المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم للصحابة - شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح - جـ ٢٤

[خالد المصلح]

الفصل: ‌من أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم للصحابة

‌من أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم للصحابة

قال رحمه الله تعالى: [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:(لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ] .

هذا الأصل -وهو ما يتعلق بصحابة رسول صلى الله عليه وسلم تقدم الإشارة إليه في قول المؤلف رحمه الله: [وفي صحابة رسول الله بين الرافضة الخوارج] لما ذكر وسطية أهل السنة والجماعة، فهم وسط فيما يتعلق بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ضلالتين، بين فرقتين مبتدعتين قصرت في صحابة رسول الله أو غلت فيهم وهم الرافضة والخوارج.

قال رحمه الله: [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم] .

السلامة: هي البراءة من النقص والعيب، هذا في الألسن؛ والغل، والحقد، والبغي، هذا في القلوب، فأهل السنة والجماعة قلوبهم سليمة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي سليمة لهم ليس فيها غل ولا حقد ولا حسد، ولا كراهية، ولا بغض، بل على عكس ذلك، فقلوبهم مليئة بمحبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلالهم وتقديرهم ومعرفة سبقهم وفضلهم.

قال: [وألسنتهم] أي: وسلامة ألسنتهم، فأهل السنة والجماعة سلمت ألسنتهم من عيب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن نسبتهم إلى فسق، أو كفر، أو خيانة، أو ردة، أو غير ذلك كما هي حال الفرق الضالة سواءً الرافضة أو الخوارج، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير القرون كما سيأتي في كلام المؤلف.

والصحابة ثبت لهم فضل الصحبة، والصحبة فضل يثبت لكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، هذا هو ضابط الصحبة، وبه نعرف أن الصحبة اسم جنس يصدق على قليل الصحبة وكثيرها، فليس هناك حد زمني أو تقدير زمني حتى يقال: إن من حصله فقد حصلت له فضيلة الصحبة، بل فضيلة الصحبة ثابتة لكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، قل زمن صحبته أو كثر، والفارق بين قليل الصحبة وكثير الصحبة أنه كلما طالت الصحبة تأكد الفضل وازداد الحق؛ لأن الصحبة وصف، فكل ما قوي هذا الوصف قويت الحقوق المرتبة على هذا الوصف، فمن صحب النبي صلى الله عليه وسلم عمره في دعوته كـ أبي بكر رضي الله عنه ليس حقه كحق ذاك الذي لم يشهده إلا مرة واحدة، مع أن الجميع يشتركان في الصحبة، ولكن يختلفان فيما يثبت لهما من الحقوق بسبب هذه الصحبة، فمن كان نصيبه من الصحبة أكبر كان نصيبه وحظه من حقوقها أوفر.

فسلامة القلب وسلامة اللسان لمن طالت صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليست كسلامة القلب واللسان لمن قلت صحبته، ولا يعني هذا أن من قلت صحبته يطوله ضرر قلبي أو لساني من أهل السنة والجماعة، فكف الشر عنهم واحد، ولكن إثبات الفضل والمحبة والثناء والفضيلة يختلف باختلاف صحبتهم وباختلاف منزلتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجميع يشترك في حق الصحبة، وأقل حقوق الصحبة، وأول عتبة في حقوق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يشترك فيه طويل الصحبة وقصيرها؛ هو سلامة القلوب والألسنة لهم، ثم بعد ذلك يتفاوتون.

إذاً: قوله رحمه الله: (سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله) هذا أدنى حقوقهم.

وأول حقوقهم -وهو من باب التخلية قبل التحلية- أن يخلي قلبه من كل غل، وحقد، وحسد، وبغض، وكره لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الألسنة فتكون خالية من كل نقص وعيب، وهمز، ولمز، ووقيعة فيهم رضي الله عنهم، وهذا خلاف ما عليه غير أهل السنة والجماعة من الفرق الضالة في هذا الباب.

وبدأ بسلامة القلب قبل سلامة اللسان؛ لأن سلامة القلب هي الأصل، فمن سلم قلبه سلم لسانه، وبه تعلم أن كل من همز صحابة رسول الله، أو لمزمهم، أو عابهم، أو انتقصهم بلسانه؛ فهذا يدل على أن في قلبه فساداً، وأنه إما بلي بغل، أو حقد، أو حسد، أو كره لصحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

والعجيب! أن أقواماً اتهموا هؤلاء الصفوة بأنواع من التهم، وألحقوا بهم أنواعاً من السباب، وألحقوا جمهورهم بالكفر كما سيأتي، ولم يبق إلا نفر قليل زعموا أنهم هم الذين تتنزل عليهم نصوص فضل الصحابة، ويستحقون ما للصحبة من حقوق، وأما جمهورهم فهم بين مرتد، أو كافر، أو خائن، نعوذ بالله! ولو قيل لعاقل: هل يسوغ هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لا، كيف يصطفي الله عز وجل لخير خلقه وصفوتهم وخاتم رسله هؤلاء الأصحاب الذين هم بين منافق وكافر وخائن؟! فالرد على هؤلاء بالعقل أبلغ من الرد بالنص؛ لأنهم لا يسلمون بالنصوص بل ما يسوقونه من النصوص في لمز الصحابة من الذي نقلها؟ ومن أين أتتنا هذه النصوص؟ من الصحابة، فهم يستدلون بالأحاديث التي رواها الصحابة على ذمهم، فمثلاً يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الحوض: (يذاد عن حوضي فأقول: أصحابي أصحابي فيقول: ما تدري ما أحدثوا بعدك) ، من الذي نقل لك هذا الحديث؟ الصحابة، فكيف تقبل نقلهم في ذم فئة منهم، وهم المرتدون، وتجعل هذا في حق جميعهم؟! سبحان الله العظيم! هذه البدعة التي هي بدعة الرفض وبدعة الخوارج أهلها من أفسد الناس عقلاً، ومن أفسدهم نقلاً، لا سيما بدعة الرافضة.

يقول رحمه الله: [كما وصفهم الله] .

هذا بيان لحال هؤلاء الذين استحقوا سلامة القلوب وسلامة الألسنة: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10]، قوله:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} هذا عطف على ما تقدم، والذي تقدم هو ذكر المهاجرين والأنصار في سورة الحشر في الآيات التي قبل هذه الآية ذكر الله عز وجل أولاً المهاجرين، ثم ثنى بذكر الأنصار، ثم قال:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} يعني: من بعد المهاجرين والأنصار: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} فهم يسألون المغفرة لهم: {وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} ، وأول وأحق من يدخل في قوله:{الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يدخل في هذا كل مؤمن قد سبقك وتقدم عليك، فكل مؤمن سبقك وتقدم عليك ولو بزمن يسير فإنه يدخل في قوله:{وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} ، لكن أول من يدخل في هؤلاء وأحق من يدخل في هذه الآية هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار.

{وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:10] سأل هؤلاء الله عز وجل المغفرة لهم ولإخوانهم، ثم قالوا:{وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا} عموماً من السابقين والاحقين، لكن أول من يجب تسليم القلب من الغل في حقهم:{الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} ، وأحق أولئك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] ، وهذه الآية تشير إلى أن من طرق تسليم القلب من الغل والحقد على أحد من أهل الإيمان أن تدعو له بالمغفرة.

إذا كان على أحد في قلبك غل؛ بسبب معاملة أو سوء تصرف، فأكثر من الدعاء له بالمغفرة؛ حتى يسلم الله عز وجل قلبك مما فيه من غل في حق أخيك المسلم.

ثم قال أيضاً في هذا الفصل، وفي هذا الأصل:[وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله] يعني: أهل السنة والجماعة سلمت قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمرين: الأمر الأول: الدليل من القرآن وهو يفيد سلامة القلب: {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ} ، بل وسلامة اللسان وذلك في قوله:{اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} فالآية دالة على سلامة القلب وفضل اللسان، سلامة القلب في قوله:{وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ} ، وفضل اللسان بالدعاء لهم، وهو أمر زائد عن السلامة؛ لأن السلامة هو الامتناع من النقص والذم والعيب، فكيف إذا كان حقهم ونصيبهم من اللسان هو الدعاء لهم وطلب المغفرة! قال:[وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ] ، لا تسبوا هذا نهي، والسب يصدق في أي قول مذموم في حقهم، في أي قول فيه ذم لهم، فعيبهم سب لهم، تنقصهم سب لهم، احتقارهم سب لهم، لعن الصحابة من سبهم بل هو من أعظم السب لهم رضي الله عنهم، وسبب هذا الحديث خلاف وقع بين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وبين خالد بن الوليد، فنال خالد رضي الله عنه من عبد الرحمن بن عوف، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:(لا تسبوا أصحابي) إلى آخر الحديث، فالحديث له سبب وهو نيل خالد بن الوليد -وهو ممن تأخر إسلامه- من عبد الرحمن بن عوف -وهو ممن تقدم إسلامه- فهل هذا يعني أن خالداً ليس صاحباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل يعني أنه ليس من الصحابة؟ لا يعني أنه ليس من الصحابة، لكن هذا يشير إلى ما ذكرناه قبل قليل في الصحبة، وأن حق الصحبة يتأكد بقدر ما مع الإنسان منها، فنصيب عبد الرحمن بن عوف من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 3