الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد يقول قائل: في قوله عليه الصلاة والسلام: ((رب مبَلغٍ أوعى سامع)) أنه قد يأتي من يفهم النصوص ممن تأخر زمنه أفضل من فهم وأوعى من فهم من تقدم زمنه، هذا الكلام يُسلَّم أو ما يُسلَّّم؟
((ربَ مبَلغٍ أوعى من سامع)) لكن قد يسلم شيء من هذا إذا كان مرد ذلك إلى الفهم، وما يدخله الفهم، أما هذا الباب، باب الغيبيات لا يدخله الفهم، فلا بد من اتباع السلف في هذا، هذا لا يدخله الفهم، قد يقول قائل: إن السلف مثلاً -في مسألة يدخلها الفهم من الأحكام العملية مثلاً- قد يقول قائل: أن السلف فهموا من هذه الآية فهماً، وهي تدل على حكم شرعي، ثم جاء بعدهم من فهم غير هذا الفهم؟
نقول إذا اختلف السلف في شيء، وصار لهم أقوال، إذا اتفقوا على شيء لا يجوز مخالفتهم إطلاقاً، لا فيما يدخله الفهم ولا ما لا يدخله الفهم إذا اتفقوا، ولا يجوز إحداث قولٍ جديد لم يقل به السلف، حتى قال أهل العلم: أن السلف إذا اختلفوا على قولين أو ثلاثة، لا يجوز إحداث قول ثالث أو رابع؛ لأنه خروجٌ عما اتفق عليه السلف في الجملة.
إذاً كيف نفهم حديث:
((رب مبلغٍ أوعى من سامع))؟:
قد يكون هذا السامع فهم من هذا النص شيئاً، ثم بلغ هذا النص شخصاً آخر فهم منه غير هذا الفهم، وهو أفضل من فهم من تقدم، لكن موافق لفهم بعض من تقدم، قد يكون فهم الثاني يخالف فهم الأول للنص مع الاتحاد في الحكم، كلاهما يتفقان على الحكم، لكن مأخذ الحكم من هذا النص يختلف فيه هذا عن هذا، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، يعني يأتي المتأخر ويذكر حديثاً يستدل به استدل به من قبله من الأئمة، ثم يبدي وجه استدلال أوضح مما أبداه مَن قبله، هذا موجود وإلا غير موجود؟ موجود، يعني لو نظرنا في المجموع للنووي، أو في المغني لابن قدامة، تجدهم يستدلون بأدلة استدل بها الأئمة، لكن يبدون وجه استدلال قد لا يبديه من تقدم قبلهم، لكنهم مع ذلك لم يختلفوا في الحكم مع الأئمة، ولذا بعضهم يقول: أنه ((رب مبلغٍ أوعى من سامع)) أن المتأخر يفهم من النص حكم يختلف عما فهمه المتقدم.
لا، لا يخرج عن دائرة فهم من تقدم، لكنه هذا المبلغ زيد بلغ عمراً، فهم عمرو من هذا النص غير ما فهمه زيد، واختلف معه في الحكم، لكن وافق غيره من العلماء، فلا يجوز لنا أن نحدث قول جديد غير ما فهمه السلف.
وللمتأخر أن ينظر في النصوص، لكن ليس له أن يحدث أقوال جديدة لم يقل بها من تقدمه، لا سيما في مواطن الإجماع، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني لو أتينا بمثال ماذا نقول؟ ماذا نقول؟
مثال كررناه مراراً لا مانع أن نذكره هنا؛ لأنه واضح، حينما نأتي إلى مسألة البروك، كيف نفهم البروك؟ يعني لو فهمنا مثل فهم ابن القيم على العين والرأس، وفهم غيره أيضاً لا يعطل، وثقتنا بابن القيم وبعلم ابن القيم يعني شيء متقرر في النفوس ومعروف، ولو الإنسان يستدرك على هؤلاء الجبال، يقول ابن القيم: أن الحديث انقلب على راويه؛ لأنه لا يمكن أن يقدم يديه قبل ركبتيه فيكون عاملاً بصدر الحديث؛ لأن الحديث: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) رأى ابن القيم أن هذا الحديث عجزه ينقض صدره؛ لأنه إذا قدم يديه قبل ركبتيه برك مثل البعير، ولذا يقول ابن القيم إن الحديث انقلب على راويه، يعني ما قال جمعٌ غفير من أهل العلم أن السنة تقديم اليدين قبل الركبتين؟ وأيش مقتضى هذا؟
مقتضى هذا أن يكون الحديث مقلوب، يعني كيف يتصور أن الإنسان يقدم يديه قبل ركبتيه ولا يبرك مثل ما يبرك البعير؟
الأئمة عملوا بالحديث، ولا أبدوا لنا وجه لاتفاق بين صدر الحديث وعجزه، لكن ما يمنع أن نفهم نبحث، أيش معنى البروك؟ في الأصل أيش معناه؟ يعني لو قدم ركبتيه بقوة ما نقول برك؟! برك عمر -رضي الله تعالى عنه- بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم برك، هل برك مثلما برك البعير؟ برك على ركبتيه كما في الحديث الصحيح، برك على ركبتيه بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام هل معنى ذلك أنه كل من قدم يديه قبل ركبتيه نقول برك؟ أو كل من نزل بقوة على الأرض نقول برك؟ نعم، كل من نزل بقوة نقول برك، لكن إذا نزل برفق وطمأنينة نقول برك وضع يديه قبل ركبتيه يكون الحديث متفق، هل نكون بهذا أحدثنا قول جديد؟ أو فهمنا الخبر ولم نأتي بقول المسبق إليه في الحكم نفسه، قد يكون التعليل موجود عند المتقدمين ما أبدوه، ونكون حينئذٍ فهمنا من الحديث ما يجعله متسق، عجزه يشهد لصدره، فالممنوع أن ينزل الإنسان بقوة على الأرض سواءً قدم يديه وإلا قدم ركبتيه، لا يبرك مثلما يبرك البعير بحيث يثير الغبار، ويفرق الحصا، ويخلخل البلاط، أحياناً تسمعون إذا نزل بعض الناس حتى على ركبتيه يكون بروكه أشد من بروكه على يديه لو نزل عليهما، ويبقى أن الحديث لا قلب فيه، وآخره يشهد لأوله، ولا فيه أدنى إشكال؛ لأن الحديث:((وليضع)) لا يبرك يعني لا ينزل بقوة، لكن يضع يديه قبل ركبتيه.
الأمر الثاني: أنه لا يمكن موافقة بروك البعير بأي وجه من الوجوه إلا بالنزول بالقوة؛ لأن مجرد تقديم اليدين على الركبتين وأنت واقف، هل هذا يشابه بروك البعير الذي من الأصل يديه على الأرض؟ هل تكون مشابهة للبعير وأنت واقف يديك ليست على الأرض؟ هو يديه على الأرض من الأصل البعير.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا لا ركبتيه ولا شيء، هذا القول ما يخدم المصلحة، لا هذا القول ولا الثاني، المقصود أن البعير من الأصل يديه على الأرض، فلا يمكن مشابهة الإنسان للبعير في الصورة بحال من الأحوال، ما يمكن مشابهته؛ لأن الإنسان واقفٌ، ويداه على صدره، هذا الأصل، وأما البعير في الصورة يداه على الأرض من الأصل، فليست فيهما مشابهة بالصورة، لكن المشابهة المنهي عنها النزول على الأرض بقوة مثل ما يفعل البعير، نحن فهمنا الحديث على هذا الفهم، هل نقول: أننا أتينا بجديد، واخترعنا قولاً لم يقل به أحد؟ القول بتقديم اليدين على الركبتين قول معروف عند أهل العلم، الحكم متقرر عند أهل العلم، لكن كوننا فهمنا العلة، وقد فهمها من قبلنا، وهذا يلزم كل من صحح الحديث أن يقول بهذا القول، كل من صحح الحديث ورجح تقديم اليدين على الركبتين يلزمه أن يقول بهذا القول، وإلا أيش معنى البروك؟ يعني كوننا لم نطلع على أحد قال بهذا القول معناه أننا أحدثنا في الدين ما لم يقل به سلف هذه الأمة، الإشكال في إحداث حكم شرعي لم يقال به من قبل، هذا الإشكال، أما كوننا نفهم .. طيب اختلف السلف في فهم آية:{وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [(279) سورة البقرة]{وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} يعني هل معنى هذا أن لنا رأس المال وقت الدخول في التجارة أو وقت التوبة؟ يعني كون الإنسان يرجح أحد الوجهين الذين تحتملهما الآية أو الحديث لا يعني أنه أحدث قولاً جديداً، لكن لا يأتي بفهمٍ يترتب عليه حكم شرعي غير مسبوق إليه.
طالب:. . . . . . . . .
هذه مسألة مثل ما ذكرنا –خلافية- منهم من يقول: أنه ما دام الخلاف موجود والممنوع مخالفة الإجماع فلا مانع من أن نحدث قول ثالث، أو نلفق بين القولين قولاً ثالثاً، لا مانع من هذا، ومنهم من يقول: لا بد أن يتقيد بما جاء عن سلف هذه الأمة في الأحكام، فلا يحدث قول، ولا يلفق بين قولين، مسألة معروفة في أصول الفقه.
المقصود أننا ملزمون بفهم السلف، ولا يجوز لنا الخروج عن فهمهم، لا سيما في باب الغيبيات التي لا تدركها العقول والآراء، وأما في المسائل التي تدركها الآراء، ومردها إلى الاجتهاد فإن لنا أن نجتهد، وباب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة، فيمن توفرت لديه الأهلية، لكن يبقى أنه لا يحدث حكم لم يسبق إليه، أو يبتدع قولاً أو يبتدع عبادة أو شيء لم يسبق إليه.
طالب:. . . . . . . . .؟
هو الأصل لو لم يوجد من يسأل ما تُطرق إلى هذه المسائل؛ لأن التوسع فيها يفتح للأوهام آفاق، لكن ما دام وجد من يسأل لابد من الرد عليه، وجدت شبهة لا بد من كشفها، شيخ الإسلام أورد شبهات في شرح حديث النزول وأجاب عليها، وإذا كان اقتضى ذلك في عصر شيخ الإسلام ففي عصرنا من باب أولى؛ لأن الشبهات الآن دخلت على العوام في بيوت المسلمين، فلا بد من كشفها؛ لأن القائل .. يعني سيأتي في أحاديث النزول بسطه إن شاء الله تعالى، القائل يقول: إذا كان الثلث الأخير في المشرق الذي يليه الثلث الأوسط من الليل، وفي المغرب الثلث الأول، فإذا انتقل من المشرق من المغرب صار ثلث أخير، ثم ينتقل إلى المغرب ثلث أخير، فعلى هذا يكون الليل كله ثلث أخير، لا بد من الإجابة على هذا، فيكون مقتضى الحديث أن الله -جل وعلا- نازل في الليل كله، وهذا لا يمكن أن يقال به؛ لأنه يترتب عليه تعطيل العلو والاستواء، وما أشبه ذلك، لكن لا بد من كشف هذه الشبهات، وإذا تصورنا في المخلوق مثل هذه الأمور الدقائق التي لا يمكن أن يسلم الشخص إلا بالتسليم المطلق في المخلوقات فكيف بالخالق؟
يعني يرد علينا في بعض ما يحدث في مخلوق ما يقتضي أننا لا بد في النهاية نسلم، وضربنا مثال ما جاء في الصحيح أن الشمس تسجد تحت العرش في كل ليلة، تحت العرش وتستأذن في كل ليلة، طيب ألا يلزم من ذلك أنه يخلو عنها مدارها في وقتٍ من الأوقات، والمتقرر عند علماء الهيئة وغيرهم أنها في مدارها، أربعة وعشرين ساعة، تطلع على هؤلاء وتغرب عن هؤلاء إلى آخره، ومع ذلكم نجزم بأنها تسجد تحت العرش، ونقول سجود حقيقي؛ لأنه هو الأصل في التعبير، هو الأصل في النصوص الحقيقة، فلا بد من التسليم، وما جاء عن الله ورسوله كله حق، ولا يمكن أن يأتي في النصوص الصحيحة الصريحة شيءٌ من التعارض والتباين، بل هي متحدة متسقة، وما جاء من مختلف الحديث، وما ظاهره التعارض، إنما هو بالنسبة لما يظهر للمجتهد، وإلا في حقيقة الأمر لا تعارض ولا اختلاف، كل حديثين متعارضين في الظاهر لا بد من الجمع بينها إذا كانا صحيحين، وإلا يحكم على أحدهما بأنه راجح والآخر مرجوح، والمرجوح عند أهل العلم يسمونه -إذا لم يمكن الجمع- يسمى الشاذ عند أهل العلم المرجوح.
نأتي إلى النصوص، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(4) سورة الحديد] يعني المجموع السماوات والأرض في ستة أيام {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} بعد أن يخلق السماوات والأرض استوى على العرش، لكن هل معنى هذا أن السماوات والأرض قبل العرش، أو أنه خلق العرش ثم لم يتم الاستواء عليه إلا بعد أن خلق السماوات والأرض هذا مقتضى العطف بثمَّ، معروف أن أول المخلوقات العرش، والخلاف ذكرناه فيما سبق في آيات الاستواء في الأول العرش أو القلم في قول ابن القيم:
والحق أن العرش قبلٌ لأنه
…
وقت الكتابة كان ذا أركان
فالعرش متقدم على الجميع، فعلى هذا الترتيب زمني وإلا ذكري؟ \
طالب:. . . . . . . . .
استواء ذكري وإلا زمني؟
الطالب:. . . . . . . . .
لا، ما يمنع أن يكون العرش قبل ثم السماوات ثم الاستواء بعدهما.
الطالب:. . . . . . . . .
هم يقولون: ترتيب ذكري ما يلزم منه الزمن {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ} [(4) سورة الحديد] يعني ما يدخل في الأرض، يعلم ما يلج في الأرض مما ينزل من فوق، من العلو، من مطرٍ وغيره، يعلم ما يدخل في هذه الأرض وما يخرج منها من نباتٍ ونحوه، كل هذا يعلمه الله -جل وعلا- لا يخفى عليه منه شيء، لا قطرة ماء ولا أدنى ما ينبت من الأرض وما يخرج منها، {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء} من ينزل من السماء يعلمه الله -جل وعلا-، {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} يعرج فيها وإلا يعرج إليها؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يعرج إليها؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
ما يعرج فيها، نحن بين أمرين: إما أن نضمن العروج معنى الدخول؛ لأن الدخول يعدّى بـ"في" أو نضمن الحرف معنى "إلى" فنقول ما يعرج إليها أو ما يدخل فيها، وأيهما أولى تضمين الفعل أو تضمين الحرف؟
عند شيخ الإسلام تضمين الفعل أولى، تضمين الفعل معنىً يتعدى بالحرف نفسه، {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ} وهذا هو الشاهد، يعني مع كونه مستوٍ على عرشه، مع كونه -جل وعلا- مستوياً على عرشه هو معكم، {أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [(4) سورة الحديد] يعني مبصر لأعمالكم، فهو معكم ببصره، بعلمه، بسمعه، فهو يعلم ويسمع ويبصر ما تعملون، ومقتضى ذلك أنه إذا كان معنا، إذا استحضرنا مثل هذا النص لا بد أن تكون منزلة المراقبة لله -جل وعلا- عاملة عملها فينا، وهي مرتبة الإحسان، إذا كان الله -جل وعلا- معنا يسمع كلامنا ويبصر أعمالنا {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [(4) سورة الحديد] ويسمع كلامنا، ويرانا أين ما كنا، وهو معنا أين ما كنا، فلا بد أن نراقبه، لا بد من أن نراقب الله -جل وعلا- في جميع أعمالنا، وهذه مرتبة الإحسان التي هي: أن تعبد الله -جل وعلا- كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
في قول الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل
…
خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
لا هي نونية "يراني".
وإذا خلوت بريبة في ظلمة
…
والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحِ من نر الإله وقل لها
…
إن الذي خلق الظلام يراني
يعني أيش الدرس العملي الذي نستفيده من مثل هذه الآية؟ إذا كان الله -جل وعلا- معنا أينما كنا ويرانا، يرى أعمالنا ويبصرنا ويسمع كلامنا أين ما كنا في أي مكان كنا، سواءٌ كنا ضاحين للشمس وضح النهار، أو كنا في ظلمة الليل، أو في ظلمات ثلاث، أو أكثر، الله -جل وعلا- يعلم ذلك كله، ومقتضى ذلك أن نراقبه في جميع أعمالنا وأقوالنا، وفي جميع تصوراتنا.
وقوله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(7) سورة المجادلة].
{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى} ما يكون كان هنا تامة وإلا ناقصة؟ تامة ما تحتاج إلى مبتدأ وخبر -اسم خبر- ما تحتاج إلى هذا، إنما هي بمعنى يوجد، {مَا يَكُونُ} ما يوجد {مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ} والأصل أن هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، ما يكون من ثلاثة نجوى، يعني يتناجون إلا والله -جل وعلا- رابعهم.
والنجوى الكلام سراً، هذه هي النجوى، {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} -جل وعلا- رابعهم بعلمه، بحيث لا يخفى عليه شيءٌ من نجواهم، {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} لأنه لم يذكر إلا الأعداد الفردية، ما ذكر الأشفاع، ثلاثة وخمسة، ولا أدنى من ذلك، يعني أدنى من ثلاثة اثنين، إلا هو ثالثهم، ولا واحد يتحدث إلى نفسه إلا والله -جل وعلا- يطلع على ما يختلج في صدره {وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} سواءٌ واحد أو اثنين أو أربعة {وَلَا أَكْثَرَ} ستة، سبعة، عشرة، مائة، لا تشتبه عليه اللغات، ولا تلتبس عليه الأصوات، يعني لو قدر أن الملايين، نحن يمرُّ علينا شيء من هذا، لو تصورنا مثلاً المطاف وهو كضيض بالزحام، وكل واحدٍ يتكلم بكلام يختلف عن كلام غيره، وأحياناً لا يسمعه من بجواره، ولغات مختلفة ومطالب متعددة لا يخفى على الله -جل وعلا- شيء من لغاتهم، ولا لهجاتهم، ولا من مطالبهم وحاجاتهم إضافة إلى سائر من على ظهر المعمورة -جل وعلا-، {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} العدد المذكور ولا أكثر منه {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} أينما كانوا في أي مكان كانوا {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يخبرهم بما عملوا، هو معهم لا يظن العامل عمل السوء أنه يخفى على الله -جل وعلا- ولا يظن المتكلم بكلامٍ لا يرضي الله -جل وعلا- أنه يخفى على الله، ولا يظن أيضاً، بل لا يظن من عمل أي عملٍ أنه يخفى على الله، أو يتكلم بأي كلام، لا بد أن ينبئه الله -جل وعلا- بما حصل منه يوم القيامة، فإن كان خيراً جازاه عليه، وإن كان شراً عاقبه عليه أو عفا عنه {أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقت الحساب يقررهم، ((ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه يوم القيامة، ليس بينه وبينه حجاب وليس دونه ترجمان)) بدون ترجمان، {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(7) سورة المجادلة] وهذه من الألفاظ العامة المحفوظ عمومها، خلافاً لمن يقول: أنه لا يجهل، لكن لا يثبت له صفة العلم، أو يقول من الفلاسفة: أنه