المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاحتجاج بالقدر لا يمنع من أخذ الحق - شرح العقيدة الطحاوية - ابن جبرين - جـ ٢٩

[ابن جبرين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح العقيدة الطحاوية [29]

- ‌مراتب القدر

- ‌العلم والكتابة

- ‌الإرادة والخلق

- ‌التسوية بين المشيئة والمحبة هي منشأ الضلال في القدر

- ‌الفرق بين المشيئة والإرادة

- ‌القدرية والجبرية لا يثبتون إلا الإرادة الكونية

- ‌مذهب أهل الحق في خلق أفعال العباد

- ‌حكمة الله في خلقه ومشيئته لما يكرهه ولا يرضاه

- ‌ابتلاء المؤمنين بمجاهدة الشرور وبغض أهلها

- ‌إظهار كمال قدرة الله تعالى

- ‌ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة

- ‌الشرور المرادة لله نظراً لما تفضي إليه من الحكمة هل تكون محبوبة له من هذا الوجه

- ‌الشر يرجع إلى عدم الخير وهو من هذه الجهة شر لا من جهة وجوده المحض

- ‌كل ما أوجده الله فهو خير بالنسبة إليه تعالى

- ‌إيضاح أن خلق الشرور ليس شراً بالنسبة إلى الله

- ‌الحكمة من تقدير الشر بخذلان المنافقين عن الخروج للجهاد

- ‌هل يحب العبد الشر ويرضى به من جهة أنه مراد لله واقع بمشيئته

- ‌شبهة من يقول: إذا خالفت أمر الله فقد وافقت مراده

- ‌على العبد أن يستحضر أنه مكلف مختار

- ‌ما يرضى به من قضاء الله وما لا يرضى به

- ‌نرضى بقضاء الله ولا يلزم الرضا بكل مقضي

- ‌الاحتجاج بالقدر لا يمنع من أخذ الحق

- ‌الأخذ بالأسباب

- ‌التحذير من الوسوسة والتشكك في القدر

الفصل: ‌الاحتجاج بالقدر لا يمنع من أخذ الحق

‌الاحتجاج بالقدر لا يمنع من أخذ الحق

فعلى كل حال يلزمنا الرضا بكل ما قضاه الله وقدره، ولا يلزمنا الرضا بكل مقضي ومخلوق ومقدر وجوده في العالم، بل نسخط المعاصي ولو كانت قضاء وقدراً، وننكر على من فعلها ونلومه، وإذا احتج بالقدر لم يمنعنا ذلك من أخذ الحق منه، كما ذكر أن عمر رضي الله عنه لما رفع إليه سارق وأمر بقطع يده فقال: هذا قدر الله، فقال:(سرقت بقدر الله ونقطع يدك بقدر الله) ، فهو بذلك يعرف أن هذا مأمور به، فنحن مأمورون بكذا وأنت فعلت كذا وكذا.

ولما خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام وأقبل على أذرعات الشام، ذكروا له أن الطاعون قد وقع في الشام، فشاور الصحابة هل يقدم الشام أو لا يقدم؟ فاختلفوا، فمنهم من قال: لا تذهب إلى الشام ومعك هؤلاء الذين هم صفوة الصحابة فتعرضهم للموت، ومنهم من قال: إن هذا شيء مكتوب فلا تفر بهم ولا ترجع، ولكنه عزم على الرجوع، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم.

نفر من قدر الله إلى قدر الله.

أي: نقول إن الله تعالى قدر لنا أن نرجع وما كتب لنا أن نذهب، فنحن إذا رجعنا ففي قدر الله أننا نفر من قدر الله إلى قدر الله، ثم ضرب مثلاً وقال: أرأيت لو كان لك إبل وذكر لك واديان: أحدهما مخصب والآخر مجدب، ثم إنك اخترت واحداً منهما، أليس بقدر الله؟ أي: لو دخلت الوادي المجدب المقحط الذي ليس فيه رعي، ثم قيل لك: إن هاهنا وادياً أخصب وشعباً مخضراً، وفيه أعشاب وفيه رعي؛ فذهبت إليه، أليس ذهابك إليه بقضاء الله وبقدره؟ الله تعالى هو الذي قدر لك أن تسلك هذا، ثم اختار لك أن تسلك هذا، فهكذا إذا رجعت من مكان مخوف، فليس ذلك هرباً من قضاء، بل الله هو الذي قدر عليك هذا القضاء والقدر، وقدر عليك أنك ترجع أو لا ترجع، وإذا كان الله تعالى قد كتب على الإنسان أنه يموت بسبب، فلا بد أن يصل إليه الموت في أي مكان.

روي أن إنساناً وقع الطاعون في بلاده، فلما ذكر له ذلك ركب حماراً وتوجه إلى بلاد أخرى، وفي أثناء الطريق سمع هاتفاً يقول: لن يسبق الله على حماري قد يصبح الله أمام الساري فتوقف واستمع قليلاً ثم إنه نزل في ذلك المكان وأصابه الطاعون فمات، ولم يغنه فراره ولا هربه.

ص: 23