الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر -
كتاب الجامع (5)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره -أو أجله- فليصل رحمه)) من أهل العلم من يرى أن الزيادة في الرزق والأجل زيادة معنوية لا حسية، كتب له من الرزق كذا لن يزيد، وكتب له من الأجل كذا لن يزيد ولن ينقص ولو وصل رحمه، لكن الزيادة زيادة معنوية، بركة، بمعنى أنه يكون رزقه مثل رزق زيد من الناس، أو أقل من رزق زيد من الناس، لكن يكون في هذا الرزق من البركة ما يجعله يفوق ما يكسبه زيد أضعاف مضاعفة، وهذا القول له وجه. . . . . . . . . عند أهل العلم، وقل مثل هذا في الأجل، يكتب له من الأجل سبعون عاماً، ويصل رحمه ليزيد إلى ثمانين؟ ما يزيد، سبعين، لكن عن مائة وخمسين مثلاً بالنسبة لعمر زيد، والواقع يشهد بذلك، تجد من الناس من يعيش مائة سنة، فإذا مات كان نسياً منسياً، ما كأنه وطأ على الأرض، ومنهم من يعيش خمسين سنة أو أقل ويملأ الدنيا علماً وعملاً، هذه الزيادة في الأجل، والعبرة بما يودع في هذه الخزائن، الأيام خزائن، ثم ماذا إذا وضعت في بيتك ألف خزينة وكلها فارغة، أفضل منها خزينة واحدة مملوءة، أفضل وإلا ما هي بأفضل؟ ألف خزينة فاضية لا قيمة لها، اللهم إلا إذا قلت: ببيع هذه الخزائن، لكن في مسألتنا ما يمكن بيعها، الأيام الذي هو الظرف الذي تعيشه إذا كان فارغاً مما ينفعك في آخرتك فلا قيمة له، عشت سبعين أو عشت مائة أو مائتين لا فرق، فالعبرة بما يودع في هذه الخزائن، والأمثلة كثيرة نرى من الناس من يعيش المائة مثل ما ذكرنا، ومن أهل العلم من عاش في الثلاثينات الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله كم؟
طالب:. . . . . . . . .
خمسة وثلاثين أو أربعة وثلاثين سنة، وعلمه ملأ الدنيا -رحمة الله عليه-، النووي ستة وأربعين سنة في كل مسجد من مساجد الدنيا قال: قال -رحمه الله تعالى-، وغيرهم كثير، شيخ الإسلام ابن تيمية كم؟ من واحد وستين إلى ثمانية وعشرين يعني سبعة وستين سنة، المقصود أن مثل هذه الأعمار إذا قيست بالأعمال التي طرح الله ووضع فيها البركة لا شيء، حُسب بعض التصانيف لبعض العلماء وقسمت على مدته التي عاشها ووجد يكتب في اليوم تسع كراريس، فإذا أردت أن تنظر إلى البركة انظر في نفسك وفيمن حولك، إذا أردت أن تحرر مسألة، كم تحتاج هذه المسألة من وقت؟ تحتاج مسألة لتكتب فيها صفحتين أو ثلاث تحتاج إلى أوقات طويلة، شيخ الإسلام رحمه الله كتب الفتوى الكيلانية وصاحبها مستوفز يريدها مائتين وثلاثين صفحة، فالعبرة بالبركة.
من أهل العلم من يرى أن الزيادة حقيقية، وأنه يكتب له في اللوح المحفوظ ستون سنة فيصل رحمه فيزاد عشرين، فيعيش ثمانيين سنة، ويكون هذا فيما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ، وأما ما في علم الله -جل وعلا- يعلم -جل وعلا- أنه يصل رحمه، ويزيد بسبب الصلة إلى ثمانين، وهذا أيضاً قول معتبر عند أهل العلم، فما في علم الله -جل وعلا- لا يتغير، والذي في علم الملك يتغير، قوله -جلا وعلا-:{فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [(34) سورة الأعراف] هذا إذا جاء، افترض في زيادة الصلة قبل مجيء الأجل، يعني يمكن أن يجاب بهذا.
((وعمله)) ما الذي يعمله مما يمكن أن يكتب عليه من الأعمال يدون هذا، الكذا من الطاعات، ويفعل كذا من المعاصي، ويفعل كذا، يكتب عليه كل شيء في الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
((وشقي أو سعيد)) النتيجة هل هو شقي أو سعيد؟ ولا ثالث لهما {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ} [(105 - 106) سورة هود] أعمالهم معروفة، ومآلهم معروف، وأما الذين سعدوا كذلك، فليحرص الإنسان على ما ينفع، قد يقول قائل: ما دام مكتوب عليَّ وأنا في بطن أمي كيف أعمل؟ قد سأل الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام هذا السؤال، قال:((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) يعني ما فيه جبر، في شيء من الاختيار للإنسان ما الذي يمنعه أن يقوم فيصلي ركعتين؟ ما الذي يمنعه من أن يفتح المصحف ويقرأ ما كتب له؟ هل وجد الإنسان من نفسه في يوم من الأيام أنه وضع المصحف في يده فأُخذ منه؟ لا، أو حيل دونه ودونه؟ لا، إنما هي أعمالك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واحرص على أن تكون من أهل السعادة.
((فو الذي لا إله غيره)) يقسم النبي عليه الصلاة والسلام بالذي لا إله غيره وهو الله -جل وعلا-، ((فو الذي لا إله غيره)) وما طلب منه القسم، فيجوز الحلف من غير استحلاف، لا سيما في الأمور المهمة، كثيراً ما يقول:((والذي نفسي بيده)) كما تقدم، وهنا يقول:((فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة)) أعمال أهل الجنة من الصلاة والزكاة والصيام والحج والبر والصلة والذكر والتلاوة والجهاد وغيرها من أعمال أهل الجنة، ويجتنب مع ذلك المحرمات، فلا يعرف بشيء منها ((فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل)) تأكيد بالقسم، و (إن) واللام ((ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً)) يعني هذا تمثيل وإلا المقصود به الزمن اليسير من مدة حياته التي إذا فارقها دخل الجنة بسبب عمله، وإن كانت الجنة لا تنال بالعمل، وإنما العمل سبب ((إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار)) نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله حسن الخاتمة ((فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) والعبرة بالخواتيم، وبالمقابل:((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً)) كسابقه يعمل بالجرائم، بالمنكرات، يترك الوجبات، يرتكب الموبقات، حتى ما يكون بينه وبين النار بوفاته إلا ذراع، زمن يسير يمكنه أن يتوب فيه إلى الله -جل وعلا-، فيسبق عليه الكتاب الذي كتب عليه، وهو في بطن أمه، يسبق عليه الكتاب الذي كتب عليه في بطن أمه، أو في اللوح المحفوظ ((فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)) يتوب، والتوبة تجب ما قبلها، وتهدم ما كان قبلها ((إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب)) الذي كتب عليه وهو في بطن أمه ((فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) يدخلها مؤقتاً أو مخلداً؟ على حسب ما يعمل في آخر حياته، إن عمل بعمل أهل النار مما يقتضي الدخول دون الخلود حصل له ذلك، وهو في ذلك تحت المشيئة، وإن عمل من عمل أهل النار ما يقتضي الخلود خلد فيها كالكفار -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني شخص يتعبد سبعين ثمانين سنة، وفي آخر لحظة يرتد
-نسأل الله السلامة والعافية-، أو يعمل بعمل أهل النار من الكفر والفسوق والفجور، ثم بعد ذلك يتوب يسلم، يدخل في الإسلام ويتوب ويحسن إسلامه ويدخل الجنة، والله -جل وعلا- لا يُسأل عن ما يفعل، وهذا الحديث مخوف يخاف منه السلف خوفاً شديداً، جاء في بعض روايته:((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس)) ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس)) فالذي يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس يكون ظاهره صالح، ولكن باطن العمل فاسد؛ لأنه لم يخلص فيه لله -جل وعلا-، ومثل هذا يُمكر به في الغالب، إن لم يوفق لتوبة نصوح.
عندنا النص المطلق حديث الباب والنص المقيد الذي قوله: ((فيما يبدو للناس)) قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي ذلك، وأن من عمل لله بعمل أهل الجنة محققاً شروط القبول، مخلصاً لله -جل وعلا-، متابعاً لنبيه عليه الصلاة والسلام أنه لا يحصل له مثل هذا؛ لأن الحديث تفسيره الرواية المقيدة ((فيما يبدو للناس)) وأهل العلم يقولون: الفواتح عنوان الخواتم، وأنه إذا وجد تغير في آخر العمر دل على أن عمله السابق غير خالص لله -جل وعلا-، والرواية المطلقة قد يكون خالص لله -جل وعلا-، يرجو ثواب الله، ويخشى عقاب الله، مخلصاً لله، متابعاً لنبيه، ثم بعد ذلك يحصل له ما يحصل، فهل يحمل المطلق على المقيد؟ وهل يستطيع المسلم أن يأمن على نفسه مع هذه النصوص حتى بالروايات المقيدة؟ القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن، وما سُمي القلب إلا أنه يتقلب، والنبي عليه الصلاة والسلام يكثر من قوله:((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) فمثل هذه الأمور لا بد أن تورث خوف، ووجل في نفس المسلم، لا يقول: أنا والله أنا أعمل مخلص لله -جل وعلا-، متابع، حريص على اتباع السنة، وأنا في مأمن من أن .. ، لا، ما يمكن، دعواك هذه وتصورك عن نفسك هذا التصور قد يوقعك في المكر، ويُمكر بك وأنت لا تشعر، والسلف عموماً عندهم خوف شديد من سوء العاقبة، وديدنهم الدعاء بحسن الخاتمة، نسأل الله للجميع حسن الخاتمة، فعلى الإنسان أن يحسن عمله، ويخلص في عمله، ويتابع ويحرص على متابعة النبي عليه الصلاة والسلام، ويلهج دائماً بدعاء الله -جل وعلا- أن يثبته على دينه حتى يقبضه.
نعم.
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه .... "
هنا مسألة يمكن أن يشار إليها، وهي أن شخصاً عمل بعمل أهل الجنة مخلصاً لله -جل وعلا-، متابعاً لنبيه عليه الصلاة والسلام مدة طويلة سبعين أو ثمانين سنة وقبض على ذلك، وهو على خير عظيم، وأنه لا يجزم له بشيء، لكنه على غير عظيم، وآخر عمل نفس المدة بضد ما عمله الأول، ما ترك فاحشة ولا جريمة ولا كبيرة ولا صغيرة إلا ارتكبها، نفس المدة ثمانين سنة، في آخر عمره وفق لتوبة نصوح، أيهما أفضل؟ الأول وإلا الثاني؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، ختم له بخير، هذا عاش ثمانين سنة يعمل الأعمال الصالحة وقته معمور بالعبادة وقبض على ذلك، والثاني بضده إلا أنه وفق لتوبة نصوح، وبدلت سيئاته حسنات، ومات على ذلك، على التوبة النصوح، وبدلت كل السيئات التي ارتكبها حسنات، أيهما أفضل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يا الإخوان.
طالب:. . . . . . . . .
يقول: إن الذي عمل بالطاعة هذه المدة الطويلة ليس بمعصوم، قد تخلل هذه المدة شيء من المخالفة، وأما الذي عمل بمنكرات ثم تاب وبدلت سيئاته حسنات كلها، طيب، يقول: هذا ما تخلله شيء يخدش فيه؛ لأنها كلها حولت، فعلى هذا الثاني أفضل {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] نعم؟ لكن هل يستويان؟
طالب:. . . . . . . . .
أولاً: الذي عمل الحسنات طيلة عمره حسناته مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، المسألة مفترضة من شخص مخلص متبع، والشخص الذي بدلت سيئاته حسنات هل هذه الحسنات مضاعفة أو غير مضاعفة؟ لأن البدل له حكم المبدل، والسيئة لا تضاعف، إذاً الحسنة لا تضاعف، تبدل سيئة بحسنة، يعني مقابلة الحسنات {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، يعني سيئة بحسنة، فهل يستويان؟ يستويان وإلا ما يستويان؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يستويان، لا يستويان، وهذا من عدل الله -جل وعلا-، وإن كان في كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما يدل على أن الحسنات المنقلبة عن سيئات لا يوجد ما يمنع من مضاعفتها، لكن العدل الإلهي لا شك أن الذي عمل بالطاعة والخدمة هذه المدة الطويلة ولم تحصل منه مخالفة، قد تحصل الزلة فيبادر بالتوبة منها، وأما الذي عمر عمره كله بالسيئات على كل حال فضل الله لا يحد، وهذا عنده -جل وعلا-، لكن في الميزان الشرعي لا يستويان.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، أنت لا تفترض أنه عاش بعد عشر سنين عشرين سنة، عاش بحيث تمكن من التوبة النصوح .... ، بدل كل سيئة حسنة.
طالب:. . . . . . . . .
هو {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [(70) سورة الفرقان] هذا الشرط، يعمل.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يبدل هو بنفسه؟ يبدل الله ما هو الذي يبدل.
طالب:. . . . . . . . .
هو الأصل أن الله -جل وعلا- يبدل، معاصيه بدلت يعني جزاء معاصيه بدل بحسنات، وعلى هذا لو قلنا بما قاله الأخ: إنه لا بد أن تتبدل حاله فيعمل في مقابل كل سيئة حسنة ذهبت منه على هذا يعمر طول العمر الذي فات وإلا ما يتم الشرط.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، ما يجي.
طالب:. . . . . . . . .
تفضل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودناه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ )) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: واقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [(30) سورة الروم].
نعم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود)) " مولود نكرة في سياق النفي فهي للعموم، ومن هذه أيضاً للتأكيد، تأكيد العموم ((ما من مولود)) يعني لا يمكن أن يولد مولد يخرج عن ما ذكر ((إلا يولد على الفطرة)) وما في مولود يولد يهودي أو يولد نصراني إنما يولد على الفطرة، على الدين الصحيح ((فأبواه)) تأتي المؤثرات الخارجية، الأصل أنه على الدين الصحيح، على الميثاق الذي أُخذ عليه ((فأبواه)) لا شك أن للأبوين أثراً كبيراً في حياة الابن، فإذا كانا يهوديين سعيا في تهويده، وإذا كانا نصرانيين أثرا عليه فجعلاه نصرانياً، وإذا كانا مجوسيين فالأمر كذلك، فالبيئة لها أثرها على الشخص، وللأبوين من التأثير على الولد الأثر البالغ، فهو ينشأ عن تربيتهما، ويعيش في أحضانهما، ويتأثر بأقوالهما وأفعالهما، ولهما عليه من اليد والمنة ما يفرض هذا الأثر أحياناً، وللأب من القوة والسلطة على ابنه ما يجعله يؤثر عليه، فليحرص الآباء على أن يكون لهم أثر حسن في تربية أولادهم، فالذي يتولى تربيته أبوه وينشئه على الدين وعلى الخير والفضل، وكذلك الأم لا شك أنه أولاً: هذا جهاد في سبيل الله، تنشئة جيل صالح ينفع نفسه وينفع أمته ودينه هذا جهاد، لكن الملاحظ مع الأسف الشديد أن أكثر الآباء مشغول عن تربية أولاده، فإذا لم يتول الأب التربية تولاه الناس، فإن وفق لمعلم مشفق ناصح يأخذ بيده صار ذلك سبباً في هدايته، وإلا تلقفه الأشرار وحرفوه عن سواء السبيل، مع الأسف أن الأمهات وعملهن الأصلي التربية، انشغلن عن أولادهن بأعمالهن، أو بلا شيء أحياناً سهر وقيل وقال مع الأقارب والجيران في الليل، ونوم في النهار، ويُترك الأولاد، تترك تربيتهم للعاملات، وقد جاء هؤلاء العاملات من بلدان شتى، ومع الأسف أنه يوجد في العاملات من غير المسلمين، ووجد من أبناء المسلمين من يقسم بالمسيح في بيوت المسلمين، ووجد من يشرك، والأصل فيه أنه على الفطرة، ومن أبوين مسلمين، وقد يكون من أولاد بعض من يتنسب إلى العلم، والأم قد تكون صالحة وداعية أحياناً تنتقل من مكان إلى مكان، والأب يعلم الناس الخير ولا يفرغ لأولاده أن يوجههم، ويسدي
لهم النصيحة، لا شك أن هذا خلل في التصور، يعني يعنى بأولاد الناس، ويقضي وقته كله مع الناس، في وظيفته، في عمله، أحياناً في دعوته، وأولاده في أمس الحاجة إليه فلا بد من التوازن، يصرف لأولاده ما يكفيهم لينشئوا على الدين والخير والفضل، ويصرف للناس ما يستطيعه، فالتربية شأنها عظيم، ولذا يقول -جل وعلا- في الدعاء المعروف:{وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا} إيش؟ {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [(24) سورة الإسراء] فالآية تدل على أن الذي لا يربي ولده التربية الصحيحة لا ينال مثل هذه الدعوة، ولا يستحق مثل هذه الدعوة، فيكون الحرص على النفس وعلى الولد وعلى الأقربين أشد من الحرص على غيرهم، نعم قد يكون القبول بين الأولاد والأسرة من هذا العالم ومن طالب العلم أقل من الناس، فيرى الأثر والنتيجة في أولاد الناس ولا يراه في ولده، فيمل ويتركهم، فعلى الأب أن يعنى بأولاده ولو. . . . . . . . .، ولو وجد مثل هذا، يحرص ويجاهد، ولو بأن يبذل السبب في أن يصحبهم الصحبة الطيبة؛ لأن أثر الوالد أحياناً قد يكون أقل، وكما يقال: أزهد الناس بالعالم أهله وجيرانه؛ لأنهم يرونه على أوضاع كثيرة، وفي حالات مختلفة فتخف قيمته عندهم، ويخف وزنه؛ لأنه وجد من النساء زوجها عالم كبير معدود بعلماء الأمة ثم إذا قال شيئاً قالت: لا، الشيخ الفلاني يقول كذا، وإن كان من أصغر طلابه، وجد هذا؛ لأنها تراه على أوضاع مختلفة، وأحياناً في ابتذال، وأحياناً في وضع غير مناسب، وأحياناً .. ، هذه هي عادة الناس إذ خلوا، والعالم ابن مجتمعه، ما هو منزل من السماء له مواصفات خاصة، لا، يزاول ما يزاوله الناس، ويحتاج ما يحتاجه الناس، لكن على كل حال على الأب أن يبذل النصيحة، وأن لا يموت غاشاً لرعيته، معللاً ذلك بأنه يزاول أعمالاً صالحة وفيها خير ونفع للناس، نعم النفع مطلوب، والدعوة مطلوبة، والتعليم مطلوب، والقضاء مطلوب، والإفتاء مطلوب، لكن كما جاء في الأمر الإلهي:{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [(214) سورة الشعراء] النبي عليه الصلاة والسلام أول ما بدأ بأقاربه: ((يا فاطمة بنت محمد)) ((يا صفية عمة رسول الله)) ((يا عباس عم رسول الله)) المهم أنه يبدأ
بالأقربين، هم أولى الناس بعنايتك ورعايتك، لكن إذا وجدت وأعيتك المسالك، وهذا حاصل في بعض البيوت أن الأب لا أثر له، ولا ينظر إليه، ولا يلتفت إليه، عليه أن يستمر بالرفق واللين، ويبذل أسباب أخرى تكون سبباً في هدايته، ويزاول ما يزاوله من النفع العام.
((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)) وليس في الحديث ولا في رواية من روايته: "أو يسلمانه" فدل على أن الإسلام هو دين الفطرة.
((كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء)) (تُنتج) ما سمع إلا على هذه الصيغة، على صيغة البناء للمجهول وهي للمعلوم ((كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء)) سليمة من العيوب، أطرافها كاملة، ما قطع منها شيء، مجتمعة، فيها جميع ما خلقت عليه، بهيمة جمعاء، وسميت البهيمة بهيمة لأنها لا تنطق، كما تسمى عجماء.
((هل تحسون فيها من جدعاء)) يعني مقطوعة الأذن، مكسورة القرن، مقطوعة اليد، مقطوعة الإلية، هي مجتمعة، أطرافها متكاملة ((هل تحسون)) هل تجدون فيها من جدعاء؟ "ثم يقول أبو هريرة
…
" يعني ألا يمكن أن تولد بهيمة ناقصة الخلقة؟ ما يمكن أو يمكن؟ يمكن، لكن هذا هو الأصل، وهذا هو الغالب أنها تولد كذلك، ثم يحصل لها ما يحصل.
ثم يقول أبو هريرة: وقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [(30) سورة الروم] لا تبديل هذا خبر يراد منه الأمر، لا تبدلوا خلق الله، ولذا من وظائف الشيطان {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} [(119) سورة النساء] فهذه وظيفة الشيطان وأتباع الشيطان، فعلى الإنسان أن يحرص على نفسه، ثم على ولده ومن ولاه أمره من أبناء وبنات وزوجات وأقارب وجيران، ثم بعد ذلك ينتشر نفعه، وإذا بذل الإنسان النفع لنفسه أولاً أُعين على نفع ولده، وإذا أُعين على نفع ولده، وأثمرت جهوده أُعين على نفع الآخرين، وهذا بالتجربة ثابت، لكن قد يقول قائل: إن الإنسان وهو مؤيد بوحي يبذل الأسباب لنفع أقرب الناس إليه ولا يستطيع، نقول: صحيح، نوح ما استطاع أن يدخل ولده في دينه، وامرأة نوح وامرأة لوط مثلاً للكفار، وبالمقابل امرأة فرعون مثلاً للمؤمنين، فالإنسان لا يستطيع أن يصل إلى النتائج، وإنما عليه أن يبذل الأسباب، والنتائج بيد الله -جل وعلا- {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص] ولا يظن سوء بمن بذل ما يستطيعه في نصح ولده وأهل بيته ثم لم ينجح؛ لأنه يشاهد بعض أولاد العلماء عندهم مخالفات كبيرة، وبعض أولاد العامة فيهم استقامة، هل نقول: إن هذا بذل وهذا ما بذل؟ النتائج بيد الله -جل وعلا-، ويحدثني شخص أنه يقول: والله ما علمت -عنده ولدين- أن أولادي حفظوا القرآن إلا بعد أن دُعيت للحفل، حفل التكريم، ما عرف أنهم حفظوا القرآن، ولا يحفظوا القرآن ما يدري، مشغول عنهم، هذا من توفيق الله -جل وعلا- للأولاد، أما الذي ما بذل كيف يؤجر؟ إنما الذي يلبس حلة الكرامة لمن سعى في ذلك، وحمل أولاده على هذا، ويوجد من أولاد العلماء من عندهم من المخالفات وعندهم والقلوب بيد الله -جل وعلا-، ولو حرص الإنسان أشد الحرص كما حرص النبي عليه الصلاة والسلام على هداية عمه، وفي النهاية قال عمه: هو على ملة عبد المطلب، وفيه نزل قول الله -جل وعلا-:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص].
نعم.
وعنه رضي الله عنه قال
…
انتقل عن هذه الفطرة أو لم ينتقل؟ فجاء جوابه عليه الصلاة والسلام: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) أما بالنسبة لأطفال المسلمين فهم مع أهلهم في الجنة، هذا القول المرجح عند أهل العلم، وجاء فيه ما جاء من النصوص، وابن القيم رحمه الله في آخر طريق الهجرتين ذكر الخلاف في المسألة فيهم وفي أولاد المشركين، ومنهم من يقول أيضاً: إن أطفال المشركين أيضاً في الجنة؛ لأنهم ما بلغوا حداً يؤاخذون فيه من التكليف، وهم في الأصل على الفطرة فهم في الجنة، ومنهم من يقول: بمفاد هذا الحديث وهو الأولى، ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) ومنهم من يقول: حكمهم حكم أهل الفترة والمجانين ومن في حكمهم مما لا يعقل الدعوة، أو لم تبلغه الدعوة يُختبر في الآخرة، فيخرج له لسان من نار فإن دخله دخل الجنة، ويؤمر بدخوله فإن دخله دخل الجنة، وإن رفض دخل النار، ولا أكمل ولا أجمل ولا أعم ولا أشمل من قوله عليه الصلاة والسلام:((الله أعلم بما كانوا عاملين)).
نعم.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم في الدعاء، فإن الله صانع ما شاء لا مكره له)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعنه" الصحابي السابق أبي هريرة "-رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت)) " ليعزم المسألة، ولا يتردد فيها، إذا سأل الله -جل وعلا- يسأله وهو موقن بالإجابة، بعد أن يبذل الأسباب، وينفي الموانع ((فإن الله صانع ما شاء لا مكره له)) قد أمر الله -جل وعلا- بالدعاء ووعد بالإجابة {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] فعلى الإنسان أن يبذل الأسباب أسباب إجابة الدعاء، ومن أعظم الأسباب طيب المطعم، ومع الأسف أن كثير من المسلمين يجتمع الفئام الألوف المؤلفة يدعون الله -جل وعلا- ولا يستجيب لهم؛ نظراً لما دخل المطاعم من الشبهات، بل المحرمات، وجاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام "ذكر الرجل الأشعث الأغبر يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له" يتخبط في الحرام من أكل وشرب وملبس وغذاء، ثم بعد ذلك يرجو الإجابة "أنى" استبعاد، وإن كان بعض الأسباب موجود، السفر مظنة إجابة، المسافر له دعوة، وأشعث أغبر أقرب إلى الانكسار، يمد يديه رفع اليدين في الدعاء أيضاً من الأسباب، ويكرر: يا رب يا رب، وهذا الاسم من أسماء الله -جل وعلا- هو كما يقرر أهل العلم أولى ما يدعى به، وفي آخر سورة آل عمران لما كُرر خمساً حصلت الإجابة {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [(195) سورة آل عمران] ويصرح بعض العلماء إلى أن من يكرر الدعاء بـ (يا رب) خمس مرات يستجاب له، لكن هذا سبب من الأسباب، فإذا انتفت الموانع ترتب الأثر، مع أنه قد يدعو الإنسان والأسباب متوافرة والموانع منتفية، ومع ذلك لا يجاب له، لا يستجاب له؛ لأن الدعوة قد تستجاب بنفس ما دعا به الإنسان، وقد يدفع عنه من الشر بقدرها أو أعظم منها، وقد يدخر له يوم القيامة خير منها، فهذه كلها إجابة {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] يتحقق الأمر بمثل هذا، فعلى الداعي أن يبذل الأسباب، ويحرص على انتفاء الموانع، في هذه الظروف التي نعيشها، مع وجود الشبهات، كثرة الشبهات، بل ارتكاب كثير من المسلمين مع الأسف
الشديد للمحرمات في المعاملات، ويرجون الإجابة، أنى يستجاب لذلك؟! ولا قنوط ولا يأس من رحمة الله، على الإنسان أن يدعو، عليه أن يدعو، لكن الطمع في الإجابة إنما يكون مع توافر الأسباب، وانتفاء الموانع.
((لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت)) يعني بهذا اللفظ، الدعاء بلفظ الأمر لا يقرنه بالمشيئة ((اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت)) لكن إذا جاء الدعاء بلفظ الخبر: غفر الله له إن شاء الله، رحمه الله إن شاء الله، يعني ما جاء بلفظ الأمر فدل الدليل على جوازه ((طهور إن شاء الله)) ((وثبت الأجر إن شاء الله)) لا مانع من أن يقترن إذا لم يكن بلفظ الأمر، ومسائل الدعاء وفوائد الدعاء كثيرة جداً، لكن مثل ما ذكرنا القبول له أسباب، وهناك موانع، وهناك أوقات ترجى فيها الإجابة فليستحضر الإنسان هذه الأحوال وهذه الأسباب وهذه الموانع.
نعم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنين)) "(لا) هذه ناهية، والنون نون التوكيد الثقيلة، ولذا بني معها الفعل المضارع على الفتح، والأصل فيه أنه في محل جزم، فإذا اتصلت به نون التوكيد الثقيلة بني على الفتح، ومثلها الخفيفة ((لا يتمنين)) التمني هناك تمني، وهناك ترجي، التمني يكون بـ (ليت) والترجي يكون بـ (لعل) فإذا تمنى بأن يحصل له .. ، التمني الأصل فيه تمني حصول المحبوب، يتمنى أن يحصل له محبوب هذا الأصل، يتمنى أن يكون مثل فلان، ويتمنى أن يكون له من المال كذا، ويكون له من الأعمال كذا، أو من البيوت كذا، هذا الأصل في حصول المحبوب، فإذا جاء على خلاف الأصل تمني الموت، الموت محبوب وإلا مكروه؟ مكروه في الأصل، فتمنيه من قبل هذا المتمني دليل على أنه محبوب عنده بالنسبة لحالته التي يعيشها، فتمنيه للموت إنما هو بسبب حياة تعيسة على حد زعمه يعيشها ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به)) إما في أمر معاشه وماله، أو في بدنه، أو في ولده، كثير من الناس يتمنى الموت بسبب ولده، وبعضهم بسبب زوجه، وبعضهم بسبب ماله. . . . . . . . .
من خوف على دينه من فتنة، إذا خشي على دينه من فتنة، رأى الفتن تموج في الناس، وكل يوم أو كل ساعة يسقط واحد، وجاء في أحاديث الفتن أنه يأتي فتن كبيرة يصبح الرجل مسلماً ويمسي كافراً، فمثل هذه الحالة إذا تمنى أن يموت على أحسن حال على أكملها وعلى حاله من الدين والعلم والفضل لا بأس، شريطة أن يكون على هذه الحال لا لذات الموت، كما قال يوسف عليه السلام:{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [(101) سورة يوسف] يعني حال كوني مسلماً، فهو ليس تمني للموت لذات الموت، وإنما تمني للموت على الإسلام، وإنما المحظور أن يكون تمني الموت من أجل ضرر دنيوي نزل به، إذا ضاقت به المسالك، وأراد أن يتمنى وعجز عن أن يصد نفسه عن هذا، فإن كان لا بد متمنياً فليقل .. ، يترك الأمر لله -جل وعلا-، يختار له ما هو الأصلح له ((فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي)) فإذا كانت الحياة شر له فالوفاة ((وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)) فيترك الاختيار لله -جل وعلا-، فإن كانت الحياة خيراً له بأن يزول عنه هذا الضرر، ويكسب في بقية عمره ما يوصله إلى الله -جل وعلا- فيسأل الله الحياة:((اللهم أحيني)) وإذا كان بالعكس إذا كانت الوفاة خير له لما يخشى على نفسه من فتنة في دينه، ولو كانت الفتنة مرتبة على أمر دنيوي؛ لأن بعض الناس إذا خسر خسائر أو أصيب بمرض جزع وتضرر في دينه، فيسأل الخيرة من الله -جل وعلا-، إذا كانت الوفاة خير له إن يتوفاه الله على حال حسنة غير مبدل ولا مغير.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعنه رضي الله عنه عطس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فشمت أحدُهما ولم
…
فشمت أحدَهما.
نعم؟
أحدَهما.
عفا الله عنك.
وعنه رضي الله عنه عطس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فشمت أحدُهما
…
أحدَهما.
أحدَهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمت: عطس فلان فشمته، وعطست فلم تشمتني، فقال صلى الله عليه وسلم:((إن هذا حمد الله وأنت لم تحمد الله)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعنه" يعني عن أنس "-رضي الله تعالى عنه- قال: عطس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان" العطاس لا يحتاج إلى تعريف، معروف عند كل أحد، والعطاس نعمة من نعم الله، يخرج بسببه الأبخرة المجتمعة في الدماغ بحيث لو اجتمعت وتراكمت لضرت الإنسان، وهو أيضاً يزلزل البدن، كما يقول أهل العلم، العطاس يزلزل البدن، فكونه ينتهي بسلام، تنتهي هذه الزلزلة يعني وجه شبه مع زلزلة الأرض هذا كلام أهل العلم، كونه ينتهي بسلام، وتخرج هذه الأبخرة المحتقنة في الدماغ نعمة من نعم الله -جل وعلا-، تحتاج إلى شكر، والله -جل وعلا- يقول:{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] فتحتاج إلى شكر بأن يقول العاطس: الحمد لله، وإن قال: الحمد لله رب العالمين فقد جاء ما يدل عليه.
"قال: عطس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر" يعني هل هذا مرده إلى التفريق بين الناس؟ النبي عليه الصلاة والسلام قاسم، والله المعطي، على القاسم أن يعدل بين من يقسم بينهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام عدل بين أصحابه، وما جاء في صفة صلاة الخوف من أجلى صور العدل، فيها أجلى صور العدل بين الرعية وبين الناس، فهل شمت أحدهما من دون سبب وترك الآخر لغير سبب؟ العلة في ذلك في جواب سؤال من لم يشمت "فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته وعطست أنا فلم تشمتني" التشميت والتسميت كما يقولوا البعض، كما في بعض الروايات: ((وإذا عطس فسمته)) بالإعجام والإهمال، بعض اللغويين يقول: الأصل الإهمال، أصلها سمته فأعجمت، ويقال بهذا وهذا، ولا بأس، المقصود أن الذي لم يشمت صار في نفسه شيء، يدعى لأخيه ولا يدعى له، إذا عطس العاطس وقال: الحمد لله يقول المشمت: يرحمك الله، ومن يستغني عن هذه الدعوة؟! لا سيما إذا صدرت من النبي عليه الصلاة والسلام، وهو مجاب الدعوة، صار في نفسه فسأل "فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست أنا فلم تشمتني" فقال مبيناً السبب في التفريق عليه الصلاة والسلام:((إن هذا حمد الله وأنت لم تحمد الله)) فالسبب أن التشميت مبني على الحمد، فالذي لا يحمد الله لا يشمت، لا يستحق التشميت، ولكن هل يذكر بأن يقال له: احمد الله، أو يقول السامع: الحمد لله ليذكره؟ النبي عليه الصلاة والسلام ما ذكر الرجل الذي لم يحمد الله، ما ذكره، ومن أهل العلم من يقول: إنه يذكر، من باب النصيحة له؛ ليثبت له أجر الحمد، ويدعى له من قبل المسلمين، ويدعو لمن دعا له، وهذه مصالح التذكير بها نصيحة للمسلمين، لكن العبرة بفعله عليه الصلاة والسلام ولم يثبت أنه ذكره، والتشميت من حقوق المسلم على المسلم:((وإذا عطس فحمد الله فشمته)) في هذا أمر حتى أوجب بعضهم التشميت لمن حمد الله، كما هو الأصل في الأمر، والجمهور على أنه مستحب، فإذا عطس العاطس وقال: الحمد لله، قال المشمت: يرحمك الله، وقال العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم، وجاء في بعض الروايات أن التشميت بقوله:"يغفر الله لنا ولكم" حتى قال بعضهم: إنه
يجمع بين الرحمة والمغفرة لهذا، جاء في خبر وهو سبق العاطس بالحمد، يعني يعطس الشخص فيقال له: الحمد لله، يُذكر قبل أن يدرى هل هو يحمد أو لا يحمد؟ قبل أن يحمد الله العاطس، جاء في خبر عزي لابن ماجه:((من سبق العاطس بالحمد)) فيه إيش؟ ((أمن الشوص واللوص والعلوص)) هذه أمراض، لكنه حديث لم أقف عليه في سنن ابن ماجه، عزاه لابن ماجه القرطبي في تفسيره، والشنقيطي أيضاً، ولعله أخذه من القرطبي، والعبرة بفعله عليه الصلاة والسلام، هذا عطس فحمد الله فشمته، وهذا عطس ولم يحمد الله فلم يشمته، هذا من باب التعزير له.
أبو داود السجستاني صاحب السنن سمع عاطساً حمد الله، عطس شخص وحمد الله وهو في مركب على سفينة، ومشت السفينة ولم يتمكن من تشميته، هذا ذكره ابن عبد البر عن أبي داود، وحسن إسناده، فاستأجر أبو داود قارب ولحق به فشمته، فلما رجع رئي في المنام من يقول: اشترى أبو داود الجنة بدرهم، بأجرة هذا القارب، على كل حال العبرة بالنصوص الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام
…