المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد من صحابي وتابعي وغيرهم: - شرح اختصار علوم الحديث - عبد الكريم الخضير - جـ ١٧

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد من صحابي وتابعي وغيرهم:

"قلتُ: وقد أكثر من التعرض إلى ذلك شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي في كتابه: (التهذيب)، وهو مما يتحلى به كثيرٌ من المحدثين" يزعم أنه عُمّر، وأنا عُمّرت، وأنا أخذت، وأنا زاملت، لكنه ليس من المهمات، العبرة بما جنيت من علمٍ وعمل، كونك تأخرت أو تقدمت الكمال الإجباري والنقص الإجباري لا مدح فيه ولا ذم، لكن الكلام على الاختياري، إيش معنى هذا الكلام؟ رجل طويل يفتخر على الناس أنه طويل؟ أو قصير يذم لأنه قصير؟ لكن الكلام على السجايا التي هي اختيارية، التي يكتسبها الإنسان، ويتطبع بها، فكون الإنسان تقدمت وفاته أو تأخرت هذا ما هو بمدح؛ لأن الأيام خزائن، أوعية، ماذا أودعت في هذه الخزائن؟ ولذا يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-:"وهو مما يتحلى به كثيرٌ من المحدثين، وليس من المهمات"؛ لأن هذا ليس بيدك كونك تأخرت ومات زميلك قبل مائة وخمسين سنة، فيه مدح لك؟ لكن الكلام ماذا تركت من علمٍ وعمل؟ من أثر؟ والله المستعان.

‌النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد من صحابي وتابعي وغيرهم:

النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد من صحابي وتابعي وغيرهم، ولمسلم بن الحجاج وصنفوا في ذلك.

تفرد عامر الشعبي عن جماعة من الصحابة منهم عامر بن شهر، وعروة بن مضرس، ومحمد بن صفوان الأنصاري، ومحمد بن صيفي الأنصاري، وقد قيل: إنهما واحد، والصحيح أنهما اثنان، ووهب بن خنبش ويقال: هرم بن خنبش أيضاً، فالله أعلم.

وتفرد سعيد بن المسيب بن حزن بالرواية عن أبيه، وكذلك حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه، وكذلك شتير بن شَكَل بن حميد عن أبيه، وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه، وكذلك قيس بن أبي حازم تفرد بالرواية عن أبيه، وعن دكين بن سعيد المزني، وصنابح بن الأعسر، ومرداس بن مالك الأسلمي، وكل هؤلاء صحابة.

قال ابن الصلاح: وقد ادعى الحاكم في: (الإكليل) أن البخاري ومسلماً لم يخرجا في صحيحيهما شيئاً من هذا القبيل.

ص: 7

قال: وقد أنكر ذلك عليه ونقض بما رواه البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه، ولم يروِ عنه غيره في وفاة أبي طالب، وروى البخاري من طريق قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي حديث:((يذهب الصالحون الأول فالأول)) وبرواية الحسن عن عمرو بن تغلب، ولم يروِ عنه غيره حديث:((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه)).

وروى مسلم حديث الأغر المزني: ((إنه ليغان على قلبي)) ولم يروِ عنه غير أبي بردة، وحديث رفاعة بن عمرو ولم يروه عنه غير عبد الله بن الصامت، وحديث أبي رفاعة ولم يروِ عنه غير حميد بن هلال العدوي، وغير ذلك عندهما.

ثم قال ابن الصلاح: وهذا مصير منهما إلى أنه ترتفع الجهالة عن الراوي برواية واحدٍ عنه.

قلتُ: أما رواية العدل عن شيخ فهل هي تعديل أم لا؟ في ذلك خلاف مشهور، ثالثها: إن اشترط العدالة في شيوخه كمالكٍ ونحوه فتعديلٌ وإلا فلا، وإذا لم نقل إنه تعديل فلا تضر جهالة الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول بخلاف غيرهم، فلا يصح ما استدل به الشيخ

استدرك، استدرك به الشيخ، وإلا الثاني محتمل، لكن هو استدراك، استدراك من الشيخ نعم، استدراك من الشيخ أبي عمرو بن الصلاح على الحاكم كما هو معروف.

فلا يصح ما استدرك به الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله؛ لأن جميع من تقدم ذكرهم صحابة، والله أعلم، وأما التابعون فقد تفرد حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه بحديث:((أما تكون الذكاة إلا في اللبة؟ فقال: أما لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك)).

ويقال: إن الزهري تفرد عن نيف وعشرين تابعياً، وكذلك تفرد عمرو بن دينار وهشام بن عروة وأبو إسحاق السبيعي ويحيى بن سعيد الأنصاري عن جماعة من التابيعن، وقال الحاكم: وقد تفرد مالكٌ عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة لم يروِ عنهم غيره.

هذا النوع عقده ابن الصلاح وتبعه الحافظ ابن كثير رحمهم الله للوحدان، المنفردات والوحدان أي الرواة الذي لم يروِ عنهم إلا واحد.

ص: 8

تقدم في بحث المجهول أن مجهول العين من روى عنه واحد فقط، مجهول الحال من روى عنه اثنان فأكثر على أنه لا تعرف حاله من حيث العدالة والضبط أو عدمه ثقةً وضعفاً، هذا مجهول العين الذي لم يروِ عنه إلا شخصٌ واحد هم من عرفوا بالمنفردات والوحدان، وهم من يبحثهم الشيخ هنا، ولمسلم بن الحجاج مصنف مطبوع قديماً في الهند وأعيد طبعه مع تعليقات يسيرة في بيروت، المقصود أن كتاب مسلم معروف متداول.

يقول: "تفرد عامر الشعبي عن جماعة من الصحابة منهم عامر بن شهر وعروة بن مضرس ومحمد بن صفوان الأنصاري ومحمد بن صيفي الأنصاري، وقد قيل: إنهما واحد، والصحيح أنهم اثنان" وكيف نجزم بأنهما واحد أو اثنان؟ في كتب تحل الإشكالات وإلا ما في؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

مثل إيش؟ ويش هو؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا، الخطيب؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا، ما تنفع.

طالب:. . . . . . . . .

(بيان خطأ البخاري في تأريخه) لابن أبي حاتم، و (موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب، هذان كتابان يحلان كثير من الإشكال، على أنهما ليسا بمعصومين، البخاري رحمه الله كثيراً ما يعد الاثنين واحد والعكس، ثم يُستدرك عليه في التفريق بين من جعلهما واحد، (موضح أوهام الجمع والتفريق) هذا كتاب عظيم للخطيب البغدادي، وكتابه هذا مع بقية كتبه لا تدع مجالاً لمن طعن فيه، ومن قرأ مقدمة هذا الكتاب عرف قدر الرجل وعرف قدر نفسه، عرف قدر هذا الإمام وعرف قدر نفسه، وأنه ليس بشيء بالنسبة له، ويوجد من ينتسب إلى الحديث وطلبه وعلمه وتعليمه من يطعن في الخطيب، ويقول: أدخل المنطق وأدخل العلوم الدخيلة على علوم الحديث، وهو في الحقيقة إذا نسب نفسه إلى الخطيب وجد أنه لا شيء.

طالب:. . . . . . . . .

إيه (المنفردات والأحكام) مطبوع، طُبع بالهند قديماً في أكثر من عشر ورقات، ثم طُبع محققاً في جزء لطيف.

ص: 9

"تفرد سعيد بن المسيب بن حزن -الإمام المشهور- بالرواية عن أبيه" وروايته عن أبيه مخرجة في الصحيح في وفاة أبي طالب، "وكذلك حكيم بن معاوية بن حيدة

،

وشتير بن شكل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه" ابن أبي ليلة عبد الرحمن من رواة الصحيح كما هو معروف، بخلاف ابنه محمد الفقيه القاضي، الفقيه الكبير، لكنه سيء الحفظ، ولا بد من التفريق بينهما.

"كذلك قيس بن أبي حازم تفرد بالرواية عن أبيه وعن دكين بن سعد" متفرداً، "وصنابح بن الأعسر ومرداس بن مالك الأسلمي كل هؤلاء من الصحابة"، فكونه لم يروِ عن كل واحد منهم إلا واحد لا يقدح؛ لأن الصحابة كلهم عدول، ولا يقال: إن هذا صحابي مجهول جهالة عين؛ لأنه لم يروِ عنه إلا واحد؛ لأن الصحبة لا يعدلها شيء، يعني لو قدر أن شخص من التابعين روى عنه مائة هل نقول: إنه بمثابة هذا الصحابي الذي لم يروِ عنه إلا واحد؟ كلا، شرف الصحبة لا ينال.

في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وصف بعض الصحابة بالجهالة، بل قال عن بعضهم من السابقين الأولين مجهول، ويريد بذلك قلة الرواية، لا أنه من حيث العدالة والضبط، من حيث كونه ثقة أو لا يسمى .. ، لا، لا يقال: مجهول من حيث الاصطلاح العام.

"قال ابن الصلاح: وقد ادعى الحاكم في الإكليل أن البخاري ومسلم لم يخرجا في صحيحهما شيء من هذا القبيل" لم يخرجا لراوٍ لم يكن له إلا راوٍ واحد، وهذا مردود عليه، وأشرنا إليه في بحث العزيز، وعرفنا أن في الصحيحين من الغرائب ما يرُد دعوى الحاكم كما هو معروف

"قال: وقد أنكر ذلك عليه، ونقض بما رواه البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه" يعني في قصة وفاة أبي طالب، مخرجة في الصحيح "وروى البخاري من طريق قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي حديث:((يذهب الصالحون الأول فالأول)) ورواية الحسن عن عمرو بن تغلب ولم يروِ عنه غيره حديث: ((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه)) وروى مسلم حديث الأغر المزني: ((إنه ليغان على قلبي)) لم يروه عنه غير أبي بردة" يعني ابن أبي موسى الأشعري.

"وحديثُ رفاعة بن عمروٍ ولم يروِ عنه غير عبد الله بن الصامت" وغير ذلك من أفراد الصحيح وغرائب الصحيح.

ص: 10

وذكرنا سابقاً أن في الصحيحين الأحاديث الغرائب، بل فيها الأفراد سواءً كانت في الأحاديث أو في الرواة، وهذه أمثلة للرواة، وهناك أحاديث تسمى غرائب الصحيح يرد بها على قول الحاكم ومن قال بقوله كالبيهقي والكرماني الشارح وابن العربي أيضاً الذي شرح البخاري زعم أن ذلك شرط البخاري وليس بصحيح، كما قال الصنعاني رحمه الله في نظم النخبة لما ذكر العزيز وعرفه، قال:

وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ

وقد رُمي من قال بالتوهمِ

"ثم قال ابن الصلاح: وهذا مصير منهما إلى أنه ترتفع الجهالة عن الراوي برواية واحدٍ عنه" وهذا ليس بصحيح؛ لأن هؤلاء الذين استدركوا على الحاكم كلهم صحابة، فلو قدر أن راوٍ من غير الصحابة لم يروِ عنه سوى واحد لا ترتفع عنه جهالته، لكن لا يمكن أن يوصف الصحابي بالجهالة مع ثبوت الصحبة له، ولو لم يروِ عنه سوى واحد.

"قلتُ: أما رواية العدل عن شيخ فهل هي تعديلٌ له أم لا؟ " وهذا تقدم في مباحث الجرح والتعديل رواية العدل عن الراوي هل تعد تعديل له؟ لا، ولو صرح بأن جميع أشياخه ثقات، لو صرح بأنه لا يروي إلا عن ثقة ولو قال: حدثني الثقة ولم يسمه كل هذا لا يعتد به، بل لا بد أن يسميه، بل لا بد أن يسمي من روى عنه وحينئذٍ ينظر في حاله "فهل هي تعديلٌ أم لا؟ في ذلك خلافٌ مشهور ثالثها" أين الأول والثاني؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم هما متقابلان، كثيراً ما يساق الخلاف فيه ثلاثة أقوال ثالثها كذا، الأول: نعم والثاني: لا، متقابلان، كما قالوا في (إن) و (أن) والثالث أصلان، إيش معنى هذا؟ "إن وأن والثالث أصلان"؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 11

نعم، هل الأصل في (إن) الكسر أو الفتح؟ أو هما أصلان؟ ثلاثة أقوال "ثالثها: إن اشترط العدالة في شيوخه كمالك" يعني إن كان ممن لا يروي إلا عن ثقة قُبل "فتعديلٌ وإلا فلا" والصواب أنه ليس بتعديل، بل لا بد أن ينص على تعديله؛ لأن من يطلق هذه القواعد العامة أنه لا يروي إلا عن ثقة قد يغفل عنها، وقد يتغير اجتهاده، وقد يوثق من ليس بثقة اغتراراً بحاله، كما فعل الإمام مالك رحمه الله بالنسبة لعبد الكريم بن أبي المخارق، روى عنه ولا يروي إلا عن ثقة، إذاً عبد الكريم بن أبي المخارق ثقة؟ لا، قال: غرني بكثرة جلوسه في المسجد، فاغتر بظاهر حاله.

"وإذا لم نقل أنه تعديل فلا تضر جهالة الصحابي" هذا الكلام، هؤلاء صحابة فلا تضر جهالتهم، أو نقول: إن رواية الواحد عن الصحابي أو عدم الرواية عن الصحابي ليست بجهالة، وعدم الرواية أصلاً عن الصحابي، لو ذكر صحابي ما روي عنه أصلاً نقول: مجهول؟ لا نقول: مجهول.

"فلا يصح ما استدرك به الشيخ أبو عمرو -يعني ابن الصلاح يعني على الحاكم- لأن جميع ما ذكرهم صحابة"، يقول:"أما التابعون فقد تفرد فيما نعلم حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه بحديث: "أما تكون الذكاة إلا في اللبة؟ قال: ((أما لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك)) " هذا نعم راويه مجهول جهالة ذات وإلا عين وإلا حال؟

طالب:. . . . . . . . .

ها يا أبو عبد الله؟ جهالة عين؛ لأنه لم يروِ عنه سوى واحد، لكن لو روى عنه اثنان ولم يوثق جهالة حال، إذا لم يعرف اسمه بل أبهم يسمى جهالة ذات.

"يقال: إن الزهري تفرد عن نيفٍ وعشرين تابعياً، كذلك تفرد عمرو بن دينار وهشام بن عروة وأبو إسحاق السبيعي ويحيى بن سعيد الأنصاري عن جماعة من التابعين" وهؤلاء كلهم في عداد المجاهيل، لكن هؤلاء المجاهيل الذين تقادم العهد بهم وهم في طبقة أوائل التابعين، وكبارهم مثل هؤلاء يتسامح في حالهم إذا لم يكن في المتن ما ينكر.

"وقال الحاكم: تفرد مالك عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة لم يروِ عنهم غيره" فيبقون مع ذلك مجاهيل جهالة عين، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 12