الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم من عوامل بقاء الدعوة تعاقب الدعاة لها ما تعاقبت الأيام، ومنذ أن أكرم الله تعالى هذه الأمة وصوت الداعي مدويا في أفق المدعوين إلى أن أكمل الله الدين وأتم النعمة، ثم توالى الدعاة من خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى من بعدهم من دول أو مصلحين وموجهين آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، وذلك عملا بالأصل القويم في قوله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104](1) الآية.
فكلما خيمت سحب البدع، واحلولكت ظلم الجهالة، وخاض الناس لجج الباطل أيد الله تعالى لهذه الأمة رجالا يدعون إلى الله تعالى على بصيرة، ينيرون
(1) سورة آل عمران الآية 104.
الطريق، ويظهرون الحق ويحيون السنة، ويحاربون البدعة حتى يطهر الله على أيديهم البلاد، وينقذ بدعوتهم العباد، وهذا من تمام النعمة وسعة الفضل من الله تعالى على عباده.
ورجال الفكر وأرباب المعرفة دائما وأبدا يعنون بتراجم الأشخاص وسيرهم، وبالأخص أولئك الرجال الذين حولوا مجرى التاريخ في بلادهم وأوجدوا انقلابات في التفكير، فتراجم هؤلاء بمثابة المصابيح على جانبي الطريق يسترشد بهم الساري ويهتدي بهم القاصد.
ولئن كان بعض الناس يمجدون رجال الفكر أيا كانت وجهاتهم ويغالون في إحياء ذكراهم، بل ربما نصبوا لهم التماثيل، فإننا معاشر المسلمين لا نقدس الشخصيات، ولا ننساق وراء التيارات، ولكن لنا مقاييس تعرض عليها الرجال وأعمالهم، وبقدر ما ترجح كفتهم يكون لهم القدر والمنزلة في نفوسنا، ألا وهي مقاييس الدعوة والإرشاد وميادين الإصلاح في
ظل الإسلام.
وصاحب موضوع هذه المحاضرة القيمة من أوفر الناس حظا وأرجحهم كفة في ميادين الدعوة والإصلاح، وقد طبقت شهرته الآفاق حتى كتب عنه القاصي والداني مما سيراه القارئ، في غضون المحاضرة من التنبيه على ذلك، من كتاب شرقيين، بل قد كتب عنه أحد علماء المغرب العلامة سيدي محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي مدرس العلوم العالية بالقروية، وفيما ألقاه فضيلته بنادي الخطابة الأدبي بفاس ربيع الثاني عام 1336 هـ في كتابه عن نشأة الفقه الإسلامي وتطوراته، وترجم لأعلام العالم الإسلامي ومنهم الشيخ المحاضر عنه وعن دعوته، وذلك في كتابه (الفكر السامي في تأريخ الفقه الإسلامي: جزء 4 صفحة 196 فقرة 1011 تحت عنوان (أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي) .
ولد في مدينة العيينة إقليم العارض بنجد سنة 1115 هـ وربي بحجر أبيه، ثم انتقل إلى البصرة لإتمام دروسه، فبرع في
علوم الدين، واللسان وفاق الأقران، واشتهر هناك بتقوى وصدق التدين. . ثم قال:
عقيدته: السنة الخالصة، على مذهب السلف المتمسكين بمحض القرآن والسنة لا يخوض التأويل والفلسفة ولا يدخلهما في عقيدته.
وفي الفروع: مذهبه حنبلي غير جامد على تقليد الإمام أحمد، ولا من دونه، بل إذا وجد دليلا أخذ به، وترك أقوال المذهب، فهو مستقل الفكر في العقيدة والفروع معا: إلى أن قال: وكان قوي الحال ذا نفوذ شخصي وتأثير نفسي ولذا كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهو متفرد عن عشيرته في البصرة.
ونحن إذ ننقل للقارئ هذا القدر من كلام أحد علماء المغرب إنما نؤكد عناية أهل الفكر بسيرته وثبات ثمرة دعوته والتدليل على معرفة العلماء به.
بل إن بعض الأشخاص ليذكرون عن الدكتور كامل الطويل أنه أثناء وجوده بأوربا للتحضير للدكتوراه عثر على وثائق كانت متبادلة بين نابليون
والبابا العالي بخصوص دعوة الشيخ المترجم عنه، ووجوب عمل اللازم تجاهها، كخطر على مصالحهم في الشرق.
فلئن كان الأمر كذلك فلا أقل من أن نقدم سيرته ومنهج دعوته إلى الناس، وخاصة الناشئة منهم، ليروا مدى صبره ومثابرته وعوامل نجاح دعوته، ومما يعلي قيمة هذه المحاضرة عاملان أساسيان:
الأول: أنها توضح عوامل الدعوة، وأسسها، ومنهج الداعي، وخطواته، وتبرز جانبا هاما من جوانب العقيدة، وهو جانب توحيد العبادة الذي اشتدت حاجة الناس إليه، ولا سيما على النحو الذي عرضت فيه أثناء تلك المحاضرة.
العامل الثاني: أنه من أولى الناس بالمحاضر عنه حيث إنه حفظه الله أحد أفاضل علماء نجد، ومن أبرز من تلقى العلم على أحفاد الشيخ الإمام، فكان من أقرب الناس إليه وأولاهم به، وقد جاءت تلك المحاضرة وافية بالغرض، محققة للمطلوب، مما يتطلبه
القارئ عن الشيخ الإمام، (وعن دعوته) وعن أحوال بلاده، وأسباب قيامه بالدعوة، وعوامل نجاحه. فجزى الله الإمام عن الدعوة والمسلمين خيرا. وجزى الله فضيلة الشيخ المحاضر عنه خيرا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، ورضي الله عن كل داعية، وبارك في جهود كل مصلح في مشارق الأرض ومغاربها إنه سميع قريب.
كتبها: عطية محمد سالم