المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الجامع (2) - شرح المحرر في الحديث - عبد الكريم الخضير - جـ ٦١

[عبد الكريم الخضير]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ كتاب الجامع (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح: المحرر -‌

‌ كتاب الجامع (2)

الشيخ: عبد الكريم الخضير

المراقبة والخشية لله -جل وعلا- حق، نصب عينيه، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، يقول ابن دقيق العيد: وقف على شفيرها العلماء والحكام، المقصود أن مثل هذا الذي لا يتقي الشبهات لا بد وأن يقع في الحرام، كما أن الذي يسترسل في المباحات قد يبحث عن هذه المباحات التي عود نفسه عليها فلا يجدها، وحينئذٍ يتجاوزها إلى ما وراءها من المكروهات والشبهات، ثم بعد ذلك يبحث عن هذه الشبهات والمكروهات فلا يجدها، وقد ألفتها نفسه فيتجاوزها إلى المحرمات معللاً بأن الله -جل وعلا- غفور رحيم، لكن يغفل عن كونه شديد العقاب، عن كونه -جل وعلا- شديد العقاب، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه.

((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) نعم الذي يعتاد هذا الأمر لا شك أنه قد عود نفسه، واستمرأ على هذا الشيء لا بد أن يتجاوزه إلى غيره؛ لأنه قد يطلبه في وقت من الأوقات فلا يحصل له.

((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) شرط جزاء ((كالراعي)) هذا مثال وتنظير مطابق، واستعمال للقياس الصحيح.

((كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) في رواية: ((يرتع)) الراعي يرعى حول الحمى، الحمى الأصل أن الملوك لهم دواب، ولهم مواشٍ يرتزقون من ورائها، مما لا يشغلهم عن ملكهم، ويحمون لهم الحمى، والنبي عليه الصلاة والسلام حمى لأبل الصدقة، وأبو بكر وعمر، فهذا الحمى إذا رعى هذا الراعي حوله، يعني كون الراعي يمر بأبله أو بغنمه على حافة هذا الحمى على نفس الحد، هل يأمن أن تدخل واحدة من هذه المواشي فتأكل من الأرض المحمية؟ لا يملك، لا بد وأن .. ، والغالب أن الأرض المحمية تكون أخصب من غيرها، فتند منه الشاردة من الإبل أو من الغنم فتأكل من هذا الحمى، وهو أيضاً إذا مشى على الحافة ولم يتقِ الشبهات لا شك أنه سوف يقع فيما حرم الله عليه.

ص: 1

((كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، إلا وإن لكل ملك حمى، إلا وإن حمى الله محارمه)) لا يجوز قربانها، فكون المحرم لا يجوز قربانه أبلغ من كونه لا يجوز الوقوع فيه، بمعنى أنه يمنع وتمنع الوسائل الموصلة إليه، يُمنع المحرم وتمنع الوسائل الموصلة إليه، ولذا حرم الله النظر، وأمر بغض البصر وجوباً، فيأثم الذي يرسل نظره ولو لم يقع في الفاحشة؛ لماذا؟ حماية للمحرم، وصيانة له.

ص: 2

((ألا وإن حمى الله محارمه)) (ألا) أداة تنبيه تجعل السامع ينتبه لما بعدها ((ألا وإن في الجسد مضغة)) في الجسد في جسد ابن آدم مضغة، يعني: بقدر ما يمضغه الإنسان ((في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله)) إذا صلحت هذه المضغة صلح الجسد كله ((وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) فالجسد بجميع أجزائه مملكة، القلب هذا هو الملك، والجوارح أعوان له، الجوارح والحواس كلها أعوان فيما يصدر منه وفيما يرد إليه وسائط، إذا صلحت هذه المضغة صلح الجسد كله، وإذا فسدت بالعكس، والعكس بالعكس، فالمعول على هذه المضغة وهي القلب، فعلى المسلم أن يسعى لصلاحها، وشفاؤها بتدبر القرآن، وفهم ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام والعمل به، هذه المضغة المحسوسة القلب مثار إشكال كبير عند أهل العلم من الشرعيين والأطباء وغيرهم، يعني خطاب الشرع في جملته يتجه إلى القلب، والعقل عند أهل العلم هو مناط التكليف، وجاء الاقتران بين العقل والقلب في بعض الآيات، فهل المراد فيما وجه إليه الخطاب الشرعي القلب القطعة المعروفة في بدن الإنسان التي تضخ الدم أو هي غيرها؟ الأطباء يجعلون المعول على العقل الذي محله الدماغ، وأما القلب فكغيره كالرئة مثلاً، كغيره بدليل أنه يغير قلب إنسان يزرع له قلب ولا يتأثر عندهم، لكن ماذا نصنع بخطاب الشرع الذي في جملته موجه إلى القلب مثل هذا الحديث؟ وقوله:((إلا وإن في الجسد مضغة)) لدلالة على أن هذا أمر حسي لا معنوي ((إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب)) ولذا عامة أهل العلم أو أكثرهم على أن العقل محله القلب، الأطباء يقولون: يزرع قلب جديد والعقل هو هو ما تغير، وقد يوجد قلب سليم من الناحية الطبية مائة بالمائة في جسد مجنون، لا عقل له، فدل عندهم على أنه لا ارتباط بين العقل والقلب، يقولون: العقل محله الدماغ، وقد يختل العقل والقلب سليم، والعكس، وتمشياً مع النصوص التي كلها تخاطب القلب يقول أهل العلم: إن العقل محله القلب، الإمام أحمد له رأي في المسألة وهو: أن العقل محله القلب وله اتصال بالدماغ، بمعنى أنه يكون -على جهة التمثيل- مثل الكهرباء فيه السالب والموجب أحدهما لا يعمل بغير

ص: 3

الآخر، ومثل هذا الأمر الذي يخفى على الناس المسألة من عضل المسائل، وهي من أقرب ما يتصوره الإنسان إلى نفسه قلبه، كما أن روحه التي بين جنبيه لا يعرف كنهها ولا حقيقتها، وكذلك جاء مثل هذا في أقرب وأهم شيء في الإنسان لا يدرك حقيقة الأمر فيه ليعلم يقيناً أنه مهما بلغ من العلم، ومهما بلغ من الفهم، ومهما بلغ من غاية العقل أنه لن يخرج عن قوله -جل وعلا-:{وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] وهذا القلب المحسوس المضغة فيه العجائب، ويذكر الأطباء المتخصصون في جراحة القلب أمور لا تخطر على بال، تنبغي والأمر معلق بالقلب إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، ينبغي بل يتعين على طالب العلم أن يسعى جاهداً لإصلاح هذا القلب، وإصلاحه بالدواء الناجع المفيد فيما جاء عن الله وعن رسوله، والقلوب لها أمراض، والران يتراكم عليها ويحجبها، لكن دواءها وجلاءها بكتاب الله -جل وعلا-، وما جاء عن نبيه عليه الصلاة والسلام، وما ذكره العلماء المحققون في بيان عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام في أمراض القلوب فلتراجع، وليكن لطالب العلم نصيب وافر منها، ومؤلفات ابن القيم رحمه الله مملوءة بما تعالج به أمراض القلوب.

سم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)).

نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) " اجتنبوا يعني: ابتعدوا، السبع المذكورة في هذا الحديث، والعدد لا مفهوم له، لكن لأهمية هذه السبع جاء التنصيص عليها، وإلا فالذنوب المهلكة كثيرة جداً، حتى الصغائر قد تجتمع على الإنسان فتهلكه فضلاً عن الكبائر، والموبقات: المهلكات لفاعلهن.

ص: 4

"قيل: يا رسول الله وما هن؟! " قيل من قبل الصحابة، وهذا من حرصهم، والأمر يعنيهم، وما هن؟ وتجد الإنسان يسمع هذا الكلام المجمل والمفصل، ولا يحفظ مثل هذه السبع الموبقات التي تقضي عليه وتهلكه، بينما لو كان هذا الأمر المؤثر عليه مما يؤثر على تجارته ضبطه وأتقنه، والناس لهم عناية فيما يمس دنياهم، تجد الموظف ومدير الدائرة ووكلاءه ورؤساء الأقسام عنده عنايتهم بالأنظمة التي تسير عملهم، يتفهمونها ويحفظونها ويشرحونها، وإذا أشكل عليهم شيء منها طلبوا تفسيره من الجهات، وكذلك التاجر تجده يعكف على نظام الشركة الفلانية؛ لأنه يريد أن يتعامل معها، والشركة الفلانية لأنه يريد كذا وكذا، وهذا لا يقال فيه شيء، لكن عندنا أمور أمر خلقنا من أجله، لا بد من تحقيقه، فلا بد أن نُعنى به، تجد المسلم يسمع القول:((اجتنبوا السبع الموبقات)) هذه السبع المهلكات.

قيل: يا رسول الله وما هن؟ يعني يمكن أن يمر هذا الكلام على الصحابة دون

طالب:. . . . . . . . .

ما يمر مثل هذا الكلام على الصحابة إلا يطلبون تفصيله "قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله)) "

وهو أعظم الذنوب، وما عصي الرب -جل وعلا- بأعظم منه ((أن تجعل لله نداً وهو خلقك)) ومع الأسف أنه في حياة كثير من الناس أن لا يستعظمون أمر التوحيد، وما يناقض التوحيد {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] الشرك بالله، وهذا يشمل الشرك الأكبر والأصغر، وكلاهما داخل في قوله -جل وعلا-:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] على خلاف بينهم في الأصغر، هل حكمه حكم الكبائر الداخل تحت المشيئة {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]؟ أو حكمه حكم الشرك لا بد أن يعاقب وإن لم يخلد كالمشرك الشرك الأكبر؟

ص: 5

((والسحر)) وفيه شرك إلا أن التنصيص عليه وعطفه على الشرك من باب عطف الخاص على العام للعناية به، وإلا فالأصل أن الساحر لن يصل إلى ما يريد إلا بعد أن يقرب للشياطين، ويشرك بالله -جل وعلا-، وكذلك من يتعامل مع الساحر لا بد أن يقدم شيئاً، وهو نوع من الشرك، والسحر شأنه خطير، وأمره عظيم، وحصلت بسببه المصائب والكوارث، وهدمت البيوت بسببه، وزاد شره واستطار واستفحل أمره في العصور المتأخرة، فلا بد من الضرب بيد من حديد على هؤلاء السحرة والمشعوذين، وقطع الطريق على كل من يسعى في تشريع عملهم؛ لأن من أهل العلم من يسعى في التشريع وفي بقائهم من حيث لا يشعر، يشعر أو لا يشعر، فالذي يفتي الناس بجواز الذهاب إلى السحرة لحل السحر هذا تشريع لبقائهم، ما دام هذا العمل جائز كيف تأمر بالقضاء عليهم؟! ولا شك أن مثل هذه الفتوى سبيل وطريق إلى تشريع عملهم وإبقائهم، بل الدعوة بأنهم محسنون، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:((والسحر)).

((وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)) والقتل قتل العمد أمره عظيم {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] نسأل الله السلامة والعافية، وقرن بالشرك:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان] هذه عظائم الأمور، مقرون بعضها ببعض، طيب ((قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)) وجاء في تعظيم قتل النفس ما جاء من نصوص الكتاب والسنة، فلا يجوز التعدي على النفس المعصومة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، معاهد أو ذمي، والمسلم من باب أولى ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) فالأمر جد خطير، وشأنه عظيم ((قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)) إلا بأن تستحق ((النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه، المفارق للجماعة)).

ص: 6

((وأكل مال اليتيم)) اليتيم في الشرع: هو من مات أبوه وهو دون البلوغ، فنظراً لضعف جانبه بموت أبيه يتسلط بعض الناس على ماله فيأكله، وإلا فأكل مال غيره حرام، لكن غيره له من يدافع عنه فصار أخف من مال اليتيم، ولذا جاء التشديد في شأنه، والحث والأجور العظيمة على كفالته، وفي حكم اليتيم من لا أب له ألبتة بالكلية كأولاد الزنا مثلاً هذا لا أبا له ولا ولي أمر، بل من أهل العلم من يرى أنه أحوج إلى الرعاية والعناية من اليتيم؛ لأن اليتيم قد يكون وارثاً، قد يكون له عم، قد يكون له أخ، لكن مثل هذا ليس له أحد، ولذا يقول بعض العلماء: إن رعاية مثل هؤلاء رغم ما جاء في كفالة الأيتام إلا أنه

طالب:. . . . . . . . .

وأكل أموال الناس محرم، الأيتام وغير الأيتام، لكن التنصيص على اليتيم لما ذكرنا؛ لأنه في الغالب ليس له من يدافع عنه بخلاف غير اليتيم.

ص: 7

((وأكل الربا)) أكل الربا من السبع الموبقات، وجاء في تعظيم أمره وشأنه من النصوص في الكتاب والسنة ما تنزعج له القلوب، ومع ذلك يؤكل الربا، ممن يتدين بالدين، ويشهد أن لا إله إلا الله، وما ذلكم إلا لما غطى على القلوب من الران، والتنافس في الدنيا، وإيثار العاجل على الآجل، وإلا لو قيل لشخص: إنك تبعث يوم القيامة مجنون يرضى؟! لو قيل له: إنك محراب لله ولرسوله يرضى؟! {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [(275) سورة البقرة] قال جمع من أهل العلم: إنهم يبعثون مجانين، فعلى من يأكل الربا وإن وجد من يهون من شأنه ويتساهل في أمره، لكن من يجادل الله عنه يوم القيامة الذي يأكل الربا؟ هل يأتي هذا ويقول: أنا الذي أبحت له الربا، أو هونت له من شأن الربا؟! أنت تعرف الحكم الشرعي، وعرفت أن الربا حرام وتعاملت بالربا لا عذر لك، فعليك أن تتوب، وإن تاب تاب الله عليه، وله حينئذٍ رأس ماله {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [(279) سورة البقرة] من تاب من الربا يعني تعامل بالربا مدة {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] له ما سلف، بمعنى أنه إذا تاب من الربا دخل في الربا وهو يملك ألف ريال، وتاب بعد عشر سنين وهو يملك مليون ريال، لكم رؤوس أموالكم، له ما سلف، ما الذي سلف؟ وما رأس ماله؟ هل المقصود رأس ماله الذي دخل به في البيع والشراء الألف أو رأس ماله وقت التوبة وهو المليون؟

طالب:. . . . . . . . .

كلهن واحد، الإشارة ما تكفي.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 8

يعني تصور أن شخص دخل التجارة بعشرين ريال، وتاب عن عشرين مليار، نقول: ما لك إلا عشرين ريال، أو نقول: لك رأس مالك وقت التوبة ولك ما سلف، والله -جل وعلا- أكرم من أن يردك فقيراً تتكفف الناس، واللفظ محتمل، وقول الأكثر: رأس ماله الذي دخل به التجارة عشرين ريال، ويتخلص من عشرين مليار، والمعنى الثاني تحتمله الآية، وهو اللائق بكرم الله -جل وعلا- وجوده، وما دامت المسألة محتملة والله -جل وعلا- رغب في التوبة، وحث الناس عليها، والله -جل وعلا- أشد فرحاً بتوبة عبده مما ذكر في الحديث، ويستحيل في العقل والدين أن الله -جل علا- يحث ويأمر ويوجب التوبة ويفرح بها ويصد الناس عنها؛ لأنه أبو عشرين ريال هذا الذي دخل في التجارة وتاب عن .. ، هل إذا قلنا له: ما لك إلا عشرين ريال هذا بيتوب أو ما هو بتائب؟ هذا لن يتوب، المجزوم به أنه لن يتوب، واللفظ الآية محتمل، فنقول: لك رأس مالك وقت التوبة، لك ما سلف، لك رأس مالك، بقي ربا في ذمم الناس لا يجوز أن تستلم منه ريال، لكن الذي في يدك وقت التوبة لك {فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] قد يقول قائل: إن هذا فيه تهوين من شأن الربا، وتجعل الناس يتعاملون بالربا فإذا تجروا يتوبون، إذا كثرت أموالهم، نقول: لا، هذا مثل غيره من الذنوب، ما هو بأعظم من الشرك، حينما يقال للمشرك: إنك متى ما تبت تاب الله عليك، هل معنى هذا نهون عليه الشرك إلى أن يتوب؟! ما الذي يضمن له أن يعيش إلى أن يتوب، سواء كان من الشرك أو من الربا أو من الزنا، التوبة تهدم ما كان قبلها، هل معنى هذا أننا إذا قلنا للزاني رغبناه في التوبة، وأنها تجب ما قبلها أننا نهون عليه الزنا يزني حتى يتوب فيما بعد؟! لا ليس الأمر كذلك، بل عليه أن يتوب فوراً، لكن إذا تاب التوبة الشرعية المقبولة بشروطها تاب الله عليه {فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] هذا نص القرآن.

ص: 9

((والتولي يوم الزحف)) المقصود به الفرار عند لقاء العدو؛ لأن التولي في هذه الحالة مضعف للمسلمين، إذا تولى شخص وهرب ثم الذي بجانبه غلب على ظنه أنهم مهزومون؛ لأن هذا ما هرب إلا لسبب ثم تبعه، تبعه ثالث، ثم بعد ذلك انكسرت المعنويات، وهزم المسلمون، فلا يجوز التولي يوم الزحف إلا متى في صورة واحدة؟

طالب: متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة.

نعم، متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة، وما عدا ذلك لا يجوز؛ لأن هذا مما يتعين فيه الجهاد، فالجهاد يتعين إذا استنفره الإمام، وإذا حضر هنا عند لقاء العدو، وإذا دهم العدو بلده تعين عليه.

((وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) قذف المحصنات اللاتي لم يحصل منهن شيء مما يزاوله الفاجرات الباغيات الداعرات الغافلات اللاتي لا تخطر الفاحشة على بالهن، المؤمنات المتدينات العفيفات، فالقذف جرمه عظيم؛ لأنه يخدش العرض، ولا يقتصر على شخص، بل يسري إليه وإلى ولده ووالده، إلى المرأة وولدها ووالدها وزوجها، جريمة -نسأل الله السلامة والعافية-، ولذا جاء في الخبر وإن كان فيه ما فيه:((قذف محصنة يحبط عبادة ستين سنة)) ولذا رتب عليه الحد، لو أن ثلاثة قذفوا محصنة ولو كانوا من أتقى الناس مع أن قذفهم إياها ينافي التقوى لحدوا وجلدوا حد الفرية، وجاء في وصف عائشة رضي الله عنها:

حصان رزان لا تزن بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافلِ

غرثى، يعني: جائعة، إن كان ما عندها طعام إلا اللحوم النساء تجوع إيش المانع؟ هكذا ينبغي أن يكون المسلم أن لا يسلط لسانه على أحد، والقذف -نسأل الله السلامة والعافية- لأنه يدنس الأعراض، وأثره على المقذوفة، وعلى من حولها من أولادها وأبويها وإخوانها وأسرتها وزوجها وأسرة الزوج ومن قرب منهم كلهم يتدنسون بهذه الكلمة، فالأمر عظيم.

((الغافلات)) اللاتي لا تخطر الفاحشة على بالهن، أصل الغفلة: عزوف الشيء عن الذهن، يعني: لا يخطر على باله، فهؤلاء الغافلات لا تخطر الفاحشة على بالهن، وهل الغفلة عن كون الفاحشة لا تخطر على البال مدح وإلا قدح؟ مدح، وعلى هذا يفضل الغافل عن الفاحشة على من تخطر الفاحشة على باله ويجاهد نفسه عن اقترافها، أيهما أفضل؟

طالب: الثاني.

ص: 10

الشخص الذي لا تخطر الفاحشة على باله أو الذي تخطر على باله فيجاهد نفسه على تركها، والشخص الذي لا تتيسر له الفاحشة، ولا يعرض نفسه لمواقعها، أو الشخص الذي يتعرض لها ويجاهد نفسه ويجاهد غيره عن الوقوع في هذه الفاحشة، أيهم أفضل؟

طالب: الثاني.

يعني: افترض شخصاً جالس في مكتبته يطالع، جالس من أول النهار إلى آخره هذا ما خطر في باله فاحشة، هل هذا أفضل أو من عرضت له الفاحشة فجاهد نفسه وتركها؟

طالب:. . . . . . . . .

يعني هل هذا الذي جلس في مكتبته يطالع ويقرأ يؤجر على ترك الفاحشة مثل من يؤجر من عرضت له هذه الفاحشة وتركها؟

طالب: لا، الثاني.

وهل يؤجر من خطرت على قلبه الفاحشة أو تيسر له بعض أسبابها ممن تيسر له جميع الأسباب بأن جلس عليها وتركها لله -جل وعلا- فصار من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؟ أيهم أفضل؟

طالب: الثاني.

يعني عندنا شخص غافل ما طرأ على ذهنه ولا على باله ذكر للفاحشة، وشخص في مكان يمكن لو بذل السبب حصلت له الفاحشة، وبين شخص تعرض للفاحشة وضويق من أجلها، وبين شخص زاول أسباب الفاحشة وعمل مقدمات الفاحشة، ثم قال: إني أخاف الله، أيهم أفضل؟

طالب: الأخير ..

الأخير الذي هو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

الثالث.

طالب:. . . . . . . . .

عندنا مراحل، هذا في مكتبته ما خطر على باله أي فاحشة، هل نقول: هذا يؤجر على الفاحشة غافل عن الفاحشة؛ لأن الغفلة هنا سيقت مساق المدح، فهل الغفلة في هذا الباب مطلوبة مطلقاً؟

طالب:. . . . . . . . .

إذن عندنا أمور: غفلة ابتدائية، وغفلة تنشأ عن مجاهدة هذا شيء، وعندنا مباشرة أسباب والامتناع من أجل الله -جل وعلا- عن وصول الغاية.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 11

عندنا الحديث السابق: ((ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)) وأيضاً: ((من الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار رجل بذل الأموال، ثم بعد ذلك تمكن من المرأة، فقالت له: يا عبد الله اتقِ الله)) فاتقى الله -جل وعلا-، فاستحق هذه الكرامة، فدل على أنه ممدوح، فالغافل الذي لا تخطر الفاحشة على باله لا شك أنه أقل درجة ممن تيسرت له الأسباب وتركها لله -جل وعلا-، لكن هذا بالنسبة للفعل وعدمه، لكن بالنسبة للقذف الذي معنا هذا الذي تعرض .. ، يعني نفترض شخص غافل غفلة تامة عن الفواحش وفي مكتبته ليل نهار، وشخص يتعرض للأسواق وصاحب محل ويجاهد نفسه، يعني هل قذف هذا الذي في مكتبته ما يخرج من المكتبة، أو ما يخرج من المسجد قذفه مثل قذف هذا الذي يرتاد الأسواق؟ لا، فهذه غير تلك المسألة، هذه مسألة أخرى.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الرحمين، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

ص: 12

"وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل حرم عليكم)) " فالتحليل والتحريم إنما هو لله -جل وعلا-، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما هو مبلغ عن الله -جل وعلا-، الرسل يبلغون عن الله ما يحله وما يحرمه على عباده، فجاء في بعض الأحاديث نسبة التحليل والتحريم إلى الرسل ((إن إبراهيم حرم مكة)) ((إن الله ورسوله ينهيانكم)) فالإضافة الحقيقة والنسبة الحقيقة إلى الله -جل وعلا-، وقد ينسب الفعل إلى الواسطة من باب التجوز {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ} [(42) سورة الزمر] مع قوله -جل وعلا-:{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [(61) سورة الأنعام] فالذي يتوفى الأنفس هو الله -جل وعلا-، لكن لما كان الرسل من الملائكة وسائط يتولون قبض روح الإنسان نسب إليهم، كما ينسب الفعل إلى الشخص نفسه، يصح أن تقول: مات زيد، وروحه خرجت حتف أنفه قهراً عليه، واللغة تستوعب ذلك، وتتسع له، فالله -جل وعلا- له التحريم والتحليل وليس لأحد شركة في هذا الأمر {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ} [(31) سورة التوبة] عبدوهم وإلا ما عبدوهم؟ "قال: لسنا نعبدهم، قال:((يحرمون الحلال فتحرمونه، يحلون الحرام فتحلونه؟! )) قال: نعم، قال:((تلك عبادتهم)) فالتحليل والتحريم إنما هو لله -جل وعلا-، وهذا شرك في التشريع، والله المستعان.

((إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات)) عقوق الأمهات يعني عصيان الأمهات، وإيصال الأذى، أي نوع من أنواع الأذى من التأفيف فما فوق، كل هذا حرام على الولد تجاه أمه، والتنصيص على الأم لعظم حقها، وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها، وإلا فالأب أيضاً يحرم عقوقه كالأم، لكن عقوق الأم أشد؛ لأن حقها أعظم، ولأنها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها غالباً.

ص: 13

((عقوق الأمهات)) كون العقوق يصدر من فاسق لا يستغرب، لكن كونه يصدر ممن ظاهره الصلاح وممن ديدنه حضور الدروس، وطلب العلم هذا هو الغريب، وكثير من الآباء والأمهات يشكون أولادهم الذين ظاهرهم الصلاح والاستقامة، تجده من أيسر الأمور أن يركب مع زميله لأي مشوار، والمشوار لزميله، يقول له: نبي نروح الآن سيارتي يقول للزميل: متعطلة أبيك توديني إلى التشليح مثلاً، هذا بعد صلاة العصر، ويركب معه، ويمضي العصر كامل والمغرب والعشاء وهو ما له مصلحة، والجو حار، والمناظر بعد ليست مؤنسة، ومع ذلك يسهل على نفسه هذا الأمر، لكن لو تقول له الوالدة: أنا أذهب إلى أختي في نفس الحي ضاق بها ذرعاً، وتضمر منها، وأنا مشغول، وأنتم عطلتموني عن طلب العلم، هذا مع الأسف يحصل من بعض طلاب العلم، كثير من الآباء يشكو، كثير من الأمهات أيضاً تبكي من ولدها، يسمع في الدرس مثلاً أن الورع كذا مثلاً من باب الورع مثلاً يسمع من الشيخ، ثم يلزمه أبوه بهذا الأمر الذي تركه من باب الورع، ثم يقول: لا أبداً، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ويصارحه بهذا، ولا يمكن، ولا أعينك على معصية، يا أخي المسألة ورع.

ص: 14

يعني من الأمثلة شخص طلب لنفسه ولأولاده منح من ولي الأمر، فجاءت المنح باسمه وأسماء أولاده، هذا خلاف الأولى، يعني أن تطلب وتستشرف، لكن هل يقال: حرام وهو من بيت المال؟ نعم؟ ليس بحرام، عرض الأراضي على الأولاد كلهم قبلوا إلا واحد من طلاب العلم، من الملازمين للدروس، قال: أنا لا أستشرف، قال: أنت ما استشرفت جاك وأنت جالس، قال: لا أقبل، يا أخي أنت مقدم على زواج ولا عندك شيء، قال: ولو، طيب نذهب إلى المحكمة وتفرغ لي الأرض، قال: ما أعينك على معصية، في أي فقه هذا الفقه؟! حقيقة مثل هذه الصور توجد من بعض المتعلمين، يتمسك بشيء على حساب ما هو أعظم منه، فعلى طالب العلم أن ينتبه إلى هذا الأمر، لا يفعل المستحب على حساب واجب، ولا يترك مكروه ويرتكب محظور، فكثير من الأمهات تتصل بحرقة تامة تشكو من عقوق ولدها؛ لأنها تعرف أنه يحضر الدروس وطالب العلم من حلقة إلى حلقة، ومن درس إلى آخر، ووقته مشغول بالحفظ والمراجعة، طيب هذا كله عمل صالح، بل من أفضل الأعمال، لكن لا يعادل محرم، ارتكاب محرم.

((ووأد البنات)) وأد البنات دفن البنات وهن على قيد الحياة، وهذا كان العرب يفعلونه خشية العار من شدة الغيرة، والغيرة إذا زادت عن حدها الشرعي بدلاً من أن تكون ممدوحة تصير مذمومة، فكل شيء له حد شرعي، كل غريزة وملكة لها طرفان ووسط، والخير في الوسط، فالعرب كانوا يئدون البنات، يدفنونهن أحياء خشية العار، ويقتلون الأولاد خشية أن يطعموا معهم، هذه من الموبقات لاشتمالها على جريمة القتل وقتل ذي الرحم أعظم جرماً، فالتنصيص على البنات مع أنه يوجد قتل للأولاد بما في ذلك الأبناء والبنات خشية إملاق، خشية أن يطعموا معهم، وكل هذا من كبائر الذنوب -نسأل الله السلامة والعافية-، لكن التنصيص على البنات لأنه صار ظاهرة أكثر؛ لأن البنت تقتل لسببين: السبب الأول: العار، وهذا هو الكثير الغالب، والثاني: ما تشارك فيه الابن من خشية الإملاق، أو خشية أن يطعم معه.

ص: 15

((ومنع وهات)) منعاً حرم عليك المنع، منع ما يجب عليك دفعه من الزكوات الواجبة والنفقات الواجبة، لا يجوز لك أن تمنع الحق عن مستحقه "وهات" طلب وسؤال ما لا تستحقه من أمور الدنيا، فيكون الإنسان جماعاً مناعاً، هذا لا يجوز بحال، يمنع ما أوجب الله عليه {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ} [(33) سورة النور] ما هو من مالك هذا، من مال الله الذي آتاك الله وأتمنك عليه، ومع ذلك لا تسأل فالمسألة من غير حاجة تدعو إليها حرام "هات" هذه صفة، صفة زيد من الناس أنه لا يعطي، ومع ذلك ما جاءه بل يطلب، ديدنه المنع للواجبات وهات، إذا رأى شيئاً أو رأى شخصاً يظن أنه يبذل طلب منه، فالسؤال مذموم، بل من غير حاجة حرام، وجاء ذمه في النصوص.

((وكرهه لكم ثلاثاً: قيل وقال)) عمارة المجالس بالقيل والقال وكثرة الكلام، يتحدث بكل ما سمع، اليوم قيل كذا وقالوا كذا، قال زيد كذا، وقيل له كذا ((كفى بالمرء إثماً)) وفي رواية:((كذباً أن يحدث بكل ما سمع)) قيل وقال، إضاعة الوقت والفراغ الذي هو نعمه من نعم الله -جل وعلا- بمثل هذا حسرة وندامة، وقوله:((كره)) لا يعني أنه كراهية اصطلاحية التي هي مجرد تنزيه لا يترتب عليها إثم، لا، إن كان قيل وقال في حدود المباح يمكن أن يقال هذا؛ لأنه إضاعة للوقت، لكن إن كان قيل وقال وإثارة وإشاعة للإشاعات من أجل بث الذعر بين المسلمين، أو الحط من قيمة بعض الناس، أو رفع شأن لبعض الناس الذين لا يستحقون، فمثل هذا لا يجوز، والكراهة حينئذٍ تكون للتحريم.

ص: 16

((وكثرة السؤال)) كثرة السؤال إذا كان السؤال في أمور الدنيا الصحابة بايعوا النبي عليه الصلاة والسلام أن لا يسألوا أحد، فكان أحدهم يسقط سوطه فينزل من دابته ويأخذه دون أن يقول لفلان من الناس: أعطني السوط، ومن أيسر الأمور أن يجلس الإنسان والشيء بجواره لو مد يده إليه أخذه: قم يا فلان هات مصحف، قم يا فلان هات لي ماء، قم يا فلان .. ، هذا كثرة السؤال، هذا سؤال، لكن الخدمة من غير طلب من الصغير للكبير مطلوبة من غير طلب، فخدمة الصغير للكبير من غير طلب من الكبير لا تدخل في مثل هذا، كثرة السؤال يشمل أيضاً السؤال في مسائل العلم إذا لم يقصد من السؤال التفقه والفائدة، إنما يقصد منه تعجيز المسئول، أو إظهار فضل للسائل؛ لأن بعض الطلاب يعرف الجواب، لكن يسأل لا ليعرف غيره الجواب وإنما ليظهر للحاضرين أنه لديه قدرة وفهم للموضوع، ويستطيع أن يسأل سؤالاً دقيقاً، هذا إذا لم يقصد به إفادة نفسه أو إفادة غيره دخل في هذا، وإن قصد من وراء ذلك تعجيز الشيخ، وإظهار عجزه، وتعالمه على من حضر فالأمر أسوء، وقد جاء النهي عن الأغلوطات، وجاء في قوله -جل وعلا-:{لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] فقد يسأل الإنسان عن شيء يكون في جوابه ما يسوؤه، وقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأشياء فقال فلان: من أبي؟ قال: أبوك حذافة، ثم قال فلان: من أبي؟ قال: كذا، ثم غضب النبي عليه الصلاة والسلام غضباً شديداً، ثم قال:((سلوني، سلوني)) ليبين عليه الصلاة والسلام أن غضبه هذا ليس سببه العجز عن الجواب مثل ما يفعله بعض الناس، بعض الناس إذا سُئل سؤالين غضب وضاق بالسائل ذرعاً؛ لماذا؟ لأنه يخشى أن يرد عليه سؤال لا يعرف جوابه، فالرسول يقول:((سلوني، سلوني)) فبرك عمر -رضي الله تعالى عنه- بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام واستعفاه من الأمر، وفرج عنه، المقصود أن مثل هذا الذي يقصد به التعنيت، أو يكون في جوابه ما يسوء السائل، أو يسوء بعض الحاضرين مثل هذا ينهى عنه.

ص: 17

((وإضاعة المال)) إضاعة المال صرفه فيما لا ينفع في أمر الدين ولا الدنيا هذا إضاعة، هذه إضاعة، فالمال به قوام الحياة، لا يمكن أن يعيش الإنسان ويبقى النوع الإنساني بغير المال؛ لأنه بواسطته يُحصل على الطعام والشراب وغيرها من الضروريات، فكونه يضاع يترتب عليه إما أن يكون عالة على الناس يتكفف الناس، ويقع في السؤال المذموم، أو يعرض نفسه للتلف، أو يعرض نفسه لارتكاب المحرمات من سرقات وغصوب وغيرها، والتسديد والمقاربة هو المطلوب، والتوسط في هذا الباب هو المطلوب {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [(29) سورة الإسراء]{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [(67) سورة الفرقان] المقصود أن المطلوب من المسلم أن يتوسط، وكم من إنسان إضاع ماله وبقي ملوماً محسوراً، يحتاج الشيء اليسير ما يجد، وكان عنده من المال الشيء الوفير لكنه ضيعه، واشترى به ما لا يحتاجه فضلاً عن كونه يشتري به ما حرم الله عليه، فهذا يجتمع فيه الأمران، لكن إذا أكثر من شراء ما يمدح به، أو أكثر من الإنفاق في سبيل الله فهل للإنسان أن يتصدق بجميع ماله؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، وحصل هذا من أبي بكر، فإن كان له مصدر يمكن أو يغلب على الظن أنه يقتات منه فلا مانع كما هو شأن أبي بكر، وإلا فالثلث والثلث كثير، كما في حديث سعد.

إضاعة المال لها صور، وأحياناً يتعارض حفظ الوقت مع حفظ المال، فأيهما أغلى في حياة المسلم؟ الآن نضرب مثال يسير والمال الذي يضيع فيه يسير، يقول مثلاً: أنا أذهب إلى المكان الفلاني أو أرجع إلى بيتي لاستفيد من وقتي، ذهبت مع الدائري أحتاج إلى ثلاثين كيلو، ونحتاج من البنزين إلى خمسة ريالات، أو عشرة مثلاً، وإن ذهبت مع وسط البلاد وأمامي عشرين إشارة أصرف ريال واحد بنزين، لكن الدائري اقطعه بربع ساعة، ومع وسط البلد أحتاج إلى نصف ساعة، نقول: تحافظ على المال أو على الوقت؟

طالب:. . . . . . . . .

أيهما أغلى في حياة المسلم؟

طالب:. . . . . . . . .

الوقت أغلى؛ لأن وجوده، وجود الشخص نفسه هو وقته، ولا يعد مضيعاً للمال إذا حرص على حفظ الوقت، نعم.

ص: 18

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)).

كذا عندك؟

نعم.

بتقديم الحج على الصيام.

طالب:. . . . . . . . .

إيش عندك؟

لا، تقديم الحج المثبت ثم الصوم.

إيش عندك؟

الحج ثم الصوم.

تقديم الحج على الصيام؟

نعم.

ص: 19

حتى النسخة التي معنا، وهي معتنىً بها بتقديم الصوم على الحج، لكن الرواية المتفق عليها إنما هي بتقديم الحج على الصيام، يعني في الصحيحين من حديث ابن عمر:((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) هذه الرواية الموجودة في الصحيحين، وعليها بنى الإمام البخاري ترتيب الكتاب، وقدم الحج على الصيام، والجمهور على أن الصيام هو الركن الرابع، والحج هو الركن الخامس، في صحيح مسلم من حديث ابن عمر:((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)) بتقديم الصيام فقال رجل: ((وحج البيت، وصوم رمضان)) فقال: لا، ((صوم رمضان، والحج)) استدرك على ابن عمر حينما قدم الصيام على الحج، مع أنه في الصحيحين على قول الرجل المستدرك من حديث ابن عمر، هذه الرواية المتفق عليها بتقديم الحج على الصيام، والبخاري بنى ترتيب الكتاب على هذا الأساس، فقدم الحج على الصيام، وفي صحيح مسلم قدم ابن عمر الصوم على الحج، فاستدرك عليه رجل فقال:((وحج البيت، وصوم رمضان)) مع أن ابن عمر هو الراوي للحديث في الموضعين، فقال: لا، ((صوم رمضان، وحج البيت)) فمنهم من يقول: ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- حينما حدث بالحديث في هذا الوقت نسي الرواية التي فيها .. ، أو نسي تقديم الحج على الصوم، وقد أداه قبل ذلك كذلك، ومنهم من قال: ابن عمر ما نسي ويستحضر هذا وهذا وأن الواو لمطلق الجمع، وأراد بهذا الرد وتأديب هذا المستدرك، كأنه لما رد على ابن عمر قال: لا، ((وصوم رمضان، والحج)) يريد أن يؤدبه، كيف يتكلم بحضرة صحابي جليل هو الذي سمع الحديث من النبي عليه الصلاة والسلام؟ أحياناً بعض الناس يعني يوجد من عجلة بعض الناس وهذه لا شك أنها تحمل أحياناً على سوء الأدب، أحياناً يستدرك على شخص في اسمه، يذكر اسمه ويكون معروف بأكثر مثلاً من اسم أو لقب أو كنية أو شيء من هذا، فيعرف بنفسه: أنا أبو فلان الفلاني، يقول: لا، أنت فلان بن فلان، أو العكس مثلاً، هذا يوجد من بعض الناس عجلة بهذه الطريقة، وأحياناً يصوب في

ص: 20

كلام الشخص نفسه فيما يعنيه، ابن عمر أراد أن يؤدب هذا الشخص، يعني أنا صاحب الشأن، أنا الذي سمعته من النبي عليه الصلاة والسلام كيف ترد عليَّ؟! قال: لا ((وصوم رمضان، والحج)) وكلام المستدرك صحيح؛ لأنه في الصحيحين على كلام المستدرك، لكن لعل ابن عمر سمعه على الوجهين، وأراد مرة أن يبلغه على هذا الوجه، ومرة على الوجه الثاني ولا مانع لأن الواو لمطلق الجمع.

نعم الأولية لها نصيب في الأولوية، حينما يقدم في الذكر الصوم على الحج نعرف أن الصيام عند الشارع أهم من الحج أو العكس، فالرواية التي فيها تقديم الصيام على الحج هذه رواية مسلم، وعرفنا أن الأحاديث الأربعين كلها متفق عليها، فالرواية الصحيحة:((حج البيت، وصوم رمضان)).

((بُني الإسلام على خمس)) بُني البناء بناء الشيء على غيره، بناء الشيء على شيء آخر أو بناء الشيء على شيء يدل على أن المبني غير المبني عليه، صح وإلا لا؟

طالب: الأصل يا شيخ.

إذا بنينا شيء على شيء فمعناه أن الشيء المبني غير المبني عليه، وإذا رتبنا نتيجة على وسيلة صارت النتيجة غير الوسيلة، وقل مثل هذا:((بُني الإسلام على خمس)) يعني في البناء الحسي ظاهر أن المبني غير المبني عليه، وهنا المبني الإسلام، والمبني عليه الخمس التي هي الدعائم والأركان، فهل الإسلام غير الخمس أو هو الخمس؟ لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام أجاب بهذه الخمس، فدل على أن المبني والمبني عليه شيء واحد، أو أن نقول: الإسلام في مسماه حقيقة معنوية ترجمتها هذه الأمور العملية، يعني: هناك دقائق قد لا ينتبه لها، وتقرأ على أنه ما فيها إشكال، في حديث:((إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحد)) ما الداعي لقوله: ((مائة إلا واحد)) مو بتأكيد العدد؟ تأكيد العدد يأتي من يشرح الحديث ويقول: فيه دليل على أن الأسماء الحسنى مائة ((تسعة وتسعين)) ((مائة إلا واحد)) وتقول: في الحديث ما يدل على أن الأسماء الحسنى مائة اسم؟! له وجه وإلا ما له وجه؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

له وجه، والرسول يقول: ((تسعة وتسعين

مائة إلا واحد))؟ ما وجه هذا الكلام؟ من الحديث نفسه، من الحديث، نعم؟

ص: 21

طالب:. . . . . . . . .

من إيش؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف صارت مائة؟

طالب: إن لله

نعم، أضاف إليها المسمى الذي هو لفظ الجلالة الله، هذا الاسم (الله) له تسعة وتسعين اسماً يعني غيره، إذن تكون مائة، هذا إذا قلنا: إنها غير، وإذا قلنا: إن المسمى بهذا الاسم له تسعة وتسعين منها هذا الاسم، وهو قول الأكثر، يعني: الذات الإلهية إن صح إطلاق اللفظ، الذات، يصح إطلاق الذات على الله -جل وعلا-؟ أهل العلم يقولون: الكلام في الصفات فرع عن الكلام

طالب: في الذات.

في الذات، وإبراهيم عليه السلام كما في البخاري كذب ثلاث كذبات ثنتان منها في ذات الله، فهل لنا أن نثبت لله ذات؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

نقول: لله ذات؟ نقول: له نفس {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [(116) سورة المائدة] لكن هل نقول: له ذات؟ من خلال حديث إبراهيم، كذب ثنتان في ذات الله، وأيضاً قول الصحابي: وذلك في ذات الإله، يعني هل مجيء الذات في هذين الخبرين يساوي النفس أو أنها من أجل الله؟

طالب:. . . . . . . . .

من أجله، نعم من أجله، وليس المراد به في ذات الله؛ لأنه لو قلنا: في ذات الله و (في) للظرفية صار محل لهذه الأمور، وليس الأمر كذلك، ولا يوجد دليل يدل على إثبات الذات إلا حديث -إن صح-: ((تفكروا في آلاء الله

ولا تتفكروا في ذات الله)) هذا -إن صح- صار دليل على إثبات الذات، وشيخ الإسلام رحمه الله يكثر من قول: الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يقرر هذا الكلام، يقرر أن حديث إبراهيم ما فيه دليل.

((بُني الإسلام على خمس)) أي: خمس دعائم، في رواية: خمسةٍ، خمسة أركان، وإذا حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث ((من صام رمضان وأتبعه ستاً)) الأصل أن تكون ستة لأن التمييز مذكر.

((على خمسٍ: شهادة)) بدل بعض من كل ((شهادة أن لا إله إلا الله)) إذا قلنا: بُني الإسلام على خمسٍ أحدُها: شهادة أن لا إله إلا الله، أو نقول: أحدِها بناءاً على أنه بدل؟ اختلف العلماء في كذا على خمسةِ أقوالٍ أحدُها أو أحدِها؟

طالب:. . . . . . . . .

بالرفع وإلا بـ

؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 22

نعم ما تجي نصب، المسألة إما جر بدل، أو الرفع على الاستئناف والابتداء.

طالب:. . . . . . . . .

أيهما أفصح؟

طالب:. . . . . . . . .

هو يجوز الوجهان لكن أفصحهما؟

طالب: البدل.

هاه؟ البدل؟ {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا} [(76) سورة النحل] نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، الابتداء أفصح.

((شهادة أن لا إله إلا الله)) الشهادة هي الإقرار والاعتراف والنطق بحيث يكون هذا المقر به والمعترف به، وهذه الكلمة المنطوق بها كالمرئي المشاهد، سميت شهادة ليش؟ الأصل في المشاهدة الإبصار، وإذا بلغ اليقين إلى هذا الحد إذاً لا شيء وراءه، يعني: الأخبار ليس الخبر كالمعاينة صح وإلا لا؟ لو جاءك شخص من أوثق الناس وقال: جاء زيد، هل هو أقوى مما لو رأيت زيد بعينك؟ نعم؟ لكن من الأخبار ما يساوي المعاينة، يعني قصة الفيل مثلاً التي شاعت وكثر الحديث عنها في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولم يدركها لأنه ولد عام الفيل، بلغته بطريق يشبه أو يكون في حكم المعانية، ولذا قال:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] فهنا الشهادة على المقر بها التي هي كلمة التوحيد والمعترف بها، والمذعن لها، والناطق بها أن يكون اعتقاده لها في حكم اعتقاده بالمشاهد.

ص: 23

((شهادة أن لا إله إلا الله)) وهذه الكلمة هي التي تعصم الدم ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) والنطق لا بد منه ((حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) وعلى هذا لو وقر الإيمان في قلب عبد ولم يتمكن من النطق بها، وقر الإيمان في قلبه ولم يتمكن من النطق بها، جزم يقيناً بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبد الله ورسوله، لكن ما وفق بأحد يلقنه هذه الشهادة، أو يذكر له أنه لا بد من النطق بها، هل يدخل في الإسلام أو ما يدخل؟ الغاية:((حتى يقولوا)) هذا ما قال، ولذا يقرر أهل العلم أنه ليس بمسلم حكماً، وأما فيما بينه وبين ربه الله يتولاه، لا يستطيع أحد أن يحول بينه وبين ربه، لكن في أحكام الدنيا ما أسلمت؛ لأن الغاية ما تحققت ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) قد يقول قائل: هذا يستبعد أن إنسان يقر الإيمان في قلبه ومع ذلك لا ينطق، ليش ما ينطق؟

يعني سؤال يقول: شخص له صديق نصراني ووقر الإيمان في قلبه، واقتنع بالإسلام، وذهبنا إلى شيخ ليلقنه الشهادة، الشيخ ما وفق لأن المسألة ما تحتاج إلى وقت، قال: الآن باقي على صلاة الظهر ربع ساعة، ونبغي نتجهز للصلاة، وإذا صلينا -إن شاء الله- نلقنه الشهادة، خرجا من عنده في تبادل إطلاق نار وقتل، ويسأل هل هو مسلم يغسل ويكفن ويصلى عليه وإلا ما هو مسلم؟ نقول: لا، حكماً ما أسلم، فهذا الشيخ محروم حقيقة حرم نفسه وحرم هذا المسكين، ومع ذلك فيما بينه وبين ربه الله يتولاه ((حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) فالركن الأول من أركان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله.

ص: 24

((وأن محمداً عبده ورسوله)) هذه من لوازمها ولا تتم إلا بها، وإذا لم تذكر في بعض الروايات فلأنها ذكرت ولأنها من متطلبات شهادة أن لا إله إلا الله إذ لا تتم إلا بها، لكن في حديث:((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) يعني: في النزع قال: لا إله إلا الله، محمداً رسول الله، نقول: هذا آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله أو آخر كلامه من الدنيا محمداً رسول الله؟ عرفنا أنه لا يدخل في الدين حتى يشهد بلسانه، لكن في خروجه من الدنيا، وكان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله محمداً رسول الله هل نقول: دخل في الحديث؟ دخل وإلا ما دخل؟ يعني الآن ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) وشخص قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وقد يضيف إلى ذلك ما هو حق، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، أتى بكلام حق، هل يصدق عليه أنه صار آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله؟ يعني: مثل ما قلنا في الأذكار السابقة، يعني: من جاء بالمشروع وزيادة هل يصدق عليه أنه جاء بالمشروع؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لكن هل هذا يصدق عليه أنه آخر كلامه أو تكلم بكلام غيره؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 25

هو من اللوازم في الدخول، لا يدخل الإسلام حتى يشهد أن محمداً رسول الله، لكن إذا أردنا أن نطبق حقيقة حرفية الحديث ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) هل يدخل في هذا الوعد إذا قال: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ثم قبضت روحه، نقول: أتى بالمراد وزيادة؟ أو نقول: فاته الوعد في هذا الحديث ولم يحرم أحاديث أخرى؟ لأنه افترض أنه ما قالها مثلاً، هل معنى هذا أنه يدخل النار؟ حيل بينه وبين أن يقولها، ارتج عليه، أغمي عليه ما قالها، نعم، ليس معنى هذا أنه يدخل النار، وعلى هذا يحرص الإنسان أنه يلقن المحتضر أن لا يزيد على لا إله إلا الله، يعني: إن كان في فسحة من المدة، ورأى عليه أمارات البقاء مدة يقول فيها ما ينفعه من ذكر وغيره لا بأس، ويذكره ببعض الأمور؛ لكي يتوب إلى الله -جل وعلا- منها، ثم بعد ذلك يكون آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله هذا هو المطلوب.

((وأن محمداً عبده ورسوله)) عليه الصلاة والسلام، عبد ورسول، في هذا رد على الغلاة والجفاة كونه عبد رد على الغلاة الذين يصرفون له بعض حقوق الرب -جل وعلا-، وإثبات الرسالة له رد على الجفاة، والجمع بينهما سبيل الأمة الوسط، وفي أشرف المقامات نص على العبودية {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [(1) سورة الإسراء]{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [(19) سورة الجن] في أشرف المقامات ينص على العبودية، والعبودية بالنسبة للعابد شرف؛ لأنها هي الهدف من وجوده، هذا الهدف أو هذا الأمر الذي هو تحقيق العبودية هو الهدف من وجود الجن والإنس، وسيدهم ومقدمهم محمد عليه الصلاة والسلام.

ص: 26

والركن الثاني: ((إقام الصلاة)) وإقامة الصلاة يشتمل على قدر زائد على مجرد أدائها والإتيان بها، فإقامتها وتقويمها على ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام هو المطلوب، لكن هل الركن الصلاة أو إقام الصلاة؟ في الحديث:((إقام الصلاة)) وإذا قلنا: إن الركن إقام الصلاة، وعرفنا أن إقام الصلاة قدر زائد على ما يسقط الطلب ويصحح العبادة؛ لأن إقام الصلاة وتقويمها على ضوء ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام على الطريق والهدي المستقيم الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن اللفظ يوحي بهذا، ما قال: وأداء الصلاة والإتيان بالصلاة أو والصلاة لتصدق على ما يسقط به الطلب، وعلى كل حال التنصيص على إقامة الصلاة في نصوص كثيرة يدل على أن المطلوب من المسلم أن يصلي كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم.

((وإيتاء الزكاة)) دفعها ممن وجبت عليه إلى من وجبت لهم من الأصناف الثمانية بشروطها المعروفة عند أهل العلم.

((وصوم رمضان)) أو ((وحج البيت، وصوم رمضان)) وكلاهما ركن من أركان الإسلام، وتفصيل أحكام الأركان مدون في الكتب، وله مناسباته.

ص: 27

هذه الأركان الخمسة الركن الأول الذي لا يأتي به لم يدخل في الإسلام إجماعاً وهو الشهادتان، الثاني وما يليه الذي لا يعترف بها يكفر إجماعاً ولو جاء بالشهادتين، من يجحد بقية الأركان يكفر اتفاقاً، لكن الذي يعترف بها ولا يأتي بها، بمعنى أنه لا يصلي ولا يزكي ولا يصوم ولم يحج، كفره يعني كفر تارك أحد الأركان الأربعة العملية قول معروف في مذهب مالك ورواية عن أحمد، وأشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان، يعني: من لم يحج يكفر، من لم يصم رمضان يكفر، من لم يزك كافر، ومن لم يصل من باب أولى، هذا قول معروف، والجمهور على أنه لا يكفر بالنسبة للأركان الثلاثة، إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، الجمهور على أنه لا يكفر، وإن كان على خطر، على خطر عظيم {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ} [(97) سورة آل عمران] وأبو بكر -رضي الله تعالى عنه- قاتل المرتدين وفيهم من منع الزكاة، وشأن الصيام عظيم، وأما الصلاة فالقول بكفره قول متجه، والنصوص فيها أكثر من غيرها ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)((بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) ولذا المفتى به أن تارك الصلاة كافر كفر أكبر مخرج عن الملة، وأما بقية الأركان فالجمهور على عدم كفره، نعم.

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

ص: 28

"وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث)) " يعني خصال أو خلال ((من كن فيه)) يعني إذا اجتمعن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان في قلبه، وكثير من المسلمين لم يجد حلاوة الإيمان، الإيمان إذا باشر القلب، الإيمان الصحيح الذي يصير الهوى تبعاً له يدور مع إيمانه، ومع ما يمليه عليه إيمانه بهذا يجد حلاوة الإيمان، بعض الناس يسيره هواه، نعم هو في الأصل مسلم يعترف وينقاد، لكن يبقى أنه لو تعارضت مصلحته الخاصة مع الأوامر الشرعية أو النواهي الشرعية قدم هواه على ما يريده الله -جل وعلا- ورسوله.

((وجد بهن حلاوة الإيمان)) الإيمان له حلاوة، والخلوة بالله لها أنس، والمناجاة لها لذة، وكثير من الناس من طلاب العلم لا ....

ص: 29