المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح ألفية الحافظ العراقي (10) - شرح ألفية العراقي - عبد الكريم الخضير - جـ ١٠

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح ألفية الحافظ العراقي (10)

‌شرح ألفية الحافظ العراقي (10)

العنعنة - تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف

الشيخ: عبد الكريم الخضير

وكان ينبغي لصاحب هذا المذهب ألا يقول بالإرسال، بل بالتوقف حتى يتبين لمكان الاحتمال؛ لأنه يحتمل أن متصلاً، ويحتمل أن يكون مرسلاً، يعني سقط منه راوٍ، ولعل ذلك مراده، وهو الذي نقله مسلم عن أهل هذا الذهب أنهم يقفون الخبر، ولا يكون عندهم موضع حجة لإمكان الإرسال فيه، وأن هذا القصد ليلوح من قول هذا القائل حتى يتبين اتصاله بغيره، ولكن صدر الكلام يأباه؛ لقوله: عده بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع، وكأن في ربط العجز بالصدر تنافراً ما، إلا أن هذا المذهب رفضه جمهور المحدثين، بل جميعهم، يعني أن كل ما جاء بصيغة العنعنة مردود، أو متوقف فيه، هذا المذهب رفضه جمهور المحدثين، بل جميعهم، وهذا الذي لا إشكال في أن أحد من أئمة السلف مما يستعمل الأخبار كما قال مسلم -رحمه الله تعالى-، ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها، مثل أيوب السختياني وابن عون ومالك بن أنس وشعبة بن الحجاج ومن سمى معهم لا يشترطه ولا يبحث عنه، ولو اشتُرط ذلك لضاق الأمر جداً، ولم يتحصل من السنة إلا النزر اليسير، فكأن الله تعالى أتاح الإجماع عصمة لذلك، وتوسيع علينا والحمد لله، فهذا المذهب المجهول قائله لا يعرج عليه، ولا يتلفت الليت إليه، الليت إيش هو؟ الليت: صفحة العنق، يعني أن العنق لا تلوى من أجل الاستماع إليه، وقد تولى الإمام أبو عمرو النصري يعني ابن الصلاح، رد هذا المذهب الذي حكاه، وقال: إن الصحيح والذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد المتصل، قال: وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم، وأودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم وقبلوه.

ص: 1

وقد نقل أيضاً هذا المذهب مبهماً لقائله أبو محمد بن الخلاد في كتابه: الفاصل له، ابن خلاد الرامهرمزي في كتابه: المحدث الفاصل، ثم ذكره بإسناده إلى أن قال: وقال بعض المتأخرين من الفقهاء كل من روى من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم خبراً فلم يقل فيه سمعت ولا حدثنا ولا أنبأنا ولا أخبرنا ولا لفظة توجب صحة الرواية إما بسماع أو بغيره مما يقوم مقامه فغير واجب أن يحكم بخبره، وإذا قال: حدثنا فلان أو أخبرنا فلان عن فلان ولم يقل حدثنا فلان أن فلان حدثه ولم يقوم مقامه من هذه الألفاظ احتمل أن يكون بين فلان الذي حدثه وبين فلان الثاني رجل آخر لم يسمه؛ لأنه ليس بمنكر أن يقول قائل: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، وفلان حدثنا عن مالك والشافعي وسواء .. إلى آخره، انتهى كلام ابن خلاد، وقد رددنا هذا المذهب بما فيه الكفاية، وإذا بان أنه قول لبعض الفقهاء المتأخرين فهو مسبوق بإجماع علماء الشأن، والله الموفق.

وقد بين ذلك أبو عمر بن عبد البر بما حكاه من الإجماع بعد أن ذكر بإسناده عن وكيع قال: قال شعبة: فلان عن فلان ليس بحديث، قال وكيع: وقال سفيان: هو حديث، قال أبو عمر: ثم إن شعبة انصرف عن هذا القول إلى قول سفيان، قلت: وما نقله مسلم رحمه الله عن العلماء الذين سمى ومن جملتهم شعبة من أنهم لا يتفقدون ذلك يدل أيضاً على رجوع شعبة كما ذكر أبو عمر، فقد بان أنه لا يعلم لمتقدم فيه خلاف إذا جمع رواته العدالة واللقاء والبراءة من التدليس، وأن شعبة رجع عن قوله، وقال الحافظ أبو عمرو المقرئ، الداني: وما كان من الأحاديث المعنعنة التي يقول فيها ناقلوها عن وعن فهي أيضاً مسندة متصلة بإجماع أهل النقل، إذا عرف أن الناقل أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً، ولم يكن ممن عرف بالتدليس، وإن لم يذكر سماعاً إلا أن قوله: إدراكاً بيناً فيه إجمال، وسنستوفي الكلام عليه في ذكر المذهب الثالث.

ص: 2

المذهب الثاني: وهو أيضاً من مذاهب أهل التشديد إلا أنه أخف من الأول، وهو ما حكاه الإمام أبو عمرو النصري، ابن الصلاح، قال: وذكر أبو المظفر السمعاني في العنعنة أنه يشترط طول الصحبة بينهم، قلت: وهذا بلا ريب يتضمن السماع غالباً لجملة ما عند المحدث أو أكثره، ولا بد مع هذا أن يكون سالماً من وصمة التدليس، وحجة هذا المذهب هي الأولى بعينها، ولكنه خفف في اشتراط السماع تنصيصاً في كل حديث حديث لتعذر ذلك؛ ولوجود القرائن المفهمة للاتصال من إيراد الإسناد وإرادة الرفع بعضهم عن بعض عند قولهم: فلان عن فلان مع طول الصحبة.

المذهب الثالث: وهو رأي كثير من المحدثين منهم الإمام أبو عبد الله البخاري، وشيخه أبو الحسن علي بن المديني وغيرهما نقل ذلك عنهم القاضي أبو الفضل عياض وغيره، وهو مذهب متوسط، اشتراط ثبوت السماع أو اللقاء في الجملة لا في حديث حديث، يقول: وهذا هو الصحيح من مذاهب المحدثين، وهو الذي يعضده النظر، فلا يحمل منه على الاتصال إلا ما كان بين متعاصرين يعلم أنهما قد التقيا من دهرهما مرة فصاعداً، وما لم يعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه إلا بما شهد لفظ السماع أو التحديث، أو ما أشبه من الألفاظ الصريحة إذا أخبر بها العدل عن العدل، وحجة هذا المذهب أيضاً ما تقدم من إجماع جماهير النقلة على قبول الإسناد المعنعن وإيداعه كتبهم التي اشترطوا فيها إيراد الصحيح مع ما تقرر من مذهبهم أن المرسل لا تقوم به حجة، وأنهم لا يودعون فيها إلا ما اعتقدوه أنه مسند.

ص: 3

قال أبو عمر بن عبد البر الإمام الحافظ: وجدت أئمة الحديث أجمعوا على قبول المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطاً ثلاثة: عدالتهم، ولقاء بعضهم لبعض مجالسة ومشاهدة، وبراءتهم من التدليس، هكذا ينقل الإجماع ابن عبد البر، قال أبو عمرو بن الصلاح الإمام الناقد: والاعتماد في الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور إنما هو على الإدراك واللقاء، قلت: وقد كان ينبغي من حيث الاحتياط أن يشترط تحقق السماع في الجملة لا مطلق اللقاء، فكم من تابعٍ لقي صاحباً ولم يسمع منه، وكذلك من بعدهم، وينبغي أن يحمل قول البخاري وابن المديني على أنهما يريدان باللقاء السماع، وهذا الحرف لن نجد عليه تنصيصاً يعتمد، وإنما وجدت ظواهر محتملة أن يحصل الاكتفاء عندهم باللقاء المحقق وإن لم يذكر سماع، وألا يحصل الاكتفاء إلا بالسماع، وأنه الأليق بتحريهما والأقرب إلى صوب الصواب، فيكون مرادهما باللقاء والسماع معنىً واحداً، وفي قول مسلم حاكياً القول الذي تولى رده ما يقتضي الاكتفاء بمجرد اللقاء، حيث قال في تضاعيف كلامه: ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط، أو تشافها بحديث

الفصل، يعني إلى آخر الفصل، فظاهر هذا الكلام أن أحدهما بدل من الآخر، وأن (أو) للتقسيم لا بمعنى الواو، وقد أتى به أيضاً في أثناء كلامه بالواو فقال: وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، وكرره أيضاً بالواو، قال: ثم أدخلت فيه الشرط بعد، فقلت: حتى نعلم أنهما قد كان التقيا مرة فصاعداً، وسمع منه شيئاً، وهذا أبين ألفاظه، وقال الحافظ أبو عبد الله بن البيع الحاكم في كتابه: معرفة علوم الحديث، في النوع الحادي عشر منه المعنعن بغير تدليس متصل بإجماع أهل النقل على تورع رواته عن التدليس.

ص: 4

وقال الإمام الفقيه المحدث أبو الحسن القابسي: وكذلك ما قالوا فيه عن وعن فهو أيضاً من المتصل إذا عرف أن ناقله أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً ولم يكن ممن عرف بالتدليس، قلت: وقولهما معاً لا يخلو من إجمال، إذ لا بد أن يكون مراد الحاكم ثبوت المعاصرة أو السماع، إذ لا يقبل معنعن ممن لم تصح له معاصرة، فلا بد من قيد، وكأنه اكتفى عنه بقوله: على تورع رواته عن التدليس، وقد سبق له في كتابه هذا من النوع الرابع منه في معرفة المسانيد من الأحاديث تقييد ذلك بما نصه: والمسند من الحديث أن يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه بسن محتملة، وفي كتابه معرفة علوم الحديث: ليس، ولسن أو بسن كأنها أظهر، وكذلك سماع شيخه من شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا الموضع من كتاب الحاكم فيه اضطراب بين رواته، فروي ما ذكرناه بسن محتملة، وعند ابن سعدون: بسن يحتمله، والمعنى واحد، أي أنه يكتفى في ظهور السماع بكون السن تحتمل اللقاء، ومعنى هذا أنه يكتفي بالمعاصرة.

وإلى هذا المعنى ذهب مسلم -رحمه الله تعالى- حيث قال: وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكنهما جميعاً كانا في عصر واحد، وإن لم يأتِ في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة، إلا أن تكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبداً حتى تكون الدلالة التي بينا، انتهى كلامه.

ص: 5

وإلى هذا المعنى أيضاً ذهب الحافظ أبو عمرو المقرئ الداني في جزء له، وضعه في بيان المتصل والمرسل والمنقطع، فقال: المسند من الآثار التي لا إشكال في اتصاله هو ما يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه بسن يحتملها، وكذلك شيخه عن شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى الصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا نفس كلام الحاكم، فهذا موافق ظاهره لهذه الرواية، وقد يحتمل أن يكون مراده بقوله: يظهر سماعه بسن تحتمله أي أنه يعلم السماع بقوله، وتكون سنه تصدق ذلك، والله أعلم، إلى آخر كلامه حيث نقل نقولاً كثيرة عن أهل العلم في هذا الشأن، ويأتي -إن شاء الله- غداً تحرير القول في هذه المسألة، ولا يعني كون الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- يشترط هذا الشرط، وأنه لا يقول باشتراط اللقاء، ولا ثبوت السماع لا يعني أنه طبق هذا في كتابه، أن كتابه مبني على هذا الشرط، لا يلزم من اكتفائه بالمعاصرة أن يكون كتابه مبنياً على هذا، لماذا؟ لأنه يجمع الحديث الواحد في مكان واحد بجميع طرقه، فإذا ساق طريق اكتفي فيه بالمعاصرة لا بد أن يوجد من هذه الطرق طرق يروي بعضهم عن بعض ممن ثبت لقاء بعضهم لبعض، يعني كون الإمام مسلم يكتفي بهذا في التصحيح لا يعني أنه طبقه في كتابه، لا يلزم منه هذا، وكون الإمام البخاري يشترط ويتشدد في هذا الباب ويحتاط للسنة لا يعني أنه يرد تصحيح الآخرين، ومذهب مسلم جرى عليه المتأخرون، فينظرون في ترجمة الراوي، وترجمة من روى عنه فإن وصف بالتدليس ردوها؛ لأنه مدلس حتى يثبت التصريح بالسماع، وإن كان لم يوصف بالتدليس اكتفوا بأن السن يحتمل، هذا مولود سنة مائة، وهذا توفي مثلاً سنة مائة وعشرين، أو مائة وثلاثين، هذا يكتفون بمثله عند التطبيق، وإذا دلت القرائن على أن هذا لم يلتق بهذا ولم يره ولم يسمع عنه ردوه لهذا، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 6

بدأنا الكلام في الدرس الماضي عن السند المعنعن، وخلاف أهل العلم فيه اتصالاً وانقطاعاً، فقال الناظم -رحمه الله تعالى- في البيت الأول:

وصححوا وصل معنعن سلم

من دلسة راويه واللقا علم

الناظم -رحمه الله تعالى- كأنه يشير بهذا إلى رأي من يقول بقبول السند المعنعن إذا سلم المعنعِن من التدليس، وعلم لقاء الراوي لمن روى عنه، وفي هذا القول القائل به لا يكتفي بالمعاصرة، ومن أهل العلم كالحاكم والخطيب وابن عبد البر حكوا الإجماع على هذا، أنه موصول إذا توافر فيه هذان الشرطان، السلامة من التدليس، وثبوت اللقاء؛ لأنه قال:

وبعضهم حكى بذا إجماعا

ومسلم لم يشرط اجتماعا

سمعنا بعض ما قاله الإمام مسلم في المسألة، وأنه يكتفي بالمعاصرة مع إمكان اللقاء، وأنه شدد في ذلك، وشدد النكير على من اشترط اللقاء، وذكرنا بعض كلامه الشديد في حق من قال بهذا القول المخترع الذي يقصد من ورائه صاحبه هدم السنة، وعرفنا أنه لا يقصد بهذا لا البخاري ولا علي بن المديني، وإن قالا بذلك، وإنما يقصد الرد على مبتدع يريد هدم السنة مستفيداً من قول الإمام البخاري، واحتياط الإمام البخاري واحتياط علي بن المديني، ونظرنا على هذا بما فيه الكفاية -إن شاء الله تعالى-.

ص: 7

الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- ذكر حجج لقبول قوله، ومن هذه الحجج أنه ذكر في المقدمة أحاديث لا توجد في أي ديون، وفي أي مصنف من دواوين الإسلام، ومن مصنفات السنة إلا معنعنة، ومع أنه لا يعرف، ولا يمكن إثبات أن كل راوٍ من رواتها قد لقي من روى عنه، ومن هذه الأحاديث ذكر أحاديث هنا بس تطول قراءتها، هذه الأحاديث ثلاثة أحاديث منها رواها الإمام نفسه بصيغة التحديث، منها يقول الموضع الأول -هذا ابن رشيد-: الموضع الأول: ذكرت أيها الإمام في صفة الجنة يسر الله علينا فيها بلا محنة، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنضلي قال: أخبرنا المخزومي قال: حدثنا وهيب عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة لشجرة يسير الراكب فيها مائة عام لا يقطعها)) قال أبو حازم: فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزرقي فقال: حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ح وخرجه أيضاً البخاري كذلك؛ لوجود شرطه فيه وهو معرفة السماع، فقال في صفة الجنة: وقال إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المغيرة بن سلمة قال: حدثنا وهيب عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها)) قال أبو حازم: فحدثت به النعمان بن أبي عياش فقال: حدثني أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة)) .. الحديث، فقد اتفقتما على تخريج هذا الحديث عن شيخ واحد منصوص فيه عندكما على سماع النعمان من أبي سعيد، حتى مسلم الذي نفى أن يكون موجود بصيغة التحديث.

ص: 8

الموضع الثاني: قريب منه في الباب نفسه من كتابك قلت فيه: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حديثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء)) قال: فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش فقال: سمعت أبا سعيد الخدري، يقول:"كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي" وخرجه البخاري أيضاً في صفة الجنة، قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عبد العزيز عن أبيه عن سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء)) قال أبي فحدثت النعمان بن أبي عياش فقال: أشهد لسمعت أبا سعيد الخدري يحدث ويزيد فيه: "كما ترون"

إلى آخره.

ص: 9

الموضع الثالث: قلت في المناقب من كتابك: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري عن أبي حازم قال: سمعت سهلاً يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أنا فرطكم على الحوض)) فيه قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث، فقال: هكذا سمعت سهلاً يقول؟ قال: فقلت: نعم، قال: فأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد .. إلى آخره، وخرجه البخاري في موضعين من الفتن، وفي ذكر الحوض، ثم ساق الموضعين في البخاري كلاهما، وكلاهما منصوص به على التصريح بالسماع، ثم قال ابن رشيد: والعذر لك أيها الإمام بادٍ فإن النص على السماع فيما خرجت أنت من هذه الأحاديث ورد مضمناً غضون الحديث ليس مصدراً به ولا ملاقياً للناظر، يعني ما هو في أصل سياق الإسناد إنما عقب به على الحديث بعد الفراغ من متنه، لكن هل مثل هذا يغيب على مسلم بحيث ينفي النفي القاطع البات؟ نعم هذه الأحاديث في آخر صحيحه بعيدة عن المقدمة، والغفلة واردة، هي بعيدة عن المقدمة في أواخر الكتاب، لكن كونه لا ينبته لها لأن هذه الصيغ المصرحة بالسماع ليست في صدر الكلام، ليست في سياق الإسناد الأول، وإنما هي جاءت تعقيباً على الأحاديث، فمسلم ليس من الغفلة بهذه المكانة بحيث يخفى عليه أنه صرح فيها بالسماع تعقيباً، لا، يعني يظن به أنه نسي حينما كتب لبعد العهد، الأحاديث بعيدة كل البعد عن المقدمة.

ص: 10

والعذر لك أيها الإمام بادٍ فإن النص على السماع فيما خرجت أنت من هذه الأحاديث ورد مضمناً غضون الحديث ليس مصدراً به، ولا ملاقياً للناظر، يعني الناظر يبي يقرأ الإسناد بيقرأ المتن وينتهي يترك الحديث ما يقرأ التعقيب عليه الذي ورد في الأحاديث الثلاثة، هذا مقتضى كلامه، وإنما ذكرت هذه الأحاديث في المساند في مسند سهل؛ لأن هذه الزيادة إنما وقع ذكرها عن أبي سعيد بحكم التبع، وقد جرت هذه الغفلة عليك -يرحمك الله- غفلة أخر رأينا أن ننبه عليها تتمة للفائدة، وصلة بالنفع عائدة، وهي أنك قلت: وأسند النعمان بن عياش عن أبي سعيد الخدري ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الكلام يفهم ظاهره أنه لم يسند غيرها، وقد أخرجت له في صحيحك ستة أحاديث من رواية النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد، أحدها: المتن المدرج في حديث: ((إن في الجنة شجرة))، والثاني: المدرج أيضاً في حديث: ((إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة)) والثالث: المدرج في حديث: ((أنا فرطكم على الحوض)) والحديث الرابع: ((إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة)) وأنت تفردت به عن البخاري، والخامس حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن أدنى أهل النار عذاباً ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه)) خرجتهما في كتاب الإيمان من كتابك.

طالب:. . . . . . . . .

في المقدمة موجود، كلام مسلم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 11

إيه ذكره في المقدمة، يحتج به على غيره، نقول: هذه لا توجد بصيغة التصريح أبداً، ما توجد إلا معنعنة، وحديث:((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجه عن النار سبعين خريفاً)) خرجته في الصيام من كتابك، وخرجه البخاري في الجهاد من غير نص منكما على سماع النعمان له من أبي سعيد، وللنعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد حديث سابع، خرجه أبو بكر البزار في مسنده، قال البزار: حدثنا أحمد بن منصور قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن أبي حرملة عن النعمان بن أبي عياش الزرقي عن أبي سيعد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)) قال الحافظ أبو عبد الله بن أبي بكر: قد ذكر هذا الحديث من طريق البزار إسناده صالح حسن محمد بن أبي حرملة، حدث عنه مالك بن أنس وغيره من الثقات.

قلت: والذي يظهر أن مسلماً -رحمه الله تعالى- إنما عنى بقوله: "ثلاثة أحاديث" الثلاثة الأخيرة مما ذكر التي لم يرد فيها منصوصاً على سماع النعمان بن أبي عياش، ولم تمر بذكره الثلاثة الأحاديث التي نص فيها على سماعه منها؛ لأنها وردت متبعة لحديث سهل بن سعد حسبما بيناه، على أن أبا عبد الرحمن النسائي قد نص في مصنفه على سماع النعمان بن أبي عياش من أبي سعيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:((من صام يوماً في سبيل الله)) فقال: أخبرنا مؤمل بن إيهاب، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني يحيى بن سعيد وسهيل بن أبي صالح سمعا النعمان بن أبي عياش قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

ص: 12

المقصود أن هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم في مقدمته، وأنها لا تروى في أي مصنف ولا ديوان من دواوين الإسلام إلا معنعنة، وأنه لا يذكر ولم ينقل أن راويها قد ثبت لقائه لمن روى عنه، هي موجودة في كتابه بصيغة التحديث، والغفلة واردة لبعد العهد، يعني هذه في أواخر الكتاب، والمقدمة معروف أنها في صدره، هذه احتمال يعني المتقدمين والمتأخرين كلهم على هذا، بل أكثرهم يذكر المقدمة بعد نهاية الكتاب؛ ليكتب عن الكتاب بعد التصور التام له؛ لأنه إذا كتبها قبل لا شك أن تصوره عن كتابه ناقص لاحتمال أن يزيد فيه وينقص، ويقدم ويؤخر، لكن إذا كتبها بعد تمام الكتاب كتبها بعد التصور التام، لكن اللي يظهر من سياق المقدمة أنه كتبها قبل، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم لأنه قال في أولها في أول الكتاب: فإذا عزم لتمامه هنا

، نص في المقدمة على أنه قال فيها: فإذا عزم لتمامه فأول من يستفيد منه على ما ذكر هو المصنف نفسه، في المقدمة، فدل على أنه لم يتمه بعد، يعني ما زال يكتب فيه.

العمل عند أهل العلم في تخريجهم وأحكامهم، يعني الجل، جل أهل العلم الذين يخرجون الأحاديث ويحكمون عليها كأنهم جروا على رأي مسلم رحمه الله، ولا يعني أن رأي البخاري باطل، أو أنه لا حظ له من النظر، نقل عليه الاتفاق، وأن ما جاء مشتمل للشرطين متصل اتفاقاً، ولا يعني هذا أن ما سواه باطل؛ لأن عرفنا أن الشرط عند أهل العلم ليس معناه ما يشترطه الفقهاء في شروطهم الاصطلاحية، لا، إنما شرطه في كتابه يعني ما دونه فيه من خلال السبر والاستقراء، وسار عليه، يعني تنظر طريقته في كتابه ويستنبط شرطه، ولم ينص عليه، وكون الإمام البخاري صاحب تحري واحتياط هذا لا يشك فيه أحد، وأنه أشد من مسلم في هذا الباب، ولا يعني أن مسلماً حينما لا يشترط اللقاء بل يكتفي بالمعاصرة أن الحديث ليس بصحيح لا أبداً، والمخرجون كأنهم جروا على هذا، يكتفون بذكر الأسانيد ينقلونها من مصادرها الأصلية، وينظرون في اتصالها، في تراجم الشيوخ والتلاميذ، فإذا أمكن اللقاء حملوه على الاتصال، ولم يعرف المعنعِن بالتدليس، جروا على هذا، والله المستعان، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 13

يقول: ما تروى. . . . . . . . . في الدنيا بإسناد صُرح فيه بالتحديث، وهو خرّج بهذا، بالذي نفاه، خرجها بالذي نفاه.

طالب:. . . . . . . . .

لا لا واضح، لا واضح استدراك ابن رشيد عليه، والشراح كلهم جروا على هذا، لكن على ما قال:

. . . . . . . . .

ومسلم لم يشرط اجتماعا

لكن تعاصراً. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

لكنه اكتفى بالتعاصر مع إمكان اللقاء "وقيل" وهذا قول ثالث "وقيل: يشترط

طول صحابة" أن يكون الراوي طويل الصحبة لمن روى عنه، وهذا أشد من شرط البخاري "وبعضهم شرط" هذا قول رابع "معرفة الراوي بالأخذ عنه" هذا قول رابع "معرفة الراوي بالأخذ عنه" يعني بالأخذ عمن روى عنه، يكون معروف بالرواية عنه، يعني كأنه يشترط ملازمته ومعرفة العلماء لهذا الراوي بأنه كثير الأخذ عمن روى عنه، وإلا فلا يحكم له بالاتصال "وقيل" وهو القول الخامس "كل ما أتانا منه" يعني من السند المعنعن "منقطع" ويذكر عن شعبة أنه قال: "كل سند ليس فيه حدثنا ولا أخبرنا فهو خل وبقل" يعني لا شيء حتى يصرح فيه بالتحديث.

. . . . . . . . .

وقيل: كل ما أتانا منه

منقطعٌ حتى يبين الوصلُ

وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ

الخلاصة: أن السند المعنعن فيه خمسة أقوال.

القول الأول: أنه متصل إذا سلم الراوي من التدليس المعنعِن، وعلم لقاؤه لمن روى عنه.

الثاني: وهو قول مسلم، إذا سلم من وصمة التدليس، وعاصر من روى عنه، وأمكن لقاؤه له.

الثالث: طول الصحابة، طول الصحبة لمن روى عنه.

الرابع: أن يعرف بالآخذ عنه.

والخامس: أنه منقطع حتى يصرح بالتحديث، أنه محمول على الانقطاع حتى يصرح الراوي المعنعِن بالتحدث أو السماع.

منقطعٌ حتى يبين الوصلُ

وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ

انتهى من السند المعنعن، وبدأ بما عطف عليه من السند المؤنن.

. . . . . . . . .

وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ

سووا. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

ص: 14

يعني بينهما، يعني حكم (أن) أن فلاناً قال، أن فلاناً فعل، حكمها حكم (عن) يحكم لها بالاتصال بالشرطين المذكورين، حكم (أن) حكم (عن) فيحكم لها بالاتصال بالشرطين المذكورين، وسبق في المعلق أن حكم (قال) حكم (عن) يعني يحكم لها بالشرطين المعروفين.

. . . . . . . . .

وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ

سووا. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

يعني بينهما سووا.

. . . . . . . . . وللقطع نحا (البرديجي)

حتى يبين الوصل في التخريجِ

يعني البرديجي يقول: إن السند المؤنأن أو المؤنن منقطع، هذا الأصل فيه.

. . . . . . . . .

حتى يبين الوصل في التخريجِ

يعني إذا خرجت الحديث وجمعت طرقه، إذا بان الوصل بطريق صرح فيه بالسماع أو التحديث تحمل على الاتصال، أما قبل ذلك فلا، وقال الذهبي عقب كلام البرديجي: إنه قوي، أن فلاناً فعل أو قال هذه محمولة على الانقطاع، حتى يصرح فيه بالسماع أو التحديث من خلال التخريج وجمع الطرق، فهو منقطع هذا ما قاله البرديجي، وقال الذهبي عقب كلامه: أنه قوي، ولعل البرديجي إنما حكم على السند المؤنن بهذا وقواه الذهبي لما سيأتي عن يعقوب بن شيبة، والإمام أحمد بن حنبل، قال ابن الصلاح: ومثله رأى ابن شيبة، ومثل رأي البرديجي رأي ابن شيبة، يقول الحافظ العراقي:

"كذا له -أي لابن الصلاح- ولم يصوب صوبه"

قال: ومثله رأى ابن شيبه

كذا له ولم يصوب صوبه

ص: 15

يعقوب بن شيبة في حديث لعمار أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسلم عليه ورد عليه السلام، مر عليه وسلم عليه ورد عليه السلام، الطريق الأول عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، قال يعقوب بن شيبة: هذا متصل، والطريق الثاني: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه السلام، قال: منقطع، يعقوب بن شيبة مع دقته وحذقه وسعة علمه في هذا الشأن رأى أن الفرق بينهما يعني على زعم ابن الصلاح حينما حكم بالاتصال والانقطاع رأى أن مرد ذلك الصيغة، فلما جاء الخبر بصيغة عن عمار قال: متصل، ولما جاء بصيغة أن عماراً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: منقطع، هذا ما فهمه ابن الصلاح من تفريق يعقوب بن شيبة بين الصيغتين، فحكم على (عن) بالاتصال، وحكم على (أن) بالانقطاع، قال:"ومثله" يعني قال ابن الصلاح: ومثله رأى ابن شيبة أن (أن) منقطعة، و (عن) محمولة على الاتصال؛ لأنه حكم على طريق بـ (عن) متصل وحكم على طريق بـ (أن) منقطع، فاستنبط ابن الصلاح من هذا اختلاف الحكمين لاختلاف الصيغتين، قال الحافظ العراقي:

"كذا له -يعني لابن الصلاح- ولم يصوب صوبه" يعني ما وجه الوجهة التي اتجهها يعقوب بن شيبة، ما اتجه إلى الجهة التي اتجه إليها يعقوب بن شيبة، يعني هجم على ذهنه هذا الفرق وأعماه عن غيره، لكن لو تأمله أدنى تأمل لبان –للاح- له الفرق، في السند الأول المعنعن محمد بن الحنفية يروي القصة عن صاحبها، يروي القصة التي حصلت لعمار مع النبي عليه الصلاة والسلام عن صاحبها، متصلة وإلا منقطعة؟ متصلة، في الطريق الثاني: محمد بن الحنفية يحكي قصة لم يشهدها، فهي متصلة وإلا منقطعة؟ منقطعة، والفرق ظاهر وإلا مو بظاهر؟ الفرق بينهما ظاهر وإلا ما .. ؟ ظاهر جداً، ولذا قال الحافظ العراقي رحمه الله:

. . . . . . . . .

كذا له ولم يصوب صوبه

ص: 16

أنا لو أذكر لكم قصة حصلت لي قبل ثلاثين سنة مثلاً مع شيخ من الشيوخ، وتناقلتم هذه القصة بعضكم قال: عن فلان اللي هو أنا أنه حصل له كذا، فأنتم تنقلون القصة عن صحابها، هذا فيه انقطاع؟ ما فيه انقطاع، لكن لو بعضكم قال: إن فلاناً حصل له كذا، وأنتم ما شاهدتم القصة، في أحد منكم شاهد القصة؟ ما في أحد، متصلة وإلا منقطعة؟ منقطعة، يعني الفرق ظاهر، فكيف يخفى مثل هذا على ابن الصلاح؟ لكن الضعف ملازم لابن آدم، أحياناً يهجم على قلبه شيء يعميه عن وجه الصواب، خلاص إذا هجم على القلب وغطاه صار ما يستطيع أن ينظر ببصيرة إلى ما هو بصدده، ولذا قال:

. . . . . . . . .

كذا له ولم يصوب صوبه

"قلت -يقول الحافظ العراقي-:

. . . . . . . . . الصواب أن من أدرك ما

رواه بالشرط الذي تقدما

يسلم من التدليس، ويكون قد لقي من روى عنه.

قلت: الصواب أن من أدرك ما

رواه بالشرط الذي تقدما

يحكم له بالوصل كيفما روى

. . . . . . . . .

بأي صيغة أدى إذا سلم من التدليس، ولقي من روى عنه.

قلت: الصواب أن من أدرك ما

رواه بالشرط الذي تقدما

يحكم له بالوصل كيفما روى

بـ (قال) أو (عن) أو بـ (أن) فسوا

كلها سوى، سواءً روى بـ (قال) وحكمها حكم (عن)، وسواءً روى بـ (عن) وهي موضوع الدرس، أو روى بـ (أن) وحكمها حكم (عن)، ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-:"وما حكى" يعني ابن الصلاح "عن أحمد بن حنبلِ"

وما حكى عن أحمد بن حنبلِ

وقول يعقوب على ذا نزلِ

ما حكى ابن الصلاح عن الإمام أحمد أنه فرق بين السند المعنعن والسند المؤنن مثل تفريق يعقوب بن شيبة سواء، مثل تفريق يعقوب بن شيبة، فروى عن عروة عن عائشة أنه حصل لها قصة مع النبي عليه الصلاة والسلام، وروى عن عروة أن عائشة حصل لها كذا، نفس الطريقة، نفس ما سبق في حديث محمد بن الحنفية عن عمار، فحكم على ما رواه بالعنعنة بأنه متصل، وما رواه بـ (أن) بأنه منقطع.

وما حكى عن أحمد بن حنبلِ

وقول يعقوب. . . . . . . . .

ص: 17

الذي تقدم، يعقوب بن شيبة "على ذا نزلِ" على هذه القاعدة التي ذكرتها، الحافظ العراقي يقول: نزل كلام الإمام أحمد وكلام يعقوب بن شيبة في التفريق بين الإسنادين حيث حكم على أحدهما بالاتصال والثاني بالانقطاع نزله على هذه القاعدة التي ذكرتها.

قلت: الصواب أن من أدرك ما

رواه بالشرط الذي تقدما

يحكم له بالوصل كيفما روى

بـ (قال) أو (عن) أو بـ (أن) فسوا

يعني إذا كان الشخص قد أدرك القصة يحكيها كيفما شاء، بأي صيغة شاء، إذا كان أدرك القصة، وأدرك صاحب القصة، فمثل هذا يحكيه بأي أداة تفيد المطلوب، أما من لم يدرك القصة فإن رواها عن صاحبها صاحب الشأن عن صاحبها ومقتضى روايتها عن صاحبها أن يرويها بـ (عن) فهي متصلة، وإن رواها أو ساقها من تلقاء نفسه وهو لم يشهدها فهي منقطعة.

وكثر استعمال (عن) في ذا الزمنْ

إجازة وهو بوصل ما قمن

"وكثر استعمال (عن) في ذا الزمنْ" يعني بعد الخمسمائة "إجازة" يعني في الإجازة "وهو بوصل ما قمن" الإجازة هي الإذن بالرواية على ما سيأتي تفصيل القول فيها في طرق التحمل، وصيغ الأداء لكل طريق من طرق التحمل، يأتي بسط هذا في موضعه -إن شاء الله تعالى-.

وكثر استعمال (عن) في ذا الزمن

. . . . . . . . .

ص: 18

يعني المتأخر من بعد الخمسمائة كثر اعتماد الناس على الإجازات، صار عمدة الرواية الإجازة، والحاجة داعية إليها؛ لكثرة الطلاب، وكثرة المصنفات، فلا شك أنه إذا جاء شخص ليقرأ على شيخ، يرد أن يقرأ عليه صحيح البخاري مثلاً، ومكنه من ذلك، ثم إذا تجاوز ربع الكتاب جاء ثاني وقال: أبي أقرأ عليك صحيح البخاري، ثم إذا تجاوز نصف الكتاب جاء ثالث قال: أريد أن أقرأ عليك صحيح البخاري، لا يأتي مجموعة يبدؤون من أول الكتاب إلى آخره، ثم بعد ذلك مسلم، ثم بعد ذلك بقية الكتب، وهذه تحتاج إلى أعمار متطاولة، فلما احتاج الناس دونت الأحاديث وضبطت وأتقنت، واحتاج الناس إلى روايتها عن المسندِين، فلما صعُب أن يجلس لكل طالب يقرأ عليه جميع هذه الكتب احتاج الناس إلى الإجازات، فصاروا يروون عن المسندين بالإجازة، بالإذن الإجمالي لا الإذن التفصيلي، وسيأتي ما في الإجازة من خلاف، وما في الرواية بها من ضعف، لكن الحاجة اشتدت إليها، يعني كل الناس احتاجوا إلى هذا الرجل الذي تفرد بعلو الإسناد، وسمع به أهل الشرق والغرب، وصاروا يتزاحمون عليه ليقرؤون، لا يستطيع أن يُقرئ الناس كلهم، فاحتاج الناس إلى الإجازة، فيأذن بالرواية عنه ولو لم يقرؤوا عنه، هذه الإجازة الإذن الإجمالي بالرواية صاروا يتجوزن في صيغ الأداء فيها، فبعضهم -أهل الورع منهم- يقول: أنبأنا إجازة، أو أخبرنا إجازة، أو أجازني، أو أجاز لي، وبعضهم يتعدى هذا فيرويها بـ (عن) عن فلان، وبعضهم يرويها بـ (قال) قال فلان، وبعضهم يشتد تدليسه في الصيغة فيقول: شافهني فلان، وقد يقول: حدثني، ومعلوم أن التحديث إنما هو فيما يسمع من لفظ الشيخ مثل السماع، ويريد بذلك أنه حدثه بالإجازة، يعني حدثه أذن له بالرواية تحديثاً، قال له: ارو عني، فهو سمع منه هذا الإذن الإجمالي، وهذا تدليس؛ لأنه يوقع في لبس، كأن الذي يتبادر إلى ذهن السامع أن هذا الراوي روى عن هذا الشيخ بطريق السماع من لفظه، وهو في الحقيقة إنما سمع منه لفظ الإجازة الإذن الإجمالي، كأنه سمع الكتاب الذي يحتاج إلي وقت طويل أو الكتب التي أجازه بها مما يحتاج إلى سنين قراءة أو سماع من لفظ الشيخ، سمع منه، أذنت لك أن تروي عني الكتب الستة

ص: 19

مثلاً، أذنت لك، هو سمعه يأذن له، وقد يقول: كتب لي فلان، ويذكر حديث من الأحاديث ويُظن أنه يرويه عنه بطريق المكاتبة، وهو إنما كتب له الإذن الإجمالي، يكتب الطالب الاستدعاء للشيخ ويقول: أرجو أن تجيزني بكذا وكذا، أو بالكتب الستة، أو بمروياتك، ثم يكتب له: أذنت لك وأجزت لك أن تروي عني جميع مروياتي، ثم في كل حديث يقول: كتب لي، الكتابة طريق من طرق التحمل المعتمد، يروي بها الأئمة من عهد الصحابة إلى شيوخ الأئمة، فالمكاتبة بين الصحابة موجودة، حديث في الصحيحين بطريق المكاتبة، والكتابة من الصحابي إلى التابعي كذلك موجودة، ومن تابع التابعي إلى من بعده موجودة، إلى أن يقول البخاري مثلاً: كتب إليّ محمد بن بشار هذه متصلة، بينما الإجازة ضعيفة، أنكرها جمع من أهل العلم، وبعضهم جعلها من صنوف الكذب، وقال: إن من قال لغيره: أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمعه مني فكأنه قال: أجزت لك أن تكذب عليّ، فبعضهم يدلس يقول: كتب لي، ويُظن أن كتب له بهذا الحديث بعينه، وهو إنما كتب له الإذن الإجمالي بالرواية سطر واحد، أجزت لك أن تروي عني جميع مروياتي، سطر واحد، ففي آخر الزمن صاروا يستصعبون أن يقولوا: أجازني فلان أو أخبرني إجازة، أو فيما أجازني به يصرح بطريق التحمل، والتدليس عند كثير من الناس له نشوة،

يعني وإن كان على ما سيأتي -قريباً إن شاء الله- بحثه، والدوافع الحاملة عليه، ومتى يذم؟ نعم يأتي لكنه له نشوة في نفوس الناس أن يدلس، يعني بعض الناس ما يمتنع عنده أن يقول: حدثني فلان بقرطبة، أو بالحمراء، أو بكذا، حتى يظن الظان أنه سافر، وجاب الأقطار، أو بالقدس، أو بكذا، وهو يريد الأحياء الموجودة في بلده، وهذا تدليس بلدان، وموجود حدث به، فإذ قال:"عن" يعني أدنى من التدليس الذي يُسقط فيه راوٍ ضعيف، أو يظن فيه أنه رحل إلى الأقطار، يستعمل "عن"، وهذه تحتمل أن تكون الرواية بالسماع، أو بالقراءة بالعرض، أو بالمناولة، أو بالإجازة، وبغيرها من طرق التحمل، هي لفظ محتمل على ما سيأتي في التدليس، أن التدليس لا يكون تدليساً إلا إذا كانت الصيغة محتملة:

وكثر استعمال عن في ذا الزمن

إجازة. . . . . . . . .

ص: 20

يعني فيما يروى بالإجازة "وهو بوصل ما قمن" يعني فيها شوب اتصال "قمَن" بفتح الميم، وقد .. ، بفتحها، وكسرها "قمِن" لكن هنا لتتم المقابلة بين الشطرين "زمَن" و"قمَن" يترجح الفتح، قمن يعني جدير، وحري، جدير، وحري أن يكون موصولاً، وإن كان مروياً بالإجازة؛ لأنها محمولة على الاتصال عندما احتيج إليها، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ولو نقل الإجماع، وغيره نقل الإجماع –أيضاً-، الإجماع على القدر المشترك، الإجماع على القدر المشترك، وهو صحة السند المعنعن، ولو لم يثبت اللقاء، الإجماع على القدر المشترك، عند أهل العلم مسألة، يقولون: الأخذ بالأقل؛ هل هو إجماع، وإلا لا؟ أنت معي القدر المشترك أن هذا إجماع، يعني فيما فوقه من باب أولى يدخل فيه، إذا قلت مثلاً، أو شهدت بأن لزيد على عمرو ألف ريال، وجاء شخص واحد، وشهد بأن لزيد على عمرو سبع مائة ريال، وجاء ثالث، وشهد بأن لزيد على عمرو ألف وخمسمائة ريال، السبع مائة كلهم تشهدون بأن في ذمته سبع مائة، هذا إجماع على السبع مائة، لكن ما زاد عنها محل خلاف، وهل شرط البخاري لصحة الخبر عموماً، أو في صحيحه فقط؟ نعم؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، يعني هل إذا صح حديثاً في تاريخه، أو في الأدب المفرد، أو في غيره، أو سأل عن أحاديث خارج الصحيح أن هذا الشرط منطبق عليه؟ أو أنه مشى عليه في صحيح لشدة تحريه، وانتقائه في هذا الكتاب فقط؟ محل .. ، كلام طويل لأهل العلم، المقصود أن العلماء كلهم جروا من بعد الأئمة على تصحيح مجرد ثبوت المعاصرة، وإمكان اللقاء، وعملهم جار على هذا، ولا يمنع أن يكون مسلماً رأى أن هذا مجرد احتياط لا اشتراط، من البخاري مجرد احتياط، وليس باشتراط، مثل ما ذكرنا عن عمر رضي الله عنه، السند المعنعن عند البخاري محمول على الاتصال، محمول على الاتصال بشرطه أن يثبت اللقاء، كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

يحمل على الاتصال، كلهم محمول على الإتصال، السند المعنعن محمول، وكلٌ في شرطه الثاني التفصيل، أما كونه اتصالاً، اتصالاً.

يقول: ما دليل من - .. إيش؟ الخط ردي .. _ إلى البخاري، فقد ورد في صحيحه أحاديث على غير شرطه، كما ذكر مسلم أحاديث في صحيحة على غير شرطه؟

ص: 21

يا الإخوان مسألة الشرط عند أهل العلم تعني أن واقع الكتاب هكذا، واقع الكتاب هذا هو، مثل ما نظرنا في تفصيل شروط الأئمة عند الحازمي، واقع الكتاب هكذا، أما كونه الشرط العرفي الاصطلاحي عند أهل العلم: وهو يلزم وجود من عدمه العدم، فلا يريدون هذا، بمعنى أننا لو وجدنا شرط البخاري موجوداً في سنن النسائي مثلاً؛ هل معنى هذا أن النسائي خرج عن شرطه، أو موجوداً في سنن أبي داوود، وهو موجود، لكن النظر إلى الحد الأدنى، النظر في ذلك إلى الحد الأدنى، قد ينزل الإنسان عن شرطه، قد ينزل عن شرطه؛ لماذا؟ وقد نزلوا، كل الأئمة نزلوا عن شروطهم على سبيل الانتقاء من مرويات هذا الراوي، فقد يكون هذا الراوي لم يتحقق فيه شرطه الأصلي، لكنه نزل، وانتقى من أحاديثه ما ووفق عليها، وغلب على الظن أنه ضبط، وأتقن، ووافقه الحفاظ عليها.

كيف نرد على الإجماع الذي نقله كل من الإمام مسلم، والحاكم، وابن عبد البر، والبيهقي؟

على إيش؟ الإجماع الذي:

وبعضهم حكى بذا إجماعا

. . . . . . . . .

اللي في البيت الثاني؟ نقل الإجماع الحاكم، وابن عبد البر، وأيضاً- الخطيب، نقلوا الإجماع على صحة السند المعنعن بالشرطين: سلم من التدليس، واللقاء، قالوا: هذا متصل إجماعاً، متصل إجماعاً، بالشرطين الذين تقدما، على قوله:

وبعضهم حكى بذا إجماعا

. . . . . . . . .

هؤلاء حكوا الإجماع، الثلاثة حكوا الإجماع، الخطيب، وابن عبد البر، والحاكم، حكوا الإجماع على أنه إذا كان السند المعنعن سلم راويه من التدليس، وعلم لقاؤه لمن روى عنه، أن هذا إجماع، مثل ما قلنا في الأخذ بالأقل، مثل ما قلنا في الأخذ بالأقل، وهنا الأخذ بالأشد، يعني هل مسلم ينازع فيما إذا ثبت اللقاء؟ لا ينازع، إذاً هو مع الأئمة، لكن الإشكال في من شرط طول الصحبة، ما يدخل في هذا الإجماع، وفي من شرط معرفة الراوي بالأخذ عنه، لا يدخل في هذا الإجماع، يعني من أراد أن ينازع في الإجماع؛ ينازع بهذين القولين، لا فيما نسب إلى الإمام البخاري.

يقول: لم ينسب هذان الشرطان، أو هاذين الشرطين –قال- إلا في القرن الخامس من قبل القاضي عياض، ولم ينسب له من قبل ..

ص: 22

الإمام البخاري ما نص عليه، ما نص عليه، وشروط الأئمة متى كتبت؟ يعني كتبت في وقتهم، أو بعدهم بقرون بسبب الاستقراء، وهناك إشارات في تاريخ الإمام البخاري الكبير في تعليله لبعض الأحاديث بهذه الطريقة، بعدم ثبوت اللقاء، أما كون البخاري نص، أو لا بد أن ينص شخص لقي البخاري، وينقل عنه ما يلزم؛ لأن مسألة الشروط شروط الأئمة ما فهيم من صرح بشرطه، كلها مسألة استقراء، قد يلوح لأحدكم مثلاً؛ ينظر بدقة في هذين الكتابين، ويلوح له شرط يستنبطه من الكتاب ما ظهر لغيره، ويش المانع؟ في ما يمنع؟ ما في ما يمنع؛ لأن المسألة مسألة كتاب وجد، تلقته الأمة بالقبول، صار شرطه هذا، أو ما صار، شيء آخر، أما كونه ما صرح به البخاري، أو ما نقل عنه بالسند المتصل، أو ما نقله عن تلاميذه، أو تأخر استنباطه، أنا أقول في هذا العصر احتمال لو أن إنساناً بارعاً، وتفرغ للصحيحين أن يخرج منهما العجائب مما لم يطلع عليه القاضي عياض، ولا من قبل القاضي عياض، ما في ما يمنع؛ لأن هذه أمور استقرائية، أمور استقرائية تثبت بالتتبع، ما هي بالسند؛ لأننا نتفق أن الأئمة ما نصوا على شروطهم، إلا ما جاء في مقدمة مسلم، وما جاء في رسالة أبي داوود إلى أهل مكة، وما جاء في علل الجامع للترمذي، وما عدا ذلك ما في شروط، وإنما شروطهم تستنبط من كتبهم، ولذلك ما زالت محل نزاع، لكن هل هذا النزاع مؤثر على واقع الكتابين؟ لا أثر له على واقع الكتابين، مسألة عمل الناس، وتصحيحهم، وتضعيفهم، كون بعضهم يحتاط ولا يثبت إلا من ثبت له لقاؤه هذه مسألة، وكونه يجري على ما ذهب إليه مسلم، وقد عمل به الأئمة، هذه مسألة أخرى، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 23

مثل ما ذكرت، بعضهم ذكر أن هذا شرطه للتصحيح جملة، ولا يصحح حديث إلا إذا ثبت له هذا، وتعليله بعض الأحاديث في تاريخه الكبير يدل عليه، والحافظ ابن كثير يرى أن هذا شرط له في صحيحه فقط، لا للصحة، لا لأصل الصحة، يعني حينما يزعم مثلاً البيهقي، أو ابن العربي، أو الكرماني الشارح مثلاً، أن شرط البخاري في صحيحه ألا يخرج إلا ما رواه عدد عن عدد، ما رواه اثنان عن اثنين إلى آخره، ولا يخرج حديث واحد عن واحد، ويش مستندهم في هذا؟ هل نقول هذا استقراء؟ وأول حديث، وآخر حديث يرد هذه الدعوة، لكن هم رأوا من تشديد الإمام البخاري، من تشديد الإمام البخاري في قبول المرويات، وأنه لا يثبت حديثاً إلا بعد أن يصلي، وبعد أن يتحرى، وتثبت مع ما عنده من حفظ، ودقة نظر، قالوا شأنه فوق شأن الناس الذين يكتفون بالواحد، هذا مجرد ميل، واسترواح، وإلا فواقع الحديث يرد ذلك، ولو جاءنا من يقول: إن البخاري لا يخرج إلا حديث الثلاثة، ويستدل بجملة أحاديث من صحيحه؛ يرد عليه، اقرأ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:

تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف

واحكم لوصل ثقة في الأظهر

وقيل: بل إرساله للأكثر

ونسب الأول للنظار

أن صححوه وقضى البخاري

بوصل: ((لا نكاح إلا بولي))

مع كون من أرسله كالجبل

وقيل: الأكثر وقيل: الاحفظ

ثم فما إرسال عدل يحفظ

يقدح في أهلية الواصل أو

مسنده على الأصح ورأوا

أن الأصح الحكم للرفع ولو

من واحد في ذا وذا كما حكوا

يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في باب "تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف" سبق الكلام فيما يعتضد به المرسل، وهو أنه إن روي المرسل مسنداً إذا روي له شاهد مسند، أو مرسل آخر يرويه غير رجال المرسل الأول، فإنه يتقوى، وهذا إذا كانا حديثين، إذا كانا حديثين يتقوى أحدهما بالآخر، لكن إذا كان حديثاً واحداً يروى مرة مرسل، ومرة مسند؛ يتقوى، أو لا يتقوى؟ يتقوى إذا كانا حديثين، واحد مرسل، وواحد مسند، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 24

حديث وحديث ثاني، لكن لو حديث واحد مرة يروى مرسل، ومرة يروى مسند، الذي تقدم فيما يعتضد به المرسل إذا وجد حديث آخر مسند، فهذا يتقوى به بلا إشكال، لكن إذا وجد حديث واحد يختلف رواته في وصله، وإرساله، أو في رفعه، أو وقفه، هذا محل الخلاف الذي معنا، يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

واحكم لوصل ثقة في الأظهر

. . . . . . . . .

يعني إذا روي حديث مرسلاً، وروي موصولاً، تعارض فيه الوصل والإرسال؛ القول الأول أنه يحكم بوصله، إذا كان راويه الذي وصله ثقة، واحكم لوصل ثقة في الأظهر، وهذا الذي صححه الخطيب، وعزاه النووي للمحققين من أصحاب الحديث أنه يحكم بالوصل؛ لماذا؟ لأن من وصل معه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، يعني إذا قال في الخبر: فلان عن فلان عن فلان عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا، وصله، وروي من طريق آخر ما فيه ذكر لأنس، فالقول الأول ذكر أنس هو الراجح؛ لأنه زيادة على من لم يصل، والزيادة من الثقة مقبولة، وهذا الذي قال فيه الإمام في القول الأول:

واحكم لوصل ثقة في الأظهر

وقيل: بل إرساله للأكثر

يعني يحكم بإرساله، يحكم لإرساله، وقيل: بل احكم لإرساله للأكثر، يعني احكم للطريق الثاني الذي لم يذكر فيه أنس، وهذا عزاه الخطيب للأكثر، كما نقله الناظم -رحمه الله تعالى-؛ لماذا؟ قالوا: إن عندنا طريقين، طريق ذكر فيه أنس، وطريق لم يذكر فيه أنس، يعني في مثالنا الذي ذكرناه، فذكر أنس متفق عليه، أو مشكوك فيه؟ مشكوك فيه، فنقتصر على ما اتفق عليه من الرواة، ونترك المشكوك فيه، المشكوك فيه لا يذكر؛ لأن ثبوت أنس في السند أمر مشكوك فيه، بينما على القول الأول ثبوت أنس زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ويصرحون بذلك، كما سيأتي في زيادات الثقات، وأما على القول الثاني فأنس مشكوك في ذكره، في ثبوته، فيطرح المشكوك فيه، ويبقى الحكم للإرسال، وهذا هو القول الثاني.

ونسب الأول للنظار

. . . . . . . . .

ص: 25

"ونسب الأول" نسب ابن الصلاح القول الأول للنظار من الفقهاء، والأصوليين أن صححوه، واختاروه، واختاره من أئمة الحديث المتأخرين أبو الحسن ابن القطان، واختاره –أيضاً- ابن سيد الناس، وهو مرجح عند المتأخرين، أنه يحكم بالوصل؛ لأنها زيادة من ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، وسيأتي أن قول المتأخرين في قبول زيادات الثقات مضطرد، وسيأتي ترجيح أنه لا قول مضطرد في الزيادات على ما سيأتي، بل يحكم بالراجح، يحكم للراجح بأنه هو المحفوظ، ويحكم لما عداه بأنه شاذ، والحكم في مثل هذه المسائل للقرائن المرجحة.

ونسب الأول للنظار

أن صححوه وقضى البخاري

قضى الإمام البخاري لوصل: ((لا نكاح إلا بولي))، الأمام البخاري قضى لوصل، وحكم بأن حديث:((لا نكاح إلا بولي))، متصل:

. . . . . . . . .

مع كون من أرسله كالجبل

شعبة وسفيان، شعبة وسفيان، هؤلاء أرسلوا الحديث كما في جامع الترمذي، ووصله جمع من الرواة، جمع من الرواة، فكأن البخاري جعل الكثرة في مقابل الحفظ عند شعبة وسفيان، والإمام الترمذي ذكر العلة في ترجيح غير شعبة وسفيان على شعبة وسفيان حينما خرج الحديث، فشعبة وسفيان رأيهما واحد، في مجلس واحد، فكأنه قول واحد، وهذه علل لا يدركها إلا مثل الترمذي، يعني علل دقيقة جداً، ينسب القول لشعبة وسيفان، وهما تلقياه عن شيخ واحد، في مجلس واحد، فكأنه قول واحد، ما هو بقول اثنين، لكن لو تعدد المجلس؛ صارا قولين، فهل يلاحظ من يصحح، ويرجح، ويحقق مثل هذه الدقائق، يعني الذين يخرجون الأحاديث يلاحظون مثل هذه الدقائق الموجودة عند الأئمة الكبار، يقول:"وقضى البخاري بوصل" حديث:

. . . . . . . . . ((لا نكاح إلا بولي))

مع كون من أرسله كالجبل

ص: 26

وهل نستطيع أن نقول: إن الإمام البخاري يقول بالقول الأول، أنه يحكم لوصل الثقة؛ لأنه حكم بوصل:((لا نكاح إلا بولي))، لو بحثنا وجدنا أن الإمام البخاري رجح الإرسال في مواطن كثيرة، ورجح –أحياناً- الوصل كما هنا، فلا يعني أن الإمام البخاري حينما حكم على حديث واحد، أو أحاديث بالوصل، أو بالإرسال أننا نقول: هذا رأي البخاري، ولا غير البخاري، الأئمة الكبار ليست لهم قاعدة مضطردة في هذا، بل ينظرون إلى كل حديث على حدة، فما ترجحه المرجحات، والقرائن يحكمون به، كثير ما يحكم أبو حاتم بالإرسال، والإمام البخاري بالوصل، أو العكس، وقل مثل هذا في ابن معين، وقل مثل هذا في الدارقطني، وغيرهم من الأئمة، يحكمون على الحديث بما يليق به بما ترجحه القرائن التي ترجح أحد الطرفين، إما الوصل، وإما الإرسال، هذان قولان متقابلان، القول الأول: ترجيح الوصل، والثاني: ترجيح الإرسال "وقيل" وهذا القول الثالث:

وقيل: الأكثر وقيل: الاحفظ

. . . . . . . . .

ص: 27

"وقيل الأكثر" يعني يرجح قول الأكثر، كما في حديث:((لا نكاح إلا بولي))، الأكثر على وصله، وممن أرسله شعبة وسفيان، فرجح قول الأكثر، وهل نستطيع أن نقول: إن البخاري رجح قول الأكثر؟ لا، لا نستطيع أن نقول: الإمام البخاري رجح قول الأكثر لمجرد الكثرة؛ لأنه يقابله القول الرابع: "وقيل الأحفظ" فلا شك أن الكثرة سواء كانت في الأشخاص، أو في الأوصاف لها دور في الترجيح، لكن أحياناً راو واحد من الرواة يعدل عشرة من الرواة، فإن نظرنا إلى وصفه رجحناه، وإذا نظرنا إلى العدد، والعدد كما يقول الإمام الشافعي: أولى بالحفظ من الواحد، ولذا يختلف أهل العلم، تتباين أنظارهم في هذا، فقد يرجح إمام للكثرة، ويرجح بعضهم للحفظ "وقيل: الأكثر" وهذا نقله الحاكم في المدخل عن أئمة الحديث؛ لأن تطرق السهو والخطأ إلى الأكثر أبعد، والإمام الشافعي رحمه الله يقول: العدد أولى بالحفظ من الواحد، العدد أولى بالحفظ من الواحد، يعني والسهو والغفلة يتطرق إلى الواحد أكثر من المجموع "وقيل الأحفظ" وثمة قول خامس ذكره السبكي، وهو تساويهما، تساوي الوصل والإرسال، والمسألة ومحل الخلاف فيما لم يظهر فيه ترجيح، بغير كثرة، وحفظ، وإتقان، يعني الوصل يرويه أكثر، والإرسال يرويه أحفظ، أو العكس، ولم نجد مرجحاً؛ نقول متساويان؛ لأن كثرة الأوصاف تساوي كثرة الأشخاص، والعبرة بالحفظ، والضبط، والإتقان، وإذا تضافر حفظ أكثر من شخص في مقابل شخص يفوق كل واحد منهم على انفراده؛ لا شك أن هذا يحتاج إلى مرجح، يحتاج إلى مرجح، والحق في هذه المسألة: مسالة التعارض على ما ظهر من استقراء صنيع الأئمة، صنيع الأئمة المتقدمين، كأحمد، والبخاري، وابن مهدي، والقطان أنهم لا يحكمون بحكم عام مضطرد، لا يحكمون بحكم عام مضطرد، حكم كلي، بل ذلك دائر مع القرائن، فالذي ترجحه القرائن يرجح، ومثل هذا الترجيح، ومثل هذا، إنما يخاطب به من تأهل، أما الطالب في بداية الطلب، وقد أوصيناه بأن يكثر من التخريج، والنظر في الأسانيد، ويحكم على الأحاديث، ويقارن أحكامه بأحكام الأئمة، ويعرض عمله على أصحاب الشأن، فإنه لابد بأن يتخذ قاعدةً مضطردةً، وإلا كيف يدرك، وهو ما يعرف القرائن، ولا يعرف مرجحات،

ص: 28

لكن هذه القرائن، وهذه المرجحات ملكة تتولد عنده بعد الإكثار، وبعد المران، وبعد الدربة، أما في أول الأمر لا يستطيع أن يرجح بالقرائن، وتوجيه الطالب المبتدأ، ومن في حكم المبتدأ إلى أن يحاكي المتقدمين، ويرجح بالقرائن، ولا يحكم بحكم عام مضطرد؛ هذا تضييع له، هذا تضييع، وتوليد للجراءة على العلماء، وعلى السنة –أيضاً-، ففي أول الأمر الطالب يخرج، ويستخرج الأحاديث بطرقها، من مصادرها الأصلية، بأسانيدها، بألفاظها، ثم ينظر في الأسانيد من خلال كتب الرجال من حيث الاتصال والانقطاع، ومن حيث القوة والضعف، ثم بعد ذلك يرجح على ضوء قواعد مضطردة عند أهل العلم المتأخرين التي قرروها في كتبهم، ثم بعد ذلك إذا تهيأ له، وتيسر أن يحكم على عشرات الأحاديث، ثم مئات الأحاديث بهذه الطريقة تتولد له الملكة، لا سميا إذا اعتنى بأحكام الأئمة، وعرض عمله على أهل الاختصاص، ثم إذا مشينا على القول الرابع، ورجحنا الأحفظ، إذا مشينا على القول الأخير "وقيل: الأحفظ ثم" بعد ذلك "فما إرسال عدل يحفظ" هذا الأحفظ الذي رجحنا روايته، سواء كانت متصلة، أو مرسلة، إذا رجحناه بالمقابل المرجوح؛ هل نقدح فيه، وفي مرويه؛ لأننا رجحنا غيره عليه؟ الآن وجدنا أحفظ، ورجحنا روايته على رواية غيره، الغير هذا الذي رجح الأحفظ عليه، المرجوح، هل هذا قادح فيه، وفي مرويه؟ لأننا رجحنا عليه، يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

. . . . . . . . .

ثم فما إرسال عدل يحفظ

يقدح في أهلية الواصل ....

. . . . . . . . .

يعني في ضبطه، اللهم إلا إذا كثرت هذه المخالفة، إذا كثرت هذه المخالفة، يعني رجحنا مرة عليه؛ ما نقدح فيه، رجحنا مرتين؛ ما نقدح فيه، لكن إذا كان ديدنه مخالفة الثقات، كلما قارنا أحاديثه بأحاديث الثقات؛ رجحنا الثقات عليه، معناه أنه مرجوح، لا يحفظ، وعلى هذا يقدح في روايته؛ لأنه يخالف الثقات، ولا يوافقهم:

يقدح في أهلية الواصل أو

. . . . . . . . .

ص: 29

و"أو" هذه بمعنى الواو "أو" في "مسنده"، "أو" في "مسنده على الأصح" أو في مسنده على الأصح، فإن قيل: كيف نرد حديثه، ولا نقدح فيه؟ كيف نرد حديثه، ولا نقدح فيه؟ الجواب: أن الرد إنما هو ميل، واسترواح لا على سبيل القطع، لا على سبيل القطع، وإنما هو مجرد احتياط، يعني بان لنا، وظهر لنا من خلال قرائن، قد يوجد قرائن عند غيرنا؛ ترجح القول الآخر، نعم إنما هو لاحتياط، وعدم القدح فيه؛ لإمكان إصابته، بل قد يوجد ما يرجحه على ما رجحنا "على الأصح ورأوا" أي أهل الحديث "أن الأصح" كما قال ابن الصلاح "أن الأصح الحكم للرفع" لأن راويه مثبت، هذه المسألة الثانية، انتهينا من مسألة تعارض الوصل والإرسال، يعني طريق ذكر في الصحابي، وطريق ما ذكر فيه الصحابي، وذكرنا فيها الأقوال الخمسة، وعرفنا أنه لا يمكن أن يحكم بحكم عام مضطرد؛ لأن أحكام الأئمة لا تؤيد الاضطراد، الذين عليهم المعول، وهم أصحاب الشأن، مسألة تعارض الوقف مع الرفع، يقول:"ورأوا" أهل الحديث أن الأصح كما قال ابن الصلاح: "الحكم للرفع " يعني روي من طريق، ورد من طريق فيه: فلان عن فلان عن فلان عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وري من طريق آخر: فلان عن فلان عن أنس قال، ما رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، يقول:"رأوا" يعني أهل الحديث "أن الأصح الحكم للرفع" لماذا؟ لأن راويه مثبت، وغيره ساكت، يعني الذي روى الخبر بذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وصرح برفعه إليه، مثبت للرفع، والذي رواه من دون ذكر للنبي عليه الصلاة والسلام هل هو نافٍ للرفع، أو غير نافٍ، أو ساكت؟ ساكت، لو افترضنا أنه نافٍ، لو رواه عن أنس من قوله، وقال: لم يثبت مرفوعاً، والأول أثبت الرفع، قلنا: المثبت مقدم على النافي، فكيف يكون في حالة ما إذا كان الثاني ساكت؟ هاهم "رأوا أن الأصح الحكم للرفع" لأن راويه مثبت، وغيره ساكت "ولو" كان الاختلاف "من واحد" ولو كان الاختلاف من واحد، يعني مرة رواه مرفوعاً، ومرة رواه موقوفاً، ولو كان الاختلاف "من واحد في ذا" في الرفع "وذا" الوصل الذي تقدم، الذي تقدم، المسألة الأولى "كما حكوا" أي الجمهور، وصرح به ابن الصلاح، صرح ابن الصلاح بتصحيحه، وحمل

ص: 30

الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- المرفوع على أنه رواية الراوي، والموقوف على أنه رأيه، واستنباطه، واجتهاده، فلا تعارض بينهما، هذا ما حمل عليه الشافعي مثل هذا الاختلاف، مسألة تعارض الإرسال مع الوصل، ومسألة الرفع والوقف، حينما ذكر في المسألة الأولى أربعة أقوال، ولم يسق الأقوال في المسألة الثانية، ألا يمكن أن يقول في تعارض الوقف مع الرفع من الخلاف، ويجرى فيه من الخلاف ما جرى في المسألة الأولى؟ يعني ما هي بنظير المسألة الأولى؟ نعم؟

طالب: تختلف.

كيف تختلف؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه.

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟ هو حديث، هذا حديث واحد؟

طالب: هذا يزيد، وذاك ينقص.

والوصل والإرسال؟ والرفع والوقف؟ لا يذكره.

طالب: لا، الذي يرفع يزيد على الوقف، يزيد على نفس الصحابي.

والذي يصل يزيد على من أرسل.

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا لو دققت النظر ما وجدت فرقاً، المسألة في إثبات النبي عليه الصلاة والسلام، وعدم إثباته في الوقف والرفع، المسالة الثانية في إثبات الصحابي، وعدم إثباته، ويش الفرق بينهما؟ يعني لو أجري الخلاف في الأربعة الأقوال في المسألتين؛ ما يظهر فيه فرق بين المسألتين، لا يظهر فرق في المسألتين؛ لأنه في المسالة الأولى الخلاف في ذكر الصحابي، وعدمه، المسألة الثانية الخلاف في ذكر النبي عليه الصلاة والسلام، وعدمه، فما قيل في الأقوال السابقة ترد هنا، لمن قال: يحكم لوصل الثقة، يحكم لرفع من رفع؛ لأنها زيادة الثقة، مثل نضير ذلك، ومن قال: بل الإرسال للأكثر؛ لأن الزائد مشكوك فيه ذكر الصحابي، قال: لأن رفعه مشكوك فيه، وترجيح الأكثر، وترجيح الأحفظ وارد في الموضعين، ولذا يقول:

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . رأوا

أن الأصح الحكم للرفع ولو

من واحد في ذا وذا. . . . . . . . .

ص: 31

في الرفع، وفي الوصل، يعني في المسألتين "في ذا، وذا كما حكوا" أي الجمهور، وصرح به ابن الصلاح، ومحل الخلاف فيما إذا اتحد السند، على ما ذكرناه سابقاً، فيما إذا اتحد السند، أما إذا اختلف؛ فلا يقدح، فلا يقدح أحدهما في الآخر، إذا كان ثقةً جزماً، إذا كان ثقةً جزماً، وهو الذي يعتضد به المرسل الذي تقدم الكلام فيه، في المسألة الأخيرة حكى الخطيب عن أكثر أهل الحديث أن الحكم لمن وقف، هو ما يقول: إن الأصح الحكم للرفع؟ الخطيب البغدادي حكى عن أكثر أهل الحديث: إن الحكم لمن وقف، كما حكى، وعزا لأكثر أهل الحديث أن الحكم لمن أرسل، فاجتمع القولان على صفة واحدة، ونقلهما واحد في المسألتين، في مسألة الرفع والوقف ألا يمكن أن يحكم للأكثر؟ يعني إذا اتحدت الصفات، ثقة يعارضه أكثر من ثقة كلهم بمنزلة واحدة؛ نرجح الأكثر، وإلا لا؟ نرجح الأكثر، مجموعة من الرواة يعارضهم ثقة يعادلهم ويزيد عليهم في الحفظ، والضبط، والإتقان، ألا يمكن أن نرجحه؟ ممكن، إذاً الأقوال المتأتية في تعارض الوصل، والإرسال يمكن أن تأتي في تعارض الوقف مع الرفع.

هذا يقول: نتمنى أن يكون في الدورات المقبلة أن يكثف في شرح الألفية، فيكون درسان في اليوم مثلاً، وتقليل المشاركات مهم؛ لأنه فيه تأخيراً في إنهاء المقرر؟

على كل حال الدورات المقبلة -إن شاء الله تعالى- موضوعاتها التي تبحث في الألفية ما هي بمثل هذه الموضوعات التي في غاية الأهمية، وعليها معول العمل في هذا الفن، وأيضا مسالة تقليل المشاركات: لا بد منها، تقلل، لكن يبقى أصلها؛ لأنها مهمة، أحياناً تكشف لنا أموراً لابد منها.

واحد يستشكل تخريج الإمام مسلم لأبي الزبير عن جابر، يقول: ما دام يشترط انتفاء التدليس؛ فكيف يخرج بالعنعنة رواية أبي الزبير عن جابر، وهو مدلس؟

يستشكل هذا، وهو موضع إشكال، وقد بعض أهل العلم في رواية أبي الزبير عن جابر، ولو كانت في صحيح مسلم لكن الصواب على ما قرره أهل العلم أن معنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال، محمولة على الاتصال، وكثير منها جاء في كتب أخرى بالتحديث بالتصريح، لا سميا المتسخرجات التي سبق الحديث عنها.

ص: 32

بعض الإخوان يكثر السؤال عن كتاب الإجماع على أن .. إيش؟ نعم إجماع المحدثين على إيش؟ معك هو؟ وريني إياه، نعم يقول: إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرَين؟

أعتقد أنني ما قرأت هذا الكتاب، لكن يبقى أن كل له رأيه، والأئمة كلهم تتابعوا على نقل رأي البخاري، وعلي بن المديني، كلهم تتابعوا على نقله، وهو معروف بشدة تحريه، واحتياطه، ولو لم نقل بذلك؛ لقلنا: إنه لا يوجد ما يميز البخاري عن غيره، لا يوجد ما يميز البخاري عن غيره، وأجبنا عن مسألة تشديد الإمام مسلم في الرد على من قال بهذا القول بجواب أظنه مقنع، فإن الإمام مسلم لا يرد على الإمام البخاري، وإنما يرد عل من يستغل هذا القول، وهذا الاحتياط في رد السنن، كما استغل المعتزلة احتياط عمر -رضي الله تعالى- عنه في رد السنة.

اللهم صلى، وسلم على عبدك ورسولك.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قلتم: إن الشيخ الألباني عنده شيء من التساهل، وممكن توضيح .. هذا من ألمانيا؟

الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- كغيره من أهل العلم، كغيره من أهل العلم يؤخذ من قوله، وهو الغالب الكثير في أحكامه سواء كان على الرواة، أو على الأحاديث، وهو إمام من أئمة هذا الشأن، وأما كونه قد يصحح بمجموع الطرق ما يحكم بعض العلماء على ضعفه، فهذا موجود، هذا موجود، أو يحسن بطرق قد لا ترتقي إلى رتبة الحسن، هذا موجود، لكن لا يعني أن هذا يقدح في إمامته في هذا الشأن –أبداً-، كما رمي ابن حبان، ورمي الترمذي، ورمي ابن خزيمة، ورمي جمع من أهل العلم، وعلى كل حال التساهل، والتشدد أمور نسيبة، وهذا بالنسبة لما عنده من الإصابة قليل.

في حديث أبي موسى الأشعري: لو أعلم أنك تسمع يا رسول الله؛ لحبرته لك تحبيراً))، هل في هذا تجويز للرياء؟ أو ماذا؟ لأنه أشكل عليَّ تحسين الصوت لأجل القادم؟

هذا ليس برياء، ليس برياء؛ لأن أصل القراءة لله -جل وعلا-، أصل القراءة لله، وتحسين الصوت من أجل تنشيط السامع، تنشيط السامع، وإدخال السرور عليه بتلذذه بالقرآن؛ فكيف إذا كان إدخال السرور على النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا ليس من الرياء، من قريب، ولا بعيد.

ص: 33

بعض العلماء يقول: إن العمل يحبط إذا أدخلت عليه نية دنيوية مع وجود النية الدينية الخالصة، ومثل ذلك من صلى للأجر، والراحة لا شيء له، ومن تصدق للأجر، والخلف لا شيء له؟

ص: 34

استدل بقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [(15)، (16) سورة هود]، هذا من كان قصده الدنيا فقط، لا يريد بعمل الآخرة إلا الدنيا فقط، وأما من أراد الآخرة، ثم طرأ عليه شيء من أمور الدنيا، أو كان لحظ شيئاً من أمور الدنيا، لاسيما ما ورد في النصوص، لاسيما ما ورد في النصوص، شخص يعتمد الأذكار الواردة الثابتة، ويرجوا ثوابها من الله -جل وعلا-، ويرجوا مع ذلك ما رتب عليها في النصوص أنه يحفظ مثلاً، في نفسه، وفي أهله، وفي ماله، مثل هذا لا يؤثر في العبادة، ومثَّل –أيضاً- بمن صلى للأجر والراحة، من صلى للأجر والراحة، متى وصل إلى الحد الذي يرتاح فيه للصلاة؟ هذا الشخص متى وصل إلى هذا الحد؟ إلا بعد مجاهدة طويلة، ووصل إلى حد أن يقول: أرحنا بالصلاة، اللهم إلا إذا كان أجيراً عند أحد، وعمله شاق، فقد يقال: إنه يرتاح بالصلاة، يرتاح بالصلاة؛ لأن العمل المقابل الذي يتركه شاق، فالصلاة أريح منه، هنا يقال: إنه شرك، أما إذا كانت راحته في الصلاة، ويطلب هذه الراحة لا لأنه في خارج الصلاة في عمل شاق، ويريد أن يرتاح من هذا العمل الشاق، فإن هذه مرتبة عالية جداً، قل من يصل إليها، كما في حاله عليه الصلاة والسلام:((أرحنا يا بلال بالصلاة))، وواقع كثير من المسلمين -إلى الله المشتكى- يقول لسان حالهم: أرحنا من الصلاة، نسأل الله السلامة، والعافية، ومن تصدق للأجر، والخُلف، الخُلف جاء في الحديث، ولو كانت إرادته مؤثرة في العمل؛ لما ذكر في النص، كما أن الترغيب في كثير من الأعمال بذكر جزائها من الجنة مثلاً، والترهيب بذكر عقابها في النار، يعني ملحظ العامل وهو يعمل أنه يريد بذلك ثواب الله، والجنة مثلاً، أو يريد بذلك النجاة من النار، هذا في الجملة قد يعد تشريكاً، لكنه ما ذكره الشارع إلا لأن إرادته لا تؤثر في العمل، والذي يخاف من النار هو في الحقيقة خائف من خالق النار، الذي يخاف من النار، لا

ص: 35

يقال: إنه كيف يخاف من النار، ولا يخاف من الله؟ لا هو خائف من الله -جل وعلا-، وخوفه من النار؛ لأنها عقاب الله -جل وعلا- لمن عمل عملاً، ولذلك لوجد أن شخصاً ظالماً مثلاً، وبيده سيف، أو بيده عصا يضرب، الخوف من العصا، أو من الشخص الذي يضرب به؟ الخوف من الشخص، ولذا الخوف ممن يعذب بالنار، وهو الله -جل وعلا-، فلا يعد هذا تشريك، ثم قال: واستدل بحديث الرجل الذي أتى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: الرجل يغزوا في سبيل الله يلتمس الأجر والذكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لا شيء له))، أما من يلتمس بذلك الذكر؛ ليقال شجاع، فهذا أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، كالذي يطلب العلم؛ ليقال: عالم، هذا -نسأل الله السلامة والعافية- هذا جزاؤه، ولا يعني أنه يخلد فيها، لا يعني هذا، أما كونه يلتمس الأجر، والغنيمة، يلتمس الأجر، والغنيمة، وهذا تشريك، فإن قتل حصل له -كم جاء في بعض الروايات- نصف أجره، وإن حصل له شيء من الغنيمة تعجل –أيضاً- نصف الأجر، وفي الحديث:((تكفل الله لمن خرج في سبيل الله أن يرجعه بما نال من أجر، أو غنيمة))، الواو هذه تجعل الغنيمة قسيماً للأجر، يعني إما أجر فقط، أو غنيمة فقط، ولا يمكن الجمع بينهما، مع أن كثيراً من أهل العلم من يرى أن "أو" هنا بمعنى الواو.

وهذا –أيضاً- نظير السؤال الأول من ألمانيا، وكأن السؤال قريب من بعض: قلتم: إن الشيخ يتساهل، ممكن توضيح .. ، وهنا يقول: في ردك على بعض الأسلة الخاصة في تضعيف، وتصحيح الشيخ الألباني قلتم: إن الشيخ رحمه الله رحمة واسعة- يأخذ بقواعد المتأخرين، ويرقي بعض الأحاديث بمجموع طرقه، وإن كان بعضها لا يصلح للترقية، وحسب تطلعي لكتب الشيخ البسيطة رأيت في مقدمة كتاب تمام المنة، طبعة دار الراية، يقول الشيخ القاعدة العاشرة: تقوية الحديث بكثرة الطرق ليس على إطلاقه؟ السؤال: ممكن توضيح كيف رميَ الشيخ بالتساهل، وهو مخالف للسيوطي كثيراً في كتاب صحيح الجامع، يستدرك الشيخ في تساهله .. ؟

نعم السيوطي أشد تساهلاً، السيوطي أشد تساهلاً، وأحمد شاكر أشد تساهلاً، فلا يمنع أن الشيخ يرد على السيوطي، ويرد على أحمد شاكر.

ص: 36

هذا يسأل يقول: ما رأيكم في الدكتور حمزة المليباري، الذي رد عليه الشيخ ربيع، وذلك في تهجمه على صحيح مسلم، ورده لبعض الأحاديث مستدلاً باستدراك الدارقطني؟

على كل حال التطاول على الصحيحين لا شك أنه يفتح باب شر عظيم، وسواء كان من الدكتور حمزة، أو من غيره، التطاول على الصحيحين يفتح باب شر مستطير لا يمكن سده، ومعلوم أن من أهل العلم المتقدمين، الأئمة الفحول الكبار استدرك على الصحيحين، واستثنيت هذه الأحرف اليسيرة التي استدركها أمثال الدارقطني، استثنيت مما يفيد القطع من مرويات الشيخين، وعلى كال حال المسألة معروفة عند أهل العلم، والإصابة في الغالب مع الشيخين، سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في ألفيته:

التدليس

تدليس الاسناد كمن يسقِط من

حدثه ويرتقي بـ (عن) و (أن)

وقال: يوهم اتصالاً واختلف

في أهله فالرد مطلقاً ثُقِف

والأكثرون قبلوا ما صرحا

ثقاتهم بوصله وصححا

وفي الصحيح عدة كـ الاعمش

وكـ هشيم بعده وفتش

وذمه شعبة ذو الرسوخ

ودونه التدليس للشيوخ

أن يصف الشيخ بما لا يعرف

به وذا بمقصد يختلف

فشره للضعف واستصغار

وكـ الخطيب يوهم استكثارا

ص: 37