المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين - الازدهار في ما عقده الشعراء من الأحاديث والآثار

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

‌نص الكتاب

‌بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.

هذا جزء جمعت فيه الأشعار التي عُقد فيها شيء من الأحاديث والآثار، سميته بالازدهار. وله فوائد: منها الاستدلال به على شهرة الحديث في الصدر الأول وصحتها، وقد وقع ذلك لجماعة من المحدّثين. ومنها إيراده في مجالس الإملاء. ومنها الاستشهاد به في فن البديع: في أنواع العقد والاقتباس والانسجام.

قال المعافى بن زكريا في كتاب الجليس والأنيس: حدثنا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا محمد بن سعيد، حدثني أبو ثمامة القيسي، حدثنا محمد بن المنهال، حدثنا يزيد بن زريع، قال: رأيت أبا نواس عند روح ابن القاسم، فتحدث روح عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: القلوب جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. قال يزيد: فقال أبو نواس: أنت لا تأنس بي، وسأجعل هذا الحديث منظوماً بشعر. قلت: فإن قلت ذلك فجئني به، فجاءني فأنشدني:

يا قلب رفقاً أجِدّاً منك ذا الكلفُ

ومن كلفتُ به جافٍ كما تصفُ

وكانَ في الحقّ أن يهواك مجتهداً

بذاك خبَّرَ منا الغابر السلف

إنَّ القلوب لأجنادٌ مجنَّدةٌ

لله في الأرض بالأهواء تعترف

فما تناكر منها فهو مختلف

وما تعارفَ منها فهو مؤتلف

أخرجه ابن عساكر.

وأخرج الشيرازي في الألقاب، والحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد، والحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق عن محمد ابن شجاع الأحمر، قال: دخلت على أمير المؤمنين المتوكل وبين يديه نصر بن علي الجهضمي، فجعل نصر يحضّ المتوكل على الرفق، ويمدح الرفق ويوصي به، فالتفت المتوكل إلى يحيى بن أكثم القاضي فقال له: أنت يا يحيى حدثتني عن محمد بن عبد الوهاب، عن سفيان، عن الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن عبد الرحمن بن هلال، عن جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حُرِم الرفق حُرِم الخير. ثمَّ أنشأ يقول:

الرفق يمنٌ والأناةُ سعادةٌ

فاستأنِ في رفقٍ تلاقِ نجاحا

لا خير في حزمٍ بغير رويّةٍ

والشّكُّ وهنٌ إن أردتَ سراحا

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن النضر بن شميل قال: كنا نأتي يونس بن حبيب النحوي فنسأله عن غريب الحديث، فحدثته بهذا الحديث، فقلت: حدثنا طلحة بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، زُر غبّاً تزدد حُبّاً. فأنشدنا يونس بن حبيب في هذا المعنى:

أغْبِبْ زيارتك الصَّدي

ق يراك كالثوب استجدّه

إنَّ الصَّديق يملّه

ألاّ يزالَ يراك عنده

وقال:

أقلَّ زيارة الأحبا

ب تزدد عندهم قربا

فإنَّ المصطفى قد قا

ل زر غبّاً تزدد حبّا

وأخرج الشيرازي في الألقاب من طريق أبي محمد بن عبد الرحمن بن حمزة بن عمرو بن أعين الخزاعي قال: حدثني أبي عن جدي أنه سمع قتيبة بن مسلم الباهلي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: زر غبّاً تزدد حبّاً. قال أبو محمد: قال جدي عمرو بن أعين بيتاً في هذا المعنى:

إذا شئت أن تقلى فزر متواتراً

وإن شئت أن تزداد حبّاً فزر غبّا

وأنشد ثعلب في أماليه:

رأيت النَّاس من ألقى

عليهم نفسه هانا

فزر غبّا ولا تَرْشُن

وإن ذُرِّعت أحزانا

وقال آخر:

تثقّلُ بالزّيارة كلّ يومٍ

وتحسب أن شخصك لا يُملّ

وقال العسكري في الأمثال: قد أخذ هذا الحديث غير واحد من الشعراء فقالوا في معناه، أنشدنا أبو بكر بن دريد:

عليك بإغباب الزيارة إنها

إذا كثرت كانت إلى البحر مسلكا

فإنِّي رأيت الغيثَ يُسأمُ دائماً

ويُسأل بالأيدي إذا هو أمسكا

وقال آخر:

وقد قالَ النَّبيّ وكانَ بَرّاً

إذا زرت الحبيب فزره غبّا

وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عدي بن حاتم الطائي قال: كنت عند علي بن أبي طالب، إذ وردت عليه رقعة من عثمان بن عفان بخطّه:

تجنَّى عليَّ يقارضَني ذنبا

وأبدي عتاباً فامتلأت له عُتبى

فلو لي قلوب العالمين بأسرها

لما تركت لي من معاتبةٍ قلبا

ص: 1

معاتبة السِّلْفَين تحسنُ مرّةً

فإن أكثرا إدمانَها أفسدا الحبّا

وقد قالَ في بعض الأقاويل قائلٌ

أراد به العُتبى ولم يرد العَتْبا

إذا شئت أن تُقْلى فزُر متتابعاً

وإنْ شئت أن تزداد حبّاً فزُرْ غبّا

وأخرج ابن عساكر من طريق عمر بن أبي الصهباء قال: مررت بأبي هريرة وهو مستلقٍ واضع ثوبه تحت رأسه وإحدى رجليه على الأخرى وهو يتغنى:

لمَّا رأيتُك لي مُحِبّا

وإليَّ حينَ أغيبُ صَبّا

أعرضت لا لملالةٍ

حدثت ولا استحدثْت ذنبا

إلَاّ لقول نبيِّنا

زوروا على الأيَّام غِبّا

ولقوله من زار غبّا

منكم يزداد حُبّا

وقال الخطيب في تاريخه: حدثني الأزهري سمعت عيسى بن علي بن عيسى الوزير يقول: أنشدني أبو بكر بن مجاهد عن محمد بن الجهم:

لا تُضْجِرنَّ مريضاً جئت عائده

إنَّ العيادةَ يومٌ إثر يوميْنِ

بلْ سلْهُ عن حاله وادع الإله له

واقعدْ بقدر فواقٍ بين حلبينِ

من زار غبّا أخاً دامتْ مودّتُه

وكانَ ذاك صلاحاً للخليلين

وأخرج أبو محمد عبد الله بن علي التكريتي في كتاب اللباب في مناقب الألباب بسند ضعيف عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحيّ من الأنصار: من سيّدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجدّ ابن قيس علي بُخل فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأي دواء أدوى من البخل! بل سيدكم عمرو بن الجموح. فسمع حسان بن ثابت مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

يقول رسول الله والحقُّ قوله

فقالَ لنا من ذا تعدُّون سيّدا

فقلنا له جدُّ بن قيس على التي

نُبَخِّلُه فينا وقد نال سُؤددا

فقالَ فأي الداء أدوى من التي

رميتم بها جدّاً وعلَّى بها يدا

وسوّد عمرو بن الجموح لجوده

وحُقَّ لعمرو ذي النَّدى أن يُسَوَّدا

إذا جاءه السُّؤال أنهب ماله

وقالَ خذوه إنَّه عائد غدا

فلو كنتَ يا جدّ بن قيس على التي

على مثلها عمرو لكنت المسوَّدا

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن من الشعر لحكما.

وأخرج الخطيب في كتاب البخلاء، وابن عساكر في تاريخه، عن محمد بن مسعر قال: لما حدّث ابن عيينة بحديث جدّ بن قيس أنشدنا لحسان بن ثابت:

وقالَ رسول الله والحق لازمٌ

لمن سال منَّا من تسمّون سيّدا

فقلنا له جدّ بن قيس على الذي

نبخّله فينا وقد نال سؤددا

فقالَ وأي الداء أدوى من التي

رميتم بها جدّاً وأعلى بها يدا

فسوّدَ بشرَ بن البراء لجوده

وحُقَّ لبشر بن البرا أنْ يُسوَّدا

فليس بخاط خطوة لدنيَّةٍ

ولا باسط يوماً إلى سوأةٍ يدا

إذا جاءه السُّؤال أنهبَ مالَه

وقالَ خُذوه إنَّه عائدٌ غدا

فلو كنت يا جدّ بن قيس على التي

على مثلها بشر لكنت المسوَّدا

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سلمة بن عاصم قال: دخلت على الفراء أعوده، فأطلت وألحفت في السؤال، فقال لي: ادنُ، فدنوت، فأنشدني:

حقّ العبادة يوم بين يومَيْن

وجِلسةٌ مثلُ لحظِ الطَّرفِ بالعَيْنِ

لا تُبْرِمَنَّ مريضاً في مسائلةٍ

يكفيك من ذاك تسأل بحرفَيْنِ

وقال ابن النجار في تاريخه: أنبأنا يوسف بن المبارك ابن كامل أنشدنا والدي، أنشدني أحمد بن أبي سعيد القزويني، أنشدني أبو الفرج عبد الغفار بن غريب القرميسيني:

حقُّ العيادة يوم إثرَ يومينِ

اقعُد قليلاً كمثل اللّحظ بالعين

فقد روى مندل عن عامر خبراً

أن لا تُطيل جلوساً فعل ذي الزَّين

بل سَلْه عن حاله وادعُ الإله له

يكفيك عن ذاك تسْآل بحرفين

وقال بعضهم:

تعلَّمْ وكن واعياً للعلوم

وما قد نبا علمُه عنك سَلْ

فإنَّ السؤال شفاءُ العييّ

وكم حيرةٍ نتجت عن كَسَلْ

ص: 2

وقال ابن عساكر في تاريخه: أنبأنا أبو المعالي أسعد بن صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد، أنبأنا جدي منصور، أنبأنا أبو عبد الرحمن السّلمي، أنبأنا عبد الله بن الحسين بن محمد الكاتب، حدثنا عبد الله بن نصر، حدثنا أحمد بن يحيى المصاحفي، حدثنا علي بن أحمد بن عمران الخنسي، قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا الهيثم ابن عديّ عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم يكن لابن آدم إلَاّ الصحة والسلامة لكفاه بهما داء قاتلاً. قال الهيثم: فأخذه حميد بن ثور الهلالي رضي الله عنه فقال:

أرى بصري قد رابني بعد صحةٍ

وحسبُك داءٌ أن تَصِحَّ وتسلما

ولن يلبث العضوان يوماً وليلةً

إذا اخْتَلفا أن يُدركا ما تيمّما

وقال الخطيب في تاريخه: أنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي، حدثنا أبو القاسم علي الحسين العرزمي المقرئ، حدثنا أبو العباس محمد بن عمر بن الحسين بن الخطاب البغدادي، حدثنا جعفر بن علي الحافظ البغدادي، حدثنا أحمد بن محمد الحماني، حدثنا محمد بن سماعة القاضي، حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة قال: حَجَجْت مع أبي سنة ست وتسعين، فرأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، فسمعته يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من تفقّه في دين الله رزقه الله من حيث لا يحتسب وكفاه همّه. وأنشد أبو حنيفة من قوله:

مَنْ طلبَ العلم للمعاد

فاز بفضل من الرشادِ

ونال خُسران من أتاه

لنيل فضل من العبادِ

وأخرج ابن النجار عن ابن عائشة قال: سَمِعني رجلٌ وأنا أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو عُزِّي المرءُ في حياته من الأسقام لأفناه الليل والنهار. فقال: هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: قاتل الله حميد بن ثور إذ يقول:

أرى بصري قد رابني بعدَ صحّةٍ

وحسبُك داءً أن تَصِحَّ وتسلما

وقال ابن أبي حاتم في كتاب الزهد له، حدثنا محمد ابن عوف، حدثنا أبو المغيرة حدثنا ابن عياش عن عبد الله بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعداً وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: أيها الناس، إنما مثل أحدكم ومثلُ أهله وماله وعمله كرجل له ثلاثة أخوة، فقال لأخيه الذي هو ماله حين حضرته الوفاة ونزل به الموت: ماذا عندك في نفعي وفي الدفع عني وقد ترى ما بي؟ فقال: عندي أن أطيعك ما دمت حيّاً، وانصرف حيث صرفْتَني، ومالك عندي نفعٌ إلَاّ ما دمت حيّاً، فإذا متَّ ذُهب بي إلى غير مذهبك، واتّخذني غيرُك. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا أخوه الذي هو ماله، فأي أخٍ ترونه؟ قالوا: لا نسمع طائلاً يا رسول الله.

ثم قال لأخيه الذي هو أهله: قد نزل بي من الموت ما نزل، فما عندك من الغناء في منفعتي والدفع عني؟ فقال: عندي أن أمرِّضَك وأقوم عليك، فإذا متّ غسَّلتك ثم كفَّنتك وحنَّطتك، وأبكيك وأتّبعك مشيّعاً إلى حفرتك، وأثني عليك خيراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ أخٍ هذا؟ قالوا: أخ غير طائل.

ثم قال لأخيه الذي هو عمله: ماذا عندك وماذا لديك في منفعتي والدفع عني؟ قال: أشيّعك إلى قبرك، وأونس وحشتك، وأذهب غمّك، وأجادل عنك في القبر، وأوسّع عليك جهدي، فأي أخ ترون هذا؟ قالوا: خير أخ يا رسول الله. قال: والأمر هكذا. قالت عائشة: فقام عبد الله بن كرز الليثي فقال: أتأذن لي أن أقول في هذا شعراً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم فغدا عبد الله واجتمع المسلمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هات يا ابن كرز فقال:

وأهلي ومالي والذي قدَّمَتْ يدي

كداعٍ إليه صَحْبهُ ثم قائلِ

لإخوته إذ هم ثلاثةُ إخوة

أعينوا عليّ اليوم أمري بنازلِ

فراق طويل غير ذي مَثْنويّةٍ

فماذا لديكم في الذي هو غائلي

فقالَ امرؤ منهم أنا الصاحب الذي

يطيعك في محياك قبل النزائلِ

فأما إذا جدَّ الفراق فإنّني

لما بيننا من خُلّةٍ غيرُ واصلِ

فخذ ما أردتَ اليومَ منّي فإنني

سبيلك لي في منهل غير طائلِ

ص: 3

غنائي أنّي جاهدٌ لك ناصحٌ

إذا جدَّ جِدّ الكرب غير مقاتل

ولكنني باكٍ عليك ومُعْوِل

ومثنٍ بخير عند من هو سائلي

ومتّبع الماشين أمشي مُشيّعاً

أعين برفقٍ عُقبةً كلَّ حاملِ

إلى بيت مثواك الذي أنت مُدخل

وأرجع مهتماً بما هو شاغلي

وقالَ امرؤ منهم أنا الأخ لا ترى

أخاً لك مثلي عندَ جَهدِ الزلازلِ

لدى القبر تلقاني هنالك قاعداً

أجادل عنكم في رجال التجادل

وأقعدُ يومَ الوزن في الكفة التي

تكون عليها جاهداً في التثاقلِ

فلا تَنْسني واعلم مكاني فإنّني

عليك شفيقٌ ناصحٌ غيرُ خاذلِ

وذلك ما قدَّمت من كل صالح

تلاقيه إن أحسنت يوم التفاضلِ

أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عساكر قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هذا منكر من حديث الزهري، لا يشبه أن يكون حقّاً. قلت لأبي: ممّن هذا؟ قال من عبد الله بن عبد العزيز.

وأخرج ابن عساكر من طريق صدقة بن سابق عن محمد بن إسحاق قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيما يذكرون والله أعلم في دخوله الغار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قالَ النبيُّ ولم أجْزَعْ يوقِّرُني

ونحن في سُدْفةٍ من ظلمة الغار

لا تَخش شيئاً فإن الله ثالثنا

وقد توكَّلَ لي منه بإظهارِ

وأخرج الخطيب وابن عساكر عن أبي عبد الله ابن جعفر بن محمد المقرئ قال:

إذا أراد الله أمراً بامرئ

وكانَ ذا رأي وعلم وبَصَرْ

وحيلة يعملها في كل ما

يأتي به مكروه أسباب القدر

أغراه بالجهل وأعمى قلبه

وسله عن رأيه سلَّ الشّعر

حتَّى إذا أنفذ فيه حُكْمه

ردّ عليه عقله ليعتبر

أخرج الخطيب وابن عساكر عن محمد بن مظهر الكوفي قال: قال أبو العتاهية: قد قلت عشرين ألف بيت في الزهد، وودت أن لي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس:

يا نُواسُّ توقَّرْ

وتعزّى وتَصَبَّرْ

إنْ يكنْ ساءَل دهرٌ

فلما سرَّك أكثرْ

يا كثير الذنب عفو ال

له من ذنبك أكبر

وأخرج ابن الأنباري في أماليه والمعافى وابن عساكر عن ابن صفوان قال: لما حجَّ أبو نواس لبّى فقال:

إلهنا ما أعْدَلك

مليكَ كلِّ منْ ملك

لبّيك قد لبَّيْت لك

لبَّيْك إنّ الحمد له

والملك لا شريك له

وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي عن سعيد بن مسلم بن بانك قال: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يقول: حدثني عوف بن الحارث بن الطفيل أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة، إياك ومحقِّرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً. قال سعيد بن مسلم: فحدّثت بهذا الحديث عامر بن هشام فقال لي: ويحك يا سعيد، لقد حدّثني سليمان بن المغيرة أنه عمل ذنباً فاستصغره، فأتاه آت في منامه فقال له: يا سليمان:

لا تحقِرَنَّ من الذنوب صغيرا

إن الصغير غداً يعودُ كبيرا

إنّ الصغير وإن تقادم عهدُه

عند الإله مسطّرٌ تسطيرا

فازجُرْ هواك عن البطالة لا تكنْ

صعب القياد وشمّرنْ تشميرا

إنّ المحبَّ إذا أحبَّ إلههُ

طار الفؤادُ وأُلهم التفكيرا

فاسأل هدايتك الإله بنيّةٍ

فكفى بربّك هادياً ونصيرا

وقال ابن النجار في تاريخه: أنبأنا أبو الفتوح القرشي عن أبي منصور عبد الخالق بن زاهر النيسابوري، أنشدنا أبو تراب عبد الباقي بن يوسف المراغي، أنشدنا أبو محمد بن أبي علي القاضي التنوخي:

الرفقُ يُمنٌ وخيرُ القولِ أصدقُه

وكثرةُ المزح مفتاحُ العداواتِ

الصدقُ بِرٌّ وقول الزورِ صاحبُه

يومَ المعادِ حريٌّ بالعقوباتِ

وقال الخطيب في تاريخه: أخبرني محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي قال: أنشدنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: أنشدني أحمد بن القاسم المعروف بأخي أبي الليث الفرائضي.

لا تترك الحزمَ في أمرٍ هَمَمْت به

فإنْ سَلِمْتَ فما بالحزم من باس

العجزُ ضُرُّ وما بالحزم من ضَررٍ

وأحْزَمُ الحزمِ سوءُ الظنِّ بالناس

ص: 4

وقال أبو بكر بن عبد الله بن أحمد بن محمد ابن روزبه الفارسي في كتاب التبصر والتذكر أنشدنا أبو القاسم إبراهيم ابن إسحاق بن محمد بن هاشم البغدادي الديباجي بهمدان، أنشدنا أبو عصمة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن خلف بن المهلّب السختياني بالبصرة لنفسه:

أنْبَأنا خيرُ بني آدمٍ

وما على أحمد إلَاّ البلاغْ

الناسُ مغبونون في نعمتَيْ

صحة أبدانهم والفراغْ

أخرجه ابن النجّار في تاريخ بغداد من طريق ابن روزبة أنه قرئ عليه هذا في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان أنبأنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن محمد الفقيه بهمدان، أنشدنا أبو القاسم إبراهيم بن إسحاق الديباجي أنشدنا أبو عصمة محمد بن أحمد السختياني لنفسه، فذكرهما.

وقال شمس الدين محمد بن محمد بن الموصلي:

ومنكرٌ قتلُ شهيدِ الهوى

ووجهُه يُنبئ عن حالِ

اللونُ لونُ الدمِ في خدّه

والريحُ ريحُ المسك في خاله

وقال أبو الصدر سليمان الحنفي:

دمُ الشهيد يحكي

ورداً نجدا لتركي

اللونُ لون دمٍ

والريحُ ريحُ مسكِ

وقال شمس الدين بن العفيف التلمساني:

مثل الغزال نظرةً ولفتةً

من ذا رآه مُقبلاً ولا افتَتَنْ

أعذب خلقِ الله ثغراً وفماً

إن لم يكنْ أحقَّ بالحُسْنِ فَمَنْ

في ثغره وخدّه وصدغه

الماءُ والخضرة والوجه الحَسَنْ

وقال الجمال بن نباتة:

عن خدّه منع الرقي

ب وبعده داجي عذاره

واهاً لها من جنّةٍ

حُفَّتْ بأنواع المكارِه

وقال محمد بن إبراهيم التجاني:

قطعت باللحْظ من بُستان وجنته

تفاحةً ضرّجتها حُمرةُ الخفَرِ

وقلت هذا أمان من قطيعته

فالشرع قد نصَّ أن لا قطع في ثَمرِ

وقال محمد بن مسعود العشامي الأصبهاني، المعروف بالفخر النحوي:

ولمّا أنْ تولَّيْتَ القضايا

وفاض الجودُ من كفَّيْك فيضا

ذُبِحْتَ بغير سكِّين وإنّا

لنرجو الذَّبح بالسكِّين أيضا

وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن حشيشة المقدسي:

طول اللحى زينُ القضاة وفخرُهم

وتميّزٌ عن غاغةٍ سفهاء

لو كانَ في قصرٍ لها فخرٌ بها

لم يُرْوَ فيها سُنّةُ الإعفاء

وقال الإمام أبو محمد عبد الحق الإشبيلي، الحافظ، مصنف الأحكام والجمع بين الصحيحين وغير ذلك:

إنَّ في الموت والمعاد لشُغْلاً

وادّكاراً لذي النُّهى وبلاغا

فاغتنمْ خطَّتين قبل المنايا

صحّة الجسم يا أخي والفراغا

وقال أبو المعالي رجب بن قحطان الأنصاري الحنبلي المقرئ:

إنَّما المرء خِلاصٌ جائز

فإذا جرّبْتَه فهو شَبَهْ

وتراه راقداً في غفلة

وهو حيٌّ فإذا مات انتبهْ

وقال عتاهية بن أبي العتاهية:

قد أفلح الصامت الصّموتُ

كلام راعي الكلام قوتُ

ما كلُّ نطق له جوابٌ

جواب ما تكره السكوتُ

وقال أبو الجوائز الحسن بن علي الواسطي:

دَعِ النّاس طُرّاً واصرف الوُدَّ عنهُم

إذا كنتَ في أخلاقهم لا تُسامِحُ

ولا تبغِ من دهرٍ تظاهرَ رَنْقُه

صفاء بنيه فالطباع جوامحُ

وشيئان معدومان في الأرض درهمٌ

حلال وخِلُّ في المودَّة ناصحُ

وقال شرف الدين الحسين بن علي بن مصدق الواسطي:

دمشق في أوصافها

جنّةُ خُلدٍ راضيه

أما ترى أبوابها

قد جُعِلتْ ثمانيه

وقال أبو العلاء صاعد بن الحسن اللغوي:

ومهفهفٍ أبهى من القمر

قمر الفؤاد بفاتن النظرِ

خالسْتُه تفاح وجْنته

فأخذْتها منه على غَررِ

فأخافني قومٌ فقلت لهم

لا قطعَ في ثمرٍ ولا كثرِ

وقال أبو الحسن صدقة بن الحسين الواعظ:

أُوصيك يا عمّ خيراً ما استطعت فما

يبقى عليك سوى ما أنت عاملُهُ

لا المال يدفعُ بأساً إن أتاك ولا

يردّ عنك الرَّدى إن أنت فاعلهُ

فامهَدْ لنفسِك قبل الموت مُجتهداً

فعاجل الموتِ في التحقيق آجلهُ

هداك ربُّك للتقوى وبصَّرك الر

شاد وانزاح عن معناك باطِلهُ

ص: 5

ولستُ أعدِلُ عن قومٍ وإن عدَلوا

عنّي وشرُّ فريق الحيّ عادلهُ

وإنَّما عدلُهم عنّي لجهلهم

وفي الحديث عدوُّ الشيء جاهلهُ

وقال أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف الكاتب البغدادي:

أتيهُ على الخليفة في نواله

ويمنعني التعفّفُ عن سؤالهْ

واعلم أنّ رزقَ المرءِ يأتي

كما تأتي المنيّة لاغتيالهْ

وقال الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي البوشنحي الشافعي:

إنْ شئت عيشاً طيباً

صفواً بلا مُنازع

فاقنع بما أُوتيته

فالعيش عيشُ القانعِ

وقال هبة الله علي بن عرام:

إذا حصل القوت فاقنع به

فإنّ القناعة للمرء كنزُ

وصُنْ ماء وجهك عن بذله

فإنّ الصيانةَ للوجه عزُّ

وقال أبو الحكم عبيد الله بن علي بن غلندة الكاتب السرقسطي:

آهُ والبينُ قد أجدَّ بصحبي

لو أفاد العزاء نُكراً رآها

يا لُوات الدّيون من غير عُسْرٍ

إنّ مطل الغنيّ ظلمٌ تناهى

وقال بعضهم:

إن جهلاً سؤالك الشرع عمّا

ليس يوماً به عليك خفاءُ

ليس للعاشق المحبّ من العش

ق سوى لذّة الجماع دواء

وقال الوداعي:

إذا رأيتَ عارضاً مسلسلاً

في وجنةٍ كجنة يا عاذلي

فاعلم يقيناً أنني من أمةٍ

تُقاد للجنّة بالسلاسل

وأورد أسامة بن منقذ في كتاب نقد الشعر لبعضهم:

طُفيليٌّ يَؤُمّ الخبز أنَّى

رآه ولو رآه على يَفاعِ

ولا يروي من الأخبار إلَاّ

أُجيبُ ولو دُعيتُ إلى كُراعِ

وقال بعضهم:

بُليتُ به فقيهاً ذا جدال

يجادل بالدليل وبالدلال

طلبت وصاله والوصل حلو

فقالَ: نهى النَّبيّ عن الوصال

وقال الشهاب أحمد بن موسى بن يغمور بن جلدك:

إنّ حشر العبد فإذلاله

يوجبه رقّ عبوديّتهْ

وإنْ يقصّر كانَ تقصيرهُ

بالودّ محمولاً على نيّتهْ

وقال عز الدين بن غانم الواعظ:

كن زاهداً فيما حَوَتْ أيدي الورى

تَضْحى إلى كلِّ الأنام حبيبا

أو ما ترى الخطّاف حرّم زادهم

فغدا ربيباً في الحجور قريبا

وقال بعضهم:

ليت شعري كيف الخلاص من النّا

س وقد أصبحوا ذئاب اعتداء

قلت لما بلاهم صدق خبري

رضي الله عن أبي الدرداء

وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق محمد بن سعيد بن راشد، حدثنا أبو مسهر، حدثنا صدقة بن خالد عن ابن جابر عن مكحول قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من الأشعريين فقال لهم: أمنكم وحرة؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: فإن الله أدخلها ببرّها أمها وهي كافرة الجنة، أغير على حيّها في الجاهلية فتركوها وأمها، فحملتها على ظهرها، وجعلت تسير بها، فإذا اشتدّ عليها الحرّ جعلتها في حجرها وحَنت عليها، فلم تزل كذلك حتَّى استنقذتها من الفداء. قال أبو مسهر: وقال في ذلك بعض الأشعريين شعراً:

ألا أبْلِغَنْ أيها المفتدي

بنيَّ جميعاً وبلَّغْ بناتي

بأن وصاتي تقوى الإله

ألا فاحفظوا ما حييتم وصاتي

وكونوا كوحرة في برها

تنالوا الكرامة بعد الممات

وَقَتْ أمَّها بشواة الرميضِ

وقد أوقد القيظ نار الفلاة

لِتُرضيَ ربّاً شديد القوى

وتظفر من ناره بالعلاة

وأخرج الخطيب وابن عساكر من طريق محمد بن إسحاق الرملي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كن لما لم ترج أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران خرج يقتبس ناراً فرجع بالنبوة.

وأخرج ابن عساكر من طريق الحسن بن أحمد التنوخي قال: أنشدني وهب بن ناجية المري:

كن لما لا ترجو من الأمر أرجى

منك يوماً لما له أنت راجي

إن موسى مضى ليقْبِسَ ناراً

من ضياء رآه والليل داجي

فأتى أهله وقد كلم الل

هـ وناجاه وهو خير مناجي

وكذا الأمر ربّما ضاق بالمر

ء فيتلوه سرعة الانفراج

وأخرج ابن النجار في تاريخه عن أبي عبد الله محمد بن محمد ابن أحمد بن الهيتمي، أنشدنا أبو علي محمد بن الحسين بن الشبل لنفسه:

وإذا استَخرْتَ الله فاسْتَسْلم له

إن المسلِّمَ عنده المستسلمُ

ص: 6

واعلم بأنّك ما ابتليتَ بحادثٍ

إلَاّ به دفعُ الذي هو أعظمُ

قال ابن حبّان في كتاب روضة العقلاء: حدثني أبو طلحة محمد بن محمد البغدادي، حدثنا محمد بن الوليد بن أبان، حدثنا نعيم بن حماد قال: أنشدنا ابن المبارك:

ما ذاقَ طعمَ الغنى من لا قنوع له

ولن ترى قانعاً ما عاش مُفْتَقرا

العرف من يأتِه يحمدْ عواقبه

ما ضاع عرفُ ولو أوليته حَجرا

وقال القاضي أبو الحسن هبة الله بن عبد الله السني، أسنده ابن النجار:

سألت الثمانين من خالقي

لما جاء فيها عن المصطفى

فبلَّغَنيها وشكراً له

وزاد عليها وقد نَيّفا

وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أبي الفرج علي ابن الحسين الأصبهاني الكاتب، قال: أنشدنا علي بن سليمان الأخفش لأيمن بن خريم، قال: وأخذ معناه من قول ابن عباس: إذا بلغ المرء أربعين سنة ولم يتب أخذ إبليس بناصيته وقال: حبّذا من لا يُفلح أبداً:

إذا المرءُ وفّى الأربعين ولم يكن

له دون ما يأتي حياء ولا سترُ

فَدَعْه ولا تنفس عليه الذي أتى

ولو مدّ أسباب الحياة له العمرُ

وقال ابن النجار: أنبأنا أبو القاسم الأزجي عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن عمر السمرقندي قال: أنشدنا الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف صاحب التنبيه الفيروز أبادي لنفسه:

يحذِّرنا قومٌ حدوثَ شدائد

فقلت لهم مهلاً فذلك لا يدرى

فلا تجزعوا مما يقال فإنّه

إذا أنزل الله البلا أنزل الصبرا

وأخرج ابن النجار من طريق الصولي قال: حدثني الحسين بن علي الباقطابي قال: سمعت أبا جعفر أحمد بن إسرائيل الأنباري الكاتب ينشد:

لا يكون السريُّ مثل الدنيّ

لا ولا ذو الذكاء مثل الغبيِّ

قيمة المرء مثل ما يحسن المر

ء قضاء من الإمام عليِّ

وقال بعضهم أورده الخطيب:

الناسُ في صورة التمثال أكفاءُ

أبوهم آدمٌ والأمّ حواءُ

فإنْ يكن منهمُ في أصله شرف

يفاخرون به فالطين والماءُ

ما الفضل إلَاّ لأهل العلم إنهم

على الهدى لمن استهدى أدلاءُ

وقدر كلّ امرئٍ ما كانَ يحسنه

والجاهلون لأهل العلم أعداءُ

وقال بعضهم، أورده ابن النجار:

من شاء عيشاً رخيّاً يستفيد به

في دينه ثم في دنياه إقبالا

فلينظرن إلى من فوقه أدباً

ولينظرن إلى من دونه مالا

وأخرج ابن النجار عن أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي قال أنشدنا ابن الوراق النحوي ببغداد:

وإذا تكامل للفتى من عمره

خمسون وهو إلى التُّقى لا يَجنَحُ

عَكَفتْ عليه المخزيات فما له

متأخّرٌ عنها ولا مُتزَحزحُ

وإذا رأى الشيطان غرّةَ وجهه

حيّا وقالَ فديت من لا يفلحُ

وقال سهل بن حنظلة الغنوي، أورده ابن النجار:

ولو أن رزق العبد في رأس صخرةٍ

من الصمّ في طود من الشمّ صاقبِ

إذن لأتاه العبد حتَّى يناله

ولو كانَ مِضياعاً له غير طالبِ

وقال بعضهم، أورده ابن النجار:

ولو كانت الدُّنيا ثواباً لمحسن

إذن لم يكن فيها معاشٌ لظالمِ

لقد جاع فيها الأنبياء كرامةً

وقد شبعت فيها بطون البهائمِ

وقال ابن عساكر: أنشدني الأكفاني عن ابن الكتاني عن أحمد بن يحيى بن سهل المنبجي، أنشدني أحمد بن فارس الأديب، أنشدني القاسم بن محمد بن القاسم الشريف الحسني المعروف بابن طباطبا الأديب الشاعر:

حسود مريض القلب يُخفي أنينه

ويُضحي كئيب البال عندي حزينه

يلوم على أن رحت في العلم راغباً

أجمّع من عند الرواة فنونه

وأعرفُ أبكارَ الكلام وعونه

وأحفظ مما أستفيد عيونه

ويزعم أنّ العلمَ لا يجلب الغنى

ويَحسنُ بالجهل الذميم فنونه

فيا لائمي دعني أغالي بقيمتي

فقيمةُ كلِّ الناس ما يحسنونه

قال بعضهم: حضرت مجلس كافور، فدخل رجل ودعا له وقال: أدام الله أيام مولانا، فكسر الميم من أيام، فتحدّث الحاضرون في ذلك وعابوه عليه، فقال أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حشيش اللغوي، وكان حاضراً، ارتجالاً:

ص: 7

لا غرو أن لَحَن الداعي لسيِّدنا

وغُصَّ من دهش بالريق والبَهَرِ

فتلك هيبتُه حالت جلالتها

بين الأديب وبين القول بالحصر

وإن يكن خفض الأيَّام من غلطٍ

من موضع النَّصب لا عن قلّة النظرِ

فقد تفاءلت من هذا لسيّدنا

والفألُ نأثُره عن سيّد البشرِ

بأن أيَّامه خفضٌ بلا نصبٍ

وأنّ أوقاتَه صفوٌ بلا كدرِ

وقال محمود الورّاق:

لبستُ صروفَ الدَّهر كهْلاً وناشئاً

وجرّبتُ خالية على العُسر واليُسرِ

فلم أرَ بعد الدّين خيراً من الغنى

ولم أرَ بعد الكفر شراً من الفقر

وقال القاضي أبو الفتح محمود بن إسماعيل بن قادوس صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية:

وفاتر النيّة عرنينها

يكرّر الرعدة والهزه

مكبراً سبعين في مرةٍ

كأنّما صلّى على حمزه

وقال:

من عاذري من عاذلٍ

يلومُ في حبِّ رشا

إذا جحدت حبّه

قالَ كفى بالدمع شا

وقال:

وربَّ أنفٍ لصديقٍ لنا

تحديده ليس بمعلومِ

ليس عن العرش له حاجبٌ

كأنه دعوة مظلومِ

وقال القاضي شمس الدين بن خلكان:

انظرْ إلى عارضه فوقه

لحاظُه تُرسل منها الحتوفْ

تشاهد الجنّة في وجهه

لكنّها تحت ظلال السيوف

نقل من خط الذهبي:

حضرت يوماً سماع جزءٍ

عالٍ وتحصيله ضروره

عَشقتُ من شقوتي غزالاً

بديع قدٍّ مليح صوره

أحلَّ قلبي هواه عِشْقاً

من غير إذنٍ ولا مشوره

فلم يكن مالكي مغيثاً

بل صار في هجره بريره

وقال بعضهم:

أول الحكم في الدماء إذا ما

وقف الناس للمليك الجليل

قالَ ذاك النَّبيّ صلَّى عليه

أبدَ الدَّهر مُنْزلُ التنزيل

قال آخر:

توكَّلْ على الرحمن في كلِّ حالةٍ

وأعْدِدْ لكلّ النائبات توكُّلا

فإنَّ جنانَ الخُلدِ يدخلها غداً

بغير حساب كلُّ عبدٍ توكَّلا

وقال آخر:

يا غافلاً عن بردْ ماءِ الكوثرِ

عند اشتداد الحرِّ يومَ المحشرِ

حوض النَّبيّ محمدٍ حصباؤه

من لؤلؤٍ وزَبْرجدٍ مع جوهرِ

من تحت عرش الله ميزابان

شخّابان فيه بمائة المتفجّرِ

فيه أباريق اللّجين وأوّلُ الشّرا

ب منه كلُّ أشعثِ أغبرِ

والله لو بعث الحياة بشُربة

تروي بها من مائة لم تخسرِ

وقال آخر:

سبحان ذي الكرم العميم على الورى

أفما ترى ذا اللُّطْف بالإنسانِ

يُدني أخا الذَّنْب الموحّد ثم يذ

كره به ويُقرُّ بالعصيانِ

فإذا أقرَّ به وقد رجعتْ به

شفتاه عند الحاكم الدَّيانِ

ناداه في الدُّنيا عليك سترتها

واليومَ أشفع ذاك بالغُفران

وقال الخطيب البغدادي في كتاب البخلاء: أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن أحمد الأهوازي قال: أنشدنا وليد بن معن الموصلي:

يقول إذا جاءه زائرٌ

فديْتُك إنّ العشا مَتخمهْ

وإنْ زارُهوْ قالَ نفسي الفداءُ

تعشَّ فترك العشا مَهْرمهْ

وقال الأديب البارع النحوي أبو بكر محمد ابن يوسف بن حبيش، بفتح الحاء، أورده ابن مكتوم في تذكرته عن أبي حيان عنه:

إنّي لأعسرُ أحياناً فيدركني

بُشرى من الله أنّ العسر قد زالا

يقول خير الورى في سنّة ثبتت

أنفقْ ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا

وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن عيسى الشلبي الأندلسي الأنصاري المحدّث الحافظ الأديب:

قد غدا مستأنساً بالعلم منْ

خالطته زوعة إلهامهِ

لا ينال العلم جسم رائحٌ

حفَّت الجنّة بالمكاره

وقال أبو جعفر أحمد بن يوسف الغرناطي البصير رفيق محمد بن جابر الأعمى:

لا تعادِ الناسَ في أوطانهمُ

قلّ ما يُرعى غريبُ الوطنِ

وإذا ما عشت عيشاً بينهم

خالقِ الناسَ بخلقٍ حسنِ

قال السلفي: أنشدنا أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن مرشد المقري المزي بمصر، قال: أنشدني أبو القاسم خلف بن فرج بالمدينة لنفسه:

ما جاء نصّاً فخذه

ولا تكنْ تتخطَّى

ص: 8

ولا تقل بقياس

إبليس قاس فأخطا

وقال الحافظ زكي الدين المنذري: أنشدني الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي، قال: أنشدني أبو خالد بن محمد ابن أبي بكر بن عمر لنفسه:

رزقت قناعة فجنيت وفراً

وأغنى الناسِ من رُزق القنوعا

وقال الحافظ قطب الدين الحلبي: أنشدني الأديب النحوي زين الدين محمد بن رضوان المحلي المعروف بابن الرعّاد لنفسه:

قالوا وقد شاهدوا نحولي

إلام في ذا الغرام تَشْقى

فنيتَ أو كدتَ فيه تفنى

وأنت لا تستفيقُ عِشقا

فقلتُ لا تعجبوا لهذا

ما كانَ لله فهو يبقى

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة: أنشدني أحمد بن يحيى:

مفتاح باب الفرجِ الصبرُ

وكلّ عسر معه يُسرُ

والدَّهرُ لا يبقى على حاله

والأمرُ يأتي بعده الأمرُ

وقال: أنشدني الحسين بن عبد الرحمن:

إذا لم تُسامحْ في الأمور تعسَّرت

عليك فسامح وامزج العسر باليُسرِ

فلم أرَ أوفى للبلاء من التُّقى

ولم أرَ للمكروه أشفى من الصبرِ

وقال القالي في أماليه: أنشدني ابن دريد: قال: أنشدني الحسن بن خضر قال: أنشدني رجل من أهل البصرة، قال أنشدني أبو هلال:

هذا الزَّمان الذي كنا نُخبِّرُه

فيما يُحدِّثُ كعبٌ وابن مسعود

إن دام ذا العيش لم يُحزن على أحدٍ

ممّن يموت ولم يفرح بمولود

وقال أبو الحسن علي بن الحسن الباخرزي:

القبر أخفى سترةٍ للبناتِ

ودفنها يُروى من المكرمات

أما رأيت الله سبحانه

قد وضع النعش بجنب البنات

وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر، رواه عنه ابن السمعاني:

وصاحبٍ خانَ ما استودعته وأتى

مالا يليق بأرباب الدّيانات

وأظهر السرَّ مختالاً بلا سبب

وذاك والله من أوفى الجنايات

أما أتاه عن المختار في خبر

أنّ المجالس تُغْشى بالأمانات

وقال الشيخ صدر الدين بن الوكيل:

أرقتَ دمَ الرّاووق حلاً لأنني

رأيت صليباً فوقه فهو مشركُ

وزوّجت بنت الكرم بابن غمامة

فصحّ على التعليق والشرط أملك

وقال شمس الدين محمد بن دانيال فيما ينقش على مشراط حجّام:

أنا لا أكلّم واصباً

إلَاّ بإذن منه تملك

شرطي شفاء الهالكي

ن من الأذى والشرط أملك

وقال بعضهم:

الغنى في النفوس والفقر فيها

ولعمري القلي ما يجزيها

قنِّعِ النَّفسَ في الكفاف وإلاّ

طلبت منك فوق ما يكفيها

إنَّما أنت طول عُمْرك ما

عشت في السَّاعة التي أنت فيها

وقال الأبله، الشاعر البغدادي، واسمه محمد بن بختيار:

دارك يا بدر الدُّجى جَنَّة

بغيرها نفسي ما تلهو

وقد روي في خبر أنَّه

أكثرُ أهل الجنَّة البلْهُ

وقال مهذب الدين محمد بن محمد الحاسب الطبري، قال اليغموري: أنشدنيه لنفسه:

لا تَعبْ قطُّ طعاماً

إنَّما العيب آثامُ

كُلْ كما تهوى وما تَك

ره دَعْه والسَّلامُ

وقال محمد بن أيمن الرهاوي:

إنَّ المكارم كلّها لو حُصِّلتْ

ردعتْ بجملتها إلى شَيئَينِ

تعظيم أمر الله جل جلاله

والسَّعي في إصلاح ذات البَينِ

قال الشيرازي في الألقاب: أخبرنا عبد الله بن أحمد الفارسي، حدثنا أبو بكر محمد بن العباس بن الوليد القاضي النحوي ببغداد، قال: دخلت على أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب عند منصرفي من مجلس عبد الله بن أحمد بن حنبل فقال: ما الذي حدثكم به عبد الله؟ فقلت: حدثنا عن أبيه عن سفيان عن الزهري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. فقال أحمد بن يحيى: اكتب، فكتبت وأملى عليَّ:

فلا تهجريني يا ثباتُ وأحسني

وخافي مليكَ النَّاس ذا المنّ واليُسرِ

فقد جاء قولٌ عن رجال أتوا به

وجاء به سفيان حقّاً عن الزهري

وأخبرني أيضاً به غيرُ واحدٍ

رواه بإسنادٍ عن الحسن البصري

ص: 9

إذا هجر الإنسان فوق ثلاثةٍ

أخاه تولَّى اللهُ عنه إلى الحشرِ

فيهلكُ إلَاّ أن يراجع ما مضى

ويجري على الأمر الذي لم يزل يجري

فيا عاذلي في الحبّ لم تدرِ ما الهوى

ولم تدرِ إذ لم تدرِ أنَّك لا تدري

وقال الخطيب: أنشدنا القاضي أبو العلاء محمد ابن علي، أنشدنا ثعلب قال: أنشدني ابن الأعرابي لأعرابي في النّساء:

هي الضِّلعُ العوجاءُ لستَ مقيمَها

ألا إنَّ تقويم الضّلوع انكسارُها

أتجمعن ضعفاً واقتداراً على الفتى

أليس عجيباً ضعفها واقتدارُها

قال الشيرازي في الألقاب: أنشدنا إبراهيم بن محمد الجرجاني، أنشدني أبو سعيد البصري، أنشدني بعض أصحابنا لابن طباطبا عن أبيه:

قالَ عليُّ بن أبي طالبٍ

وهو اللَّبيب الفطن المُتقِنُ

كلُّ امرئ قيمته عندنا

وعند أهل العلم ما يُحسنُ

وقال الشيرازي: أنشدنا أبو الحسن محمد بن محمد ابن زيد الجرجاني:

قال الإمامُ المرتَضَى حكمهُ

كلُّ امرئ قيمتهْ علمهُ

وليس يأبى حكمه غير مَنْ

جاءتْ به من زنية أمهُ

في معاني مشكل القرآن لبعض تلامذة المبرد: كانَ الرجل فيما مضى إذا بلغ أربعين سنة قيل له: خذ حذرك من الله، وينشدون:

إذا ما المرءُ قصَّرَ حين مرَّت

عليه الأربعون عن الرجالِ

ولم يلْحق بصالحهم فدعْهُ

فليس بلاحق إحدى اللَّيالي

وأنشدوا مثله:

إذا ما الفتى جاوز الأربعين

ولم يُعقب النَّقص فيه الكمالا

ولم يتْبع العصبة الصالحين

ويلغي الحرام ويبغي الحلالا

فلا ترجهُ طُولَ أيَّامه

فليس يزيدك إلَاّ خبالا

وقال أبو إسحاق الصابي:

نِعمُ الله كالوحوش فما تأ

لفُ إلَاّ الأخاير النُّسَّاكا

نفَّرتها آثام قوم وصيَّرْ

ن لها البر والتّقى أشراكا

قال بعضهم:

يا مغيث الملهوب والملهوف

ومعين الضَّعيف بالمعروف

استمع قصَّتي ومر لي بإتما

مٍ جميلٍ من فضلك المألوف

فالنَّبيُّ الكريم قال أحبّ ال

له منكم إغاثة الملهوف

وقال بعضهم، وقيل إنها للشافعي:

العلم من شرطه لمن خدَمه

أنْ يجعلَ النَّاسَ كلّهم خَدَمَهْ

وواجبٌ صونهُ عليهِ كما

يصون النَّاس عرضه ودمهْ

فمن حوى العلم ثم أودعه

بجهله غير أهله ظَلَمهْ

وكانَ كالمبتني البناء إذا

تمَّ له ما أراده هَدَمهْ

قال الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر في المجلس الأول من أماليه: أنبأنا الشريف طراد بن محمد، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن وصيف، أنبأنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا محمد بن روح الرقاشي، حدثنا بدل بن المحبر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق بن عاصم بن ضمرة، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول:

وكنْ مَعدناً واصفحْ عن الأذى

فإنَّك لاق ما عملت وسامعُ

وأحببْ إذا أحببت حيّاً مقارباً

فإنَّك لا تدري متى الحبّ نازعُ

وأبغضْ إذا أبغضت بغضاً مقارباً

فإنَّك لا تدري متى الحبُّ راجعُ

وقال بعضهم:

من تولَّى عن الهدى واستغنى

وتمادى في غيِّه وتغنَّى

واستلذَّ السَّماع والضرب بالأو

تار فالله عنه يا صاح أغنى

فاجتنب يا أخي الغناء وطهِّر

منه قلباً حيّاً وصنْ عنهُ أُذنا

فاستماع الغناء ينبت في القل

بِ نفاقاً ويورث المرء حُزنا

وعباد الرَّحمن من مرَّ باللَّغ

وكريماً ولم يحب الزّفنا

وقال سابق البربري:

يا مُبْتني الدَّار الذي

هو مسرع عنها الرَّحيلا

إنْ لم تُنلْ خيراً أخاك

فكنْ لهُ عبداً ذليلا

وتجنَّبِ الشَّهواتِ واحْ

ذرْ أنْ تكون لها قتيلا

فلرُبَّ شهوة ساعةٍ

قد أورثتْ حُزناً طويلا

وقال آخر:

ألا إنَّ شهر الصَّوم عنكم قد انقضى

فهل مرجع منكم لوشك انصرامهِ

وهل فيكم مستوحش لفراقه

وما فاته من صومه وقيامهِ

فلا تغفلوا يا قوم إخراج حقّه

وأدُّوا زكاة الفطر عند تمامهِ

ص: 10

وما شرعت إلَاّ لتكفير لَغْوهِ

ولم تُقْضرَ إلَاّ طُهرةً لصيامهِ

فقد فازَ مَن زكَّى لربِّه

وحاز بشهر الصَّوم تكفير عامهِ

وقال آخر:

طوبى لعبدٍ صام لله عن

مطعومه شهراً ومشروبهِ

وصانَ عن قول الخنا صومه

ولم يَشُبْهُ بأكاذيبهِ

والتمسَ الأجر على صومه

من ربِّه في تركِ محبوبهِ

فالصَّوم لله كما صحَّ عن

نبيِّه والله يجزي بهِ

وقال آخر:

شهرُ الصّيام سيِّدُ الشُّهورِ

كما أتى في الأثر المشهور

ولم يزل في سالف الدّهور

محترماً ذا بهجة ونور

فيه كما في الخبر المذكور

نُزِّل بالتوراة يوم الطُّور

والذّكر والإنجيل والزّبور

فاستكثروا فيه من القصور

في جنَّة الخلد بلا قُصور

واجتنبوا اللَّغوَ وقول الزُّور

وانتبهوا للعرض والنشور

قبل حلول ظلمة القبور

وقال آخر:

شهر الصّيام مباركٌ قد خصّه

ذو الطّول فيه بفضلهِ واختارهُ

فإذا أتى فتح الإله جِنانَهُ

للصَّائمين لهُ وأغلق نارهُ

وقال عبد الله بن جميع بن اليسع:

ربَّ ذي طمرين قد أل

قى عن العالمِ شرَّهْ

لا يُرى إلَاّ غنيّاً

وهو لا يملكُ ذرَّهْ

ثمَّ لو أقسم في شي

ءٍ على اللهِ أبرَّهْ

وقال آخر:

إذا ما سمعْت أذاناً فقلْ

كقول المنادي وسل مسألَه

وقابل تشهُّدَه بالرّضى

وحَوْقِلْ إذا بلغ الحيعَلَه

وسلْ حين يفرغ للمصطفى ال

وسيلة من فضلْ مَن أرسَلَه

فقد صحَّ في ذاك يا إخوتي

أحاديثُ لم تأتِنا مُرْسلَه

وقال آخر:

مَن أخلصَ القولَ بالشَّهادهْ

وصحَّح الفعل والإرادهْ

وجانبَ الشّركَ والمعاصي

وجدَّ في الخير والعبادهْ

وسالم المسلمين طرّاً

فإنَّه من ذوي السَّعادهْ

كما رَوَينا عن سعيد

وعن معاذٍ وعن عبادهْ

فهلِّلوا مُخلصين تحظوا

في جنَّة الخلد بالزّيارهْ

وقال أبو الشمردل وقاص بن مجامع الكندي:

وفي الشَّيب ما ينهى الحليم عن الصّبا

إذا اشتعلتْ نيرانهُ في عذارهِ

وأيّ امرئ يرجو منَ العيش غِبطةً

إذا اصفرَّ منهُ العودُ بعد اخضرارهِ

تجنَّبْ خليلَ السُّور واصرم حبالهُ

فإنْ لم تجدْ عنه محيصاً فدارهِ

وصاف خليلَ الودّ واحذرْ مراءه

ولا تكُ في كلِّ الأُمور تُمارهِ

وجاوزْ إذا جاوزتَ بحراً أو امرءاً

كريماً كريم المجدِ ثاوٍ لجارهِ

ومن يطلب المعروف من غير أهله

يجده وراء البحر أوْ في قرارهِ

ولله في عرض السَّموات جنَّةٌ

ولكنَّها محفوفةٌ بالمكارهِ

وقال الحسين بن الضحاك:

أما في ثمانين وفَّيتها

عذير وإنْ أنا لمْ أعتذرْ

وقد رفع اللهُ أقلامهُ

عنِ ابن ثمانين دون البشرْ

وإنِّي لمن أُسراء الإل

هـ في الأرض نَصْبَ صروفِ القدرْ

فإنْ يقضِ لي عملاً صالحاً

أناب وإنْ يقضِ شرّاً غفرْ

وقال أيضاً:

أصبحت من أسراء الله محتسباً

في الأرضِ نحوَ قضاء الله والقدر

إنَّ الثَّمانين إذ وفيت عدَّتها

لم تُبقِ باقيةً منِّي ولمْ تذر

وقال أبو الحسين الجزار:

شغلتك الأشغال عنك وعنِّي

فاطلب العذر منك طوراً ومنِّي

أنا في الحزم قانعاً منه بالبغ

ض وإنْ كانَ كلّه ليس يغني

ما بظنّي لكنْ بنفس فأظهرْ

ت انقطاعاً والحزم سوء الظّنِّ

وقال الزكي عبد العظيم بن أبي الإصبع:

من يذُمّ الدُّنيا بظلمٍ فإنِّي

بطريق الإنصاف أُثني عليها

وعظتْنا بكلِّ شيءٍ لوَ انَّا

حين جدَّت بالوعظ من مصطَفيها

وأرتنا الوجهين منَّا فهِمْنا

للهوى بالفتان من وجهَيْها

نصحتنا فلم نرَ النُّصح نُصحاً

حين أبدتْ لأهلها ما لديها

أعْلمتْنا أنَّ المالَ يقيناً

للبلى حين جدَّدتْ عصريها

كمْ أرتْنا مصارعَ الأهلِ والأح

باب لو نستفيق بين يديها

ص: 11

ولكم مهجة بزهراتها اغبرَّ

ت فأدمتْ ندامةً كفَّيْها

أتراها أبقتْ على سَبأ من

قبلنا حين بدّلت جنَّتَيْها

يوم بؤس لها ويوم رخاءٍ

فتزوَّدْ ما شئت من يومَيْها

وتيقَّنْ زوالَ ذاكَ وهذا

تسْلُ عمَّا تراهُ منْ حادثَيْها

دارُ زادٍ لمنْ تزوَّد منها

وغرور لمن يميل إليها

مهبط الوحي والمصلى التي كمْ

عفّرت صورة بها خدَّيها

متجر الأولياء قد ربحوا الجنَّ

ة فيها وأوردوا عينيها

رغبت ثمَّ رهبت ليرى كلُّ

لبيب عُقباه من حالتيها

فإذا أنصفت تعيّن أن يُثن

ي عليها ذو البرّ من ولديها

هذه الأبيات نظم فيها قول علي بن أبي طالب في خطبته: أيها الذام للدنيا، المغترّ بغرورها، لمَ تذمَّها؟ أنت المتجرم عليها، أم هي المتجرمة عليك؟ متى استهوتك أوْ متى غرتك؟ أبمصارع آبائك من البلى، أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم تحللت بكفيك، وكم مرضت بيديك، تبغي لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء، لم ينفع أحدهم إشفاقك، ولم تُسعف فيه بطلبتك، ولم تدفع عنه بقوتك، قد مثلت لك الدُّنيا به نفسك وبمصرعه مصرعك، إن الدُّنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتَّعظ بها، مسجد أحباب الله، ومصلى ملائكة الله، ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن زائد منها، وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها، فمثلت لهم ببلائها البلاء، وشوّقتهم بسرورها إلى السرور، وراحت بعافية، وابتكرت بفجيعة ترغيباً وترهيباً وتخويفاً وتحذيراً، فذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون، ذكرتهم الدُّنيا فذكروا، وحدّثتهم فصدقوا، ووعظتهم فاتَّعظوا.

وقال محمود بن أبي الحسن الغزنوي الملقب بيان الحق:

فلا تحقرنْ خلقاً من النَّاس علَّه

وليُّ إله العالمين وما تدري

فذو القدر عند الله خاف عن الورى

كما خفيت عن علمهم ليلة القدر

وقال مكي بن عبد الله بن الغراد:

إذا شئتَ أنْ تستجلبَ الودّ دائماً

منَ النَّاس موثوقاً بكلِّ وثاق

فكنْ زاهداً فيما حوته أكفُّهم

وفارق مودَّات الهوى بطلاق

وقال أمين الدين السليماني:

أعجز الواصفين فضلك فاجعل

شين شكري فيه كشين بلال

وقال أبو الوليد الباجي:

إذا ماتَ المحبُّ جوى وعشقا

فتلك شهادة يا صاح حقَّا

رواه لنا ثقات عن ثقاتٍ

إلى الحبر ابن عباسٍ ترقَّى

وقال عبد الكريم القشيري:

إنَّ المحبَّ إذا توفَّى صابراً

كانتْ منازلهُ مع الشُّهداء

يرويهِ أقوامٌ غدَوْا في صدقهم

علماً وناهيكم بهذا الدَّاء

وقال ابن رواحة الحموي:

لاموا عليك وما دَروا

أنَّ الهوى سبب السَّعادهْ

إنْ كانَ وصلٌ فالمنى

أو كانَ هجرٌ فالشَّهادهْ

وقال آخر:

خليليَّ هل خُبِّرتُما أوْ سمعْتُما

بأنَّ قتيلَ الغانياتِ شهيدُ

فأجاب ابن أبي حجلة:

نعم قد سمعْنا أنَّ منْ كتمَ الهوى

وعفَّ إلى أنْ ماتَ فهو شهيدُ

قال الحافظ ابن حجر:

من رحِمَ النَّاسَ أُثيبَ رحمةً

من ربِّه لموعدٍ لا يُخلفُ

ومنْ صفات المؤمنين إلفهُم

لمثلهم فالخيرُ فيمنْ يُؤلفُ

قال البيهقي في شعب الإيمان: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس المحبوبي بمرو، حدثنا محمد بن جابر الفقيه، حدثنا أبو أنس كثير بن محمد التميمي، حدثنا خلف بن خالد البصري، أبو محمد، حدثنا سليم وهو ابن مسلم الخشاب عن ابن جريح عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آتاه الله وجهاً حسناً واسماً حسناً وجعله في موضع غير شائن له فهو من صفوة الله تعالى من خلقه. قال ابن عباس: قال الشاعر:

أنت شرط النَّبيّ إذ قال يوماً

اطلبوا الخير من حسان الوجوه

قال البيهقي: في هذا الإسناد ضعف.

وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن حسين الصيرفي قال: قال لي كلثوم العتابي: دخلت على يعقوب بن صالح فأنشدته:

حسن ظنِّي إليك أصلحك ال

له دعاني فلا عدِمْتَ الصَّلاحا

ص: 12

دعاني إليكَ قول رسول ال

له إذ قال مُفصحاً إفصاحا

إنْ أردتم حوائجاً من وجوهٍ

فتنقَّوا لها الوجوه الصّباحا

فلعمري لقد تنقَّيت وجهاً

ما به خابَ منْ أرادَ النَّجاحا

وقال صدقة بن الحسين الواعظ، اسنده ابن النجار:

ولست أعدل عن قوم وإنْ عدلوا

عنِّي وشرُّ فريق الحيِّ عادلهُ

إنَّما عدلُهم عنِّي لجهلهم

وفي الحديث عدوُّ الشَّيء جاهلهُ

وقال أبو نواس، أورده الشيرازي في الألقاب:

حدَّثنا جابرٌ عن عامرِ

وعامرٌ يخبر عن جابرِ

أنَّ رسول الله في مجلس

قد قال للبادي وللحاضر

إذا أردتم حاجةً فاسألوا

كلّ صبيح حسن ناضر

وقال ثعلب: أنشدني ابن الأعرابي:

منْ كانَ يُعجبه أنْ مسَّ عارضَه

مسكٌ يطيِّبُ منهُ الرِّيحَ والنسما

فإنَّ مسكي مدادٌ فوقَ أنملتي

إذِ الأناملُ منِّي مسَّتِ القلما

وقال الخطيب البغدادي: أنشدنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري قال: أنشدني أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب الصوري لنفسه:

وفتى مسَّه نزولي بقرح

مثل ما مسَّني من الجوع قَرْحُ

بتُّ ضيفاً لهُ كما حكم الدَّ

هر وفي حكمه على المرء قبحُ

فابتداني يقول وهو من ال

حيرة والبغض طافح ليس يصحو

لم تغرَّبتَ قلت قال رسول ال

له والقولُ منه نُجح ونصحُ

سافروا تغنموا فقال وقد قا

ل تمام الحديث صوموا تصحُّوا

وقال بعضهم:

لقد قالَ الرَّسولُ مقالَ صدقٍ

وخيرُ القولِ ما قالَ الرَّسولُ

إذا الحاجاتُ تبدُو فاطلبوها

إلى مَنْ وجهُه حسنٌ جميلُ

وقال الجمال ابن نباتة:

قلْ لمن أشهده النَّاسُ على

حبّهم قاضي القضاة الألمعي

صف موالاة ابن عطارهم

وعلى كالشَّمس فاشهد أوْ دعِ

وقال الشيخ عفيف الدين اليافعي:

روينا حديثاً في الصَّحيحين سبعةٌ

يظلُّهم المولى بخير ظلالِ

يظلّهم في ظلّه الله يوم لا

سوى ظلِّه ظلٌّ فهاكَ مقالي

إمام له عدل ومَن في عبادة

نشأ بالتُّقى لله لا بضلالِ

ومن قلبه يهوى المساجد دائماً

تعلُّقه فيها بغير زوالِ

وشخصان في الله الكريم تحاببا

بحال افتراق منهما ووصالِ

وإنِّي أخافُ اللهُ مَن قال عندما

دعتْ ذات عالٍ منصبٍ وجمال

ومصدّقٌ أخفى التَّصدُّق لم يكنْ

بما أنفقتْ يُمناه علمُ شمالِ

ومن ذكرَ الرّبَّ المهيمن خالياً

ففاضت بهِ عيناه خوفَ نكالِ

فأكرمْ بهم من سبعةٍ طيبي الثَّنا

وأكرمْ بها في القوم سبع خصالِ

وقال الشيخ شهاب الدين بن العماد:

إمامٌ محبٌّ ناشئٌ متصدِّقٌ

مصلٍّ وباكٍ خائفٌ سطوةَ النَّاسِ

يظلُّهم الله العظيم بظله

إذا كانَ يوم الحشر لا ظلَّ للنَّاسِ

قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: أنشدني أخي هبة الله، أنشدنا أبو عبد الله محمد بن طاهر الأندلسي بدمشق، أنشدنا أبو الحسن علي بن عبد الغني المغربي القيرواني المعروف بالحصري لنفسه:

يموتُ مَن في الأنام طُرّاً

من طيّبٍ كانَ أو خبيثِ

فمستريحٌ ومستراح

منه كذا جاء في الحديثِ

وقال السلفي: أنشدني أبو العباس أحمد بن يوسف اليغموري البيساني للوزير أبي الحسن جعفر بن إبراهيم الحاج:

لم لا أحبُّ الضَّيف أوْ

أرتاحُ من طرب إليهِ

والضَّيفُ يأكلُ رزقَهُ

عندي ويشكرني عليهِ

وقال بعضهم:

أحبُّ البنات كحبِّ البنين

ووُدُّوا إلى كلِّ نفسٍ كريمهْ

فإنَّ شعيباً من أجل البناتِ

أخْدمهُ اللهُ موسى كليمهْ

وقال الحافظ المنذري: أنشدني الأديب الفاضل أبو محمد الحسن بن الحسين القيسراني المعروف بالسديد لنفسه:

إذا زُرتَ الصَّديقَ يوماً يكون غبّا

كذلك للمريض تنال أجرهْ

ولا تُدمِ الزِّيارةَ كلَّ يومٍ

تُمَلُّ وتنتشي منها مضرَّهْ

وقال علاء الدين بن غانم:

إنَّ زماناً ذُلَّ أهل الهدى

فيهِ زمانٌ مظلم مؤلمُ

ص: 13

ودينُنا عادَ غريباً كما

بدا كذا أخرج مسلمُ

وقال عبد العزيز الآمدي:

إنَّ الذي في وجههِ جنَّةٌ

حُفَّتْ بمكروهٍ عن العذلِ

مقلته في وسط قلبي غدتْ

أرملةً تأكل بالغزلِ

وقال بعضهم:

ربما خير للفتى

وهو للخير كاره

وأتاه السُّرور مِن

حيثُ تأتي المكاره

وقال بعضهم:

يا ماسخَ الدّين والدُّنيا بسيرتهِ

ومهملَ الفضل والإحسان والجودِ

قد ضاق ظاهر هذا الأمر منك وما

في باطن الأرض ميت غير محسود

خفض عليك فكلُّ النَّاسِ قد يَئسوا

من خضرة العيش في أيَّامك السود

وقال بعضهم:

يا سيِّدي عندك لي مظلمه

فاستفتِ فيها ابنَ أبي خيثمهْ

فإنه يذكرُ عن جدّه

قال روى الضحاك عن عكرمهْ

عن ابنِ عبَّاسٍ عن المصطفى

نبيّنا المبعوث بالمرحمهْ

أنَّ صدود الخلّ عن خلِّه

فوقَ ثلاثٍ ربُّنا حرَّمهْ

وأنت من شهرٍ لنا هاجرٌ

أسرفْتَ في الهجرانِ فينا فمهْ

وقال أحمد بن عبد الله الكتبي، كتبه عنه الحافظ تقي الدين بن رافع:

الرَّاحمون لمن في الأرضِ يرحمهم

مَنْ في السَّماءِ فباعدْ عنكَ وسواسا

وقلْ أعوذُ بربِّ النَّاس منك إذا

لا يرحم الله مَن لا يرحم النَّاسا

وقال الحافظ أبو طاهر السلفي:

من اعتدى والقليل يقنعه

عاش عزيزاً ما بين رفقتهِ

وكنْ بما قد رُزقت مقتنعاً

وحزت ركن العلى برمَّتهِ

وقال صاحبنا الشهاب المنصوري:

إنْ كنتَ تطمعُ في العلياءِ تخطبها

وتبتغي منزلَ التَّكريم تسكنهُ

لا تُخْلِ نفسكَ من علمٍ تسود بهِ

فقدرُ علمِ امرئٍ ما كانَ يُحسنهُ

وقال بعضهم:

لا تلتمس من مساوي النَّاس ما ستروا

فيهتكَ اللهُ ستراً من مساويكا

اذكر محاسن ما فيهم إذا ذُكروا

ولا تعبِ أحداً منهم بما فيكا

وأخرج الشيرازي في الألقاب، والخطيب وابن عساكر والأبرقوهي في معجمه، والسلفي في الطيوريات، عن ابن عائشة قال: اجتمعتْ يوماً جماعة من أصحاب الحديث على باب عبد الواحد بن زياد ومعنا الحسن بن هانئ، فخرج الشيخ وجلس ثم التفت إلينا فقال: ليختر كل واحد منكم عشرة أحاديث، فجعلنا نختار، فنظر إلى أبي نواس فإذا هو لا يختار شيئاً، فقال: يا فتى، مالك لا تختار شيئاً؟ فأنشأ أبو نواس يقول:

ولقدْ كنَّا رويْنا

عن سعيدٍ عن قتادَهْ

عن سعيد بن المسيَّب

أنَّ سعدَ بن عبادَهْ

وعن الشَّعبيِّ والشَّع

بيُّ شيخٌ ذو جِلادَهْ

وعن الأخبار يحكيه

وعن أهل الوفادَهْ

أنَّ من ماتَ مُحبّاً

فله أجر الشَّهادَهْ

فقال له عبد الواحد: أغرب يا خبيث، فوالله لا حدثتك ولا حدثت أحداً اليوم لمكانك، فبلغ ذلك مالك بن أنس، فقال: عراقي غث ليس له تمام نسك ولا كمال طبع، فهلا حدّث مثله ليُثاب فيه مرتين، لحريٌّ أن يُصلح الله منه ما فسد بعد.

وقال بعضهم:

إنَّ خير الذّكر تسبي

حٌ وتكبيرٌ وحمدُ

ذاك ذكر يمحى عن

كَ به خَطء وعمدُ

فهو صلح وهو ربحٌ

وهو نجحٌ وهو سعدُ

ودليل القول منِّي

ما رواهُ لك سعدُ

وبه ينجز من ربّ

ك في الجنَّاتِ وعدُ

فله الحمد على الإن

عام من قبلُ وبعدُ

وقال بعضهم:

وقُم بالنُّصح إنَّ النُّصحَ دِينٌ

بهِ تُجزى الجزيلَ منَ العطاءِ

فقد أوصى النَّبيُّ به ثلاثاً

فقدِّمْه لدى كشفِ الغطاءِ

وقال بعضهم:

متى صدق العبدُ الإلهَ رأى لهُ

منَ الضِّيق والضّنكِ الأليمين مخرجا

كأصحابِ هذا الغار أصبحَ منهم

أخو الأيد ممَّا قد تغشَّاه مخرجا

وقال اصدقوا ربّ السَّماء فصدقُكم

يعودُ بكم من ضيق ذا السّجن مخرجا

فنادَوا بأسرارٍ لها الصّدق شاهد

فراحوا فراحاً بالسَّلامة والنجا

وقال بعضهم:

لا تقفْ يا ذا مع الصّور

في مجال الطّرف والبصَرِ

كم أخو طِمْرٍ له شرف

قد علا فيهِ على الحِبَرِ

ص: 14

ولهُ الإبرار في قسمٍ

حقَّقته صحَّةُ الخبَرِ

أقسموا والبرّ يعضدُهُم

منَّةً من مُنزل السُّوَرِ

ونجا مَنْ أقسموا لهمْ

بعدَ ما أشفَوا على الخطَرِ

فأتى ابنُ النّضر يقسم لا اق

تصَّ منها سيّدُ البشرِ

فعفا أهلُ القصاص بإل

هام علاّمٍ ومقتدرِ

فاعتكف بالباب فهو لدى ال

وزْر مروية إلى الوَزَرِ

وقال بعضهم:

وسؤالاً عمَّا عملتم وصحفا

رقّمتها الحفاظ بالأقلام

وجحيماً قد سعّرت

وأحاطت عن يمين ويسرة وأمام

فاتَّقوها ولو بشقّ من التم

ر وإلاّ بطيب لفظ الكلام

هكذا قاله المرسل الصَّادق المب

عوث فينا بشرعه الإسلام

أخبرتني أم الفضل بنت محمد المقدسي سماعاً عليها، حدثنا أبو إسحاق التنوخي عن الشيخ أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطار، أخبرنا شيخنا الإمام الأوحد أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، حدثنا الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي، حدثنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد اللغوي، حدثنا عيسى بن هبة الله النقاش، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، حدثنا أبو غالب بن بشران، وهو محمد بن أحمد بن سهل، حدثنا ابن دينار الكاتب، حدثنا أبو علي عيسى بن محمد الطوماري، حدثنا أبو بكر السراج، حدثنا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد قال: قال إسماعيل بن القاسم، يعني أبا العتاهية:

يا عجباً للنَّاس لو فكَّروا

وحاسبوا أنفسهم أبصروا

وعبَروا الدُّنيا إلى غيرها

فإنَّما الدُّنيا لهم مَعْبر

الخير مما ليس يخفى هو ال

معروف والشرُّ هو المنكر

والموعد الموت وما بعده ال

حشر فذاك الموعد الأكبر

عجبت للإنسان في فخره

وهو غداً في قبره يقبر

ما بال من أوله نطفة

وجيفةٌ آخره يفخر

أصبح لا يملك تقديم ما

يرجو ولا تأخير ما يحذر

وأصبح الأمر إلى غيره

في كل ما يُقضى وما يُقدر

قال الشيخ علم الدين السخاوي في شرح الشاطبية: قال علي رضي الله عنه: بقية عمر المؤمن لا ثمن لها، يدرك بها ما فات ويحيي ما أمات. ونظمه بعضهم فقال:

بقيةُ العمر عندي ما لها ثمنٌ

وإن غدا غيرَ محمودٍ من الزمن

يستدرك المرء فيه ما أفات ويُحْ

يي ما أمات ويمحو السوء بالحسن

وقال المبرد: سمع العطوي رجلاً يحدّث عن عمر بن الخطاب أن رجلاً قال له: إن فلاناً قد جمع مالاً. فقال عمر رضي الله عنه: فهل جمع أياماً؟ فأخذ العطوي هذا المعنى فقال:

أرْفِهْ بعيشِ فتًى على ثقةٍ

إنّ الذي قسمَ الأرزاقَ يرزقُه

فالعِرْضُ منه مَصونٌ ما يدنّسه

والوجه منه جديدٌ ليس يُخلقه

جمعت مالاً فقل لي هل جمعت له

يا جامعَ المالِ أيَّاماً تفرّقه

والمال عندك مخزون لوارثه

ما المالُ مالُكَ إلَاّ حين تنفقه

العطوي هذا: هو أبو عبد الرحمن أحمد بن إبراهيم بن أبي عطية البصري، شاعر كان في زمن المأمون.

وقال ابن النجار في تاريخه: قرأت بخط بعض العلماء قال: أنشدني أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن منصور السلمي قال: أنشدني أبو البركات عرفة بن نجيب النحوي قال: نظم بعض الفضلاء خبر النبي صلى الله عليه وسلم: عمر الإنسان لا قيمة له، في بيتين:

بقية العمر عندي ما لها ثمن

البيتين.

قال بعضهم:

إذا حاولتَ صومَ الدَّهر فاقصدْ

صيام ثلاثةٍ من كلّ شهرِ

وشهرَ الصبر إنَّ الصوم فيه

يكفِّرُ كلَّ معصيةٍ ووِزْرِ

ويجزي الربُّ فعل العبد فضلاً

ولطفاً منه واحدةً بعشرِ

قال البيهقي في شعب الإيمان: سمعت الأستاذ أبا القاسم بن حبيب المفسر يقول: أخذ الشاعر قوله صلى الله عليه وسلم: من لم يسأل الله يغضب عليه. فقال:

الله يغضب إن تركت سؤاله

وبنيّ آدم حين يُسأل يَضب

ص: 15

وقال الديلمي: أخبرنا أبي، حدثنا علي بن محمد بن عبد الحميد البجلي، حدثنا ابن لال، حدثنا أحمد بن أربش بن عبد الله بن محمد ابن الحسن الخوارزمي، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا الخليل بن حريش، حدثنا خلف بن يحيى بن عثمان بن عبد الرحمن عن أبي الزبير عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبد خيراً جعل صنائعه معروفة في أهل الحفاظ. قال: فقال حسان بن ثابت:

أمّا الصنيعةُ لا تكون صنيعةً

حتَّى يصابَ بها طريقُ المصنع

قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت وقال الخرائطي في مكارم الأخلاق سمعت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد يقول: قال قيس بن الخطيم:

يا أيّها السائلُ عمّا مضى

من ريب هذا الزمن الذاهب

إن كنت تبغي العلم أوْ غيره

أو شاهداً يخبر عن غائب

فاعتبرِ الأرضَ بأسمائها

واعتبرِ الصاحبَ بالصاحب

وقال الشيخ تقيّ الدين السروجي:

أفدي رئيساً كلُّ فعلٍ له

يحبّه القلب ويرضاه

ومثله خادمُه محسنٌ

والعبد من طينه مولاه

وقال ابن أبي حجلة:

يا قاضياً في ودّه ما زال لي

من قبل أن يليَ القضا حسنَ النظر

غمَّضْتَ عينك مُذْ وليت لأجل ذا

قالوا إذا نزل القضا عمي البصر

وقال ابن نباتة:

شهدنا بأنّ إلهَ السَّماء

يحبك يا أكرمَ النَّاس حالا

لقولِ نبيّ الهدى إنّه

تعالى جميلٌ يحبّ الجمالا

وقال صاحبنا الشهاب المنصوري:

تجنَّبْ قرينَ السُّوء لا تصحبنَّه

فكلُّ سفيهٍ يقتدي بسفيهِ

ومن كانَ ذا وجهين بين صحابه

فذلك عند الله غير وجيه

وقال:

ألا كنْ لما لم ترجُ أرجى من الذي

رجوتَ فقد تلقى إليه سبيلا

فموسى رأى ناراً فرام اقتباسَها

فكلَّمهُ الباري وعاد رسولا

وقال:

إذا نَقَمتْ عرسٌ وأنت تحبُّها

فدعْ هجرها رَضْواً ولا تُثِر الموجا

ولا تطمعنّ الدَّهر في أن تقيمها

فقد خُلِقتْ في الأصل من ضِلَعٍ عَوْجا

وقال:

عِفَّ ولا تسأل أخاً حاجةً

تكن على العينين والرأس

واستغنِ عمّن شئت من ذا الورى

فلا غنى إلَاّ غنى النفس

وأنشد الشيخ أبو إسحاق الشيرازي:

رأيت البلاء كقطر السَّماء

وما تُنبتُ الأرض من ناميه

فلا تسألنّ إذا ما سألتَ

إلهك شيئاً سوى العافيه

وقال الحافظ بن حجر:

اثنان لن يُعط امرؤٌ عاقلٌ

مثلَها في دارنا الفانيه

من يسَّر اللهُ تعالى له

شهادة الإخلاص والعافيه

وأنشد الأصمعي:

لم أرَ مثل الرفق في لينه

أخرجَ للعذراء من خِدرها

من يستعِنْ بالرفق في أمره

سيُخرج الحيّة من جحرها

وقال الحافظ جمال الدين المزي:

إن عاد يوماً رجلٌ مسلمٌ

أخاً له في الله أو زارَهُ

فهو جديرٌ عند أهل النهى

بأن يحطَّ اللهُ أوزارَهُ

وقال عبد الله بن المعتز:

نفسك ثوبُ البهاء فصنْها

من لم يصُنْ نفسَه يُهنْها

نفسك ريحانةٌ تفدّى

فاعمِ عيونَ العداة عنها

إن عسُرَتْ حاجةٌ فدعْها

اليأسُ منها غناك عنها

وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد:

قد عُرِّفَ المنكر واستنكر ال

معروف في أيَّامنا الصعبه

وصار أهل العلم في وَهْدةٍ

وصار أهلُ الجهل في رَيبه

فقلت للإخوان أهل التقى

والدّين لما اشتدت الكُربه

لا تنكروا أحوالكم قد أتت

نوبتُكم في زمن الغربه

وقال القيراطي:

لا تدعَونّ المغرب العشا ولا

تدعُ العشاء عَتَمةً ذا نُقلا

ولا تُسَمّ طيبةً بيثربِ

فإنها طيّبةٌ بالطيِّبِ

ولا تقل إنِّي نسيت آيه

فالنهي عن ذا صح في الروايه

ولا تقل قد خبثت نفسي وقل

قد لَقِسَت تلفظاً بما حُمِل

ولا تقل عقيقة لما نُحرْ

عن ولد ففيه نهي قد ذكر

ولا تُسمِّ الكرم أشجارَ العنبْ

فالكرمُ قلبُ المسلم العالي الرتب

لا تدعُ من لا حجَّ بالصروره

لنهي آثارٍ بدت مأثوره

ص: 16

قوس السحاب لا تقل قوس قزح

لكن قوس الله قل قد أوضح

وبالرفاء والبنين لا تكن

مهنئاً بزوجةٍ فالنهي سُن

وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر:

بادر إلى الخير يا ذا اللب مغتنما

ولا تكن من قليل العرف محتشما

واشكر لمولاك ما أولاك من نعمٍ

فالشكر يستوجب الإفضال والكرما

وارحم بقلبك خلقَ الله وارعَهُم

فإنَّما يرحم اللهُ منْ رَحِما

وقال الحافظ زين الدين العراقي:

إنْ كنتَ لا ترحم المسكين إن عَدِما

ولا الفقير إذا يشكو لك العَدما

فكيف ترجو من الرحمن رحمته

وإنَّما يرحم الرحمنُ من رَحِما

وقال الحافظ أبو الفضل بن حجر:

إنّ منْ يرحمُ أهلَ الأرضِ قد

جاءنا يرحمه من في السَّما

فارحمِ الخلقَ جميعاً إنّما

يرحمُ الرحمنُ منّا الرُّحما

وقال الحافظ رضوان:

الحبُّ فيكَ مسلسلٌ بالأوّل

فاحْنِنْ ولا تسمع كلامَ العُذَّلِ

ارحمْ عبادَ الله يا من قد علا

من يرحمِ السُّفلاء يرحمْه العلي

وقال صاحبنا الشهاب المنصوري:

يا ملوكَ الجمال نحن أُسارى

في هواكم وقد عدمنا الفداءَ

فارحمونا فإنَّما يرحم الل

هـ تعالى من خلقه الرحماءَ

وقال أيضاً:

أخْلِقْ بمن يظلم أن يُظلما

وبالذي يرحم أن يُرحما

من لم يكن يرحم بالقلب منْ

في الأرض لم يرحمه من في السَّما

وقال أيضاً:

إن تُرِدْ أن تكونَ من رحمة الل

هـ قريباً وفي النعيم مقيما

فارحمِ الناسَ رأفةً واعف عنهم

إنَّما يرحمُ الرحيم الرحيما

وقال أبو الفتح محمد بن أحمد الكندي:

سامحْ أخاك الدَّهر مهما بدَتْ

منه ذنوبٌ وقعُها يعظُمُ

وارحم لتلقى رحمة في غدٍ

فربُّنا يرحمُ من يرحمُ

وقال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري:

ما مرَّ بي يومٌ ولا ليلةٌ

دونَ ثناءٍ حسنٍ أغْنَمُهْ

وليس لي في ليلتي رقةٌ

من دونِ علمٍ نافع أُحكمهْ

أزيدُ في علمي إلى قيمتي

وقيمةُ الإنسان ما يعلمهْ

وقال السيد الحميري في بني العباس:

ليس علينا ما بقَوا غيرُهم

في هذه الأمة من حاكمِ

حتَّى يردُّوها إلى حاكمٍ

عليه عيسى منهم ناجمِ

وقال أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، حدثنا عمر بن شبه، حدثنا حاتم بن قبيصة قال: سمع السيد الحميري محدثاً يحدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ساجداً فركب الحسن والحسين على ظهره، فقال عمر: نعم المطيّ مطيّكما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ونعم الراكبان هما. فانصرف السيد من فوره وقال في ذلك:

أتى حسناً والحسينَ النبيُّ

وقد جلسا حَجْرةً يلعبانِ

ففدّاهما ثم حمّاهما

وكانَا لديه بذاك المكانِ

فمرّ وتحتهما عاتقاه

فنعم المطيّةُ والراكبانِ

وقال عمر بن ميمون الخولاني:

نبِّئْتُ أنك مول لا تكلِّمُني

فبتّ خائفَ هجرٍ منك قد حَدثا

وما يفي النذرَ من آلى بمعصيةٍ

هذي مقالةُ من بالحقّ بُعثا

وقال أبو عبد الله محمد بن الفراء الأعمى:

أيها العاذل الذي

بعذابي توكَّلا

عد صحيحاً مُسلِّماً

ولا تُعيِّرْ فتُبْتَلا

وقال الإمام عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة بن العباس بن مرداس السلمي الفقيه المشهور، أحد أئمة المالكية، وصاحب التصانيف المشهورة، أورده صاحب المغرب في ترجمته:

لا تَنْسَ لا ينسِكَ الرحمنُ عاشورا

واذكره لا زِلتَ في الأخبار مذكورا

قالَ الرَّسولُ صلاة الله تشمله

قولاً وجدنا عليه الحقَّ والنورا

من بات في ليل عاشوراء ذا سعةٍ

يكنْ بعيشهِ في الحول محبورا

فارغب فديتك فيما فيه رغَّبنا

خيرُ الورى كلِّهم حيّاً ومقبورا

وهذا من الإمام الجليل مما يقوي صحة الحديث.

وقال أبو أحمد عبد العزيز بن خيرة:

إذا رأيت العبد فاحكم على

مولاه من ظاهر مولاه

دليل حال المرء عبدانه

والعبد من طينه مولاه

ص: 17

وقال أبو بكر سهل بن مالك الغرناطي:

لا تجلعنْ رمضانَ شهر فكاهةٍ

تُلهيك فيه من القبيحِ فنونُه

واعلم بأنّك لا تنال قبولَه

حتَّى تكرِّمَ صومَه وتصونُه

وقال أيضاً:

إذا لم يكنْ في السمع منّي تصاونٌ

وفي بصري غضٌ وفي منظري صمْتُ

فحظّي إذن من صومي الجوعُ والظما

وإن قلت إنّي صمتُ يوماً فما صُمْتُ

وقال أبو مروان عبد الملك بن جَهْوَر:

إذا كانت الأبدان نائية

فنفوسُ أهل الحبِّ تأتلفُ

يا رُبَّ مؤتلفَين قد جمعتْ

قلبيهما الأقلامُ والصحفُ

وقال الحسن بن مضاء القرطبي:

قد جاءكم فاضحُ الهلالِ

يعشق بالمسك والغوالي

لا تنكروا نشرها عليه

فالعبد من طينة الموالي

وقال بعضهم:

جمع المكارم والفضائل والعلى

قلت ذا خير الورى

ما زلت أخْبُرُ كلَّ مُلكٍ بعده

فوجدت كلَّ الصيد في جوف الفرا

وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الأشبيلي:

وكلُّ إلى طبعه عائدٌ

وإن صدَّه المنعُ عن قصده

كذا الماء من بعد إسخانه

يعود سريعاً إلى برده

وقال الوزير أبو الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي:

بين كريمين منزل واسع

والودُّ حالٌ يقرب الشاسعْ

والبيتُ إن ضاق عن ثمانية

متّسع بالودّ للتاسعْ

وقال الإمام أبو محمد غانم بن الوليد، ابن غانم المخزومي المالقي:

صيِّرْ فؤادك للمحبوب منزلة

سمِّ الخياط مجالٌ للمحبَّين

ولا تسامح بغيضاً في معاشرة

فقلّما تسع الدُّنيا بغيضين

وقال بعضهم:

إنّ لله عباداً

كشفوا فيه القناعا

هل رأيتم خادماً عا

مل مولاه فضاعا

وسأرويكم حديثاً

قد سمعناه سماعا

من دنا من ربه شب

راً دنا منه ذراعا

وقال بعضهم:

دَعِ الحرصَ على الدُّنيا

وفي العيش فلا تطمع

ولا تجمع من المال

فلا تدري لمن تجمع

فإن الرزق مقسومٌ

وسوءُ الظنّ لا ينفع

فقيرٌ كلُّ ذي حرصٍ

غنيٌّ كلُّ من يقنع

وقال آخر:

جالس كل عطّارِ

وجانب كل جزارِ

ففوح المسك مبذول

وإن أحرزه الجار

وما إن يحبس الكير

إلَاّ شرر النار

وقال أبو العلاء المعري:

وما زال شرط يفسد البيعَ واحدٌ

فما باله لما تظاهر شرطان

وقال بعضهم، تمثل به المأمون، أورده الشيرازي في الألقاب:

يا صاحب البغي إنّ البغيَ مصرعةٌ

أبشر فخيرُ سبيل المرء أعدلُه

فلو بغى جبل يوماً على جبل

لاندكّ منه أعاليه وأسفلُه

وقال الشيخ عفيف الدين اليافعي:

لئن كانَ للأموال فخرٌ على الثرى

فللفَقر فخرٌ في الثريا معلّق

وإن أنفق المُثْري أُلوفاً عديدةً

فدرهمُ أهلِ الفقرِ يا صاحِ يشرقُ

وقال أيضاً:

روينا حديثاً بالأسانيد مثبتاً

وفي النسئي يلقاه من يتصفَّحُ

على مائةٍ مع مثلها ألفُ مرة

لصاحب دُنيا درهمُ الفقرِ يرجحُ

إذا جاء ذا من درهمين بواحدٍ

ومن عَرْضِ مالٍ ذاك في تلك يسمحُ

وقال بعضهم:

أنا مولى سقى أرضك

دان يسيّل القطرُ

إذا لم يصلح الخير ام

رأً أصلحه الشرُّ

وقال آخر:

يا روحُ من حشرت قناعته

سببَ المطامعِ من غدٍ وغدِ

من لم يكن لله منتمياً

لم يُمْسِ محتاجاً إلى أحد

وقال أبو العتاهية:

لِدوا للموت وابنوا للخرابِ

فكلُّكم يصير إلى ذهابِ

لمن نبني ونحن إلى التراب

نعود كما بدأنا من ترابِ

وقال القاضي أبو أمية إبراهيم بن عصام:

لا تَجْعلنْ رمضان شهرَ فكاهةٍ

يلهيك فيه من القبيح فنونُه

واعلم بأنّك لا تنالُ قبولَه

حتَّى تكونَ تصومه وتصونُه

وقال آخر:

يعيش المرء ما استحيا بخير

ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ

فلا وأبيك ما في العيش خيرٌ

ولا الدُّنيا إذا ذهب الحياء

إذا لم تخش عاقبةَ الليالي

ولم تستحي فافعل ما تشاء

وقال علي بن ذكوان:

ص: 18

أنفقْ ولا تخشَ إقلالاً فقد قُسِمتْ

بين العباد مع الآجال أرزاقُ

لا ينفع البخل مع دنيا مولِّيةٍ

ولا يضرُّ مع الإقبال إنفاقُ

وقال آخر:

إذا الإخوان فاتهم التلاقي

فلا شيءٌ أعزَّ من الكتابِ

إذا كتب الصديقُ إلى أخيه

فحقُّ كتابه ردُّ الجوابِ

وقال ابن عنين:

الرزقُ يأتي وإن لم يَسْعَ صاحبُه

حتماً ولكن شقاء المرء مكتوبُ

وفي القناعة كنز لا نفاد له

وكلُّ ما يملك الإنسانُ مسلوبُ

وللشيخ كمال الدين الشمني والد شيخنا:

حافظ على الأنفاس والساعاتِ

وأخرج النفس من العاداتِ

وائتِ التكاليف بلا تكلُّفٍ

فقرّةُ العينين في الطاعات

وما تقرَّبَ امرؤ بقربةٍ

مثل أداء الفرض في الأوقاتِ

والزمْ فعال النفل من عبادةٍ

تخلعْ عليك أشرف الصفاتِ

ولا تجرِّد عملاً من نية

فإنَّما الأعمالُ بالنياتِ

وأخرج العسكري في الأمثال عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كرم الرجل تقواه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه. وقال: أخذ هذا الكلام أبو العتاهية فقال:

كرم الفتى التقوى وقوَّتُه

مَحْضُ اليقين ودينُه حَسبه

والأرض طينته وكل بني

حواءَ فيها واحدٌ نسبه

قال: وأخذ أبو العتاهية حديث: الخلق عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله فقال:

عيالُ الله أكرمهم عليه

أبثّهم المكارمَ في عياله

ولم نرَ مُثنياً في ذي فَعالٍ

عليه قطُّ أفصح من فعاله

ونقله إلى آخر فقال:

الخلقُ كلُّهم عيا

ل الله تحت ظلاله

فأحبهم طراً إلي

هـ أبرُّهم بعياله

وقال الشيخ تاج الدين بن مكتوم في تذكرته: أنشدني الشيخ محي الدين بن سيد الناس، قال: أنشدني أبي لنفسه:

بادر إلى الخيرات واعمل بها

فإنَّما المرء بآماله

لا بدّ أن يُسألَ عن جاهه

كمثل ما يسأل عن ماله

وقال أبو المظفر بن السمعاني في أماليه: أنشدنا الإمام والدي، قال: أنشدنا الأديب أبو عمرو عثمان بن محمد البقالي لنفسه بخوارزم:

لم ترفع القصر وتبنيه

وتجمع المال وتقنيهِ

اسمع حديثاً قاله المصطفى

بوجه إعلام وتنبيهِ

من حسن إسلام المرء تركه

مجتنباً ما ليس يعنيهِ

وأنشد الشيخ تاج الدين بن مكتوم لحسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه:

يناديهمُ يومَ الغدير نبيُّهم

بِخُمٍّ فأسمعْ بالرَّسول مناديا

وقالَ فمن مولاكم ووليُّكم

فقالوا ولم يُبدوا هناك تعاميا

إلهك مولانا وأنت وليُّنا

ولم يُلْفَ منا في الولاية عاصيا

فقالَ له قم يا عليُّ فإنني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمنْ كنتُ مولاه فهذا وليُّه

فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا

هناك دعا اللهم والِ وليَّه

وكن بالذي عادى عليّاً معاديا

السيد الحميري:

يا بائع الدّينِ بدنياه

ليس بهذا أمر اللهُ

من أين أبغضت إمام الهدى

وأحمدُ قد كانَ يهواه

من الذي أحمدُ من بينهم

بيوم خُمٍّ ثم ناداه

أقامه من بين أصحابه

وهم حواليه وسماه

هذا عليّ بن أبي طالب

مولى لمن كنت به مولاه

وقال:

إذا أنا لم أحفظ وصاةَ محمدٍ

ولا عهده يوم الغدير مؤكَّدا

فإنّي كمن يشري الضلالةَ بالهدى

تنصَّرَ من بعد التقى أو تهوّدا

وقال أبو الحسن علي بن الحسن الكاتب، يعرف بابن الماشطة، كان في أيام المقتدر نائبه، أورده ياقوت في معجم الأدباء:

إذا عمِّر الإنسانُ تسعين حجةً

فأبلغْ به عمراً وأجدرْ به شكرا

لأنّ رسولَ الله قد قالَ معلناً

ألا إنّ ربّي واعد مثله غفرا

وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي إمام الشافعية:

يحذِّرنا قومٌ حدوثَ شدائد

فقلت لهم مهلاً فذلك لا يُدرى

فلا تجزعوا مما يقال فإنّه

إذا أنزل الله البلا أنزل الصبرا

وقال أبو الفتح البستي:

من شاء عيشاً رخيّاً يستفيدُ به

في دينه ثم في دنياه إقبالا

ص: 19

فلينظرن إلى من فوقه أدباً

ولينظرنّ إلى من دونه مالا

وقال آخر:

دعْ ما يريبك واسأل

عنه إلى مالا يريبك

فليأتينّك إن كن

ت موفّراً منه نصيبك

للحافظ السلفي:

يا ربّ أنعمت فزد نعمةً

على عبيدٍ لك حمادِ

فالجدُّ يستدعي مزيداً كما

عنك حكاه أحمدُ الهادي

للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني:

كفى بالموت وعظاً لو عقلنا

فكيف وبعده هول فظيع

أخي مهِّدْ لنفسك من بعيدٍ

فإنّ الموتَ مصرعه سريع

لعلك أن تفوزَ بخير عيشٍ

بدار الخلد ساكنُها رفيع

قال البيهقي في شعب الإيمان: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الغسيلي، حدثنا منصور بن حاتم الخراساني، قال: كنت عند ابن عائشة، فقال لي: يا خراساني، تحفظ عن الواقدي في الشكر؟ فأنشدته:

ارفعْ ضعيفَك لا يَحُلْ بك ضعفُه

يوماً فتدركه العواقب قد نما

يجزيك أو يُثني عليك وإنّ منْ

أثنى عليك بما فعلت كمن جزى

قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني جبريل أنه إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والآخرين، يقول الله لعبده: عبدي، هل شكرت فلاناً على ما كان منه إليك؟ فيقول: لا يا ربّ: شكرتك، لأنّ النعمة كانت منك. فقال الله: ما شكرتني إذ لم تشكر من أدّيت لك النعمة على يديه. قال منصور: فقال لي ابن عائشة: اكتب هذين البيتين تحت الحديث:

يدُ المعروفِ غُنْمٌ حيث كانتْ

تحمَّلها كفورٌ أو شكورُ

كما شكر الشّكور لها جزاء

وعند الله ما كفر الكفورُ

ص: 20