المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (واضمم يدك إلى جناحك لنريك من آياتنا الكبرى) - سلسلة محاسن التأويل - المغامسي - جـ ٥١

[صالح المغامسي]

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (واضمم يدك إلى جناحك لنريك من آياتنا الكبرى)

‌تفسير قوله تعالى: (واضمم يدك إلى جناحك لنريك من آياتنا الكبرى)

ثم قال الله تعالى لموسى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى} [طه:22]، الجناح: الأصل أنه للطائر، واستعير هنا لبني آدم، وهو ما تحت العضد كما أن جناح الطائر في هذا الموطن، وفي آية أخرى قال الله له:{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [النمل:12]، والجيب هو فتحة الثوب التي تقع في الصدر.

والمعنى: أن موسى أدخل يده من جيبه حتى دخلت تحت عضده، وحينئذ شعر بالاطمئنان من الخوف، وهذا الأمر يفعله الناس جبلة، يضع أحدهم يده على قلبه إذا خاف، ويقولون في التعبير: يدي على قلبي، كناية عن الخوف، قال تعالى:((وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ)) ما الذي يحدث؟ ((تَخْرُجْ))، جاءت مجزومة بالسكون؛ لأنها واقعة في جواب الأمر الذي هو (واضمم)، فأخرجها، يقول الله له:((تَخْرُجْ))، أي: يدك ((بَيْضَاءَ)) من غير تنوين؛ لأنها ممنوعة من الصرف، وقد جاءت مفتوحة؛ لأنها حال، أي: كيف تخرج؟ تخرج بيضاء، وموسى -كما قلت- كان يميل لونه إلى السمرة، وقد جاء في الحديث:(كأنه رجل من أزد شنوءة) وهم يميلون إلى السمرة.

فأخذت يده تبرق نوراً، وجاء هنا احتراز عظيم:((مِنْ غَيْرِ سُوءٍ))، فليس هذا من مرض أو ما شابهه، وإنما ((مِنْ غَيْرِ سُوءٍ))، لماذا يا رب؟ قال الله له:(آية أخرى)، ولم يقل: أخيرة، بل قال: أخرى، أي: غير الأولى، فالأولى عصا انقلبت حية، والثانية يده تدخل فتخرج بيضاء، (أخرى) أي: أن هناك شيئاً سيأتي، تقول: رجل آخر، فلا يمنع أن يأتي بعده أحد آخر، لكن إذا قلت: أخير أي: أنك انتهيت، فمثلاً عندما تكتب أسئلة لطلابك تقول: السؤال الأول، السؤال الثاني، السؤال الثالث، فإذا أردت أن تنهي فلا تقل: الرابع، بل قل: السؤال الأخير، حتى يفقه من يقرأ أسئلتك أن أسئلتك انتهت، وكذلك قل: الفائدة الأخيرة، الحديث الأخير، وأي شيء تريد أن تختمه صفه بأنه أخير، أي: لا شيء بعده.

فالله جل وعلا قال هنا: ((آيَةً أُخْرَى))، ولم ينهها؛ لأن ثمة آيات ستأتي لهذا النبي الكليم سيخاطب بها من بعث إليه في الأصل وهو فرعون.

قال الله تعالى: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} [طه:23]، وقول الله جل وعلا:(من آياتنا) إفهام وإشعار لكليم الله أن آيات أخر كبرى عظاماً سيأتي، وقد أتت، وهي في مجملها تسع: هاتان الآيتان وهما العصا واليد، ثم أتبعها الله جل وعلا بقوله:{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف:130]، فهاتان اثنتان، فصرن أربعاً، قال الله:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} [الأعراف:133]، أي: يتبع بعضها بعضاً وليست في آن واحد، فهذه تسع آيات.

ص: 4