المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرد على الاستدلال بقوله تعالى: (إنا جعلناه قرآنا عربيا) - شرح العقيدة الطحاوية - ناصر العقل - جـ ٢٧

[ناصر العقل]

الفصل: ‌الرد على الاستدلال بقوله تعالى: (إنا جعلناه قرآنا عربيا)

‌الرد على الاستدلال بقوله تعالى: (إنا جعلناه قرآناً عربياً)

قال رحمه الله تعالى: [وأما استدلالهم بقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف:3] فما أفسده من استدلال].

يقصد هنا استدلال الذين قالوا بخلق القرآن وعلى رأسهم المعتزلة والجهمية، وكل من تكلم في خلق القرآن ممن جاءوا بعد هاتين الفرقتين عالة عليهما، حتى المحدثين إلى يومنا هذا، وقد انبرى أحد رءوس البدعة في العصر الحاضر وألف كتاباً قال فيه بخلق القرآن وأنكر الرؤية والشفاعة، وكفر فيه أهل الكبائر، وهذا الكتاب متداول بين طلاب العلم، أسماه الحق الدامغ، وقد حشاه صاحبه بشبهات المعتزلة في خلق القرآن، بل نقل أقوالهم ومصطلحاتهم بحروفها وجعلها مستنداً له في القول بخلق القرآن.

فالشاهد: أن الذين قالوا بخلق القرآن بعد المعتزلة هم عالة على المعتزلة، ولم يأتوا بجديد، وكل أقوالهم وشبهاتهم وردهم للأدلة واستدلالهم الباطل كله مبني على أصول المعتزلة الباطلة من كتبهم ومما قالوه وناظروا به، فالذين أنكروا نزول القرآن وأنه منزل من الله عز وجل وأن الله تكلم به وقالوا بخلق القرآن هؤلاء هم المعتزلة والجهمية، وكل من جاء بعد المعتزلة والجهمية في مسألة القول بخلق القرآن عالة على الجهمية والمعتزلة فيما قالوه، حتى صاحب الكتاب الذي ألف كتاب (الحق الدامغ) وزعم أن القرآن مخلوق وأنكر أن يكون كلام الله، فقد جاء بأدلة المعتزلة على نحو ما قلته في مسألة الرؤية.

فالمسألة واحدة، فكما أنه أنكر الرؤية في كتابه، كذلك زعم أن القرآن مخلوق، وحشد أقوال المعتزلة، ولم يكن يخرج عنها في استدلالاتهم العقلانية ولا في ردهم للنصوص وإيرادهم للشبهات.

وهذه المسألة أعطاها من حجم هذا الكتاب أكثر من حجم الكلام على الرؤية والكلام عن مسألة الشفاعة والقول بأن مرتكبي الكبائر كفار.

قال رحمه الله تعالى: [فإن (جعل) إذا كان بمعنى (خلق) يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1]، وقوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبياء:30 - 31] وإذا تعدى إلى مفعولين لم يكن بمعنى (خلق)، قال تعالى:{وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:91]، وقال تعالى:{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224]، وقال تعالى:{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر:91]، وقال تعالى:{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء:29]، وقال تعالى:{وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الإسراء:39]، وقال تعالى:{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف:19] ونظائره كثيرة.

فكذا قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف:3]].

(جعل) تأتي على معنيين، فإذا جاءت متعدية إلى مفعولين فهي بمعنى صير وحكم، وإذا جاءت متعدية إلى مفعول واحد فإنها تعني الخلق، وكل ما ورد في شأن القرآن بلفظ (جعل) فهو بمعنى (صير)، لا بمعنى (خلق).

ص: 8