المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح ألفية الحافظ العراقي (23) - شرح ألفية العراقي - عبد الكريم الخضير - جـ ٢٣

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح ألفية الحافظ العراقي (23)

‌شرح ألفية الحافظ العراقي (23)

تفريعات على القراءة على الشيخ

الشيخ: عبد الكريم الخضير

كيف ننصب خلافاً بين أهل الحديث أهل الشأن وبين غيرهم ممن صرح بقوله: إن بضاعته في الحديث مزجاة؟ وعنايته بعلم الكلام وما يتبعه، وتأثير علم الكلام في مؤلفاته ظاهر، بل في عقيدته، كيف ننصب الخلاف بين هؤلاء النظار وبين علماء الحديث؟ ونقل أقوال الأصوليين وهم نظار، وهم في الجملة في الأصل أهل كلام، كثير في كتب المصطلح، ولذا ينادي بعض طلاب العلم أهل الغيرة على العقيدة والسنة ينادي بتنظيف كتب علوم الحديث من المسائل الأصولية المتأثرة بعلم الكلام، وأن هؤلاء لا يستحقون أن يذكروا في كتب الحديث الذي معوله على أهله الأئمة، أئمة هذا الشأن، والحافظ العراقي وهو من أهل الحديث أثري.

يقول راجي ربه المقتدرِ

عبد الرحيم بن حسين الأثري

هو من أهل الأثر، أهل الحديث، كيف ينصب الخلاف بين النظار وبين أهل الحديث؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

أيوه.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 1

هي ما هي بمسألة ثبوت خبر أو عدمه، المسألة خلاف بين إمام الحرمين وبين أئمة هذا الشأن مثلاً أو المازري متأثر بعلم الكلام، كلاهما متأثر، وكثيراً ما تذكر أقوال الغزالي، وبضاعته في الحديث مزجاة، واعتماده على الموضوعات والضعيفة كثير، فكيف يقبل قوله في أصول هذا العلم؟! يعني إذا قبلنا قوله في أصول الفقه فكيف نقبل قوله في أصول الحديث؟! يعني دعوة قائمة، ولها بريق، ولها حظ من النظر في الظاهر، لماذا؟ لأننا إذا قللنا من قيمة من يشتغل بعلم الحديث من المتأخرين ممن فرغ نفسه لعلم الحديث وجعلناهم عالة على المتقدمين من الأئمة، وهم أهل حديث، يعني كثير من طلاب العلم في دعواهم الجديدة يقللون من شأن ابن حجر، وغيره ممن جاء من المتأخرين ممن قعدوا وضبطوا قواعد هذا الفن، وكلامهم صحيح في الجملة؛ لأن ابن حجر وغير ابن حجر ممن جاء متأخراً عن عصور الرواية عالة على الأئمة، فإذا كان مثل هؤلاء يتكلم فيهم مع اهتمامهم، بل هم حفاظ، حفاظ الحديث في العصور المتأخرة، يقلل من شأنهم، فما بالك بعلماء الكلام الذين لهم حكم عند أئمة هذا الشأن؟! يحكمون عليهم بأحكام شديدة، الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، وأن يطاف بهم في الأسواق، ثم بعد ذلك نأتي إلى كتب علوم الحديث ونذكر أقوالهم ونجعلها في مقابل أقوال أئمة هذا الشأن، الدعوة هذه مقبولة وإلا مردودة؟ أولاً: مبحث السنة قطب وأصل من أصول علم أصول الفقه، وهذا معروف، قد يقول قائل: لماذا يقحمون علوم الحديث في كتبهم أصول الفقه، الأصول التي تستمد منها الأحكام، وتبنى عليها الأحكام هي الكتاب والسنة، فإذا لم يبحثوا السنة فكيف يبحثون؟ لأنه لو قبلت هذه الدعوة وقلنا: ألغوا ما يتعلق بالسنة من كتب الأصول، واتركوا هذا لعلماء الحديث، جاءنا أهل القرآن قالوا: ألغوا ما يتعلق بالكتاب، ويش يبقى لأصول الفقه؟ ما يبقى إلا القياس وما في معناه، والأصول المختلف فيها، ولا شك أن المعول في الاستنباط على الكتاب والسنة، وعلماء الأصول الذين قعدوا قواعد هذا الفن فن الأصول لا شك أن معولهم على الكتاب والسنة، واستنباطهم على الكتاب والسنة، فلا بد أن يدرسوا ما يتعلق بالكتاب والسنة، قد

ص: 2

يقول قائل: إنه ما دام هذا شأنهم يذكرونه في كتبهم الأصولية، لكن من له عناية بالحديث أن يدخل أقوالهم مع أن أقوال أئمة هذا الشأن تغني عن أقوالهم، ولسنا بحاجة إلى أقوالهم، نقول: علوم الحديث ما معوله على النقل المحض، وهذا لا مدخل فيه لا للجويني ولا للرازي ولا للغزالي ولا لغيرهم منها ولا للآمدي، نعم، يعني ما معوله على النقل المحض هؤلاء لا قيمة لأقوالهم فيه؛ لأنهم بضاعتهم مزجاة، وعليهم ملاحظات في العمل والاعتقاد، وفي كثير من الأمور، يعني الآمدي في ترجمته أمور، وإن كان بعضها لا يثبت، مما قيل عنه: إنه لا يعتني بالصلاة مثلاً، وأن الطلاب وضعوا على رجله حبر، وجاءوا بعد أيام ووجدوه كما هو، فدل على أنه لم يتوضأ، لكن هذه الدعوى نفاها كثير ممن ترجم له، المقصود أنه إذا كانت المسألة نقلية محضة فلا علاقة لهؤلاء بها، وإذا كانت المسألة مما يدخلها الرأي والنظر فتذكر أقوالهم؛ لأنهم من أهل النظر، ومن مسائل هذا الفن ما يدخله النظر، وإلا لقلنا: جميع من يأتي بعد المتقدمين لا علاقة له بهذا الفن، لكن كم أتى من المتأخرين وحرر بعض المسائل في هذا الفن، وما زالوا يتتابعون على هذا إلى وقتنا هذا، فدل على أن بعض المسائل لها نصيب وحظ من النظر، يعني المسألة التي ذكرناها بالأمس يعزو ابن الصلاة إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة أنهما يفرقان بين السند المعنعن والمأنن، يفرقان بين السند المعنعن والمأنن، فيحملان المعنعن على الاتصال والمؤنن على الانقطاع، هل ابن الصلاح اعتمد في ذلك على نقل عنهم من لفظهم أو استنباط؟ استنباط من أحكامهم، وأكثر المسائل التي تدرس إنما هي استنباط من أحكام الأئمة، وذكرنا المثال بالأمس قصة عمار، يعني حينما قال: عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي عليه الصلاة والسلام مر به، والرواية الأخرى عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: عن عمار هذه متصلة، وأن عماراً هذه منقطعة، والسبب اختلاف الصيغة، هذا فهم ابن الصلاح، ولذا قال الحافظ العراقي فيما تقدم:

. . . . . . . . .

كذا له ولم يصوب صوبه

ص: 3

هذه مبناها على نظر وإلا على نقل؟ هذه مبناها على نظر، تحتاج إلى نظر، لماذا حكم الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة على الطريق الأول بأنه متصل، وعلى الثاني منقطع؟ حكما على الطريق الأول بالاتصال لأن محمد بن الحنفية تابعي لم يشهد القصة، لكنه يرويها عن صاحبها، وحكم على الطريق الثاني لأن محمد بن الحنفية تابعي لم يشهد القصة فحكى القصة، ما رواها عن صاحبها، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ هل هذا معوله على النقل وإلا على النظر؟ كل من له نظر وإدراك يمكن يذكر قوله في هذا، ما زال المجال مفسوح لإعادة النظر في بعض القواعد من خلال أحكام الأئمة والنظر فيها، ولذا قال:

فبعض نظار الأصول يبطله

وأكثر المحدثين يقبله

ص: 4

لأنه يدخلها النظر، يعني حينما أبطله نظار الأصول قالوا: ما الفائدة من شيخ لا يحفظ حديثه ولا يمسك بأصله؟ والذي يرد على القارئ الطالب ذا الممسك بالكتاب، يقولون: الشيخ هذا يروح يرتاح في البيت، ما له داعي يجلس، هذه مسألة من حيث النظر مقبولة، لكن أيضاً كونك تروي عن شيخ حاضر، حاضر أقل الأحوال يسمع الحديث ويقر القارئ على قراءته، كون اتصال الإسناد بوجود هذا الشيخ الذي يسمع ما يُقرأ من حديثه ويقر القارئ على هذه القراءة أولى من أن يُحكم بالانقطاع في حالة ما إذا غاب الشيخ وأمسك غيره بهذا الأصل، وعلى كل حال وجود الشيخ مؤثر على أي حال وجوده مؤثر، نعم من الشيوخ من وجوده مثل عدمه، عوام لا يفهمون شيئاً إلا أنه احتيج إلى ما عندهم من الرواية لأنها طالت أعمارهم، وعمروا حتى صارت أسانيدهم عالية، الرواية عنهم تسقط راوٍ ممن جاء بعدهم، فيستفاد العلو من الرواية عنهم، وفي القرن السابع والسادس من هذا النوع من لا يقرأ ولا يكتب، وأصله موجود ومحفوظ ومقابل على الأصل، وقد يكون أعمى، مع كونه أمياً قد يكون أعمى، ووصل الحال ببعضهم إلى أنه وصل إلى مرحلة من الشيخوخة والهرم إلى أنه لا يستطيع أن ينطق بنعم أو لا، فأحياناً يهز أصبعه إشارة إلى لا، وأحياناً يقول برأسه كذا يعني نعم، مثل هذا ما الذي تفيده الرواية عنه؟ لا تفيد إلا مجرد إبقاء سلسلة الإسناد التي هي خصيصة هذه الأمة، وإلا فوجوده مثل عدمه، والعلو الذي يأتي من طريقه لا قيمة له، فتساهلوا في العصور المتأخرة، أما في عصور الرواية ما يوجد مثل هذا الكلام، في عصور الرواية لما كان المعول على الأسانيد ما يمكن أن يمشي مثل هذا الكلام على الأئمة، بل مجرد ما يحس أهل العلم بتغير فلان خلاص يتوقفون عن الرواية عنه.

. . . . . . . . .

وأكثر المحدثين يقبله

واختاره الشيخ. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

والمراد بالشيخ

كـ (قال) أو أطلقت لفظ الشيخ ما

أريد إلا ابن الصلاح مبهما

أي ابن الصلاح، والخلاف الذي ذكره عن نظار الأصول ضعفه الحافظ السِلَفي، وبعضهم لم يعتد به،

واختاره الشيخ فإن لم يعتمد

. . . . . . . . .

هذا الطالب الممسك بأن كان غير رِضا أو غير مرضي.

ص: 5

. . . فإن لم يعتمد

ممسكه فذلك السماع رد

أي مردود ولا يعتد به، إذا كان الممسك غير رضا، والشيخ لا يحفظ حديثه، فقد يسقط حديث، يسقط جملة من حديث، يحصل تصحيف، وهذا الطالب غير رضا، طيب غير رضا ليش يجئ يمسك كتاب علم ويستمع وينصب نفسه لهذا الأمر؟ قد يكون أجيراً لإمساك الأصل، فإذا كان غير رضا فإنه لا يؤمن أن يسكت عن الرد على القارئ إذا أخطأ؛ لأن همه هذا الأجر، ويريد أن يمشي الأمور بسرعة.

"فإن لم يعتمد

ممسكه" فلم يكن ثقة "فذلك السماع رد" يعني مردود لا يعتد به، والفرع الثاني

طالب:. . . . . . . . .

نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

أي معروف، معروف حتى عن مالك، هو منقول عن مالك.

طالب:. . . . . . . . .

إيه، ينصب الخلاف بين كل من له مدخل في هذا الفن، يعني في مسائل النقل المحض ما لهم علاقة، فيما يدخله النظر يقبل قوله، يقبل قوله فيما يدخله النظر، يعني ما تسمع من شيوخ معاصرين حرروا بعض المسائل ودرسوها وأبدعوا فيها؛ لأن للنظر مدخل فيها هل نلغي هذه الأمور؟ ما نلغي، لا سيما في المسائل التي تقدم فيها الخلاف، الباب مفتوح، أما في المسائل المتفق عليها، المجمع عليها ما في إشكال، لا مدخل لأحد.

التفريع الثاني أشار إليه أو ذكره بقوله:

واختلفوا إن سكت الشيخ ولم

يقر لفظاً فرآه المعظم

وهو الصحيح كافياً وقد منع

بعض أولي الظاهر منه وقطع

ص: 6

إلى آخره، العرض، القراءة على الشيخ يقول القارئ: حدثك فلان عن فلان عن فلان عن فلان؟ حدثك؟ يسأله إذا كان المقروء عليه الشيخ تحمل بطريق السماع، أو يقول: أخبرك فلان إذا كان تحمل الشيخ بطريق العرض، مقتضى ذلك ما دام يسأله مقتضاه أن يقول: نعم، حدثك فلان؟ يقول: نعم، لكن إن سكت؟ هل ننسب لساكت قول؟ أو نقول: إنه ما دام من الأئمة ونصب نفسه وجاء لمجلس التحديث، ويش اللي جابه للمجلس؟ الناس يقرؤون وسكت! يقال: ما ينسب لساكت قول؟! كما ذُكر عن الإمام مالك، قرئ عليه فقال له بعض من حضر: لماذا لا تقول: نعم؟ قال: ما الذي جاء بي إلى هذا المكان إلا لتقرؤوا عليّ؟ فهذه المسألة أيضاً خلافية بين أهل العلم، والخلاف فيها ضعيف، "واختلفوا إن سكت الشيخ" يعني العلماء من المحدثين وغيرهم اختلفوا إن سكت الشيخ المتيقظ العارف بعد قول الطالب القارئ: أخبرك فلان؟ اختلفوا إن سكت الشيخ ولم يقر لفظاً، يعني ما قال: نعم، أو أومأ بإشارة مفهمه برأسه: أي نعم، ما نطق صراحة، ولا أشار إشارة مفهمه تقوم مقام نعم.

"ولم

يقر لفظاً فرآه المعظم" من المحدثين والفقهاء "وهو الصحيح" فرآه المعظم كافياً، وهو الصحيح، يكفي في صحة السماع؛ لأنه لا يصح من إمام ذي دين متصدٍ لإقراء السنة أن يُقر على خطأ في مثل هذا، ويقال: حدثك؟ ويسكت، لا يمكن أن يتصور مثل هذا "وهو الصحيح كافياً" في صحة السماع "وقد منع

بعض أولي الظاهر منه" منع منه بعض أولي الظاهر أي الاكتفاء بسكوت الشيخ في الرواية فاشترط النطق بـ (نعم).

. . . . . . . . . وقد منع

بعض أولي الظاهر منه وقطع

به أبو الفتح. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

ص: 7

قطع بالمنع مطلقاً أبو الفتح "سليم الرازي" الشافعي، من أئمة الشافعية "ثم -بعده الشيخ- أبو إسحاقٍ" بالصرف للضرورة "الشيرازي" هذان وافقا بعض الظاهرية في المنع، وهو لائق بمذهب هؤلاء الذين لا يعملون إلا بالمنطوق، وأما ما يفهم من الأحوال والقرائن ما يعملون بها؛ لأن مذهبهم مذهب الظاهر، لا بد أن ينطق يقول: نعم، لكن ماذا عن البعض الآخر من أولي الظاهر؟ وافقوا المعظم في تجويز الرواية بالعرض من غير تصريح بـ (نعم) "وقطع

به أبو الفتح" يعني بالمنع مطلقاً "سُليم الرازي" ثم بعده الشيخ أبو إسحاق الشيرازي.

وكذا أبو نصر ابن الصباغ، وقال: إنه يعمل به، أي بالمروي، يعمل به، كيف يعمل به؟ يعمل بالمروي، والتفريق بين العمل والرواية قول معروف عند أهل العلم، كما سيأتي في الإجازة والمناولة أنها يُعمل بها ولا يروى بها، فكان هذا من هذا النوع، الآن المعظم من أهل الحديث ومن الفقهاء يرون الرواية على هذه الصورة، ويعارضهم بعض أولي الظاهر، وجمع من أهل العلم لا يعتدون بقول أهل الظاهر، ونص النووي في شرحه على صحيح مسلم، في الجزء الرابع عشر صفحة (29) بأنه لا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، وخالفه آخرون وقالوا: إن أهل الظاهر لهم عناية بالنصوص عناية فائقة تفوق كثير من المتفقه، تفوق عناية كثير من المتفقه، فلماذا لا يعتد بقولهم؟ ولكل وجه؛ لأن بعض المسائل معولها على نص، فهؤلاء لا شك أن أهل الظاهر من أهل العناية بالنص فيقبل قولهم، وأما إذا كان مستند المسألة على اجتهاد أو قياس فإن أهل الظاهر لا مدخل لهم في مثل هذا، وكذا أبو نصر وابن الصباغ، ولكنه قال: إنه يعمل به أي بالمروي وإن لم تصح الرواية به؛ لأن التفريق بين المروي والرواية، العمل بالمروي ونقله كرواية متصلة منك إلى المحدث من يروي هذا فيه فرق، أنت الآن تعمل بحديث تجده في الكتب، إذا صح، وجدت حديث في صحيح البخاري تعمل به، لكن ترويه؟ ما ترويه إلا إذا كان لك به إسناد، وتقدم قول ابن خير.

قلت: ولابن خير امتناعُ

نقل سوى مرويه إجماعُ

ص: 8

نقل الإجماع على أنك لا تروي إذا لم تكن لك به رواية، ولا تنقل من الكتب، بل زاد على ذلك قال: ولا تعمل إلا إذا كانت لك به رواية، لكن هذا لا شك أنه تضييق، والإجماع على خلافه قائم، نقله ابن برهان وغيره، وألفاظ الأداء لمن سمع أو قرأ كذلك، وأراد رواية ما قرأ أو سمع الأول يعني الأول يعني قرأ على الشيخ لفظ الأداء المناسب له هو الأول، الذي ذكره بقوله -في درس الأمس-:

وجودوا فيه قرأت أو قُرِي

. . . . . . . . .

وإذا كان الرواية بطريق السماع سمعت، والألفاظ التي تقدم الكلام فيها، والتفريع الثالث في التفريق بين الصيغ بالإفراد والجمع، يعني متى يقول: حدثنا؟ ومتى يقول: حدثني؟ ومتى يقول: أخبرنا؟ ومتى يقول: أخبرني؟ ومتى يقول: سمعنا؟ ومتى يقول: سمعت؟ أنبأنا أنبأني؟ الصيغ تختلف بين الإفراد والجمع، ذكره بقوله:

والحاكم اختار الذي قد عهدا

عليه أكثر الشيوخ في الأدا

حدثني في اللفظ حيث انفرادا

واجمعْ ضميره إذا تعددا

الحاكم اختار الأمر الذي قد عهد عليه أكثر الشيوخ، يعني من شيوخه، وأئمة عصره في صيغ الأداء وهي أن يقول: حدثني فلان بالإفراد في اللفظ حيث انفردا بأن لم يكن معه وقت السماع غيره، واجمعْ أيها الطالب في حال الأداء في الصيغة أجمع ضميره فقل: حدثنا إذا تعددا بأن كان معك وقت السماع غيرك، فمن سمع وحده يقول: سمعت، ويقول: حدثني بالإفراد، ومن سمع ومعه غيره يقول: حدثنا فلان، هذا إذا كان على ذكرٍ من الواقع يعرف أنه لم يحضر عند الشيخ إلا هو يقول: حدثني، وفي الصورة الثانية: حدثنا إذا كان يعرف أنه قد حضر معه عند الشيخ جماعة، فيقول: حدثنا.

حدثني في اللفظ حيث انفرادا

واجمعْ ضميره إذا تعددا

والعرض يعني الأول في طريق السماع في الطريق الأول، في القسم الأول.

والعرض إن تسمع فقل: أخبرنا

أو قارئاً أخبرني. . . . . . . . .

ص: 9

يعني في طريق العرض إن تسمع بقراءة غيرك فقل: أخبرنا بالجمع، يعني إذا كان التحمل بطريق العرض، والحضور مجموعة تقول: أخبرنا بالجمع، أو إن تكن قارئاً وليس معك أحداً تقرأ على الشيخ، تعرض على الشيخ، فقل: أخبرني بالإفراد "واستحسنا" يقول ابن الصلاح في هذا يعني ما نقله الحاكم عن الشيوخ عن شيوخه وأئمة عصره من التفريق بين صيغ الأداء في حال العرض والسماع من جهة، والإفراد والجمع من جهة أخرى استحسنه ابن الصلاح، وقال: إنه حسن رائق.

ونحوه عن ابن وهب رويا

. . . . . . . . .

ونحوه عن عبد الله بن وهب، والذي ذكرنا أنه أول من أوجد هذا التفريق بين صيغ الأداء بمصر، ونحوه عن عبد الله بن وهب رويا.

. . . . . . . . . عن ابن وهب رويا

وليس بالواجب لكن رضيا

ليس ما تقدم من التفصيل بالواجب، بمعنى أنه يأثم إذا قال: حدثنا وهو بمفرده، أو قال: حدثني ومعه جماعة، أو قال: أخبرني في حال السماع، أو قال: حدثني في حال العرض، هذا مجرد استحسان؛ لكنه ليس بالواجب،

. . . . . . . . .

وليس بالواجب لكن رضيا

التفصيل الذي تقدم ليس بالواجب عندهم، لكنه رضيَ استحب عند كافة أهل العلم لأنه هو الذين يبين الواقع، هذا إذا كان الراوي على ذكرٍ من الواقع ما نسي، لكن إن نسي مع طول العهد، نسي وشك، هل كان بمفرده أو كان معه أحد؟ وهل كانت روايته عن هذا الشيخ بطريق السماع أو بطريق العرض؟ ماذا يصنع؟

والشك في الأخذ أكان وحده

أو مع سواه؟ فاعتبار الوحده

ص: 10

إذا وقع الشك في حال الأخذ والتحمل من لفظ الشيخ أكان وحده؟ ومقتضاه أن يقول: حدثني، أو مع سواه، أو كان مع سواه فيأتي بالجمع فالمعتبر الوحدة، فيأتي به مفرداً الضمير، لماذا؟ لأن وجوده مجزوم به، ووجود من عداه مشكوك فيه، فيأتي بالمتيقن ويطرح المشكوك فيه، فاعتبار الوحدة محتمل، لماذا؟ لأن وجوده مجزوم به، ووجود من عداه مشكوك فيه، فيأتي بالمتيقن ويطرح الشك "لكن رأى القطانُ -الإمام يحيى بن سعيد- الجمع فيما أوهم الإنسانُ" قلنا: وجه الإفراد أنه يجزم بوجوده ويشك في وجود غيره، فيأتي بالمجزوم به ويطرح الشك "لكن رأى القطان" ُ يحيى بن سعيد "الجمع" يعني فيقول: حدثنا أو أخبرنا "فيما" أي في حالة ما إذا "أوهم" أي وهم وشك "الإنسان"، في شيخه يعني في لفظ شيخه، ما الذي قال: حدثنا أو حدثني رأي القطان الجمع، لماذا؟ وجه الإفراد عرفناه، لكن وجه الجمع نعم؟ الجمع أقل وإلا أعلى؟ الجمع يدل على أن الشيخ حدثك أو قرأت عليه أو قرئ عليه وأنت حاضر، والشيخ كلامه موجه إلى المجموع، وإذا قلت: حدثني أو أخبرني بلفظك هذا جزمت بأنك أنت المقصود بالتحديث على وجه الخصوص، وهذه أقوى، إذا قلت: حدثني أو أخبرني لا شك أن هذه الصيغة أقوى من أن تقول: حدثنا أو أخبرنا، يعني لما تجلس أنت والشيخ بمفردكما ولا يوجد ثالث لا شك أن هذه عناية من الشيخ فائقة تجعلك تهتم وتحضر القلب؛ لأنك بمرأى من الشيخ بخلاف ما لو كان معك فئام من الناس بإمكانك أن تتغافل في حال السماع، وكونك تفرد الضمير لتقول للناس أنني بمفردي بين يدي الشيخ، وأنا محل عناية من الشيخ، والشيخ قصدني بالتحديث، بخلاف ما لو قلت: حدثنا أو أخبرنا فإنك تخبر أنك من ضمن مجموعة تسمع والشيخ يحدث، وهذا الوجه ظاهر، يعني وجود الإنسان بمفرده عند الشيخ يكون حضور قلبه مثلما إذا كان مع فئام من الناس؟ لا، يختلف، ونحن ننظر الطلاب في الجموع نجد منهم من يلتفت، ومنهم من ينعس، ومنهم ينسخ على ما سيأتي، ومنهم من هو محضر القلب، ومنهم من هو سارح، فليس تحديث الجمع مثل تحديث المفرد.

. . . . . . . . . لكن رأى القطانُ

الجمع فيما أوهم الإنسانُ

في شيخه ما قال والحدة قد

اختار في ذا البيهقي واعتمد

ص: 11

لما حكى قول القطان البيهقي حكى قول القطان وأنه يختار الجمع، البيهقي اختار الوحدة، والوحدة قد، الوحدة مفعول مقدم، قد اختار في هذا الفرع البيهقي، بعد حكاية قول القطان، واعتمد ما اختاره الحاكم، وما حكاه عن شيوخه وأئمة عصره، يعني وافق الحاكم على هذا وإلا فالبيهقي قبل وإلا بعد؟ يعني بينهما عشرين سنة، لا وين؟ كثير، الحاكم أربعمائة وخمسة، والبيهقي خمسة وثمانين، يعني بينهما ثمانين سنة، الحاكم قبل، المقصود أنه يوافق الحاكم على هذا، وقد اطلع على قول القطان، وكأنه ما رأى العلة التي أبداها وجيهة لترجيح قوله، ولا شك أنه علة قوية ومتينة أيضاً، علة قوية ومتينة.

الفرع أو التفريع الرابع: في التقيد بلفظ الشيخ، "وقال أحمد" الإمام أحمد بن حنبل:"اتبع لفظاً ورد" اتبع أيها المحدث لفظاً ورد "للشيخ في أدائه ولا تعد" يعني لا تتعد لفظ الشيخ "وقال أحمد: اتبع لفظ ورد

للشيخ في أدائه" لك، وفي تحديثه إياك ولا تعد، وكان الإمام أحمد يعتني بالفروق بين ألفاظ الشيوخ، ويفرق بين حدثنا وأخبرنا، والأمثلة في مسنده كثيرة، وإن كانت الأمثلة في صحيح مسلم أكثر وأظهر، وهذه طريقة الإمام مسلم التفريق بدقة بين صيغ الأداء، وهي موجودة أيضاً عند الإمام أحمد.

ومنع الإبدال فيما صنفا

الشيخ لكن حيث راوٍ عرفا

بأنه سوى ففيه ما جرى

في النقل بالمعنى ومع ذا فيرى

بأن ذا فيما روى ذو الطلب

بالفظ لا ما وضعوا في الكتب

ص: 12

الآن الإمام أحمد يقول: تقيد واتبع لفظ الشيخ، قال لك الشيخ: حدثنا، قل: حدثنا، قال لك: الشيخ أخبرنا، قل: أخبرنا، وهذه طريقة مسلم، وأشرنا إليها فيما سبق، "ومنع الإبدال فيما صنفا" يعني وكذا، أو ولذا منع الإبدال فيما صنفا، الإبدال إبدال حدثنا بأخبرنا، فيما صنفا يعني في الكتب المصنفة المدونة، يعني تأتي لنسخ كتاب من كتب السنة، وتقول: البخاري ما يرى التفريق بين حدثنا وأخبرنا، فأي لفظ يكفي، إن كان المؤلف كتب أخبرنا قل: حدثنا ويش المانع؟ ما في فرق {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] التحديث والإخبار ما بينهما فرق، وبينا ما بينهما من فرق دقيق في درس الأمس، لكن يقول لك: إمام الصنعة البخاري ما يرى فرق، فلماذا نثقل الكتاب قال: الأولاني حدثنا، وقال فلان: أخبرنا؛ لنفرق بين صيغتين لا أثر للتفريق، الكتب المصنفة لا يجوز التعرض لها بالتغيير البتة، حتى على القول بجواز الرواية بالمعنى وهو الذي عليه الجمهور، وذكره ابن الصلاح وغيره، لكن ابن الصلاح اشترط ألا يكون هذا التغيير بالمعنى في المصنفات؛ لأن الأصل الرواية باللفظ، والرواية باللفظ في المصنفات ممكنة وإلا متعذرة؟ أما بالرواية اللفظية تنقل حديث عن فلان وإلا عن فلان إذا كنت متأهل تجوز روايتك بهذا المعنى، وإذا كان هذا الشخص ممن لا يرى الفرق بين التحديث والإخبار انقل عنه حيثما شئت، لكن إذا كان في كتاب مصنف، البخاري تقول: البخاري ما يرى فرق بين التحديث والإخبار، ثم تأتي إلى صحيحه وتغير في هذه الصيغ باعتبار أنه لا يرى، وتقول: الأمر فيه سعة؟! لا الأمر فيه ضيق؛ لأن هذا تحريف في الكتب وتصرف، وهو خلاف الأمانة، بل تبقى الكتب كما هي، وبعض الناس يسبق قلمه فيكتب لفظ بدل لفظ، فيقول: ما دام المعنى واحد ليش أغير؟ أو يزوغ نظره من كلمة إلى كلمة من حدثنا إلى أخبرنا فيكتبها، ويقول: ليش اطمس وأسود الكتاب والمعنى واحد؟ لا اطمس وسود الكتاب، لا يجوز التصرف في كتب الناس.

ص: 13

"ومنع الإبدال فيما صنفا" إبدال حدثنا بأخبرنا أو العكس، وكذلك رواية المتون بالمعنى في المصنفات لا تجوز بحال "ومنع الإبدال فيما صنفا

الشيخ" يعني ابن الصلاح، قالوا: لاحتمال أن يكون الراوي ممن يرى التفريق بينهما، فكأنه قَوّله ما لم يقل، وأيضاً التبديل والرواية بالمعنى إنما جوزت لتعذر اللفظ في كثير من الأحيان، ولو اشترط اللفظ لتعطلت رواية كثير من الأحاديث؛ لأن من يأتي بالألفاظ كم سمع ندرة من الناس، لكن من يتذكر المعنى ويسوق المعنى بشرطه المعروف عند أهل العلم على ما سيأتي في الرواية في المعنى، لا شك أن هذا يوجد في الناس بكثيرة.

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . لكن حيث راوٍ عرفا

بأنه سوى ففيه ما جرى

في النقل بالمعنى ومع ذا فيرى

لكن حيث راوٍ عرفا بأنه سوى بينهما، يعني بين التحديث والإخبار ولا يرى فرق، تنقل عن البخاري أنه قال: حدثنا فلان من قوله، وأنت تعرف أن البخاري ما يفرق بين حدثنا، لا تتعد إلى شيخ الشيخ، لو تجد في صحيح البخاري حدثنا الحميدي من قوله، حدثنا الحميدي بكذا، فتقول: قال البخاري: أخبرنا الحميدي بكذا،

"لكن حيث راوٍ عرفا

بأنه سوى" يعني بينهما "ففيه ما جرى

في النقل بالمعنى" فإن كان مشافهة وهذا لا يرى التفريق انقل، ما في إشكال؛ لأن المعنى واحد عند هذا الإمام، لكن حيث يوجد في مصنفه يأتي ما اشترطه ابن الصلاح أن الرواية بالمعنى جائزة ما لم تكن في مصنف؛ لأن الرواية باللفظ غير متعذرة.

ص: 14

"لكن حيث راوٍ عرفا" بالبناء للمفعول "بأنه سوى" بينهما "ففيه ما جرى" يعني يجري في مثل هذا خاصة ما جرى من الخلاف في النقل بالمعنى، يعني ابن سيرين لا يرى الرواية بالمعنى مطلقاً، والجمهور يرون الرواية بالمعنى ففيه هذا الخلاف "في النقل بالمعنى ومع ذا" أي إجراء هذا الخلاف فيرى ابن الصلاح بأن ذا أي الخلاف "فيما روى ذو الطلبِ" يعني مما تحمله باللفظ، بالمشافهة، ينقل من كلام الشيخ "لا ما وضعوا في الكتبِ""بأن ذا فيما روى" بأن ذا يعني هذا الخلاف "فيما روى ذو الطلبِ" بما تحمله باللفظ يعني مشافهة من شيخه "لا ما وضعوا" لا يجري الخلاف فيما وضعوا، يعني أصحاب التصانيف في مصنفاتهم في كتبهم؛ لأن ابن الصلاح استثنى المصنفات، فإنه لا يجري فيها الخلاف في الرواية بالمعنى، والله أعلم0

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، يا ذا الجلال والإكرام، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ

مِنْ نَاسِخٍ، فَقَالَ بَامْتِنَاعِ

(الإِسْفَرَاييِنِيْ) مَعَ (الْحَرْبِيْ)

وِ (ابْنِ عَدِيٍّ) وَعَنِ (الصِّبْغِيْ)

لَا تَرْوِ تَحْدِيْثَاً وَإِخْبَارَاً قُلِ

حَضَرْتُ وَالرَّازِيُّ وَهْوَ الْحَنْظَلِيْ

وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) كِلَاهُمَا كَتَبْ

وَجَوَّزَ (الْحَمَّالُ) وَالشَّيْخُ ذَهَبْ

بِأَنَّ خَيْرَاً مِنْهُ أَنْ يُفَصِّلَا

فَحَيْثُ فَهْمٌ صَحَّ أولَا بَطَلَا

كَماَ جَرَى لِلدَّارَقُطْنِي حَيْثُ عَدْ

إِمْلَاءَ (إِسْمَاعِيْلَ) عَدَّاً وَسَرَدْ

وَذَاكَ يَجْرِي فِي الْكَلَامِ أو إذا

هَيْنَمَ حَتَّى خَفِيَ الْبَعْضُ، كَذَا

إِنْ بَعُدَ السَّامِعُ، ثُمَّ يُحْتَمَلْ

فِي الظَّاهِرِ الْكَلِمَتَانِ أو أَقَلْ

وَيَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ يُجِيْزَ مَعْ

إِسْمَاعِهِ جَبْرَاً لِنَقْصٍ إنْ يَقَعْ

ص: 15

قَالَ: ابْنُ عَتَّابٍ وَلَا غِنَى عَنْ

إِجَازَةٍ مَعَ السَّمَاعِ تُقْرَنْ

وَسُئِلَ (ابْنُ حنبلٍ) إِن حَرْفَا

أدْغَمَهُ فَقَالَ: أَرْجُو يُعْفَى

لَكِنْ (أبو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ) مَنَعْ

فِي الْحَرْفِ تَسْتَفْهِمُهُ فَلَا يَسَعْ

إِلَاّ بَأَنْ يَرْوِيْ تِلْكَ الشَّارِدَهْ

عَنْ مُفْهِمٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ (زَائِدَهْ)

وَ (خَلَفُ بْنُ سَاِلمٍ) قَدْ قال: نَا

إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ مِنْ حَدَّثَنَا

مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ وَسُفْيَانُ اكْتَفَى

بِلَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِي اقْتَفَى

كَذَاكَ (حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أَفْتَى:

اسْتَفْهمِ الَّذِي يَلِيْكَ حَتَّى

رَوُوْا عَنِ (الأَعْمَشِ): كُنَّا نَقْعُدُ

(لِلنَّخَعِيْ) فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ

البَعْضُ لَا يَسْمَعْهُ فَيسأَلُ

البَعْضَ عَنْهُ، ثَمَّ كُلٌّ يَنْقُلُ

وَكُلُّ ذَا تَسَاهُلٌ وَقَوَْلُهُمْ:

يَكْفِيِ مِنَ الْحَدِيْثِ شَمُّهُ فَهُمْ

عَنَوا إذا أَوَّلَ شَيءٍ سُئِلَا

عَرَفَهُ وَمَا عَنَوْا تَسَهُّلَا

وَإِنْ يُحَدِّثْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِ

عَرَفْتَهُ بِصَوْتِهِ أو ذِي خُبْرِ

صَحَّ وَعَنْ شُعْبَةَ لَا تَرْوِ لَنَا

إنَّ بِلَالاً وَحَدِيْثُ أُمِّنَا

وَلَا يَضُرُّ سَامِعَاً أنْ يَمْنَعَهْ

الشَّيْخُ أَنْ يَرْوِي مَا قَدْ سَمِعَهْ

كَذَلِكَ التَّخْصِيْصُ أو رَجَعْتُ

مَاَ لمْ يَقُلْ: أَخْطَأْتُ أو شَكَكْتُ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم الحافظ العراقي في التفريعات التالية للقسمين الأول والثاني من أقسام التحمل السماع والعرض، وهي ثمانية تفريعات، ومضى منها أربعة، وبقي أربعة، فالخامس ذكره الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- بقوله:

واختلفوا في صحة السماعِ

من ناسخٍ فقال بامتناعِ

(الإسفراييني) مع (الحربي)

و (ابن عدي) وعن (الصبغي)

لا تروِ تحديثاً وإخباراً قل

. . . . . . . . .

ص: 16

إلى آخره، اختلفوا في صحة السماعِ، يعني اختلف أهل العلم في صحة السماع من ناسخٍ ينسخ حين القراءة شيخاً كان أو طالباً، في حال العرض على الشيخ، حال القراءة على الشيخ إذا كان الشيخ معه كتاب آخر ينسخه يكتبه، أو ينظر فيه، ويقرأ فيه، أو ينشغل بالكلام مع شخص أخر، يستوي في ذلك الطالب والشيخ، يعني في حالتي التحمل والأداء، أو ينعس أو يكون القارئ أكثر من واحد مما يشغل القلب عن الاستماع بالنسبة للشيخ، وعن السماع بالنسبة للطالب، إذا وجد مثل هذا وهذا يوجد بكثرة في التعليم النظامي المرتب من قبل المسئولين، وذلكم لما دخل النيات من دخل، فلما كان هم الطالب هو التخرج والشهادة لا يهتم بالعلم، فتجد الشيخ على جلالته يتكلم بأنفس العلوم وأهمها، ويأتي للطلاب بخلاصة قراءاته وتجاربه، فتجد كثير من الطلاب منشغل بأمر آخر، وقد ينشغل طالب بما لا ينفعه في دنيه ولا دنياه، قد ينشغل بجريدة، أو يقرأ في كتاب لا علاقة له بالموضوع، أو يشغل نفسه ويشغل غيره بكلام أو ينام، هذا كثير في التعليم النظامي، لكنه في التعليم في المشايخ وعند طلاب العلم الراغبين في العلم، الذين لا يرجون من وراء الدروس شهادات ولا وظائف، هذا يوجد، ولكنه نادر قليل، ووجد من أهل العلم من يفعل ذلك، ينشغل حال التسميع، ومع ذلكم قلبه حاضر، وهذا كثير في القراء، الطلاب يعرضون عليه، وقد يعرض عليه أكثر من واحد من الطلاب، في آن واحد، قد يعرض عشرة من الطلاب، كما عرف عن علم الدين السخاوي، يقرأ عليه من قبل عشرة وكلهم بصوت واحد وكلهم من سور متفرقة ويرد عليهم جميعاً، الدارقطني رحمه الله تأتي الإشارة إليه، يصلي ويستمع ويرد إما بالإشارة أو بالعبارة من القرآن التي لا تبطل الصلاة، وينسخ ومع ذلك يحفظ ما يسمع، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وبعض الناس يقرأ في المصحف والمصحف بين يديه، وإذا حصل أدنى اضطراب ولو تحرك الباب بسبب ريح أو غيره نسي في أي سورة يقرأ، هذا والمصحف بين يديه فكيف إذا كان يقرأ حفظاً؟! وكثير من الناس يعاني معاناة شديدة إذا صلى بجوار شخص يرفع صوته بالقراءة، ولو في آية واحدة، أو في كلمة لو جهر بكلمة انتهى الذي جنبه ما يدري من أين يقرأ؟ وهذا

ص: 17

موجود، وهذه هبات من الله -جل وعلا-، فمن رزق الرسوخ في الحفظ والانتباه واليقظة التامة هذا يشكر الله -جل وعلا- على هذه النعمة، ويستغل هذه النعمة فيما ينفعه، وأما من حرم، أو كان نصيبه أقل، فليجتهد وليحرص أن يعوض بوسائل أخرى.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"واختلفوا" يعني العلماء في صحة السماع "من ناسخٍ" يعني ينسخ حين القراءة في كتاب آخر، لا أقول: ينسخ نفس الكلام، الذي ينسخ نفس الكلام هذا يتابع ذا، لكن الذي ينسخ في كتاب آخر، ونحن نشرح في ألفية العراقي، وشخص معه الموطأ، وآخر معه ابن ماجه، وينسخون ويعلقون ويشتغلون، أو كتب أخرى، هل سماعه للعلم صحيح؟ ويثبت سماعه مع الطلاب في الطباق؟ أو يقال: هذا ليس معنا؟ وإن كان حاضراً بجسده لكن قلبه غائب، و {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [(4) سورة الأحزاب] هذه المسألة خلافية "فقال بامتناعِ" ذلك مطلقاً الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إذ سئل عنهما معاً، يعني سئل عن الشيخ والطالب، ما الحكم إذا اشتغل الشيخ بالكتابة والطالب يقرأ؟ وما الحكم إذا اشتغل الطالب بالكتابة والشيخ يحدث أو يقرأ عليه؟ فقال بامتناعِ الإسفراييني مع أبي إسحاق إبراهيم الحربي، وأبي أحمد بن عدي في آخرين؛ لأن الاشتغال بالنسخ مخل بالسماع،

ونحو ذلك ما جاء عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصبغي الشافعي، الصبغي قال:"لا تروِ" الذين أفتوا بالامتناع:

الإسفراييي مع الحربي

وابن عدي. . . . . . . . .

والصبغي قال:

لا تروِ تحديثاً وإخباراً قلِ:

حضرت. . . . . . . . .

"قلِ: حضرت" لا تقل: حدثنا، ولا أخبرنا، إذا كنت منشغلاً بأمر أخر قل: حضرت، نعم حضرت، يعني مثل ما يقال في حق الصبي غير المميز، الصبي غير المميز حينما يكتب اسمه في الطباق ما يقال: سمع، وإنما يقال: حضر، أو أحضر، وأنت مثل الصبي لأن المانع موجود، المانع من صحة السماع موجود في حق الصبي غير المميز، وفي حق المنشغل عن الدرس بغيره "وعن الصبغي"

لا تروي تحديثاً وإخباراً قلِ:

. . . . . . . . .

ص: 18

لا تروِ أيها المحدث ما سمعته على شيخك حال نسخه، أو أنت تنسخك "قلِ" يعني لا تقل: حدثنا، ولا أخبرنا، ولكن قل: حضرت، كالصغير الذي لا يميز للجامع بينهما، أنت لا تميز لنشغالك عن الدرس كما أن الصبي غير المميز لا يفهم ما يسمع، لكن الإمام أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي الحنظلي، وعبد الله بن المبارك المروزي كلاهما قد كتب في حال تحمله، يعني وجد هذا من الإمام أبي حاتم الرازي، وعبد الله بن المبارك، كتبوا حال التحمل "كلاهما كتب" يعني قد كتب في حال تحمله، وكذا جوز موسى بن هارون "الحمَّال والشيخ" ابن الصلاح "ذهب" إلى القول "بأن خيراً منه" يعني من إطلاق: حدثنا، وأخبرنا، من إطلاق الجواز، أو المنع التفصيل، يعني قال بامتناع من؟ الإسفراييني، والحربي، وابن عدي، والصبغي قال: لا تقل: حدثنا، ولا أخبرنا، ولكن قل: حضرت، والرازي محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، أبو حاتم،

وابن المبارك كلاهما كتب

. . . . . . . . .

يعني فعل هذا الأمر، فهل يقال لهؤلاء الأئمة: حضر، ولا يقال: سمع؟ وهم أئمة هذا الشأن "وجوَّز الحمَّال" جوز ذلك موسى بن هارون الحمال، أن يحضر الدرس، ويكتب، وينشغل بغيره، ويقال: سمع "والشيخ" ابن الصلاح "ذهب" إلى القول "بأن خيراً منه" خير من القول بإطلاق المنع، وخير من إطلاق القول بالجواز التفصيل "والشيخ ذهب"

بأن خيراً منه أن يفصلا

فحيث فهم صح أو لا بطلا

ص: 19

فحيث صحب الكتابة، وهذا الانشغال، وهذا النعاس فهم للمقروء، يعني إذا كان هذا الذي ينشغل بغير الدرس يفهم؛ فسماعه صحيح؛ لأن العبرة على الفهم "فحيث فهم صح" يعني صح السماع "أو لا" يعني حيث لا يوجد الفهم "بطلا" السماع، يبطل السماع، يعني لو أن شخصاً حاضر الذهن، ومنبته للشيخ، ثم بعد ذلك سمع الدرس من أوله إلى آخره، فلم يحفظ منه شيئاً، ما حفظ منه شيئاً، وليس عنده كتاب يقرأ منه، يعني ما كتب ما سمع من الشيخ، ولا حفظه، هذا وجوده مثل عدمه، لكن من نعس، أو غفل، أو نسخ، وفهمه حاضر يحفظ ما يسمع، فإن هذا يصح سماعه، الأول سماعه غير صحيح لماذا؟ لعدم وجود الحفظ، والضبط الذي هو أحد ركني الثقة، ما وجد، ولو حضر قلبه، لكن ما حفظ شيئاً، الحافظة ما تمسك شيئاً، هذا ما يصح سماعه، لأنه ليس بضابط، بالمقابل الذي ينسخ، أو يغفل، أو يتكلم مع زميله، أو ينعس، ويضبط ما يسمع، وهذا موجود، هذا يصح سماعه، وهذا التفصيل الذي ذهب إليه ابن الصلاح "والشيخ وذهب بأن خيراً منه" يعني التجويز المطلق، أو المنع المطلق "أن يفصلا فحيث فهم" يعني وجد الفهم، ولو صحب ذلك انشغال بكتابة، أو نعاس، أو ما أشبه ذلك، فحيث فهم للمقروء "صح" السماع، يصح السماع حينئذٍ "أولا" يصحبها ذلك الفهم "بطلا" يعني يبطل السماع.

كما جرى للدار قطني حيث عد

. . . . . . . . .

ص: 20

الدارقطني حضر مجلس الإملاء عند الشيخ إسماعيل الصفار، الدارقطني ينسخ معه كتاب آخر، وينسخ كتابه، والشيخ إسماعيل الصفار يحدث، فلما مضى وقت، قال شخص مجاور للدار قطني: أنت ما غير ضيقت علينا؛ معك كتاب ثاني انتقل إلى ما كان آخر، ما يصح سماعك بهذه الطريقة، فكيف تتعب نفسك .. ؟! قال: فهمي يختلف عن فهمك، وحفظي يختلف عن حفظك، كم قرأ الشيخ من حديث؟ يسأل الشيخ الدارقطني، قال: والله ما أدري، قال الدارقطني: قرأ ثمانية عشر حديثاً، فسردها بمتونها، وأسانيدها على ترتيبها، وهو ينسخ، أقول هبات من الله -جل وعلا-، ونعم لكن هنئياً لمن استغلها فيما ينفع، وأما الذي لا يستغلها فيما ينفع فكم من هذا النوع، من نوع الدارقطني موجود في أسواق المسلمين في بيعهم، وشرائهم، عباقرة، ومع ذلك مع استفادوا، استغلوا هذا الذكاء، استغلوا هذا الفهم، استغلوا هذا الحفظ فيما لا ينفع، وقد يستغل فيما يضر، وقد يستغل فيما يضر، وأنا أعرف أناساً زاملولنا، أناساً عرفناهم من قرب، تجدهم أحفظ الناس لما لا ينفع، والنكت، والطرائف، وإلا حفظ هفوات، وسقطات بعض الناس، إذا زل فلان بكلمة، أو بجملة، أو بشيء حفظت عليه، ما تنسى أبد الآبدين من قبل بعض الناس، وإذا فتح كتاب من كتب العلم ما استفاد، والله المستعان، فهذه المواهب، وهذه النعم سواءٌ منها ما يتعلق بالحفظ، أو ما يتعلق بالفهم، هذه نعم إذا لم تستغل فيما لا ينفع؛ فهي وابل على صاحبها، وابل على صاحبها، ومن أحفظ الناس المعري، أبو العلاء المعري، وهو معروف من الزنادقة المعروفين، حتى قال ابن الجوزي في "المنتظم": زنادقة الإسلام ثلاثة: المعري، وابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، حافظة، شيء لا يخطر على البال، يعني نقش، كأنه يقرأ من كتاب، وهو أعمى، وضبط لما يمر به، ولو كان منذ أزمان متطاولة، وذكر الصفدي في "نكت الهميان" عنه أنه في سفر في أرض فيها شجر، فضربته شجرة، وهو على البعير، أعمى هو ما يرى، ضربته شجرة، وبعد عشرين سنة مر بالمكان على نفس موضع الشجرة، فطأطأ رأسه، فقيل له لماذا؟ قال: في شجرة ضربتني قبل عشرين سنة، قالوا: ما في شجر، قال: أحفروا إن ما وجدتم الأصول، والعروق، فأنا أنا لا أفهم، وبالفعل

ص: 21

لما حفروا وجدوا بنفس المكان، وتجد بعض المبصرين يسقط في الحفرة مراراً، ويعثر في بعض الأمور من طلوع، ونزول، وحصى، وما أشبه ذلك، وأيضاً يعود له مرة ثانية، وثالثة.

ويحدثنا واحد من الشيوخ المبصرين يقول: صحبت فلاناً، هذا –أيضاً- شيخ درسنا، وهو كفيف لا يصبر، يقول: صحبته خمس سنين نتردد على المهد العلمي طلاباً، وفي طريقنا صخرة، فما قلت له في يوم من الأيام: ارفع رجلك، مجرد ما يصل الصخرة يرفع رجله، وأنا وقعت فيها مراراً، فمسألة الحفظ، والفهم، والرسوخ في هذا الباب لا شك أنها موهبة، ونعمة من نعم الله -جل علا-، فعلا من وهبها أن يستغلها، ولا يضع الفرصة، لا يدع الفرصة تفوت.

كما جرى للدار قطني حيث عد

. . . . . . . . .

يعني حين حضر مجلس الإملاء عند الشيخ إسماعيل الصفَّار "عد إملاء إسماعيل عداً" ثمانية عشر حديثاً، وسردها على الولاء، قالوا: ومثل النسخ الصلاة، ينشغل بصلاته، ويقبل عليها بقلبه، وقالبه، ويخشع فيها، وإذا أخطأ عنده أحد رد عليه، إن كان يقرأ في القرآن في الأمر سهل، لكن الدارقطني يصلي، وشخص يقرأ في الحديث، قطن ابن بشير، فقال الدارقطني:{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [(1) سورة القلم].

لأنه قطن بن نسير، بالنون ما هو بالباء، نعم قد يكون الإنسان يصلي، ويستمع لمن حوله، ويفهم ما يقولون، وقد يحفظ ما يقولون لماذا؟ لأنه منشغل عن صلاته، هذا موجود، لكن العبرة بمن يتقن صلاته، ويقبل على صلاته، ويخشع فيها، ويتأمل فيها، ويرد على من بجواره، والدارقطني من هذا النوع.

وذاك يجري في الكلام أو إذا

هينم حتى خفي البعض كذا

ص: 22

وذاك التفصيل المذكور من تعليق الأمر بالفهم، التفصيل المذكور، فإن وجد الفهم صح السماع، لم يوجد الفهم لم يصح السماع "وذاك يجري في الكلام" من السامع، أو المسمع وقت السماع، إذا كان القارئ يهينم، أو كان الشيخ في حال التسميع يهينم، وأنتم تعرفون معنى هذا، إما أن يكون سببه السرعة في الكلام، أو جبل في كلامه على أكل بعض الحروف، تسمعون بعض الناس يأكل بعض الحروف، وبعض الشيوخ الكبار كلامه لا يفهمه إلا أهل بيئته، لا لأن اللهجة تختلف، يتكلم بالعربية الفصحى، ومع ذلك من سرعته في الكلام، أو لكونه يأكل بعض الحروف؛ تجد بعض الطلاب يفوته كثير من هذا النوع، والكلمة إذا خفي منها حرف ضاعت عند بعض الناس، وبعض الناس لو ضاع بعض الحروف أدركه من الحروف الأخرى، وهذا –أيضاً- من الضرب الذي ذكرناه، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ويش هو؟ {ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [(4) سورة الأحزاب]، قالوا: أكثر من قال من المفسرين: أن الإيمان، والكفر لا يجتمعان في القلب، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 23

هو لولا أنه وجد من هذا النوع من يفهم الاثنين، وهم يتكلمون؛ لقلنا أن هذا مقصود بالدرجة الأولى؛ لأن هذا عمل قلبين ما هو بعمل قلب واحد، لكنه وجد، يعني وجد من بعض الشيوخ من يحفظ الأصوات حفظاً غريباً جداً، ويعرف الناس بأصواتهم، ولو مرت السنون، وأعجب من ذلك من يفرق بين الناس بأنفاسهم! يقول كل شخص له نفس خاص، دعنا من صاحب نفس متميز، إما ببخر، وإلا شبهه، ذا غير ذا، هذا كل يعرفه لكن العبرة بالأنفاس المتقاربة، يعني شخص كفيف تسلم عليه بعد عشر سنين بدون كلام بمد اليد فقط، فيقول: أهلاً بفلان، كفيف! طيب ما يدريك؟ قال: كل شخص له نفس، ناس ما ميزوا بالبصر يميزون بالنفس -والله المستعان- "وذاك يجري" يعني التفصيل المذكور "يجري في الكلام" من السامعين، أو المسمع وقت السماع، يعني سواءٌ كان الشيخ الذي يحدث جُبل على السرعة في الكلام، وعدم إبانة الحروف، أو القارئ كذلك، القارئ على الشيخ، وتسمعون ممن يتصدى لتعليم الناس، أو إفتائهم، أو الكلام في هذه الوسائل، والأشرطة –أيضاً-، ومن يفتون، ومن يكتبون، الكتابة أمرها سهل، يعني التحرير يمكن، لكن بعض من يتكلم، تجدون بينه من البيان والوضوح مثل ما بين المشرق والمغرب، وتجد علم هذا انتشر بسبب بيانه، وعلم هذا لم ينتشر، ولم يكتب له قبول؛ لعدم بيانه، وإن كان أعلم من الثاني!

وذاك يجري في الكلام أو إذا

هينم. . . . . . . . .

ص: 24

"هينم" يعني أخف صوته، أو أسرع في الكلام "حتى خفي البعض" حتى خفي بعض "البعض" يعني من كلامه، أو بعض الحروف "وكذا إن بعُد السامع" لأن عدم السماع إما أن يكون لضعف في صوت المتكلم، أو لضعف في سمع الطرف الثاني المستمع، أو لبعده، أو لهينمته، وسرعة المتكلم "وكذا إن بعد السامع" يعني عن القارئ، أو كان سمعه ثقيلاً، أو عرض له نعاس خفيف "ثم يحتمل" يعني يغتفر "يُحتمل" لأن الضبط بـ"يُحتمل" يعني يمكن حمله، وقبوله، واغتفاره، يعني يتجاوز عنه، أما إذا كان له أكثر من وجه، وأكثر من احتمال؛ يقال:"يَحتمل"، والناس ينطقون: يَحتمل يُحتمل بكثرة يعني، يعني إذا كان الكلام له أكثر من وجه، يعني يَحتمل كذا، ويَحتمل كذا، ويَحتمل كذا، كثير من الناس ينطقها يُحتمل كذا، ويُحتمل .. ، هذا ما هو بصحيح، أما يُحتمل يغتفر، ثم يُحتمل يعني يُغتفر "في الظاهر" يعني من صنيع أهل العلم، في المسموع، يحتمل يغتفر "الكلمتان أو أقل" يُحتمل "الكلمتان، أو أقل" يعني الكلمة الواحدة إذا فاتت؛ لأنه إذا طال المجلس؛ فلا يتصور أن الإنسان، أو عموم الطلاب مثل الآلات التي لا تفوت شيئاً، لا بد أن يفوت شيء، كلمة، كلمتان، ثم بعد ذلك هاتان الكلمتان إما يستدل عليهما بالسياق، أو بالتثبت من الجليس المجاور؛ ماذا قال الشيخ؟ ومع ذلك يصححون السماع في مثل هذا على خلاف بينهم.

. . . . . . . . . ثم يحتمل

في الظاهر الكلمتان أو أقل

"وينبغي" ينبغي هذه يفهم منها الوجوب، أو الاستحباب؟ الاستحباب "وينبغي" يعني استحباباً "للشيخ" المسمع:

. . . . . . . . . أن يجيز مع

إسماعه جبراً لنقص إن يقع

ص: 25

يعني الشيخ يقرأ من كتابه، أو يقرأ عليه، ثم بعد ذلك ليس جميع الطلاب يتبينون كل ما قيل بالحرف، يبي يفوت هذا كلمة، وهذا كلمة، وهذا كلمة، وذاك كلمة، ومدري كذا كلمة، وهكذا، منهم من أجاز هذا، وقال هذا: أمر لا بد منه، لا بد أن يقع، وإلا فصار هناك حرج عظيم، ومنهم من يقول: لا يصح إلا أن يروي ما سمع، وما زاد على ذلك مما استثبته من غيره لا ينسبه إلى الشيخ، وإنما ينسبه إلى الواسطة: ثبتني فلان بكذا، أو ذكَّرني فلان بكذا، وقالوا: ينبغي يستحب للشيخ إذا انتهى من الدرس، درس السماع، أو الاستماع، درس السماع من لفظ الشيخ، أو العرض عليه، أن يجيز الحاضرين بما لم يسمعوه، بما فاتهم، لتكون الرواية للدرس كاملة ما سمع بالسماع، وما فات بالإجازة "وينبغي للشيخ أن يجيز" يعني للسامعين رواية الكتاب، أو الجزء، أو الأحاديث "أن يجيز مع إسماعه جبراً لنقص" مع إسماعه لهم جبراً للنقص الذي يصحب السماع "إن وقع" إن وقع بسبب ما ذكر من الغفلة، أما التغافل، أو الغفلة التي جبل عليها الإنسان.

قال ابن عتَّاب: ولا غنى عن

إجازة مع السماع تُقرَن

أو "تقترن" كما في بعض النسخ، يعني بل قال ابن عتاب، مفتي قرطبة، أبو عبد الله الأندلسي ابن عتاب، قال: والذي أقول: إنه لا غنى لطالب العلم عن إجازة بذاك كتاب، أو الجزء، أو الأحاديث، لا غنى له عن الإجازة مع السماع، ويكون هذا من باب الاحتياط، أو نظراً إلى غالب الناس الذين لابد أن يفوت عليهم ما يفوت، لا غنى لطالب العلم عن الإجازة؛ لأنه لا يفترض في طالب العلم مهما كان من التثبت، والضبط إلا الأفذاذ القلائل النوادر أمثال الدارقطني، وأما كثير من طلاب العلم لابد أن يفوتهم شيء من المسموع "مع السماع" يعني له تقرن به، أو تقترن به كما في بعض النسخ؛ لجواز السهو، والغفلة، أو الاشتباه على الطالب، أو الشيخ، أو هما معاً، المقصود أن مثل هذا أمر لابد منه، فيكمل هذا بالإجازة.

وسئل ابن حنبل إن حرفا

أدغمه فقال: أرجوا يعفى

ص: 26

سئل الإمام أحمد بن حنبل من ابنه صالح، سأله حيث قال له: إن أدمج الشيخ، أو القارئ حرفاً، يعني شيئاً يسيراً من الكلام، أن أدمج القارئ، أو الشيخ في حال السماع، أدمج حرفاً، يعني ما نحتاج إلى تمثيل نسمع من الشيوخ، ويتفاوتون في هذا، منهم من فواته يسير، ومنهم من يدمج الشيء الكثير، يعني ما تسمعون التفاوت في نطقهم بـ "صلى الله عليه وسلم" نعم؟ ما هو ببعضهم يأكل نصف الحروف من عجلته؟ هذا موجود نسمعه يومياً، والله المستعان.

"وسئل ابن حنبل" الإمام احمد محمد بن حنبل من ابنه صالح حيث قال له: إن أدمج الشيخ، أو القارئ "حرفاً" يعني شيئاً يسيراً "أدغمه" إذا أدغمه فلم يفهمه السامع مع معرفته، فقال: أرجوا أن يعفى عن ذلك، مع أن هذا الإدماج من الشيخ، وهذه الطريقة للأداء من بعض الشيوخ التي تخفى فيها بعض الحروف، أو بعض الكلمات، يمكن أن يفهم عنه جميع ما يقول مع الدربة، إذا لازمت هذا الشيخ عرفت كل ما يقول، كأنه أفصح الناس، وإذا جلست عنده لأول مرة ما فهمت ولا نصف ما يقول، بل ولا ربع ما يقول بعضهم؛ لأنه يصير عنده سرعة، ويصير عنده شيء في أنفه يغطي بعض الحروف، ثم بعد ذلك يخرج الكلام كـ "لا شيء" عند السامع أول ما يجلس، أو يأتي من بيئة أخرى ما أخذ على مثل هذا الأداء، لكن إذا تعود على هذا الصوت، وأخذ عليه خلاص، صار من أوضح الأصوات.

لكن أبو نعيم الفضل منع

. . . . . . . . .

أبو نعيم الفضل بن دكين منع من سلوكه "في الحرف" أي في اليسير، يعني حتى في اليسير، قال: يستفهمه من بعض الحاضرين من أصحابه، في الحرف اليسير الكلمة، أو بعض الكلمة يستفهمه من بعض الحاضرين من أصحابه "فلا يسع" من وقع له مثله،

إلا بأن يروي تلك الشاردة

عن مفهم ونحوه عن زائدة

ص: 27

الإمام أحمد رحمه الله تسمَّح في الشيء اليسير، وقال: يستفهمه من جاره، ولا يشير إلى أنه استفهم، لكن الفضل ابن دكين، أبو نعيم الحافظ الثقة الضابط المتثبت "منع" قال: حرف واحد ما تسمعه من الشيخ لا يجوز أن ترويه عنه، ولو استثبت من زميلك أللي عن يمنيك، ويسارك، وثالث، ورابع، وعاشر كلهم قالوا: قال الشيخ كذا، لا تنسب للشيخ، انسبه لهؤلاء الذين بلغوك عن الشيخ، إلا إذا ذهبت بنفسك، وقلت: إن الطلاب قالوا كذا، فقال الشيخ: نعم، اروي عن الشيخ الآن.

لكن أبو نعيم الفضل منع

في الحرف يستفهمه فلا يسع

يعني يستفهمه من بعض أصحابه، فلا يسع من وقع له مثله،

إلا أن يروي بتلك الشاردة

. . . . . . . . .

يعني تلك الكلمة التي تنبع عن سمعه لا يرويها عن الشيخ:

إلا أن يروي بتلك الشاردة

عن مفهم. . . . . . . . .

الذي تثبَّت منه "عن مفهم" يعني أفهمه إياها "ونحوه" مروي "عن زائدة" زائدة بن قدامه، وحكي عن أبي حنفية مثله، وأبو حنيفة من أهل التشديد في هذا الباب، من أهل التشديد في هذا الباب، حتى أنه منع الرواية من الكتاب أصلاً.

وخلف بن سالم قد قال: نا

إذا فاته حدث من حدثنا

وأيضاً الحافظ المتقن خلف بن سالم المخرمي "قد قال: نا" نا فلان، نا سفيان، إيش نا سفيان؟ هل هذه التي يكتبها العلماء، يختصرون عليها في الأسانيد، يعني رمز لحدثنا؟ لا هو ما يقصد هذا، لكنه كلمة حدث ما سمعها، ما سمع إلا نا، فهو ما يذكر إلا نا، ولا يدري هي من حدثنا، أو من أخبرنا، المقصود أنها "نا" ما سمع من الشيخ إلا "نا" فاقتصر عليها،

وخلف بن سالم قد قال: نا

. . . . . . . . .

يعني مقتصراً على النون والألف،

. . . . . . . . .

إذا فاته حدث من حدثنا

ص: 28

يعني لما قال سفيان: حدثنا، ما سمع حدث إنما سمع "نا"، فصار ما يذكر إلا نا، يعني هل يسوغ إذا قال: حدثنا سفيان، وخفيت عليه السين أن يقول حدثنا: فيان مثلاً، مثل ما صنع خلف بن سالم؛ لأنه ما سمع السين، أو افترض أن هذا الشيخ في لسانه شيء، السين عنده شين، يقول: حدثنا شفيان، أقول: مثل هذا التشديد لاشك أنه إفراط في مثل هذا؛ لأنه لما لم يتبين كلمة حدث قال: نا، هذه مسألة تمشي باعتبار أنه يقال: نا عن حدثنا في الرمز، يعني كأن السامع ما يستغرب شيئاً إذا قال: نا سيفان، كأنه قال: حدثنا سفيان، لكن افترض أنه ما سمع السين من سفيان، هل يقول: خلف بن سالم حدثنا فيان؟ يقول مثل هذا؟ أو كان الشيخ بعد ممن يقلب بعض الحروف، إما يجعل الثاء سين، وإلا الذال زاي، وإلا شيء، يروي كما سمع، وإلا يتصرف؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه، ما يثبتها خلفاً لما أللي ما أثبت صيغة الأداء، ما هو متصرف في اسم راوٍ، لن يتصرف في اسم راوٍ، فضلاً عن متن الحديث، إذاً صيغة الأداء أمرها سهل، أسهل بكثير من تغيير اسم راوٍ، ما ندري ماذا يحصل له لو سمع نصف الاسم؟ لو سمع نصف الاسم ماذا يصنع؟ هل يصنع كما صنع بـ "نا"؟ ها؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

إذا ألغى الاسم صار فيه سقط، السند فيه سقط، يضعف بسببه، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

على كل حال مثل هذا خير من هذه الحرفية، وهذا الإفراط، أن يتثبت، فإذا تثبت من جاره الثقة يعتمد عليه، كما يعتمد على المستملي.

من قول سفيان وسفيان اكتفى

بلفظ مستمل عن المملي اقتفى

ص: 29

من قول شيخه سفيان بن عيينة، وسفيان شيخه "اكتفى بلفظ مستمل" يعني بسماع لفظ مستمل "عن المملي اقتفى" عن لفظ المملي إذ المستملي اقتفى إي تبع لفظ المملي، وهو الذي عليه العمل بين أكبار المحدثين، يعني حينما يكثر الجمع، أو يعرض للشيخ ما يعرض له مما يؤثر على صوته من مرض، ونحوه يتخذ مستملي، المستملي هو الذي يسمع صوت الشيخ، ويبلغه إلى الطلاب، يعني أحياناً تكثر الجموع تكون بالألوف، وليس عندهم آلات تريحهم، وتكبر الصوت، وتبلغه القاصي والداني، يتخذون مستملين، يتخذون مستملين، فيُعجل في الصف الثالث واحد، وفي الصف السادس واحد، وفي الصف العاشر واحد، كل واحد يسمع كلام واحد ويبلغ، ولابد أن المستملي له شروط يأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى- أن يكون ثقة، وأن يكون يقظاً، وفاهماً، يكون فاهماً يقضاً، يعرف يتصرف، ويعرف ينقل الكلام بحروفه، ما يكون مغفل، شيخ من المشايخ اتخذ مستملي، فقال الشيخ: حدثنا عدة يعني مجموعة من الشيوخ، فلما قال: حدثنا عدة، وسكت الشيخ، قال: عدة ابن من؟ هذا مثل أللي بحث عن ترجمة ابن لبون، وابن مخاض مثله، فلما يجد لهما ترجمة في الكتب، لكن لا بد أن يكون المستملي متيقظاً؛ لأن الشيخ يسمع قد يسمع المستملي الأول لكن ما يسمع المستملي الثاني، وإذا تسنى له أن يرد على المستملي القريب؛ لا يتسنى له أن يرد على المستملي البعيد، وهذه الطريقة في الاستملاء موجودة حتى على مستوى المجالس العادية، يعني قبل السنترالات، وقبل الهواتف، وقبل مكبرات الصوت تجد مثلاً أمير البلد، وهو جالس في قصره إذا أراد شيئاً رفع صوته، ويسمعه شخص، ثم بعد ذالك هذا الشخص يرفع صوته ويسمعه الثاني، وهكذا، وعلى طريقة الاستملاء عند أهل العلم، وكما الله -جل وعلا-:{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل]، يستعمل هذا فيما يرضي الله، وهذا في أمور عادية مباحة، وقد يستعمل في محرم، وما أشبه ذلك، والله المستعان.

ص: 30

"وسفيان اكتفى بلفظ مستمل" يعني بسماع لفظ مستملٍ عن لفظ المملي، إذ المستملي "اقتفى" أي تبع لفظ المملي، وهو الذي جرى عليه العمل بين أكابر المحدثين، يعني يكتفون بلفظ المستملي، ويروون عن الشيخ مباشرة لماذا؟ لأنه لو غلط المستملي رد عليه الشيخ، ولو غلط المستملي الثاني رد عليه المستملي الأول؛ لأن المسألة مفترضة في ثقات، في ثقات لا يسكتون عن الغلط.

كذاك حماد بن زيد أفتى:

استفهم الذي يليك حتى

كذالك أبو إسماعيل حماد بن زيد أفتى من استفهمه في حال إملائه فقال: كيف قلت؟ فقال: استفهم الذي يليك،

. . . . . . . . .

استفهم الذي يليك حتى

أنهم:

رووا عن الأعمش كنا نقعد

. . . . . . . . .

الأعمش الحافظ الحجة قال:

. . . . . . . . . كنا نقعد

للنخعي فربما قد يبعد

النخعي إبراهيم ين يزيد "فربما قد يبعد البعض" ممن يحضر "البعض لا يسمعه" البعض من الحضور يبعد بحيث لا يسمع الشيخ "فيسأل" يعني ذلك البعيد "البعضَ" القريب من الشيخ "عنه" أي عما قال الشيخ،

البعض لا يسمعه فيسأل

البعض عنه ثم كل ينقل

ثم كل من سمع من الشيخ، أو من سمع من رفيقه، وجاره ينقل كل ذلك عن الشيخ بلا واسطة.

قال رحمه الله:

وكل ذا تساهل وقولهم:

يكفي من الحديث شمه فهم

"وكل ذا" أي رواية الراوي ما لم يسمعه من الشيخ إلا من المستملي، أو من رفيقه تساهل، وإلا فالائق بأهل التحري ألا ينسب إلى الشيخ إلا ما سمعه من لفظه، أو قُرأ عليه، وهو يسمع.

وكل ذا تساهل وقولهم:

. . . . . . . . .

ص: 31

شاع عند كثير من أهل الحديث، كابن منده مقالة:"يكفي من الحديث شمُّه" يكفي من الحديث شمه، يعني يكفي من سماعه الشمُّ، ما يحتاج أن تسمع الحديث كاملاً، وهذا لكل الناس؟ أو للماهر في الصناعة الذي حفظ من الأحاديث القدر الكبير جداً، الذي يكفيه أن يذكر له طرف الحديث، ويترك؟ بعض الناس يكفيه شم الحديث، يكفيه شم المسائل العلمية –أيضاً- يسمك طرف المسألة اتركه بس، فإذا مسك طرف الحديث خلاص يكفي هذا، يكفيه الشم، لماذا؟ لأن عنده رصيد كافٍ لمثل هذا، أما الشخص الذي يلقن كلمة كلمة، فإذا لقن الأولى ضاعت الثانية، وإذا لقن الثانية ضاعت الأولى، هذا ما يكفيه، ولا إيش؟ ما يكفيه، ولا أكله أكل لمَّا، لا يكفيه شمَّا، وهذا يذكرنا باعتراض للعيني على ابن حجر في مسألة في العربية، وقال: إن هذا الكلام لا يقوله من شمَّ أدنى رائحة لعلم العربية، صاحب "المحاكمات المبتكرات اللآلئ والدرر" لما ذكر الحافظ، وذكر كلام العيني، ووازن بينهما، ونقل ما يؤيد كلام الحافظ من كلام الأئمة، قال: فتبين بهذا أن الحافظ أكل العربية أكلاً لما، ولم يكتفي بشمها شمَّا، فنعم الناس يتفاوتون بعض الناس ما يكفيه، ولا تلقين، كلمة كلمة، وعسى، ولا تكثر عليه، تملي عليه جملتين متواليتين، بل يملى عليه كلمة كلمة، وعسى يضبط، وبعض الناس أبداً تعطيه طرف البيت، ويكمل طرف الحديث، ويكمل، وهكذا، طرف المسالة، ويتصورها، وهذا ينتفع بمثل هذا في حال المذاكرة مع الشيوخ، أو مع الأقران:

وكل ذا تساهل وقولهم:

يكفي من الحديث شمه فهم

يعني القائلون من ذلك إنما:

عنوا إذا أول شيء سئلا

. . . . . . . . .

عنوا به إذا أول شيء أي طرف الحديث سئل عنه المحدث عرفه، ولذلك كثير من الأحاديث لا يؤتى بلفظها، لا يؤتى بها بلفظها، إنما قال: سمع الحسن من سمرة حديث العقيقة، ما يحتاج أن تأتي بالحديث كاملاً، علقمة سمع من عمر حديث الأعمال بالنيات، ويكفي، فإذا أردت أن تسرد الكلام بالتفصيل تأتي بالحديث كاملاً، ويكفيك من هذا شمه، يكفيك ما يدل على المقصود:

عنوا إذا أول شيء سئلا

. . . . . . . . .

يعني عنه محدث طرف الحديث:

. . . . . . . . .

عرفه وما عنوا تسهلا

ص: 32

عرفه، اكتفى بطرفه عن ذكر باقيه "وما عنوا به تسهلاً" في التحمل، ولا في الأداء، والمسألة السادسة، أو الفرع السادس، أو السابع على اعتبار مسألة الإجازة مع الفوت إن اعتبرناها مسألة مستقلة صار الفرع السابع، وإلا فهو السادس:

وإن يحدث من وراء ستر

عرفته بصوت أو ذي خبر

"صح" يعني المحدث الذي يحدث من وراء حجاب، يحدث مثلاً من خلال المذياع مثلاً، أو شريط، أو في مكان آخر، ويسمع صوته، ولا يرى شخصه يصح، إذا أمن من اللبس، يعني من تقليد الصوت، من تقليد الصوت إذا جزمنا بأن هذا هو صوت فلان، والكلام يليق به؛ لأنه أحياناً الصوت لا يميز من بعض المهرة في التقليد تسمع الكلام كأنه صوت المقلَّد من كل وجه، لكنه في الغالب أن المقلِّد هذا أنه يأتي بكلام لا يليق بالمقلَّد، لأنه ما جاء بهذا التقليد لنفع الناس، أبداً ما يمكن أن يقلد شخص لينتفع الناس بكلام المقلَّد، سمعنا من يقلد العلماء، سمعنا من يقلد بعض المسؤولين، ويتقنون هذا التقليد لكنه لاشك أن مثل هذا الامتهان علامة خذلان لماذا؟ لأنه لا يريد به نفع الناس؛ لأنه يأتي بكلام يقلد فيه –مثلاً- الشيخ بن باز؛ هل هذا المقلد يأتي بالكلام ليمشيه على الناس باعتبار انه من كلام ابن باز فيما ينفع الناس؟ أو يأتي بهذا من طريق التنكيت، والطرفة، وأحياناً السخرية -نسأل الله السلامة والعافية-، هذه مهنة المقلدين من الممثلين، وغيرهم هذه مهنة المقلدين، ولذا يفتي أهل العلم بتحريم هذا التقليد، ومنعه منعاً كلياً؛ لأن أكثر من يأتي به إنما يأتي به للاستهزاء، أو لإضحاك الناس، لا يأتي به بفائدة، فإذا كان الصوت هو صوت فلان الذي يليق به بما أن الكلام الذي يخرج يليق بفلان، يعني هذه قرينة على أنه بالفعل فلان، ولذا قال:

وإن يحدث من وراء ستر

. . . . . . . . .

ص: 33

إما وراء جدار، أو إزار، أو ما أشبه ذلك، من "عرفته بصوت" إما بصوت ثبت لك أنه صوته لعلمك بصوته، يعني مر عليك مراراً، نعم "أو" إخبار "ذي خبرٍ" يعني معرفة به ممن تثق بعدالته، وضبطه، بأن يقول لك: هذا الصوت فلان بحيث لا تردد في خبره "صح" السماع على المعتمد بخلاف الشهادة، الشهادة لا تصح من وراء ستر، ولا من وراء حجاب، إنما تكون مكافحة، مشافهة.

ص: 34

"وعن شعبة" ابن الحجاج، وهو من أهل التشديد، وعن شعبة بن حجاج قال:"لا تروِ عمن حدثك ممن لم تر وجهه"، لا تحدث، أو لا تروِ عمن حدثك ممن لم تر وجهه، فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول: حدثنا، وأخبرنا، تصور في صورته يعني المقصود أنه تقمص شخصيته، والمراد بهذا الصوت، المراد بهذا الصوت، وإن كان الشيطان قد يتشكل بصورة إنسان، وشيخ الإسلام -رحمه لله- يقول: جاءني من ينسب إليَّ أقوال، يقول: أنا سمعتك بنفسي، ورأيتك تقول كذا، يعني في مسائل القبور، والاستعانة بأهلها، قال: أبداً أنا ما قلت هذا، هذا شيطان تلبس بصورتي؛ لأنه لا يعقل أن شيخ الإسلام الذي يرد على المبتدعة، وعلى القبوريين أن يقول مثل هذا الكلام، فالشيطان لا شك أنه من الفتن التي تفتن بعض الناس، ولذا عباد القبور الذين أشربت قلوبهم حبها، وصرفوا لأهلها، ومن فيها ما هو من حق الرب -جل وعلا- يفتنون في هذا الباب، قد يسأل صاحب القبر، ويجاب من داخل القبر، شيطان، وهذا زيادة في الفتنة -نسأل الله السلامة والعافية-، يقول:"لا تروِ عمن حدثك ممن لم تر وجهه؛ فلعله شيطان، وقد تصور في صورته، يقول: حدثنا، وأخبرنا" ومعروف أنه أطلق الصورة، وأراد الصوت، لكن الحق، والمعتمد عند أهل العلم، والراجح أنه يعتمد، تعتمد، وتصح الرواية من وراء ستر "ولنا" يعني الحجة لنا، الحجة لنا في اعتماد الصوت حديث ابن عمر، رفعه:((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا، واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم))، بلال يؤذن بليل، فكلوا، واشربوا، يعني اعتمدوا على أذان ابن أم مكتوم، وهو لا يرى شخصه، ترى شخص المؤذن، ألا تعتمد قوله، ألا تصوم، تفطر بأذانه، وتمسك بأذانه، وتصلي بأذانه، وأنت لا ترى شخصه، هذا من أقوى الحجج على أن الرواية من وراء حجاب صحيحة:((إن بلالاً يؤذن بليل)"وحديث أمنا" عائشة أم المؤمنين حينما تحدث من يروي عنها من الصحابة، أو من التابعين، إنما تحدثهم من رواء حجاب، فإذا كانت أمور الدنيا إذا سألوا عنها:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [(53) سورة الأحزاب] من رواء حجاب، وكذلك التحديث، لا يجوز تحديث المرأة للرجال، أو الرجل للنساء بدون حجاب، بدون

ص: 35

حجاب، وعائشة تحدث من يطلب منها التحديث، أو يسألها عن الحديث، وهي في بيتها من وراء حجاب، وهذا من أقوى الأدلة على اعتماد التحديث من وراء حجاب، وهذا يدل على أن الاختلاط لم يوجد لا في أول الزمان، ولا في آخره، وكل عمل يؤدي إلى محظور فهو محظور، وتجد بعض المفتونين يقول: إن الناس يطوفون جميعاً رجال ونساء، ويصلين مع الجماعة من دون حجاب، ومن دون ساتر، وحتى أن من أغرب الأدلة استدلالاً من استدل على جواز الاختلاط بآية المباهلة:{فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ} [(61) سورة آل عمران]، يعني إحنا نجتمع في مكان واحد ونباهل، يعني الشيطان يلقنهم بعض الحجج، ولا شك أن هذا من إتباع المتشابه الذي هو صنيع أهل الزيغ، فأين هم عن النصوص المحكمة؟ أين هم عن مقاصد الشريعة التي جاءت بقطع دابر كل ما يوصل إلى الفساد؟ وحديث أمنا أم المؤمنين عائشة التي تحدث من رواء حجاب، وكذلك سائر النساء من الصحابيات، وغيرهن ممن جاء بعدهن ممن له عناية بالرواية، فقبلت هذه الرواية مع غيبة الشخص، مع سماع الصوت، وغيبت الشخص مع أمن التقليد، والتزوير، كما أنه يعتمد على الكتابة مع أمن تزوير الكتابة، كما سيأتي بالثامن الوجادة "ولا يضر سامعاً" هذا الفرع الثامن يقول:

ولا يضر سامعاً أن يمنعه

الشيخ أن يروي ما قد سمعه

وكذالك التخصيص أو رجعت

ما لم يقل أخطأت أو شككت

الفرع الثامن: لا يضر سامعاً أن يمنعه، لا يضر السامع من الشيخ أن يقول له الشيخ: لا ترو عني، يعني سمع لفظاً، أو عرضاً، روى عن الشيخ حضر مجلس التحديث، وقال الشيخ: لا أنت يا فلان لا توري عني.

ص: 36