الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقررهما القاضي في ذلك، وكتب لهما حجة مضى لها نحو
ثلاثين
سنة، ثم إن عبد الغني قبيل وفاته أوصى بالنظر قبل أن يصل إليه إلى بكر، قام بكر ينازع زيدا وعمرا في ذلك قائلا: إن الواقف لم يجعل الإيصاء بالنظر للشيخ إسماعيل، بل جعله للسيد عبد الغني، وإن السيد عبد الغني قد أوصى لبكر على وفق شرط الواقف، هذا خلاصة السؤال؟ وقد أرسل إلينا مع السؤال ورقة كتب فيها صورة أجوبة عنه من مفتي طرابلس، ومن مفتي حمص، ومن مفتي دمشق الشام سابقا، اتفقت كلها على أن الولاية لبكر، وأن من أوصى لهما الشيخ إسماعيل لا حق لهما في النظر.
(وقد ظهر لي في الجواب خلاف هذا، وذلك: أن الواقف إنما جعل النظر للأرشد من نسبه، ثم للشيخ إسماعيل، ثم للسيد عبد الغني، ثم لوصي عبد الغني إلخ معلقا على شرط عدم الإيصاء من الواقف لأحد؛ لأنه قال: فإن لم يكن أوصى لأحد يكون للأرشد من نسبه، ثم للشيخ إسماعيل ثم وثم، فحيث علق ذلك على هذا الشرط فهم منه: أنه إن أوصى لأحد لا يكون الحكم كذلك، بل يكون شيئا آخر سكت عنه الواقف سهوا أو عمدا، ولا يمكن أن يجعل الحكم فيما إذا أوصى لأحد، كما إذا لم يوص؛ لأن مفهوم الشرط وغيره من المفاهيم معتبر في كلام الواقفين، وحينئذ فإن كان الواقف أوصى للشيخ إسماعيل صار الشيخ إسماعيل ناظرا، ويصح فراغه عن النظر لمن أراد؛ لأنه وصي الواقف وقائم مقامه، فالمفروغ لهما يصيران ناظرين ما داما حيين، وبعدهما ينصب القاضي من أقارب الواقف من رآه أهلا، فإن لم يوجد منهم أهل فمن الأجانب.
وأما عبد الغني فليس له حق في النظر، ولا لوصيه من بعده؛ لما علمت من أن حق عبد الغني وغيره مشروط بما إذا لم يكن الواقف أوصى لأحد، وأما إن كان الواقف سلم النظر للشيخ إسماعيل ولم يوص له بذلك يصير ناظرا مدة حياته، وبعد موته يكون النظر للأرشد من نسب الواقف.
(ونسب) الرجل: كل من يجتمع معه في أقصى أب له في الإسلام من جهة الأب دون الأم، فمن كان علويا -مثلا - فنسبه كل من يجتمع معه في علي من جهة الآباء، فإذا عجز الشيخ إسماعيل، وقرر القاضي المأذون له بذلك كلا من أخي الواقف وعمه صح؛ إن كانا أرشد من يوجد من نسب الواقف، وإلا فيقرر الأرشد من النسب، وأما عبد الغني، ووصيه فلا حق لهما مادام من نسب الواقف أهل للنظر؛ لتأخير الواقف لهما عن نسبه، هذا ما ظهر لي في الجواب، والله تعالى أعلم بالصواب.
(وسئلت) في ذي الحجة الحرام سنة 1241 عن ذمي تشاجر مع مسلم
، فقال له المسلم: يا كافر، فقال الذمي: لست بكافر، فقال له المسلم: قل آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، فأجابه قائلا: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر. فقال له المسلم: الرسل كثيرون فأجابه كلهم بحضور
بينة من المسلمين، فهل يحكم بإسلامه أم لا؟ أفيدوا الجواب ولكم الثواب.
(فأجبت) بقولي: الحمد لله تعالى، لا يحكم بإسلام الذمي المذكور بمجرد هذا الكلام، أما قوله: لست بكافر فلأنه يعتقد أنه مؤمن بنبيه وبكتابه، ويعتقد أن من لم يكن على دينه فهو كافر غير مهتد؛ لقوله تعالى:{وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا} ؛ أي قالت اليهود: كونوا هودا، وقالت النصارى: كونوا نصارى، ولقوله تعالى:{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء} . الآية.
ثم لا شك أن الكتب الإلهية يصدق بعضها بعضا، وكذلك الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، وكل الكتب والرسل آمرة بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فاليهود والنصارى مؤمنون بذلك؛ لأنهم أهل كتاب منزل، ونبي مرسل، لكنهم أنكروا رسالة نبينا محمد -صلى الله تعالى عليه وسلم-، وإنزال القرآن عليه، فهم كفار بسبب ذلك.
وإن كان اعتقادهم أنهم على الهدى، فإذا قال القائل منهم: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله لا يلزم منه أن يكون مؤمنا بنبينا وبكتابنا؛ لأنه لا يعتقد أن نبينا -صلى الله تعالى عليه وسلم - من رسل الله، وأن كتابنا من كتب الله، ونحن لم نكفره إلا لهذا الاعتقاد الباطل.
ولو صرح بقوله: آمنت بجميع الرسل كلهم؛ فمراده: الرسل الذين يعتقد هو أنهم رسل الله، فلا يدل ذلك على إيمانه برسولنا -صلى الله تعالى عليه وسلم -؛ لاعتقاده عدم رسالته، (على أنه لو أتى بالشهادتين صريحا لا يحكم بإسلامه ما لم يتبرأ عن دينه، كما صرح به الجم الكثير من أئمتنا الحنفية، ونقله الإمام الطرسوسي في أنفع الوسائل عن الخانية، والذخيرة، والبدائع، والمحيط، والتتمة، وسير الملتقى، وشرح مختصر الطحاوي، وشرح السير الكبير، ونقل عبارات هذه الكتب، وأطال في ذلك، فراجعه إن شئت، وعزاه في باب المرتد من الدر المختار إلى الدرر، وفتاوى صاحب التنوير، وابن نجيم وغيرهما.
(نعم) نقل عن فتاوى قارئ الهداية أنه قال: والذي أفتي به صحته بالشهادتين بلا تبرؤ، لكن ذكر في الفتاوى الحامدية أن قارئ الهداية لم يتابع على ذلك، أي؛ لأن من بعده كصاحب التنوير، وابن نجيم وغيرهما خالفوه، واشترطوا التبري اتباعا للمنقول في كتب المذهب، ولا بد من ذكر نبذة يسيرة، ليكون السامع على بصيرة، فنقول: قال في الذخيرة: إذا قال اليهودي والنصراني: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لا يحكم بإسلامه ما لم يقل: تبرأت عن ديني، ودخلت في دين الإسلام؛ لأن اليهودي قد يتبرأ من اليهودية، ويدخل في النصرانية، أو المجوسية، فيجوز أنه تبرأ عن اليهودية لدخوله في النصرانية لا في الإسلام.
وعن بعض المشايخ إذا قيل لنصراني: أمحمد رسول الله بحق؟ فقال: نعم. لا يصير مسلما وهو الصحيح؛ لأنه يمكنه أن يقول: إنه رسول الله بحق إلى العرب والعجم