المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التعرف إلى الله تعالى في الرخاء ينفع في الشدائد - شرح الأربعين النووية - العباد - جـ ٢١

[عبد المحسن العباد]

فهرس الكتاب

- ‌[21]

- ‌شرح حديث: (احفظ الله يحفظك)

- ‌ترجمة ابن عباس راوي الحديث

- ‌معنى حفظ العبد لربه وحفظ الرب لعبده

- ‌وجوب سؤال الله تعالى والاستعانة به وحده

- ‌وجوب التوكل على الله تعالى والاستعانة به مع الأخذ بالأسباب

- ‌جواز الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه

- ‌لا ينفع أحد ولا يضر إلا بما كتبه الله تعالى وأراده

- ‌الكتابة الشرعية والكتابة الكونية القدرية

- ‌انتهاء الكتابة بما هو كائن إلى يوم القيامة

- ‌التعرف إلى الله تعالى في الرخاء ينفع في الشدائد

- ‌كل شيء بقضاء وقدر

- ‌النصر مع الصبر والفرج مع الكرب

- ‌الأسئلة

- ‌مدى صحة ما روي عن ابن عباس أنه رأى جبريل مرتين

- ‌معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (يعرفك في الشدة)

- ‌معنى المعرفة في قوله: (يعرفك في الشدة)

- ‌الفائدة من قول ابن عباس: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حصول المسبب بدون سبب

- ‌حكم سؤال الله تعالى مع عدم فعل السبب

- ‌حكم الاعتماد على الأسباب

- ‌صفة الكتابة لله عز وجل

- ‌إعراب: (رُفعت الأقلام)

- ‌المقصود بالأقلام والصحف

- ‌من الذي يقوم بكتابة المقادير

- ‌الجمع بين حديث: (رفعت الأقلام) وبين ما جاء من سماع صرير الأقلام

- ‌معنى الكتابة في حديث: (حتى يكتب عند الله كذاباً)

- ‌المقصود بقوله: (جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة)

- ‌تحري الصدق يبلغ منازل الصديقين

- ‌استحباب عدم سؤال الناس شيئاً

- ‌الحكمة من عدم سؤال الناس شيئاً

- ‌بطلان دعوى حضور روح النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجالس الذكر والموالد

- ‌صفة التيمم

- ‌كيفية توبة من أخذ أموالاً من الناس بدون علمهم

- ‌قاتل نفسه لا يخلد في النار

- ‌نصيحة لطالب علم يريد ترك طلب العلم

- ‌حكم إقامة درس قبل صلاة الجمعة

- ‌معنى القابض والباسط والخافض والرافع من أسماء الله

- ‌حكم لبس البنطلون

- ‌معرفة العبد الصالح

- ‌حكم قص الحاجبين لمن كبر سنه وسقطا على عينيه

- ‌إن نصر الله قريب

- ‌حكم عمل وليمة للمدرسين من قبل الطلاب في آخر العام

الفصل: ‌التعرف إلى الله تعالى في الرخاء ينفع في الشدائد

‌التعرف إلى الله تعالى في الرخاء ينفع في الشدائد

وفي رواية لغير الترمذي: (احفظ الله تجده أمامك) بدل قوله: (تجده تجاهك) في الرواية الأولى، ثم قال:(تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة).

أي: أنك في حال سعتك ورخائك عليك أن تشتغل بطاعة الله عز وجل وبعبادته، حتى إذا أصابتك الشدة تجد من الله عز وجل الفرج وكشف الكرب والشدة، وذلك أن الإنسان إذا عمل في حال رخائه وفي سعته الأعمال الصالحة، فإنه في حال شدته وكربه يكشف الله عز وجل ما به من كرب ويكشف ما به من شدة، وكما قال الله عز وجل:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]، وقال يونس عليه السلام:{فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144].

وقصة أصحاب الغار الثلاثة التي ثبتت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من أمثلة ذلك، وذلك أن ثلاثة ممن كانوا قبلنا كانوا يسيرون في فلاة، فآواهم المبيت إلى غار، فأرادوا أن يستريحوا فيه وأن يبيتوا فيه، فباتوا فيه، فنزلت صخرة وسدت باب الغار، فلم يستطيعوا الخروج، فصاروا كأنهم في قبر وهم أحياء لم يموتوا، وليس أمامهم إلا الموت؛ لأنهم داخل الغار وقد سدت الباب صخرة عظيمة، ففكروا واهتدوا إلى أن كل واحد منهم يتوسل إلى الله عز وجل بعمل صالح عمله في حال الرخاء، ويسأل الله عز وجل به ويتوسل إليه عز وجل به ليفرج عنهم ما هم فيه، وهذا هو ما يوضح معنى قوله:(تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، فتوسل أحدهم إلى الله عز وجل ببره لوالديه، وأنه كان يأتي بالغبوق والحليب الذي كان يحلبه في الليل فيسقي أبويه قبل أن يناما، وفي ليلة من الليالي ندت الإبل وبعدت عن المكان الذي كانت ترعى فيه في غالب أحيانها مما اضطره إلى أن يتأخر، فجاء إليهما وقد ناما، فكره أن يوقظهما، وكره أن ينام خشية أن يستيقظا وقد نام فلا يتمكن من إعطائهما ذلك الغبوق، فوقف ينتظر يقظتهما حتى استيقظا وشربا، فقال:(اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً إلا أنهم لا يستطيعون الخروج).

ثم توسل الثاني بتركه الفاحشة مع قدرته عليها، وذلك أنه كان له ابنة عم، وكان يحبها حباً شديداً، ويراودها عن نفسها وهي تمتنع، فألمت بها سنة من السنين، وحصل لها ضيق وشدة وكرب، فطلبت منه أن يساعدها، فعرض عليها ذلك الذي كان يعرضه عليها من قبل، فاستجابت لشدة الحاجة وشدة الفقر والبؤس الذي حصل لها على أن يعطيها مائة دينار، فأعطاها إياها وأراد أن يفعل بها الفاحشة، ولما جلس بين رجليها قالت: يا فلان! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه.

فقام وتركها من أجل الله، وترك الذي أعطاها لها، فإنه لما ذكرته بالله عز وجل خاف من الله، مع أنه قد تمكن ولم يبق بينه وبين فعل الفاحشة شيء، ولكن خوف الله عز وجل وتخويفه بالله عز وجل أثر فيه، فقام وتركها، فقال:(اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً إلا أنهم لا يستطيعون الخروج).

فقام الثالث وتوسل إلى الله عز وجل بأنه كان له عمال يعملون عنده، فذهب أحدهم دون أن يأخذ أجرته، فحفظ الأمانة لذلك الشخص ونماها حتى كثرت ونمت، وصار له عدد كبير من الرقيق ومن بهيمة الأنعام، فجاءه بعد مدة فقال: يا فلان! أعطني حقي، فقال: هذا الذي تراه أمامك هو حقك، فظن أنه يهزأ به ويسخر به، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: هو حقك، فأخذه وساقه، فقال:(اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون).

فهذا يبين ويوضح معنى هذه الجملة، وهي قوله صلى الله عليه وسلم:(تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، فهؤلاء عملوا هذه الأعمال الصالحة في حال رخائهم وسعتهم، والله عز وجل فرج عنهم ما هم فيه من كرب وشدة بأن أزال هذه الصخرة التي سدت باب الغار، وذلك بتوسلهم إليه بأعمالهم الصالحة التي فعلوها في حال رخائهم وفي حال سعتهم، فنفعهم ذلك عند الله عز وجل عندما كانوا في شدة، والله تعالى يقول:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62].

ص: 11