الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقيدة الواسطية
مسألة النزول والجهة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا يسأل يقول: ما رأيكم في طبعة تفسير القرطبي تحقيق الدكتور التركي؟
تحقيق الدكتور التركي أنا ما رأيتها إلى الآن، وهي لن تخرج عن تحقيقاته للكتب الأخرى كالطبري مثلاً، والدر المنثور، يعزو إلى المصادر، ولكن دراستهم لأسانيد الأخبار والحكم عليها لا شك أن فيها قصور، لكنه يعزو ويصحح في الجملة أفضل من غيرها.
يقول: كيفية اختصار الكتب المطولة، هل يكون ذلك بتسطير المراد اختصاره، أم بتدوينه في الكراس، وإذا قمنا بتدوينه يأخذ وقت طويل فما الأفضل؟
يعني إذا كانت الكتابة تشق على بعض الناس فلا مانع أن يكون الاختصار بواسطة التقويس على المراد من الكتاب الأصلي.
يقول: هل يجوز للإنسان إذا كان يحفظ ويقول: عندما أنتهي من الحفظ سوف أراجع، ويترك المراجعة، ولكنه يقرأ حزبه إلا أنه لا يراجع فهل عليه شيء؟
جاء الوعيد بالنسبة لمن حفظ القرآن ثم نسيه، فعلى الإنسان أن يعنى بالمراجعة، والحفظ يتفلت، والقرآن على سبيل الخصوص ((أشد تفلتاً -وفي رواية- تفصياً من الإبل في عقلها)) فهذا ابتلاء للحافظ أنه إذا هجر نسي، فلا بد من المراجعة، ويجعل الإنسان له حزب يومي لا يخل به، ويجتمع له في المراجعة والتلاوة والتدبر أيضاً في آنٍ واحد.
وأنا أكرر يا إخوان أن جلوس طالب العلم على سبيل الخصوص من صلاة الصبح إلى انتشار الشمس هذا الوقت يكفيه للقرآن، حفظ ومراجعة وتلاوة، وتدبر ومراجعة لما يشكل في بعض التفاسير الموثوقة، يعني إذا أنفق للقرآن ساعة، ساعة ونصف من أول النهار إلى أن تنتشر الشمس، نقول: هذا يكفيه، وإن كانت المراجعة بالليل أفضل، لا سيما آخر الليل، لكن كثيرٍ من الإخوان، وهذا شيء مشاهد لا شك أن التفريط يفوت على الإنسان مصالح كثيرة، والمخالفات التي قلّ أن يسلم منها لا شك أن الإنسان يقيد عن قيام الليل بسببها، والله المستعان.
فإذا تيسر له أن يقوم من الليل ويقرأ حزبه، ويتدبر ويحفظ، ويراجع هذا أفضل بلا شك، لكن إذا لم يتيسر ذلك فالوقت الذي يلي هذا هو بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس، وبقية الوقت يكون للعلوم الأخرى.
يقول: هل يجوز للإمام إذا نسي آية ولم يجد من يرد عليه ينتقل إلى آية أخرى، أو يجب أن يركع؟
النبي عليه الصلاة والسلام لما ارتج عليه، وهو يقرأ في سورة المؤمنين، أخذته سعلة فما يستطيع متابعة القراءة ركع، وإذا جزم بأنه ترك آية وتذكر هذه الآية ولم يذكرها، وليس وراءه من يفتح عليه يركع، لا سيما إذا كانت قراءته السابقة لهذه الآية كافية.
وهذا أيضاً سؤاله قريب يقول: مسألة فقهية أشكلت علي، وهي إذا سها المصلي في صلاة الفرض، وعلم وهو في الصلاة ثم نسي سجود السهو، وقام للسنة بعد الصلاة، وهو في أثناء الصلاة -يعني صلاة السنة- تذكر، فكيف العمل؟ وإذا لم يعمل بالسهو إلا بعد الصلاة وهو يصلي السنة فما العمل؟
الآن يقول: إذا سها المصلي في صلاة الفرض، وعلم وهو في الصلاة، ثم نسي سجود السهو، وقام للسنة بعد الصلاة، وهو في أثناء الصلاة تذكر فكيف العمل؟ المقصود السنة؛ لأنه انتهى من الفريضة بسهوها الذي لم يسجد له ثم شرع في النافلة.
وإذا لم يعلم بالسهو إلا بعد الصلاة، وهو يصلي السنة فما العمل؟
هذا السؤال السهو منه الواجب، ومنه المستحب، أما المستحب لا أثر لتركه، وأما الواجب وهو الناشئ عن ترك ما تبطل الصلاة بعمده، إذا ترك ما تبطل الصلاة بعمده كالواجب يكون السجود حينئذٍ واجباً، لكن إذا سلم نسيه سلم فارق مكانه، أو انشغل بصلاة أخرى بعد أن كبر لها وشرع في قراءتها، ومضى على ذلك وقت وطال الفصل فإنه حينئذٍ يسقط، يترك لا يعود إليه لو طال الفصل.
يقول: هل الساحات الخارجية للحرم من المسجد؟ والصلاة فيها خلف إمام الحرم، ورؤية الإمام غير ممكنة وعدم تراص الصفوف، وكذلك الصلاة في المسعى هل هي صحيحة أم لا؟
الساحات التي خارج السور، سور الحرم، هذه ليست من المسجد، فلا يصح الاقتداء فيها مع وجود أماكن داخل المسجد، وأيضاً لا يصح الاعتكاف فيها، الساحات التي لا يشملها السور، وأيضاً المسعى على القول المرجح الآن أنه ليس من المسجد، ولم يدخل في المسجد بعد، لكن لو زيد في المسجد بحيث دخل المسعى فيه ودخلت هذه الساحات يختلف الحكم، لكن الآن ما زال المسعى خارج المسجد.
يقول: كيف أتدرج في علم الرجال وعلم البلاغة؟
أما بالنسبة لعلم الرجال فالممارسة إنما تكون بالنظر في الأسانيد، والحكم عليها من خلال كتب الرجال، فإما أن تقرأ في كتب الرجال، وتجعل لك كتاب يكون محور، كالتقريب مثلاً، ثم تراجع عليه ما هو أوسع منه، وتقارن بين أحكام الأئمة وحكم الحافظ في التقريب، ما تنتهي من التقريب إلا ولديك حصيلة طيبة من الرجال، أو تكثر من النظر في الشروح، شروح كتب السنة، وهم يترجمون للرواة، لا سيما منهم من يكرر هذه التراجم في كل موضع، كالقسطلاني مثلاً، ما تنتهي من شرح القسطلاني إلا وأنت عرفت رجال البخاري.
يقول: هل تأتي السنة مستقلة عن القرآن، أي تأتي بحكمٍ ليس له أصل في القرآن؟
أما كلمة أصل فما فرطنا في القرآن من شيء، الله -جل وعلا- يقول:{مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [(38) سورة الأنعام] فالكتاب شامل لكل شيء، هذا من حيث الأصل ومن حيث العموم، ويندرج تحت هذا الأصل فروع يعسر أخذها تفصيلاً من القرآن، فالسنة كفيلة بذلك، وهي المبينة وهي المفسرة وهي الموضحة، وفي السنة أحكام مستقلة لا توجد في القرآن إلا من حيث العموم.
هل المصحف كتاب الله؟
لم تتضح المسألة إلى الآن! القرآن كلام الله، والقرآن كتاب {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [(2) سورة البقرة]{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [(29) سورة ص] فالمقصود أنه كتاب، وإذا صحت تسميته بالكتاب بالنص فهو مضاف إلى الله -جل وعلا-، فهو كلامه وهو كتابه.
طالب:. . . . . . . . .
فصلنا في درسٍ مضى، وقلنا: أن الكلام كلام الباري، والصوت صوت القاري، والورق والجلد والمداد كلها من عمل المخلوق، كلها مخلوقة {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] لكن التوسع في مثل هذه الأمور يكرهها سلف هذه الأمة، إنما يقتصرون على أن القرآن كلام الله منزلٌ غير مخلوق، لا داعي للتفاصيل الزائدة اللهم إلا إذا بحثت المسألة من وجهها وتوسع فيها في درس أو في مجلس علمي لا مانع، أما النظر باستمرار بهذه الطريقة والتفصيل لا داعي له.
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو حصل ابتلاء أو امتحان في القرآن كما حصل في عهد الإمام أحمد رحمه الله وأراد أن الإنسان أن يوري وبيده مصحف قال: هذا مخلوق، ويريد بذلك الجلد والورق وأشباه ذلك لا شك أن التورية فيها مندوحة عن الكذب، وقول الباطل، ومن صبر على العزيمة فهو لا شك أنه أفضل.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ رحمه الله ذكر في مقدمة الفصل أهمية السنة، ومنزلة السنة من القرآن، وأنها تثبت بها جميع أبواب الدين، تثبت بها الأحكام والفضائل والعقائد وغير ذلك، متواترها وآحادها، تثبت بذلك العقائد والأحكام والفضائل والتفسير والمغازي، تثبت بها القراءة، وغير ذلك مما يحتاجه المسلم.
فهي مصدر كالقرآن من حيث أن الكل من عند الله، وأن السنة وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] من هذه الحيثية هي مثل القرآن، لكن العلماء يجعلون المنزلة والمرتبة دون باعتبار الثبوت، القرآن ثبوته قطعي، والسنة ليست مثله في قطعية الثبوت إلا ما تواتر منها، ولذلك يجعلون المصادر يرتبونها القرآن ثم السنة، وإلا فالأصل فيما لو صح الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام فلزوم العمل به كلزومه بالقرآن.
وعرفنا ما في هذه المقدمة من كلامٍ ووجهنا بعض كلام الشيخ -رحمه الله تعالى-، ثم ذكر الأمثلة على ذلك من السنة مما يثبت به الصفات.
فيقول:
"ومن ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ )) متفق عليه" والحديث في الصحيحين، هنا في البخاري في باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، وقال الله عز وجل:{كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] أي ما ينامون، {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [(18) سورة الذاريات].
قال رحمه الله: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ينزل)) في كتاب التوحيد في آخر الصحيح قال: ((يتنزل)) يعني رواية هذا الباب ينزل، وفي الرواية في آخر البخاري ((يتنزل)) ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)).
يقول الحافظ في شرحه:
"أورد المصنف حديث أبي هريرة في النزول من طريق الأغر أبي عبد الله وأبي سلمة جميعاً عن أبي هريرة، وقد اختلف فيه عن الزهري فرواه عنه مالك وحفاظ أصحابه كما هنا"
لأن الذي في الباب من طريق مالك رحمه الله.
"واقتصر بعضهم عنه على أحد الرجلين"
أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر، ولا مانع أن يجمع أكثر من راوي ويقتصر على واحدٍ منهم، أحياناً يجمعون وأحياناً يقتصر على واحدٍ منهم؛ لأنه تقوم به الحجة، وقد يروي البخاري عن اثنين كلاهما ثقة في موضعٍ واحد، يقرنهما، وأحياناً يفرقهما، فيروي في موضع عن واحد وفي الموضع الثاني عن آخر، وقد يروي عن ثقة ويقرن معه من هو دونه في الثقة، وقد يروي عن ثقة ويكني عن غير الثقة، فيقول حدثني فلان وآخر، وقد يروي عن ثقة وغير ثقة فيحذف غير الثقة ويقتصر على الثقة، وهذه طريقة متبعة عند الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.
"وقال بعض أصحاب مالك عنه عن سعيد بن المسيب بدلهما، ورواه أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري فقال: الأعرج، بدل الأغر فصحفه. وقيل: عن الزهري عن عطاء بن يزيد بدل أبي سلمة، قال الدارقطني: وهو وهمٌ، والأغر المذكور لقب، واسمه سلمان، ويكنى أبا عبد الله، وهو مدني، ولهم راوٍ آخر يقال له: الأغر أيضاً لكنه اسمه، اسمه الأغر وكنيته أبو مسلم، وهو كوفي".
يقول:
"وقد جاء هذا الحديث من طريق أيضاً أخرجه مسلم من رواية أبي إسحاق السبيعي عنه عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعاً مرفوعاً، وغلط من جعلهما واحداً، ورواه عن أبي هريرة أيضاً سعيد بن مرجانة وأبو صالح عند مسلم وسعيد بن المقبري وعطاء مولى أم صُبية بالمهملة مصغراً، وأبو جعفر المدني ونافع بن جبير بن مطعم كلهم عند النسائي، وفي الباب -يعني الشواهد-، عن علي وبن مسعود وعثمان بن أبي العاص وعمرو بن عبسة عند أحمد، وعن جبير بن مطعم ورفاعة الجهني عند النسائي، وعن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت وأبي الخطاب غير منسوب عند الطبراني، وعن عقبة بن عامر وجابر وجد عبد الحميد بن سلمة عند الدارقطني في كتاب السنة، وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة".
فالحافظ رحمه الله حينما ذكر هذه الشواهد لهذا الخبر ليبين أن الخبر متواتر، يعني من حيث الثبوت نحلف بأن النبي عليه الصلاة والسلام قال هذا الكلام. فثبوته قطعي لا إشكال فيه ولا مراء.
"قوله عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو عبد الله الأغر صاحب أبي هريرة أن أبا هريرة أخبرهما".
شوف المخالفات الآن التي بتيجي في كلام الحافظ؛ لأن كلام الحافظ أورد كلام المخالفين من الطوائف كلهم، ممن يتأول الحديث، وممن ينفي ثبوت الحديث، وممن ينكر صفة العلو لله -جل وعلا- وممن ينكر النزول، يعني جيت بكلام الحافظ؛ لأنه يمثل الطرف الآخر ممن ينكر ثبوت الحديث ذكرهم الحافظ، الحافظ رحمه الله لا يتردد في أن الحديث ثابت، وأنه مقطوع بثبوته عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأورد طرقه، وسيأتي كلام ابن العربي وغيره في هذا الحديث، ثم بعد ذلك
…
ولنا الصفة -التي هي صفة النزول- عند أهل السنة ثابتة لله -جل وعلا- ثبوتاً قطعياً بهذا الحديث وغيره هذا من حيث الثبوت، أما الكيفية فالله أعلم بها، ((ينزل ربنا -جل وعلا- إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل)) ويقول: ما يقول هذا لا إشكال فيه، نزولاً يليق بجلاله وعظمته ولا نستطيع أن ندقق في الكيفية ولا غيرها؛ لأن هذا أمرٌ غيبي لا يدرك إلا بنص ولا نص.
ولذا لما قال ابن بطوطة حينما دخل دمشق أنه رأى شخصاً كثير العلم قليل العقل يخطب على منبر جامع بني أمية في دمشق، ثم أورد حديث النزول، فقال: ينزل كنزولي هذا، ثم نزل من درج المنبر، هذا كلام ابن بطوطة، أهل العلم كذبوه في هذا، وأن شيخ الإسلام لا يمكن أن يقع في مثل هذا، والأمر الثاني مما يدل على أنه كذبٌ قطعاً، أن الشيخ في الوقت الذي دخل في ابن بطوطة دمشق كان في السجن، فدل على أن هذه فرية.
"قوله: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا)) استدل به من أثبت الجهة".
لأن النزول إنما يكون من جهة العلو، فهو في جهة العلو -جل وعلا-.
يقول: "استدل به من أثبت الجهة، وقال: هي جهة العلو".
وهذا هو المؤكد المحرر المحقق عند سلف هذه الأمة، وأحاديث العلو وإثبات صفة العلو لله -جل وعلا- الأدلة الدالة عليها لا تكاد تحصر، وابن القيم رحمه الله في نونيته ذكر كثيراً منها.
قال: "وهي جهة العلو، وأنكر ذلك الجمهور؛ لأن القول بذلك يفضى إلى التحيز تعالى الله عن ذلك".
أنكر ذلك الجمهور من الجمهور؟
طالب:. . . . . . . . .
الشيخ ابن باز رحمه الله علق على ذلك فقال: المراد بالجمهور جمهور أهل الكلام، وأما أهل السنة وهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان فإنهم يثبتون لله الجهة، وهي جهة العلو، ويؤمنون بأنه سبحانه فوق عرشه، فوق العرش بلا تمثيل ولا تكييف، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر، فتنبه واحذر، والله أعلم.
لا مانع من إثبات الجهة التي هي جهة العلو، العلو ثابتٌ لله -جل وعلا- بجميع أنواعه، علو الذات وعلو القدر، وعلو القهر، أنواع العلو كلها ثابتة لله -جل وعلا-.
يقول ابن حجر: "وأنكر ذلك الجمهور".
وعرفنا أن مراده بالجمهور جمهور المتكلمين؛ وإن كانت العبارة موهمة لكن عامة أهل العلم من سلف هذه الأمة كلهم يقولون: أنه في العلو.
"لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك، وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته، وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم".
لكن هؤلاء المثبتة إن أثبتوا أن نزوله -جل وعلا- كنزول المخلوق فكلامه صحيح هؤلاء هم المشبهة، وإن كان نزوله يليق بجلاله وعظمته من غير مشابهة للمخلوقات فهذا كلام أهل السنة.
"فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم، ومنهم الثاني: من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة".
يعني الإنكار مكابرة، ما دام الخبر ثبت وصح عن النبي عليه الصلاة والسلام فإنكاره لا شك أنه معاندة ومكابرة، ومحادة لله ورسوله.
"والعجب إنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك، وأنكروا ما في الحديث إما جهلاً، وإما عناداً".
يعني الأدلة التي تدل على العلو من الكتاب لا يستطيعون إنكارها، لكنهم أولوها، أما ما جاء في السنة فمن السهل جداً أن يقول المبتدع: هذا خبر آحاد، وخبر الواحد لا تثبت به العقائد، وينتهي، والله المستعان.
يقول: "والعجب أنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك، وأنكروا ما في الحديث إما جهلاً، وإما عناداً، ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال، منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه، وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة، والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم، ومنهم من أوله على وجه يليق مستعملٍ في كلام العرب، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف".
ولا شك أن التأويل الذي لم يدل عليه دليل تحريف للمعنى، وإن لم يكن تحريفاً للفظ.
يقول: "ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال، منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي عمن ذكر".
يعني الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم.
"ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف، ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب وبين ما يكون بعيداً مهجوراً، فأول في بعض، وفوض في بعض، وهو منقول عن مالك، وجزم به من المتأخرين بن دقيق العيد".
هؤلاء: "ومنهم من فصل بين ما يكون التأويل قريباً تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب، وبين ما يكون بعيداً مهجوراً"؛ لأن بعض التأويل يعني: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [(164) سورة النساء] فالتكليم مصدر كلَّم والمصدر ينفي المجاز عند أهل العلم، لكن تأويل التكليم عند بعضهم قالوا: كلَّمه يعني جرحه ((ما من مكلوم يُكلَم في سبيل الله)) يعني: يجرح في سبيل الله، فكلَّمه جرحه، قالوا: بأظافير الحكمة، لكن هل مثل هذا سائغ أو قريب؟ أبداً.
"وبين ما يكون بعيداًَ مهجوراً، فأول في بعض، وفوض في بعض، وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد.
قال البيهقي رحمه الله: وأسلمها الإيمان بلا كيف، والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه".
يعني لا بد من دليل عن معصوم؛ لأن هذه أمور غيبية لا تدرك بالرأي، ولا تستنبط من خلال السياق، ولا يدل عليها ما قبلها ولا ما بعدها، هذه أمور توقيفية.
"ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب، فحينئذ التفويض أسلم".
أيش معنى التفويض؟ التفويض أن تثبت الكلمة ((ينزل ربنا)) وتقرأها وتتعامل معها كتعاملك مع اللفظ الأعجمي، تقر باللفظ أنه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالله -جل وعلا-، ولا تفهم أكثر من ذلك، هذا تفويض، يعني تقبل الخبر لكن لا تعرف معناه، فضلاً عن كيفيته، فالفرق بين التفويض وبين التسليم الذي هو مذهب أهل السنة أن مذهب أهل السنة يقرون بمعرفة المعنى، المعنى له دلالة لغوية وله دلالة شرعية، له حقيقة لغوية، وله حقيقة شرعية، كما أن له حقيقة عرفية، فنفهم المعنى، لكن الكيفية التي حجبت عنا هذا الفرق وبين المفوضة، نعترف بأن له معنى، وندرك المعنى أيضاً استوى على صعد استقرَّ، لكن المفوضة يقولون: استوى، بس لا زيادة ولا نقصان، كأنك تنطق بكلام أعجمي، ما تفهم معناه، فهذا الفرق بين مذهب أهل السنة وبين المفوضة.
ولذا قال: "ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب، فحينئذٍ التفويض أسلم".
لا، مذهب أهل السنة والجماعة، مذهب سلف هذه الأمة وخيارها أسلم وأعلم وأحكم.
يقول:
"وسيأتي مزيد بسط في ذلك في كتاب التوحيد -إن شاء الله تعالى-.
وقال بن العربي: حكى عن المبتدعة رد هذه الأحاديث، وعن السلف إمرارها، وعن قوم تأويلها، وبه أقول".
فابن العربي هذا مؤول، ابن العربي المالكي أبو بكر صاحب أحكام القرآن، وصاحب العارضة، العارضة محشوة بالتآويل.
"قال ابن العربي: حكي عن المبتدعة رد هذه الأحاديث، وعن السلف إمرارها، وعن قومٍ تأويلها".
هذه الأقوال "رد الأحاديث""إثبات الأحاديث" مع إمرارها كما جاءت، "وعن قومٍ تأويلها، وبه أقول".
علق الشيخ ابن باز رحمه الله على هذا الكلام فقال: هذا خطأ ظاهر مصادم لصريح النصوص الواردة في إثبات النزول، وهكذا ما قاله البيضاوي بعده باطل، والصواب ما قاله السلف الصالح من الإيمان بالنزول وإمرار النصوص كما وردت من إثبات النزول لله سبحانه وتعالى على الذي يليق به من غير تكييف ولا تمثيل كسائر الصفات، وهذا هو الطريق الأسلم والأقوم والأعلم والأحكم، فتمسك به، وعض عليه بالنواجذ واحذر ما خالفه، تفز بالسلامة، والله أعلم.
الذي يجعل الشيخ يؤكد على أسلم وأعلم وأقوم وأحكم أنهم قالوا: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم، كيف تكون الحكمة مع عدم السلامة؟ يعني: إذا كان مذهب السلف هو الأسلم فمذهب الخلف فيه سلامة وإلا ما فيه؟ فيه سلامة في الجملة، لكن فيه خطر؛ لأنه ليس بأسلم، مذهب السلف أسلم منه، فدل على أن فيه شيء مما يخالف السلامة، فكيف يكون معتمد القول الذي هو غير الأسلم، يعني عندنا طريق أقوم وطريق آخر، الذي يسلك الطريق الأقوم أليس هو الأعلم؟ أليس هو الأحكم؟ والذي يسلك الطريق الآخر غير الأقوم كيف يوصف بالعلم؟ كيف يوصف بالسلامة؟ وقل مثل هذا فيمن يعتقد مذهب أهل السنة والجماعة وهو الأسلم بإقرار المخالف، المخالف يقول: طريقة السلف أسلم، فمادام أسلم فالذي يخالف هذا الأسلم هل يمكن أن يوصف بالحكمة أو بالعلم؟ لا، إذاً هذا تناقض، والمقرر أن طريق السلف أسلم، وفي الوقت نفسه هم أعلم وأحكم، وهذا الذي يجعل أهل العلم يؤكدون مثل هذا.
"فأما قوله ((ينزل)) فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته".
هذا كلام ابن حجر، فهو راجعٌ إلى أفعاله لا إلى ذاته، قد يقول: ينزل أمره، ينزل حكمه، ينزل فضله، إلى غير ذلك مما يضاف إلى الله -جل وعلا- من الأفعال، لا إلى الذات، لا أنه بذاته سبحانه وتعالى ينزل.
"بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه".
هذا كلامه وهذا اختياره، لكن هذا كلام صحيح؟ لا، ليس بصحيح؛ لأن هذه الأفعال نزولها لا يختص بالثلث الآخر من الليل، معناه أنه لا ينزل الله -جل وعلا- أمر إلا في الثلث الأخير، واضح وإلا ما هو بواضح؟ بل أمره وحكمه نازلٌ في كل وقت، فدل على أن النزول لا لأمره ولا لحكمه، وإنما هو لذاته -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته.
"والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني".
يعني كما ينزل جبريل ينزل الأمر ينزل الوحي، وهو معنى من المعاني لا جسم له، في الآخرة المعاني تجسد، تكون أعيان، وتوزن حسنات، كيف توزن الحسنات؟ القدرة الإلهية صالحة لمثل هذا، إذاً قد يقولون: أن هذه المعاني الله -جل وعلا- قادرٌ على أن يجعلها في حكم المحسوسات، فتنزل كما ينزل جبريل مثلاً، نقول: لكن نزول هذه الأمور لا يختص بهذا الوقت، ولو صارت في حكم المحسوسات.
"والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني، فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك، وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل، فيسمى ذلك نزولاً عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة، انتهى.
والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره، أو الملك بأمره وإما بأنه استعارة بمعني التلطف بالداعين، والإجابة لهم، ونحو ذلك. وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ .. "
وأبو بكر بن فورك هذا من كبار الأشاعرة.
"وقد حكى أبو بكر بن فورك عن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي: ينزل ملكاً، ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ:((إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل، ثم يأمر منادياً يقول: هل من داع فيستجاب له؟ )) وفي حديث عثمان بن أبي العاص: ((ينادي منادٍ: هل من داع يستجاب له؟ )) الحديث
…
، قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال، ولا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني:((ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا يسأل عن عبادي غيري)) يقول: لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور".
((ينادي منادٍ: هل من داعٍ يستجاب له؟ )) فالذي ينادي على كلامهم هو الله -جل وعلا- أو غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
"قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال، ولا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني: ((ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا يسأل عن عبادي غيري)) لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور".
ليش ما فيش؟ إلا فيه ما يدفع.
"وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى آخر أخفض منه، فالمراد نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى هذا صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة".
يعني هم يقسمون الصفات والأسماء التي تشتق منها الصفات، إلى جلال وجمال وكمال، هناك صفات الجلال وصفات الجمال وصفات الكمال.
وهنا يقول: "وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز".
الجسمية ما ثبت، والتحيز ما يدل على ثبوتها ولا على نفيها، وعرفنا في دروسٍ مضت أنها إذا كانت من لازم الخبر الصحيح وإثباتها لا يترتب عليه نقص بوجهٍ من الوجه، فلا مانع من التزامها، "ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزهٌ عن الجسمية والتحيز".
"امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته، ينزل نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرحمة والرأفة".
وقت النزول:
"قوله: ((حين يبقي ثلث الليل الآخر)) برفع الآخر؛ لأنه صفة الثلث".
وليس صفة لليل، إنما هو صفة للثلث، وعرفنا أن الوصف أو التابع عموماً المتعقب لمتضايفين، فإما أن يعود إلى المضاف، أو يعود إلى المضاف إليه، والتعيين للقرائن، يعني ذكرنا من الأمثلة:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(27) سورة الرحمن] وأيضاً تابع للثاني {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(78) سورة الرحمن].
طالب:. . . . . . . . .
من كتب في الأسماء الحسنى قسموها إلى هذا؛ لأن منها صفات جلال يعني: العزيز الجبار المتكبر إلى آخره، صفات جمال يعني: صفات رحمة وصفات كمال، المقصود أنهم قسموها إلى هذه الأقسام.
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم أنه يظهر منهم مثل هذا، لكن مدلولاتها قد يكون فيها شيء من هذا؛ لأني ما وجدت صريح في كلام شيخ الإسلام وابن القيم أوغيره، لكن ما يلزم عليه شيء، يعني لا شك أن الجلال شيء، والجمال أيضاً والرحمة والرأفة شيء آخر؛ لأنه يناسب المقام، يعني إذا كان المقام مقام رحمة جيء من الأسماء والصفات ما يناسب هذه الرحمة، إذا كان مقام غضب وانتقام، لا شك أن الأسماء المناسبة لها غير المناسبة للأسماء المناسبة لمقام الرحمة.
"قوله: ((حين يبقى ثلث الليل الآخر)) برفع الآخر؛ لأنه صفة الثلث، ولم تختلف الروايات عن الزهري في تعيين الوقت".
يعني ثلث الليل.
"واختلفت الروايات عن أبي هريرة وغيره، قال الترمذي: ورواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك، ويقوى ذلك أن الروايات المخالفة اختلف فيها على رواتها، وسلك بعضهم طريق الجمع، وذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء، أولها: هذه، ثانيها:((إذا مضى الثلث الأول)) وثالثها: ((الثلث الأول أو النصف)) رابعها: ((النصف)) خامسها: ((النصف أو الثلث الأخير)) سادسها: الإطلاق.
فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على المقيدة، وأما التي بـ "أو" فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه، وإن كانت للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بأن ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال؛ لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عند قوم
…
". إلى آخر كلامه.
يعني: الروايات جاءت بالثلث وهذا أكثر ((الثلث الأخير)) وجاءت بالثلث مطلق من غير تقييد بكونه أول ولا ثاني ولا أخير، وجاءت ((حين يبقى شطر الليل)).
شيخ الإسلام له رأي في هذه الروايات، وكلامه في غاية الجودة. يقول: الذي قال: ((حين يبقى ثلث الليل)) حسب الليل من غروب الشمس، وإذا قيل:((شطر الليل)) يحسب الليل من صلاة العشاء، وحينئذٍ يكون شطر الليل، ونصفه وثلث الليل واحد، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني كلام في غاية الجودة للتوفيق بين هذه الروايات.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
أيش المانع إذا اعتبرناه من صلاة العشاء بعد مضي الشطر الأول من صلاة العشاء؟ يعني من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر قسمناه نصفين، يبقى النصف الثاني يوافق الثلث الأخير إذا حسبنا الليل من غروب الشمس، فما في إشكال.
"وقال بعضهم: يحتمل أن يكون النزول يقع في الثلث الأول، والقول يقع في النصف أو في الثلث الثاني".
يعني ينزل في الثلث الأول، لكن لا يقول:((من يدعوني)) ((من يسألني)) إلا حينما يبقى الثلث الأخير.
"وقيل: يحمل على أن ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار، ويحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به، ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به، فنقل الصحابة ذلك عنه والله أعلم".
يعني النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن النزول في الثلث الأخير، ثم زيد في المدة فأخبره الله -جل وعلا- أنه ينزل حينما يمضي شطر الليل، زيادة في المدة التي يكون فيها هذا الفضل من الله -جل وعلا- فأخبر به، ثم أخبر بعد ذلك أنه ينزل بعد مضي ثلث الليل، فأخبر أن هذا الفضل امتد إلى ثلثي الليل، هذا كلامه.
"قوله: ((من يدعوني)) لم تختلف الروايات على الزهري في الاقتصار على الثلاثة المذكورة، وهي: الدعاء والسؤال والاستغفار، والفرق بين الثلاثة: أن المطلوب أما لدفع المضار أو جلب المسار، وذلك أما ديني وأما دنيوي، ففي الاستغفار إشارة إلى الأول، وفي السؤال إشارة الثاني".
يقول: "والفرق بين الثلاثة -التي هي أيش؟ الدعاء والسؤال والاستغفار- أن المطلوب إما لدفع المضار أو جلب المسار، وذلك إما ديني وإما دنيوي، ففي الاستغفار إشارة إلى الأول -دفع المضار-، وفي السؤال إشارة إلى الثاني -الذي هو جلب المسار-، وفي الدعاء إشارة إلى الثالث -الذي هو أيش؟ -
طالب: الدعاء. . . . . . . . .
نعم، الآن شوف الترتيب في الحديث فيقول:((من يدعوني فأستجيب له؟ )) هذا أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأول.
طالب:. . . . . . . . .
على ترتيب الحديث، ((من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ )) إذا قلنا: الترتيب على ما جاء في الحديث، يعني مراد الحافظ ابن حجر الترتيب على ما جاء في الحديث يكون "ففي الاستغفار إشارة إلى الأول" الذي هو دفع المضار، "وفي السؤال إشارة إلى الثاني" جلب المسار.
"وفي الدعاء إشارة إلى الثالث".
وكأنه يمشي على ترتيبه هو، لا على ترتيب الحديث.
"وقال الكرماني: يحتمل أن يقال: الدعاء ما لا طلب فيه، يعني نحو: يا الله".
هذا دعاء "يا الله" لكن ماذا تطلب بهذا الدعاء؟
والسؤال الطلب، وأن يقال: المقصود واحد، وأن اختلف اللفظ، انتهى.
وزاد سعيد عن أبي هريرة: ((هل من تائب فأتوب عليه؟ )) وزاد أبو جعفر عنه: ((من ذا الذي يسترزقني فارزقه؟ من ذا الذي يستكشف الضر فاكشف عنه؟ )) وزاد عطاء مولى أم صُبية عنه: ((ألا سقيم يستشفى فيشفى؟ )) ومعانيها داخلة فيما تقدم، وزاد سعيد بن مرجانة عنه:((من يقرض غير عديم ولا ظلوم؟ )) وفيه تحريض على عمل الطاعة، وإشارة إلى جزيل الثواب عليها، وزاد حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري عند الدارقطني في آخر الحديث:((حتى الفجر)) ".
وهذا يدل على أن هذه النفحات الإلهية التي على المسلم أن يتعرض لها تستمر حتى الفجر، لكن يرد على هذا كله أن أفضل القيام قيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، الذي يبدأ من النصف، ثم ينام سدسه، وهذه النفحات تستمر إلى طلوع الفجر، وهذه النومة التي في سدس الليل هي وقت الاستغفار، يعني وقت السحر، فيه تعارض مع قيام داود وألا ما فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
ونام السدس الذي هو وقت اللزوم هذا، الذي هو وقت الاستغفار بالأسحار، نعم، وامتداد ((من يسألوني إلى الفجر)).
الطالب:. . . . . . . . .
الآن الرواية تقول: ((حتى الفجر)) خلوكم معنا يا إخوان، المسألة يحتاجها كل إنسان، النفحات الإلهية في هذا الوقت ووقت النزول تستمر حتى الفجر، وإذا عملنا وطبقنا قيام داود الذي هو أفضل القيام بالنص الصحيح الصريح، قلنا: إذا بقي سدس الليل نُم، مع أن هذه النفحات موجودة، وأيضاً وقت الاستغفار، هذا وقت الاستغفار، يعني ينتهي الإنسان من صلاته ثم يتجه إلى المسألة والاستغفار، وما أشبه ذلك، إذاً وقت السحر يعني تفضيل الشيء على غيره، هل يقتضي التفضيل المطلق أنه أفضل من كل وجه، تفضيل الشيء على غيره أنه أفضل على غيره من كل وجه؟
طالب:. . . . . . . . .
لو قال واحد: أنا أنام من صلاة العشاء إلى أن يبقى سدس الليل، وأقوم وقت النزول، الآن أنا ما زلت في وقت النزول الإلهي، وسأتعرض لنفحات الله، وأستغفر بالأسحار، بدلاً من أنام هذا الوقت وأقوم قبله، لكن النبي عليه الصلاة والسلام نص على أن هذا أفضل القيام.
طالب:. . . . . . . . .
أخذ نصف الثلث.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكنه فرط في السدس الأخير.
طالب:. . . . . . . . .
أدركتم ماذا أريد؟ الآن الذي أريده مدرك وإلا لا؟ فيه تفويت أمور عظيمة جداً، مع أنه أفضل القيام؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو أراد شخص يقول: أنا بأجمع بين الأمرين، النوم هذا إنما شرع وفضل على غيره رفقاً بي، أنا لا غنى بي عن بركة الله، أنا بأقوم مثل ما قال النبي عليه الصلاة والسلام، شطر الليل، أنام نصف الليل، ثم أقوم النصف الثاني، الثلث أصلي، والسدس بدل من إن أنام أستمر في الذكر والدعاء والاستغفار، يعني هل السدس الذي هو محل النوم من أسباب التفضيل لقيام داود؟
طالب:. . . . . . . . .
يا إخوان ننتبه لهذه الأمور لأن كل إنسان بحاجتها، أنت الآن ما تقوم الليل لكن فيما بعد إذا تيسر أمرك وزدت في الرغبة في الخير، وكذا لا بد أن تهتم لهذه الأمور، متى يبدأ الاستغفار؟ متى تبدأ الأسحار؟ ومعروف عند أهل العلم لا سيما العباد منهم أن شفقتهم على آخر الليل الذي هو بصدد الانقضاء أحرص منهم على ما قبله؟.
طالب:. . . . . . . . .
لكن الاستغفار بالأسحار، ما بعد جاء وقت السحر يا أخي، وقت السحر سوف يأتي وأنت نائم، على حديث:((أفضل القيام قيام داود)) يبيجي وأنت نائم في السدس الأخير.
طالب:. . . . . . . . .
كون في تفويت لفضلٍ من أنفس الأوقات أظهر من الشمس هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان ما طبقنا حديث قيام داود الذي هو أفضل القيام.
طالب: النوم ليس مزية.
يعني النوم نوم هذا السدس من أجل أن يتقوى به على الصلاة، وما بعد الصلاة، لكن لو قال: أنا أتقوى بالعبادة ما أتقوى بالنوم، هل نقول: أن هذا من التنطع والزيادة على ما شرع؟! وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ما دام أفضل القيام قيام داود، وفيه هذا السدس الذي فيه النوم مثل ما يقال في صيامه، لو قال: أنا والله أبى أصوم يوم وأفطر يوم، لكن إن صادفت أيام الفطر يوم الاثنين والخميس أصومها أو بيض، زيادة على صيام داود يلام وإلا ما يلام؟ لأن هناك أدلة أخرى تدل على مشروعية صيام هذه الأيام، ونقول: هنا أدلة أخرى تدل على أن مشروعية التعرض في هذا الوقت الذي هو للنوم، فإذا كان النوم لا يفوت عليه مصلحة، يعني ترك النوم لا يفوت عليه مصلحة أعظم من اهتمامه بصلاة الصبح والتهيؤ لها، والجلوس بعدها إلى انتشار الشمس لا شك أنه تعرض لنفحات الله، ووقت الاستغفار اللي هو السحر.
طالب:. . . . . . . . .
أنا ما أظنك ما فهمتش اللي أعنيه بالضبط، المحك اللي أنا أريده تحوم حوله لكن ما أدركته.
طالب: يا شيخ. . . . . . . . . هو أشد على النفس القيام قبل ثم النوم، ثم أخف على النفس أن أقوم أصحى. . . . . . . . .
يعني مثل ما قالوا في ناشئة الليل، ناشئة الليل القيام بعد نوم، ولذلك بعض الناس يسهل عليه أن يسهر الليل كله، لكن يصعب عليه أن ينام ساعتين ثلاث من أول الليل ويريد أن يقوم، ما هو بظاهر هذا؟ يعني بعض الناس يمكن أن يواصل أسهل عليه من أن ينام ثم يستيقظ، ولا شك أن النوم قبل صلاة الصبح يعني تعين الإنسان على وظائف أول النهار، فلا شك أن هذا محل ينبغي أن يكون محل عناية من طالب العلم، فإن طبق قيام داود ثبت له الفضل، وأفضل من غيره لا شك بالنص، لكن إن تعرض لنفحات الله من غير اعتقاد أن ما فعله أكمل من التوجيه النبوي؛ لأن الإنسان قد يقوم ويفعل عبادة، وجاء الشرع بما دونها يعني أقل منها في الوقت، ثم بعد ذلك يعتقد أن ما فعله أفضل مما فعله أو مما فضله النبي عليه الصلاة والسلام هذا الأمر فيه سعة، -إن لم يعتقد ذلك-؛ ولذلك السلف -رضوان الله عليهم- تجد منهم من يقوم أول الليل، ومنهم من يقوم في وسط الليل، ومنهم من يقوم في آخر الليل، وكلٌ على خير -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
لكن كون النزول الإلهي وهذا الطلب من الله -جل وعلا- والحث والعرض من يسألني؟ من يدعوني؟ من يستغفرني؟ يستمر إلى الفجر، ونحن نقول له بناءً على عمل داود الذي هو أفضل القيام، نم قبل الفجر بسدس الليل، يعني لو افترضنا أن الليل يصفي فيه ست ساعات، يعني من صلاة العشاء إلى أذان الفجر ست ساعات، يعني في الصيف أو قل ثمان ساعات، صفينا الوقت ثمان ساعات أو تسع ساعات في الشتاء، نبيك تنام أربع ساعات ونصف من بعد صلاة العشاء، ثم تقوم ثلاث، ثم تنام ساعة ونصف، هذا مقتضى وصف النبي عليه الصلاة والسلام لقيام داود، وهذا أفضل القيام، ما أحد يشك في هذا، لكن يبقى أن السدس الذي جاء فيه النوم وصفاً لقيام لداود أن فيه نفحات، العرض مستمر من الله -جل وعلا-، النزول مستمر، الاستغفار بالأسحار موجود في هذا الوقت الذي أنت نائم فيه.
طالب:. . . . . . . . .
متى؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني قبل النوم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، التوجيه النبوي في قيام داود في هذان الوقتان.
طالب:. . . . . . . . .
أو نقول: أن المطلوب في مجموع ما جاء في قيام الليل أن تعمل وتقوم وتدعو وتستغفر وتلتئم الأحاديث، يعني ليست المقصود التحديد بدقة بين هذه الأمور، وإلا جاء فيها التعارض الذي أشرنا إليه، وعلى كل حال من قام في أول الليل أو في أثناءه أو في آخره هو على خير عظيم -إن شاء الله تعالى-.
اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم.