المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) - سلسلة محاسن التأويل - المغامسي - جـ ١٩

[صالح المغامسي]

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه)

‌تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه)

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذا لقاء متجدد من برنامجنا محاسن التأويل، وكنا قد انتهينا في اللقاء الأول إلى قول الله جل وعلا:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:217]، إلى آخر الآيات، فنجمل الآن ما حررناه في ذلك الوقت، ثم نزدلف إلى قول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:218]، وهي الآية التي سنبدأ بها تفسير حلقة هذا اليوم، والأشهر الحرم أربعة: ثلاثة سرد وهن: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وواحد فرد وهو رجب، والآية جاءت في أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية بإمرة عبد الله بن جحش ولم يأمرهم بقتال، ثم تعرض لهذه السرية قوم من قريش فأقدمت السرية على قتلهم دون أن يدروا أو يعلموا أنهم دخلوا في الشهر الحرام، وكان ذلك في آخر جمادى الذي هو قبل رجب، ورجب شهر حرام، فلما تبين بعد ذلك أن القتال كان في الشهر الحرام جعلت قريش ذلك سبة وعاراً على المؤمنين، وقالوا: كيف يدعو محمد إلى مكارم الأخلاق وقد نقض شيئاً العرب كانت متفقة عليه من قبل وهو عدم الاقتتال في الشهر الحرام!! فهذا هو مجمل سبب النزول، فأنزل الله جل وعلا قوله:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة:217]، الذي نريد أن نصل إليه هنا هذا كله تم تفسيره، لكن ما سيأتيك بعد ذلك مصدر بقوله جل وعلا:{يَسْأَلُونَكَ} [البقرة:217]، أو:{وَيَسْأَلُونَكَ} [البقرة:219].

فحتى يتمكن طالب العلم من فهم كلام الله لا بد -كما قلت قديماً- من الإجمال، ثم من الإجمال ندرج إلى التفصيل، والسؤال في القرآن يأتي دائماً بحسب سائله، ولما كان السائلون يختلفون كان لا بد أن يكون الغرض من السؤال يختلف، فلما سألت اليهود عن الروح فهذا سؤال للتعنت، وهذا أول مقاصد السؤال، وهناك سؤال للاحتجاج وهو سؤال أهل الإشراك هنا:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة:217]، فإذا انتهينا من أسئلة اليهود وأسئلة أهل الإشراك لم يبق إلا أسئلة أهل الإيمان، وأهل الإيمان يسألون للاسترشاد؛ حتى يكونوا على بينة من أمرهم عندما يأتيهم الجواب الإلهي.

إذا تحرر هذا فقول الله جل وعلا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة:217] الأصل أنه جاء على لسان كفار قريش، فهو سؤال للاحتجاج، وقول الله تبارك وتعالى في الإسراء:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء:85] هذا للتعنت؛ لأن السائلين هنا هم اليهود، وأما قول الله جل وعلا كما سيأتي عن الخمر والمحيض ماذا ينفقون، فهذه أسئلة المؤمنين الذين كانوا يحيطون بالنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فهذه أسئلة للاسترشاد.

ص: 2