الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر –
كتاب الصلاة (50)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في المحرر:
باب: صلاة الكسوف
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف ما بكم)) متفق عليه.
وعند البخاري: ((وصلوا حتى ينجلي)) وليس عند مسلم: "فقال الناس: "انكسفت الشمس لموت إبراهيم".
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "انخسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم:((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله)) قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت؟ فقال صلى الله عليه وسلم:((إني رأيت الجنة فتناولت عنقوداً، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء)) قالوا: بم يا رسول الله؟! قال: ((بكفرهن)) قيل: يكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في كسوف قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد، قال:"والأخرى مثلها" رواه مسلم.
وفي لفظ له: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات" وعن علي مثل ذلك.
وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات.
وعن عائشة رضي الله عنها أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث منادياً: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، وتقدم فكبر، وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة الكسوف
الكسوف ومثله الخسوف بمعنى واحد عند كثير من أهل العلم، وبعضهم يخص كل لفظ بآية، فيجعل الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، هذا إذا أطلق على سبيل الانفراد، فيقال: كسفت الشمس وخسف القمر، ومنهم من يقول: يجوز إطلاق الكسوف على كل منهما والعكس والخسوف، أما إذا أطلق اللفظ على الاثنين معاً فلا مانع باتفاق، فيقال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فيجوز إطلاق الكسوف والخسوف عليهما مجتمعين، والكسوف والخسوف كما جاء في الخبر:((الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) في هذا رد على مزاعم الجاهلية الذين يقولون: إذا كسفت الشمس وخسف القمر إنما هو لموت عظيم، على ما سيأتي، بل هما آيتان من آيات الله.
النبي عليه الصلاة والسلام لما حدث هذا الحدث العظيم وهو كسوف الشمس في عهده عليه الصلاة والسلام فزع، وخرج يجر رداءه يظنها الساعة، بخلاف ما نحن عليه الآن، يأتي ونحن آمنون، ولا يحرك فينا ساكناً، بل بعض الناس يتتبعه في المواقع التي يكون فيها أجلى وأوضح، وبعضهم يشتري النظرات والنواظير التي توضح هذا الكسوف، بل بعضهم يسافر من أجله، إذا قيل: إنه في البلد الفلاني أوضح سافر من أجله، والذي هون الأمر في نفوس الناس كون معرفة الكسوف وهي مسألة خلافية عند أهل العلم من القديم، كثير منهم قال: يدرك بالحساب، وبعضهم قال: لا، إنه من إدعاء علم الغيب، كابن العربي وغيره يقولون: إن هذا أبداً هذا ضرب من الكهانة، من إدعاء علم الغيب، لكن الأكثر على أنه يدرك، ولا مانع من إدراكه، ويُحدد، لكنه اختلال لهاتين الآيتين العظيمتين عن مسارهما المحدد لهما، فإذا اختل اختلت هذه الآية عن مسارها، لا يدرى ما يصاحبها من كوارث، الناس لا يحسبون حساب لما يصاحب هذه الآيات التي حادت عن مسارها، انكسف ذهب ضوؤها، نقص ضوؤها، تتابع الناس على أنه يدرك بالحساب، ويحددونه بالثانية بداية ونهاية، فخف الأمر في نفوس الناس، وأحالوه إلى أمر طبيعي عادي، وجعلوا .. ، قالوا: إن الأرض تحول بين الشمس والقمر، فيفقد ضوءه أو العكس، الأرض تحول دون الشمس، أو القمر يحول دون الشمس؟! المقصود في كلام لهم معروف عندهم عند أهل الهيئة، لا يهمنا كثيراً، إنما يهمنا ما الأثر؟ وماذا يجب فعله بعد وقوع هذه الحوادث؟ النبي عليه الصلاة والسلام قال:((افزعوا إلى الصلاة)) "فزع إلى الصلاة""خرج يجر رداءه" فكوننا نتقبل هذه الأخبار بدون تأثر هذا خلاف الهدي النبوي يُخشى من آثار وعواقب تتبع هذه الآيات، وقد حصل في تركيا وفي غيرها من البلدان صاحبه زلازل وفيضانات، والناس في مأمن، أُخذوا على غرة، في كوارث مصاحبة لهذا التغير لهاتين الآيتين العظيمتين، فكون الإنسان يمر عليه الحدث ولا يحرك فيه ساكناً لا شك أنه من ضعف في قلبه، والنبي عليه الصلاة والسلام وهو أعرف الناس بربه وأتقاهم له وأخشاهم يخرج يجر رداءه يظنها الساعة، والناس في لهوهم ولعبهم، وكثير منهم لا ينهض ولا
للصلاة، يعني حتى البدن تبلد تبعاً للقلب، بعضهم لا ينهض للصلاة، يقول: الحمد لله ساعة أو ساعتين وهو رايح وش الفائدة؟ أمر معروف، يعني أمر طبيعي.
"كسفت الشمس على عهد النبي عليه الصلاة والسلام" في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم" يوم مات إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام من مارية القبطية، مات وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فحزن عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فانكسفت الشمس في اليوم الذي مات فيه، وافق كسوف الشمس في هذا اليوم، فاستصحب الناس ما كانوا يقولونه في جاهليتهم "انكسفت الشمس لموت إبراهيم" لأن إبراهيم وهو ابن النبي عليه الصلاة والسلام عظيم، اكتسب هذه العظمة من والده عليه الصلاة والسلام.
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" مفنداً هذا الزعم ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله)) {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [(37) سورة فصلت]((آيتان من آيات الله)) مخلوقتان مدبرتان مسيرتان ((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) هم قالوا: إن الشمس والقمر تنكسفان لموت عظيم، لكن ما فيهم من قال: إن الشمس والقمر ينكسف لحياة أحد، لكن من باب التأكيد، وأنه لا يؤمن أنه في يوم من الأيام من يقول: انكسفت الشمس لحياة فلان، وحياته إما بولادته أو بشفائه من مرضه العضال، كأنه حيا من جديد كما يقول بعضهم، فتنكسف الشمس، يعني هل انكساف الشمس علامة على العظمة أو على عدمها؟ لحياته أو لموته دليل على عظمته، يعني هذا الزعم تعظيم لهذا الرجل الذي مات في وقت انكساف الشمس على حد زعمهم، وأنه لعظمته تغيرت حتى الأفلاك تغيرت عن مجاريها، لكن لحياته! حينما يولد لا بد أن يمكث سنين طويلة ليكون عظيماً، وما يدريهم أنه عظيم، اللهم إلا إذا تبين أنه عظيم فيما بعد وقد حصل الكسوف في وقت حياته يمكن أن تقوم الدعوى بعد أن يكون عظيماً، لكن هم ما يقولون: إنها تنكسف لحياته، لكن هذا من باب التأكيد، وأنه لا فرق بين الموت والحياة، فمن زعم أنها تنكسف للموت قد يزعم أنها تنكسف للحياة، وهذا من باب المبالغة في التعظيم، كما جاء في الحديث:"كانوا لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم لا في أول قراءة ولا في آخرها" آخر القراءة ما فيها بسم الله الرحمن الرحيم، لكن لتأكيد النفي.
((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما)) رأيتم هذا التغير لهاتين الآيتين ذهاب لضوئهما أو لبعضه ((فادعوا الله وصلوا حتى ينشكف ما بكم)) يعني: نلجأ إلى الله -جل وعلا- بالصلاة، بالدعاء، بالتضرع، بالصدقة؛ ليكشف ما بنا، وهذه من علامات التوبة، ومثل هذه الأمور إنما تكثر حينما تكثر المعاصي والجرائم، فهي مربوطة بمشيئة الله -جل وعلا-، ومقدرة مصاحبة لكثرة الجرائم، ففي عهده عليه الصلاة والسلام طول البعثة ثلاثة وعشرين سنة ما حصل إلا مرة واحدة، ما حصل الكسوف إلا مرة واحدة، وإلى وقت قريب وعشر السنين تمر بدون كسوف ولا خسوف، أما بالنسبة للشمس فقد تمكث أكثر من عشرين سنة ما مرت إلا في السنين الأخيرة، مما يدل على أنها علامة غضب وليست علامة رضا، والذي يتصور هذا الغضب هو النبي عليه الصلاة والسلام، ومن يقتدي به ويستشعر شعوره عليه الصلاة والسلام، أما الذي لا يهتم ولا يكترث هذا تنكسف أو ما تنكسف، ما في إشكال، هي سوف تنكسف في الساعة الفلانية وتعود في الساعة الفلانية، الأمر عادي طبيعي عندهم، ولا شك أن هذا دليل على مرض في القلوب.
((فإذا رأيتموهما)) يعني رأيتم هذا التغير في هاتين الآيتين ((فادعوا الله وصلوا)) أمر ((حتى ينكشف ما بكم)) ((فإذا رأيتموهما)) يعني بمجرد الرؤية افزعوا إلى الدعاء والصلاة والتضرع، فالصلاة مربوطة بالرؤية، فلو قرر جميع الفلكين أن الشمس تنكسف في الساعة الفلانية من اليوم الفلاني أو القمر فإننا لا نصلي حتى نرى؛ لأنه يقول:((فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا)) وهذا يدل على أن الصلاة صلاة الكسوف تفعل عند قيام السبب وهو الرؤية في أي وقت، سواء كان وقت نهي أو غير وقت نهي، على الخلاف المعروف بين أهل العلم في الجهتين، في فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، والخلاف تقدم ذكره ولا حاجة إلى إعادته، مع ملاحظة الخلاف في حكم صلاة الكسوف، هل هي سنة أو واجبة؟ نقل النووي الإجماع على أنها سنة، وأبو عوانة في صحيحه يقول: باب وجوب صلاة الكسوف، فالذي يقول بوجوبها يقول: تفعل؛ لأن النهي عن الصلاة في الأوقات المعروفة لا يتناول الواجبة، هذا ما عنده إشكال، لكن الإشكال عند من يقول: إنها سنة، فالذي يقول بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي يقول: تفعل لأنها ذوات سبب، والذي يقول: لا تفعل يقول: لا تصلى في وقت النهي، وهذا هو المعروف عند الحنابلة والحنفية والمالكية، في وقت النهي ما تصلى؛ لأنها نفل والنهي مقدم على ما جاء في ذوات الأسباب على ما تقدم بسطه.
((فإذا رأيتموهما فادعوا الله)) عليكم بالدعاء والتضرع حتى يكشف ما بكم، يعني ما يتصور الإنسان مقدار الانتفاع بهاتين الآيتين؛ لأن النعم الموجودة لا يقدرها الإنسان قدرها حتى يفقدها، ما يدرى وش الأثر المترتب على ذهاب الضوء من هذين النيرين؟ وفائدة ضوء هذين النيرين للأرض ولمن يسكن الأرض، ما ندري، لكن لو حصل هذا الكسوف واستمر وقتاً طويلاً عرفنا مقدار هذه النعمة، الإنسان الصحيح المعافى لا يقدر قيمة هذه الصحة، ولا يستشعر خطورة المرض ولا شدة الألم؛ إنما يستشعرها من وقع فيها، وكذلك الأمن لا يقدره قدره إلا من عاش في بيئة مخوفة، ونحن لا نشعر بفائدة ضوء الشمس وحرارة الشمس وأشعة الشمس ولا ضوء القمر إلا إذا فقدت لا سمح الله.
فهناك أمور تخفى على كثير من الناس، يعني عاشوا عيشة عادية روتينية تطلع الشمس في أول النهار وتغيب في آخره، ويطلع القمر من كذا إلى كذا، وفي ليلة كذا أقوى من كذا إلى آخره، والناس لا يقدرون هذه النعم قدرها، ولذا قال:((فادعوا الله)) لأنه حل بكم شيء يحتاج إلى دعاء ليرفع ويكشف ((فادعوا الله وصلوا)) والغاية إلى متى؟ ((حتى ينكشف ما بكم)) هذه غاية، أو تغيب الشمس وهي كاسفة، أو تطلع الشمس والقمر خاسف، قالوا: لذهاب وقت الانتفاع بهما، ولا يكفي هذا؛ لأننا لا ندري هل انكشفت أو لم تنكشف، إذا غابت الشمس ما ندري عنها، فالغاية مغيبة عنا، وكذلك إذا طلعت الشمس والقمر خاسف لا ندري هل انكشف ما به أو لم ينكشف، فالصلاة مربوطة برؤية الكسوف والخسوف، ونحن لا نراه.
" ((حتى ينكشف ما بكم)) وليس عند مسلم "فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم".
"وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته" حديث عائشة صريح في كون النبي عليه الصلاة والسلام جهر في صلاة الخسوف بقراءته، وقد حضرت الصلاة كما في الصحيح، ودخلت أختها أسماء فاستغربت كونهم يصلون في هذا الوقت ضحى يصلون جماعة، استغربت، فاستفهمت من عائشة وهي تصلي بالإشارة، فأشارت عائشة إلى السماء، فسألتها أسماء فقالت: آية؟! فأشارت عائشة برأسها: أن نعم، فقد حضرت الصلاة، وسمعت القراءة، ولذا صرحت بأن النبي عليه الصلاة والسلام جهر في صلاة الخسوف بقراءته، وإذا كان الخسوف الحاصل في عهده عليه الصلاة والسلام للشمس وجهر في صلاة الخسوف بالنهار فالجهر بالليل من باب أولى؛ لأن من أهل العلم من يرى أنه يجهر في خسوف القمر كسائر الصلوات الليلية، ولا يجهر بكسوف الشمس كالصلوات النهارية، لكن من الصلوات النهارية التي يُجمع لها يجهر بها، كصلاة العيد والاستسقاء والجمعة، فقياسها على هذه الصلوات الطارئة أولى من قياسها على الصلوات الثابتة كالظهر والعصر، بعضهم يقول: القراءة في صلاة الكسوف سرية، عائشة صرحت بأن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته، وسيأتي في حديث ابن عباس:"قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة" قالوا: لو جهر بها عليه الصلاة والسلام ما قال ابن عباس: نحواً من سورة البقرة، قال: قرأ سورة البقرة، أو قرأ سورة كذا، ما قال: نحواً لو جهر بها، لكن التصريح من عائشة رضي الله عنها بأنه جهر عليه الصلاة والسلام، والحديث متفق عليه لا يقاومه قول ابن عباس رضي الله عنهما:"نحواً من سورة البقرة" لما يطرقه من احتمال البعد مثلاً، بعد ابن عباس ما سمع، أو لعارض ما سمع، المقصود أن التصريح مقدم على مجرد الاحتمال.
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات" متفق عليه" يعني من حديث عائشة ومن حديث ابن عباس وغيرهما النبي عليه الصلاة والسلام صلى أربع ركوعات في ركعتين، وأربع سجدات، كما سيأتي تفصيله في الحديث الذي يليه.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم".
"وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "انخسفت الشمس" يطلق الخسوف على الشمس، كما يطلق الكسوف عليها كما في الحديث الأول "انكسفت الشمس" ويطلق الخسوف على القمر كما في القرآن. "انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله عليه وسلم فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة" هذا ما يستدل به من يرى أن قراءة الكسوف سرية، قال: "نحواً" ما قال: قرأ سورة البقرة، وعرفنا أن التصريح من عائشة رضي الله عنها بأنه جهر مقدم على الاحتمال المفهوم من قوله: "نحواً من قراءة سورة البقرة".
"ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام فقام قياماً طويلاً" يكبر ويستفتح ويتعوذ ويسمي ويبسمل ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة طويلة، تعادل سورة البقرة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع من الركوع، ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ سورة طويلة، لكنها دون السورة الأولى، فيقوم قياماً طويلاً دون القيام الأولى "ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول ثم سجد" وليس في حديث ابن عباس ما يدل على إطالة السجود مع أنه جاء ما يدل عليه "سجد سجوداً طويلاً" كما قال في الركوع في غير حديث ابن عباس، كما قال في الركوع والقيام "ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" عندنا أربع، القيام والقراءة في أربعة مواضع، القيام الأول، ثم الركوع الأول، ثم القيام الثاني، ثم الركوع الثاني، هذا في الركعة الأولى، ثم سجدتين، وتكون بهذا انتهت الركعة الأولى، ثم الركعة الثانية مثلها، عندنا ركوع أول أولية مطلقة وهو الذي يلي دعاء الاستفتاح "نحواً من سورة البقرة" القيام الذي يليه بعد الركوع الأول دون القيام الأول هذا ما فيه إشكال، ولا في فهمه أدنى لبس، إذا قام للركعة الثانية في قيامها الأول بالنسبة للركعة الثانية، وقيام ثالث بالنسبة للصلاة تقدمه القيام الأول والثانية من الركعة الأولى، يقول: وهو دون القيام الأول، هل هو دون القيام الأول؟ عندنا أربعة: واحد اثنين ثلاثة أربعة هذا الأول وهذا ثاني وهذا ثالث وهذا رابع، هذا الأول أولية مطلقة، هذا الثاني دون القيام الأول، الثالث دون القيام الأول، الرابع دون القيام الأول، فإذا قلنا: المراد بالقيام الأول الأولية المطلقة الذي ورد تكراره في الحديث ثلاث مرات، المراد بالأول أولية مطلقة قلنا: إن الثلاثة متساوية، تشترك في كونها دون القيام الأول، وإن كانت متساوية، وإذا قلنا: إن الأولية نسبية قلنا: الأول هو الأطول، ثم الذي يليه دونه، ثم الذي يليه دون الثاني، ثم الذي يليه دون الثالث، فالثاني أول بالنسبة
للثالث، والثالث أول بالنسبة للرابع، فتكون الأولية نسبية، وقل مثل هذا في الركوع ومثله في السجود؛ لأنه يقول في الحديث:"ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً هو دون القيام الأول" هل المراد به الأول أو الثاني؟ على الاعتبارين: إن قلنا: الأولية مطلقة قلنا: الثلاثة متساوية، وإذا قلنا: كل قيام وكل ركوع وكل سجود دون الذي يليه قلنا: الأولية نسبية، هذه صفة صلاة الكسوف، تقرأ الفاتحة أربع مرات، يكون القيام في أربع مرات، يُقرأ فيها الفاتحة وبعده سورة طويلة، ويكون طولها متدرجاً من الأول إلى الأخير، والركوع كذلك متدرج الأول أطول من الثاني، والثاني أطول من الثالث، والثالث أطول من الرابع، وقل مثل هذا في السجود، الركوع الأول هو الركن الذي تدرك به الركعة، والثاني ركوع زائد لا تدرك به الركعة، فإذا فات الركوع الأول فاتت الركعة، هذا ما قرره أهل العلم، قالوا: إن الركوع الثاني زائد لا تُدرك به الركعة.
هذه صفة صلاة الكسوف، وأقوى ما جاء فيها من الحديث المتفق عليه بهذه الصفة أربع ركوعات في أربع سجدات، في ركعتين، جاء في مسلم: ثلاث ركوعات، وجاء فيه: أربع ركوعات، وجاء في أبي داود: خمس ركوعات، فالصورة التي معنا أربعة في الركعتين، وفي الصورة الثانية: ستة في الركعتين، وفي الصورة الثالثة: ثمانية في ركعتين، وفي الصورة الرابعة: عشرة في ركعتين، وجاء في الصحيح -صحيح مسلم-: ثلاثة، وجاء: أربعة، وفي سنن أبي داود: خمسة، والمتفق عليه ركوعين في كل ركعة، وعند الحنفية هما ركعتان لا صفة لهما زائدة كصلاة الصبح، لا صفة لهما زائدة مع أن الحديث متفق عليه، وجاء في الخبر ولا يمكن أن يقاوم ما جاء في هذا الباب:((فإذا رأيتموهما فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة)) أقرب صلاة، لكن هذا لا يتعين أن يكون العدد ركعتين؛ لأنه قد تكون بعد صلاة المغرب، وقد يكون بعد صلاة العشاء، وقد يكون بعد صلاة الظهر، وقد يكون بعد صلاة الصبح، فعلى هذا نصلي ركعتين أو نصلي ثلاث أو نصلي أربع، لكن الحديث شاذ، ولا يقاوم ما جاء في الصحيحين وغيرهما من الأعداد في الركوع والقيام والسجود، فقال عليه الصلاة والسلام:" ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فذكروا الله)) قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك ثم رأيناك تكعكعت" يعني: تقدم وهو قائم يصلي تقدم وكأنه تناول شيء، ثم تأخر، تكعكع تأخر "فقال: إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقوداً" يعني مد يده ليأخذ العنقود "قال: ((ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)) " ((لأصبتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفضع ولا أبشع ولا أشنع من منظر النار، يحطم بعضها بعضاً)) نسأل الله السلامة والعافية ((ورأيت أكثر أهلها النساء)) لماذا؟ قالوا: بما يا رسول الله؟ قال: ((بكفرهن)) قيل: يكفرن بالله؟! قال: ((لا، يكفرن العشير)) الزوج ((ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط)) ويشابه النساء في هذا الوصف بعض الرجال الذين لم يُطبعوا على الكرم، بل عندهم شيء من اللؤم، تجده لو تأخرت عنه
في مرة من المرات أنت تحسن عليه الدهر، وتحوطه بعنايتك، وتنفق عليه، لو تتأخر يوم من الأيام قال:"ما شفنا شيء" يعني من الغرائب أن يأتي شخص يطلب شفاعة من شخص ثم يحصل مانع لا تكتب هذه الشفاعة في اليوم الأول أو الثاني تجد طالب الشفاعة يتحدث به في المجالس، وقد يدعو عليه، أخرنا وفوت مصالحنا، من هذا النوع، هذا كفر النعم، الرجل محسن، وهذا مجرب ومشاهد لو يجي مرتين وأنت ما كتبت الخطاب بدأ يتحدث في المجالس، وقد يرفع صوته عليك، يعني من هذا النوع يوجد نماذج، ومع الأسف أن يوجد من بعض طلاب العلم، نعم على المحسن أن يكمل إحسانه، وأن يبادر به، لكن إذا حصل مانع ما تمكن من كتابته نسي يقابل بالإساءة المرأة تقابل الزوج بالإساءة يحسن إليها الدهر كله، ثم إذا رأت أدنى خلل قالت: ما رأيت خيراً قط، والله المستعان.
"متفق عليه، واللفظ للبخاري".
"وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم"
…
في بعض الأحاديث: ((يكثرن اللعن)) النساء كثير منهن لا يتورع عن اللعن، وجاء في الحديث الصحيح:((لعن المؤمن كقتله)) وجاء في اللعان في جانب الرجل {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [(7) سورة النور] لأنه يهاب اللعن، والخامسة بالنسبة للمرأة {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [(9) سورة النور] تخشى الغضب أكثر من اللعن لأنه درج على لسان كثير من النساء، لكن هذا موجود في بعض الأوقات دون بعض، وفي بعض الأقطار دون بعض؛ لأنه يوجد في بعض الأقطار الرجال يكثرون اللعن والشتم والسب والنساء بعكس ذلك، ويوجد في بعض الأوقات وفي بعض الأقطار العكس من ذلك، على كل حال في وقته عليه الصلاة والسلام هذا هو الحاصل، يكثرن اللعن، يعني في مجتمعاتنا نستغرب إذا سمعنا أن امرأة تلعن، لو قلت: إني ما سمعت امرأة تلعن، إن حصل فشيء نادر جداً في وقت متطاول ومتباعد نسيته أو شيء من هذا، هذا أمر غريب جداً، مستغرب على النساء، لكن مع ذلك قوله:((يكثرن اللعن)) يدل على أنهن في وقته عليه الصلاة والسلام يتساهلن بذلك أكثر من الرجال، وإن كان كله بالنسبة للرجال والنساء نادر بالنسبة لمن جاء بعدهم.
"قالت: ما رأيت منك خيراً قط" متفق عليه، واللفظ للبخاري".
"وعنه" يعني عن ابن عباس "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في كسوف قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم ركع ثم ركع، ثم سجد""قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع" أربع ركوعات، قال:"والأخرى مثلها أربعة" وهذه في مسلم "وفي لفظ له: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات" وعن علي مثل ذلك" وجاء في مسلم: ثلاث ركوعات، والرابع:"ثم قرأ" لا يوجد في بعض النسخ، فلعلها هي رواية: الثلاث ركوعات، والتي تليها: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات، وفي سنن أبي داود: الخمس، طيب كم مرة حصل الكسوف في عهده عليه الصلاة والسلام؟ أهل السير يتفقون على أنها مرة واحدة، ما حصل إلا مرة واحدة، ويذكرونه في اليوم العاشر من الشهر، وبعضهم يقول: في اليوم الرابع، مع أن المتفق عليه عند أهل الهيئة أنه في الاستسرار في آخر الشهر، كسوف الشمس في آخر الشهر، وخسوف القمر في منتصفه في الإبدار، الكسوف في عصره عليه الصلاة والسلام يتفقون، يتفق أهل السير على أنه ما حصل إلا مرة واحدة، فكيف تتعدد صفات صلاة الكسوف منسوبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو ما صلى إلا مرة واحدة؟ يعني لو الروايات الأخرى في السنن أو في المسانيد أو في الجوامع أو في المعاجم، يعني يسهل أن يقول الإنسان: هذه شاذة أو منكرة ولو صح سندها، لكن في صحيح مسلم! من أهل العلم ممن له عناية في حماية جناب الصحيحين يقول: نصحح ما في الصحيح ونقول بتعدد القصة، ونوهم أهل السير، وش المانع؟ عندنا مسلم أوثق وأصح مما يجيء في السير، وهذا منهج عند بعض أهل العلم، يقول: ما في ما يمنع من أن يكون الكسوف وقع أربع مرات، وصلى مرة بركوعين، ومرة بثلاثة، ومرة بأربعة، ومرة بخمسة، صيانة وحماية لجناب الصحيح الذي اتفقت الأمة على تلقيه بالقبول.
ومنهم من يقول: لا مانع من أن يقع الوهم من الراوي وإن كان صحابياً، ويصح السند إليه، ويبقى جناب الصحيح هذا على شرطه السند، والعهدة على الصحابي الذي وهم فيه، يعني لنا في حديث ابن عباس في زواج النبي عليه الصلاة والسلام بميمونة، وأنه تزوجها وهو محرم، وهو في الصحيح، وفي الصحيحين أيضاً من حديث ميمونة نفسها، ومن حديث أبي رافع السفير بينهما أنه تزوجها وهو حلال، فلا بد أن يكون أحدهما محفوظ، والثاني شاذ، يعني يكون وهم من الصحابي، الصحابي ليس بمعصوم، ولا ينزله عن مرتبة الثقة والحفظ والضبط والإتقان؛ لأنه لا يتصور من غير المعصوم أن يكون حفظه مائة بالمائة من كل وجه، أنس يقول: سلوا الحسن، فإنه حفظ ونسينا، لا سيما مع تقدم الوقت، فيجري هذا على الصحابة مثل غيرهم، ويبقى شرط الصحيح على الصحيح، فيبقى السند صحيح على شرط مسلم، ويكون الصحابي وهم، إما لطول عهد؛ لأننا نرجح ما في الصحيحين على ما في صحيح مسلم إذا أردنا الترجيح، وإذا قلنا بتعدد القصة كما يقوله بعض العلماء صيانة لجناب الصحيح هذا مسلك وهذا منهج، فإذا أمكن فلا محيد عنه، الإشكال فيما إذا لم يمكن تعارضاً .. ، يعني لو جاءنا بسند صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه لم يحصل الكسوف إلا مرة واحدة احتجنا .. ، لكن ما جاءنا إلا عن أهل السير، وأنهم اتفقوا على أنه لم يحصل.
على كل حال أهل العلم يتفاوتون، فمنهم من لديه الجرأة والشجاعة على التوهيم، ولو كان الخبر في كتاب تلقته الأمة بالقبول، إذا وجد ما هو أقوى منه، ولا يحط من قيمته، ولا ينزل من قدره، وشيخ الإسلام رحمه الله من هذا النوع، حكم على رواية الصحيحين بأنها محفوظة ومع عداها كله شاذ، ويجزم بأن الكسوف ما حصل إلا مرة واحدة، وإبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، يعني: لو قال: إن الكسوف ما حصل إلا مرة واحدة قلنا: هذا مثل أهل السير، لكن لما قال: إبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، أحد ينازع في أن إبراهيم ما مات إلا مرة واحدة؟ فإذا كانت الروايات الأخرى والصور الأخرى مقرونة بموت إبراهيم فلا محيد من أن يرجح ما في الصحيحين، ويحكم على ما عداها بأنها شاذة.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟