المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح ألفية الحافظ العراقي (5) - شرح ألفية العراقي - عبد الكريم الخضير - جـ ٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح ألفية الحافظ العراقي (5)

‌شرح ألفية الحافظ العراقي (5)

تابع الحديث الحسن

الشيخ/عبد الكريم الخضير

ص: 1

"وزاد كونه ما عللا" يعني هل انتفاء العلة موجود في تعريف الخطابي؟ فهي واردة عن التعريفين، "ولا بنكر أو شذوذ شملا"، ولا بنكر أو شذوذ شملا، قد يحتمل أن يكون الذي زاد ابن الصلاح، زاد على تعريفهم تعريف الاثنين كونهما عللا، فانتفاء العلة شرط لقبول الخبر في الجملة بما في ذلك الحسن بقسميه، "ولا بنكر" بنكارة "أو شذوذ شملا"، الشذوذ نص عليه الترمذي، وإذا انتفى الشذوذ انتفت النكارة من باب أولى، "وزاد" يعني ابن الصلاح على حد الخطابي والترمذي زاد هذه زاد انتفاء العلة وزاد انتفاء النكارة وزاد انتفاء الشذوذ وإن كان قوله زاد كل منهما، كل قد ذكر وزاد فلم يوجد اشتراط انتفاء العلة في كلام الاثنين، وكذلك النكارة لا توجد ولا الشذوذ في كلام الخطابي، يوجد الشذوذ في كلام الترمذي، ومن باب أولى انتفاء النكارة، يعني إن كان القصد زاد كل واحد منهم فكلامه مستدرك، وإن كانت الزيادة من ابن الصلاح زاد على ما ذكراه فانتفاء الشذوذ موجود في كلام الترمذي، "والفقهاء كلهم يستعمله" هذا من تتمة كلام الخطابي على الخلاف بينهم، هل هذا الكلام تابع للحد أو مستقل في بيان حكم الحديث الحسن؟ فالذي يقول أنه تابع لكلامه في الحد يقول: هذا الكلام يميز الحسن من قسيميه، "الفقهاء كلهم يستعمله، والعلماء الجل منهم يقبله"، يعني يقول: عامة الفقهاء، والعامة يطلق على الكل ويطلق على الغالب، والواضح من كلامه أنه يريد الكل، لماذا؟ لأنه قابل العامة بالجل وهم الأكثر؛ لأنه قال: وجل العلماء أو قال: أكثر العلماء منهم يقبله، فالفقهاء يستعملونه ويدور في كتبهم كثيراً يستعملونه محتجين به كلهم، هؤلاء الفقهاء لكن العلماء الجل منهم يقبله، جمهور العلماء من أهل الحديث من أهل الشأن، من أهل الصنعة يقبلون الحديث الحسن، نعم منهم من رده، منهم من رد الحسن، أبو حاتم الرازي يرد الحسن يرد الحسن، ويُسأل عن الراوي فيقول حديثه حسن، أتحتج به؟ قال: لا، وفلان صدوق، أتحتج به؟ قال: لا، فأبو حاتم يرده، ويرده جمع من المتقدمين لا سميا الحسن لغيره، الحسن لغيره، أما الحسن لذاته فالخلاف فيه أقل، لكن أبو حاتم يرد الحسن جملة. ابن العربي له كلام في عارضة الأحوذي يدل على أنه

ص: 2

لا يقبل الحسن وقبوله وقول جل العلماء بل وأكثرهم والفقهاء كلهم يحتجون به.

. . . . . . . . .

والعلماء الجل منهم يقبله

وهو بأقسام الصحيح ملحق

. . . . . . . . .

يعني وهو الحسن محلق بأقسام الصحيح؛ لأن الصحيح درجات، الصحيح درجات، وعرفنا مراتب الصحيح فيما تقدم؛ فالصحيح درجات هذه الدرجات تتفاوت بحسب تفاوت الرواة، وتمكنهم من أوصاف القبول،

ص: 3

ومثلما ذكرنا مراراً أنك لا يمكن أن تجد راوي مطابق لراوي من جميع الوجوه، أو مجموعة من الرواة يروون مجموعة من الأحاديث مطابقون لمجموعة من الرواة يروون أحاديث أخرى، لا بد من التفاوت، لا بد من التفاوت، وإذا كان الراوي الواحد الراوي الواحد يتفاوت في بعض أحواله عن بعض، فخلق الإنسان هذا المخلوق العجيب الدال على قدرة الخالق، يعني لو أن إنساناً تأمل في نفسه، يعني المصانع تخرج المصنوعات على هيئة واحدة، تصنع مئات الملايين من هذا المصنوع ما تجد بينها اختلاف، ما تجد بينها اختلاف، لكن الخالق -جل وعز- هذه المخلوقات العجيبة الدقيقة التي لا يمكن أن تتطابق بوجه من الوجوه، يعني كون الصانع يصنع أشياء كثيرة على وجه واحد ليس بعجيب يعني، لكن كونه يصنع ألوف مؤلفة كل واحد له ميزة، وكل واحد له خصيصة، وكل واحد يستفاد منه في وجه لا يستفاد منه في وجه آخر، يستفاد منه في غير ما يستفاد من غيره في هذا الوجه، هذه قدرة، {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [(21) سورة الذاريات]، ولذلك ما يمكن أن تجد رجلين متطابقين من كل وجه، وقل مثل هذا في الرواة، فإذا كان الرواة بهذه المثابة، بعضهم أوثق من بعض، يعني بعضهم تعطيه من الضبط والحفظ والإتقان تسعة وتسعين بالمائة، وبعضهم ثمانية وتسعين ثم تنزل النسبة إلى أن يصل إلى عشرة بالمائة، يعني لو أراد الإنسان أن يختبر أولاده مثلا، يختبر أولاده سهل الاختبار أنت عارف هذا ضابط وهذا غير ضابط، اجلس في يوم العيد مثلاً وأنت رجل معروف ومشهور واترك الناس يأتون ليهنئوك بيوم العيد أو في يوم عزى ويعزونك، ويدخل عليك في هذا اليوم يطرق الباب مائة مثلاً، افتح الباب يا ولد، فتح الباب من بالباب؟ فلان، صادق هو ما عنده إشكال، وبالفعل فلان، افتح الباب للثاني، الثالث، العاشر، المائة ثم اسأله من الغد من جاء بالأمس؟ هل يكون خبر الأولاد على وتيرة واحدة، يمكن بعضهم يخبرك بتسعين واحد من المائة وبعضهم لا يستطيع يستحضر ولا عشرة، ظاهر موجود وإلا ما هو موجود؟ الآن عندكم أنتم فيما بينكم في حفظكم وتمييزكم وفهمكم تباين كبير، وذلك فضل الله يأتيه من يشاء، لكن يبقى أن هذه نعم تحتاج إلى شكر، يعني الذي يحفظ

ص: 4

من أول مرة ولا يستغل هذا الحفظ هل هذا شكر هذه النعمة؟ لم يشكر هذه النعمة، والذي لا يحفظ إلا بألف مرة ويستغل هذه النعمة على ضعفها ويحفظ قدر ما يستطيع ويتعب في حفظها يرفع درجاته يا أخي، ويمكن يحصل أضعاف ما يحصله الذكي الذي لا يستغل الحفظ والفهم، وعاد من الأجور حدث ولا حرج، المقصود أن الرواة متفاوتون وتبعاً لتفاوتهم تتفاوت مروياتهم وأخبارهم.

"وهو بأقسام الصحيح ملحق" من أي وجه؟ "وهو بأقسام الصحيح ملحق **حجية"؛ لأنه تقدم أنه في كلام الخطابي العلماء الجل منهم يقبله، يعني يحتج به، الفقهاء كلهم دون استثناء يحتجون به، والعلماء جلهم وأكثرهم يقبلونه فهو في حيز القبول، إذاً هو مثل الصحيح في القبول، مثل الصحيح في القبول يعني يأتيك حسن تقول والله ما أبا أنظر فيه، حديث يتضمن حكم من رواية محمد بن عمرو الآتي مثلا، تقول والله هذا حفظه فيه شيء، أنا لا أقبله، نقول له: عامة أهل العلم يقبلونه؛ لأن حديثه حسن، والحديث الحسن يجب قبوله في جميع أبواب الدين بما في ذلك العقائد والأحكام والفضائل والتفسير والمغازي وجميع أبواب الدين؛ لأنه ملحق بأيش بالصحيح الذي يجب قبوله، من حيث الحجية "وإن يكن لا يحلق" به في القوة، وإن لم يلحق به في القوة، إذا كانت المسألة ما فيها إلا هذا الحديث وجب العمل، إذا كانت المسألة فيها هذا الحديث ويوجد ما يعارضه من حديث آخر نرجح نرجح إن كان صحيح رجحناه على الحسن، ولذا يقول:"وإن يكن لا يلحق"، يعني لا يلحق به في القوة، وإن كان المعارض له ضعيف رجحنا الحسن عليه وتركنا الضعيف إن كان المعارض له حسن مثله نظرنا في وجوه أخرى للترجيح، في وجوه أخرى للترجيح، وأوجه الترجيح ذكر منها الحازمي في مقدمة الاعتبار خمسين وجهاً، خمسين وجهاً من أوجه الترجيح، وذكر الحافظ العراقي في نكته على المقدمة مقدمة ابن الصلاح التقييد والإيضاح أكثر من مائة وجه من وجوه الترجيح، فعلى كل حال هو مقبول في حيز القبول، ويجب العمل به ويجب العمل به، "وإن يكن لا يحلق" بالصحيح من حيث القوة، فيرجح عليه الصحيح عند التعارض أما مع عدم التعارض فيجب العمل به.

ص: 5

"فإن يقل يحتج بالضعيف"، قد يقول قائل: أنتم تحتجون بالضعيف؛ لأن في قوله: "وهو بأقسام الصحيح ملحق" يشمل الحسن لذاته والحسن لغيره، الحسن لغيره عبارة عن إيش؟ عن ضعيف، وضعيف، وضعيف، اجتمعت هذه الضعاف فحكم على الخبر بأنه حسن لغيره، "فإن يقل يحتج بالضعيف"، أنتم تحتجون بالضعيف ليش؟ قال: أنتم احتججتم بخبر فيه فلان وهو ضعيف، وفلان ضعيف في طريقه الثاني، وفلان الثالث ضعيف في طريقه الثالث، "فإن يقل يحتج بالضعيف"؛ لأن مفردات الحديث الحسن ضعيفة لكن بمجموعه يصل إلى الحسن لغيره

فإن يقل يحتج بالضعيف

فقل. . . . . . . . .

أجب على هذا الإشكال

. . . . . . . . .

.... إذا كان من الموصوف

رواته بسوء حفظ يجبر

بكونه من غير وجه يذكر

إذا كان رواته وصفوا بشي من سوء الحفظ بحيث يضعفون بما يرجع إلى الحفظ لا بما يرجع إلى الديانة، بما يرجع إلى سوء الحفظ، حفظه ضعيف، ثم جاء من طريق آخر فيه أيضا فيمن، في حفظه ضعف، من طريق من في حفظه ضعف، ثم جاء أيضاً من طريق ثالث، وهكذا اجتمعت هذا الطرق، ضعيف من جهة الحفظ وضعيف من جهة الحفظ، وضعيف من جهة الحفظ، لماذا ضعفنا الحديث بسبب ضعف حفظ راويه؟ لأن الذي يغلب على الظن أنه ما ضبطه، وإذا لم يضبطه ما يأتي به على الوجه الذي جاء به، قد يزيد وينقص ويغير المعنى وكذا، هذه هي التهمة التي جعلت حديث سيء الحفظ غير مقبول، لكن إذا جاءنا من طريق ثاني، يعني اعتبرنا زيد هذا الراوي روى الحديث وحفظه عندنا في تقديرنا أربعين بالمائة فالذي غلب على الضن أنه لم يحفظ هذا الخبر ونرده لو لم يأت من طريق آخر، لكن جاء من طريق راو مثله في الضعف أعطه نسبة ثلاثين بالمائة يطلع.

طالب: المتابعة.

ص: 6

المتابعة إيه، أو من طريق آخر شاهد، المقصود أنه جاء من طرق تجعل النفس تطمئن إلى أن هذا الراوي الضعيف ضبط ما روى؛ لأنه ليس كل ضعيف ما يضبط أبداً، وليس كل ثقة لا يخطئ، لكن هذه الأمور أمور لا بد منها، مقدمات لا بد من الحكم بها، وإن لم تطابق الواقع، ولذلك كما تقدم في قوله:"وبالصحيح والضعيف قصدوا في ظاهر لا القطع" ونظير ذلك حكم القاضي، حكم القاضي إذا تقدم له مدعي ومدعى عليه، المدعى أين بينتك هذه بينتي، نعم ظاهر البينة الصلاح والعدالة يقبلهم القاضي، يقبلهم من خلال القاضي، وما يدريه أنهم على خلاف ظاهرهم أو أخطأوا في شهادتهم لا يمنع أن يكون .. أقول لا يلزم أن يكون تعمد، وجاء مدعي آخر بشهود ظاهرهم عدم القبول وعدم العدالة يردهم وإن كانوا في الواقع ضابطين صادقين؛ لأن الأحكام في الدنيا كلها معلقة على الظاهر، وكثرة الطرق لا شك أنها تجعل النفس ترتاح وتطمئن إلى ثبوت الخبر.

فإن يقل: يحتج بالضعيف

فقل: إن كان من الموصوف

رواته. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

ص: 7

موصوف رواته، رواته إعرابها؟ نائب الفاعل لاسم المفعول، "رواته بسوء حفظ يجبر"، يعني ينجبر "بكونه من غير وجه يذكر" بكونه من غير وجه يذكر، وعرفنا أن نسبة قبول خبر هذا الراوي الضعيف بسبب سوء الحفظ أربعين بالمائة، ثم جاءهم ما يدعمه بمثله من راو مثله يرتقي وينجبر هذا بهذا، الذي قُدح في ديانته هم يقولون يشددون في شأن الديانة، في شأن العدالة يشددون أكثر مما يشددون في شأن الضبط؛ لأن الضبط مرده إلى المقياس، المقياس الذي يمكن اعتباره، تُعرض روايته على رواية الثقات "فمن يوافق غالباً ذا الضبط** فضابط أو نادراً فمخطي". هذا مقياس الضبط، لكن العدالة؟ العدالة مردها إلى الديانة؛ لأن غير الثقة الفاسق {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [(6) سورة الحجرات] فتثبتوا لا بد من التثبت فيحتاط في أمره مالا يحتاط في غيره، نعم إذا كان حُفظ عليه هفوة ولا زلة، ولا مخالفة وكذا، وجاء من طريق مثله مثلاً، ما يمنع أن يقال ما لم يتواطئوا ويتفقوا على هذا الخبر، ولا يمنع أن يوجد التواطؤ، ولذالك يشددون في شأن الديانة أكثر؛ لأن الذي لا يضبط ما يمكن أن يتفق مع ثاني على شهادة زور نعم، لكن قد لا يضبط المشهود به، أما إذا كان الخلل في الديانة يمكن يتفق اثنين من الفساق ويشهدوا شاهدة زور، فالأمر فيما يتعلق بالديانة أشد احتياطاً عندهم مما يتعلق بالضبط،

. . . . . . . . . بسوء حفظ يجبر **بكونه من غير وجه يذكر

وإن يكن لكذب أو شذا

أو قوي الضعف فلم يجبر ذا

ص: 8

"وإن يكن لكذب" إذا كان الراوي كذاب، أو حتى متهم بالكذب يعني جرحه شديد مثل هذا لا يقبل الانجبار، "وإن يكن لكذب أو شذا" حتى الشذوذ الذي وجدت فيه المخالفة لا يقبل ولو جاء من طرق، ولو جاء من طرق أنت إذا عرضت حديث هذا الضعيف على أحاديث الثقات أو حديث الثقة وعرضته على حديث من هو أوثق منه وجدت المخالفة، حكمت عليه بأنه شاذ، جاء ما يؤيد خبر هذا الشاذ، لكنهم لا يصلون إلى مرتبة من خالفوهم، جاء ثالث يؤيد حديث هذا الشاذ لكنهم أيضاً لا يرجَحون على من خالفوهم من الثقات، يبقى أيضاً في حيز الشذوذ ولا يقبل "أو شذا أو قوي الضعف"، قوي الضعف صار الحديث متروك مثلاً مطروح، مثل هذا لا يقبل الانجبار، "أو قوي الضعف فلم يجبر ذا" مثل هذا لا يقبل الانجبار.

الخلاصة أن الضعف الخفيف يقبل الانجبار، والضعف الشديد لا يقبل الانجبار، والسيوطي حتى نص عليه في ألفيته أنه وإن قوي الضعف يقبل الانجبار، في أحد يحفظ من ألفية السيوطي.

وربما يكون كالذي بدي يعني ما ضعفه شديد ربما يكون كالذي بديء به مما ضعفه خفيف، فيدل على أن له أصل يعني وجود رواية متهم بالكذب، مع رواية شديد الضعف، مع رواية من وصف بأمر عظيم، هؤلاء وجود رواياتهم يقوي بعضها بعضاً أو وجودها مثل عدمها؟ الأكثر على أن وجودها مثل عدمها، وأنها لا تقبل الانجبار.

السيوطي من خلال التنظير والتطبيق يجبر بعضها ببعض، ويشيرون إلى أنه إذا اجتمع مجموعة من الروايات فيها في كل طريق منها راوٍ شديد الضعف، يقولون: أنها تخرج من حيز الرد من غير تردد إلى أن تكون محل للنظر والاعتبار.

. . . . . . . . .

. . . . . . . . . فلم يجبر ذا

ألا ترى المرسل حيث أُسندا

أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا

ص: 9

يعني مما يقبل الانجبار المرسل، يعني مثل سوء الحفظ، المرسل يقبل الانجبار "ألا ترى المرسل حيث أسندا" يعني إذا روي من طريق مسند، "أو أرسلوا" يعني روي من طريق مرسل يرويه غير من يروي عن المرسل الأول، يعني يأتي من طريق ثاني، وإن كان مرسلا "كما يجيء" في بحث المرسل من كلام الإمام الشافعي "اعتضدا""ألا ترى المرسل حيث أسند أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا"، نعم المرسل يعتضد، وسيأتي تفصيله في كلام الإمام الشافعي؛ لأن الشافعي يشترط في قبول الحديث المرسل أربعة شروط، ثلاثة منها في المرسِل وواحد في الخبر المرسَل.

أن يكون من كبار التابعين.

أن يكون إذا سمى من روى عنه سمى ثقة غير مرغوب بالرواية عنه.

أن يكون من كبار التابعين، وإذا سمى من روى عنه لم يسم مرغوباً عن الرواية عنه، وأن يكون بحيث إذا شرك أحداً من الحفاظ لم يخالفه، ويشترط في الحديث المرسل أن يأتي من وجه آخر، إما مسند أو مرسل، أو موقوف على أحد الصحابة، أو يفتي به عوام أهل العلم، يعتضد بهذا المرسل عند الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، وسيأتي يأتي تفصيل شروطه كما في رسالته الشهيرة، انتهى من الكلام على الحديث الحسن، ثم بعد ذلك، الحديث الحسن بقسميه، وسيأتي مزيد للحديث الحسن لغيره في بحث الضعيف؛ لأنه إذا عرف الضعيف وبان لنا الضعيف اجتمع لنا أكثر من ضعيف ارتقى إلى الحسن لغيره، وهنا لما عرف الحسن نعم، عرف الصحيح لغيره، لماذا؟ لأن الصحيح لغيره عبارة عن حديث حسن لذاته يروى من طرق، عبارة عن حديث حسن لذاته يروى من طرق، فالحسن لغيره هو الضعيف إذا تعددت طرقه، والصحيح لغيره هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، ولذا قال:

والحسن المشهور بالعدالة

والصدق راويه، إذا أتى له

طرق أخرى نحوها من الطرق

صححته كمتن (لولا أن أشق)

إذ تابعوا (محمد بن عمرو)

عليه فارتقى الصحيح يجري

ص: 10

رواية محمد بن عمرو بن علقمة، وهو من الديانة والصيانة بمكان، إلا أن في حفظه شيء، ولذا وثقه بعضهم لديانته وعدالته، وضعفه بعضهم نظراً لما في حفظه من الخدش، وعلى كل حال الحكم المتوسط في شأنه أن يقال: حسن الحديث، لا يبلغ به مرتبة الصحيح، ولا مرتبة الضعيف، محمد بن عمرو لما روى حديث:((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) هذا عند الترمذي، وحكم عليه بالصحة لماذا؟ لأنه متابع له طرق أخرى، وإلا فالحديث من طريق غيره موجود في الصحيحين، من طريق غيره موجود في الصحيحين، "والحسن المشهور بالعدالة"، محمد بن عمر مشهور بالعدالة "والصدق راويه إذا أتى له"، مشهور هذا الراوي بالعدالة والصدق "إذا أتى له طرق أخرى نحوها من الطرق" يعني بمنزلتها لا دونها، بمنزلة هذا الطريق قريب منها "صححته"، يعني يصل إلى درجة الصحيح، يصل إلى درجة الصحيح، وإن لم يكن صحيحاً لذاته إلا أنه في حيز القبول والصحة لكنه صحيح لغيره لما احتف به من الطرق، "صححته كمتن (لولا أن أشق) "، يعني على أمتي لأمرتهم بالسواك، "إذ تابعوا (محمد بن عمرو) " راويه محمد بن عمرو بن علقمة معروف بالعدالة والصدق، لكنه في حفظه شيء يخدش فيه بحيث ينزله عن درجة الحفاظ الثقات الأثبات. "إذ تابعوا محمد بن عمرو عليه"، يعني على روايته فروي من طرق، "عليه فارتقى الصحيح يجري"، فارتقى الصحيح يجري، وهنا مسألة: حديث محمد بن عمرو صححه الترمذي، لما له من طرق، هل نستطيع أن نقول: إن هذا الحديث صحيح مطلقاً؟ أو نقول صحيح لغيره؟ لأننا صححناه بالطرق؟ الطرق منها ما في الصحيحين؛ لأن الصحيح لغيره درجة، الأصل أن الحديث حسن، الصحيح لغيره درجة فوق الحسن، الصحيح لذاته درجة ثانية، فهل الحديث يرتقي بطرقه درجة أو درجتين؟ مثل هذا قد لا يتضح فيه ما أقول بقدر ما يتضح بحديث ضعيف، فيه راوٍ ضعيف من طريق ابن لهيعة في السنن وتابعه غيره في صحيح البخاري، المتن لا إشكال في صحته لكن هل نستطيع أن نقول: إن حديث ابن لهيعة صحيح؟ لأن له متابع في الصحيح؟ بمعنى أننا نرقيه درجتين؟ أو نرقيه إلى درجة الحسن؟ لأن له طرق، الأصل هو ضعيف، والضعيف إذا كان له طرق ترقيه ارتقى إلى الحسن، لكن إذا

ص: 11

كان شاهده أو متابعه في الصحيح، هل نقول: إنه يرتقي درجة واحدة ولا نزيد على ذلك؟ وهو منهج وهو معروف عند أهل العلم، وأشار الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث إلى أنه ما المانع أن يرقى إلى الصحيح، لأننا عرفنا أن ابن لهيعة نعم وهو عدل في نفسه ضبط هذا الحديث وأتقنه فيكون صحيح، بدليل أنه مخرج بالصحيح مخرج في الصحيح من طريق الثقات الإثبات، وعلى هذا هل نقول حديث محمد بن عمرو في الترمذي صحيح ونسكت؟ أو نقول: إنه صحيح لغيره؟ صحيح بطرقه؟ وما الذي يترتب على هذا القول من آثار؟ لأننا إذا صححنا وروينا الحديث بإسناد الترمذي قلنا حديث صحيح ولم نبين أنه صحيح بطرقه، قد يغتر بهذا من يقلدنا فيجد محمد بن عمرو في سند حديث ثاني ما له متابع فيقول: محمد بن عمرو ورد في حديث صحح له فلان، لكن إذا قلنا: إنه صحيح بطرقه. . . . . . . . . في مقابل من يريد أن يحكم على أحاديث محمد بن عمرو، ولا شك أنه إذا قلنا تصحيحه لطرقه أحوط، وكم حصل من تصحيح للمتأخرين؛ لأنهم اقتدوا بمن تقدمهم لأنهم صححوا نظراً إلى المتن، نظروا إلى المتن دون نظرهم إلى الإسناد، والتفصيل هو المطلوب، وحينما يستدرك على ابن حجر في بعض الرواة، بعض الرواة قال فيهم ابن حجر صدوق مثلاً، وصحح له في فتح الباري؛ لأنه نظر إلى أن ذاك الحديث الذي صححه توبع عليه وليس فيه مخالفة، وله في ما يشهد له فصححه بهذا الاعتبار لكن لم ينص، الآن الحافظ ابن حجر لو أتينا إلى ابن لهيعة مثلا، ابن لهيعة قال في التقريب: صدوق له أوهام، وصدوق يخطئ، نعم، وقال فيه في فتح الباري: ضعيف في أكثر من موضع، وقال في حديث خرجه الإمام أحمد بإسناد حسن وفيه ابن لهيعة، وقال عن بعض الأحاديث: ضعيف لأن فيه ابن لهيعة، فمثل هذا لا بد من التنبيه بدقة على أننا إنما صححناه بطرقه، لئلا يأتي من يرمينا إما بالاضطراب أو يقتدي بنا في موضع فيضعف أو في موضع آخر فيصحح، يعني قال ابن حجر: روى الإمام أحمد بإسناد حسن، وفيه ابن لهيعة، طيب أنت ضعفته في موضع آخر من الفتح، القارئ ما يستحضر جميع الأحكام، يأخذ حكم واحد ويطرده، فلا بد من التنبيه في مثل هذه الأحكام التي ظاهرها الاضطراب.

ص: 12

عبيد الله بن الأخنس قال في التقريب: صدوق، قال ابن حبان يخطئ، وقال في فتح الباري: عبيد الله بن الأخنس ثقة وشذ ابن حبان فقال يخطئ، ويش الفرق بين الحكمين؟ لما قال في فتح الباري نظر إلى مرويه الذي خرجه في الصحيح؛ لأنه من رواة البخاري، وحينما حكم عليه في التقريب لعله نظر إلى مجموع مروياته لكن مثل هذه الأمور لا شك أنه لا بد من أن تستعمل بدقة، ولا بد من شمول النظر فيها، وإلا قد يحصل الخطأ والخلط والوهم بسبب هذا والله أعلم.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛؛

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الحافظ -رحمه الله تعالى- تعالى في قسم الحسن:

قَالَ: وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ

جَمْعُ (أبي دَاوُدَ) أيْ في السُّنَنِ

فإنَّهُ قَالَ: ذَكَرْتُ فِيْهِ

ما صَحَّ أوْ قَارَبَ أوْ يَحْكِيْهِ

وَمَا بهِ وَهَنٌ شَدِيْدٌ قُلْتُهُ

وَحَيْثُ لَا فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ

فَمَا بِهِ وَلَمْ يُصَحِّحْ وَسَكَتْ

عَلَيْهِ عِنْدَهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ

و (ابْنُ رُشَيْدٍ) قَالَ –وَهْوَ مُتَّجِهْ- **: قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ

وَللإمَامِ (اليَعْمُرِيِّ) إنَّما

قَوْلُ (أبي دَاوُدَ) يَحْكي (مُسْلِما)

حَيثُ يَقُوْلُ: جُمْلَةُ الصَّحِيْحِ لا

تُوجَدُ عِنْدَ (مَالِكٍ) وَالنُّبَلا

فَاحْتَاجَ أنْ يُنْزَلَ في الإسْنَادِ

إلى (يَزيْدَ بنِ أبي زيَادِ)

وَنَحْوِهِ، وإنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ

قَدْ فَاتَهُ، أدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْقِ

هَلَاّ قَضى عَلى كِتَابِ (مُسْلِمِ)

بِمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّمِ

وَ (البَغَوِيْ) إذْ قَسَّمَ المَصْابحَا

إلى الصِّحَاحِ والحِسَانِ جَانِحا

أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ في السُّنَنْ

رَدَّ عَلَيهِ إذْ بِهَا غَيْرُ الحَسَنْ

كَانَ (أبُوْ دَاوُدَ) أقْوَى مَا وَجَدْ

يَرْوِيهِ، والضَّعِيْفَ حَيْثُ لَا يَجِدْ

في البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ

مِنْ رَأيٍ اقوَى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ)

ص: 13

وَالنَّسَئي يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا

عَليْهِ تَرْكَاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ

وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا

فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيْحَا

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لما فرغ المؤلف -رحمه الله تعالى-، الناظم من بيان الحسن وحدِّه، والخلاف في ذلك، وأنواعه والتمثيل على ذلك؛ بيَّن مظان الحديث الحسن؛ لأن الطالب إذا عرف الحسن سأل عن مظانه، أين يوجد هذا الحديث الحسن؟ كما صنع الناظم -رحمه الله تعالى- في الحديث الصحيح، لما عرفه، وبينه، ووضحه، ذكر مظانه، وهنا فعل كذلك.

"قال ومن مظنة للحسن" وهذا البيت في طبعة الشيخ أحمد شاكر غلط، ومثلها في طبعة الشيخ حامد الفقي في بعض طبعاته حصل فيه خطأ شديد وتصحيف شنيع لا يمكن أن يفهم معناه، وهنا يقول:"قال ومن مظنة للحسن"، قال من؟ ابن الصلاح كما بين الناظم في المقدمة، حيث جاء الفعل والضمير، قال يعني ابن الصلاح يعني مثلما قال في المقدمة كما بين في المقدمة أنه إذا قال: قال فمراده بذلك ابن الصلاح.

فحيث جاء الفعل والضمير

لواحد ومن له مستور

كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما

أريد إلا ابن الصلاح مبهما

ص: 14

قال يعني ابن الصلاح، "ومن مظنة الحسن" المظنة الموطن، المظنة الموطن، والذي يعرف المظان بدقة هو طالب العلم الذي يسهل عليه التحصيل؛ لأن العلماء يقولون: الفقيه مثلاً يقسمونه إلى فقيه بالفعل، وفقيه بالقوة القريبة من الفعل، فإذا كانت لديه أهليه بمعرفة المظان بحيث يتيسر له بحث المسألة والوقوف عليها من مظانها بسرعة هذا فقيه وإن لم يكن بالفعل، المسائل ليست حاضرة في ذهنه لكنه يعرف مظانها بحيث يطلع على جلها؛ فالطالب أو الباحث الذي يطلب منه أن يحضر مسالة من كتب الفقه مثلاً في العبادات قالوا: هات لنا مسألة مثلاً من مسائل الصلاة من المغني، فيأتي بالجزء الثاني عشر مثلاً، أو يقال له: هات المسألة في الجنايات ويأتي بالجزء الأول أو الثاني، هذا يعرف المضان؟ لا يعرف المضان، هذا فقيه بالفعل أو بالقوة؟ لا بهذا ولا بهذا، وبعض الناس من خلال الخبرة والدربة في البحث في الكتب وهذه تحتاج إلى معاناة ومعرفة، ولذا الذين يعتمدون على الآلات لن يستفيدوا فائدة مثل من يعاني الكتب. بعض الطلاب ممن له خبرة ودربة تقول له: أعطني مسألة كذا، يمسك الكتاب ويفتح الصفحة فيتقدم أو يتأخر صفحة أو صفحتين بالكثير، المسألة تحتاج إلى خبرة تحتاج إلى معاناة ودربة، كثرة مراجعة للكتب ليعرف المظان، أم الذي لا يعرف المظان تكلفه ببحث مسألة، ما يعرف ولا كتاب توجد فيه هذه المسألة، مثل هذا يحتاج إلى تدريب من جديد، فالذي يعرف المظان يسهل عليه تحصيل العلم، قال:"ومن مظنة للحسن"، الحديث الحسن "جمع أبي داود أي في السنن"، سنن أبي داود التي هي ثالث كتب السنة عند الأكثر، ثالث كتب السنة عند الأكثر على خلاف بينهم، بعضهم يرجح النسائي؛ لأنه أقوى في الشرط بالنسبة للرواة، وأكثر فوائد من حيث الصناعة، في بيان العلل وغيرها، ومنهم من يرجح الترمذي يجعل الثالث الترمذي لكثرة فوائده الحديثية في أبوابه وفي أنواع علوم الحديث كلها، لكن الأكثر على أن سنن أبي داود شرطه أقوى من شرط النسائي على ما سيأتي، وهو أيضاً أقوى من شرط الترمذي وقد أضَربَ عن رواة خرج لهم الترمذي، فهو ثالث الكتب بعد الصحيحين، أعني من الستة وإلا تقدم أن صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان،

ص: 15

ومستدرك الحاكم الذي اشترطت فيها الصحة وإن لم يوفي مؤلفوها بهذا الشرط إلا أنها من مظان الصحيح وقد تقدم.

وسيأتي في بحث المسانيد أنها في المرتبة دون السنن، كما سيأتي في قول الناظم -رحمه الله تعالى-:

ودونها في رتبة ما جعلا

على المسانيد فيدعى الجفلى

هذا سيأتي، يهمنا الآن كتب السنن التي هي مظان الحديث الحسن، أو من مظان الحديث الحسن، ولذا قال:"ومن مظنة""من" هذه للتبعيض من مظان، بعض مظان الحديث الحسن جمع أبي داود وما يتلوه من الكتب، جمع أبي داود السجستاني سليمان بن الأشعث في سننه الذي رتبه على الأبواب الفقهية، وذكر فيه الأحاديث المرفوعة، وبهذا تتميز كتب السنن، تمتاز عن المصنفات التي يجمع فيها المرفوعات والموقوفات والآثار والمقطوعات هذه ميزة السنن، فتتميز السنن بأنها مذكورة على .. ، مرتبة على الأبواب أبواب الفقه، وهي أيضاً أحاديثها في الغالب مرفوعة، ولا يذكرون الموقوف إلا نادراً "أي في السنن، فإنه" تعليل لماذا صار من مظان الحسن؟ "فإنه قال: ذكرت فيه" فإنه قال، فإن أبا داوود قال في رسالته إلى أهل مكة في وصف سننه "فإنه قال ذكرت فيه" أي في السنن، أي في كتابه ذكر فيه "ما صح أو قارب أو يحكيه"، ما صح أو قارب أو يحكيه، و "أو" هذا للتنويع والتقسيم، فقسم منه صحيح، وقسم منه يقارب الصحيح، وقسم منه يحاكي أو يحكي الصحيح ويشبهه، وعبارته في رسالته إلى أهل مكة بالواو فإني ذكرت فيه ما صح، فإني ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، بالواو وهي أوضح في المراد؛ لأن ذكر الجميع و "أو" وإن جاءت للتنويع وإن جاءت بمعنى الواو، إلا أنها تحتمل معاني أخرى بخلاف الواو؛ لأن أو تأتي للتخيير، تأتي للإباحة، تأتي للتقسيم، تأتي للشك، تأتي بمعنى الواو إذا أمن اللبس إذا أمن اللبس، "ما صح" يعني مما سبق تعريفه مما اجتمعت فيه شروط الصحيح "أو قارب" الذي قارب الصحيح لكنه لا يلحق به، نعم، مثل الصحيح لغيره، وقد يدخل فيها الحسن بمفرداته "أو يحكيه" يعني يشابهه ويضارعه وهو الحسن. ذكر الأقسام الثلاثة والأنواع الثلاثة، وكلها في حيز القبول، وذكر فيه أيضاً الضعيف، وذكر في كتابه الضعيف لكن إذا كان الضعف شديداً فإنه يبينه.

ص: 16

"وما به وهن شديد قلته" ونص علي ذلك في رسالته إلى أهل مكة. "وما به وهن" وفي نسخة: "وهي" يعني ضعف شديد التزم بيانه "وحيث لا، فصالح خرجته"، يعني وما سكت عنه فهو صالح كما نص على ذلك في رسالته.

وما به وهن شديد قلته

. . . . . . . . .

يبين العلة القوية، مفهومه أنه لا يبين الضعف غير الشديد، لا يبين الضعف غير الشديد، أنه يسكت، إذا كان يبين الضعف الشديد مفهومه أنه يسكت عن الضعف غير الشديد الخفيف، وهل يتفق هذا مع قوله وما سكت عنه فهو صالح؟ بصيغة التمريض وما سكت عنه فهو حسن؟ هل يتفق التنصيص على بيان الضعف الشديد؟ مع كونه يسكت عن الصالح فقط، يتفق وإلا ما يتفق؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، خلونا نناقش عبارته، هو يبين الضعف الشديد، وما يسكت عنه فهو صالح، ومفهوم أو مقتضى بيانه للضعف الشديد أن الضعف غير الشديد لا يبينه، ومع ذلكم هذا الذي لا يبينه يصفه بأنه صالح، يتفق هذا، منطوق الجملة الثانية هل يتفق مع مفهوم الجملة الأولى؟ يتفق وإلا ما يتفق؟ يعني مفهوم الجملة الأولى: أنه لا يبين الضعف الخفيف، ومنطوق الجملة الثانية: أن ما سكت عنه فهو صالح، لا يتفق إلا إذا قلنا أن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج، أو الاستشهاد، نعم؛ لأن الخبر قد يكون صالحاً للاحتجاج، وحينئذ يكون صحيحاً، أو حسناً؛ لأن هذا هو الذي يحتج به، وقد تكون الصلاحية للاستشهاد، فيقبل فيها، ويدخل في هذه الصلاحية الضعف الخفيف، هذا ليس بشديد، وإذا قلنا: إن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج، أو للاستشهاد؛ استقام كلامه، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يستقيم كلامه على هذا، وإلا ما يستقيم؟

"وحيث لا" يعني لا يكون ضعفه شديداً "فصالح خرجته" رأي ابن الصلاح، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

على كلامه؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 17

على كلامه؛ ما به وهن شديد يبينه، التزم بيانه، وإذا سكت، ولم يبين فالضعف ليس بشديد على هذا، وقد يكون من الأنواع الثلاثة دون الضعف الشديد، الصحيح والحسن، يدخل فيما يسكت عنه الصحيح، والحسن، والضعيف الذي ضعفه غير شديد، ومقتضى قوله: فهو صالح ينافي أو يناقض مفهوم الجملة الأولى؛ لأننا إذا قلنا: الصلاحية للاحتجاج، نعم أشكل على مفهوم الجملة الأولى، وإذا قلنا: إن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج، أو الاستشهاد؛ فما سكت عنه يصلح أن يكون للاحتجاج، إذا كان صحيحاً، أو حسناً، ويصلح أن يكون للاستشهاد إذا كان دون الحسن مما ضعفه ليس بشديد.

ص: 18

"البيان" كيف يقع بيان أبي داود بعد الأحاديث؟ أحياناً يبين ضعف الحديث بالتنصيص على أن الحديث ضعيف، وأحياناً بجرح بعض رواته، وأحياناً بذكر ما يخالفه مما هو أرجح منه، وهو أعم، لكن هل التزم بيان كل ضعف شديد؟ الواقع لا، قد يقال عنه: إن الضعف الشديد الذي لا يخفى على آحاد الطلاب لا يلتزم بيانه، وأما الضعف الشديد الذي يخفى على طلاب العلم بينه، لكن عموم قوله:"وما به وهن شديد" أو وهم شديد فقد بينته، يشمل الجميع كل ضعف شديد يبينه، والواقع واقع الكتاب يشهد بخلاف ذلك، فهناك أحاديث ضعيفة، وأحاديث شديدة الضعف ولم يبينها، اعتماداً على فطنة الطالب والقارئ، أو يقال: إن البيان أعم من أن يكون في السنن، قد يكون بين في السؤالات، سئل عن بعض الأحاديث وبينها، سئل عن بعض الرواة وبينه، وقد يكون بين علة حديث في موضع من خلال إسناده وجاء حديث آخر من خلال هذا الإسناد الذي بينه في موضع آخر، وسكت عنه؛ لأنه بينه في موضع، مادام أن فلان علة في هذا الخبر؛ يحتاج أن يكرره في كل خبر يرويه؟ لا يحتاج، وعلى كل حال هذا كلامه في رسالته إلى أهل مكة، علماً بأن روايات سنن أبي داود متفاوتة، أبو داود كغيره من الكتب؛ كتب السنة الأصلية لها روايات، فهناك رواية اللؤلؤي، وهناك رواية ابن داسة، وهناك رواية ابن العبد، وفي كل رواية ما يخالف الرواية الأخرى من زيادة ونقص في الأسانيد، والمتون، وفي الكلام على الأحاديث؛ فقد يكون بين في رواية، ولم يبين في رواية أخرى، الروايات الثلاث كلها مشهورة، ومعروفة؛ هناك روايات أخرى غير مشهورة، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كأن اللؤلؤي أشهره، وهي التي عليها شرح الخطابي، يقول:

فما به ولم يصحح وسكت

عليه عنده له الحسن ثبت

ص: 19

هذا كلام الناظم، وهو يحكي كلام ابن الصلاح "فما به" يعني بسنن أبي داود، يعني ما هو موجود في سنن أبي داود "ولم يصحح" يعني غير مخرج في الصحيحين، ولا نص أحد من الأئمة على صحته في كتابه لا فيما نقل عنه على ما تقدم في مسألة التصحيح والتضعيف عند ابن الصلاح "ولم يصحح وسكت" عنه أبو داود "عليه" سكت عليه لم يبين ضعفه، لم يبين ضعفه، ولا صحته، سكت عنه "عنده له الحسن ثبت" يعني هو حسن عند أبي داود، حسن عند أبي داود، الآن أبو داود نص على أنه يبين الضعف الشديد؛ فهل مقتضى هذا أن ما لا يبينه -على ما تقدم- يدخل فيه الضعيف ضعفاً غير شديد؟ يدخل فيه الحسن، ويدخل فيه الصحيح، ويدخل فيه الصحيح.

ابن الصلاح طرداً لرأيه في الانقطاع، في انقطاع التصحيح والتضعيف يرى أنه يتوسط في أمر ما سكت عنه أبو داود، ما صححه الأئمة، وأبو داود لم يشترط الصحة في كتابه، وليس بضعيف؛ لأنه لو كان ضعيفاً لبينه، إذن يتوسط في أمره، والذي جره إلى هذا القول رأيه الذي سبقت الإشارة إليه، وهو أنه يرى انقطاع التصحيح والتضعيف، ولذا حكم على الأحاديث التي في مستدرك الحاكم، وقال:

. . . . . . . . . ما انفرد

به فذاك حسن ما لم يرد

"بعلة" لكن الحافظ العراقي قال:

. . . . . . . . . والحق أن يحكم بما

يليق والبستي يداني الحاكما

لكن هل من خلال رأي ابن الصلاح أننا نحكم على الأحاديث بما يليق بها؟ لا، ليس لنا ذلك، فإما أن ينص على صحة الحديث، نعم أو يكون في كتاب متوسط، مثل سنن أبي داود، فيحكم له بالحسن "عنده له الحسن ثبت"

. . . . . . . . . وسكت

عليه عنده له الحسن ثبت

ص: 20

عند أبي داود، وإلا عند ابن الصلاح؟ نعم "وسكت عليه" سكت أبو داود عليه، خرجه في كتابه، وسكت عليه، "فما به" أي بالكتاب من الأحاديث التي لم تصحح، ولم تخرج في الصحيحين، وسكت عنها أبو داود، سكت عليها "عنده" الضمير يعود على من؟ "عنده له الحسن ثبت" له هذا يحتمل أن يكون تعود إلى ابن الصلاح؛ لأنه يرى هذا الرأي، وجره إلى ذلك رأيه في انقطاع التصحيح والتضعيف، ويحتمل أن تعود على أبي داود نفسه، فيكون حسناً عند أبي داود، ويكون مأخذ هذا الحسن من قوله: صالح، والأولى أن يقتصر على تعبيره، إذا كان الإنسان مقلد، ويقلد أبا داود في حكمه؛ أبو داود ما قال: وما سكت عنه فهو حسن، إلا في رواية ذكرها الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث، وذكرها بصيغة التمريض، لكن المعروف في رسالته إلى أهل مكة أنه قال: ما سكت عنه فهو صالح، فإذا كانت المسألة تقليد فليقلد صاحب الشأن، نقول: صالح.

"وابن رشيد" الفهري السبتي إمام من أئمة الحديث "قال -وهو متجه-" قال: وهو متجه، يعني رأي وجيه، مما يرد به على ابن الصلاح، واستحسنه أبو الفتح اليعمري ابن سيد الناس، وقال فيه الناظم:

. . . . . . . . . وهو متجه

قد يبلغ الصحة عند مخرجه

قد يبلغ ما سكت عنه أبو داود الصحة، وهذا كثير، وقد هذه "قد يبلغ" قد إذا وليها الفعل المضارع تكون للتكثير، أو للتقليل؟ للتقليل هذا الأصل، وإذا وليها الماضي صارت للتحقيق، لكن ماذا عن قوله -جل وعلا-:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ} [(18) سورة الأحزاب]، لإيش؟ للتحقيق هذه، تحقيق "قد يبلغ الصحة عند مخرجه" هل الصحيح فيما سكت عنه أبو داود قليل، وإلا كثير؟ كثير، هو ليس بالقليل، يعني الأحاديث المضعفة في سنن أبي داود تبلغ ربع الكتاب؟ ما تبلغ ربع الكتاب، لا تبلغ ربع الكتاب، والحسن فيه كثير، والصحيح كثير.

وابن رشيد قال وهو متجه

قد يبلغ الصحة عند مخرجه

ص: 21

وعلى كل حال هذا الكلام كله الذي يجر إليه رأي ابن الصلاح، ويناسب غير المتأهل للتصحيح والتضعيف، أما من تأهل للتصحيح، والتضعيف، والنظر في الأسانيد، والمتون، والموافقة، والمخالفة مثل هذا لا يعنيه هذا الكلام؛ لا من قريب، ولا من بعيد، وإن كان أهل العلم يعتنون بسكوت أبي داود، فالنووي كثيراً ما يقول: سكت عنه أبو داود فهو صالح، وأحياناً يقول: فهو حسن، وأحياناً يقول: فهو صحيح، في شرح المهذب، وغيره، والمنذري في مقدمة الترغيب ذكر أنه يعتمد على سنن أبي داود، وأن ما يسكت عنه أبو داود دائر بين الصحة والحسن، دائر بين الصحة والحسن، فكوننا نحكم عليه بالحسن تحكم، بل نقول كما قال الحافظ العراقي بالنسبة لمستدرك الحاكم: والحق أن يحكم بما يليق، تدرس الأحاديث، ويحكم على كل حديث منها بما يليق به من الصحة، والحسن، والضعف.

قد يبلغ الصحة عند مخرجه كما أن فيه حسناً كثيراً، وفيه أيضاً ضعيف لكنه ليس بشديد الضعف، إذا سكت عنه، قوله:"عنده له الحسن ثبت" وقول ابن رشيد، وهو يرد على ابن الصلاح:

. . . . . . . . .

قد يبلغ الصحة عند مخرجه

كأنه يرد قول ابن الصلاح: أنه حسن عند أبي داود، يقول ابن رشيد:"قد يبلغ الصحة عند مخرجه" يعني أبو داود.

وللإمام اليعمري إنما

. . . . . . . . .

الإمام أبو الفتح محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس اليعمري الحافظ الشهير؛ شارح الترمذي، وصاحب السيرة؛ عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، كتاب من أنفس ما كتب في السيرة

وللإمام اليعمري إنما

. . . . . . . . .

شرحه لجامع الترمذي النفح الشذي –أيضاً- من أفضل شروح جامع الترمذي، ولم يكمله، كمله الحافظ العراقي، وابنه، والسخاوي.

وللإمام اليعمري إنما

قول أبي داود يحكي مسلماً

أبو داود لما قال: ذكرت الصحيح، وما يشبهه، ويقاربه، وما به إلى آخره؛ يدل على أنه ذكر الصحيح الذي في أعلى الدرجات، والذي يليه في الدرجة الذي دونه والذي يحكيه مما هو دون ذلك من الحسن، وذكر فيه الضعيف، والتزم بيان الضعيف، فخرج أبو داود أحاديث الدرجة العليا، خرج أحاديث الطبقة التي تليها، وخرج أحاديث الطبقة الثالثة التي تليها بناءً على أنه قال:

ص: 22

. . .

ما صح أو قارب أو يحكيه

في قوله: ما صح، وما يشبهه، يشبهه الصحيح وما يقاربه يدل على أن أحاديثه متفاوتة، درجات منها العليا، ثم الذي تليها، ثم الذي تليها، ثم الطبقة الرابعة الضعيف، وهذا التزم بيانه.

يقول: إن أبا داود في تقسيمه لأحاديث كتابه على هذه الطريقة يحكي تقسيم مسلم:

وللإمام اليعمري إنما

قول أبي داود يحكي مسلماً

يعني يحكي نظير تقسيم الإمام مسلم لأحاديث كتابه، أحاديث صحيح مسلم هل هي على وتيرة واحدة كلها بالدرجة العليا؟ منها ما هو بالدرجة العليا، ومنها ما هو في الدرجة التي تليها، ومنها ما هو في الطبقة الثالثة، وأما الرابعة على خلاف بين أهل العلم في الثالثة والرابعة، أما الرابعة فلم يخرج منها، بل أضرب عن أهلها.

وللإمام اليعمري إنما

قول أبي داود يحكي مسلماً

"حيث يقول" يعني مسلم:

حيث يقول: جملة الصحيح لا

. . . . . . . . .

يعني جملة الأحاديث الصحيحة التي نحتاج إليها، ونعتمد عليها:

. . . . . . . . .

لا توجد عند مالك والنبلا

يعني من الرواة الحفاظ الأثبات، قد نحتاج إلى حديث فلا نجده عند مالك، وشعبة، وسفيان إنما نجده عند طبقة تليهم في الحفظ والضبط والإتقان، فهل نترك هذا الحديث؛ لأن هؤلاء أقل من الثلاثة،

حيث يقول: جملة الصحيح لا

توجد عند مالك والنبلا

"فاحتاج" يعني مسلم

. . . . . . . . . أن ينزل في الإسناد

إلى يزيد بن أبي زياد

احتاج أن ينزل إلى أحاديث الطبقة التي تليها "ونحوه" نحو يزيد بن أبي زياد كعطاء ابن السائب، وليث ابن أبي سليم، مع أنه يخرج أحاديث هؤلاء في المتابعات، ولم يكثر من التخريج لهم:

فاحتاج أن ينزل في الإسناد

إلى يزيد بن أبي زياد

ص: 23

"ونحوه" ونحوه، ابن سيد الناس يريد أن يلزم ابن الصلاح بأن يحكم على أحاديث مسلم بما حكم به على أحاديث أبي داود؛ لأن تقسيم أبي داود لأحاديث كتابه قريب من تقسيم مسلم لأحاديث كتابه، فمسلم -رحمه الله تعالى- يقول في مقدمة صحيحه، يقول:"فإننا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها، وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا؛ لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين، وبان ذلك في حديثهم، فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخباراً يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ، والإتقان كالنصف المقدم قبلهم، على أنهم، وإن كانوا فيما وصفنا دونهم .. " يعني على أنهم وإن كانوا في المنزلة دونهم " .. فإن اسم الستر، والصدق، وتعاطي العلم يشملهم كعطاء ابن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وأضرابهم من حمال الآثار، ونقال الأخبار، فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم، والستر عند أهل العلم معروفين، فغيرهم من أقرانهم ممن ذكرنا من الإتقان، والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال، والمرتبة؛ لأن هذا عند أهل العلم درجة رفيعة، وخصلة سنية، ألا ترى إنك إذا وازنت هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم: عطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث ابن أبي سليم، إذا وازنت هؤلاء الثلاثة بمنصور بن المعتر، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد في إتقان الحديث، والاستقامة فيه؛ وجدتهم مباينين لهم لا يدانونهم، لاشك عند أهل العلم بالحديث في ذلك للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور والأعمش وسليمان، وإتقانهم لحديثهم، ولم يعرفوا مثل ذلك من عطاء ويزيد وليث، وفي مثل مجرى هؤلاء إذا وازنت بين الأقران كابن عون، وأيوب السختياني مع عوف بن أبي جميلة، وأشعث الحمراني؛ وهما صاحبا الحسن، وابن سيرين كما أن ابن عون، وأيوب صاحباهما إلا أن البون بينهما، وبين هاذين بعيد في كمال الفضل، وصحة النقل، وإن كان عوف، وأشعث غير مدفوعين عن صدق، وأمانة عند أهل العلم، ولكن الحال ما وصفنا من المنزلة عند أهل العلم".

ص: 24

هذه الطبقات، فالطبقة الأولى يمثل بمنصور، والأعمش، نعم ويمثل بالطبقة الثانية بابن عون، وأيوب السختياني، إذا قارنتهم مع عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وأشعث الحمراني؛ وجدت الفرق، ثم بعد ذلك تأتي في الدرجة الدنيا من ذكر مثل يزيد بن أبي زياد، وعطاء والسائب، وليث ابن أبي سليم.

يقول: إذا كان هؤلاء الرواة يخرج لهم مسلم، وهم متفاوتون؛ فلنجعل أحاديث منصور، والأعمش الصحيحة في الدرجة العليا، والتي تليها ما قاربه، ويشبهه، والدرجة الثالثة؛ درجة يزيد، وعطاء، وليث هؤلاء درجة ما يحكي الصحيح، التنظير مطابق، وإلا غير مطابق؟ يقول: و .. هاه؟

طالب:. . . . . . . . .

يعني كون التقسيم موجوداً، تقسيم الرواة على طبقات، تقسيم الرواة على طبقات موجود في هذا وهذا، وأيضاً التخريج لهؤلاء الطبقات موجود عند الجميع، ولذا قال:

وللإمام اليعمري إنما

قول أبي داود يحكي مسلماً

حيث يقول: جملة الصحيح لا

توجد عند مالك والنبلا

فاحتاج أن ينزل في الإسناد

إلى يزيد ابن أبي زياد

ونحوه وإن يكن ذو السبق

. . . . . . . . .

"ذو السبق" مالك، وشعبة، وسفيان يعني السابق "قد فاته" فات يزيد بن أبي زياد ونحوه "قد فاته" أدرك يزيد ابن أبي زياد "أدرك" ما فاته "باسم الصدق" يعني يشترك مع مالك، وشعبة، وسفيان باسم الصدق، والستر الذي ذكره الإمام مسلم، وإن لم يلحق به في الحفظ، والضبط، والإتقان.

. . . . . . . . . وإن يكن ذو السبق

قد فاته أدرك باسم الصدق

ثم قال:

هلا قضى على كتاب مسلم

بما قضى عليه. . . . . . . . .

يعني على أبي داود "بالتحكم" الآن ابن الصلاح حينما يقول: إن ما سكت عنه أبو داود يحكم له بالحسن؛ هذا تحكم، وإلا ليس بتحكم، مادام الأنواع كلها موجودة، موجود فيما سكت عنه الصحيح، والضعيف، والحسن؛ فلماذا يحكم عليه بواحد منها دون مرجح؛ أليس هذا هو التحكم؟! نعم:

هلا قضى على كتاب مسلم

بما قضى عليه بالتحكم

ص: 25

يعن يحكم على أحاديث مسلم بمثل ما حكم به على أحاديث أبي داود؛ لأن التقسيم متقارب، لكن هل هذا الكلام مقبول من ابن سيد الناس؟ على كلامه، وتقسيمه يعني حديث يزيد بن أبي زياد، وعطاء بن السائب –بمفرده- لن يرتقي عن الحسن، لن يرتقي عن الحسن، لكن إذا نظرنا إلى أن الأمام مسلم ينتقي من أحاديث هؤلاء، ينتقي من أحاديث هؤلاء، وأبو داود يخرج لهم في الأصول، ينتقي من أحاديث هؤلاء، وأيضاً أحاديثهم في المتابعات، والشواهد لا في الأصول، وفرق بين كتاب التزمت صحته، واشترط مؤلفه الصحة، ولم يذكر فيه الوهن الشديد؛ كما ذكر أبو داود في كتابه، كتاب التزمت صحته، وتلقته الأمة بالقبول، على ما تقدم في منزلة الصحيحين؛ هل يداني هذا أدنى كتاب؟ افترض أن الإسناد الذي خرج به مسلم في صحيحه الحديث نفس الإسناد، ونفس صيغ الأداء على الصورة المجتمعة في سنن أبي داود؛ هل نستطيع أن نقول حديث أبي داود في مصاف حديث مسلم؟ ولو كان بالصورة المجتمعة، ولو لم يتضمن خلافاً، أو مخالفة، يعني حينما يخرج مسلم حديثاً بإسناد، ويعارضه حديث في سنن أبي داود بنفس الإسناد؛ نرجح إيش؟

طالب: مسلم.

مسلم؛ لأن الأمة تلقت الكتاب بالقبول، والمؤلف انتقى أحاديثه، وله شفوف في الانتقاء، وكتابه شاهد على ذلك، وتصرفه في سياق المتون، والأسانيد يدل على براعة فائقة لا توجد عند غيره، ونقول: إن كتاب أبي داود لوجود هذه الأقسام يضاهي كتاب الـ .. ، هذه الأقسام موجودة عند الطبراني، والبيهقي، وغيره، عندهم صحيح كثير، وعندهم حسن كثير، وعندهم ضعيف كثير، نقول: هذا مثل مسلم؟ وقل مثل هذا في جميع الكتب التي فيها الأنواع الثلاثة؟ لا يمكن أن يقال بهذا، لو لم يكن إلا دقة مسلم، وشدة تحريه، وضبطه، وإتقانه، وتلقي الأمة بالقبول، والأئمة يقولون: إن تلقي الأمة للحديث بالقبول أقوى من مجرد كثرة الطرق، أقوى من مجرد كثرة .. ، والأئمة أثبتوا أحاديث ضعيفة؛ لتلقي الأمة لها بالقبول، وإلا من حيث الأسانيد قد لا تثبت؛ لأن الأمة تلقتها بالقبول، فأثبتوها وعملوا بها.

ص: 26

فإذا كان مثل هذا في حديث لا يثبت عند النقد؛ فكيف بأحاديث ثابتة في أصح الكتب بعد البخاري؟ مسلم اشترط الصحة، ووفى، والتزم بما شرط، كونه نزل عن شرطه قليلاً لا يعني أن شرطه قد اختل؛ لأن الإنسان قد ينزل، ويقبل خبر من لا يقبل خبره بمفرده، لكنه مع غيره يقبل، وقد يجزم بأن هذا الراوي الذي نزل عن درجة الحفظ، والضبط، والإتقان بأنه ضبط هذا الخبر؛ فيخرج له:

هلا قضى على كتاب مسلم

بما قضى عليه. . . . . . . . .

يعني على أبي داود "بالتحكم".

ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

ص: 27

"والبغوي" محيي السنة الحسين بن مسعود البغوي، إمام من أئمة الفقه، والحديث، توفي سنة ستة عشرة وخمسمائة، له شرح السنة، وله التفسير، وله مصابيح السنة، شرح السنة يذكر أحاديث بأسانيده هو، يذكر الأحاديث بأسانيده هو، وقد يخرج الأحاديث عن طريق الأئمة في كتبهم، لكنه اعتمد نقل الأحاديث بأسانيده منه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ويعلق على هذه الأحاديث بأسطر يسيرة بكلام في غاية الجودة، نفيس جداً، خالٍ عن التعقيد الذي يسلكه كثير من الشراح، فشرحه في شرح السنة جميل، ولطيف، وله درر، وفوائد، ونفائس قد لا توجد عند غيره على اختصاره، فإذا كان مثل فتح الباري يحتاج إلى سنتين، فشرح السنة يحتاج إلى شهرين، ما يزيد على هذا، شرح لطيف، وجميل، وواضح، وبإمكان طالب العلم يقرأه في شهرين، فمثل هذه الشروح اللطيفة التي تولد ملكة عند طالب العلم في فهم السنة، لا سيما وأن فيه أحاديث قد تكون في كتب غير مشروحة، ويبدي الإمام -رحمة الله عليه- براعةً في شرحها، فمثل هذا لو بدئ به لكان طيباً، بدأ طالب العلم بقراءته، وهذا ما يأخذ وقتاً، والوقت وقت إجازة يعني لو قضيت الإجازة بمثل هذا من أنفع الأمور، له كتاب اسمه المصابيح "مصابيح السنة" هذا الكتاب رتبه مؤلفه على الأبواب، وقسم أحاديث الأبواب إلى قسمين: الصحاح والحسان، الصحاح والحسان، ويقصد بالصحاح ما خرجه البخاري، ومسلم، أو أحدهما، والحسان ما خرج في السنن، هذا الكتاب فيه قصور في العزو، قصور في العزو، جاء الخطيب التبريزي فعمل على هذا الكتاب، وأضاف إليه، وعزا أحاديثه، ورتبه على فصول حسب قوة الأخبار وضعفها، والكتاب في الجملة مرتب على الأبواب، وهو من خير ما يقرأ في أحاديث الأحكام، والآداب، وغيرها.

ولأهل المشرق من الهنود، وغيرهم عناية فائقة بالمشكاة، يعني هي مقدمة على كل كتاب عندهم؛ يعني ديدن علمائهم، وشيوخهم قراءة، وإقراء المشكاة؛ طبعت عندهم مراراً، وشرحت شروح كثيرة؛ لأن الفائدة من المشكاة قريبة أقرب منها من الكتب الأصلية الستة، الفائدة قريبة يعني مباشرة تحصل على الفائدة.

والبغوي إذ قسم المصابحا

. . . . . . . . .

ص: 28

المصابح: مصابح ومصابيح جمع مصباح وهو السراج؛ كما يجمع مرسل على مراسل ومراسيل، ومسند على مساند ومسانيد، ومقاطع ومقاطيع، وغيرها، ومفاتح ومفاتيح، هذه صيغة منتهى الجموع، صيغة منتهى الجموع:

والبغوي إذ قسم المصابحا

إلى الصحاح والحسان جانحاً

"جانحاً" يعني مائلاً؛ لكن التعبير بالجنوح أولاً اقتضاه النظم، ثانياً: اللفظ الذي هو الجنوح الميل، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

الجنوح هو الميل، يعني جنح فلان إلى ترجيح هذا، أو مال إلى ترجيح هذا، المعنى واحد، لكن الجنوح المادة تدل على ما هو أقوى من مجرد الميل؛ يعني ميل، وزيادة "جانحاً"

أن الحسان ما رووه في السنن

. . . . . . . . .

ما ذكر أن الصحاح ما رووه في الصحيحين؛ لأن هذا يحتاج إلى كلام؟ يعني ما روي في الصحيحين صحيح؛ فيه إشكال؟ ما فيه إشكال، ولذلك ما ذكره، يسلم بأن ما رووه فلي الصحيحين صحيح، من الصحاح هذا، لكن ما رووه في السنن:

. . . . . . . . .

إلى الصحاح والحسان جانحاً

أن الحسان ما رووه في السنن

رُد عليه. . . . . . . . .

"رُد عليه" رد على البغوي هذا الجنوح، وهذا الميل، وهذا الاختيار أنَّ ما في السنن يحكم عليه بأنه حسن:

. . . . . . . . .

رُد عليه إذ بها غير الحسن

القسم الثاني الذي يصدره بقوله: ومن الحسان، ثم يخرِّج أحاديث من السنن، هذه الأحاديث التي عنونها، وترجم لها بالحسان بها غير الحسن، بها الصحيح، وبها –أيضاً- الضعيف:

. . . . . . . . . ما رووه في السنن

رُد عليه إذ بها غير الحسن

نعم؛ لأنه لا يلزم من كون الحديث مخرجاً في السنن أن يكون حسناً، نعم ابن الصلاح يميل إلى مثل ما تقدم؛ من أنه يتوسط في أمرها ما دام ما اشترطوا الصحة، ولا التزموها، ولا نص أحد على تصحيحه، ولا تضعيفه؛ يتوسط في أمره، وهذا الذي جره إليه مذهبه.

طيب ما الذي دعا البغوي أن يقسم هذا التقسيم؟ وهل يوافق على هذا، أو لا يوافق؟ الناظم يقول:

. . . . . . . . .

رُد عليه إذ بها غير الحسن

ص: 29

بها صحيح، وبها ضعيف، ومقتضى تقسيمه أننا نقبلها من غير نظر، صحيحها، وضعيفها، ومقتضى قوله: أنها لو عورضت بأحاديث صحيحة رجحنا الأحاديث الصحيحة عليها؛ لأنه حكم عليها بالحسن، فهي حسان عنده، لكن هذا القول مردود؛ لأن فيها الصحيح، والضعيف.

دافع بعضهم عن البغوي، والبغوي بين ذلك في مقدمة كتابه، بيَّن في المقدمة، مقدمة المصابيح بيَّن، وهل يكفي مثل هذا البيان ليقول من يقول مثل الخطيب التبريزي، وغيره، التاج، التاج التبريزي ما هو بالخطيب، التاج التبريزي يقول: إنه لا مشاحة في الاصطلاح، ومادام بين اصطلاحه؛ لا مشاحة في الاصطلاح، هل يقال في مثل هذا لا مشاحة في الاصطلاح؟ يعني انتصر بعضهم للبغوي، وقال: مادام بين، وهذا اصطلاح له؛ العلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، مقبول، وإلا غير مقبول؛ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

هذا الكلام غير مقبول؛ لأنهم يطلقون لا مشاحة في الاصطلاح، لكن هل يوافق على كل اصطلاح يصطلحه، ولو خالف ما اتفق عليه في فن، أو علم من العلوم؟ من الاصطلاحات ما لا مشاحة فيه، وما لا يخالف ما تقرر في أي علم من العلوم، أو كان عليه عامة أهل الفن؛ مثل هذا لا مشاحة فيه، لكن إذا خالف ما تقرر في علم من العلوم، أو عليه عامة أهل هذا الفن فإنه يشاحح فيه، ومثال ذلك لو أن شخصاً ألف كتاباً في الفرائض، وقال: أنا باصطلح لنفسي اصطلاحاً، وهو أني أسمي العم خالاً، والخال عماً، اصطلاح، وأبينه في المقدمة، يقال له: لا بأس، اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح؟ لا، يشاحح في مثل هذا الاصطلاح، لكن لو أن شخصاً قال: أنا أسمي والد الزوجة عم، وقال آخر: لا، أنا أسميه خال، يشاحح في الاصطلاح، أو لا مشاحة في الاصطلاح؟ لا مشاحة في الاصطلاح؛ لأن الاصطلاح الأول إذا غير العم بالخال، والعكس؛ تترتب عليه أحكام شرعية، أما الثاني ما يترتب عليه شيء، سواءً قلت له: عم، أو خال ما يفرق، فهناك اصطلاح يشاحح فيه، واصطلاح لا مشاحة فيه.

ص: 30

حينما نأتي إلى الخرائط -الخرائط الجغرافية- شخص يريد أن يؤلف في الجغرافيا، ويقول: الناس يسمون هذه الجهة الشمال، وهذه الجهة الجنوب، أنا أبا اصطلح لنفسي، وأبين في المقدمة أن جهة الشام جهة الجنوب، وجهة اليمن جهة الشمال، وأنا أبين، نقول: صحيح، وإلا ليس بصحيح؟ ليس بصحيح، أو لو قال: إن السماء تحت، والأرض فوق، هذا اصطلاح أبينه في كتابي، يشاحح، وإلا ما يشاحح؟ لا بد من مشاحته في مثل هذا، الذي يخالف ما يتفق عليه أهل فن من الفنون بحيث تضطرب أحكامهم بسببه؛ هذا يشاحح فيه، لكن لو قال: الشمال شمال، والجنوب جنوب، لكن بدلاً من الشمال فوق في الخارطة أنا بقلب الخارطة؛ أخلي الجنوب فوق، يغير من الواقع شيئاً؟ ما يغير من الواقع شيئاً، ونقول: لا مشاحة في الاصطلاح، وبعض المتقدمين من الجغرافيين يجعل الجنوب فوق؛ مثل هذا لا مشاحة في الاصطلاح سواءً اللي فوق شمال، وإلا تحت، ما يفرق، أما الذي يغير من الواقع، أو مما تعارف أهل العلم، أو يترتب عليه تغيير في الأحكام الشرعية؛ فإن هذا لا بد من مشاحته، وأي تغير يحصل من اصطلاح البغوي؟ يترتب عليه أن جميع ما في القسم الثاني نقبله، وإن كان فيه ضعيف، وأيضاً جميع ما في القسم الثاني نرجح عليه ما صح، ولو كان فيه صحيح؛ لأنه حكم عليه بحكم واحد، وهو الحسان، قد يقول قائل: إن البغوي يريد الحسن اللغوي، لا الحسن الاصطلاحي، لكن المتبادر من اللفظ هو الحسن الاصطلاحي لمقابلته بالصحاح.

كان أبو داود أقوى ما وُجِد

. . . . . . . . .

ص: 31

كان أبو داود في سننه يخرج، ويروي أقوى ما وُجِد "وُجِد" كذا بخط الناظم، وقال السخاوي: يجوز بناءه للفاعل "أقوى ما وَجَد" وهو أظهر في المعنى، يعني أقوى ما وجد هو، يقول: هو أظهر في المعنى وإن كان الأول، يقول: أنسب، ومادام بخط الناظم، ومادام بخط الناظم، فأهل مكة أدرى بشعابها، وهو أعرف، وتقدم لنا ترجيح السخاوي غير ما رجحه الناظم في نظمه "وابن شهاب عنه به" الناظم يقول: بالحديث، والسخاوي يقول: لا، بالسند، يصحح على صاحب النظم، ولا شك أن الناظم أعرف بما يريد، لكن السخاوي من خلال عموم الكلام في المسألة، وأنها مسألة إسنادية، لا حديثية، لا متنية يرجح السند، وهنا يقول: يجوز بناءه للفاعل وهو أظهر "كان أبو داود أقوى ما وَجَد" يعني أقوى ما وجد هو في الباب بغض النظر عن كونه أقوى، أو أضعف عند غيره، وأما على ما كتبه الناظم بخطه "أقوى ما وُجِد" بالنسبة له ولغيره، فقد يكون الحديث عنده أقوى، لكنه عند غيره ليس بأقوى، على كلام الناظم يخرجه، وإلا ما يخرجه؟ لا يخرجه، حتى يكون أقوى ما وُجِد عنده، وعند غيره، وأما على ما استظهره السخاوي فإنه أقوى ما يجد عنده في رأيه في نقده بغض النظر عن غيره، ونظير هذا ما جاء في الحديث:((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين))، الرواية الأخرى:((يُرى أنه كذب)) فمجرد ما يرى أن هذا الحديث كذب، يرى هو بغض النظر عن رؤية غيره؛ يحرم عليه، فلا يحرم عليه رواية الحديث إلا إذا رأى في نقده هو أنه كذب، وأما على الرواية الأخرى يُرى؛ فإنه ليس له أن يخرج ما يراه غيره أنه كذب ولو رآه هو صحيحاً، إذا رآه واحد؛ صدق عليه أن يُرى أنه كذب، وهنا نقول:

كان أبو داود أقوى ما وُجِد

. . . . . . . . .

أو "وَجَد" يرويه، يعني يخرجه في كتابه "أقوى" وصيغة أفعل التفضيل هنا هل هي على بابها، أو ليست على بابها؟ على بابها أو ليست على بابها؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، أقوى ما وجد هو، ما له علاقة بالصحيحين.

ص: 32

إذا قلنا: إنها على بابها؛ قلنا: إنه يخرِّج لا يخرج إلا الأحاديث القوية؛ لأن أفعل التفضيل تقتضي اشتراك شيئين فأكثر في وصف يفوق أحدهما الآخر في هذا الوصف، فعلى هذا تكون الأحاديث كلها قوية، كلها قوية، وينتقي من هذه الأحاديث القوية أقواها؛ هل هذا مراده؟ أو أنه قد ينتقي من الأحاديث الضعيفة أقواها، فتكون أفعل التفضيل على غير بابها، وكثيراً ما يستعمل أهل الحديث أفعل التفضيل لا على بابها، فيقولون: أصح ما في الباب حديث كذا، وهو ضعيف، لكنه بالنسبة لما قرن به أصح، وأقوى، وإن كان ضعيفاً، وفلان أوثق من فلان، وكلاهما ضعيف، يعني إذا قلنا: ابن لهيعة أوثق من الإفريقي؛ هل معنى هذا أننا نوثق ابن لهيعة، والإفريقي؟ لا، وقل مثل هذا في العكس، إذا قلنا: نافع أضعف من سالم؛ هل معنى هذا أننا نضعف سالماً، ونافعاً؟ لا، فهم يستعملون أفعل التفضل لا على بابها.

ص: 33