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَهَلَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ، أَوْ بِحَجَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» قَالَ: فَرَكِبَتْ أُمُّ حَكِيمٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، حَتَّى أَهَلَّتْ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ

(2)

.

3 -

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، أَنَّ الصُّبَيَّ بْنَ مَعْبَدٍ، كَانَ نَصْرَانِيًّا تَغْلِبِيًّا أَعْرَابِيًّا، فَأَسْلَمَ، فَسَأَلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقِيلَ لَهُ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل» فَأَرَادَ أَنْ يُجَاهِدَ، فَقِيلَ لَهُ:«حَجَجْتَ؟» فَقَالَ: لَا. فَقِيلَ: «حُجَّ وَاعْتَمِرْ، ثُمَّ جَاهِدْ» فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْحَوَائطِ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، فَرَآهُ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَقَالا: لَهُوَ أَضَلُّ مِنْ جَمَلِهِ. أَوْ: مَا هُوَ بِأَهْدَى مِنْ نَاقَتِهِ. فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ

(1)

منكر: أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (8929) من طريق جابر بن نوح، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به. وجابر ضعيف.

وقال البيهقي في «السُّنن الصغير» (2/ 145): وَرُوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَفِي رَفْعِهِ نَظَرٌ.

وقال ابن عَدِيّ في «الكامل» (2/ 338): وجابر بن نوح هذا ليس له روايات كثيرة، وهذا الحديث الذي ذكرته لا يُعْرَف إلا بهذا الإسناد، ولم أَرَ له أَنْكَر مَنْ هذا.

(2)

إسناده ضعيف: أُم حكيم ذَكَرها ابن حِبان في «الثقات» وقال ابن حجر: مقبولة. فهي في حيز الجهالة، لكن إذا كانت طَبَّقَتِ الخبر، فهل هذه قرينة لحفظ الراوي عنها؟

ص: 257

رضي الله عنه، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِهِمَا، فَقَالَ:«هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم» قَالَ الْحَكَمُ: فَقُلْتُ لِأَبِي وَائِلٍ: حَدَّثَكَ الصُّبَيُّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ

(1)

.

• الآثار الموقوفة على الصحابة رضي الله عنهم في الإحرام قبل الميقات، أقواها:

1 -

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَمَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ: إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، فَمِنْ أَيِّ الأَمْكِنَةِ أَفْضَلُ أُحْرِمُ؟ قَالَ: مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ

(2)

.

2 -

عن أُذَيْنة بن سلمة قال: رأيتُ عُمَر فسألته عن كمال العُمرة، قال: إِتِ عليًّا فاسأله. فلم آته، وأتيت عُمَر فسألته، فقال: ايت عليًّا. ثم الثالثة، فأتيتُ عليًّا

(1)

صحيح: أخرجه أحمد (169) وغيره، من طرق عن أبي وائل، عن الصُّبَيّ، به.

(2)

إسناده مختلف فيه: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (9793)، من طريق عمرو بن مُرَّة، عن عبد الله بن سلمة، به.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13116): حَدَّثنا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلِمَةَ، أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} قَالَ: أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ.

وأخرجه الطبري في تفسير الآية من طريق شُعبة.

عبد الله بن سلمة هو المُرَادي كما في رواية البيهقي «السُّنن الكبير» (8928): مختلف فيه، فقد وثقه العِجلي وابن حِبان ويعقوب بن شيبة. وقال البخاري: لا يُتابَع على حديثه. وقال أبو حاتم: تَعْرِف وتُنْكِر.

قال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (2/ 228): إسناده قوي.

وقال العَلَّامة الألباني رحمه الله في «السلسلة الضعيفة» (1/ 377): رجاله ثقات، إلا أن المرادي هذا كان تغير حفظه، وعلى كل حال، هذا أصح من المرفوع.

ص: 258

فقلت: ركبتُ الجبل والسفر، حتى أتيتك، فمن أين تمام العمرة؟ فقال: مِنْ حيث ابتدأتَ، فأتيتُ عُمَر، فذكرتُ ذلك له، فقال: صَدَق

(1)

.

3 -

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: حجَجْتُ مَرَّةً، فَوَافَقْتُ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَحْرَمَ مِنَ الْمَنْجَشانِيَّةِ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْبَصْرَةِ

(2)

.

4 -

عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: أَحْرَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ مِنْ خُرَاسَانَ، فَقَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ فَلَامَهُ، وَقَالَ: غَزَوْتَ وَهَانَ عَلَيْكَ نُسُكُكَ؟!

(3)

.

5 -

عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَحْرَمَ مِنَ الْبَصْرَةِ، فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ، فَأَغْلَظَ لَهُ، وَقَالَ: يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ مِنَ الأَمْصَارِ؟!

(4)

.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه وكيع في «أخبار القضاة» (1/ 306): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ. وأذينة بن سلمة لم أقف له على توثيق.

(2)

إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13096): حدثنا وكيع، عن عُيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عمرو بن العاص، به.

(3)

رجاله ثقات: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (9790): أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا مَعْمَر، عن أيوب، عن ابن سيرين، به.

رواية مَعْمَر عن أيوب السَّختياني البصري في البخاري ومسلم كما في «التهذيب» . وقول أبي حاتم: (صالح الحديث، وما حَدَّث به بالبصرة ففيه أغاليط) يُحْمَل على الرواة عنه من البصرة، لا على شيوخه الذين تَلَقَّى عنهم.

(4)

منقطع: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13124)، وأيضًا (12697) وَقَالَ:«يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا أَحْرَمَ مِنَ الْكُوفَةِ» فَرَآهُ عُمَرُ سَيِّئَ الْهَيْئَةِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَجَعَلَ يَدُورُ بِهِ فِي الْخَلْقِ، وَيَقُولُ:«انْظُرُوا إِلَى مَا صَنَعَ هَذَا بِنَفْسِهِ، وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ» من طريق قتادة.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (18/ 107) من طريق يونس بن عُبيد. والبيهقي في (9004) من طريق مُجَاعَة بن الزبير.

ثلاثتهم عن الحسن، أن عمران، به. والحسن لم يَسمع من عمران، قاله أبو حاتم وابن المديني وابن مَعِين

وغيرهم.

وقال ابن كَثير في «مسند الفاروق» (1/ 470): هذا منقطع، اللهم إلا أن يكون الحسن سمعه من عمران بن حُصين رضي الله عنه.

ص: 259

6 -

عَنِ مُسْلِمٍ أَبِي سَلْمَانَ، أَنَّ رَجُلًا أَحْرَمَ مِنَ الْكُوفَةِ، فَرَآهُ عُمَرُ سَيِّئَ الْهَيْئَةِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَجَعَلَ يَدُورُ بِهِ فِي الْحِلَقِ، وَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى مَا صَنَعَ هَذَا بِنَفْسِهِ، وَقَدْ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ!»

(1)

.

7 -

عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ إِيلِيَاءَ عَامَ حُكْمِ الحَكَمَيْنِ

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» رقم (12833): حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن مُسْلِمٍ أَبِي سَلْمَان، به.

وأيضًا (3/ 126) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن خالد، عن شيخ يقال له: مسلم، به.

ومسلم بن أبي سلمان ترجمه البخاري وابن أبي حاتم والإمام مسلم، ولم يَذكروا فيه جَرحًا ولا تعديلًا.

(2)

صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (26) أخبرني الثقة عندي، أن ابن عمر أَحْرَم من إيلياء. وهذا الثقة المبهم هنا فُسِّر في رواية الشافعي عن مالك بأنه نافع.

وتابع الشافعيَّ متابعة قاصرة اثنان:

1 -

موسى بن عقبة، كما في «مسند الشافعي» (1695) عن نافع، به.

2 -

الزُّهْري عن نافع، فقد أخرج البيهقي في «السُّنن الكبرى» (9/ 380) وأيضًا (9/ 380) رقم (8999): أخبرنا أبو طاهر الفقيه، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصَّغَاني، حدثنا ابن أبي مريم - هو سعيد - أخبرنا ابن وهب أن يونس أخبره، عن ابن شهاب، عن نافع. قَالَ أَبو بَكْرٍ الصَّغَانِيَّ: هَذَا مِمَّا يُقَالُ: سَمِعَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ نَافِعٍ.

وأخرجه أيضًا عبد الرزاق في «الأمالي في آثار الصحابة» (ص: 116): أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا أَحْمَدُ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

فائدة: احتمالية أن يكون قول مالك: (أخبرني الثقة) أي: إبراهيم بن أبي يحيى - بعيدة؛ لأن المشهور بذلك الشافعي، فقد قال البيهقي في «الجوهر النقي» (6/ 7): لا يكتفى بقوله: (أخبرني الثقة) فقد يكون مجروحًا عند غيره، لا سيما والشافعي كثيرًا ما يَعني بذلك ابن أبي يحيى أو الزنجي، وهما ضعيفان.

ص: 260

8 -

عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ ابْنَ عَامِرٍ أَحْرَمَ مِنْ خُرَاسَانَ

(1)

.

• أقوال المذاهب:

• قال أبو حنيفة: الأفضل الإحرام من بلده

(2)

.

وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكٍ: مِنْ أَيْنَ أُحْرِمُ؟ قَالَ: مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا. قَالَ فَإِنْ زِدْتُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ؛ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ. قَالَ: وَمَا فِي هَذَا مِنَ الْفِتْنَةِ؟! إِنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا! قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ} الْآيَةَ. قَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ فِي هَذَا؟! قَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعَظْمُ مِنْ أَنْ تَرَى أَنَّكَ أَصَبْتَ فَضْلًا قَصَّرَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ

(1)

منقطع: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/ 406) رقم (13095): حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، به. والحسن لم يَسمع من عقبة بن عامر رضي الله عنه، كما في «جامع التحصيل» (ص: 163) للعلائي.

(2)

«المغني» (5/ 66) لابن قُدامة.

ص: 261

صلى الله عليه وسلم؟! أَوْ تَرَى أَنَّ اخْتِيَارَكَ لِنَفْسِكَ خَيْرٌ مِنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ [وَاخْتِيَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

قَالَ سَحْنُونٌ: قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ الْمِيقَاتُ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، أَكَانَ يُلْزِمُهُ مَالِكٌ الْإِحْرَامَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِالْحَجِّ، أَكَانَ مَالِكٌ يُلْزِمُهُ ذَلِكَ الْإِحْرَامَ؟

قَالَ: نَعَمْ

(2)

.

• حكى النووي قولين في المذهب:

(أحدهما): الأفضل أن يُحْرِم من دُوَيْرة أهله. نَصَّ عليه في الإملاء.

(الثاني): الأفضل الإحرام من الميقات. نَصَّ عليه «البُويطي» و «الجامع الكبير» للمُزَني.

(وأما) الغزالي فقال في «الوسيط» : لو أَحْرَم قبل الميقات فهو أفضل، قَطَع به في القديم، وقال في الجديد: هو مكروه. وهو متأول، ومعناه أن يتوقى المَخِيط والطِّيب

(3)

.

(1)

«أحكام القرآن» (3/ 432) لابن العربي.

(2)

«المُدوَّنة» (1/ 396).

(3)

أي: إِنْ أَمِن على نفسه من ارتكاب محظورات الإحرام، فدُوَيْرة أهله أفضل، وإلا فالميقات.

ص: 262

• قال النووي في «المجموع» (7/ 202) في نقل اختلاف العلماء:

قد ذكرنا أن الأصح أن يُحْرِم من الميقات، وبه قال عطاء والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحاق. ورُوي عن عمر بن الخطاب، حكاه ابن المنذر عنهم كلهم.

ورَجَّح آخرون (دُويرة أهله) وهو المشهور عن عمر وعلي، وبه قال أبو حنيفة، وحكاه ابن المنذر عن علقمة والأسود وعبد الرحمن وأبى إسحاق، يعني السَّبيعي. ودليل الجميع سبق بيانه، قال ابن المنذر: وثبت أن ابن عمر أَهَلَّ مِنْ إيليا، وهو بيت المقدس.

• وقال النووي في «شرح مسلم» (4/ 350):

الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَسْجِدِهِ، مَعَ كَمَالِ شَرَفِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ.

قُلْنَا: هَذَا غَلَطٌ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيَانَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي بَيَانِ الْمَوَاقِيتِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ فِي شَيْءٍ يَتَكَرَّرُ فِعْلُهُ كَثِيرًا، فَيَفْعَلُهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ، عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَيُوَاظِبُ غَالِبًا عَلَى فِعْلِهِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ، وَذَلِكَ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا، كُلُّهُ ثَابِتٌ، وَالْكَثِيرُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. وَأَمَّا الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَتَكَرَّرْ، وَإِنَّمَا جَرَى مِنْهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا يَفْعَلُهُ إِلَّا عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 263

المذهب الحنبلي: (الأفضل من الميقات).

• قال ابن قُدامة: لا خلاف في أن مَنْ أَحْرَم قبل الميقات يصير مُحْرِمًا، تَثبت في حقه أحكام الإحرام.

• قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن مَنْ أحرم قبل الميقات أنه محرم.

ولكن الأفضل الإحرام من الميقات، ويُكْرَه قبله

(1)

.

(1)

«المغني» (5/ 65).

ص: 264

‌تَراجُع ابن عمر عن اجتهاده

في إلزام المرأة بقطع الخفين في الحج

• قال الإمام أحمد في «مسنده» (24067): حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ أُمَّ وَلَدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَتْهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ابْتَاعَ جَارِيَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَأَعْتَقَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَحُجَّ مَعَهُ، فَابْتَغَى لَهَا نَعْلَيْنِ، فَلَمْ يَجِدْهُمَا، فَقَطَعَ لَهَا خُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ شِهَابٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرَخِّصُ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ. فَتَرَكَ ذَلِكَ

(1)

.

وخالف ابنَ إسحاق جماعة - ابن عيينة والليث بن سعد ويونس - فأوقفوه

(2)

.

(1)

صحيح موقوفًا ضعيف مرفوعًا: أخرجه أبو داود في «سُننه» (91949)، وابن الأعرابي في «معجمه» (2427) وابن خُزيمة في «صحيحه» رقم (2686): ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجَزَرِيُّ بِخَبَرٍ غَرِيبٍ، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ - يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ -: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ كَانَ صَنَعَ ذَلِكَ - يَعْنِي قَطْعَ الْخُفَّيْنِ لِلنِّسَاءِ - حَتَّى حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ.

(2)

وقال في «العلل» (9/ 159): خالفه يونس، والليث بن سعد، وابن عُيينة، رووه عن الزُّهْري بهذا الإسناد موقوفًا، وهو الصحيح.

ص: 265

• وقال الدارقطني في «سُننه» رقم (2671): ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي النِّسَاءَ أَنْ يَقْطَعْنَ الْخُفَّيْنِ، حَتَّى قَالَتْ لَهُ صَفِيَّةُ: إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَأْمُرُهُنَّ أَنْ لَا يَقْطَعْنَ. مَوْقُوفٌ.

• وأخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (15726): أَبُو بَكْرٍ قَالَ: نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ

(1)

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُرَخِّصُ فِي الْخُفَّيْنِ وَالسَّرَاوِيلِ لِلْمُحْرِمَةِ، قَالَ:«كَانَتْ صَفِيَّةُ تَلْبَسُ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ خُفَّيْنِ إِلَى رُكْبَتَيْهَا» .

أما الرجال فحكمهم قطع الخفين أو عدمه عند الحاجة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ»

(2)

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: «مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ»

(3)

.

• ذَكَر الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (3/ 403) وجوهًا للجمع:

الأول: النَّسَخ بأن حديث ابن عباس في عرفات.

الثاني: مسلك الترجيح، فقَدَّم حديث ابن عمر على حديث ابن عباس من حيث الصحة.

وقيل: حديث ابن عمر رضي الله عنهما محمول على الإباحة.

(1)

وتابعه ابن نُمَيْر، أخرجه ابن أبي شيبة (15722) مختصرًا.

(2)

أخرجه البخاري (134)، ومسلم (1177).

(3)

أخرجه البخاري (5804) و مسلم (1178).

ص: 266

‌هل أَحَلّ الزبير وعائشة رضي الله عنهما

-

• قال البخاري في «صحيحه» رقم (1796): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ.

• وأخرجه مسلم (1237): حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ تَقُولُ:«صَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَاهُنَا، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافُ الْحَقَائِبِ، قَلِيلٌ ظَهْرُنَا، قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا، فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ، وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ» .

• هذه الرواية متفق عليها، لكن يَرِد عليها أمران:

الأول: أن الزبير كان معه الهَدْي فلم يَحِلّ، كما في مسلم (1236) من رواية ابن جُريج: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَقُمْ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ» فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ.

قَالَتْ: فَلَبِسْتُ ثِيَابِي، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَلَسْتُ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قُومِي عَنِّي! فَقُلْتُ: أَتَخْشَى أَنْ أَثِبَ عَلَيْكَ؟!

ص: 267

ولذا حَمَّل ابن حزم السياق الأول لمحمد بن عبد الرحمن يتيم عروة، بينما رأى ابن حجر في «فتح الباري» أن البخاري يُقَدِّم رواية أبي الأسود على رواية صفية بنت شيبة.

والثاني: أن عائشة رضي الله عنها حاضت، فلم تَطُف بالبيت حتى يوم عرفة، فقال لها النبي:«دعي عمرتكِ» فلم تَتم لها العمرة، فاعتمرت بعد الحج من التنعيم، كما في روايتَي البخاري (316) ومسلم (1211).

• تنبيه: في «المُحَلَّى بالآثار» (5/ 95): قوله فيه: «ثم أهللنا من العشي بالحج» وهذا باطل بلا خلاف؛ لأن عائشة أم المؤمنين وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وابن عباس، كلهم رووا أن الإحلال كان يوم دخولهم مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأن إهلالهم بالحج كان يوم التروية - وهو يوم مِنى - وبَيْن يوم إحلالهم ويوم إهلالهم ثلاثة أيام بلا شك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة في حجة الوداع صبح رابعة من ذي الحجة، والأحاديث في ذلك مشهورة، قد ذكرناها في كتبنا، وذَكَرها الناس وكل مَنْ جَمَع في المُسْنَد؛ فظهر عوار رواية أبي الأسود.

الباحث/ محمد بن سيد بن عبد الغني الفيومي. بتاريخ (7) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (20/ 3/ 2021 م).

ص: 268

‌التضلع من ماء زمزم

• أخرج ابن ماجه رقم (3061): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَالِسًا، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنْ زَمْزَمَ.

قَالَ: فَشَرِبْتَ مِنْهَا كَمَا يَنْبَغِي؟

قَالَ: وَكَيْفَ؟

قَالَ: إِذَا شَرِبْتَ مِنْهَا، فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَتَنَفَّسْ ثَلَاثًا، وَتَضَلَّعْ مِنْهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللهَ عز وجل؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ - أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ» .

• اختُلف فيه على عثمان بن الأسود:

• تارة عن ابن عباس، وأخرى بإثبات واسطة على أوجه:

1 -

عبد الله بن أبي مُلَيْكة.

2 -

عبد الرحمن بن أبي مُلَيْكة.

3 -

ابن أبي مُلَيْكة.

4 -

جَليس ابن عباس.

5 -

مجاهد.

6 -

أبي سعد، عن رجل من الأنصار، عن أبيه عن جَده.

ص: 269

• وأرجح الطرق هي التي جاءت بابن أبي مُلَيْكة ونحوها، التي جاءت بتفسيره بمحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر المجهول. ووَرَد بسند ضعيف عن ابن عباس موقوفًا.

• الخلاصة: انتهى شيخنا بتاريخ (14) ربيع (1441 هـ) المُوافِق (11/ 12/ 2019 م) مع الباحث/ أحمد بن بكري، إلى ضعف الخبر.

• تنبيه: علة هذا الخبر هي محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مُلَيْكة، القرشي التيمي الجُدْعاني، فاختُصر أحيانًا، والبخاري ذَكَر الخلافات في «التاريخ الكبير» .

ص: 270

‌هل ماء زمزم دواء؟

• وردت زيادة: «وَشِفَاءُ سَقَمٍ

(1)

» من طريق ابن عون عن حُميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر رضي الله عنه. أخرجها البزار رقم (3946) بسند صحيح

(2)

.

(1)

(سقم) مثلثة السين وكلها بمعنى المرض.

(2)

في «مسنده» رقم (3946): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ لِي: يَا بْنَ أَخِي، صَلَّيْتُ قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ سِنِينَ. قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَتَوَجَّهُ حَيْثُ وَجَّهَنِي اللَّهُ، كُنْتُ أَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَلَقَيْتُ نَفْسِي كَأَنِّي خِفَاءٌ، وَكُنَّا مَعَ خَالِنَا فَقَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: إِنَّ أُنَيْسًا يَخْلُفُكَ فِي أَهْلِكَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أَخِي أُنَيْسٌ: يَا خَالَاهُ، أَمَّا مَا صَنَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ وَاللَّهِ كَدَّرْتَهُ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُسَاكِنُكَ بِبَلَدٍ أَنْتَ بِهِ.

قَالَ: وَكُنَّا مَعَ أُمِّنَا فِي صِرْمَتِنَا، فَنَافَرَ أَخِي أُنَيْسٌ رَجُلًا بِصِرْمَتِنَا، فَتَنَافَرَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْكُهَّانِ، وَلَمْ يَزَلْ أُنَيْسًا يَمْدَحُهُ حَتَّى غَلَبَهُ، فَأَخَذَ صِرْمَتَهُ فَضَمَّهَا إِلَى صِرْمَتِنَا، وَانْطَلَقَ أَخِي أُنَيْسٌ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ بِهَا رَجُلًا إِنَّهُ لَأَشْبَهُ النَّاسِ بِكَ، يُقَالُ لَهُ: الصَّابِئُ!

قَالَ: قُلْتُ: حَتَّى أَذْهَبُ فَأَنْظُرُ. قَالَ: فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَدَنَوْتُ مِنْ إِنْسَانٍ فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الصَّابِئُ؟ قَالَ: فَرَفَعَ صَوْتَهُ، وَقَالَ: صَابِئٌ صَابِئٌ! قَالَ: فَرُمِيتُ حَتَّى تُرِكْتُ كَأَنِّي كَذَا - كَلِمَةً ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ - فَانْطَلَقْتُ فَكُنْتُ بَيْنَ مَكَّةَ وَأَسْتَارِهَا، فَخَرَجْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَتَيْنِ تَطُوفَانِ تَدْعُوَانِ يَسَافًا وَنَائِلَةَ. قَالَ: قُلْتُ: زَوِّجُوا إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى. فَقَالَتَا: صَابِئٌ صَابِئٌ! قَالَ: قُلْتُ: أَنَا هُنُّ مِثْلُ خَشَبَةٍ فِي هُنَّ غَيْرَ أَنِّي مَا أُكَنَّى.

قَالَ: فَانْطَلَقَتَا فَإِذَا هُمَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ مُقْبِلَيْنِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَقَالَتَا: هَذَا صَابِئٌ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ. قَالَ: فَإِنِّي أَوَّلُ النَّاسِ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ. قَالَ: قُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «وَعَلَيْكَ، مَنْ أَنْتَ؟» قُلْتُ: أَنَا مِنْ بَنِي غِفَارٍ. قَالَ: فَقَالَ بِيَدِهِ كَذَا عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ: قُلْتُ: كَرِهَ الْقَوْمَ الَّذِينَ انْتَمَيْتُ إِلَيْهِمْ، فذَهَبْتُ أَقُولُ بِيَدِهِ. قَالَ: فَقَالَ صَاحِبُهُ بِيَدِهِ دُونَ يَدِي، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنِّي. قَالَ: فَرَفَعَ يَدَهُ فَقَالَ: «مُنْذُ كَمْ أَنْتَ هَا هُنَا؟» قَالَ: قُلْتُ: مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ. قَالَ: «فَمَا كَانَ طَعَامُكَ؟» قُلْتُ: شَرَابُ زَمْزَمَ، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، وَلَقَدْ تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي. قَالَ:«أَمَا إِنَّهُ طَعَامٌ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ» .

قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَتِّعْنِي بِضِيَافَةِ اللَّيْلَةِ. قَالَ: فَانْطَلَقَ بِي إِلَى دَارٍ فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَقَبَضَ لِي قَبَضَاتٍ مِنْ زَبِيبٍ. قَالَ: وَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لِي أَرْضٌ بِهَا نَخْلٌ، فَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّا قَدْ أَتَيْنَاهَا فَأْتِنَا» .

قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي فَقَالَ أُنَيْسٌ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَسْلَمْتُ. فَقَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ. أَوْ: مَا بِي عَنْ دِينِكَ مِنْ رَغْبَةٍ. فَأَسْلَمَ أَخِي. وَقَالَتْ أُمِّي: مَا بِي عَنْ دِينِكُمَا مِنْ رَغْبَةٍ. فَأَسْلَمْتُ، وَأَسْلَمَ نَاسٌ مِنْ قَوْمِنَا، وَقَالَ: الشَّطْرُ الْآخَرُ حَتَّى أَتَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَشْتَرِطَ لِأَنْفُسِنَا.

وَحَدَّثَنَاهُ الْوَلِيدُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سِكِّينٍ قَالَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، نَحْوَهُ.

ص: 271

وتابع ابنَ عون خالدٌ الحَذَّاء، لكن في السند إليه عبد العزيز بن المختار، ضعيف. أخرجه البزار (3929) والطبراني في «الأوسط» (4270).

• ورواه سليمان بن المغيرة، واختُلف عليه في اللفظ، فزادها عنه أبو داود الطيالسي (459) مخالفًا الجماعة - هَدَّاب بن خالد كما عند مسلم (2473) وأبا أسامة كما عند ابن أبي شيبة (14132) ويزيد بن هارون كما عند أحمد (65521) وهاشم بن القاسم كما عند ابن سعد (5398) - عنه.

ص: 272

وتابع حميدًا على عدم ذكرها: عون بن حُميد، وسندها ضعيف.

بينما خالفه أبو عمران الجَوني بذكرها، أخرجه الطحاوي (1863) وسنده ضعيف.

وتابع عبدَ الله بن الصامت أبو ليلى الأشعري بدون ذكرها، وسنده ضعيف. أخرجه الدولابي في «الكُنى» (1213).

وورد من حديث ابن عباس موقوفًا، أخرجه البيهقي في «الشُّعب» (3835) وفيه هارون بن سليمان، مجهول.

• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ عبد المنعم بن راضي: البزار لا يقوى على هذه الزيادة.

ص: 273

‌فضل العمل في عشر ذي الحجة

• قال تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142]

• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (1968) - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ - يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ -» قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ:«وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»

هذا الحديث اختلف في سنده ومتنه أما السند فأصحها الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد عن ابن عباس وهو المحفوظ كما قال الدارقطني

(1)

.

(1)

قد اختلف فيه على الأعمش على وجوه:

1 -

أبو صالح عن أبي هريرة. 2 - مجاهد عن ابن عمر. 3 - أبو الزبير عن جابر. وثم خلاف آخر في الوصل والإرسال والصواب ما رجحه الدارقطني ووقع إشكال في سند أبي داود (2438) حيث قال: «حَدَّثنا وَكِيعٌ، حَدَّثنا الأَعمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ» وانفرد به وكيع.

ص: 274

• وأما المتن فقد انفرد البخاري بلفظ مغاير كما في رواية كريمة عن الكشميهني قال ابن حجر في «فتح الباري» (2/ 459): قَوْلُهُ: مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالْإِبْهَامِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ أَفْضَلِيَّةِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ عَلَى الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إِنْ فُسِّرَتْ بِأَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ تَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةُ فَزَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ فَسَّرَ الْأَيَّامَ الْمُبْهَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَفَسَّرَ الْعَمَلَ بِالتَّكْبِيرِ لِكَوْنِهِ أَوْرَدَ الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ الْمُتَعَلّقَة بِالتَّكْبِيرِ فَقَط.

• أما لفظ الأكثرين عن البخاري رقم (969) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلَا الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلَا الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» .

• الخلاصة: وكتب شيخنا مع الباحث/ ياسر اليماني بتاريخ الأحد 15 من ذي الحجة 1442 موافق 25/ 7/ 2021 م: رواية البخاري مخالفة لروايات غيره والبخاري جنح إلى رأي مرجوح بتبويبه - فضل العمل في أيام التشريق -. ا هـ.

• تنبيه: لفظ أبي داود أصوب من لفظ البخاري.

ص: 275

• وقال الباحث: رواية البخاري من طريق محمد بن عرعرة وقد انفرد عن شعبة بلفظ البخاري وخالف محمدُ بنُ عرعرة محمدَ بنَ جعفر ويحيى القطان عن شعبة بلفظ موافق الجماعة - وكيع وأبو معاوية - عن الأعمش.

ص: 276

‌فضائل يوم عرفة

• تعددت فضائل يوم عرفة فأتم الله فيه دينه وحجَّ بيته وهو اليوم المشهود وصومه يكفر سنتين والوقوف بعرفة فيه للحجاج يكفر ذنوب العمر ويباهي الله فيه حجاج بيته بملائكته ويدنو عز وجل من عباده أو ينزل إلى سماء الدنيا

(1)

وإليك ما يتعلق بهذه الصفة:

1 -

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟»

(2)

(1)

متفق عليه في الليل من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ " أخرجه البخاري (1145) ومسلم (758).

(2)

أخرجه مسلم (1348) وأبو عوانة في «مستخرجه» رقم (3478) وابن خزيمة (2827) والحاكم (1705) وغيرهم من طرق عن ابن وهب، أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، قال: سمعت يونس بن يوسف، يقول: عن ابن المسيب، قال: قالت عائشة به. وصحح إسناده.

قلت: تكررت رواية مخرمة بن بكير عن أبيه من رواية ابن وهب عنه في «صحيح مسلم» سبع عشرة مرة والراوي عن مخرمة هوابن وهب ولم أقف على طعن في رواية ابن وهب عن مخرمة.

ص: 277

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وذهب جمهور المحدثين إلى أن مخرمة لم يسمع من أبيه إلا حديثًا استثناه أبو داود. وقيل سمع أكثر من حديث لكن في إسناد هذا ابن أبي أويس فيه ضعف.

وقال البيهقي: «قد اعتمده مالك بن أنس فيما أرسل في الموطأ عن أبيه بكير، وإنما أخذه عن مخرمة. واعتمده مسلم بن الحجاج، فأخرج أحاديثه عن أبيه، في الصحيح

فيحتمل أن يكون المراد بما حُكي عنه من إنكاره سماع البعض دون الجميع. والله أعلم. ثم هب أن الأمر على ما حُكي عنه من الإنكار، أليس قد جاء بكتب أبيه الرجل الصالح، فإذا فيها تلك الأحاديث؟!» (معرفة السنن 12/ 368).

وقال العلائي: «أخرج له مسلم عن أبيه عدة أحاديث، وكأنه رأى الوجادة سببًا للاتصال، وقد انتُقد ذلك عليه» (جامع التحصيل، ص: 275).

وقال ابن القيم في ردِّه إعلال حديث من روايته عن أبيه: "والجواب عن هذا من وجهين:

أحدهما: أن كتاب أبيه كان عنده محفوظًا مضبوطًا، فلا فرق في قيام الحجة بالحديث بين ما حَدَّثه به أو رآه في كتابه، بل الأخذ عن النسخة أحوط إذا تَيَقن الراوي أنها نسخة الشيخ بعينها.

وهذه طريقة الصحابة والسلف. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث كتبه إلى الملوك، وتقوم عليهم بها الحجة، وكَتَب كتبه إلى عماله في بلاد الإسلام، فعملوا بها واحتجوا بها. ودَفَع الصِّديق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة إلى أنس بن مالك، فحمله وعملت به الأمة. وكذلك كتابه إلى عمرو بن حزم في الصدقات الذي كان عند آل عمرو.

ولم يزل السلف والخلف يحتجون بكتاب بعضهم إلى بعض، ويقول المكتوب إليه: (كَتَب إليَّ فلان أن فلانًا أخبره

) ولو بَطَل الاحتجاج بالكتب لم يَبْقَ بأيدي الأمة إلا أيسر اليسير، فإن الاعتماد إنما هو على النُّسَخ لا على الحفظ، والحفظ خَوَّان، والنسخة لا تخون.

ولا يُحفظ في زمن من الأزمان المتقدمة أن أحدًا من أهل العلم رد الاحتجاج بالكتاب، وقال:(لم يشافهني به الكاتب فلا أقبله) بل كلهم مُجمِعون على قَبول الكتاب والعمل به إذا صح عنده أنه كتابه

» (زاد المعاد 5/ 242، 243).

وقال المعلمي اليماني: «قال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث الوتر. فقد سمع من أبيه في الجملة، فإن كان أبوه أَذِن له أن يَروي ما في كتابه ثبت الاتصال، وإلا فهي وجادة؛ فإن ثَبَت صحة ذاك الكتاب قَوِيَ الأمر. ويدل على صحة الكتاب أن مالكًا كان يعتد به. قال أحمد: "أَخَذ مالك كتاب مخرمة، فكل شيء يقول: (بلغني عن سليمان بن يسار) فهو من كتاب مخرمة عن أبيه عن سليمان". وربما يَروي مالك عن الثقة عنده عن بكير بن الأشج. وقد قال أبو حاتم: "سألت إسماعيل بن أبي أويس، قلت: هذا الذي يقول مالك: (حدثني الثقة) مَنْ هو؟ قال: مخرمة بن بكير» (التنكيل - ضمن آثار الشيخ المعلمي 11/ 205) أفاده الباحث أحمد بن عبد الله وأحمد بن بكري.

بينما كتب شيخنا مع ابنه عبد الرحمن أحاديث مسلم من طريق مخرمة عن أبيه منتقدة ومن أشهرها في مسلم وانتقد حديث تعيين ساعة الجمعة بأنها من طلوع الإمام إلى انقضاء الصلاة.

ص: 278

• وورد في صفة النزول ثلاثة أخبار كلهن ضعاف:

1 -

عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ» قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِيَ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ:«هِيَ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا عَفِيرًا يُعَفِّرُ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، وَمَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لَمْ يَرَوْا رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ أَرَ يَوْمًا أَكْثَرَ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ»

(1)

.

(1)

رواه عن جابر أبو الزبير وعنه ثلاثة:

1 -

هشام الدستوائي وعنه محمد بن مروان أخرجه أبو يعلى (2090) وابن حبان (3853) ومحمد بن مروان قال فيه أبو زرعة: ليس عندي بذاك. كأن أحمد ضعفه ولم يكتب عنه. وأما ابن معين فقال: صالح. وتارة: ليس به بأس. وثالثة: كأنه استضعفه. والراوي عنه محمد بن عمرو بن جبلة وثقه أبو داود.

وكأن أحمد ضعفه ولم يكتب عنه وقال ابن حبان: كان يغرب ويخالف.

2 -

مرزوق أبو بكر علقه ابن خزيمة ووصله ابن بطة في «الإبانة» (177) والبيهقي في «شعب الإيمان» (3774) والخليعي في «الفوائد المنتقاة» (275). ومرزوق وثقه أبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ. وقال ابن خزيمة عقب الخبر: أبرأ إلى الله من عهدة مرزوق.

3 -

أيوب السختياني دون صفة النزول أخرجه ابن بلبان في «المقاصد السنية» (ص: 21) وعاصم بن هلال الراوي عن أيوب ليس به بأس وقال فيه أبو زرعة: حدّث عن أيوب بأحاديث مناكير. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات.

والخلاصة: أن هذه الطرق الثلاثة ضعيفة فضلا عن عنعنة أبي الزبير.

ص: 279

2 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَحَدُهُمَا مِنَ الأَنْصَارِ، وَالآخَرُ مِنْ ثَقِيفٍ، فَسَبَقَهُ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلثَّقَفِيِّ: يَا أَخَا ثَقِيفٍ، سَبَقَكَ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَبْدَؤُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا أَخَا ثَقِيفٍ، سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَنَا أَخْبَرْتُكَ بِمَا جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْهُ، قَالَ: فَذَاكَ أَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ تَفْعَلَ، قَالَ: فَإِنَّكَ جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ صَلَاتِكَ

فَإِنَّكَ جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ خُرُوجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ وَجِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ وُقُوفِكَ بِعَرَفَةَ، وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ وَعَنْ رَمْيِكَ الْجِمَارَ، وَتَقُولُ: مَاذَا لِي فِيهِ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَّا خُرُوجُكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ وَطْأَةٍ تَطَأُهَا رَاحِلَتُكَ، يَكْتُبُ اللهُ لَكَ حَسَنَةً، وَيَمْحُو عَنْكَ سَيِّئَةً، وَأَمَّا وَقُوفُكَ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ اللهَ تبارك وتعالى يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِهِمُ المَلَائِكَةَ، فَيَقَوُلُ: هَؤُلَاءِ عِبَادِي جَاؤُوا شُعْثًا

غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ

ص: 280

عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَيَخَافُونَ عَذَابِي، وَلَمْ يَرَوْنِي، فَكَيْفَ لَوْ رَأُونِي، فَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ، أَوْ مِثْلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، أَوْ مِثْلُ قَطْرِ السَّمَاءِ ذُنُوبًا غَسَلَهَا اللهُ عَنْكَ، وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ، فَإِنَّهُ مَذْخُورٌ لَكَ، وَأَمَّا حَلْقُكَ رَأْسَكَ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ تَسْقُطُ حَسَنَةً، فَإِذَا طُفْتَ بِالْبَيْتِ، خَرَجْتَ مِنْ ذُنُوبِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ

(1)

.

3 -

حديث أم سلمة أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (2746) وفي سنده محمد بن عمر الواقدي متروك.

4 -

من حديث أنس رضي الله عنه أخرجه ابن قدامة في «يوم عرفة» (14) وفي سنده إسماعيل بن رافع من السابعة متروك الحديث، منكر الحديث.

• الخلاصة: أرى تضعيف الأخبار الواردة في صفة النزول يوم عرفة وأما الدنو فثابت عندي عملا بالوجادات الصحيحة بخلاف شيخنا فيرى أنه معلول.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (9004) - عَنِ ابْنِ مُجاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ به. وابن مجاهد هو عبد الوهاب ضعيف.

وخالفه يونس بن أبي إسحاق فقال عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (2839) - حَدثنا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا. وليس فيه وجه الشاهد ورجاله ثقات وقال أبو نعيم: غريب من حديث مجاهد عن أبي هريرة ولا أعلم له راويا إلا يونس بن أبي إسحاق.

وقال ابن المحب في «صفات الرب» (ص/ 621): ورَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللهَ لَيَنْزِلُ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِعِبَادِهِ» ويحيى وأبوه لم أعرفهما.

ص: 281

• قال ابن تيمية في «تفسير سورة الإخلاص» (ص: 61): فَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ إذَا وَصَفَهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ يَنْزِلُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَأَنَّهُ يَدْنُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ إلَى الْحُجَّاجِ " وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى فِي الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَأَنَّهُ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ: لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَكُونَ هَذِهِ الْأَفْعَالُ مِنْ جِنْسِ مَا نُشَاهِدُهُ مِنْ نُزُولِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ الْمَشْهُودَةِ حَتَّى يُقَالَ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَفْرِيغَ مَكَانٍ وَشَغْلَ آخَرَ. فَإِنَّ نُزُولَ الرُّوحِ وَصُعُودَهَا لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ فَكَيْفَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ لَهُمْ صُعُودٌ وَنُزُولٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ. فَلَا يَجُوزُ نَفْيُ مَا أَثْبَتّه اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَلَا يَجُوزُ تَمْثِيلُ ذَلِكَ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ لَا سِيَّمَا مَا لَا نُشَاهِدُهُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَإِنَّ مَا ثَبَتَ لِمَا لَا نُشَاهِدُهُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لَيْسَ مُمَاثِلًا لِمَا نُشَاهِدُهُ مِنْهَا فَكَيْفَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ عَنْ مُمَاثَلَةِ كُلِّ مَخْلُوقٍ مِنْ مُمَاثَلَةِ مَخْلُوقٍ لِمَخْلُوقِ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَخْلُوقِ الَّذِي لَا يُمَاثِلُهُ مِنْ الْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

• وقال أيضًا: «مجموع الفتاوى» (5/ 466): أما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده؛ فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه ومجيئه يوم القيامة ونزوله واستوائه على العرش. وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث والنقل عنهم بذلك متواتر.

وتتأمل تأصيلات ابن تيمية في شرحه حديث النزول ودفع الشبه فإنها قيمة ونافعة. وانظر كلام ابن عبد البر في «التمهيد» (5/ 150).

ص: 282

‌الحج عرفة

• قال الإمام الترمذي في «سُننه» رقم (889) حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ

(1)

، قَالَا: حَدَّثنا سُفْيَانُ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ

(2)

، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: الحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ، أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَزَادَ يَحْيَى: وَأَرْدَفَ رَجُلًا فَنَادَى.

وتابع سفيانَ الثوري، شعبةُ بن الحَجاج نحوه. أخرجه أحمد (18773)، وابن سعد في «الطبقات» (2/ 162)، والبغوي في «معجم الصحابة» (1915) وغيره.

• قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أَجْوَدُ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.

• وقال ابن حِبان في «صحيحه» (9/ 203): قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: لَيْسَ عِنْدَكُمْ بِالْكُوفَةِ حَدِيثٌ أَشْرَفُ وَلَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا.

(1)

وتابعهما ابن عُيينة كما عند الترمذي (890) وغيره.

(2)

قال الحاكم في «المستدرك» (2/ 528): وَقَدْ تَابَعَ عُرْوَةُ بْنُ الْمُضَرِّسِ فِي رِوَايَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَعْمَرَ الديلي.

ص: 283

• وفي «سُنن ابن ماجه» (4/ 219): قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: مَا أُرَى لِلثَّوْرِيِّ حَدِيثًا أَشْرَفَ مِنْهُ.

• قال الترمذي: قال وكيع بن الجَرَّاح: هَذَا الحَدِيثُ أُمُّ الْمَنَاسِكِ.

وَالعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الحَجُّ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ إِنْ جَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ، وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَعَلَيْهِ الحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.

• قال الترمذي في «العلل الصغير» (ص: 759): وقد روى شُعبة وسُفيان الثوري بهذا الإسناد عن بُكَيْر بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الْحَجُّ عَرَفَةُ» فهذا الحديث المعروف عند أهل الحديث بهذا الإسناد.

• الخلاصة: انتهيت مع الباحث/ في عام (1441 هـ) الموافق (2020 م) إلى صحة الخبر لذاته وكذلك يرى الباحث حسان بن عبد الرحيم وقال في بحثه: لم يرو بهذا اللفظ: «الحج عرفة» إلا بهذا الإسناد.

بينما يرى شيخنا - حفظه الله - صحته لشواهده، وذلك بعد التأكد من صحبة عبد الرحمن بن يعمر

(1)

الدِّيلي

(2)

وتَفرُّد بُكير بن عطاء

(3)

بالرواية عنه.

(1)

بفتح الميم وضمها، والفتح أشهر. «تهذيب الأسماء واللغات» (364).

(2)

أثبتها له أبو حاتم الرازي كما في «الجَرح والتعديل» (5/ 298)، وأبو حاتم بن حِبان والحافظ المِزي، والذهبي وابن حجر.

(3)

وثقه ابن مَعِين والدارقطني ويعقوب بن سفيان وأبو داود وقال أبو حاتم: شيخ صالح لا بأس به. وروى عنه شعبة وسفيان ومسعر وشريك زاد الأخيرين الدارقطني في «العلل» و «الإلزامات» .

ص: 284

• فائدة: قال إسحاق الكوسج: قُلْتُ لأحمد: فَسِّر لي حديث عبد الرحمن بن يعمر، وحديث عروة بن مُضَرِّس.

قال: أما حديث عبد الرحمن بن يعمر فهو على كمال الحج، به يَكمل الحج، وقوله:«الحج عرفة» يُشْبِه قوله: «مَنْ أَدْرَك مِنْ الصلاة (ركعة) فقد أَدْرَكها) فإن أفسدها شيء أليس (كانت) تَفسد صلاته؟! وكذلك الحج، إذا هو وطئ قبل رمي (الحجارة) فقد أَفْسَد حجه، وحديث عروة توكيد بجمع.

قال إسحاق: كما قال، ولا بد عن الوقوف بجمعٍ، قَلَّ أم كَثُرَ

(1)

.

ثم عرضه الباحث/ حسان بن عبد الرحيم بتاريخ الخميس 4 محرم 1442 موافق 12/ 8/ 2021 م فانتهى إلى النتيجة السابقة وزاد بيانا: هذا الخبر تفرد به صحابي غير مشهور وعنه بكير وليس بمنزلة كبيرة من التوثيق فلذا لا نقبله استقالا وإنما لشواهده وعليه العمل.

ص: 285

‌متى يَبدأ الوقوف بعرفة، ومتى ينتهي؟

• يَبدأ الوقوف بعرفة

(1)

عند الأكثرين بالزوال، وينتهي بطلوع فجر يوم النحر

(2)

.

• فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بِعَرَفَةَ، فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى:«الْحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ. أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»

(3)

.

(1)

بأي مكان من عرفة. فقد أخرج مسلم (1162) من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا: «وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» .

وأخرج ابن ماجه (3012) من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا: «وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» .

(2)

وانظر: مسألة الخطأ في الوقوف بعرفة في «الموسوعة الفقهية الكويتية» (19/ 153).

(3)

صحيح: أخرجه الترمذي (889)، وابن حِبان (2650) والسراج في «حديثه» (438) من طرق عن سفيان الثوري.

والدارقطني في «السُّنن» (2494) من طريق شُعبة، كلاهما عن بُكَيْر بن عطاء عن عبد الرحمن بْن يَعْمَرَ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِعَرَفَةَ، فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى:«الْحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ. أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ» .

قَالَ أَبُو عِيسَى: وَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ. وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ إِنْ جَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.

قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ نَحْوَ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ. قَالَ: وسَمِعْتُ الْجَارُودَ يَقُولُ: سَمِعْتُ وَكِيعًا أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ أُمُّ الْمَنَاسِكِ.

وقال سفيان بن عُيينة: قلت لسفيان الثوري: ليس عندكم بالكوفة حديث أشرف ولا أحسن من هذا.

ص: 286

• وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ الطَّائِيِّ، رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ، أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ

(1)

إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ

(2)

»

(3)

.

• قال ابن المنذر: وأجمعوا على مَنْ وقف بها من ليل أو نَهار بعد زوال الشمس من يوم عرفة، أنه مُدرِك للحج

(4)

.

(1)

قَوْلُهُ: (مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ): إِذَا كَانَ مِنْ رَمْلٍ يُقَالُ لَهُ: حَبْلٌ، وَإِذَا كَانَ مِنْ حِجَارَةٍ يُقَالُ لَهُ: جَبَلٌ.

(2)

قَوْلُهُ: (تَفَثَهُ) يَعْنِي نُسُكَهُ. من باب إطلاق الجزء - وهو حلق الشعر وتقليم الأظفار

إلخ - على الكل.

(3)

صحيح: أخرجه أبو داود (1950) والترمذي (891) والنَّسَائي (4031) وابن ماجه (3016) وغيرهم، من طرق عن الشَّعبي، عن عروة بن مُضَرِّس الطائي، به.

(4)

«الإجماع» لابن المنذر (ص: 71).

ص: 287

• وقال ابن القطان: وأجمعوا أن مَنْ وقف بها يوم عرفة قبل الزوال وأفاض منها قبل الزوال، أنه لا يَعتد بها. وإن لم يَرجع فيقف (بعده) أو في ليلته تلك قبل الفجر، فقد فاته الحج.

ثم اختلفوا إن وقف بها بعد الزوال مع الإمام ودَفَع منها قبل الغروب، فقال سائر العلماء: إن وقف بها بعد الزوال أو دفع عند المغرب، فحجه تام. قال الشافعي: وعليه دم إلا إن أعاد قبل الفجر

(1)

.

• وقال ابن قُدامة رحمه الله: وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، ولا نَعْلَم خلافًا بين أهل العلم في أن آخر الوقت طلوع فجر يوم النحر

(2)

.

• قال أبو بكر علاء الدين السمرقندي (ت/ 540): وقت الوقوف بعرفة بعد زوال الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر

(3)

.

• وقال القرافي: وأول الوقوف عند الجمهور زوال الشمس، وعند ابن حنبل من طلوع الفجر؛ لحديث عروة السابق وقياسًا لجميع النهار على جميع الليل.

(1)

«الإقناع في مسائل الإجماع» (1/ 276).

(2)

وفي «المغني» (3/ 372): قال جابر: «لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع» . قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نعم. رواه الأثرم.

(3)

«تحفة الفقهاء» (1/ 406).

ص: 288

وجوابه: أنه فَعَله صلى الله عليه وسلم واتفاق أهل الأعصار على ذلك، وآخِر الوقت طلوع الفجر يوم العاشر

(1)

.

• وقال النووي: وأول وقته إذا زالت الشمس؛ لِما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم»

(2)

وآخِر وقته إلى أن يطلع الفجر الثاني

(3)

.

(1)

«الذخيرة» (3/ 259).

(2)

أخرجه مسلم (1299) ولفظه: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ» قال النووي في «شرحه على مسلم» (9/ 45): فَهَذِهِ اللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ.

قال أبو العباس القرطبي في «المفهم لما أشكل من كتاب تلخيص مسلم» (3/ 316): قولُه: «لِتَأْخُذُوا مناسككم» صحيحُ روايتِنا فيه: «لنا» بلام الجرِّ المفتوحةِ والنونِ، وهو الأفصحُ، وقد روي:«لتأخذُوا» بكسرِ اللامِ للأمرِ، وبالتاءِ باثنتين من فوقِها، وهي لغةٌ شاذةٌ، وقد قرأ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:{فبذلك فلتفرحوا} .

وهو أمرٌ بالاقتداءِ به، وحَوالةٌ على فعلِه الذي وقع به البيانُ لمجملاتِ الحجِّ في كتابِ الله تعالى؛ وهذا كقولِه لما صلَّى:«صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي» . ويلزمُ من هذين الأمرين: أن يكونَ الأصلُ في أفعالِ الصلاةِ والحجِّ: الوجوبَ، إلا ما خرج بدليلٍ؛ كما ذهب إليه أهلُ الظاهرِ، وحُكي عن الشافعيِّ.

(3)

«المجموع شرح المهذب» (8/ 94).

ص: 289

‌بَابُ اسْتِحْبَابِ النُّزُولِ بِالْمُحَصَّبِ

(1)

.

يَوْمَ النَّفْرِ وَالصَّلَاةِ بِهِ

• قال البخاري رقم (3058): حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ؟ قَالَ:«وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا؟» ، ثُمَّ قَالَ:«نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ المُحَصَّبِ، حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الكُفْرِ» ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، أَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ، وَلَا يُؤْوُوهُمْ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالخَيْفُ: الوَادِي.

تابع محمود بن غيلان على ذكر هذا السياق جماعة - هو نفسه في مصنفه والإمام أحمد، ومحمد بن علي، ومحمد بن يحيى، وإبراهيم بن سويد، وعلي بن المديني -.

بينما خالفهم آخرون - ابن أبي عمر، وعبد بن حميد، ومحمد بن مهران كما عند مسلم (1351) أحمد بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم - فاقتصروا على «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا؟» .

(1)

الْمُحَصَّبُ مَا بَيْنَ مِنًى إلَى الْمُنْحَنَى، وَالْمُنْحَنَى: حَدُّ الْمُحَصَّبِ مِنْ الْأَبْطَحِ، فَمُنْذُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِنًى فَأَنْت فِي الْمُحَصَّبِ حَتَّى يَضِيقَ الْوَادِي بَيْنَ الْعَيْرَتَيْنِ فَذَاكَ الْمُنْحَنَى. كمافي «معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية» (ص: 283).

ص: 290

وتابع معمرا على المتن المطول الأوزاعي عن الزهري أخرجه البزار (2275) وقال النسائي: وحديث الأوزاعي وهم.

• ورواه جمهور الرواه عن الزهري بجعل هذا السياق متنين:

الأول: وهو «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا؟» في الحج. رواه عن الزهري ستة: - يونس أخرجه البخاري (1491) ومسلم (1351) زمعة بن صالح ومحمد بن أبي حفصة أخرجه مسلم (2415) صالح بن كيسان كما عند الطبراني في «الكبير» (1/ 168) وسفيان بن حسين -.

والثاني: وهو «نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ

(1)

بَنِي كِنَانَةَ

» رواه - الأوزاعي كما عند البخاري (1493) ومسلم (2324) وعقيل كما عند البخاري (1493) معلقا ووصله ابن خزيمة (2984) وشعيب بن أبي حمزة كما عند البخاري (1492) ويونس كما في البخاري معلقا ومسلم (2323) والنعمان بن راشد وإبراهيم بن سعد وإبراهيم بن إسماعيل -.

• الخلاصة: قال الدارقطني في «العلل» (1738): وكلاهما محفوظان. وقال ابن المديني في «علله» (ص/ 427): إلا أن معمرا أدرجه في حديث علي بن حسين. ووافقه الخطيب في «الفصل للوصل» (2/ 698): روى معمر هذا الحديث عن الزهري هكذا سياقة واحدة بإسناد واحد ووهم في ذلك لأنهما حديثان بإسنادين مختلفين.

(1)

في «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» (1/ 186): وَالْخَيْفُ سَاكِنُ الْيَاءِ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْوَادِي قَلِيلًا عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ وَمِنْهُ مَسْجِدُ الْخَيْفِ بِمِنًى لِأَنَّهُ بُنِيَ فِي خَيْفِ الْجَبَلِ وَالْأَصْلُ مَسْجِدُ خَيْفِ مِنًى فَخُفِّفَ بِالْحَذْفِ وَلَا يَكُون خَيْفٌ إلَّا بَيْنَ جَبَلَيْنِ.

ص: 291

• وكتب شيخنا مع الباحث/ محمد بن صلاح البرجيلي المنياوي بتاريخ 1/ صفر 1443 موافق 8/ 9/ 2021 م: الخبران ثابتان عن الزهري أما الإدراج فالخلل فيما يبدوا لنا من معرفتنا بالزهري وأقوال العلماء في إدراجاته يبدوا أنه الذي يتحمل والله أعلم.

في «طرح التثريب في شرح التقريب» (5/ 178) لأبي الفضل العراقي: النُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ آكَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ انْتَهَى.

وفي الإجماع نظر بل هو قول الجمهور.

ص: 292

‌استواء العباد في المناسك

• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (15411): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ بَنِي كِلَابٍ، يُقَالُ لَهُ: قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَنْ نَاقَةٍ لَهُ صَهْبَاءَ لَا ضَرْبَ، وَلَا طَرْدَ، وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ» .

وتابع وكيعا قران بن تمّام

(1)

وأبو أحمد الزبيري وموسى بن طارق كما في «المسند» وأبو عاصم الضحاك بن مخلد في وجه

(2)

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (77).

وخالفهم عبيد الله بن موسى وجعفر بن عون فجعلاه مقيدًا بالصفا والمروة بدل رمي الجمرة أخرجه البيهقي (1/ 101) وعقب البيهقي بصحة الوجهين لكن أرى ترجيح طريق وكيع ومن تابعه إن كان أيمن بن نابل يتحمل.

(1)

وورد وجه في زوائد عبد الله على «المسند» (15491) وأبي يعلى (928) بتقييده بالطواف بالبيت ودون لا طرد.

(2)

وورد في وجه آخر عند البخاري رقم (1518) من طريق أيمن بن نابل حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ، فَقَالَ:«يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بِأُخْتِكَ، فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ» فَاعْتَمَرَتْ. ولهذا المتن طرق أخرى عن عائشة رضي الله عنها فلتتبع.

ص: 293

• الخلاصة: أن هذا الخبر له ثلاث روايات الأولى رواية وكيع السابقة والثانية: مقيدة بالطواف بالبيت. والثالثة بالصفا والمروة وأصحها تقييدها برمي الجمار.

ومدار هذا الخبر على أيمن بن نابل وثقه الثوري ومحمد بن عبد الله الموصلي وابن معين والعجلي وابن وضاح والترمذي والحاكم وقال ابن المديني: كان ثقة وليس بالقوي وقال ابن حنبل: صالح الحديث. وقال النسائي: لا بأس به. وقال الساجي صدوق. وقال ابن عدي: لا بأس به فيما يروية وما ذكرته جملة أحاديثه ولم أر أحدا ضعفه ممن تكلم في الرجال وأرجوا أن أحاديثه لا بأس بها صالحة.

وقال الذهبي: صدوق. وزاد ابن حجر: يهم.

وممن ضعفه صراحة: قال أبو حاتم شيخ وقال يعقوب: صدوق وإلى الضعف ما هو.

• وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/ 183): كَانَ يخطاء وَتفرد بِمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَكَانَ يَحْيَى بْن معِين حسن الرَّأْي فِيهِ وَالَّذِي عِنْدِي تنكب حَدِيثه عِنْدَ الِاحْتِجَاج إِلَّا مَا وَافق الثِّقَات أولى من الِاحْتِجَاج بِهِ

وَهَذَا التَّخْلِيطُ كُلُّهُ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ وَأَيْمَنُ كَانَ يخطاء وَيحدث على التَّوَهُّم والحسبان.

• والخلاصة في الترجمة فقد انتهى شيخنا مع الباحث/ أبي البخاري بتاريخ 13 صفر 1443 موافق 20/ 9/ 2021 م: إلى أن كلام ابن حبان موفق فيه. ويرى الباحث أن خبره يحسن ما لم يستنكر.

ص: 294

• وكتب شيخنا مع الباحث/ هاني بن عبد الحميد بتاريخ الثلاثاء 30 محرم 1443 موافق 7/ 9/ 2021 م: ترجمة قدامة لازمة.

ويرى الباحث ضعف الخبر لكلام ابن حبان في «المجروحين» في ترجمة أيمن بن نابل .... وكان يخلط ويحدث على التوهم والحسبان.

وانتهى مع أبي البخاري إلى أن كلام ابن حبان موفق.

• وكتب شيخنا مع الباحث بتاريخ 8 صفر 1443 هـ. الموافق 15/ 9/ 2021 م: إذا لم تكن للحديث طرق إلا من طريق أيمن فلا يحتج به. وأورد أبو البخاري أنه وثقه عشرة لأنه ادعى أن أيمن بن نابل لم يوثقه صراحة إلا ابن معين.

وله خبر منتقد عليه في صفة التشهد سبق في كتاب الصلاة.

ص: 295

‌البدنة عن عشرة

• قال الترمذي في «سننه» رقم (1501) - حَدثنا أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: حَدثنا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى

(1)

، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَ الأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي البَعِيرِ عَشَرَةً.

خالف الترمذي ثلاثة فقالوا: «فحضر النحر» :

1 -

ابن خزيمة في «صيحه» .

2 -

محمد بن أبي عون كما عند ابن حبان

(2)

.

3 -

الحسين التستري كما عند الطبراني.

وتابع حسين بن حريث على «فحضر النحر» :

1 -

محمد بن غزوان كما عند النسائي.

2 -

إسحاق بن راهويه كما عند النسائي.

3 -

وعبد الرحيم بن منيب كما عند البيهقي.

وتابع الفضل بن موسى على لفظ: «فحضر النحر» : علي بن الحسن بن شقيق كما عند الحاكم.

(1)

الفضل بن موسى قال فيه ابن حجر: ثقة ربما أغرب.

(2)

وعند ابن حبان رواية بالشك (وفي البعير سبعة أو عشرة).

ص: 296

وتابع الترمذي على لفظه متابعة قاصرة بذكر «فحضر الأضحى» هدية بن عبد الوهاب كما عند ابن ماجه وهو صدوق ربما وهم قاله الحافظ.

والأصح في هاتين الروايتين «فحضر النحر» وإن كانت الثانية ليست بمدفوعة لكونها من الرواية بالمعنى وتحمل على التعددِ من حاله

(1)

. صلى الله عليه وسلم.

ويرى الباحث أن لفظة: «فحضر الأضحى» شاذة وأن الأصح «فحضر النحر» وهي موافقة لحديث جابر أن ذلك كان في صلح الحديبية ولم يقف على رواية ذكرت أن الأضحى حضر النبي وهو على سفر.

• الخلاصة: وكتب شيخنا مع الباحث/ عاطف بن رشدي بتاريخ 23 صفر 1443 موافق 30/ 9/ 2021 م: رواية حسن بن واقد في إجزاء البعير عن عشرة شاذة ومخالفة لرواية جابر والجمهور على رواية جابر وحسين معروف بالتفردات وقال أحمد فيه في أحاديثه زيادة ما أدري أي شيء هي ونفض بيده

(2)

. ا هـ.

(1)

وانظر كلام ابن خزيمة في الجمع بين الخبرين وإجزاء البدنة عن سبعة أو عشرة. وسبق كلام إسحاق في الإجزاء.

(2)

كلام أحمد هذا رواية الأثرم وقال الميموني عن أحمد: له أشياء مناكير. وقال المروزي عن أحمد: ليس بذاك. وقال العقيلي: أنكر أحمد حديثه.

ووثقه ابن معين وقال أبو زرعة والنسائي: لا بأس به. وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. أفاده الباحث.

ص: 297

‌استحباب استلام الحجر الأسود

مرة ثانية قبل السعي

• ورد في ذلك خبران مجمل ومبين:

فأما المجمل فحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: «وَطَافَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ رَكَعَ، حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ»

(1)

.

وأما المبين وفيه زيادة علم وهي إتيانه صلى الله عليه وسلم الحجر قبل السعي أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (15243): حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْحَجَرِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْهَا، وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّفَا، فَقَالَ:«أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ عز وجل بِهِ» .

(1)

أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227) واللفظ لمسلم وعند البخاري من طريق عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه: عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ:«قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعًا» : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

ص: 298

وخالف سليمانَ بن بلال الثقات - كمالك، وابن عُيينة، والقَطَّان، وحاتم بن إسماعيل

وغيرهم - عن جعفر، فلم يَذكروا:«ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْهَا، وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ» .

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ محمد بن علي حلاوة

(1)

إلى الشذوذ، ويُنْكَر على مَنْ يقول بسُنية العودة إلى الحَجَر مرتين.

• تنبيه: نقل ابن قدامة في «المغني» (5/ 234) الاتفاق على هذه الزيادة حيث قال: وإذا فرغ من الركوع، وأراد الخروج إلى الصفا، استحب أن يعود فيستلم الحجر. نص عليه أحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. ولا نعلم فيه خلافا.

(1)

قَدَّم له شيخنا عددًا من الأبحاث الفقهية الحديثية المقارنة:

1 -

«الجامع العام في فقه الصيام» .

2 -

«الجامع لأحكام الزكاة» .

3 -

«الجامع لأحكام الطهارة» .

4 -

«جامع السبائك لأحكام المناسك» ط دار مكة.

5 -

«صور من البيوع المحرمة والمختلف فيها» ط/ العُلوم والحِكَم، ثم ط/ دار مكة.

ص: 299

‌الحكمة من التلاوة في ركعتي الطواف

• قال الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (1218): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ حَاتِمٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ. فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي، فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا بْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ.

فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ، عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ.

وفيه: «فَكَانَ أَبِي يَقُولُ - وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا

».

• اختُلف على جعفر بن محمد عن أبيه على ثلاثة أوجه:

1 -

الإرسال، رواه حاتم بن إسماعيل، كما سبق في مسلم.

ص: 300

2 -

الاتصال، قاله عبد العزيز بن عمران

(1)

.

3 -

من قول محمد بن علي، قاله القطان ووُهيب والثوري.

• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ محمد بن علي حلاوة: أظن - والله أعلم - أن هذه الزيادة بُحِثَتْ من قبل، والحاصل أن فيها مقالًا.

وفي «حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح» (ص: 730): يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص لحديث ورد بذلك ولما فيهما من البراءة عن الشرك وتحقيق التوحيد.

(1)

فائدة: زاد القَعْنَبِيّ في هذا الحديث عن سليمان بن بلال: الشرب من ماء زمزم

والكافرون والإخلاص.

ص: 301

‌اجتهاد ابن عمر رضي الله عنهما

في الزحام على استلَام الركنين

• عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ اسْتِلَامِ الحَجَرِ، فَقَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ» قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ؟ أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ؟ قَالَ: «اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِاليَمَنِ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ»

(1)

.

• قال البخاري رقم (1606): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:«مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ، مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُمَا» قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ؟ قَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَمْشِي لِيَكُونَ أَيْسَرَ لِاسْتِلَامِهِ» .

• قال عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (8902): أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ فِي رَخَاءٍ وَلَا شِدَّةٍ، مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُمَا» .

(1)

أخرجه البخاري (1611): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، به.

ص: 302

• وَقَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مِثْلَهُ. وَزَادَ نَافِعٌ قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُزَاحِمُ عَلَى الْحَجَرِ حَتَّى يَرْعُفَ، ثُمَّ يَجِيءُ فَيَغْسِلُهُ

(1)

.

• وقال عبد الرزاق، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا أَدَعُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ، مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُمَا. قَالَ نَافِعٌ:«فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ حَتَّى يَرْعُفَ، ثُمَّ يَجِيءُ فَيَغْسِلُهُ»

(2)

.

• وقال الفاكهي في «أخبار مكة» (1/ 131) رقم (135): حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يُوسُفَ الْمَكِّيُّ

(3)

قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَدَعُ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ. قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما لَا يَدَعُهُمَا. قَالَ نَافِعٌ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَعَفَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِمَّا يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، كُلَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ فَيَغْسِلُهُ

(4)

.

• وقال الأزرقي في «أخبار مكة» (1/ 333): حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ، أَخْبَرَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَتْرُكُ

(1)

صحيح لطرقه: ورواية مَعْمَر عن أيوب في «الصحيحين» ومعلوم أن أيوب السَّختياني بصري، ورواية مَعْمَر عن البصريين بها كلام. فقد قال يحيى بن مَعِين إذا حدثك مَعْمَر عن العراقيين فخَالِفه، إلا عن الزُّهْرى وابن طاوس، فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة و أهل البصرة فلا، وما عَمِل في حديث الأعمش شيئًا.

(2)

صحيح لطرقه، وإسناده ضعيف؛ لضعف عبد الله بن عمر العُمَري.

(3)

في «العِقد الثمين» لتقي الدين الفارسي (3/ 131): روى عنه الفاكهي كثيرًا في كتابه، ومما روى عنه خبر غريب في وفاة عبد الله بن جُدْعَان، الجَوَاد المشهور.

(4)

صحيح لطرقه، وفي إسناده ضعف؛ للكلام في إبراهيم وشيخه عبد المجيد بن أبي رَوَّاد.

ص: 303

اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ فِي الزِّحَامِ وَلَا غَيْرِهِ، حَتَّى رَأَيْتُهُ زَاحَمَنَا عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَصَابَهُ دَمٌ، فَقَالَ: قَدْ أَخْطَأْنَا هَذِهِ الْمَرَّةَ»

(1)

.

• وقال أيضًا (1/ 333): حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ اسْتِلَامِ الرُّكْنِ فَقَالَ: «اسْتَلِمْهُ وَزَاحِمْ عَلَيْهِ يَا بْنَ أَخِي؛ فَقَدْ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُزَاحِمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْمَى» .

(1)

حنظلة ثقة ثقة، وعثمان بن ساج أكثر عنه وهو ضعيف.

ص: 304

‌تَرْك المزاحمة على الحجر للزحام

• قال ابن حِبان في «صحيحه» (9/ 131) رقم (3823): أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَعْشَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ صَنَعْتَ فِي اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؟» فَقُلْتُ: اسْتَلَمْتُ وَتَرَكْتُ. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَصَبْتَ»

(1)

.

• قال عبد الرزاق في «مصنفه» (5/ 34) رقم (8901): عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُمرَةِ، فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ لَهُ:«كَيْفَ صَنَعْتَ فِي اسْتِلَامِ الرُّكْنِ؟» قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ اسْتَلَمْتُ وَتَرَكْتُ، قَالَ:«أَصَبْتَ» .

• قال البزار في «مسنده» (3/ 266): هذا الحديث لا نعلمه رُوي عن عبد الرحمن بن عوف، إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. وقد رواه جماعة فلم يقولوا: عن عبد الرحمن بن عوف.

(1)

إسناده ضعيف: لضَعْف الحسين بن محمد، قال الذهبي: فيه لِين. وقال أبو الحسين بن المنادي: لم يكن بثقة. وقال ابن قانع: ضعيف. كما في «الميزان» . وقد توبع متابعة قاصرة من مقدام بن محمد، ووثقه الدارقطني والبزار، لكن قال ابن حِبان بعد ذكره في «الثقات»: يُغْرِب ويُخالِف. وقد خَالَف هنا مَنْ أَرْسَل.

ص: 305

• قال أبو نُعيم في «حِلية الأولياء» (2/ 181): رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، مُرْسَلًا، وَلَمْ يُجَوِّدْهُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ إِلَّا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، تَفَرَّدَ بِهِ مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ.

• قال البيهقي في «السُّنن الكبير» (5/ 131): هَذَا مُرْسَلٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ.

• قال البيهقي في «السُّنن الكبير» (5/ 130) رقم (9261): أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، إِمْلَاءً فِي مَسْجِدِ رَجَاءِ بْنِ مُعَاذٍ، أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا مُفَضَّلُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عُمَرُ، إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُؤْذِ الضَّعِيفَ إِذْ أَرَدْتَ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ، فَإِنْ خَلَا لَكَ فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَكَبِّرْ» .

• وقال أيضًا رقم (9262): أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ خُزَاعَةَ قَالَ: وَكَانَ اسْتَخْلَفَهُ الْحَجَّاجُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ رَجُلًا شَدِيدًا، وَكَانَ يُزَاحِمُ عِنْدَ الرُّكْنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا عُمَرُ، لَا تُزَاحِمْ عِنْدَ الرُّكْنِ فَإِنَّكَ تُؤْذِي الضَّعِيفَ، فَإِنْ رَأَيْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَكَبِّرْ وَامْضِ» .

• أقوال أهل العلم:

• قال عبد العزيز بن أبي رَوَّاد في «أخبار مكة» (1/ 333): «لَيْسَ هَذَا بِوَاجِبٍ عَلَى النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» .

ص: 306

• قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَحْسَبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: «(أَصَبْتَ) أَنَّهُ وَصَفَ لَهُ أَنَّهُ اسْتَلَمَ فِي غَيْرِ زِحَامٍ، وَتَرَكَ فِي زِحَامٍ»

(1)

.

• الخلاصة: أن الحرص على السُّنة لا يكون سببًا في إيذاء الآخرين، وفي الحديث:«لا ضَرر ولا ضِرار» .

(1)

«السُّنن الكبرى» للبيهقي (5/ 131).

ص: 307

‌مرويات الحجر الأسود فضل الحَجَر

• ثَبَتَ عن ابن عمرو وأنس أن الحَجَر من الجنة، وورد عن ابن عباس بسند حسن مرفوعًا، أن الحَجَر يَشهد يوم القيامة لمن قَبَّله بِحَقّ.

أما حديث عبد الله بن عمرو فرواه عنه جماعة:

مجاهد، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ:«لَقَدْ نَزَلَ الْحَجَرُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، فَمَا سَوَّدَهُ إِلاَّ خَطَايَا بَنِي آدَمَ»

(1)

.

(1)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (14146): حدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ - هو محمد، ثقة - عَنْ حُصَيْنٍ - هو ابن عبد الرحمن السُّلَمي، ثقة - عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، به.

ولمجاهد عن ابن عمرو ثلاث روايات في البخاري:

1 -

رقم (1978) في قصة عبادته في الصيام وتلاوة القرآن

إلخ.

2 -

رقم (3166): «مَنْ قَتَل مُعاهَدًا لم يَرِح رائحة الجنة» .

3 -

رقم (5991): «ليس الواصل بالمكافئ» .

وهناك رواية في البخاري (5593) ومسلم (2000) في النهي عن الانتباذ في الأسقية، بإثبات واسطة - أبي عِيَاض - بين مجاهد وابن عمرو رضي الله عنه.

وقال العلائي في «جامع التحصيل» (ص: 273): اختُلف في روايته عن عبد الله بن عمرو، فقيل: لم يَسمع منه.

قلتُ: أَخْرَج له البخاري عنه حديثين. ا هـ.

ص: 308

الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ مِنَ الْجَنَّةِ»

(1)

.

3 -

ويوسف بن مَاهَك، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنَّ جِبْرِيلَ؛ نَزَلَ بِالْحَجَرِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ وَضَعَهُ حَيْثُ رَأَيْتُمْ، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا دَامَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَجِيءَ، فَيَرْجِعُ بِهِ مِنْ حَيْثُ جَاءَ بِهِ "

(2)

.

• وخالفهم مُسَافِع الْحَجَبِيّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ، طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»

(3)

.

(1)

منقطع: أخرجه الأزرقي في «أخبار مكة» (1/ 322) والقاسم لم يُدرِك ابن عمرو.

(2)

رجاله ثقات، وصَدْره مُقَوٍّ لِما قبله: أخرجه الأزرقي في «أخبار مكة» (1/ 63) عن مهدي بن أبي مهدي. والفاكهي في «أخبار مكة» (25): حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ - وثقه مَسْلَمة وابن حِبان كلاهما - عَنْ مَرْوَان بْنِ مُعَاوِيَةَ - وهو ثقة مدلس، لكنه صَرَّح بالتحديث - ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيَّبِ - ثقة - عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، بِهِ.

وصَرَّح مَرْوان بالتحديث من شيخه في رواية مهدي، ولم أقف له على ترجمة، وفي رواية حسين بالعنعنة.

(3)

رواه عن مُسافِح بن شيبة الحَجَبِيّ اثنان:

1 -

رجاء بن يحيى أبو يحيى، أخرجه أحمد (7000) والترمذي (878).

و (رجاء) ضَعَّفه ابن مَعِين. وقال أبو حاتم: ليس بقوي. وجاء عند ابن بشران في «أماليه» رقم (144) مقلوبًا: يحيى بن رجاء.

2 -

الزُّهْري، وعنه يونس بن يزيد، وعنه اثنان:

أ - أيوب بن سُويد وهو ضعيف، أخرجه ابن خُزيمة في «صحيحه» رقم (2731) وأيوب بن سُويد، ضَعَّفه أحمد. وقال النَّسَائي: ليس بثقة.

ب - شبيب، وعنه ابنه أحمد، أخرجه البيهقي في «السُّنن الصغير» (1628).

وظاهر إسناده الحُسن، إلا أن رواية مجاهد ويوسف بن مَاهَك بالوقف - أصح.

وقد قال الترمذي: «هَذَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا قَوْلُهُ، وَفِيهِ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ» .

وخالفهما - أي: رجاء والزُّهْري - المُثَنَّى بن الصَّبَّاح - وهو ضعيف - فأوقفه. أخرجه الأزرقي في «أخبار مكة» (1/ 328).

ص: 309

وأما الحديث الثاني فحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وعنه قتادة، وعنه جماعة:

1 -

أيوب السَّختياني، عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ»

(1)

وتابعه عمر بن إبراهيم العَبْدي

(2)

.

• وخالفهما شُعبة بن الحَجاج وعمرو بن الحارث، فأوقفاه بلفظ:«الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ»

(3)

.

(1)

ضعيف جدًّا: أخرجه الحاكم في «مستدركه» (1678) من طريق داود بن الزِّبْرِقان، عن أيوب، به. وداود متروك.

(2)

أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (7)، والبيهقي في «السُّنن الكبرى» (9231)، والطبراني في «الأوسط» (5/ 164): لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، تَفَرَّدَ بِهِ: شَاذٌّ.

والعُقيلي في «الضعفاء الكبير» (3/ 146) في ترجمة إبراهيم، وقال: وَهَذَا يُرْوَى عَنْ أَنَسٍ مَوْقُوفًا. وَلَهُ غَيْرُ حَدِيثٍ عَنْ قَتَادَةَ مَنَاكِيرُ، لَا يُتَابَعُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ.

وقال أبو أحمد بن عَدِيّ: يَروي عن قتادة أشياء لا يُوافَق عليها، وحديثه خاصة عن قتادة مضطرب.

(3)

صحيح: أخرجه أحمد (13944): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، بِهِ.

والصحيح الموقوف، ورجحه أبو حاتم في «العلل» (1130) وكذا العُقيلي.

ص: 310

• والصواب فيه الوقف، ورجحه أبو حاتم والعُقيلي.

وأما الحديث الثالث فحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وعنه جماعة:

الأول سعيد بن جُبير وعنه جماعة:

- عبد الله بن عثمان بن خُثيم عنه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِهَذَا الْحَجَرِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَقٍّ»

(1)

. رواه ثلاثة عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، به:

(1)

إسناده حسن: أخرجه أحمد (2398)، والترمذي (961)، وابن ماجه (2944) وغيرهم، من طرق: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ب، بِهِ.

حَسَّنه الترمذي، وصَحَّحه ابن حِبان والحاكم.

وقال أبو نُعَيْم: غريب من حديث ابن خُثَيْم.

وقال مَرَّة: تَفَرَّد به ابن خُثَيْم.

و (عبد الله بن عثمان بن خُثيم) وثقه العِجلي، وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث حسنة. وقال أبو حاتم: ما به بأس، صالح الحديث. وقال ابن عَدِيّ: عزيز الحديث، وأحاديثه أحاديث حسان. وقال الإمام أحمد: ابن خُثيم يحتمل. وفَضَّل عليه جماعةٌ: (نافعَ بن عمر) وقد قال فيه الإمام أحمد: ثَبْت ثَبْت، صحيح الحديث.

و (عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج) وقد قال فيه الإمام أحمد: حافظ مستثبت، مِنْ أثبت الناس في عطاء.

و (إسماعيل بن أُمية) قال فيه الإمام أحمد: إسماعيل أقوى وأثبت في الحديث من أيوب.

واختَلف فيه قول ابن مَعِين: فتارة قال: ثقة، حجة. وتارة قال: أحاديثه ليست بالقوية.

وقال النَّسائي: ثقة. وأخرى: ليس بالقوي.

وقال عقب الخبر: وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَمْ يَتْرُكْ حَدِيثَ ابْنِ خُثَيْمٍ، وَلَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِلَّا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ قَالَ: ابْنُ خُثَيْمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَكَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ خُلِقَ لِلْحَدِيثِ.

وكذا ابن حِبان فقال في «مشاهير علماء الأمصار» (ص: 141): صَحِب أبا الطُّفيل عامر بن واثلة زمانًا، وكان من أهل الفضل والنُّسك والفقه والحفظ.

وذَكَره في «الثقات» فقال: كان يخطئ.

وأَخْرَج له مسلم (2294) حديثًا: «إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فَوَاللهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ، فَلَأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي! فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ» .

وروى له البخاري في رقم (1722) مُتابَعة معلقًا إحدى طرق حديث ابن عباس ب مرفوعًا: «افعل ولا حرج» في يوم النحر.

الخلاصة: قال شيخنا أبو عبد الله العدوي في (8) مُحَرَّم (1441 هـ)(7/ 9/ 2019 م):

ابن خُثيم في الأصل حَسَن الحديث ما لم يخالف أو ينفرد، وأراه في هذا المَقام لا يتحمل هذا المتن الذي ليست له شواهد إلا العمومات:

1 -

{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29].

2 -

{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4].

3 -

أخرج البخاري (609) من حديث أبي سعيد الخُدْرِيّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» .

ص: 311

حماد بن سلمة، ولفظه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ

(1)

، حَتَّى سَوَّدَتْهُ خَطَايَا أَهْلِ الشِّرْكِ»

(2)

.

(1)

وفي رواية الترمذي (877): (اللبن) وسندها ضعيف؛ لأنها من رواية جرير بن عبد الحميد عن عطاء، وهي بعد الاختلاط.

(2)

عطاء بن السائب لا يتحمله: أخرجه أحمد (2795): حَدَّثَنَا يُونُسُ - هو ابن محمد المُؤدِّب، ثقة - حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - هو ابن سَلَمة - عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، بِهِ.

وتابع يونسَ عفانُ بن مسلم، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (3046): حَدَّثَنَا عَفَّانُ، بِهِ.

وتابعهما رَوح بن عُبادة، أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (3537): حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ - بِهِ.

وتابعهم موسى بن داود، أخرجه النَّسَائي في «سُننه» (5/ 226) من طريق مُوسَى بْنِ دَاوُدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ» .

وتابعهم عُبيد الله العَيْشِيّ، أخرجه البيهقي في «الشُّعَب» رقم (3744) وإسناده ثابت إلى حماد.

وتابعهم يحيى بن إسحاق السَّيْلَحِينِيّ، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/ 453) رقم (12285).

وخالف الجماعة - يونس وعفان ورَوحًا وموسى وعُبيد الله ويحيى، عن حماد بن سلمة - أبو الجُنَيْد عبد الله بن حسان.

أخرجه ابن خُزيمة (2734) من طريق أبي الْجُنَيْدِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَاقُوتَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا سَوَّدَتْهُ خَطَايَا الْمُشْرِكِينَ، يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا» .

و (أبو الجُنَيْد عبد الله بن حسان) قال فيه ابن مَعِين كما في «تاريخه» رقم (4950): ليس بثقة.

ص: 312

جرير بن عبد الحميد، عن عطاء بن السائب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ»

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف؛ لأن رواية جرير عن عطاء بعد الاختلاط: أخرجه الترمذي (877) وقال: حَسَنٌ صحيح. وأخرجه ابن خُزيمة في «صحيحه» رقم (2733).

ص: 313

مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ»

(1)

.

الراوي الثاني: عطاء بن أبي رباح:

وعَنِه ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ - ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ حِجَارَةِ الْجَنَّةِ، وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجَنَّةِ

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه ابن خُزيمة في «صحيحه» رقم (2733).

و (محمد بن موسى الحَرَشِيّ) وَهَّاه أبو داود وضَعَّفه. وقال فيه أبو حاتم: شيخ. وقال النَّسَائي: صالح، أرجو أن يكون صدوقًا. وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال مَسْلَمَة: صالح.

و (زياد بن عبد الله) هو البَكَّائي، ثَبْت في المغازي، بخاصة عن ابن إسحاق، فقد قال أبو داود: سمعتُ يحيى بن مَعِين يقول: زياد البَكَّائي ضَعَّفه ابن المَديني والنَّسَائي. وقال مرة: ليس بالقوي.

وقال وكيع: أشرف مِنْ أن يَكذب.

وقال فيه أحمد وأبو زُرْعَة: صدوق. وزاد أحمد مرة: ليس به بأس.

وقال عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن مَعِين: لا بأس به في المغازي، وأما في غيرها فلا.

قال فيه أبو حاتم: يُكتَب حديثه، ولا يُحتجّ به.

قال صالح بن محمد الحافظ: ليس كتاب المغازي عند أحد أصح منه عند زياد البكائي، وزياد في نفسه ضعيف، ولكن هو مِنْ أثبت الناس في هذا الكتاب، وذلك أنه باع داره، وخرج يدور مع ابن إسحاق حتى سمع منه الكتاب.

ص: 314

غَيْرُهُ، وَكَانَ أَبْيَضَ كَالْمَهَا

(1)

، فَلَوْلَا مَا مَسَّهُ مِنْ دَنَسِ الْجَاهِلِيَّةِ، مَا مَسَّهُ مِنْ ذِي عَاهَةٍ إِلَّا بَرَأَ».

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْحَجَرُ مِنْ حِجَارَةِ الْجَنَّةِ، وَلَوْلَا مَا مَسَّهُ مِنْ أَنْجَاسِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، مَا مَسَّهُ مِنْ ذِي عَاهَةٍ إِلَّا بَرَأَ

(2)

.

الراوي الثالث: طاوس بن كَيسان:

رَوَاهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَوْلَا مَا طَبَعَ اللَّهُ مِنَ الرُّكْنِ مِنْ أَنْجَاسِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَرْجَاسِهَا، وَأَيْدِي الظَّلَمَةِ وَالْأَثَمَةِ، لَاسْتُشْفَيَ بِهِ مِنْ كُلِّ عَاهَةٍ، وَلَا أَلْقَاهُ الْيَوْمَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَهُ اللَّهُ عز وجل»

(3)

.

(1)

المها: البقر الوحشي والسحاب الأبيض وفي المثل: عيون المها.

(2)

ضعيف: مداره على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ضعيف وبخاصة في عطاء، وقد اختلف عليه:

فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1473) عن وكيع عن ابن أبي ليلي، به موقوفًا.

وخالفه عمران بن أبي ليلى - وهو ضعيف - فرفعه، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (5673) وقال: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ إِلَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ.

(3)

ضعيف ومتنه منكر: أخرجه أبو محمد الفاكهي في «فوائده» رقم (213) والعُقيلي في «الضعفاء الكبير» (1/ 255) من طريق حفص بن عمر العَدَني - وهو ضعيف - عن الحَكَم بن أبان العَدَني، به.

ثم قال العُقيلي: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِسْنَادٍ فِيهِ لِينٌ.

وتابع حفصًا إدريسُ ابن بنت مُنَبِّه، وهو ضعيف. أخرجه العُقيلي أيضًا (2/ 66).

وتابعهما عثمان بن ساج، أخرجه الأزرقي في «أخبار مكة» (1/ 322)، والفاكهي في «أخبار مكة» (1/ 81): عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَائِشَةَ، وَهِيَ تَطُوفُ مَعَهُ بِالْكَعْبَةِ حِينَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ:«لَوْلَا مَا طُبِعَ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَا عَائِشَةُ مِنْ أَرْجَاسِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنْجَاسِهَا، إِذًا لَاسْتُشْفِيَ بِهِ مِنْ كُلِّ عَاهَةٍ، وَإِذًا لَأُلْفِيَ الْيَوْمَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ ?، وَلَيُعِيدَنَّهُ إِلَى مَا خَلَقَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَإِنَّهُ لَيَاقُوتَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى غَيَّرَهُ بِمَعْصِيَةِ الْعَاصِينَ، وَسَتَرَ زِينَتَهُ عَنِ الظَّلَمَةِ وَالْأَثَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى شَيْءٍ كَانَ بَدْؤُهُ مِنَ الْجَنَّةِ» .

و (عثمان بن ساج) إن كان عثمان بن عمرو، فقد قال فيه أبو حاتم: يُكتَب حديثه ولا يُحتجّ به. وإن كان عثمان بن ساج كما أكثر عنه الفاكهي، فقد ذَكَر له العُقيلي عن خُصَيْف حديثين، وقال: لا يُتابَع عليه.

ص: 315

• - ورواه ابن جُريج، واختُلف عليه:

فرواه عنه مسلم بن خالد الزنجي - وهو ضعيف - عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:«لَيْسَ فِي الأَرْضِ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا الرُّكْنُ الأَسْوَدُ وَالْمَقَامُ؛ فَإِنَّهُمَا جَوْهَرَتَانِ مِنْ جَوْهَرِ الْجَنَّةِ، وَلَوْلَا مَا مَسَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، مَا مَسَّهُمَا ذُو عَاهَةٍ إِلَّا شَفَاهُ اللَّهُ عز وجل»

(1)

.

• وخالفه هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُنْزِلَ الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ مَعَ آدَمَ؛، لَيْلَةَ نَزَلَ بَيْنَ الرُّكْنِ

وَالْمَقَامِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَأَى الرُّكْنَ وَالْمَقَامَ فَعَرَفَهَمَا، فَضَمَّهُمَا إِلَيْهِ وَأَنِسَ بِهِمَا»

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه الأزرقي في «أخبار مكة» (ص: 356).

(2)

منقطع؛ منصور لم يُدرِك ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الأزرقي في «أخبار مكة» (1/ 325): حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى - هو العَدَني - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ، بِهِ.

ص: 316

• وخالفهما محمد بن عبد الملك بن جُريج، عن أبيه، أنه قال: كَانَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَاعِدًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَزَمْزَمَ، وَالنَّاسُ يَزْدَحِمُونَ عَلَى الرُّكْنِ، فَقَالَ لِجُلَسَائِهِ: هَلْ تَدْرُونَ مَا هُوَ؟ قَالُوا: هَذَا الْحَجَرُ. قَالَ: قَدْ أَرَى، وَلَكِنَّهُ مِنْ حِجَارَةِ الْجَنَّةِ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ بِيَدِهِ، لَيَجِيئَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ، يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِالْحَقِّ

(1)

.

• والخلاصة: أن أَحْسَن الطرق طريق حماد بن سَلَمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس. ورواية حماد عن عطاء قبل وبعد الاختلاط. وجرير بعد. والروايتان الأُخريان فيهما ضعف وإن كان مجموعهما يفيد التحسين، إلا أن في رواية عطاء عن سعيد في المرفوع ضعفًا؛ فقد قال الإمام أحمد: كان عطاء يَرفع عن سعيد بن جُبير أشياء لم يكن يرفعها.

قال شيخنا حَفِظه الله معي: (2) صَفَر (1441 هـ) المُوافِق (1/ 10/ 2019 م): ويُعتمد مثله في هذا المقام؛ ففي النفس شيء من هذا الخبر.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه الأزرقي في «أخبار مكة» (ص: 359): حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، بِهِ. و (محمد بن عبد الملك) مجهول.

ص: 317

‌حكم السعي بين الصفا والمروة

• قال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 209): وَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَنَّ حَجَّهُ قَدْ تَمَّ، وَعَلَيْهِ دَمٌ مَكَانَ مَا نَزَلَ مِنْ ذَلِكَ.

• تعقيب:

قال النووي في «شرحه على مسلم» (9/ 20): مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ هُوَ تَطَوُّعٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ واجب فإن تركه عصى وجبره.

• أفاده الباحث/ هاني الدميري مع شيخنا بتاريخ الخميس 19/ من ذي الحجة 1442 موافق 29/ 7/ 2021 م: في بحثه «جمع إجماعات الإمام الطحاوي من كتاب شرح معاني الآثار» وأنه وقف على مواطن يحكى فيها الإمام الطحاوي الإجماع وهو يريد إجماع المذهب وقال: وهذا مثال لذلك.

• تنبيه: أشهر الأدلة في الاستدال على ركنية السعي:

1 -

حديث حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تَجْرَاةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ وَرَاءَهُمْ، وَهُوَ يَسْعَى حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ

ص: 318

شِدَّةِ السَّعْيِ يَدُورُ بِهِ إِزَارُهُ، وَهُوَ يَقُولُ:«اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ»

(1)

.

(1)

أسانيده ضعيفة: مدار جل طرقه على عبد الله بن المؤمل واختلف عنه في شيخه على خمسة أوجه - تارة عبد الله بن محيصن وأخرى: عمر بن عبد الرحمن بن محيصن وثالثة: بإسقاطه ورابعة: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين وخامسة: محمد بن عبد الرحمن - عن عطاء بن أبي رباح وتارة بإسقاطه عن صفية بنت شيبة وتارة بإسقاطها عن حبيبة بنت أبي تجراة به.

أخرجه أحمد (27367، 27368) وإسحاق في «مسنده» (2324)، وغيرهم. وابن مؤمل ضعيف وهذا مما يدل على اضطرابه.

وأخرجه ابن خزيمة (2764) والحاكم (4/ 70) من طريق الخليل بن عثمان عن عبد الله بن نبيه عن صفية عن حبيبة به. والخليل ضعيف.

وأخرجه الطبراني (529) وغيره من طريق المثنى بن الصباح عن المغيرة بن حكيم عن صفية عن تملك به. والمثنى ضعيف.

وأخرجه أحمد (27463) من طريق موسى بن عبيدة عن صفية عن امرأة بإسقاط حبيبة.

والدارقطني (85) من طريق الواقدي عن علي بن محمد عن منصور بن صفية عن أمه عن برة به. والواقدي متروك. وثم طرق أخرى.

قال ابن عدي في «الكامل» (5/ 226): وَهَذَا يَرْوِيهِ عَبد الله بن المؤمل وبه يعرف ولابن المؤمل هذا غير ما ذَكَرْتُ مِنَ الْحَدِيثِ وَعَامَّةُ مَا يرويه الضعف عليه بين.

وقال الدارقطني في «علله» (15/ 423): والصحيح قول من قال: عن ابن محيصن، عن عطاء، عن صفية، عن حبيبة بنت أبي تجراة، وهو الصواب. (لكن مداره كما سبق على المؤمل).

وقال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (5/ 159): فَهَذَا الِاضْطِرَاب بِإِسْقَاط عَطاء تَارَة، وَابْن مُحَيْصِن أُخْرَى، وَصفِيَّة بنت شيبَة أُخْرَى، وإبدال ابْن مُحَيْصِن بِابْن أبي حُسَيْن أُخْرَى، وَجعل الْمَرْأَة عبدرية تَارَة، وَمن أهل الْيمن أُخْرَى، وَفِي الطّواف تَارَة وَفِي السَّعْي [بَين الصَّفَا والمروة أُخْرَى من عبد الله بن المؤمل هُوَ دَلِيل على سوء حفظه وَقلة ضَبطه. و] مَا عهد [من أبي مُحَمَّد، هُوَ رد رِوَايَات ابْن المؤمل.

وقال البيهقي في «السنن الكبير» (5/ 98): رواه يونس بن محمد ومعاذ بن هانئ عن ابن المؤمل إلا أنهما قالا عبد الله بن محيصن وقالا عن حبيبة بنت أبى تجراة وزعم الواقدى عن على بن محمد العمرى عن منصور ابن صفية عن أمه عن برة بنت أبى تجراة وقيل عن صفية عن تملك وكأنها سمعته منهما فقد أخبرت فى الرواية الأولى أنها أخذته عن نسوة.

والخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث أبي حمزة السويسي بتاريخ 16 ربيع الآخر 1443 موافق 21/ 11/ 2021 م: ولكن وبعد مراجعة طرق هذا الخبر وجد أن مدار هذه الطرق التي يظن أنها شواهد تدور على صفية بنت شيبة فالحكم بالاضطراب وجه قوي والله أعلم.

تنبيه: قال الحافظ في «فتح الباري» (/ 498): العمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» .

ص: 319

(1)

أخرجه البخاري (4495)، ومسلم (1277) واللفظ لمسلم.

(2)

أخرجه مسلم.

(3)

أخرجه البخاري (3364).

ص: 320

5 -

فتيا ابن عمر فعن عَمْرو بْن دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ العُمْرَةَ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، «فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ» ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ:«لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ»

(1)

.

• ومن أدلة من قال بسنية السعي ولم يوجب دمًا ظاهر قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]

(2)

وأثر ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} وفي رواية: «ليس عليه إثم، ولكن له أجر»

(3)

وعن عَاصِم - هو ابن سليمان

(1)

أخرجه البخاري (395، 396).

(2)

قال ابن قدامة في «المغني» (5/ 239): في وجه الاستدلال من الآية الكريمة: ونفي الحرج عن فاعله دليل على عدم وجوبه، فإن هذا رتبة المباح، وإنما ثبت سنيته بقوله: من شعائر الله.

(3)

إسناده حسن: أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (5/ 48)، والطبري في «تفسيره» ، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (10/ 89) وابن أبي داود في «المصاحف» (ص/ 187 - 188)، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به. وعبد الملك العزرمي مشهور بالرواية عن عطاء بن أبي رباح.

وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (1435)، وابن أبي داود في «المصاحف» (ص/ 188)، والحاكم في «المستدرك» (3073) من طريق أسباط بن نصر عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس به وزاد:«ليس عليه إثم، ولكن له أجر» وأشار ابن حجر إلى ضعف هذا السند لما فيه من تلفيق.

وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (8323) من طريق حفص بن جميع - وهو ضعيف - عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما به.

وأخرجه ابن أبي داود في «المصاحف» (ص/ 187) من طريق صالح بن رستم أبي عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس به.

ص: 321

الأحول -، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: " كَانَتَا مِنْ مَشَاعِرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ، أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] وَهُمَا تَطَوُّعٌ "

(1)

وعن ابْن جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ، " لَوْ أَنَّ حَاجًّا أَفَاضَ بَعْدَمَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَسْعَ فَأَصَابَهَا يَعْنِي امْرَأَتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، لَا حَجُّ، وَلَا عَمْرَةٌ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا» فَعَاوَدْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ " فَقُلْتُ: إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَلَا تَسْمَعُهُ يَقُولُ: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَأَبَى أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا؟

(2)

وضعف أصرح خبر في الباب.

(1)

إسناده صحيح: أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الاثار» (3939 - 3941)، من طرق عن عاصم بن سليمان عن أنس رضيي الله عنه به.

(2)

إسناده صحيح إلى عطاء: أخرجه الطبري في «تفسيره» (2/ 722) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ به.

ص: 322

‌هل كل صيد يأكل منه المحرم

• صح عن ابن عمر منع المحرم من أكل أي صيد بينما في المرفوع تفصيل:

• فعَن سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ

(1)

.

• وعَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ الصَّيْدَ، وَإِنْ أُدْخِلَ ذَلِكَ مَكَّةَ مَذْبُوحًا

(2)

.

• وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَرهَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَبْتَاعَ المُحْرِمُ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ يَذْبَحَهُ فِي الْحَرَمِ

(3)

.

• وَعَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَ ابْنَ عُمَرَ بِهَذَا الْخَبَرِ

(4)

فَقَالَ أَبو مِجْلَزٍ لِابْنِ عُمَرَ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَقُولُ فِيهِ، وَعُمَرُ خَيْرٌ مِنِّي، وَأَبو هُرَيرَةَ خَيْرٌ مِنِّي! قَالَ عَمْرٌو: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَكْلَهُ

(5)

.

(1)

إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (8314) عن مَعْمَر، عن الزُّهْري، عن سالم، به. وتابعه عبد الله بن عمر عن نافع في المصدر السابق (8320).

(2)

إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (8316) عن الثوري، عن صدقة بن يسار، به. وصدقة سَمِع من ابن عمر رضي الله عنهما كما في رواية مسلم (506) قال: سمعتُ.

(3)

في إسناده ضعف: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (8319) عن مَعْمَر، عن أيوب، عن نافع، به. ورواية مَعْمَر عن البصريين مُتكلَّم فيها.

(4)

أخرج عبد الرزاق في «مصنفه» (4342): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يُحَدِّثُ أَبَاهُ قَالَ: سَأَلَنِي قَوْمٌ مُحْرِمُونَ عَنْ قَوْمٍ مُحِلِّينَ، أَهْدَوْا لَهُمْ صَيْدًا فَأَمَرْتُهُمْ بِأَكْلِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَيْفَ أَفْتَيْتَهُمْ؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِهِ لأَوْجَعْتُكَ.

(5)

إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (8496) قال معمر: وسمعتُ عمرو بن دينار يُخْبِر عن طَلْق بن حبيب، به.

ص: 323

• وَعَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ فَرْعَةَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ: أَيَأْكُلُ لَحْمَ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ بِقَوْلِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيرَةَ، فَقَالَ: عُمَرُ خَيْرٌ مِنِّي، وَأَبو هُرَيرَةَ خَيْرٌ مِنِّي. قَالَ عَمْرٌو: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَأْكُلُهُ. قَالَ عَمْرٌو: صَحِبَ ابْنَ عُمَرَ رَجُلٌ فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَكَأَنَّهُ غَلَّطَهُ فَلَمَّا جِيءَ بِطَعَامِ ابْنِ عُمَرَ، أَخَذَ الرَّجُلُ يَأْكُلُهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ كَانَ لَكَ فِي ذَلِكَ مَا يُغْنِيكَ عَنْ هَذَا

(1)

.

• مزيد بيان:

وردت أدلة مرفوعة في الباب:

1 -

عن أبي قتادة رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْزِلٍ، فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَازِلٌ أَمَامَنَا، وَالقَوْمُ مُحْرِمُونَ، وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُونِي بِهِ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، وَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إِلَى الفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ، وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ. فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. فَغَضِبْتُ، فَنَزَلْتُ، فَأَخَذْتُهُمَا، ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ،

ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ

(1)

إسناده ضعيف لجهالة شيخ طَلْق: أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (8343) عن ابن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن طَلْق بن حبيب، عن قزعة هو ابن يحيى، به.

ص: 324

وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ العَضُدَ مَعِي، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:«مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟» ، فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ، فَأَكَلَهَا حَتَّى نَفِدَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ

(1)

.

2 -

عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رضي الله عنه: أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ:«أَمَا إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ»

(2)

.

• قال ابن حجر رحمه الله: استُدل بهذا الحديث على تحريم الأكل من لحم الصيد على المُحْرِم مطلقًا؛ لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرمًا، فدل على أنه سبب الامتناع خاصة. وهو قول علي وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق

وبالجواز مطلقًا قال الكوفيون، وطائفة من السلف.

وجَمَع الجمهور بين ما اختَلف من ذلك بأن أحاديث القَبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يُهدِي منه للمُحْرِم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المُحْرِم

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري (2570) ومسلم (1196).

(2)

أخرجه البخاري (1225)، ومسلم (1193).

(3)

«فتح الباري» (4/ 33).

ص: 325

‌هل ثبت قتل الغراب الأبقع

• قال الإمام مسلم رقم (1198) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا» .

وتابع شعبة على لفظ: «الْأَبْقَع» سعيد بن بشير وهو ضعيف في قتادة وخالفهما سعيد بن أبي عروبة فأوقفه. ورواية قتادة عن سعيد ضعفها ابن المديني تضعيفا شديدا وقال الإمام أحمد: كما في «مسائل أبي داود» (1933): ما أدري كيف هي؟ قد أدخل بينه وبين سعيد نحوا من عشرة رجال لا يعرفون.

وخالف قتادة عبد الرحمن بن حرملة - وهو مختلف فيه - فرواه مقطوعا وتارة مرسلا.

وتابع سعيد بن المسيب الحسن البصري وزاد في اللفظ ولم يسمع من عائشة أخرجه أحمد.

وخالفهما عروة بن الزبير والقاسم بن محمد كما في البخاري ومسلم دون لفظ: «الأبقع» وتابعهما عمرة بنت عبد الرحمن كما عند البيهقي وفروة بن نوفل كما في «التاريخ الكبير» للبخاري.

ص: 326

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ أحمد بن سالم العقيلي بتاريخ الأربعاء 17/ محرم 1443 موافق 25/ 8/ 2021 م: لفظة: «الأبقع» لا تصح.

وأخطأ شعبة بذكر «الحية» . ا هـ،

وأورد الباحث لفظة: «الحية» من وجه مرجوح عن القاسم بن محمد كما عند أحمد وكذلك من وجه شاذ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

قال ابن بطال في «شرح البخارى» (4/ 493): شذت فرقة من أهل الحديث فقالوا: لا يقتل المحرم إلا الغراب الأبقع خاصة. ورووا فى ذلك حديثًا عن قتادة، عن ابن المسيب، عن عائشة، عن النبى؛ وهذا الحديث لا يعرف من حديث ابن المسيب، ولم يروه عنه غير قتادة، وهو مدلس، وثقات أصحاب سعيد من أهل المدينة لا يوجد عندهم، مع معارضته حديث ابن عمر وحفصة، فلا حجة فيه، وأجمع العلماء على جواز قتل الحية فى الحل والحرم.

وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (9/ 482): الأبقع من الغربان الذي في ظهره أو بطنه بياض.

وفي أيضًا «التمهيد» (9/ 483): قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره أنه أباح للمحرم قتل الغراب ولم يخص أبقع من غيره فلا وجه لما خالفه لأنه لا يثبت وجمهور العلماء على القول بحديث ابن عمر وما كان مثله في معناه من حديث أبي هريرة وغيره.

وقال البيهقي في «السنن الكبرى» (5/ 343): ثُمَّ ذَكَرَ الْبَوَاقِيَ، وَكَأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ أَصَحُّ؛ لِمُوَافَقَتِهَا سَائِرَ الرِّوَايَاتِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ إِنَّمَا رَوَى الْحَدِيثَ فِي الْحَيَّةِ وَالذِّئْبِ مُرْسَلًا وَذَلِكَ يَرِدُ إِنْ شَاءَ اللهُ.

ص: 327

وقال ابن قدامة في «المغني» (5/ 176): في حديث ابن عمر: «خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ»

(1)

.

وهذا عام في الغراب، وهو أصح من الحديث الآخر. أي حديث عائشة رضي الله عنها بذكر الأبقع.

(1)

أخرجه مسلم (1199).

ص: 328

‌ماذا يَفعل من جامع قبل عرفة وهو محرم

• مَنْ جَامَع قبل عَرَفة وهو مُحُرِم، فَسَد حجه وأُلْزِمَ بالإتمام ويهدي بدنة خلافًا لابن حزم فإنه قال بالاستئناف من عامه.

ومن أدلة الجمهور:

أولًا - عموم قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]

(1)

.

• قال النووي: استَدل أصحابنا بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ولم يُفرِّق بين صحيح وفاسد، وبالآثار السابقة.

قال أصحابنا وهذا الذي ذكرناه من وجوب المضي في فاسد الحج والعمرة، وأنه لا يَخرج منهما بالإفساد - مختص بهما دون سائر العبادات

(2)

.

ثانيًا - خبر مرسل، قال أبو داود في «مراسيله» رقم (140): حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِي: ابْنَ سَلَّامٍ - عَنْ يَحْيَى، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ - أَوْ: زَيْدُ بْنُ نُعَيْمٍ، شَكَّ أَبُو تَوْبَةَ - أَنَّ، رَجُلًا مِنْ جُذَامٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ، فَسَأَلَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمَا: «اقْضِيَا نُسُكَكُمَا، وَأَهْدِيَا هَدْيًا، ثُمَّ ارْجِعَا حَتَّى إِذَا كُنْتُمَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا، تَفَرَّقَا وَلَا يَرَى وَاحِدٌ مِنْكُمَا

(1)

فيها أقوال في الإتمام:

1 -

على الإكمال.

2 -

الإحرام من دُوَيْرة أهلك.

(2)

«المجموع» (7/ 388).

ص: 329

صَاحِبَهُ، وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى، فَتُقْبِلَانِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا، فَأَحْرِمَا وَأَتِمَّا نُسُكَكُمَا وَأَهْدِيَا»

(1)

.

ثالثًا - الإجماع، قال ابن قُدامة: أجمعوا على أن مَنْ جَامَع عامدًا في حجه قبل وقوفه بعرفة - أن عليه حجًّا قابلا والهَدْي

(2)

.

وقال القرطبي: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ - مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالهَدْيُ

(3)

.

رابعًا - آثار عن الصحابة منها.

1 -

3 - عَنْ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَاصٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهُ، فَأَشَارَ لَهُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ.

قَالَ شُعَيْبٌ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:«بَطَلَ حَجُّهُ» قَالَ: فَيَقْعُدُ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ يَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ، فَيَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَابِلٌ حَجَّ وَأَهْدَى» .

(1)

مرسل ضعيف: أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (9778) من طريق أبي داود، به.

و (أبو توبة) هو الربيع بن نافع، ثقة.

و (يزيد) هو ابن نُعَيْم الأسلمي، روى عنه جماعة. وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال ابن حجر: مقبول.

وقال البيهقي: هذا منقطع.

قال ابن القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 59): علته الجهل بزيد بن نُعيم؛ فإنه لا يُعْرَف. وانظر: «نَصْب الراية» (3/ 125).

(2)

«الإجماع» (ص: 52).

(3)

«تفسيره» (2/ 407).

ص: 330

فَرَجَعَا إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَاهُ، فَأَرْسَلَنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَالَ شُعَيْبٌ: فَذَهَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ عَمْرٍو، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَا

(1)

.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا مُحْرِمٌ! فَقَالَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِحَجِّكُمَا، امْضِيَا لِوَجْهِكُمَا، وَعَلَيْكُمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَاقَعْتَ فِيهِ، فَتَفَرَّقَا ثُمَّ لَا تَجْتَمِعَا حَتَّى تَقْضِيَا حَجَّكُمَا»

(2)

.

(1)

إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13085): ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، به.

وتَابَع ابنَ نُمَيْر محمدُ بن عُبَيْد، أخرجه الحاكم (2375) والبيهقي في «السُّنن الكبرى» (9783).

فائدة:

قال الحاكم في «المستدرك» (2/ 74): هَذَا حَدِيثُ ثِقَاتٍ، رُوَاتُهُ حُفَّاظٌ، وَهُوَ كَالْآخِذِ بِالْيَدِ فِي صِحَّةِ سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو.

وقال البيهقي في «السُّنن الكبرى» (5/ 274): هذا إسناد صحيح، وفيه دليل على صحة سماع شُعَيْب بن محمد بن عبد الله من جَده عبد الله بن عمرو.

(2)

إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13083): حدثنا أبو بكر بن عَيَّاش، عن عبد العزيز بن رُفَيْع، عن عبد الله بن وَهْبَان، به.

و (عبد الله بن وهبان) ترجمه البخاري وابن أبي حاتم، وأثبتا له السماع من ابن عباس، وقالا: روى عنه عبد العزيز بن رُفَيْع.

ص: 331

4 -

6 - عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ - سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، فَقَالُوا:«يَنْفُذَانِ يَمْضِيَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجُّ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ» .

قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: «وَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ، تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا»

(1)

.

عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ فِي مُحْرِمٍ بِحَجَّةٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ - يَعْنِي: وَهِيَ مُحْرِمَةٌ - قَالَ: يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ مِنْ حَيْثُ كَانَا أَحْرَمَا، وَيَفْتَرِقَانِ حَتَّى يُتِمَّا حَجَّهُمَا.

قَالَ: وَقَالَ عَطَاءٌ: وَعَلَيْهِمَا بَدَنَةٌ إِنْ أَطَاعَتْهُ أَوِ اسْتَكْرَهَهَا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمَا بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ

(2)

.

عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنِ الْمُحْرِمِ يُوَاقِعُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ:«يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا، وَاللهُ أَعْلَمُ بِحَجِّهِمَا، ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَلَالًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَجَّا وَأَهْدَيَا، وَتَفَرَّقَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُمَا»

(3)

.

(1)

منقطع: أخرجه مالك في «الموطأ» (151).

(2)

منقطع: أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبرى» وقال الزيلعي في «نَصْب الراية» (3/ 126): وهذا منقطع بين عطاء وعمر.

(3)

إسناده صحيح إلى مجاهد، ورواية مجاهد عن عمر رضي الله عنه مرسلة: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13081)، ومن طريقه البيهقي في «السُّنن الكبرى» (9781): ثنا سفيان بن عُيينة، عن يزيد بن يزيد بن جابر، به. و (يزيد بن يزيد) ثقة.

ص: 332

•عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ، فَإِذَا حَجَّا مِنْ قَابِلٍ تَفَرَّقَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُمَا»

(1)

.

• وقال مالك في «الموطأ» (1/ 425): عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: مَا تَرَوْنَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْقَوْمُ شَيْئًا.

فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَبَعَثَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِلَى عَامٍ قَابِلٍ.

فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لِيَنْفُذَا لِوَجْهِهِمَا، فَلْيُتِمَّا حَجَّهُمَا الَّذِي أَفْسَدَا، فَإِذَا فَرَغَا رَجَعَا، فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا قَابِلٌ، فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ وَالْهَدْيُ، وَيُهِلَّانِ مِنْ حَيْثُ أَهَلَّا بِحَجِّهِمَا الَّذِي أَفْسَدَا، وَيَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13083): حدثنا حفص، عن أشعث، عن الحَكَم، عن علي، به.

(حفص) هو ابن غِيَاث.

و (أشعث) هو ابن سَوَّار، ضعيف.

و (الحَكَم) هو ابن عُتَيْبة، لم يَسمع من علي رضي الله عنه.

(2)

«نَصْب الراية» (3/ 125).

وروى ابن وهب: أخبرني ابن لَهِيعة عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن حَرْمَلة، عن ابن المُسيَّب، أن رجلًا من جُذَام جامع امرأته، وهما مُحْرِمان، فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما:«أَتِمَّا حَجَّكما، ثم ارجعا وعليكما حجة أخرى، فإِذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما، فأَحْرِما وتَفَرَّقا، ولا يَرى واحد منكما صاحبه، ثم أَتِمَّا نُسُككما وأَهْدِيا» انتهى.

قال ابن القطان: وفي هذا أنه أَمَرهما بالتفرق في العودة لا في الرجوع، وحديث المراسيل على العكس منه. قال: وهذا أيضًا ضعيف بـ (ابن لَهِيعة). انتهى كلامه.

ص: 333

قَالَ مَالِكٌ: يُهْدِيَانِ جَمِيعًا بَدَنَةً بَدَنَةً.

• قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَصَابَ الْحَاجُّ امْرَأَتَهُ، فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، أَوْ يَطُوفَ؛ مَضَى فِي حَجِّهِ كَمَا كَانَ يَمْضِي فِيهِ لَوْ لَمْ يُفْسِدْهُ، فَإِذَا كَانَ قَابِلٌ حَجَّ وَأَهْدَى بَدَنَةً، وَيَحُجَّهَا.

وَأَخْتَارُ إِذَا بَلَغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ أَنْ يَتَفَرَّقَا، فَلَا يَجْتَمِعَانِ حَتَّى يَقْضِيَا نُسُكَهَمَا. وَلَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ فِدْيَةٌ وَلَا إِعَادَةٌ.

وَقَالَ: وَالَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي إِفْسَادِ الْحَجِّ - أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً عَنْهُ وَعَنِ امْرَأَتِهِ، أَكْرَهَهَا أَوْ طَاوَعَتْهُ، وَهَكَذَا الْآثَارُ كُلُّهَا عَنْ جَمِيعِ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَا يَثْبُتُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةً

(1)

.

• وجهة ابن حزم قد تفيد في هذه الأزمان التي ارتفعت فيها الأسعار وقلت فيها التأشيرات:

قال ابن حزم في «المحلى» (7/ 189): هذا جُبَيْر بن مُطْعِم لم يوجب في ذلك هديًا أصلًا، ولا أَمَر بالتمادي على الحج.

قال علي: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} فمن الخطأ تماديه على عمل لا يُصلِحه الله عز وجل لأنه مفسد، بلا خلاف منا ومنهم، فالله تعالى لا يُصْلِح عمله بنص القرآن.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج إنما يجب مرة.

ص: 334

ومَن ألزمه التمادي على ذلك الحج الفاسد، ثم ألزمه حجًّا آخَر، فقد أَلْزَمه حجتين، وهذا خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال: فمَن وَطِئ عامدًا كما قلنا، فبَطَل حجه، فليس عليه أن يتمادى على عمل فاسد باطل، لا يجزئ عنه، لكن يُحْرِم من موضعه، فإن أدرك تمام الحج فلا شيء عليه غير ذلك. وإن كان لا يدرك تمام الحج فقد عصى وأَمْره إلى الله تعالى، ولا هَدْي في ذلك ولا شيء إلا أن يكون لم يحج قط، فعليه الحج والعمرة

(1)

.

• تنبيه: قال النووي: قال أصحابنا فإن أُحْصِر بعد الإفساد وتحلل قبل فوات الوقوف، وأمكنه الإحرام بالقضاء وإدراك الحج في سَنته؛ لزمه ذلك، إذا قلنا: إن القضاء على الفور؛ لأنه أقرب من السَّنة المستقبلة

(2)

.

الباحث/ أبو أويس الكردي في «مناسك الحج» .

(1)

«المُحَلَّى» (7/ 190).

(2)

«المجموع» (7/ 389).

ص: 335

‌قضاء حج النافلة إذا فسد

• قال ابن بَطَّال في «شرح البخاري» (4/ 113): أجمع المسلمون أن المُفْسِد لحجة التطوع وعمرته - أن عليه القضاء، فالقياس على هذا الإجماع يوجب القضاء على مفسد صومه عامدًا.

• وقال ابن قُدامة في «المغني» (3/ 333): فأما الحج من قابل، فيَلزمه بكل حال. لكن إن كانت الحجة التي أفسدها واجبة بأصل الشرع أو بالنذر أو قضاء، كانت الحجة من قابل مجزئة؛ لأن الفاسد إذا انضم إليه القضاء، أجزأه عما يجزئ عنه الأول، لو لم يفسده.

وإن كانت الفاسدة تطوعًا

(1)

وجب قضاؤها؛ لأنه بالدخول في الإحرام صار الحج عليه واجبًا، فإذا أفسده وجب قضاؤه، كالمنذور، ويكون القضاء على الفور.

ولا نَعلم فيه مخالفًا؛ لأن الحج الأصلي واجب على الفور، فهذا أَوْلى لأنه قد تَعَيَّن بالدخول فيه، والواجب بأصل الشرع لم يتعين بذلك.

(1)

قال شيخنا: الفاسدة هنا مقيدة بمن فسد حجه بالجماع.

في «المجموع» (8/ 319) للنووي: قال أصحابنا: التحلل بالمرض ونحوه إذا صححناه - له حكم التحلل بالإحصار، فإن كان الحج تطوعًا لم يجب قضاؤه، وإن كان واجبًا فحُكْمه ما سبق.

ص: 336

• تعقيب:

• قال ابن حزم في «مراتب الإجماع» (ص: 46): اتفقوا أن مَنْ أَفْسَد حجة الفرض، فعليه أن يحج ثانية. ولا نَعلم أنهم اتفقوا على قضاء حج التطوع إذا فَسَد، وقد ادعى بعض العلماء في ذلك إجماعًا، وليس كذلك، بل قد وجدنا فيه خلافًا صحيحًا.

الباحث/ هاني الدميري.

ص: 337

‌حرمة شجر الحرم

• ورد النهي عن قطع شجر الحرم في خطبته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بلفظ: «أَلَا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلَّا مُنْشِدٌ

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلَّا الْإِذْخِرَ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِلَّا الْإِذْخِرَ» أخرجه البخاري (13830) ومسلم (1355) واللفظ لمسلم.

• وأخرج تمام في «فوائده» رقم (1091) - حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ الْجُنْدَيْسَابُورِيُّ، ثنا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَبِيرِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ شُعَيْبٍ، ثنا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَاطِعُ السِّدْرِ يُصَوِّبُ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ»

وتابع علي بن عمر الدارقطني الزبير بن عبد الواحد أخرجه البيهقي في «الكبرى» (11768) وتابع عبد القادر بن شعيب مخارقُ بن الحارث. وسماه العقيلي زهدم بن الحارث. بلفظ: «لعن الله قاطع السدر» أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (10/ 16) وغيره. ومخارق وزهدم كلاهما مجهول والراوي عنهما يحيى بن الحارث مقبول.

ص: 338

وظاهر الإسناد الأول الحسن إلا أن العقيلي قال: ولا يحفظ هذا الحديث عن بهز من حديث بهز إلا عن هذا الشيخ وقد روي بغير هذا الإسناد وفي إسناده لين واضطراب. وقال البيهقي في «السنن الكبير» (11767) قبل إسناده رواية عبد القادر روي بإسناد آخر موصلا إن كان محفوظًا.

• وللخبر طريق آخر مدره على عمرو بن دينار وقد اختلف عليه في الوصل والإرسال والقطع وصوب الأخير الدارقطني في «العلل» (3571) وصوب الإرسال البيهقي وقال: هذا هو المحفوظ مرسلا. وأما الموصول فقال العقيلي في إسناده لين واضطراب.

• وللخبر طريق ثالث مداره على عثمان بن أبي سليمان تارة عن رجل من ثقيف عن عروة مرسلا أخرجه أبو داود (5240) وتارة عن سعيد بن محمد بن جبير عن عبد الله بن حبش موصولا أخرجه أبو داود (5239) وفي سند الأول رجل مبهم وفي سند الثاني سعيد بن محمد ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن حجر: مقبول. وقال أحمد: كل ذلك منقطع وضعيف إلا حديث ابن جريج فإني لا أدري هل سمع سعيد من عبد الله بن حبشي أم لا ويحتمل أن يكون سمعه والله أعلم. وقال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2980): يبعد من القلوب أن يكون لقيه. وكان الثوري ينكر هذا الحديث ويأمر بالعمل بضده.

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ محمد بن جمال بن خضر بتاريخ السبت 6 محرم 1442 موافق 14/ 8/ 2021 م عن طريق عبد القادر بن شعيب: الإشكالية في زول السند وهل مخارق بن الحارث من شيوخ عبد القادر بن شعيب أم لا؟ ويرى الباحث ضعف هذا الحديث بناء على

ص: 339

تضعيف العلماء له فقد ضعفه عشرة من العلماء - أحمد وابن عيينة والثوري والشافعي وأبو داوود والبيهقي والطحاوي والدارقطني والعقيلي وابن الجوزي - كما روى بالإسناد الصحيح إلى عروة بن الزبير أنه كان يقطعه أي شجر السدر ويقول: لا بأس بذلك وهو أحد رواة هذا الخبر.

بينما صحح الطريق الأولى الشيخ الألباني في «الصحيحه» وحمله على شجر الحرم.

ص: 340

‌حُكْم استظلال المحرم

• اختُلف في هذه المسألة على أقوال:

الأول: الجواز مطلقًا. وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وابن حزم، والعَلَّامة الألباني، وابن باز رحمهم الله.

الثاني: التحريم، وفيه الفدية. وبه قال مالك

(1)

ورواية عن أحمد وهي المذهب.

الثالث: الكراهة بلا فدية. وهي رواية عن أحمد.

• مستند القول الأول والقائلين به.

فمن المرفوع:

1 -

عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ رضي الله عنها قَالَتْ: «حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا، وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ»

(2)

.

2 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حجة الوداع: «وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ،

فَوَجَدَ

(1)

قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (4/ 24): قَالَ مَالِكٌ: إِذَا اسْتَظَلَّ الْمُحْرِمُ فِي مَحْمَلِهِ افْتَدَى.

(2)

أخرجه مسلم (1298).

ص: 341

الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ»

(1)

.

• ومن الإجماع ما نقله ابن عبد البر: أَجْمَعُوا أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَدْخُلَ الْخِبَاءَ وَالْفُسْطَاطَ، وَإِنْ نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ أَنْ يَرْمِيَ عَلَيْهَا ثَوْبًا

(2)

.

• وما صح من الموقوف أثر عمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم:

1 -

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ، فَمَا رَأَيْتُهُ مُضْطَرِبًا فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ، قُلْتُ لَهُ، أَوْ قِيلَ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَسْتَظِلُّ؟ قَالَ: كَانَ يَطْرَحُ النِّطَعَ

(3)

عَلَى الشَّجَرَةِ فَيَسْتَظِلَّ بِهِ

(4)

.

2 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: «صَحِبْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي الْحَجِّ، فَمَا رَأَيْتُهُ مُضْرِبًا فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ»

(5)

.

(1)

أخرجه مسلم (1218).

(2)

«الاستذكار» (4/ 24).

(3)

النطع: بِساط من الجِلد كثيرًا ما كان يُقتل فوقه المحكوم عليه بالقتل. انظر: «المعجم الوسيط» (2/ 930).

(4)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14461) عن عبدة بن سليمان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن عامر، به. وعبد الله بن عامر وثقه أبو زُرْعَة والعِجلي والواقدي.

وأخرجه البيهقي في «معرفة السُّنن» (9777)(7/ 193) بسند رجاله ثقات عن عبد الوهاب الثقفي، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عياش بن ربيعة، به. ورجاله ثقات إلا عبد الله بن عياش بن ربيعة، قرأ القرآن على أُبَيّ بن كعب، وكان أَقْرَأَ أهلِ المدينة في زمانه.

(5)

إسناده صحيح: انظر ما قبله.

ص: 342

3 -

رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَظِلُّ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَأَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ لِلْمُحْرِمِ

(1)

.

4 -

عَنِ ابْنِ شَبِيبٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنِ الْمُحْرِمِ يُصِيبُهُ الْبَرْدُ، فَقَالَتْ: يَقُولُ بِثَوْبِهِ هَكَذَا. وَرَفَعهُ فَوْقَ رَأْسِهِ

(2)

.

• ومن المقطوع:

1، 2 - عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ قَالَا: يَسْتَظِلَّ الْمُحْرِمُ بِالْعُودِ وَبِيَدِهِ، وَمِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ

(3)

.

3 -

عَنْ سُلَيْمَانَ - هُوَ الأَعْمَشُ - قَالَ: سَمِعْتُ ذَرًّا يَسْأَلُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْمُحْرِمِ تُصِيبُهُ السَّمَاءُ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: يَرْفَعُ قِنَاعَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَلَا يُغَطِّي بهِ رَأْسَهُ

(4)

.

4 -

وَعَنْ طَاوُسٍ، أَنَّهُ لَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَسْتَظِلَّ الْمُحْرِمُ مِنَ الشَّمْسِ

(5)

.

(1)

«الاستذكار» (4/ 24).

(2)

إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14469)(8/ 418): حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ابن شبيب، به.

(3)

إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14464): حدثنا أسباط بن محمد، عن العلاء بن المسيب، عن عطاء، عن أبيه، به. وأسباط بن محمد هو القرشي، وثقه ابن مَعِين. ومرة: ليس به بأس، وكان يخطئ عن سفيان. وقال النَّسَائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح.

(4)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14472): حدثنا مَرْوان بن معاوية، عن سليمان، به. ومَرْوان ثقة حافظ.

(5)

إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14466): حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عِمران القطان، عن ليث، عن طاوس، به. وليث هو ابن أبي سُليم، ضعيف. وعمران إلى الضعف أقرب.

ص: 343

5 -

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: كَانَ أَبِي يَجْعَلُ الثَّوْبَ عَلَى الْمَحْمِلِ، يَسْتَظِلُّ بِهِ

(1)

.

6 -

عَنْ جَابِرٍ بْنِ زَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَعَلَى رَحْلِهِ كَهَيْئَةِ الطَّاقِ

(2)

.

• ومن أئمة المذاهب أبو حنيفة والشافعي وابن حزم:

• قال الإمام أبو حنيفة: لا بأس بأن يَستظل المُحْرِم إذا جافى ذلك عن رأسه، فلم يلصقه بشيء لعذر أو غير عذر

(3)

.

• قال الإمام الشافعي: ويَستظل المُحْرِم على المحمل

(4)

والراحلة والأرض بما شاء، ما لم يمس رأسه

(5)

.

• وقال ابن حزم: وجائز للمحرمين من الرجال والنساء ان يتظللوا في المحامل وإذا نزلوا وهو قول أبى حنيفة، والشافعي، وأصحابنا

(6)

.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» : حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عبد الرحمن بن الأسود - هو النَّخَعي -. ورجاله ثقات ما عدا جابرًا، هو ابن يزيد الجُعْفي، ضعيف.

(2)

في إسناده ضعف: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14468): حدثنا عمر بن أيوب، عن جابر بن زيد بن رفاعة، به. جابر بن يزيد ذَكَره ابن حبان في «الثقات» وقال: أبو هشام الرفاعي - وهو ضعيف - ثقة.

(3)

«الحجة على أهل المدينة» (2/ 270).

(4)

المَحْمِل، كَمَجْلِسٍ: شِقَّانِ على البعير يُحْمَل فيهما العَديلانِ، والجمع: مَحَامِلُ. كما في «القاموس المحيط» (ص: 987).

(5)

«الأم» (2/ 223).

(6)

«المُحَلَّى» (7/ 197).

ص: 344

القول الثاني والثالث: الكراهة أو التحريم في بعض المواطن، كالمحمل وسقف السيارة والشمسية.

مستنده من المرفوع والقائل به من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب وأصحابها:

• فمن المرفوع حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُحْرِمٍ يَضْحَى لِلَّهِ يَوْمَهُ

(1)

، يُلَبِّي حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، إِلَّا غَابَتْ بِذُنُوبِهِ، فَعَادَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»

(2)

.

(1)

قال البيهقي في «شُعَب الإيمان» (5/ 475): قال أبو القاسم: يَعني المُحْرِم يَكشف للشمس ولا يستظل.

(2)

ضعيف: رواه جمهور الرواة - عبد الله بن وهب، وعبد الله بن نافع، ومحمد بن فُليح، وحماد بن خالد الحَنَّاط، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن عمر الواقدي - عن عاصم بن عمر بن حفص، عن عاصم بن عُبيد الله العُمَري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، به. كما عند ابن ماجه (2925)، وأحمد (15008)، والعُقيلي في «الضعفاء الكبير» (3/ 335).

وخالفهم عبد الله بن نافع في وجه عنه، فزاد عبد الله بن دينار بين عاصم بن عبيد الله وعبد الله بن عامر. أخرجه ابن عَدِيّ في «الكامل» (5/ 1872).

وعاصم بن عمر وشيخه ضعيفان.

ورواه عبد الله بن عمر بإسقاط عاصم بن عمر، أخرجه العُقيلي في «الضعفاء الكبير» (3/ 335).

وقال العُقيلي في «الضعفاء الكبير» (3/ 335): وقد رُوي هذا الحديث عن عبد الله بن عمر، عن أخيه عاصم، ولا يتابعه إلا مَنْ هو مثله أو دونه.

ورواه الثوري وعبد الله بن عمر العمري أيضًا عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر عن أبيه، بدلًا من جابر رضي الله عنه. كما عند البيهقي في «الشُّعَب» (3739).

والخلاصة: أن مدار الحديث على عاصم بن عُبيد الله وهو ضعيف، فضلًا عن الاختلاف عليه.

وقال النووي في «المجموع شرح المهذب» (7/ 357): رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: هُوَ إسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَنْعِ مِنَ الِاسْتِظْلَالِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَلَا فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ سَائِرٍ وَنَازِلٍ.

ص: 345

• وَعَنْهُ أَيْضًا رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ

(1)

، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: أَيْ رَبِّ، فِيهِمْ فُلَانٌ يَزْهُو وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ». قَالَ:«يَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرُ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ»

(2)

.

(1)

أخرج مسلم (1348): عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» .

(2)

أسانيده ضعيفة، والمباهاة ولفظ:«انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا» لهما شواهد ثابتة: رواه ثلاثة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه:

1 -

هشام الدَّستُوائي وعنه محمد بن مَرْوان العُقيلي، أخرجه ابن حِبان (3853).

ومحمد بن مَرْوان ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وأَخْرَج له هذا الخبر، وقال فيه أبو داود مرة: ثقة. وأخرى: صدوق. وقال فيه الإمام أحمد: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيَّ، وَحَدَّثَ بِأَحَادِيثَ وَأَنَا شَاهِدٌ، وَلَمْ أَكْتُبْهَا، وَكَتَبَهَا أَصْحَابُنَا، وَكَانَ يَرْوِي عَنْ عُمَارَةَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ، تَرَكْتُهُ عَلَى عَمْدٍ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. كَأَنَّهُ ضَعَّفَهُ. وقال أبو زُرْعضة: ليس عندي بذاك. وقال ابن مَعِين: صالح. وأورده العُقيلي في «الضعفاء» .

2 -

مرزوق أبو بكر، وعنه اثنان:

ص: 346

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أ - عبيد الله بن عبد المجيد، أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (2090) وأبو عَوَانة في «مستخرجه» (3023) لكن الأخير دون وجه الشاهد.

ب - أبو نُعيم الفضل بن دُكين، أخرجه ابن خُزيمة في «صحيحه» (2840) وابن بطة في «الإبانة» (177) واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (758) لكن الأخير بلفظ:«قاصدين من كل فج» .

ومرزوق مولى طلحة وثقه أبو زُرْعَة، وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال: يخطئ. وقال ابن خُزيمة عقبه: أبرأ إلى الله من عهدة مرزوق.

3 -

أيوب السَّختياني واختُلف عليه: فرواه عنه عاصم بن هلال كروايتهما، لكن دون وجه الشاهد. أخرجه الإسماعيلي في «معجمه» (326) وعاصم بن هلال ليس به بأس، لكن قال فيه أبو زُرْعَة: حَدَّث عن أيوب بأحاديث مناكير. وقال ابن عَدِي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات.

وخالفه مَعْمَر فقال: عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، ذَكَرَهُ - قَالَ: لَا أَدْرِي أَرَفَعَهُ أَمْ لَا - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، أَتَوْنِي شُعْثًا، غُبْرًا، ضَاحِينَ، فَلَا يُرَى أَكْثَرَ عَتِيقًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَلَا يُغْفَرُ فِيهِ لِمُخْتَالٍ» أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (8813).

والخلاصة: أن النفس لا تطمئن إلى محمد بن مَرْوان ولا لمرزوق أبي بكر؛ لأمرين:

لكلام ابن خُزيمة عقب رواية مرزوق.

ولإرسال القاسم بن أبي بَزَّة، وتشكك أيوب في رفعه ووقفه، ولأن الخبر ورد من حديث أبي هريرة وابن عمرو رضي الله عنها.

أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فأخرجه أحمد (8047) وابن خُزيمة (2839) وابن حِبان (3852)، وغيرهم، من طرق، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا» .

وإسناده حسن. وصَحَّح إسناده الحاكم. وقال أبو نُعيم في «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» (3/ 306): هذا حديث صحيح من حديث سعيد بن المسيب عن عائشة، غريب من حديث مجاهد عن أبي هريرة، ولا أعلم له راويًا إلا يونس بن أبي إسحاق.

وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فأخرجه أحمد (7089) أيضًا، والطبراني في «المعجم الأوسط» (8218): حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى - يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَابَاهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:«إِنَّ اللَّهَ عز وجل يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا» .

وعبد الله بن باباه سَمِع ابن عمرو، ووثقه النَّسَائي والعِجلي وابن المديني. وقال أبو حاتم: صالح. وباقي رجاله ثقات إلا أزهر بن القاسم، فمُختلَف فيه: فقد وثقه أحمد والنَّسَائي، و فيه قال أبو حاتم: شيخ يُكتَب حديثه، ولا يُحتجّ به. وذَكَره أبو حاتم بن حِبان في كتاب «الثقات» وقال: كان يخطئ. وقال الطبراني: تفرد به أزهر.

فائدة: ضَعَّف العَلَّامة الألباني في «الضعيفة» (679) حديث جابر رضي الله عنه بعنعنة أبي الزبير.

ص: 347

• ومن الموقوف أثر ابن عمر رضي الله عنهما، أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا مُحْرِمًا قَدِ اسْتَظَلَّ بِعُودِ، فَقَالَ: اضْحَ

(1)

لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ

(2)

.

(1)

أَيْ: ابْرُزْ إلَى الشَّمْسِ. «المجموع شرح المهذب» (7/ 357).

(2)

صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14449): حدثنا أبو معاوية، عن عُبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به.

ورواية أبي معاوية في غير الأعمش فيها مقال، لكن تابعه شجاع بن الوليد. أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبرى» (5/ 112) وصَحَّح النووي إسناده في «المجموع شرح المهذب» (7/ 357).

وشجاع بن الوليد روى له الجماعة، ووثقه ابن نُمير، وقال أبو زُرْعَة: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالمتين، لا يُحتجّ بحديثه. وقال أحمد: أرجو أن يكون صدوقًا، جَالَس قومًا صالحين. واختلفت الرواية عن ابن مَعِين: فوثقه مرة، وأخرى كَذَّبه.

ص: 348

• وَعَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ جَعَلَ عَلَى وَسَطِ رَاحِلَتِهِ عُودًا، وَجَعَلَ ثَوْبًا يَسْتَظِلُّ بِهِ مِنَ الشَّمْسِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَقِيَهُ ابْنُ عُمَرَ فَنَهَاهُ

(1)

.

وَعَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُضَحُّونَ إِذَا أَحْرَمُوا

(2)

.

• ومن أئمة المذاهب:

• قال الإمام مالك: يتظللون إذا نزلوا، ولا يتظللون في المحامل ولا ركابًا

(3)

.

(1)

إسناده حسن: أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبير» (5/ 112) وأخبرنا أبو طاهر وأبو سعيد قالا حدثنا أبو العباس - محمد بن يعقوب الأصم - حدثنا محمد بن إسحاق - الصاغاني - حدثنا محمد بن سابق، حدثنا ورقاء - ابن عمر - عن عمرو، يعنى ابن دينار، أن عطاء، به. ورجاله ثقات إلا محمد بن سابق، فقد وثقه العِجلي وابن حِبان، وقال النَّسَائي ومحمد بن صالح: ليس به بأس. وروى عنه البخاري خمسة أحاديث، وضَعَّفه ابن مَعِين. وقال ابن حِبان: يُكتَب حديثه ولا يُحتجّ به.

(2)

إسناده حسن إلى المُطَّلِب، لكن الظاهر أنه مرسل: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14462): حدثنا وكيع، عن كثير بن زيد، عن المُطَّلِب بن عبد الله بن حَنْطَب، به. والمطلب وثقه أبوزُرْعَة والدارقطني وابن حِبان. وقال أبو حاتم: لم يُدرِك أحدًا من الصحابة إلا سهل بن سعد ومَن في طبقته.

وكثير بن زيد قال أحمد وابن عَدِي: لا بأس به. ووثقه محمد بن عمار، وقال أبو زرعة: صدوق فيه لِين. وقال أبو حاتم: صالح ليس بالقوي، يُكتَب حديثه. وقال ابن مَعِين: ليس بذاك. ومرة: صالح. وضَعَّفه يعقوب بن شيبة والنَّسَائي.

(3)

«المُحَلَّى» (7/ 197).

ص: 349

• وقال ابن عبد البر: وَكَرِهَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ اسْتِظْلَالَ المُحْرِمِ عَلَى مَحْمَلِهِ.

• وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا اسْتَظَلَّ الْمُحْرِمُ فِي مَحْمَلِهِ افْتَدَى

(1)

.

• وقال القاضي أبو يعلى: اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله إذا ظلل المُحْرِم المَحْمَل على رأسه، هل يجب عليه الفدية؟

فنَقَل جعفر بن محمد، وبكر بن محمد: عليه الفدية؛ لأن ذلك مما يُقصَد به الترفه في بدنه، فهو كما لو غطى رأسه بمنديل.

ونَقَل الفضل بن زياد، وعبد الله: أرجو أن لا يكون عليه كفارة؛ لأنه منفصل عنه فهو كما لو جلس تحت خيمة

(2)

.

• وقال ابن تيمية: هَلْ يُكْرَهُ الْحَجُّ فِي الْمَحْمِلِ؟

عَلَى رِوَايَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ

(3)

: وَالْمَحَامِلُ قَدْ رَكِبَهَا الْعُلَمَاءُ وَرُخِّصَ فِيهَا.

وَالثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: عَطَاءٌ كَانَ يَكْرَهُ الْمَحَامِلَ لِلرَّجُلِ، وَلَا يَرَى بِهَا لِلنِّسَاءِ بَأْسًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْقِبَابُ عَلَى الْمَحَامِلِ بِدْعَةٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ

(4)

.

(1)

«الاستذكار» (4/ 24).

(2)

«المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين» (1/ 275).

(3)

«مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه أبي الفضل صالح» (2/ 262): وسُئِل عن المحامل، فقال: قد رَكِبها العلماء ورَخَّصوا فيها.

(4)

«شرح العمدة» (1/ 149).

ص: 350

• أقوال أصحاب المذاهب:

1 -

قال الكاساني: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَضْرِبَ الْمُحْرِمُ فُسْطَاطًا لِيَسْتَظِلَّ بِهِ عِنْدَنَا

(1)

.

2 -

وقال ابن عبد البر: أجمعوا أن للمُحْرِم أن يَدخل تحت الخباء، وأن يَنزل تحت الشجرة.

واختلفوا في استظلاله على دابته وعلى المحمل، فمنعه مالك وأحمد

(2)

.

3 -

وقال النووي قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: لَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ سَائِرًا وَنَازِلًا؛ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلِحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ. هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا

(3)

.

4 -

قال ابن قُدامة: ظاهر كلام أحمد أنه إنما كَرِه ذلك كراهة تنزيه؛ لوقوع الخلاف فيه، وقول ابن عمر، ولم يَرَ ذلك حرامًا، ولا موجبًا لفدية

(4)

.

• وذكر المرداوي في الاستظلال بالمحمل ونحوه روايتين:

إحداهما: يحرم، وهو الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. قال الزركشي: هذا المشهور عن أحمد، والمختار لأكثر الأصحاب.

والراوية الثانية: يُكْرَه، اختارها المُصنِّف والشارح، وقالا: هي الظاهر عنه. وجَزَم به ابن رزين في شرحه، وصاحب «الوجيز». وصححه في تصحيح «المُحرَّر». قال القاضي موفق الدين: هذا المشهور

(5)

.

(1)

«المبسوط» (4/ 129).

(2)

«الاستذكار» (4/ 24) و «التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب» (3/ 74).

(3)

«المجموع شرح المهذب» (7/ 356).

(4)

«المغني» (3/ 286) لابن قُدامة.

(5)

«الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» (3/ 462).

ص: 351

• قال العَلَّامة الألباني رحمه الله: فلعل ابن عمر رضي الله عنهما لم يَبلغه حديث أم الحُصين المذكور، وإلا فما أنكره هو عين ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال البيهقي:(هذا موقوف، وحديث أُم الحُصين صحيح) يعني فهو أَوْلَى بالأخذ به، وترجمه له بقوله: باب المُحْرِم يَستظل بما شاء ما لم يمس رأسه

(1)

.

• وقال العَلَّامة ابن باز رحمه الله: وأما استظلاله بسقف السيارة أو الشمسية أو نحوهما، فلا بأس به، كالاستظلال بالخيمة والشجرة؛ لِما ثبت في الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم ظُلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة»

(2)

، وصح عنه صلى الله عليه وسلم «أنه ضُربت له قُبة بنَمِرة، فنزل تحتها حتى زالت الشمس يوم عرفة»

(3)

(4)

.

• وقال العَلَّامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله: «بملاصق» خرج به ما ليس بملاصق؛ لأن ما ليس بملاصق لا يُعَد تغطية، مثل الشمسية فيمسكها الإنسان، وهو مُحْرِم ليستظل بها عن الشمس أو يتقي بها المطر، فإن هذا لا بأس به، ولا فدية فيه.

وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو الصحيح، أن غير الملاصق جائز، وليس فيه فدية.

والمذهب عند المتأخرين أنه إذا استظل بشمسية، أو استظل بمحمل، حرم عليه ذلك ولزمته الفدية.

(1)

«حجة النبي صلى الله عليه وسلم» (ص: 28).

(2)

صحيح: سبق تخريجه.

(3)

أخرجه مسلم (1218).

(4)

«مجموع الفتاوى» (16/ 57).

ص: 352

وعلى هذا القول لا يَجوز للمُحْرِم أن يَستظل بالشمسية إلا للضرورة، وإذا فَعَل فدى. ولا يجوز للمُحْرِم أن يَركب السيارة المغطاة؛ لأنه يَستظل بها، فإن اضطر إلى ذلك فدى.

لكن هذا القول مهجور من زمان بعيد، لا يأخذ به اليوم إلا الرافضة، فهم الذين يمشون عليه، وأظنهم أيضاً إنما مشوا عليه أخيرًا، وإلا من قبل ما كنا نعرف هذا الشيء منهم.

على كل حال هذا هو المذهب، فصار المؤلف رحمه الله في هذه المسألة على الصحيح الذي هو خلاف المذهب

(1)

.

• الراجح: القول بجواز الاستظلال للمحرم مطلقًا:

1 -

لحديث أُم الحُصين وحديث جابر رضي الله عنهما في قبة نمرة، وسبق الإجماع.

2 -

لضَعْف الحديث المانع، وهو حديث جابر رضي الله عنه.

3 -

ولأن اجتهاد ابن عمر رضي الله عنهما موقوف عليه، ومُخالَف من صنيع بلال أو أسامة رضي الله عنهما وأقره النبي صلى الله عليه وسلم.

4 -

ولأن في هذا إرهاقًا وتعذيبًا، والله غني عنه، ولَمَّا نذر أبو إسرائيل ألا يَستظل، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ»

(2)

.

5 -

ولأنه فيه تيسيرًا على الحاج. وهذا يؤيد فتوى النبي صلى الله عليه وسلم في منى: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ»

(3)

.

(1)

«الشرح الممتع على زاد المستقنع» (7/ 123).

(2)

أخرجه البخاري (6704).

(3)

أخرجه البخاري (83)، ومسلم (1306).

ص: 353

• وأما توجيه الإمام النووي أثر ابن عمر رضي الله عنهما على أنه مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ

(1)

فليس بمُسلّم لأن الاستحباب حُكْم يَحتاج إلى دليل.

• وقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا بَأْسَ بِهِ - بالاستظلال - عِنْدِي؛ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ خَبَرًا ثَابِتًا يَمْنَعُ مِنْهُ، وَمَا كَانَ لِلْحَلَالِ فِعْلُهُ كَانَ لِلْمُحْرِمِ فِعْلُهُ، إِلَّا مَا نُهِيَ عَنْهُ المُحْرِمُ

(2)

.

• وقال ابن حزم: وقول مالك: يتظللون إذا نزلوا ولا يتظللون في المحامل ولا ركابًا. وهذا تقسيم لا دليل على صحته فهو خطأ.

• فإن قيل: قد نهى عن ذلك ابن عمر. قلنا: نعم، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم ذَكَر حديث أُم الحُصين رضي الله عنها، وقال: فهذا هو الحجة لا ما سواه، وقد خالف ابن عمر في هذا القول بلالًا وأسامة، وهو قول عطاء والأسود

(3)

.

والحمد لله أولًا وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسَلَّم

(4)

.

(1)

«المجموع شرح المهذب» (7/ 357).

(2)

السابق (7/ 356).

(3)

«المُحَلَّى» (7/ 197).

(4)

كان الانتهاء من هذه المسألة في الفاتح من شهر الله المُحَرَّم، عام ألف وأربعمائة وتسعة وثلاثين من الهجرة النبوية.

فاللهم تَقَبَّلْ منا إنك أنت السميع العليم.

ص: 354

‌خطبه صلى الله عليه وسلم في الحج

• وردت عدة خطب له صلى الله عليه وسلم في الحج منها ما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (23489) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ» ، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ:«أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» ، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ:«أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» ، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» ، قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ:«فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ» ـ قَالَ: وَلَا أَدْرِي قَالَ: أَوْ أَعْرَاضَكُمْ، أَمْ لَا ـ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ "، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ:«لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» .

وورد تسمية الصحابي بأبي سعيد أو جابر لكن بإسناد ضعيف. واستغربه بذكر جابر أبو نعيم في «الحلية» (3/ 100) وضعفه بذلك البيهقي.

• الخلاصة: إسناد الإمام أحمد سنده صحيح لأن رواية إسماعيل عن الجريري قبل الاختلاط نص عليه العجلي وابن رجب في «شرح علل الترمذي» وللخبر شواهد من حديث أبي هريرة وابن عمر وحبيب بن خراش بدون لفظة

ص: 355

«لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ» لكن فيها: «قد أذهب الله عنكم عبية

(1)

الجاهلية»

بينما كتب شيخنا مع الباحث/ محمد بن مصباح: بتاريخ 21 ذي القعدة 1442 موافق 1/ 7/ 2021 م: بلفظ: «لا فضل لعربي» فيه مقال.

(1)

العُبِيَّةُ: الكبر"انظر: «المنتخب من غريب كلام العرب» (ص 1/ 338).

ص: 356

‌اجتهاد ابن عمر رضي الله عنهما في الأخذ من اللحية

• ورد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ولا يصح إلا عن ابن عمر وتفسير ابن عباس لآية الحج وبيان ذلك:

الأول: عن عمر رضي الله عنه ولا يصح.

• قال الدارقطني في «المُؤتلِف والمُختلِف» (3/ 1244): حَدَّثَنا أحمد بن علي بن العلاء، حَدَّثَنا محمود بن خِدَاش، حَدَّثَنا محمد بن صُبَيْح بن السَّمَّاك، حَدَّثَنا المبارك بن فَضَالة، عن الحسن قال: كان رجل لا يزال يأخذ من لحية عُمَر بن الخطاب الشيء.

قال: فأَخَذ يومًا من لحيته، فقَبَض عمر على يده، فإذا ليس في يده شيء. فقال عمر: إن المَلَق من الكذب

(1)

فمَن أَخَذ من لحية أخيه شيئًا فليُرِه إياه

(2)

.

• وقال ابن بطال: رُوِىَ عن عمر أنه رأى رجلًا قد تَرَك لحيته حتى كثرت، فأخذ بحديها ثم قال: ائتوني بجلَمَين

(3)

! ثم أَمَر رجلًا فجز ما تحت يده، ثم

(1)

المَلَق: أَنْ يُنتزَع الشيء من موضعه انتزاعًا سهلًا. انظر: «غريب الحديث» للقاسم بن سَلَّام (4/ 454).

(2)

إسناده ضعيف؛ الحسن البصري لم يَسمع من عمر رضي الله عنه. ومبارك بن فَضَالة مدلس وقد عنعن.

(3)

أي: مقراض (مِقص).

ص: 357

قال: اذهب فأَصْلِح شعرك أو أَفْسِده، يَترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع

(1)

،

(2)

.

الثاني: عن علي رضي الله عنه ولا يصح.

• قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (25991): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ زَمْعَةَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ

(3)

.

الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه ولا يصح.

• قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (25992): حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَيُّوبَ مِنْ وَلَدِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْبِضُ

(1)

لم أقف عليه مسندًا. انظر: «شرح صحيح البخاري» لابن بَطَّال (9/ 146).

(2)

وأَخْرَج الترمذي (2762): حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا.

وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: عُمَرُ بْنُ هَارُونَ مُقَارِبُ الحَدِيثِ، لَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا، لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ - أَوْ قَالَ: يَنْفَرِدُ بِهِ - إِلَّا هَذَا الحَدِيثَ .... إلخ. وأورده العُقَيْلي في ترجمة عمر بن هارون البلخي، وقال: لا يُعْرَف إِلا به. وقال: قَدْ رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد، أَنه قال:«أَعفُوا اللِّحَى، وأَحْفُوا الشَّوارِبَ» وهذه الرواية أَوْلَى.

(3)

إسناده ضعيف؛ لضَعْف زَمْعة بن صالح الجندي عند الجمهور.

و (سِماك) ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» .

ص: 358

عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنِ الْقُبْضَةِ

(1)

.

الرابع: أثر ابن عباس رضي الله عنهما وليس من فعله أخرج الطبري في «تفسيره» (16/ 526) قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ

(2)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] قَالَ: التَّفَثُ: حَلقُ الرَّأْسِ، وَأَخْذٌ مِنَ الشَّارِبَيْنِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَالْأَخْذُ مِنَ الْعَارِضَيْنِ، وَرَمْي الْجِمَارِ، وَالْمَوْقِفُ بِعَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ

(3)

(4)

.

(1)

إسناده ضعيف؛ لجهالة عمرو بن أيوب، فقد ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» (7/ 224) وذَكَر له هذا الأثر، فقال: عمرو بن أيوب بن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جَرير البَجَلي، أخو يحيى بن أيوب وجرير بن أيوب.

تنبيه: في «الجَرْح والتعديل» لابن أبي حاتم (6/ 98): عمر بن أيوب الكوفي، روى عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير، روى عنه شُعبة، سألتُ أبي عنه، فقال: هو شيخ كوفي.

(2)

المشهور أن عبد الملك بن أبي سليمان هو راوية عطاء بن أبي رباح.

(3)

إسناده صحيح: أخرجه سعيد بن منصور في «سُننه» (4452) عن هُشَيْم به بالعنعنة.

لكن تَابَع هُشَيْمًا ابن نُمَيْر، كما عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» (15917) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: التَّفَثُ: الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ، وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ، وَالأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ وَالأَظْفَارِ وَاللِّحْيَةِ.

ورواه عكرمة عن ابن عباس: التفث: المناسك. وما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: التفث: وَضْع الإحرام من حلق الرأس، ولُبْس الثياب، وقص الأظافر

ونحو ذلك.

(4)

تنبيه: في «فتح القدير» (3/ 642) للشوكاني: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} المراد بالقضاء هنا هو التأدية، أي: ليؤدوا إزالة وسخهم؛ لأن التفث هو الوسخ والقذارة، من طول الشَّعر والأظفار.

وقد أَجْمَع المفسرون كما حكاه النيسابوري على هذا.

قال الزَّجَّاج: إن أهل اللغة لا يَعرفون التفث. وقال أبو عُبَيْدة: لم يأتِ في الشِّعر ما يُحتجّ به في معنى التفث.

وقال المُبَرِّد: أصل التفث في اللغة: كل قاذورة تَلحق الإنسان.

وقيل: قضاؤه ادهانه؛ لأن الحاج مغبر شعث لم يدهن ولم يستحد، فإذا قضى نسكه وخرج من إحرامه، حلق شعره ولبس ثيابه، فهذا هو قضاء التفث. قال الزَّجَّاج: كأنه خروج من الإحرام إلى الحلال.

ص: 359

الخامس: فعل ابن عمر رضي الله عنهما.

• قال الإمام مالك في «الموطأ» (1/ 439): عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا حَلَقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ.

• وقال الإمام البخاري رقم (5892): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ»

(1)

.

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ

(2)

.

(1)

وأخرجه مسلم (259).

وفي مسلم (260): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ» .

وفي مسلم (2344): عَنْ جَابِر بْن سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ.

(2)

وفي «الموطأ» (1/ 440) رقم (1184) أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، دَعَا بِالْجَلَمَيْنِ، فَقَصَّ شَارِبَهُ، وَأَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ، قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ وَقَبْلَ أَنْ يُهِلَّ مُحْرِمًا.

ص: 360

• وقال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (25997): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ وَوَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مَا فَوْقَ الْقُبْضَةِ. وَقَالَ وَكِيعٌ: مَا جَازَ الْقُبْضَةَ.

• وقال الإمام أبو داود في «سُننه» رقم (2357): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَبُو مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِي ابْنَ سَالِمٍ الْمُقَفَّعَ - قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ. وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»

(1)

.

• والخلاصة: أن الصحيح عن ابن عمر في أخذه من اللحية ما زاد عن القبضة - مُقيَّد بالنسك.

ونحوه في الأخذ من العارضَين أو اللحية عن ابن عباس في تفسير التفث، وليس من فعله.

(1)

في إسناده ضعف؛ لأن مَرْوان ذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وروى عنه اثنان: الحسين بن واقد، وعَزْرة بن ثابت - وهو ثقة -. وحَسَّن له الدارقطني كما سبق، واستَغرب له الحاكم الشطر الثاني من الحديث في دعاء الصائم.

و (الحسين بن واقد) مُختلَف فيه، فيُحَسَّن له ما لم يُستنكَر عليه، فقد قال أحمد: في أحاديثه زيادة، ما أدري أي شيء هي! ونَفَض يده.

قال الدارقطني في «سُننه» (3/ 156): تَفَرَّد به الحسين بن واقد، وإسناده حسن.

وقال الحافظ أبو عبد الله: هذا حديث غريب، لم نكتبه إلا من حديث الحسين بن واقد، رواه أبو داود عن عبد الله بن محمد بن يحيى.

ص: 361

• توجيهات أهل العلم لفعل ابن عمر رضي الله عنهما:

• قال ابن عبد البر: هذا معناه: لما كان حرامًا عليه أن يأخذ من لحيته وشاربه وهو مُحْرِم، رأى أن ينسك بذلك عند إحلاله

(1)

.

• وقال الكِرماني (ت/ 786) في «الكواكب الدراري» (21/ 111): لعل ابن عمر جَمَع بين حلق الرأس وتقصير اللحية اتباعًا لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} .

• وفي «مَجْمَع بحار الأنوار» (4/ 195): ولعله خص حديث: «أعفوا اللحى» بالحج، أو أن المنهي هو قصها كفعل الأعاجم.

• وقال حرب كما في «كتاب الترجل» (97): سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الْأَخْذِ مِنَ اللِّحْيَةِ، فقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْهَا مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ. وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَيْهِ.

قُلْتُ لَهُ: مَا الْإِعْفَاءُ؟

قَالَ: يَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ: كَأَنَّ هَذَا عِنْدَهُ الْإِعْفَاءُ.

• وقال الحَليمي كما في «شُعَب الإيمان» (5/ 219): فقد يحتمل أن يكون لعفو اللحى حد، وهو ما جاء عن الصحابة في ذلك، فرُوِي عن ابن عمر أنه كان يَقبض على لحيته، فما فَضَل عن كفه أَمَر بأخذه، وكان الذي يَحلق رأسه يَفعل ذلك بأمره، ويأخذ عارضيه ويُسَوِّي أطراف لحيته.

وكان أبو هريرة يأخذ بلحيته، ثم يأخذ ما يجاوز القبضة.

(1)

«الاستذكار» (13/ 114) لابن عبد البر.

ص: 362

• وفي «طرح التثريب في شرح التقريب» (2/ 83): وَاسْتَدَلَّ بِهِ - «اللحية من الفطرة» - الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ اللِّحْيَةِ عَلَى حَالِهَا، وَأَنْ لَا يُقْطَعَ مِنْهَا شَيْءٌ.

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يُكْرَهُ حَلْقُهَا وَقَصُّهَا وَتَحْرِيقُهَا.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي «الْمُفْهِمِ» : لَا يَجُوزُ حَلْقُهَا، وَلَا نَتْفُهَا، وَلَا قَصُّ الْكَثِيرِ مِنْهَا.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ طُولِهَا فَحَسَنٌ. قَالَ: وَتَكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا، كَمَا يُكْرَهُ فِي قَصِّهَا وَجَزِّهَا.

• قَالَ: وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلْ لِذَلِكَ حَدٌّ؟

فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُحَدِّدْ شَيْئًا فِي ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا لِحَدِّ الشُّهْرَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهَا. وَكَرِهَ مَالِكٌ طُولَهَا جِدًّا.

وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّدَ بِمَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ، فَيُزَالُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ الْأَخْذَ مِنْهَا إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. انْتَهَى.

• فائدة:

• قال ابن القطان في «الإقناع في مسائل الإجماع» (2/ 299): اتفقوا أن حلق [جميع] اللحية مُثْلة، لا تجوز.

* * *

ص: 363

‌اجتهاد ابن عمر رضي الله عنهما

في تخمير وجه ورأس المُحْرِم

• قال الإمام مالك في «موطئه» (1/ 327) رقم (14): عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَاتَ بِالْجُحْفَةِ مُحْرِمًا، وَخَمَّرَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ، وَقَالَ:«لَوْلَا أَنَّا حُرُمٌ لَطَيَّبْنَاهُ» .

• مزيد بيان:

تخمير الرأس والوجه مخالف لنهيه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا»

(1)

.

• أقوال العلماء:

• قال ابن قُدامة في «المغني» (3/ 478): (والمُحْرَم يُغْسَل بماء وسِدر، ولا يُقَرَّب طِيبًا، ويُكفَّن في ثوبيه، ولا يُغَطَّى رأسه ولا رِجلاه) إنما كان كذلك لأن المُحْرِم لا يَبطل حُكْم إحرامه بموته؛ فلذلك جُنِّب ما يُجنَّبه المُحْرِم من الطِّيب وتغطية الرأس، ولُبْس المَخيط وقَطْع الشَّعر.

(1)

أخرجه البخاري (1851) ومسلم (1206) وزاد مسلم زيادة شاذة: «ولا تُخَمِّروا رأسه ووجهه» ، ولفظ:«الوجه» شاذ.

ص: 364

رُوي ذلك عن عثمان وعلي وابن عباس. وبه قال عطاء والثوري والشافعي وإسحاق. وقال مالك

(1)

، والأوزاعي، وأبو حنيفة: يَبطل إحرامه بالموت، ويُصنع به كما يُصنع بالحلال.

ورُوي ذلك عن عائشة وابن عمر وطاوس؛ لأنها عبادة شرعية، فبَطَلَتْ بالموت، كالصلاة والصيام.

• الخلاصة: أن حديث ابن عباس أصل في المسألة فلا نتعداه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في المُحْرِم بعد موته.

ص: 365

‌حج النافلة للنساء

طرق حديث «هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ»

• ورد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم:

• رواه زيد بن أسلم، واختُلف عليه:

فرواه عنه عبد العزيز الداروردي.

• أخرجه أبو داود في «سُننه» (1722): حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ» .

وتابع النُّفَيْليَّ سعيد بن منصور، فسَمَّى ابن أبي واقد بـ (واقد بن أبي واقد) أخرجه أحمد (21905) والبيهقي (8696).

وخالف عبدَ العزيز مَعْمَر، فأرسله. أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (8984) وهو الأرجح.

وواقد بن أبي واقد لم أقف له على مُوثِّق.

• وقال الذهبي في «الميزان» (4/ 330): هذا منكر؛ فما زِلْن يَحْجُجن.

الحديث الثاني: حديث ابن عمر رضي الله عنه، أخرجه ابن عَدي في «الكامل» (12858).

وفي سنده (عاصم بن عمر العُمَري) ضعيف.

الحديث الثالث: أخرج الطيالسي (1752): حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَزْوَاجِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «إِنَّمَا هِيَ هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصُرِ» .

ص: 366

قَالَ: فَكُنَّ كُلُّهُنَّ يُسَافِرْنَ إِلَّا زَيْنَبَ وَسَوْدَةَ، فَإِنَّهُمَا قَالَتَا: لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وتابعه الثوري كما في «كشف الأستار» (1077).

وتابعهما صالح بن كَيْسَان وإسحاق بن سليمان.

ومداره على صالح بن نبهان مولى التوأمة، فقد اختَلَط.

وممن سَمِع منه قديمًا ابن أبي ذئب.

وممن سَمِع منه بعدما كَبِر سفيان الثوري.

وقد توافقا هنا.

• وقال ابن حِبان: أما صالح فقد اختَلَط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميز، فاستحق الترك.

• وقال الدارقطني: مَا قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ فَغَلطَ، وَأَكْثَرُ حَدِيثِهِ قَدْ تَمَيَّزَ عَنْدَ الْحُفَّاظِ.

انظر: «التعليقات على المجروحين» (ص: 130).

• وقال الإمام أحمد لأبي داود: أما أنا فأحتمله وأَروي عنه، وأما أن يقوم موضع حُجة فلا.

• أخرج أبو يعلى في «مسنده» (603): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي سَمِينَةَ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ الأَخْنَسِيِّ، عَنْ عَبدِ الرَّحمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: «إِنَّمَا هِيَ هَذِهِ الحَجَّةُ، ثُمَّ الجُلُوسُ عَلَى ظُهُورِ الحُصُرِ فِي البُيُوتِ» .

• قَالَ ابْنُ أَبِي سَمِينَةَ: إِنَّمَا هُوَ سَعِيدٌ، وَلَكِنْ هَكَذَا قَالَ.

ص: 367

• وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (706) من طريق يحيى الحِمَّاني، عن عبد الله بن جعفر، به.

• وقال ابن حِبان في «الثقات» (ص: 2): يُعتبَر حديثه من غير رواية المَخْرَمي عنه؛ لأن المَخْرَمي ليس بشيء في الحديث.

• أقوال أهل العلم:

• قال أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي، شيخ الدارقطني، كما في «تفسير الموطأ» لعبد الرحمن القنازعي (ت/ 413): هَذا حَدِيثٌ شِيعِيٌّ كَذِبٌ لَا يَصِحُّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بهِ نَاقِلُهُ الطَّعْنَ عَلَى عَائِشَةَ بِخُروجِهَا في دَمِ عُثْمَانَ، وحَجُّهَا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ لِتَسْمَعُ

(1)

هَذا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ تُخَالِفَهُ.

• وقال الطحاوي في «شرح مُشْكِل الآثار» (14/ 262) بعد حديث عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ ل، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ، أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ:«لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» أخرجه البخاري (1520):

فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ جِهَادَهُنَّ لَا يَنْقَطِعُ كَمَا لَا يَنْقَطِعُ جِهَادُ الرِّجَالِ.

فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا وَلِسَائِرِ نِسَائِهِ سِوَاهَا مَا قَالَهُ لَهُنَّ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَوَقَفَتْ عَلَى ذَلِكَ هِيَ وَمَنْ سِوَاهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ عَلَى ذَلِكَ

دُونَ

(1)

هذه اللام تسمى لام الجحود أي النكران وجيء بها لتوكيد النفي وينصب المضارع بأن مضمرة بعدها.

ويجوز الرفع ولكن على نُدرة. أفادة العلامة الفيومي.

ص: 368

مَنْ لَمْ تَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقِفْ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ زَيْنَبُ وَلَا سَوْدَةُ، فَلَزِمَتَا مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.

وَكُلُّهُنَّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِنَّ أَجْمَعِينَ - عَلَى مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ - مَحْمُودَاتٌ.

وَخُلَفَاءُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَضِيَ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ فِي تَرْكِهِمُ الْخِلَافَ عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِكَ، وَفِي إِطْلَاقِهِمْ إِيَّاهُ لَهُنَّ - مَحْمُودُونَ بِعِلْمِهِمْ مَا عَلِمُوا مِنْ ذَلِكَ.

وَلَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِلَّا عَلَى مَا حَمَلْنَاهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ السَّلَامَةَ، وَحُسْنَ الظَّنِّ بِخُلَفَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَزْوَاجِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَفِيمَا سِوَاهُ ضِدُّ ذَلِكَ مِمَّا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ.

• قال البيهقي في «السُّنن الكبرى» (9/ 206): المُرَادُ مِنْ هَذَا الخَبَرِ وُجُوبُ الحَجِّ عَلَيْهِنَّ مَرَّةً وَاحِدَةً، كَمَا بَيَّنَ وُجُوبَهُ عَلَى الرِّجَالِ مَرَّةً، لَا المَنْعُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

فالبيهقي أَوَّلَ، والطحاوي جَنَح للتاريخ، وعبد الله الواسطي نَصَّ على الوضع.

• والخلاصة: انتهى شيخنا معي ومع أخي الباحث محمد بن شرموخ إلى ضعف الخبر، وعلى فرض صحته فمُؤَوَّل. والله أعلم.

ص: 369

‌كتاب العمرة

‌اجتهاد ابن عمر رضي الله عنه في كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب

• قال البخاري في «صحيحه» رقم (1775): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ المَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي المَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى. قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَرْبَعًا، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ.

قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ فِي الحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهُ، يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ

(1)

، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. قَالَتْ:«يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ»

(2)

.

(1)

بفتح الميم وتسكينِها كالقرائتين في قوله تعالى: {خُطُوَاتِ} [البقرة: 168] أفاده الشيخ عبد العزيز الفيومي.

(2)

أخرجه البخاري (1775، 1776) ومسلم (1255). وانظر: «مجموع الفتاوى» (24/ 149) لابن تيمية. و «زاد المعاد» (2/ 118) لابن القيم.

ص: 370

• قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رضي الله عنه: فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عُمَرٍ، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ» أَبْيَنُ الْبَيَانِ أَنَّ الْخَيِّرَ الْمُتْقِنَ الْفَاضِلَ قَدْ يَنْسَى بَعْضَ مَا يَسْمَعُ

مِنَ السُّنَنِ أَوْ يَشْهَدُهَا؛ لِأَنَّ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم مَا اعْتَمَرَ إِلَّا أَرْبَعَ عُمَرٍ، الْأُولَى عُمْرَةُ الْقَضَاءِ سَنَةَ الْقَابِلِ مِنْ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. ثُمَّ الْعُمْرَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ فَتْحَ مَكَّةَ، وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا صلى الله عليه وسلم قِبَلَ هَوَازِنَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، فَلَمَّا رَجَعَ وَبَلَغَ الْجِعْرَانَةَ، قَسَّمَ الْغَنَائِمَ بِهَا وَاعْتَمَرَ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ. وَاعْتَمَرَ الْعُمْرَةَ الرَّابِعَةَ فِي حَجَّتِهِ، وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ عَشْرَة

(1)

مِنَ الْهِجْرَةِ

(2)

.

(1)

الذي عليه أهل اللغة أن العدد عشرة يخالف معدودة إذا كان مفردا فإذا ركب مع واد إلى تسعة وافق معدودة كقوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: 4]{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36]{فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [البقرة: 60]

ويعتذر إليه أن العدد قد تأخر عن المعدود (سَنَةَ عَشْرَة مِنَ الْهِجْرَةِ) فلعل في ذلك ما يجعل العدد موافقا لمعدودة تذكيرا وتأنيثًا. أفاده العلامة الفيومي.

(2)

«الإحسان في تقريب صحيح ابن حِبان» (9/ 261).

ص: 371

‌كتاب البيوع

‌حث التجار على الصدقة

• عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ

(1)

قَالَ: كُنَّا نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ، فَأَتَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَبِيعُ، فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ لَنَا مِنِ اسْمِنَا، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ

(2)

، إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ الْحَلِفُ وَالْكَذِبُ، فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِصَدَقَةٍ».

أخرجه أحمد (16135)، والطيالسي (1300)، وأبو داود (3326)، والترمذي (1208)، والنَّسَائي (3800)، وابن ماجه (2145)، والحُمَيْدي (442) وغيرهم، من طرق عن أبي وائل، عن قيس بن أبي غَرْزَة، به.

(1)

بمعجمة وراء وزاي مفتوحات الغفاري صحابي نزل الكوفة. كما في «تقريب التهذيب» (ص: 457).

(2)

أجمل بهذا الأدب مع من تكون مهنهم يتوارى منها القوم فبين لهم صلى الله عليه وسلم حلها وأنهم بها يرتفعون إلى منزلة التجْر - أي التجار -.

وفيه دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم فاللفظ قليل ومعناه تسطر فيه وريقات وينهل منه كل صاحب علم.

ص: 372

• قال الترمذي: حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مَنْصُورٌ وَالْأَعْمَشُ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ. وَلَا نَعْرِفُ لِقَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذَا.

• وقال الذهبي: صحيح، تَفَرَّد به أبو وائل عن قيس.

وأخرجه الطحاوي (2082) من طريق عمرو بن دينار، عن البراء بن عازب، نحوه، ولم يَسمع منه. قاله البخاري.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث عبد الرحمن رحمة

(1)

الله (18) محرم (1435 هـ) إلى أن السند صحيح، لكن هل تَفَرُّد الراوي الثقة عن الصحابي له تأثير، كما أن له تأثيرًا في الرواية عن غير الصحابي خاصة في الأحاديث التي تعم بها البلوى؟

ثم كتب مع الباحث/ أبي صهيب الراجحي بتاريخ 21 صفر 1443 موافق 28/ 9/ 2021 م: رجاله ثقات يبقى النظر في سماع أبي وائل منه ويبقى علينا أن نراجع أقوال العلماء فكلامهم هنا غامض

(2)

. والله أعلم.

(1)

بالتاء المربوطة قياسًا وبالمفتوحة على ما وردت رسمًا ويظهر أثر ذلك في الوقف عليه فالأول وهو القياسي بالهاء والرسمي بالتاء. أفاده العلامة الفيومي.

(2)

هو قول أبي عمر بن عبد البر: روى عنه الحاكم فلا أدري أسمع منه أم لا. وجزم غيره بأن روايته عنه مرسلة.

ص: 373

‌الوفاء بالعهود والشروط

• قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].

• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (17015): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْفَيْضِ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ

(1)

قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَسِيرُ بِأَرْضِ الرُّومِ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ أَمَدٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُمْ، فَإِذَا انْقَضَى الْأَمَدُ غَزَاهُمْ، فَإِذَا شَيْخٌ عَلَى دَابَّةٍ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَلَا يَحِلَّنَّ عُقْدَةً وَلَا يَشُدَّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ»

(2)

فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَرَجَعَ، وَإِذَا الشَّيْخُ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ.

• تابع محمدَ بن جعفر جماعةٌ، منهم حفص بن عمر، أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (2759) ومُعتمِر بن سليمان، أخرجه النَّسَائي (8987) والطيالسي كما عند الترمذي (1674) ووكيع كما عند أحمد (19436) وغيرهم.

وأبو الفَيْض اسمه موسى بن أيوب الحِمْصِي، وثقه ابن مَعِين والعِجلي، وقال أبو حاتم: صالح. وقال يعقوب بن سفيان: له أحاديث حسان.

(1)

سُليم بن عامر الخَبَائِرِيّ هذا، وثَم آخَر وهو سُليم بن عامر أبو عامر متقدم عن هذا.

(2)

قال تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58].

ص: 374

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ الباحث شريف الصابر، بتاريخ (16) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (29/ 3/ 2021 م) إلى أن الخبر مُعَل بالانقطاع؛ فقد قال ابن أبي حاتم في «المراسيل»: روى عن عوف بن مالك مرسلًا، ولم يَلْقَه. قال: ولم يُدرِك المقدادَ بن الأسود، ولا عمرَو بن عَبَسَة، رضي الله عنهما.

ص: 375

‌المسلمون عند شروطهم

1 -

أخرج البخاري رقم (2204)، ومسلم رقم (1543) من حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ

(1)

، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ».

وثَمّ رواية شاذة خارج الصحيحين عند أحمد والنَّسَائي، فيها:«فِيهَا ثَمَرَةٌ» وفي سياق: «وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا فِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ» .

أفاده الباحث/ محمد بن جمال الغَنَّامي

(2)

(1) ربيع الثاني (1441 هـ) المُوافِق عام (2019 م).

• قال النووي: قد اختَلف العلماء في حُكم بيع النخل المبيعة بعد التأبير وقبله، هل تَدخل فيها الثمرة عند إطلاق بيع النخلة، من غير تَعَرُّض للثمرة بنفي ولا إثبات؟

(1)

أي: لقحت.

(2)

وُلد بقرية منشأة شُبْراطوا.

له من الأعمال التي راجعها شيخنا ولما يُقدِّم لها:

1 -

«البيوع المستثناة مما ليس عندك» .

2 -

«الشروط في العقود» .

3 -

«الأحاديث الضعيفة التي عليها العمل عند أهل العلم» .

4 -

«الخَرَاج بالضمان، وعلاقته ببعض العقود» .

ص: 376

• فقال مالك والشافعي والليث والأكثرون: إن باع النخلة بعد التأبير، فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المشتري، بأن يقول: اشتريتُ النخلة بثمرتها هذه. وإن باعها قبل التأبير فثمرتها للمشتري، فإِنْ شَرَطها البائع لنفسه جاز عند الشافعي والأكثرين.

• وقال مالك: لا يجوز شرطها للبائع.

• وقال أبو حنيفة: هي للبائع قبل التأبير، وبعده عند الإطلاق.

• وقال ابن أبي ليلى: هي للمشتري قبل التأبير وبعده.

• فأما الشافعي والجمهور: فأخذوا في المُؤبَّرة بمنطوق الحديث

(1)

، وفي غيرها بمفهومه، وهو دليل الخطاب، وهو حُجة عندهم.

(1)

الظاهر هو المعنى المتبادر إلى الذهن بصرف النظر عن سبْر الألفاظ والتراكيب لإدراك الدلالات.

والمنطوق هو النظر إلى المعنى المفاد من التراكيب كجاء محمد وقام زيد فإسناد الفعل إلى الفاعل تبين منه حصول المجيء من محمد والقيام من زيد.

والمفهوم قد يوافق المنطوق وهذا كثير وهو الأصل وقد يخالف المنطوق وفيه الفهم والتدبر مثال ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] فلو كان الأمر أو الحكم على المنطوق لكان المعنى فإن لم يردن تحصنا فذرهن وهذا مخالف لما عليه شرع الله تعالى. وورد في تفسيرها سبب نزول عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:"كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ يَقُولُ لِجَارِيَةٍ لَهُ: اذْهَبِي فَابْغِينَا شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} [النور: 33] لَهُنَّ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] " أخرجه مسلم (3029). فعلى هذا السبب فلا إشكال في الآية. وإن كان التفسير بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كان المراد والله أعلم تحريض الإماء على التحصن بالعفة أو الإسلام وهن ضامنات أن أسيادهن لن يكرهوهن على ذلك.

ص: 377

• وأما أبو حنيفة: فأَخَذ بمنطوقه في المُؤبَّرة، وهو لا يقول بدليل الخطاب، فأَلْحَق غير المُؤبَّرة بالمُؤبَّرة.

واعترضوا عليه بأن الظاهر يُخالِف المستتر في بيع حكم التبعية في البيع، كما أن الجنين يتبع الأم في البيع، ولا يتبعها الولد المنفصل.

وأما ابن أبي ليلى فقوله باطل منابذ لصريح السُّنة، ولعله لم يَبلغه الحديث. والله أعلم

(1)

.

ص: 378

‌صاحب السلعة أحق بالسوم

• عن أنس رضي الله عنه في مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة وفيه: «أَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ: «يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا» قَالُوا: «لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ»

(1)

.

• قال ابن بَطَّال في «شرح صحيح البخاري» (6/ 235): لا خلاف بين الأُمة أن صاحب السلعة أحق الناس بالسَّوم في سلعته، وأَوْلَى بطلب الثمن فيها، ولا يَجوز ذلك إلا له أو لمن وكله على البيع.

• تنبيه من شيخنا: صاحب البيع أحق بالسَّوم، وكثيرًا ما تقول له: كم؟ يقول: ما تعطيني إياه. فإذا أعطيته قليلًا رفض، وإذا أعطيته كثيرًا قَبِل، ففي هذا غَبْن للمشتري.

(1)

أخرجه البخاري (428).

ص: 379

‌كتابة العَقْد عند البيع

• قال الإمام الترمذي رقم (1216): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ لَيْثٍ - صَاحِبُ الكَرَابِيسِيِّ البَصْرِيِّ - قَالَ: حَدثنا عَبْدُ المَجِيدِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ لِي العَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ: أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا: هَذَا مَا اشْتَرَى العَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، اشْتَرَى مِنْهُ عَبدًا أَوْ أَمَةً، لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ، بَيْعَ المُسْلِمِ المُسْلِمَ

(1)

.

• وأخرجه ابن ماجه (2251)، وغيره، من طرق عن عَبَّاد به. وقال الترمذي عقبه: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ لَيْثٍ. وقال الدارقطني: لم يروه غيره

(2)

.

(1)

في «مرقاة المفاتيح» لعلي القاري (5/ 1940): قَالَ الطِّيبِيُّ/: قوله: (بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: إِنَّمَا بَاعَهُ بَيْعَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْمُسْلِمِ، أُضِيفَ إِلَى الْفَاعِلِ وَنُصِبَ بِهِ الْمَفْعُولُ. وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِ (بَيْعُ) عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هُوَ، أَوْ هَذَا أَوْ عَكْسُهُ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُرِيدُ بَيْعًا مُشْتَمِلًا لِجَمِيعِ شَرَائِحِ الْبَيْعِ، كَبَيْعِ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ فِي شَرَائِطِهِ؛ إِشَارَةً بِذَلِكَ إِلَى رِعَايَةِ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْبَيْعِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِ.

(2)

قال ابن المُلقِّن في «التوضيح» (14/ 139): لا، فقد أخرجه أبو عمر من حديث عثمان الشحام، عن أبي رجاء العُطَاردي

إلخ.

ص: 380

(عَبَّاد) قال فيه أحمد وابن مَعينٍ: ليس بشيء. وقال النَّسَائي: ليس بالقوي.

وقد تَابَع عَبَّادًا المنهالُ بن بحر، كما في «تغليق التعليق» (3/ 219) وابن بشران في «الأمالي» (26).

و (المنهال) وثقه أبو حاتم والدارقطني، وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال العُقيلي: في حديثه نظر. وأشار ابن عَدي إلى تضعيفه.

وله طريق آخَر عند البيهقي (10889)، والطبراني في «المعجم الكبير» (1) من طريقَي زكريا وقَعْنَب - وكلاهما ضعيف - عن الأصمعي عن عثمان الشَّحَّام به.

• وقال البيهقي عن هذا الطريق: غير معتمد.

• الخلاصة: قال شيخنا للباحث/ يوسف الحامولي: في طرقه مقال.

• قلت (أبو أويس): وتعليل هذا المقال عندي سببه كون العُقيلي وغيره قالوا بأن هذا الحديث معروف بـ (عَبَّاد بن ليث) وقد حَسَّن ابن حجر طريق المنهال.

ص: 381

‌حُكْم بيع السلعة قبل التملك

• قال أبو داود في «سُننه» رقم (3503): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي، أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ؟ فَقَالَ:«لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف، وللقَدْر الأخير شاهد: أخرجه أبو داود (3505)، والترمذي (1232)، والنَّسَائي (4614)، وابن ماجه (2187)، وغيرهم، من طرق عن أبي بِشر جعفر بن إياس، عن يوسف بن مَاهَك، عن حكيم بن حِزام، به.

وخالفه يَعْلَى بن حكيم، فزاد (عبد الله بن عصمة) بين يوسف وحكيم رضي الله عنه.

أخرجه ابن الجارود في «المُنتقَى» (602)، والبيهقي (5/ 313).

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 158): وبين (يوسف بن مَاهَك) وبين (حكيم) في هذا الحديث: عبد الله بن عصمة.

وعبد الله بن عصمة روى عنه جماعة، وذَكَره ابن حِبان في «الثقات». وقال الحافظ: مقبول.

وقال أبو حاتم: هذا خبر مشهور عن يوسف عن حكيم، وليس فيه ذِكر عصمة.

وقال ابن حزم: متروك.

وقال ابن القطان: مجهول الحال.

وقال عبد الحق: ضعيف.

ورواه أيوب السَّختياني عن يوسف بن مَاهَك عن حكيم، به. أخرجه الطبراني في «الكبير» (3032) وغيره، عن جماعة عن أيوب.

وأخرجه عبد الرزاق (8/ 38) عن مَعْمَر، وزاد رجلًا مبهمًا بين يوسف وشيخه.

ونَقَل أبو زُرْعة العراقي في «تحفة التحصيل» عن الإمام أحمد، أن يوسف عن حكيم مرسل، وقال: الصواب: بينهما يوسف بن مَاهَك.

ورواه صفوان بن مَوْهَب، عن عبد الله بن محمد بن صيفي، عن حكيم.

أخرجه أحمد (15364) وغيره، بلفظ:«ابتعتُ طعامًا من السوق، فقال: «لا تَبِعه حتى تستوفيه» والكلام في صفوان.

ورواه حزام بن حكيم بن حزام عند النَّسَائي (4603) وابن حِبان (5016) بلفظ: ابتعتُ طعامًا من طعام الصدقة، فرَبِحتُ فيه قبل أن أقبضه، فقال:«لا تَبِعه حتى تقبضه» .

وعِلته حزام، مقبول. وأَنْكَر مصعب بن الزبير أن يكون لحكيم ولد يسمى حِزامًا.

ص: 382

• والخلاصة: أن شيخنا انتهى معي في تحقيق «بداية المجتهد» مع فريق من الباحثين - إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تَبِع ما ليس عندك» له شاهد حسن من سلسلة عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جَده: قال عليه الصلاة والسلام: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»

(1)

.

(1)

حسن: أخرجه أحمد (2/ 275)، وأبو داود (3504) والترمذي (1234)، والنَّسَائي (4611)، وغيرهم من طرق - أيوب وحسين المُعَلِّم والضحاك وابن عجلان وعاصم الأحول وداود بن أبي هند - عن عمرو بن شُعَيْب عن أبيه عن جَده، به.

قال الترمذي عقبه: حسن صحيح.

وقال الحاكم في «المستدرك» (2/ 21): هذا حديث على شرط جملة من أئمة المسلمين صحيح.

قال أبو عبد الرحمن الأَذْرَمِيّ: يقال: ليس يصح من حديث عمرو بن شُعَيْب إلا هذا، أو هذا أصحها. كما في «الكامل» (6/ 203) لابن عَدِي.

ص: 383

• كَتَب شيخنا مع الباحث/ علي بن قاسم: في السند إلى حَكيم ضعف، سببه عدم سماع يوسف من حكيم، والواسطة التي ذُكِرتْ في بعض الطرق - إما مجهول وإما مبهم.

وكَتَب شيخنا قبل ذلك بزمن، مع الباحث/ محمد الغَنَّامي: كل طرقه فيها مقال.

ص: 384

‌هل يكفي بيع السلعة

بالميزان الذي اشترى به أو لا؟

• ذهب الجهمور خلافًا للمالكية على اشتراط الوزن ونص دليلهم ما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» رقم (451) - حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثنا أَبُو سَعِيدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثنا مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُو يَقُولُ: كُنْتُ أَبْتَاعُ التَّمْرَ مِنْ بَطْنٍ مِنَ الْيَهُودِ، يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو قَيْنُقَاعَ، فَأَبِيعُهُ بِرِبْحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«يَا عُثْمَانُ، إِذَا اشْتَرَيْتَ فَاكْتَلْ، وَإِذَا بِعْتَ فَكِلْ» .

تابع أبا سعيد العبادلة - ابن المبارك وابن وهب وعبد الله بن يزيد المقرئ - وفي سنده موسى بن وردان ضعيف وتابعه إسحاق بن أبي فروة وهو متروك أخرجه البيهقي في «الشعب» (10697).

وتابع سعيد بن المسيب منقذ بن قيس النصري مولى عبد الله بن سراقة - وهو مقبول - أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (11321) وفي سنده عبد الله بن صالح ضعيف. وعلقه في صحيحه.

وتابع منقذ وابن المسيب والد عمران بن أبي أنس أخرجه الحارث في «مسنده» (431) وفيه محمد بن عمر الواقدي متروك.

ص: 385

• وخالفهم الحكم بن عتيبة فأرسله أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (363) وإسناده صحيح.

وله شاهد من حديث أبي الزبير عن جابر بلفظ: «نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان» أخرجه ابن ماجه وغيره وفي سنده ابن أبي ليلى وهو ضعيف.

• الخلاصة: أن المرسل أصح وكتب شيخنا مع الباحث محمد الغنامي بتاريخ 2 محرم 1442 موافق 10/ 8/ 2021 م: كل الطرق التي أوردها ضعيفة.

• تنبيه: حكى ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 19) طرقه وقال: فَالْحَدِيث حسن لما عضده من ذَلِك.

فصّل شيخنا مع الباحث إذا كانت السلعة موزونة ومغلفة فتباع وإلا فتوزن من جديد.

ص: 386

‌اشتراط الزيادة في السعر مقابل الأجل

• أخرج أبو داود في «سُننه» رقم (3357): حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا، فَنَفِدَتِ الْإِبِلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي قِلَاصِ

(1)

الصَّدَقَةِ. فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ».

وعمرو بن حَرِيش قال فيه ابن مَعِين: حديثه مشهور.

• وأخرجه أحمد رقم (7025): حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ الْحَرَشِيُّ - وَكَانَ ثِقَةً، فِيمَا ذَكَرَ أَهْلُ بِلَادِهِ - عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى ثَقِيفٍ - وَكَانَ مُسْلِمٌ رَجُلًا يُؤْخَذُ عَنْهُ، وَقَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْشٍ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.

• تنبيه: ابن إسحاق صَرَّح بالتحديث كما هنا، لكن في بعض الطرق يَجعل شيخه مسلم بن جُبَيْر، وفي بعضها يَزيد بن حبيب، ومَرَّة سَمَّى مسلم بن جُبَيْر: مسلم بن كثير. وقيل: هما واحد.

وليس لأبي سفيان وشيخه عمرو بن حُرَيْش إلا هذا الخبر، ولكن قد وردت متابعة أخرجها عبد الرزاق في «المصنف» رقم (14952): أخبرنا عبد الرزاق،

(1)

القِلاص: بكسر القاف النوق الْفتية.

ص: 387

قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللهِ بْنَ

عَمْرٍو أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا، فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدَنَا ظَهْرٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ابْتَعْ لِي ظَهْرًا إِلَى خُرُوجِ الْمُصَدِّقِ» ، فَابْتَاعَ عَبدُ اللهِ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ وَبِالأَبْعِرَةِ إِلَى خُرُوجِ الْمُصَدِّقِ.

• ووَصَله ابن وهب عن ابن جُريج.

أخرجه الطبراني (3052) والبيهقي في «السُّنن الكبرى» (10627) وقال عن هذا: إنه شاهد صحيح لطريق ابن إسحاق.

وصححه الحاكم بإسقاط عمرو بن حُرَيْش.

• والخلاصة: أن علة هذا الخبر أمران:

الأول: الإرسال.

والثاني: نَصُّ البخاري على أن ابن جُريج لم يَسمع من عمرو بن شُعَيْب.

• وعلة السند السابق أمران:

الأول: الاختلاف على ابن إسحاق.

والثاني: الجهالة في بعض رواته.

أوقف شيخنا الباحث/ محمد الغَنَّامي بتاريخ (15) ربيع الآخِر (1441 هـ) المُوافِق (12/ 12/ 2019 م) على عدم سماع ابن جُريج من عمرو بن شُعَيْب.

ص: 388

‌البيع في مجلس العقد

بسعر يومه أو أسبوعه أو شهره أو سعر السوق

إلخ.

أولًا - الأصل أن يكون الثمن معلومًا في مجلس العقد؛ فإنه أقطعُ للنزاع، وهو معلوم عند أكثر أهل العلم، ومنه بيع السَّلَم.

ثانيًا - هل يَجوز بيع السلعة بما تَظهر به الأسعار، أو بسعر السوق، أو بما يبيع به فلان؟

صحت هذه المعاملة في رواية عن الإمام أحمد، خلافًا للجمهور.

• ومما يُستأنس به لجواز ذلك من الأدلة:

1 -

مهر المِثل.

2 -

الأجرة في الرضاعة.

3 -

عُرْف المُكَارِي

(1)

.

• قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (5/ 401): اخْتَلَفَتِ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَقْتَ الْعَقْدِ.

وَصُورَتُهَا: الْبَيْعُ مِمَّنْ يُعَامِلُهُ مِنْ خَبَّازٍ أَوْ لَحَّامٍ أَوْ سَمَّانٍ أَوْ غَيْرِهِمْ، يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، ثُمَّ يُحَاسِبُهُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَيُعْطِيهِ ثَمَنَهُ.

(1)

المُكَارِي بضم الميم أي المؤاجِّر.

ص: 389

فَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَجَعَلُوا الْقَبْضَ بِهِ غَيْرَ نَاقِلٍ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ قَبْضٌ فَاسِدٌ يَجْرِي مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.

هَذَا، وَكُلُّهُمْ إِلَّا مَنْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا، وَهُوَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِمُسَاوَمَتِهِ لَهُ عِنْدَ كُلِّ حَاجَةٍ يَأْخُذُهَا، قَلَّ ثَمَنُهَا أَوْ كَثُرَ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ شَرَطَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَفْظًا؛ فَلَا بُدَّ مَعَ الْمُسَاوَمَةِ أَنْ يَقْرِنَ بِهَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَفْظًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَهُوَ عَمَلُ النَّاسِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ -: جَوَازُ الْبَيْعِ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ.

وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: هُوَ أَطْيَبُ لِقَلْبِ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمُسَاوَمَةِ، يَقُولُ: لِي أُسْوَةٌ بِالنَّاسِ، آخُذُ بِمَا يَأْخُذُ بِهِ غَيْرِي.

قَالَ: وَاَلَّذِينَ يَمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُمْ تَرْكُهُ، بَلْ هُمْ وَاقِعُونَ فِيهِ.

وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَا إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ - مَا يُحَرِّمُهُ.

وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَكْثَرُهُمْ يُجَوِّزُونَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، كَالنِّكَاحِ وَالْغَسَّالِ، وَالْخَبَّازِ وَالْمَلَّاحِ، وَقَيِّمِ الْحَمَّامِ وَالْمُكَارِي، وَالْبَيْعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ كَبَيْعِ مَاءِ الْحَمَّامِ.

فَغَايَةُ الْبَيْعِ بِالسِّعْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، فَيَجُوزُ، كَمَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا.

فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، وَلَا تَقُومُ مَصَالِحُ النَّاسِ إلَّا بِهِ.

ص: 390

ورَجَّح هذا ابن أبي العز الحنفي في «التنبيهات على مشكلات الهداية» (5/ 621).

ويُنظر: بيع الاسترسال عند المالكية «المُقدِّمات الممهدات» للقرطبي (2/ 139).

• الخلاصة: أن شيخنا انتهى مع الباحث محمد الغَنَّامي بتاريخ (21) ربيع الآخِر (1441 هـ) المُوافِق (18/ 12/ 2019 م) إلى اختيار كلام ابن القيم، وقال: يا إخواني، هل أحد يَحفظ دليلًا في اشتراط الثمن في مجلس العقد؟ فأجيب بقصة جمل جابر رضي الله عنه.

وحديث: «ثَامِنوني بحائطكم» وقد سبق قريبًا.

ومعلوم الثمن في بيعي الذهب والسَّلَم.

ص: 391

‌بيع الفُضُولي

- وهو الاتجار في مال الغير بغير إذنه

-

• عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً، فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ، فَبِعْتُ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجِئْتُ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُ:«بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ» ، فَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى كُنَاسَةِ الكُوفَةِ

(1)

، فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ العَظِيمَ، فَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الكُوفَةِ مَالًا.

• إسناده حسن: أخرجه الترمذي (1258): حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا حبان - وهو ابن هلال أبو حبيب البصري - قال: حدثنا هارون الأعور المقرئ، وهو ابن موسى القارئ، به.

وأخرجه أبو داود (3385) وأحمد (19362) والدارقطني (2824) وغيرهم من طرق عن سعيد بن زيد، كلاهما عن الزُّبَيْر بْن الْخِرِّيتِ، عن أبي لَبيد، عن عروة بن أبي الجعد به. ورجال الترمذي ثقات ما عدا لِمَازة - بكسر اللام وتخفيف الميم - ابن زَبَّار، بفتح الزاي وتشديد الموحدة.

(1)

في «تحفة الأحوذي» (4/ 393): ضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مَوْضِعٍ بِالْكُوفَةِ.

في «الفتح الرباني» (15/ 20): بضم الكاف اسم موضع بالكوفة، والكناسة أيضا القمامة كذا في القاموس (قلت) ولعل هذا الموضع كان معدا لرمي الكناسة فيه فسمي المحل باسم الحال ثم اتخذ بعد سوقا للبيع والشراء وبقي الاسم الأصلي والله أعلم.

ص: 392

روى عنه سبعة، قال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث. وقال الإمام أحمد: كان أبو لبيد صالح الحديث. وأثنى عليه ثناء حسنًا. ذَكَره ابن حبان في «الثقات» وقال ابن مَعِين: كان شتامًا. وتابعه العُقيلي. وقال ابن حزم: غير معروف العدالة

(1)

.

والذي يَظهر لي كلام الموثقين مع تقدمه في طبقة التابعين، وأن الخبر لا يتعلق بالنصب، والله أعلم، ومع ذلك فقد توبع برواية البخاري.

• وأخرجه البخاري (3642): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَيَّ يُحَدِّثُونَ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ» .

• وتابع ابن المديني مُسدَّد، كما عند أبي داود (3384) والإمام أحمد كما في «مسنده» (19356) والشافعي كما في «السُّنن المأثورة» (590).

• خالفهم ابن أبي شيبة في «مصنفه» (36293) ومن طريقه ابن ماجه (2402) فأسقطوا (الحي).

• وتابعه الحسن بن عرفة - وهو متروك - أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (14831).

والحي وإن كانوا مجهولين، إلا أنهم قد توبعوا كما سبق.

• وقال ابن المُلقِّن في «البدر المنير» (6/ 453): أسانيدهم جيدة، وإسناد

(1)

هل هذا مصطلح خاص بابن حزم؟ وهل يساوي مجهول الحال؟.

ص: 393

الترمذي على شرط الشيخين إلى أبي لبيد لِمَازة بن زَبَّار، الراوي عن عقبة، وهو ثقة وقال الحافظ زكي الدين المنذري: إسناد الترمذي حسن. (وقال) النووي (في شرح المهذب) إسناد الترمذي (حسن)، وإسناد الآخرين حسن فهو حديث صحيح.

• فائدة: قال الخَطَّابي في «معالم السُّنن» (3/ 90): وفي خبر عروة أن الحي حدثوه، وما كان هذا سبيله من الرواية لم تَقُم به الحجة.

• وفي «معرفة السُّنن والآثار» (8/ 148) وَفِي «مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ» وَالرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ: وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ، فَكُلُّ مَنْ بَاعَ أَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ رَضِيَ، فَالْبَيْعُ وَالْعِتْقُ جَائِزَانِ.

• ثم ذَكَر البيهقي الخبر، وقال: وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، إِنَّمَا سَمِعَ شَبِيبٌ قَوْمَهُ يُحَدِّثُونَ بِهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

• وقال ابن التركماني في «الجوهر النقي» (6/ 112): ذكر فيه حديث شبيب عن عروة البارقى ثم علله مما في سنده من الارسال وهو (أن شبيبًا لم يسمعه من عروة، وإنما سمعه من الحى عنه) قلت: قد قدمنا أن مثل هذا لا يسمى مرسلًا عند أهل هذا الشأن، بل في سنده جهالة، وقد زالت بأن أبا داود والترمذي أخرجاه من غير وجه، من حديث ابن زياد أخي حماد بن زيد، عن الزبير بن خريت عن أبى لبيد، حدثني عروة

فذَكَره.

• وقال ابن حجر في «فتح الباري» (6/ 635): وزَعَم ابن القطان أن البخاري لم يُرِد بسياق هذا الحديث إلا حديث الخيل، ولم يُرِد حديث الشاة، وبَالَغ في الرد على مَنْ زعم أن البخاري أخرج حديث الشاة محتجًّا به؛ لأنه ليس على

ص: 394

شرطه لإبهام الواسطة فيه بين شبيب وعروة، وهو كما قال، لكن ليس في ذلك ما يَمنع تخريجه ولا ما يحطه عن شرطه؛ لأن الحي يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب. ويضاف إلى ذلك ورود الحديث من الطريق التي هي الشاهد لصحة الحديث.

• قال العَلَّامة الألباني رحمه الله في «إرواء الغليل» (5/ 128) عن الإبهام الذي في البخاري مِنْ ذكر (الحي): وهذا لا يَضر؛ لأن المبهم جماعة من أهل الحي، أو من قومه كما في الرواية الأخرى، وهي للبيهقي، فهم عدد تنجبر به جهالتهم، وكأنه لذلك استساغ البخاري إخراجه في صحيحه، وبمثل هذا التعليل قَوَّى الحافظ السخاوي في «المقاصد الحسنة» حديث «مَنْ آذى ذميًّا، فأنا خَصمه» فرَاجِعه.

• الخلاصة: أحاديث الأحكام لا انحطاط لها، ولِمَازة له نصيب من اسمه

والخلاف قائم في الحي، والاتجار في مال الغير بغير إذنه فيه قصة أصحاب الغار، وأثر ابن عمر مع أبيه في الاتجار في أموال الزكاة. لكن لو خسرت، مَنْ يتحمل؟

فأجاب الباحث/ محمد الغَنَّامي، بتاريخ (16) رجب (1441) الموافق (11/ 3/ 2020 م): يتحملها المُضارِب.

ص: 395

‌كراهة البيع في المسجد

• قال الإمام أحمد رقم (6676): حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ، وَعَنِ الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» وتابع يحيى جماعة - أبو خالد الأحمر والليث بن سعد وابن لهيعة وحاتم بن إسماعيل وبشر -.

• وتابع ابن عجلان أسامة بن زيد

(1)

أخرجه أحمد (6952). وصفوان بن عيسى أخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (561).

• والخلاصة: أن إسناده حسن ولم يتكلم أحد في رواية ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عموما أفاده غير باحث حفظهم الله.

وكتب شيخنا مع الباحث محمد بن شرموخ في شهر محرم عام 1443 احكم على السند.

وبحثه من قبل الباحث/ أحمد شفيق (24) رجب (1441 هـ) الموافق (19/ 3/ 2020 م).

• وأما إنشاد الشِّعر في المسجد، فأصح ما فيه ما أخرجه الإمام مسلم رقم (2485): حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ

(1)

وهو مُختلَف فيه.

ص: 396

سُفْيَانَ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي

هُرَيْرَةَ، أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ

(1)

.

وأُعِلّ بإسقاط أبي هريرة رضي الله عنه منه، وسماعُ سعيد بن المُسيِّب من عمر مُختلَف فيه. وانظر «أوهام سفيان بن عيينة» (ص/ 155) لأخينا أبي طلحة رحمه الله، فقد حَرَّر القول فيه وفي المسألة.

• قال الإمام الترمذي في «سننه» رقم (1321) - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً، فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ» .

(1)

يشير إلى ما كان من شأن وفود العرب كانت تأتي النبي صلى الله عليه وسلم تخاطبه وتشاعره وكان من ذلك أن عبد الله بن الزِّبَعرى قال للنبي صلى الله عيه وسلم ألم تر أن الناس كانت تأتينا سراتُهم من كل أرض هويًّا ثم تصتنع فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى حسان فقال القصيدة المشهورة التي مطلعها:

إنّ الذوائبَ منْ فهرٍ وإخوتِهمْ

قدْ بينوا سنةً للناسِ تتبعُ

ص: 397

وتابع عارما جماعة - الحسن بن أبي زيد الكوفي أخرجه النسائي (1441) وأبو بكر بن إسحاق ومحمد بن أبي بكر وعلي بن المديني والنفيلي - على الوصل.

• وخالف هؤلاء ثلاثة فأرسلوه:

1 -

الثوري 2 - سعيد بن منصور 3 - عبد الأعلى بن حماد. ذكرهم الدارقطني في «علله» .

• وانتهى شيخنا مع الباحث/ محمد بن شرموخ بياريخ 6 صفر 1443 موافق 13/ 9/ 2021 م إلى الإرسال.

ذهب الجمهور - الحنفية كما في «حاشية ابن عبدين» (2: 449) والمالكية كما في «مختصر خليل» (7/ 72) والشافعية كما في «المجموع» (2/ 175) - إلى كراهة البيع في المسجد عملا بحديث عمرو بن شعيب السابق.

وأما الحنابلة كما في «المغني» رقم (3194) فقالوا بالتحريم بناء على حديث أبي هريرة السابق في الأمر بقول (لا أربح الله تجارتك)

بينما ذهب ابن حزم ورواية عن الأحناف إلى إلى الجواز وعلل ابن حزم خبر عمرو بن شعيب بأنه صحيفة. وحديث لا أربح الله تجارتك ليس فيه منع من البيع لكنها كراهية.

أما رواية الأحناف بالتجويز فعند الكساني في «بدائع الصنائع» (2/ 117)

ص: 398

وَلَنَا) عُمُومَاتُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ الْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ أَخِيهِ جَعْفَرٍ: هَلَّا اشْتَرَيْت خَادِمًا؟ قَالَ: كُنْت مُعْتَكِفًا قَالَ: وَمَاذَا عَلَيْك لَوْ اشْتَرَيْت

(1)

.

أَشَارَ إلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ مَتَاجِرَ كَالسُّوقِ يُبَاعُ فِيهَا وَتُنْقَلُ الْأَمْتِعَةُ إلَيْهَا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. ا هـ.

(1)

أخرجه ابن حزم في «المحلى» وفي سنده عمار بن عبد الله بن يسار ذكره ابن حبان في الثقات ولم ويثقه معتبر فهو مجهول.

ص: 399

‌بيع المصراة - المحفلة باللبن

-.

• ورد فيها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ لِبَيْعٍ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» أخرجه البخاري (2148) ومسلم (1515) واللفظ له.

• وأخرج أحمد في «مسنده» رقم (4125) - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، قَالَ:«بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خِلَابَةٌ، وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ» وتابع وكيع جماعة ومداره على المسعودي وقد اختلط.

ورواه الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن عن الأسود عن عبد الله واختلف على الأعمش فرفعه عنه أبو شهاب الحناط ذكره الدارقطني في «علله» (693) وخطأه وكذا أبو داود كما في «سؤلات الآجري» (193) وابن معين كما في «تاريخه» (2800).

وخالف أبا شهاب أصحاب الأعمش الثوري كما عند عبد الرزاق (14865) - لكن بإسقاط الأسود - وأبو معاوية كما عند ابن أبي شيبة (21207) ويعلى بن عبيد كما عند البيهقي (11026) فأوقفوه.

ص: 400

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ محمد بن عيسى بتاريخ 13 ربيع أول 1443 موافق 19/ 10/ 2021 م: والصواب الوقف مع اختلاف في ثبوت الموقوف أيضًا.

• تنبيه: رواية الثوري بإسقاط الأسود وعليه فخيثمة لم يسمع من ابن مسعود ومن حيث الترجيح على الأعمش فالثوري مقدم على أبي معاوية عند المتقدمين كأحمد وابن معين وأبي حاتم وأما ابن رجب في «فتح الباري» فيقدم أبا معاوية عند الاختلاف بينما في «شرح علل الترمذي» ذكر كلام النسائي في تقسيم طبقات أصحاب الأعمش والثوري في الطبقة الأولى وأبو معاوية في الثالثة والذي - يظهر لي والله أعلم - إن سلمت النسخة من السقط فيحتمل للأعمش فيه شيخان.

ص: 401

‌كراهة بيع فضل الماء

• ورد فيه عن جماعة من الصحابة صح منها عن جابر وإياس بن عبدٍ رضي الله عنهم:

• أما حديث جابر فأخرجه الإمام مسلم رقم (1565) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ»

وخالف ابن جريج اثنان زهير بن معاوية وهشام بن سعد وكلاهما عند مسلم فلم يذكرا بيع الماء بل ذكرا: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ فَلْيُحْرِثْهَا أَخَاهُ، وَإِلَّا فَلْيَدَعْهَا»

وتابعهما على هذا اللفظ متابعة قاصرة عن جابر بن عبد الله ثلاثة: عطاء بن أبي رباح كما في البخاري (2340) ومسلم (1536) وسعيد بن ميناء وطلحة بن نافع أبي سفيان كلاهما عند مسلم.

• الخلاصة: قال شيخنا مع الباحث أبي سهل مصطفى الربعي بتاريخ الخميس 19/ من ذي الحجة 1442 موافق 29/ 7/ 2021 م: في هذا الحديث لفظتان صحيحتان:

1 -

نهى عن بيع الماء من طريق ابن جريج.

ص: 402

2 -

نهى عن بيع ضراب الجمل وبيع الماء من طريق ابن جريج كذلك وهما عند مسلم.

• وأما حديث إياس بن عبدٍ فأخرجه أبو داود في «سننه» رقم (3478) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ» وتابع داود ابن جريج وابن عيينة.

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ أبي سهل مصطفى الربعي بتاريخ الخميس 19/ من ذي الحجة 1442 موافق 29/ 7/ 2021 م: سنده صحيح. وقال ابن حزم في «المحلى» (2/ 135): بعد نقله عن أربعة من الصحابة رضي الله عنهم: فهو نقل تواترَ لا تحلُّ مخالفته.

• فائدة: قال الترمذي: وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ؛ أَنَّهُمْ كَرِهُوا بَيْعَ المَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسحَاقَ.

وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي بَيْعِ المَاءِ، مِنْهُمْ الحَسَنُ البَصْرِيُّ.

ص: 403

‌شراكة الناس في الماء

• قال الإمامُ أحمدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا ثَوْرٌ الشَّامِيُّ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي خِدَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ»

(1)

.

رواه حَريزُ بنُ عثمانَ، واختُلِف عليه في لفظِه:

فرواه عليُّ بنُ الجعدِ وعيسى بنُ يونسَ، كما عندَ أبي داودَ (3477)، وثورٌ الشاميُّ، كما عندَ أحمدَ (23082) وغيرِه.

ثلاثتُهم عنه عن أبي خِدَاشٍ عن رجلٍ من المهاجرين من أصحابِ النبيِّ رضي الله عنهم، به.

وخالفَهم يَزيدُ بنُ هارونَ، كما في «الأموالِ» (737) فقال:(الناسُ) بدلَ (المسلمون).

• وكتب شيخنا مع الباحث حازم بن مسعد بتاريخ في شهر محرم 1443: لمتوقف أن يتوقف بسبب أبي خداش لم يرو عنه غير حريز بن عثمان ولم يوثق إلا كلام مطلق إذ قال أبو داود مشايخ حريز كلهم ثقات ولم يرو عنه غير حريز. والله أعلم.

(1)

قال شيخنا أبو عبد الله مصطفى بن العدوي حفظه الله: كان الشيعيون يستدلون بهذا الحديث على الشراكة في كل شيء.

ص: 404

• ورواه رجلٌ من أهلِ الشامِ عن أبي عثمانَ عن أبي خِراشٍ مرسلًا. ذكره ابنُ أبي حاتمٍ في «العللِ» (945) وصَوَّب الوصلَ، حيث قال: وأبو خِراشٍ لم يدركِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، إنما يَحكي عن رجلٍ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كذلك حَدَّثَنا أبو اليمانِ وعليُّ بنُ الجعدِ عن حَريزٍ، كما وصفتُ.

• وقال الشيخ الألباني رحمه الله في «الإرواء» (1552): وهو بهذا اللفظِ شاذٌّ؛ لمخالفتِه للفظِ الجماعةِ: «المسلمون» فهو المحفوظُ؛ ولأن مَخرجَ الحديثِ واحدٌ، وروايةُ الجماعةِ أصحُّ.

ورُوِي الحديثُ باللفظين من حديثِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما.

أخرجه ابن ماجه (2472) وغيرُه، بلفظِ:«الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي المَاءِ، وَالكَلإِ، وَالنَّارِ، وَثَمَنُهُ حَرَامٌ» وفي (جزءِ أبي سعيدٍ الأشجِّ» (5) بلفظِ: «الناسُ» .

ومَدارُه على عبدِ اللهِ بنِ خراشٍ عن العوامِ بنِ حوشبٍ. وقال البخاريُّ: عبدُ اللهِ بنُ خِراشٍ عن العوامِ بن حوشبٍ: منكرُ الحديثِ.

وورد بلفظِ: «المسلمون

وزيادة: الملح» من حديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أخرجه الطبراني وفي سنده يحيى الحماني ضعيف وشيخه قيس بن الربيع ضعيف لا يحتج به.

وأخرجه أيضًا الدارقطني في «غرائب مالك» وفي سنده أبو يحيى عبد الحكم المروزي ضعيف.

ص: 405

• وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجة (2473) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ» .

وخالف محمد بن يزيد في اللفظ اثنان:

1 -

الإمام أحمد (7324) بلفظ: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» .

2 -

وتابعه هشام بن عمار أخرجه ابن ماجه (2478).

• ورواه ثلاثة: الليث بن سعد وسفيان الثوري والإمام مالك عن أبي الزناد كلفظ الإمام أحمد.

ورواه أبو سلمة عن أبي هريرة بلفظ: «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ» أخرجه البخاري (2354) ومسلم (1566).

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ حازم بن مسعد بتاريخ 5 صفر 1443 موافق 12/ 9/ 2021 م: وهم من روى الحديث بلفظ ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنار سواء كان الواهم سفيان بن عيينة أو الراوي عنه.

ص: 406

‌إذا حَرَّم الله شيئًا حَرَّم ثمنه

• قال البخاري رقم (2223): حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ خَمْرًا، فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ! حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا» وأخرجه مسلم رقم (1582).

• قال أبو داود، رقم (3488): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، أَنَّ بِشْرَ بْنَ الْمُفَضَّلِ، وَخَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَاهُمُ الْمَعْنَى، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ بَرَكَةَ، قَالَ مُسَدَّدٌ: فِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَرَكَةَ أَبِي الْوَلِيدِ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا عِنْدَ الرُّكْنِ. قَالَ: فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَضَحِكَ، فَقَالَ:«لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ - ثَلَاثًا - إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ، فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ» وَلَمْ يَقُلْ فِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانِ: «رَأَيْتُ» وَقَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ» .

• الخلاصة: أن رواية طاوس ومَن تابعه؛ أصح لأمور:

1 -

كَوْنُهم أصحابَ ابن عباس.

2 -

روايتهم في الصحيحين.

ص: 407

3 -

بركة أبو الوليد

(1)

ليس من مشاهير أصحاب ابن عباس، ولم أقف على أحد صَرَّح بسماعه من ابن عباس

(2)

وتَفرَّد بالرواية عنه خالدٌ الحَذَّاء مع توثيق أبي زُرعة له؛ لذا كانت رواية بركة مرجوحة وإن كانت تقعيدًا مع اتساع مخرجها.

• الخلاصة: كَتَب شيخنا مع الباحث/ عزت بن عبد الجواد بن خلاف: الأثبات من أصحاب ابن عباس لم يَذكروا الزيادة عنه.

(1)

كما صوبه أبو زُرْعَة في «العلل» لابن أبي حاتم (4/ 431) سُئل

عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاء، عَنْ أَبِي العُرْيان المُجَاشِعي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: عَنْ بَرَكَةَ أَبِي الْوَلِيدِ، وَهِمَ فِيهِ هُشَيم.

(2)

وإن كان في «مسند أحمد» رقم (2678): حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ بَرَكَةَ بْنِ الْعُرْيَانِ الْمُجَاشِعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ ? إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ، حَرَّمَ ثَمَنَهُ» .

ص: 408

‌ثمن الكلب والسنور

• قال الإمام مسلم رقم (1569): حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ

(1)

، قَالَ:«زَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ» .

رواه عن جابر رضي الله عنه اثنان: أحدهما أبو الزبير، والآخَر أبو سفيان.

أما الأول، فرواه عنه جماعة، منهم مَعْقِل بن يسار. أخرجه مسلم (1569) وغيره كما هنا.

• وعِلة هذا الطريق ضعف مَعْقِل في أبي الزبير، فقد قال ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (2/ 793): كان أحمد يُضَعِّف حديثه عن أبي الزبير خاصة، ويقول: يُشْبِه حديثه حديث ابن لَهيعة

إلى أن قال: ومما أُنْكِرَ على (معقل)

وذَكَر له ثلاثة أحاديث، هذا منها.

ومنهم: عمر بن زيد الصنعاني. أخرجه أحمد (14166)، وفيه:«نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْهِرِّ» وعبد الرزاق في «مصنفه» رقم (8749) بلفظ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْهِرِّ، وَأَكْلِ ثَمَنِهِ» .

(1)

السِّنَّوْرُ: الهر، والأنثى (سِنَّوْرَةٌ) قال ابن الأنباري: وهما قليل في كلام العرب، والأكثر أن يقال: هرّ وضيون، والجمع (سَنَانِيرُ). انظر:«المصباح المنير» (ص: 152).

ص: 409

وقال ابن حِبان في عمر بن زيد: يتفرد بالمناكير عن المشاهير، حتى خَرَج عن حد الاحتجاج به.

ومنهم: الحسن بن أبي جعفر. أخرجه أحمد (14411) وغيره، وفيه:«نهى عن ثمن الكلب والهر إلا المُعَلَّم» والحسن ضعيف.

ومنهم: خَيْر بن نُعَيْمٍ الحضرمي. أخرجه الدارقطني (3061)، والطبراني في «الأوسط» (1237)، وفيه:«نَهَى عن ثمن السِّنَّوْر» وهي الهرة.

قال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن حَيْوة إلا وهب بن راشد.

ووَهْب ذَكَره العُقَيْلي في «الضعفاء» وغَمَزه ابن أبي مريم. وقال ابن حِبان: يخطئ. وقال أبو حاتم: محله الصدق.

ومنهم: ابن لَهيعة. أخرجه أحمد (14652): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، وعَنْ خَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ» . وابن لَهيعة ضعيف.

ومنهم: حماد بن سلمة. أخرجه النَّسَائي (4295 - 4668)، والطحاوي في «شرح مُشْكِل الآثار» (4663)، وغيرهما، من طرق عنه، وفيه:«نَهَى عن ثمن الكلب والسِّنَّوْر إلا كلب صيد» .

قال النَّسَائي: هذا منكر. وقال مرة: ليس هو بصحيح.

وأما طريق أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه، فرواه الأعمش عن جابر. وأخرى عن أبي سفيان. وثالثة عن بعض أصحابه. ورابعة أظن أبا سفيان.

ص: 410

أخرجه الترمذي (1279)، وأبو داود (3479)، وغيرهما، من طرق عن الأعمش.

قال الترمذي: هذا حديث في سنده اضطراب، ولا يصح في ثمن السِّنَّوْر.

• والخلاصة: أن الخبر معل من طريقيه، والنهي عن ثمن الكلاب ثابت من وجوه أخر.

منها: حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، وفيه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ

» أخرجه البخاري (2237) ومسلم (1567).

ومنها: حديث أبي جُحيفة رضي الله عنه، وفيه:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ» أخرجه البخاري (2238).

ومنها: حديث رافع بن خَدِيج رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ» أخرجه مسلم رقم (1568).

ص: 411

‌النهي عن بيعتين في بيعة

• ورد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم:

الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه. أخرجه أبو داود في «سننه» رقم (3461) - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا»

وخالف يحيى بن زكريا في اللفظ الجماعة فلم يذكروا: «فله أوكسهما أو الربا» .

1 -

يحيى القطان أخرجه أحمد في «مسنده» رقم (9584) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ: أَنْ يَشْتَمِلَ أَحَدُكُمُ الصَّمَّاءَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ يَحْتَبِيَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ "

2 -

تابعه عبد الوهاب بن عطاء أخرجه أبو يعلى (6124) نحوه.

3 -

وتابعهم يزيد بن هارون أخرجه أحمد (10535) وزاد (

وعن الصماء اشتمال اليهود).

4 -

عبدة بن سليمان أخرجه الترمذي (1231) بلفظ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» .

ص: 412

وخالفهم جميعا خمسة - حفص بن عاصم كما عند البخاري (584) ومسلم (1511) ولفظ البخاري: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ صَلَاتَيْنِ: نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَعَنْ الِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَعَنِ المُنَابَذَةِ، وَالمُلَامَسَةِ"

والأعرج عبد الرحمن بن هرمز كما عند البخاري (368) ومسلم (1511) ولفظ البخاري: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنِ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ» وعطاء بن ميناء كما عند البخاري (1993) ومسلم (1511) ولفظ البخاري " يُنْهَى عَنْ صِيَامَيْنِ، وَبَيْعَتَيْنِ: الفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَالمُلَامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ " ومحمد بن سيرين كما عند البخاري (2145) وأحمد (10750) ولفظ البخاري «نُهِيَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، ثُمَّ يَرْفَعَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ» وأبي صالح كما عند مسلم (1511) بمثل لفظ الأعرج.

• وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه البخاري (2147) ومسلم (1512) واللفظ لمسلم: «نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَلِبْسَتَيْنِ، نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ» ، وَالْمُلَامَسَةُ: لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، وَلَا يَقْلِبُهُ إِلَّا بِذَلِكَ.

وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ، وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ ".

• والخلاصة: أن رواية محمد بن عمرو فيها وهم وقد اختلف عليه في

ص: 413

اللفظ والصواب رواية الصحيحين وحكم العلامة مقبل بن هادي رحمه الله في «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» (464) على لفظة «فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا» بالشذوذ.

وكتب شيخنا مع الباحث محمد بن يحيى البسيوني عن لفظة: «فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا» تفرد محمد بن عمرو وتورد سائر طرق حديث نهى عن بيعتين في بيعة وهل ضعفه بعض العلماء راجع التلخيص الحبير ونصب الراية.

وقال مع الباحث بتاريخ 2 محرم 1442 موافق 10/ 8/ 2021 م: يصح لشواهده.

• تفاسير أهل العلم بيعتين في بيعة على فرض ثبوتها:

• قال الترمذي في «سننه» (3/ 525 (قد فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ قَالُوا: بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنَقْدٍ بِعَشَرَةٍ، وَبِنَسِيئَةٍ بِعِشْرِينَ، وَلَا يُفَارِقُهُ عَلَى أَحَدِ البَيْعَيْنِ، فَإِذَا فَارَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا بَأْسَ إِذَا كَانَتِ العُقْدَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا.

• قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَمِنْ مَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعَكَ دَارِي هَذِهِ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي غُلَامَكَ بِكَذَا، فَإِذَا وَجَبَ لِي غُلَامُكَ وَجَبَ لَكَ دَارِي، وَهَذَا يُفَارِقُ عَنْ بَيْعٍ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَلَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَتُهُ "

• قال البيهقي في «السنن الكبرى» (5/ 561 (: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ رحمه الله فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكُومَةً فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَأَنَّهُ أَسْلَفَ دِينَارًا فِي قَفِيزِ بُرٍّ إِلَى شَهْرٍ، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ وَطَالَبَهُ بِالْبُرِّ، قَالَ لَهُ: بِعْنِي

ص: 414

الْقَفِيزَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ بِقَفِيزَيْنِ إِلَى شَهْرَيْنِ، فَهَذَا بَيْعٌ ثَانٍ قَدْ دَخَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْأَوَّلِ، فَصَارَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَيُرَدَّانِ إِلَى أَوْكَسِهِمَا وَهُوَ الْأَصْلُ فَإِنْ تَبَايَعَا الْبَيْعَ الثَّانِيَ قَبْلَ أَنْ يَتَنَاقَضَا الْبَيْعَ الْأَوَّلَ كَانَا مُرْبِيَيْنِ.

• وفي «التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس» (2/ 108 (: ولا يجوز بيعتان في بيعة واحدة، وذلك أن يبيع مثمنًا واحدًا بأحد ثمنين مختلفين، أو يبيع أحد مثمنين مختلفين بثمن واحد. ولا بأس ببيع مثمنين متفقين بثمن واحد. ولا يجوز أن يبيع عارضًا بدينار نقدًا أو باثنين إلى أجل، وإن فات رد قيمته.

ص: 415

‌بيع العربون

(1)

• صورته: أن يعطي شيئاً على أنه إن كره البيع أو الإجارة لم يعد إليه.

• وقال ابن رشد في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (3/ 181): وَصُورَتُهُ: أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ شَيْئًا فَيَدْفَعُ إِلَى الْمُبْتَاعِ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ إِنْ نَفَذَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا كَانَ ذَلِكَ الْمَدْفُوعُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفَذْ تَرَكَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْجُزْءَ مِنَ الثَّمَنِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ.

• أدلته: ورد حديثان ضعيفان في بيع العربون:

أحدهما بالحل عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَحَلَّ الْعُرْبَانَ فِي الْبَيْعِ

(2)

. وورد عن عمر وصح عن ابنه بلفظ: «نتبايع بالثياب» والدلالة منه غير واضحة.

• قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (23662) - حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ اشْتَرَى دَار السَّجْنِ

(1)

العربون فيه ست لغات: عُربون وعَربون وعُربان، وبالهمزة موضع العين في الثلاثة. كما في «التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب» (5/ 356).

(2)

مرسل صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (23656) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ به.

وأخرجه أيضًا رقم (23661) - حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَحَلَّ الْعُرْبَانَ فِي الْبَيْعِ.

ص: 416

مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ لَهُ، وَإِنْ عُمَرَ لَمْ يَرْضَ فَأَرْبَعُ مِئَةٍ لِصَفْوَانَ.

وإسناده ضعيف؛ لأن عبد الرحمن بن فروخ ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن ابن حجر مقبول.

• وقال عبد الرزاق في «مصنفه» (9435) وَقَالَ الثَّورِيُّ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبدِ الْحَارِثِ، اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارَ السِّجْنِ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَإِنْ عُمَرُ رَضِيَ، فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ، وَإِنْ عُمَرُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْعِ، فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِئَةِ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَهَا عُمَرُ. ويتأمل سماع سعيد بن مسروق من نافع رضي الله عنه.

• الدليل الثاني للقول الثاني في المسألة:

• ما أخرجه مالك في موطئه رقم (2/ 609) عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ» قَالَ مَالِكٌ: «وَذَلِكَ فِيمَا نُرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ أَوْ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ، ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ تَكَارَى مِنْهُ أُعْطِيكَ دِينَارًا، أَوْ دِرْهَمًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ، عَلَى أَنِّي إِنْ أَخَذْتُ السِّلْعَةَ أَوْ رَكِبْتُ مَا تَكَارَيْتُ مِنْكَ، فَالَّذِي أَعْطَيْتُكَ هُو مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ مِنْ كِرَاءِ الدَّابَّةِ، وَإِنْ تَرَكْتُ ابْتِيَاعَ السِّلْعَةِ أَوْ كِرَاءَ الدَّابَّةِ، فَمَا أَعْطَيْتُكَ لَكَ بَاطِلٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ»

(1)

.

• ووردت الكراهة عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(1)

إسناده ضعيف لجهالة الثقة وإن كان نص عليه ابن عبد البر في «الاستذكار» (6/ 263 - 265) فقال:

ص: 417

• أقوال العلماء:

• وقال ابن رشد في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (3/ 181): فَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ; وَحُكِيَ عَنْ قَوْمٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ، مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ،

; وَإِنَّمَا صَارَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَنْعِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ، وَأَكْلِ الْمَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَانَ زَيْدٌ يَقُولُ: أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ: ذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

• وقال ابن قدامة في «المغني» (6/ 331): قال أحمد لا بأس به وفعله عمر رضي الله عنه وعن ابن عمر أنه أجازه.

• وقال المرداوي في «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» (4/ 357): الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ بَيْعَ الْعُرْبُونِ صَحِيحٌ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

• الخلاصة: لم يصح فيه خبر وعليه فقال شيخنا مع الباحث/ محمود السجاعي: كل مسألة لها حكمها هل حدث ضرر أو لا والضرر يزال. بتاريخ ذي الحجة 1442 موافق/ شهر يوليو 2021 م.

ص: 418

‌الشرط الجزائي

• اختلف فيه المعاصرون فمنهم من منعه مطلقا؛ لأن الأصل في الأموال الحرمة فلا تؤخذ إلا بحق؛ ولأنه يؤدي إلى أكل المال بالباطل. إلا أن يثبت ضرر فيقدر بقدره. انظر: «بحث د سلمان بن صالح الدخيل» (ص/ 18 - 19).

ومنهم من قال بالجواز إيجابا لحفظ الأموال وعدم التلاعب إلا أن يثبت عذر للطرف المشترط عليه فيسقط الشرط وهذا راجع لفصل القضاء.

واستدلوا بعموم أدلة الوفاء بالوعود والعهود والأحاديث التي في الشروط كحديث بريرة وجمل جابر رضي الله عنه وفي الباب قصة شريح القاضي في كراء الركاب. والقياس على العربون في المنع والتجويز كما سبق. وانظر: «أبحاث هيئة كبار العلماء» (1/ 152).

• وقال شيخنا مع الباحث هاني العشماوي بتاريخ 2 صفر 1443 موافق 9/ 9/ 2021 م: لابد من التفصيل في الشرط الجزائي فما كان من ربا فيرد وأما عقود الاستصناع وما كان فيها من إهمال فيقع الشرط. ا هـ.

• تنبيه: قد يكون البيع والشرط باطلان وقد يكونا صحيحين وقد يكون البيع صحيحا والشرط باطلا.

• قال الطبراني في (4361) - حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَيُّوبَ الْقِرَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ فَوَجَدْتُ بِهَا أَبَا حَنِيفَةَ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَابْنَ شُبْرُمَةَ، فَسَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، قُلْتُ: مَا

ص: 419

تَقُولُ فِي رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا وَشَرَطَ شَرْطًا؟ قَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ جَائِزٌ.

فَقُلْتُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ، ثَلَاثَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ اخْتَلَفْتُمْ عَلَيَّ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ.

فَأَتَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا؛ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ. الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.

ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لا أَدْرِي مَا قَالا؛ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ، فَأُعْتِقَهَا. الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.

ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالا؛ حَدَّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَاقَةً وَشَرَطَ لِي حُمْلانَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ جَائِزٌ.

- لَمْ يَرْوِ هَذا الحَديث عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، إِلاَّ عَبْدُ الْوَارِثِ.

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث هاني العشماوي بتاريخ الخميس 16 صفر 1443 موافق 23/ 9/ 2021 م: لفظة نهى عن بيع وشرط بإفراد شرط لا تصح من الوجه الذي أتى به الشيخ هاني وفقه الله. ا هـ.

وانظر كلاما نفيسًا للعلامة الألباني في «السلسلة الضعيفة» (491).

ص: 420

‌بركة الإتجار في الغَنَم

• قال الإمام أحمد، رقم (27381): حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّخِذُوا الْغَنَمَ فَإِنَّ فِيهَا بَرَكَةً» .

• وتابع أبا معاوية وكيع، كما عند ابن ماجه (2307).

• وتابعهما إسماعيل بن عياش، كما عند الطبراني (1040).

• وخالفهم يحيى بن سعيد القطان وعَبْدة بن سليمان، فأرسلاه، أخرجه إسحاق في «مسنده» (4130).

• وتابعهما عثمان بن مِكْتَل، كما عند الدارقطني في «علله» (4072).

وخالف الجميعَ ابنَ الهاد، فجعله من مسند عائشة.

ورواية الجماعة أصح، وكذا الدارقطني في «عِلله» لكن الأصح المرسل إِنْ حَفِظه هشام، فقد قال الشيخ مقبل

(1)

: فتصحيحه متوقف على إثبات سماع عروة من أم هانئ رضي الله عنها، ولم يَثبت.

• الخلاصة: انتهى شيخنا مع الباحث/ أيمن بن عطية إلى أن الإرسال أصح.

ص: 421

‌بيع السَّلَم

• تعريف السلم

(1)

• قال الفيومي في «المصباح المنير» (1/ 286)(م/ س ل م): السَّلَمُ فِي الْبَيْعِ مِثْلُ: السَّلَفِ وَزْنًا وَمَعْنًى وَأَسْلَمْتُ إلَيْهِ بِمَعْنَى أَسْلَفْتُ أَيْضًا

• قال ابن قدامة: وهو أن يسلم عوضا حاضرًا، في عوض موصوف في الذمة إلى أجل، ويُسمى سَلَما، وسَلَفا. يقال: أسلم، وأسلف، وسلف. وهو نوع من البيع، ينعقد بما ينعقد به البيع، وبلفظ السلم والسلف، ويعتبر فيه من الشروط ما يعتبر في البيع

(2)

.

•حكم السلم.

جائز بالكتاب والسنة والإجماع.

• أما الكتاب فقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في السلم، في كيل معلوم إلى أجل معلوم

(3)

.

(1)

قال الماوردى: السلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق. «المجموع» (13/ 94) وأفادني العلامة عبد العزيز الفيومي أن السلم عندهم يسمى الرَّميّة.

(2)

«المغني» (4/ 207).

(3)

إسناده صحيح: أخرجه الطبري (6318، 6319) من طريق محمد بن محبب وزيد بن أبي الزرقاء وابن المبارك هؤلاء الثقات عن سفيان هو الثوري عن أبي حيان هو يحيى بن سعيد الكوفي عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس رضي الله عنهما به وزيد لم يسم ابن أبي نجيح في روايته بل قال: رجل. والمبهم محمول على المظهر.

وخالفهم يحيى بن عيسى الرملي فأسقط أبا حيان واتفق معهما في إثبات ابن أبي نجيح أخرجه الطبري (6319) ويحيى بن عيسى ضعيف.

قال ابن عاشور في «التحرير والتنوير» (3/ 99): ومعنى كلامه أن بيع السلم سبب نزول الآية، ومن المقرر في الأصول أن السبب الخاص لا يخصص العموم.

ص: 422

• وأما السنة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِى الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَقَالَ «مَنْ أَسْلَفَ فِى تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِى كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»

(1)

.

• عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ قَالَ أَرْسَلَنِي أَبُو بُرْدَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى فَسَأَلْتُهُمَا عَنْ السَّلَفِ فَقَالَا كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّأْمِ فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى قَالَ قُلْتُ أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ قَالَا مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ

(2)

.

• وأما الإجماع، فقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري (2135) ومسلم (4202).

(2)

أخرجه البخاري (2136).

(3)

«المغني» (4/ 207).

ص: 423

• هل يصح دفع جزء من السلم مُقَدَّمًا ويُؤخَر الباقي؟

أولًا - الإجماع على دفع الثمن في مجلس العقد فقد قال ابن المنذر في «الإجماع» (ص: 110): أجمعوا على أن السلَم الجائز أن يُسلم الرجل صاحبه في طعام معلوم موصوف من طعام أرض عامة لا يُخطئ مثلها، بكيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم، ودنانير ودراهم معلومة يدفع ثَمن ما أسلم فيه قبل أن يتفرقَا من مقامهما الذي تبايعَا فيه، ويُسميان المكان الذي يقبض فيه الطعام، فإذا فعلَا ذلك وكانا جائزي الأمر، كان صحيحًا.

وقالت المالكية بجواز تأخير المبلغ ثلاثة أيام أو نحوها

(1)

.

ثانيًا - ذهب الجمهور إلى أنه إن دفع جزءًا من المبلغ ولم يَدفع الباقي، صح فيما دفع وبَطَل فيما سواه. بينما ذهبت المالكية والظاهرية إلى بطلان العقد؛ لأن العقد بدأ على دَيْن بدَيْن.

أفاده الباحث محمد الغَنَّامي (11) ربيع الآخِر (1441 هـ) المُوافِق (8/ 12/ 2019 م).

(1)

قال ابن أبي زيد القيرواني في «الرسالة» (ص: 107): ولا بأس بالسلم في العروض والرقيق والحيوان والطعام والإدام بصفة معلومة وأجل معلوم ويعجل رأس المال أو يؤخره إلى مثل يومين أو ثلاثة وإن كان بشرط وأجل السلم أحب إلينا أن يكون خمسة عشر يوما أو على أن يقبض ببلد آخر وإن كانت مسافته يومين أو ثلاثة ومن أسلم إلى ثلاثة أيام يقبضه ببلد أسلم فيه فقد أجازه غير واحد من العلماء وكرهه آخرون.

ص: 424

‌كتاب الربا

(1)

• تعددت عقوبات المرابين فتارة تمحق فوائدهم وأخرى يلعنون وثالثة يهلكون أنفسهم ورابعة يحاربون الله وخامسة: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} والعياذ بالله وهاك الآيات على الترتيب الزمني:

قال تعالى في اليهود: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161]

(2)

.

وقال تعالى في القرآن المكي: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39]

(3)

.

(1)

الربا لغةً: الفضل والزيادة ومن هذه المادة قوله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] وقوله: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92] وهو مقصور على الأشهر ومثناه: ربوان والنسبة إليه: رِبوي على لفظه لا رَبَوي بالفتح.

وشرعًا: الزيادة في أشياء مخصوصة.

(2)

قال أبو حيان (ت: 745) في «البحر المحيط» (4/ 133): والربا محرم في جميع الشرائع.

(3)

أخرج الطبري (20/ 104) وابن أبي شيبة في «المصنف» (23117) من طرق عن سفيان عن منصور بن بْن عَبْد الرحمن الحجبي، عن سعيد بن جُبَير في الآية: هو الرجل يعطي الرجلَ العطية ليثيبَهُ. وإسناده صحيح.

ص: 425

وقال عز من قائل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130]

(1)

وقال جل ذكره في القرآن المدني: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 275، 276]

(1)

قال ابن عطية «المحرر الوجيز» (1/ 506): هذا النهي عن أكل الربا اعتراض أثناء قصة «أحد» ، ولا أحفظ سببا في ذلك مرويا.

و قال ابن عاشور في «التحرير والتنوير» (4/ 84) يتجه أن يسأل سائل عن وجه إعادة النهي عن الربا في هذه السورة بعد ما سبق من آيات سورة البقرة - بما هو أوفى مما في هذه السورة.

فالجواب: أن الظاهر أن هذه الآية نزلت قبل نزول آية - سورة البقرة - فكانت هذه تمهيدا لتلك، ولم يكن النهي فيها بالغا ما في - سورة البقرة - وقد روي أن آية البقرة نزلت بعد أن حرم الله الربا وأن ثقيفا قالوا: كيف ننهى عن الربا، وهو مثل البيع، ويكون وصف الربا بـ أضعافا مضاعفة نهيا عن الربا الفاحش وسكت عما دون ذلك مما لا يبلغ مبلغ الأضعاف، ثم نزلت الآية التي في - سورة البقرة - ويحتمل أن يكون بعض المسلمين داين بعضا بالمراباة عقب غزوة أحد فنزل تحريم الربا في مدة نزول قصة تلك الغزوة

ص: 426

وقال تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279].

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» وذكر منها: «وَأَكْلَ الرِّبَا»

(1)

• وعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ

(2)

(3)

.

• وعَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ

(4)

.

• وعن جابر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ»

(5)

.

(1)

أخرجه البخاري (2766) ومسلم (272).

(2)

أصلها مؤكله أي: مؤكل وقلبت الهمزة واوًا لسكونها بعد ضمة.

(3)

أخرجه البخاري (5347)

(4)

أخرجه مسلم (4177).

وأخبر عن الجمع: (هم) بالمفرد (سواء) لأن سواء اسم مصدر واسم المصدر لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث لأنه في الأصل اسم جنس وما ورد من جمعه في لغة بعض الأحيان فالدلالة على التنوع كالجنيات والحدود.

(5)

أخرجه مسلم (1218).

ص: 427

• وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلَ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ

(1)

فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا

(2)

.

• وأما الإجماع فقال ابن قدامة: أجمعت الأمة على أن الربا محرم

(3)

.

ومن الإسرائليات ما صح عن كعب الأحبار قال الإمام أحمد رقم (21957) - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ، أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً» وتابع جريرا ليث بن أبي سليم اخرجه الدارقطني في «سننه» رقم (2845) وغيره

(4)

.

• ورواه ثلاثة:

1 -

بكار بن عبد الله اليماني أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (16173).

2 -

عبد العزيز بن رفيع أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (16174) وابن أبي شيبة في «مصنفه» (23399).

(1)

تامة.

(2)

أخرجه البخاري (2085).

(3)

«المغني لابن قدامة» (4/ 3).

(4)

وذكر البزار في «مسنده» واسطة بين ابن أبي مليكة وعبد الله بن حنظلة.

ص: 428

3 -

ابن جريج أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (2/ 261).

هؤلاء الثلاثة عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن حنظلة عن كعب الأحبار قوله.

وخالف هؤلاء عمران بن أنس فقال عن ابن أبي مليكة عن عائشة أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» والعقيلي في «الضعفاء» (3/ 296).

وعمران بن أنس ضعيف وقال فيه البخاري: منكر الحديث.

ورواية الجماعة أصح وأعل المرفوع أبوحاتم والعقيلي والدارقطني.

• الخلاصة: كتب شيخنا مع أبي البخاري بتاريخ الاثنين 6/ صفر 1443 موافق 13/ 9/ 2021 م: أصحاب بن أبي مليكة رووه من كلام كعب.

• تنبيه: هذا مثال للإسرائليات التي رويت ونسبت إلى رسول الله خطأ.

ص: 429

‌الربا في التمر

• قال عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (14191) - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ تَمْرًا أَجْوَدَ مِنْ تَمْرِهُمْ، فَقَالَ:«مِنْ أَيْنَ هَذَا؟» فَقَالُوا: أَبْدَلَنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَقَالَ:«لَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ» .

وخالف معمرا الجماعة - هشام ويزيد بن هارون والأوزاعي أخرجه أحمد (11475، 11700) وإبراهيم النقاد كما في «فوائد دحيم» (21) وحرب بن شداد كما عند أبي عوانة (5440) - بلفظ: «لا صاعي تمر بصاع ولا صاع حنطة بصاع ولا درهمين بدرهم» .

• وقال ابن حزم في «المحلى» (8/ 481): هذا خبر اختصره معمر عن يحيى بن أبى كثير أو وهم فيه بيقين لا إشكال فيه فرواه ابن أبى زائدة عن محمد بن عمر، وأو وهم فيه على ما ذكرنا قبل لأن هذا خبر رواه عن يحيى بن أبى كثير بإسناده الأوزاعي. وهشام الدستوائى. وشيبان بن فروخ وليس هشام والأوزاعي دون معمر إن لم يكن هشام أحفظ منه.

• تنبيه: اختلف على شيبان فرواه عبيد الله بن موسى موافقا لرواية الجماعة كما عند مسلم ونص عليه ابن حزم.

وخالفه أبو نعيم أخرجه االبخاري رقم (2080) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الجَمْعِ،

ص: 430

وَهُوَ الخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ، وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ» .

• وخالف البخاري اثنان:

1 -

أبو أمية محمد بن إبراهيم الثغري أخرجه أبو عوانة (5872) إسناده صحيح.

2 -

أحمد بن محمد البرتي أخرجه البيهقي (10641) وإسناده حسن.

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ محمد بن أحمد بن محمد بن خليل الشيباني بتاريخ 5 صفر 1443 موافق 12/ 9/ 2021 م: رواية الجماعة عن يحيى أولى والله أعلم.

• تنبيه: روى الخبر عن أبي سعيد بألفاظ ليس فيها هذا اللفظ.

ص: 431

‌كتاب الإجارة

‌أخذ الأجرة على تعليم القرآن

• أشهر دليل للجمهور

(1)

في تجويز أخذ الأجرة على تعليم القرآن قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ»

(2)

.

• قال الإمام أحمد في «مسنده» رقم (15273) - حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَفِينَا الْعَجَمِيُّ، وَالْأَعْرَابِيُّ، قَالَ: فَاسْتَمَعَ فَقَالَ: «اقْرَءُوا فَكُلٌّ حَسَنٌ، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ الْقِدْحُ يَتَعَجَّلُونَهُ

(3)

، وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ».

(1)

وَاسْتَدَلَّ بِهِ - أي حديث أحق ما أخذتم - لِلْجُمْهُورِ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَمَنَعُوهُ فِي التَّعْلِيمِ وَأَجَازُوهُ فِي الرُّقَى كَالدَّوَاءِ قَالُوا لِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ وَالْأَجْرُ فِيهِ على الله وَهُوَ الْقيَاس فِي الرُّقَى إِلَّا أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ فِيهَا لِهَذَا الْخَبَرِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْأَجْرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الثَّوَابِ وَسِيَاقُ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ يَأْبَى هَذَا التَّأْوِيلَ. «فتح الباري» (4/ 453).

(2)

أخرجه البخاري (5737) وقال المفهم لأبي العباس القرطبي ط ابن كثير بالحواشي (5/ 588)

أمَّا الأجرة على تعليم القرآن: فأجازها الجمهور من السلف والخلف متمسكين بهذا الحديث

إلخ.

(3)

قوله: "يتعجلونه" يقال: أعجله وتعجله وعجله تعجيلَا، إذا استحثه، والمراد يتعجلون أجره في الدنيا، ويطلبون على قراءتهم أجرة من الأعراض الدنياوية، ولا يصبرون إلى الأجر والثواب الذي يحصل لهم في دار الآخرة، وقد وقع مثل ما قال عليه السلام. انظر: في «شرح أبي داود» (4/ 12 (للعيني.

ص: 432

وتابع حميد أسامة بن زيد الليثي أخرجه أحمد (14855).

• وخالفهما اثنان فأرسلاه:

1 -

سفيان الثوري أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (31998) - حَدَّثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اقَرَؤُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللهَ بِهِ، فَإِنَّهُ سَيَقْرَؤُهُ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ إِقَامَةَ الْقِدْحِ يَتَعَجَّلُونَهُ، وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ» .

2 -

سفيان بن عيينة أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (3/ 382) وسعيد بن منصور في «تفسيره» (30).

• الخلاصة: كتب شيخنا مع الباحث/ صالح بن أحمد 28 صفر 1443 موافق 5/ 10/ 2021 م: الصواب مرسل. ا هـ. وأكد هذه النتيجه مع الباحث محمود بن نصر الشاذلي البحراوي بتاريخ 19 ربيع أول 1443 موافق 25/ 10/ 2021 م.

وله من حديثي أنس وسهل بن سعد وإسنادهما ضعيف وثالث من حديث حذيفة يحرر فيه نسبة أبي عمار وأصله في مسلم رقم (1400) دون الشاهد من طريق أبي وائل عن ابن مسعود.

ص: 433

ثم أكد هذه النتيجة مع الباحث/ محمد البسيوني بتاريخ 15 ربيع أول 1443 موافق 21/ 10/ 2021 م: عن حديث حذيفة المرفوع ضعيف إذا صحت المقولة في توثيق أبي عمار وسماعه من حذيفة فيصح موقوفُا والله أعلم.

ص: 434

‌بيع عسب الفحل

• أَخْرَجَ الطحاوي في «شرح مُشْكِل الآثار» (711) مِنْ طَرِيقِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ أَبِي كُلَيْبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:«نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَرَسِ، وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ» .

• عِلل هذا الخبر:

1 -

رواه الثوري واختُلف عليه في اللفظ، فالأكثر عنه - محمد بن يوسف ووكيع - واختُلف على ابن المبارك في وجه دون ذكر «قفيز الطحان» .

2 -

هشام أبو كُلَيْب، قال الذهبي في ترجمته من «الميزان» (5/ 61): هذا منكر، وراويه لا يُعْرَف. ا هـ. وهل هذا الراوي مشتبه مع راوٍ آخر ثقة؟

3 -

ابن أبي نُعْم المشهور أنه عبد الرحمن البَجَلي، وثقه جَمْع، بخلاف الإفريقي الضعيف. وهل رجع إليه؟

لهشام مُتابِع، وهو عطاء بن السائب، واختُلف عليه في الوصل والإرسال، والصواب: المرسل. انظر «المطالب العالية» .

• قال ابن تيمية في «الفتاوى الكبرى» (5/ 101): أما الذين قالوا: (لا يَجوز ذلك إجارة لنهيه عن قفيز الطحان) فيقال: هذا الحديث باطل، لا أصل له، وليس هو في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا رواه إمام من الأئمة، والمدينة النبوية لم يكن بها طحان يَطحن بالأجرة، ولا خباز يَخبز بالأجرة.

ص: 435

• وأيضًا: فأهل المدينة لم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مكيال يسمى (القَفيز) وإنما حَدَث هذا المكيال لَمَّا فُتحتِ العراق وضُرِب عليهم الخَرَاج، فالعراق لم يُفْتَح على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا وغيره مما يُبَيِّنْ أن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام بعض العراقيين الذين لا يُسَوِّغون مثل هذا قولًا باجتهادهم.

• الخلاصة: كَتَب شيخنا بعد مراجعته الخبر مع الباحث محمد الغَنَّامي بتاريخ (11) ربيع الآخِر (1441 هـ) المُوافِق (8/ 12/ 2019 م): رَاجِع كلام الذهبي فنراه مُسَدَّدًا في هذا، والله أعلم.

ص: 436

‌يُستحب الإعلام بالأجر دفعًا للنزاع

• قال البيهقي في «السُّنن الكبرى» رقم (11651): أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُسَاوِمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَايَعُوا بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ، وَمَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» .

• وتابع أبا حنيفة في الأرجح عنه بإسقاط الأسود بن يزيد - حماد بن سلمة، أخرجه أحمد (11171، 11279) وأبو داود في «المراسيل» (181).

• وتابعهما مَعْمَر والثوري، والأخير في وجه، كما عند عبد الرزاق (15023) والوجه الآخَر عن الثوري على الوقف، كما عند ابن أبي شيبة (21109) وتابعه شُعبة، كما عند النَّسَائي (3821).

• والخلاصة: كل طرق هذا الخبر من طريق إبراهيم النَّخَعي عن أبي سعيد وأبي هريرة أو أحدهما، إلا طريقًا عند البيهقي بإثبات واسطة بين إبراهيم النَّخَعي وأبي سعيد وأبي هريرة، ورَجَّح أبو زُرْعَة الوقف على الرفع.

قوله: «فليعلمه أجره» ظاهر الأمر الوجوب، وقد ذهب الفقهاء إلى خلافه، وسموه الإجارة الفاسدة، وإعلامه قدر أجره فيه طيبة نفسه، وإقناعه، وسد باب التشاجر بعد ذلك؛ كما في التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني (1/ 551).

ص: 437

• وقال عبد الرزاق (15024): قلت للثوري: أَسَمِعْتَ حمادًا يُحَدِّث عن إبراهيم عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال .. الحديث؟ قال: نعم. وحَدَّث به مرة أخرى، فلم يَبلغ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

• وإبراهيم النَّخَعي لم يَسمع من أبي سعيد وأبي هريرة، قاله ابن حجر. وقال العِجلي وابن المديني وأبو حاتم: إنه لم يَسمع أحدًا من الصحابة.

• وكَتَب شيخنا مع الباحث/ صالح بن أحمد السكندري، بتاريخ (30) شعبان (1442 هـ) المُوافِق (12/ 4/ 2021 م): ضعيف بسبب حماد.

ص: 438

‌أخذ الأجرة على الشهادة

• ذهب الجمهور أنه لا يحل للشاهد أخذ الأجرة على الشهادة التي تعين عليه أدائها لأن إقامتها فرض لقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]

أما إذا لم تتعين عليه وكان محتاجا وكان أدائها يستدعي ترك عمله وتحمل المشقة فالجمهور أيضًا على عدم جواز أخذ الأجرة لكن له أجرة الركوب إلى موضع الأداة لقوله تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282]

أفاده الباحث/ شريف الصابر.

ص: 439

‌الدفع على قدر المحفوظ

(1)

.

• قال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 19): كَانَ الْأَصْلُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ، أَنَّ رَجُلًا لَوِ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ سَمَّاهَا بِدِرْهَمٍ، لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ شِعْرًا بِعَيْنِهِ بِدِرْهَمٍ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ أَيْضًا، لِأَنَّ الْإِجَارَاتِ لَا تَجُوزُ إِلَّا عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ. إِمَّا عَلَى عَمَلٍ بِعَيْنِهِ، مِثْلِ غَسْلِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ عَلَى خِيَاطَتِهِ، أَوْ عَلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَعْلُومًا، أَوِ الْعَمَلُ مَعْلُومًا. وَكَانَ إِذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى تَعْلِيمِ سُورَةٍ، فَتِلْكَ إِجَارَةٌ لَا عَلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَلَا عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ، إِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَعَلَّمُ بِقَلِيلِ التَّعْلِيمِ وَبِكَثِيرِهِ، وَفِي قَلِيلِ الْأَوْقَاتِ وَكَثِيرِهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ دَاره عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، لِلْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْإِجَارَاتِ.

• تنبيه: شاع عند بعض الناس أن يستأجر شخصًا لتحفيظ ابنه القرآن ولا يعطه أجرا على حبس الوقت بل على القدر الذي يحفظه الطفل وهذا فيه غرر بالمحفظ.

(1)

هل هذه الصورة تندرج تحت باب الجعالات المعفو عنها؟.

ص: 440

• أفاده الباحث/ هاني الدميري مع شيخنا بتاريخ الخميس 19/ من ذي الحجة 1442 موافق 29/ 7/ 2021 م.

ص: 441

‌مرويات أثر علي رضي الله عنه في عمله عند اليهودي، وأنه أَخَذ أجره في الحال من اليهودي

1 -

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: «خَرَجْتُ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَخَذْتُ إِهَابًا مَعْطُونًا، فَجَوَّبْتُ وَسَطَهُ، فَأَدْخَلْتُهُ عُنُقِي، وَشَدَدْتُ وَسَطِي فَحَزَمْتُهُ بِخُوصِ النَّخْلِ، وَإِنِّي لَشَدِيدُ الجُوعِ، وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامٌ لَطَعِمْتُ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ أَلْتَمِسُ شَيْئًا، فَمَرَرْتُ بِيَهُودِيٍّ فِي مَالٍ لَهُ، وَهُوَ يَسْقِي بِبَكَرَةٍ لَهُ، فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثُلْمَةٍ فِي الحَائِطِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَعْرَابِيُّ؟! هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَافْتَحِ البَابَ حَتَّى أَدْخُلَ. فَفَتَحَ فَدَخَلْتُ فَأَعْطَانِي دَلْوَهُ، فَكُلَّمَا نَزَعْتُ دَلْوًا أَعْطَانِي تَمْرَةً، حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ كَفِّي أَرْسَلْتُ دَلْوَهُ وَقُلْتُ: حَسْبِي. فَأَكَلْتُه ثُمَّ جَرَعْتُ مِنَ المَاءِ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ جِئْتُ المَسْجِدَ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ»

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه هناد بن السري في «زهده» (2/ 385) وعنه الترمذي في «جامعه» (2473): حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، به.

وأخرجه إسحاق في «مسنده» كما في «المطالب العالية» (3157): أخبرنا وَهْب بن جَرير، ثنا أبي قال: سمعتُ محمدَ بن إسحاق به. وأَظْهَرُ علل هذا الإسناد إبهام شيخ القُرَظي.

ص: 442

2 -

عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: جِئْتُ إِلَى حَائِطٍ أَوْ بُسْتَانٍ، فَقَالَ لِي صَاحِبُهُ: دَلْوًا وَتَمْرَةً. فَدَلَوْتُ دَلْوًا بِتَمْرَةٍ، فَمَلَأْتُ كَفِّي ثُمَّ شَرِبْتُ مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِلْءِ كَفِّي، فَأَكَلَ بَعْضَهُ وَأَكَلْتُ بَعْضَهُ

(1)

.

3 -

عَنْ عَمَّارٍ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، حَتَّى جَمَعَ مِلْءَ كَفِّهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ إِلَى فَاطِمَةَ، فَقَالَ:«كُلِي وَأَطْعِمِي صِبْيَانَكِ»

(2)

.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه أحمد في «مسنده» (687) وأبو نُعيم في «الحِلية» (1/ 71) عن أسود.

وعبد الله بن أحمد في زوائده على «الفضائل» (896)، و «الزهد» (701): حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، كلاهما حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُوسَى الطَّحَّانِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنهم به.

شَريك بن عبد الله النَّخَعي مختلف فيه، وموسى الطحان وثقه ابن مَعِين، وقال أحمد: لا بأس به. ومجاهد هو ابن جَبْر، قال فيه أبو زُرْعَة: مجاهد عن علي مرسل. وقال أبو حاتم: مجاهد أدرك عليًّا، لكن لا يُذْكَر له رؤية ولا سماع.

وأخرجه البيهقي في «السُّنن الكبرى» (11650): من طريق يوسف بن يعقوب، ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن مجاهد، ذَكَر عَلِيٌّ س أَنَّهُ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَبَيْنَ يَدَيْ بَابِهَا طِينٌ، قُلْتُ:«تُرِيدِينَ أَنْ تَبُلِّي هَذَا الطِّينَ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. فَشَارَطْتُهَا عَلَى كُلِّ ذَنُوبٍ بِتَمْرَةٍ، فَبَلَلْتُهُ لَهَا وَأَعْطَتْنِي سِتَّ عَشْرَةَ تَمْرَةً، فَجِئْتُ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم».

وفي «الغيلانيات» (585) إثباتُ واسطتين بين مجاهد وعلي س، لكن في إسناده عَدِيّ بن الفضل متروك.

(2)

منقطع: أخرجه المعافى بن عمران في «الزهد» (246): أخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارٍ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، به. وعمار هو ابن أبي عمران، وثقه جَمْع، وروايته عن علي س مرسلة. وهو في «الزهد» لهناد بن السري (2/ 389).

ص: 443

4 -

عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «كُنْتُ أَدْلُو الدَّلْوَ بِتَمْرَةٍ، وَأَشْتَرِطُ أَنَّهَا جَلْدَةٌ»

(1)

.

• وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَبْصَرَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَهْدَ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْخَمْصُ» قَالَ: فَطَلَبَ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَمَرَّ عَلَى يَهُودِيٍّ وَهُوَ يَسْقِي حِيطَانَهُ، قَالَ: أَسْتَقِي لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَاسْتَقَى لَهُ كُلَّ دَلْو بِتَمْرَةٍ، لَيْسَ فِيهَا خَدِرَةٌ وَلَا يَابِسَةٌ وَلَا تَارِزَةٌ. قَالَ: فَعَمِلَ حَتَّى أَكْمَلَ صَاعَيْنِ. قَالَ: فَأَتَى بِهِمَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِهِ بِصَاعٍ وَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ:«تُحِبُّنِي؟» ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اتَّخِذْ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا» ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ مَنْ أَحَبَّنِي فَامْنَعْهُ الْمَالَ وَالْوَلَدَ، وَمَنْ أَبْغَضَنِي فَارْزُقْهُ

(1)

صحيح بما سبق: رواه أبو إسحاق السَّبيعي، واختُلف عليه في شيخه، فرواه عنه الثوري عن أبي حية عن علي رضي الله عنه، أخرجه ابن ماجه (2447) وأبو حية روى عنه أبو إسحاق، قال فيه أحمد: شيخ. وقال أبو الوليد الفَرَضي: مجهول. ووثقه ابن نُمير وابن حِبان، وصَحَّح حديثه ابن السكن وغيره.

وخالف الثوريّ إسرائيل، فجَعَل شيخ أبي إسحاق هُبيرة بن يَرِيم، أخرجه المحاملي في «أماليه» (183) وهُبيرة قال فيه الإمام أحمد: لا بأس بحديثه، هو أحسن استقامة من غيره، يعني الذين روى عنهم أبو إسحاق، وتَفرَّد بالرواية عنهم. ووثقه ابن حِبان، وقال النَّسَائي: ليس بالقوي. وقال في «الجَرْح والتعديل» : أرجو أن لا يكون به بأس، ويحيى وعبد الرحمن لم يَتركا حديثه، وقد روى غير حديث منكر. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: شبيه بالمجهول.

وعلى أي الوجهين في الترجيح، فأبو حية يُحسَّن خبره؛ للجمع بين قول الإمام أحمد وقول مَنْ وثقه.

وإن قلنا بأن لأبي إسحاق في الأثر شيخان، فالإسناد صحيح.

ص: 444

الْمَالَ وَالْوَلَدَ» ثُمَّ قَالَ: «لَلْفَقْرُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي أَسْرَعُ مِنَ الْمَاءِ مِنْ أَعْلَى الْجَبَلِ إِلَى الْحَضِيضِ»

(1)

.

• والخلاصة: أن أصل القصة بهذا القَدْر - أي: العمل عند اليهودي في مقابل التمر - ثابت من مجموع الروايات.

وأما الاكتفاء بعدد معين من التمر، وأَكْل النبي صلى الله عليه وسلم منه أو فاطمة ابنته رضي الله عنها فكله ضعيف. والله أعلم.

(1)

إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» مسند ابن عباس رضي الله عنهما (467)، وابن ماجه (2448)، والبيهقي في «الشُّعَب» (1400) من طريق ابن فُضيل، عن المقبري، عن جده، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به. وعبد الله بن سعيد متروك.

ص: 445

‌مرويات «كَسب الإماء»

• ورد من حديث أبي هريرة ورافع بن خَديج وأبي جحيفة رضي الله عنهم أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فرواه عنه جماعة:

1 -

أخرجه البخاري رقم (2283): حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْبِ الإِمَاءِ» .

• وأخرجه البخاري أيضًا رقم (5348): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، به.

2 -

وتابعهما محمد بن جعفر، كما عند أحمد (5158).

3 -

ووكيع، أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (22248)، وإسحاق في «مسنده» (196).

4 -

والنَّضْر بن شُميل، أخرجه إسحاق في «مسنده» (518).

5 -

يحيى بن زكريا، أخرجه أحمد (7851).

6 -

ويحيى بن سعيد، أخرجه أبو عَوَانة في «مستخرجه» (4491).

7 -

عُبيد الله بن معاذ، أخرجه أبو داود (3425).

8 -

وعلي بن الجعد، كما في «مسنده» رقم (1497).

وآخَرون.

ص: 446

• وخالفهم يزيد بن زُرَيْع، فزاد «مخافة أن يبغين» أخرجه ابن حِبان (5159): أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ كَسْبِ الْإِمَاءِ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَبْغِينَ» .

وما يَقطع بإدراجها ما أخرجه أحمد رقم (17268) كما سيأتي.

• تابع شُعبةَ همامٌ بلفظ: «كَسْب الأَمَة» .

• قال الإمام أحمد (14/ 239): حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ، وَعَنْ كَسْبِ الْأَمَةِ» .

• أخرجه أحمد (10489): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَعَسْبِ الْفَحْلِ»

(1)

.

• الحديث الثاني حديث رافع ابن خديج فأخرج الإمام مسلم رقم (1568): حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، يُحَدِّثُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ

(2)

، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ»

(3)

.

(1)

وفيه اختلاف في الوقف والرفع، يُحرَّر.

(2)

هناك فرق بين البغي والزانية فيشتركان في وقوع الزنا لكن الزانية قد يقع منها هذا دفعا لشهوتها أو حبا في من يقع بها وقد تأخذ على ذلك أجرا والأكثر أنها لا تأخذ.

لكن البغي تأخذ على فعلها أجرا فكأنها جعلته مهنة لها.

والمومسة تزيد على البغي باشتهار أمرها وكثرة طلابها. أفاده العلامة الفيومي.

(3)

أخرجه مسلم (1568) وغيره من طرق عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، عن رافع بن خَديج، به.

وتابع محمد بن يوسف إبراهيمُ بن قارظ، أخرجه مسلم (1568)، وأحمد (15812)، وأبوداود (3421)، وغيرهم.

ورُوي من بعض الطرق مرسلًا، أخرجه النَّسَائي (4664) والرفع أصح.

ص: 447

• وخالف السائبَ بنَ يزيد هريرُ بنُ عبد الرحمن به مرفوعًا: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْبِ الْأَمَةِ حَتَّى يُعْلَمَ مِنْ أَيْنَ هُوَ»

(1)

والأول أصح.

• أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» رقم (23682): حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بَلْجٍ الْفَزَارِيِّ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ

(2)

، أَنَّ جَدَّهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ أَمَةَ نَفْلٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَرِهَ كَسْبَ الْأَمَةِ، وَقَالَ:«لَعَلَّهَا لَا تَجِدُ فَتَبْغِي بِنَفْسِهَا»

(3)

.

(1)

إسناده ضعيف: أخرجه أبو داود في «سُننه» رقم (3427) من طريق عُبيد الله بن هرير - مصغر -، عن أبيه، به.

وعُبيد الله ترجمه البخاري وذَكَر حديثه، وقال: حديثه ليس بالمشهور. وذَكَره ابن حِبان في «الثقات» وقال ابن حجر: مستور.

قال الترمذي في «سُننه» (3/ 566): وَفِي البَابِ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ.

(2)

وعباية وثقه ابن مَعِين والنَّسَائي، وهو من الثالثة، وجَدّه تُوفي (73)

(3)

إسناده ضعيف؛ لحال أبي بَلْج.

ص: 448

وتابع هُشيمَ بنَ بَشير شُعبة، وعنه ثلاثة: علي بن الجعد

(1)

والطيالسي

(2)

وأبو النضر

(3)

وفيه: «نهى عن كسب الجارية» وزاد أبو النضر: قال شعبة: «مخافة أن تبغي» والسند صحيح إلى شعبة بالإدراج، لكن أبا بَلْج مُختلَف فيه.

• أما الحديث الثالث فعن أبي جحيفة: أخرجه البخاري رقم (2238): حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى حَجَّامًا، فَأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ، فَكُسِرَتْ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ:«إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الكَلْبِ، وَكَسْبِ الأَمَةِ، وَلَعَنَ الوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ» .

• رواه جماعة عن عون بن أبي جُحيفة:

الأول: شُعبة بن الحَجاج، وعنه جماعة:

1 -

حَجاج بن منهال، كما هنا بلفظ:(كَسْب الأَمَة).

2 -

محمد بن جعفر، أخرجه البخاري (5962) وغيره، بلفظ:(كَسْب البغي).

3 -

تابعه آدم بن أبي إياس، أخرجه البخاري (5347).

4 -

ابن مهدي، أخرجه أبو يعلى (890).

5 -

محمد بن كَثير، أخرجه ابن حِبان (5852).

6 -

عفان بن مسلم، أخرجه أحمد (18756).

(1)

«مسنده» (1706).

(2)

«مسنده» (1012).

(3)

«مسند أحمد» (22247).

ص: 449

7 -

علي بن الجعد، أخرجه ابن الجعد (515).

8 -

شَبَابة، أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (17480).

9 -

النَّضْر بن شُميل، أخرجه البيهقي في «السُّنن الكبرى» (11007) بلفظ:«مَهْر البَغِيّ» .

• خالفهم الطيالسي في «مسنده» رقم (1139) بلفظ: «كَسْب المُومِسَة» .

• ورواه سليمان بن حرب، أخرجه البخاري (5945) دون الشاهد، وتابعه رَوْح بن عُبَادة، أخرجه الحارث في «مسنده» (438) وأبو الوليد، أخرجه البخاري (2086).

الثاني: وتابع شعبةَ على لفظ: «مَهْر البَغِيّ» يزيدُ بن زياد - ووثقه جماعة - أخرجه أحمد (18763) وأبو عَوَانة في «مستخرجه» (5281).

الثالث: وتابعه عبد الجبار بن عباس - وهو ضعيف - أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (17481).

الرابع: وتابعهم محمد بن جابر دون الشاهد، أخرجه ابن بشران في «فوائده» رقم (186).

• والخلاصة في حديث أبي جُحيفة: أن الأكثر على لفظ «كَسْب البَغِيّ» وهو بمعنى «مَهْر البغي» ورواية «كَسْب الأَمَة» من العام المخصوص أو من الرواية بالمعنى، ونحوها:«كَسْب المُومِسَة» .

ص: 450

• ومما يقيد الكسب بالمذموم مرفوع وموقوف:

• أما المرفوع، فحديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ»

(1)

.

• وأما الموقوف فأثر عثمان رضي الله عنه فقد قال الإمام مالك في «الموطأ» (2/ 981) عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَهُوَ يَخْطُبُ، وَهُوَ يَقُولُ:«لَا تُكَلِّفُوا الْأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ، الْكَسْبَ؛ فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهَا ذَلِكَ، كَسَبَتْ بِفَرْجِهَا. وَلَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ؛ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ سَرَقَ، وَعِفُّوا إِذْ أَعَفَّكُمُ اللَّهُ، وَعَلَيْكُمْ مِنَ الْمَطَاعِمِ بِمَا طَابَ مِنْهَا» وإسناده صحيح.

وورد النهي عن مهر البَغِيّ من حديث علي رقم، (1254) وابن عباس رقم (2094) رضي الله عنهما، عند الإمام أحمد.

(1)

أخرجه البخاري (2237) ومسلم (1567).

ص: 451

‌تعريف الجائحة وما ورد فيها

(1)

.

(1)

هذه المسألة أثيرت في ابتلاء كورونا - في نهاية فصل الشتاء، من شهر رجب، عام (1441 هـ) الموافق شهر مارس (2020 م) الذي ظهر بالصين، ثم انتشر في إيطاليا ثم انتقل من دولة إلى أخرى؛ لكثرة انفتاح العالم بعضه على بعض، حتى صاروا كأنهم في طبق واحد.

وهذه النازلة ونحوها انقسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام:

1 -

عامة الناس، وتَكثر فيهم الشائعات، كما حَدَث في حادثة الإفك، والله قال {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] فيجب التثبت والتعقل، وعدم نشر ما يرجف أو يوهم بلا علم؛ حتى لا يأثموا أو يضيع أجرهم.

2 -

أهل ذِكر في الدنيا كالأطباء، فوصفوا أعراض المرض بارتفاع درجة الحرارة والوجع الحلقي ثم الرئوي ثم الهلاك.

ووصفوا العلاج بأمرين:

الأول: الوقائي، وهو العزلة في البيوت والبعد عن الاجتماعات، وتَرْك المصافحة أو المعانقة، والاعتناء بنظافة اليد والفم والمنازل بالمُطهِّرات.

قال القَرَافي في «الفروق» (2/ 32): فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ عَنِ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً لِلْمَفْسَدَةِ، مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ، وَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ مِنْ خَوَاصِّ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، بَلِ الذَّرَائِعُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

قِسْمٌ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى سَدِّهِ وَمَنْعِهِ وَحَسْمِهِ، كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إهْلَاكِهِمْ. وَكَذَلِكَ إلْقَاءُ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ، وَسَبُّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ سَبِّهَا.

وَقِسْمٌ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ، وَأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لَا تُسَدُّ وَوَسِيلَةٌ لَا تُحْسَمُ، كَالْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَكَالْمَنْعِ مِنَ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ الزِّنَى.

الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق ط العلمية (2/ 60)

وقسم اختلف فيه العلماء هل يسد أم لا كبيوع الآجال عندنا كمن باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر فمالك يقول إنه أخرج من يده خمسة الآن وأخذ عشرة آخر الشهر فهذه وسيلة لسلف خمسة بعشرة إلى أجل توسلا بإظهار صورة البيع لذلك والشافعي يقول ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره فيجوز ذلك وهذه البيوع يقال إنها تصل إلى ألف مسألة اختص بها مالك وخالفه فيها الشافعي

الثاني: الحجر الصحي، وإجراء اختبار لتمييز المصاب من غيره. ومن أدلة الحجر «ارجع فقد بايعناك» و «لا يُورِدنَّ ممرض على مُصِح» و «فِرَّ من المجذوم» .

3 -

أهل ذِكر وشرع، يواكبون الناس بالأحكام المتعلقة بالنازلة عقيدة وفقهًا، وكانت هذه إحدى المسائل، والأخرى: هل تأخذ حكم الطاعون؟ والثالثة: حُكْم تعطيل الجمعة والجماعات والتفرقة بين الناس في الصفوف؛ دفعًا للضرر والمحافظة على النفس، وحُكْم صلاة الجمعة في البيوت عند تعطيل المساجد. ونحو هذا الاعتكاف في البيوت.

ص: 452

• الجائحة: هي الشدة التي تجتاح المال من السَّنة أو الفتنة. وهي مأخوذة من الجَوْح، بمعنى الاستئصال والهلاك.

• قال الشافعي: الْجَائِحَةُ مِنَ الْمَصَائِبِ كُلِّهَا كَانَتْ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ مِنْ الْآدَمِيِّينَ

(1)

.

(1)

«الأم» (3/ 60).

ص: 453

• أما الأدلة العامة في الجائحة من كتاب الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: 24] وقال تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} [الكهف: 42، 43] وقال جل ذكره: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266].

• وأما الأدلة الخاصة من سُنة النبي صلى الله عليه وسلم، فأربعة أخبار:

الأول: حَدِيثُ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ بَاعَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا، عَلَى مَاذَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟!» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ جَابِرٍ

(1)

.

وَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ»

(2)

.

(1)

ولفظه: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟» وفي رواية: «إِنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا» .

(2)

أخرجه مسلم (1554) وفي «سؤالات ابن الجنيد» (ص: 320)(192): سمعتُ يحيى بن مَعِين وذَكَر حديثًا عن ابن عُيينة، عن حُميد الأعرج، عن سليمان بن عتيق، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَر بوضع الجوائح. قال:«كان سفيان لا يُحَدِّث به، كان عليه فيه قول، فجاءه إنسان بشفاعة، فحدثه ونسي، ثم اذّكر، فقال: (آه)» فقال رجل ليحيى بن مَعِين: أكان ابن جريج يرويه؟ قال: «لا أعلمه» .

قال الشافعي كما في «السُّنن الكبرى» (5/ 306): فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي لَمْ يَحْفَظْهُ سُفْيَانُ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ - دُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِوَضْعِهَا عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ بِالصُّلْحِ عَلَى النِّصْفِ، وَعَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ بِالصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا حَضًّا عَلَى الْخَيْرِ لَا حَتْمًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ غَيْرُهُ. فَلَمَّا احْتَمَلَ الْحَدِيثُ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَيُّهُمَا أَوْلَى بِهِ، لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمْ - أَنْ يَحْكُمَ عَلَى النَّاسِ فِى أَمْوَالِهِمْ بِوَضْعِ مَا وَجَبَ لَهُمْ بَلَا خَبَرٍ ثَبَتَ بِوَضْعِهِ.

ص: 454

الثاني: فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ الزَّهْوِ: «أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟!»

(1)

.

(1)

رَوَاهُ الخَلْقُ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ.

فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: «تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَكَ إِنْ مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟» أخرجه البخاري (2198) ومسلم (1555) بجعل «أرأيت

» من قول أنس رضي الله عنه.

ورواه عبد الله بن المبارك وغيره بالشطر الأول، أخرجه البخاري (2195) وغيره.

وخالف الجميع مالك بن أنس، فرَفَعه كله: «

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟!» أخرجه البخاري (2198) ومسلم (1555) وتابعه الداروردي، واختُلف عليه، وصَوَّب الخطيب الوقف عنه.

سُئل أبوزرعة وأبو حاتم - «علل الحديث» (3/ 610) - عن هذه الزيادة فقالا: هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ كلامُ أَنَسٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَذَا يَرْوِيهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ ومَالِكُ بْنُ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، وَالنَّاسُ يَرْوونَهُ مَوْقُوفًا مِنْ كلام أنس رضي الله عنه.

وقال الدارقطني في «علله» (12/ 60): هذا الحديث يرويه مالك بن أنس والدراوردي، مُسنَدًا كله، وخالفهما إبراهيم بن حمزة، ويحيى بن سليمان بن نَضْلة، وإسماعيل بن جعفر، وبِشر بن المُفضَّل، وأبو خالد الأحمر، ومعتمر بن سليمان، وعبيدة بن حميد،=

ص: 455

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وسفيان بن حبيب، ويحيى بن أيوب، ومَرْوان بن معاوية، ويزيد بن هارون. جعلوا آخِر الحديث من قول أنس، وهو الصواب.

وقال البيهقي في «السُّنن الكبرى» (5/ 490): وقوله: «أرأيتَ إن مَنَع الله الثمر؟» من قول أنس بن مالك، ومالكُ بن أنس جَعَله من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وتابعه على ذلك الدراوردي من رواية محمد بن عباد عنه، فالله أعلم.

وقال الحافظ أبو مسعود الدمشقي في «تحفة الأشراف» (1/ 198): جَعَل مالك والدراوردي قول أنس بن مالك: (أرأيتَ إن مَنَع الله الثمرة؟) من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأظن حميدًا حَدَّث به في الحجاز كذلك.

وقال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (3/ 75): وقد بينتُ في المُدرج أن هذه الجملة موقوفة من قول أنس، وأن رفعها وهم، وبيانها عند مسلم.

وأخرجه الترمذي (1228) وأبو داود (3371) وغيرهما، من طريقي الطيالسي وعفان، عن حماد بن سلمة عن حميد، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ، وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ.

وأخرجه أبو داود (3371) والترمذي (1228) وابن ماجه (2217) عن أبي الوليد وعفان وحبان، عن حماد بن سلمة، به، بفقرتَي «العنب حتى يَسْوَدّ، والحَب حتى يشتد» .

وأخرجه أحمد (13314) وغيره من طريقي حسن الأشيب ومعاذ بن خالد وغيرهما، من طرق عن حماد بن سلمة عن حميد، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تَزْهُوَ، وَعَنِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (22979): حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَا يُبَاعُ الَعَنَبُ حَتَّى يَسْوَدَّ.

وطريق شعبة هذا إن كان موقوفًا فقد جَلَّى حقيقة الفقرتين التاليتين للأولى، وأنهما موقوفتان.

ومما يؤيد هذا كلام العلماء السابق واللاحق.

قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.

قال البيهقي في «السُّنن الكبرى» (5/ 494): وذِكر الحب حتى يشتد، والعنب حتى يَسْوَدّ في هذا الحديث - مما تفرد به حماد بن سلمة، عن حُميد من بين أصحاب حُميد، فقد رواه في الثمر مالك بن أنس، وإسماعيل بن جعفر، وهُشيم بن بَشير، وعبد الله بن المبارك، وجماعة يَكثر تَعدادهم، عن حُميد، عن أنس، دون ذلك، واختُلف على حماد في لفظه، فرواه عنه عفان بن مسلم، وأبو الوليد، وحبان بن هلال

وغيرهم على ما مضى ذكره.

ورواه يحيى بن إسحاق السالَحينى وحسن بن موسى الأشيب، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الثمرة حتى يَبِين صلاحها، تَصْفَرّ أو تَحْمَرّ، وعن بيع العنب حتى يَسْوَدّ، وعن بيع الحَبّ حتى يفرك.

أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا يحيى بن إسحاق السالحيني، وحسن بن موسى الأشيب قالا: ثنا حماد بن سلمة

فذَكَره.

ص: 456

الثالث: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا أُصِيبَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فِي ثَمَرٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءً بِدَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ»

(1)

.

(1)

أخرجه مسلم (1556).

ص: 457

‌حُكْم وضع الجوائح

• قال ابن رُشْد في «بداية المجتهد» (3/ 202): (الْقَوْلُ فِي الْجَوَائِحِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ فِي الثِّمَارِ: فَقَالَ بِالْقَضَاءِ بِهَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ، وَاللَّيْثُ.

• قال النووي: اختَلف العلماء في الثمرة إذا بيعت بعد بُدُو الصلاح، وسَلَّمها البائع إلى المشتري بالتخلية بينه وبينها، ثم تلفت قبل أوان الجذاذ بآفة سماوية، هل تكون من ضمان البائع أو المشتري؟

فقال الشافعي في أصح قوليه، وأبو حنيفة، والليث بن سعد، وآخرون: هي في ضمان المشتري، ولا يجب وضع الجائحة، لكن يُستحب.

وقال الشافعي في القديم، وطائفة: هي في ضمان البائع، ويجب وضع الجائحة.

وقال مالك: إن كانت دون الثلث لم يجب وضعها، وإن كانت الثلث فأكثر وجب وضعها، وكانت من ضمان البائع.

واحتج القائلون بوضعها بقوله: أَمَر بوضع الجوائح. وبقوله صلى الله عليه وسلم: «فلا يَحِل لك أن تأخذ منه شيئًا» ولأنها في معنى الباقية في يد البائع، من حيث إنه يَلزمه سقيها، فكأنها تلفت قبل القبض، فكانت من ضمان البائع.

واحتج القائلون بأنه لا يجب وضعها بقوله في الرواية الأخرى في ثمار ابتاعها فكثر دَينه: فأَمَر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة عليه، ودَفَعه إلى غرمائه. فلو كانت

ص: 458

توضع لم يفتقر إلى ذلك. وحَمَلوا الأمر بوضع الجوائح على الاستحباب أو فيما بِيع قبل بُدُو الصلاح. وقد أشار في بعض هذه الروايات التي ذكرناها إلى شيء من هذا.

وأجاب الأولون عن قوله: (فكَثُر دَينه

) إلى آخره، بأنه يحتمل أنها تلفت بعد أوان الجذاذ وتفريط المشتري في تركها بعد ذلك على الشجر، فإنها حينئذٍ تكون من ضمان المشتري.

قالوا: ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: «ليس لكم إلا ذلك» ولو كانت الجوائح لا توضع لكان لهم طلب بقية الدَّين.

وأجاب الآخرون عن هذا بأن معناه: ليس لكم الآن إلا هذا، ولا تَحِل لكم مطالبته ما دام معسرًا، بل يُنظَر إلى مَيْسَرة، والله أعلم

(1)

.

(1)

«شرح مسلم» (10/ 217) للنووي.

ص: 459

‌مَنْ نزلت به جائحة، فسأل الناسَ،

هل تَسقط مروءته؟

• قال الشافعي في «الأم» (7/ 516): لا تَحْرُم المسألة في الجائحة تصيب الرجل تأتي على ماله، ولا في حمَالة الرجل بالدِّيَات والجراحات، ولا في الغرم؛ لأن هذه مواضع ضرورات، وليس فيها كبير سقاطة مروءة. وهكذا لو قُطع برَجُل ببلد فسأل، لم أَرَ أن هذا يَحرم عليه إذا كان لا يجد المضي منها إلا بمسألة، ولا تُرَد شهادة أحد بهذا أبدًا.

• فأما مَنْ يَسأل عمره كله أو أكثر عمره أو بعض عمره، وهو غني، بغير ضرورة، ولا معنى من هذه المعاني، ويشكو الحاجة؛ فهذا يأخذ ما لا يحل له، ويَكذب بذكر الحاجة، فتُرَد بذلك شهادته.

(قال): ومَن سأل، وهو فقير لا يُشْهِد على غناه، لم تَحرم عليه المسألة، وإن كان ممن يُعْرَف بأنه صادق ثقة، لم تُرَد شهادته. وإن كان تَغلبه الحاجة، وكانت عليه دلالات أن يَشهد بالباطل على الشيء، لم تُقْبَل شهادته.

وهكذا إن كان غنيًّا يَقبل الصدقة المفروضة من غير مسألة، كان قابلًا ما لا يَحِل له، فإن كان ذلك يخفى عليه أنه مُحَرَّم عليه، لم تُرَد شهادته، وإن كان لا يخفى عليه أنه مُحَرَّم عليه، رُدت شهادته. فأما غير الصدقة المفروضة يُتصدق بها على رجل غني، فقَبِلها فلا يَحرم عليه، ولا تُرَد بها شهادته.

ص: 460

• مَنْ أصابته جائحة فأَخَذَتْ بيته، كحريق أو زلزال، أو أزيل له البيت أو عقار قديم، أو ساكن بإيجار قديم ولا يستطيع الخروج، فهل يُبنى له بيت من الزكاة؟

ذهب إلى الجواز: الإمام الشافعي، وأبو عُبيد، وابن حزم، وابن باز من المعاصرين. وقال ابن عثيمين رحمه الله: يُبنى له إن كان أحد أفتاه بذلك، فالمسألة اجتهادية.

• الخلاصة: يختار شيخنا مع الباحث/ محمد بن حسن الصغير، بتاريخ (2) شعبان (1441 هـ) الموافق (2020 م) المنع لاتساع رقعة الفقراء وقلة الزكاة.

• فائدة:

في ختام هذا المجلد في ليلة 8 جمادى الآخر لعام 1443 هـ، الموافق 11/ 1/ 2022 م، وقت السحر، لاحظنا زلزالًا، ذكرنا باليوم الآخر وبقوله تعالى:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} وبما حدث لهلاك ثمود قوم نبي الله صالح، وبالرجفة التي أخذت قوم نبي الله شعيب والسبعين رجلًا الذين خرجوا مع نبي الله موسى عليه السلام، فنشكر الله سبحانه أن سلمنا ونجانا بكلائته وحفظه، ونسأله حسن الختام آمين.

ص: 461