المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح ألفية الحافظ العراقي (15) - شرح ألفية العراقي - عبد الكريم الخضير - جـ ١٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح ألفية الحافظ العراقي (15)

‌شرح ألفية الحافظ العراقي (15)

(المدرج - الموضوع)

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

جاء في رواية الطيالسي، لكن عدوله عن رواية الصحيحين إنما هو للوزن، لوزن البيت، هذا إدراج في أول الخبر، والأول إدراج في آخر الخبر، ومنه مدرج في أثناء الخبر، في أثناء الخبر، وهو قليل بالنسبة للمدرج في آخر الخبر كثير بالنسبة للمدرج بالأول، فأكثر هذا النوع الإدراج في آخره، وأقله الإدراج في أثناءه، وأقله الإدراج في أوله، وأما بالنسبة للإدراج في أثناء الخبر فإنه متوسط بين الاثنين كتوسط موقعه من الخبر، من ذلك حديث بسرة بنت صفوان، حديث:((من مس ذكره فليتوضأ)((من مس ذكره فليتوضأ))، هذا هو المحفوظ، وهو المعروف، هذا هو المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، روي مرفوعاً بلفظ:((من مس ذكره، أو أنثييه، أو رفغه فليتوضأ)) وهما؛ أعني الأنثيين والرفغ من قول عروة كما بينه جماعات عن هشام ابنه، وروي بتقديم الرفغ والأنثيين على الذكر فهو من سابقه، قاله ابن حجر، فيكون من الإدراج في أول الخبر، يعني جاء بلفظ:((من مس رفغه، أو أنثييه، أو ذكره فليتوضأ)) فقدم الإدراج على أصل الخبر، فيكون من النوع الذي سبق، من النوع الثاني الذي سبق وهو الإدراج في أول الخبر، هكذا قال ابن حجر، لكن هل يتم التمثيل به على هذه الرواية للإدراج في أول الخبر، أو لا يتم؟ أصل الحديث:((من مس ذكره فليتوضأ))، أدرج فيه من قول عروة:((من مس ذكره، أو أنثييه، أو رفغه فليتوضأ)) جاء من طريق: ((من مس رفغه، أو أنثييه، أو ذكره فليتوضأ)) هل يتم التمثيل به للإدراج في أول المتن على قول ابن حجر، أو لا يتم؟

طالب:. . . . . . . . .

لماذا؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم؛ ((من مس)) هذه ثابتة في أصل الخبر المرفوع، فهذه الكلمة تحول دون كونه إدراج في أول الخبر، فأول الخبر:((من مس))، وهي ثابتة في الخبر المرفوع، هذه بينت الرواية:"أسبغوا الوضوء؛ فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: ((ويل للأعقاب من النار)) " هذه التي حكمنا من أجلها أن الجملة مدرجة، هذه بينت الإدراج.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 1

إيه؛ هذه ما هي مدرجة: "أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال" هذا ما هو بإدراج، الإدراج:((أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار)) من غير فصل، هذا بالنسبة للإدراج في المتن،

وينقسم إلى ثلاثة أقسام: الإدراج في أوله، في أثناءه، في آخره، ومنه الإدراج في السند، الإدراج في السند، "ومنه" أي من المدرج وهو القسم الثاني، وهذه هي الصورة الأولى من صور الإدراج في القسم الثاني في السند:

ومنه جمع ما أتى كل طرف

منه بإسناد بواحد سلف

"ومنه" أي: من المدرج، وهو القسم الثاني: الإدراج في السند، "ما" أي خبر، أتى كل طرف منه، عن راويه بإسناد غير إسناد الطرف الآخر "منه بإسناد" يعني غير إسناد الطرف الآخر "بواحد سلف" سلف يعني من الإسنادين متعلق بجمع، وسلف تكملة المقصود أنه جمع بين اللفظين الواردين عن راو واحد بإسنادين مختلفين، فيجمعهما كأنهما بإسناد واحد "كوائل" يعني كخبر وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه زائدة، وغيره عن عاصم بن كليب عن أبيه، فإنه قد أدرج فيه بعض رواته في آخره بهذا السند قطعة من حديث لوائل بن حُجر في غير هذه المناسبة.

كوائل في صفة الصلاة قد

أدرج. . . . . . . . .

ص: 2

فيه بعض رواته في آخره بهذا السند، ثم جئتهم في زمان، أو في زمان برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب، تحرك أيديهم تحت الثياب، "ثم جئتهم وما اتحد" يعني سند الجملتين، بل الذي عند عاصم بهذا السند الجملة الأولى فقط، وأما الثانية فإنما رواها عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل، وجمعهما وهم، فكأنه أدرج أحد السندين في الآخر، وائل جاء، وصلى خلف النبي عليه الصلاة والسلام، وضبط صلاته، ووصفها، ورويت عنه، ومجيئه إلى النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من مرة، فمرة وصف شيئاً، ووصف شيئاً في المرة الثانية، ما وصفه في المرة الأولى يروى عنه بإسناد، وما وصفه في المرة الثانية يروى عنه بإسناد آخر، فجاء من جاء وهو زائدة، زائدة ابن أيش؟ ابن قدامة؛ زائدة بن قدامة، وغيره –أيضاً- وافقه عليه، عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه، أدرج القصة الثانية في القصة الأولى، كلاهما يروى عن وائل بن حجر، إلا أن الأولى تروى عنه بإسناد، والثانية تروى عنه بإسناد آخر، فجاء زائدة وغيره، فجعلوا القصتين ساقوهما مساقاً واحداً بإسناد إحدى القصتين، بإسناد إحدى القصتين، ما المحذور في مثل هذا الإدراج؟ يعني إثبات سند، وحذف السند الآخر، ما المحذور في مثل هذا؟ المحذور أن تكون القصة الثانية المدرجة في الأولى التي حذف إسنادها أن تكون مشتملة على زيادات مؤثرة في الحكم، وفي رواتها ضعف، أو في بعض رواتها ضعف، فإنه إذا حذف هذا الضعيف، وبقيت زيادته ملصقة بخبر من تثبت الحجة بخبرهم؛ هذا لا شك أنه يقتضي الاستدلال والاحتجاج بمن لا يحتج به، يعني لو تصورنا القصة الأولى بسند نظيف كلهم ثقات، رويت عن وائل، القصة الثانية رويت عنه بسند فيه ضعف، فجاء من جمع القصتين بالسند الأول النظيف، أو جمعهما بالسند الثاني؛ اللي فيه ضعف؛ هذا إدراج إسناد في إسناد، صح وإلا لا؟ نعم؛ إدخال إسناد في إسناد، وسياق القصتين مساقاً واحداً، لو كان السندين، لو كان رجال الإسنادين كلهم ثقات؛ الأمر سهل، الأمر سهل؛ لأنه أينما دار فهو على ثقة، ولو كان كلهم، ولو كانوا كلهم ضعفاء –أيضاً- الأمر ما فيه إشكال؛ لأنه مردود، سواء رويناه عن هؤلاء، أو عن هؤلاء، الأثر المترتب عليه أقل،

ص: 3

لكن إذا كان رجال القصة الأولى ثقات، ورجال القصة الثانية فيهم ضعف، وأضفنا القصة الثانية إلى القصة الأولى برجال القصة الأولى؛ ترتب على هذا قبول القصتين، ولولا هذا الإدراج ما قبلت القصة الثانية، لولا هذا الإدراج ما قبلت القصة الثانية، ففي هذا الإدراج تغرير؛ تغرير للواقف على هاتين القصتين بقبولهما معاً، مع أن الأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة؛ لأن رواتها فيهم ضعف، وقد يكون فيها زيادات يتأثر فيها الحكم، فلا بد من فصل القصتين وذكر رواة كل من القصتين، لو عكسنا، وقلنا: إن رجال القصة الأولى ثقات، ورجال القصة الثانية ضعفاء، ثم أدخل رجال القصة الأولى في رجال القصة الثانية، وروى القصتين، وساقهما مساقاً واحداً عن رجال القصة الثانية الذين فيهم ضعف؛ جنايته على الخبر من أي وجه؟ الصورة الأولى: جنايته على الخبر بجعل الناس يعملون بخبر لا يجوز العمل به؛ لأنه ضعيف، والصورة الثانية: جعل الناس يتركون ما تقوم به الحجة، يتركون ما تقوم به الحجة؛ واضح وإلا ما هو بواضح؟ واضح.

يعني ننظر لهذا بصنيع ابن الجوزي في الموضوعات، وصنيع الحاكم في المستدرك؛ صنيع ابن الجوزي في الموضوعات في الحكم بالوضع على أحاديث صحيحة؛ وإن كان نادراً، والحكم بالوضع على أحاديث حسنة؛ وهذا موجود، وحكم بالوضع على أحاديث ضعيفة لا تصل إلى درجة الوضع، هذا أقرب ما يكون بالصورة الثانية؛ يعني يحرم الناس من العمل بأحاديث مقبولة، بينما صنيع الحاكم يقرب من الصورة الأولى، فقد صحح أحاديث ضعيفة، فيجعل المطلع والواقف على كتابه يعمل بأحاديث لا يجوز العمل بها، التنظير مطابق وإلا غير مطابق؟ وضح لنا الصورتين أو ما وضح؟ اتضحت الصورتان من خلال هذا التنظير، وإلا ما اتضحتا؟

أيهما أبلغ في الضرر؟ صنيع ابن الجوزي، أو صنيع الحاكم؟ يعني كون الناس يحرمون من أحاديث صحيحة حكم عليها ابن الجوزي بالوضع، وفيها أحكام، أو كون الناس يعملون بأحاديث ضعيفة حكم عليها الحاكم بالصحة، أو نقول: هما على حد سواء؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 4

يعني أبلغ في الضرر؟ نعم، تصحيح الحاكم أبلغ في الضرر من تضعيف ابن الجوزي؛ لأن الحاكم، أو لأن المصحح قد يكتفي به بعض الناس، يكتفي به بعض الناس، أما بالنسبة للمضعف يُكتفي به؛ فإذا وجد من يصحح نسخ كلامه، بينما إذا صحح الخبر، وعمل به فإن تضعيف المضعف لا ينسخه، وهذا استرواح عند أكثر الناس.

على كل حال هذه هي الصورة الأولى، هذه هي الصورة الأولى من صور الإدراج في السند.

"ومنه" يعني من الإدراج.

طالب:. . . . . . . . .

نعم، حديث إيش؟

طالب:. . . . . . . . .

حينما جمع، نعم، منه، منه حديث الزهري في قصة الإفك، والقصة مخرجة في الصحيح، لكنها عن رواة كلهم ثقات، فلا أثر لمثل هذا الإدراج:

. . . . . . . . . قد

أدرج ثم جئتهم وما اتحد

يعني اللفظان "ومنه" يعني من صور الإدراج في الإسناد ..

ومنه أن يدرج بعض مسند

في غيره مع اختلاف السند

ومنه أن يدرج من قبل الراوي بعض خبر مسند في خبر غيره مع اختلاف السند فيهما:

نحو: ((ولا تنافسوا)) في متن: ((لا

تباغضوا)) فمدرج قد نُقلا

يعني لفظ: ((لا تنافسوا))، لا يوجد في الأصل في متن:((لا تباغضوا ولا تحاسدوا)) إلى آخره، ليس فيه:(ولا تنافسوا)، هذه اللفظة، أو هذا النهي:(ولا تنافسوا) لا توجد في: ((لا تباغضوا .. )).

"قد نقلا من متن لا تجسسوا" الأصل يعني أول الحديث: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا))، وفي رواية بالمهملة:((ولا تحسسوا، ولا تنافسوا))، هذه اللفظة، وهذا النهي:((ولا تنافسوا)) في الحديث الثاني، وليست في الحديث الأول، والحديث الأول بإسناد، والثاني بإسناد، فبدلاً من أن يأخذ القصة كلها؛ كما في قصة وائل بن حجر في المجيء الثاني، وإلحاقه بقصته في المجيء الأول؛ يأخذ لفظة من حديث، وهذا يحصل عند كثير ممن يعتمد على حفظه في سياق الأحاديث من غير مراجعة؛ تجده يهجم على باله هذا اللفظ، ويرى أنه مناسب لهذا الحديث، فيضعه فيه، وكلها ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ يعني المتنان اللذين معنا ثابتة في الصحيح، ما فيهما إشكال، لكن على كل حال هو إدراج، وإن كان إدراج شيء يسير، وليس بإدراج حديث كامل، إنما هو إدراج كلمة.

ص: 5

ومنها أن يدرج بعض مسند

في غيره مع اختلاف السند

نحو: ((ولا تنافسوا)) في متن: ((لا

تباغضوا)) فمدرج قد نُقلا

أي لفظ: ((لا تنافسوا)) مدرج في متن: ((لا تباغضوا)) من متن: ((لا تجسسوا))، وبداية المتن:((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا)) جاء إفراد كل واحد منهما عن الأخرى، وجاء جمعهما –أيضاً- بالجيم والحاء.

أدرجه محمد بن الحكم بن أبي مريم "إذ أخرجه" أي حين رواه عن مالك فصيرهما بإسناد واحد وهو وهم، فصيرهما بإسناد واحد وهو وهم، الصورة ظاهرة، وإلا ما هي بظاهرة؟ ما الفرق بينها، وبين الأولى؟

الأولى:

ومنه جمع ما أتى كل طرف

منه بإسناد بواحد سلف

يعني يأتي إلى قصة، أو إلى حديث يدرجه مع حديث آخر بإسناد أحدهما؛ يقتصر على إسناد أحدهما.

الصورة الثانية: يأتي إلى كلمة، أو جملة ينتزعها من حديث، ويجعلها في حديث، فيرويها بإسناد الحديث الأول وهي لا تروى به في الأصل، هي ثابتة لكنها بإسناد آخر:

ومنها أن يدرج بعض مسند

في غيره مع اختلاف السند

نحو: ((ولا تنافسوا)) في متن: ((لا

تباغضوا)) فمدرج قد نُقلا

من متن: ((لا تجسسوا)) أدرجه

ابن أبي مريم إذ أخرجه

وابن أبي مريم اسمه محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي، أي حين رواه عن مالك فصيرهما بإسناد واحد، وهو وهم، فاللفظ الأول يروى عن مالك بإسناد، واللفظ الثاني يروى عن مالك بإسناد آخر.

الصورة الثالثة:

"ومنه متن" أي خبر "عن جماعة ورد"، "ومنه متن" أي خبر، أو حديث "عن جماعة ورد، وبعضهم خالف بعضاً" بزيادة، أو نقص "في السند"

ومنه متن عن جماعة ورد

وبعضهم خالف بعضاً. . . . . . . . .

ص: 6

تكون هذه المخالفة في الزيادة والنقص "في السند"، "فيجمع" بعض من روى عنهم "الكل" أي الجميع الجماعة "بإسناد" واحد "ذُكر" أي مذكور، ويدرج رواية من خالفهم معهم على الاتفاق "كمتن" أي خبر ابن مسعود:"أي الذنب أعظم؟ " قال: ((أن تجعل لله نداً .. )) " "الخبر"، "فإن عمراً" وهو ابن شرحبيل "عند واصل" بن حيان الأحدب "فقط بين شقيق" أبي وائل "وابن مسعود سقط" فرواه: عن شقيق عن ابن مسعود، وأسقط عمرو بن شرحبيل، الأصل أنه: عن شقيق عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود؛ هذا الأصل فيه، وهو ثابت من رواية الأعمش ومنصور:

وزاد الأعمش كذا منصور

. . . . . . . . .

يعني زاده، زاد عمرو بن شرحبيل كذا منصور، ننتبه لهذه الصورة، واصل ابن حيان الأحدب يروي هذا الخبر المخرج من حديث ابن مسعود:"أي الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله نداً .. )) " الحديث، يرويه واصل عن شقيق بن .. ، ابن أيش؟ ابن سلمة، أبو وائل، عن أبي وائل شقيق عن ابن مسعود مباشرة، أبو وائل يروي عن ابن مسعود، وإلا ما يروي؟ له رواية عن ابن مسعود، أو لا؟ له رواية عن ابن مسعود، له رواية عن ابن مسعود؛ لكنه في هذا الحديث بينه وبين ابن مسعود عمرو بن شرحبيل، فأسقطه واصل ابن حيان الأحدب، وذكره الأعمش ومنصور، إذا وازنا بين الأعمش ومنصور، وبين واصل الأحدب من نقدم؟ نعم؟ نقدم من؟ واصل وإلا الاثنين؟

طالب:. . . . . . . . .

نقدم الاثنين؛ نقدم الاثنين بلا شك، فما ذكروه من هذه الزيادة -أعني عمرو بن شرحبيل- هو المحفوظ.

طيب لو صرح بالتحديث، فقال: عن أبي وائل، قال: حدثنا ابن مسعود، مع أن رواية الأعمش ومنصور مذكور فيها بين شقيق -أعني أبا وائل- وابن مسعود، مع وجود التصريح بالتحديث والإسنادين كلهم ثقات:

وزاد الأعمش كذا منصور

. . . . . . . . .

ص: 7

يعني زاده، زاد عمرو بن شرحبيل الأعمش ومنصور؛ الأعمش سليمان بن مهران الحافظ الثقة المعروف، ومنصور بن المعتمر؛ يعني لو كان العكس الذي زاده واصل، وأسقطه الأعمش، ولم يذكر صيغة التحديث؛ قلنا: دلسه الأعمش، نعم، دلسه الأعمش، زاده الأعمش كذا منصور فروياه عن شقيق عن عمرو عن ابن مسعود، فلما رواه الثوري عنهما، وعن واصل صارت رواية واصل هذه مدرجة على روايتهما، وقد فصل أحد الإسنادين عن الآخر الإمام يحيى بن سعيد القطان؛ يعني وجه الإدراج لما روي عنهما .. ، الآن عندنا في رواية واصل أسقط عمرو بن شرحبيل، في رواية الأعمش ومنصور ذكر عمرو بن شرحبيل بين شقيق، وبين ابن مسعود، فلما رواه الثوري عنهما، وعن واصل يعني عن الثلاثة كلهم، صارت رواية واصل هذه مدرجة، لما رواه الثوري عن الثلاثة؛ أقحم عمرو بين شقيق، وبين ابن مسعود، فذِكْر عمرو بن شرحبيل في رواية واصل إدراج، وفي رواية الأعمش ومنصور إدراج، وإلا لا؟

طالب:. . . . . . . . .

لا؛ بقي على الأصل، ففصل الإسنادين، وميز المدرج من غيره الإمام يحيى بن سعيد القطان، لكن الخبر روي من طريق واصل بإثبات عمرو، بإثبات عمرو بين أبي وائل، وبين ابن مسعود؛ كرواية الأعمش ومنصور، فيكون صنيع الثوري صحيحاً، وإلا غير صحيح؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

صحيح، وصنيع يحيى بن سعيد القطان، وهو إمام من أئمة الحديث، صحيح، وإلا ما هو بصحيح؟ صحيح باعتبار الأشهر، التي هي الراوية الأولى.

ص: 8

لو قدر أن واصل ابن حيان قال: عن أبي وائل، قال: حدثنا ابن مسعود، وفي رواية الأعمش، ومنصور: عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود، صُرح في الرواية الأولى بالتحديث، فهل نقول إن هذا من المزيد في متصل الأسانيد؟ أو نقول: إنه مرة يرويه أبو وائل عن ابن مسعود بواسطة، ويرويه مرة أخرى بدون واسطة؟ يعني رواه عنه عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود، فلما لقي ابن مسعود أخذه عنه بدون واسطة، فكان يرويه على الأول تارة، ويرويه على الثاني تارة، وهل مثل هذا يقدح في السند أو لا يقدح؟ لأن فيه نوع من أنواع علوم الحديث اسمه:"المزيد في متصل الأسانيد" يعني إذا صرح بالتحديث .. ، يعني كيف نفرق بين هذا النوع:"المزيد في متصل الأسانيد"؟ يعني يأتي السند بصيغة التحديث مصرحاً فيه بالتحديث من طريق أربعة رجال، ويأتي مصرحاً فيه بالتحديث من طريق خمسة رجال، فيهم واحد زائد عن الأربعة؛ هل نقول: إن هذا الواحد مزيد في متصل الأسانيد، ووجوده كعدمه؟ أو نقول: إن الراوي مرة يرويه بواسطة ومرة يرويه بغير واسطة، ومتى يكون مزيداً في متصل الأسانيد؟ عندك المزيد في متصل الأسانيد في الألفية؛ نوعان:"خفي الإرسال، والمزيد في متصل الأسانيد":

وعدم السماع واللقاء

يبدو به الإرسال ذو الخفاء

كذا زيادة اسم راو في السند

إن كان حذفه بعن فيه ورد

يعني إذا كان جاء مصرحاً فيه بالتحديث بدونه، وموجود بالعنعنة؛ يعني هو وجوده بغير تصريح بالتحديث، وعدمه مصرح فيه بالتحديث؛ فإنه يحكم "إن كان حذفه بعن فيه ورد"، يقول:

كذا زيادة اسم راو في السند

إن كان حذفه بعن فيه ورد

وإن بتحديث أتى فالحكم له

مع احتمال كونه قد حمله

"عن كل" يعني الاحتمال الذي أبديناه سابقاً أنه رواه عن شيخه بواسطة، ورواه مرة بدون واسطة:

إلا حيث ما زيد وقع

وهماً وفي ذين الخطيب قد جمع

ص: 9

يعني إذا كانت الزيادة وهماً، إذا كانت الزيادة وهماً، فإنه يحكم عليه بأنه مزيد، أما إذا كان الاحتمال قائماً، والرواة كلهم ثقات؛ رواة الإسنادين كلهم ثقات، الإسناد الذي فيه خمسة، والإسناد الذي فيه أربعة؛ كلهم ثقات على حد سواء؟ فهذا الزائد بين شيخين لقي أحدهما الآخر، وروي عنهما الحديث بدون هذا الزائد، مصرحاً فيه بالتحديث، فإنه لا يمنع حينئذٍ أن يكون قد سمعه من الشيخ مرة بواسطة؛ فذكر الواسطة، ومرة بدون واسطة؛ فحذف الواسطة.

قالوا: من مدرج الإسناد، من مدرج الإسناد أن لا يذكر المحدث متن الحديث، أن لا يذكر المحدث متن الحديث؛ بل يسوق الإسناد فقط، ثم يعوقه، ويحول دون سياقه لمتن الحديث حدث، يعوقه، ويحول دونه، ودون سياق متن الحديث حدث يطرأ عليه، ثم لا يذكر متن الحديث، فيتكلم بكلام مناسب لهذا الحدث، مناسب لهذا الحدث، فالسامع يسمع الإسناد، ويسمع هذا الكلام المناسب لهذا الحدث، فيركب عليه هذا الإسناد؛ السامع سمع إسناد، وسمع كلام، فظن هذا الإسناد لهذا الكلام، فرواه على هذا النسق، وهو في الحقيقة لا علاقة لهذا الإسناد بهذا الكلام، إنما جاءت مناسبة لذكر هذا الكلام، وهذا يحصل كثيراً، تجد الشيخ يتكلم، ثم بعد ذلك يلحظ على بعض الطلاب شيئاً، فيدخل كلاماً مناسباً لهذه الملاحظة، فيظنه السامع من ضمن ما يقال في هذه المسألة، وهذا إدراج كلام في كلام، كقصة شريك؛ يحدث فذكر إسناداً، فدخل ثابت بن موسى الزاهد، وعلى وجهه النور من أثر العبادة، فلما رآه شريك قال:"من كثرت صلاة بالليل؛ حسن وجهه بالنهار" ويقصد بذلك ثابت هذا الذي دخل، فثابت لغفلته، واشتغاله بالعبادة، وغفلته عن حفظ الحديث؛ ظن أن هذا الكلام يروى بهذا الإسناد، فركَّب عليه الإسناد على ضوء ما سمع، وهو ليس من أهل العناية بالحديث، فيمشي عليه مثل هذا، هذا إدراج متن في سند، متن في سند ليس له.

ص: 10

جزم ابن حبان أن مثل هذه القصة من نوع المدرج، هذا القصة تدخل في نوع المدرج، وستأتي في الموضوع أن هذا يسمى شبه وضع، شبه وضع، لكن .. ، بل هو وضع لم يقصد؛ لأنه نسبة كلام إلى النبي عليه الصلاة والسلام مما لم يقله، والمثال الواحد قد يتجاذبه أكثر من نوع، قد يتجاذبه أكثر من نوع، كما يُمثل للمعل بالمضطرب مثلاً، تجدون بعض الأمثلة موجودة في أكثر من باب، وتكون حينئذٍ علته الاضطراب.

بعد هذا ذكر الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- حكم الإدراج:

. . . . . . . . .

وعمد الإدراج لها محظور

ص: 11

أي: ممنوع؛ لا يجوز الإدراج، إلحاق كلام بكلام النبي عليه الصلاة والسلام من غيره؛ من غير فاصل يفصل بين كلام النبوة، وبين كلام غيره عليه الصلاة والسلام؛ تعمده حرام، إلا أنهم يتساهلون في مثل تفسير الغريب؛ يعني مرت في كلام النبي عليه الصلاة والسلام كلمة غريبة، ففسرها الراوي، كتفسير الشغار، وتفسير المزابنة، وتفسير التحنث بالتعبد، لكن قد يقول قائل: كيف نحكم على الإدراج بأنه حرام، وقد فعله بعض الصحابة؟ فعله بعض الصحابة؟ نقول: نعم فعله بعض الصحابة؛ لكن من فعله من الصحابة، أو من غيرهم من الرواة الثقات الذين لم يجرحوا بهذا؛ فعلوه، أدرجوا في مناسبة بعد أن بينوا في مناسبات، بعد أن بينوا في مناسبات، ولولا هذا البيان لما عرفنا أنه مدرج، فمن حُفظ عنه هذا الإدراج حُفظ عنه الفصل، وبهذا الفصل عرفنا أن هذا الكلام مدرج، فإذا بين الإنسان في موضع لا يلزم أن يبين في كل موضع، لا يلزم أن يبين في كل موضع، وهذا نظير ما جاء في بعض الأحكام الشرعية تجد ما يحتاج إليه من قيد مثلاً أو استثناء يقال في مناسبة، ثم يذكر الحكم بغير هذا القيد في مناسبات أخرى، اعتماداً على أن هذا القيد ذكر، وإلا ما الذي يدرينا عن هذا القيد؟ إلا أنه ذكر في مناسبة أخرى؛ مثاله، مثاله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدةٍ]، الذي يريد أن يأخذ بهذه الجملة فقط، أو بهذه الآية يحرم جميع أنواع الدم، حتى دماً مأكول اللحم، دماً العروق، أي دم كان:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدةٍ]، لكنه جاء مقيداً في آية أخرى:{قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام]، ولو كان البيان يلزم في كل مناسبة؛ لقلنا: لا بد من أن يذكر القيد في كل مناسبة، فالصحابي إذا أدرج في مناسبة، وقد بين في مناسبة أخرى؛ لا يلزم أن يبين في كل مناسبة، بعض القضايا يختلف فيها العلماء بناءً على مثل هذا البيان؛ هل يكفي، أو لا يكفي؟ قد يكون البيان كافياً؛ فمثل هذا لا يختلف فيه، قد يكون البيان يأتي ما يعارض

ص: 12

ويضعفه، فمثلاً حديث عبادة بن الصامت:((خذوا عني، خذوا عني؛ قد جعل الله لهن سبيلاً؛ البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) جلد مائة والرجم، الحديث صريح وصحيح في كون الزاني الثيب يجلد ثم يرجم.

القضايا التي حصلت في عهده صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيها جلد، لم يذكر فيها جلد،:((واغدوا يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها))، وفي حديث ماعز:((اذهبوا به فارجموه)) في قصة ماعز؛ ما ذكر جلد، وهذا وقت بيان، ووقت حاجة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فالجمهور يقولون: لا يجلد، يكتفى برجمه؛ لأن القضايا المتعددة لم يذكر فيها الجلد، والذين يقولون بأنه يجلد كالحنابلة؛ يقولون: خلاص ما دام بُيْن في مناسبة واحدة؛ ما احتاج أنه يبين في جميع المناسبات، فاعترى هذا البيان عند بعض أهل العلم ما يضعفه، فيجعله بحاجة إلى تكرار، ومثال ذلك –أيضاً- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:((ولا يلبس المحرم الخفين إلا أن لا يجد النعلين؛ فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين)) هذا قاله النبي عليه الصلاة والسلام بالمدينة، قاله بالمدينة، ثم بعرفة والحجاج كلهم متوافرون من المدينة، وغيرها لم يذكر القطع، فمن أهل العلم من يقول: ما دام ذكر في مناسبة لا يلزم تكراره في كل مناسبة، فعندنا مطلق ومقيد؛ يحمل المطلق على المقيد، وما في إشكال، لا بد من القطع، وقال بعضهم: لا، ذكره بالمدينة، وقد سمعه بعض الحجاج لا يغني عن ذكره بعرفة حينما سمعه جميع الحجاج، فهذا الموضع موضع حاجة؛ حاجة للبيان، فلا بد من البيان في هذا الموضع، فلا يحتاج حينئذٍ إلى قطع، ولو كان يحتاج إلى قطع لبينه للناس كلهم، وهذا موضعه.

أقول: إن الأصل أنه إذا بين في مناسبة لا يلزم تكرار البيان في جميع المناسبات إلا إذا اعترى هذا البيان، أو عارضه ما يضعفه؛ مثل المثالين الذين ذكرتهما، فليكون للنظر، والاجتهاد فيه مجال.

اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 13

هذا يقول: عرضت إحدى الأخوات على أحد طلبة العلم، وطلب أن يراها عبر الإنترنت للزواج، فهل يجوز لي أن أعطيه الصورة كي يراها، وهذه الأخت تعيش في فرنسا، وهو في المملكة؟

لكن الوسيط هذا الذي يستأذن في إطلاع الخاطب على هذه الصورة ما موقعه من هذه الأخت؟ إن كانت أختاً، له يجوز له أن يراها، وإن كان أجنبياً عنها فالخاطب أولى منه.

يقول: عرضت إحدى الأخوات على أحد طلبة العلم، وطلب أن يراها عبر الإنترنت للزواج، فهل يجوز لي أن أعطيه الصورة لكي يراها؟

أنا أسأل عن علاقة الوسيط هذا الذي يستأذن في عرض الصورة على الخاطب؟ أولاً المسألة من أصلها أن التصوير محرم، لكن من يسكن في تلك البلاد لا بد أن يصور شاء أم أبى، والتصوير بالنسبة لما يزاول من الأعمال اليومية في تلك البلدان أظنه أمراً لا يناقش فيه، موضوع التصوير في كثير من البلدان أظن أمراً تعدى مسألة المناقشة، وهل يصور، أو لا يصور؟ أما بالنسبة للرجال فأمر ظاهر، وأما بالنسبة للنساء ففي بلاد الكفر –أيضاً- لا فرق.

أنا أسأل عن علاقة الوسيط الذي يستأذن في عرض الصورة على الخاطب؛ ما علاقته بهذه البنت المخطوبة؟ إن كان أخاً لها تجوز له رؤيتها، فحق له أن يستأذن، وحينئذٍ الجواب إذا كان خاطباً، والصورة قد حصلت لا مانع من إطلاعه على الصورة؛ لأن له أن يراها مباشرة، فرؤية صورتها من باب أولى.

وإن كان الوسيط أجنبياً عن هذه المرأة، فالاستئذان ليس في محله؛ لأن الخطاب أولى منه بالرؤية، على كل حال إذا كان جاداً في الخطبة فلا مانع من أن يرى الصورة؛ مادام أن الصورة حصلت، وإلا لو كانت الصورة لم تحصل لقلنا: إن التصوير حرام، والله المستعان.

يقول: شنع الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- على الذين ينتسبون للحديث، ويوردون الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ مع أنه -رحمه الله تعالى- ذكر في مقدمته حديث عائشة رضي الله عنه بصيغة التمريض، فقال: ذُكر عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه الصيغة تدل على أن الحديث عنده ضعيف؛ فكيف الجواب عن ذلك؟

هو شنع على من يلقي بالأحاديث الضعيفة على الأغبياء والجهال، وأهل الغفلة، أما الكتاب فقد ألفه لطلبة العلم، فينفصل من هذا الإشكال بهذا الجواب.

ص: 14

يقول: وهل إيراد الحديث في المقدمة يدل على أن الإمام مسلم يذهب إلى جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؟

لا، لا يدل على ذلك فقد يورد الإنسان الحديث، ولا يرى العمل به، وكتب الفقه مملوءة بالأحاديث الضعيفة، وهم لا يعملون بالضعيف.

هل التزم الإمام مسلم بتقديم أصح الأحاديث على ما دونها على حد قوله في المقدمة بعد أن ذكر الطبقة الأولى من الرواة: فإذا تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخباراً أخرى، أخباراً يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان يعني من أحاديث الطبقة الثانية؟

لا، ليست له قاعدة مطردة في كون ما يقدم هو الأصل، وما يعطف عليه هو الشاهد أو المتابع، إنما هذا هو الكثير الغالب، وقد يكون الحديث، آخر الأحاديث في الباب وهو أقوها.

هل في مختصرات الكتب من فائدة؟ هل في مختصرات الكتب من فائدة؟

أما المختصرات التي اختصرها العلماء الموجودة الآن في أسواق المسلمين، المختصرات جردوها من الأسانيد، وانتقوها من الكتب لتحفظ فهذه فائدتها عظيمة، وعمل الناس عليها، وأما أن يوجد كتاب متداول مبذول، ويوجد له مختصر، يأتي من يختصره من أهل العلم، ويكون بين أيدي الناس الكتاب ومختصره؛ فالأصل هو الأصل، والمختصر إن اشتمل على فائدة زائدة فذاك، وإلا فالأصل يغني عنه.

يوجد كثير من المختصرات ألغت وهمشت الأصول، فكم بين طبع تهذيب التهذيب، وبين طبع تهذيب الكمال من سنة فضلا ًعن أصله الكمال للحافظ عبد الغني؟ تهذيب التهذيب طبع قبل أصله بما يقرب من ثمانين سنة، طبع الفرع قبل الأصل، واستفاد الناس من الفرع فائدة عظيمة، والفرع –أعني تهذيب التهذيب- فيه فوائد كثيرة لا توجد في الأصل، فلا يستغنى بتهذيب الكمال عن تهذيب التهذيب، كما أنه لا يستغنى بهما عن التقريب، فهذه الفروع وإن كانت فروع لا يمكن الاستغناء عنها.

الكاشف للحافظ الذهبي مختصر من التهذيب، والخلاصة مختصرة من التذهيب، والتذهيب مختصر من التهذيب، وكل كتاب له قيمته وله مزيته، فلا يستغنى ببعضها عن بعض.

ص: 15

ابن حجر أيضاً اختصر البدر المنير لابن الملقن في كتاب أسماه: التلخيص الحبير، وطبع قبل أصله بمائة سنة، واستفاد الناس من الفرع فائدة عظيمة، وإن كاد أن يكون لا شيء بالنسبة للأصل، الأصل كتاب عظيم مستوفى فيه التخاريج والطرق، أما المختصر فهو على اسمه، وهناك كتب صارت المختصرات أفضل من أصولها، فدوران مطالع الأنظار مطالع الأنوار لابن قرقول؛ دورانه في كتب أهل العلم أكثر من دوران أصله مشارق الأنوار للقاضي عياض، فلا يعني أن الاختصار ما فيه فائدة، إذا تولى الاختصار بارع صار فيه فائدة، فيحذف من الكتاب ما فائدته أقل، ويضيف إليه ما كانت فائدته أعظم، نعم بعض الناس لا دور له في الاختصار؛ إنما يأتي بقلم ملون، أو يقوس على بعض المقاطع التي يريد حذفها، هذا لا فائدة فيه؛ يعني عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير للشيخ أحمد شاكر، الخمسة الأجزاء الصغيرة التي تزيد على ربع الكتاب التي تولى تحريرها الشيخ بنفسه، وصاغها بقلمه، وطبعت في وقته؛ هذه من نفائس المختصرات، طبع الكتاب كامل، طبع في ثلاثة مجلدات كامل، عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير، لكن هل مستوى الثلثين المجلد الثاني والثالث مثل مستوى المجلد الأول؟ كلا؛ أبداً؛ لأن طريقة الشيخ في الثلث الذي طبع في وقته اختصر بنفسه، وعانى الكتاب بنفسه، وصاغه بأسلوبه، وطبعه، واطمئن عليه؛ البقية له قراءات في تفسير ابن كثير، تفسير ابن كثير من طبعة الاستقامة، وصوروا أنموذجاً منها، له قراءة في هذا التفسير، وعمله في المختصر مجرد تقويس على ما يريد نقله فقط؛ يعني ما غير في الأسلوب شيء، ولا حرر، ولا نقح، ولا شيء، هو مجرد تقويس على ما يريد، هذا فائدته أقل بكثير من الثلث الأول الذي صاغه بقلمه رحمه الله.

هذا يسأل عن المختصرات، فإن كان سؤاله عن المختصرات الموجودة، وهل يقرأ في الأصل أو في المختصر؟

ص: 16

يعني لو نظرنا إلى التجريد مختصر البخاري مع أصله يكاد أن يكون التجريد لا قيمة له بالنسبة للأصل، يعني في كتاب الرقاق أورد الإمام البخاري مائتي حديث فيما يقرب من مائة وخمسين ترجمة بآثار الصحابة والتابعين، مع التكرار مع الأسانيد، مع الدرر التي أوردها الإمام في هذا الكتاب، وبرع فيه براعة فائقة، المختصر اقتصر منها على عشرة أحاديث، بدون أسانيد، وبدون تراجم، وبدون شيء، ما فائدة هذا؛ أي فائدة في هذا الكتاب بالنسبة لأصله؟ نعم أنا أحث الطلاب على أن يختصروا بأنفسهم، يختصروا الكتب، وهذه وسيلة نافعة ناجعة ناجحة من وسائل تحصيل العلم، طالب العلم يعمد إلى كتاب مطول يختصره بنفسه، ويديم النظر فيه، ويكرر النظر فيه ليرى ويستقر رأيه على ما يثبت وما يحذف، وإذا انتهى من الكتاب صار علمه بما حذف كعلمه بما أثبت، يكون لديه إحاطة بالكتاب، وهذه من أنفع وسائل التحصيل، فهناك كتب تصعب قراءتها أكثر من مرة، فإذا قرأها مرة واحدة .. ، فتح الباري مثلاً لو طبع مثل الطبعات الحديثة هذه جاء في خمسين مجلد، أو ما يكفيه، بإمكان طالب علم أن يختصره بقدر ربع؛ لكن بعناية يختصر بعناية ما هو بيقرأ قراءة عابرة، ويقوس وهو ماشي، لا، يفهم ويش اللي يثبت، ويفهم أيضاً -ما يحذف-، لكن لو تولاه غيرك، ما الذي يدريك بما حذف، لعلك تكون في أمس الحاجة إليه، قد تكون حاجتك إلى ما حذف المختصر أكثر من حاجتك إلى ما أثبت، لكن أنت أدرى بنفسك، نعم هذه الطريقة لا يطيقها، أو لا يقدر عليها كثير من طلاب العلم، لكنها مقدورة

ص: 17

بالنسبة لجمع غفير من طلاب العلم، ولا يعني هذا أن الإنسان إذا اختصر كتاب في سنة، خلال شهر مطلعه في المكتبات يباع، لا، لا هو يختصر لنفسه، الاختصار طريقة، وسيلة من وسائل التحصيل، النشر –أيضاً-، والبسط وسيلة، والشرح وسيلة، تأتي إلى كتاب مختصر جداً، فتعلق عليه بتعليقات من شروحه، وما سجل عليه، وبمراجعة الكتب، المسائل اللغوية تراجع عليها كتب اللغة، المفردات تراجع عليها، الفوائد، الأحكام تراجع عليها كتب الفقه، يعني على سبيل المثال عندنا في أحكام القرآن المذاهب الثلاثة كلها ألف فيها، أحكام القرآن على مذهب أبي حنيفة، الجصاص مثلاً، أحكام القرآن على مذهب الإمام مالك ابن العربي، والقرطبي، أحكام القرآن على مذهب الإمام الشافعي، أحكام القرآن لإلكيا الطبري الهراسي، يبقى مذهب الحنابلة يستمر الحال على هذا الوضع؟ طالب العلم بحاجة إلى أن يقارن؛ لأنه لا بد أن يربط أحكامه الفقهية بالقرآن، أولى ما يستنبط منه الأحكام القرآن، فإذا أتيت إلى كتاب أحكام القرآن للجصاص أثبت الحكم باختصار، تقول: هذا رأي الحنفية كما قال الجصاص، ثم تأتي إلى أحكام القرآن لابن العربي فإذا كان ابن العربي ذكر الآية، وذكر الحكم اقتصرت عليه، وقلت: هذا الحكم عند المالكية كما في أحكام القرآن لابن العربي، إذا لم يذكر هذه الآية ابن العربي –وهو مظنة- ترجع إلى القرطبي، ويذكر فيه رأي الإمام مالك، ثم ترجع إلى كتاب إلكيا الطبري الهراسي تذكر الحكم، تقول: هذا مذهب الشافعية من خلال أحكام القرآن لإليكا الهراسي، ثم يبقى الخانة الرابعة مذهب الحنابلة ترجع إلى كتب الحنابلة الفقهية، هذه مسألة فقهية ترجع فيها إلى كتب الفقه تقول: رأي الحنابلة كذا كما في المغني مثلاً، تتم لديك الصورة في المذاهب الأربعة، وتتفقه على هذه الطريقة، إن أضفت قلت: رأي شيخ الإسلام كذا كما في الفتاوى، نور على نور، إن زدت فقلت: رأي الظاهرية كذا كما في المحلى، إذا انتهيت على هذه الطريقة، الآن الثلاثة المذاهب الثلاثة مخدومة ما تتعبك شيء، الذي يتعبك المذهب الرابع مذهب الحنابلة، وهو ليس بمتعب، كتبه مرتبة، ومنظمة، ومتداولة، وموجودة، المسألة مسألة مراجعة، أنا أعتقد أن مثل هذا

ص: 18

العمل لا يحتاج إلى بضعة أشهر، وإذا انتهى طالب العلم بهذه الطريقة، وأنتم الآن في وقت التحصيل، أنتم الآن في وقت التحصيل، كنا نقرأ، وندون الساعات في اليوم الواحد، لكن الآن، والله إني لا أتمكن، ولا تحضير الدروس، فضلاً عن أن أقرأ شيئاً آخراً، فالذي يفرط في مثل هذه الأيام سوف يندم، ولات ساعة مندم، يندم بالفعل، كما ندمنا، يعني الواحد يمكن يجي له فترة سنة، سنتين، يقرأ، ويستفيد، ويحصل، ثم بعد ذلك يفتر، ويضيع باقي الأيام، وباقي السنين، لكن على طالب العلم الذي ذاق طعم، وحلاوة العلم أن يستمر، وأن يجد في طلب العلم، فهذه من أنفع الوسائل، يعني أحياناً تطرح آراء يستغربها طالب العلم، وهي من أنفع الوسائل أيضاً، فيأتي طالب العلم إلى تحفة الأشراف يعني شرحنا الطريقة التي تجمع فيها كتب السنة مراراً عن طريق جعل البخاري محوراً للبحث، يأتي طالب العلم إلى تحفة الأشراف، فيمسك الأحاديث حديثاً حديثاً، ويذكر الأحاديث كاملة التي أشار إليها المزي، فإذا ذكر الأحاديث كاملة من مصادرها، رجع إليها من مصادرها؛ فما ينتهي من الكتاب إلى عنده ألوف مؤلفة من الأحاديث، ومن الرجال، ومن حفظ سلاسل الأسانيد التي يروى بها أحاديث كثيرة، لكن هذا يحتاج إلى زمن طويل، ويحتاج إلى معاناة، وصبر، وتخفيف من الارتباطات، والاقتصار على الضروريات، ويستفيد طالب العلم؛ لأن بعض الناس يضيع عمره في التردد، ما يدري ويش يصنع، ويوم يجلس عند هذا العالم، يقول: والله ما استفدت؛ ندور غيره، ويروح لثاني، ثم يقول: والله ما استفدت، وسمعنا كلمة ما استفدت من الكبار، وسمعنا من جلس عند الشيخ ابن باز لمدة شهر قال: والله ما استفدت شيئاً، ما هو بصحيح ما استفدت شيئاً، وسمعنا من قرأ كتاباً كاملاً، ولما انتهى قال: والله ما بذهني شيء، هذا الكلام ما هو بصحيح، نعم لو أراد أن يستذكر ما في الكتاب قد لا تسعفه الذاكرة، لكن لو بحث أي مسألة في مجلس من المجالس شارك فيها؛ لأن عنده مخزون من العلم، وهو لا يشعر، فبعض الناس يصاب باليأس، يقول: قرأت مثلاً شرح النووي، أو شرح كذا، أو ابن رجب، ثم انتهيت لا شيء، طبقت الكتاب مثل ما فتحته، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، نعم قد

ص: 19

تستذكر، قد تعتصر الذهن ما يسعفك، لكن إذا بحث مسألة تستذكر -والله المستعان-.

يقول: أنا عمري عشرين سنة، وأريد الزواج من امرأة عمرها ثماني عشرة سنة، تعرفت عليها، وهي ليست من قبيلتي، بل من قبيلة أخرى، ولكن الوالد والوالدة رافضين هذا الشيء قطعياً، يقولون: أنت تعرف واحدة حيوانة، وسافلة، وكلام مشين، مع احترامي الشديد لكن مع أن أبو البنت يشرب دخان، وشيشة، وكذلك يتعاطى القات، يا شيخ، هل أوافق على هذه البنت، أم أتركها؟

لو أطعت والديك، وبحثت عن بنت نشأت في بيئة صالحة، وربيت تربية تعينك على أمر دينك، ودنياك كان أفضل، علماً بأنه إذا كانت البنت متدينة، إذا كانت البنت .. ، فالمسألة تعلقها بها لا بأبويها، ولا شك أن للبيئة تأثيراً على البنت، وكذلك على الولد، لكن النظر إليها بالدرجة الأولى، فإن كانت غير متدينة، فابحث عن غيرها، وغيرها كثير، يعني بر الوالدين في مثل هذا، وطاعتهما أمر لا بد منه، مع أن التعرف بين الشاب، والشابة، البنت التي يمكن التعرف عليها من قبل الشباب هذه قد يرغب عنها.

يقول: أخت متزوجة، وفي شهرها الخامس تسأل هل يجوز لها أن تعمل التحاليل لترى هل الجنين طبيعي، أم مشوه؟ هل تقول: إنها لا تريد أن تعمل هذه التحاليل؛ لأنها قد تتسبب هي نفسها في تشويه الجنين؛ لأنها تأخذ من الرحم، وقد يصاب الجنين بالأذى، لكن هي سمعت شيخاً يقول: إن علم الأبوين بأن الجنين فيه تشويه، ولم يزيلاه، فقد يكونان سبب في تعذيبه، وقتله، وهذا الأمر حيرها هي عندها بنت، وولد، الولد خلق سليم، والبنت خلقت منغولية، لهذا تسأل ماذا تفعل هل تترك الأمر لله، وما تعمل لا تحاليل، ولا شيئاً، أم تعمل التحاليل، وتشوف ما في بطنها؛ هل هو سليم أم لا؟ وفي حالة أخبرت أن الجنين مشوه؛ هل يجب عليها أن تجهض، وجزاكم الله خيراً؟

ص: 20

لو تركت الأمر لله، وتركت التحاليل؛ لكان أفضل، وأولى، وهو الأصل، لكن إن حللت، وظهر الحمل الجنين مشوهاً؛ فلا يجوز لها أن تجهضه بحال، والإنسان لا شك أنه يحرص، ويتمنى أن يكون الولد كامل الخلقة، سليماً، لكن وما الذي يدريه في أن العاقبة قد تكون في الولد المشوه، وقد تكون في الولد -كما ذكرت- غير السليم؛ لأن هذا السليم قد يكون سبباً، سبب عذاب، ومحنة، وفتنة لهما في الدنيا، والآخرة، وهذا المشوه قد يكون منحة من الله -جل وعلا-، تصب عليهم الأجور بسبب رعايته صباً، مع الصبر، والاحتساب قد يكون أفضل، نعم الإنسان لا يتمنى أن يكون الولد مشوهاً، لكن إذا حصل، أو معوقاً، إذا حصل؛ فالصبر والاحتساب، وأما الإجهاض فلا يجوز بحال.

أهل العلم يقولون: إذا كان هناك حاجة داعية؛ فيجوز قبل الأربعين بدواء مباح، أما بعد الأربعين، فلا.

يقول: ما هي الطريقة في حفظ القرآن؟

الطريقة في حفظ القرآن كما ذكر أهل العلم، كما جُرب، يعني يحدد الوقت المناسب لقوة الحافظة، وضعفها، ثلاث آيات، خمس آيات، عشر آيات، أكثر، أقل، ثم يردد حتى يحفظ، فإذا حفظ يكرر، ويصلى به، يعني يصلى به، يعني يصلى به نوافل؛ ليثبت، ثم بعد ذلك إذا كان من الغد كرر هذا المحفوظ خمس مرات، ثم ذكر جزءاً، قرر جزءاً مناسباً، فإن كان سَهُل عليه حفظ خمس الآيات يزيد إلى سبع حتى يحفظها، ويكررها كما فعل بالأمس، ثم بعد ذلك في اليوم الثالث يكرر نصيب اليوم الأول أربع مرات، ونصيب الأمس خمس مرات، ويبدأ بحفظ القدر المحدد لليوم الثالث، وهكذا.

هذا يقول: أريد أن أسأل عن حكم أخذ مال الزكاة لكي تعينني في رحلة طلب العلم، وإنني ليست لدي الإمكانية المالية التي تساعدني للذهاب؟

شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يرى أن طالب العلم، أو طلب العلم في سبيل الله، فهو مصرف من مصارف الزكاة، وطالب العلم يأخذ من الزكاة ليشتري ما يحتاج حتى الكتب، والمراجع، وجمهور أهل العلم على أن مصرف في سبيل الله خاص بالجهاد، وعلى هذا يأخذ من الصدقات، وإن طلب العلم، واقترض إن وجد من يقرضه، وصار غارماً؛ جاز له أن يأخذ من الزكاة.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 21

كيف؟ يعني هذا شخص عنده مال، يريد أن يتصدق به، أو يشتري به كتباً؟ هذا على حسب حاجته، إن كان يريد أن يشتري الكتب، ويصفها في الرفوف، ورجوعه إليها نادر؛ فالصدقة بقيمتها أفضل، إيه، وإلا الاستفادة، والعلم أفضل من الصدقة.

هذا يقول: أنا مسافر، ودخل وقت الظهر، وأنا موجود على الحدود السعودية القطرية؛ فهل أصلي الظهر والعصر قصراً، وجمعاً؟ علماً بأنني سوف أصل إلى بيتي قبل صلاة العصر؟

لا، لك أن تصلي صلاة الظهر قصراً في وقتها، وإذا وصلت؛ لأن بعضهم يشترط استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، إلى دخول وقت الثانية، فعلى هذا إذا غلب على ظنك أنك تصل إلى بلدك قبل دخول وقت الثانية؛ فإنه ليس لك أن تجمع.

لحظة يقول هذا: ما مزية، له سؤال سابق، سؤال ثاني في الورقة،

ما مزية جامع الأصول، وقد جمع بعض كتب السنة؟

جامع الأصول جمع الكتب الخمسة التي هي دواوين الإسلام، والسادس بدلاً من ابن ماجه جعله الموطأ، موطأ الإمام مالك، وجمعه جيد، وترتيبه مناسب، لكن الإشكال في مثل جامع الأصول أنه لا يأخذ الأحاديث من الأصول، فقد تجد لفظاً ينسبه إلى البخاري، ولا تجد نفس اللفظ في البخاري، إنما يعتمد على المستخرجات، كالبيهقي، وغيره،

نعم.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

الموضوع

شر الضعيف الخبر الموضوع

الكذب المختلق المصنوع

وكيف كان لم يجيزوا ذكره

لمن علم ما لم يبين أمره

وأكثر الجامع فيه إذ خرج

لمطلق الضعف عنى أبا الفرج

والواضعون للحديث أضرب

أضرهم قوم لزهد نسبوا

قد وضعوها حسبة فقبلت

منهم ركونا لهم ونقلت

فقيض الله لها نقادها

فبينوا بنقدهم فسادها

نحو أبي عصمة إذ رأى الورى

زعماً نأوا عن القران فافترى

لهم حديثا في فضائل السور

عن ابن عباس فبئسما ابتكر

كذا الحديث عن أبيٍّ اعترف

راويه بالوضع وبئسما اقترف

وكل من أودعه كتابه

كالواحدي مخطيء صوابه

وجوز الوضع على الترغيب

قوم ابن كرام وفي الترهيب

ص: 22

والواضعون بعضهم قد صنعا

من عند نفسه وبعض وضعا

كلام بعض الحكما في المسند

ومنه نوع وضعه لم يقصد

نحو حديث ثابت من كثرت

صلاته الحديث وهلة سرت

ويعرف الوضع بالإقرار وما

نزل منزلته وربما

يعرف بالركة قلت: استشكلا

الثبجي القطع بالوضع على

ما اعترف الواضع إذ قد يكذب

بلى نرده وعنه نضرب

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الموضوع" الموضوع اسم مفعول من الوضع، وهو الحط، وضع الشيء، وضع الدين حطه، وسمي الخبر الموضوع المكذوب بهذا الاسم؛ لأنه منحط الرتبة، منحط الرتبة عن مستوى من نسب إليه، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، وذكر الموضوع في أنواع علوم الحديث مع أنه ليس بحديث؛ نظراً إلى كونه مما يتحدث به، وتنزلاً على حد زعم واضعه، واضعه سماه حديثاً، والعلماء إنما ذكروه لتفنيده، وبيانه "شر الضعيف" يعني شر أنواع الضعيف "الخبر الموضوع" يعني المحطوط المنحط "الخبر الموضوع الكذب" يعني المكذوب "المختلق المصنوع" من قبل واضعه، وأتى بهذه الألفاظ: الموضوع، الكذب، المختلق، المصنوع؛ لكي يخاطب جميع الجهات من جهات المسلمين، فبعض الناس يعرف موضوع لكن ما يعرف .. ، لعل الكل يعرفون الكذب، لكن منهم من لا يعرف معنى الموضوع، ومنهم من لا يعرف معنى المختلق، ومنهم من لا يعرف معنى المصنوع، المصنوع.

ص: 23

الموضوع: من الوضع وهو الحط، والانحطاط، كما قالوا في حط الدين، والكذب الذي هو المكذوب، والكذب مصدر كذب يكذب كَذِباً، وكِذْباً، وكِذَاباً، وكِذَّاباً، نقيض الصدق، نقيض الصدق، الكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه في الواقع، والصدق الإخبار عن الشيء بما يطابق الواقع، ولا واسطة بينهما، كما تقول المعتزلة، لا واسطة بين الصدق، والكذب، فالكلام إما صدق، وإما كذب، الخبر عموماً إما صدق، وإما كذب، ذكرنا بالأمس في درس مسلم أن المعتزلة احتجوا على قولهم بأن هناك واسطة بين الصدق، والكذب بقول الله -جل وعلا-:{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(8) سورة سبأ]، وهذا من قول المشركين، ذكره الله -جل وعلا- عنهم، فقابل الكذب بالجنة، وما قابله بالصدق، فدل على أن للكذب مقابلاً غير الصدق، فليس بنقيض للصدق بل هو ضد له؛ لأنهما قد يرتفعان، ويحل محلهما ما لم يقصد، الكلام الذي لم يقصد، ككلام المجنون، لا يطابق الواقع، مع عدم قصده، ومع ذلك قوبل بالكذب في الآية، عرفنا أن هذا لا مستمسك به، ولا دليل فيه، الكلام الذي لم يقصد؛ هل يصح أن يطلق عليه كلاماً، أو لا؟ الكلام الذي لم يقصده صاحبه، يقال: هو كلام، وإلا لا؟ نعم، يعني في تعريفهم للكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، اللفظ المركب المفيد بالوضع، المركب المفيد هذا معروف، يعني مركب من أكثر من كلمة، ومفيد فائدة يحسن السكوت عليها، بالوضع، من الشراح قال: بالقصد، فعلى هذا الكلام غير المقصود لا يسمى كلاماً، ككلام النائم، والساهي، والغافل، وكلام الطيور، وما أشبه ذلك، وذلكم حينما يقول الفقهاء: تبطل الصلاة بالكلام، تبطل الصلاة بالكلام، وفي حال الركوع، أو السجود يعتدي شخص على آخر، فيضربه على ظهره، ثم يتكلم بكلمة من غير قصد، يعني لو ضرب، وهو ساجد، وإلا راكع وقال: أح، هذا كلام، وإلا ليس بكلام؟ تبطل به الصلاة، أو لا تبطل؟ قالوا: لا تبطل به الصلاة؛ لأنه غير مقصود، فلا يدخل في الكلام الذي يبطل الصلاة، فعلى هذا الكلام غير المقصود لا يدخل في الكلام، وكلام المجنون الذي لا يعي ما يقول لا يدخل، ولذا تصرفات المجانين، ومن خلال كلامهم لا يرتب عليها شيئاً، قل:

ص: 24

مثل هذا فيما يقرب من الجنون، كالغضبان، إذا تكلم لا يؤاخذ، يقع طلاقه، أو لا يقع؟ والسكران كذلك؛ لأنه لا يقصد، وهذه مسألة معروفة عند أهل العلم.

ومنهم من يقول: إن مراد النحاة في قولهم بالوضع يعني بوضع العربي، بالوضع العربي، بالوضع العربي، فيدخل في الحد الكلام غير المقصود، لكن يخرج منه كلام الأعاجم، كلام الأعاجم يدخل في الكلام على الأول، لكن لا يدخل في الكلام على القول الثاني، مادام قلنا بالوضع العربي، فكلام الأعاجم ليس بكلام، وعلى هذا لو تكلم الأعجمي في الصلاة؛ ما تبطل صلاته، على كل حال هذا الكلام عند النحويين، وعند الفقهاء له تعريف، وعند المتكلمين له تعاريف، الذي يهمنا منه قولهم بالوضع، وأن من أهل العلم من قال: أن المراد بالوضع القصد، فلا بد أن يكون مقصوداً، فكلام المجنون لا يدخل في الكلام، ولذا قوبل بالكذب به، لا يدخل في الكلام أصلاً، فليس بكلام.

الكذب حكمه، والوضع على النبي عليه الصلاة والسلام حرام إجماعاً، حرام إجماعاً، وهفوة وزلة عظيمة، وموبقة من الموبقات، بدليل ما تواتر عنه عليه الصلاة والسلام من قوله:((من كذب علي متعمداً؛ فليتبوأ مقعده من النار))، وإذا كان الكذب على غيره محرم إجماعاً، فالكذب عليه عليه الصلاة والسلام أشد:((إن كذباً علي ليس ككذب على غيري))، ولكنه لا يصل إلى حد الكفر، مع عدم الاستحلال، كما قال الجويني، والد إمام الحرمين، وما نقل الذهبي عن ابن الجوزي أنه قال:"لا شك أن من كذب على الله، وعلى رسوله بتحليل حرام، أو تحريم حلال؛ فإنه يكفر"، أو "من فعل ذلك؛ فإن ذلك كفر محض"، على ما ذكرناه بالأمس، والمرجح هو قول الجمهور، ويختلفون في الكاذب الذي يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام؛ هل تقبل توبته، ويقبل حديثه بعد ذلك؟ المسألة أشرنا إليها بالأمس، فأظن إعادتها لا داعي لها، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 25

لا، لا ما نقول تخيير، هل هي للتقسيم، هل هي للتقسيم، والتنويع؟ يعني تكون الجِنة مقابلة، أو تكون بمعنى:"بل" للإضراب، للإضراب:"افترى على الله كذباً بل به جنة" ممكن هذا؛ لأن "أو" تأتي بمعنى "بل"، مائة ألف أو يزيدون، يعني بل يزيدون.

طالب:. . . . . . . . .

إي، نعم إذا قلنا: إنها بمعنى بل؛ انتفى الإشكال، انتفى الإشكال.

. . . . . . . . .

الكذب المختلق المصنوع

من قبل واضعه "وكيف كان" الموضوع، وفي أي معنىً كان، سواءٌ كان في الأحكام، أو في الفضائل، أو الترغيب، أو في القصص، أو في غيرها "كيف كان لم يجيزوا" يعني العلماء "ذكره" يعني روايته:

. . . . . . . . .

لمن علم ما لم يبين أمره

"لمن علم" مفهوم هذا الكلام أنه يجوز ذكره لمن لم يعلم، والجاهل معذور على هذا فالمؤاخذ الذي يعلم، وهذا مبني على ضبط من حدث عني بحديث يرى أنه يُرى أنه كذب، فإذا قلنا أن الضبط يَرى أنه كذب لا يجوز، إذا كان يعلم، وإذا قلنا: يُرى، لا يجوز، ولو كان لا يعلم، ولو رآه غيره، وهو لم يره، وعلى هذا يلزم المسلم أن يتثبت، فيكون الأصل العدم، لا الأصل الوجود، لا، الأصل العدم، لا تحدث إلا إذا تأكدت، وعلى الرواية الأولى يَرى أنه كذب، أنك تحدث ما لم تنتقد، أو تطلع على أن هذا الحديث ليس بصحيح.

ولا شك أن الأحفظ، والأحوط للسنة أن يكون الأصل عدم التحديث إلا بعد التأكد، والصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يهابون الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، والقصص في ذلك، والمروي عنهم في هذا كثير.

وكيف كان لم يجيزوا ذكره

لمن علم ما لم يبين أمره

لا بد أن يبين أمره، فيوضح للناس أنه مكذوب على النبي عليه الصلاة والسلام، ويكون بيانه لا للإفادة منه، بل للتحذير، بل للتحذير، والبيان إنما يكون بما يتم به هذا البيان بخلاف الألفاظ المجملة، أو التي يعرفها البعض دون البعض، بل لا بد أن يبين بأسلوب يستوي الجميع في معرفته، والقصة التي ذكرناها بالأمس تدل على أنه لا يبرأ، ولا يخرج من عهدة البيان إلا بأمر يتفق الجميع على فهمه، المتعلم، والعامي، وكل أحد يعرف أنه مكذوب، ومختلق، ومصنوع.

ص: 26

ذكرنا أن الحافظ العراقي سئل عن حديث، فقال: لا أصل له، مكذوب على النبي عليه الصلاة والسلام، فاعترض عليه شيخ من الأعاجم ينتسب إلى طلب العلم، وقال له: كيف تقول الحديث مكذوب، وهو موجود في كتب السنة بالإسناد؟ فأحضره من موضوعات ابن الجوزي، قال: فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، ويوجد من طلاب العلم لا سيما الذين لا يد لهم في الحديث، وهو في غير هذه البلاد كثير، يأتينا تعليقات على بعض الكتب من طلاب العلم يحضرون دروس على مشايخ، فيملون عليهم المشايخ أحاديث موضوعة، ويتداول الناس من العامة، والخاصة أحاديث في المناسبات لا أصل لها، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، والكذب على النبي عليه الصلاة والسلام هفوة، وزلة عظيمة، وليست كالكذب على غيره، وإذا كان الأصمعي يرى أن من يلحن يدخل في الحديث، الذي يلحن يدخل في الحديث؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يلحن، فمهما لحنت قولته ما لم يقل، لكن إذا جيء بالحديث باللهجة الدارجة مثلاً عند الناس، عامي يتكلم بحديث يريد أن يعظ الناس، أو يعظ زوجته، أو ولده، ثم جاء بالحديث بلهجته، وبعض الناس يتنزل مع العامة، ويحدثهم بأحاديث بلهجاتهم، ويرتاد مسجده كثير من الناس، ويطيل الكلام بين الأذان، والإقامة في صلاة العشاء إلى ما يقرب من ساعة، وهو يحدث على الناس بأحاديث بعضها مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وبعضها قصص حصل لبعض الصحابة، ويلقيها عليهم بما يفهمون بأساليبهم، نقول: نعم، أنت قلت عن النبي عليه الصلاة والسلام ما لم يقل، فعليك أن تحتاط لهذا الأمر أنت، وغيرك؛ لأن أهل العلم إذا منعوا اللحن، فلأن يمنعوا تغيير الألفاظ بالكلية من باب أولى.

أحياناً يكون بعض من ينتسب إلى العلم، أو الدعوة لديه شيء من المرح، ويريد أن يجذب الناس بأسلوبه، فيقع في شيء من هذا، ويقص على الناس، ويدخل حديث في حديث ليضحك الناس، هذا لا شك أنه لا يجوز، فيدخل حديث لأدنى مناسبة، ولو كانت المناسبة ضد هذا الحديث، ولا داعي لذكر الأمثلة؛ لئلا يعرف الشخص، والأمثلة موجودة، ومضبوطة، والله المستعان.

ص: 27

وبعض الناس يقوم ليعظ الناس، ويتحدث بأحاديث، ويتكلم بآيات، ويؤثر في الناس، حتى إذا أقبل الناس على البكاء أردف ذلك بنكتة، فضحكوا، هذا أسلوب لبعض من ينتسب إلى الدعوة، فلا شك أن في كلامه مؤثر، ولديه قدرة على التأثير، لكن مع ذلك يخلط الجد بالهزل، ثم بعد ذلك تضيع الفائدة، وهذا الأسلوب، وإن كان فيه جذب لبعض الناس، لكنه إدخال مثل هذا بين النصوص نصوص الكتاب والسنة؛ لا شك أنه ليس بجيد، بل أمر سيء.

ص: 28

"وأكثر الجامع" أكثر من ذكر الأحاديث، الجامع الذي جمع مصنفاً في الموضوعات "إذ خرج" عن موضوع كتابه؛ لأن موضوع الكتاب في الموضوعات التي لا تصح نسبتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام، "وأكثر الجامع" فصنف مصنفاً، يقول الشراح: نحو مجلدين، وهو مطبوع في ثلاثة، وفي أربعة بعض الطبعات "إذ خرج" عن موضوع كتابه "لمطلق الضعف" فذكر أحاديث ضعيفة، بل تعدى ذلك، فذكر أحاديث حسنة، بل تجاوز ذلك إلى بعض الأحاديث الصحيحة، فذكر منها، أو ذكر في كتابه ما هو في صحيح مسلم، وبعض كتب الحديث تشير إلى أنه أورد حديثاً في صحيح البخاري من رواية حماد بن شاكر، لا في الروايات المشهورة، وإنما الحديث الذي أورده في صحيح مسلم موجود فيه "لمطلق الضعف عنا" يعني ابن الصلاح "أبا الفرج" ابن الجوزي "عنا أبا الفرج" يعني ابن الجوزي، الحنبلي، المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، الواعظ المشهور، صاحب المصنفات الكثيرة، والسبب في ذلك مجيء هذا الحديث الذي لا يبلغ إلى درجة الوضع، إنما هو ضعيف، أو حسن، أو صحيح هذا الحديث أدخله في الموضوعات؛ لأنه جاء من طريق من رمي بالوضع، من طريق فيه من رمي بالوضع كذاب، لكن المؤلف غفل عن وروده من طرق يصح بها، غافلاً عن مجيئه بسند صحيح، أو حسن، أو ضعيف آخر، يعني يمكن يأتي يكون لا يصل إلى درجة الوضع، ثم يأتي حديث يرقيه؛ فيكون حسناً لغيره، وأورد فيه من الأحاديث الحسنة لذاتها، وأورد فيه –أيضاً- أحاديث صحيحة، وقلنا أن عمله نقيض عمل الحاكم في مستدركه، والضرر واقع بالعملين معاً، فعمل ابن الجوزي يحرِم الناس من أحاديث، من العمل بأحاديث ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وعمل الحاكم الذي صحح بعض الأحاديث الضعيفة، بل بعض الأحاديث الموضوعة يجعلهم يعملون، ويتدينون بشيء لا يثبت، لا تثبت نسبته إلى الشرع، وفي كلا العملين خطر عظيم "عنا أبا الفرج"، "والواضعون للحديث" كثيرون:

والواضعون للحديث أضرب

. . . . . . . . .

ص: 29

عددهم كثير لا كثرهم الله، ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن شخص من المتكلمين أنه أنكر الوضع في الحديث، وقال: كل ما ينسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام فهو صحيح؛ لأن الوضع في الحديث، والكذب، التمكين من الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام ينافي حفظ الدين، والله -جل وعلا- يقول:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر]، والسنة بيان للقرآن، فكيف يبين المحفوظ بغير محفوظ، فأنكر أن يوجد الوضع في الحديث، فانبرى له شخص، وذكروا أنه كان صغير السن هذا الشخص، فقال له: ما رأيك في حديث: "سيكذب علي"؟ فالرد حاصل بالنفي والإثبات، إن قال: صحيح، طبعاً أنت قلت: ما يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، وصححت أنه سيكذب عليه؛ تناقضت، وإن قال: ليس بصحيح، أنت قلت: ما يكذب عليه، والآن كذب عليه، هاه، هذا الحديث، وبعضهم ينكر مثل هذا الكلام، بعضهم ينكر مثل هذا الكلام، وأنه لا يصح، ولا يثبت عن أحد، لكن إنكاره، وعدم إنكاره هو لا يترتب عليه حكم، فالحديث ليس بصحيح، لكن إلزام المتحدث من عدم التزام المحدث الذي حدث بهذا الحديث لا يلتزم به، إنما جاء به ليلزم به المتحدث، ومثل هذا في باب المناظرة يقبل؛ لأن قلب الأحاديث، القلب في الأسانيد، والمتون يجيزه أهل العلم للامتحان، لامتحان الطالب ما لم يثبت عليه، بل ينفى في المجلس، في المكان، امتحان الطالب، كما امتحن الطالب من قبل أهل العلم ببعض الأحاديث المقلوبة التي لا يجوز قلبها لغير الامتحان، وهذا من باب الرد، والإلزام جوازه من باب أولى، ولا شك أن مثل هذا الكلام رد واضح عملي على هذا الذي لا علم له بعلم الحديث، لا علم له بعلم الحديث، فمثل هذا لا بد أن يرد عليه، ومن تعاطى غير فنه أتى بالعجائب، والواقع يشهد بخلاف ما قال، فالواضعون للحديث كثر، لا كثرهم الله، بعض الناس يورد الأحاديث، ولا بضاعة له من الحديث، لا من قريب، ولا من بعيد، فالغزالي في مؤلفاته يورد أحاديث، ويرتب عليها أحكام، ويستنبط منها، ومع ذلك يقول: بضاعته في الحديث مزجاة، وواقع كتبه يشهد بذلك، والإحياء على رأسها فيه أحاديث موضوعة كثيرة، والرازي يبني بدعه

ص: 30

الموجودة في تفسيره على أحاديث، وهو لا حظ له، ولا نصيب من الرواية، وأورد في تفسير سورة العصر حديثاً عن امرأة تجوب شوارع المدينة، وتقول: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتدل عليه، فتذكر له أنها شربت الخمر، وزنت وولدت ولداً من زنى فقتلته، هذا أورده الرازي في تفسير سورة العصر، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام:"أما الشرب فالجلد، وأما قتل الولد فالحد، وأما كونك زنيت، فلكونك لم تصل العصر"، أورد هذا الخبر، ولا أصل له، ولا وجود له في دواوين الإسلام، ونقله عنه الألوسي، وقال: أورده الإمام، الفقهاء، والأصوليون، والمفسرون يسمونه الإمام، وإذا أطلق أريد به، انصرف إليه، قال: أورد الإمام، ولعمري أنه إمام في نقل ما لا يعرفه أهل الحديث، هذا مدح، وإلا ذم؟ ذم، ذم بليغ، فإيراد هذه الموضوعات في كتب التفسير، كما يشير إليه المؤلف فيما سيأتي لا شك أنه هفوة عظيمة، فلا يجوز للإنسان أن يعتمد على ما لا يعتمد عليه من الثابت.

والواضعون للحديث أضرب

. . . . . . . . .

فمنهم الزنادقة الذين يريدون إفساد الدين على أهله، ومنهم مرتزقة يتكسبون، قصاص، يتكسبون بوضع الأحاديث، ومنهم سمار، ومهرجون متحدثون يزينون كلامهم لتتسع مجالس الناس لهم، لا سيما الخلفاء، ومنهم متعصبة تبع لأئمة إما في العقائد، والأصول، أو في الفروع -نسأل الله العافية-، يتعصب لإمامه إذا قال قولاً، وقوبل به هذا الشخص، وقيل: إنه لا دليل له، أثبت له دليل، وضع له دليل، وهذا شنيع، وذكر القرطبي في "المفهم": أن من الحنفية من أهل الرأي من يجيز أن يوضع للحكم الذي يثبت بالقياس الجلي أن يركب له إسناد، ويرفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، نسأل الله السلامة والعافية، فالزنادقة وضعوا أحاديث، واعترف واحد منهم بأنه وضع أربعة آلاف حديث، والمرتزقة من القصاص، وغيرهم –أيضاً- ساهموا، والمتعصبة من المذاهب الأصلية، والفرعية –أيضاً- ساهموا، ووضعوا أحاديث في مناقب أئمتهم، وفي مثالب مخالفيهم، وأما طوائف البدع، فحدث ولا حرج، فجل أقوالهم مبني على هذا.

. . . . . . . . .

أضرهم قوم لزهد نسبوا

ص: 31

أضر هذه الأضرب، والأضرب جمع ضرب، والضرب، والقسم والنوع ألفاظ متقاربة، وأورد أبو هلال العسكري في فروقه اللغوية بعض الفروق الدقيقة بين هذه الألفاظ.

. . . . . . . . .

أضرهم قوم لزهد نسبوا

ينتسبون إلى زهد، وصلاح، لكنهم يغفلون عن معرفة الحديث، والناس يثقون بمثل هذا النوع، أهل العبادة، وأهل الزهد، والفضل، والصلاح، الناس يثقون بهم، ويركنون إلى أقوالهم، ومروياتهم، فمشت موضوعاتهم على كثير من الناس "قد وضعوها" هؤلاء القوم الزهاد، وضعوا أحاديث في الفضائل، والرغائب "قد وضعوها حسبة" يبتغون بذلك الأجر والثواب من الله -جل وعلا- "فقبلت" موضوعاتهم؛ إحساناً للظن بهم "فقبلت منهم ركوناً" وميلاً، ووثوقاً بهم، "ركوناً لهم، ونقلت" عنهم، ونقلت عنهم من قبل من لا علم عنده، من قبل من لا علم عنده "فقيض الله" يعني هيأ الله -جل وعلا- "لها" أي لهذه الموضوعات "نقادها" جمع ناقد، ممن خصه الله -جل وعلا- بقوة البصيرة في علم الحديث:

فقيض الله لها نقادها

فبينوا بنقدهم فسادها

ص: 32

وقاموا بأعباء ما تحملوه على الوجه الأكمل، قيل لابن المبارك: هذه الموضوعات، يعني يشتكي بعضهم لابن المبارك، ويقول: هذه الموضوعات، الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال ابن المبارك: تعيش لها الجهابذة، فتصدى له أهل العلم، وفندوها، وردوها، وبينوا وضعها، وكشفوا عوارها، وأقوال أهل العلم في هذا، ومصنفاتهم كثيرة، والله -جل وعلا- قيضهم لهذا الأمر، حتى قال قائلهم: لو أن شخصاً هم بالليل أن يضع حديثاً؛ لأصبح الناس يتحدثون بأن فلاناً كذاب، قبل أن يكذب، وهذا كله لحفظ هذا الدين الذي وعد الله -جل وعلا- ببقائه إلى قيام الساعة، لكن على أهل العلم أن يقوموا بما كلفوا به، وإلا إذا تخاذلوا لا شك أن الشر ينتشر، إذا تراخوا وتخاذلوا، واتكل كل واحد، وتوكل كل واحد على غيره، فإن لا شك أن التبعة على أهل العلم عظيمة، وسواءٌ كان في مثل هذا الباب من تفنيد الشبه، وما يلصق بالدين مما لا يصح، أو كان –أيضاً- بإنكار الشهوات، والمعاصي، والمنكرات، كل هذا لا بد من التصدي له، وإلا فالنتيجة أن يكثر الخبث، وتحل العقوبة، كما قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: أنهلك، وفينا الصالحون؟ قال:((نعم إذا كثر الخبث))، مع وجود الصالحين، ولا يكثر الخبث إلا إذا تواطأ الناس على إنكاره، أما إذا وجدت سنة المدافعة، وقام كل إنسان بما أوجب الله عليه، فإن هذا الخبث ضعيف لن يصمد أمام قوة الحق.

. . . . . . . . .

فبينوا بنقدهم فسادها

"نحو" يعني مثل "أبي عصمة" نوح بن أبي مريم الجامع، يعني جمع بين علوم كثيرة، فهو جامع، هذا لقبه، وابن حبان، وغيره يقولون: جمع كل شيء إلا الخير -نسأل الله السلامة والعافية-،

نحو أبي عصمة إذ رأى الورى

. . . . . . . . .

"إذ رأى الورى" يعني الخلق "زعماً" يعني على حد زعمه "نأوا" يعني أعرضوا "عن القرآن" أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، مع أنه من تلاميذ أبي حنيفة، وابن إسحاق، هو من طلابهم، فرآهم اشتغلوا عن القرآن بغيره، بالفقه، وبالمغازي، فأراد أن يردهم إلى القرآن؛ لأن القرآن أعظم ما يعتنى به.

ص: 33

وفي عصرنا نأوا عن القرآن بأي شيء؟ بالجرائد، والمجلات، والقنوات، ليتهم اشتغلوا بفقه، ومغازي، لكن هل مثل هذا مبرر لأن نروج الدين، ونرد الناس إلى حضيرة الدين بالكذب، والزور، وإلصاق ما لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام بدينه؟ أبداً، بل هذه، بل هذه الزلة أعظم من انصراف بعض الناس عن القرآن، وإلا فالانصراف واضح، وموجود، حتى بعض طلاب العلم انصرفوا عن القرآن، حتى من طلاب العلم من لا يفتح المصحف إلا في رمضان، وهو على حد زعمه يشتغل بالسنة، أو يشتغل بالفقه، أو يتخصص بأي علم من العلوم الشرعية، لكن القرآن رأس المال، وهو أصل الأصول، فينبغي أن يعتنى به قبل غيره.

. . . . . . . . .

زعماً نأوا عن القرآن فافترى

أي: اختلق أحاديث، أو "حديثاً في فضائل السور"، "فافترى لهم" يعني من عند نفسه "حديثاً في فضائل السور" يعني في قراءة السور، عن عكرمة "عن ابن عباس" رضي الله عنهما "فبئس ما ابتكر" فبئس ما ابتكر، يعني من وضعه لهذا الخبر الذي فيه فضائل السور مرتبة، بدءاً من الفاتحة إلى الناس، من قرأ كذا؛ فله كذا، يرغب الناس في القرآن، وممن صرح بوضعه الحاكم، وابن حبان، ولا شك أنه موضوع، وعلامات الوضع عليه تلوح للعامة فضلاً عن من ينتسب إلى العلم.

"كذا الحديث" الطويل "عن أبيٍّ"

كذا الحديث عن أبيٍّ اعترف

. . . . . . . . .

يعني الحديث الطويل، المروي عن أبي بن كعب في فضائل السور "اعترف راويه بالوضع" له، "اعترف راويه بالوضع" فتصدى له من نذر نفسه للدفاع عن السنة، فذهب، فسأل عنه من ألقاه، فدله، فقال: حدثني به شيخ بالبصرة، فذهب إليه.

ص: 34