المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بين يدي سنن الترمذي - سنن الترمذي - ط الرسالة - مقدمة

[أبو عيسى الترمذي]

الفصل: ‌بين يدي سنن الترمذي

‌بين يدي سنن الترمذي

نقل القاسمي في قواعد التحديث عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: لولا السنة ما فهم أحد منا القرآن.

ولقد هيأ الله تعالى لحفظها كما حفظ كتابه، حيث نهض الصحابة ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم بتبليغها وإذاعتها وروايتها وحفظها وتدوينها، واستفرغوا الوسع في ذلك، وتشهد تراجمهم بعظيم الجهد الذي بذلوه، فمن راحل لسماعها، ومنتصب لروايتها، وعاكف على تدوينها والتصنيف فيها.

وكان أصحاب الكتب الستة في مقدمة هؤلاء الرجال، الذين تقدموا لخدمة السنة النبوية الشريفة، فكان منهم الإمام الترمذي، حيث جمع كتابًا جامعًا، واختصر طرق الحديث اختصارًا لطيفًا، فذكر منها واحدًا، وأومأ إلى ما عداه، وبين أمر كل حديث من إنه صحيح أو حسن أو ضعيف أو منكر، وبين وجه الضعف، فكان كتابه كافٍ للمجتهد، مُغن للمقلد.

ونحن إذ نقدمه اليوم بعد أن استفضنا في تتبع الرواة والحفاظ مما تقتضيه العدالة في نقل الحديث وروايته، بأن يكونوا أمناء في أنفسهم، علماء بدينهم، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث، وإتقان به، وتثبت فيه، وأن يكونوا أهل تميز وتحصيل، وهؤلاء هم أهل العدالة.

إن الحرص على نشر "وما أتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا"، و"لقد كانت لكم في رسول الله أسوة حسنة" دين نؤكده اليوم بنشرنا اليوم أحد كتب "الموسوعة الحديثية"، والذي هو من أهمها، توفرت فيه النصوص الصحيحة والحسنة من السنة النبوية المطهرة، تم تحقيقه تحقيقًا علميًا يطمئن إليه الباحث، ويرضى عنه القارئ. ضمن المنهج الذى يحقق الغاية التي نتوخاها، والأمل الذي يرضي ربنا.

فلكل من ساهم وبادر إلى العمل في هذا الكتاب أجمل الشكر وأعذبه، وعلى رأسهم فضيلة الشيخ شعيب الأرنؤوط، وفضيلة الشيخ محمد بن ناصر العجمي والأبناء البررة الذين أرجو أن يوفقهم الله على العمل على خدمة هذا الدين بنشر العلوم النافعة من خلال (شركة مؤسسة

ص: 5

الرسالة العالمية) التي قامت لتكمل مسيرة مؤسسة الرسالة بإذن الله تعالى.

والحمد لله في البدء والختام، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رضوان دعبول

ص: 6

‌مقدّمة النّاشر

هذا الكتاب هو باكورة إنتاج (شركة دار مؤسّسة الرّسالة العالمية)، وهي شركة تأسّست على أركان (مؤسّسة الرّسالة للطّباعة والنّشر والتّوزيع) التي أسّسها الوالد المبجّل الأستاذ رضوان إبراهيم دعبول منذ أربعين عامًا.

وأركان المؤسّسة التي نشير إليها ثلاثة: -

الرّكن الأوّل: الكتب والمؤلّفات التي سبق أن قامت المؤسّسة الأمّ بنشرها، وهي منشورات كثيرة انتفع بها الجمّ الغفير من المسلمين، والشّركة الجديدة عازمة على تجديد هاتيك المنشورات للاستفادة من التطوّر الّذي لَحِقَ بأصول صناعة الطّباعة، بما قد يجعل الاستفادة من هذه الكتب أيسر على طَلَبَة العلم.

الرّكن الثّاني: المنهج الّذي اتبعتّه المؤسّسة الأمّ منذ تأسيسها فى خدمة كتب التّراث المهمّة، من خلال مراكز التّحقيق والبحث العلميّ التّابعة لها، وهذا منهج صعب جدًا، وتحفه الكثير من المتاعب الماديّة، ولكنّا نرجو الله أن يرزقنا الإخلاص فى النيّة ليكون ما سنتنكّبه من تلك المصاعب في ميزان أعمالنا يوم الحساب.

الرّكن الثّالث: روح الكفاح والجدّ والمثابرة التي يتمتّع بها والدنا المؤسِّس، فهو لا يضن في سبيل نشر الكتب بأيّ جهد أو مال، وبالرّغم من المصاعب الجمّة التي جابهته خلال سنوات حياته، إلّا أنّه لم يتوقف لحظةً عن خدمة رسالته التي استودعها في مؤسّسته: مؤسّسة الرّسالة، ومن عجيب هذا الأمر

ص: 7

أنّك تراه لا يحفل بأيّ أمرٍ من أمور الدّنيا، ولا ترى الفرح والبشر على محيّاه إلّا عندما يرى كتابًا جديدًا قد صدر عن مؤسّسته، وكأنّه رُزِق مولودًا أو حقّق نصرًا مؤزرًا، فلله درّه، قد أتعب بروحه هذه من بعده، ولم يترك لنا عذرًا في متابعة المسيرة على نفس النّهج ونفس الإصرار، فالله نسأل أن يثيبه عنّا وعن المسلمين خير الثّواب، ويلهمنا الإخلاص والثّبات.

لقد عانت مؤسّسة الرّسالة خلال العقد الماضي من أزمة حادّة نتيجة التّقلبات التي أصابت منطقتنا، بالإضافة إلى ظروف خاصّة، ولكن خلال تلك الفترة أكرم الله هذه المؤسّسة فحفظ لها قلبها النّابض الذي استمرّ يخفق بالرّغم من صعوبة الظّرف، وإذ نعتذر اليوم من محبّي المؤسّسة عن القصور الّذي أصابها خلال الفترة الماضيّة، ليسعدنا أن نزفّ إليهم البشرى بأنّنا قد قمنا بإعداد الكثير من الكتب النّافعة والتي ستصدر تباعًا خلال الأيّام القادمة بإذن الله، وعلى رأسها كتب السنّة الستة - وكتابنا هذا أحدها -، لتكون بمثابة عنوان المرحلة القادمة، والرّاية التي سنكمل تحتها المسيرة المباركة لهذه المؤسّسة بإذن الله تعالى.

ختامًا، وإذ نكرّر الشّكر لوالدنا الكريم على ما بذله من صبر وحلم عظيمين حتّى استطاع أن يغرس في أنفسنا حبّ هذه المهنة المباركة، لنعدّه بأن نبذل قُصارى جهدنا في متابعة المسيرة على المنهج الذي اختطه وارتضاه، لتكون ثمار هذا الغرس صدقة جارية يجني ثمارها إلى ما شاء الله.

نسأل الله جلّ في علاه أن يتقبّل منه، وأن يطيل في عمره على الخير، وأن يرزقنا وإياه الإخلاص في القول والعمل، إنّه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

معاذ رضوان دعبول

المدير العام

ص: 8

‌مُقَدِمَة تَشْتمِل عَلى المنْهَجِ المتَّبَعِ في تَحقِيق السُّنن الأربَعَة

إنّ الحمدَ لله نحمَدُه ونستعينُه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومِنْ سيئاتِ أعمالنا، من يَهْدِهِ الله، فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هادِيَ له، ونشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

وبعد:

فإن مِن المتفق عليه عندَ علماء الإسلام أن السنةَ النبوية الشريفة إنما هي المصدر الثاني مِن مصادر التشريع الإسلامي بعدَ القرآن الكريم، وعليها المعوّلُ في بسط الأحكام الشرعية، وبيان التوجيهات القرآنية، فهي التفسيرُ العمليُّ للقرآن، والتطبيقُ الواقعي للإسلام،

ص: 9

وهذه هي المهمةُ التي أناطها اللهُ بالنبي عليه الصلاة والسلام، حيث جعلَه اللهُ تعالى موضعَ الإبانةِ عن كتابه، فقال:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، وقال:{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: 64]، فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو المُبَيِّنَ عن اللهِ عز وجل أمرَه، وعن كتابه معاني ما خُوطب به الناسُ وما أراد اللهُ عز وجل به، وعنى فيه، وما شَرَعَ مِن معاني دينه وأحكامهِ وفرائضِه وموجباتهِ وآدابهِ ومندوبه، وسُنَنهِ التي سنَّها، وأحكامهِ التي حكم بها، وآثارِه التي بثَّها، فلبث صلى الله عليه وسلم بمكةَ والمدينة ثلاثًا وعشرين سنة يُقيمُ للناسِ معالم الدين، يَفْرِضُ الفرائض، ويسُنُّ السنَنَ، ويُمضي الأحكامَ، ويُحرم الحرامَ، ويُحِلُّ الحلالَ، ويُقيمُ الناسَ على منهاجِ الحق بالقول والفعل

(1)

.

فكانت أحاديثُه القوليةُ منها والفعلية والتقريرية تفصيلًا لمجمل القرآن، وتفسيرًا لمتشابهه، وبسطًا لمختصره، وتقييدًا لمطلقه، وتخصيصًا لعامِّه، وشرحًا لأحكامه، وكان هذا كُلُّه هو الحكمةَ التي نصَّ عليها الله سبحانه وتعالى حين وصفَ رسالةَ نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله عز وجل:{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129].

وقد أشار إلى ذلك الإمامُ الشافعي رحمه الله تعالى، فقال

(2)

: فذكر اللهُ الكتابَ وهو القرآنُ، وذكر الحكمةَ، فسمعتُ مَنْ أرضى

(1)

مقتبس من مقدمة "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم الرازي.

(2)

في كتابه "الرسالة" ص 78 - 79.

ص: 10

مِن أَهْلِ العلمِ بالقرآن يقولُ: الحكمةُ سنةُ رسولِ الله. وهذا يُشبه ما قال، والله أعلم، لأنّ القرآن ذُكِرَ، وأُتبِعَتْه الحِكْمَةُ، وذكر اللهُ مَنَّهُ على خلقه بتعليمهم الكتابَ والحكمة، فلم - يَجُز والله أعلم - أن يُقال الحكمةُ ها هنا إلا سُنَّةُ رسول الله، وذلك أنها مقرونة معَ كتاب الله، وأنَّ الله افترض طاعةَ رسوله، وحتَّم على الناس اتباعَ أمره، فلا يجوزُ أن يُقال لقولٍ: فَرْضٌ إلا لكتابِ الله، ثم سنةِ رسوله، لما وصفنا من أنَّ الله جعل الإيمانَ برسوله مقرونًا بالإيمان به، وسنةُ رسول الله مُبيِّنةٌ عن الله معنى ما أراد دليلًا على خاصِّه وعامِّه، ثم قرنَ الحكمةَ بها بكتابه، فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحدٍ من خلقه غيرِ رسوله. اهـ.

قلنا: ولهذا فقد فرض اللهُ تعالى على عباده طاعةَ رسوله، لأنها من طاعته سبحانه وتعالى، وبيَّن اللهُ ذلك في مواضعَ عديدةٍ من كتابه أنَّ العملَ بما جاء به رسولُ الله هو عملٌ بما جاء من عند الله، فقال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59].

وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].

وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].

ص: 11

وقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وقال:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

وعن هذا الفهم العميق صَدَرَ الصحابةُ رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان في أقوالهم وأفعالهم وجميعِ أحوالهم، فقد رُوي أن امرأةً مِن بني أسدٍ يُقال لها: أم يعقوب أتت عبدَ اللهِ بنَ مسعود، فقالت: ما حديثٌ بلغني عنك أنَّك لعنتَ الواشماتِ والمُستوشماتِ والمتنمِّصاتِ والمتفلِّجاتِ للحسن، المُغَيِّرات خلقَ الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله.

فقالت المرأةُ: لقد قرأتُ ما بين لوحي المصحف، فما وجدتُه، فقال: لئن كنتِ قرأتيه، لقد وجدتيه، قال الله عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}

(1)

.

وقيل لمطَرِّفِ بن عبد الله بن الشِّخِّير: لا تُحدثونا إلا بالقرآن، فقال له مُطَرِّف: والله ما نُريدُ بالقرآن بدلًا، ولكن نريدُ من هو أعلم بالقرآن منا

(2)

.

(1)

أخرجه أحمد (3945) و (4129)، والبخاري (5948)، ومسلم (2125)(120) واللفظ له.

(2)

"جامع بيان العلم" 2/ 191.

ص: 12

وقال الشافعي

(1)

: أخبرني أبو حنيفة بنُ سماك بن الفضل الشهابي، قال: أخبرني ابنُ أبي ذئب، عن المَقْبُري، عن أبي شُريح الكعبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عامَ الفتح:"من قُتِلَ له قتيلٌ، فهو بخير النَّظَرين، إنْ أحبَّ أخذَ العَقْلَ، وإن أحبَّ فله القَوَدُ"، قال أبو حنيفة: فقلتُ لابن أبي ذئب: أتأخذُ بهذا يا أبا الحارث؟ فضرب صدري، وصاح عليَّ صياحًا كثيرًا، ونال مني، وقال: أحدَّثُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولُ: تأخذُ به! نعم، آخذُ به، وذلك الفَرْضُ عليَّ وعلى مَنْ سمعه، إن الله اختارَ محمدًا مِن الناس، فهداهم به وعلى يديه، واختارَ لهم ما اختارَ له وعلى لسانه، فعلى الخلقِ أن يتَّبِعُوه طائعين أو داخرين، لا مخرجَ لِمسلم من ذلك.

وقال الشافعي أيضًا

(2)

: أخبرنا مسلمٌ وعبد المجيد، عن ابن جُريج، أن طاووسًا أخبره أنه سأل ابنَ عباس عن الركعتين بعدَ العصر، فنهاه عنهما، قال طاووس: فقلتُ له: ما أدعُهُما. فقال ابنُ عباس: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]. ثم قال الشافعي: فرأى ابنُ عباس الحُجَّةَ قائمةً على طاووس بخبرِه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ودلَّه بتلاوة كتاب الله على أن فَرْضًا عليه ألا تكون له الخِيَرَةُ إذا قضى اللهُ ورسولُه أمرًا.

(1)

في "الرسالة" ص 450.

(2)

في "الرسالة" ص 443.

ص: 13

ونقل القاسمي

(1)

عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه دخل عليه مرةً رجلٌ مِنْ أهل الكوفة، والحديثُ يُقرأ عنده، فقال الرجل: دعونا مِن هذه الأحاديث، فزجره الإمامُ أشدً الزجر، وقال له: لولا السنةُ ما فَهِمَ أحدٌ منا القرآن. ثم قال للرجل: ما تقولُ في لحمِ القِردِ وأين دليلُه من القرآن؟ فأُفحم الرجل.

ولما كانت السنةُ للقرآن بهذه المرتبة، فقد هيأ الله تعالى لحِفظها كما حفظ كتابه، حيث نهض الصحابةُ ومَن بعدهم من التابعين وأتباعهم بتبليغها وإذاعتها، وروايتها وحفظها وتدوينها، واستفرغوا الوُسْعَ في ذلك، وتشهدُ تراجمُهُم بعظيمِ الجُهد الذي بذلوه، فَمِنْ راحلٍ لسماعِها، ومنتصبٍ لروايتها، وعاكفٍ على تدوينها والتصنيفِ فيها، حتى استطاعوا استيعابَها، ولمَّ شملِها، وجمْعَ شتاتها، والإحاطةَ بها، حتى إنه ليصحُّ لنا القولُ: إنهم لم يَفُتْهُم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ واحد.

وقد ذهبوا في مرحلهِ تدوينها وتصنيفها مذاهبَ شتى، كُلٌّ حسبَ الغاية التي تَغَيَّاها منها، فمنهم من رتَّبها حسبَ المسانيد، وذلك بذكر أحاديثِ كلِّ صحابي على حِدَة، وأشهرُ هذه المسانيد "مسندُ" الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، الذي شرَّفنا الله تعالى بخدمته وتحقيقه، وبسطْنا القولَ في هذا النوع من التأليف في مقدِّمتنا له.

(1)

في "قواعد التحديث" ص 307.

ص: 14

ومنهم من جعلها مُرَتَّبة حسب موضوعاتها وأبوابها، كما فعل الإمامُ مالكُ بن أنس في "موطئه"، وجاء بعده من حذا حَذْوَه، ونحا نحوه مِن كبار الحفاظ والمحدثين، وفي مقدمتهم إمامُ الصنعةِ أميرُ المؤمنين في الحديث البخاريُّ، وتلميذُه الإمام مسلم صاحبا "الصحيحين"، ثم أصحابُ السنن: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه

(1)

.

وقد اشتملت هذه الكتبُ الستة على أحكام الإسلامِ وآدابه وشرائعه وتوجيهاته، وهذا ما يُفَسِّر لنا العنايةَ الكبرى، والحفاوةَ البالغةَ التي لقيتْها هذه الكتبُ، فقد تلقاها العلماءُ بالقبول، واعتنى بها المحدثون والفقهاءُ طبقةً بعدَ طبقة، واشتهرت فيما بينَ الناس، وتعلَّق بها القومُ شرحًا لِغريبها، وفحصًا عن رجالها، واستنباطًا لفقهها، وجمعًا لمتونها، وتهذيبًا لها.

على أن للصحيحين مِن المزايا ما ليسَ لِغيرِهما من السنن الأربعة، فالبخاري ومسلم لم يُثْبتا في كتابيهما من الأحاديث إلا ما جزما بصحته، وثبت عندهما نقلُهُ، ولم يشترط ذلك أصحابُ السنن، وإن كانوا في الأغلب - عدا ابن ماجه - قد أشارُوا إلى كثير مِن العِلَلِ التي اعتوَرت بعضَ الأسانيدِ عندهم، وكلُّ واحدٍ من هؤلاء الأئمة كان له مقصدٌ في تصنيفه، ومنهجٌ في تأليفه، وغرضٌ

(1)

ومنهم من رتبها بطريقة المعجم وغيرها، انظر بسط ذلك في كتاب "الحِطَّة في ذكر الصحاح الستة" لصديق حسن خان ص 118 - 128.

ص: 15

توخّاه، يتميز به عمن سواه، ويُمكن أن نذكرَ باختصار شديد ما يُميز كلَّ كتاب من هذه الكتب الستة وما قصد إليه مؤلفُه، على أن نبسط الحديث عن كل كتاب في المقدمة الخاصة به.

فأما البخاري

(1)

: فكان غرضُه تجريدَ الأحاديث الصحاح المتصلة مِن غيرها، واستنباطَ الفقه والسيرة والتفسير منها، وقد وفَّى بما شرط، ونال كتابُهُ من الشهرة والقبول درجة لا يُرام فوقَها.

وأما مسلم: فقد توخَّى تجريدَ الصحاح المُجمع عليها بين المحدثين، المتصلة المرفوعة مما يُستنبط منه السنة، وأراد تقريبَها إلى الأذهان، وتسهيلَ الاستنباط منها، فرتَّب ترتيبًا جيدًا، وجمع طرق كل حديث في موضع واحد، ليتَّضح اختلافُ المتون، وتشعّبُ الأسانيد أصرحَ ما يكون، وجمع بين المختلفات، فلم يَدَعْ لمن له معرفةٌ بلسان العرب عُذرًا في الإعراض عن السنة إلى غيرها.

وأما أبو داود: فكانت هِمّتُه جمعَ الأحاديث التي استدلَّ بها الفقهاءُ، ودارت فيهم، وبَنَى عليها الأحكامَ علماءُ الأمصار، فصنَّف سُنَنَه، وجمع فيها الصحيحَ والحسنَ والليِّن والصالح للعمل عنده، قال أبو داود: ما ذكرتُ في كتابي حديثًا أجمع الناسُ على تركه.

وما كان منها ضعيفًا صرَّح بضعفه، وما كان فيه علَّةٌ بيَّنها بوجهٍ

(1)

نقلنا ما يتعلق بكتب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي من كتاب "الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف" للدهلوي ص 54 - 55.

ص: 16

يعرفهُ الخائضُ في هذا الشأن، وترجم على كل حديثٍ بما قد استنبط منه عالم، وذهب إليه ذاهب، ولذلك صرَّح الغزالي وغيره بأن كتابه كافٍ للمجتهد.

وأما الترمذي: فكأنَّه استحسنَ طريقة الشيخين حيث بَيَّنا، وما أبهما، وطريقةَ أبي داود حيث جمع كلَّ ما ذهب إليه ذاهب، فجمع كلتا الطريقتين، وزاد عليهما بيانَ مذاهب الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، فجمع كتابًا جامعًا، واختصر طرقَ الحديث اختصارًا لطيفًا، فذكر منها واحدًا، وأومأ إلى ما عداه، وبيَّن أمر كل حديث مِن أنه صحيح أو حسن أو ضعيف أو منكر، وبيَّنَ وجهَ الضعف، ليكون الطالبُ على بصيرةٍ من أمره، فيعرفَ ما يَصْلُحُ للاعتبار وما لا يصلح، وذكَر أنه مستفيضٌ أو غريبٌ، وذكَر مذاهبَ الصحابة وفقهاءِ الأمصار، وسمَّى من يحتاج إلى التسمية، وكنَّى من يحتاج إلى الكنية، ولم يَدَع خفاءً لمن هو من رجال العلم، ولذلك يُقال: إنه كافٍ للمجتهد، مُغْنٍ للمقلِّد.

وأما النسائي: فقد اعتنى بكثرة الطرق، واختلاف الناقلين، قال فيه أبو عبد الله بن رُشَيد

(1)

: كتابُ النسائي أبدعُ الكتب المصنفة في

(1)

فيما نقله عنه الحافظ في "النكت على ابن الصلاح" 1/ 484، والسيوطي في مقدمة "زهر الربى على المجتبى"، وابن رشيد هذا هو محمد بن عمر بن محمد بن عمر الفهري السَّبتي، مهر في الحديث وله فيه مؤلفات مفيدة، توفي بفاس سنة 721 هـ. مترجم في "الدرر الكامنة" 5/ 369.

ص: 17

السنن تصنيفًا، وأحسنُها ترصيفًا، وكأنَّ كتابه جامعٌ بين طريقتي البخاري ومسلم مع حظ كبير من بيان العلل، وفي الجملة فكتابُ النسائي أقلُّ الكتب بعد الصحيحين حديثًا ضعيفًا، ورجلًا مجروحًا.

وقال ابن خلدون في تاريخه 1/ 793: قد استدرك الناسُ على البخاري ومسلم، ثم كَتَبَ أبو داود السِّجستانيُّ وأبو عيسى الترمذيُّ وأبو عبد الرحمن النسائيُّ في السنن بأوسعَ من الصحيح، وقصدوا ما توفرت فيه شروطُ العمل، إما مِن الرتبةِ العالية فىِ الأسانيد وهو الصحيح كما هو معروف، وإما من الذي هو دونَه من الحَسَنِ وغيرِه، ليكون ذلك إمامًا للسنةِ والعمل، وهذه هي الأسانيدُ المشهورة في المِلَّة، وهي أمهاتُ كُتُبِ الحديث في السنة، فإنها وإن تعددت ترجِعُ إلى هذه في الأغلب.

وقال أبو جعفر بن الزبير

(1)

في المقارنة بين هذه الكتب الخمسة: أولى ما أُرْشِدُ إليه ما اتَّفَقَ المسلمون على اعتماده، وذلك الكتبُ الخمسة، و"الموطأ" الذي تقدَّمَها وضْعًا، ولم يتأخر عنها رُتبةً، وقد اختلفت مقاصِدُهُم فيها، وللصحيحين فيها شُفُوف، وللبخاري لمن أراد التفقُّه مقاصدُ جميلةٌ، ولأبي داود في حصر أحاديثِ الأحكام واستيعابِها ما ليسَ لغيره، وللترمذي في فنون الصناعة الحديثية ما لم يُشارِكْه غيره، وقد سلك النسائي أغمضَ تلك المسائل وأجلَّها.

(1)

فيما نقله عنه السيوطي في مقدمة "زهر الربى على المجتبى"، وأبو جعفر بن الزبير هو صاحب "صلة الصلة" مترجم في "طبقات علماء الحديث" 4/ 267.

ص: 18

وأما ابنُ ماجه: فكتابُه مفيد قويُّ النفع في الفقه، فيما ذكر ابنُ الأثير

(1)

، لكن فيه أحاديثُ ضعيفة بالغة الضعف بل منكرة، وقال أبو عبد الله ابن رُشَيد

(2)

: كتابُ ابن ماجه تفرَّد فيه بإخراجِ أحاديثَ عن رجال متَّهمين بالكذبِ وسرقةِ الأحاديث، وبعضُ تلك الأحاديث لا تُعرف إلا مِن جهتهم مثلِ حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك، والعلاء بن زيد، وداود بن المُحبَّر، وعبد الوهَّاب بن الضحاك، وإسماعيل بن زياد السَّكوني، وعبد السلام بن أبي الجَنُوب وغيرهم

وقد حكم أبو زرعة على أحاديثَ كثيرةٍ منه بكونها باطلةً أو ساقطةً أو منكرة، وذلك محكيٌّ في كتاب "العلل" لابن أبي حاتم.

قلنا: ولأجل ما تَفَرَّد به من الضعف لم يُضِفْهُ غيرُ واحد إلى الكتب الخمسة السالف ذكرُها، فقد قال الحافظ صلاح الدين العلائي

(3)

: ينبغي أن يُعَدَّ كتابُ الدارمي سادسًا للكتب الخمسة بدلَ كتابِ ابنِ ماجه، فإنه قليلُ الرجال الضعفاء، نادرُ الأحاديث المنكرة والشاذة، وإن كانت فيه أحاديثُ مرسلةٌ موقوفةٌ، فهو مع ذلك أولى من كتاب ابن ماجه.

(1)

ونقله عنه القنوجي في "الحِطّة في ذكر الصحاح الستة" ص 400.

(2)

فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر في "النكت" 1/ 484 - 487، والسيوطي في مقدمة "زهر الربى".

(3)

فيما نقله الحافظ في "النكت على ابن الصلاح" 1/ 486.

ص: 19

قال الحافظ: وبعضُ أهل العلم لا يَعُدُّ السادسَ إلا "الموطأ" كما صنع رَزين السَّرَقُسْطِيُّ، وتبعه المجدُ ابنُ الأثير في "جامع الأصول".

قلنا: ولم يَعُدَّ ابنُ الصلاح ولا النووي كتابَ ابن ماجه من أصول الإسلام، فقد قال النووي

(1)

: قال الأئمة: أصولُ الإسلام من كتب الحديث خمسة: الصحيحان، وهذه الثلاثة.

وذكر الحافظ

(2)

أن أول من أضافَ كتابَ ابن ماجه إلى الأصول أبو الفضل ابن طاهر حيث أدرجه في "أطرافه"، وكذا في "شروط الأئمة الستة"، ثم الحافظُ عبد الغني في كتاب "الكمال في أسماء الرجال" الذي هذبه الحافظ المزي، فذكره فيهم.

قال الحافظ: وإنما عدل ابنُ طاهر ومن تبعه عن عدِّ "الموطأ" إلى عَدِّ ابن ماجه لكون زيادات "الموطأ" على الكتب الخمسة من الأحاديث المرفوعة يسيرة جدًا، بخلاف ابن ماجه، فإن زياداته أضعافُ زياداتِ "الموطأ"، فأرادوا بضم كتاب ابن ماجه إلى الخمسة تكثيرَ الأحاديث المرفوعة. والله أعلم.

وهذه السننُ دَرَجَ بعضُ الناس على تسميتها بالصحاح، ونُوزعوا في ذلك، فذكر ابنُ الصلاح أن الخطيبَ أطلق اسم الصحيح على كتابي الترمذي والنسائي، وأن الحاكم سَمَّى كتابَ

(1)

في مقدمة كتابه "خلاصة الأحكام" 1/ 60.

(2)

في "النكت على ابن الصلاح" 1/ 487.

ص: 20

الترمذي "الجامع الصحيح"

(1)

، وأن أبا طاهر السِّلَفي قال في الكتب الخمسة: اتفق على صحتها علماءُ الشرق والغرب، فقال ابنُ الصلاح: وهذا تساهلٌ، لأنَّ فيها ما صرحوا بكونه ضعيفًا أو منكرًا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف.

ووافق ابنَ الصلاح على ذلك العراقيُّ حيث قال في "ألفيته":

ومَنْ عَليها أطْلَق الصَّحِيحَا

فقد أتى تساهلًا صَرِيحًا

وقد قام بعضُهم بتوجيه إطلاق الصحاح عليها أنها باعتبار الأغلب، فقال الزركشي في نكته على ابن الصلاح

(2)

: تسميةُ الكتب الثلاثة صحاحًا باعتبار الأغلب، لأن غالبها الصحاح والحسان وهي ملحقةٌ بالصحاح، والضعيفُ منها ربما التحق بالحسن، فإطلاقُ الصحةِ عليها مِن باب التغليب.

وقال الحافظ

(3)

في توجيه كلام الحاكم: حكم للجميع بالصحة بمقتضى الغلبة.

وكذا وجَّهه النووي، فقال بإثر كلام السِّلَفي

(4)

: مرادُه أن معظم

(1)

وذكر الحافظ في "النكت على ابن الصلاح" 1/ 481 أن الحاكم أطلق اسم الصحة كذلك على كتابي النسائي وأبي داود، وأن أبا علي النيسابوري وابن عدى والدارقطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد وأبا يعلى الخليلي وغيرهم أطلقوا اسم الصحة على كتاب النسائي.

(2)

فيما نقله عنه السيوطي في مقدمة "زهر الربى على المجتبى".

(3)

في "النكت على ابن الصلاح" 1/ 479.

(4)

فيما نقله عنه الحافظ في "النكت" 1/ 489، والسيوطي في مقدمة "زهر الربى".

ص: 21

الكُتُبِ الثلاثة يُحْتَجُّ به. قال الحافظ

(1)

: أي صالح لأن يُحتج به، لئلا يرِدَ على إطلاق عبارته المنسوخُ أو المرجوحُ عند المعارضة. والله أعلم.

قلنا: وقد أنكر ابنُ الصلاح والنووي

(2)

ما ذهب إليه البغوي في كتابه "المصابيح" من تسمية "السنن" بالحِسان، وأن هذا اصطلاح لا يُعرف عند أهلِ هذا الفن، وأن السنن فيها الصحيحُ والحسنُ والضعيفُ، فإطلاق اسمِ الحسان عليها ليسَ بصواب.

وقد تعقبهما العلامةُ تاج الدين التبريزي فيما نقل عنه الحافظ

(3)

، فذكر أن البغوي إنما أراد بإطلاقِ اسمِ الحسان على "السنن" اصطلاحًا خاصًا له، لا الاصطلاح العام، لأنه (أي البغوي) قال: وأعني بالحسان ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما من الأئمة، ثم قال: وما كان من ضعيفٍ أو غريب أشرتُ إليه، وأعرضتُ عما كان منكرًا أو موضوعًا. فقال الحافظُ بإثر ذلك: ومما يشهدُ لصحة كونه أراد بقوله الحسان اصطلاحًا خاصًا له، أنه يقول في مواضع من قسم الحسان: هذا صحيح، تارة، وهذا ضعيف، تارة، بحسب ما يظهرُ له من ذلك.

(1)

في "النكت" 1/ 489.

(2)

في كتابيهما "المقدمة" ص 37، و"التقريب" ص 47.

(3)

في "النكت على ابن الصلاح" 1/ 445 - 446.

ص: 22

‌البَاعِثُ على تَحْقِيْق السُّنن الأربَعَة

لما كانت السننُ الأربعة - كما سلف - لم يشترط فيها مؤلفوها الصحة، وكانت تجمعُ مع الصحيح الضعيفَ والمنكرَ، فقد وجب تمييزُ صحيحها مِن سقيمها، وتبيينُ ما يُحتج به مما لا يحتج به منها، وقد دعا إلى ذلك غيرُ واحد من الأئمة، لتنقية دين الله مما قد يشوبُه مما ليس منه، فقال ابنُ أبي حاتم

(1)

: ولما كان الدينُ هو الذي جاءنا عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقلِ الرواة، حقَّ علينا معرفتُهم، ووجبَ الفحصُ عن الناقلة، والبحثُ عن أحوالهم، وإثباتُ الذين عرفناهم بشرائط العدالةِ والثبتِ في الرواية مما يقتضيه حكمُ العدالة في نقل الحديث وروايته، بأن يكونوا أمناءَ في أنفسهم، علماءَ بدينهم، أهلَ ورع وتقوى وحفظ للحديث، وإتقان به، وتَثَبُّتٍ فيه، وأن يكونوا أهلَ تمييزٍ وتحصيل لا يشوبُهم كثيرٌ من الغَفَلات، ولا تغلبُ عليهم الأوهامُ فيما قد حفظوه وَوَعَوْه، ولا يُشَبَّهُ عليهم بالأُغلوطاتِ، وأن يُعْزَلَ عنهم الذين جَرَحَهُمْ أهلُ العدالة، وكشفوا لنا عن عَوراتهم في كذبهم وما كان يَعتريهم مِن غالب الغفلة، وسُوءِ الحفظ، وكثرةِ الغلط والسهو والاشتباه، ليُعرف به أدلةُ هذا الدين وأعلامُه، وأمناءُ الله في أرضه على كتابه

(1)

في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل" 1/ 5 - 6.

ص: 23

وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم أهلُ العدالة، فيُتمسك بالذي رَوَوْهُ، ويُعْتَمَد عليه، ويُحكم به، وتجري أمورُ الدين عليه، وليُعرفَ أهلُ الكذب تَخَرُّصًا، وأهلُ الكذب وهمًا، وأهلُ الغفلة والنسيان والغلط ورداءةِ الحفظ، فيكشف عن حالهم، ويُنَبَّأ عن الوجوه التي كان مجرى روايتهم عليها، إن كَذِبٌ فكَذِبٌ، وإن وَهْمٌ فوهم، وإن غلطٌ فغلط، وهؤلاء هم أهلُ الجرح، فيسقط حديثُ من وجب منهم أن يسقط حديثُه، ولا يُعبأ به، ولا يُعمل عليه، ويكتب حديثُ من وجب كتْبُ حديثه منهم على معنى الاعتبار.

وذكر النووي

(1)

أنه ينبغي لكل أحد للتخلُّق بأخلاقِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والاقتداءِ بأقواله وأفعاله وتقريره في الأحكام والآداب وسائرِ معالم الإسلام أن يَعْتمِدَ في ذلك ما صَحَّ، ويَجْتنِبَ ما ضعُف، ثم قال: ولا يغترَّ بمخالفي السنن الصحيحة، ولا يقلد مُعتمدِي الأحاديث الضعيفة، فإن الله سبحانه وتعالى قال:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31] ففي هذه الآيات وما في معناهن حثَّ على اتباعه صلى الله عليه وسلم، ونهانا عن الابتداع والاختراع، وأمرنا اللهُ سبحانه وتعالى عندَ التنازعِ بالرجوعِ إلى الله والرسول، أي الكتاب والسنة، وهذا كلُّه في سُنَّةٍ صحَّت،

(1)

في مقدمة كتابه "خلاصة الأحكام" 1/ 59.

ص: 24

أما ما لم تصح، فكيف تكون سنة، وكيف يُحكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قاله أو فعله من غير مُسَوِّغٍ لذلك، ولا تغترَّنَّ بكثرة المتساهلين في العمل والاحتجاج في الأحكام بالأحاديث الضعيفة، وإن كانوا مصنفين وأئمةً في الفقه وغيره.

وكذا الحافظ ابنُ حجر ذكر

(1)

أن في "السنن" شيئًا كثيرًا لا يصلحُ للاحتجاج به، وأن فيها ما لا يصلحُ للاستشهاد به من حديث المتروكين، ثم قال: وإذا تقرر هذا فسبيلُ من أراد أن يحتجَّ بحديثٍ من السنن أو بأحاديث من المسانيد وَاحِدٌ، إذ جميعُ ذلك لم يشترطْ مَن جَمَعَه الصحة ولا الحُسْن خاصةً، فهذا المحتجُّ إن كان متأهِّلًا لِمعرفة الصحيح من غيره، فليس له أن يحتج بحديثٍ من "السنن" من غير أن ينظُر في اتصالِ إسناده، وحالِ رواته، كما أنه ليس له أن يحتج بحديثِ من المسانيدِ حتى يُحيطَ علمًا بذلك، وإن كان غيرَ متأهِّل لدَرْكِ ذلك، فسبيلُه أن ينظُرَ في الحديث إن كان في "الصحيحين" أو صرَّح أحدٌ من الأئمة بصحته، فله أن يُقلِّد في ذلك، وإن لم يجد أحدًا صححه ولا حسَّنه فما له أن يُقْدِمَ على الاحتجاج به، فيكونَ كحاطبِ ليل، فلعلَّه يحتجُّ بالباطل وهو لا يشعر.

قلنا: فوضح مما ذكره هؤلاء الأئمةُ الأعلام أنَّ النصيحة لله ورسوله تقتضي من الناظر في هذه السنن وغيرها من المسانيد

(1)

في "النكت على ابن الصلاح" 1/ 448 - 449.

ص: 25

والمعاجم والأجزاء أن يَتثبَّتَ من صحة أحاديثها، ويُمَيِّزَ منها ضعيفَها وسقيمها، وذلك ليتبعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على علم، ويَعْبُدَ اللهَ على بصيرة، وهذا ما قصدْنا إليه إن شاء الله في إخراج هذه "السنن".

والباعثُ الآخر على عملنا هذا هو إخراجُ نصوص ومتون هذه "السنن" بريئةً من شوائب التصحيف والتحريف، سالمةً من غوائل السقط والتلفيق، كما وقع في الطبعات السالفة مما سنُشير إليه.

وكنا نرمي من وراء ذلك أيضًا، إلى إخراج الموسوعة الحديثية، التي تُوَفِّر النصوصَ الصحيحة والحسنة من السنة النبوية المطهرة، وهذا لا يتأتى إلا إذا قمنا بمسح شامل للمصادر الأولى التي أُلفت في السنة، وذلك أولًا بالحصول على أصولها الخطية الموثقة التي شهد على صحتها أهلُ العلم، ليُصار إلى إخراجِ نصوصِها على الوجه الذي ذكرنا، ثم الحكم عليها بما تقتضيه قواعد علم الحديث، مستهدين في ذلك بأقوال أئمة هذا الشأن وجهابذة هذا الفن، مترسّمين خطاهم فيما ذهبوا إليه واتفقوا عليه.

وإن تأكيدنا على ضرورة الاعتماد على الأصول الخطية الموثقة والحكم على أحاديث السنن، إنما كان، لأن كثيرًا من كتب السنة إما أنها لم تحقق تحقيقًا علميًا يطمئن إليه الباحثُ، ويرضى عنه القارئُ، أو لم يُحْكَمْ على أحاديثها بما يليق بها من صحة أو ضعف، فلم يتميز للقارئ ما يُحتجُّ به منها في الأحكام الشرعية،

ص: 26

وقد عرفت عظيمَ الأهمية في ذلك.

وخيرُ دليل على ضرورة ما ذهبنا إليه ما وجدناه أثناء خدمتنا لمسند الإمام أحمد في الطبعة الميمنية المتداولة من فشو التحريف والتصحيف وما وقع فيها من سقط غيرِ قليل استدركناه من الأصول الخطية.

وهذه "السنن الكبرى" للنسائي قد طُبعت

(1)

بتحقيق أناسٍ ليست لهم دراية بهذا العلم، ففشا في طبعتهم ما أفسد الكتابَ من الخطأ والتصحيف، حتى إنه وقع فيها سقط يزيد على ثلاث مئة حديث.

وأما عن خطة العمل في هذه الكتب، فإننا سنضعُ لكل كتاب منها المنهجَ الذي يحقق الغاية التي نتوخّاها، والتي يُمكن اختصارُها في هذين الأمرين: توثيق المتون، والحكم عليها، ولذا سيجد القارئ أننا اخترنا طريقةً في التحقيق تلبي حاجته، وتفي بالغرض دون بسطٍ ولا تفصيل، وإنما يُحال على الكتب التي توسعنا فيها، كمسند الإمام أحمد، وصحيح ابن حبان، وشرح مشكل الآثار وغيرها، لمن أراد البسط والتفصيل والتوسع، وذلك حتى لا يتكرر الجهدُ، ولا نطيل الصفحات بما هو موجودٌ في مظانه

(1)

في دار الكتب العلمية سنة 1991 م.

ص: 27

من الكتب التي أصدرتها المؤسسة، ولتجنب زيادة حجم الكتاب في غير ضرورة، ومما قد ينوء به القارئ ثمنًا واستيعابًا.

4/ 1/ 2002

شعيب الأرنؤوط

محمد نعيم عرقسوسي

إبراهيم الزيبق

ص: 28

‌مُقَدِمَة تَشتَمل على تَرجَمةِ الإمَامِ الترمِذي وَالتَّعرِيفِ بكتابِهِ الجَامِع وَوَصفِ الأصُول المعتمدة في تحقيقه

‌اسْمُهُ ونَسَبُه وكُنْيَتُه:

هو الإمام الحافظُ، الناقد المُبرِّزُ في عِلَلِ الحديثِ وفقهه، محمد بن عيسى بن سَوْرَةَ بن موسى بن الضحاك، أبو عيسى

(1)

السُّلَمي، البُوغي، الترمذي، الضرير، صاحب التصانيف النافعة في علمِ الحديث كـ "الجامع"، و"العلل"، و"الشمائل" وغيرها.

(1)

وهو الذي اختار هذه الكُنية لِنفسه، فكان لا يعُبِّرُ عن نفسه إلا بها، وقد كره بعضُ العلماء التكني بأبي عيسى استنادًا إلى حديث مرسلٍ وآخر موقوفٍ على عمر، رواهما ابن أبي شيبة في "المصنف" ولا حجة فيهما، لأن الأولَ مرسل، والثاني موقوف على عمر، ومستند الجواز حديث أبي داود (4963) من طريق هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب ابنًا له تكنى أبا عيسى، وأن المغيرة بن شعبة تكنى بأبي عيسى، فقال له عمر: أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنّاني، وفي ترجمة المغيرة من "الإصابة" لابن حجر: ذكر البغوي من طريق زيد بن أسلم أن المغيرة استأذن على عمر، فقال: أبو عيسى، قال: مَنْ أبو عيسى. قال: المغيرة بن شعبة، قال: فهل لعيسى مِن أب، فشهد له بعضُ الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكنيه بها، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له، وإنا لا ندري ما يُفْعَلُ بنا، فكناه أبا عبد الله، قال المباركفوري في مقدمته على "تحفة الأحوذي" 1/ 273 فأخبر المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناه بأبي عيسى وشهد له بعض الصحابة، فأيُّ دليلٍ يكون أعظمَ مِن هذا للجواز.

ص: 29

وهذا هو المشهورُ في اسمه، وكذا سماه ونسبه تلميذُه أشهرُ رواة "الجامع" عنه أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي

(1)

، والحافظُ أبو سعد عبدُ الرحمن بن محمد الإدريسي

(2)

، والحافظُ غنجار محمدُ بنُ أحمد في "تاريخ بُخارى"

(3)

، والحافظ ابنُ الأثير في "جامع الأصول"

(4)

.

وقيل في اسمه: محمدُ بنُ عيسى بن يزيد بن سَورة بن السكن

(5)

، وقيل: محمد بن عيسى بن سَورة بن شدّاد

(6)

.

والسُّلَمي، بضم السين وفتح اللام، نسبة إلى بني سُلَيم - بالتصغير - بن منصور قبيلة من قيس عَيلان

(7)

.

وسَورة، بفتح السين وسكون الواو بعدها راء مهملة، اسم جد الترمذي

(8)

.

(1)

"فهرسة ابن خير الإشبيلي" ص 118.

(2)

"فضائل الكتاب الجامع" لأبي القاسم الإسعردي الحافظ ص 31.

(3)

نقله عنه الحافظ ابن سيد الناس في مقدمة شرحه "النفح الشذي بشرح جامع الترمذي" 1/ 164.

(4)

1/ 193.

(5)

نقله المزي في "تهذيب الكمال" في ترجمته 26/ 250، وتبعه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 13/ 270.

(6)

سماه به الحافظ أبو يعلى الخليلي في "الإرشاد" 3/ 904، وتبعه السمعاني في نسبة البوغي من "الأنساب" 2/ 335.

(7)

"الأنساب" لأبي سعد السمعاني 7/ 111 - 112.

(8)

"توضيح المشتبه" لابن ناصر الدين الدمشقي 5/ 202 - 203.

ص: 30

والبوغي، نسبة إلى بُوغ، بضم الباء الموحدة وسكون الواو بعدها غين معجمة: وهي قرية من قرى ترْمِذ على ستة فراسخ

(1)

.

والترمذي، نسبة إلى تِرمذ، قال الذهبيُّ: قال أبو الفتح القشيريُّ (ابن دقيق العيد): ترمذ بالكسر، وهو المستفيضُ على الألسنةِ حتى يكونَ كالمتواتر، وقال المُؤْتَمَنُ الساجيُّ: سمعتُ عبدَ الله بن محمد الأنصاري (أبو إسماعيل الهَرَوي) يقول: هو بضم التاء، ونقل الحافظ أبو الفتح اليَعْمَري (ابن سيّد الناس) أنه يقال فيه: ترمذ، بالفتح

(2)

.

قلنا: على الكسر اقتصر أبو بكر الحازمي، وابن منظور

(3)

، وترمذ مدينة قديمة في إقليم خراسانَ على الضفةِ الشرقيةِ من نهر جيحونَ، وهو يضرب سُوْرَها، لها رَبَضٌ كبير يُحيط بها

(4)

. وبالمقاييس الجغرافية المعاصرة تقع ترمذ على خط عرض 37 شمالًا تقريبًا، وخط طول 67 شرق غرينتش، وهي في شمال إيران، وتُعرف الآن باسم ترمز - بالزاي -، دخلت في الإسلام عام (70) هـ، فتحها موسى بنُ عبد الله بن خازم الذي خرجَ عن طاعة

(1)

"الأنساب" 3/ 335، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان 4/ 278.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 13/ 273 - 274.

(3)

"الأماكن" للحازمي ص 160، و"لسان العرب" لابن منظور مادة ترمذ 3/ 478.

(4)

"المسالك والممالك" لابن حَوْقَل ص 394، و"معجم البلدان" لياقوت الحموي 2/ 26 - 27، و"بلدان الخلافة الشرقية" لِلسترنج ص 484.

ص: 31

الخليفة، فاستقلَّ بحُكمها خمسةَ عشر عامًا، وأفلح عثمانُ بنُ مسعود في استرداد المدينةِ للخلافة في نهاية عام (85) هـ

(1)

.

وقد أخبر أبو عيسى أن جَدَّهُ كان مِن مرو، أشهر مدن خراسان، وانتقل منها أيام الليثِ بنِ سيّار إلى ترمذ، ومرو هذه أنجبت من المحدثين والفقهاء ما لم تُنجب مدينة من المدن الإسلامية مثلهم، منهم الإمام أحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه وغيرهم

(2)

.

‌مولده وعصره:

أرّخ الذهبيُّ في "السير" مولدَ الترمذي، فقال: وُلِدَ في حدود سنة عشر ومئتين، بينما أرّخه في "تاريخ الإسلام" بأنه وُلِدَ سنة بضع ومئتين، وجزم صاحبُ "جامع الأصول" أنه وُلِدَ سنة تسع ومئتين

(3)

، وعلى أية حال فالتواريخ متقاربة.

وتُعد الفترةُ التي عاش فيها الإمام الترمذي مِن أخصبِ الفتراتِ بالنسبة لتدوين الحديث، وأسعدِها بخدمةِ السنةِ المطهرة، ففيها ظَهَرَ كبارُ المحدثين والحفاظ، وجهابذةُ المؤلفين، وحُذَّاق النقد،

(1)

"دائرة المعارف الإسلامية" 3/ 44، و"تراث الترمذي العلمي" للدكتور أكرم العمري ص 5.

(2)

"فهرسة ابن خير الإشبيلي" ص 118.

(3)

"السير" 13/ 270، و"تاريخ الإسلام" وفيات (261 - 280)، و"جامع الأصول" لابن الأثير 1/ 193.

ص: 32

وفيها انتشر علمُ الحديث في مختلفِ الأقطارِ الإسلامية، وتعددت رحَلاتُ العلماء لِتلقيه عن الشيوخ والحفاظ، وفيها دُوِّنتِ السنةُ النبوية الشريفة في مؤلفات رائعة أشهرها:"مسند الإمام أحمد"، و"الجامع الصحيح" للبخاري، و"صحيح مسلم"، و"سنن سعيد بن منصور"، و"المصنف" لابن أبي شيبة، و"مسند الحميدي"، و"سنن الدارمي"، و"سنن أبي داود"، و"جامع الإمام الترمذي"، فكأن ذلك العصر كان خلاصةَ العصورِ في تحصيل هذا العلمِ الشريفِ، وما أحسنَ ما قاله الذهبي حين قال: ولقد كان في هذا العصرِ وما قارَبَهُ مِن أئمة الحديث النبوي خلقٌ كثير، وما ذكرنا عُشرَهُم هنا، وأكثرُهم مذكورون في "تاريخي"، وكذلك كان في هذا الوقت خَلْقٌ مِنْ أئمة أهلِ الرأي والفروع، وعددٌ من أساطين المعتزلة والشيعة وأصحابِ الكلام الذين مشَوا وراء المعقول

(1)

.

هل وُلِدَ الإمامُ الترمذي أكْمَهَ أم أنه أضرَّ بأخرة؟

الذي انتهى إليه حُذّاقُ الأئمة وحفاظُها أنه وُلِدَ مبصرًا، ثم أضرَّ بأَخَرَة.

قال الإمامُ الذهبي: اختلف فيه، فقيلَ: وُلِدَ أعمى، والصحيحُ أنه أضر في كِبَرِه بعدَ رحلته وكتابته العلم

(2)

.

(1)

"تذكرة الحفاظ" 2/ 627.

(2)

"السير" 13/ 270.

ص: 33

وقال الحافظ ابنُ كثير: والذي يظهر مِن حال الترمذي أنه إنما طرأ عليه العمى بَعْدَ أن رَحَلَ وسَمِعَ، وكتب وذاكر، وناظر وصنّف

(1)

.

وقد نقل الحافظ ابن حجر خبرًا عن الإدريسي بسندٍ له، قال أبو عيسى: كنتُ في طريقِ مكة وكنتُ قد كتبتُ جزأين مِن أحاديث شيخٍ، فمرَّ بنا ذلك الشيخ، فسألتُ عنه، فقالوا: فلان، فَرُحْتُ إليه وأنا أظهِرُ أن الجزأين معي، وإنما حملتُ معي في مَحْمِلِي جزأين غيرهما شِبههما، فلما ظفرتُ به سألتُه السماعَ، فأجاب وأخذ يقرأُ مِن حفظه، ثم لمح فرأى البياضَ في يدي، فقال: أما تستحي مني؟! فقصصتُ عليه القِصة، وقلت له: إني أحفظُه كُلَّه، فقال: اقرأ، فقرأتُه عليه على الوِلاء، فقال: هل استظهرتَ قبل أن تجيءَ إليَّ؟ قلتُ: لا، ثم قلت له: حدثني بغيره، فقرأ عليَّ أربعين حديثًا من غرائب حديثه، ثم قال: هاتِ، فقرأتُ عليه من أوله إلى آخره، فقال: ما رأيتُ مثلك! ثم نقل الحافظُ ابنُ حجر، عن الحافظ يوسفَ بنِ أحمد البغدادي: أن أبا عيسى أضرَّ في آخِرِ عمره، وقال: وهذا مع الحكاية المتقدمة عن الترمذي يردُّ على من زعم أنه وُلد أكمه

(2)

.

(1)

"البداية والنهاية" 11/ 72.

(2)

"تهذيب التهذيب" 3/ 668 - 669، وانظر القصة بسندها في "فضائل الكتاب الجامع" للحافظ أبي القاسم عبيد الإسعردي ص 31.

ص: 34

وقال الحاكم: سمعتُ عمر بن عَلَّكَ (المتوفى سنة 325 هـ) يقول: ماتَ البخاري، فلم يخلِّف بخراسانَ مثلَ أبي عيسى في العلم والحفظ والورع والزهد، بكى حتى عَمِيَ، وبقي ضريرًا سنين

(1)

.

‌طَلَبُهُ العِلْمَ ورِحْلَتُهُ وشُيُوخُهُ:

ليس لدينا في المصادر المتيسَرةِ لنا نصٌّ يَكْشِفُ عن أولِ أمره، وكيفية توجهه إلى طلب العلم، والذي يَغْلِبُ على ظننا أنه بدأ طلب العلم مبكرًا، وبالاستناد إلى ما كان عليه عادةُ أهل ذلك العصر الذين كانوا يأخذون بأيدي أبنائِهم وهم صغارٌ إلى حلقاتِ العلم المختلفة التي كانت تُقامُ في المساجد لِتعلم العربية والفقه والأصول ومصطلح الحديث، وما إلى ذلك هن العلوم التي تُؤهِّلُ الطالبَ للتخصص في فنٍّ مِن فنون الثقافة الإسلامية نستطيعُ أن نقولَ: إنَّ الترمذي بدأ يتردَّدُ على حلقات العلم التي كانت تُقام في ترمذ، يتلقى فيها القرآنَ وعلومَه، والسنةَ رواية ودراية، والعربية وآدابها حتى صارَ مؤهلًا لاختيارِ ما هو محبَّبٌ إليه مِن تلك العلوم للتخصص بها، وقد غلب عليه حبُّ الحديث روايةً ودِرايةً، فاتجهتْ هِمتُه إلى الرِّحلة والسماعِ من الشيوخ الثقات الذين بلغوا الغايةَ في هذا العلم، فرحل إلى شيوخ وقته في بلادهم، وقصد أجلة علماءِ زمانه في مُدنهم وقراهم، ليأخُذَ عنهم، ويُفيد منهم.

(1)

"سير أعلام النبلاء" 13/ 273، و"تذكرة الحفاظ" 2/ 634.

ص: 35

ولم يقتصر الإمامُ الترمذي على تلقي العلمِ عن الشيوخ في تِرمذ من أهلها والقادمينَ إليها، بل رَحَلَ في طلب العلم على عادةِ النابهين مِن طلبة العلم في زمانه، فقد ذكر الحافظ المزي في حاشية "تهذيب الكمال" في ترجمة أحمد بن عبيد الله بن سهيل أن رحلة الترمذي كانت بعدَ الأربعين ومئتين.

وقوله: بعد الأربعين ومئتين فيه نظر، فقد ثبت لنا مِن خلال تراجم شيوخِه القدماء الذين أخذ عنهم الترمذيُّ وسَمِعَ منهم أن رحلتَه كانت قبلَ ذلك، فقد سَمِعَ مِن قُتيبة بن سعيد البَغْلانِي المتوفَّى سنة (240 هـ)، وقد عُمَّر، وهو من شيوخ أحمد بن حنبل، وسَمِعَ من إسحاق بنِ راهويه المتوفى سنة (238 هـ)، وسمع علي بن الحسن بن سليمان الواسطي المتوفى سنة (237 هـ)، وسمع من محمد بن عمرو السوّاق البلخي المتوفَّى سنة (236 هـ)، وسمع من أحمد بن محمد بن موسى المروزي السِّمْسَار المتوفى سنة (235 هـ)، كما سمع من جملة شيوخ أُرّخت وفياتهم سنة (239 هـ) و (240 هـ).

وكانت رحلته إلى مدنِ خُراسان الأخرى، فقد دخلَ بُخارى كما صرح غُنْجارٌ صاحبُ "تاريخ بخارى"، ودخل مرو، والري، ثم العراق حيث دخل البصرةَ وواسط والكوفة وبغداد، ثم الحجاز.

وقول الشيخ أحمد محمد شاكر: ولكني لا أظنه دخل بغداد، ومتابعة الدكتور نور الدين عتر والدكتور محمد حبيب الله مختار له

ص: 36

في ذلك وهمٌ منهم، فقد نصَّ الحافظ ابن نقطة البغدادي في كتابه "التقييد" 1/ 97 على سماع الترمذي ببغدادَ مِن أربعة بغداديين، وهم الحسن بنُ الصبَّاح (ت 249 هـ)، وأحمد بن حسان بن ميمون، وأحمد بن منيع (ت 244 هـ)، ومحمد بن إسحاق الصاغاني (ت 270 هـ)، وقد روى عن ثمانية وثلاثين شيخًا من بغداد أو نزلائها، وأقدمهم وفاة أربعة توفوا سنة (243 هـ)، وكل مَنْ توفي من البغداديين في سنة (241 هـ) أو قبلها فإن الترمذي حدث عنهم بالواسطة، وعددهم ثمانية، ولم يُحدث عن الإمام أحمد المتوفى سنة (241 هـ) رغم أن مثلَه يَحْرِصُ على المبادرة للقائه والأخذ عنه، وهذا يدل على أن الترمذي دخل بغداد بعد وفاةِ الإمام أحمد (ت 241 هـ)، وفي سنة (243 هـ) أو قبلها حيث روى عن أربعة من البغداديين توفوا في هذه السنة، فلا بد أنه دخل سنة (241) هـ - (243) هـ

(1)

.

قلنا: وإذا كان لم يدخل بغداد، لَنص على ذلك الإمامُ الذهبي في جملة ما استثناه حين قال: ولم يرحل إلى مصرَ والشام.

وقد قُمنا باستقصاء شيوخه في هذا الكتاب، فبلغوا ثمانيةً ومئتي شيخ، وأحصينا عددَ الأحاديث التي رواها لِكل واحدٍ منهم فتبين لنا أن الشيوخَ الذين عوَّل عليهم وأكثرَ مِن الرواية عنهم تسعةُ شيوخ، كل واحد منهم حافظٌ ثقةٌ ثبتٌ، إمام مشهودٌ له بالتقدمِ

(1)

"تراث الترمذي العلمي" للدكتور أكرم العمري ص 9 - 13.

ص: 37

والإتقانِ، ويَجْدُرُ بنا أن نُعرَّف كُلَّ واحد من هؤلاء التسعة ونذكرَ عددَ الأحاديث التي رواها عنه الإمام الترمذي في هذا الكتاب.

1 -

شيخ الإسلام المحدِّثُ الإمامُ الثقةُ الجوَّال، راوية الإسلام أبو رجاء قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي، مولاهم، البَلْخي البَغْلاني، من أهل قرية بغلان، وهي من قرى بلخ، مولده في سنة تسع وأربعين ومئة، وارتحلَ في طلب العلم إلى العراق والمدينة ومكة والشام ومصر، وكتب ما لا يُوصَفُ كثرةً، وذلك في سنة ثنتين وسبعين ومئة، فحمل الكثيرَ عن مالك والليث وحماد بن زيد، وأبي عوانة، وأبي الأحوص، وعبد الواحد بن زياد، وشهاب بن خِراش، وعبد الرحمن بن أبي الرِّجال، وابنِ المبارك، وخلقٍ كثير.

حدَّث عنه الحميديُّ ويحيى بنُ عبد الحميد الحِمَّاني، وأحمدُ بن حنبل فأكثر، ويحيى بنُ معين، وعلي بنُ المديني، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو بكر بنُ أبي شيبة، وطائفة ماتوا قبلَه، وروى عنه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي في كتبهم فأكثروا، وثقه يحيى بنُ معين، وأبو حاتم، والنسائي.

وقال أبو حاتم: حضرتُ قتيبةَ بنَ سعيد ببغداد وقد جاءه أحمدُ بنُ حنبل، فسألَه عن أحاديث فحدثه، ثم جاءه أبو بكر بنُ أبي شيبة وابنُ نمير بالكوفة ليلة، وحضرتُ معهما، فلم يزالا ينتخبانِ عليه وأَنْتَخِبُ معهما إلى الصُّبح، توفي سنة أربعين ومئتين

(1)

، وعدة الأحاديث التي رواها الترمذي عنه ست مئة حديث.

(1)

سير أعلام النبلاء 11/ 13 - 24، و"تهذيب الكمال" 23/ 523 - 539.

ص: 38

2 -

الإمام الحافظ، راويةُ الإسلام أبو بكر محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كَيسان العبدي، البصري، لُقَّبَ بُندارًا، لأنه كان بندارَ الحديث في عصره ببلده، والبُندار الحافظ، وُلد سنة سبع وستين ومئة، حدّث عنه أصحابُ الكتب الستة.

وقال ابنُ خزيمة في كتاب التوحيد له: أخبرنا إمامٌ أهل زمانه في العلم والأخبار محمد بن بشّار.

وقال ابنُ حبان: كان يحفظ حديثه، ويقرؤه مِن حفظه، وتوفي سنة ثنتين وخمسين ومئتين

(1)

، وعدةُ الأحاديث التي رواها الترمذي عنه خمس وستون وأربع مئة.

3 -

الإمام الحافظ الحجة، أبو أحمد محمودُ بنُ غيلان، العَدَوي، مولاهم المروزي، من أئمة الأثر قدم بغداد حاجًا، وحدث بها، حدث عن ابن عيينة وأبي معاوية ووكيع وعبدِ الرزاق وطبقتهم فأكثر وجوَّد، وكان مِن فرسان الحديث.

حدث عنه الجماعةُ سوى أبي داود، قال أحمد بن حنبل: ثقة أعرفه بالحديث، صاحب سنة، قد حُبِسَ بسببِ القُرآن، قال النسائي: ثقة، توفي في رمضان، سنةَ تسعٍ وثلاثين ومئتين

(2)

، وعدةُ الأحاديث التي رواها الترمذي عنه ثلاثُ مئةِ حديث وحديث.

(1)

"سير أعلام النبلاء" 12/ 144 - 149.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 12/ 223 - 224، و"تاريخ بغداد" 13/ 89 - 90.

ص: 39

4 -

الإمامُ الحجة القدوة، زينُ العابدين أبو السّري هنادُ بن السَّريّ بن مُصعب بن أبي بكر بن شبر التميمي الدارمي الكوفي، مصنف كتاب الزهد وغير ذلك. روى أبو العباس السرَّاج أنه قال: وُلِدْتُ سنة اثنتين وخمسين ومئة. حَدَّثَ عنه الجماعةُ، لكن البخاري في غير "صحيحه" اتفاقًا لا اجتنابًا سئل أحمد بن حنبل: عمن نَكْتُبُ بالكُوفةِ، فقال: عليكم بهنَّاد، وقال أبو داود: سمعتُ قتيبة يقول: ما رأيتُ وكيعًا يُعظِّم أحدًا تعظيمَه لِهَنَّاد. لم يتزوج قطُّ ولم يتسَرَّ، وكان يُقال له: راهبُ الكوفة، ماتَ في يوم الأربعاء آخرَ يوم من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين ومئتين، وعاش إحدى وتسعين سنة

(1)

. وعدةُ الأحاديث التي رواها الترمذي عنه تسع وثمانون ومئتان.

5 -

الإمام الحافظُ الثقةُ أبو جعفر أحمدُ بن منيع بن عبد الرحمن البغويُّ، ثم البغداديُّ. وأصلهُ مِن مَرْو الرُّوذ، رحل وجمع وصنَّف "المسندَ"، حدث عنه الستةُ، لكن البخاري بواسطة، وثقه صالح جزرة وغيرُه، ولد سنة ستين ومئة، ومات في شوّال سنة أربع وأربعين ومئتين

(2)

. وعدةُ الأحاديث التي رواها عنه الترمذي خمس وخمسون ومئتان.

(1)

"السير" 11/ 465 - 466.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 1/ 483 - 484.

ص: 40

6 -

الإمام المحدث الحافظ شيخ الحرم، أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أبي عمر العَدَني، صنف "المسند" حدث عنه مسلم والترمذي وابن ماجه وبواسطةٍ النسائيُّ، حج سبعًا وسبعين حجةً، سُئِلَ أحمد بن حنبل: عمن نكتب؟ فقال: أما بمكة، فابن أبي عمر وقال أبو حاتم: صدوق، وكانت فيه غفلة، مات بمكة لإحدى عشرة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين ومئتين وكان من أبناء التسعين

(1)

. وعدة الأحاديث التي رواها الترمذي عنه ثلاث وثمانون ومئة حديث.

7 -

الحافظ الثقةُ الإمامُ، شيخ المحدثين، أبو كُرَيب محمد بن العلاء بن كريب الهَمْدَاني الكوفي، وُلِدَ سنةَ إحدى وستين ومئة، وحدث عنه أصحابُ الكتب الستة، وثقه النسائي وغيره، وقال أبو حاتم: صدوق، قال موسى بن إسحاق: سمعت من أبي كريب مئة ألف حديث قال إبراهيم بن أبي طالب: قال لي محمد بن يحيى الذُّهْلي: مَن أحفظ من رأيتَ بالعراقِ؟ قلتُ: لم أر بعد أحمد بن حنبل أحفظَ مِن أبي كريب، وكان ابنُ عقدة يُقدم أبا كريب في الحفظ والكثرة على جميعِ مشايخهم ويقول: ظهر لأبي كريب بالكوفة ثلاثُ مئة ألف حديث، بلغ في رحلته إلى دمشق قاصِدًا إفريقية، مات سنة ثمان وأربعين ومئتين، وعمره سبعة وثمانون عامًا

(2)

، وعدة الأحاديث التي رواها الترمذي عنه ثمان وسبعون ومئة حديث.

(1)

"السير" 12/ 96 - 98، و"الجرح والتعديل" 8/ 124 - 125.

(2)

"السير" 11/ 394 - 398.

ص: 41

8 -

الحافظ العلامة الحجة أبو الحسن علي بن حُجْر بنِ إياس بن مقاتِل بن مُخادِش بن مُشَمْرج السعدي المروزي، ولجده مُشَمْرِج بنِ خالد صحبة، وُلِدَ سنةَ أربع وخمسين ومئة، وارتحل في طلب العلم إلى الآفاق، حدث عنه البخاريُّ ومسلمٌ والترمذي والنسائي، قال محمدُ بنُ علي بن حمزة: كان يَنْزِلُ بغداد، ثم تحوَّلَ إلى مرو، فنزل قرية زَرْزَم، وكان فاضلًا حافظًا، ووثقه النسائي، فقال: ثقة مأمون حافظ، وقال أبو بكر الخطيب: كان صادقًا مُتْقِنًا حافظًا، وقال الحافظ أبو بكر محمد بن حمدون بن سَنْجان المروزي: سمعتُ عليَّ بن حُجر يقول: انصرفتُ مِن العراقِ وأنا ابنُ ثلاث وثلاثين سنة، فقلت: لو بقيتُ ثلاثًا وثلاثين سنة أخرى، فأروي بَعض ما جمعتُه من العلم، وقد عشت بعدُ ثلاثًا وثلاثين وثلاثًا وثلاثين أخرى، وأنا أتمنى بعدما كنتُ أتمنى وقتَ انصرافي من العراق، قال الإمام الذهبيُّ معلقًا: هذا على سبيل التقريب، وإلا فلم يبلغ الرجلُ تسعًا وتسعين سنة، قال الذهبي: كان علي بن حجر مِن أوعية العلم، كتب عنه بضع وسبعون ومئة بالحرمين والعراق والشام والجزيرة وخُراسان، له مصنفاتٌ مفيدة منها "أحكام القرآن" ومات في يوم الأربعاء منتصفَ شهر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين ومئتين

(1)

. وعدة ما رواه الترمذي عنه في "الجامع" اثنانِ وسبعونَ ومئة حديث.

(1)

"السير" 11/ 507 - 513.

ص: 42

9 -

الإمام الحافظ الحجة الجوَّال، أبو محمد، عبد بن حُميد بن نصر، الكِسي، وُلِدَ بعد السبعين ومئة، صنف "التفسيرَ الكبيرَ"، و"المسند"، حدث عنه مسلم والترمذي والبخاري تعليقًا قال ابن حبان: كان ممن جمع وصنف مات سنةَ تسع وأربعين ومئتين

(1)

. وعدة الأحاديث التي رواها عنه الترمذي في "جامعه" إحدى وستون ومئة حديث.

10 -

الإمام الحافظ محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجُعْفي، أبو عبد الله البخاري جبلُ الحفظ وإمامُ الدنيا في فقه الحديث، ولد سنة أربع وتسعين ومئة، سمع ببخارى وبلخ ونيسابُور والري وبغداد والبصرة والكوفة ومكة والمدينة ومصر والشام، وقد أخبر عن نفسه أنه كتب عن ألف وثمانين رجلًا ليس فيهم إلا صاحبُ حديث، وهُوَ أوَّلُ مَنْ صنَّفَ في الصحيح، فقد صنف كتابًا سماه:"الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه" ولم يضمِّنه جميعَ الصحيح كما صرح هو بذلك حيث قال: وتركت من الصحاح كي لا يطولَ الكتاب.

وقد لازمه الترمذيُّ طويلًا وأخذ عنه العلمَ الكثير، وأفاد منه في معرفة العلل وفقه الحديث، وتخرج على يديه وعُرِفَ به، فقد صرّح في آخر كتاب "الجامع" بأن أكثرَ ما ذكره فيه من العلل والكلام في الرجال والتاريخ، فإنه مما ناظر به محمد بن إسماعيل، وقد نوَّه

(1)

"السير" 12/ 235 - 238.

ص: 43

بفضله، وشهد له بالتفوق على أئمة عصره، فقال: ولم أر بالعراق ولا بخُراسانَ في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبيرَ أحد أعلمَ من محمد بن إسماعيل، وكان محمد بن إسماعيل يُعلي من شأن الترمذي، ويُكبر علمه وحفظه، حتى إنه أخذ عنه بعض الأحاديث وسمع منه، فقد قال في "جامعه" عن حديث:"يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك"(3727): وقد سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث واستغربه.

وقال أيضًا في جامِعِهِ في حديث ابن عباس (3303) سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث، وقد قال للترمذي: ما انتفعتُ بكَ أكثرَ مما انتفعتَ بي، وكان البخاري وقتها بَيْنَ سنة 250 هـ وسنة 255 هـ قد بلغ أوجَ مجده وشُهرته وكان الترمذي جديرًا بذلك التقدير من شيخه، فقد قال الحافظ عمر بن عَلّكْ: مات البخاري فلم يُخَلِّفْ بخراسان مثل أبي عيسى في العلمِ والحفظ والورعِ والزهد، بكى حتى عَمِيَ وبقي ضريرًا سنين، توفي الإمام البخاري سنة ست وخمسين ومئتين عن اثنتين وستين سنة

(1)

. وعدة الأحاديث التي رواها عنه في "جامعه" إحدى وأربعون. وعلى الرغم من قلة روايته عنه إلا أنه أفاد منه علمًا جمًّا في علل الحديث وفقهه، وسجل ذلك في كتابه "الجامع" في مئة وأربعة عشر موضعًا

(2)

. وقد شارك الترمذيُّ البخاريَّ ومسلمًا في الرواية عن

(1)

"سير أعلام النبلاء" 12/ 391 - 471.

(2)

ثلاثة عشر منها في كتاب الطهارة، وإحدى وعشرون في الصلاة، وأربعة في =

ص: 44

تسعة عشر شيخًا، وسبعةٍ وعشرين شيخًا شارك الترمذي البخاري فيهم، وواحدٍ وأربعين شيخًا شارك الترمذيُّ مسلمًا فيهم.

ولقي الترمذيُّ الإمامَ مسلم بنِ الحجاج القشيري النيسابوري لكن لم يخرج عنه في "الجامع" إلا حديثًا واحدًا في الصوم، باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان، رقم (687).

وكان يُذاكِرُ الإمام أبا داود سليمانَ بن الأشعث السجستاني صاحبَ "السنن" فقد نقل عنه بإثر الحديث (466): سمعت أبا داود السجزي يعني سليمان بن الأشعث يقول: سألتُ أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فقال: أخوه عبد الله لا بأس به.

‌تَنَوُّعُ ثقافته:

إن المطالع لكتاب "الجامع" لأبي عيسى الترمذي يدرك عظمةَ هذا الإمام، ويلمس سعة دائرته المعرفية، وتنوع علومه وثقافته

= الزكاة، وستة في الصوم، وخمسة في الحج، وسبعة في الجنائز، وسبعة في النكاح، وثلاثة في البيوع، واثنان في الأحكام، وأربعة في الحدود، وفي موضع في أبواب العيدين، وثلاثة في النذور والأيمان، وستة في فضائل الجهاد، وخمسة في اللباس، واثنان في الأطعمة، وفي الأشربة في موضع واحد، وفي البر والصلة في موضع، وفي الفتن في موضع، وثلاثة في صفة الجنة، وفي صفة جهنم في موضع، وخمسة في الاستئذان، وثلاثة في فضائل القرآن، وخمسة في التفسير، وثلاثة في الدعوات واثنان في المناقب، نقل ذلك صاحب "كشف النقاب" 1/ 81 عن كتاب "مؤلفين صحاح ستة" ص 153 - 158.

ص: 45

مما كان يختصُّ به أو مما كان له فيه مشاركةٌ قوية. وقد شهد له العلماءُ بذلك، فقد قال أبو بكر بن العربي: وليس فيهم مثلُ كتاب أبي عيسى حلاوةَ مقطعٍ، ونفاسَةَ مَنْزعٍ، وعُذُوبَةَ مشرعٍ، وفيه أربعةَ عشرَ علمًا فرائد: صنَّف، وذلك أقربُ إلى العمل، وأسندَ وصحح، وأشهرَ وعدد الطرقَ، وجرَّح وعدل، وأسمى وأكْنى، وَوَصَلَ وقطع، وأوضح المعمولَ به والمتروك، وبيَّنَ اختلافَ العلماءِ في الردِّ والقبُولِ لآثاره، وذكر اختلافَهم في تأويله، وكل علم مِن هذه العلوم أصلٌ في بابه، فردٌ في نصابه

(1)

.

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن رُشَيد: هذا الذي قاله القاضي أبو بكر في بعضه تداخُلٌ، مع أنه لم يستوف تعديدَ علومه، ولو عدَّد ما في الكتابِ من الفوائد - بهذا الاعتبار - لكانت علومُه أكثرَ من أربعة عشر: فقد حسَّن، واستغربَ، وبين المتابعةَ والانفرادَ، وزياداتِ الثقات، وبيّنَ المرفوعَ مِن الموقوف، والمرسلَ من الموصول، والمزيد من متصل الأسانيد، ورواية الصحابة بعضِهم عن بعضٍ، وروايةَ التابعين بعضهم عن بعض، ورواية الصاحب عن التابع، وعَدَّدَ مَنْ روى ذلك الحديث من الصحابة ومن تثبت صحبتُه ومن لم تثبت، ورواية الأكابر عن الأصاغِر إلى غير ذلك، وقد تدخل روايةُ الصاحب عن التابع تحت هذا، وتاريخ الرواة.

(1)

عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي في مقدمة الكتاب.

ص: 46

ثم قال: والأجرى على واضحِ الطريق أن يقال: إنه تضمن الحديثَ مصنفًا على الأبوابِ، وهو علم برأسه، والفقه علم ثانٍ، وعللَ الأحاديث، ويشتمل على بيانِ الصحيح من السقيم وما بينهما من المراتب علم ثالث، والأسماء والكنى رابع، والتعديل والتجريح خامس، ومَن أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم ممن لم يُدركه ممن أسندَ عنه في كتابه سادس، وتعديد من روى ذلك الحديث سابع، هذه علومه الجُمْليّة، وأما التفصيلية، فمتعددة. وبالجملة فمنفعتُه كبيرة، وفوائدُه كثيرة.

وقال الإمام ابنُ سيد الناس اليَعْمَرِي مُعلقًا على كلام القاضي أبي بكر والإمام ابن رُشيد: ومما لم يذكراه أيضًا ولا أحدُهما: ما تضمنه مِن الشذوذ وهو نوعٌ ثامن، ومن الموقوف وهو تاسعٌ، ومن المُدرج وهو عاشر، وهذه الأنواعُ مما يكثر في فوائده التي تُستجاد منه، وتستفادُ عنه

(1)

.

وقال الذهبي: وكتابه "الجامع" يدل على تبحُّره في هذا الشأنِ، وفي الفقه، واختلاف العلماء

(2)

.

وقال ابنُ الأثير: والترمذي أَحَدُ العلماءِ الحفاظ الأعلام، وله في الفقه يدٌ صالحة.

(1)

"النفخ الشذي في شرح جامع الترمذي" 1/ 193 - 194.

(2)

"تاريخ الإسلام" وفيات 261 - 280 ص 460.

ص: 47

وقال أيضًا: وهذا كتابه "الصحيح": أحسن الكتب

، وفيه ما ليس في غيره: مِن ذكر المذاهب: ووجوهِ الاستدلال، وتبيين أنواعِ الحديث من الصحيح والحسن والغريب، وفيه جرحٌ وتعديلٌ، وفي آخرهِ كتاب "العلل"

(1)

.

وقال أبو الفتح ابنُ سيد الناس اليَعْمَرِي وابنُ نقطة البغدادي: وذكر عن أبي عيسى قال: صنفتُ هذا الكتاب، وعرضتُه على علماءِ الحجاز، والعراق، وخُراسان، فَرَضُوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب، فكأنما في بيته نبيٌّ يتكلَّمُ

(2)

.

قلنا: ولا شكَّ أن الترمذي عَرَضه على العلماء في مُخْتَلِفِ التخصصات الشرعية مِن محدثين وفقهاء، وكلهم رَضُوا به، وأقروه عليه، وهذا يدل على قوة حفظه، ومعرفته بعلوم الحديث، وكذلك على دقته وأمانته في نقل مذاهب الفقهاء، فهو بحقٍّ مُحَدِّث حافِظٌ متقنٌ فقيه.

وقال ابنُ عطية: سمعتُ محمدَ بنَ طاهر المقدسي يقول: سمعتُ أبا إسماعيل عبدَ الله بن محمد الأنصاري يقول: كتابُ الترمذي عندي أفيدُ مِن كتاب البخاري ومسلم، قلت: وَلِمَ؟ قال: لأنه لا يصل إلى الفائدة منهما إلا مَن هو مِن أهل المعرفة التامة

(1)

"جامع الأصول" 1/ 193.

(2)

"التقييد" لابن نقطة البغدادي ص 97 - 98، و"تاريخ الإسلام" وفيات 261 - 280 ص 461 - 462.

ص: 48

بهذا الفن، وكتاب الترمذي قد شرح أحاديثه وبينها، فيصل إليها كُلُّ أحدٍ من الناس من الفقهاء والمحدثين وغيرهم

(1)

.

‌تلامذته:

وحين بلغ الإمامُ الترمذيُّ الغاية في معرفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق به مِن العلومِ، وألَّف كتابه "الجامع" وغيره من تصانيفه رحل إليه طلبةُ العلم من كل حَدَب وصَوب، للأخذِ عنه، والإفادةِ منه، وقراءة مصنفاته عليه، فقد ذكر ابن حبان في "ثقاته" أن أهلَ خراسان رَوَوْا عنه، وأفادوا منه وقال صاحب "الخلاصة": روى عنه خلقٌ مِن أهل سمرقند ونَسَفَ وتلك الديار، وذكر الحافظ المزي في كتابه "تهذيب الكمال" بعض من روى عنه، فبلغوا ستًا وعشرين راويًا، ثم قال بإثر ذلك: هناك رواة آخرون عنه، ونحن نترجم هنا للمشهورين من هؤلاء:

1 -

الإمام المحدث، مُفيد مرو، أبو العباس، محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل، المحبوبي المروزي، راوي "جامع" أبي عيسى عنه، قال أبو بكر محمدُ بنُ منصور السمعاني: أبو العباس المروزي كان مزكِّيَ مرو ومعَدِّلَها، ومحدِّثَ أهلِها في عصره، ومقدَّمَ أصحاب الحديث في الثروة والرياسة، وكانت الرحلةُ إليه

(1)

"شروط الأئمة الستة" لابن طاهر المقدسي ص 24، و"شرح علل الترمذي" لابن رجب 1/ 463، و"فضائل الكتاب الجامع" لأبي القاسم الإسعردي ص 33.

ص: 49

في الحديث رحل إلى تِرمذ لِلُقِيِّ أبي عيسى سنة خمسٍ وستين ومئتين

(1)

وهو ابنُ ستَّ عشرة سنة ولد سنة تسعٍ وأربعين ومئتين، وتوفِّيَ في شهر رمضان في السابع والعشرين منه سنة ست وأربعين وثلاث مئة

(2)

، قال الحافظ أبو بكر بنُ عبد الغني البغدادي: سماعاته مضبوطةٌ صحيحة بخط خاله أبي بكر الأحول

(3)

.

قلنا: وعامةُ ما بين أيدينا مِن النسخ الخطية بروايته عن الترمذي.

2 -

الإمام الحافظ الثقة الرَّحَّالُ الأديبُ، أبو سعيد، الهيثم بنُ كُليب بن سريج بن مَعْقِلٍ الشَّاشي التركي صاحبُ "المسند الكبير"، وأصلُه مِن مرو، رحل إلى بغداد وبخارى وبلخ، توفي سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة

(4)

. قلنا: وهو راوية "الشمائل" للترمذي، فعنه اشتهرَ الكتابُ، وروى أيضًا عنه كتابَ "الجامع" كما أسنده إليه غيرُ واحدٍ من العلماء، فقد سمعه بروايته أبو بكر محمد بنُ خير الإشبيلي، كما جاء في "فهرسته" ص 119، وأبو علي الصدفيُّ كما في "المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي" في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن إدريس التُّجيبي أبي العباس

(1)

وقد سمع منه "الجامع" في هذه السنة كما صرّح هو نفسه بذلك في "برنامج" التجيبي ص 101.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 15/ 537 و"فضائل الكتاب الجامع" ص 42 - 43.

(3)

"برنامج التجيبي" ص 108.

(4)

"السير" 15/ 359 - 360، و"التقييد" لابن نقطة ص 479، و"الوافي بالوفيات" 4/ 296. =

ص: 50

ص 46، والقاسم بن يوسف التُّجيبي في "برنامجه" ص 102 - 103، وأبو محمد بن عطية المُحاربي الأندلسي صاحب التفسير المشهور "المحرر الوجيز" فقد ذكر في "فهرسته" في ترجمة شيخه أبي علي الصدفي ص 75 أنه أخذ عنه كتاب الترمذي ثم أسنده.

3 -

حمادُ بنُ شاكر بن سَوِيَّة الإمامُ المحدث الصدوقُ، أبو محمد النسفي، أحدُ رواة صحيح البخاري، قال الحافظ جعفر المستغفري: هو ثقة صدوق، رحل إلى الشام، حدثني عنه بكرُ بنُ محمد بن جامع بـ "صحيح البخاري"، توفي سنة إحدى عشرة وثلاث مئة

(1)

.

4 -

الإمامُ العالمُ الحافظُ المتقن، أبو عبد الرحمن، وأبو جعفر، محمدُ بنُ المنذر بن سعيد بن عثمان بن رجاء بن عبد الله بن الصحابي العباس بن مرداس السُّلَمي الهروي، شكَّر الحافظ، كان واسع الرواية، جيد التصنيف.

قال الحاكم: حدَّث شكّر بمرو، وطُوس، وسرخس، ومَرْو الرُّوذ، وبخارى، ونيسابور حدَّث بها سنةَ سبع وتسعين ومئتين. مات سنة ثلاث وثلاث مئة وقيل: في سنة اثنتين وثلاث مئة

(2)

.

وقال الخليلُ بنُ عبد الله الحافظ: ثقة حافظ، روى عنه الكبارُ مِن أقرانه، لحفظه وأمانته

(3)

.

(1)

"السير" 15/ 5.

(2)

"السير" 14/ 221.

(3)

"الإرشاد" 3/ 876.

ص: 51

5 -

الحافظ الرحَّال الفقيه، أبو مطيع مكحولُ بنُ الفضل النَّسَفي، صاحب كتاب "اللؤلؤيات" ذكره المستغفري في "تاريخ نَسَف" وذكر أن اسمَه محمدُ بنُ الفضل، ومكحول لقبه، وأنه توفي سنةَ ثمان وثلاث مئة، قال الذهبي: رأيت له مؤلفًا مخرومًا عند الشيخ عبد الله الضرير، وله نظم حسن

(1)

.

6 -

الشيخ المُعَمَّر الشهير، أبو حامد أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان، النيسابوري التاجر السفَّار، ابن حسنويه، قال الحاكم: سمع من أبي عيسى الترمذي جملةً من مصنفاته، وكان مِن المجتهدين في العبادة الليلَ والنهارَ، قال: سألته عن سِنّه سنةَ ثمان وثلاثين وثلاث مئة، فقال لي: سِتٌّ وثمانون سنة، وأُدخلتُ الشام سنةَ ست وستين ومئتين، وأنا ابن اثنتي عشرة سنة، وأخرجْتُ مَنْ اسمُه أحمد من شيوخي، فخرَّج مئة وعشرين، قال الحاكم: ورحل إلى الترمذي

(2)

.

7 -

أبو علي الحسينُ بن يوسف بن عبد المجيد البندار الفِرَبري، من شيوخ أبي أحمد بن عدي الجرجاني صاحب "الكامل في الضعفاء" روى عنه في ترجمة الحسن بن دينار، سمع أبا الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البَيْكندي الحافظ، وجدَّه لأمه أبا منصور الحسين بن علي بن يوسف الفِرَبْرِي

(3)

.

(1)

"السير" 15/ 33.

(2)

"السير" 15/ 548 - 551.

(3)

"الأنساب" للسمعاني 9/ 261، و"نزهة الألباب في الألقاب" 1/ 134.

ص: 52

8 -

داود بن نصر بن سهيل بن عبدويه بن يزداذ أبو سليمان البزدوي، أحدُ علماء مدينة نَسَف مات سنةَ ثلاث وعشرين وثلاث مئة، وأخوه أيضًا أبو محمد عبد الله بن نصر بن سهيل البزدوي روى عن الترمذي كذلك

(1)

.

9 -

محمد بن سفيان بن النضر، أبو جعفر النسفي، المعروف بالأمين، روى عن البخاري "صحيحهُ"، ذكره المستغفري في "تاريخ نَسَف"

(2)

.

10 -

نصر بن محمد بن سبرة، أبو محمد الشِّيْرَكَثي، نسبة إلى شِيْرَكَث قرية من قرى نسَف، سمع "الجامع" من أبي عيسى، وأسمعه

(3)

.

‌أقوال العلماء فيه وثناؤهم عليه:

لقد بلغ الإمامُ الترمذي رحمه الله تعالى في العلم مبلغًا عظيمًا، شهد له بذلك جِلّة العلماءِ وأفاضلُهم في عصره، ومن جاء بعده، فقد قال له شيخه الإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري: ما انتفعتُ بكَ أكثرُ مما انتفعتَ بي

(4)

.

(1)

"تاريخ الإسلام" وفيات (321 - 330) ص 129، و"الإكمال" لابن ماكولا 1/ 472، و"الأنساب" 2/ 190.

(2)

تاريخ الإسلام، وفيات (301 - 320) ص 243.

(3)

"الأنساب" في ترجمة أبي نصر أحمد بن عمار بن عصمة بن معاذ الشيركثي 7/ 461.

(4)

"تهذيب التهذيب" 3/ 669.

ص: 53

وقال الحافظ أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحّاك السُّلَمي الترمذي الحافظ الضرير، أحد الأئمة الذين يُقتدى بهم في علم الحديث، رضي الله عنه، صنف كتاب "الجامع"، و"التواريخ"، و"العلل" تصنيفَ رجل عالم متقن، كان يُضرب به المثل في الحفظ

(1)

.

وقال أبو سَعْد السَّمعاني: أبو عيسى محمد بنُ عيسى بن سورة بن شداد البُوغي الترمذي الضرير، إمام عصره بلا مدافعة، صاحب التصانيف

(2)

.

وقال المبارك بن محمد بن الأثير الجزري: أحد الأئمة الحفاظ الأعلام، وله في الفقه يد صالحة

(3)

.

وقال ابن حبان: كان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر

(4)

.

وقال أبو أحمد الحاكمُ: سمعت عمر بن علَّك يقول: مات البخاري، فلم يُخَلِّفْ بخراسان مثل أبي عيسى في العلم والحفظ، والورعِ والزهدِ، بكى حتى عمي، وبقي ضريرًا سنين

(5)

.

(1)

نقله عنه الإسعردي في "فضائل الكتاب الجامع" بسنده ص 31، وكذا أسنده محمد بن طاهر في "شروط الأئمة الستة" ص 25.

(2)

"الأنساب" 3/ 335 في نسبة البوغي.

(3)

"جامع الأصول" 1/ 193.

(4)

"الثقات" 9/ 153.

(5)

"تهذيب التهذيب" 3/ 669، و"سير أعلام النبلاء" 13/ 273.

ص: 54

وقال الذهبي: محمدُ بنُ عيسى بن سورة الحافظ العَلَمُ، الإمامُ، البارع.

وقال في موضع آخر: الحافظ العَلَمُ أبو عيسى الترمذي، صاحب الجامع، ثقة مُجمع عليه

(1)

.

وقال أبو يعلى الخليل بن عبد الله: ثقةٌ، متفق عليه، مشهورٌ بالأمانة والعلم

(2)

.

وقال يوسفُ بنُ أحمد البغدادي: ولأبي عيسى فضائل تُجْمَعُ وتُروى وتُسمع

(3)

.

وقال القاسم بن يوسف التُّجيبي السّبتي: وشهرةُ أبي عيسى المذكور رحمه الله، وجلالةُ قدره، وكثرةُ حفظه للمتون وعللها والأسانيد واتصالها، وتفننه في كثيرٍ من العلوم، معلومٌ متعارف عندَ أهلِ المشرق والمغرب

(4)

.

وقال الحافظ المِزي: أحدُ الأئمة الحفاظ المبرّزين، ومَنْ نَفَعَ اللهُ به المسلمين

(5)

.

(1)

"سير أعلام النبلاء" 13/ 270، و"ميزان الاعتدال" 3/ 678.

(2)

"الإرشاد في معرفة علماء الحديث" 3/ 905.

(3)

"مقدمة شرح ابن سيد الناس" 1/ 185.

(4)

"برنامجه" ص 106.

(5)

"تهذيب الكمال" 26/ 250.

ص: 55

وقال محمدُ بن محمد ابن الأثير الجزري أخو المبارك: كان إمامًا حافظًا، له تصانيف حسنة

(1)

.

وقال أبو جعفر بن الزبير: وللترمذي فى فنون الصناعة الحديثية ما لم يُشاركه غيره

(2)

.

وقال ابن العماد الحنبلي: كان مبرّزًا على الأقران، آيةً في الحفظ والإتقان

(3)

.

وقال علي القاري: الإمامُ الحجةُ الأوحد، الثقةُ الحافظ المتقن

(4)

.

وهذا الإمامُ الذي طَبَّقَتْ شهرتُه الآفاقَ، وانتشر كتابُه في ديار الإسلام، وأثنى عليه علماءُ عصره، ومَن جاء بعدهم مِن أهل العلم، لا يضيرُه أن يقولَ فيه أبو محمد بن حزم في كتابه "الإيصال"

(5)

: إنه مجهول، لا يُدرى من هو، لأن هذا يُنادي بنفسه على قائله بقصورِ نظره، وقلةِ اطلاعه، ونزارة علمه في هذا الباب.

(1)

"الكامل في التاريخ" 7/ 460 في أحداث سنة 279 هـ.

(2)

نقله عنه السيوطي في "قوت المغتذي" ص 6.

(3)

"شذرات الذهب" 2/ 174 - 175.

(4)

"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" 1/ 21.

(5)

قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 2/ 1147 عن هذا الكتاب: هو كتاب كبير في فقه الحديث، وسماه:"الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع".

ص: 56

وقد ردَّ عليه المحققون مِنْ أهل العلمِ بالحديث، منهمُ الإمامُ ابنُ القطان الفاسي، والإمام الذهبي، والإمامُ ابن كثير، والحافظ ابن حجر، والإمام القاسم بن يوسف التجيبي، وغيرهم.

فقد قال ابن القطان: محمدُ بنُ عيسى بن سَورة بن موسى بن الضحاك السُّلَمي الترمذي جهّله بعضُ من لم يبحث عنه، وهو أبو محمد بن حزم، فقد قال في كتاب الفرائض من "الإيصال" - إثرَ حديث أورده -: إنه مجهول، فأوجب ذلك في ذكره من تعيين مَنْ شَهِدَ له بالإمامة، ما هو مستغنٍ عنه بشاهد علمه، وسائر شهرته، فممن ذكره في جملة المحدثين: أبو الحسن الدارقطني، وأبو عبد الله بن البَيَّع [المعروف بالحاكم]، وقال أبو يعلى الخليلي في كتابه: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَورة الحافظ ثقة متفق عليه، وممن ذكره أيضًا: الأميرُ ابن ماكولا، وابنُ الفَرَضي، وأبو سُليمان الخطابي

(1)

.

وقال الذهبي: ولا التفاتَ إلى قول أبي محمد بن حزم فيه في الفرائض من كتاب "الإيصال": إنه مجهول، فإنه ما عرفه، ولا دَرَى بوجود "الجامع"، ولا "العلل" اللذين له

(2)

.

وقال الإمامُ ابنُ كثير: وجهالةُ ابنُ حزم لأبي عيسى الترمذي لا تَضُرُّهُ حيث قال في محلاه!: ومن محمدُ بنُ عيسى بن سَوْرَةَ؟ فإن

(1)

"بيان الوهم والإيهام" 5/ 637 - 638.

(2)

"ميزان الاعتدال" 3/ 678.

ص: 57

جهالتَه لا تَضَعُ مِن قدره، عند أهل العلم، بل وَضَعَتْ منزلَة ابن حزم عند الحفاظ.

وكَيْفَ يَصِحُّ في الأَذْهانِ شَيءٌ

إذا احْتاجَ النَّهارُ إلى دَليل

(1)

وقال الحافظ ابن حجر: وأما أبو محمد بن حزم، فإنه نادى على نفسه بعدمِ الاطلاع، فقال في كتاب الفرائض من "الإيصال": محمد بن عيسى بن سورة مجهول، ولا يقولَنَّ قائل: لعله ما عرف الترمذي، ولا اطَّلع على حفظه، ولا على تصانيفه، فإن هذا الرجل قد أطلق هذه العبارة في خلقٍ مِن المشهورين مِن الثقات الحفاظِ كأبي القاسم البغوي، وأبي العباس الأصم، وإسماعيل بن محمد الصفّار، والعجبُ أن الحافظ ابن الفرضي ذكره في كتابه "المؤتلف والمختلف" ونبّه على قدره فكيف فات ابنَ حَزْمٍ الوقوفُ عليه فيه؟

(2)

وقال القاسم بن يوسف التُّجيبي السَّبتي بعد أن بَيَّنَ فضل الترمذي وعلومه وشهرته: ولا يضرُّه جَهْلُ مَنْ جَهِلَهُ، وهو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي الظاهري، فإنه وهم فيه وهمًا بيّنًا، وسها سهوًا ظاهرًا، فقد قال في كتاب الفرائض من إيصاله إثر حديث أورده فيه: إن أبا عيسى الترمذي مجهول لا يعرف، وهذه هفوة لا تُوصف

(3)

.

(1)

"البداية والنهاية" 11/ 71.

(2)

"تهذيب التهذيب" 3/ 668.

(3)

"برنامجه" ص 106.

ص: 58

‌رأيُ الإمَامِ التِّرمذيِّ في مَسْأَلةِ الأسماءِ والصِّفَاتِ:

إنَّ مسألةَ الأسماءِ والصفاتِ تُعدُّ مِن أجلَّ وأعظمِ ما تُكلم فيه مِن أصول الاعتقاد، وقد اختلفت فيها مقالاتُ الإسلاميين، فمنهم مَنْ قال بالنفي المحض، ومنهم من أقرَّ بأسماء الله في الجملة ونفى الصفات، ومنهم من أقرَّ بالأسماء والصفات، لكن تأوَّل طائفةً منها وصرفها عن ظاهرها لدليل قام عنده، ومنهم مَنْ ذَهَبَ إلى الإيمان بكل ما وَرَدَ في كتاب الله وصحيح السنة مِن الأسماءِ والصفات، وإمرارها على ظاهرها، ونفي الكيفيةِ والتشبيه والتمثيل عنها، فهو سبحانه وتعالى لا يُشبه شيءٌ مِن صفاته صِفات الخَلْقِ، كما لا تشبه ذاتُه ذواتِ الخلق، قال الله سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وأصحابُ هذا القول هم سلفُ الأمة، وعلماءُ السنة، تلقَّوها جميعًا بالإيمانِ والقبول، وتجنبوا فيها التمثيلَ والتأويلَ، ووكلوا العلمَ فيها إلى الله.

والإمام الترمذي يجري في مضمارِ هذا الرأي الأخير، ويتقلَّدُ قولَ القائلين بهِ مِن أهل السنة والجماعة، ويرتضيه ويدينُ به. فقد قال رحمه الله بإثْرِ حديثِ أبي هريرة المرفوع الذي أخرجه في "الجامع" برقم (670) "إنّ اللهَ يقبلُ الصدقةَ ويأخذُها بيمينه، فيُرَبِّيها لأحدكم كما يُربي أحدُكُم مُهْرَهُ

": هذا حديثٌ صحيح، وقد رُوي عن عائشة عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نحوُ هذا، وقد قال غيرُ واحدٍ من أهلِ العلم في هذا الحديثِ وما يُشْبِهُ هذا من الروايات والصفات،

ص: 59

ونزولِ الربِّ تبارك وتعالى كُلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا، قالوا: قد ثبتت الرواياتُ في هذا، ويُؤمَنُ بها، ولا يُتَوهَّمُ، ولا يُقالُ: كَيْفَ.

هكذا رُوي عن مالكٍ، وسفيانَ بنِ عُيينة، وعبدِ الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمِرُّوها بلا كيف، وهكذا قولُ أهلِ العلم مِن أهل السنة والجماعة، وأما الجهميةُ، فأنكرتْ هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، وقد ذكر اللهُ عز وجل في غير موضع مِن كتابه: اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهميةُ هذه الآيات، ففسروها على غير ما فسر أهلُ العلم، وقالوا: إن الله لم يَخْلُقْ آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ها هنا القوة.

وقال إسحاق بنُ إبراهيم: إنما يكون التشبيهُ إذا قال: يَدٌ كيدٍ أو مثلُ يدٍ، أو سمعٌ كسمعٍ أو مثلُ سمع، فإذا قال: سمعٌ كسمعٍ أو مثلُ سمع، فهذا التشبيه، وأما إذا قال كما قال الله: يدٌ وسمعٌ وبصرٌ، ولا يقولُ: كيف، ولا يقول: مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهًا، وهو كما قال الله تعالى في كتابه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

وقال بإثر حديث أبي هُريرة الطويل (2557): وقد رُوي عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثلُ هذا ما يذكر فيه أمرُ الرؤية أن الناسَ يرون ربَّهم، وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء، والمذهبُ في هذا عِنْدَ أهلِ العلم مِن الأئمة مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وابن عُيينة، ووكيع، وغيرهم: أنهم رَوَوْا هذه

ص: 60

الأشياء، ثم قالوا: تُروى هذه الأحاديث، ونُؤمِن بها، ولا يُقالُ: كيف؟ وهذا الذي اختاره أهلُ الحديث أن يرووا هذه الأشياء كما جاءت، ويُؤمَنُ بها، ولا تُفسَّرُ، ولا تُتوهم، ولا يقال: كيف، وهذا أمرُ أهلِ العلم الذي اختاروه، وذهبوا إليه.

مَذْهَبُه في التَّفَقُّهِ وهَلْ كَانَ ينتسِبُ إلى أَحَدِ الأئمة المَتْبُوعِيْنَ، ويَأْخُذُ بأقوالِه، ويَعْتَمِدُ عَلَيْهَا؟

إن جامع أبي عيسى حافل بنقل المذاهب الفقهية، وأقاويل الصحابة والتابعين، والأئمة الأربعة المتبوعين، وغيرهم من أصحاب المذاهب المعروفة في عصره، مثل الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام، وسفيان الثوري إمام أهل العراق، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه إمام أهل خراسان، وعبد الله بن المبارك، فهو يُعَدُّ من المراجع الأصيلة في مذاهب العلماء واختلافِ المجتهدين، وهو أقدم مصنف وصل إلينا عن أوجه الخلاف.

فقد قال العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله: وكان الترمذي مِن أول من طَرَق موضوع ما يُسميه الناسُ اليوم بالفقه المقارن، وكان له فضل كبيرٌ يجب أن تعترف الأمةُ به في حفظه لِفقه المدارس الاجتهادية في عصره، ولولاه لضاعَ منه الشيء الكثير، وعفا عليه الزَّمانُ، وتلك خصيصة لجامعه تفرد بها من بين

ص: 61

مصنفات الحديث والسنة، فهو مِن أوثق المراجع وأقدمِها في الخلاف سيما في معرفة المذاهب المهجورة، كمذاهب الأوزاعي وإسحاق بن راهويه، وكان من حسناته أنه حفظ للمتأخرين مذهب الشافعي القديم.

ولم يكن التقليدُ شائعًا في العصر الذي كان فيه الترمذي كما هو عليه الآن من الالتزامِ الكامل للمذهب، بل كان العالمُ المتمكِّن يبحث في المسألة الخلافية، ويطَّلع على الأدلة، ويوازنُ بينها، ثم يأخذ بما هو أقربُ إلى الصواب، سواءٌ وافقَ الإمامَ الذي التزم مذهبه أو خالفه.

ومن هنا نجد الإمام الترمذي يقف في جامعه من المذاهب والآراء موقف المحتكم إلى السنة النبوية، والاستدلال بها، فيرجح منها ما شهد له الحديثُ الصحيح، أو كان دليلُه أقوى في نظره حين ينقدح في ذهنه وجه الترجيح، ولا يلتزم مذهبًا معينًا، بل هو دائر مع قوة الدليل، شأنه في ذلك شأن علماء عصره الذين لم يكونوا يرضَون لأنفسهم التقليدَ، لا حفاظُ الحديث، ولا أئمة الفقه، فهو يَسْرُدُ المذاهبَ، ثم يُرجح بينها، فهو في هذا مُتَّبع، وهي منزلة بين التقليد، وبين الاجتهاد، وعليه يُمكننا أن نقول: إن اجتهاد الترمذي في مرتبة الترجيح على طريقة أهل الحديث.

وهو يقصد بقوله: أصحابنا، الفقهاء المجتهدين من أهل الحديث، كمالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه، وفي "الجامع" أمثلة غير قليلة تدل على ذلك.

ص: 62

وقد نَسَبه بعضُهم إلى الإمام الشافعي، فإن صحَّ ذلك عنه، فيكون قد ارتضى منهجَه في الاستدلال، وطريقتَه في التفقه، لا أنه يأخذ بجميع أقواله، وهذا بيِّن في المسائل المُدْرَجة في "الجامع"، فقد خالف في غير مسألة منها رأيَ الإمام الشافعي، وأخذ بقولِ غيرهِ.

‌الطريقةُ التي اتَّبعها التِّرْمِذِيُّ في نقلِ مَذَاهِبِ الأَئِمَّة:

ويُعَوِّلُ الإمام الترمذي في نقل أقاويل الأئمة الفقهاء ومذاهبهم على الأسانيد جريًا على الطريقة المتبعة عندَ أهلِ الحديثِ، لتوثيق المنقولات، وقد سرد في كتاب العلل الذي في آخر الجامع الأسانيد التي اعتمدها وعوّل عليها في ذلك.

فقال عن قول سفيان الثوري، فأكثرُه ما حدثنا به محمد بن عثمان الكوفي، حدثنا عُبيد الله بنُ موسى، عن سفيان الثوري. ومنه ما حدثني أبو الفضل مكتومُ بن العباس الترمذي، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان.

وما كان فيه من قول مالك بن أنس، فأكثره ما حدثني به إسحاقُ بن موسى الأنصاري، حدثنا معنُ بن عيسى القزاز، عن مالك بن أنس. وما كان فيه من أبواب الصوم، فأخبرنا به أبو مصعب المدني، عن مالك بن أنس. وبعض كلام مالك ما أخبرنا به موسى بن حِزام، أخبرنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك بن أنس.

ص: 63

وما كان فيه من قولِ ابنِ المبارك، فهو ما حدثنا به أحمدُ بن عَبْدة الآمُلي، عن أصحابِ ابن المبارك، ومنه ما روي عن أبي وهب محمد بن مزاحم، عن ابن المبارك، ومنه ما روي عن علي بن الحسن بن شقيق، عن عبد الله، ومنه ما روي عن حِبّان بن موسى، عن عبد الله بن المبارك. وله رجال مُسمَّون سوى مَن ذكرنا عن عبد الله بن المبارك.

وما كان فيه مِن قول الشافعي، فأكثرُه ما أخبرني به الحسن بن محمد الزعفراني، عن الشافعي، وما كان من الوضوء والصلاة فحدثنا به أبو الوليد المكي، عن الشافعي، ومنه ما حدثنا به أبو إسماعيل الترمذي، حدثنا يوسف بن يحيى القرشي البُوَيطي، عن الشافعي، وذكر منه أشياء عن الربيع، عن الشافعي، وقد أجاز لنا الربيع ذلك، وكتب به إلينا.

وما كان فيه مِن قول أحمدَ بن حنبل وإسحاق بن راهويه، فهو ما أخبرنا به إسحاقُ بن منصور الكَوْسَجُ، عن أحمد وإسحاق، إلا ما في أبواب الحج والديات والحدود، فإني لم أسمعه مِن إسحاق بن منصور، وأخبرني به محمد بن موسى الأصم، عن إسحاق بن منصور، عن أحمد وإسحاق، وبعضُ كلام إسحاق بن إبراهيم [وهو نفسه ابن راهويه] أخبرنا به محمد بن أفلح، عن إسحاق، وقد بينا هذا على وجهه في الكتاب الذي فيه الموقوف.

وما كان فيه من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ، فهو ما استخرجتُه مِن كتاب "التاريخ"، وأكثر ذلك ما ناظرت به

ص: 64

محمدَ بنَ إسماعيل، ومنه ما ناظرت به عبد الله بن عبد الرحمن (يعني الدارمي) وأبا زرعة (يعني الرازي)، وأكثر ذلك عن محمد، وأقلُّ شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة، ولم أر أحدًا بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبيرَ أحدٍ أعلمَ من محمد بن إسماعيل رحمه الله.

قلنا: وهذه الأسانيد قد استوفى دراستها الدكتور نور الدين عتر في بحث خاص في كتابه "الإمام الترمذي" ص 392 - 408، وانتهى به البحث إلى صلاحية تلك الأسانيد للاحتجاج بها في نقل المذاهب الفقهية عن الأئمة التي نقلت مذاهبهم بالأسانيد المذكورة إليهم.

‌اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الكَرَاهَةِ والكَرَاهِيَةِ عندَ الإمامِ الترمذيِّ:

قد أكثر الإمامُ الترمذيُّ مِن استعمال لفظ الكراهة والكراهية في تراجم الأبواب من كتابه "الجامع". فقال: بابُ كراهية الاستنجاء باليمين، وقال: باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل، وقال: باب ما جاء في كراهيةِ النومِ قبلَ العشاء، وقال: باب في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر، وقال: باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء، وقال: باب ما جاء في كراهية أن يُبادَرَ الإمامُ في الركوع والسجود

وهو رحمه الله لم يُرِدْ بهذا اللفظ ما هو المشهور عند المتأخرين أنه للتنزيه وترك الأولى، بل أراد معنى شاملًا للتنزيه والحُرمَةِ، وقد جاء هذا اللفظ في كلام المتقدمين بمعنى الحرمة كثيرًا.

ص: 65

وقد عقد الإمام ابن القيم فصلًا في غاية النفاسة في هذا الباب نقل فيه عن الأئمة المتقدمين إطلاقهم لفظ الكراهة على ما هو حرام

(1)

.

قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: لم يكن مِن أمرِ الناس، ولا مَن مضى من سلفنا، ولا أدركتُ أحدًا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره ذا، ونرى هذا حسنًا، فينبغي هذا ولا نرى هذا، وقال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهُه ولا أقولُ: هو حرام، ومذهبُه تحريمُه، وإنما تورَّع عن إطلاق لفظ التحريم، لأجل قول عثمانَ.

وقال في رواية إسحاق بن منصور: إذا كان أكثرُ مالِ الرجل حرامًا، فلا يُعجبني أن يؤكل مالهُ، وهذا على سبيل التحريم.

وقال في رواية ابنه عبد الله: لا يعجبني أكلُ ما ذُبِح للزُّهرة ولا الكنيسة، وكل شيء ذُبِحَ لغير الله، قال الله عز وجل:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] فتأمل كيف قال: لا يعجبني في ما نصَّ الله سبحانه على تحريمه، واحتج هو أيضًا بتحريم الله له في كتابه.

وقد نص محمد بن الحسن أن كل مكروه، فهو حرام، إلا أنه لما لم يجد فيه نصًا قاطعًا، لم يُطلق عليه لفظ الحرام.

(1)

"أعلام الموقعين" 1/ 71 - 76.

ص: 66

وروى محمد أيضًا عن أبي حنيفةَ وأبي يوسفَ أنه إلى الحرام أقربُ.

وقد قال في "الجامع الكبير": يُكره الشربُ في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء، ومرادُه التحريم، وكذلك قال أبو يوسف ومحمد: يكره النومُ على فراش الحرير والتوسُّد على وسائده، ومرادُهما التحريم.

وأما أصحابُ مالك، فالمكروه عندهم مرتبة بينَ الحرام والمباح، ولا يُطلقون عليه اسمَ الجوازِ، ويقولون: إن أكل كلّ ذي ناب من السَّبُعِ مكروه غيرُ مباح.

وقد قال مالك في كثير من أجوبته: أكره كذا وهو حرام.

وقد نص الشافعيُّ على كراهة تزوج الرجل من بنته من ماء الزنى ولم يقل قطُّ: إنه مباح ولا جائز، والذي يليقُ بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أجلَّه الله به مِن الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم، وأطلق لفظ الكراهة، لأن الحرام يكرهه اللهُ ورسولُه، وقد قال الله سبحانه عقيبَ ذكر ما حرمه مِن المحرمات مِن عند قوله:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] إلى قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] إلى قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] إلى قوله {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} [الإسراء: 34] إلى قوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] إلى آخر الآيات، ثم قال:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38].

ص: 67

وفي الصحيح: "إنَّ الله كَرِهَ لكم قيلَ وقالَ، وكثرةَ السؤالِ وإضاعة المال"، فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استُعمل فيه كلام الله ورسوله، ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من فعله.

‌مصنفاته:

وقد ألف الإمامُ الترمذي كتبًا عديدةً في خدمةِ السُّنَّةِ النبوية، أبانت عن إمامته، وغزارة علمه، ورسوخِ قدمه في هذا العلم الشريف، وقد ملأها من علوم شيوخه وأقوالهم، ونقلها بأسلوبٍ غاية في الوضوح، وطريقة سهلة، بحيث قرّبت هذا العلم إلى كل طالب علم، وجعلته في متناول اليد.

ومن مصنفاته:

1 -

الجامع، وقد فصلنا القول فيه في مبحث مفرد، سيأتي قريبًا.

2 -

العلل الصغير: وهو كتاب مُهِمٌّ أبان فيه الترمذيُّ عن منهجه في كتابه "الجامع" وهو من الضرورة بمكان، بحيث لا يستغني عنه كلُّ من يُطالع كتابه "الجامع". وقد شرحه الحافظ ابنُ رجب الحنبلي شرحًا مفيدًا لِطلبة العلم والمتخصصين في علم الحديث والعلل. وهو جزء مِن شرحه على كتاب "الجامع" للترمذي، وسنتكلم عليه بشيء من التفصيل عند الحديث عن شروح "الجامع"، وقد طُبِعَ بتحقيق الدكتور نور الدين عتر، ونشر في دار الملاح في دمشق.

ص: 68

3 -

العلل الكبير، وهو من كتبه المهمة المفيدة، ضمنه الكلام على علل الأحاديث مما سأل عنه شيخَه محمدَ بنَ إسماعيل البخاري، وأبا زرعة الرازي، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وأكثره للبخاري، وبعضُه لأبي زرعة والدارمي وشيء مِن أقواله هو، وهو كما ألفه الترمذي مفقودٌ، والموجودُ إنما هو بترتيب فقيه عصره في علم الخلاف القاضي أبي طالب محمود بن علي الأصفهاني الشافعي المتوفَّى سنة (585 هـ)، رتَّبه على الأبوابِ الفقهية، فجاء في (428) بابًا، وقد طُبعَ بتحقيق الأستاذ حمزة ديب مصطفى، ونشر في مكتبة الأقصى، بعمَّان سنة 1406 هـ.

4 -

تسميةُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، طبع بتحقيق الأستاذ عماد الدين أحمد حيدر، في دار الجنان في بيروت سنة 1406 هـ.

5 -

الشمائل النبوية، طبع أكثر من طبعة، وله شروح كثيرة زادت على الأربعين بعضها مطبوع، وقد ذكرها فؤاد سزكين في "تاريخ التراث العربي" فليراجع.

وقد ذكر غيرُ واحدٍ من أهل العلم عدة كتب للإمام الترمذي لم تقع لنا، ولا نعلم هَلْ هي مركوزة في بعض المكتبات في العالم، أو أنها مما ضاع واندثر، منها كتاب "الزهد"، وكتاب "التاريخ"، و"الأسماء والكنى"، و"التفسير"، و"الرباعيات" وكتاب في "الآثار الموقوفة".

ص: 69

‌وَفَاتُهُ:

توفي الإمامُ الترمذيُّ لثلاث عشرة ليلةً مضت من رجب سنةَ تسعٍ وسبعين ومئتين كما قال غيرُ واحدٍ من العُلماء، منهم أبو العباس المستغفري المؤرخ الكبير، ومحمدُ بنُ أحمد غنجار الحافظ في "تاريخ بُخارى"، ويوسفُ بنُ أحمد البغدادي الحافظ، والحافظُ ابن ماكولا وابن الأثير الجزري صاحب "جامع الأصول"، وغيرهم.

وذكر السمعاني في "الأنساب" في نسبة البوغي أنه توفي سنة خمس وسبعين، وفي نسبة الترمذي أنه توفي سنة نيّف وسبعين، وقال الخليلي: مات بعد الثمانين، والصحيح هو الأول، وعليه اقتصر الحفّاظُ أبو القاسم الإسعردي في "فضائل الكتاب الجامع"، وأبو الحجاج المزي في "تهذيب الكمال" وابنُ حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" وصوَّبه الحافظ ابن نقطة في "التقييد" في ترجمة الإمام الترمذي.

وكانت وفاته في قرية بُوغ إحدى القُرى التابعة لِتِرمذ على ستة فراسخَ منها، وقال بعضُ مترجميه: إنه توفي بترمذ ولعل قائل ذلك قد تجوَّز، فذكر المدينة التي تعرف بها قريته.

ص: 70

‌التَّعريف بكِتَاب الجَامع

‌عنوان الكتاب:

قد اختلف أهل العلم في تسمية هذا الكتاب على أقوال:

1 -

"الجامعُ الكبير"، سمَّاه بذلك محمدُ بن محمد ابن الأثير صاحب "الكامل" في التاريخ، والوادي آشي، وهو الموجودُ في أصولنا الخطية، أحدُها بخط أبي الفتح الكروخي راويه عن المشايخ: التِّرياقي والغُورجي والأَزْدي، عن أبي محمد الجرَّاحي، عن أبي العباس المحبوبي، عن أبي عيسى الترمذي، وهو الذي اعتمدناه، وثبتناه في طبعتنا هذه.

2 -

"الجامع"، سمَّاه بذلك الحافظ أبو سعدٍ الإدريسيُّ والسمعاني والمباركُ بنُ محمد ابن الأثير صاحب "جامع الأصول"، والمُؤْتَمَنُ الساجي الذي روى هذا الكتاب مع الكروخي وسمعه أيضًا من المشايخ الثلاثة المذكورين، وكذا سماه غُنجار صاحب "تاريخ بخارى"، والذهبي، وابنُ كثير، والعراقي، وابن حجر العسقلاني، والقاسمُ بنُ يوسف التُجيبي، وابنُ نقطة البغدادي صاحب "التقييد" و"تكملةُ الإكمال"، وابنُ سيد الناس، وابن تغردي بردي.

3 -

"السنن"، سماه بذلك الحافظُ ابنُ كثير، وابنُ عطية صاحب التفسير المعروف بـ "المحرر الوجيز"، واشتهر به بَيْنَ أهلِ

ص: 71

العلم، كانتشارِ سنن أبي داود وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، وسنن الدارمي.

4 -

"الجامع الصحيح"، سماه بذلك أبو عبد الله الحاكم، وأبو بكر البرقاني

(1)

.

5 -

"الصحيح"، سماه بذلك الخطيبُ البغداديُّ، وابنُ الأثير المبارك بن محمد، وابن النديم صاحب "الفهرست"، وابنُ الأبار القُضاعي، والسَّمعانيُّ، وطاش كبري زاده، وفي هذا الإطلاق ضربٌ من التجوّز، ونوعٌ من التساهل، فليس يُوجد نص عن الإمام الترمذي أنه التزم فيه الصحةَ، بل فيه أحاديثُ غيرُ قليلة ضعيفة، نبّه هو على ضعفها.

وسوّغ هذا الإطلاقَ بعضُهم، بأن ما فيه مِن الصحيح والحسن، ومجموعُهما أكثرُ من الضعيف، فيكون المرادُ بهذا الإطلاقِ أغلبَ ما فيه.

قال ابنُ كثير: وكانَ الحاكمُ أبو عبد الله، والخطيبُ البغدادي يُسميانِ كتاب الترمذي "الجامع الصحيح"، وهذا تساهلٌ منهما، فإن فيه أحاديثَ كثيرة منكرة!

(2)

.

وقال السيوطي: ومَنْ أطلق عليهما الصحيح، كقولِ السِّلَفي في الكتب الخمسة: اتفق على صحتها علماءُ المشرق والمغرب،

(1)

نقل ذلك عن البرقاني الخطيب في "تاريخه" 5/ 69.

(2)

"الباعث الحثيث" ص 12 - 13.

ص: 72

وكإطلاق الحاكم على الترمذي "الجامع الصحيح"، وإطلاق الخطيب عليه وعلى النسائي اسم الصحيح، فقد تساهل

(1)

.

ويقول صاحب "كشف النقاب" ص 105: وقد اشتهر الكتابُ باسم جامع الترمذي، لاشتماله على السير والآداب والتفسير والعقائد والفتن والأحكام والأشراط والمناقب، لأنَّ هذه الأبواب إذا وُجِدَتْ في كتابٍ يُطلق عليه اسمُ الجامع عند المحدثين، وتسميةُ الكتابِ بهذا الاسم أولى، لأنه يَشْمَلُ الأبوابَ الثمانية، ويَشْمَلُ الصحيحَ وغَيْرَهُ، وإذا قلنا له: سُنن الترمذي، فهو باعتبار أن فيه أحاديث الأحكامِ مرتبةً على ترتيب أبوابِ الفقه، وتكون هذه التسمية تجوّزًا باعتبار تسميةِ الكلِ ببعضِ أجزائه، حيث إن فيه أحاديث الأحكام وغيرها كما ذكرنا.

وقد ورد اسم الكتاب في نسخة تشستربيتي التي بين أيدينا في القطعة التي هي برواية أبي حامد التاجر وأبي ذر الهروي، كلاهما عن الترمذي في لوحة العنوان هكذا:"الجامعُ المختصر من السنن ومعرفة الصحيح والمعلول، وما عليه العمل" وسيأتي بسطُ الكلام عليه وكذلك سماه ابنُ خير الإشبيلي في "فهرسته"

(2)

.

ولم نَقف على نص يشير إلى الزمن الذي ابتدأ فيه الإمام الترمذي بتأليف كتابه الجامع، وكذلك لم يَنُصُّ أحد على المدة

(1)

"تدريب الراوي" ص 95.

(2)

"فهرسة ابن خير" ص 117

ص: 73

التي استغرقها هذا التأليفُ، إلا أننا وقفنا على نص يدل على تاريخ الفراغ من تأليفه، فقد ذكر ابن نقطة البغدادي في "التقييد" له 1/ 95 والإسعردي في كتابه "فضائل الكتاب الجامع" ص 32 أن الإمام الترمذي رحمه الله قد فَرَغَ مِنْ تصنيف كتابِ الجامع يومَ الأضحى من سنة سبعين ومئتين، أي قبلَ وفاته بتسعِ سنوات.

لكن يخدِش هذا أن أبا العباس المحبوبي قال: إنه قد سَمِعَ من الإمام الترمذي كتاب الجامع سنة خمس وستين ومئتين وكان عمره إذ ذاكَ ستَّ عشرة سنة

(1)

.

‌منزلة الجامع العلمية مِن بين الكتب الستة:

لا زالَ العلماء على مرِّ العصور والأزمان يُقرُّون ويُكْبِرُون كتابَ الترمذي "الجامع"، ويشهدون بِحُسْنِ تصنيفه وترتيبه، ويسلِّمون بأنه لم يُؤلَّفْ على غِراره، ولم يُنسج على مِنواله، فقد تميَّز بأمورٍ استحق بها ذلك الشرف والفضل، وهو يمثل ثقافة الإمام الترمذي بحق. وقد عرضه الإمامُ الترمذي بعدَ فراغه مِن تصنيفه على علماء عصره فَقَبِلُوه، فقد قال: صنفتُ هذا الكتابَ فعَرضتُه على علماءِ الحجاز، فرضُوا به، وعرضتُه على علماءِ العراق، فرضُوا به، وعرضتُه على عُلماء خراسانَ، فرضُوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب، فكأنما في بيته نبيُّ يتكلم

(2)

.

(1)

"برنامج التجيبي" ص 101.

(2)

"فضائل الكتاب الجامع" ص 32.

ص: 74

وقال في "العلل الصغير": جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمولٌ به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين ذكرهما قال الحافظ ابنُ رجب: وكأن مراد الترمذي رحمه الله تعالى أحاديثُ الأحكام.

وقال محمدُ بنُ طاهر المقدسي: سمعتُ الإمام أبا إسماعيلَ عبدَ الله بن محمد الأنصاري بِهراة

(1)

وجرى بين يديه ذكرُ أبي عيسى الترمذي وكتابه، فقال: كتابُه عندي أنفعُ مِن كتابِ البخاري ومسلم، لأن كتابي البخاري ومسلم لا يَقِفُ على الفائدة منهما إلا المتبحرُ العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى فائدته كُلُّ أحد من الناس

(2)

.

وقال الحافظ يوسف بن أحمد البغدادي: لأبي عيسى فضائل تُجمع وتُروى وتُسمع، وكتابُه من الكتب الخمسة التي اتفق أهلُ العَقْدِ والحلِّ والفضلِ والفقهِ مِن العلماء والفقهاء وأهل الحديث النبهاء على قبولها والحكمِ بصحة أصولها، وما ورد في أبوابها وفصولها

(3)

.

(1)

بالفتح، إحدى أمهات خراسان، وهي اليوم تقع في أفغانستان، افتتحها المسلمون بقيادة الأحنف بن قيس، في خلافة عثمان رضي الله عنه، وانظر عنها "بلدان الخلافة الشرقية" ص 449 - 452.

(2)

"شروط الأئمة الستة" ص 24، و"فضائل الكتاب الجامع" ص 37.

(3)

مقدمة "النفح الشذي بشرح جامع الترمذي" 1/ 185.

ص: 75

وقال الحافظ أبو القاسم الإسعردي: وبعد، فإن علمَ الأثرِ أشرفُ العلوم في المَعاد، وأرجاها عندَ ربِّ العباد، وله أئمةٌ وجهابِذة ونقَّاد، عدَّلوا رجالَه وجرَّحوا، وشرحوا ألفاظه وأوضَحوا، فكان مِن أجلِّهم تأليفًا الإمامُ أبو عيسى الترمذي، اشتمل كتابُه على فقهِ الحديثِ وعلله، وبيانِ المجروحين من رجاله، وتعديلِ نَقلَته

(1)

.

وقال الحافظ محمد بنُ طاهر أبو الفضل المقدسي: وأما أبو عيسى الترمذي رحمه الله، فكتابه وحدَه على أربعة أقسام: قسم صحيح مقطوع به، وهو ما وافق فيه البخاري ومسلمًا، وقسمٌ على شرط الثلاثة دونهما، وقسم أخرجه للضدِّية وأبانَ عَن عِلته ولم يُغْفِلهُ، وقسم رابع أبان هو عنه، فقال: ما أخرجتُ في كتابي إلا حديثًا قد عمل به بعض الفقهاء، وهذا شرط واسعٌ، فإن على هذا الأصلِ كُلُّ حديثٍ احتجَّ به محتجٌ، أو عَمِلَ به عامل أخرجه، سواء صحَّ طريقه أو لم يصح، وقد أزاح عن نفسه الكلام، فإنه شفى في تصنيفه، وتكلم على كُلٍّ بما يقتضيه

(2)

.

وقال الحافظ أبو بكر محمدُ بن موسى الحازمي: وفي الحقيقة شرطُ الترمذي أبلغُ من شرط أبي داود، لأن الحديث إذا كان ضعيفًا أو مطلعه مِن حديثِ أهلِ الطبقة الرابعة، فإنه يُبيِّن ضعفه ويُنبِّه

(1)

"فضائل الكتاب الجامع" ص 30.

(2)

"شروط الأئمة الستة" ص 21.

ص: 76

عليه، فيصير الحديث عنده مِن باب الشواهد والمتابعات، ويكون اعتمادُه على ما صح عند الجماعة

(1)

.

وقال الحافظ أبو عمر بنُ عبد البر النَّمَرِي: ثلاثةُ كتب مختصرة في معناها أوثِرُها وأُفَضِّلُها: مصنف أبي عيسى الترمذي في السنن، والأحكام في القرآن لابنِ بُكير، ومختصر ابن عبد الحكم

(2)

.

وقال الحافظ أبو إسماعيل الهروي: كتابُ الترمذي أحسنُ كتاب صُنف في الإسلام، وأقربُه مأخذًا لاهتداء المرءِ لما يُريده سريعًا بلا مشقة، وكلامه على فقه الحديث الذي يورده فيه حسن

(3)

.

وقال أبو السعادات ابنُ الأثير الجزري: وهذا كتابُه "الصحيح" أحسنُ الكتب، وأكثرُها فائدةً، وأحسنُها ترتيبًا، وأقلُّها تكرارًا، وفيه ما ليسَ في غيره من ذكر المذاهب ووجوهِ الاستدلالِ، وتبيينِ أنواعِ الحديث من الصحيح والحسن والغريب، وفيه جرحٌ وتعديل، وفي آخره كتاب "العلل" قد جمع فيه فوائد حسنة لا يخفى قدرُها على مَنْ وقف عليها

(4)

.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وليس في قدر كتاب أبي

(1)

"شروط الأئمة الخمسة" ص 57.

(2)

"فهرسة ما رواه ابنُ خير عن شيوخه" ص 121، و"برنامج التجيبي" ص 105.

(3)

"برنامج التجيبي" ص 105.

(4)

"جامع الأصول" 1/ 193 - 194.

ص: 77

عيسى مثله، حلاوةَ مَقْطَع، ونفاسة مَنزِع، وعذوبةَ مَشْرعَ، وفيه أربعةَ عشر علمًا فرائد: صنَّف، وذلك أقربُ إلى العمل، وأسندَ وصحح، وأشهر وعَدَّدَ الطرق، وجرَّح وعدَّل، وأسمى وأكنى، ووصل وقطع، وأوضحَ المعمولَ به والمتروكَ، وبَيَّن اختلافَ العلماء في الرد والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله وكُلُّ علم من هذه العلوم أصل في بابه، فرد في نصابه.

وقال أبو عبد الله محمد بن عمر بن رُشيد: والأجرى على واضح الطريق أن يقال: إنه تضمَّن الحديثَ مصنفًا على الأبواب، وهو علمٌ برأسه، والفقه علم ثانٍ، وعلل الأحاديث، ويشتمل على بيانِ الصحيح من السقيم، وما بينهما مِن المراتب علم ثالث، والأسماء والكنى رابع، والتعديل والتجريح خامس، ومن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ممن لم يُدركه ممن أسْنَدَ عنه في كتابه سادس، وتعديدُ من روى ذلك الحديثَ سابع. هذه علومه الجُمْليّة، وأما التفصيلية فمتعددة، وبالجملة فمنفعته كبيرة، وفوائده كثيرة

(1)

.

وقال الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس: ولما كان كتابُ الجامع للإمام أبي عيسى "الترمذي الحافظ رحمه الله ورَضِيَ عنه - هو الذي أبْدَعَ جامعه وما أبعد، والذي حَظِيَ بتعداد هذه العلوم، فكان بها مِن غيره أقعد، فذَلَّلَ جوامِحَها، وسهَّلَ طوامِحَها، وأرسلَ

(1)

نقله عنه ابن سيد الناس في مقدمة "النفح الشذي" 1/ 193.

ص: 78

لَواقحها، وأسالَ بأعناقِ المَطيِّ أباطِحَها، واستلانَ صعبَها، وأبان لمن ظن بُعدها قُرْبَها

(1)

.

وقال ابنُ كثير: وكتابُ "الجامع" أحدُ الكتب الستة التي يرجِعُ إليها العلماءُ في سائر الآفاق

(2)

.

وقال الحافظ الذهبي: وكتابُه "الجامعُ" يَدُلُّ على تبحره في هذا الشأنِ، وفي الفقه، واختلافِ العلماء

(3)

، وقال في موضع آخر:"جامِعُه" قاضٍ له بإمامتهِ وحفظه وفقهه

(4)

.

وقال في موضع آخر: في "الجامعِ" علمٌ نافع، وفوائدُ غزيرة، ورؤوس المسائل، وهو أحدُ أصول الإسلام

(5)

.

وقال الحافظ أبو طاهر السَّلَفي: الكتُب الخمسة اتفق على صِحتها علماءُ المشرق والمغرب

(6)

.

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله

(7)

: كتاب الترمذي يمتاز بأمور ثلاثة لا تجدها في شيءٍ من كتب السنة الأصول الستة أو غيرها:

(1)

"النفح الشذي" 1/ 162 - 163.

(2)

"البداية والنهاية" 11/ 71.

(3)

"تاريخ الإسلام" وفيات 261 - 280 ص 460.

(4)

"سير أعلام النبلاء" 13/ 276.

(5)

"السير" 13/ 274.

(6)

"تاريخ الإسلام" وفيات 261 - 280 ص 462.

(7)

انظر مقدمته للترمذي 1/ 66 - 67.

ص: 79

أولها: أنه بعد أن يرويَ حديثَ البابِ يذكر أسماء الصحابة الذين رُويت عنهم أحاديثُ فيه.

ثانيها: أنه في أغلب أحيانه يذكر اختلافَ الفقهاءِ وأقوالهم في المسائل الفقهية، وكثيرا ما يُشير إلى دلائلهم، ويذكر الأحاديث المتعارضة في المسألة وهذا مَقْصِدٌ من أعلى المقاصد وأهمها، إذ هو الغاية الصحيحة من علوم الحديث: تمييز الصحيح من الضعيف للاستدلال والاحتجاج، ثم الاتباع والعمل.

ثالثها: أن الترمذي يُعنى كُلَّ العناية في كتابه بتعليل الأحاديث، فيذكر درجته من الصحة أو الضعف، ويُفَصِّلُ القولَ في التعليل والرجال تفصيلًا جيدًا، وعن ذلك صار كتابُه هذا كأنه تطبيق عملي لقواعدِ علوم الحديث خصوصًا علم العِلَلِ، وصار أنفعَ كتابٍ للعالم والمتعلم، وللمستفيد والباحث في علوم الحديث.

وقال صاحب "كشف النقاب"

(1)

: ويجدرُ بنا أن نذكر ملخَّصَ ما كتبه شيخنا العلامة المرحوم [يعني الشيخ المحدث محمد يوسف البِنَّوري] في مقال نشر في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (32 - 308) فقال ما معناه: إن لِكُل كتابٍ من الأمهات الست مزيةً لا تُوجَدُ في غيره، وبها تقع المزيةُ، ولا تكاد تُوجد مزيةٌ مطلقة لِكل كتاب مِن كل جهة، وفيما يلي ذِكْرُ خصائصِ الترمذي في كتابه:

(1)

هو الدكتور محمد حبيب الله مختار 1/ 120.

ص: 80

الأول: أنه جَمَعَ في كتابه ثماني أنواعِ من السُّننِ النبوية من:

1 -

العقائد وأصول الدِّيانة.

2 -

الأحكام الشرعية مِن العبادات والمعاملات، وحقوق الناس.

3 -

تفسير القرآن الكريم.

4 -

الآداب والأخلاق.

5 -

السيرة النبوية وشمائل الرسول صلى الله عليه وسلم.

6 -

مناقب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

7 -

أبواب التذكير والموعظة من "الترغيب والترهيب"، أي: الرقائق وكتابه من أحسن ما أُلِّف في هذا الباب.

8 -

أشراط الساعة وعلاماتها.

وإن كتاب الترمذي، وإن شاركه في ذلك كُلِّه كتابُ البخاري، لكن تشدده في شروط الصحة حالَ دونَ توسُّعه في جميعِ الروايات، وسَرْدِ كل ما له صلةٌ بالموضوع. وبذلك قد ضاق عليه نِطاقُ موضوعه الواسع.

الثاني: أنه جَعَلَ كتابه نافعًا بحكمه على الأحاديث بالصحة والحسن والغرابة والضعف، وبذلك قد تدارك أيضًا عدمَ التزامه الشروطَ الخاصة في التخريج.

الثالث: أنه تَصَدَّى لبيانِ مذاهبِ الأئمة، وتعاملِ الأمة، وببيان هذا الاختلاف يكادُ يُغني عن الكتبِ المؤلَّفَةِ الخاصةِ في الخلاف، وبه يُعْلمُ حالُ تلقي الأمة لتلك الروايات الحديثية، وكذلك يُعثِرنا

ص: 81

على المذاهب المهجورة كمذهب الأوزاعي والثوري وإسحاق المروزي [وهو ابن راهويه].

الرابع: أنه جعل الأحاديثَ المتعارضة في بابِ الأحكام في بابين، وقسم مذاهبَ فقهاء الأمة قسمين، وخصَّ كل قسم ببابٍ مفرد، وذكر فيه الحديثَ المحتَج به للمسألة، وربما يُؤيِّدُ أحد القِسمين، ويرجح تفقهًا أو تحديثًا أو تعاملًا، أو يجمعُ بينهما.

الخامس: أنه يذكر أسماءَ مَنْ ذكر في الإسناد بالكُنى، وتارة عكس ذلك.

السادس: أنه زادَ باب الجرح والتعديل بعد تخريج الروايات، وبذلك تدارك عدم التزامه ما التزمه الشيخانِ والنسائي وأبو داود.

السابع: أنَّه ربما يعرض لأبحاثِ الوصل والإرسال، والوقف والرفع، وما إلى ذلك مِن علوم عِلَلِ الحديث، والفوائد الإسنادية، وبهذا كافأ ما عندَ غيره مِن الاعتبارات والشهادات مِن علوم المحدثين وآدابهم في مصنفاتهم.

الثامن: أنه يكتفي في غالبِ الأبوابِ بحديثٍ واحدٍ بطريق واحدة، وخصوصًا في أحاديث الأحكام، ولذا قلَّت عنده مادةُ أحاديث الأحكام، وقد تَداركَه بالإشارة إلى أسماءِ مَنْ روى مِن الصحابةِ حديثًا في ذلك الموضوعِ، أو ما يُلائمُ ذلك المتن، ويُعلَم بذلك عَدَدُ الرواة مِن الصحابة لذلك الحديث، وهذه مِيزة بديعة لكتابهِ ترتاحُ لها الأذواقُ القديمة والأفكارُ الحديثة جميعًا في وقت واحد.

ص: 82

التاسع: أنه ربما يأتي بتأويل وتفسير للأحاديث المشكلةِ مِنِ عند نفسه، أو مِن كلام غيره من أئمة الفن.

العاشر: أنه يسرُد في الأبوابِ الأحاديثَ الغريبةَ، ويترك الأحاديث الصحيحة السائرة بينَ الناس ثم يُشير إليها بما في الباب، ويفعلُ ذلك لِبيان العلل، كما فعل النسائي حيث يبدأ بما هو غلط، ثم يذكر الصوابَ المخالفَ له.

قلنا: وهذه المزيةُ الأخيرة التي ذكرها الشيخ البِنَّوري قد نصَّ عليها قبلَه الحافظُ ابنُ رجب الحنبلي في "شرح العلل"

(1)

فقد قال: وقد اعتُرِض على الترمذي رحمه الله بأنه في غالبِ الأبواب يبدأ بالأحاديثِ الغريبة الإسنادِ غالبًا؟! وليس ذلك بعيبٍ، فإنه رحمه الله يُبيِّنُ ما فيها مِن العلل، ثم يُبين الصحيحَ في الإسناد، وكان قصدُه رحمه الله ذكرَ العِلَلِ، ولهذا تجدُ النسائي إذا استوعب طُرُقَ الحديثِ بدأ بما هو غلطٌ، ثم يذكر بَعْدَ ذلك الصوابَ المخالِفَ له.

ومع كل هذه النقولِ التي فيها بيانٌ لمكانة الترمذي، وثناء الأئمة عليه، وأنه مِن العلماء الذين يُرجع إليهم، ويُعْتَمدُ عليهم، وأن أحكامَه التي يُصْدِرُها، وهو موافق فيها لأئمة الجرحِ والتعديل كالإمام البخاري، والإمام أبي زرعة، والإمامِ عبد الله الدارمي هي أحكامٌ صحيحة سديدة في الأعمِّ الأغلب، وأن كتابه فرْدٌ في

(1)

1/ 411.

ص: 83

مَوضُوعه وطريقة تصنيفه واشتماله على علومٍ عدة، فإنه رحمه الله لم يَسْلَمْ مِن توجيه النقدِ إلى كتابه واتهامٍ له بعدم الاعتماد على ما ينتهي إليه مِن تصحيح وتحسين للأحاديث التي أدرجها في كتابه "الجامع"، فقد انتقده الإمامُ الذهبي في كتابه "ميزان الاعتدال"

(1)

في ترجمة كثير بنِ عبد الله المُزَني، فقال بعد أن نقل أقوالَ أهلِ العلم في تضعيفه ضعفًا شديدًا: وأما الترمذي فروى من حديثهِ "الصلحُ جائِزٌ بَيْنَ المسلمين" وصححه، فلهذا لا يعتمِدُ العلماءُ على تصحيح الترمذي!، وقال في ترجمة يحيى بن يمان: قال البخاري: فيه نظر، عن حجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبْرًا ليلًا، فأُسرج له سِراجٌ. حسَّنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه، فلا يُغترَّ بتحسين الترمذي!، فعند المحاققة غالبُها ضعافٌ.

وهذا الطَّعْنُ الذي انتهى إليه الذهبي رحمه الله غير مُسلَّم له على إطلاقه، وفيه ما فيه، فإن الإمام الترمذي إمام كبير في فقه الحديث والعلل والرجال، وقوله حُجَّة في علم الحديث، والذهبي نفسُه يَعُدُّهُ ممن يُعتمد قولهُ في الجرح والتعديل

(2)

. وهذه النقَداتُ القليلةُ التي وقعت له، وهي غير مسلَّمة في أغلبِها، لا تحطُّ مِن قدره، ولا تَغُضُّ من علمه، ولا تُنزِله عن رُتبته فما مِن حافظ من الحفاظ يُنَزَّهُ عما وقع فيه الإمامُ الترمذي، وهذه مؤلفاتهم بين

(1)

3/ 407.

(2)

في كتابه "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل" ضمن أربع رسائل في الطبقة السادسة.

ص: 84

أيدينا، فيها أحاديث توثَّقوا مِن صحتها، وانتُقِدَت عليهم، ولم نسمع لأحد منهم أصدر في حقِّهم هذا التعميمَ القاسي الذي انتهى إليه الإمام الذهبيُّ.

قال العلامة ابن الوزير

(1)

: هذا خطأ نادِرٌ، والعِصمةُ مرتفعة من الأئمة والحفاظ والعلماء.

وقال العلامة أحمد الغماري: لم يقل أحد إن تصحيح الترمذي لا يقبل هكذا على الإطلاق، بل تصحيحُه مقبولٌ إلا في أحاديث معدودة ضعف فيها رأيُه، كما وقع للبخاري ومسلم والحاكم والنسائي وغيرهم

(2)

.

وقد انتَقَد مقالة الذهبي هذه الحافظُ العراقي

(3)

، فقال تعليقًا على حديث "الصلح جائز بين المسلمين

"

(4)

ما نصّه: وقد تكلَّم صاحبُ "الميزان" في تصحيح الترمذي هذا الحديث، فذكر تصحيحَ الترمذي له، ثم قال: فلهذا لا يَعْتَمِدُ العلماء على تصحيح الترمذي. قلت: (القائل هو الحافظ العراقي): وما نَقَلَهُ عن العلماء من أنهم لا يعتمدون على تصحيحه لَيْس بجيد، وما زال الناسُ يعتمدون تصحيحَه، والمصنِّف قد أخذ على البخاري قبولَ كثير بن

(1)

في "تنقيح الأنظار" 1/ 171.

(2)

"الفتاوى والرسائل الصغرى" ص 60.

(3)

في "شرح الترمذي، المجلد الخامس ورقة 115 وجه ثانٍ.

(4)

الترمذي (1352).

ص: 85

عبد الله، فإنه سأله عن حديث كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جَدِّه في الساعة التي تُرجى يومَ الجمعة

(1)

قال: حديث حسن إلا أن أحمَدَ بن حنبل كان يَحْمِلُ على كثير يُضعفه، قال: وقد روى يحيى بنُ سعيد، عن كثير، وقد سأل الترمذيُّ البخاريَّ عن حديثه في التكبير في صلاة العيدين

(2)

، فقال: ليس شيءٌ في هذا الباب أصح مِن هذا (وبه أقول)

(3)

، وقد حسن الترمذيُّ له أربعة أحاديث: هذين الحديثين، وحديث "من أحيا سنتي"، وحديثَ "إن الإيمانَ ليأرِزُ إلى المدينة" وصحح له حديثَ الباب، وأخرج له ابنُ خزيمة في "صحيحه"، ومِن عادة الترمذي أن الحديث الحسن إذا يُروى مِن غير وجه ارتفعَ إلى درجةِ الصحة، وقد صرَّح بذلك عند ذكر حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لولا أن أشق على أمتي لأمَرْتُهُمْ بالَسِّواكِ عندَ كُلَّ صلاةٍ" فصحَّحه ثم قال: وحديث أبي هريرة إنما صحَّ، لأنه قد رُوي مِن غير وجه، وعادةُ البخاري تحسينُ أفراد محمد بن عمرو، وصَحَّحَ هذا، وعلل ذلك، فإنه رُوي مِن غير وجه، وقرر ابنُ الصلاح هذه القاعدة في "علوم الحديث"

(4)

. فحديث كثير بن عبد الله في الصلح قد اعتَضَد بحديث أبي هريرة، ولذلك صححه الترمذي، والله أعلم.

(1)

الترمذي (490).

(2)

الترمذي (536)، وانظر "العلل الكبير" 1/ 287 (87).

(3)

ما بين القوسين زيادة من "العلل" للترمذي 1/ 288.

(4)

ص 104.

ص: 86

وقال أيضًا عند شرحه حديث الساعة التي تُرجى يومَ الجمعة

(1)

ما نصه: قال صاحب "الميزان": فلهذا لا يَعْتَمِدُ العلماءُ على تصحيح الترمذي. قلت: لا يُقبل هذا الطعنُ منه في حقِّ الترمذي

فهو إمامٌ مُعتمَد عليه، ولا يمتنع أن يختلِفَ اجتهادُه مع اجتهادِ غيره في بعض الرجال، وكأنَّ المصنف رأى ما رآه البخاريُّ، فإن المصنف نقل عن البخاريِّ أنه قال في حديثِ كثير، عن أبيه، عن جَدِّه في تكبيرِ العيدين: إنَّه حديث حسن، وإنما حكم عليه بالحُسْن باعتبارِ الشواهد، فإنه بمعنى حديث أبي موسى المتقدم (يريد حديثه الذي في "صحيح مسلم" 853) فارتفع بوجود حديثٍ شاهدٍ له إلى درجة الحَسَنِ.

وقال الحافظ ابنُ رجب

(2)

: والترمذي رحمه الله يُخرج حديثَ الثقةِ الضابطِ، ومن يَهِمُ قليلًا، ومن يهم كثيرًا، ومن يَغْلِبُ عليه الوهم يُخرّج حديثه نادرًا ويُبيِّن ذلك ولا يَسكتُ عنه. وقد أخرج حديث كثير بن عبد الله المُزَني، ولم يجمع على ترك حديثه، بل قد قوَّاه قومٌ، وقدَّم بَعْضُهُمْ حديثَه على مرسلَ ابنِ المسيب،

وقد حكى الترمذي في "العلل" عن البخاريِّ: أنه قال في حديثه في تكبير العيدينِ: هو أصحُّ حديث في هذا البابِ، قال: وأنا أذهبُ إليه.

(1)

1/ الورقة: 164، والحديث عد الترمذي (1352).

(2)

"شرح العلل الصغير" 1/ 397 - 398.

ص: 87

وقال الدكتور نور الدين عتر

(1)

: ونحنُ وقد عرفنا مكانةَ أبي عيسى وإمامَته، نجدُ هذا الطعنَ مِن الذهبي يتعارضُ مع ما تقرر مِن إمامة الترمذي في الحديثِ وفي علومه، ومِنَ الاتفاقِ على أخذ الصحيحِ والحَسَنِ من كتابه.

وإذا ما بحثنا عن الحقيقةِ نَجِدُ ضعفَ ادعاءِ الذهبي عدمَ التعويل على تصحيح أبي عيسى وتحسينه ونجدُ بطلانَه ظاهرًا، كما أننا نجد الخطأ يُحالِفُ انتقادَهُم للترمذي في الأحاديث التي اعترضوا عليه في تصحيحها أو تحسينِها، إلا ما كان قليلًا جدًا، وذلك الخطأُ القليلُ هو حكم البشرية، فإنَّ عَمَل البشر مهما سما وكَمُلَ لا يخلو مِن نقدٍ، فهذا مالك انتُقِدَ، وكذلك البخاري ومسلم، ولم يخلُ أحدٌ مِنَ الأعلامِ مِنْ نقدٍ، ثم لم يضرَّ ذلك في الاحتجاجِ بهم، والأخذِ عنهم، والاعتمادِ عليهم.

وإذا ما بحثنا في هذه الشبهة التي أثارها الذهبي، وحققنا فيها بمعرفة أسبابها نجدُ الغلوَّ والإسرافَ الشديد فيما قاله الذهبي، ونتبين صحة ما أثبتناه مِن حجية أحكامِ الترمذي على الأحاديث.

ونثبتُ ذلك مِن وجهين: الأول إجمالي، والثاني تفصيلي.

أما رَدُّنا الإجماليُّ على الذهبي، فذلك أننا بالبحث نرى عَمَلَ الترمذي في "الجامع" عَمَلَ الأئمة الكبار، تحتج الأُمةُ بحكمه على الأحاديثِ، بإجماعِ علمائها في القديم والحديث.

(1)

في كتابه "الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين" ص 240 - 241

ص: 88

توضيح ذلك ودليله:

1 -

أن أحدًا لا يَشُكُّ في رسوخِ الإمامِ البخاري، وتَقَدُّمِهِ على علماء عصره، والترمذي تلميذُه وخريجُه في الحديث، وقد صرَّحَ في آخر الجامع باعتماده على شيِخه البخاري، فقال: وما كان فيه - يعني الجامع - من ذِكر العللِ في الأحاديث والرجالِ والتاريخِ، فهو ما استخرجته مِنْ كُتُبِ التاريخ، وأكثرُ ذلك ما ناظرتُ به محمدَ بن إسماعيل، ومنه ما ناظرتُ فيه عبدَ الله بن عبد الرحمن (الدارمي)، وأبا زرعة (الرازي)، وأكثر ذلك عن محمد، وأقلُ شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة.

وإذا كان ما أتى به في "الجامع" مِن علل الأحاديث نتيجةَ مناظرته مع البخاري، ثم بعضه مع صنويه الدارمي وأبي زرعة، فكيف يصحُّ القولُ بأنه لا يُعتمد عليه؟!

2 -

إن إمام الفن - غيرَ منازعَ - أبا عمرو بن الصلاح وغيرَه مِن علماء دِراية الحديث قد جعلوا تصحيحَ الترمذي في "الجامع" مِن مصادر الصحةِ المعتمدةِ للصحيح الزائدِ على ما في "الصحيحين"

وهذا يردُّ ادَّعاء الذهبي عدمَ تعويلِ العلماء على تصحيحه.

3 -

التطبيق العملي في كتب أئمةِ الحديث يُبْطِلُ ادعاءَ الذهبي، ويدلُّنا على اعتمادهم تصحيحَ الترمذي وتحسينه، فالكتبُ الحديثية ملأى بالنقلِ عنِ الترمذي والاحتجاج بتصحيحهِ

ص: 89

وتحسينه، وهذا الإمامُ المنذري في اختصاره لِسنن أبي داود يَنْقُلُ أحكام الترمذي فيما اتفق عليه الكتابان، ولو كان تصحيحُه غيرَ معتمد، لم يذكرها المنذري

(1)

، وإلا لكان مجرَّد تعبٍ وتطويل للكتاب دون طائل.

قلنا: ثم ذكر الدكتور عتر الرَّدَّ التفصيلي، وبين أن الانتقاداتِ الموجَّهة إلى الإمام الترمذي ترجع إلى ثلاثة أمور:

1 -

اختلاف نسخ الجامع.

2 -

الغفلة عن اصطلاح الترمذي.

3 -

اختلاف الاجتهاد في رواة الحديث ومرتبته. وانظر تمام كلامه فيه، فإنه مفيد.

‌الحديثُ الحَسَنُ لِذَاتِهِ، أو الحَسَنُ لِغَيرِهِ عِند التِّرمِذِيِّ:

إن الحديثَ الحسنَ لذاته: هو الحديثُ المتصلُ الإسناد برواة معروفين بالصدق، وفي ضبطهم قصورٌ عن رتبة رواةِ الصحيح، ولا يكون معَلًّا ولا شاذًا، وهو والصحيحُ سواء إلا في تفاوتِ الضبطِ، فراوي الصحيحِ يُشترطُ فيه أن يكونَ موصوفًا بأعلى درجات الضبط، وراوي الحَسَنِ لا يشترط فيه أن يَبْلُغَ تلك الدرجةَ، وإن كان ليس عريًّا عن الضبط في الجملة.

(1)

ولا ابن حجر في "فتح الباري" و"تخريج أحاديث الأذكار" وغيرها من كتبه، ولا النووي في "رياضه" وغيره، ولا المزي في "تحفة الأشراف" وغيرهم من العلماء والحفاظ.

ص: 90

وهذا النوعُ قد اتفقوا على الاحتجاجِ به، وأنه إذا وَرَدَ مِن طُرُقٍ، أو كان في الباب ما يشهدُ له ارتقى إلى درجةِ الصحيح لغيرِه، وقد أدرجه غيرُ واحدٍ مِن المحدثين الذين التزموا الصِّحَّةَ في تواليفهم مع قولهم: إنه دونَ الصحيحِ، كالإمامِ البخاري والإمامِ مسلم، فإنهما رحمهما الله لم يلتزما في أحاديثِ كتابيهما أن تكون كُلُّها في أعلى درجات الصحةِ، وكذا الإمامانِ ابنُ خزيمة وابنُ حبان، وهذا النوعُ مِن الحديث الحسنِ - وهو الحسنُ لذاته - موجود في "الجامع"، لكنه رحمه الله يُميزه بقوله: حسن غريب أو نحو ذلك، مثالُه: حديث إسرائيل

(1)

بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن يوسف بن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خَرَجَ مِن الخَلاءِ، قال:"غُفرانك" قال الترمذي: حسنٌ غريب لا نعرفه إلا مِن حديث إسرائيل، عن يوسف بن أبي بردة، ولا يُعرف هذا إلا في حديث عائشة.

وأما الحسنُ لغيره، فأصلهُ ضعيف، كأن يكونَ في سنده مستورٌ أو سيئُ الحِفظ، أو موصوفٌ بالاختلاطِ، أو التدليسِ، أو مختلف في جرحه وتعديله اختلافًا يَتَعَذَّرُ الترجيحُ فيه، وإنما طرأ عليه الحسن بالعاضدِ الذي عضده، فاحْتُمِل لوجودِ العاضد، ولولا العاضدُ لاستمرت صفةُ الضعف فيه.

(1)

الحديث (7).

ص: 91

وقد اعتنى الإمامُ الترمذي بالحديث الحسن لغيره في كتابه "الجامع" أتمَّ عناية، وحَظِيَ صنيعُه بالتقدير الوافي عندَ علماء الحديث، وعدُّوه أصلًا علميًا يُرجَع إليه في هذا النوع، فقد قال ابنُ الصلاح في "علوم الحديث"

(1)

: كتابُ أبي عيسى رحمه الله أصلٌ في معرفة الحديثِ الحسنِ، وهو الذي نوَّه باسمه، وأكثر من ذكره في "جامعه". وقد أفصحَ الإمام الترمذي عن مصطلحه في الحديث الحسن عندَه، فقال في "العلل الصغير"

(2)

: وما ذكرنا في هذا الكتابِ حديث حسن، فإنما أردنا به حسنَ إسناده عندنا: كل حديثٍ يُروى لا يكونُ في إسناده متهمٌ بالكذبِ، ويُروى مِن غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن، وزاد ابنُ الصلاح في "علوم الحديث"

(3)

: وأن لا يكونَ مِن رواية مغفَّلٍ كثير الخطأ، وهذه الزيادة، وإن كان لا يَدُلُّ عليها كلامُ الترمذي هنا تُؤخذ من قوله في "العلل" قبل هذا: أن من كان مغفلًا كثيرَ الخطأ لا يُحتَجُّ بحديثه، ولا يُشتغَلُ بالرواية عنه عندَ الأكثرين.

ومن أمثلة الحسنِ لغيره عندَ الترمذي:

1 -

حديثٌ وصفه بالحَسَنِ، وهو مِن رواية الضعيف السيئ الحفظ رواه برقم (1113) من طريق شعبة، عن عاصم بن عُبيد الله،

(1)

ص 109.

(2)

6/ 251.

(3)

ص 104.

ص: 92

عن عبد الله بنِ عامر بنِ ربيعة، عن أبيه قال: إن امرأةً من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أرضيتِ مِن نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم

قال الترمذيُّ: هذا حديث حسن، وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأبي حدرد

وعاصم بن عُبيد الله قد ضعفه الجمهورُ، ووصفوه بسوء الحفظ، وعاب ابنُ عيينة على شعبة الروايةَ عنه، وقد حسن الترمذي حديثه هذا لمجيئه من غير وجه كما شرط.

2 -

حديث حسنه، وهو من رواية الضعيف الموصوف بالخطأ والغلط برقم (1263) من طريق عيسى بن يونس، عن مجالد، عن أبي الودّاك، عن أبي سعيد قال: كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت سورةُ المائدة

فقال: هذا حديث حسن، ومجالد ضعفه جماعة، ووصفوه بالغلط والخطأ، وإنما وصفه بالحسن لِمجيئه من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديثِ أنس وغيره.

3 -

ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو مِن رواية مَنْ سَمِعَ مِن مختلطٍ بعدَ اختلاطه ما رواه برقم (365) من طريق يزيد بن هارون، عن المسعودي، عن زياد بن عِلاقة قال: صلَّى بنا المغيرةُ بنُ شعبة، فلما صلى ركعتين، قام، فلم يجلس، فسبَّح به من خلفه

قال: هذا حديث حسن. والمسعوديُّ - واسمه عبدُ الرحمن - ممن وُصِفَ بالاختلاط، وكان سماعُ يزيد منه بعد أن اختلط، وإنما وصفه بالحُسن لِمجيئه من أوجه أُخَر بعضُها عند المصنِّف أيضًا.

ص: 93

4 -

ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية مُدَلِّسٍ، وقد عنعن، ما رواه (982) من طريق يحيى بن سعيد، عن المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه مرفوعًا:"المؤمنُ يموتُ بِعَرَقِ الجَبينِ" قال: هذا حديث حسن، ووصفه بالحسن، لأن له شواهدَ من حديث عبد الله بن مسعود وغيره.

5 -

ومنه ما وصفه بالحسن وهو منقطعُ الإسناد، ما رواه (3760) من طريق عمرو بن مُرة، عن أبي البختري، عن علي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لِعُمر في العباس:"إنَّ عمَّ الرجُلِ صِنْوُ أبيه"، وكان عمر تكلم في صدقته، وقال: هذا حديث حسن. وأبو البختري - واسمه سعيد بن فيروز - لم يسمع مِن علي رضي الله عنه فالإسناد منقطع ووصفه بالحسن، لأن له شواهد مشهورة من حديثِ بُريدة وغيره.

‌إطلاقُ لَفْظَةِ الحَسَن على بَعْضِ الأحاديثِ عندَ الأئمة قَبْلَ التِّرمِذي:

إن أئمةَ الحديث قبلَ الإمام الترمذي قد أطلقوا الحسنَ بالمعنى الاصطلاحي للنوعين: الحسن لذاته والحسن لغيره على جملة من الأحاديث، وعن بعض هؤلاء أخذ الترمذيُّ واستمدَّ، قال الحافظ ابن حجر: أكْثَرَ علي ابنُ المديني مِن وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده وفي علله، وظاهر عبارته أنه قصد المعنى الاصطلاحي، وكأنه الإمامُ السابق بهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاريُّ ويعقوب بنُ شيبة وغيرُ واحد، وعن البخاري أخذ الترمذيُّ

ص: 94

وقد نقل الحافظ ابن كثير في مسند عمر قول علي بن المديني في جملةِ أحاديث: حديث حسن، أو إسناد حسن، أو صالح الإسناد، أو إسناد جيد انظرها في "مسند عمر" 1/ 111 و 132 و 277 و 288 و 307 و 333 و 357 و 512 و 326 و 544 و 605. لكن الترمذي لما أكثر من تطبيقِ هذا الاصطلاح في "جامعه" ونوَّه به، صار أشهر بهِ من غيره، فمن ذلك ما ذكره الترمذي في "علله الكبير" 1/ 175 - 176: أنه سأل البخاريَّ عن أحاديث التوقيت في المسح على الخفين، فقال: حديثُ صفوان بن عسّال (96) صحيح، وحديث أبي بكرة حسن

(1)

.

وفي "العلل الكبير" و"الجامع" أحاديثُ غيرُ قليلة نقل عن البخاري أنه حسنها

(2)

وذكر السخاوي أن ابن المديني أطلق الحسن على ما يُعتبر حسنًا لذاته، وأطلقه البخاري على ما يُعتبر حسنًا لغيره، ثم ذكر أن الترمذي هو الذي أكثر من التعبير عنه، ونوّه بذكره، ثم ذكر مثالًا لما حسنه البخاريُّ، وصححه الترمذي وغيره. فهو عند الترمذي كثيرٌ، قليلٌ عمن تقدمه، لا سيما على المصطلح عليه عنده

(3)

.

(1)

أما حديث صفوان الذي أشار إليه فهو موجود فيه شرائط الصحة، وأما حديث أبي بكرة فقد رواه ابن ماجه (556) من رواية المهاجر أبي مخلد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه، والمهاجر قال فيه وهيب: إنه كان غير حافظ، وقال ابن معين صالح، وقال الساجي: صدوق، وقال أبو حاتم: ليّن الحديث يُكتب حديثه، فهذا على شرط الحسن لذاته.

(2)

"العلل الكبير" حديث (13) و (15) و (16) و (245) و (297) و (322).

(3)

"فتح المغيث شرح ألفية الحديث" لشمس الدين السخاوي 1/ 72.

ص: 95

‌ما يقولُ فيه التِّرمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

قد اختلفت الأقوالُ في مرادِ الترمذي من هذا الجمع ومقصوده، والذي ارتضاه الحافظ ابنُ حجر مِن بين تلك الأقوال: أن الحديثَ إذا كان متعددَ الإسنادِ، فالوصفُ راجعٌ إلى الحديث باعتبار الإسنادين أو الأسانيد، كأنه قيل: حسنٌ بالإسناد الفلاني، صحيح بالإسنادِ الفلاني.

وإن كان الحديثُ فردًا بعدَ البحث الشديد، والمراجعة التامة، فالوصفُ وقع بحسب اختلافِ النقاد في راويه، فيرى المجتهدُ فيهم - كالترمذي - بعضَهم يقول: صدوقٌ مثلًا وبعضهم يقول: ثِقةٌ، ولا يترجَّحُ عنده قولُ واحد منهما، أو يترجح، ولكنه أراد أن يُشير إلى كلام الناس فيه، فيقول: حسن صحيح، أي: حسنٌ عندَ قوم، لأن راويَه عندهم صدوق، وصحيحٌ عند آخرين، لأن راويَه عندهم ثقة، وهو نظير قول الفقيه: في المسألة قولان، أو بحسب تَرَدُّدِ المجتهد نفسه في الراوي، فتارة يُؤديه اجتهادُه باعتبارِ حديثه وعرضِه على حديث الحفاظ ونحو ذلك إلى قصورِ ضبطه، وتارةً إلى تمامه، فكأنه حينئذٍ قال: حسنٌ أو صحيح، وغايته أنه حَذَفَ كلمة "أو" وحذفها شائع في كلامهم

(1)

.

(1)

"نزهة النظر شرخ نخبة الفكر" ص 46 - 47.

ص: 96

‌رَأْيُ الإمَامِ التِّرمِذِي في زِيَادَةِ الثِّقَةِ:

اختلفت أقوالُ الأئمة في قبولِ الزيادة التي يرويها الثقةُ على عِدَّة أقوال، والذي انتهى إليه الإمامُ الترمذيُّ رحمه الله أنه لا تُقبَلُ زيادةَ الراوي لمجرد كونه ثقةً، ولكنه يُضيف إليه أن يكونَ مع توثيقه مِن الحفاظ الموصوفين بزيادة التثبت والإتقان، وقد صرَّح بذلك في كتابه "العلل الصغير" بعد أن ذكر حديثَ مالك، عن نافع، عن ابن عمر في زكاة الفطر، وزيادة مالك في الحديث: من المسلمين، فقال: فإذا زاد حافظ ممن يُعتمد على حفظه قُبِلَ ذلك منه.

وقد ناصَرَ هذا القولَ الذي انتهى إليه في الزيادة الإمامُ مسلم في كتابه "التمييز" فيما نقله عنه ابن رجب في شرح العلل 1/ 435 فقال: إن الزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يُعْثَرْ

(1)

عليهم الوَهْمُ في حفظهم.

وقال الخطيب في"الكفاية" ص 424 بعد أن ذكر أقاويلَ أهلِ العلمِ في حكم الزيادة: والذي نختارُه مِن هذه الأقوال أن الزيادةَ الواردة مقبولةٌ على كل الوجوه، ومعمولٌ بها إذا كان راويها عدلًا حافظًا، ومتقنًا ضابطًا.

وكذلك قال الإمامُ أبنُ عبد البر في "التمهيد" 3/ 206: إنما تُقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبتت عنه، وكان أحفظَ وأتقنَ ممن قصَّر، أو مثَله في الحفظ، لأنه كأنه حديث آخر مستأنف، وأما إذا كانت الزيادة مِن غير حافظ ولا متقن، فإنه لا يُلتَفت إليها.

(1)

كذا في "التمييز" ص 189، وفي شرح العلل لابن رجب: يكثر.

ص: 97

أما الذي انتهى إليه الحافظانِ ابنُ الصلاح والنوويُّ، ورجحه الحافظانِ ابنُ حجر والسيوطي أن الزيادة على ثلاثة أنواع:

النوعُ الأول: أن لا تكونَ منافيةً لما ليست هي فيه، وحينئذٍ، فهي مقبولةٌ بالاتفاق، لأنها في حكم الحديثِ المستقل الذي ينفردُ به الثقة، ولا يرويه عن شيخه غيره.

والنوع الثاني: أن تكونَ الزيادةُ مخالفةً لما ليست هي فيه، لكن مخالفتها بتقييدِ المطلق ونحوه، وهذا النوع يترجح قبولُه.

والنوع الثالث: أن تكونَ الزيادة منافيةً لما ليست هي فيه، وهذا النوع مردود غيرُ مقبول.

قال الحافظ ابن حجر في "نزهة النظر" ص 19: وزيادة راوي الصحيح والحسنِ مقبولةٌ ما لم تقع منافية لرواية مَن هو أوثقُ منه ممن لم يذكر تلك الزيادة، لأن الزيادة إما أن تكونَ لا تَنافيَ بينها وبينَ رواية من لم يذكُرْها، فهذه تُقْبَلُ مطلقًا، لأنها في حكم الحديث المستقلِ الذي ينفردُ به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره، وإما أن تكونَ منافية بحيث يلزم مِن قبولها ردُّ الرواية الأولى، فهذه التي يقعُ الترجيح بينها وبين معارضها، فيُقبل الراجح ويُرد المرجوح. واشتهر عن جمعٍ مِن العلماءِ القولُ بقبول الزيادة مطلقًا من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكونَ شاذًا، ثم يُفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه، والعجبُ ممن غَفَلَ عن ذلك مع اعترافه باشتراطِ انتفاءِ الشذوذ في حدِّ الصحيح وكذا الحسن.

ص: 98

والمنقولُ عن أئمة الحديث المتقدمين كعبدِ الرحمن بن مهدي، ويحيى بنِ القطان، وأحمدَ بنِ حنبل، ويحيى بنِ معين، وعليَّ بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم (والترمذي) والنسائي والدارقطني وغيرهم اعتبارُ الترجيح فيما يتعلَّقُ بالزيادة وغيرها، ولا يُعرف عن أحدٍ منهم إطلاقُ قبول الزيادة، وأعجبُ من ذلك إطلاقُ كثير من الشافعية القولُ بقبول زيادة الثقة مع أن نصّ الشافعي يدل على غير ذلك.

وقال ابنُ دقيق العيد: مَنْ حكى عن أهلِ الحديث أو أكثرِهم: أنه إذا تعارض رواية مسندٍ ومرسل، أو رافعٍ وواقفٍ، أو ناقصٍ وزائدٍ: أن الحكم للزائد، لم يُصِبْ في هذا الإطلاق، فإن ذلك ليس قانونًا مطّردًا، وبمراجعةِ أحكامهم الجزئية تَعرِفُ صوابَ ما نقول، وبهذا جزم الحافظُ العلائيُّ في "جامع التحصيل" فقال: كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفنِ كعبدِ الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وأمثالهم، أنه لا يُحكم في هذه المسألة بِحُكْمٍ كُلِّي، بل عملُهم في ذلك دائرٌ على الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عندَ أحدهم في حديث.

وقول البخاري: "الزيادة من الثقة مقبولة" إنما قاله حين سُئِلَ عن حديث "لا نكاحَ إلا بولي" وقد أرسله شعبة وسفيان - وهما جبلانِ فىِ الحفظ، وأسنده إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي في آخرين، فقال البخاري "الزيادة من الثقة مقبولة" وحَكَم لِمَنْ وَصَلَه.

ص: 99

فالبخاري رحمه الله لم يَحْكُمْ فيه بالاتصال مِن أجلِ كون الوصل زيادة، وإنما حَكَم للاتصال لمعانٍ أخرى رَجَّحَتْ عنده حُكْمَ الموصولِ، منها أن يونسَ بنَ أبي إسحاق وابنه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولًا، ولا شَكَّ أن آل الرجل أخصُّ به مِن غيرهم، وقد وافقهم على ذلك أبو عَوانة، وشريك النخعي، وزهير بن أميّة، وتمامُ العشرة من أصحاب أبي إسحاق مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه، وسماعهم إياه من لفظه. وأما رواية من أرسله - وهما شعبةُ وسفيانُ - فإنما أخذاه عن أبي إسحاق في مجلس واحد

ولا يخفى رجحانُ ما أخذ من لفظ المحدث في مجالِسَ متعددة على ما أُخذ عنه عرضًا في محل واحد. هذا إذا قلنا: حفظ سفيانُ وشعبة في مقابل عدد الآخرين مع أن الشافعي يقول: العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد. فتبين أن ترجيحَ البخاري وَصْلَ هذا الحديثِ على إرساله لم يكن لِمُجَرَّدِ أن الواصلَ معه زيادة ليست مع المرسل، بل بما ظهر مِن قرائنِ الترجيح.

ويزيد ذلك ظهورًا تقديمُه للإرسال في مواضع أخرى، مثاله: ما رواه الثوري عن محمد بن أبي بكر بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أم سلمة، قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:"إن شئتِ سبَّعتُ لك" ورواه مالك عن عبيد الله بن أبي بكر بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ لأم سلمة

قال البخاري في "تاريخه": الصواب قول مالك مع إرساله. فصوَّب الإرسال هنا

ص: 100

لقرينة ظهرت له، وصوَّب الوصل هناك لقرينة ظهرت له، فتبين أنه ليس له عملٌ مطرد في ذلك

(1)

.

وبهذا تعلم خطأ مَنْ قوَّى القولَ الأولَ على إطلاقه ممن يتعاطى صناعةَ الحديث في عصرنا هذا، واتخذه قاعدةً مطردة في كل حديثٍ اختلف ثقتان في وصله وإرساله.

ولابن حبان صاحب الصحيح في زيادة الثقةِ رأيٌ له أهميتُه، ذكره في مقدمة "صحيحه" 1/ 159 وهاكه بنصه: وأما زيادةُ الألفاظِ في الروايات، فإنا لا نَقْبَلُ شيئًا منها إلا عَنْ مَنْ كان الغالبُ عليه الفقهَ حتى يُعْلَمَ أنه كان يروي الشيءَ ويَعْلَمُه، حتى لا يُشَكَّ فيه أنه أزاله عن سننه، أو غيَّره عن معناه أم لا، لأن أصحابَ الحديث الغالبُ عليهم حفظُ الأسامي والأسانيد دونَ المتونِ، والفقهاءُ الغالبُ عليهم حفظُ المتون وإحكامها وأداؤها بالمعنى دونَ حفظ الأسانيد وأسماء المحدثين، فإذا رفع محدِّث خبرًا، وكان الغالبُ عليه الفِقْهَ، لم أقبل رفعه إلا مِن كتابه، لأنه لا يعْلَمُ المسندَ مِن المرسَل، ولا الموقوفَ مِن المنقطع، وإنما هِمّته إحكامُ المتن فقط. وكذلك لا أقبلُ عن صاحب حديثٍ حافظ متقن أتى بزيادةِ لفظةٍ في الخبر، لأن الغالبَ عليه إحكامُ الإسناد وحفظُ الأسامي، والإغضاءُ عن المتونِ وما فيها من الألفاظ إلا من كتابه، هذا هو الاحتياطُ في قبولِ الزياداتِ في الألفاظ. فتأمل كلام هذا الإمام، فإنه نفيس جدًا.

(1)

"شرح الألفية" 1/ 165، و"شرح علل الترمذي" 1/ 426.

ص: 101

‌في مَعْنَى قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ: وفي البابِ عَنْ فُلانٍ، وفائدةُ ذلك:

إن أهم ما تميز به كتاب الجامع من بين الأمهات السِّت إشاراتُه في آخر كل باب إلى مَنْ روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الموضوع، ويرشد الناظر بذلك في أول نظرته إلى أن متن الحديث مروي عن كذا من الصحابة، وبذلك يظهر له أن الحديث من أخبار الآحاد أو المشهور أو المتواتر، فيزداد به ثقة وطمأنينة، وهذه ميزةٌ بديعة لم يُشاركه فيها أحدٌ ممن ألَّف في هذا الموضوعِ وصنف، وجَمَعَ الأحاديث ورتب

(1)

.

وقد قال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي: وكان من طريقته - يعني الإمام الترمذي - رحمة الله عليه أن يترجم البابَ الذي فيه حديثٌ مشهور عن صحابي قد صحَّ الطريق إليه، وأخرجه من حديثه في الكتب الصحاح، فيورد في الباب ذلك الحكمَ مِن حديثِ صحابي آخر لم يخرجوه من حديثه، ولا تكونُ الطرقُ إليه كالطريق الأول وإن كان الحكمُ صحيحًا، ثم يتبعه بأن يقول:"وفي الباب عن فلانٍ وفلانٍ" ويَعُدُّ جماعةً فيهم ذلك الصحابي المشهور وأكثر. وقلما يَسْلُكُ هذه الطريقة إلا في أبوابٍ معدودة

(2)

.

وقال الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس اليعمَرِي: ومما تضمنه "جامعُ" أبي عيسى الترمذي رحمه الله مِن الاختصار في

(1)

كشف النقاب: ص 17.

(2)

"شروط الأئمة الستة" ص 21.

ص: 102

التصنيف: أنه يَذْكُرُ الحديثَ في الباب بسنده، عن صحابيه، ثم يُتبعه قوله:"وفي الباب عن فلان وفلان" حتى يأتي على ما يوجد في ذلك الباب، أو أكثره، فلوا استوعبَ أسانيدَ ذلك، لطالَ الكتابُ جدًا، ولو تركه بالكلية، لفاته تقويةُ حديثه المسند، بإضافة ما أضاف إليه، والتنبيه على تلك الأحاديث، ليتتبع مظانَّها مَنْ له غَرَضٌ في التتبع، غير أنه ينبغي أن يكونَ ما أسند في ذلك الباب أقوى مما لم يذكر سنده، وذلك هو الأكثر من عمله

(1)

.

وقال الحافظ العراقي: وهكذا يفعلُ الترمذي حيث يقول: وفي الباب عن فلان وفلان، فكثيرًا ما يُريد بذلك أحاديثَ غيرَ الحديث الذي يُسنده في أَوَّلِ الباب، ولكن بشرط كونها تَصْلُحُ أن تُورَدَ في ذلك الباب، وهو عملٌ صحيح إلا أن أكثرَ الناسِ إنما يفهمون إرادة ذلك الحديث المعين، والله أعلم

(2)

.

وقد يكون تعلق بعض هذه الأحاديث بالمسألة تعلقًا يسيرًا، ولكنها جميعًا تؤيد حُكْمَ الباب.

‌عِنايةُ أَهْلِ العِلْمِ بالجَامِعِ بالشَّرْحِ والتَّخْرِيجِ والاختصَارِ والاسْتِخراجِ:

ولا زالت عنايةُ العلماء والمحدثين قديمًا وحديثًا تُعنى بهذا السِّفْرِ العظيمِ الذي سارت بذكره الركبانُ، وعَرَفَ فضلَه القاصي والداني، وأنه واحدٌ في بابه، تقاصرت هِمَمُ اللاحقينَ عن مثل

(1)

"النفح الشذي في شرح جامع الترمذي" 1/ 315 - 317.

(2)

"طرق التثريب في شرح التقريب" 2/ 5.

ص: 103

نسجهِ حِياكة، وعن مثل أسلوبه محاكاةً، فاقتصرت جهودُ العلماءِ على الاعتناءِ به شرحًا وتعليقًا، وتحقيقًا وضبطًا، واختصارًا واستخراجًا، وتخريجًا لأحاديثه المسندة وأحاديث الباب التي يشير إليها المصنف رحمه الله إشارةً.

وَمِنْ أَهَمِّ شُروحِه:

1 -

شرحُ القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابنِ العربي المعافري الأندلسي الإشبيلي الحافظ، المتوفى سنة (543) هـ، سماه "عارضة الأحوذي" وهو مِن أشهر شروح الترمذي، نقل منه الحافظُ ابنُ حجر وغيره من الأئمة الأعلام في تصانيفهم كلماتٍ مفيدة، وفوائد جمة، طُبع في ثلاثة عشر جزءًا في سبع مجلدات طبعة رديئة يفشو التصحيف والتحريف فيها.

2 -

شرحُ الحافظ أبي الفتح محمد بن محمد بن محمد ابن سيد الناس اليَعْمَرِيّ المتوفى سنة (734 هـ) سماه "النفح الشذي" لكنه لم يُكْمِلْهُ، فقد اخترمته المنية قبل إتمامه، انتهى شرحه إلى الحديث الثامن من باب ما جاء أن الأرضَ كُلَّها مسجد إلا المقبرةَ والحمام، وقد اطّلع الإمامُ الشوكاني على شرح ابنِ سيدِ الناسِ بخطه، فقال: وهو مُمْتِعٌ في جميع ما تكلَّم عليه مِن فنِّ الحديث وغيره مع التزامه لإخراجِ الأحاديثِ التي يشير إليها بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان. وقد باشر بتحقيق هذا

ص: 104

المجلدِ صاحبنا الدكتور أحمد معبد سدد الله على الحق خطاه، وصدر منه مجلدان تضمنا أَحَدَ عَشَرَ حديثًا غير المقدمة في سنة (1409) هـ.

3 -

شرح الحافظ الكبير أبي الفضلِ عبدِ الرحيم بن الحسين زين الدين الكردي الأصل المصري المنشأ والإقامة، وهو تكملةُ شرح ابنِ سيد الناس، بدأ فيه مِنْ حيثُ انتهى ابن سيد الناس، ويُمكن تحديدُ ما أنجزه الحافظ العراقي مِن هذا الشرح بالاعتماد على قول الحافظ ابن حجر تلميذه: وبيَّض من تكملة شرح الترمذي كثيرًا، وكان أكمله في المُسوَّدَةِ أو كاد، كتبتُ عنه منه قَدْرَ مجلدٍ، وقرأتُ أكثرَه عليه

(1)

.

قال الدكتورُ أحمدُ معبد في مقدمة "النفح الشذي"

(2)

: فهذا التقديرُ مِن الحافظ ابن حجر معتمدٌ على صلته المباشرة بالكتاب، واطلاعهِ على أكثره، ولذا يترجَّحُ على تقدير غيرِه، كما أنه قد حَدَّدَ أيضًا ما بيَّضه، فقال: والذي بيَّض منه إلى آخر كتاب اللباس

(3)

. وهذا الكتابُ هو الثاني والعشرون من كتب "جامع الترمذي" البالغِ عَدَدُها (47) كتابًا، آخرها كتاب العلل، وهو آخر "الجامع"، فيكون مجموعُ ما شرحه مبيَّضًا من الأحاديث (1470).

وقد قال الشوكاني صاحبُ "نيل الأوطار" - وقد وقف على

(1)

"المجمع المؤسس" 2/ 182.

(2)

1/ 73.

(3)

"المعجم المفهرس" ص 399.

ص: 105

المجلدِ الأولِ مِن شرح العراقي -: هو شرحٌ حافلٌ ممتع فيه فوائدُ لا توجَدُ في غيره، ولا سيما في الكلامِ على أحاديثِ الترمذي، وجميعِ ما يُشير إليه في الباب، وفي نقل المذاهبِ على نمطٍ غريبٍ وأسلوب عجيب

(1)

.

4 -

شرحُ الإمام الحافظ الفقيه زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي، ثم الدمشقي الشهير بابنِ رجب الحنبلي المتوفَّى سنة (795 هـ)، وقد قالوا: إنه في نحوِ عشرين مجلدًا، وقد فُقِدَ في جملة ما فقد مِن كتب التراث في فتنة التتر سنةَ (803) هـ، ولم يبق منه سوى قطعةٍ من كتاب اللباس تقع في عشرِ ورقاتٍ موجودة في المكتبة الظاهرية بدمشق، وقد سلم مِن هذا الكتاب أيضًا "شرحُ العلل" الذي في آخر الكتاب، وقد طبع في مجلدين بتحقيق الدكتور نور الدين عتر في دار الملّاح بدمشق سنة (1398) هـ.

ولو سَلِمَ شرحُ ابنِ رجب هذا مِن الضَّياعِ، لكان فيه غناءٌ أيُّ غَناءٍ عن الشروح التي انتهت إلينا.

5 -

شرح المحدِّث الشهير الفقيه الكبير أبي العُلا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري المتوفى سنة (1353) هـ، سَماه "تحفة الأحوذيّ" وهو مطبوع مع مقدمته الحافِلَةِ في الهند، وله

(1)

"البدر الطالع" 1/ 355.

ص: 106

ترجمة مطولةٌ في آخر الطبعة الهندية بقلم تلميذه وابن أخيه عبد السميع المباركفوري مؤرخة بيوم الأربعاء في العاشر من جُمادى الآخرة سنة (1353) هـ، وعن هذه الطبعة المتقنة نُشِرَ الكتاب نشرةً غيرَ محققة في البلاد العربية مصر ولبنان في عشرة مجلدات مع المقدمة.

6 -

شرحُ الإمام الفقيه الحافظ عمر بن علي بن أحمد بن محمد الأنصاري الشافعي، المشهور بابن المُلَقِّن، وبابنِ النحوي، كان أعجوبةَ عصرِه في كثرةِ التصانيف المتنوعة، المتوفَى سنة (804) هـ. وقد اقتصر في شرحه هذا على الأحاديث الزوائد على "الصحيحين" وأبي داود، كَتَبَ منه قطعةً، ولم يتم. وقد نقل السخاوي

(1)

عنه أنه كتب منه قطعة صالحةً، وهذا الشرحُ اسمه:"إنجازُ الوعد الوفي بشرح جامع الترمذي"، موجود منه نسخة في مكتبة تشستربيتي تحت رقم (5187)، عَدَدُ أوراقِها (153) ورقة.

7 -

شرح الحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حَجَرٍ العسقلاني، المتوفى سنة (852) هـ في مجلد، ولا يُوجَدُ، أشارَ إليه في "فتح الباري"

(2)

عند حديث: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سُباطةَ قومٍ، فبالَ قائمًا فقال: ولم يثبت عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النهي عن البول

(1)

في كتابه "الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع" 6/ 100.

(2)

1/ 330.

ص: 107

قائمًا كما بينتُه في أوائلِ شرحِ الترمذي.

8 -

شرحُ شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البُلقِيني المتوفى سنة (805) هـ، المسمى بـ "العَرْف الشذي" شرح قطعة منه.

9 -

شرح الحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة (911) هـ، واسم هذا الشرح:"قوتُ المغتذي على جامع الترمذي"، طبع في كوامبور (1299) هـ.

10 -

شرح سيد علي بن سليمان المالكي الدمنتي، المتوفى سنة (1306) هـ، طبع بالقاهرة (1298) هـ، واسم هذا الشرح:"نفع قوت المغتذي".

11 -

شرح أبي الطيب محمد بن عبد القادر السِّندي، المتوفى سنة (1109) هـ، وقد طبع قطعة منه.

12 -

"العَرف الشذي"، وهو أمالي على "جامع الترمذي" للشيخِ المُحَدِّثِ المفسرِ الفقيه محمد أنور شاه الكشميري، المتوفى سنة (1353) هـ، جمعها في مجلد تلميذُه محمدُ جراغ الفنجابي، طبع في الهند سنة (1344) هـ.

13 -

"الكوكب الدرّي"، وهو أمالي للشيخ رشيد أحمد الكنكوهي المتوفى سنة (1323) هـ، وقد طُبِعَ في مجلدين لأوَّلِ مرةٍ في الهند مع تعليقاتٍ نفيسة للشيخ المُحَدِّثِ محمد زكريا الكاندهلوي.

14 -

"الجامعُ الصحيح" للترمذي مع هامش الشيخ أحمد علي

ص: 108

السهارنفوري، طبع بالهند سنة (1365) هـ.

15 -

"الطِّيب الشَّذِي في شرح الترمذي" للشيخ إشفاقِ الرحمن أحمد الكاندهلوي، طُبِعَ منه المجلد الأول سنة (1343) هـ في دهلي.

16 -

"هدية المجتبي للحَبْر المدني" أمالي شيخ الإسلام العلامة حسين أحمد المدني المتوفى سنة (1377) هـ، طبع منه جزء.

17 -

"معارفُ السنن شرح جامع الترمذي" للعلامة محدّث العصر الشيخ محمد يوسف بن السيد محمد زكريا البِنَّوري الحسيني (1397) هـ، وهذا الشرح في ستة أجزاء وصل فيه إلى آخر أبواب الحج، ولو كَمُلَ هذا الشرحُ، لكان فردًا في بابه وأساسًا ومرجعًا للعلماء والمحدثين، فإنه رحمه الله أتى فيه بنفائسَ ولُباب أقوال فحول العلماء، وأغنى عن مطالعة الأسفارِ.

18 -

شرح عبد القادر بن إسماعيل الحسني القادري، المتوفى سنة (1187) هـ، منه نسخة في القاهرة ثان 1، 125، 131، المجلدات (2) و (3) و (4).

وَمِنْ أَهَمِّ مُخْتَصَرَاتِهِ:

1 -

مختصرُ الجامع لنجم الدين محمدِ بنِ عقيل البالِسِي الشافعي المتوفى سنة (729) هـ مخطوط في باريس (710 - 711) في مجلدين، الأول فيه (164) ورقة، والثاني فيه (183) ورقة،

ص: 109

والنسخة مؤرخة سنة (747) هـ.

2 -

"مختصر الجامع" لنجم الدين سليمان بن عبد القوي الطُّوفي الحنبلي المتوفى سنة (710) هـ مخطوط في القاهرة ثانٍ 1/ 144 حديث (487).

3 -

"مئة حديث منتقاة منه عوالي"، للحافظ صلاحِ الدين بن كيكلدي العَلائي، المتوفى سنة (761) هـ.

4 -

"الكوكب المُضي المنتزع مِن جامع سنن الترمذي"، ليحيى بنِ حسن بن أحمد بن عثمان المتوفى سنة (769) هـ، منه نسخة خطية بقلم المؤلف موجودة في جامع صنعاء الكبير برقم (399) في (123) ورقة.

5 -

مختصر، لأبي الفضل محمد تاج الدين عبد المحسن القلعي، ألّف سنة (1147) هـ، موجودٌ في القاهرة، ثانٍ 1/ 94، حديث (360 - 361).

وَمِنْ أَهَمِّ كُتُبِ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ البابِ المَذْكُورَةِ فيه:

1 -

"اللبابُ فيما يقول فيه الترمذي: وفي الباب" للحافظ ابنِ حجر العسقلاني، ولم يُوقَفْ عليه.

2 -

"كشفُ النقاب عما يقوله الترمذي: وفي الباب" تأليف الدكتور محمد حبيب الله مختار مطبوع منه خمس مجلدات، آخِرُها: باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود، طبع في كراتشي

ص: 110

باكستان، نشر مجلس الدعوة والتحقيق الإسلامي سنة (1407) هـ وقد ذكر في مقدمته أنه قسم كل باب على ثلاثة فصول:

في الأولِ الأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله: وفي الباب.

وفي الثاني ذكر فيه الأحاديث التىِ اطلعَ عليها أثناءَ البحث ولم يُشِرْ إليها الترمذي، والثالث ذكر فيه الآثار الموقوفة التي لها صِلةٌ بالباب ولعل الله سبحانه يُيَسِّرُ من يُتمم هذا الكتابَ العظيمَ الذي لا نظيرَ له في بابه.

3 -

وقد قام كُلُّ من الحافظين ابن سيد الناس والعراقي في شرحيهما للجامع بتخريجِ أحاديثِ الباب، وعزوِها إلى مظانها والكلام على أسانيدها، وبيان درجة كل حديث منها.

‌المُسْتَخْرَجَاتُ:

ومن أهمِّ كُتُبِ المستخرجات التي موضوعُها كما قال الحافظ العراقي: أن يأتي المصنفُ إلى الكتاب، فيخرج الأحاديثَ بأسانيدَ لِنفسه مِن غير طريق صاحبِ الكتاب، فيجتمع معه في شيخه، أو من فوقه.

1 -

مستخرج أبي بكر أحمد بن علي ابن منجويه النيسابوري المتوفى سنة (428) هـ.

2 -

مستخرج أبي علي الحسن بن علي الخراساني الطُّوسِي المتوفَّى سنة (312) هـ. وهو مطبوعٌ في أربعة مجلدات باسم "مختصر الأحكام: مستخرج الطوسي على جامع الترمذي" طبع في

ص: 111

المدينة المنورة، بمكتبة الغُرباء الأثرية سنة (1994) م.

وقد اعتنى بعضُ العلماء بجمع غرائب الجامع، فقد صنف الإمامُ أحمدُ بنُ العلائي الشافعي في القرن الثامن الهجري كتابًا سماه:"الأحاديث المستغربة في الجامع الصحيح للترمذي"، قال صاحب "تاريخ التراث": توجدُ منه نسخة خطية في شهيد علي برقم (353)، وتقع في (150) ورقة، نسخت سنة (904) هـ.

كما أُلِّف في بيان فضل كتاب الجامع، فقد صنف الإمام الحافظُ أبو القاسم عُبيد بن محمدٍ الإسْعَرْدِي

(1)

(692 هـ) كتابًا سماه: "فضائل الكتاب الجامع"، حققه الشيخ صبحي السامرّائي، طبع عالم الكتب في بيروت سنة (1409) هـ.

‌الطبعاتُ السَّابِقَةُ لِهذا الكِتَابِ:

طبع كتاب الترمذي عدة طبعات، وتولى نشره عددٌ من أهلِ العلم، ومن هذه الطبعات:

1 -

طبعة في الهند بدهلي سنة (1269) و (1270) هـ و (1328) هـ، وفي لكنو سنة (1310) هـ و (1317) هـ.

(1)

كذا ضبطه الحافظان ابن ناصر الدين الدمشقي وابن حجر العسقلاني في كتابيهما "توضيح المشتبه" و"تبصير المنتبه"، وهي نسبة إلى إسعرد أو سعرد أو سعرت أو إسعرت، مدينة من أعمال أرمنية، على رافد من روافد دجلة العليا، وصفها المستوفي بقوله: مدينة عظيمة مشهورة بآنية النُّحاسِ الفاخرة، وبأقداح الشرب التي تُجْلَبُ منها، وقال الدكتور بشار عواد: واشتهر أهلها في العصور المتأخرة بختان الأطفال لا سيما في العراق، فيقال للختان في العراق حتى اليوم:"زعرتي" وهو "السعردي". انظر "بلدان الخلافة الشرقية" ص 145 - 146، و"التكملة لوفيات النقلة" 2/ (1435).

ص: 112

2 -

طبعة في دمشق بتحقيق الأستاذ عزت عبيد دعَّاس.

3 -

طبعة في مصر ببولاق سنة (1292) هـ في مجلدين.

4 -

طبعة في القاهرة بمطبعة مصطفى البابي الحلبي في خمسة مجلدات، حقق الأول والثاني منها المحدث الشيخ أحمد محمد شاكر، والثالث: الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، والرابع والخامس الشيخ إبراهيم عطوة عوض.

5 -

طبعة في دار الغرب الإسلامي ببيروت في ستة أجزاء سنة (1996) م حققه الدكتور بشار عواد.

وهذه الطبعات كُلُّها لم تنل حظها من التحقيق المطلوب في هذا الكتاب النفيس الذي هو من كتب السنة الأصول، وقد آثرنا أن لا نفصل القول في بيان ما فيها من مؤاخذات، لأن ما قمنا به من التحقيق والتوثيق والتخريج والضبط في طبعتنا هذه فيه غَناء وأيُّ غناء.

ص: 113

‌وصفُ الأصولِ الخَطِّيَّةِ

لقد توافرت لنا بحمد الله وتوفيقه حين الشروع في تحقيق "الجامع" عدة نسخ نفيسة، مصورة عن الأصول الخطية الموجودة في مكتبات العالم، وهاك وصفها:

‌أولًا: نُسْخَةٌ بِخَطِّ المُحَدِّثِ الكروخي ورمزُها (أ)

وهي نسخة مصورة عن الأصل الخطي المحفوظ بالمكتبة الوطنية بباريس تحت رقم (709) وهي نسخة تامة جيدة الضبط واضحة الخط، كتبت بخط نسخي معتاد، يَنْدُرُ وقوعُ الخطأ فيها، وعددُ أوراقها (273) ورقة، كل لوحة فيها (31) سطرًا، وكل سطر فيه (23) كلمة تقريبًا.

وقد حُلِّيت هوامشها بفوائد مهمة ذات قيمة علمية، وهي النسخة الأم التي كان الاعتماد عليها.

وقد تولَّى نسخَها أبو الفتح عبدُ الملك بنُ أبي القاسم عبد الله بن أبي سهل بنِ أبي القاسم بن أبي منصور بن تاج الكَرُوخي الهروي البزار كما صَرَّح هو نفسه بذلك في لوحة العنوان منها، وفي الورقة (271)، وقد انتهى مِنْ نسخها يومَ الأحدِ الرابع من ذي القعدة سنة سبع وأربعين وخمس مئة.

وصاحبُ هذه النسخة هو أبو العباسِ أحمدُ بنُ محمد بنِ كوثر المحاربيُّ صرح بذلك شيخُه الكروخي في لوحةِ العنوان، فكأن الكروخي نسخها بيده، ثم ملّكها لتلميذه أبي العباس، الذي سمعها

ص: 114

على الكروخي، ثم صارت مِن بعده لابنه علي بن أحمد المحاربي المقرئ الذي سَمِعَها مع أبيه على الكروخي.

وقد أثبت الكروخيُّ سندَه إلى الترمذي، في الورقةِ الأولى قبل أبواب الطهارة فقال: أخبرنا القاضي الإمامُ الزاهد أبو عامر محمودُ بنُ القاسم بن محمد بن محمد الأزدي رحمه الله قراءةً عليه وأنا أسمعُ في ربيعٍ الأولِ مِن سنةِ اثنتين وثمانين وأربعِ مئة وأخبرنا الشيخُ الفقيهُ أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن عليِّ بنِ إبراهيم التِّرياقي، والشيخُ أبو بكر أحمدُ بنُ عبد الصمد بن أبي الفضل بن أبي حامد الغُورَجي رحمهما الله قراءةً عليهما وأنا أسْمَعُ في ربيعٍ الآخر من سنة إحدى وثمانين وأربع مئة، قالوا: أخبرنا أبو محمد عبدُ الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجرّاح الجرّاحي المروزي، قال: أخبرنا أبو العباس محمدُ بنُ أحمد بن محبوب بن فُضيل المحبوبيُّ المروزيُّ، قال: أخبرنا الحافظُ أبو عيسى محمدُ بنُ عيسى بن سَورة بن موسى الترمذي رحمهم الله

وقد سَمِعَ هذه النسخة على الكروخي جماعةٌ، منهم صاحبُها أبو العباس وولَدُه أبو الحسن علي بن أحمد المقرئ، وآخرون دُوِّنت أسماؤُهم في الورقة التي قبل ورقة العنوان، وقد تَمَّ سماعُ هذه النسخة في عدة مجالس بقراءةِ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف الأنصاري، كان آخرَها يومُ الخميس في الثالث والعشرين من ذي القعدة سنةَ سبعٍ وأربعين وخمس مئة هجرية، أي: قَبْلَ وفاةِ الكروخي بسنة، فقد تُوفِّيَ رحمه الله سنة ثمان وأربعين وخمس مئة.

ص: 115

ثم تولَّى بعدَ الكروخي أبو العباس المحاربي وابنه أبو الحسن المقرئ إسماعَها فقد أثبت لهما في هذه النسخة عِدةُ سماعات منها:

1 -

سماعٌ لعبد العزيز بن عيسى بن عبد الواحد بن سليمان الأندلسي بمصر على أبي العباس أحمد بن محمد بن كوثر المحاربي، كما جاء في لوحة العنوان، ولم يتضحْ لنا تاريخُ هذا السماع.

2 -

سماع بقراءة أحمد بنِ عبدِ السلام بنِ عبد الملك بن يحيى بن موسى الغافقي الأندلسي على أبي الحسن علي بنِ أحمد بن محمد بن كوثر المقرئ، سنةَ ست وخمسين وخمس مئة، وكان مِن أول الكتاب إلى ثلث ترك الوضوء مِن القُبلة، وأخذ الباقي مناولة

(1)

.

3 -

سماع بقراءةِ محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ سعيد الرُّعيني، على أبي الحسن المُقرئ، سنة سبع وسبعين وخمس مئة.

4 -

سماع بقراءة أحمد بن محمد رسول الفزاري، على أبي الحسن المقرئ، سنة ثمانين وخمس مئة.

5 -

سماع بقراءة أبي علي عُمَرَ بن عبد المجيد بنِ عُمَرَ الأزدي الرُّنْدي النحوي، على أبي الحسن المقرئِ، سنة ثمان وسبعين وخمس مئة، وسماعات أخرى مؤرخة سنة اثنتين وثمانين وخمس مئة، وسنة سبع وثمانين وخمس مئة.

(1)

المناولة نوع من أنواع التحمل، وهي: أن يناول الشيخ أصله، أو ما قام مقامه، مقتصرًا على قوله: هذا سماعي أو روايتي عن فلان.

ص: 116

وقد حضر هذه السماعات خلق أُثبتت أسماؤهم في اللوحة التي قبل لوحة العنوان وفي الورقة (271) و (272).

وآخرُ سماعٍ لهذه النسخة كان سنة ثمانٍ وثمانين وسبع مئة، بالجامع الأموي في دمشق، بقراءة عبد الله بن يوسف بن ناصر الفرخاوي المقدِسي، كتبه المقرئُ تقي الدين أبو بكر بن محمد بن الشيخ يوسف المقدسي، قُرِئَ على شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن البعلبكي الحنبلي، الشهير بابن الفخر، وكمال الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل الشهير بابن النحاس، وجمال الدين يوسف بن عبدِ الوهَّاب بن يوسف بن إبراهيم بن السلَّار بختيار الدمشقي: ابن الفخر وابن النحاس عن بهاء الدين القاسم بن المظفر بن محمود ابن عساكر الطبيب الدمشقي، عن القاضيين شمس الدين محمد بن محمد بن مَمِيْلٍ الشيرازي، وعبد الرحيم بن محمد بن الحسن بن عساكر بإجازتهما من الشيخين: أبي الفتح نصر بن سيار بن صاعد الهروي وأبي السعادات عبد الرحيم بن محمود بن مسعود المسعودي، الأولُ منهما عن القاضي أبي عامر الأزدي، والثاني عن أبي سعيد محمد بن علي بن صالح البغوي، كلاهما عن أبي محمد الجرَّاحي عن أبي العباس المحبوبي، عن أبي عيسى الترمذي.

وابن النحاس وابن السلّار، عن أبي الحسن علي بن محمد بن مودود بن جامع البَنْدنيجي، عن عبد الخالق بن الأنجب بن المُعَمَّرِ

ص: 117

النَّشتبري، عن أبي الفتح الكَروخي، عن أبي عامر الأزدي وأبي بكر الغُورجي، وأبي نصر الترياقي، عن أبي محمد الجراحي، عن أبي العباس المحبوبي، عن أبي عيسى الترمذي.

والقاسم بن المظفر ابن عساكر عن أبي الفتوح محمد بن محمد بن أبي المعالي الوثابي أيضًا، عن شاكر بنِ علي بنِ محمد بن الأسواري، عن أبي الفتح أحمد بن سعيد الحداد، عن إسماعيل بن ينال المحبوبي، عن أبي العباس المحبوبي، عن أبي عيسى الترمذي. اهـ.

ويتبين من هذه السماعات كُلِّها أنها تدورُ على أبي محمد الجرّاحي شيخ المشايخ الثلاثة الذين روى عنهم أبو الفتح الكروخي نسختَه هذه، وإسماعيل بن ينال المحبوبي كلاهما عن أبي العباس المحبوبي، عن أبي عيسى الترمذي.

وقد سمع الحافظ ابن حجر العسقلاني "جامع الترمذي" من طريق القاسم بن مظفر بن عساكر، وعلي بن محمد البندنيجي وآخرين بإسناد السماع الأخير نفسه في هذه النسخة.

وقد سَمِعَ كتاب "الجامع" من الإمام الترمذي غيرُ واحد عدا المحبوبي، من أشهرهم:

1 -

أبو سعيد الهيثمُ بنُ كُليب الشاشي صاحب "المسند"، ذكر روايته ابنُ عطية الأندلسي في "فهرسته" ص 75، وابنُ خير الإشبيلي في "فهرسته" ص 119، والإسعردي في "فضائل

ص: 118

الكتاب الجامع" ص 42 والقاسم بن يوسف التُّجيبي في "برنامجه" ص 103، وعنده زياداتٌ في كتاب الدعوات والمناقب وكلام أبي عيسى في آخِر الكتاب ليست في رواية أبي يعلى ابن زوج الحرة، عن أبي علي السِّنجي، عن أبي العباس المحبوبي كما أخبر بذلك أبو علي الصَّدَفي ذكره تلميذه ابن عطية في ترجمته ص 184 - وابنُ خير الإشبيلي.

قلنا: وهذه الزياداتُ مثبتةٌ من طريق أبي محمد الجرَّاحي، عن أبي العباس المحبوبي، كما هو واضح في هذه النسخة التي بين أيدينا وهي بروايته.

وإذا كان أبو سعيد الهيثم بن كليب لم تشتهر روايته "للجامع" فقد اشتهرت روايته لِكتاب "الشمائل المحمدية" لأبي عيسى الترمذي، وهو مطبوعٌ بروايته، ولم يُرو الكتابُ إلا من طريقه فقد ذكر روايته للشمائل ابن حجر العسقلاني في "المعجم المفهرس" ص 79 - 80، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 15/ 359، وصلاح الدين الصفدي في "الوافي بالوفيات" 4/ 295 - 296، والوادي آشي في "برنامجه" ص 210 - 211، وغيرهم. وانظر ترجمة الشاشي في "السير" 15/ 359.

2 -

أبو علي محمد بن محمد بن يحيى القرّاب الهروي المتوفى سنة أربع وعشرين وثلاث مئة، ذكر روايته الإسعردي في "فضائل الكتاب الجامع" ص 45 عن المؤتمن الساجي - قرين الكروخي

ص: 119

في السماع من المشايخ الثلاثة بهراة -، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 17/ 257 - 258، وقد سمعه من هذه الطريق شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي، كما قال الإسعردي ص 46. وقد ترجم لأبي علي القراب ابنُ ماكولا في "الإكمال" 7/ 59.

3 -

أبو حامد أحمدُ بنُ محمد بن عبد الله بن داود التاجر المروزي، ذكر روايتَهُ ابنُ عطية الأندلسي في "فهرسته" ص 94، وابنُ خير الإشبيلي في "فهرسته" ص 120، والقاسِمُ بنُ يوسف التُّجيبي في "برنامجه" ص 103، والحافظُ المِزي في "تحفة الأشراف" 3/ 240 عندَ حديث محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد القطان، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن زيد بن خالد الجهني رفعه: "من جهز غازيًا في سبيل الله

" الحديث ورقمه عندَ الترمذي (1724)، وفي "تحفة الأشراف" 6/ 334 عند حديث هناد، عن عبدة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رفعه: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا

ويعرف حق كبيرنا" ورقمه عند الترمذي (2033)، وكذا ذكرها الحافظ العراقي عند شرحه حديث زيد بن خالد الجهني في المجلد السادس ورقة 116، وجاءت قطعة من نسخة تشستربيتي التي بين أيدينا بروايته. وجاء اسم أبي حامد بهذا الطول في "فضائل الكتاب الجامع" لأبي القاسم الإسعردي" ص 31، ولم نجده عند غيره.

ص: 120

4 -

أبو محمد الحسنُ بنُ إبراهيم بن يزيد الأسلمي القطان الفارسي، نزيل نيسابور المتوفى سنةَ ثلاث وأربعين وثلاث مئة، ذكر روايتَه الحافظُ أبو جعفر بن الزبير في "برنامجه" كما نقله عنه الإمام المباركفوري في مقدمة "تحفة الأحوذي" ص 285 وابنُ خير الإشبيلي في "فهرسته" ص 121، والتُّجيبي في "برنامجه" ص 107، وقد ترجم له أبو سعد السمعاني في "الأنساب" 10/ 186.

5 -

أبو الحسن عليُّ بنُ عمر بن التّقي بن كلثوم بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي الوَذاري، ذكر روايته أبو جعفر بنُ الزبير في "برنامجه" كما نقل ذلك المباركفوري في مقدمة "تحفة الأحوذي" ص 285، والحافظ أبو بكر ابنُ نقطة البغدادي في "تكملة الإكمال" 1/ 463 - 464. وقد ترجَمَ له السمعاني في "الأنساب" في نسبة الوَذاري، وعمر بن محمد النسفي في "القِند في ذكر علماء سمرقند" الترجمة (682).

6 -

أبو ذر محمدُ بنُ إبراهيم بن القاسم بن أحمد بن عبد الله بن داود الترمذي، ذكر روايته ابنُ عطية في "فهرسته" ص 50 - 51 في ترجمة أبيه أبي بكر غالب بن عبد الرحمن المحاربي، وابن خير الإشبيلي في "فهرسته" ص 121، والتُّجيبي في "برنامجه" ص 107، وجاءت قطعة من نسخة تشستربيتي التي بين أيدينا بروايته، وكذا جاء اسمُه بتمامه فيها.

ص: 121

7 -

أبو محمد نصر بن محمد بن سبْرة الشِّيرَكَثي، نسبة إلى شِيرَكَث من قرى نَسَف، ذكر روايته أبو سعد السمعاني في "الأنساب" في نسبة الشيركثي في ترجمة أبي نصر أحمد بن عمار بن عِصمة بن معاذ الشيركثي، وقد سلف ذكره في تلامذة الترمذي.

8 -

أبو جعفر محمد بن جماهر، ذكر روايته القاسم بن يوسف التجيبي في "برنامجه" ص 107.

لكن أشهر هذه الروايات هي رواية أبي العباس المحبوبي، فكلُّ الأصول الخطية التي بين أيدينا بروايته حاشا قطعة من نسخة تشستربيتي برواية أبي حامد التاجر وأبي ذر الترمذي، وقد قال الحافظ أبو القاسم الإسعردي في "فضائل الكتاب الجامع" ص 42: فأما الراوي عن أبي عيسى رضي الله عنه، فهو أبو العباس محمدُ بنُ أحمد بن محبوب بن فضيل التاجر المروزي المحبوبي، ومن روايته عنه اشتهر.

‌تَراجِمُ رُواةِ النُّسْخَةِ، ورِجالات سَمَاعَاتِها:

1 -

صاحبُ هذه النسخة: هو الشيخ الفقيهُ النحويُّ أبو العباس أحمدُ بنُ محمد بن كوثر المحاربي المغربي، ذكر السيوطي أن كنيته أبو جعفر وأنه غرناطي، وقال: قال ابنُ مكتوم: نحوي، أخذ عن أبي الحسن بن الباذَش، وسمع منه السِّلَفيُّ، ومات بمصرَ بعدَ أن حج سنة (550) هـ.

ص: 122

وقال فيه شيخه أبو الفتح الكَروخي: الشيخ الفقيه، وقد أجازه وأَذِنَ له روايةَ جميع مسموعاته، وشَهِدَ له بالنبوغِ وارتيادِ النسخ الصحيحة من أصول السماعِ وبحثه الخطأ وتحريف الناقلين وتصحيف المنشئين

(1)

. وهو الذي قال في كُنيته: أبو العباس، والذىِ نسبَه مغربيًا هو مثبت أسماء السامعين في مجلس الكَروخي وهو منهم. وهذا أصحُّ مما قاله السيوطي، لأن الكَروخي شيخُه ومثبتَ الأسماء قرينُه وهما أعرفُ به.

2 -

أبو الحسن عليُّ بنُ أحمد بن محمد بن كوثر المحاربي الغرناطيُّ، المقرئ الأستاذ، وَلَدُ السابق، رحل به أبوه فأخذ القراءات بمكة، على أبي علي بن العرجاء القيرواني، وأبي الحسن بن رضا البَلَنْسِيِّ الضرير، وقرأ بمصر على أبي العباس أحمد بن الحطيئة، وأبي الفتوح الخطيب، وسمع "جامع الترمذي" على الكَروخي، وأكثر عن أبي طاهر السِّلَفي - فيكون السِّلَفي شيخَه وتلميذَ أبيه - وعاد إلى بلده بعلم جمٍّ، وإسنادٍ عالٍ، توفي في ربيعٍ الآخر سنةَ تسع وثمانين وخمس مئة

(2)

. قلنا: وهو صاحبُ هذه النسخة بعد أبيه كما جاء مصرّحًا في بعض السماعات.

(1)

انظر ورقة العنوان فخط الكروخي فيها، والورقة التي قبلها، وانظر "بغية الوعاة" لجلال الدين السيوطي 1/ 375.

(2)

"معرفة القراء الكبار" لشمس الدين الذهبي 2/ الترجمة (518).

ص: 123

3 -

أبو الفتح عبدُ الملك بن أبي القاسم عبد الله بن أبي سهل بن أبي القاسم بن أبي منصور بن تاج الكروخي الهروي البزار، وُلِدَ في ربيعٍ الأول سنةَ اثنتين وستين وأربع مئة بهراة، وكَرُوخُ: بلدة على عشرةِ فراسخٍ مِن شمال هراة

(1)

. سمع جماعةً كثيرة، وكان خيِّرًا، صالحًا، صدوقًا، مقبلًا على نفسه، ومرض ببغداد، فبعث إليهِ بعض من يسمعُ عليه شيئًا مِن الذهب فلم يقبل، وقال: بعدَ السبعين واقترابِ الأجل آخُذُ على حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، وردَّه مع حاجته إليه، وكان يكتب نسخًا لـ "جامع الترمذي" ويبيعُها، فيتقوَّتُ منها، وكتَب نسخةً فوقفها. وخَرَجَ إلى مكة فجاور بها، وتُوفي في ذي الحِجة من سنةِ ثمانٍ وأربعين وخمسِ مئة، بعدَ رحيل الحاج بثلاثة أيام

(2)

.

4 -

القاضي أبو عامر محمودُ بنُ القاسم بنِ محمد بنِ محمد بن عبد الله بن محمد بنِ الحسين بن محمد بن مقاتل بن صُبَيْحٍ بن ربيع بنِ عبد الملك بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي الهروي، وُلِدَ سنةَ أربع مئة، وكان عديمَ النظير زهدًا وصلاحًا وعِفَّة ورشادًا، ولم يزل على ذلك مِن ابتداء أمره إلى انتهاء عمره، وكانت إليه الرحلةُ من الأقطار، والقصد لسماع الأسانيد العالية، وكان من أركانِ مذهب الشافعي بهراة، توفي يوم السبتِ

(1)

بفتح الهاء والراء المهملة ثم ألف وهاء في الآخر: مدينة مشهورة من أمهات خراسان، وهي الآن العاصمة الثانية لأفغانستان.

(2)

نقلنا هذه الترجمة كما ساقها تلميذه ابن الجوزي في "مشيخته" ص 87 - 88.

ص: 124

الثامن من جُمادى الآخرة سنةَ سبعٍ وثمانين وأربعِ مئة، ودُفِنَ بباب خشك بِهَرَاة

(1)

. قلنا: وسماعُ الكَروخي منه في سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة كما صرح بذلك في سنده لهذا الكتاب.

5 -

الشيخ أبو بكر أحمدُ بنُ عبدِ الصمد بن أبي الفضل بن أبي حامد التاجر الغُورَجي - بضم المعجمة وسكون الواو وفتح الراء نسبة إلى غُورَج: قرية على بابِ مدينة هراة - سمع منه جماعةٌ من الحفاظ والأئمة، قال الحسين بن محمد بن الجنيد الغُورجي: أبو بكر بن أبي حاتم شيخٌ ثقة صدوق توفي فجأة يوم الثلاثاء تاسع عشر من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربع مئة

(2)

. قلنا: وسماع الكروخي منه كان سنة إحدى وثمانين وأربع مئة كما ذكر الكروخي نفسه في سنده لهذا الكتاب، أي: أنه سمعه منه في السنة التي توفي فيها.

6 -

الشيخُ الفقيهُ أبو نصر عبدُ العزيز بنُ محمد بن علي بن إبراهيم بن ثُمامة بن داود بن الليث التِّرياقي - بكسر التاء وسكون الراء، نسبة إلى تِرياق: قرية من عمل هراة - وكان ثقة مكثرًا، وله حفظ وافر مِن الأدب، وُلِدَ سنة تسع وثمانين وثلاث مئة، كان سماعه في مسند أبي عيسى من أوله على التوالي إلى أول

(1)

"فضائل الكتاب الجامع" للإسعردي ص 45 - 46، و"طبقات الشافعية" لابن السبكي 5/ 327 - 328.

(2)

"فضائل الكتاب الجامع" ص 47 - 48، و"التقييد" لابن نقطة البغدادي الترجمة (169)، و"سير أعلام النبلاء" 19/ 7.

ص: 125

مناقب عبد الله بن عباس رضي الله عنه فحسب، ومن ثَمَّ فاته إلى آخر الكتاب، توفي في شهرِ رمضانَ يومَ الثلاثاء سادس عشرة من سنةِ ثلاث وثمانينَ وأربعِ مئة

(1)

، قلنا: قد صرّح الكروخي بأن سماعه منه كان سنة إحدى وثمانين وأربع مئة، وهذا يعني أنه سمعه منه وكان عمره إذ ذَاكَ اثنتين وتسعين سنة. وما فات الترياقي من "جامع الترمذي" أكمله الكروخي على أبي المظفّر عُبيد الله بن علي بن ياسين بن محمد بن أحمد الدّهان المروزي الذي سمع من الجرّاحي ما فات التِّرياقي

(2)

.

7 -

أبو محمد عبدُ الجبار بنُ محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الجرّاح بن الجنيد بن هشام بن المرْزُبان المروزي الجرّاحي، قال عن نفسه: وُلِدْتُ سنَة إحدى وثلاثين وثلاث مئة، قَدِمَ هراةَ في شهور سنة تسع وأربع مئة، وحدَّث بالمسندِ لأبي عيسى بها، تُوفي سنة اثنتي عشرة وأربع مئة

(3)

.

8 -

أبو العباس محمدُ بنُ أحمد بن محبوب بن فضيلِ التاجرُ المروزي المحبوبي، وقد سلفت ترجمته في أصحاب الترمذي.

(1)

"فضائل الكتاب الجامع" ص 48، و"التقييد" لابن نقطة الترجمة (461)، و"السير" 19/ 706.

(2)

"فضائل الكتاب الجامع" ص 48 - 49، و"التقييد" الترجمة (454).

(3)

"التقييد" الترجمة (431)، و"سير أعلام النبلاء" 17/ 257.

ص: 126

ولم ينفرد الجرّاحي برواية "الجامع" عن أبي العباس المحبوبي، بل رواه عنه جماعة آخرون، منهم إسماعيل بن ينال المحبوبي الذي أسندت إليه إحدى السماعات في هذه النسخة، وهو أحدُ سماعات الحافظ ابن حجر العسقلاني كما سلف بيانه.

ومنهم أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن شعبة المروزي السِّنجي، وعنه أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن زوج الحرة، وقطعة من نسخة "لا له لي" التي اعتمدناها في تحقيق هذا الكتاب بروايته كما سنبين ذلك فيما يأتي بعون الله.

ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج السِّنجي الطحّان، ذكر ذلك السمعاني في "الأنساب" في نسبة السِّنجي.

وقد روى عن أبي محمد الجرّاحي - غيرُ أبي عامر الأزدي، وأبي بكر الغورجي، وأبي نصر الترياقي - أبو المظفّر عُبيد الله بن علي الدَّهَّان المروزي الذي سمع مِن الجراحي ما فات الترياقي كما بيّنا، وأبو سعيد محمد بن علي بن أبي صالح البغوي الدبّاس، ذكر الأولَ الإسعرديُّ الحافظ

(1)

، وأسند الكتابَ مِن طريق الأولِ والثاني الحافظُ ابنُ حجر العسقلاني

(2)

، ومن طريق الثاني جاءت إحدى طرقِ السَّماعِ الأخيرِ في هذه النسخة

(3)

.

(1)

"فضائل الكتاب الجامع" 48 - 49.

(2)

"المجمع المؤسس للمعجم المفهرس" 1/ 98 و 102.

(3)

الورقة 272 الوجه الثاني.

ص: 127

وقد شارك الكروخيَّ في السماع مِن شيوخه الثلاثة الذين نصَّ عليهم في إسناده لهذا الكتاب أولَ النسخة الحَافِظُ المُؤْتَمَنُ السَّاجي أبو نصر، كما نَصَّ هو على ذلك في نسخته، وذكر فيها سماعَ الكروخي معه بهراة، وقد نُقِلَت أجزاءٌ مِن نسخةِ الظاهرية مِن نسخته كما نُصَّ على ذلك في الورقة الأخيرة من الجزء الخامس.

وعن أبي عامر الأزدي وَحْدَهُ أخذ أبو الفتح نصرُ بنُ سيَّار بن صاعد بن سيّار الهروي، كما في إحدى طرقِ السماع الأخيرِ في هذه النسخة، وإحدى سماعات الحافظ ابنِ حجر من طريقه

(1)

، وكذلك أبو جعفر محمد بنُ الحسن بن الحسين الصيدلاني، لكن بالإجازة وقد ذكر روايَته القَاسِمُ بنُ يوسف التُّجيبي

(2)

.

أما الرواة عن أبي الفتح الكَروخي في هذه النسخة، فخلقٌ كثيرون، بلغوا سبعة وعشرين رجلًا تقريبًا، من أشهرهم صاحبُ النسخة أبو العباس أحمد بن محمد بن كوثر المحاربي، وابنه أبو الحسن علي المقرئ، وقد ترجمنا لكلٍ منهما فيما سلف.

وقد روى عن الكَروخي جماعة لم تُذكر أسماؤهم في هذه النسخة من جلة الحفاظ، منهم الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي، وله نسخةٌ بخطه سيأتي بسطُ الكلام عليها فيما بعد إن شاء الله. ومنهم المسند أبو حفص ابن طَبرْزد، وأبو الحسن عليُّ بن أبي الكرم ابن

(1)

"المجمع المؤسس" 1/ 101.

(2)

"مستفاد الرحلة والاغتراب" ص 46.

ص: 128

البنا اللَّذين روى من طريقهما الحافظُ زكيُّ الدين المنذري هذا الكتاب كما في نسخة (د) التي قُرِئَتْ عليه، وكذا رواه من طريقهما الحافظُ ابنُ حجر العسقلاني

(1)

، وغيرُهم كثير.

ونترجم هنا لمن سمع كتاب "الجامع" ممن لم تتقدم لهم ترجمة:

1 -

إسماعيل بن ينال أبو إبراهيم المحبوبيُّ خاتمةُ مَنْ سَمِعَ من مولاه أبي العباس المحبوبي، قال السمعاني: كان ثقةً عالمًا. وقد أجاز لأبي الفتح أحمدَ بنِ محمد الحداد بمرويّاته، وُلِدَ سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة، وتوفي سنة إحدى وعشرين وأربع مئة

(2)

.

2 -

أبو علي الحسنُ بنُ محمد أحمد بن شعبة السِّنجي المروزي، سكن بغدادَ، وحدّث بها عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي كتاب "الجامع"، قال أبو القاسم الأزهري: سمعتُ مِنْ هذا الشيخ بعضَ كتاب "الجامع" لأبي عيسى، وكان شيخًا فهمًا، ثقةً له هيبة، تُوفي ليلةَ الأربعاء النِّصف من ذي الحجة سنةَ إحدى وتسعين وثلاثمئة

(3)

، والسنجي نسبة إلى سِنْج من قرى مرو

(4)

.

(1)

"المجمع المؤسس" 1/ 101.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 17/ 376 - 377.

(3)

"تاريخ بغداد" 7/ 423.

(4)

"الأنساب" 7/ 167.

ص: 129

3 -

أبو العباس أحمدُ بنُ محمد بن سراج السِّنجي الطحّان، روى عنه القاضي أبو منصور السَّمعاني وجماعة، مات بعدَ الأربع مئة، وقبرُه بقرية سنج على طرف المسجد بمحلة بشاخ

(1)

.

4 -

أبو المظفر عُبيدُ الله بنُ علي بن ياسين بن محمد بن أحمد الدَّهان المروزيُّ، قال الإسعرديُّ: شيخٌ نبيلٌ، روى عن أبي محمد الجراحي لِما فَاتَ أبا نصر الترياقي من الكتاب، وهو أوَّلُ مناقب عبد الله بن عباس إلى آخر كتاب العلل وهو آخر الكتاب

(2)

.

5 -

أبو سعيد محمدُ بن علي بن أبي صالح البغوي الدبّاس الشيخ الفقيه المعمّر المُسْنِدُ، آخرُ مَنْ روى "جامعَ الترمذي" عن أبي محمد الجرَّاحي عاليًا، عاش ثمانيًا وثمانين سنة، وكان مِن الفقهاء، مات ببغشور - بليدة بينَ هراة ومرو الرُّوذ من بلاد خراسان، والنسبة إليها بغوي على غير قياس - في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربع مئة

(3)

.

6 -

أبو نصر المؤتَمنُ بنُ أحمد بنِ علي بنِ حُسين بن عُبيد الله الرّبَعي الدّيرعاقولي البغدادي الساجيُّ الحافِظُ الإمامُ المجوِّد، مفيدُ الجماعة، وُلِدَ سنةَ خمسٍ وأربعين وأربع مئة، قال الحافظ عبد الله بن محمد الأنصاري: لا يُمكن أحدٌ أن يكذِبَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دام هذا حيًا، وقال السِّلَفِي: حافظ متقن، لم أر أحسنَ قراءةً

(1)

"الأنساب" 7/ 166.

(2)

"فضائل الكتاب الجامع" للإسعردي ص 48 - 49.

(3)

سير أعلام النبلاء 19/ 5 - 6، والأنساب 2/ 254، و"معجم البلدان" 1/ 467.

ص: 130

للحديث منه، تَفَقَّه على الشيخ أبي إسحاق. قال أبو النَّضر الفامِي: أقام المُؤْتَمَنُ بهراةَ عَشْرَ سنين، وقرأ الكثيرَ، ونَسَخَ الترمذيَّ ستَّ كرات، توفي في صفر سنةَ سبع وخمس مئة ببغداد

(1)

.

7 -

أبو الفتح نصرُ بنُ سيار بنِ صاعد بنِ سيَّار الهَرَوِيُّ الشيخُ الإمامُ الفقيه المعمَّرُ، مسند خراسان، شرف الدين الكِناني الحنفي القاضي، ولد سنة خمس وسبعين وأربع مئة، له إجازة من شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري، وأبي القاسم الخليلي، كان فقيهًا مُناظرًا فاضلًا متدينًا، حَسَن السيرة، مطبوع الحركات، تاركًا للتكلف، سليمَ الجانب، تُوفي سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة

(2)

.

8 -

أبو جعفر محمدُ بنُ الحسن بنِ الحُسين الصيدلاني، الشيخُ الجليلُ المعمَّرُ، مسند وقته له إجازةٌ مِن شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، ومن أبي عامر الأزدي، وانتهى إليه علوُّ الإسنادِ، توفي سنة ثمانٍ وستين وخمس مئة

(3)

.

9 -

أبو الفرج عبدُ الرحمن بنُ علي بنِ محمد بن علي بنِ عُبيد الله بن عبد الله بن حَمَّاديّ بنِ أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بنِ القاسم بنِ النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن الفقيه عبد الرحمن ابن الفقيه القاسم بنِ محمد ابنِ خليفة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

(1)

"السير" 19/ 308 - 311.

(2)

"السير" 20/ 545 - 546.

(3)

"السير" 20/ 530.

ص: 131

أبي بكر الصديق القرشي التيمي، البكريُّ، البغداديُّ، الحنبليُّ الإمام العلامةُ الحافظُ المفسِّرُ، شيخُ الإسلام، جمالُ الدين الواعظُ صاحبُ التصانيف، المشهور بابن الجوزي وُلِدَ سنة تسعٍ أو عشرٍ وخمس مئة، وأول ما سَمِعَ في سنة ستَّ عشرة. تصانيفه كثيرة، منها تفسيرُ القرآن المسمى بـ "زاد المسير"

(1)

، و"التحقيق في مسائل الخلاف" و"الموضوعات"، و"المنتظم في التاريخ" وغيرها، قال أبو عبد الله بن الدبيثي في "تاريخه": شيخُنا جمال الدين صاحب التصانيف في فنون العلوم من التفسير والفقه والحديث والتواريخ وغير ذلك، وإليه انتهت معرفة الحديث وعلومه، والوقوف على صحيحه من سقيمه، وكان مِنْ أحسنِ الناس كلامًا وأتَمِّهِمْ نظامًا، وأعذبهم لسانًا، وأجودهم بيانًا، تفقه على الدِّينوري، وقرأ الوعظَ على أبي القاسم العلوي، وبُورِكَ له في عُمره وعلمه، وحدَّث بمصنفاته مرارًا، توفي في سنة سبع وتسعين وخمسِ مئة

(2)

. قلنا: ونسحته من "جامع الترمذي" التي بخطه هي المعوَّل عليها في تحقيق هذا الكتاب بعدَ نسخة شيخه الكَروخي.

(1)

وقد وفقني الله سبحانه إلى تحقيقه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه بمشاركة صديق العمر، والصاحب الوفي الشيخ عبد القادر الأرنؤوط حفظه الله ورعاه، وقد نشره المكتب الإسلامي بدمشق، في تسعة مجلدات بدءًا من سنة 1964 م وانتهاء بسنة 1968 م.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 21/ 365 - 384.

ص: 132

10 -

أبو حفص عُمَرُ بن محمد بنِ معمر بنِ أحمد بن يحيى بن حسَّان البغدادي المؤدِّب الشيخ المُسندِ المعروف بابن طَبْرزَد، والطبرزد: هو السُّكَّر بالفارسية، وُلِدَ في ذي الحجة سنة ست عشرة وخمس مئة، سمع الكثيرَ، وحَفِظَ الأصول إلى وقت الحاجةِ إليها، جمع له الحافظ أبو عبد الله ابنُ الدُّبَيْثيِّ مشيخةً في جزئين وبعض ثالث، وفيها ثلاثةٌ وثمانون شيخًا، مات سنة سبعٍ وستِّ مئة في رجب، ودفن بباب حرب

(1)

.

11 -

أبو الحسن عليُّ بن أبي الكرم نصرُ بنُ المبارك بن أبي السَّيِّد بن محمد الواسطيُّ البغداديُّ، ثم المكيُّ الخلال ابن البناء الشيخ الجليل المُسند، قال الذهبي: راوي "الجامع" عن الكروخي وما علمته روى شيئًا غيره، مات بمكة سنة اثنتين وعشرين وست مئة

(2)

.

12 -

الإمامُ العلامةُ الحافظُ المُحَقِّقُ شيخُ الإسلام زكيُّ الدين أبو محمد عبدُ العظيم بنُ عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري الشامي الأصلِ، المصريُّ الشافعي، وُلِدَ في سنة إحدى وثمانين وخمس مئة، سمع من خلق كُثْرٍ لَقِيَهُم بالحرمينِ ومصرَ والشامِ والجزيرة، وله مصنفات جياد منها "شرح التنبيه" في الفقه وهو شرح كبير، واختصر "صحيح مسلم"، و"سنن أبي داود"،

(1)

"التكملة لوفيات النقلة" للحافظ المنذري 2/ الترجمة (1158).

(2)

"السير" 22/ 247 - 248.

ص: 133

وصنف "الترغيب والترهيب" الذي طار ذكره في الآفاق، و"التكملة لوفيات النقلة"، وهو ذيلٌ على "وفيات النقلة" لشيخه أبي الحسن علي بن المفضّل المقدسي المتوفى سنة 611 هـ الذي وصل بكتابه إلى سنة 581 هـ فكان الذيل الذي عمله المنذري من هذه السنة إلى أثناء سنة 642 هـ، توفي سنة ست وخمسين وست مئة

(1)

.

‌ثانيًا: نسخة ابن الجوزي ورمزها (ب)

وهي نسخة مصورةٌ عن أحدِ الأصلَيْنِ الخطّيَّين الموجودين في مكتبة "لاله لي" بإسطنبول. الموجودُ منها الجزءُ الأول من أولِ الكتاب إلى باب ما جاء في حقِّ الجِوارِ سوى أوراقٍ سقطت من أوَّل أبواب البيوع إلى أول باب ما جاء أن الحنطةَ بالحنطةِ مِثْلًا بمثل.

وهي جيدة واضحة متقنة، كُتِبَتْ بخطٍ نسخي، وقد حُلِّيت هوامشها بتعليقات تشمل تصحيحَ ما وقع مِن خطأ أثناء النسخ، وإثباتَ عدد من الكلمات التي اختلفت فيها النسخ مما يَدُلُّ على أنها قُوبلت مقابلةً دقيقة، ولذلك يندرُ وقوع الخطأ فيها.

وعددُ أوراقها (315) ورقةً عدا ورقة العنوان، وعدد الأسطر في كل لوحة (19) سطرًا، وكل سطرٍ فيه (17) كلمة تقريبًا.

(1)

"السير" 23/ 319 - 324.

ص: 134

كتب معظمَها الحافظُ ابنُ الجوزي، وفي أثنائها أوراق رُبَمَا تشكّل ثلثَ المجلد بخط أبي الخير إلياس بن غازي بن التُنْتَاش الأُنَري، كما جاء في الورقة التي تم فيها أبوابُ الطلاق بخطه نفسه، فقد جاء فيها ما نصه: تم أبواب النكاح، ويتلوه في المجلد الثاني أبواب البيوع إن شاء الله تعالى، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليمًا. كتبه الفقير إلى عفو الله إلياس بن غازي بن التُنتاش الأُنَري، غفر الله له ولوالديه ولسائر المسلمين، وذلك أثناء شهر ربيع الأول من سنة ثمانين وخمس مئة، والحمد لله وحدَه. وإلياسُ هذا مترجم في "تكملة الإكمال" لابن نقطة الحنبلي

(1)

، و"التكملة لوفيات النقلة" للحافظ المنذري

(2)

، وفي "المشتبه" للحافظ الذهبي

(3)

، و"توضيح المشتبه" للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي

(4)

، و"تبصير المنتبه" للحافظ ابن حجر العسقلاني

(5)

، والأُنري، نسبة إلى جدٍّ يقال له: أُنَر، وقد تُوفِّي في ربيعٍ الأولِ سنة أربعٍ وسِتِّ مئة.

(1)

1/ الترجمة (110).

(2)

2/ الترجمة (1011).

(3)

1/ 3 - 4 في مادة الإبرِيّ، وهو وهْم منه رحمه الله تعالى، والجادة ما أثبتنا بضم الهمزة، والنون المفتوحة، بدل الباء، كذا كتَبه هو نفسه في نسبته، وكذلك ضبطه ضبط كتابة الحافظان المنذري وابن نقطة، وهما في طبقة تلاميذه، فهم أعرف به من غيرهم.

(4)

1/ 119 - 120، ونبه على وهم صاحب "المشتبه"، وأتى به على الجادة.

(5)

1/ 30، وضبطه بضم الهمزة ونون ثم زاي، وهو وهم منه رحمه الله تعالى.

ص: 135

وجاء في الورقة الأخيرة مِن هذا الجزءِ بخطِّ ابن الجوزي نفسه أنه فرغ من كتابة النسخة يومَ الأربعاء عاشر ربيعٍ الآخرِ من سنة ست وثلاثين وخمس مئة.

قلنا: فالذي يبدو لنا أن هذه النسخة مُلفَّقةٌ من نسختين: نسخة ابن الجوزي التي ضاع منها بعض الأوراق من هذا الجزء، اسْتُعِيضَ عنها بأوراق من نسخة إلياس بن غازي ظُنت لابن الجوزي، لكن بالنظرِ والتدقيق في خطّ كلٍّ منهما يتضح الفرقُ.

والإمام الحافظُ ابنُ الجوزي سَمِعَ نسخَته على أبي الفتح الكروخي الذي ذكره في "مشيخته"، وقد ترجمنا لِكليهما عندَ الحديث عن نسخة (أ)، وكان القارئُ في مجالِس الكَروخي أبو الفضل بن ناصر الحافظ.

وجاء في لوحة العنوان بخط ابنِ الجوزي ما نصُّه: الجزء الأول من كتاب الجامع الكبير، تأليف أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَورة بن موسى الترمذي رحمه الله.

رواية أبي العباس محمد بنِ أحمدَ المحبوبيِّ رحمة الله عليه، عن أبي عيسى الترمذي.

رواية أبي محمد عبدِ الجبار بنِ محمدٍ الجَرَّاحِي، عن أبي العبَّاسِ المحبوبي رحمه الله.

رواية الشيوخ القاضي أبي عامر محمود بن القاسم الأزدي، وأبي نصر عبدِ العزيز بنِ محمد التِّرياقي، وأبي بكر أحمدَ بنِ

ص: 136

عبد الصمد الغُورَجي، كلهم عن الجَرَّاحِي

(1)

.

رواية الشيخِ الصالح أبي الفتح عبدِ الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي عنهم.

وقد أُثبت في لوحةِ العُنوان سماعٌ بخطِّ محمد بن علي بن مخلف بن يوسف بن حسن بن الخُزاعي، بقراءة الفقيه أبي محمد عبد الله بنِ محمد بن حُسين اليحصُبي عليه بسماع ابن الخزاعي محمد من الفقيه المحدّث أبي محمد عبد الخالق بن حماد بن محمد اللخمي، قراءةً على الفقيه الصالح أبي الفتح الكروخي، بسنده المشهور.

وجاء في الورقةِ الأُولى سَنَدُ ابن الجوزي بخطِّه إلى المصنّف، فقال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو الفتح عبدُ الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي

وأبو الفضل ابنُ ناصر الذي مرّ هوَ محمد بن ناصر بن محمد بن علي السَّلاميُّ الدار، الفارسيُّ الأصل، وُلِدَ سنةَ سبعٍ وستين وأربع مئة، وكان حافظًا ضابطًا، ثقة، من أهل السُّنَّة لا مَغْمَز فيه، مِن مسموعاته "مسندُ الإمام أحمد بن حنبل" وغيره من الكتب العوالي، وكان كثيرَ الذكر، سريعَ الدمعة، وهو مِن أخصِّ شيوخ ابن الجوزي، فقد قال: وعنه أخذتُ أكثرَ ما عرفتُ من علمِ الحديثِ، توفي سنة خمسين وخمس مئة

(2)

.

(1)

جاء في النسخة: المحبوبي، بدل: الجرّاحي، وهو سبق قلم.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 2/ 265 - 271.

ص: 137

‌ثالثًا: نسخةُ المَكْتَبَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ، ورَمْزُهَا (د)

وهي نسخة نفيسةٌ تامةٌ مقابلة مصوَّرة عن الأصل الخطيِّ الموجود في مكتبة محمود باشا بالسليمانية في إسطنبول، فقد قُرِئَتْ على الحافظ المنذري والحافظ قطب الدين القسطلاني، والحافظِ سراج الدين البُلقيني وغيرهم. وقد كتبت بخط نسخي دقيق، وعددُ أوراقها (304) ورقات، في كل لوحة (27) سطرًا، وكل سطر فيه (27) كلمة تقريبًا وفي هوامشها كثيرٌ من التصويبات، وعَددٌ من السماعات.

ولم يُذكر سندُ هذه النسخة في أولها، لكن جاء في آخرها أولَ كتاب العلل ما نصُّه: أخبرنا القاضي أبو عامر الأزديُّ، والشيخُ أبو بكر الغُورجي، والشيخ أبو المظفر عُبَيْدُ الله بنُ علي بن ياسين بن محمد الدهَّان، قالوا: أخبرنا أبو محمد الجرَّاحيُّ، أخبرنا أبو العباس المحبوبيُّ، أخبرنا أبو عيسى الحافظُ الترمذيُّ قال

وكاتبُ هذه النسخة هو الشيخُ محمدُ بنُ عبد الكريم بن علي بن جعفر بن درادة القرشي، كما نصَّ هو على ذلك في آخر كتاب العلل، وذكر أنه فرغ مِن نسخها عشيةَ يومِ الثلاثاء سادس شوّال سنة خمس وخمسين وست مئة.

وفي هذه النُّسْخَةِ عِدَّةُ سَمَاعَاتٍ، منها:

1 -

سماع على الإمام الحافظ أبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري في مجالس آخرُها يومَ الأحد سادس عشر شعبان سنةَ سِتٍّ وخمسين وستِّ مئة بدار الحديث الكاملية، وحَضَرَ

ص: 138

مجالسَه هذه صاحبُ النسخة الفقيه المُتْقِنُ جمال الدين أبو عبد الله محمدُ بن عبد الكريم بن جعفر بن درادة القرشي وكان القارئَ فيها مكينُ الدين أبو الحسن بن عبد العظيم بن أبي الحسن.

2 -

سماع على شيخِ الإسلامِ الحافظ أبي حفص سراج الدين عمر البُلقيني الشافعي، بقراءة قاسم بن محمد بن إبراهيم المالكي.

3 -

سماع على الإمام الحافظ قطب الدين ابن القسطلّاني في عدة مجالس آخِرُها في الثامن من رجب سنةَ سبعٍ وستين وست مئة بالقاهرة بدارِ الحديث الكاملية بقراءة الفقيه الإمامِ المتقنِ فخر الدين عثمان التَّوْزَرِيّ.

4 -

سماع على الشيخ ظهير الدين أبي المجد إسحاقَ بن إبراهيمَ بنِ عبد الرحمن بن علي بن عبد العزيز بن علي بن قريش المخزومي المصري في عِدَّةِ مجالسَ آخِرُهَا عاشر صفر سنةَ سبع وثمانين وست مئة.

وهناك سماعاتٌ أخرى لم تتضح لنا تمامًا يَرْجِعُ تاريخُ بعضها إلى سنة إحدى عشرة وسِتِّ مئة، وسماعٌ آخر إلى سنة خمس وثمانين وسِتِّ مئة.

ونترجم هنا لمن وقفنا له على ترجمة:

1 -

مكينُ الدين الحصني المحدثُ أبو الحسن بن عبد العظيم بن أبي الحسن بن أحمد المصري، وُلِدَ سنةَ سِتِّ مئة، وسمع

ص: 139

الكثيرَ، وتَعِبَ واجتهد، وكان فاضلًا، مات في رجب سنة أربع وسبعين وست مئة

(1)

.

2 -

شيخُ الإسلام الحافظ عُمَرُ بنُ رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب بن عبد الحق بن محمد بن مسافر الكناني العسقلاني الأصل، ثم المِصريُّ، سراجُ الدين أبو حفص البلقيني الشافعي، كان واسعَ المعرفةِ بالفقه، والحديثِ وغيره، موصوفًا بالاجتهاد، لم يُخَلِّفْ بعدَه مثلَه، له تصانيفُ منها حواشي على "الروضة"، وتصحيح على "المنهاج"، وكتاب "التدريب" في الفقه انتهى فيه إلى النفقات، وغير ذلك، تخرّج به جماعة كثيرون مِن العلماء بالقاهرة وغيرها، وسمعوا منه الحديثَ، كان مولده سنةَ أربع وعشرين وسبع مئة، وتوفي سنة خمس وثمان مئة، وله إحدى وثمانون سنة

(2)

.

3 -

قاسم بن محمد بن إبراهيم بن علي النويري المالكي الشيخ زين الدين، تفقه وقرأ المواعيد، وأعادَ للمالكية بأماكِنَ، وتصدَّرَ بالجامع الأزهر وغيره، وكان صالحًا خيّرًا ديّنًا متواضِعًا، قال الحافظ ابنُ حجر العسقلاني: سمعت بقراءته الكثيرَ على شيخنا سراج الدين وغيره، مات في المحرم سنة تسع وتسعين وسبع مئة، عن نحو من ستين سنة

(3)

.

(1)

"حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" للحافظ جلال الدين السيوطي 1/ 382، و"شذرات الذهب في أخبار من ذهب" 5/ 343.

(2)

"ذيل التقييد" لتقي الدين الفاسي 2/ الترجمة (1520).

(3)

"إنباء الغَمْر بأبناء العمر" 3/ 357 وفيات سنة 799 هـ.

ص: 140

4 -

قطبُ الدين محمدُ بنُ أحمدَ بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أحمد بن ميمون بن راشد القبسي، الشيخ أبو بكر ابنُ الشيخ أبي العباس القسطلَّاني، المكي الشافعي، وُلِدَ سنةَ أربع عشرةَ وسِتِّ مئة بمصر، رحل إلى مكة ودمشقَ وبغدادَ والكوفة وغيرها، وقرأ الفقَه والحديثَ والتفسير والخلاف وأنواعَ العلوم، له تصانيفُ متعددة، منها مختصرٌ في علم الحديث سماه "المنهج المُبْهِج عندَ الاستماع لِمن رغب في علوم الحديث على الاطلاع" ومختصر في الأسماء المبهمة في الحديث، وغيرها، سمع منه جماعةٌ مِن كبار المحدثين، كالدّمياطي وقطب الدين الحلبي، وقال: كان إمامًا، عالمًا، محدّثًا، حافظًا، مفتيًا، ثقةً، حجة حسنَ الأخلاق، سخيًّا، عفيفًا، مكرمًا للواردين عليه، حسنَ الاستماع لما يُقرأ عليه، كثيرَ السعي في حوائج الناس، وممن سمع منه الحافظُ أبو الفتح ابن سيد الناس، توفي سنة ست وثمانين وست مئة

(1)

.

5 -

فخرُ الدين عثمانُ بنُ محمد بن عثمان بن أبي بكر التَّوْزَرِيُّ المالكي، نزيلُ مكة، وُلِدَ سنةَ ثلاثين وست مئة، قرأ "صحيح مسلم" على ابن البرهان، وأكثر عن المنذري، وتلا بالسبع، وكان يقولُ: إنه قرأ البخاريَ ثلاثينَ مرة، وبلغت مشيخته نحو الألف وحدَّث بالكثير، وانقطع بمكة متعبدًا، وله أُصولٌ،

(1)

"العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين" لتقي الدين الفاسي 1/ 321 - 330.

ص: 141

وفهم حَسَنٌ، ومحاضرة مليحة. مات في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وسبع مئة

(1)

.

6 -

إسحاقُ بن إبراهيم بن عبدِ الرحمن بن علي بن عبد العزيز بن علي، بن قُريش المخزومي، ظهير الدين أبو المجد المصري، سَمِعَ الترمذيَّ على أبي الحسن علي بن أبي الكرم نصر البناء المكي بروايته عن الكروخي، وحدَّثَ به جماعة، منهم المحدث شمس الدين بن نُباتة والد الأديب جمال الدين، مات في رمضان سنة تسعين وست مئة بمصر، عن خمس وثمانين سنة، وكان مولده سنة خمس وست مئة

(2)

.

‌رابعًا: نسخةُ الظَّاهِرِيَّة، وَرَمْزُهَا (ظ)

وهي نسخةٌ مصورةٌ عن الأصلِ الخطي الموجودِ في المكتبةِ الظاهريةِ بدمشق المحروسة، وقد نُقِلت من أصل المُؤْتَمنِ الساجي، وهي وقف أبي عبد الله البندهي في خزانة كتبه برباط السميساطي

(3)

، وهي منقولة

(1)

"الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة" للحافظ ابن حجر العسقلاني 2/ 449 - 450.

(2)

"ذيل التقييد" لتقي الدين الفاسي المكي 1/ الترجمة 933.

(3)

ويقال: الخانقاه السميساطية، والخانقاه: لفظة فارسية معناها: بيت، وقد أطلق على الأماكن المُعدّة للزهاد والصوفية ومن في حُكمهم، وهذه الخانقاه معروفة مشهورة، وهي تقع قريبًا من باب الجامع الأموي الشمالي بدمشق، وحكى النعيمي في "الدارس" 2/ 151 أنها كانت في مبدأ أمرها دارًا لعبد العزيز بن مروان بن الحكم، ثم انتقلت إلى ابنه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، ثم تحولت إلى خانقاه السميساطي نسبة إلى واقفها الشيخ العالم الرئيس النبيل أبي القاسم علي بن محمد السُّلَمي الحُبْشي، وحُبْش بطن من حِمْيَر، الدمشقي =

ص: 142

من المدرسة العمرية

(1)

الموجودة بدمشق في سفح قاسيون.

الموجودُ منها الجزءُ الأول والثاني والثالث، وورقتان من الرابع، والجزءُ الخامس والسادسُ والتاسعُ والعاشرُ والحادي عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، والثامن عشر والحادي والعشرون ومجموعُ عددِ الأحاديث في هذه الأجزاء (2366) حديثًا من أصل (3956) حديثًا، فهي تشكل ثلثي الكتاب تقريبًا، أما الجزءُ الأولُ فقد تضمَّن أوَّل حديث في الجامع إلى

= المتوفى سنة ثلاثٍ وخمسين وأربع مئة. قال صاحب "منادمة الأطلال" ص 277: ثم إنها تحوَّلَتْ إلى مدرسة، وفي نحو الألف ومئة هجرية سكن في أحد حجراتها أحمد بن علي المنيني، وكان فيما بعد مدرّسًا فيها، إلى أن توجّه عليه تدريس العادلية الكبرى، فانتقل إليها ودرّس بها، ثم صارت عليه توليتها وتولية العمرية، ولم تزل التوليتان تنتقلان في نسله إلى يومنا هذا.

(1)

في سنة (551) لجأ إلى دمشق نفر من بني قدامة المقادسة بعد أن اضطروا للهرب من القدس بعد استيلاء الصليبيين عليها، واستقروا مدة عامين بمسجد أبي صالح خارج الباب الشرقي، ثم تحوّلوا عنه إلى سفح قاسيون على مقربة من نهر يزيد، فبنَوا لهم دارًا تشتمل على عدد كثير من الحجرات دُعِيَت بدَير الحنابلة، ثم شرعوا ببناء أول مدرسة في الجبل وهى المدرسة العمرية التي أنشأها أبو عمر محمد بن أحمد المقدسي الجماعيلي الحنبلي المتوفى سنة (607) هـ وكانت في غاية النشاط والازدهار، ثم تتابع البناء حولها، وعرف هذا المكان فيما بعد بالصالحية، وكان بهذه المدرسة خزانة كتب لا نظير لها، فلَعِبت بها أيدي المختلسين، وأُخذ منها الشيء الكثير، ثم نقل ما بقي منها - وهو شيء لا يذكر بالنسبة لما كان بها - إلى المكتبة الظاهرية، وبقيت من هذه المدرسة إلى يومنا هذا أطلالها تستدرّ كوامن الجفون، وتستنزف قطرات القلوب، وتُذكِّر بماضٍ حافلٍ بروائع الأجداد.

ص: 143

الحديث عشرين ومئة، والجزء الثاني تضَمَّن الحديث (121) إلى الحديث (239) والمجموع (1118) حديثا، والجزء الثالث تضمن الحديث (240) إلى الحديث (412) والمجموع (172) حديثًا، والورقتان من الجزء الرابع تضمنتا الحديث (404) إلى الحديث (412) والمجموع (9) أحاديث، والجزءُ الخامسُ تضمنَ الأحاديثَ من (544) إلى (678) والمجموعُ (134) حديثًا، والجزء السادس تضمن الأحاديث من (679) إلى (867) والمجموعُ (188) حديثًا، والجزء التاسع تضمن الأحاديث (1215) إلى (1406) والمجموع (191) حديثًا، والجزء العاشرُ تضمنَ الأحاديثَ (1407) إلى (1589) والمجموع (182) حديثًا، والجزء الحادي عشر تَضَمَّن الأحاديث (1590) إلى (1808) والمجموع (218) حديثًا، والجزء الثالث عشر تَضَمَّن الأحاديث (1995) إلى (2257) والمجموع (262) حديثًا، والجزءُ الرابع عشر تَضَمَّنَ الأحاديثَ (2258) إلى (2463) والمجموع (205) حديثًا، والجزء الخامس عشر تَضَمَّنَ الأحاديث (2464) إلى (2692) والمجموع (228) أحاديث، والجزءُ السادسَ عشر تَضَمَّن الأحاديث (2693) إلى (2885) والمجموع (192) حديثًا، والجزء الثامن عشر تضمَّنَ الأحاديثَ (3119) إلى (3294) والمجموع (175) حديثًا، والجزء الحادي والعشرين تضمن الأحاديث (3618) إلى (3806) والمجموع (188) حديثًا.

ص: 144

وهذه النسخة جيدةُ الضبط، واضحةُ الخط، غايةٌ في الإتقان، يَنْدُرُ وقوع الخطأ فيها، وفي هوامشها تصويبات، وإشارات إلى نسخ أخرى تُنبئ عن أنها قد عُورِضَتْ أكثرَ عن مرة، وأنها قوبلت مقابلة متقنة.

وقد تداولها جماعةٌ من العلماء قُرِئَتْ عليهم، وأُثبتت أسماؤهم في أثناء صفحاتها مما يدل على نفاسة هذه النسخة، وقد عرفنا قبل أنها نقلت من نسخة المُؤْتَمَنِ الساجي الحافظ وقد سلفت ترجمته، وهو قرينٌ لأبي الفتح الكَروخي في السَّماع، ومعروفٌ بالضبط والثقة والحفظ كما بيّنّا عند الحديثِ عن نسخة الكروخي التي بخطه.

كاتبُ هذه النسخة: هو أبو جعفر محمدُ بنُ محمد بن نصر بن محمد بن أبي القاسم الأصبهاني المعروف بالصيرفي، سمع نسخته هذه على أبي الفتح الكَروخي، وقد جاء سندُه في أول ورقة من الجزء الأول، فقد قال: أخبرنا الشيخ الإمامُ الصالحُ الزاهدُ الثقةُ أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الهروي الكَروخي وذلك في رباط

في شهورِ سنةِ خمسٍ وأربعين وخمس مئة قراءة عليه وأنا أسمع

وقد كان ذكر اسمه في سماع آخر على الكَروخي سنة تسعٍ وثلاثين وستِّ مئة كما في آخر ورقة من الجزءِ الأول.

وصاحب هذه النسخة تقي الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الأصفهاني، كما جاء مصرَّحًا به في اللوحةِ الأُولى، من ورقةِ العنوان الذي سَمِعَ الكتاب على أبي نصر محمد بن هبة الله بن

ص: 145

محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى بن بُندار بن مَمِيلٍ الشيرازي، بإجازته من أبي الفتح نصر بن سيّار بن صاعد، عن أبي عامر الأزديِّ، وبإجازته من أبي السعادات المسعودي، عن أبي سعيد محمد بن علي البغوي، كلاهُما عن أبي محمد الجرّاحي

وكان سماعه سنة إحدى وثلاثين وسِتِّ مئة.

وسمعه أيضًا على أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم بن سلامة ابن الحداد الحنبلي، بسماعه عن أبي الفرج ابن الجوزي، بسماعه من أبي الفتح الكَروخي

وكان سماعُه سنةَ اثنتين وخمسين وست مئة.

وفي كُلِّ جزء مِن أجزاءِ هذه النسخة سماعات، ومنها في الجزء الأول عدة، منها:

سماعٌ على أبي عبد الله محمدٍ ناصر الدين بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة بن عمر بن أبي عمر المقدسي سنةَ سِتِّ وتسعين وثمان مئة بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر بسفح قاسيونَ ظاهِرَ دمشق، بسماعه على أم عبد الله عائشة

(1)

ابنة إبراهيم بن خليل ابنة الشرائحي البعلية

(1)

كانت المرأة المسلمةُ في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما تلاه من العصور تأخذ قطسًا كبيرًا مِن المعرفة، وتتلقى العلومَ المختلفة في العربية والحديث والفقه، امتثالًا لقوله صلى الله عليه وسلم:"طلب العلم فريضة على كل مسلم" واتفق أهل العلم على أن المرأة المسلمة تدخل في هذا التكليف. وقد كان مِن أثر ذلك أن أصبحَ في كل عصر مِن العصور الإسلامية نساءٌ عالماتٌ يتصدَّرن في المساجد وفي المدارس =

ص: 146

الأصل، ثم الدمشقية، بسماعها له على أبي حفص عُمَرَ بن الحسين بن مزيد بن أميلة المراغي، ثم الدمشقي، بسماعه له على أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد القادر بن البخاري بسماعه على ابن طبرْزَد، عن الكَروخي، وهذا السماعُ بقراءة إبراهيم بن أحمد بنِ يوسف بن موسى الكناني الفندقوقي. وكتب هذا السماع محمدُ بنُ علي الشهير بابنِ طُولون الحنفي.

وسماعاتٌ أخرى بعضُها مؤرخ سنة واحدٍ وثلاثين وست مئة، وبعضها سنة تسعٍ وثلاثين وست مئة.

وفي الجزء الثاني سماعاتٌ، منها سماعٌ مُؤَرَّخٌ سنةَ سِتٍّ وسبعين وثمان مئةٍ بمدرسةِ الشيخ أبي عمر بسفحِ قاسيون ظاهرَ دمشق المحروسة.

= الإسلامية للإقراءِ والتدريس ونشر أحاديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبلغ مِن شأن المرأة أنه كان يجلسُ إليها كبارُ الشيوخ الحُفَّاظ يستمعون إلى مروياتها، ويأخذون عنها وتتصل أسانيدهم بها، وقد ذكر الإمامُ الذهبي في كتابه "معجم الشيوخ الكبير" المتوفى 748 هـ عددًا من الشيخاتِ اللائي أخذ عنهن الروايةَ، فبلغن أكثر من خمسين شيخة. والأمر المُلفت للنظر أنه رحمه الله أدمج تراجمَ هذه الشيخات مع الرجالِ المترجمِ لهم على نَسَقِ حروفِ المعجم، ولما يذكرهُنَّ في آخر كتابه منفصلاتِ. ولو رجعنا إلى مسند أحمد، ونظرنا في مسانيد النساء لوجدنا عددًا غير قليل من الصحابيات روينَ الحديثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عنهُن مروياتهِن كبارُ التابعين من أهل العلم.

وهذه المنزلة العلمية التي بلغتها المرأة في الإسلام لم نرها في أمة من الأمم السابقة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ص: 147

وسماعٌ بخطِّ محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان المقدسي بصالحية دمشق جوارَ ديرِ الحنابلة على الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن ناصر الدين، وعلى الشيخةِ عائشةَ ابنةِ الشرائحي البعلية بالسند المزبور سابقًا. وهذا السماعُ بقراءةِ شهابِ الدين أحمد بن عبد اللطيف بن موسى بن عميرة اليَبْنَاوي المكي.

وفي الجزء الثالثِ سماعٌ بخط محمد بن أبي بكر المقدسي أيضًا، وذكر فيه جماعةً من النساء منهن أختُه أسماء بنتِ أبي بكر، وست التجار ابنة شهاب الدين أحمد بن الحبال، وأختها سلمى.

وفي لوحةِ العنوان منه سماعٌ مؤرخ سنةً أربعين وخمس مئة في رباطِ البُرهان على شاطئِ دجلة بغدادَ بقراءةِ كاتبَ السماع محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن مخلد بن عيسى التميمي الأندلسي الإشبيلي على أبي الفتح الكَروخي وحضره كاتبُ النسخة أبو جعفر محمدُ بنُ محمد بن نصر الأصبهاني الصَّيرفي.

وفي الجزء الخامس سماعاتٌ عدة، منها سماعٌ مؤرخ سنةَ ستٍّ وثلاثين وثمان مئة، وآخر سنة سِتِّ وأربعين وثمان مئة، وثالث سنة أربعين وخمس مئة هو نفسُه الذي في لوحة عنوان الجزء الثالث، ورابع سنة ست وسبعين وثمان مئة.

وجاء في الورقة قبلَ الأخيرة منه ما نصه: نَسَخَ هذا الجزء وما قبلَه مِن أصل الشيخ أبي نصر الساجي رحمه الله العتيق الذي سمعه

ص: 148

بهراة مِن القاضي أبي عامر الأزدي، وأبي نصر الترياقي، وأبي بكر الغورجي الهرويين

، وكان في أصل الساجي سماعُ الشيخ الجليل الصالح أبي الفتح عبد الملك بن أبي القاسم البزار - يعني الكروخي - معه من الشيوخ الثلاثة المذكورين وقد نقل صورةَ ذلك في الجزء الأول من هذه النسخة محمدُ بنُ ناصر السلامي من خطِّ الشيخ أبي نصر المُؤْتَمَنُ السَّاجي رحمه الله، وعارض بهذه النسخة الأصلَ مع الشيخ أبي الفتح المذكور، وممن حضر هذه المعارضة أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن السماك القارئ، وأبو طالب المباركُ بنُ علي بن محمد بن خُضَير، وكان ذلك سنةَ ستٍّ وثلاثين وخمسِ مئة في المسجد المقابل درب الدواب مِن شرقي بغداد يعني بالنبقة.

ثم جاء في الورقة نفسها ما نصه: نسخه لنفسه بمدينة السلام

في شهر رمضان سنةَ أربعين وخمسِ مئة.

وفي الجزء السادس في لوحة العنوان سماعٌ بالتاريخ نفسه على الكروخي بقراءة أبي الحسن علي بن يعيش بن سعد القواريري.

وفي الجزء العاشر في آخر ورقة منه سماعٌ على الكروخي مؤرخ سنةَ ثمان وثلاثين وخمس مئة في رباط البُرهان بخط القارئ يوسفَ بنِ أبي سعيد بن يوسف المرزباني الهَمْدَاني.

وسماعٌ آخر على الكَروخي مؤرخ سنة أربعين وخمس مئة بقراءة أبي بكر المبارك بن كامل الخفاف، وحضره جماعة.

ص: 149

وفي بقية الأجزاء سماعات مكررة.

ونترجم هنا لمن تقدم ذكرهم ممن عثرنا لهم على تراجم:

1 -

محمدُ بنُ هبة الله بن محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى بن بندار بن مَمِيْل الشيرازي، ثمَّ الدمشقيُّ الشافعيُّ الشيخُ الإمامُ العالم المفتي المسندُ الكبيرُ القاضي جمالُ الإسلامِ شمس الدين أبو نصر، وُلِدَ سنةَ تسعٍ وأربعين وخمس مئة، ولي القضاء ودرَّس وأفتى، ومَمِيْل بالفارسية هو محمد، وكان رحمه الله رئيسًا جليلًا، ماضيَ الأحكام، عديمَ المحاباة، ساكنًا وقورًا، مليحَ الشكل، مُنوَّرَ الوجه، أكثر وقته في نشر العلم والرواية والتدريس، وفي ذُريته كبراءٌ وعُدولٌ توفي سنةَ خمسٍ وثلاثين وسِتِّ مئة

(1)

.

2 -

أحمدُ بنُ أبي الخير سلامةُ بنُ إبراهيم بن سلامة الدمشقي الحداد أبوه، الخياط هو، الدلَّال الحنبلي، أبو العباس بن أبي الخير، ومن مروياته غير "جامع الترمذي"، "معجمُ الطبراني الكبير"، مات يومَ عاشوراء المحرم، سنةَ ثمانٍ وسبعين وسِتِّ مئة بدمشق، وبها وُلِدَ في رابع عشر ربيع الأول سنة تسع وثمانين وخمس مئة

(2)

.

(1)

"التكملة لوفيات النقلة" للحافظ المنذري 3/ الترجمة (2810)، و"سير أعلام النبلاء" 23/ 31 - 34.

(2)

"ذيل التقييد" لتقي الدين الفاسي 1/ الترجمة (627).

ص: 150

3 -

أبو عبد الله محمد ناصرُ الدين ابن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة بن عُمَرَ بن أبي عمر المقدسي، أخو الموفق ابن قدامة صاحب "المغني"، قال ابنُ طولون الحنفي: هو الإمامُ المسندُ العلامةُ الصالحُ الوَرِعُ الفهّامةُ الحبرُ النحريرُ في التقرير والتحرير، كاشف المشكلات والمعضلات مبيِّنُ الكنايات والإشارات، صاحبُ البيان، وفصاحة البنان، رحلة الوقت، شيخ المحدّثين. ولد سنة اثنتي عشرة وثمان مئة، وقال السخاوي: هو إنسان حسن فاضل متواضع، ذو أنسة واستحضار ليسير من الرجال والمتون من بيت كبير

(1)

قلنا: وقد كتب بخطِّه عدةَ سماعاتٍ على عدد من الأجزاء لهذه النسخةِ كما نصَّ هو على ذلك.

4 -

أُمُّ عبد الله عائشةُ بنتُ إبراهيم بنِ خليل بن عبد الله بن محمود بن يوسف بن تمام الزَّبيدية من بني السَّموأل السِّنجارية الأصل البعلية ثم الدمشقية، أخت الجمال عبد الله الحافظ، وتُعرف بابنةِ الشرائحي، وُلِدَت في حدود سنة ستين وسبع مئة بدمشق وأسمعت الكثير من أصحاب الفخر بن البخاري وغيرهم بدمشق والقاهرة وبعلبك، وحَدَّثَت بالكثير، سمع منها الأئمة كابن

(1)

"الضوء اللامع" للسخاوي 7/ 169 - 171، وما قاله ابن طولون أثبته بخطه في الورقة التي قبل ورقة العنوان للجزء الأول لهذه النسخة، وجده الأعلى أبو عمر المقدسي هو منشئ المدرسة العمرية المشهورة في سفح قاسيون ظاهر دمشق، وقد ترجم الذهبي له في "العبر" 5/ 25

ص: 151

حجر العسقلاني، وكانت صالحة فقيرة، ماتت بالبيمارستان النوري

(1)

سنة اثنتين وأربعين وثمان مئة

(2)

.

5 -

أبو حفص عمر بن الحسن بن مَزِيْد

(3)

بن أميلة بن جمعة بن عيدان المراغي، ثم المِزِّي الدمشقي زين الدين المشهور بابن أُميلة مُسند العصر. وُلِدَ سنةَ تسعٍ وسبعين وستِّ مئة في ثامن عشر من رجب، وقبل: سنةَ ثمانين، وقيل: سنةَ اثنتين وثمانين، كان صبورًا على الإسماع، ربما حدَّثَ اليومَ الكاملَ بغير ضجر، وحدَّث بالكثير، وكَثُر الانتفاعُ به، وحدَّث نحوًا من خمسين سنة، وكان كثيرَ التلاوة تفرَّد بكثير مِن مرويَّاته، ومن تلامذته الذهبيُّ الحافظ، توفي سنة ثمان وسبعين وسبع مئة

(4)

.

(1)

البيمارستان، بفتح الراء وسكون السين، لفظة فارسية، وهي مركبة من "بيمار" بمعنى مريض، و"ستان" بمعنى مكان، وموقع البيمارستان هذا غرب الجامع الأموي في دمشق، بناه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، وأوقف عليه جملةً كبيرةً من الكُتُب الطبية، وهو مشهور لم يزلْ إلى الآن، وقد كان الأطباءُ يرِدُون إليه وينامُ فيه المرضى إلى قرب الثلاث مئة بعد الألف إلى أن عمّرت الحكومة مستشفى الغرباء، بمحلة البرامكة وتناوبته الأطباء وقصده المرضى من الفقراء والغرباء فاتخذته الحكومة السورية مدرسة للإناث، فلم ينقطع منه النفع فرحم الله بانيه وأسكن روحه فراديس الجنان. "منادمة الأطلال" لعبد القادر بدران ص 259.

(2)

"الضوء اللامع" لشمس الدين السخاوي 12/ 73.

(3)

ضبطه ولي الدين العراقي بفتح الميم وكسر الزاي، وإسكان الياء المثناة من تحت.

(4)

"الدرر الكامنة" لابن حجر 3/ 159 - 160، و"الذيل على العبر" لولي الدين العراقي 2/ 432.

ص: 152

6 -

أبو الحسن عليُّ بنُ أحمد بن عبد الواحد

(1)

بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السعدي المقدسي الصالحي، مسندُ الدنيا، فخر الدين، المعروف بابن البخاري الحنبلي، سمع "مسندَ الإمام أحمد بن حنبل" و"جامع الترمذي" و"سنن أبي داود" و"صحيح البخاري" وغيرها، مات في ربيع الآخر من سنه تسعين وست مئة

(2)

.

7 -

محمدُ بنُ علي بن محمد بن علاء الدين بن الخواجة شمس الدين الشهير بابنِ طولون الدمشقي الصالحيُّ الحنفي المحدثُ النحوي المؤرّخ، وُلِد سَنةَ ثمانين وثمان مئة، كان ماهرًا في النحو، علَّامةً في الفقه، مشهورًا بالحديث، وولي تدريسَ الحنفية بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وإمامة السليمية بالصَّالحية، وكانت أوقاتُه مُعمَّرةً بالتدريس والإفادة والتأليف، كتب بخطه كثيرًا مِن الكتب وعلَّق ستين جزءًا، وله مشاركةٌ في سائِرِ العُلوم حتى في التعبير والطب، تُوفِّي سنةَ ثلاثٍ وخمسين وتسع مئة، ولم يُعقِب أحدًا، ولم يكن له زوجة حين مات

(3)

.

8 -

شمس الدين أبو عبد الله محمَّدُ بنُ أبي بكر عبد الله بن ناصر الدين محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي الدمشقي، المعروف بابنِ ناصرِ الدين الحافظ، وُلِدَ

(1)

كذا في أكثر الكتب التي ترجمت له، خلافًا لما قال ابن طولون الذي قال فيه: ابن عبد القادر.

(2)

"ذيل التقييد" لتقي الدين الفاسي 2/ الترجمة (1386).

(3)

"الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة" لنجم الدين الغزي 2/ 52 - 54.

ص: 153

سنةَ سبع وسبعين وسبع مئة، فطلبَ الحديث، وجوَّدَ الخطَّ على طريقة الذهبي بحيث صار محدَّث الديار الشامية ومُؤَرِّخَها وقد صنف تصانيف حسنة منها "توضيح المشتبه"

(1)

و"افتتاح القاري لصحيح البخاري" و"المولد النبوي" وكتب الطّباق، وشارك في العلوم، ونظر في الأدب حتَّى نَظَمَ الشعرَ، مات سنة اثنتين وأربعين وثمان مئة

(2)

.

9 -

أحمد بنُ عبد اللطيف بن موسى بن عَمِيرَة - بالفتح - بن موسى بن صالح الشهاب أبو العباس بن السراج القرشيُّ المخزوميُّ اليُبناوي - بضم التحتانية وسكون الموحدة بعدها نون - ثم المكي الحنبلي، نزيل صالحية دِمشقَ، وُلِدَ سنة سبع وثمان مئة بمكة ونشأ بها فَحَفِظَ الأربعين النووية والشاطبية، ومختصرَ الخرقي والعمدة في الفقه والمنهاج الأصلي، وألفية ابن مالك، وأجاز له غير واحد، وارتحل إلى دمشق وسمع بها وبالقاهرة وحلب وغيرها وقرأ وكتب الطِّباق، وتميز وتفقه، وأثنى عليه البرهان الحلبي، ووصفه بالشيخ الفاضل المحدّث، وأنه سريع القراءة صحيحُها، وكذا أثنى عليه ابن ناصر الدين الدمشقي، والحافظُ ابن حجر العسقلاني، مات سنة إحدى وأربعين وثمان مئة

(3)

.

(1)

وقد طبع في مؤسسة الرسالة بعشرة مجلدات بتحقيق صاحبنا الوفي الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي حفظه الله ررعاه.

(2)

"المجمع المؤسس" لابن حجر 3/ 285 - 289.

(3)

"الضوء اللامع" للسخاوي 1/ 354.

ص: 154

10 -

أبو الحسن عليُّ بنُ عبدِ العزيز بن عبد الله بن السمّاك القارئ، قال تلميذُه ابن الجوزي: كان أبو الحسن ثقةً من أهل السُّنَّة، وسماعُه صحيحٌ، وتوفي سنةَ ست وأربعين وخمس مئة

(1)

.

11 -

أبو طالب المباركُ بنُ علي بن محمد بن علي بن خُضَيرٍ الصيرفي، قال تلميذُه ابن الجوزي: سمع أبو طالب الكثير، وروى، وكان ثقةً، صحيح السماع، وتُوفي ليلة الجمعة ثالث عشر ذي الحِجة، سنة أربع وستين وخمس مئة، وقال ابن نقطة البغدادي: توفي ليلةَ الجمعة الرابع عشر من ذي الحِجة من سنة اثنتين وستين وخمس مئة، هكذا رأيته بخطِّ أبي الفضل بن شافع، والقاضي أبي المحاسن عُمَرَ بن علي الدمشقي، وأبي بكر محمد بن مَشِّق البيِّع ومن قاله في غير هذا التاريخ، فقد وَهِمَ، وقال: كان صالحًا ديَّنًا ثقة

(2)

.

‌خامسًا: نُسْخَةُ تِشستربيتي ورَمْزُهَا (س)

نسخة مصوّرة عن الأصل الخطيِّ الموجود في مكتبة تشستربيتي. وهي ثلاثُ قطع من ثلاثة نُسخٍ مختلِفَةٍ متباينة في الخَطِّ والتاريخِ.

فأما القطعةُ الأُولى، وتستوعب المجلد الأول من الكتاب وهي مُصنَّفة في تشستربيتي تحت رقم (3558) عدد أوراقها (195)

(1)

"مشيخة ابن الجوزي" ص 171 - 172 (الشيخ التاسع والستون).

(2)

"مشيخة ابن الجوزي" ص 180 - 181 (الشيخ الخامس والسبعون)، و"تكملة الإكمال" لابن نقطة 2/ الترجمة (1935).

ص: 155

ورقةٍ، كُلُّ لوحة فيها (25) سطرًا وكل سطر فيه (17) كلمة تقريبًا، مكتوبة بخطٍ واضح مقروء، وعلى هامش بعض أوراقها الأولى تصحيحات، ويشتمل هذا المجلد على الأحاديث من الحديث الأول إلى الحديث (1711)، يعني من أول الكتاب إلى نهاية أول حديث في الباب رقم (57).

وقد جاء في ورقة العنوان ما نصه: الجامعُ الكبير، تأليفُ الإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن محمد بن سورة الترمذي رحمة الله عليه.

رواية أبي العباس محمد بنِ أحمد بن محبوب المحبوبي المروزي، رواية أبي محمد الجرّاحي عنه، رواية أبي عامرٍ الأزدي عنه، رواية أبي نصر أحمد بن عمر الغازي عنه، رواية الشيخ الرئيس الأجلِّ العالمِ عدة الدين أبو شجاع رضوان بن محمد بن محفوظ الثقفي الأصفَهاني رحمة الله عليهم أجمعين.

وفي الورقة الأولى منه سندُ هذه النسخة، فقد جاء فيها ما نصه: أخبرنا الشيخ الإمام العالمُ الثقة الصدوقُ أبو شجاع رضوانُ بنُ محمد بن محمود الثقفي قراءةً عليه وأنا أَسْمَعُ بأصفهان في منزله رحمه الله، أخبرنا

(1)

القاضي الزاهدُ أبو عامر محمودُ بنُ القاسم بن محمد بن محمد الأزدي رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع في ربيع

(1)

كذا قال الناسخ وهو سبق قلم، لأن أبا شجاع الأصفهاني لم يروه عن المشايخ الثلاثة مباشرة، وإنما سمعه بواسِطَةِ شيخه أحمد بن عمر الغازي، كما ذكر الناسخ نفسُه في الورقة التي قبل ورقة العنوان.

ص: 156

الأول سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة

بإسناد الكَروخي نفسه وتاريخ السماع نفسه.

وكاتبُ هذه النسخة الذي سمعها على أبي شجاع رضوان بن محمد هو مصطفى بنُ الحاجي قوتلمس الذي فرغ مِنْ نساخَةِ هذا المجلد يومَ الخميس في وقت الضحى في شهرِ الله المبارك مِن رجب سنةَ سِتٍّ وعشرين وست مئة.

وأما القطعةُ الثانية وتستوعب المجلد الثاني من الكتاب، وهي وقف الملك المؤيد، (نمرو 177 حديث مؤيد)، وخطُّها مقروء واضح جميل، وفي هامشها تصحيحات وإشارات إلى نسخ أخرى، ويتضمن هذا المجلدُ أبوابَ الجنائز ويليها أبوابُ الفرائض، ثم الوصايا، ثم الولاء، ثم البر والصلة، ثم القدر، ثم الفتن ثم الرؤيا، ثم الزهد، ثم صفة القيامة، ثم صفة الجنة، ثم صفة جهنم، ثم الإيمان، ثم العلم، ثم الاستئذان والأدب، ثم الأمثال، ثم فضائل القرآن، ثم القراءات، ثم تفسير القرآن، ثم الدعوات، ثم المناقب، وآخره كتاب العلل، وتقع هذه الأبواب في (239) ورقة، كل لوحة فيها (25) سطرًا، كل سطر فيه (18) كلمة تقريبًا.

وقد جاء في لوحة العنوان ما نصه: الجزء الثاني مِن الجامع المختصر من السنن وبيان الصحيح والمعلول وما عليه العَمَلْ، تصنيف أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ رحمة الله عليه. قِنية أبي الحسن أحمد بن محمد بن أحمد الحِيري نفعه

ص: 157

الله بما جمع، ورزقه الحظَ الأوفَر مِن الورع، وجعله من أهل النجاة يومَ الفَزَع، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وآله.

وفي الورقة الأولى سندُ النسخة، فقد جاء فيها ما نصه: أخبرنا وحدثنا الشيخ الفقيه الحافظ أبو عبد الله محمد بن مضمون بن عمر بن محمد بن أبي عمران في منزله، وفي المسجد في قرية الملحمة في مدة

قال: أخبرنا وحدثنا الشيخُ الفقيهُ الحافظُ أبو الحسن أحمدُ بن محمد بن عبد الله بن مسعود بن سلمة البريهي في منزله وفي الجامع .. في مدة آخرها شهر جُمادى الأخرى سنةَ خمس وثمانينَ وخمسِ مئة، قال: حدثنا الشيخ الفقيه الزاهد الفاضل أبو بكر بنُ سالم بن عبد الله بن محمد بن سالم بن عبد الله بن يزيد في ذي أشرف في شهر صفر من سَنَةِ ثمان وخمسين وخمس مئة قراءة عليه وأصله ممسك، قال: أخبرني أبي سالمُ بنُ عبد الله بن محمد في شهر ربيع الآخر من سنة تسع وعشرين وخمس مئة، قال: أخبرنا أبي عبدُ الله بن محمد بن سالم بن عبد الله بن يزيد في نيّف وسبعين وأربع مئة، قال: أخبرنا أبي محمدُ بن سالم بن عبد الله بن يزيد رحمة الله عليه، قال: أخبرنا أبو الفتوح يحيى بن عيسى بن ملامس في صفر سنة عشرين وأربع مئة، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن الشافعي، قال: أخبرنا أبو الطاهر عبدُ السميع بن علي العباسي، وأبو بكر أحمد بنُ إبراهيم المروزي الفقيه، قالا: حدثنا أبو زيد محمد بن أحمد المروزي الفقيه، قال: حدثنا أبو حامد أحمدُ بنُ عبد الله بن داود التاجر المروزي، قال: حدثنا أبو عيسى محمدُ بنُ عيسى بن سورة الترمذي الحافظ / ح/

ص: 158

قال أبو الفتوح يحيى بنُ عيسى بن ملامس: وحدثنا أبو القاسم عبدُ الرحمن بنُ الحسن بن محمد بنُ أحمد بنِ إبراهيم بن العباس الشافعي أيضًا في المسجد الحرام عن أبي يعقوب يوسفَ بنِ أحمد المكي العطار، عن أبي ذَرٍّ محمدُ بن إبراهيم بن القاسم بن أحمد بن عبد الله بن داود الترمذي، عن أبي عيسى محمد بن عيسى سورة الترمذي الحافظ قال

وجاء في الورقة الأخيرة مِن هذا المجلد ما نصه: وكان الفراغ من نساخته يوم الأربعاء لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر جمادى الأولى من شهور سنة تسع وست مئة من الهجرة الطاهرة على صاحبها أكملُ وعلى أصحابه وأزواجه وذريته أفضلُ التحية وأشرف السلام، وحسبنا الله وكفى ونعم الوكيل، كتبه أسير ذنبه الراجي رحمة ربه حامد بن مسلم بن محمد بن أسعد الصهباني غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين.

وعلى هامش الورقة الأخيرة أُثبت سماع تم في مجالس، آخرُها يومُ الأربعاء تاسعَ عشرَ رمضان المعظم سنةَ تسعٍ وأربعين وثماني مئة، بقراءةِ كاتب هذا السماع أحمد بن علي بن إبراهيم الهِيتي، ولم نتبيَّن الشيخَ الذي قُرئ عليه لِعدم وضوح الاسم.

وأما القطعةُ الثالثة من هذه النسخة، وتستوعب المجلدَ الثاني من الكتاب، وهي مصنَّفةٌ في مكتبة تشستربيتي تحت رقم (3955)، ويشتمل هذا المجلد على كتاب الحدود مِن بابِ ما جاء في تحقيق الرجم من الحديث (1432)، ثم أبواب الصيد، ثم الأضاحي، ثم

ص: 159

النذور والأيمان، ثم السير، ثم الجهاد، ثم اللباس، ثم الأطعمة، ثم الأشربة، ثم البر والصلة، ثم الطب، ثم الفرائض، ثم الوصايا، ثم الولاء والهبة، ثم القدر، ثم الفتن، ثم الرؤيا، ثم الشهادات، والزهد، وصفة الجنة، وصفة جهنم، والإيمان إلى نهاية باب فيمن رمى أخاه بكفرٍ، الحديث (2637). وتقع هذه الأبواب في (207) ورقات، كل لوحة فيها (19) سطرًا، وكل سطر فيها (16) كلمة تقريبًا.

وهذا المجلدُ خطُّه واضحٌ جميل مضبوطٌ مشكول، وفي هامشه تصحيحاتٌ واستدراكات وإشاراتٌ لبعض النسخ.

وليس لهذه القطعة لوحةُ عنوان فنتبينَ روايتَها، لكن من خلال ترتيب الأبواب يتضح أنها برواية أبي العباس المحبوبي، عن أبي عيسى الترمذي.

وجاء في آخِرِ ورقةٍ من هذا المجلد ما نصه: تم السِّفْرُ الثاني من كتاب جامع أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، وصَلَّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين على يدِ العبد الفقير إلى الله تعالى إسماعيل محمد بن محمد بردس عفا اللهُ عنه في

الخامس من جُمادى الآخرة من سنة إحدى وثمانين وست مئة

ويتلوه إن شاء الله في الذي بعده: باب فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله.

وفي أسفل الورقة جاء ما نصه: الحمد لله، قرأه الفقير محمد بن المنيّر الشافعي بتاريخ سنةِ خمسٍ وتسعِ مئة، والحمد لله وحده.

ص: 160

‌سادسًا: نسخة لاله لي ورمزها (ل)

وهي نسخةٌ مصورةٌ عن الأصلِ الخطي الموجودِ في مكتبة "لاله لي" في اسطنبول تحت رقم (461) و (462)، وتتكونُ مِن مجلد واحد ملأفق من عدة أقسام بروايات مختلفة وقد كُتبِ بخطٍ نسخي واضحٍ مقروء.

‌أ - القسم الأول:

عدد أورراقه (140) ورقة.

وهو من رواية أبي يعلى أحمدَ بن عبدِ الواحد المعروف بابن زوج الحُرَّة، عن أبي علي السِّنجي، عن أبي العباس المحبوبي

ويبدأ من الحديثِ الأولِ من أبوابِ الطهارة، وينتهي بالحديث (964) وهو آخِرُ حديثٍ في كتاب المناسك، وفي اللوحة الأخيرة منه ما نَصُّهُ: آخرُ كتاب المناسك ويتلوه كتابُ الطب. قلنا: وهذا يخالفُ ترتيب رواية الكَروخي الذي يلي كتابَ المناسك عنده كتابُ الجنائز.

وفي اللوحة الأولى من الورقة الأولى سندُ هذه الرواية:

أخبرني الشيخُ الثقة الفقيه القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد بن حسن المقرئ رضي الله عنه، وأصله ممسك عليّ في شهور سنةِ اثنتين وأربعين وخمس مئة قراءةً مِنِّي عليه، قال: أنبأنا الشيخ الصالح الثقة الحافظ أبو الحسين المبارك بنُ عبد الجبار الصيرفي سماعًا لي قراءة عليه في منزله بالقَطيعة بالجانب الغربي من مدينة

ص: 161

السلام

(1)

كما قُرئ عليه وأصلُه ممسك عليّ وأنا أسمع وأَتَسَمَّعُ في سنة ثنتين وتسعين وأربع مئة، قال: أخبرنا أبو يعلى أحمدُ بنُ عبد الواحد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن جعفر قراءةً عليه، فأقرَّ به سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة، قال: أخبرني أبو علي الحسنُ بن محمد بن أحمد بن شعبة المروزي السِّنجي قراءةً عليه مِنْ أصله في منزلنا في المحرم سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة، قاال: أخبرنا أبو العباس محمدُ بنُ أحمد بن محبوب، قال: قُرِئَ على أبي عيسى محمد بن عيسى بن سَورة بن موسى بن الضحّاك السُّلَمي الحافظ وأنا أسمع

وقد اعتمد القاضي أبو بكر ابنُ العربي على هذه الرواية في شرحه "عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي"، فقال: كنتُ قرأتُ هذا الكتابَ على أبي طاهر البغدادي بدارِ الخلافة، وعلى أبي الحسين القطيعي، كلاهما عن أبن زوج الحرّة، إلا أني رأيتُ أبا الحسين أحلى في القلب والعين، فعكفتُ عليه، قال: أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد، أخبرنا أبو علي السِّنجي، أخبرنا ابنُ محبوب عنه، وقيدته من غير هذه الطريق. وجاء في "فهرسة ابن خير" ص 117 - 118 سند رواية أبي بكر بن العربي هكذا: قال ابن خير: أما روايةُ ابن محبوب، فحدثني بها الشيخُ الفقيه القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي رحمه الله، سماعًا عليه، قال:

(1)

جاء في "فهرسة ابن خير" ص 119: في مسجده بالكرخ بدرب المروزي بالقطيعة.

ص: 162

أخبرنا به أبو الحسين المباركُ بنُ عبد الجبار الصيرفي المعروف بابن الطُّيوري بالقطيعة، وأبو طاهر البغدادي بدارِ الخلافة، أما أبو الحسين، فاستوفيتُه عليه، وأما أبو طاهر، فبعضه من أوله، قالا: أخبرنا أبو يعلى أحمدُ بنُ عبد الواحد بن محمد بن جعفر المعروف بابن زوج الحرة، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن شعبة المروزي، قال: أخبرنا أبو العباس محمدُ بن أحمد بن محبوب، عن أبي عيسى الترمذي. وقال ابن خير: قال ابنُ العربي، وفي كتاب الدعوات والمناقبِ أحاديثُ عَلِّمْ عليها بقولك: لا إلى، مع كلام أبي عيسى في آخر الكتاب لم تكن في سماع أبي يعلى، فاستظهرتُ لها برواية أبي القاسم الحسن بن عمر الهوزني خالي رحمه الله، عن أبيه عُمَرَ بن الحسن سماعًا - زاد القاسمُ بنُ يوسف التجيبي في "برنامجه" ص 103 - قال: أخبرنا محمدُ بنُ منصور الشَّهْرُزُوري إجازةً، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم المروزي، حدثنا أبو حامد أحمد بن عبد الله التاجر، عن أبي عيسى، رحمهم الله أجمعين.

وقال، أبو علي الحسين بن محمد الصَّدَفي فيما نقله عنه تلميذُه ابن عطية في "فهرسته" ص 74 - 75 وابنُ خير الإشبيليُّ في "فهرسته" ص 119: قرأتُه ببغدادَ على الشيخ الصالح أبي الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون العدل بدربِ نصير في منزله، وعلى الشيخِ الصالحِ أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمدَ بنِ القاسم الصيرفيِّ المعروف بابنِ الطيوري

أخبراني به عن

ص: 163

شيخهما أبي يعلى أحمدَ بنِ عبد الواحد بن محمد بن جعفر، عن أبي علي الحسن بن محمد بن أحمد السِّنجي المروزي، عن أبي العباس محمد بنِ أحمد بنِ محبوب، عن أبي عيسى الترمذي، حاشى أحاديثَ في كتاب الدعوات والمناقب، وكلام أبي عيسى في آخر الكتاب لم تكن في سماع أبي يعلى، وعلى أول كل حديث من المستثناة ما عليه علامة (ش) على الشيخ الإمام أبي القاسم عبد الله بن طاهر التميمي البلخي - قَدِمَ بغداد حاجًا (وعند ابن عطية: قدم بغداد أيامَ كوني بها) مع كلام أبي عيسى آخر الكتاب، أخبرني به عن شيخه محمد بن عبد الله الفارسي، عن أبي القاسم عليِّ بنِ أحمد الخزاعي، عن أبي سعيد الهيثم بن كليب البخاري، عن أبي عيسى الترمذي، قال أبو يعلى: ومعاني هذه العلامة - على ما قرأته على شيخنا أبي القاسم - أنه كان يُعرف بابن شاهفور، فعلمتُ على الأحاديث بالشين من هذا الاسم.

قلنا: فاتفق على ذكر هذا الناقصِ من رواية ابن زوج الحرة الإمامان أبو بكر بن العربي وأبو علي الصّدفي، إلا أن ابنَ العربي استتمَّه من رواية أبي حامد التاجر، وأما أبو علي الصدفيُّ فقد استتمه مِن رواية أبي سعيد الهيثم بن كُليب الشاشي، وهو مثبت في رواية أبي محمد الجرّاحي، عن أبي العباس المحبوبي، عن أبي عيسى الترمذي.

‌ب - القسم الثاني:

وهذا الجزءُ فيه نقصٌ من أوله ومن آخره، يبدأ بالورقة (107) وينتهي بالورقة (243)، وأول حديث فيه: حديث "ما زال جبريلُ

ص: 164

يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سَيُوَرِّثُهُ" ورقمُه في المطبوع (1943)، وينتهي بالحديث (2688) ومقدارُ النقصِ بينَ الجزء الأول والثاني (979) حديثًا.

وجاء في هامش اللوحة الأولى خاتم فيه: هذا وقف سلطان الزمان الغازي سلطان سليم خان بن السلطان مصطفى خان عفا عنهما الرحمن.

‌جـ - القسم الثالث:

وفيه من الأحاديث (913) حديثًا، يبدأ بالحديث (2036) وينتهي بالحديث (2949)، وفيه (652) حديثًا مكررًا بالنسبة للمجلد السالف، ويبدأ هذا التكرارُ في هذا الجزء مِن حديث (2036) إلى (2688).

ويغلبُ على الظن أن هذا الجزء برواية الكَروخي لموافقته في الترتيب.

وجاء في الورقة الأخيرة منه ما نصه: كَمُلَ الثالثُ ووافق وقت الغَدِيَّةِ من سنة سَبْعِ وسبعِ مية، كتبه فضلُ الله بن إسماعيل المرجو من ربه الجليل أن يرزقه خليل، ربي نعم المولى ونعم الوكيل، وصلى الله على خاتم نبيه الأصيل محمد بن عبد الله والد البتول، وهو من رب العالمين مرسل رسول. يتلوه أول الرابع: أبواب تفسير القرآن.

ص: 165

‌د - القسم الرابع:

وهو ناقص من أوله يبدأ بالورقة (244)، وأول حديث فيه:"لن يَشْبَعَ المؤمنُ مِن خيرٍ يسمعُه حَتَّى يكونَ منتهاه الجنة" وهو الحديث رقم (2686)، وينتهي بآخر الكتاب مع العلل.

وفي الورقة (313) - مصحح - إسناد من رواية ابن زوج الحرة، وهذا الجزء مقابل مقابلة دقيقة، فلا تكادُ صفحة من صفحاته تخلو من تصحيحات وتعليقات وقد تعاوره ناسخان الأول منهما متقن، والخطأ عنده نادرٌ، والثاني يَكْثُرُ عنده السقط، وقد استُدرك عند المقابلة، ويتميز هذا الجزء عن الأجزاء الأخرى بتفسير عددٍ غير قليل من الألفاظ الغريبة التي جاءت في الأحاديث.

وفي هامش عدد من أوراقه سماعٌ على الشيخ أحمد الغَزِّي الأزهري المحدّث، كان يكْتُبُه بخطه، وكان تاريخُه في أواخر سنة (1170) هـ وأوائل سنة (1171) وهو كما يتضح ذلك من خلال بعض أوراقه الأخيرة.

وجاء في آخر هذا المجلد ما نَصَّهُ: تم كتابُ الجامعِ الكبير لأبي عيسى الترمذي رحمه الله في العاشر من صفر سنةَ ثلاثٍ وخمسين و

رحم الله كاتبه وتابَ عليه بفضله وطوله. قُوبِلَ هذا المجلد بعناية الله الأحد بالنسخة المقابلة بالنسختين نسخة الشيخ محمد بن محمد الغماري، والنسخة المتلوة على القاضي عياض أفاض عليهما سِجَال الرحمةِ الفيّاض في سنة (913) هـ.

ص: 166

وهذا المجلد أيضًا وقف السلطان سليم خان رحمه الله رحمة واسعة.

‌تراجم من وردت أسماؤهم في رواية هذه النسخة:

1 -

أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن جعفر بن الحسن بن وهب المعروف بابن زوج الحرة. وكان أصغرَ إخوته، ولد سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة وكان صدوقًا، يسكن درب المجوس من نهر طابق، توفي في شوال سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة

(1)

.

2 -

أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن شعبة المروزي السِّنْجي، يعرف بابن شعبة، وكان يُقيم ببغداد، وفيها حَدَّث بجامع أبي عيسى الترمذي، روى عنه جماعةٌ مِن أهلِ بغداد واشتهر بالثناء عليه، وكان شيخًا فهمًا ثقةً له هَيْبَةٌ، تُوفي سنةَ إحدى وتسعين وثلاث مئة

(2)

.

قلنا: وسمع معه من أبي العباس المحبوبي أيضًا أبو عبد الله الحاكمُ الحافظُ فيما ذكر القاسمُ بن يوسف التُّجيبي

(3)

.

والراوي عن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي عبدُ الله بنُ محمد بن الحسن المقرئ لم نجد له ترجمة إلا أنه تابعه في الرواية عن

(1)

تاريخ بغداد 4/ 270.

(2)

"تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي 7/ 423، و"برنامج القاسم بن يوسف التجيبي" ص 107.

(3)

"برنامجه" ص 107.

ص: 167

المبارك عددٌ من جِلّة الحُفاظ والعُلماء كأبي بكر بن العربي وأبي علي الصّدفي وغيرهما.

3 -

أما ابن العربي: فهو الإمامُ العلامة المجتهدُ الحافظُ القاضي محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله، أبو بكر بن العربي الأندلسيُّ الإشبيليُّ المالكيُّ، صاحبُ التصانيف، ولد سنة ثمان وستين وأربع مئة، كما أخبر هو عن نفسه، وكان أبوه أبو محمد من كبار أصحاب أبي محمد بن حزم الظاهري بخلاف ابنه القاضي أبي بكر، فإنه منافر لابن حزم، مُحِطٌّ عليه بنفسٍ ثائرة. رحل إلى بغداد ودمشق وبيت المقدس والحرم الشريف ومِصْرَ، وتفقه بالإمام أبي حامد الغزالي، وأبي بكر الشاشي وغيرهما. قال الذهبي: رجع إلى الأندلس بعدَ أن دفن أباه في رحلته أظن ببيت المقدس، وصنَّفَ وجمع، وفي فنون العلم برع، وكان فصيحًا بليغًا خطيبًا، من مصنفاته:"عارضةُ الأحوذي في شرح جامع أبي عيسى الترمذي"، و"الأصنافُ" في الفقه، و"المحصولُ" في الأصول وغيرها، واشتهر اسمُه، وكان رئيسًا محتشمًا، وافِرَ المال بحيث أنشأ على إشبيلية سورًا من ماله، توفي بفاس سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة

(1)

.

4 -

وأما أبو علي الصدفي، فهو الفقيهُ الإمامُ الحافظُ أبو علي الحسينُ بنُ محمد بن فِيُرَّة بن حَيُّون الصَّدَفيُّ السَّرَقُسْطيُّ، سكن

(1)

"سير أعلام النبلاء" 20/ 197 - 203.

ص: 168

مُرسية، كتبَ بالأندلس، ثم رَحَلَ إلى المشرق سنةَ إحدى وثمانين وأربع مئة، وكَتَبَ في طلوعه بالإسكندرية ومصر وغيرها عن جماعة، وبلغ مكةَ، وكتب بها عن جماعة، ثم عَدَل إلى العراقِ، وأقام بها سنين، فكتب الحديث، ثم انصرفَ إلى الأندلس سنة تسعين، فحَدَّثَ بشرق الأندلس، وولى قضاءَ مُرسية، فسار فيه سيرةً فضحَتْ مَنْ كان قَبْلَهُ، وأتعبت مَنْ جاءَ بعده، توفي شهيدًا في الكائنة على المسلمين بكُتُنْدَة

(1)

سنة أربع عشرة وخمس مئة، وقد قارب الستين

(2)

.

5 -

أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم بن أحمد بن عبد الله البغدادي الصيرفي، المعروف بابن الطُّيُوري، قال الذهبي فيه: الشيخ الإمام المُحدِّث العالم المفيد، بقيّة النقلة المكثرين، وُلِدَ سنة إحدى عشرة وأربع مئة، ارتحل وجَمَعَ وخرَّج، وسَمِعَ ما لا يُوصفُ كثرة، وكان محدِّثًا مكثرًا صالحًا، أمينًا صدوقًا، صحيحَ الأصول، صَيّنًا ورعًا وقورًا، حَسَنَ السمت، كثير الخير، ومتَّعهُ اللهُ بما سمع حتى انتشرت عنه الرواية، وصار أعلى البغداديين سماعًا، قال أبو سعد السمعاني: وكان المُؤْتَمَنُ الساجي يرميه بالكذب، ويُصَرِّحُ

(1)

بلدة بالأندلس من عمل سرقسطة من الثغر الأعلى وكانت وقعة كُتُنْدَرةَ على المسلمين سنة أربع عشرة وخمس مئة. انظر "معجم أصحاب الصدفي" ص 7 - 8 و"معجم البلدان" 4/ 310، و"نفح الطيب" 4/ 460 - 461.

(2)

"فهرسة شيوخ" تلميذه ابن عطية الأندلسي ص 74 - 75/ الشيخ السابع.

ص: 169

بذلك، وما رأيت أحدًا من مشايخنا الثقات يوافق المؤتمن، فإني سألتُ مثل عبد الوهَّاب وابن ناصر، فأثنوا عليه ثناءً حسنًا، وشَهِدُوا له بالطلب، والصدقِ والأمانةِ، وكثرة السماع، وقال فيه أبو علي الصدفي: هو الشيخُ الصالح الثقة أبو الحسين، كان ثبتًا فهمًا، عفيفًا متقنًا، صحِبَ الحفاظ ودُرِّب معهم. ماتَ سنَة خمس مئة عن تسعين سنة

(1)

.

6 -

أبو طاهر أحمدُ بنُ علي بن عُبيد الله بن عمر بن سِوار البغداديُّ، المقرئُ، الضرير، أحدُ الحذَّاق، قال الذهبي فيه: الإمامُ، مقرئُ العصر، وُلِدُ سنَة اثنتي عشرة وأربع مئة. قرأ بالروايات على عدد مِن كبار شيوخ عصره، قال أبو علي الصَّدفِيُّ: حنفي ثقة خيِّر، حبس نفسه على الإقراء والتحديث، وقال ابن ناصر: ثقةٌ نبيلٌ، متقنٌ، ثبتٌ، وقال أبو سعد السمعاني: كان ثقةً أمينًا مقرئًا، حسَن الأخذ، ختم عليه جماعة كتاب الله، وكتب بخطه الكثيرَ مِن الحديث، توفي سنة ست وتسعين وأربع مئة ببغداد

(2)

.

7 -

الحسن بن عمر بن الحسن الهَوْزني الإشبيلي أبو القاسم، خال أبي بكر بن العربي، رحل إلى المشرق، وحجَّ وسَمِعَ بالمهدية والإسكندرية ومصر، وقال ابن عبد البر: كان فقيهًا مُشاوَرًا ببلده، عاليًا في روايته، ذاكرًا للأخبار والحكايات، حَسَنَ

(1)

انظر "سير أعلام النبلاء" 19/ 213 - 216.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 19/ 225 - 226.

ص: 170

الإيراد لها، رَحَلَ الناسُ إليه، وسمعوا منه، توفي سنة اثنتي عشرة وخمس مئة، ومولِدُه سنةَ خمس وثلاثين وأربع مئة

(1)

.

8 -

عُمَرُ بنُ الحسن بن عبد الرحمن بن عمر أبو حفص الهوزني الإشبيليُّ، رَحَلَ إلى المشرق سنة أربعٍ وأربعين وأربع مئة، وحج، وقال ابن خزرج: كان متفننًا في العلوم، قد أخذ مِنْ كُلِّ فَنٍّ منها بحَظٍّ وافر، مع ثقوبِ فهمه، وصِحَّةِ ضبطه، وكان مولده سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة، وقتله المعتضدُ بالله عباد ظُلمًا بقصره، وكان ذلك سنةَ ستين وأربع مئة

(2)

.

أما وقد أتينا على وصف هذه الأصول المصورة عن النسخ الخطية الموجودة في مكتبات العالم، وهي وإن كانت مغنية عن غيرها قد أضفنا إليها المراجعَ التي تولّت العنايةَ بكِتابِ الجامع أيضًا في إخراج هذه الطبعة، ككتاب "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" للإمام الحافظ المتقن جمال الدين أبي الحجاج يوسف المِزِّي المتوفَّى سنة (742) هـ، وكتابُه هذا معجمٌ مُفَهْرِسٌ لمسانيدِ الصحابة والرواة عنهم وموسوعة علمية لجميع أحاديث الكُتُبِ الستة، وهو رحمه الله كان يعتمد أصولًا صحيحة مُتقنة من هذه الكتب الستة.

ومن المصادر التي أفَدْنَا منها ورَجَعْنا إليها "النفح الشذي في شرح الترمذي" تأليف أبي الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد

(1)

"الصلة" لأبي القاسم بن بشكوال 1/ الترجمة (318).

(2)

انظر "الصلة" أيضًا 2/ الترجمة (865)،

ص: 171

الناس اليَعْمَري المتوفى سنة (734) هـ، شرح منه قطعةً انتهى فيها إلى الحديثِ الثامن من باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام وعندنا منه مصورة عن الأصلِ الخطِّي. ثم أكْمَلَ هذا الشرحَ الحافظ الناقدُ الإمامُ أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي المتوفى سنة (806) هـ بدأ بشرحه من حيث انتهى الحافظ ابن سيد الناس، وانتهى إلى شرح الحديث (1711) وقد أتينا على وصف هذا الشرح فيما مضى وعندنا من الشرحين نسخةٌ مصورة.

وَمِنَ المصادر التي رجعنا إليها أيضًا وأفدنا منها "تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي" لمؤلفه المحدث الشهير أبي العُلى محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري المتوفى سنة (1353) هـ وهو مطبوعٌ في خمسة مجلدات كبار مع المقدمة في الهند.

‌عَمَلُنَا في التَّحْقِيقِ

لقد اتبعنا في تحقيقِ هذا الكتابِ أصحَّ قواعِدِ التحقيقِ وأدقّها، واجتهدنا في إخراجِ نَصِّهِ صحيحًا كاملًا على ما في الأصولِ المتقنة التي أتينا على وصفها فيما سَلَفَ، وهي نسخٌ في غاية النفاسة، يُوثق بها، ويُعتمد عليها، ويُطمأنُّ إليها:

1 -

فقد قمنا بمقابلةِ المطبوعِ بالأصولِ الخَطِّيَّة، واتخذنا نسخةَ الكَروخيِّ أصلًا، وأثبتنا الفروقَ المُهِمَّةَ، وقد ظَهَرَ لنا في أثناءِ المقابلة أن جملةً مِن الأحاديث وردت في المطبوع ولم تَرِدْ في

ص: 172

الأصولِ التي هي برواية أبي محمد الجراحيَّ، عن أبي العباس المحبوبي، عن أبي عيسى الترمذي، واستدركنا بعض هذه الأحاديثَ من رواية ابنِ زوج الحرة، عن أبي علي السِّنجي، عن أبي العباس المحبوبي ورواية أبي حامد التاجر وأبي ذر الهروي، عن أبي عيسى الترمذي، ومن "تحفة الأشراف" للإمام أبي الحجاج المزي، وما لم نجده فيما ذكرنا من الأصول أثبتناه في الهامش، وبيّنا أنه من المطبوع، ولم يرد في المصادر التي أشرنا إليها.

2 -

وضبطنا متونَ الأحاديثِ ضبطًا قريبًا مِن التمامِ، وضبطنا ما يُشكِلُ مِن أسماء الرواة وكُناهم وألقابِهم ضَبْط قلمٍ، وربما ضبطناه بالحروفِ في الحاشية.

3 -

ثم قمنا بتخريج أحاديث الكتاب مقتصرين على الكُتُب الستةِ الأُمَّهات، في الأحاديث التي سلَفَ تخريجُها والحكمُ عليها في "مسند الإمام أحمد"، و"صحيح ابن حبان"، و"شرح مشكل الآثار"، وَنذْكُرُ إلى ذلك المَصْدَرَ الذي استوفينا فيه تخريج الحديث، ونُحيل عليه لِيرجِعَ إليه مَنْ أراد التَّوسُّعَ وننقل هُنا خُلاصةَ الحُكْمِ الذي انتهينا إليه فيها اكتفاءً بما سَبَقَ لئلا يتكرر الجهدُ ولا نطيل الصفحات بما هو موجود في مظانّه من الكتب التي تولينا تحقيقها وأما الأحاديثُ التي وَرَدَتْ في الكتاب، ولم تُخَرَّجْ عندنا في المصادِرِ التي حققناها، فإننا نقومُ بدراسة أسانيدِها وتفحصها، ونستوفي تخريجَها، ونَحْكُمُ على كُلِّ حديث منها بما يليق بحاله من صحة أو حسن أو ضعف.

ص: 173

4 -

وبما أن الإمام الترمذي لم يشترط في كتابه إيرادَ الأحاديث الصحيحة فقط بل أدرج فيه الصحيحَ والضعيفَ والمنكرَ، فقد وَجَبَ تمييزُ صحيحها مِن سقيمها، وتبيين ما يُحتج به مما لا يُحتج به منها، كما دعا إلى ذلك غيرُ واحدٍ من الأئمة، نصحًا لله ولِرسوله ولعامة المسلمين، فقد قمنا بدراسةِ إسنادِ كُلِّ حديثٍ من أحاديث "الجامع"، وحكمنا عليه بما يليق بحالهِ مِن صحة أو حسن أو ضعف مسترشدين بما أصَّلَه جهابذةُ الحديث ونُقَّاده مِن أصولٍ وقواعد لِتوثيقِ الرواياتِ، وفحصِ الأسانيد، وتنقيد المتون، فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نكته على ابن الصلاح"

(1)

: أن في السنن شيئًا كثيرًا لا يَصْلُحُ للاحتجاجِ به، وأن فيها ما يصلحُ للاستشهاد به من حديث المتروكين

ثم قال: وإذا تقرر هذا، فسبيلُ مَنْ أراد أن يحتجَّ بحديثٍ مِن السنن، أو بأحاديث من المسانيد واحِدٌ، إذ جميعُ ذلك لم يَشْتَرِطْ مَنْ جمعه الصِّحَّةَ ولا الحُسْنَ خاصةً، فهذا المحتجُ إن كان متأهّلًا لِمعرفة الصحيحِ مِن غيره، فليسَ له أن يحتجَّ بحديثٍ من السنن مِنْ غير أن يَنْظُرَ في اتصالِ إسناده، وحالِ رواته، كما أنه ليس له أن يحتجَّ بحديثٍ من المسانيد حتى يُحيط علمًا بذلك، وإن كان غَيْرَ متأهِّلٍ لذلك، فسبيلُه أن يَنْظُرَ في الحديثِ إن كان في "الصحيحين" أو صرَّح أحدٌ مِن الأئمة

(1)

1/ 448.

ص: 174

بصحته، فله أن يقلِّد في ذلك، وإن لم يجد أحدًا صححه ولا حسَّنه، فما له أن يُقدِمَ على الاحتجاجِ به، فيكون كحاطبِ ليلٍ، فلعله يحتجُّ بالباطِلِ وهو لا يشعُر.

وقد وفّقنا الله في معظم ما شرحناه وحققناه مِن الأصول أن نُرَاعِيَ هذا الجانبَ المهم، ونُعنَى به أشدَّ العناية، ونتوسع فيه غاية التوسّع، لنتحلّل مِن تبعة التقصير فيما أوجبه الله علينا في هذا العلم الذي أكرمنا به.

5 -

لم نُخْلِ الكتابَ مِن تعليقاتٍ تشتمِلُ على شرح غريب الحديثِ، ومِن تقوية لبعضِ الآراء الفقهية في المسائلِ المختلفِ فيها، ومن توجيهِ نقداتٍ هادفة للإمام الترمذي فيما يُظن أنه قد أخطأ فيه، وذِكْر الفوائد المستنبطة التي تُؤخذ من الأحاديث.

6 -

وقد قمنا بصنع فهرس يشتمل على:

- فهارس الكتب والأبواب التي تضمنهما "الجامع".

- فهرس لأطراف الأحاديث والآثار على نسق حروف المعجم.

وبعد فلا يَسَعُني في نِهايةِ المقدمةِ إلا أن أُزْجِيَ خالصَ الشكر، وأوفاه إلى صاحبِنا المِفْضالِ الأستاذِ محمد ناصر العجمي المعروف في الأوساطِ العلمية بالعلم والمعرفة، وبسعيهِ المشكورِ في خدمة السنةِ النبوية، وتقديمِ العونِ لأهلِ العلم المتخصصين في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، العاكفين على تحقيق كتبه تحقيقًا علميًا متقنًا ييسر

ص: 175

الفائدة منها، والانتفاع بها. فقد نُمِيَ إليه أنني عازِمٌ - بَعْدَ فراغي مِن تحقيق وشرح المسند الأحمدي وقد خرج في خمسين مجلدًا - على تحقيقِ كتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي الذي لم يَحْظَ بالحفاوة البالغة التي تليقُ به في الطبعاتِ السابقةِ، فصادف ذلك منه ارتياحًا بالغًا، وسرورًا ورِضى، وشجعني على ذلك لحسن ظنه بي - وأرجو الله سبحانه أن أكون عندَ حُسْنِ ظَنِّه وأن يوفقني كل التوفيق لأن أتولى هذا العَملَ، وأعطيه حقه الذي يليق به، فبعث إليَّ حفظه الله ورعاه ثلاثَ نُسَخٍ من الكتاب مصورة عن أصولٍ خطية نفيسة، ومنها النسخة المتقنة التي اتخذناه أصلًا في التحقيق، وهي بخطِّ الكَروخي وقد أتينا على وصفها فيما سَلَفَ، وقدمها لي هديةً خالصة وما أعزها من هدية، إسهامًا منه في إخراج هذا السِّفر النفيس الذي وصفه صاحبه بأن من كان في بيته، فكأنما فيه نبي يتكلم، وابتغاءَ الأجرِ الجزيلِ والثوابِ العظيم من المولى سبحانه، أسأل الله تعالى أن يُديمَ نفعَه ويُجزل أجْرَهُ، ويُسْبِلَ عليه سِتْرَه في الدنيا والآخرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

عمان 2/ 12/ 1422 هـ

14/ 2/ 2002 م

شعيب الأرنؤوط

محمد كامل قره بللي

ص: 176

• ورقة العنوان من نسخة الكروخي

ص: 177

• الورقة الأولى من نسخة الكروخي

ص: 178

• الورقة قبل الأخيرة من نسخة الكروخي

ص: 179

• الورقة قبل الأخيرة من نسخة الكروخي

• ورقة العنوان من نسخة ابن الجوزي

ص: 180

• الورقة الأولى من نسخة ابن الجوزي

ص: 181

• الورقة الأخيرة من نسخة ابن الجوزي

ص: 182

• الورقة الأولى من نسخة (د)

ص: 183

• الورقة قبل الأخيرة من نسخة (د)

ص: 184

• ورقة العنوان من القطعة الأولى من نسخة تشستربيتي

ص: 185

• الورقة الأولى من القطعة الأولى من نسخة تشستربيتي

ص: 186

• الورقة الأخيرة من القطعة الأولى من نسخة تشستربيتي

ص: 187

• ورقة العنوان القطعة الثانية من نسخة تشستربيتي

ص: 188

• الورقة الثانية من القطعة الثانية من نسخة تشستربيتي

ص: 189

• الورقة الأخيرة من القطعة الثانية من نسخة تشستربيتي

ص: 190

• الورقة الأخيرة من القطعة الثالثة من نسخة تشستربيتي

ص: 191

• الورقة الأولى من الجزء الأول من نسخة الظاهرية

ص: 192

• ورقة العنوان من الجزء الأول من نسخة الظاهرية

ص: 193

• الورقة الأولى من القطعة الثانية من نسخة لا له لي

ص: 194

• الورقة الأخيرة من القطعة الرابعة من نسخة لا له لي

ص: 195

• الورقة الأخيرة من النسخة الأولى من النفح الشذي بشرح جامع الترمذي لابن سيد الناس بخطه

ص: 196

• الورقة الأخيرة من النسخة الثانية من النفح الشذي جامع الترمذي لابن سيد الناس لمحمد عابد السندي

ص: 197

• الورقة الأولى من الجزء الأول من تكملة شرح الترمذي للعراقي بخط الحافظ ابن حجر العسقلاني

ص: 198

• الورقة الأخيرة من تكملة شرح الترمذي للعراقي بخط الحافظ ابن حجر العسقلاني

ص: 199