المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة: في أهمية دراسة السيرة النبوية لفهم حقيقة الإسلام الحمد لله رب - الإهتمام بالسيرة النبوية باللغة الروسية

[إلمير بن روفائيل كولييف]

الفصل: ‌ ‌مقدمة: في أهمية دراسة السيرة النبوية لفهم حقيقة الإسلام الحمد لله رب

‌مقدمة:

في أهمية دراسة السيرة النبوية لفهم حقيقة الإسلام

الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". (1)

ربما لا تجد إنسانا لا يهتم من قريب أو بعيد بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم. فأتباعه ومحبوه يؤمنون بأنه رسول الله وخاتم النبيين وخير البشر، فضَّله الله بخُلُقه وصفاته الحميدة، وأن سنته هي الطريق الوحيد إلى رحمة الله والنجاة من النار. أما أعداؤه ومخالفوه فيرونه سياسيا عبقريا حيث استطاع في مدة قصيرة أن يؤسس حضارة عظيمة مازالت تذهل عقول ذوي الألباب، وتحافظ على خصائصها الأصلية، وتؤثر بشكل واضح في بقية الحضارات والأديان.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مثلا حيا لمكارم الأخلاق، ومعلما حكيما، ومربيا حليما، وكان أسوة حسنة لكل رشيد وتقي، وكان لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؛ وعليه فإن طاعته هي طاعة لله تعالى كما قال سبحانه وتعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ} [النساء: 80] .

بلَّغ الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة ربه وبينها وترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وعلَّم أصحابه كيفية تطبيق الأحكام

(1) البخاري في الأدب المفرد / برقم 273، أحمد في المسند (2/381) والحاكم في المستدرك (2/613) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي وانظر الصحيحة (1/112) برقم (45) وصححه والسنن الكبرى للبيهقي (10/191) .

ص: 1

القرآنية، ووضح لهم أسرارها ودقائقها، كما علمهم المنهج الحكيم في طرائق التصرف في أعوص القضايا. قال تعالى:{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] .

واهتم علماء المسلمين بدراسة السيرة النبوية والسنة لأنها وحي من عند الله ومصدر ثان للتشريع الإسلامي، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لايحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه". رواه أحمد وأبو داود. (1)

وقد ألَّف المتقدمون والمتأخرون من العلماء كتبا كثيرة في السيرة النبوية، معتمدين على الأحاديث والآثار الصحيحة حتى يتسنى للمسلمين الفهم الصحيح لكتاب الله الذي على أساسه يمكنهم حل المشاكل التي تواجههم في كل زمان ومكان.

ومن المناسب في هذا الصدد أن أشير إلى بعض الفوائد من دراسة السيرة النبوية من خلال أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله:

أولاً: إن المتأمل في السيرة النبوية يدرك أولا حقيقة الدين الإسلامي المتمثل في عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تحقيقا

(1) مسند أحمد (4/130) ، سنن أبي داود (4604) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2643) .

ص: 2

لمعنى الشهادتين.

ثانياً: يشعر بأهمية تزكية نفسه بالعقيدة الصحيحة والعمل الصالح وتهذيبها بتقوى الله والصلاح والزهد متأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: يعي ضرورة الدعوة إلى الصراط المستقيم ويتعلم كيف يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويميز بين ما ينفعه وما يضره، ويصبر ويثابر من أجل بلوغ الهدف، ويبدأ دائما بالأهم فالأهم، ويتحلى بالتأني ولا يتهور، ولا يقنط من رحمة الله.

رابعاً: يتيقن بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ينقل عن ربه الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه. قال الشيخ السعدي في تفسيره: " فمن عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة، وعرف سيرته وهديه قبل البعثة، ونشوءه على أكمل الخصال، ثم من بعد ذلك، قد ازدادت مكارمه وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين، فمن عرفها، وسبر أحواله، عرف أنها لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين، لأنه تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم "(1) اهـ

خامساً: تجعله يحب الرسول صلى الله عليه وسلم لصفاته الحميدة وأخلاقه العظيمة وأفعاله الحكيمة؛ فإن حبه من أعظم القربات إلى الله. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون

(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص 46) .

ص: 3

أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". رواه البخاري ومسلم. (1) وروى البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر". (2)

سادساً: تجعله يحب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه فما بدلوا وما غيروا، وبذلوا النفس والنفيس في سبيل تبليغ دعوة الحق إنقاذا للبشرية من الكفر والضلال، وكانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم، فإن حبهم من دلائل صدق الإيمان. وقد جاء في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار". (3)

سابعاً: تعينه على الثبات في الدين وتجعله يعيش مع الرعيل الأول تلك الصعوبات والمحن التي لقوها، بهذا يتعلم الصبر في الشدائد، كما ثبَّت الله قلب رسوله صلى الله عليه وسلم بقصص الأنبياء السابقين حيث قال الله تعالى:{وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120] . وقال الشيخ السعدي في

(1) صحيح البخاري 15، صحيح مسلم (44) .

(2)

صحيح البخاري (6257) .

(3)

صحيح البخاري (17) .

ص: 4

تفسير هذه الآية: "أي قلبَك ليطمئن، ويثبت، وتصبر، كما صبر أولو العزم من الرسل؛ فإن النفوس تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتزيد المنافسة لغيرها، ويتأيد الحق بذكر شواهده، وكثرة من قام به"(1) .

ثامناً: يتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم تحقيقا لقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب، 21] .

تاسعاً: يتخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم التي مصدرها القرآن الكريم كما جاء في حديث زوجته أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ قول الله عز وجل {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] . رواه أحمد والطبراني في الأوسط. (2)

عاشراً: تسهل عليه فهم بعض دقائق الشريعة في العبادات والمعاملات كما تُعَدُّ عاملاً مساعداً لفهم القرآن الكريم بمعرفة أسباب النزول والظروف الواقعية التي كانت تحيط بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وخلاصة القول أن دراسة السيرة النبوية لها أهمية كبيرة في فهم الإسلام للمسلمين ولغيرهم. وقد أثبت علماء المسلمين أن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نقلت إلينا بدقة وبأسانيد صحيحة، مما يلزم المسلمين أن يعتمدوا عليها في أمورهم الدينية والدنيوية.

(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص 348)

(2)

مسند أحمد (6/91) ، والمعجم الأوسط (1/30) .

ص: 5

وعلى غرار علماء المسلمين فالسيرة النبوية يدرسها المستشرقون كذلك، حيث إنهم يقومون بالتحليل الدقيق لأخبار أصحاب السير من عدة وجوه، ولكن إقبالهم يختلف اختلافا تاما عن إقبال المسلمين. إن بحوثهم المتحاملة عادة متوجهة لإنشاء فكر وتصور مشوه عن الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذلك كان – ولا يزال - علماء المسلمين ينتقدون ويردُّون على هذا التوجه في الثقافة الغربية المسمى بالاستشراق.

في قاموس اللغة الإنجليزية الصادر من جامعة أوكسفورد أن اصطلاح الاستشراق ظهر في عام 1870م لأول مرة. (1) ولكن الدراسات عن الإسلام وجدت قبل هذا التاريخ. حيث بذل المستشرقون جهودا عظيمة في فهم سر نجاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وخصائص الدين الإسلامي، وأسباب تأثيره البالغ في عقول الناس. في هذا المجال ينقسم المستشرقون إلى قسمين: منهم الغلاة الذين لا يستعملون طرقا علمية في كتاباتهم، فيحرفون حقيقة الدين الإسلامي وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم مَنْ ظاهرُه الاعتدال، فيركزون على الشبه والتأويلات البعيدة في شرح الأحكام الشرعية والأخبار التاريخية بما يؤيد مذاهبهم، وأكثرهم مثل جوليان بولديك (Julian Baldick) ، تجدهم يعرضون شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم كأنها مبهمة. (2) وفي كلا القسمين أهل الكتاب، والملحدون الذين لا يؤمنون بوجود الخالق، وعلى هذا الأساس يختلفون في وجهات نظرهم في مسائل متباينة، ولكن جُلَّهم تجمعهم عدة نظريات متحاملة تمنعهم من الفهم الصحيح للدين الإسلامي:

(1) كتاب محمد وسيرته المختصرة لمرتين فورورد (ص 147) .

(2)

المصدر نفسه.

ص: 6

- منها أنهم يرون الحضارة الغربية مثلا أعلى للمنطق والعدل والتطور والإنسانية، ويرون الإسلام مثلا للجهل والأمية والظلم والتخلف؛ مما يجعل الإنسان يبتعد عن عقائد المسلمين ومنهج حياتهم.

- ومنها أنهم يحسبون الأفكار المجردة لعلماء الغرب عن الإسلام أكثر عدالة من شهادات المسلمين أنفسهم عن دينهم ومجتمعهم في مختلف مراحل تطوره.

- ومنها أنهم يزعمون أن المسلم لا يمكنه أن يُقَوِّم دينه بغير انحياز على عكس ما يقوم به باحث مستقل.

- ومنها أنهم يشعرون بخطر عظيم من الدين الإسلامي والمسلمين؛ لذا يرون أن من واجبهم تعليم المسلمين منهج حياة حضاري، وتخليصهم من القيود الدينية، والتأثير المباشر في مجريات الأمور في العالم الإسلامي.

وكل هذه النظريات طَبَّقها المستشرقون الروس والسوفيات في مؤلفاتهم، وقد أسسوا مدرسة للاستشراق لا يستهان بها. واليوم تملك هذه المدرسة تقاليد عريقة، وتقوم بدور مهم في تكوين أفكار قراء اللغة الروسية عن الإسلام. وسوف نقوم، بعون الله تعالى، في هذا البحث بإلقاء الضوء على بعض هذه المؤلفات.

ص: 7