المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الحج (2) - شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - عبد الكريم الخضير - جـ ١٥

[عبد الكريم الخضير]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ كتاب الحج (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح: التجريد الصريح -‌

‌ كتاب الحج (2)

الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الحج من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع لقاءنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحباًَ بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

قال المصنف رحمنا الله وإياه:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال:((نعم)) وذلك في حجة الوداع.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أولاً: الحج عرفوه في اللغة بأنه القصد، وقال الخليل: كثرة القصد إلى معظم.

وفي المصباح: حج حجاً من باب قتل، قصد، فهو حاج، هذا أصله، ثم قُصر استعماله في الشرع على قصد الكعبة للحج أو العمرة، ومنه يقال: ما حج ولكن دج، فالحج القصد للنسك، والدج القصد للتجارة، لكن الاستعمال العرفي للكلمة؟

المقدم: دج يعني ضاع، ما له أي قيمة.

نعم.

المقدم: معناه يُتمدح بها أحياناً.

هو قصد التجارة سواءً ربح أو خسر، لعلها من قصد التجارة مع الخسارة، يعني الاستعمال العرفي.

فالحج القصد للنسك، والدج القصد للتجارة.

والاسم –يعني اسم المصدر- الحِج بالكسر، إذا كان المصدر الحَج؛ لأن عندنا حج من باب قتل، قتل قتلاً، حج حجاً، إذاً ماذا يكون إذا كان المصدر الفتح الحج، فالكسر الحِج اسم المصدر، والحِجة المرة بالكسر على غير قياس، لكن القياس؟ حَجة "وفعلةٌ لمرةٍ".

المقدم: واحدة.

لا، ابن مالك.

ص: 1

على غير قياس، والجمع حجج، يقول: مثل سدرة وسدر، تجي وإلا ما تجي؟

المقدم: سدرة واحدة.

سدرة واحدة، يعني مثل حجة واحدة، لكن الجمع حجج؟

المقدم: سِدَر.

سدر كذا؟ هذا كلامهم، والجمع حجج مثل سدرة.

المقدم: سدرة سدر.

حجج سدر، قد يكون أصلها الفتح، لكنها سكنت للتخفيف، سدَر مثل حجج.

قال ثعلب: قياسه الفتح، ولم يسمع من العرب، سدر، وبها الحجة سمي الشهر ذو الحِجة بالكسر، يعني عكس القعدة، وبعضهم يفتح في الشهر يقول: ذو الحَجة، وجمعه ذوات الحِجة، والحجة أيضاً السنة، والجمع حجج نعم.

من سار نحو الدار سبعين حجة

فقد حان منه الملتقى وكأن قدِ

نعم الحجة السنة، والجمع حجج، والحُجة الدليل والبرهان، والجمع حُجج.

المقدم: وهي عند العرب قبل الإسلام.

وين؟

المقدم: يطلقون الحَجة والحِجة على السنة في بعض أشعارهم.

وجد نعم، يقول:"ثمانين حولاً" لبيد، تحفظ شيء في إطلاق الحج؟

المقدم: أبداًَ، لا.

يحتاج إلى مراجعه في إطلاقهم، المقصود أنها تطلق ويراد بها السنة، كما يطلق السبت ويراد به الأسبوع.

والحُجة الدليل البرهان والجمع حجج مثل غرفة وغرف.

والحج في الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة.

قال ابن حجر: "وهو بفتح المهملة وكسرها" الحَج والحِج، لغتان نقل الطبري أن الكسر لغة أهل نجد، يقولون: حِج، مستعملة إلى الآن، والفتح لغيرهم الحَج، ونقل عن حسين الجعفي أن الفتح الاسم، والكسر المصدر، وعن غيره عكسه، يعني ما تقدم أن حج من باب قتل، فيكون المصدر حجاً، والحج اسم المصدر.

هنا يقول: "نقل عن حسين الجعفي أن الفتح الاسم، والكسر المصدر" عكس ما تقدم، وعن غيره عكسه.

يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث:

"عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم" إلى آخره.

ص: 2

راوي الحديث عبد الله بن عباس بن عم النبي عليه الصلاة والسلام، حبر الأمة، ترجمان القرآن، مر ذكره مراراً، وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب وجوب الحج وفضله، وقول الله تعالى:{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران]. يقول القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: {وَلِلّهِ} [(97) سورة آل عمران] اللام لام الإيجاب والإلزام، ثم أكده بقوله تعالى:{عَلَى} [(97) سورة آل عمران] يعني على الناس، و (على) هذه من صيغ الوجوب عند أهل العلم.

يقول: ثم أكده بقوله تعالى: {عَلَى} [(97) سورة آل عمران] التي هي من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب، نعم.

المقدم: التأكيد الأول.

قوله: {وَلِلّهِ} [(97) سورة آل عمران] نعم؛ لأن اللام هذه لام الإيجاب والإلزام، ثم أكد هذا الوجوب والإلزام بقوله:{عَلَى} [(97) سورة آل عمران] التي هي من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب، فإذا قال العربي: لفلان علي كذا، فقد وكده وأوجبه، فذكر الله تعالى الحج بأبلغ ألفاظ الوجوب تأكيداً لحقه، وتعظيماً لحرمته، ولا خلاف في فريضته، وهو أحد قواعد الإسلام، وليس يجب إلا مرة في العمر.

وقال بعض الناس –هذا كلام القرطبي-: وقال بعض الناس: يجب في كل خمسة أعوام مرة، ورووا في ذلك حديثاً، أسندوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث باطل لا يصح، والإجماع صاد في وجوههم.

ثم قال القرطبي: وذكر عبد الرزاق –يعني في مصنفه- في الجزء الخامس صفحة ثلاثة عشرة، قال: حدثنا سفيان الثوري عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الرب عز وجل: إن عبداً أوسعت عليه الرزق فلم يفد)) نعم في القرطبي ((فلم يعد)) في مصنف عبد الرزاق ((فلم يفد)) وكذا في بقية المصادر من كتب السنة ((فلم يفد إلي في كل أربعة أعوام لمحروم)).

ص: 3

يقول القرطبي: حديث مشهور من حديث العلاء عن المسيب بن رافع الكاهلي، من أولاد المحدثين، روى عنه غير واحد منهم، منهم من قال: في كل خمسة أعوام، ومنهم من قال: عن العلاء بن خباب عن أبي سعيد بغير ذلك من الاختلاف.

الحديث الباطل الذي لا يصح الذي أشار إليه القرطبي الذي هو مستند من قال: إن الحج يجب كل خمسة أعوام هو هذا الحديث؟ لا.

المقدم: لأن هذا الحديث لو قيل: إنه مستندهم ليس فيه دليل على الوجوب.

لا، هو لعله وقف على حديث فيه تنصيص على وجوبه في كل خمسة أعوام.

يقول: والحديث باطل لا يصح، والإجماع صاد في وجوههم، ثم ذكر الحديث القرطبي، والحديث خرجه ابن حبان في صحيحه بإسناد جيد، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عبداً صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم)) وذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، ورجال الجميع رجال الصحيح.

ص: 4

على كل حال الحديث لا شك أنه قوي، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند البيهقي وغيره، والحديث قابل للتصحيح، يكون صحيح لغيره، ولذا صححه الألباني -رحمه الله تعالى-، لكن ليس فيه حجة لمن أوجب الحج كل خمس سنوات، على ما نقله القرطبي عن بعضهم؛ للإجماع على أنه لا يجب إلا مرة واحدة، لكن الحرمان ظاهر فيمن تيسر له أداء هذه العبادة العظيمة، وتوفرت له الأسباب، ولم يمنعه من ذلك مانع، مع ما ثبت في فضل المتابعة بين الحج والعمرة، ولعل الحديث مستند لمن أفتى بمنع تكرار الحج في كل سنة لا سيما مع الحاجة الداعية لذلك؛ لكثرة الحجيج في السنوات الأخيرة، لعله يستمسك بهذا، يعني مفهومه أن الذي لا يحج إلا كل خمس سنوات، يعني إذا حج كل خمس سنوات ليس بمحروم، فعلى هذا لا مانع من منعه من الحج ما دام ليس بمحروم، وهذا قد يحتاج إليه في تأييد المصلحة المترتبة عليه؛ لأن الحاجة داعية إلى التحديد، يعني لو ترك المجال للناس مع تيسر الأمور قد يكون هذا على حساب الذين لم يؤدوا الفريضة، ولذا أفتى جمع من أهل العلم بأن لولي الأمر أن يمنع؛ لأنه لا شك أن الحاجة داعية إلى مثل هذا، لكن يبقى أن النصوص الأخرى يعني باقية على أصلها ((تابعوا بين الحج العمرة)) لمن لا يكون له أثر سلبي وجوده على بقية الحجاج؛ لأن بعض الناس ينفع أكثر، فمثل هذا لا مانع من أن يحج كل سنة.

على كل حال الحرمان ظاهر فيمن تيسر له الحج فلم يحج، والحرمان أمر نسبي، يعني ليس معناه أنه محروم أنه فعل محرماً، نعم الحرمان أمر نسبي، يعني من ترك الواجب محروم، وهو أعظم في من ترك مستحب، وهو أيضاً محروم، يعني ماذا عن رجل قيل له: الصلاة على الجنازة بدأت، افتتحت الآن، قم فصل، قال: أنا صليت أمس على جنازة، هذا حرمان ظاهر، ومع ذلك ما نقول: إنه آثم؛ لأنه ترك مستحب، صلاة الجنازة فرض كفاية قام به من يكفي، لكن الحرمان ظاهر بالنسبة لهذا، فالحرمان من الأمور النسبية.

يقول القرطبي: "وأنكرت الملحدة" يعني جنس الحج "فقالت: إن فيه تجريد الثياب، وذلك يخالف الحياء".

ص: 5

المقدم: هذا مثل سؤالنا في الحلقة الماضية عن بعض الكتبة بكل أسف ممن قال: في الحج بعض الطقوس الوثنية، يلفون حول الكعبة، يقبلون حجر، يرمون حصى، يقفون في بيداء وغير ذلك.

لكن المسلم بل الجن والإنس الهدف الشرعي، الهدف الرباني من إيجادهم وخلقهم تحقيق العبودية، والعبودية لا تتم إلا بالدخول بالإسلام الذي هو الاستسلام الكامل، وقدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، لا بد أن يستسلم الإنسان للأوامر والنواهي بغض النظر عرف الحكمة لا بأس، لم يعرف الحكمة عليه أن يستسلم، ما دام ثبت الأمر والنهي عليه أن يقول: سمعنا وأطعنا، ولذا لو لحظت مثلاً كتب التفسير عند المتقدمين وعند المتأخرين، في قوله -جل وعلا-:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [(27) سورة الحج] تجد المتأخرين يطنبون في بيان هذه المنافع، بينما عند المتقدمين إشارات يسيرة جداً، وبعضهم لا يلتفت إليها، لماذا؟

المقدم: المصلحة العظمى

لأن الامتثال عند المتقدمين ما يحتاج إلى معرفة حكمة، بينما كثر التساؤل عند المتأخرين، لماذا كذا؟ لماذا شرع كذا؟ لماذا نفعل كذا؟ فصار العلماء يعنون ببيان الحكمة، وإظهارها لهم، إضافة إلى أن الأصل في الامتثال هو النص، نعم.

يقول: "أنكرت الملحدة الحج فقالت: إن فيه تجريد الثياب، وذلك يخالف الحياء، وفيه السعي" والمفهوم أنه معروف السعي بين الصفا والمروة بين العلمين النبي عليه الصلاة والسلام كان يسعى سعياً شديداً حتى كانت الركب تنكشف.

"والسعي وهو يناقض الوقار" الجري يناقض الوقار "ورمي الجمار لغير مرمى، وذلك يضاد العقل" لكن هذا الذي يقول هذا الكلام في تجريد الثياب إذا أراد أن يزاول الرياضة التي نصحه الأطباء بها يجرد الثياب، ويسعى ويجري، نظراً لمصلحة بدنه، أما مصلحة الدين هذا يخرق الحياء، وأيضاً يناقض الوقار، ورمي الجمار لغير مرمى ذلك يضاد العقل، وتجده يقول ويفعل ما يناقض العقل في كل لحظة.

"فصاروا إلى أن هذه الأفعال كلها باطلة، إذ لم يعرفوا لها حكمة ولا علة، وجهلوا أنه ليس من شرط المولى مع العبد أن يفهم المقصود بجميع ما يأمره به" يعني لو افترضنا أن السيد قال: خذ هذا مبلغ اشتر كذا، هل للعبد أن يقول: لماذا أشتري؟

ص: 6

المقدم: وماذا تريد منه؟ وما هي الحكمة؟

نعم له ذلك؟

المقدم: أبداً.

وهذه مسألة يعني عبودية ناقصة فكيف بالعبودية لله -جل وعلا-، الذي لا يسأل عما يفعل.

"وجهلوا أنه ليس من شرط المولى مع العبد أن يفهم المقصود بجميع ما يأمره به، ولا أن يطلع على فائدة تكليفه، وإنما يتعين عليه الامتثال، ويلزمه الانقياد من غير طلب فائدة ولا سؤال عن مقصود، ولهذا المعنى كان عليه الصلاة والسلام يقول في تلبيته:((لبيك حقاً حقاً، تعبداً ورقاً)) امتثال عبودية تامة ((لبيك إله الحق)).

في تفسير الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله المسمى: (أضواء البيان) في قوله -جل وعلا-: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [(27) سورة الحج] اللام هي لام التعليل، وهي متعلقة بقوله تعالى:{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحج] الآية، أي: إن تؤذن فيهم يأتوك رجالاً وركباناً؛ لأجل أن يشهدوا.

المقدم: منافع.

أي: يحضروا منافع لهم، والمراد بحضورهم المنافع يعني مجرد مشاهدة المنافع، أو حصول هذه المنافع لهم؟

المقدم: حصولها.

والمراد بحضورهم المنافع حصولها لهم.

وقوله: {مَنَافِعَ} [(27) سورة الحج] جمع منفعة، ولم يبين هنا هذه المنافع ما هي؟ وقد جاء بيان بعضها في بعض الآيات القرآنية، وأن منها ما هو دنيوي، ومنها ما هو أخروي، أما الدنيوي فكأرباح التجارة؛ لأن الله أباح لهم أن يبتغوا فضلاً من ربهم، فكأرباح التجارة، إذا خرج الحاج بمال تجارة معه، فإنه يحصل له الربح غالباً، وذلك نفع دنيوي.

يعني إذا كسدت البضاعة في بلده، واصطحبها معه إلى الحج لا بد أن يجد زبون، وذلك نفع دنيوي

إلى آخر ما قال -رحمه الله تعالى-.

قلت: أما المنافع الأخروية فلو لم يكن منها إلا ما صح به الخبر من أن ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) يعني هذه يقابلها شيء؟ ((والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).

في التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور هذا تفسير من المعاصرين، تفسير جيد، فيه فوائد ونفائس، وفيه أيضاً إطلاع للقارئ على أسرار التعبير القرآني، وإعجازه وبيانه.

ص: 7

المقدم: ابن عاشور معاصر.

إي نعم هو متوفى، لكنه من المتأخرين.

المقدم: مصري يا شيخ؟

لا، تونسي.

المقدم: تونسي، له غير التحرير والتنوير؟

إيه له، له، مكثر رحمه الله، وهو صاحب تحرير، والكتاب على اسمه، نعم.

قوله: {لِيَشْهَدُوا} [(27) سورة الحج] يتعلق بقوله: {يَأْتُوكَ} [(27) سورة الحج] فهو علة لإتيانهم الذي هو مسبب عن التأذين بالحج، فآل إلى كونه علة في التأذين بالحج.

ومعنى {لِيَشْهَدُوا} [(27) سورة الحج] ليحضروا منافع لهم، أي: ليحضروا فيحصلوا منافع لهم، إذ يحصل كل واحد ما فيه نفعه، وأهم المنافع ما وعدهم الله على لسان إبراهيم عليه السلام من الثواب، فكنى بشهود المنافع عن نيلها، ولا يعرف ما وعدهم الله ذلك بالتعيين، وأعظم ذلك اجتماع أهل التوحيد في صعيد واحد ليتلقى بعضهم عن بعض ما به كمال إيمانه.

وتنكير منافع للتعظيم المراد منه الكثرة، وهي المصالح الدينية والدنيوية؛ لأن في مجمع الحج فوائد جمة للناس لأفرادهم من الثواب، والمغفرة لكل حاج، يعني بشرطه، مع انتفاء المانع، لا شك أن الحج سبب للمغفرة، لكن لا بد مع وجود الشرط والسبب انتفاء المانع؛ لئلا يعتمد على مثل هذا؛ لأن بعض الناس يضمن أنه حج خلاص رجع من ذنوبه، لا يلزم، قد يتلبس بمانع يمنع من قبول حجه، ولمجتمعهم؛ لأن في الاجتماع صلاحاً في الدنيا بالتعارف والتعامل. انتهى كلامه رحمه الله.

أقول: للعلماء من هذه المنافع أوفر الحظ والنصيب، حيث يلتقون من أقطار الأرض، العلماء من المشرق ومن المغرب، ومن كافة الأقطار والأقاليم، حيث يلتقون من أقطار الأرض، ويبحثون ويتباحثون ما يشكل عليهم من مسائل علمية، ويروي بعضهم عن بعض، يعني بعض الناس ما يتيسر له أن يرحل من المشرق إلى المغرب والعكس والرحلة معروفة عند أهل العلم.

المقدم: ولذلك يلقى بعضهم بعضاً في الحج.

في الحج.

المقدم: ويروي بعضهم عن بعض.

ويروي بعضهم عن بعض، ويتباحثون بعض المسائل، وعند بعضهم إشكالات، وعند الآخر إشكالات ليست عند الآخر، وتتلاقح الأفكار في مثل هذه الاجتماعات الطيبة.

ص: 8

ويروي بعضهم عن بعض وهكذا، وكم في رحلاتهم إلى هذه المشاعر من فوائد علمية عظيمة، نعم، يعني لو أخذنا مثال رحلة ابن رشيد، يعني رحلة في خمسة أسفار، مملوءة بالفوائد العلمية اسمها:(ملئ العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى مكة وطيبة) يعني التقى بالعلماء في طريقه كله، ولا شك أن الرحلات فيها فوائد كثيرة، لكن بعضها هي متفاوتة، يعني على أقدار المؤلفين وقدراتهم، بعض الرحلات لا قيمة لها، بل بعضها ضار، يعني لا يعني أن كل الرحلات فيها فوائد، نعم فيها متعة من جهة، لكن يبقى أن بعض الرحلات بعض الرحالة، يعنى بأمور حقيقة إماتتها أفضل من ذكرها، وقد يرتكب في رحلاته بعض المخالفات، فيسطر هذه المخالفات، ويشهد الناس عليها، وهذا موجود في المتقدمين والمتأخرين، يعني رحلة ابن بطوطة مشحونة بالأمور المخالفة لتوحيد الإلهية، لا يعني أننا إذا مدحنا هذه الرحلات أن الرحلات كلها نافعة، لا، لكن رحلات أهل العلم، أهل الورع أهل التقى لا شك أنها نافعة.

الساسة أيضاً لهم نصيبهم من هذه المنافع، بحيث يبحثون ويتباحثون ما يصلح شئون رعاياهم، وللعامة أيضاً ما يناسبهم من منافع، ولذلك جاءت المنافع نكرة، ونكرة في سياق الامتنان، فدلت على عموم هذه المنافع.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، ولعلنا نكتفي بهذا، على أن نعد الإخوة والأخوات -بإذن الله- أن نستكمل ما تبقى من شرح هذا الحديث في كتاب الحج في حلقة قادمة.

أيها الإخوة والأخوات كنا وإياكم مع صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شرح بداية حديث ابن عباس رضي الله عنهما في كتاب الحج من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

نستكمل -بإذن الله- في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكراً لطيب متابعتكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 9