المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(تعريف الترمذي للحديث الحسن) - شرح اختصار علوم الحديث - عبد الكريم الخضير - جـ ٣

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌(تعريف الترمذي للحديث الحسن)

حسن معروف مخرجاً وقد

اشتهرت رجاله بذاك حد

حمد

انتهى التعريف، وقال الترمذي ما سلم .. الخ

إن كان هذا هو التعريف: "ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله" فالأمر كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله الصحيح كذلك، عرف مخرجه، واشتهر رجاله، والضعيف أيضاً كذلك، عرف مخرجه، قد يكون من أخرجه معروف، والمخرج المراد به مكان الخروج، والمراد به المصدر هنا، الراوي، الضعيف قد يكون مما عرف مخرجه، واشتهر رجاله بالضعف مثلاً، وإن كان بقية الكلام من تمام الحد:"وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء" يخرج الصحيح، لأنه يقبله جميع العلماء، ويخرج أيضاً الضعيف؛ لأنه لا يقبله جماهير العلماء، وإن كان فيه خلاف طويل ستأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-.

يقول: "وإن كان بقية الكلام من تمام الحد فليس هذا الذي ذكره مسلماً، إن أكثر الحديث من قبيل الحسان"، أكثر الأحاديث من قبيل الصحاح أو الضعاف؟ الإمام البخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، فدل على أن الأحاديث الضعيفة كثيرة جداً، نعم على قاعدة ابن الصلاح وانقطاع التصحيح والتضعيف، وأن الحديث الذي يخرجه إمام ولم يقف ضده أحد بتصحيحه يتوسط فيه، كأحاديث السنن والبيهقي والمستدرك وغيره يتوسط فيه، فلا يقال: صحيح ولا ضعيف، بل من قبيل الحسن، فتكثر نسبة الحسن حينئذٍ، ويستعمله عامة الفقهاء، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء، عامة الفقهاء يستعملون الصحيح كما يستعملون الحسن، وقد يستعملون الضعيف، وإن كان الاتفاق يكاد أن يوجد على عدم الاحتجاج في الأحكام على ما سيأتي.

(تعريف الترمذي للحديث الحسن)

قال ابن الصلاح: وروينا عن الترمذي أنه يريد بالحسن: أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون حديثاً شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك، وهذا إذا كان قد روي عن الترمذي أنه قال: ففي أي كتاب له قاله؟ وأين إسناده عنه؟ وإن كان قد فُهم من اصطلاحه في كتابه الجامع، فليس ذلك بصحيح، فإنه يقول في كثير من الأحاديث: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

ص: 3

تعريف الترمذي ذكره ابن الصلاح، ونقله الحافظ ابن كثير متابعة، وإن لم يقف عليه من كلامه، وهو موجود في علل الجامع المطبوعة في آخر جامع الترمذي، وهي التي شرحها الحافظ ابن رجب رحمه الله تتميماً لشرحه على جامع الترمذي، والشرح كله مفقود، وبقي شرح العلل، فعلى هذا كلام الحافظ ابن كثير:"وهذا إذا كان قد روي عن الترمذي أنه قال: ففي أي كتاب له قاله؟ " قاله في علل الجامع، وانتهى الإشكال، وانتهى التردد، إن كان قاله، وإن كان فهم من كلامه، هو قاله صراحة.

يقول: "روينا عن الترمذي أنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون حديثاً شاذاً، ويروى من غير وجه" يعني أن الإمام الترمذي يشترط لتسمية الحديث حسناً أن يشتمل على ثلاثة شروط: ألا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون شاذاً، وأن يروى من غير وجه، لكن مجرد انتفاء التهمة بالكذب تكفي ليكون الحديث حسناً؟ قد يكون ضعيفاً ضعف أخف من الاتهام بالكذب، فعلى هذا تعريف الترمذي غير جامع ولا مانع، فهو غير جامع لنوعي الحسن، وغير مانع لدخول أنواع الضعيف كالمنقطع مثلاً، هو لم يشترط الاتصال، وأيضاً غير مانعٍ لما كان بعض رواته فاسق مثلاً، بغير الاتهام بالكذب كما أشرنا، وهو أيضاً غير مانع لدخول الصحيح، فالصحيح لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون شاذاً، ويروى من غير وجه، وإن قال بعضهم دفاعاً عن الترمذي أن الصحيح لا يدخل؛ لأن نفي الاتهام بالكذب يشعر بأنه قاصر عن درجة الصحيح؛ لأنه يؤميء إلى أن الراوي قد تكلم فيه بغير اتهام بالكذب، وعلى كل حال هو متعقب، فالضعيف الذي ضعفه من غير جهة الاتهام بالكذب يدخل فيه.

"ويروى من غير وجه نحو ذاك" حكم على أحاديث كثيرة بأنها حسنة مع قوله: "لا نعرفه إلا من هذا الوجه" كيف يشترط لكون الحديث حسناً أن يروى من غير وجه ويقول: حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه؟ وإن كانت الأجوبة كثيرة على ما سيأتي في جمعه بين الصحيح والحسن -إن شاء الله تعالى-.

ولهذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وقال الترمذي ما سلم

من الشذوذ مع راوي ما اتهم

بكذب ولم يكن فرداً ورد

قلت وقد حسن بعض من فرد

ص: 4

هناك تعريفات أخرى للحسن، كتعريف ابن الجوزي مثلاً، وتعريف ابن الصلاح وتقسيمه، على كل حال التعريفات كثيرة للحسن، نقتصر على ما ذكره المؤلف اختصاراً للوقت.

(تعريفات أخرى للحسن)

قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: وقال بعض المتأخرين: الحديث الذي فيه ضعف قريب مُحتمل، هو الحديث الحسن، ويصلح العمل به، ثم قال الشيخ: وكل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن عن الصحيح، وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث، فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان: أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ، ولا هو متهم بالكذب، ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجه آخر، فيخرج بذلك عن كونه شاذاً أو منكراً، ثم قال: وكلام الترمذي على هذا القسم يُتنزل.

قلت: لا يمكن تنزيله لما ذكرناه عنه، والله أعلم.

قال: القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، ولم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان، ولا يُعد ما ينفرد به منكراً، ولا يكون المتن شاذاً ولا معللاً، قال: وعلى هذا يتنزل كلام الخطابي، قال: والذي ذكرناه يجمع بين كلاميهما.

قال الشيخ أبو عمرو: ولا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة كحديث ((الأذنان من الرأس)) أن يكون حسناً؛ لأن الضعف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات، يعني لا يؤثر كونه تابعاً أو متبوعاً، كرواية الكذابين أو المتروكين ونحوهم، ومنه ضعف يزول بالمتابعة، كما إذا كان راويه سيء الحفظ، أو روي الحديث مرسلاً فإن المتابعة تنفع حينئذٍ، وترفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة، والله أعلم.

ذكر الحافظ رحمه الله ابن كثير نقلاً عن الشيخ أبي عمرو بن الصلاح تعريف ابن الجوزي، وهو موجود في مقدمة الموضوعات لابن الجوزي، لكن هو اعتنى بكتاب ابن الصلاح فلم يرجع إلى الأصول مباشرة، ولذا خفي عليه موضع كلام الترمذي على ما تقدم، بعض المتأخرين يريد به أبا الفرج بن الجوزي في مقدمة الموضوعات حدّ الحديث الحسن: بأنه الذي فيه ضعف قريب محتمل.

وقيل: ما ضعف قريب محتمل

قلت: وما بكل ذا حدٍ حصل

ص: 5

يعني ذكر تعريف الخطابي وتعريف الترمذي وتعريف الجوزي قال: (وما بكل ذا حد حصل)

ولذا قال: "وكل هذا مستبهم، لا يشفي الغليل" ابن الجوزي كلامه منتقد، الضعف القريب المحتمل ليس مضبوط بضابط يميّّز به القدر المحتمل من غيره، وإن قلنا: أن بقية كلامه "ويصلح للعمل به" أنه من تمام الحد لزم عليه الدور؛ لأنه عرفه بصلاحيته للعمل، وذلك يتوقف على معرفة كونه حسناً، فيلزم على هذا الدور وهو ممنوع، إذا كنا لا نعرف الحسن إلا بصلاحيته للعمل ولا نعمل إلا بما كان حسناً أو صحيحاً، هذا الدور الممنوع.

لولا مشيبي ما جفا

لولا جفاه لم أشب

ما ينتهي الأمر، فعلى كل حال القدر المحتمل غير منضبط وغير متميز، وليس له حد يعرف به أوله وآخره، ولذا ذكر ابن الصلاح أن كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، يقول:"وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن عن الصحيح" على ما تقدم، ثم بعد ذلك يقول ابن الصلاح:"وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث فتنقّح لي أن الحديث الحسن قسمان".

وقال: بان لي بإمعان النظر

أن له قسمين كل قد ذكر

قسماً وزاد كونه ما عللا

ولا بنكرٍ أو شذوذٍ شملا

الخ كلامه.

ص: 6

التقسيم الذي يراه ابن الصلاح هو الذي استقر عليه الاصطلاح، وهو أن الحسن ينقسم إلى قسمين، حسن لذاته، وحسن لغيره، فالحسن لذاته الذي لا يخلو رجال إسناده –هذا كلام الترمذي- القسم الثاني هو الحسن لذاته، والقسم الأول الحسن لغيره، "أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستورٍ لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ" يعني شديد الضعف، إنما ضعفه خفيف محتمل يقبل الانجبار، "ولا هو متهم بالكذب" يعني ليس بشديد الضعف، "ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجهٍ آخر، فيخرج بذلك عن كونه شاذاً أو منكراً"، ثم قال: " وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزّل" وهو ما عرف عند المتأخرين بالحسن لغيره، يقول الحافظ ابن كثير، "قلت: لا يمكن تنزيله لما ذكرناه عنه" يعني عن الترمذي من قوله: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، كيف ننزل كلام الترمذي على الحسن لغيره؟ والحسن لغيره لا بد أن يروى من طرق يرتقي بها من الضعف إلى الحسن، وهو يقول: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه؟

فللعلماء أجوبة عن ذلك، أما أن يكون غريب بالنسبة لهذا الراوي، وأنه روي عن غيره، غريب بهذا اللفظ وإن روي بألفاظٍ أخرى إلى أقوال كثيرة، كل هذا لتوجيه كلام الترمذي، وعدم إهداره، وإلا فما قعّده لا ينطبق على جامعه، وما حكم عليه من الأحاديث الحسان.

القسم الثاني: يقول: "أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان -يعني خف ضبطه- ولا يعدّ ما ينفرد به منكراً، ولا يكون المتن شاذاً ولا معللاً، وعلى هذا يتنزّل كلام الخطابي" وهو قريب من قولهم: حسن لذاته.

وقال: بان لي بإمعان النظر

أن له قسمين كل قد ذكر

قسماً وزاد كونه ما عللا

ولا بنكرٍ أو شذوذٍ شملا

فكلام الخطابي يتنزل على الحسن لذاته، وكلام الترمذي يتنزل على الحسن لغيره، على أنه استقر عند المتأخرين تعريف الحسن لذاته بأنه: ما رواه عدل حف ضبطه بسندٍ متصل غير معلل ولا شاذ، والحسن لغيره: هو الضعيف على ما سيأتي في حده القابل للانجبار إذا تعددت طرقه.

ص: 7

ابن جماعة له تعريف في (المنهل الروي) كأنه يريد أن يجمع قسمي الحسن في حدٍ واحد، يرى أنه جامع مانع يقول:"ما اتصل سنده وانتفت علله، في سنده مستور له به شاهد أو مشهور غير متقن" مستور له شاهد حسن لغيره، مشهور غير متقن يعني خفّ ضبطه فنزل عن درجة الحفظ والضبط والإتقان، ويدخل في هذا الحسن لذاته.

قال الشيخ أبو عمر: "لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة كحديث ((الأذنان من الرأس)) " يعني أنه ليس كل حديث ضعيف يمكن أن يرتقي إلى درجة الحسن؛ لأن من الضعف ما يقبل الانجبار، ومنه ما لا يقبل الانجبار، فأحاديث الكذابين هؤلاء مهما بلغ عددهم لا ترتقي بل لا يزداد إلا سوءً، إذا كان الخبر متداول على ألسنة الكذابين ولو كثر، المتهمين بالكذب، يعني من اشتد ضعفهم لا ترتقي أحاديثهم ولا تنجبر، حديث:((الأذنان من الرأس)) لا يرتقي، ولو روي من طرق، حديث:((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً)) لا ينجبر وإن كثرت طرقه، وعمل به بعض أهل العلم.

يقول: "لأن الضعف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات" يعني لا يؤثر كونه تابعاً أو متبوعاً، كرواية الكذابين أو المتروكين، "ومنه ضعف يزول بالمتابعة، لا سيما إذا كان راويه سيء الحفظ" ضعف الراوي ناشئاً عن خفة ضبطه، إذا كان الضعف ناتج عن سوء الحفظ، "أو روي الحديث مرسلاً فإن المتابعة تنفع حينئذٍ وترفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة" وهذه مسألة مهمة، الضعيف القابل للانجبار إذا جاء من طريق آخر مثله يرتقي إلى الحسن لغيره، لو جاء من طريق ثالث ورابع وخامس وسادس كلها ضعيفة بمقابل الانجبار يرتقي درجة واحدة إلى الحسن لغيره؟ أو إلى الصحة؟ وإذا روي الحديث الضعيف بسندٍ قابل للانجبار وله شواهد تقويه صحيحة أو له متابعات صحيحة يرتقي وإلا ما يرتقي؟ يرتقي، لكن إلى الحسن؟ يرتقي درجة واحدة أو أكثر؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: أنه ضعيف لا يرتقي إلا إلى الحسن لغيره، مهما كانت متابعته وشواهده، ولو كانت في الصحيح.

ص: 8

وهذه لفتة لطيفة من الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-، يقول:"ويرفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة" أكثر من يزاول التخريج ودراسة الأسانيد لا يرقي الحديث أكثر من درجة، لو قلنا: أن هذا صنيع الأكثر ما بعد؛ لكن هل يرتقي الضعيف إلى الصحيح؟ فيتجاوز أكثر من درجة؟ أقول: إذا كان الشاهد صحيح، أو المتابع في الصحيح إيش المانع؟ لأن المقصود الحكم على المتن، المراد الحكم على المتن، لأنك حكمت على هذا الإسناد بأنه ضعيف، وارتقى بشواهده ومتابعاته الصحيحة إلى الصحيح، فالمتن محفوظ صحيح.

إذا روي الضعيف شديد الضعف من طرق كثيرة ومتباينة، وجزمنا بأنهم لم يتواطئوا ولم يتفقوا على تلقي هذا الخبر مثلاً، أو يكون مصدرهم واحد، نقل الخبر من طريق رواته ضعاف شديدي الضعف، لكن طرقهم متباينة، لا شك أن الكذاب قد يصدق، وقد قال عليه الصلاة والسلام:((صدقك وهو كذوب)) فهل نستطيع أن نرقي الحديث شديد الضعف إلى الحسن بتعدد طرقه، طرق متباينة جاءت من جهات؟ الجمهور لا، طريقة السيوطي وأشار إليها في ألفيته أنه يمكن، إيش المانع؟ حتى قال:

وربما يكون كالذي بذي

. . . . . . . . .

يعني كالحسن لغيره، وعمل الشيخ ناصر الألباني –ناصر الدين الألباني رحمه الله أحياناً يؤيد هذا القول، لكن المعتمد عند جماهير العلماء أن شديد الضعف لا ينجبر حديثه، وأن وجود روايته مثل عدمها.

(الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن)

قال: وكتاب الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي نوه بذكره، ويوجد في كلام غيره من مشايخه، كأحمد والبخاري، وكذا من بعده كالدارقطني.

ص: 9

نعم الترمذي هو الذي شهر الحديث الحسن، هو الذي شهره في كتابه، في جامعه، لا يكاد حديث من الحكم عليه بالحسن أو بالصحة مع الحسن غالباً، قد يفرد الصحة، المقصود أن غالب الأحاديث محكوم عليها بالحسن إما مفرداً أو مضموماً إلى الصحة، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول:"أول من عُرف أنه قسم هذه القسمة أبو عيسى الترمذي، ولم تعرف هذه القسمة عند أحدٍ قبله"، يعني ذكر الحديث وتقسيمه إلى صحيح وحسن وضعيف، يقول:"وأما من قبل الترمذي من أهل العلم فيقسمونه إلى صحيح وضعيف، والضعيف عندهم نوعان: ضعيف ضعفاً لا يمتنع العمل به، وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي، وضعيف ضعف يوجب تركه وهو الواهي" الخلاف لفظي، هو قال: أن الحسن ما يعرف؟ وهو معروف من قبل الترمذي كأحمد والبخاري وعلي بن المديني ويعقوب بن شيبة، وجمع من أهل العلم حتى الشافعي أشار إليه، الاسم موجود، التسمية موجودة، لكن هل الحقيقة الحقيقة؟ ما دام اللفظ موجود ومطلق والخلاف. . . . . . . . . لأن شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن الضعيف قسمين، ضعف لا يمتنع العمل به، لماذا لا نسميه حسن؟ وهو يشبه، شيخ الإسلام له مقصد، وله هدف، وإن كان هذا سابق لأوانه لكن لا بد من بيانه، شيخ الإسلام يريد أن يدافع عن الإمام أحمد، وأن الإمام أحمد رحمه الله أحتج بالضعيف في الفضائل، يقول: إن مراد الإمام أحمد من قوله الاحتجاج بالضعيف في الفضائل لا يريد به الضعيف الذي لا يقبل، الذي نزل عن درجة الاحتجاج، إنما يريد به النوع الأول من الضعيف الذي ذكره الشيخ، وهو الضعف الذي لا يمتنع العمل به، وهو الحسن في الاصطلاح، لكن كلام الشيخ رحمه الله متعقب، أولاً: إطلاق الحسن موجود من قبل الترمذي من طبقة شيوخه وشيوخهم، الأمر الثاني: أنه يلزم منه أن الإمام أحمد لا يحتج بالحديث الحسن في الأحكام؛ لأنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام، يحتج بالضعيف في الفضائل، والضعيف عند شيخ الإسلام رحمه الله الذي اصطلح عليه فيما بعد بأنه هو الحسن، إذاً الإمام أحمد لا يحتج بالضعيف في الأحكام، وهذا خلاف المعروف في مذهب الإمام أحمد، على كل حال يأتي في الحديث الضعيف كلام طويل حول هذه المسألة، لكن هذه إشارة.

ص: 10

(أبو داود من مظان الحديث الحسن)

قال: ومن مظانه سنن أبي داود، روينا عنه أنه قال: ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما كان فيه وهن شديد بيَّنته، وما لم أذكر شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، قال: وروي عنه أنه يذكر في كل باب أصحَّ ما عرف فيه.

قلت: ويروى عنه أنه قال: وما سكتُّ عنه هو حسن.

قال ابن الصلاح: فما وجدناه في كتابه مذكوراً مطلقاً وليس في واحد من الصحيحين، ولا نصَّ على صحته أحد، فهو حسن عند أبي داود.

قلت: الروايات عن أبي داود بكتابه (السنن) كثيرة جداً، ويوجد في بعضها من الكلام بل والأحاديث ما ليس في الأخرى، ولأبي عبيد الآجري عنه أسئلة في الجرح والتعديل، والتصحيح والتعليل كتاب مفيد، ومن ذلك أحاديثُ ورجال قد ذكرها في سننه، فقوله: وما سكت عنه فهو حسن: ما سكت عليه في سننه فقط؟ أو مطلقاً؟ هذا مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له.

ص: 11

من مظان الحديث الحسن، لما ذكر الحديث الحسن والحد والتعريف والحكم ذكر من مظانه وذكر جامع الترمذي وسنن أبي داود؛ لأن أبا داود قال في رسالته إلى أهل مكة:"ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه ويقاربه" فالذي يشبه الصحيح ويقاربه هو الحسن، قال:"وما كان فيه وهن شديد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، قال: وروي عنه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرف فيه" ابن كثير رحمه الله يذكر أنه وقف على رواية من رسالته إلى أهل مكة أنه: "وما سكت عنه فهو حسن" وهذا يوافق اختيار ابن الصلاح، ابن الصلاح الذي يجعله يتوسط في الأحاديث التي لا يذكر فيها كلاماً لا يتعقبها، بل يسكت عنها ولا يوجد نص على صحة الخبر، والحديث غير مخرج في الصحيحين أن المتوسط في أمره ويحكم عليه بالحسن، هذا من باب التوسط في الحكم، وهذا الذي أفرزه رأي ابن الصلاح في انقطاع التصحيح والتضعيف، وإلا فالأصل أن السنن وغيرها من الكتب حاشا الصحيحين مما ينبغي أن تدرس أسانيده ويحكم على كل حديثٍ بما يليق به، كما تقدم في كلامه عن مستدرك الحاكم، يقول ابن الصلاح:"فما وجدناه في كتابه مذكوراً مطلقاً وليس في واحد من الصحيحين، ولا نصَّ على صحته أحد، فهو حسن عند أبي داود" اعترض على هذا الكلام؛ لأن فيما سكت عنه أبو داود الصحيح، وفيما سكت عنه أبو داود الحسن وهو كثير، وفيما سكت عنه الضعيف؛ لأن مقتضى لفظه:"وما كان فيه وهن شديد بينته" معناه أن الوهن والضعيف الغير شديد لا يبينه، إذاً فيه الضعيف، وأيضاً واقع الكتاب يشهد بأنه سكت عن أحاديث ضعيفة، بل شديدة الضعف، فكيف نقول: أن ما سكت عنه أبو داود هو حسن؟ وهذا المسلك يسلكه النووي كثيراً، الحديث الذي خرجه أبو داود وسكت عنه فهو حسن، يسلكه المنذري أيضاً في الترغيب، سكت عنه أبو داود، المقصود أن هذا قول مسلوك، لكنه مرجوح، لماذا؟ لأنه وجدت الأنواع فيما سكت عنه، ففيما سكت عنه الصحيح والحسن والضعيف، والأولى أن يتصدى للكتاب وغيره من الكتب التي لم يلتزم مؤلفوها الصحة، أو التزموا واشترطوا لكن لم يفوا أن يحكم على كل حديث بما يليق به.

ص: 12

كلام أبي داود على الحديث، هل نقول: أن ما أشار إليه هنا كله موجود في السنن؟ يعني ما سكت عنه في السنن فقط؟ أو في كتبه الأخرى؟ سؤالات الآجري، أو يتكلم على راوي من الرواة في موضع ينسحب هذا على جميع الكتاب؟ المقصود أن هذا غير منضبط، فلا بد من الحكم على كل حديث حديث، نعم إذا كان الحديث مخرج في الصحيحين أو في أحدهما لا كلام، لكن الشأن فيما عدا ذلك، والروايات عن أبي داود كثيرة، الكتب لها روايات، والبخاري مروي بروايات متعددة، في بعضها ما لا يوجد في بعضها، مسلم كذلك وإن كان أقل، أبو داود كذلك وهو أكثر من مسلم في هذا، هناك رواية اللؤلؤي، ورواية ابن داسة، ورواية ابن العبد، ورواية ابن الأعرابي في سنن أبي داود، وفي بعضها ما لا يوجد في بعض، وإن كان قليل لكنه موجود، فقد يوجد الكلام في بعض الروايات دون بعض، "ويوجد في بعضها من الكلام بل وأحاديث ما ليس في الأخرى، ولأبي عبيد بن الآجوري عنه أسئلة في الجرح والتعديل" طبع قسم منها "والتصحيح والتعليل كتاب مفيد، ومن ذلك أحاديث وسؤالات قد ذكرها في سننه، فقوله: وما سكت عليه فهو حسن، ما سكت عليه في سننه فقط أو مطلقاً؟ "

ص: 13

نقول: هذا مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له، لكن كل هذا الكلام أفرزه رأي ابن الصلاح في انقطاع التصحيح والتضعيف، وإلا ما دام الآلة موجودة، والشخص متأهل للحكم فلا ينتظر لا كلام أبي داود ولا سكوت أبي داود؛ لأن كلام أبي داود ككلام غيره من أهل العلم، كلام الترمذي أصرح من كلام أبي داود، ينص صراحة على أن هذا الحديث صحيح، لكن هل يلزم من ذلك أن الحديث صحيح بالفعل؟ ما يلزم، الجمهور يرون أن الترمذي متساهل في التصحيح والتحسين، وإن زعم بعضهم أنه تصحيحه معتبر، وإن زاد الشيخ أحمد شاكر في ذلك ورأى أن تصحيحه معتبر وتوثيق لرجاله، يعني إذا قال: هذا حديث صحيح أو حسن صحيح، فالرجال هؤلاء كلهم ثقات، هذا كلام ليس بصحيح، وكم من حديث صححه الترمذي وفيه نظر، كم من حديث حسنه الترمذي وفيه أنظار، قول أبي داود رحمه الله:"ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه ويقاربه" فابن سيد الناس يرى أن كلام أبي داود مثل كلام الإمام مسلم حينما قسم الرواة إلى طبقات، فخرج لأهل الطبقة الأولى المعروفين بالضبط والحفظ والإتقان، وخرج عمن دونهم ممن ليسوا كذلك، يقول: ما في فرق بين كلام الإمام مسلم وتقسيمه الرواة إلى طبقات، ونزوله إلى أحاديث الطبقة الثانية بل والثالثة أحياناً، ما في فرق بينه وبين قول الإمام أبي داود:"ذكرت الصحيح، وما يشبهه ويقاربه" ولذا يقول الحافظ العراقي رحمه الله:

وللإمام اليعمري إنما

قول أبي داود يحكي مسلما

حيث يقول: جملة الصحيح لا

توجد عند مالكٍ والنبلاء

فاحتاج أن ينزل في الإسنادِ

إلى يزيد بن أبي زيادِ

مسلم نزل عن الدرجة الأولى، عن الطبقة الأولى في الحفظ والضبط والإتقان، لكنه التزم الصحة ووفى بها، وإذا نزل؟ نزل إلى من خفّ ضبطه وارتفعت هذه الخفة بمتابعة غيره من أهل الضبط والإتقان، فرق بينما نزل إليه الإمام مسلم وبينما سكت عنه أبي داود، فرق كبير، وواقع الكتابين يشهد للفرق، وإن قال ابن سيد الناس هذا الكلام.

يقول هذه السائل وهذه من الأسئلة: ألا يقال عن تصحيح الترمذي أو تحسينه لبعض الأحاديث توثيق فعلي لرجل من رجال الإسناد عنده وإن لم يكن عند غيره؟

ص: 14

متى يكون توثيق فعلي؟ إذا كان الحديث يدور عليه، لكن إذا قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن فلان وفلان وفلان؟ ما يحتمل أن يكون توثيق فعلي، لكن إذا خرج البخاري عن شخص مدار الحديث عليه قلنا: توثيق فعلي، أما إذا خرج الحديث ثم حكم عليه بالصحة وفي الباب غيره؟ نظر إلى المجموع، معروف طريقة الترمذي التصحيح المجموع كما هو معروف.

يقول: ما هو قول الراجح في الحسن لغيره، هل يحتج به في العقائد والأحكام؟ وهل يخصص القرآن والأحاديث المتواترة والآحاد؟

المقصود: إذا قلنا: أن الحسن حجة كالصحيح، على الخلاف في ذلك وما ذكر من الخلاف بين قسميه، هل يحتج بالحسن لذاته أو الحسن لغيره إذا ارتقى؟ ما دام اقتنعنا أن الحديث وصل إلى رتبة الحسن، والحسن حجة فهو حجة، والشرع متساو الأقدام يستوي في ذلك العقائد والأحكام والفضائل وغيرها، كما ستأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى- في الضعيف.

(كتاب المصابيح للبغوي)

قال: وما يذكره البغوي في كتابه (المصابيح) من أن الصحيح ما أخرجاه أو أحدهما، وأن الحسن ما رواه أبو داود والترمذي وأشباههما: فهو اصطلاح خاص، لا يعرف إلا له، وقد أنكر عليه النووي ذلك، لما في بعضها من الأحاديث المنكرة.

البغوي الإمام حسين بن مسعود البغوي له كتاب اسمه: (المصابيح، مصابيح السنة) مطبوع مشهور متداول وله شروح كثيرة، ورتبه التبريزي في المشكاة وزاد عليه، المقصود أنه كتاب مشهور، لكن البغوي سلك مسلك غريب، فإذا ذكر الباب ذكر من الصحاح، ويقصد بذلك ما خرج في الصحيحين أو في أحدهما، ثم يقول بعد ذلك من الحسان ويقصد بذلك ما رواه أهل السنن، من الصحاح لا إشكال، لكن من الحسان؟ هل هو حكم منه على هذه الأحاديث التي خرجت في السنن بأنها حسان؟ ولو صحت أسانيدها ولو ضعفت أسانيدها؟ وهل لقائلٍ أن يقول: أن كلام البغوي مستدرك ويشاحح في اصطلاحه، أو نقول كما يطلق أهل العلم: لا مشاحة في الاصطلاح؟

والبغوي قسم المصابحا

إلى الصحاح والحسان جانحا

أن الحسان ما رووه في السنن

عيب عليه إذ بها غير الحسن

ص: 15

المقصود هل يشاحح البغوي في اصطلاحه، أو نقول: أنه بيّن اصطلاحه في المقدمة وهو يكفي؟ أهل العلم كثيراً ما يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، لكن هذا الكلام لا ينبغي أن يؤخذ على إطلاقه وعلى عواهنه، فهناك من الاصطلاح ما يشاحح فيه، ومن الاصطلاح ما لا مشاحة فيه، لو اصطلح شخص لنفسه أن يسمي والد الزوجة عم، والناس يقولون: خال، نقول: لا أنا بسميه عم، يشاحح في الاصطلاح؟ لا يشاحح، لأنه اصطلاح لا يترتب عليه حكم، لكن لو قال: عمي ويقصد بذلك أخا والده، الناس يسمونه عم، إخواني كلهم يسمونه عم أنا بسميه خال؟ يشاحح في الاصطلاح وإلا ما يشاحح؟ يشاحح، يترتب عليه حكم شرعي، يرث وإلا ما يرث، والمسألة معروفة.

لو قال: أنا أصطلح لنفسي أن أقول: الشرق غرب والغرب شرق، والشمال جنوب والعكس، والسماء تحت والأرض فوق، أنا ببين في المقدمة وهذا اصطلاح، نقول: لا، لكن إذا كان لا يغير هذا الاصطلاح من الواقع شيء، الخارطة بدل ما تكون الشمال فوق اجعل تحت تقلب الخارطة لا بأس، الحكم ما يتغير، ابن حوقل في صورة الأرض يجعل الجنوب هو الذي فوق، وما يتغير شيء من الحكم، لكن ((شرقوا أو غربوا)) في الحديث، تقول: لا أنا الشرق عندي جنوب والجنوب

نقول: لا، فالاصطلاح الذي يترتب عليه حكم ويخالف هذا الاصطلاح لا بد من مشاحته، فيشاحح البغوي على هذا الاصطلاح ويناقش، فحكمه على أحاديث السنن بأنها حسان مردود عليه، رد عليه إذ بها غير الحسن، بلا شك لأن فيها الصحيح وفيها الضعيف.

يقول: "وما يذكره البغوي في كتابه المصابيح من أن الصحيح ما أخرجاه أو أحدهما، وأن الحسن ما رواه أبو داود والترمذي وما أشبههما، فهو اصطلاح خاص لا يعرف إلا به، وقد أنكر عليه النووي ذلك لما في بعضها من الأحاديث المنكرة " وعرفنا أن الاصطلاح الذي يخالف ما تقرر في علم من العلوم استقر عليه أهل الفن لا بد من المشاحة فيه، واحد نصف الاثنين، يقول، واحد ربع الاثنين يطاع؟ لا، ما يمكن.

ص: 16

وهناك قواعد يطلقها أهل العلم لا بد من تقييدها، مثل هذه القاعدة لا مشاحة في الاصطلاح، ومثل قولهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أحياناً يحتاج إلى خصوص السبب عند التعارض، ومثل قولهم: الخلاف شرط، هذه أمور يطلقونها ولا بد من تقييدها، لو تواطأ كثير من الناس على ارتكاب محرم تقول له: الخلاف شر أو ترك واجب تقول له: الخلاف شر، لكن ما يسعه فيه الخلاف نعم الخلاف شر، المقصود أن البغوي يشاحح في اصطلاحه؛ لأنه خالف ما تقرر في هذا العلم.

(صحة الإسناد لا يلزم منها صحة الحديث)

قال: والحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن، إذ قد يكون شاذاً أو معللاً.

الحكم على السند لا يعني أو لا يلزم منه الحكم على المتن، فإذا حكمنا على إسناد بأنه ضعيف لا يلزم من ذلك ضعف المتن لوروده من طرق أخرى يرتقي بها، كما أننا إذا قلنا: هذا حديث صحيح الإسناد لا يلزم منه صحة المتن، لوجود المخالف مثلاً، المخالف الراجح، بحيث يكون شاذ أو منكر، أو يشتمل المتن على علة، هناك أحاديث جاءت بأسانيد صحيحة، لكنها أحاديث معلة.

والحكم للإسناد بالصحة أو

بالحسن دون الحكم للمتن رأوا

لكن إن أطلقه من اعتمد قوله، قال الإمام أحمد: صحيح الإسناد، أو قال البخاري: الحديث صحيح الإسناد يقبل لأنه ما يتصور أن الإمام أحمد يصحح الإسناد وفي متنه علة ويسكت، أو البخاري أو إمام معتبر من أهل الحديث.

واقبله إن أطلقه من يعتمد

ولم يعقبه بضعفٍ منتقد

نعم إذا كان آحاد الباحثين وأفرادهم ممن لا يدرك العلل، بل يحكم على ما بين يديه من الأسانيد لا يلزم منه لا الصحة ولا الضعف، نعم الإسناد الذي بين يديك صحيح، لكن متنه هل جمع جميع الطرق الحديث؟ والباب إذا لم تجمع طرقه لا يتبين خطؤه، حكم على الحديث بأنه ضعيف، قد يرد ويروى من طرق أخرى ينجبر بها فيكون المتن حينئذٍ صحيحاً.

(قول الترمذي حسن صحيح)

قال: وأما قول الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، فمشكل؛ لأن الجمع بينهما في حديث واحد كالمعتذر، فمنهم من قال: ذلك باعتبار إسنادين حسن وصحيح.

قلت: وهذا يرده أنه يقول في بعض الأحاديث: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه،

ص: 17

ومنهم من يقول: هو حسن باعتبار المتن، صحيح باعتبار الإسناد، وفي هذا نظر أيضاً، فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم، وفي الحدود والقصاص، ونحو ذلك.

والذي يظهر لي: أنه يشرب الحكم بالصحة على الحكم بالحسن كما يشرب الحسن بالصحة، فعلى هذا يكون ما يقول فيه: حسن صحيح، أعلى رتبة عنده من الحسن، ودون الصحيح، ويكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن، والله أعلم.

هذه المسألة مشكلة بلغت الأقوال فيها إلى بضعة عشر قولاً لأهل العلم، والإشكال باقي؛ لأن الترمذي رحمه الله ليست له قاعدة بينة في هذا، ولذا اضطربت أقوال أهل العلم في مراد الترمذي بقوله:"حديث حسن صحيح" والسبب في ذلك أن الحسن قاصر عن الصحيح، والصحيح مرتفع، فكيف يحكم على خبرٍ واحد بأنه قد بلغ درجة من الضبط والإتقان ثم يحكم عليه بما هو أقل من هذه الدرجة؟

لتوضيح الصورة، لو قلت لولدك: نجحت؟ قال: نعم، تقول: وش تقديرك؟ قال: جيد جداً ممتاز، إيش معنى جيد جداً ممتاز؟ اللهم إلا إذا انفكت الجهة، يعني جيد جيداً التقدير العام، وممتاز التقدير الخاص، أما مع اتحاد الجهة فلا يمكن، التمس أجوبة كثيرة عن هذا منهم من يقول: إن كان الحديث مروي بأكثر من طريق فمراد الترمذي بأنه صحيح من طريق وحسن من طريق، فعلى هذا يكون حكمه بأن الحديث حسن صحيح أقوى من قوله: صحيح فقط، وإذا كان الحديث غريباً ليس له إلا طريق واحد فقالوا: أنه صحيح عند قوم، وحسن عند آخرين، وعلى هذا يكون حكمه بأنه حسن صحيح أقل من كونه صحيح فقط.

ومنهم من يقول المراد بحسن صحيح حسن الإسناد صحيح المتن، إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة التي لا يكفي لاستيعابها الوقت.

ص: 18

يقول: "وأما قول الترمذي: هذا حديث حسن صحيح فهو مشكل" نعم عرفنا وجه الإشكال؛ لأن الجمع بينهما في حديث واحد كالمتعذر لما تقرر من أن الحسن قاصر عن الصحيح فالجمع بينهما في حديثٍ واحد جمع بين نفي ذلك القصور، وإثبات له، "فمنهم من قال -وهذا ما يرجحه ابن حجر-: ذلك باعتبار إسنادين أحدهما حسن والآخر صحيح" لكن الإشكال إذا قال: حسن صحيح غريب، يعني ماله إلا سند واحد، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، يقول الحافظ بن كثير رحمه الله: "قلت: وهذا يرده أنه يقول في بعض الأحاديث: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه "، ومع ذلك قال بعضهم أن مراده: حسن بإسناد، صحيح بإسناد، غريب بهذا اللفظ مثلاً، لا نعرفه من هذا الوجه عن هذا الراوي، فإذا انفكت الجهات سهل الأمر، "ومنهم من يقول: إنه حسن باعتبار المتن صحيح باعتبار السند" يعني لفظه حسن، ألفاظه جميلة، صحيح

باعتبار الإسناد، يقول الحافظ ابن كثير:"وفي هذا نظر، فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم" هل الحسن ما في بشرى للمسلم؟ إذا كان المراد به ذلك نعم، لكن إذا كانت ألفاظه جزلة وجميلة وقوية، وإن كان في صفة جهنم، الحسن حسن، اللفظ حسن وإن كان ليست فيه بشرى، بل فيه تحذير {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] أبلغ ما قيل في الباب ألفاظ حسنة وجزلة وجميلة وهو قصاص، وهم يقولون: القتل أنفى للقتل.

يقول: "فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم، وفي الحدود والقصاص ونحو ذلك" ابن الصلاح يقول: أنه غير مستنكر، يعني أن يطلق الحسن ويريد به حسن اللفظ وجماله وجزاله وقوته، ابن دقيق العيد أورد عليه أن الضعيف ولو بلغ رتبة الوضع قد يأتي بألفاظٍ حسنة، يستحسنها السامع ويتلذذ بسماعها ويميل إليها، حديث القصاص وأكثرها موضوعة، تلذذ الناس بسماعها، وأخبار الزهاد الموجودة في الكتب التي تعتني بذكر أخبارهم، الحلية وصفة الصفوة، فضلاً عن طبقات الصوفية، فيها ألفاظ كثير من الناس يتمنى سماعها ويتلذذ بذكرها، وفيها من الأخبار الموضوعة الشيء الكثير، ولذلك ابن دقيق العيد يقول: الضعيف ولو بلغ رتبة الوضع إذا كان حسن اللفظ ألا يرد على قول ابن الصلاح وأنه غير مستنكر؟

ص: 19

يقول الحافظ ابن كثير بعد ذلك: "والذي يظهر لي أنه –يعني الترمذي- يشرب الحكم في الصحة على الحديث بالحسن، كما يشرب الحسن بالصحة" يعني يمزج، يخلط، يعني مثل لو وضعت ليمون على السكر، حامض حلو، يشرب الحكم بالصحة على الصحيح بالحسن، مثل الذي يطرح شيء متوسط بينهما، شيء متوسط بين الصحة والحسن، وفيه موافقة إلى حدٍ ما مع قول من يقول: أن المراد بقوله: حسن صحيح أنه حسن عند قوم صحيح عند آخرين، يعني فيه خلاف.

ص: 20

يقول: "فعلى هذا يكون ما يقول فيه: حسن صحيح أعلى رتبةً عنده من الحسن ودون الصحيح" يعني لو أتينا بسكر خالص وأتينا بسكر وعصرنا عليه شيء من الحنظل، شيء يسير، صار أقل من السكر الخالص، وإلا الحامض الحلو أحسن من الخالص، نعم، أرفع مرتبة من السكر، على كل حال هذا للتنظير والتوضيح، يقول:"فعلى هذا يكون ما يقول فيه حسن صحيح أعلى رتبةً من الحسن ودون الصحيح -يعني في مرتبة متوسطة بين الحسن والصحيح- ويكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه على الحديث بالصحة مع الحسن، والله أعلم" على كل حال متى نحتاج إلى هذا الكلام كله؟ هذا الكلام وهذا الإشكال والفهم والإجابة عنه متى نحتاج إليه؟ إذا أردنا أن نقلد الترمذي في أحكامه احتجنا لمثل هذا الكلام، وإلا إذا قلنا: أن المتأهل ينظر في كل حديثٍ حديث، ويتعبد الله سبحانه وتعالى بما يظهر له من حكمه، فلسنا بحاجة إلى هذا الكلام، وهو مما ينبغي التنبيه له أن نسخ الترمذي سواء كان منها المخطوط والمطبوع متباينة الأحكام، متباينة تبايناً شديداً، وبعض الأحاديث يحكم عليه بالحسن فقط مع أنه في بعض النسخ حسن صحيح، أو صحيح أو العكس، وهذا التباين قديم، نجد عند الشراح ممن هم في القرن السادس والسابع فمن دونهم ينقلون عن الترمذي أشياء ليست موجودة في .... ، أشياء من الأحكام تخالف ما لدينا من النسخ، ولذا يوصي أهل العلم بالعناية بهذا الكتاب ومقابلة نسخ، والبحث عن نسخ موثقة صحيحة مقروءة على أئمة، ولا شك أن هذا مما تنبغي العناية به جدير وحري وخليق بهذه العناية؛ لأن الكتاب من أنفع كتب السنن، أو من أنفع كتب السنة للمتخرج، للمتعلم، هو أقلها تكراراً، وأكثر من السنن في تعليل الأحاديث والحكم عليها والنقل عن الأئمة في ذك، وذكر الشواهد فهو أنفع ما يتمرن عليه الطالب ويتخرج عليه، فتنبغي العناية به، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 21

يقول: رواية المستور الذي لم تتحقق أهليته مردودة -وهذا الكلام صحيح- يقول: فكيف يجعل ما يرويه من قبيل الحسن وعليه ينزل كلام الترمذي؟

يجعل ما يرويه من قبيل الحسن إذا توبع، إذا روي نحوه من وجهٍ آخر، كما نص على ذلك ابن الصلاح في كلامه.

الأسئلة كثيرة.

يقول: يسأل عن طبعة فتح الباري دار السلام الجديدة؟

طبعوه أولاً وقالوا: إنهم طبعوه على الطبعة الأنصارية الهندية، وعلى بولاق وغيرها من الطبعات، ووجد في طبعتهم بعض الأخطاء التي لا توجد في الطبعات السابقة؛ لأن الكتاب كبير ويحتاج إلى جمع من المتأهلين لمقابلته والنظر في نسخه، وترجيح بعض الألفاظ على بعض، المقصود أنها طبعة لا بأس بها في الجملة، لكنها ليست خالية تماماً من الأخطاء، بكلامهم وقولهم أنهم قابلوها على الطبعات السابقة كلها، يوحي كلامهم أنها أفضل من الطبعات السابقة؟ لا، ليست بأفضل.

أحضرت عندنا في الدرس، ووقفنا على بعض الأخطاء التي لا توجد في غيره، وعلى كل حال طبعتهم الجديدة التي فيها التعليقات على مسائل الاعتقاد من أول الكتاب إلى آخره، ينبغي أن تقتنى ويستفاد منها هذه التعليقات.

يقول: ما دام تصحيح الترمذي وتحسينه ليس معتبراً كأحكام الشيخين، فما هي ثمرة الخلاف في قوله: حسن صحيح؟

قلت: إنما يحتاج إلى هذا الخلاف حينما نقول بتقليد المتقدمين في تصحيحهم وانقطاع التصحيح بالنسبة للمتأخرين وهو ما يراه ابن الصلاح، لكن الرأي والصواب في هذه المسألة أن المتأخر إذا تأهل للتصحيح والتضعيف أنه له ذلك، بل هو المتعيّن في حقه، على أن لا يخرج عن مجموع أحكام المتقدمين.

يقول: في الحديث الذي يتقوى بالمتابعات والشواهد، إذا كان الحديث في العقيدة، كيف يعقد المسلم عليه قلبه في أمور الاعتقاد مع أنه أصلاً لم يجزم بثبوت الحديث نفسه؟

ص: 22

الأحكام والعقائد والتكاليف مناطة بغلبة الظن، وإلا لو اشترطنا القطع ما ثبت لنا إلا القليل النادر، نعم يثبت، يصفو لنا القرآن وما تواتر من السنة، لكن إذا وجدت غلبة الظن في ثبوت الخبر كفت؛ لأن الأحكام مناطة بغلبة الظن، ولا يلزم أن نقطع بكل خبر نسمعه أو لا نعمل به، لا، يجب العمل به، وإن لم نقطع بثبوته، فالأحكام والعقائد مناطها غلبة الظن، ولا نقول: أنها تحتاج إلى دليل قطعي وإلا فلا، وإلا لم يثبت عندنا شيء يذكر، فعامة الأحاديث أخبار آحاد تفيد غلبة الظن إلا إذا احتفت بها قرينة على ما تقدم.

يقول: طبعة سمير الزهيري لبلوغ المرام؟

طبعة لا بأس بها في الجملة، نعم وجد عليها ملاحظات في تصحيح بعض الأحاديث وتضعيفها، لكن هي في جملتها طيبة.

أسئلة مكررة.

يقول: أين يوجد كلام أبي داود على الأحاديث في غير كتابه السنن؟

يوجد في السؤالات، سؤالات أبي عبيد الآجري، وفيه أيضاً أشياء وإن كانت يسيره في سؤالاته للإمام أحمد يذكر بعض الأشياء، وفي بعض الروايات ما يوجد دون بعض، يعني ذكرنا من سنن أبي داود مروي بروايات متعددة، كغيره من كتب السنة، فيوجد في روايات اللؤلؤ ما لا يوجد في رواية ابن العبد، ويوجد في رواية ابن العبد ما لا يوجد في رواية ابن داسة، فلا نجزم بأن أبا داود لم يتكلم على هذا الحديث ولم ينبه عليه، لأننا وقفنا على رواية واحدة حتى نجمع الروايات كلها.

يقول: طبعة دار العاصم لسبل السلام، تحقيق طارق عوض؟

هذه الطبعة ما رأيتها إلى الآن، وطارق عوض مظنة للتجويد.

يقول: ما أفضل الشروح للسنن الأربعة؟

الكلام في هذا يطول، والموازنة بينها يحتاج إلى وقتٍ طويل، هناك أشرطة سجلت في شروح الكتب الستة ومزاياها فليرجع إليها.

يقول: ما حد التواتر من حيث العدد القول الراجح فيه؟

القول الراجح أنه لا عدد محصور، بل إذا أفاد الخبر طمأنينة النفس والوثوق به وألزم السامع بتصديقه فقد بلغ حد التواتر، وفي هذا كلام يطول جداً من حيث لزوم الدور وعدمه يحتاج إلى وقتٍ لبسطه؛ لأن المسألة دقيقة وتحتاج إلى وقت للبسط، فتراجع الأشرطة المسجلة في شرح النخبة ونظمها.

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 23

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-:

(النوع الثالث: الحديث الضعيف)

قال: وهو ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح، ولا صفات الحسن المذكورة فيما تقدم، ثم تكلم على تعداده وتنوعه باعتبار فقده واحدة من صفات الصحة أو أكثر، أو جميعها، فينقسم حينئذٍ إلى: الموضوع، والمقلوب، والشاذ، والمعلل، والمضطرب، والمرسل، والمنقطع، والمعضل، وغير ذلك.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: النوع الثالث بعد أن تحدث في النوع الأول عن الصحيح، والثاني عن الحسن، والثالث الضعيف، وهذا هو الترتيب الطبيعي، وأما قول الحافظ العراقي:

وأهل هذا الشأن قسموا السنن

إلى صحيح وضعيفٍ وحسن

من أجل مراعاة النظم، وإلا فالأصل أن الضعيف متأخر عن رتبة الحسن، وإدخاله في السنن من باب تتميم القسمة وإلا فالأصل أنه لا يدخل في السنن؛ لأن الغالب على الظن عدم ثبوته.

الضعيف من الضَعف أو الضُعف، الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم، وهو خلاف القوة والصحة، والضُعف والضَعف بالفتح والضم لغتان لمدلولٍ واحد ويستعملان للضَعف العام، سواء كان في البدن أو في العقل والرأي، وإن كان بعضهم يخص الضَعف بالفتح لضعف العقل والرأي، وبالضم لضعف الجسد، المقصود أن هاتان لغتان قرئ بهما، والضم لغة قريش، والفتح لغة تميم.

ص: 24

قال –يعني ابن الصلاح-: "وهو ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح ولا صفات الحسن المذكورة فيما تقدم" لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، اختل فيه شرط من شروط الصحيح، شروط الصحيح الخمسة التي تقدمت، عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، إذا تخلف شرط واحد من هذه الشروط قلنا: أنه لم تجتمع فيه في هذه الصفات فهو الحديث الضعيف، ولا صفات الحديث الحسن المذكورة فيما تقدم، يختلف الحسن عن الصحيح في تمام الضبط مثلاً، فيشترط أعلاه للصحة، ويقبل ما دون الأعلى للحسن، وهذا تقدم الكلام فيه، إذا اختل شرط من هذه الشروط الخمسة وانعدم الجابر فهو الحديث الضعيف، والنقاش طويل في هذا الحد وعطف صفات الحسن على صفات الصحيح؛ لأنه إذا لم تجتمع فيه صفة الحسن فمن باب أولى لا تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، إذا لم تتوافر صفات الحديث الحسن وشروطه هل يمكن أن تتوافر شروط الحديث الصحيح؟ لا يمكن، فلماذا يذكر الصحيح في الحد؟ مع أنه المطلوب في الحدود أن تكون مختصرة لتحفظ، وأن تكون جامعةً مانعة، ولذا اختصر الحافظ العراقي في تعريف الضعيف على ذكر الحسن:

أما الضعيف وهو ما لم يبلغِ

مرتبة الحسن وإن بسطاً بغي

ص: 25

الخ، فلا داعي لذكر الصحيح في الحد؛ لأنه إذا قصر عن رتبة الحسن فهو عن رتبة الصحيح أقصر، يعني إذا قلت: الطفل ما لم يبلغ سن الشباب، هل يحتاج أن تقول: ولا الشيخوخة؟ يحتاج، لا يحتاج؛ لأنه إذا قصر عن رتبة سن الشباب فهو عن سن الشيخوخة والكهولة أقصر، بعضهم يدافع عن ابن الصلاح ويقول: أن هذا لا بد منه، لماذا؟ يقول: هو نظير قولهم: الكلمة اسم وفعل وحرف، الحرف ما لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل، ما يكفي أن نقول: ما لا يقبل علامات الاسم، ولا يكفي أن نقول: ما لا يقبل علامات الفعل، لكن هذا التنظير غير مطابق، وذكر الاسم والفعل لا بد منه؛ لأنه لا يلزم من عدم قبول علامات الاسم أن يكون حرفاً، قد يكون فعلاً فإذاً لا بد من ذكر الفعل، أما هنا فعندنا مراتب، مراتب مرتب بعضها على بعض، فلا يمكن الوصول إلى الدرجة الثالثة إلا بعد المرور على الدرجة الثانية، على هذا لا نحتاج إلى ذكر الدرجة الثالثة في الحد إذا قُدّر أن الأضعف الضعيف، ثم الحسن فإذا لم يصل إلى رتبة الحسن فلن يصل إلى درجة الصحيح.

والكلام في هذا طويل ومناقشات لا يحتملها الوقت، ابن حجر خرج من هذا الكلام كله في تعريف الضعيف، قال: هو الحديث التي لم تجتمع فيه صفات القبول، والقبول يشمل الصحيح ويشمل الحسن، هو الحديث الذي لم تجتمع فيه صفات القبول، ثم تكلم يعني ابن الصلاح على تعداده وتنوعه لاعتباره فقد واحدة من صفات الصحة، أو أكثر، وأطال العلماء تقسيمه بهذه الطريقة تبعاً لتخلف أي صفةٍ من صفات القبول حتى أوصله بعضهم، أوصل بعضهم أقسامه إلى أكثر من خمسمائة صورة، وطريق استخراج هذه الصور عندنا خمسة شروط، نأتي إلى الشروط واحداً بعد الآخر يصير عندنا خمس صور، ثم نأتي إلى الأول مضموماً إلى الثاني صورة ثانية، سادسة مثلاً، الأول إلى الثالث سابعة، الأولي إلى الرابع ثامنة، وهكذا، ثم نأتي إلى الثانية ونفعل به كما فعلنا بالأول.

ص: 26

ابن حجر أضرب عن هذا كله، وقال: إن التقسيم بهذه الطريقة تعب ليس وراءه أَرب، كتبت الرسائل في أقسام الضعيف، لكن ما النتيجة؟ ما النتيجة أن نوصل الأقسام إلى أكثر من خمسمائة قسم، إلى خمسمائة صورة أو أكثر؟ ليس هناك فائدة، المسمى من أنواعه قليل، ولذا قال:"فينقسم جنسه إلى الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل وغير ذلك".

ويكتفى في بقية الصور أن يقال: ضعيف، أو ضعيف جداً، إن كان الهدف من هذا التقسيم أن نعرف كم يبلغ فهذه نتيجة مرّة، نتيجة نظرية لا يترتب عليها فائدة، أما الأقسام التي نطق بها العلماء فهي الأقسام المذكورة وهي التي ينبغي أن يعتنى بها، الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل وغير ذلك، وسيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى-.

الضعف ينشأ من أحد أمرين: إما من فقد العدالة أو فقد الضبط، والعدالة يخرمها أمور، إما بالكذب، الفسق، البدعة، الجهالة، على خلافٍ في المجهول، يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-، وهل الجهالة جرح أو عدم علمٍ بحال الراوي؟ تأتي الإشارة إلى ذلك -إن شاء الله تعالى-، وعدم الضبط يكون بسبب كثرة الخطأ، فحش الغلط، الوهم، مخالفة الثقات، وغير ذلك، المقصود أن الضعف يتسرب إلى الخبر بسبب هذه الأشياء، وأما العمل به فسيأتي في الفصول التالية للمقلوب حيث يشير إليه المؤلف هناك -إن شاء الله تعالى-.

(النوع الرابع: المسند)

قال الحاكم: هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الخطيب: هو ما اتصل إلى منتهاه، وحكى ابن عبد البر: أنه المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان متصلاً أو منقطعاً، فهذه أقوال ثلاثة.

النوع الرابع المسند، وقد اختلف في حده، فالذي يراه الحاكم أنه المتصل المرفوع، ما اتصل إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ....

ص: 27