الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: ما جاء في صيام التطوع
عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصيام يوم عرفة؟ فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: ((يكفر السنة الماضية)) وسئل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت -أو أنزل علي– فيه)) رواه مسلم.
وعن أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره، فشربه" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)) رواه مسلم، وقد روي موقوفاً.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا)) متفق عليه، ولفظه لمسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)) متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولأبي داود:((غير رمضان)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في صيام التطوع
انتهى المؤلف من الكلام على الصوم الواجب، وأردفه بصوم التطوع، ومن نعم الله -جل وعلا- على المسلمين أن شرع لهم هذا الصيام التطوع ليكمل منه النقص في الصيام الواجب كالنوافل بعد الفرائض، فإذا حوسب الإنسان ووجد في فرائضه شيء من النقص قيل: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل به ذلك الخلل.
"عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصيام يوم عرفة؟ " يعني في يوم عرفة "فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) "((يكفر السنة الماضية)) هذا لا إشكال فيه ذنوب وقعت وحصلت من المسلم تكفر بالصيام، وهذا كما تقدم المراد بالذنوب المكفرة هي الصغائر، وأما الكبائر فإنها لا تكفرها إلا التوبة عند الجمهور، وإن كان الصغائر قليلة مع أنها
…
، أو لا توجد، وهذا لا يتصور، فإنه يخفف من الكبائر بقدر ما فعله من نوافل.
((يكفر السنة الماضية والباقية)) يعني اللاحقة، يكفر سنتين، فإما أن يوفق لعدم الوقوع في الذنوب، أو إذا وقع منه شيء من ذلك كفر عنه، كما حصل في السنة الماضية، وإذا صام يوم عرفة اللاحق فإنه وقد كفرت ذنوبه في السنة الماضية بسبب صيامه الماضي، لا شك أنه يخفف عنه من الذنوب الأخرى، أو ترفع درجاته، يعني الله -جل وعلا- لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
قد يقول قائل: أنا أصوم عرفة في كل سنة، فما معنى يكفر سنة ماضية وسنة لاحقة؟ أنا لا أحتاج إلا لسنة واحدة؛ لأن السنة الثانية مكفرة بعرفة، نقول: لا، الله -جل وعلا- لا يضيع عملك، إذا أحسنت العمل فالله -جل وعلا- يدخر لك ذلك، فإن صادف ما ينبغي تكفيره كفر، وإلا رفعت بذلك الدرجات.
"فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: ((يكفر السنة الماضية)) " يعني يكفر سنة واحدة، ولذا فصيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وما طلعت الشمس على يوم خير من يوم عرفة، وهو أفضل أيام العام على الإطلاق، وصوم يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يصومه، ويأمر بصيامه، وكان صيامه واجباً قبل فرض رمضان، فلما فرض رمضان صار صيامه نفلاً، ثم في آخر سنة قال النبي عليه الصلاة والسلام:((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) وقال: ((صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)) وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحب موافقة أهل الكتاب، فلما أيس منهم أمر بمخالفتهم، لا يقول قائل: إن النبي عليه الصلاة والسلام صام سنوات كثيرة موافقاً لأهل الكتاب، ثم في آخر سنة قال: خالفوهم، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، نقول: كان يحب موافقتهم تأليفاً لهم، فلما أيس منهم قال:((صوموا يوماً قبله)) وخالفوا أهل الكتاب، خالفوا اليهود والنصارى، إلى آخره، خالفوا المشركين، ومثله ما جاء عنه في فرق الشعر.
"وسئل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه -أو أنزل علي– فيه)) " نعم هذا يوم فاضل، وجاء في بعض النصوص الصحيحة أنه ترفع فيه الأعمال كالخميس ((وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)) فهناك علل متعددة لصيام الاثنين، منها:
كونه عليه الصلاة والسلام ولد فيه، وولادته نعمة تستحق الشكر من الله -جل وعلا-، وشكره بفعل ما شرعه لا بالابتداع في دينه، الشكر المستحق في مقابل ولادة خير البشرية، خير البرية، وهادي البشرية أن يشكر الله -جل وعلا- بما شرع، لا أن يتعبد بما لم يشرعه من البدع، يعني كما أحدث بعض المبتدعة في عاشوراء أحدث بعض المبتدعة في مثل هذا اليوم فلا هذا ولا هذا، نحن أمة اقتداء، أمة نص، فلا نتعبد لله -جل وعلا- إلا بما شرعه لنا، فلا نجعل عاشوراء مأتم، ولا نجعل يوم المولد يوم احتفال، كما يحتفل الناس بمناسباتهم، ونتعبد بذلك، وهذا شيء لم يفعله أهل القرون المفضلة، إنما نعبد الله -جل وعلا- بما شرع لنا، نصوم؛ لأن هذا يوم حصلت فيه هذه النعمة من الله -جل وعلا-، فنشكر الله -جل وعلا- بفعل ما شرعه لنا. ((ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه)) والعلة مركبة من هذه الأمور كلها، هل يستطيع من يقيم المولد أن يقول: هذا يوم ترفع فيه الأعمال، سوي مولد يوم الخميس؛ لأنه ترفع فيه الأعمال، ما يمكن أن يقول هذا؟ العلة مركبة من كونه ولد فيه عليه الصلاة والسلام، ويوم بعث فيه، وأنزل عليه القرآن، وترفع فيه الأعمال، كل هذه الأمور مجتمعة يصام من أجله، يشكر الله -جل وعلا- على هذه النعمة، ولا ننتظر حتى يحول الحول على ذلك، هذا في كل أسبوع نفعله، شكراً لله -جل وعلا- "رواه مسلم".
"وعن أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا"
…
يعني جاء الحث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وجاء الحث على صيام البيض الثلاثة، فالثلاثة الأيام يمكن أن تتداخل مع أمور أخرى، يمكن أن يصومها الإنسان في يوم الاثنين من كل أسبوع، أو يصوم اثنين وخميس واثنين من الأسبوع الثاني، أو يصوم الثلاث البيض ويحصل له الأجور المرتبة على هذا كله.
"وعن أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة" والرسول عليه الصلاة والسلام واقف بعرفة، سمعنا أن صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية، يكفر سنتين، فهل يحرم منه الحاج؟ حاج يقول: أنا أقف في هذا الموقف العظيم، وأتعرض لنفحات الله، وأصوم، أتقرب إلى الله بالصيام، رجاء أن يكفر عني الذنوب الماضية واللاحقة، تماروا اختلفوا، فبعض الناس قالوا: الرسول عليه الصلاة والسلام صائم؛ لأنه ما يمكن أن يفوت هذه الفرصة يكفر سنتين ولا يصوم، وبعضهم قال: لا، الرسول عليه الصلاة والسلام ما صام.
"تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه -أم الفضل- بقدح لبن، وهو واقف على بعيره فشربه" متفق عليه، واللفظ لمسلم".
وهكذا يجب أن يكون القدوة حاضر في مواضع الحاجة إليه، أما أن يترك الناس يدوكون ويبحثون ويسألون ولا يجدون من يكشف لهم الأمر، وآخر من يتكلم في كثير من المجالات هو القدوة، هذا ليس بمنهج شرعي ولا نبوي، هذا تقصير، النبي عليه الصلاة والسلام لما حصل هذا شرب القدح وهو واقف على بعيره، يراه الناس كلهم، وهناك في كراع الغميم شرب والناس ينظرون كلهم، ينبغي أن يكون القدوة أول من يحضر في مثل هذه المناسبات؛ لئلا يترك الناس حيص بيص؛ لأنه في بعض المناسبات تفوت هذه المناسبة والناس ما يدرون ما يفعلون، والقدوة غائب، هذا صنيعه عليه الصلاة والسلام، في كل مناسبة يجب أن يحضر، وعلى أتباعه من ورّاث نبوته العلماء أن يكونوا حاضرين في كل مناسبة، يحتاج إليهم فيها، أما أن تلوك ألسنة الناس من جميع الفئات ما يحتاج إليه المسلمون في دينهم، ثم نجد آخر من يتكلم من يجب عليه البيان هذا تقصير، وهو مسئول عن هذا أمام الله -جل وعلا-.
الرسول عليه الصلاة والسلام أتي بقدح فشرب على البعير، يراه الناس كلهم؛ لأن الناس يحتاجوه في هذا الموضع، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهذا هو واجب ورّاث علمه ونبوته من أهل العلم.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم".
"وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)) رواه مسلم، وقد روي موقوفاً".
لكن العبرة بما خرجه مسلم من رواية الحديث مرفوعاً، ولا إشكال فيه، وعامة أهل العلم على استحباب صيام الست من شوال، ولا يعرف مخالف إلا الإمام مالك رحمه الله، فإنه قال في موطئه: إنه لم ير أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، وعلته في ذلك أن الخبر لم يثبت عنده، والأمر الثاني: ألا يظن وجوبها، يعني لزوم الناس لها قد يظنه بعض الجهال أنها واجبة، ولكن هذا الكلام لا يمكن أن يستقيم مع قوله عليه الصلاة والسلام:((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)) لأن رمضان عن عشرة أشهر، والستة الأيام عن ستين يوماً، الحسنة بعشر أمثالها، فصيام رمضان وست شوال كأن الإنسان صام الدهر كله.
طيب صيام رمضان مع الست من شوال ممدوح وإلا مذموم؟ ممدوح، صيام الدهر ممدوح وإلا مذموم؟ ((لا صام من صام الأبد)) نعم، فهو مذموم، كيف يشبه الممدوح بالمذموم؟ نقول: لا يلزم من التشبيه أن يكون مطابقاً المشبه للمشبه به من كل وجه، لا تلزم المطابقة من كل وجه، فقد يكون وجه الشبه من وجه دون وجه، فكأنه استوعب الأيام كلها بالصيام، لكن لو صام الدهر على الخلاف في ذلك من أهل العلم من يقول: حرام، ومنهم من يخص التحريم بما إذا صام الأيام المحرمة، المقصود أن التشبيه لا يلزم مطابقة المشبه بالمشبه به من كل وجه "رواه مسلم".
((من صام رمضان ثم أتبعه)) والتابع لا بد أن يكون بعد نهاية المتبوع، وإلا ما يسمى تابع، إلا إذا انتهى المتبوع يأتي التابع، فعلى هذا من بقي عليه شيء من رمضان فإنه لا يصح منه صيام الست إلا إذا أكمل رمضان ليصح أنه أتبع رمضان الست من شوال، ولذا من عليه قضاء من امرأة عذرت فأفطرت في رمضان يلزمها أن تقضي قبل الست، من سافر في رمضان وأفطر في رمضان يلزمه القضاء قبل الست؛ ليصح أنه أتبعه ستاً من شوال، أما من صام الست وفي ذمته شيء من رمضان لا يصح أنه أتبعه ستاً من شوال.
((من صام رمضان)) شرط، وستاً نكرة في سياق الشرط تعم، أي ست من أوله، من أثنائه، من آخره، مجتمعة، مفرقة، لكن الإتباع يوحي بأن الأفضل أن تكون تبعاً له مباشرة، تتبعه مباشرة، لكن لو صام من أثنائه، أو من آخره مجتمعة أو متفرقة صح أنه صام ستاً من شوال، وست مؤنث، والأيام مذكر، لما لم يذكر التمييز جاز التذكير والتأنيث، ولو ذكر التمييز للزم التذكير ستة أيام من شوال.
عائشة رضي الله عنه تقول: "كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان النبي عليه الصلاة والسلام مني" هل يقال: إنها تترك الست؟ تترك يوم عرفة؟ تترك
…
؟ أو نقول: إن هذا يجوز أن تقدم هذه المواسم المؤقتة التي تفوت والقضاء لا يفوت؟ خلاف بين أهل العلم، لكن مقتضى الحديث أن الست لا تصح ممن في ذمته شيء من رمضان، وهذا هو المرجح أن الإنسان لا يصوم الست إلا إذا فرغ من صيام رمضان.
"وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا)) " يعني سبعين سنة، بسبب صوم يوم ((في سبيل الله)) وفي سبيل الله إذا أطلق كما أطلق في آية الصدقة ينصرف إلى الجهاد في سبيل الله، وعلى هذا حمله الإمام البخاري، فترجم في كتاب الجهاد: باب الصيام في الجهاد، فحمله على الصوم في الجهاد، وأن من جمع بين الجهاد، جهاد العدو بالسنان، وجهاد النفس بالصيام يحصل له هذا الأجر بخلاف من صام مبتغياً بذلك وجه الله في غير الجهاد، ومن أهل العلم من حمله على الصيام في سبيل الله، يعني مبتغياً بذلك وجه الله -جل وعلا-، مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-، فإن الله يباعد وجهه عن النار سبعين خريفاً، ولو لم يكن في الجهاد، وفضل الله واسع "متفق عليه، ولفظه لمسلم".
"وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم" الرسول عليه الصلاة والسلام حياته كلها جهاد، وتبليغ لدعوة الله -جل وعلا-، فقد تتابع عليه الأيام منهمكاً في جهاد مثلاً، أو في دعوة، أو في استقبال وفود، وما أشبه ذلك فيؤخر الصيام يفطر أيام متتابعة، حتى يقول الناظر له: الرسول عليه الصلاة والسلام ما هو بيصوم، ثم يسنح له فرص وشيء من الفراغ يستغلها بالصيام حتى نقول: إنه لا يفطر، وهكذا يفعل أتباعه ممن ينوء بأحمال الأمة، يعني الأمة لا بد لمن يقوم لله بالحجة فيحمل هم الدعوة والتعليم والقضاء وغير ذلك ممن هو بمثابة عالم الأمة، مثل هذا لو صام في بعض الأيام والأمة بحاجته إلى أمر عام، هل يكون الصيام في حقه أفضل؟ لا، نقول: هذا يفطر حتى تسنح الفرصة بحيث تمر عليه الأيام والأسابيع ما يصوم.
"يفطر حتى نقول: لا يصوم" ثم تسنح له فرص؛ لأن الدنيا فرص يجب على المسلم أن يستغلها يحصل عنده شيء من الفراغ فيستغل هذا الفراغ بالصيام، وهذا شأنه وهذا ديدنه، وهذه طريقته عليه الصلاة والسلام.
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم".
"ما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان" هل يلزم من هذا أنه يصوم في النصف الثاني من شعبان، وقد جاء فيه:((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا))؟ لا يلزم، يعني إذا صام نصفه الأول نعم، المقارنة ليست بالنسبة للشهر، يعني لا يعني أنه يصوم أكثر الشهر، إنما يصوم في هذا الشهر أكثر من الأشهر السابقة، في غيره من الأشهر، مع أنه جاء:((أفضل الصيام صيام شهر الله المحرم)).
على كل حال جاء الحث على الصيام في شهر المحرم باعتباره شهر حرام، من الأشهر الحرم، وجاء أيضاً النبي عليه الصلاة والسلام يغتنم غفلة الناس في شعبان؛ لأن الناس يغفلون عن شعبان؛ لأنه واقع بين رجب وهو شهر حرام، وواقع بين رمضان وهو شهر الله المعظم، فينبغي استغلال الغفلات، غفلات الناس بالعبادة.
"وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم" وأما حديث:((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) فقد ضعفه كثير من أهل العلم بحديث: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين)) متفق عليه، فمفاده ومفهومه جواز الصيام من شعبان قبل الشهر بثلاثة أيام، وجواز من كان يصوم صوماً فليصمه ولو تقدم الشهر بيوم أو يومين على ما تقدم، وهذا لا شك أنه أرجح من حديث:((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)).
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)) " يعني الزوج له حق عظيم على الزوجة، يقدم على جميع النوافل، وعرفنا أن عائشة رضي الله عنها يكون عليها القضاء من رمضان فتؤخر هذا القضاء حتى يضيق الوقت، حتى شعبان، حتى يضيق الوقت، ويتعين الصيام في هذه المدة، وحينئذٍ لا يكون للزوج سلطان على المرأة، فما أوجبه الله -جل وعلا- مقدم على حق الزوج، لكن يبقى أنه إذا كان الوقت متسع يؤخر، ولا تصوم المرأة نفلاً وزوجها شاهد إلا بإذنه، وهذا إذا كان يتعارض مع حقوقه، لكن إذا كان لا يحتاجها، امرأة كبيرة في السن لا يحتاجها زوجها، وزوجها حاضر، وهي تعرف أنه لا يحتاجها، ولا يتأثر بذلك هذا في حكم الإذن، ولو أخذت منه الإذن المطلق، وعليه أن يأذن لها في هذه الحالة، لا يحرمها الأجر وهو لا يحتاجها، ويكون هذا من باب التعاون على البر والتقوى، فإنه عليه أن يأذن لها، أما إذا كان بحاجتها لا يستطيع الصبر عنها، وليس عنده ما يغنيه عنها، فإنه لا يجوز لها ولا يحل لها أن تصوم صوم نفل إلا بإذنه.
"متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولأبي داود: ((غير رمضان)) " أما رمضان ما فيه إذن لأحد، هذا واجب والفطر فيه معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وما أوجبه الله -جل وعلا- مقدم على كل واجب يوجبه غيره، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وغداً نكمل كتاب الصيام؛ ليكون آخر الدروس درس الغد -إن شاء الله تعالى-.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.