الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقيدة الواسطية
بيان ما أثبته الله لنفسه من الصفات من السنة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا سؤال يقول: ذكرتم في الدرس قبل الماضي أن عيسى بن مريم عليه السلام سينزل في آخر الزمان ويكسر الصليب، يقول: ويقتل المسيح الدجال؟
يقتل الخنزير، وأما المسيح الدجال فإنه يذوب كما يذوب الملح في الماء.
ومن معه، هذا ثابتٌ في السنة المطهرة، ونؤمن فيه، ولكن الإشكال الذي وقع عندي هو رفضه للجزية، وهي مقررة في شريعتنا؟
رفضه الجزية؛ لأنه لا يقبل إلا الإسلام، فلا يبقى دين إلا الإسلام، فيرفض الجزية ولا يقبلها.
ولكن الإشكال الذي وقع عندي هو رفضه للجزية، وهي مقررة في شريعتنا -مقررة بالكتاب والسنة- هل نزوله على أنه نبيٌ ينصر الدين، ويكون من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم أو ناسخٌ لبعض التكاليف؟
مثل هذا لا يسمى نسخ، إنما هو حكمٌ مؤقت، ولا يسمى نسخ، حكم مؤقت إلى نزول المسيح عليه السلام ثم بعد ذلك يرتفع هذا الحكم، فالحكم المؤقت يرتفع بانتهاء وقته، ولا يسمى نسخاً، ويكون عيسى عليه السلام من الأتباع حينئذٍ، ولا يكون نبيناً يحكم بشريعته، وإنما يحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام.
والإشكال الثاني: في قوله عليه الصلاة والسلام: ((أنا خاتم الأنبياء والمرسلين)) كيف نوفق بينه وبين نزول عيسى صلى الله عليه وسلم بعده؟
عيسى عليه السلام لا ينزل على أساس أنه نبي، وإنما ناصرٌ لهذا الدين، وأما نبوته فهي متقدمة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام فمحمد عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء.
يقول أيضاً: في شرح الواسطية أتى الكلام على بعض الطوائف والفرق نأمل ذكر الحكم في حقهم، هل هم كفار أم مسلمين؟ وكذلك الحكم لعلمائهم المجتهدين والمقلدين وعامتهم، ومن كان عنده بعض الشيء من عقائدهم؟
هذا في نهاية الكتاب شيخ الإسلام رحمه الله يبين وسطية منهج أهل السنة، ثم بعد ذلك يذكر الطرفين؛ لأن في كل مسألة من مسائل الاعتقاد طرفين ووسط، فعنده مثلاً الخوارج والمعتزلة في طرف، والمرجئة في طرف وأهل السنة في الوسط، وعنده الرافضة في طرف والنواصب في طرف، وأهل السنة في الوسط، المقصود أن هذه الطوائف كلها ستأتي -إن شاء الله- ويفصل حكمها وحكم علمائها المنظرين لها، وحكم عوامهم، والعلماء الذين هم في حكم المقلدين يأتي -إن شاء الله تعالى- عند الكلام على هذه الطوائف في آخر الكتاب.
يقول: ما حكم مستحل الصغيرة؟
الصغيرة لا شك أنها ذنب ومعصية، ويأثم بفعلها، لكنها أخف من الكبائر التي لا تكفرها إلا التوبة، فالصغائر تكفرها الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة، واجتناب الكبائر مكفر للصغائر، فأمرها أسهل من الكبائر، لكن إذا ثبت تحريمها بدليلٍ قطعي بالكتاب مثلاً حينما يقول أهل العلم: أن النظر -نظر الرجل للمرأة- ليس بكبيرة، وإنما هو بصغيرة، ونظر المرأة إلى الرجل ليس بكبيرة، إنما هو من الصغائر، يعني هذا على سبيل المثال؛ لأن الضابط للكبيرة عندهم لا ينطبق عليها، وتحريمها تحريمٌ وسائل لا تحريم مقاصد، المقصود إذا قالوا مثل هذا فالذي يقول: نظر الرجل إلى المرأة جائز يكون مخالفاً لقول الله -جل وعلا-: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] والذي يجيز نظر المرأة إلى الرجال مخالفٌ لقول الله -جل وعلا- الثابت بالدليل القطعي: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] فالمسألة مخالفة دليل لا بالنظر إلى عظم الذنب وصغره، لا شك أن مرتكب النظر ما هو مثل مرتكب الزنا مثلاً، هذه كبيرة وهذه صغيرة هذا من حيث الذنب والجرم، لكن يبقى أن مرتكب هذا مخالف النص القطعي مثل مخالف النص القطعي، فلنا في المعصية أكثر من نظر، نظر إلى حجم المعصية ونظر إلى قدر المعصية الذي نهى عن هذه المعصية، يعني قد يوجد معصية دليلها ليس بقطعي بحيث ينازع فيه بعض أهل العلم بأن الدليل ليس بصريح في الدلالة ليس بقطعي الدلالة على المدلول، أو ثبوته ليس بقطعي، فيجيزه بعض أهل العلم، هذا لو استحله شخص هل هذا مثل من يستحل ما ثبت تحريمه بالدليل القطعي ولو لم يكن كبيراً؟.
الله -جل وعلا- يقول: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} تقول: لا، يجوز، ليكن النظر دقيق والتفريق بين الأمرين ليكن ظاهر بين طلاب العلم، يعني هناك دليل لا بد من ثبوته، فإذا ثبت إما أن يكون ظنياً موجباً للعمل، وموجباً للترك إذا كان نهي، وهذا لا إشكال فيه، هذا يوجب ولو لم يثبت بدليلٍ قطعي، يعني لو لم يكن من القرآن المتواتر السنة، هذا يجب العمل به عند جميع من يُعتد بقولهم من أهل العلم إذا صح، أو إذا وصل إلى درجة القبول ولو كان حسناً، هذا لا ينازع في وجوب العمل به أحدٌ ممن يُعتد بقوله، لكن مخالفته ما هي مثل مخالفة الدليل القطعي، أما ما ثبت بدليلٍ قطعي بحيث لا يكون للنظر فيه مجال، يعني هل يجتهد شخص في وقتٍ من الأوقات أن النظر إلى المرأة الأجنبية جائز؟ يمكن؟ وفي الحديث الصحيح:((اصرف بصرك)) وسئل عن نظر الفجأة فقال: ((لك الأولى وليست لك الثانية)) المقصود أن النصوص صحيحة وصريحة في تحريم النظر إلى المرأة والعكس، فارتكاب هذه المعصية ما هو مثل ارتكاب الكبائر، هذا من جهة، لكن مخالفة النص القطعي في تجويز مثل هذا العمل الذي أمر الله بتركه، يعني أمر الله -جل وعلا- بغض البصر، يعني ترك النظر، فمخالفة هذا مثل:{وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَى} [(32) سورة الإسراء] مثله؛ لأن هذا النص ثابت من الله -جل وعلا- وهذا ثابت، والمخالفة لأمر الله -جل وعلا- هنا وهناك، والارتكاب لما نهى الله عنه -جل وعلا- هنا وهناك، فما ثبت بدليل قطعي استحلاله خطرٌ عظيم، هذا إذا كان محرماً وتحريمه إذا كان حلالاً خطرٌ عظيم، يعني من يحرم الخبز مثلاً عند أهل العلم يكفر؛ لأنه دلت الدلائل القطعية على إباحته، لكن من يحرم -مثلاً الثعلب أو الهدهد، أو أي شيء من المختلف فيه- فإن الدلالة عليه ليست قطعية، يعني تحريم الهدهد أخذه بعض العلماء من النهي عن قتله، لكن هل النهي عن قتله صريحٌ في تحريم أكله مثل صراحة:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور]؟
لا، ففي مسائل تكون الدلالة عليها ليست بصريحة، يعني ليست بقطعية، حينئذٍ للنظر فيها مجال، ولذا يختلفون تجدون الخلاف بين أهل العلم ظاهر فيها، هناك مسائل الدلالة فيها قطعية، وحينئذٍ لا مجال للنظر فيها.
طالب:. . . . . . . . .
ينبغي أن نفرق بين النظر المقصود لشخصٍ بذاته وتكرار النظر إليه، وبين النظر إلى المجموع، يعني لو أن امرأة خرجت من المسجد، ورأت الناس يخرجون من المسجد بالمجموع، هل هي مأمورة بتغميض عينيها، هي منهية عن أن ترسل بصرها بشخصٍ بعينه منهية عن ذلك، يجب عليها أن تغض بصرها عنه، لكن تنظر إلى المجموع مجموع الناس، وهم خارجون من المسجد أو داخلون إليه، وكذلك الرجل، هذا ما فيه إشكال، النظر إلى المجموع غير تحديد النظر في شخصٍ بعينه هذا هو الذي يورث الشهوة، وهو الذي يوجد الفتنة، أما النظر إلى المجموع ما أحد يأمر الرجل ولا المرأة بأن يغمض عينيه، ولذا جاء أن النص {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} تبعيض لا تغميض.
طالب:. . . . . . . . .
إذا جاء تحريمها بالنص القطعي الذي على إثره لم يختلف فيها أهل العلم؛ لأن عندنا ثبوت ودلالة، تثبت بالنص القطعي، لكن دلالتها غير قطعية، وقد تكون الدلالة قطعية والثبوت غير قطعي، لو قال شخص: والله إن صلاة العيد ما هي بواجبة، وقال الثاني: إلا واجبة، دليلنا قول الله -جل وعلا- وقطعي الثبوت:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] نقول: نعم، الثبوت قطعي لكن دلالته على صلاة العيد ليست بقطعية، ظنية، فللنظر فيها مجال، فإذا ثبت النص القطعي في ثبوته ودلالته فلا يجوز مخالفته بحال، ومخالفته خطرٌ عظيم، بل يصرح بعضهم بكفره.
يبقى أنه إذا كان النص يدل على الكراهة لا على التحريم، النص ولو كان قطعي الدلالة قطعي الثبوت لكنه يدل على كراهة، لا يدل على تحريم، أهل العلم يقولون: أن الأصل فيه أنه تحريم؛ لأنه نهي، ويوجد صارف يصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة، فمثلاً النهي عن الشرب قائماً ((من شرب قائماً فليقئ)) يعني هذه أمرٌ شديد، يعني لو لم يرد في الباب إلا مثل هذه النصوص لقلنا: أن الشرب قائماً محرم، لكن ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام شرب من زمزم قائماً، وشرب من شن معلق قائماً، المقصود أنه ثبت ما يصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة، لو قال أحد: حلال يجوز الشرب قائماً، والنصوص صحيحة في المنع منه، بل الأمر بالقيء لمن شرب قائماً ثابت، هذا ينتابه وجهات النظر؛ لأن أهل العلم يقولون: شربه عليه الصلاة والسلام قائماً دليلٌ على الجواز، والجواز لا ينافي الكراهة؛ لأنه لا يعاقب على فعله، فإذا قال: أحدٌ إن الشرب قائماً جائز ولو كان النص صحيح وصريح في الدلالة لكن لوجود المعارض الذي به صرف من التحريم إلى الكراهة جعل في الأمر شيئاً من السعة، بخلاف النهي ولو كان المنهي عنه ليس بكبيرة، لكن النهي لا صارف له من جهة، ودلالته قطعية وثبوته قطعي، هذا الأمرٌ خطير.
قد يقول قائل: مثلاً إن قول الله -جل وعلا-: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] عائشة نظرت إلى الحبشة، وفاطمة بنت قيس قال لها النبي عليه الصلاة والسلام:((اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك)) يعني: هذا يخفف، يجعل النظر في الجملة ليس من الكبائر، وإن كانت الدلالة والقوة في الآية لولا ما ورد فيها، ولولا الضابط الذي جعله أهل العلم للكبائر لا ينطبق عليها إلا مع الإصرار، إذا كان ديدنه إرسال النظر بين محارم المسلمين أو العكس، إذا كان ديدن المرأة النظر في الرجال والتحديد في أعيانهم فهذا إصرار -نسأل الله السلامة والعافية- فلو يقول قائل مثلاً: فيه مندوحة، المسألة كلها صغيرة، وجاءت نصوص تدل على النظر، النظر الذي جاء في هذه النصوص المخالفة للآية أجاب عنها أهل العلم، فالجواب عن نظر عائشة ما تقدم ذكره؛ أنها لا تنظر إلى الأعيان تنظر إلى المجموع، والنظر إلى المجموع لا بأس به، ولا يورث أدنى فتنة، ولا يورث فتنة، لكن النظر إلى شخصٍ بعينه بحيث تقع صورته في قلبها وتتكرر معها وتكرر النظر في ذلك لا شك أنه محرمٌ ممنوعٌ بالآية.
وأما حديث: ((اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجلٌ أعمى)) لا شك أنه مأمون الجانب –الأعمى-؛ لأنه لا يرى، وهي تضع ثيابها بمعنى أنها تضع جلبابها عن نفسها، ومع ذلك لا يراها، فالخشية منه عليها مأمونة، يبقى هي نفسها مأمورة بما جاء في الآية:{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} فلا يجوز أن تنظر إليه نظرة شهوة أبداً.
طالب:. . . . . . . . .
خيلاء خيلاء
الطالب:. . . . . . . . .
يعني يحمل المطلق على المقيد؟ لا يحمل المطلق على المقيد للاختلاف في الحكم والسبب، وإذا اختلف الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، لكن للنظر مجال من جهة أن الحكم هنا ((ما أسفل من الكعبين
…
ففي النار)) هذا حكم، لكن الحكم الثاني ((من جرَّ ثوبه خيلاء)) حكمه أيش؟ مساوي أو أعظم؟ أعظم بكثير، فهذا له ما يخصه، وهذا له ما يخصه، فحكم هذا غير حكم هذا، اختلفا في الحكم، اختلفا أيضاً في السبب، سبب الإثم العظيم الخيلاء المقارنة للإسبال، وسبب كونه في النار مجرد الإسبال، فإذا اختلف الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد.
من أهل العلم من يرى أنه يحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة والحكم واحد كله تحريم، نظر إليها من هذه الحيثية لكن الحكم مختلف بلا شك، فلا يحمل المطلق على المقيد.
طالب:. . . . . . . . .
أبو بكر هل يتعمد ذلك؟ الأصل في إزاره أنه قصير، لكنه رجلٌ لا أرداف له يستمسك بها الإزار، وحينئذٍ إذا لم يتعاهده فإنه ينزل، أنت تشوف الآن في الإحرام، أو في السراويل؟ السروال عادي يعني إلى نصف الساق، لكن بعض الناس بعض الأحيان ينزل وهو ما يشعر، هل نقول: أن هذا يجره خيلاء أو إزاره تحت الكعب الذي لا يتعاهده؟ الرجل نحيف فإذا لم يتعاهد إزاره أو سرواله -الذي يشده هذا- ينزل، شعر أو لم يشعر، ثم بعد ذلك إذا عاد إليه ورفعه انتهى الإشكال، لا،لا هذا لا يدخل أبداً، الأمر الثاني: أن أبا بكرٍ شهد له النبي عليه الصلاة والسلام ومن مثل أبي بكر، يشهد له النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا قال لنا قال: أنا أسحب إزاري وأجره لكن من دون خيلاء، نقول: أنت زكيت نفسك؛ لأن هذا عملٌ قلبي لا يطلع إليه إلا الله -جل وعلا- فأنت حينئذٍ تزكي نفسك، لكن لو زكاك معصوم كالنبي عليه الصلاة والسلام قبلناه مثل ما زكى أبا بكر، فالفرق كبير بين الاثنين.
الطالب:. . . . . . . . .
يدل على أن كل إسبال مخيلة، من الخيلاء، يدل على أن كل إسبال من الخيلاء، لكن الواقع يدل على التفريق، بأن هناك من يجرُّه مجرد جر، نعم هو قرينة على أنه مخيلة، ولو كان كل إسبال مخيلة لما اختلف الحكم، لكنه قرينة على أنه إذا جر ثوبه عرف أنه في نفسه شيء.
إثبات الصفات من السنة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه؛ وما وصف الرسول به ربه من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ )) متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته)) الحديث متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم:((يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخلُ الجنة)) متفق عليه، وقوله-صلى الله عليه وسلم:((عجب ربنا من قُنوط عباده، وقرب غِيَره ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب)) حديث حسن .. ".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلما انتهى المؤلف -رحمه الله تعالى- من بيان ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه من الصفات في كتابه المنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام ثنَّ بما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام من صفاتٍ لله -جل وعلا-.
قال -رحمه الله تعالى-:
"فصل": الفصل في عرف أهل العلم يجعل فيما يفصل بين أمرين بينهما شيءٌ من التغاير من وجه وتوافق من وجه، تغاير من وجه وتوافق من وجه، فالتغاير عندنا باعتبار أن ما تقدم من الكتاب، واللاحق من السنة، والتوافق أن دلالة كل منهما واحدة، ومدلول كل واحدٍ منهما واحد، وهو الصفات لله -جل وعلا- المثبتة في الكتاب بالنسبة لما تقدم، وفي السنة بالنسبة لما ذكره بعد هذا الفصل.
والترتيب عند أهل العلم أن الفصل يأتي في المرتبة الثالثة، في ترتيب أهل العلم للمسائل العلمية، فيبدأون بالكتاب -هذه الترجمة الكبرى- ثم بالباب، ثم بالفصل.
وشيخ الإسلام الكتاب المعنون بالواسطية، ولا كتب داخل هذا الكتاب، بينما كثيرٌ من كتب أهل العلم فيها كتب داخل الكتاب الأصلي، ففي كتاب صحيح البخاري سبعة وتسعون كتاباً، وفي ضمن كل كتاب أبواب، بعضها يزيد عن المائة، وبعضها ينقص عن العشرة، وهكذا.
المقصود أن الترتيب عند أهل العلم -العرف العلمي الجاري عندهم- أن ترتيب المسائل العلمية يُبدأ فيها بالكتاب، ثم الباب، ثم الفصل، ثم بعد ذلك تلحق مسائل وتتمات وتذييل، وما أشبه ذلك لهذه الفصول.
وترتيبهم يتفاوت من كتاب إلى آخر، كل مؤلف له اصطلاحه، وإذا عرف الاصطلاح وبين فلا مشاحاة في الاصطلاح؛ لأنها كلها أمور اصطلاحية، لكن هل تجدون من أهل العلم من يضع الفصل ثم يفرع عليه كتب؟ لا ما يوجد هذا، لكن قد يوجد فصول بدون أبواب، يوجد أبواب بدون فصول، يوجد أبواب بدون كتب، ممكن لكن يعكسون؟ ما يعكسون هذا العرف.
فصلٌ: هو ما يحجز بين أمرين أي: يفصل بينهما، وعرفنا أن بينهما اختلاف من وجه، واتفاق واتحاد من وجه، وعرفنا وجه الاختلاف ووجه الاتحاد.
"فصلٌ: ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
"ثم" العطف على أيش؟ في أول الكتاب قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، بعد هذا: ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة يؤمنون بما وصف الله به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام في سنته، فالعطف بعد هذا الكلام الكثير من النصوص القرآنية التي تثبت الصفات عَطَف، والعطف في مثل هذا مع طول الفصل، يعني الأسلوب المتبع أن يعاد المعطوف عليه لطول الفصل، لكن هنا ظاهر، يعني في متنٍ أُلف للحفظ بحيث يستظهره طالب العلم، فلا يعزب عن باله المعطوف عليه، وإلا لو كان كلاماً إنشائياً كخطبة مثلاً أو مقامة، أو أي مقطوعة أدبية مثلاً يطول فيها الفصل يعاد المعطوف عليه؛ لأنه بصدد أن ينسى إذا طال الفصل، وهنا متنٌ ألف للحفظ فلا يعزب عن بال طالب العلم المعطوف عليه.
"ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم": يعني ثم يؤمنون بما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصف الله به نفسه على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام.
العطف هنا لا شك أنه يقتضي الترتيب، والترتيب عند أهل العلم بالنسبة للمصادر -مصادر التلقي- عند أهل السنة الكتاب بالدرجة الأولى ثم السنة بعده، وهذا من جهة باعتبار شرف الكلام، لا شك أن منزلة السنة بالنسبة لشرف الكلام منزلتها متراخية عن منزلة الكتاب، بمعنى أن الكتاب لفظه متعبدٌ به، تلاوته عبادة، لكن شخص يقرأ في السنة لا للعمل ولا للعلم إنما يقرأ كما يقرأ في أي كتاب عادي لا ينوي بذلك العلم ولا العمل يؤجر وإلا ما يؤجر؟ لا يؤجر، لأنها غير متعبد بتلاوتها، بخلاف القرآن، فمن حيث الشرف -شرف الكلام- ومن حيث شرف النسبة إلى المتكلم مرتبة السنة متراخية عن مرتبة القرآن، وإلا فالأصل أن الكل من عند الله، وما ثبت في السنة حكمه كما ثبت بالقرآن، فالسنة مصدر مستقل من مصادر التشريع، ومصدر من مصادر التلقي عند أهل السنة يثبتون ما تفيده السنة كما يثبتون كما يفيده القرآن على حد سواء.
نعم في كلامهم ما يدل على أن القرآن مرتبته أعلى، ولذا يقولون: آحاد السنة أو السنة عموماً يطلقون يقولون: السنة لا تنسخ القرآن، كيف لا تنسخ القرآن وهي وحيٌ يوحى من عند الله -جل وعلا؟
يقولون: الله -جل وعلا- يقول: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [(106) سورة البقرة] إذاً لا بد أن نأتي بخيرٍ منها، ولن يكون الحديث خير من القرآن، ولن يكون مثله، وإنما نأتي بخيرٍ منها من كلامنا أو مثلها، فهذا يستدلون به على أن السنة لا تنسخ القرآن، وجمعٌ من أهل التحقيق يقولون: الكل من عند الله، والرسول عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، فالسنة بما في ذلك آحادها تنسخ القرآن، لكن يعوز ذكر المثال السالم عن المعارض، يعوز في مثل هذا المثال السالم عن المعارض، يمثلون بحديث عبادة بن الصامت:((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)).
قد جعل الله لهن سبيلاً إشارة إلى قول الله -جل وعلا- في سورة النساء: {حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [(15) سورة النساء] قالوا: الحديث نسخ الآية، والحديث آحاد، فيذكرونه مثال في مثل هذا الموضع.
والمعارض يقول: هذا ليس بنسخ إنما هو بيان، يعني حكم مؤقت ثم جاء بيانه بهذا الحديث، والبيان يصلح بالآحاد من قوله أو فعله عليه الصلاة والسلام يصلح به البيان.
على كل حال الكل شرع، والكل من عند الله، فلا يقول قائل: تبعاً لما قرره أهل العلم في هذه المسألة أن ما ثبت بالسنة فيه خيرة لأحد، أبداً، والله -جل وعلا- أنزل على عبده الكتاب والحكمة -على محمد عليه الصلاة والسلام الكتاب والحكمة {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [(2) سورة الجمعة]{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [(34) سورة الأحزاب] والحكمة هي السنة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:((ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)) ليس المجال مجال نقاش في حجية السنة أبداً، أو هي محل تردد عند أحد ممن يعتد بقولهم من أهل العلم، نعم، بعض المبتدعة -بعض المخذولين- شككوا في السنة، وأوجدوا شبهات، ولم يعملوا بالسنة، وصار ذلك مدخل لهم في نفي كثير مما أثبته الشارع، فالخوارج يقولون: بيننا وبينكم كتاب الله، ولا يرون غير كتاب الله.
المعتزلة وكثيرٌ من طوائف المبتدعة لا يعملون بالآحاد لا سيما في هذا الباب باب العقائد، والقصد من كلامهم هذا إبطال ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام فليس الحديث معهم، وإنما الحديث مع من يتدين بحجية السنة، وهو قولُ عامة أهل العلم الذي يُعتد بقولهم.
"ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم": والسنة في اللغة: الطريقة، وفي الاصطلاح -اصطلاح أهل العلم- ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير أو وصف.
هذه هي السنة، ما أضيف إلى النبي عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل أو وصف.
يقول -رحمه الله تعالى-: "فالسنة"
الفاء هذه.
طالب. . . . . . . . .
لا، إذا قيل: الكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ جاء لمعنى، فالاسم.
طالب:. . . . . . . . .
تفريعي، يعني يتفرع مما تقدم أو ينبني على ما تقدم، وبعضهم يسميها الفصيحة، وهي التي تأتي في جواب شرط مقدر، إذا كان الأمر كما قلت: فالسنة تفسر القرآن، يعني أنها تشرحه وتوضح القرآن؛ لأن القرآن في كثيرٍ من أحكامه إجمال، وعدم وضوح، فالنبي عليه الصلاة والسلام وظيفته البيان، يعني إذا نظرنا إلى أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، يعني لو لم ينزل علينا إلا ما في القرآن بالنسبة للصلاة كيف نصلي؟ أمرنا بالصلاة، وبينت المواقيت على وجهٍ لا يسلم من إجمال أيضاً، لكن من أين أعداد الصلوات وركعات الصلوات وكيفيات الصلوات وأركانها وشروطها؟ إنما جاء بيان ذلك بالسنة على لسان النبي عليه الصلاة والسلام السنة تفسر القرآن.
الرسول عليه الصلاة والسلام فسر الزيادة بالنظر إلى وجه الله عز وجل وفسر القوة {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] فسرها بالرمي ((ألا إن القوة الرمي)) وكثير من الألفاظ التي تحتاج إلى بيان جاء بيانها وتفسيرها بالسنة، الأحكام المجملة مثل ما ذكرنا في الصلاة، كثير من العبادات جاء إجمالها في القرآن والبيان بالسنة بفعله عليه الصلاة والسلام وبقوله، بالسنة القولية والفعلية، وتبينه وتدل عليه.
أيش معنى تدل عليه؟ أي أنها ترشد إليه أو تبين دلالته وتوضحها، فيعود إلى ما تقدم ومثله وتعبر عنه، يعني ما الفرق بين قوله: وتفسر القرآن وتبينه؟ تفسر المفردات، وتبين الإجمال، هذا ما فيه إشكال، لكن تدل عليه؟ هل هي بمعنى تبينه؟
طالب:. . . . . . . . .
نفس الكلام السابق، أو أنه إذا حصل التفسير وحصل التبيين حصلت الدلالة على القرآن والإحالة عليه؛ لأن الكلام المجمل إذا لم يبين كيف تدل عليه للعمل به والاستدلال به؟! ترون المسألة يعني تحتاج إلى نظر، والشيخ رحمه الله ممن يحسب للكلام حساب، ما يجازف، يعني الكلام المجمل {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [(43) سورة البقرة] يعني أنت لما تأمر شخص بهذه الآية مثلاً، وهو لا يعرف وجه للعمل بهذه الآية، يعني عامي مفترض أنه عامي ما يعرف كيف يصلي؟ ولا كيف يزكي؟ وأنت تستدل له من القرآن لا بد أن تبين له من السنة لتبين له وجه الدلالة من القرآن، تدله على وجه الدلالة من القرآن ببيان السنة، فعلى هذا تكون السنة تدل على القرآن، تدل المسلم على العمل بالقرآن؛ لأنه مجمل بعد أن بين بالسنة، وتعبر عنه، كيف تعبر عنه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني توافقه ولا تخالفه، بمعنى أن ما جاء في القرآن هو ما جاء في السنة دون مخالفة، فالسنة لا تخالف القرآن ولا تعارض القرآن.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى- ناظم الواسطية عبد الله بن عدوان، أشرنا إليه مراراً، يقول:
وسنة خير المرسلين محمدٍ
…
تفسر آيات الكتاب الممجدِ
تبينه للطالبي سبل الهدى
…
تدل عليه بالدليل المؤكدِ
تبين القرآن تفسر آيات الكتاب الممجد، وتبينه للطالبي سبل الهدى، هنا للطالبي: إعرابها جار ومجرور متعلق بتبين، وسبل؟ عندك للطالبي، لو قال للطالبين مضاف إليه، دليل أنه حذف النون من الطالبي، حذف النون.
نوناً تلي الإعراب
…
وتنويناً مما تضيف احذف
يعني: محذوفة عن الإضافة {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} [(35) سورة الحج] الإضافة هنا: للطالبي سبلِ، الطالبي مضاف وسبل مضاف إليه، وسبل مضاف والهدى مضافٌ إليه، وهنا المضاف مقترن بـ "أل" والمضاف إليه مجرد من "أل"، يجوز وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
يجوز، بإطلاق وإلا بشرط؟
طالب:. . . . . . . . .
بشرط أن تكون الإضافة لفظية لا محضة معنوية، وأن يكون المضاف إليه مقترن بـ "أل"، أو يكون المضاف إليه مضاف لمقترن بـ "أل" لا بد أن تكون الإضافة لفظية، لا تكون معنوية، فمثلاً عبد الله وعبد الرحمن لا يجوز أن يقترن عبد بـ "أل" على أي حال من الأحوال، لا يجوز بحال أن يقترن عبد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز وعبد المجيد؛ لأن الإضافة محضة معنوية، إذا كانت الإضافة لفظية لا بأس، لكن بشرط أن يكون المضاف إليه مقترن بـ "أل" أو مضاف لمقترن بـ "أل" وهنا مضاف لمقترن بـ "أل" للطالبي سبل الهدى، واضح؟
ووصل أل بذا المضاف المغتفر
…
إن وصلت بالثاني كالجعد الشعر
أو بالذي له أضيف الثاني
…
كزيدٌ الضارب رأس الجاني
ما في أحد بحث لنا عن النظم؟ في أحد بحث عنه؟ يعني العهد قريب، ومن. . . . . . . . . حول الرياض موطنه، ما هو بعيد، والشيخ ابن مانع ينقل منه بكثرة، الشيخ ابن مانع معاصر.
"وما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح":
أيش معنى الصحاح هنا؟
أولاً: عرفنا أن المبتدعة لا يقبلون أخبار الآحاد في العقائد؛ لأن دلالتها ظنية، والعقائد يقينية، فقول الشيخ رحمه الله:"من الأحاديث الصحاح" يفهم منه أنه لا يستدل بالأحاديث الحسان على الصفات على إثبات الصفات يفهم منه هذا وإلا لا؟
إنما الصحة أعم من الوصف الاصطلاحي، وإنما يراد بها ما يشمل الصحيح والحسن، يعني ما هو في دائرة القبول، وبعد ذلك التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول.
عرفنا أن الصحاح يعني لو حاسبنا الشيخ رحمه الله بدقة لقلنا: أنه لا يرى الأحاديث الحسان في هذا الباب، لكن عرف عنه من عادته وطريقته ومن خلال كلامه المضطرد في جميع مؤلفاته أنه يستدل بالحسان في إثبات الصفات بدليل ما هو. . . . . . . . . ، شوفوا حديث:((عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غِيَره، ينظر إليكم أزلين قنطين فيضل يضحك يعلم أن فرجكم قريب)) حديث حسن، فدل على أن الشيخ رحمه الله يثبت الصفة بالحديث الحسن، فلا يكون مراده بالحديث الصحيح الذي يخرج الحسن.
طالب:. . . . . . . . .
اعتبره من الصحيح.
طالب:. . . . . . . . .
ترى هذه مشكلة، بتطول المسألة؟ كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة بالذات سوف تطول؛ لأنه حمل الضعيف في كلام الإمام أحمد على الحسن، ومراد أحمد بقوله في قبول الضعيف في فضائل الأعمال؛ لأن شيخ الإسلام لا يرى العمل بالضعيف مطلقاً، فحمل كلام الإمام أحمد لئلا يخالفه، وليكون الكلام مضطرد على الحسن في اصطلاح الترمذي ومن جاء بعده، فجعل الحسن أو جعل الضعيف الذي ضعفه قريبٌ محتمل عند الإمام أحمد هو الحسن عند الترمذي ومن جاء بعده.
طالب:. . . . . . . . .
الإمام أحمد ماذا يقول: الإمام أحمد يقبل الضعيف في فضائل الأعمال، صح وإلا لا؟ وهذا قول جمهور أهل العلم، لكن شيخ الإسلام باعتباره لا يقبل الضعيف مطلقاً -الضعيف الاصطلاحي- لا يقبله مطلقاً، يقول: إن الإمام أحمد يقصد بالضعيف الحسن في اصطلاح الترمذي ومن جاء بعده، فعلى هذا الضعيف الذي أشار إليه الإمام أحمد هو الحسن، لكن هل هذا الكلام يستقيم؟
الطالب:. . . . . . . . .
هاه كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا شيخ الإسلام يقول: إن التقسيم لا يعرف في عهد الإمام أحمد إلى صحيح وحسن وضعيف، ما فيه إلا صحيح وضعيف، ما فيه إلا ثابت وغير ثابت، مقبول وغير مقبول، ما في قسم ثالث، لكن وجد التعبير بالحسن في كلام الإمام أحمد، وفي كلام الإمام الشافعي، وفي كلام الأئمة المتقدمين على الإمام أحمد، فكونه لا يوجد إلا في كلام الترمذي هذا فيه ما فيه، اللهم إلا إن كان قصد شيخ الإسلام أن الترمذي هو أول من شهره ونشر ذكره، وإلا يوجد في كلامهم الحسن، حتى موجود في كلام الشافعي قبل الإمام أحمد، في كلام علي بن المديني موجود، وفي كلام أئمة.
الأمر الثاني: مما يلاحظ على كلام شيخ الإسلام –رحمه الله أنه يؤدي، أو يقتضي أن الإمام أحمد لا يستدل بالحديث الحسن في الأحكام، وإنما يستدل به في الفضائل؛ لأنه يشدد في الأحكام، ويتساهل في الفضائل، فيقبل الضعيف، الضعيف يساوي -عند شيخ الإسلام- الحسن، إذن الإمام أحمد لا يستدل بالحسن في الأحكام، والمعروف عنه غير ذلك.
المقصود أن هذا الكلام –قصد الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه- بالأحاديث الصحاح يعني المقبولة، التي أعم من الصحة الاصطلاحية، التي تدخل الحسن في القبول، وهذا جارٍ على مذهب من لا يفرق بين الصحيح والحسن، كابن خزيمة وابن حبان وجمع من أهل العلم، لا فرق بين الحسن والصحيح عندهم، ما دام في دائرة القبول فهو صحيح.
انتهينا من كلمة الأحاديث الصحاح.
التي تلاقها أهل المعرفة بالقبول حينئذٍ يجب الإيمان بها، أيش معنى التلقي بالقبول؟ هل مراد شيخ الإسلام ابن تيمية بالتلقي بالقبول الذي يجعل الخبر مقطوعاً به وإن كان من الآحاد في الأصل؟ أو مراده الذي يقبله أهل المعرفة، ويحتجون به ويستدلون به؟ لأن التلقي بالقبول مرتبة فوق الصحة؟.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"وما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح".
عرفنا أن هذا اللفظ لا يخرج الحسان، اصطلاح البغوي -رحمه الله تعالى- حينما يقول: من الصحاح ومن الحسان، يعني يقسم كتابه إلى قسمين -أعني المصابيح- من الصحاح ومن الحسان، فالصحاح غير الحسان، لكن شيخ الإسلام رحمه الله لا يخرج الحسان بدليل أن قاعدته مطردة الاستدلال بالحديث الحسن في العقائد، وعرفنا مثال من الكلام الذي في هذا الفصل، وسيأتي في إثبات صفة العجَب أنه حديثٌ حسن، قال: حديث حسن، يعني بعد بضعة أسطر.
"الصحاح التي تلقها أهل المعرفة بالقبول".
هناك أحاديث تلقها أهل العلم بالقبول، بمعنى أنهم لم يختلفوا فيها، لا في ثبوتها ولا في دلالتها، فتلقوها بالقبول، وعملوا بها، وتتابعوا على قبولها والعمل بها، فمثلاً حديث ((الأعمال بالنيات)) تلقته الأمة بالقبول، حديث مثلاً:((لا وصية لوارث)) تلقاه العلماء بالقبول، هناك أحاديث نص أهل العلم على أن العلماء تلقوها بالقبول، فهل هذه الأحاديث هي مراد الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بهذا الكلام أو غيرها؟ أو أنه وصفٌ للصحاح؟ وصفٌ كاشف، تصريح بما هو مجرد توضيح، التي من شأنها أن يقبلها أهل العلم؛ لأن أهل العلم لا يقبلون إلا ما صح، إلا ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام يعني هل هناك فرق بين الاحتمالين؟
فرق، يعني الأحاديث التي تلقتها الأمة أو العلماء بالقبول -أهل المعرفة بالقبول- بمعنى أنهم لم يختلفوا فيها، أقل من الأحاديث التي تنطبق عليها الشروط -شروط القبول- عند أهل العلم.
ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- لما عرّف الصحيح، قال: وهذا هو الذي يجمع أهل العلم على قبوله، والعمل به، أيش معنى يجمعون؟
بمعنى أنه إذا توافرت الصفات الخمس يجمع أهل العلم على صحته والعمل به، لكن الاختلاف في قبول حديث تتوافر فيه هذه الشروط الاختلاف بينهم فيه؛ لأن بعضهم يصححه وبعضهم يضعفه في توافر هذه الشروط، يعني هل توافرت هذه الشروط؟ من الأئمة من يقول: نعم فيصحح، ومنهم من يقول: لا فيضعف، أما إذا توافرت واتفقوا على توافرها فإنهم يجمعون على صحته والعمل به.
وهنا نقول: لا يلزم أن يكون الحديث متفق على صحته، مجمع على صحته، وإنما إذا توافرت فيه شروط القبول التي يصحح بها أهل العلم الحديث ولو تجاذبته وجهات النظر في التصحيح والتضعيف، واضح وإلا ما هو واضح؟ واضح يا إخوان؟ هاه واضح.
الطلاب:. . . . . . . . .
أجيبوا بصراحة.
نعم يعاد؟ طيب:
عندنا شروط القبول التي هي: عدالة الرواة، وتمام ضبطهم، واتصال السند، والسلامة من الشذوذ، والسلامة من العلة القادحة.
فالأول المتصل الإسنادِ
…
بنقل عدلٍ ضابط الفؤادِ
عن مثله من غير ما شذوذِ
…
وعلة قادحة فتوذي
خمسة شروط، هذه الشروط إذا توافرت واتفق أهل العلم على توافرها في حديث؛ فإنهم لا يختلفون في تصحيحه، ولا العمل به، لكن قد تتوافر عند الإمام أحمد فيصححه وينازعه أبو حاتم، أو الإمام أحمد يحكم له بالاتصال، وأبو حاتم يقول: لا، مرسل، ينازعه، فهنا هل نقول: توافرت فيه شروط القبول؟ نعم، توافرت فيه شروط القبول عند الإمام أحمد، وأبو حاتم يقول: مرسل لم تتوافر فيه شروط القبول، الاتصال شرط غير متحقق، هذا عند الإمام أحمد صحيح، يجب العمل به، عند أبي حاتم ليس بصحيح مرسل لا يجب العمل به، هذا من يرجح قول الإمام أحمد يجب العمل به عنده، توافرت فيه شروط القبول عنده، لكن هل معنى هذا أنه تلقاه أهل العلم والمعرفة بالقبول؟
لا، بدليل أن أبا حاتم رده، قال: مرسل، فما تلقاه أهل العلم بالقبول، فهل المراد من كلام شيخ الإسلام "التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول" الأول وإلا الثاني؟ يعني أنه انطبقت فيه الشروط، ومن في نقده انطبقت فيه الشروط، الذي في نقده؛ لأن كل عالم ملزم بما يؤديه إليه اجتهاده، فأنت إذا نظرت في حديث تجد الإمام أحمد صححه؛ بناءً على أن شروط القبول توافرت عنده، وتجد أبا حاتم قد ضعفه بناءً على أن شروط القبول لم تتوافر عنده أو العكس.
هذا الحديث نستطيع أن نقول تلقاه أهل العلم بالقبول؟ لا، لكن تلقوه بالقبول باعتبار توافر الشروط فيه عند من يثبت عنده، فمن يثبت عنده يتلقاه بالقبول؛ لأن شروط القبول توافرت فيه، ثم بعد ذلك من يأتي بعدهم ممن لديه أهلية النظر إن ترجح عنده قول الإمام أحمد؛ لأنه لديه أهلية يستطيع أن يوازن بين الأقوال، إن ترجح عنده قول الإمام أحمد لزمه العمل به، وإثبات ما يتضمنه من حكم شرعي، إن ترجح عنده قول أبي حاتم مثلاً لا يلزمه العمل به؛ لأنه مرسل، والمرسل من قسم الضعيف.
فالتلقي بالقبول هنا لا يراد به تلقي الجميع، ولذا الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول -عند ابن الصلاح، وجمع من أهل العلم- تفيد القطع، ولو كانت في أصلها ظنية آحاد، لكنها لتلقي الأمة لها بالقبول أفادها القطع.
وابن حجر يقول: وتلقي الأمة للخبر بالقبول أعظم من تعدد الأسانيد وكثرتها؛ لأن الخبر إذا تلقي بين أهل العلم بالقبول، وما زال يعمل به العلماء، ويتلقونه ويتلقوه عنهم أتباعهم هذا يكفي، ولذلك تلقوا بعض الأحاديث التي لو أجريت عليها موازينُ النقد عند أهل العلم قد لا تثبت ((لا وصية لوارث)) لو بحثنا في أسانيده لوجدناه أقل من درجة القبول، لكن مع ذلك تلقي الأمة لهذا الحديث بالقبول ملزم، وابن حجر يقول: أن مجرد تلقي الأمة للخبر بالقبول أعظم من كثرة الأسانيد وتعددها وتباينها.
فننتبه لكلام الشيخ؛ لأنه الذي يفهمه على الوجه الآخر يترتب عليه نفي لكثير من الصفات، فمثلاً الحديث الذي قال عنه شيخ الإسلام أنه حديثٌ حسن ((عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غيَره)) هذا الأكثر على تضعيفه، فهل يكون مما تلقي بالقبول؟
لا، إذاً كيف يستدل به شيخ الإسلام؟! إنما توافرت فيه شروط القبول من وجهة نظره هو فيعمل به، الذي يخالفه ويضعفه لا يعمل به، وسيأتي أنه يوجد بدل هذا الحديث المتكلَّم فيه أحاديث كثيرة تثبت الصفة، في الصحيحين وغيرهما، وسيأتي هذا -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .؟
هو في معنى الإجماع، لكن لا يعطى حكم الإجماع، باعتبار أنه لو خالفه أحد، يعني لا يتأكد أن الأمة بكاملها عملت به، وإنما اشتهر واستفاض بين أهل العلم العمل به؛ لأن الإجماع منزلته قطعية عند أهل العلم.
الطالب:. . . . . . . . .؟
الخبر؟ الإجماع لا بد له من مستند، الخبر لا بد له من مستند.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.