المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على - شرح المطلع على متن إيساغوجي - جـ ١٠

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ:

قال المصنف رحمه الله تعالى: (الْقَضَايَا) بعدما انتهى من الكلام على ما يتعلق بالتصورات بالمبادئ والمقاصد، أخذ في بيان الحجة ومقدماتها مبتدِءً بمقدماتها وهي القضايا فقال:(الْقَضَايَا).

القضايا جمع قضية، سُمِّيت بهذا لأنه قُضِي وحُكم فيها؛ لأن القضاء هو الحكم.

قضى بكذا يعني: حكم بكذا، فهي قضية لأنه مقضيٌ فيها أو محكومٌ.

فهي فعلية بمعنى مفعولة جمعُ قضيةٍ.

قال: (ويُعبَّر عنها) يعني عن معناها (بألفاظ منها: الخبر).

أي: من حيث احتمالها الصدق والكذب، تسمى حينئذٍ خبراً، فالقول المحتمِل للكذب لذاته يسمى خبراً من حيث احتمالُه ذلك، ويسمى قضية من حيث اشتمالُه على الحكم، ويسمى مقدمةً من حيث كونُه جزء قياس، ومطلوباً من حيث طلبُه بالدليل، ونتيجة من حيث إنتاجُه القياس، ومسألة من حيث السؤالُ عنه.

واللفظ واحد يعني: قضيةٌ مؤلفةٌ من مسندٍ ومسندٍ إليه، وتختلف الإطلاقات باختلاف الاستعمال، قد تكون خبراً إذا أُريد بها وقُصد بها ما يحتمل الصدق والكذب لذاته، قد تكون نتيجة، قد تكون مقدمة.

فحينئذٍ الأسماء متعددة والمسمى شيءٌ واحد، وإنما اختلفت الأسماء باختلاف الاعتبارات.

إذاً: (يُعبّر عنها بالخبر) ليس المراد أنه لا يُعبّر عنها إلا بالخبر لا، قد تسمى غبر خير، لكن إذا أُطلقت فالشائع ما يسمى بالخبر والقضية، يعني: هذان الاسمان -القضية والخبر- يعتبران من أشهر ما تسمى به الجملة الاسمية والجملة الفعلية.

ثم أراد أن يعرِّفها فقال: (الْقَضِيَّةُ:

قَوْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ).

هذا المتن (الْقَضِيَّةُ) حقيقتُها، تعريفُها، ما هيتُها:(قَوْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ) عدَل عن التعريف المشهور: وهو ما احتمل الصدق والكذب لذاته.

مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكِذْبِ الخَبَرْ

وَغَيْرُهُ الاِنْشَا وَلَا ثَالِثَ قَرّ

ج

لما سيأتي من اعتبارٍ معيّن فيه.

(الْقَضِيَّةُ: قَوْلٌ) هذا جنس شمِل القضية وغيرَها يعني: يشمل الأقوال التامة والناقصة كما صرَّح بذلك قال: (دخل فيه) كيف دخل فيه؟ لأنه جنس، فاعتبره جنساً ثم عمَّمه، هذا شأن الأجناس خاصةً في الحدود.

(دخل فيه لكونه جنساً الأقوالُ التامة والناقصة) بناءً على أن القول لا يختص بالمركب التام. وعند بعضهم: أن القول مرادفٌ للمركب التام، ولذلك قال بعضهم:(قَوْلٌ) أي: مركبٌ مفيدٌ فائدة تامة.

وهذان احتمالان على حسب اصطلاح من ينظُر، هو محتمِلٌ، لكن الشائع عندهم أن القول هو المركّب، ولذلك مر معنا (الْقَوْلُ الشَّارِحُ)، ولا شك أن (الْقَوْلُ الشَّارِحُ) ليس بمركب مركباً تاماً، وإنما هو مركبٌ ناقص، لذلك هو مركبٌ توصيفي.

ص: 1

"حيوانٌ ناطق" هذا مركَّب توصيفي وليس بمركب تام، ولذلك قلنا: لا يصح التعريف إلا أن يُعتَقد حمله على المعرَّف: الإنسان حيوانٌ ناطق "ما يستلزم معرفتُه معرفتَه" قلنا: لا بد من قيد؛ لأن هذا ظاهرُه أن التصور يكفي في حصول التعريف، وليس الأمر كذلك، بل لا بد من اعتقاد حملِ المعرِّف على المعرَّف، بمعنى أنه مسنَد ومسنَد إليه، محكومٌ ومحكوم عليه.

حينئذٍ القول هناك صدضق على المركَّب الناقص، وهذا شائع عند كثير من المناطقة وإن خصَّه بعضهم بالمركب التام.

ولذلك قال هنا: (وصرَّح القطب في شرح الشمسية بأن القول موضوعٌ للمركب التام) على قول.

(دخل فيه الأقوال التامة والناقصة).

القول كما مر معنا أنه قد يكون ملفوظاً وقد يكون معقولاً، ولذلك القول المركَّب يدخل هنا في هذا القيد (قَوْلٌ) يدخل فيه القول المركّب سواءٌ كان ملفوظاً أو معقولاً، هذا في الأصل.

(فهو مشترَكٌ لفظي أو حقيقة في المعقول مجازٌ في الملفوظ) هذان قولان.

مشترَك لفظي لأنه يُحمل على المعقول ويُحمل على الملفوظ، أو نقول: باعتبار الفن أن بحثَه في الأصل هو في المعقولات، فحينئذٍ يكون حقيقة في المعقول مجازاً في الملفوظ؟ الثاني أوجَه وأوفَق كما قال العطار.

قال: (فهو مشتركٌ لفظي أو حقيقةُ في المعقول مجازٌ في الملفوظ. تسميةً للدال باسم المدلول، والثاني) وهو كونه حقيقة في المعقول مجازاً في الملفوظ.

(والثاني أنسبُ بنظر الفن وأوفق بقاعدة الأصول.

وكذا القول في القضية أي: إطلاق لفظ القضية على المعقول والملفوظ، فإن كان المقصود تعريفَ القضية المعقولة -كما هو الظاهر- يُحمل القول على المعقول) قضية معقولة قضية ملفوظة، قلنا الأصل هو المعقولات، ولا نحتاج إلى الألفاظ إلا في التعبير لما وقع في النفس.

يعني: الإِفهام والتفهيم كما مر معنا، وأما الإنسان في نفسه إذا رتّب أمرين معلومين أراد أن يصل إلى النتائج بالمجهولات، هذا لا يحتاج إلى لفظ. حينئذٍ القضية تكون عنده -المسند والمسند إليه- تكون معقولة، أمر يستحضره في نفسه ويُنتج وانتهى الأمر، فلا يحتاج إلى لفظ.

حينئذٍ ما دام أن أصل بحث المناطقة في المعقولات، فحينئذٍ صار الأصل في القول هو المعقول، وصار الأصل في القضية هو المعقول.

فاستعمال القضية في الملفوظ فرع، واستعمال القول في الملفوظ يعتبر فرعاً، هذا الذي قرره هنا.

(يُحمل القول على المعقول، وإن كان المقصود تعريف القضية الملفوظة يُحمل على القول الملفوظ، وحينئذٍ فالمعرَّف هاهنا إما القضية المعقولة أو القضية الملفوظة.

وتعريف أحدهما يُغني عن تعريف الآخر؛ لأن المعقول مدلولةً للملفوظة فتعريفُها تعريفُها) لكن الظاهر أنه أراد به الملفوظ؛ لأنه قال: (يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ) يعني: المتكلم به.

إذاً: خرج عن كونه معقولاً فصار ملفوظاً.

فالمراد بالقضية: الملفوظة، وبالقول: المركّب الملفوظ. لكن يكون مجازاً.

قال: (قولٌ دخل فيه الأقوال التامة والناقصة).

ص: 2

الأقوال التامة يعني بها: المسند والمسند إليه، يعني: الجملة الاسمية والجملة الفعلية. يعني: ما يسمى كلاماً في اصطلاح النحاة: اللفظ المركّب المفيد بالوضع، المسند والمسند إليه، أو إن شئت قل: الإسناد الخبري التام.

والأقوال الناقصة المراد بها: كل ما لم يكن إسناداً خبرياً تاماً، فحينئذٍ يدخل فيه الناقص الذي هو الكلِم -بعض الكلام-، ويدخل فيه المركَّب التوصيفي، والإضافي .. ونحو ذلك.

هذه مركّبات لكنها مركّبات ناقصة؛ لأنها غير محمولة على موضوعات، وإنما هي مركباتٌ في أنفسها.

قال: (يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ) يعني: المتكلم به.

(إِنَّهُ) أي: قائله.

(صَادِقٌ فِيهِ) يعني: في القول (أَوْ كَاذِبٌ) فيه. على الحذف والإيصال، محذوف هو لكن نقدِّره.

(صَادِقٌ فِيهِ) أي: في القول (أَوْ كَاذِبٌ) يعني: فيه.

(أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ) اللام في قوله: (لِقَائِلهِ) بمعنى عن يعني: يقال عن قائله، لا يلزم أن يقال لقائله مباشرة تباشِره، فإذا لم تباشره حينئذٍ لا يصح لا، المراد عن قائله سواء باشرته أم لا هذا المراد هنا.

(صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ).

قال هنا: (الصدق والكذب صفتا القضية، واشتهرا بمطابقة الخبر).

(اشتهرا) يعني: الصدق والكذب.

(بمطابقة الخبر للواقع) وهذا في الصدق (وعدم مطابقة الخبر للواقع) هذا في الكذب.

(وصادق وكاذب صفتان للمتكلم).

الإخبار عن الشيء على ما هو عليه هذا صادق، والإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه هذا كاذب.

قال هنا: (قوله: يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ. فصلٌ مخرجٌ الأقوالَ الإنشائية) كما صرّح المصنف هنا.

(خرج به) أي: بهذا القيد الذي هو: (يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ) هذا قيد.

(قَوْلٌ يَصِحُّ) هذان قيدان: الأول جنس، والثاني يعتبر فصلاً وليست هي فصول متعددة.

إذاً: (قَوْلٌ يَصِحُّ) هذا قيدٌ.

(خرج به) يعني: بقوله: (يَصِحُّ).

(الأقوال الناقصة) لأن قوله: (يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ) هذا إنما يكون جواباً للإسناد الخبري التام. إذاً خرج به الأقوال الناقصة.

(والإنشائيات) كالأمر وما عُطف عليه؛ لأنه لا يقال لقائله إنه صادق فيه أو كاذب، وهذا الميزُ بين الأمرين.

الكلام إما خبرٌ وإما إنشاء، فالخبر: ما صح أن يقال لقائله إنه صادق أو كاذب، أو إن شئت قل: محتملٌ للصدق والكذب لذاته. يعني: يقال صِدق ويقال كذِب.

والصدق المراد به: مطابقة الخبر للواقع.

والكذب المراد به: عدم مطابقة الخبر للواقع.

الإنشاء: ما لم يكن كذلك، كالأمر مثلاً فإنه لا يقال لقائله: صدقت أو كذبت، أو يقال إنه صدق أو كذِب؛ لأنه لم يقع أصلاً.

"قُم" مدلولُه طلبُ حدثٍ في المستقبل، وإنما يوجَّه الصدق والكذب لشيء وقع وحصل، ولذلك من أبرز ما يميَّز به الخبر والإنشاء أن يقال: الخبر عن شيءٍ مضى .. وقع وحصل، وأما الإنشاء فلم يكن.

فيُنظر في مدلول الجملة هل وقع الحدث أم لا؟ إن وقع الحدث حينئذٍ يكون خبراً، وإن لم يقع كما هو الشأن في الاستفهام، والتمني، والتعجب .. ونحوها. فنقول: هذا يسمى إنشاءً.

ولذلك قال: (خرج به الأقوال الناقصة والإنشائيات).

ص: 3

قال: (قوله: يَصِحُّ. فصلٌ مخرج الأقوال الإنشائية.

وبُحِث فيه بأنه يخرج عن الحد القضايا التي لا يصح أن يقال لقائلها ذلك -صادق أو كاذب- لعصمته من الكذب) يعني: لقول الباري جل وعلا، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حق قول الباري، هذا لا يحتمل إلا الصدق، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه وثبت لا يحتمل إلا الصدق.

إذاً: لا يقال لقائله: إنه صادقٌ فيه أو كاذب.

(أو لموافقة قوله الواقع، أو للقطع بكذبه، ومخالفة قوله للواقع فصار التعريف غير جامع.

والصواب: إسقاطٌ "لقائله" وإبداله بقيد لذاته).

إذاً: "محتمِل الصدق والكذب" إلى هنا نقول: خرج عنه ما لا يحتمل إلا الصدق، وخرج عنه ما لا يحتمل إلا الكذب.

(لذاته) يعني: لذات اللفظ، لذات التركيب دون نظرٍ إلى قائله. هذا الأصح.

(لذاته) هذا للإدخال، وجعلَه بعضهم للإخراج كذلك، فحينئذٍ للإدخال؛ لأن هناك ما لا يحتمل إلا الصدق، فلا بد من إدخاله؛ لأنه يسمى خبراً.

كذلك: ما لا يحتمل إلا الكذب، باعتبار ذاته بقطع النظر عن المتكلم به، هذا نقول: يحتمل الصدق والكذب، لكن لما نُسِب إلى القائل، حينئذٍ نقول: هذا لا يحتمل إلا الكذب، فرْقٌ بين الأمرين.

ومن هنا نقول: الخبر الموجود .. كتاب الله تعالى إما إخبارٌ وإما إنشائيات.

إذاً: الخبر يحتمل الصدق والكذب، بهذه المسألة وهذه لا يخالِف فيها أحد، نستدل بهذا على أنه لا غضاضة أن يقال بأن في القرآن مجاز ويصح نفيه، لماذا؟ لأنك قلت: يصح نفيه لا باعتبار كونه قرآناً، وإنما باعتبار المعنى الحقيقي وليس هو المراد ظاهراً من القرآن، المراد المعنى المجازي، وأما المعنى الحقيقي فليس مراداً فلا تنسِبه إلى الله عز وجل.

حينئذٍ صح أن يقال "لذاته" أنه يجوز نفيه، وإذا جاز نفيه فحينئذٍ نقول: إذا قيل: أنه لا يجوز أن يقال في كلام الله تعالى ما يجوز نفيه نقول: أنت سلّمت بأن في القرآن ما هو خبر، والخبر يجوز تكذيبه، هذا الأصل بقطع النظر عن قائله يجوز، فأنت جوّزت ما هو أعظم من النفي، ولا شك أن التكذيب أعظم من النفي.

فحينئذٍ كيف يقال بالتفرقة بين الأمرين؟

فيُستدل بكون الخبر ما يحتمل الصدق والكذب لذاته بأنه في القرآن على أنه لا بأس أن يقال في القرآن باعتبار ذاته أنه ما يحتمل الصدق والكذب.

إذاً: لا غضاضة في الرد على من يقول بالمجاز: بأنه يجوز نفيه وكيف يقال بأن القرآن يجوز نفيه؟

أولاً: لا يجوز نفيه من حيث اعتبار المعنى المجازي، وهو الذي يُنسب للقرآن، حينئذٍ ((جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ)) [الكهف:77] لو سلّمنا بأنه مجاز. ظاهر القرآن أنه ما أراد الإرادة الحقيقية، وهو الذي يجوز نفيُه، أما الأمر الظاهر الذي هو المجاز لا يجوز نفيه، حينئذٍ ما نُفي.

فحينئذٍ على كلام المحشي هنا: أنه لا بد من إبدال قوله: لقائله أن يقال: لذاته.

لأنه في ظاهر اللفظ أنه لا يدخل معنا قول المعصوم .. النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك القرآن.

ولذلك قال العطار هناك: (المشهور تعريف القضية باحتمالها الصدق والكذب اللذين هما صفتان للفظ) هذا هو المشهور.

ص: 4

(والمصنف عدل عنه إلى تعريفها باعتبار الصدق والكذب اللذين هما صفتا المتكلم، مع أن تعريف الشيء بحال نفسه أولى من تعريفه بحال متعلَّقه).

بحال نفسه يعني: الخبر وهو كذلك، وهو أولى وهذا مسلَّم، وإن كان هو يعترضه لكن هذا هو الأولى؛ لأنا نحن نعرِّف القضية باعتبارها هي لا باعتبار المتكلم، نحن لا نبحث في المتكلم وإنما نبحث في كلام المتكلم، إذا كان كذلك فحينئذٍ نعرِّف القضية باعتبار نفسها لا باعتبار متعلَّقها الذي تعلقت به وهو المتكلم.

قال: (مع أن تعريف الشيء بحال نفسه أولى من تعريفه بحال متعلَّقه).

قال: (والمشهور أحط من المذكور).

ما معنى المشهور أحط من المذكور؟

(المشهور) يعني: ما احتمل الصدق والكذب لذاته.

(أحطُّ) يعني: أنزلُ درجة.

(من المذكور) الذي معنا (يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ).

يعني: يرجِّح هذا التعريف على التعريف المشهور، وهذا الترجيح فيه نظر؛ لأن القضية من حيث هي، نقول: التعريف لها باعتبار ذاتها لا باعتبار متعلَّقها، وهذا الذي ينبغي اعتمادُه.

ولو قيل: ثم دورٌ أو ثم أشياء أخرى تتعلق بتعريف القضية من حيث ذاتها، نقول: هذا يمكن تقييده ويمكن الجواب عنه.

لكن ابتداءً الأصل: إنما نعرِّف القضية لا نعرِّف القائل.

القضية .. قال هنا: (قَوْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ) نقول: لا. الصدق والكذب هذان وصفان للقضية، كون الصدق مطابقة النسبة الكلامية للواقع أو عدم مطابقتها للواقع. إذاً: هذا باعتبار اللفظ نفسه.

وأما باعتبار القائل فلا نظر فيه البتة، فنخالف هنا العطار.

قال: (والمشهور أحط من المذكور؛ لظهور توجه لزوم الدور على التعريف المشهور، لاشتهار تعريف الصدق والكذب اللذين هما صفتا القضية لمطابقة الخبر للواقع، وعدم مطابقة الخبر للواقع.

بخلاف اعتبار صدق المتكلم في التعريف فإنه: الإخبار عن الشيء على ما هو به.

واعتبار كذِبه فيه فإنه: الإخبار عن شيء على خلاف ما هو به) وهذا الذي ينبغي اعتماده: أن يقدَّم الصدق على الصادق، وأن يقدَّم الكذب على الكاذب؛ لأنه أصلاً لا يُعرَف الصادق إلا بمعرفة الصدق، ولا يُعرف الكاذب إلا بمعرفة الكذب.

فحينئذٍ كيف يقال بأن الدور يتوجه إلى التعريف المشهور؟ بل هنا نحتاج إلى تعريف الصدق أولاً، ثم بعد ذلك نعرِف الفرع وهو الصادق، ثم نحتاج إلى معرفة الكذب، ثم معرفة الكاذب.

(وبهذا ظهر أن قوله: لقائله ليس مستدركاً كما تُوهِم، وأن التعريف المذكور لا يرِد عليه الدور كما قيل به هنا، إنما يرِد على التعريف المشهور.

والمعرَّف هنا هي القضايا المستعملة في الأقيسة، فلم يدخل خبر الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل واحدٍ منهما دليل على حِدَته، على ما قُرر في الأصول، وهي أدلة نقلية، وكلامنا هنا في الأدلة العقلية وموادها وهي: القضايا العقلية).

يعني: جمودٌ على ما ذكره المتقدمون، لا يريد أن يُجعَل في المنْطِق والأقيِسة ما يمكن أن يُتوسَع فيه ويُجعل الدليل النقلي معتمداً فيه.

ص: 5

وهذا كما ذكرت لكم فيما سبق: الأولى أننا إذا جعلنا هذا الفن داخلاً في العلوم الشرعية لا بد أن نتوسع في المصطلحات، لا بد أن نُغيِّر لا بأس.

إذا كان اللفظ عندهم عاماً نخصصه، إن كان عندهم خاص عمَّمناه، استدركنا على بعض المسائل، جعلوه ثلاثة أقسام جعلناه خمسة، جعلوه خمسة أقسام جعلناه ثلاثة لا بأس، بل هذا الذي ينبغي اعتمادُه.

وأما الوقوف على ما ذكروه هم، ثم إذا أُريد استعماله في بعض الكتب الشرعية على ما وُجد فنأتي بالاعتراض أنه هذا فنُّهم، وأن هذا أصلاً وضعُه في المعقول ولا ترِد الأدلة النقلية نقول: لا.

ولذلك الأصوليين يقولون: هذا أمرٌ ومطلق الأمر للوجوب، إذاً: هذا للوجوب، هذا دليل شرعي.

مطلق الأمر للوجوب هذه قاعدة أصولية، فتعتبر دليلاً شرعياً.

ما هو الأصول؟ قواعد وأدلة، وهذه الأدلة لا بد أن تكون معتمَدة في الشرع يعني: دل عليها دليلٌ شرعي.

إذاً: هذا نقول: قياس فاشل لأنه ليس في المعقولات بل هو في المنقولات؟ ليس بصحيح، هذا التوسع أو الجمود الذي عليه العطار هذا فيه نظر، يُنتبه له.

إذاً: (يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ) فاعتراض المحشي هنا أولى مما قرره العطار.

قال: (خرج به الأقوال الناقصة) كالمركب الإضافي، والتوصيفي، والمزجي، وجملة الشرط وحدَها، وجملة القسم كذلك .. هذه كلها مركّبات ناقصة.

قال: (والإنشائيات) وإن كانت أقوالاً تامة.

أقوال تامة أو لا؟ نقول: نعم هي أقوال تامة.

يعني: فعل الأمر، التعجب، الجملة .. ؛ لأنها لا تحتمل صدقاً ولا كذباً، وهي من قبيل التصور الخالي عن الحُكم.

قال هنا: (والإنشائيات من الأمر، والنهي، والاستفهام) الأمر والنهي والاستفهام معلومة من مواضِعها.

(وغيرِها كالتخصيص، والعرض، والترجي، والتمني، والدعاء، والنداء) هذه كلها تعتبر من الإنشائيات.

قال: (والمراد بالقول هنا) أي: في تعريف القضية.

(المركَّب تركيباً لفظياً في القضية العقلية أو) هذا ليس للجمع، هذا أو ذاك (عقلياً في القضية العقلية).

قال العطار: (لا يفيد أن القول مشترَكٌ بين القضية المعقولة والملفوظة) لا يرد هذا كما مر معنا هناك.

(وأنه أُريد به كلا المعنيين، فإن العطف بأو يأبى ذلك) يعني: لا يقال بأن اللفظ مشترَك بين القضية اللفظية والقضية العقلية، ولا يقال بأن كلا المعنيين مرادٌ.

(فإن العطف بأو يأبى ذلك) يعني: الذي يمنع هو العطف بأو؛ لأنها لأحد الشيئين أو الأشياء. كما هو مشهورٌ في محله.

(يأبى ذلك، بل معناه: أن المعرَّف) هنا (قَوْلٌ).

(إما القضية المعقولة فيُراد بالقول المركّب العقلي، أو الملفوظة فيُراد به المركّب اللفظي) يعني: هذا أو ذاك.

(وتعريفُ واحدٍ منهما تعريفٌ للآخر) لأن اللفظ مدلولُه المعقول يعني: لا إشكال، فالبحث هنا صِرف لفظي .. من باب تحرير المصطلحات فقط.

حينئذٍ إذا عرَّف اللفظية لا شك أن مدلول اللفظية المعقول، وإذا عرَّف المعقولة لا شك أن دالّها لفظيٌ .. وهكذا، لا نحمِله على اللفظ المشترك ولا نقول: أراد المعنيين معاً، بل الأصل فيه أن يُراد واحدٌ منهما إما العقلي وإما اللفظي.

ص: 6

(وإنما قدَّم احتمال القضية اللفظية) لأنه قال هنا: (والمراد بالقول هنا: المركّب تركيباً لفظياً أو عقلياً).

طيب. إذا كان الأصل العقلي كان هو الأولى بالتقديم، لماذا قدَّمه؟

قال: (وإنما قدَّم احتمال القضية اللفظية مع أنه مرجوح؛ لأنه المناسب لقوله: يُقَالَ لِقَائِلهِ).

(قَوْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ) إذاً: المراد اللفظية.

ولذلك الشارح قدَّم قال: (والمراد بالقول هنا: المركّب تركيباً لفظياً) فقدَّم اللفظي على العقلي؛ لأنه المناسب لقوله: (يُقَالَ لِقَائِلهِ).

(لأن القول هو اللفظ، ويصدق على المعقول أنه يقال لقائله على حذْف مضاف أي: يقال لقائل دالِّه، والكلامُ فيه سهلٌ) كما ذكرناه سابقاً؛ لأن كلاًّ منهما لازمٌ للآخر.

المعقولة هذه مدلول لفظي، واللفظي هو دال المعقول.

حينئذٍ إذا حملناه على المعقول نأتي بالتقدير على أنه على حذْف مضاف أي: يقال لقائل دالِّه. والكلام فيه سهلٌ.

بعدما عرَّف القضية أراد أن يقسِّمها التقسيم المشهور عند المناطقة قال: (وَهِيَ) أي: القضية.

(إِمَّا حَمْلِيَّهٌ، وَإِمَّا شَرطِيَّةٌ) هذان قِسمان: القضية إما حملية وإما شرطية.

(وقدَّم الحملية على الشرطية لأن الحملية جزء الشرطية) الشرطية مؤلفة من حملِيَّتين.

إذاً: الجزء مقدَّمٌ على الكل، فالعِلم بالجزئيات مقدمٌ على العلم بالكُلِّيّات، ولذلك قدّم الحملية على الشرطية.

(والحملي) هكذا بالياء، نسبةً للحمل، ما هو الحمل؟ الذي هو الإخبار، أن تقصِد الإخبار، هو أمرٌ معنوي، لكن يدل عليه التركيب اللفظي:"زيد" عندك كلمة زيدٌ وعندك كلمة قائم، فتنوي أن تُخبر عن زيد بمضمون قائم، فتجمع بينهما، تجعل الأول زيد موضوعاً أو مسنداً إليه أو مبتدأ، وتجعل محمولاً هذا خبراً أو محمولاً.

وحينئذٍ النسبة بينهما تكون أمراً اعتبارياً في الذهن، وهي النسبة الكلامية، ثم حُكم الجملة، ثم ما يتعلق به من حيث الإيقاع والانتزاع على ما مر في باب التصورات.

إذاً: إما حملية وإما شرطية.

(وحملية نسبة للحمل؛ لاشتمالها على حمل المحمول على الموضوع).

ما هي الحملية؟

قال: (وهي) أي: القضية الحملية.

(التي) صفةٌ للقضية المحذوف؛ للعلم به جنسٌ شامل الحملية والشرطية، والصلة فصلٌ مخرجٌ الشرطية.

يعني: إذا كان عندنا قسمان وعرَّفنا أحد القسمين، حينئذٍ نأتي بجنس ونأتي بفصل يُخرج القسم الثاني، أمر واضح اعتباري.

فقوله: (وهي التي) التي هذه صف لموصوف محذوف، دائماً هكذا يأتيك في التعريفات .. كلما مر معنا قدَّرنا: هي التي، ما هي التي؟

هي هذه خارجة عن التعريف، التعريف يبدأ من قوله: التي. التي هذه صفة لموصوفٍ محذوف.

يعني: القضية التي كما نقول: الاسم هو كلمة دلَّت على، لا بد أن نأتي بالمقسوم، ما هو المقسوم؟ الكلمة.

فحينئذٍ تنقسم إلى ثلاثة أقسام: اسم، وفعل، وحرف.

إذا جئت تعرِّف أي واحد من هذه الثلاثة لا بد أن تأتي بالمقسوم فتقول:

الاسم: كلمة دلت على معنى في نفسها.

الفعل: كلمة دلت ..

هنا قال: القضية تنقسم إلى نوعين: حملية وشرطية، ما هي الحملية؟ هي القضية، لا بد أن تأتي بالقِسم.

فالقضية شاملة النوعين: الشرطية والحملية.

ص: 7

قوله: (التي يكون طرفاها .. ) إلى آخره، هذا فصلٌ أخرج الشرطية؛ لأنه ليس عندنا إلا نوعان.

(وهي التي) يعني: القضية التي.

(يكون طرفاها) الحملية هنا .. البحث يكون في الموضوع والمحمول (يكون طرفاها) لها طرفان: المسنَد والمسنَد إليه، ويسمى هنا الموضوع والمحمول (طرفاها) أي: موضوعُها ومحمولها.

(أن يكون طرفاها مفردين) خبر يكون (بالفعل أو بالقوة).

(مفردين بالفعل) أي: لفظاً ومعنًى نحو: زيدٌ كاتبٌ، زيدٌ مبتدأ موضوع، وكاتبٌ خبر محمول. كلٌ منهما مفرد.

(والمراد بالمفرد هنا مقابل القضية) فيشمل المركّب الناقص .. مقابل القضية التي هي الإسناد الخبري التام.

المراد بالقضية هنا: الإسناد الخبري التام، ولذلك قال هنا:(والمراد بالمفرد هنا مقابل القضية).

إذاً: ما ليس إسنادياً خبرياً تاماً، فدخل فيه المركَّب الناقص.

حينئذٍ المركَّب لك أن تقول نوعان: مركبٌ هو الكلام، في الاصطلاح عند النحاة، مركَّبٌ ما عداه.

الكلام هو القضية، ما عداه هو المراد هنا بالمفرد. فدخل فيه المركّب الناقص يعني: الإضافي، والمزجي، والتوصيفي .. ونحو ذلك.

(أو) للتنويع: إما ذاك أو آخر.

(أو بالقوة) أي: ما يمكن التعبير في محله بلفظٍ مفرد.

(بالقوة) يعني: في ظاهره أنه جملة اسمية أو جملة فعلية، لكن تئول هذه الجملة إلى مفرد، ولذلك عند النحاة يقولون في الخبر:

وَمُفْرَدَاً يَأتِي وَيَأتِي جُمْلَهْ

حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيْقَتْ لَهْ

(وَمُفْرَدَاً يَأتِي، وَيَأتِي جُمْلَهْ) .. (وَأخبَرُوا بِظَرفٍ أو بِحَرفِ جَرّ) هذا الثالث.

لكن في حقيقة الأمر عندهم: أن الجملة مردُّها إلى المفرد، وكذلك الظرف والجار والمجرور متعلِّق بمفرد، حينئذٍ يردُّونه إلى المفرد.

فالجملة مع كونها تقع في الظاهر جملة خبراً، لكنها مؤولة بالمفرد؛ لأن الأصل في الخبر إنما يكون للمفرد.

فإذا قيل: زيدٌ قام أبوه كأنه قال: زيدٌ قائمُ الأبِ .. كأنه هذا في قوته.

إذاً المراد هنا: يمكن أن نأخذ من الجملة مفرداً، فإذا أمكن فحينئذٍ هذا الذي عناه المصنف هنا، فقال: أصلها جملة لكنها تنحل إلى مفرد .. جُملتان.

قال هنا: (أي: ما يمكن التعبير في محلّه وهو قضية بلفظٍ مفرد نحو: زيدٌ عالمٌ نقيضُه زيدٌ ليس بعالم) لو تكلم متكلم وقال: زيدٌ عالم نقيضُه زيدٌ ليس بعالم.

(إذ يمكن أن يقال في محلهما: هذا نقيض هذا) فزيدٌ عالم جاء مكانه مفرد وهو هذا، وزيدٌ ليس بعالم جاء مكانه مفرد ونقيض كما هي.

حينئذٍ الجملة هنا آلت إلى مفردٍ، بالفعل أم بالقوة؟ نقول: بالقوة.

إذاً: زيدٌ عالمٌ نقيض زيدٌ ليس بعالمٍ هذه حملية، الكلام ليس في هذا نقيض هذا، هذا مثل زيدٌ كاتب .. البحث ليس في هذا نقيض هذا؛ لأن هذا في وزان زيدٌ كاتب، البحث في: زيدٌ عالمٌ نقيض زيدٌ ليس بعالم. هذه نقول: حملية.

حملية طيب ليست بمفرد، لو فكَكتها: زيدٌ عالمٌ، ثم نقيض، ثم زيدٌ ليس بعالم. وهذه مركّبات هذا لو فككتها، إذاً: لم تنحَل إلى مفردين نقول: لا. تنحل إلى مفردين بالقوة؛ لأنَّ: زيدٌ عالمٌ في قوة: هذا نقيض هذا .. وهكذا.

(إذ يمكن أن يقال في محلهما: هذا نقيض هذا.

ص: 8

ونحو الحيوان الناطق ينتقل بنقل قدميه؛ إذ يمكن في محله: الإنسان منتقلٌ بنقل قدميه.

ونحو: كل إنسانٍ حيوان، عكسُه بعض الحيوان إنسان؛ إذ يمكن في محله: هذا عكسُ هذا).

هذا يسمى انحلالاً بالقوة؛ لأن ضابط الحملية أن تنحل إلى مفردين: زيدٌ كاتبٌ إذا أردت أن تعرف هل هذه حملية أم لا انظر إلى الجزأين: زيدٌ فككته، كاتبٌ فككته، انفك.

إذاً: هذا زيدٌ كان جزءاً في: زيدٌ كاتب، وكاتبٌ كان جزءاً في: زيدٌ كاتبٌ. هذا واضح أنه مفرد بالفعل.

مفرد بالقوة: أن لا يكون الانحلال بالجزء الذي هو الموضوع يكون جملة، لكنه في قوة المفرد، فزيدٌ عالمٌ هذا موضع قُصِد لفظه هو مبتدأ نقيض زيدٌ ليس بعالمٍ.

نقيض هذا الخبر هو المحمول، وزيدٌ ليس بعالم هذا في محل جر مضاف إليه لنقيض، حينئذٍ نقول: هذه في قوة المفردين، وإن كان الأول مركَّب والثاني مركَّب. هذا الذي تُضبط به الحملية.

(ويُزاد عليه: أن الحكم فيها ليس معلَّقاً على شيء).

ولذلك قال الشيخ الأمين رحمه الله تعالى في المقدمة: ضابط القضية الحملية أمران لا بد منهما، إن وُجد أحدهما دون الآخر انتفت:

الأول: أن ينحل طرفاها إلى مفردين أو ما في قوة المفردين.

الثاني: أن الحكم فيها ليس معلقاً على شيء.

لأنه سيأتي اعتراض في الشرطية أنها قد تنحل إلى مفردين، إذاً: هي الحملية نقول: لا.

الشرطية فيها حكمٌ معلَّقٌ على شيء، والحملية ليس فيها تعليق: كلما كانت الشمس طالعةً فالنهار موجود.

كانت الشمس طالعة هذه جملة، والنهار موجود هذه جملة.

حينئذٍ نقول: هذه شرطية فيها معنى التعليق، الثاني معلَّقٌ على الأول، لكن الحملية زيدٌ كاتبٌ، زيدٌ عالمٌ نقيض زيدٌ ليس بعالم. ليس فيها تعليق، هذا المراد بالثاني: أن الحكم فيها ليس معلَّقاً على شيء.

ثم قال رحمه الله تعالى -موضِّحاً ما في القوة-: (وما في قوة المفرد ثلاثة أقسام:

الأول: أن يكون الموضوع مفرداً، والمحمول جملة في قوة المفرد).

يعني: إذا أردت التقسيم العقلي إما أن يكون كلٌ منهما مفرد ومفرد، انتهينا هذا .. زيدٌ كاتب، ما في القوة إما أن يكون الأول مفرد بالفعل، والثاني مفرد بالقوة. أو العكس.

أن يكون الأول مفردٌ بالقوة، والثاني مفردٌ بالفعل، أو كلٌ منهما مفردٌ بالقوة. هذا المراد فهي ثلاثة أقسام.

(الأول: أن يكون الموضوع مفرداً) يعني: بالفعل.

(والمحمول جملة في قوة المفرد نحو) مثَّل بمثال قد يقال بأن فيه اعتراض لكن

وَالشَّأنُ لَا يُعْتَرَضُ المِثَالُ

إِذْ قَدْ كَفَى الفَرْضُ وَالاِحْتِمَالُ

(زيدٌ قائمٌ أبوه) زيدٌ مبتدأ، قائمٌ هذا خبره، أبوه فاعل الخبر، والعامل فيه قائم لأنه اسم فاعل.

هل هذا يسمى جملة؟

قال: (زيدٌ قائمٌ أبوه؛ لأنَّ: قائمٌ أبوه في قوة قائم الأب) قائم الأب يعتبر مفرد؛ لأن المفرد هنا يشمل المركّبات الناقصة.

قال: قائم أبوه. هذا يرى الشيخ أنه جملة في قوة قائم الأب، وقائم الأب هذا مركَّب إضافي وهو مفرد؛ لأن المفرد هنا ما يقابل المركّب التام، فيدخل فيه المركّبات الناقصة.

ومثال -وهو أوضح- قولهم: خيرُ الكلام لا إله إلا الله.

خيرُ الكلام مبتدأ، لا إله إلا الله خبر.

(الأول: مفرد بالفعل)"خير الكلام" مضاف ومضاف إليه، وهو مفرد هنا.

ص: 9

لا إله إلا الله هذه جملة.

إذاً: هو في قوة قول: خيرُ الكلام كلمةُ لا إله إلا الله، فصار مضاف ومضاف إليه. فإنه في قوة خير الكلام كلمة لا إله إلا الله.

المراد هنا: أن يكون الأول –الموضوع- مفرداً بالفعل، والثاني يكون جملة، ولو قلت: زيدٌ قام أبوه واضح هذاك زيدٌ موضوع، وقام أبوه جملة هنا وقع خبر ومحمول وهو في قوة: قائم الأب. وهو أوضح مما ذُكِر.

(الثاني: عكسُه، وهو أن يكون الموضوع جملةً في قوة المفرد والمحمول مفرداً يعني: بالفعل نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة).

لا حول ولا قوة إلا بالله هذا موضوع مبتدأ، وحينئذٍ "كنزٌ" هذا خبر أي: كلمةُ لا حول ولا قوة إلا بالله، أو هذا اللفظُ.

(الثالث: أن يكون كلٌ من الموضوع والمحمول جملة في قوة المفرد نحو: زيدٌ عالمٌ نقيض زيدٌ ليس بعالم) هذا نقيض هذا؛ لأنه في قوة قولك: قضيةُ زيدٌ عالمٌ نقيض قضية زيدٌ ليس بعالم، أو هذا نقيض هذا. ولا إشكال فيه.

فتحصَّل أن الأقسام ثلاثة، وباعتبار السابق أربعة يعني: مفردان بالفعل، مع الثلاثة هذه تكون أربعة.

قال: (وهي التي يكون طرفاها مفردين بالفعل، أو بالقوة موجبةً كانت أو سالبة).

يعني: باعتبار النسبة قد تكون موجَبة وقد تكون سالبة.

يعني: الحملية باعتبار الإيجاب والسلب قِسمان: حمليةٌ موجَبة. زيدٌ كاتب، حمليةٌ سالبة زيدٌ ليس بكاتب أو ليس زيدٌ كاتباً.

قال: (موجَبة كانت هي كقولنا: زيدٌ كاتبٌ) هنا إيجاب، ما الدليل على أنه إيجاب؟

عدم وجودِ حرف السلب أو أداةُ السلب؛ لأن الأصل هو الإيجاب والثبوت، والنفي هذا فرعٌ، والدليل على أنه فرع أنك لا تحكُم عليه إلا إذا وجدتَ حرفاً أو اسماً أو فعلاً دالاً على السلْب، فإذا لم يكن رجعتَ إلى الأصل وهو الثبوت.

وما احتاج إلى قرينة فرعٌ عما لا يحتاج إلى قرينة.

ما احتاج إلى قرينة الذي هو حرف السلب، في الحكم على كون الجملة سالبة هذا نقول: فرعٌ؛ لأننا لا نحكم على الجملة بكونها سالبة إلا بقرينة وهي أداة السلب.

إذاً: ما احتاج إلى قرينة فرعٌ عما لا يحتاج إلى قرينة، ومنه قلنا: المجاز فرعٌ عن الحقيقة؛ لأن الحقيقة لا تحتاج، الأصل حمل اللفظ على مدلوله، فإذا قلنا بأنه مجاز يعني: استعمال اللفظ في غير ما وُضع له ابتداءً، حينئذٍ نقول: هذا يحتاج إلى قرينة، فإن وُجدت القرينة حُمل على المجاز وإلا رجعنا إلى الأصل، فدل على أن الأصل هو الحقيقة.

قال: (موجَبة كانت كقولنا: زيدٌ كاتبٌ) ثبوت كتابة زيدٍ.

(أو سالبةً كقولنا: زيدٌ ليس بكاتب) نفيٌ، نُفِي مضمون المحمول عن الموضوع.

الأول: كاتبٌ فيه ثبوت مضمون المحمول للموضوع؛ لأنك تثبت للموضوع مضمون المحمول يعني: إن شئت قلت: مدلول المحمول أو مفهوم المحمول، لا لفظه وإنما ما دل عليه وهو ثبوت الكتابة.

(أو سالبة كقولنا: زيدٌ ليس بكاتب.

وسُمّيت حملية باعتبار طرفِها الأخير) أي: في المعنى، طرفِها الأخير الذي هو المحمول .. باعتبار المحمول، والأَولى أن يقال نسبةً للحمل، لاشتماله على حمل المحمول على الموضوع.

(باعتبار طرفها الأخير) قال هنا: (أي: في المعنى وإن تقدَّم لفظاً وهو المحمول).

لأن المحمول مرادف للخبر، وليس كل خبرٍ متأخر).

ص: 10

(وَالأَصْلُ فِي الأَخْبَارِ أَنْ تُؤَخَّرَا) هذا الأصل فيه، لكن قد يتقدم الخبر.

إذاً: إذا تقدم الخبر هل يرتفع عنه وصف الخبرية؟ لا.

كذلك المحمول هو عينُ الخبر، والأصل أنه متأخر، حينئذٍ لو تقدَّم لا يرتفع عنه وصف المحمولية.

ولذلك قال: (وسُمّيت حملية باعتبار طرفها الأخير) الذي هو المحمول.

(أي: في المعنى وإن تقدَّم لفظاً وهو المحمول).

قال: (وظاهر هذا أن الحملية نسبةٌ للمحمول وليس كذلك، بل هي نسبةٌ للحمل والنسبة للمحمول محمولية.

فالمناسب حينئذٍ للتعليل لاشتمالها على الحمل أي: الإسنادي والحُكمي) وهو كذلك، هذا هو المناسب.

قال: (وسُمّيت حملية باعتبار طرفها الأخير).

قال العطار: (أي: المتأخر في الترتيب الطبيعي، وإن تقدم ذِكراً في نحو: عندي درهمٌ) درهمٌ عندي (وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ)(عِنْدِي دِرْهَمٌ) درهم هذا مبتدأ مؤخر، وعندي هذا خبر مقدم.

إذاً: هنا تقدَّم المحمول على الموضوع، هل بتقدُّمه ارتفع عنه وصف التأخير؟ الجواب: لا. هو متأخر، وإن تقدم في اللفظ إلا أنه متأخرٌ في الرتبة، ورتبته التأخير.

ولذلك قال: (أي: المتأخر في الترتيب الطبيعي، وإن تقدم ذكراً في نحو: عندي درهمٌ.

وإنما نُسب إليه دون الموضوع) فقالوا: حملية ما قالوا وضعية.

(لأن المحمول هو محط الفائدة.

أو سُمّيت بذلك لما فيها من الحمل المعنوي، ثم وجهُ التسمية ظاهرٌ في الموجَبة) موجبة واضح أنه فيه إثبات، لكن السالبة فيه نفي "فيه عدم" فحينئذٍ كيف سُمّيت حملية؟ ليس فيه حمل.

(وأما السالبة فلا حمْل فيها، ولكن تسمى حملية أيضاً لأن الأعدام قد تُلحَق بالملَكَات في بعض أحكامها).

يعني: لا يُتصور النفي إلا بعد استحضار الإثبات، فهي محمولةٌ على الملَكات.

ومنه تعريف المفعول به: أنه ما وقع عليه فعل الفاعل.

(وَإِمَّا شَرطِيَّةٌ) هذا النوع الثاني نسبةً إلى الشرط.

(وهي) أي: القضية.

(التي لا يكون طرفاها مفردين) مقابل لما سبق.

(لا يكون طرفاها مفردين) أي: لا بالفعل ولا بالقوة، حينئذٍ خرَجت الحمْلية بنوعيها أو بأقسامها الأربعة إن شئت.

(لا يكون طرفاها) أي: مقدَّمُها وتاليها.

(مفردين) أي: لا بالفعل ولا بالقوة، فصلٌ مخرجٌ الحملية.

قال هنا: (ويرِد قولُنا: إن كانت الشمس طالعةً فالنهار موجودٌ، فإن طرفيها مفردان بالقوة).

(إن كانت الشمس طالعةً فالنهار موجودٌ) هذه شرطية.

(إن كانت الشمس طالعة) هذا المقدَّم.

(فالنهار موجود) هذا التالي، والأول يستلزم التالي .. المقدم يستلزم التالي.

وإن هنا حرف شرط إذاً: هي شرطية، وفيها تعليق.

(وتنحل إلى مفردين) الجواب يمكن أن يُعرَف مما سبق: أن الحملية يُشترط فيها أمران، ليس الانحلال فقط، إنما فيه معنى التعليق.

هنا وُجد التعليق، إذاً: إذا وُجد الانحلال إلى مفردين مع وجود التعليق لا تكون حملية؛ لأن وجود التعليق ينافي الحملية، الحملية لا تعليق فيها. وعدمُ التعليق مع الانحلال هذان معاً في وقت واحد هو ضابطُ الحملية، فلو وُجد الانحلال في الشرطية مع وجود التعليق لا نقول: هي حملية.

ص: 11

(ويرِد قولنا: إن كانت الشمس طالعةً فالنهار موجودٌ، فإن طرفيها مفردان بالقوة؛ لأنه يمكن أن يقال: هذا لازمٌ لذاك) مثل: زيدٌ عالمٌ نقيض زيدٌ ليس بعالم، هذا نقيض هذا.

طيب. هذا لازمٌ لذاك؟ طلوع الشمس لازمٌ للنهار، إذاً: هذا لازمٌ لذاك.

إذاً: انحل إلى مفردين فصارت حملية، يرِد الاعتراض.

لكن يرِد الاعتراض هنا لأنه ما زاد التعليق في الحملية، وإلا يرد الاعتراض، لأنه ما زاد ذاك، ذاك من كلام الشيخ الأمين رحمه الله تعالى.

(هذا لازمٌ لذاك.

وكذلك قولنا: إما أن يكون العدد زوجاً أو فردا، فإن طرفيها مفردان كذلك؛ لأنه يمكن أن يُعبَّر عنهما بمفردين يقال: هذا مباينٌ لذاك).

قال الرازي "الجواب": والأَولى أن يقال: المحكومُ عليه وبه في القضية إن كان مفردين سُمّيت حملية وإلا فشرطية.

يعني: مثل ما قيل هناك في العرَضي والذاتي: ما كان خارجاً هو العرضي، والذاتي ما ليس كذلك، من أجل أن نبرأ من إخراج النوعي عن الذاتي، هنا كذلك.

قال: إن كان مفردين سُمّيت حملية وإلا فشرطية.

إن كان مفردين بالفعل في ظاهرها، حينئذٍ هي الحملية وإلا فشرطية.

قال السعد في الحملية: لم تنحل إلى شيئين يُمكن أن يُعبَّر عنهما بلفظين مفردين حال كونهما محكوماً عليه ومحكوماً به. هذا جوابٌ وجيه أيضاً.

بمعنى: قولُك: هذا نقيض هذا، ليس بحثنا في هذه الجملة .. هذا نقيض هذا جملة، نحن بحثنا في زيدٌ عالمٌ نقيض .. هذا ما انحلّت، هذه نلفظها كما هي، هي حملية أو لا؟ حملية، كونك تأتي بمفسِّر لها أو بمساوي خرجت عن اللفظ.

إذا قلت: زيدٌ عالمٌ نقيض زيدٌ ليس بعالم. هذه حملية، تنحل؟ نعم تنحل.

إذا قلت: هذا نقيض هذا، هاتان جملتان وليست بجملة واحدة.

فقال السعد هنا: لم تنحل إلى شيئين يُمكن أن يُعبَّر عنهما بلفظين مفردين حال كونهما محكوماً عليه ومحكوماً به.

وهذا بخلاف الشرطية فإنها لا يصح فيها أن هذا ذاك، والتعبير عن طرفيها بالمقدَّم والتالي لا يصح عنه إفادة الحكم باللزوم والعناد، فهي لا تنحل بطرفيها إلى شيئين يمكن التعبير عنهما بلفظين مفردين عند قصد إفادة الحكم الذي في الشرطية.

لو ذُكِر مسألة التعليق لانحلت المشكلة، لكن لما لم يَذكر مسألة التعليق وقع عندهم الإشكال هذا؛ لأنه بالفعل تساوى، الحملية قد يُفسَّر المفرد بالقوة، وهنا كذلك وُجد التفسير بالقوة. فحينئذٍ كيف الإشكال؟

كلٌ منهما إن فُسِّر فهو مباينٌ لما سبق، والبحث إنما يكون في الأصل لا في الفرع، لكن نقول كما ذكرنا سابقاً: أن الفرق الجوهري هو في التعليق وعدمه.

وأما الانحلال فهذه مسألة يمكن النظر فيها، فكلٌ منهما يمكن أن يقال: هذا لازمٌ لذاك، هذا مباينٌ لذاك .. لكن تساوى مع الحملية: هذا نقيض هذا، هذا .. إلى آخره.

قال هنا: (وبُحِث فيه بأن طرفي الشرطية مفردان بالقوة؛ إذ يمكن في محل المتصلة هذا ملزومٌ لهذا، وفي محل المنفصلة هذا منافٍ لهذا، فالأولى أن يقال: القضية) هذا توجيه آخر وهو جيد أيضاً.

(إن كان مضمونها) القضية (ثبوت شيءٍ لشيء أو سلبه عنه فحملية، وإن كان معناها ملازمة شيءٍ لشيء أو سلبُها فمتصلة) هذا أحسن مما أجاب به السعد والرازي.

ص: 12

(وإن كان معناها العناد بين شيئين أو سلبُه فمنفصلة) هذا الجواب طيب.

(وأُجيب بأن المراد لا يمكن التعبير في محلهما مع بقائها شرطية) وهذا هو الذي عناه الرازي والسعد.

يعني: إذا عبَّرت بالحملية عن الشرطية، هل الشرطية باقية؟ إذا قلت: إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجودٌ، هذا لازمٌ لهذا. هل الشرطية باقية؟ لا. ليست باقية، انتقلت إلى الحملية.

ولو كانت تُحمَل وتنحل إلى مفردين مع بقاء الشرطية لورد النقض، لو كانت تنحل إلى مفردين مع بقاء الشرط فحينئذٍ يُقال ورَد النقض.

ولذلك قال: (لا تبقى مع وجود الشرط أنها حملية بل هما متنافيان) حينئذٍ كونه يقال: هذا لازمٌ لذاك، نقول: هذا لازمٌ لذاك هذا موضوع، ولازمٌ هذا خبر، ولذاك متعلقٌ به. إذاً: هذه حملية.

لكن مع عدم وجود الشرط، ولذلك قال هنا: (وأُجيب بأن المراد لا يمكن التعبير في محلهما مع بقائها شرطية.

والأمثلة المذكورة لمَّا عُبِّر عنهما بالمفردين صارت حملية) لم تبق شرطية، فإذا قيل: إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجودٌ هذه شرطية، سلَّمنا أنها تنحل إلى مفردين، لكن انتقلت إلى الحملية.

لو انحلَّت إلى مفردين مع بقاء الشرط لورَد النقض، وإلا فلا نقضَ.

قال: (وَإِمَّا شَرطِيَّةٌ. وهي التي لا يكون طرفاها مفردين، وهي إما متصلة .. ) إلى آخره.

قال الشيخ الأمين: وضابط الشرطية أمران:

الأول: أن ينحل طرفاها إلى جملتين، أعني أنه إن أُزيلَت أداة الربط في المتصلة أو أداة العناد في المنفصلة بين طرفيه يصير كلٌ من طرفيه جملة مستقلة، هذا الأصل.

يعني: بظاهره، تقول: هذا زوجٌ وإما فردٌ .. العدد إما زوجٌ وإما فردٌ، إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجودٌ.

إذا انحلت إلى جملتين، وكل واحد من الجملتين حملية، هذا الضابط الأول.

الثاني: أن الحكم فيها معلَّق، لا بد من أداة شرطٍ.

قال: (وهي) يعني: الشرطية.

(إما متصلة وإما منفصلة).

قال: (إما متصلة. وهي) أي: القضية.

(التي يُحكم فيها بصدق قضية أو لا صدقها، على تقدير صِدق قضيةٍ أخرى فالأولى موجَبة والثانية سالبة).

(التي يُحكم فيها) يعني: في القضية.

(بصدق) أي: ثبوت قضية.

(أو لا صدقها) عكسُه يعني: عدم ثبوت القضية.

(على تقدير) أي: فرض.

(صدق قضيةٍ أخرى) إن سُلِّمت.

(فالأولى موجبةٌ) ما هي الأولى؟ صدق قضية.

عندنا ثنتان الآن: (التي يُحكم فيها بصدق) يعني: بثبوت قضية.

(أو لا صدقها) أو عدم ثبوتها.

إذاً: الأُولى موجبة والثانية منفية .. سالبة، فدخلت الموجبة والسالبة هنا.

(على تقدير: صدق قضية أخرى) يعني: هذه تصدق إن صدقت الأخرى، لو قلت: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود.

إن كانت الشمس طالعة، طيب. لو تكلمت الآن قلت: اخرج فإن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، الشمس لم تطلع بعد فالنهار غير موجود.

إذاً: النهار موجود هذه إن سُلِّمت القضية الأولى المقدَّم وهي الشمس طالعة فالنهار موجود، هذا المراد هنا.

(على تقدير) أي: فرض.

(صدق قضيةٍ أخرى، فالأولى موجبة).

(كَقَوْلِنَا إِنْ كَانَتِ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُودٌ).

(فقد حُكم في هذه القضية بصدق قضية وهي: النهار موجود، المجعولة تالياً) يعني: ثانياً، هي التالي يسمى.

ص: 13

(على تقدير صدق أخرى وهي: الشمس طالعة المجعولة مقدّماً، وتسمية المقدم والتالي قضيتين باعتبار ما كان قبل التعليق بأداة الشرط).

حينئذٍ إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، طبِّق الحد: يُحكَم فيها بصدق قضية على تقدير صدق قضية أخرى.

عندنا قضيتان: بصِدق قضية التي هي: النهار موجود، على تقدير وفرض صدق قضية أخرى التي هي إن كانت الشمس طالعة.

إذاً: صدق قضية التي هي التالي، على تقدير صدق قضية أخرى التي هي المقدَّم.

(فالأولى موجَبة)(كَقَوْلِنَا إِنْ كَانَتِ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُودٌ).

(والثانية) المشار إليه وهو: (أو لا صدقها).

(والثانية سالبة)(أي: التي حُكم فيها بلا صدق قضية على تقدير صدقٍ أخرى) يعني: كاذبة.

(والثانية سالبةٌ كقولنا: ليس إن كانت الشمس طالعةً فالليل موجود).

إن كانت الشمس طالعةً فالنهار موجود. المثال السابق هي مثبتة، كيف تنفيها؟ أدخل عليها ليس، سواءً وافقت اللغة أم لا، هذا المراد عندهم، لذلك يقع التسامح عندهم في هذه المسألة.

قال: (ليس إن كانت الشمس طالعة فالليل موجود.

قد حُكم فيها بلا صدق قضية وهي الليل موجود، التالي على تقدير صدق أخرى، وهي: إن كانت الشمس طالعة) المقدَّم.

(وقدّم حرف السلب لتكون سالبة؛ إذ لو أخَّره إلى التالي) نحو: إن كانت الشمس طالعة فليس الليل موجوداً هذه موجَبة.

يعني: إذا أدخل السلب على التالي هذه موجبة؛ لأن العبرة بالجملة كلها.

(لكانت موجبة؛ إذ السالبة ما حكم فيها بسلب اللزوم لا بلزوم السلب) فرقٌ بينهما.

يعني: بما حُكم فيها بسلب اللزوم، وهو أن يتقدم السلب على الجملة كلها "على المقدَّم" على المقدَّم يكون المراد جميع الجملة المقدَّم والتالي.

وأما لزوم السلب هذا يدخل حرف السلب على التالي.

قال هنا: (حُكم فيها بلا صدق قضيةٍ وهي الليل موجود) التي هي التالي.

(على تقدير صدق أخرى، وهي: إن كانت الشمس طالعة).

ليس إن كانت الشمس طالعة يعني: إذا لم تكن الشمس طالعة فالليل موجود، هذا بناءً على أنه لا واسطة بين الفجر والنهار، والغروب والليل.

قال: (وسُمّيت شرطية؛ لوجود حرف الشرط فيها).

قال هنا: (بُحث فيه بأن أداة الشرط قد تكون اسماً، كمهما، ومتى.

وأُجيب: بأنه نُظِر لما في المثال) هو نظر لما في المثال السابق.

(وبأن أداة الشرط) جواب آخر بالتسليم (وإن كانت اسماً صورة فهي حرفٌ معنى؛ لتضمُّنِها الشرط الذي هو من معاني الحرف، ونظرُ المنْطِقي إنما هو للمعنى) وقد يقال بأنه اصطلاح المناطقة.

ما دل على السلب فهو حرفٌ، وهو اسمٌ عند أهل اللغة، أما عندهم فهو حرف فهو اصطلاحٌ خاص.

وبعضهم يسميه أداة.

(لوجود حرف الشرط فيها) يعني: في القضية، هذا لكونها شرطية.

(ومتصلة لاتصال طرفيها) يعني: مقدمها وتاليها.

(صدقاً ومعيّة) صدقاً يعني: (في الثبوت إذ يلزم من ثبوت الملزوم ثبوت لازمه).

إن كانت الشمس طالعة لا يتخلف النهار، إن انتفى طلوع الشمس انتفى طلوع النهار. وهو كذلك.

قال: (أي: في الثبوت؛ إذ يلزم من ثبوت الملزوم ثبوت لازمه).

قوله: (معيّة أي: اصطحاباً واقتراناً، فمتى وُجد مقدَّمُها وجد تاليها معه فاتصلا في المصاحبة والوجود).

يعني: لا يتأخر عنه وهو كذلك.

ص: 14

إذاً: هذا ما يتعلق الشرطية المتصلة.

قال الشيخ الأمين: الشرطية المتصلة هي التي يجتمع طرفاها في الوجود.

إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، يجتمعان؟ يجتمعان طلوع الشمس ووجود النهار.

ويجتمعان في العدم، إن لم تكن الشمس طالعة فليس النهار موجود.

إذاً: الشرطية المتصلة يجتمعان في الوجود ويجتمعان في العدم.

بمعنى: أنه يجوز عدمُهما معاً، ويجوز وجودُهما معاً "جواز عقلي" واجتماعهما في الوجود واجتماعهما في العدم هو معنى الاتصال.

وسُمّيت متصلة لاتصال طرفيها في كونهما موجودين، واتصالهما في كونهما معدومين.

فقولك: لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجوداً، يجتمع طرفاها في الوجود فتكون الشمس طالعة والنهار موجود، ويجتمعان في العدم فتكون الشمس ليست بطالعة والنهار ليس بموجود. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

قال رحمه الله تعالى: (وَإِمَّا شَرْطِيَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ) هذا النوع الثاني للشرطية، الشرطية إما متصلة وإما منفصلة.

(وهي) أي: الشرطية المنفصلة.

(القضية التي يُحكم فيها بالتنافي) يعني: والعناد، يعني: عدم الاجتماع.

(بين القضيتين، أو بنفيه) يعني: نفي التنافي.

هل بينهما تنافٍ أو لا؟

التي يُحكم فيها بالتنافي بين القضيتين، أما التي لا تنافي بينهما فليست من المنفصلات، وإن وُجد فيها حرف الانفصال؟ نعم وإن وُجد فيها حرف الانفصال.

تقول: رأيتُ إما زيداً وإما عمرواً. يحتمل أنك رأيتهما معاً، هذه ليست كقولك: العدد إما زوجٌ وإما فردٌ، هذا لا يجتمعان ولا يرتفعان.

فهنا رأيتُ إما زيداً وإما عمرواً، وُجد حرف الانفصال لكنها ليس بينهما تنافي، فلا تكون شرطية منفصلة.

(التي يُحكم فيها بالتنافي بين القضيتين) هذا أخرج الحملية والمتصلة، سواء كان التنافي في الصدق والكذب معاً، أو في أحدهما.

(أو) للتنويع (بنفيِه) أي: التنافي، أي رفعِه وسلبِه.

قال هنا المحشي: (وتسميةُ الحملية والمتصلة والمنفصلة الموجَبات بهذه الأسماء ظاهر؛ لوجود الحمل.

والاتصال والانفصال فيها، وأما تسميته بها وهي سالبةٌ فليست ظاهرة؛ إذ الحكم إنما هو بنفي الحملِ والاتصال والانفصال.

وأُجيب بأنها تسمية اصطلاحية لا لغوية).

يعني: لا يُعترَض هنا بالأسماء في التعميم بكونه المعنى يوجد في بعض دون بعض؛ لأنه خرج عن كونه معنًى فصار لفظاً فقط، إنما هي مسائل اصطلاحية فحسب.

قال: (أو بنفيه والأُولى موجبة كقولنا: العدد إما أن يكون زوجاً أو فرداً) هذه موجَبة، العدد أي: المؤلَّف من آحاد.

(العدد إما أن يكون زوجاً أو فرداً.

فقد حُكم فيها بمنافاة كون العدد زوجاً لكونه فرداً، فلا يجتمعان في عددٍ ولا يرتفعان عنه).

العدد إما زوجٌ وإما فردٌ.

إذاً: هل يكون العدد زوجاً فرداً .. يجتمعان؟ إذاً: لا يجتمعان.

هل يرتفعان .. العدد لا يكون زوجاً ولا فرداً؟ لا. لا يجتمعان، وهذه حقيقية كما سيأتي.

فحينئذٍ نقول: هنا تنافي بينهما في الصدق "في الثبوت"، وفي النفي .. في السَّلبِ .. في العدم.

(والثانية سالبةٌ) أي: التي حُكِم فيها بنفي التنافي يعني: لا منافاة بينهما.

نفي التنافي، نفيُ النفي: إثبات.

ص: 15

(والثانية سالبةٌ كقولنا: ليس إما أن يكون هذا الإنسان أسوداً أو كاتباً، فقد حُكم بنفي التنافي بين كونه أسوداً وكونه كاتباً) يعني: لا منافاة بينهما، فيكون أسود كاتب يجتمعان.

(فيجوز كونه أسود مع كونه كاتباً).

لو قلتَ: إما أن يكون هذا الإنسانُ أسوداً أو كاتباً، هذا تنافي .. من باب التسليم، لو نفيته نفيتَ التنافي.

لو قلت فقط: إما أن يكون هذا الإنسان أسوداً أو كاتباً، هو لا تصح، لكن كمثال: إما أن يكون هذا الإنسان أسود أو كاتب. نقول: هذه بينهما عناد .. تنافي، نفيته بقولك: ليس؛ إذ نفيُ النفي إثباتٌ، فحينئذٍ يمكن الاجتماع، ويمكن الارتفاع؟ يمكن نعم، يكون أبيض لا كاتب، ويجتمعان كذلك.

قال هنا: (وسُمِّيت شرطيةً) يعني: المنفصلة.

(تجوّزاً؛ إذ لا شرط فيها) ليس فيها شرط.

(وهذا باعتبار حال التسمية، وأما الآن فقد صار حقيقة عرفية.

وسُمّيت شرطية تجوزاً لوجود الربط الواقع بين طرفيها بالعناد).

الربط المراد به هنا: قال: بيان لعلاقة المجاز وأنها المشابَهة أو الإطلاق والتقييد.

(وسُمِّيت شرطية تجوزاً) من باب المجاز.

(لوجود الربط) هذا بيان علاقة المجاز.

(الربط الواقع بين طرفيها) المقدَّم والتالي.

(بالعناد) أي: التنافي، صلة الربط.

(ومنفصلة) يعني: سُمّيت منفصلة لماذا؟

(لوجود حرف الانفصال فيها) وهو إما، العدد إما زوجٌ وإما فردٌ، ليس إما أن يكون هذا الإنسان أسود أو كاتباً، فإما هذه هي حرف الانفصال، لكن ليس كلما رأيتَها حينئذٍ تكون منفصلة كما مر في: رأيتُ إما زيدٌ وإما عمروٌ.

(وهو إما الذي صيّر القضيتين قضيةً واحدة) العدد زوجٌ، العدد فردٌ. قضيتان صيَّره قضيةً واحدة.

قال رحمه الله تعالى: (وللقضية ثلاثة أجزاء).

إذاً: عرَّف لنا القضية: (قَوْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ) وعرفنا المراد به.

ثم قسَّم القضية إلى حملية وشرطية، وبيَّنا المراد بكلٍ منهما.

ثم قسَّم الشرطية إلى متصلة ومنفصلة.

الآن رجع إلى تأسيس مسألة .. تقعيد قاعدة وهي: بيان أجزاء القضية.

(وللقضية) مطلقاً يعني: لا باعتبار كونها حملية فقط ولا باعتبار كونها شرطية فقط، بل مطلقاً.

(وللقضية ثلاثة أجزاء) أجزاء يعني: مقابِل للركن، (وَالرُّكْنُ جُزْءُ الذَّاتِ) إذاً: مقابل للركن.

يعني: انتفاءُ جزءٍ انتفى معه القضية.

(وللقضية ثلاثة أجزاء) يعني: تتألف وتتركب من ثلاثة أجزاء، فهي أركانٌ فيها.

(فَالجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنَ الحَمْلِيَّةِ يُسَمَّى مَوْضُوعًا) لا بد منه.

(والجزء الثاني: محمولاً.

والثالث: النسبة) إذاً: لا بد منها.

زيدٌ كاتبٌ قلنا في باب التصورات أنه يُدرَك الموضوع أولاً تصور زيد، إذاً: هذا جزءٌ وهو موضوع، الكاتب هذا محمول. إذاً: جزءٌ ثاني لا بد منه في القضية.

كذلك النسبة بينهما: الربط والتعلق والعلاقة، قلنا: هذا لا بد منه.

إذاً: هذه ثلاثة أركان.

(فَالجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنَ الحَمْلِيَّةِ يُسَمَّى مَوْضُوعًا).

موضوع اسم مفعول من وضِع قال: (لأنه) أي: هذا الجزء الأول الذي سُمّي موضوعاً.

(لأنه وُضع) أي: ذُكر.

ص: 16

(ليُحكَم عليه بشيء) لأن القاعدة هنا: أن المحمول "حتى في الخبر" أنه صفةٌ في المعنى، والصفة تستلزم موصوفاً.

حينئذٍ لا بد من شيءٍ ينحط عليه، إذا قيل: صفة، الصفة لا تقوم بنفسها، لا بد أن تقوم بشيء.

إذا قيل: زيدٌ قائمٌ. قيام، هذا القيام عرَض، يقوم بماذا؟ بزيد .. وهكذا.

حينئذٍ نقول: المحمول إما صفةٌ للموضوع وإما فِعل له، والفعل وصفٌ في المعنى، ولذلك عند النحاة الأفعال بأنواعها أوصافٌ لفاعِليها.

"قام زيدٌ" أنت وصفتَ زيد بالقيام، لكن قيّدته بالزمن الماضي، زيدٌ قائمٌ وصفت زيد بالقيام.

إذاً: المعاني كلها متحدة، لكن زيدٌ قام أو قام زيد، هذا فيه إسناد الحدث إلى زيد مع تقييده بالوقت بأنه في الزمن الماضي.

إذاً: إما صفةٌ للموضوع وإما فعلٌ له، فإذا قلت: ضرَب زيدٌ، الضرب صفةٌ لزيد أو أنه فعل؟ فعل؛ لأنه إيجاد.

وإذا قلت: زيدٌ عالمٌ العلم هذا فعلٌ منه وقع أو صفة له؟ صفة له. وكلٌ منهما يستلزم آخر، فإذا وقع محمولاً حينئذٍ إن كان صفة استلزم الموصوف، وإن كان فعلاً استلزم الفاعل. فلا بد من شيءٍ يوضع عليه.

ولذلك عبَّر الشيخ الأمين وغيرُه: أنه كالسقف للبُنيان.

والموضوع لا بد أن يكون كالأساس من أجل أن يُحمَل عليه مضمون المحمول، هكذا بينهما تطابق معنوي.

قال: (لأنه وُضِع ليُحكم عليه بشيء).

قال العطار: (اعلم أن الموضوع وهو المحكوم عليه رتبتُه التقدُّم طبعاً) هذا موضوع لأنه محكومٌ عليه.

(رتبتُه التقدم طبعاً) وقد يخالِف في الوضع.

(رتبتُه التقدم طبعاً فيدخل موضوع الحملية التي هي جملة فعلية مثل: ضرَب زيدٌ) ضرب زيدٌ أين الموضوع؟ زيد، أين المحمول؟ ضرَب. كيف عرفت أنه محمول زيد؟ تقول: محكومٌ عليه.

إذاً: هل كل محكوم عليه مسنداً إليه؟ نعم.

هل كل مسندٍ إليه مبتدأ؟ لا. قد يكون فاعلاً.

هنا قال: (فيدخل موضوع الحمْلية التي هي جملةٌ فعلية مثل: ضرَب زيدٌ؛ فإن زيداً موضوعٌ مقدَّمٌ طبعاً وإن كان مؤخَّراً) لأن هنا الفعل لا يتقدم على فاعله.

ملحوظة: إذا قلنا: ضَرَب زيدٌ أو ضُرِب زيدٌ. يصح المثالان.

وَبَعْدَ فِعْل فَاعِلٌ فَإِنْ ظَهَرْ

فَهْوَ وَإِلَاّ فَضَمِيْرٌ اسْتَتَرْ

إذاً: ضرَب زيدٌ، ضرب هذا فاعل. عندنا قاعدة بأن الفاعل لا يتقدم على مفعوله إلا على مذهب الكوفيين.

قال: (والمحمول أعني ضرَب مؤخرٌ طبعاً، وإن كان مقدماً ذكراً، فلا يُتوهم اختصاص الموضوع والمحمول بالجملة الاسمية) هذا الذي يريده العطار والكلام واضح ولا يحتاج إلى إعادة.

الموضوع والمحمول هل هو خاصٌ بالجملة الاسمية؟ الجواب: لا.

إذاً: يشمل الجملة الفعلية.

طيب. هو مقدَّم الموضوع في الجملة الاسمية، نقول: مقدمٌ وضعاً وطبعاً، وقد يؤخَّر .. قد يكون نكرة في مثل:"عندي درهمٌ" فحينئذٍ يجب تأخيره.

كذلك يدخل معنا: إذا كان الموضوع فاعلاً أو نائب فاعل، ولذلك الموضوع إذا طابقناه بما عند النحاة إما أن يكون مبتدأ، وإما أن يكون فاعلاً، أو نائب فاعل. لا يخرج عن هذا.

مبتدأ، أو فاعل، أو نائب فاعل. لا يخرج عن هذه البتة.

(فلا يُتوهم اختصاص الموضوع والمحمول بالجملة الاسمية.

ص: 17

فالمراد بالثبوت في قوله في تعريف الحملية: هي التي حُكم فيها بثبوت مفهومٍ لمفهومٍ مثلاً أعمُّ من الثبوت بطريق الاتحاد، ومن الثبوت بطريق القيام نحو: قام زيدٌ.

قال السعد: واعلم أن ظاهر أحكام المنْطِق أن لا تُستعمل القضية التي موضوعُها فعلٌ، وهي التي تسميها النحاة: جملة فعلية، اللهم إلا أن يُجعل في تأويل: زيدٌ شخصٌ له القيام).

يعني مرادُه: أن بعض المناطقة منعوا استعمال الجملة الفعلية، لكن هذا ليس على إطلاقه، وإنما الجملة الفعلية كالجملة الاسمية من حيث المحكوم عليه والمحكوم به، يُستعمل هذا ويُستعمل ذاك.

ولو أُوِّلتْ الجملة الفعلية بالجملة الاسمية بناءً على أنها أصلها كذلك مطرد.

قال: (يسمى موضوعاً؛ لأنه وضع ليُحكم عليه بشيء).

(وضِع) أي: ذُكر.

(وَالثَّانِي) يعني: الجزء الثاني من أجزاء الحملية.

(مَحْمُولاً) لحمْلِه على شيءٍ. كما فسَّرناه فيما سبق.

(والثالث النسبة الواقعة بينهما) الموضوع والمحمول؛ لأنه قال: (القضية ثلاثة أجزاء: الموضوع، والمحمول، والنسبة).

قال: (والثالث النسبة الواقعة بينهما) أي: بين الموضوع والمحمول.

والنسبة: هي الارتباط أو إن شئت قل: العَلاقة.

وقد يُدل عليها -على النسبة- بلفظٍ، واللفظ الدال عليها يسمى رابطاً.

قوله: (النسبة الواقعة بينهما) أي: المفهومة من القضية وهو التعلُّق المعنوي بين الموضوع والمحمول، أو المقدَّم والتالي.

(وتُطلق النسبة على الإيقاع) هذا زيادة على ما ذكره المصنف.

(تُطلق على الإيقاع أي: إدراك وقوع النسبة الكلامية، أي: موافقتِها للواقع والانتزاع أي: إدراك عدم وقوع النسبة الكلامية أي: مخالفتها للواقع، فأجزاء القضية حينئذٍ أربعة).

لو فسَّرنا التصديق بما مر معنا في أول الكتاب بأنَّ: تصور الموضوع، ثم تصور المحمول، ثم تصور النسبة الحُكمية من غير حكمٍ بانتزاع أو إيقاع، ثم الرابع. حينئذٍ وافق كلام المحشي هنا.

لكن على ظاهر كلام الشارح: أن النسبة الكلامية إدراكُها هي التصديق، وهذا كما ذكر العطار أنه مذهب المتقدِّمين، وأما المتأخرون فلا. هذه النسبة لا تكفي، إدراكُها لا يسمى تصديقاً وإنما يسمى تصديقاً عند المتقدمين، بل لا بد بالنظر إلى الواقع، فإن وقعَت وأُدرِكت فحينئذٍ يسمى تصديقاً.

أو لم تقع وأُدرك عدمُ الوقوع يسمى تصديقاً.

ولذلك قال العطار عند قوله الثالث: النسبة الواقعة بينهما (فيه تصريح بأن أجزاء القضية ثلاثة -هو نص على ذلك- وهو ما ذهب إليه القدماء.

فيكون إدراك النسبة الثابتة بين الموضوع والمحمول هو الحُكم).

وهذا فيه تيسير في فهم التصديق، ذاك فيه شيءٌ من الإشكالات.

(هو الحُكم، وليس مسبوقاً عندهم بتصوير نسبة هي مورِد الحكم، فإن إثباته من تدقيقات المتأخرين؛ حيث رأوا أن في صورة الشك قد تُصوِّرت النسبة بدون الحُكم).

هو الذي أورده، صورة الشك هي محل الإشكال هنا، جعَلَتْهم يقولون بالنسبة الرابعة أن ثَم نسبة هي مشكوكة مُتردَّد في إيقاعها.

حينئذٍ لما وُجدت هذه قالوا: إذاً ثَم جزمٌ وثَم عدم جزم. زيدٌ كاتبٌ تجزم بثبوت الكتابة لزيد، زيدٌ كاتبٌ ويقع في النفس تردُّد.

ص: 18

إذاً: ثَم فرقٌ بين النسبتين، فأضافوا النسبة الرابعة هذه قالوا: إذاً: لا بد من إدراكٍ زائدٍ على مجرد النسبة المشكوك فيها، وهو: هل وقعت بالفعل أو لم تقع؟

فحينئذٍ إدراك الرابع هذا يسمى تصديقاً.

قال: (حيث رأوا أن في صورة الشك قد تُصوِّرت النسبة بدون الحُكم؛ إذ ما لم تتصور النسبة لا يحصل الشك) إذا لم تتصور النسبة لا يحصل الشك .. فلو تُصوِّرت النسبة ما حصل الشك، لكن لما حصل الشك حينئذٍ نقول: النسبة هذه وقع فيها شيءٌ من التردد.

إذاً: هذه مغايِرةٌ للحكم الذي يسمى تصديقاً، وهذا الذي عناه هنا قال: فأجزاء القضية حينئذٍ أربعة.

(فلما لم يُجعل لهذا المعنى الأخير لفظٌ يدل عليه كالأجزاء الثلاثة قلتُ: فلِمَ لم يُجعل لهذا المعنى الأخير لفظٌ يدل عليه كالأجزاء الثلاثة؟

قلتُ: لما كانت النسبة الكلامية لا تُعد رابطة بين الطرفين إلا من حيث الإيقاع أو الانتزاع لم يحتاجوا إلى لفظٍ رابع) ويمكن أن يقال بأن الإيقاع والانتزاع أمرٌ خارجٌ عن اللفظ، ليس هو مأخوذاً من جوهر اللفظ، وإنما الإيقاع والانتزاع هل وقع أو لا؟ مطابقة الخبر للواقع وعدم مطابقته للواقع.

هذا مراده بالنسبة الرابعة.

قال: (النسبة الواقعة بينهما، وقد يُدَل عليها -يعني: النسبة- بلفظٍ، واللفظ الدال عليها يسمى رابطة -تسمية للدال باسم المدلول- لأن الربط هو النسبة، وهو حرفٌ وليس اسماً؛ لأن النسبة التي تربط المحكوم به بالمحكوم عليه معقولة من حيث إنهما حالة بينهما، وآلة التعريف حالهما وليست معنًى مستقلاً يصلح لأن يكون محكوماً به أو عليه، فاللفظ الدال عليها يكون أداة لدلالته على معنًى غير مستقل).

يعني: هذه النسبة والحرف الذي يدل عليها لا نأتي ننازع في مسألة الحرفية هنا؛ لأنه قد يكون الرابط اسماً، إذاً: يسمى حرفاً لعدم استقلاله بالمفهومية. هذا المراد هنا: لعدم استقلاله بالمفهومية. وإن سمَّاه النحاة اسماً. هنا مجرد اصطلاح.

(واللفظ الدال عليها يسمى رابطةً لدلالته على النسبة الرابطة) أي: فهي تسمية مجازية من تسمية الدال باسم مدلوله، وهذا بحسب الأصل ثم صارت حقيقة عُرفية.

قال: (لدلالته على النسبة الرابطة، والرابطة تارة تكون اسماً).

يعني: على المعنى السابق: أن المراد بالربط هنا الحرفية المعنى غير المستقل، حينئذٍ قوله: اسماً يعني: في قالَب الاسم، وهي ليست باسم وإنما هي في قالَب الاسم.

(أي: قد تكون في قالَب الاسم بناءً على أحد الأقوال: أن ضمير الفصل اسمٌ فلا ينافي القولَ بأنها أداةٌ كما تقدم) فهي أداة في صورة الاسم، هذا مجرد اصطلاح عند المناطقة.

فكل ما دل على الربط أو اللفظ الدال على الربط نقول: هذا حرفٌ، وإن شئت قل: أداة، سواءٌ كان في الأصل فِعل، كان اسماً، كان حرفاً عند النحاة .. لا غضاضة؛ لأن ثَم فرقاً بين الفنين.

قال: (والرابطة تارة تكون اسماً كلفظ هُو) ضمير فصل: زيدٌ هو كاتبٌ، زيدٌ كاتبٌ مبتدأ وخبر موضوع ومحمول وفيه نسبة، لكنها اعتبارية يعني: معقولة في الذهن. قد يُدل عليها، إذا أردت أن تُرشد بأن ثم نسبة حينئذٍ ماذا تقول؟ تقول: زيدٌ هو كاتبٌ. زيدٌ مبتدأ، كاتبٌ هذا خبر.

(وهو) هذا لا محل له من الإعراب .. ضمير فصل، يسمى رابطة هنا.

ص: 19

هذا اللفظ دل على النسبة، إذاً: إذا أردت أن تعبِّر عن النسبة تأتي بمِثل هذا اللفظ.

قال: (تارة تكون اسماً كلفظ هو، وتسمى رابطة غير زمانية؛ لعدم دلالة الاسم على الزمان بحسب الوضع) لأنه في الأصل هو اسمٌ.

(وتسمى رابطةً غيرَ زمانية لأنها لا تدل على الزمن) بحسب الوضع.

(وتارة تكون فعلاً ناسخاً للابتداء) يعني: تارة تكون الرابطة، أو اللفظ الرابط يكون فعلاً يعني: لا اسماً.

(ناسخاً للابتداء) يعني: كان وأخواتها و"وَجَدَ" وغيرها كذلك.

(ككان ووَجَد).

قال المحشِّي: كليس أي غيرُ ليس، هو قال:(ككان ووَجَد) أي: غير ليس؛ إذ لا تستعمل رابطة وإن كانت فعلاً ناسخاً لأنها أداة سلب، فلا تُستعمل حرفاً دالاً على النسبة.

(ككان ووَجد، وتسمى رابطة زمانيةً لدلالة الفعل على الزمان وضعاً) وهو فِعلٌ في الأصل.

(فالحمليةُ باعتبار الرابطة إما ثنائية أو ثلاثية).

(إما ثنائية) يعني: معدودةً بالاثنين، مركَّبة من لفظين اثنين.

(أو ثلاثية) أي: مركَّبة من ثلاثة ألفاظ.

(لأنها إن ذُكِرت فيها فثلاثية، وإن حُذِفت لشعور الذهن بمعناها أو لعدم الاحتياج إليها كقام زيدٌ فثُنائية) يعني: النسبة موجودة موجودة، هي معنًى اعتباري.

إن جئت بلفظٍ يُعبِّر عنها صارت الجملة ثلاثة أجزاء: زيدٌ هو كاتب، إن حذفت هو بناءً على أن الأصل هو حملُ المحمول على الموضوع وثَم نسبة .. إلى آخره، ولا تحتاج إليها، حينئذٍ صارت الجملة ثنائية في الظاهر. وثلاثية كذلك في الظاهر.

(لأنها) أي: الرابطة (إن ذُكِرت فيها) يعني: في الجملة الحمْلية أو القضية.

(فثلاثية) فهي ثلاثية. خبر مبتدأٍ محذوف فهي ثلاثية .. إن ذُكرت الفاء واقعة في جواب الشرط فهي ثلاثية.

(وإن حُذفت) يعني: الرابطة "زيدٌ كاتبٌ".

(لشعور الذهن بمعناها) وهو الأصل هذا .. الأصل عدمُ ذكرها.

(أو لعدم الاحتياج إليها كقام زيدٌ فثنائية).

قال: لعدم الاحتياج إليها. أي: في اللغة العربية؛ لقيام الحركات الإعرابية مقامها.

ولذلك مما يدل على النسبة الحركة الإعرابية في اللغة العربية "زيدٌ قائمٌ" ليس: زيد قام أو قائمْ .. " في الأصل لو لم تُحرِّك ما فُهِم الإسناد.

حينئذٍ الذي يدل على النسبة هو الرفع، ولذلك حصَره السعد بأن الرفع هو الذي يدل على النسبة سواءً لُفظ به أو قُدِّر؛ لأن الإعراب بالرفع هذا إعراب العُمد يعني: المبتدأ والخبر والفاعل ونائب الفاعل.

الرفعُ إعراب العمد هذا محل وفاق؛ لأن المبتدأ مرفوع وهو عمدة، والفاعل مرفوع وهو عمدة، وكذلك نائب الفاعل.

أي: في اللغة العربية؛ لقيام الحركات الإعرابية مقامها.

قال السعد في شرح الشمسية: الذي يُفهم منه الربط في لغة العرب هو الحركات الإعرابية، بل حركةُ الرفع تحقيقاً أو تقديراً لا غير.

لأننا نبحث في ماذا؟ حملية التي هي الجملة الاسمية، سواءٌ دخل عليها ناسخ أو لم يدخل فهي راجعة إليها، ولذلك قال: الذي يُفهم منه الربط في لغة العرب هو الحركات الإعرابية، بل حركة الرفع تحقيقاً أو تقديراً لا غير.

ص: 20

لأنا إذا قلنا على سبيل التَّعداد -لا الربط- يعني: ما نويتَ النسبة، قلتَ: زيد عالم بلا حركة إعرابية، لم يُفهم منه الربط، قلتَ: على سبيل التعداد زيد عالم، كأنك تعدّ ألفاظاً مفردة زيد .. عالم .. كاتب .. ماء .. سماء .. وكأنك عددت، هل بينها ربط؟ ليس بينها ربط.

والذي يدل على الربط هو: زيدٌ عالمٌ، حصل الربط بالرفع.

في المثال هذا يكون رفعاً تحقيقاً وتقديراً؛ لأنك في الوقف تقف عليه بالسكون زيدٌ عالمْ سكَّنت الميم. زيدٌ مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعُه ضمة ظاهرة على آخره، عالمْ خبر المبتدأ مرفوعٌ به ورفعه ضمة مقدرةٌ على آخره، منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الوقف، هكذا تُعرِب الإعراب الصحيح.

بعضهم يُعربه أنه: ورفعُه حركة ظاهرة. غلط هذا، هذا ما تُعرِب أنه حركة .. أين الظاهرة؟ الأول: زيدٌ عالمٌ هذا من باب الإيضاح فقط من باب التعليم، لكن في الكلام يكون غلط مخالف للقواعد؛ لأن الأصل تُسكِّن "زيدٌ عالمْ" هكذا.

قال هنا: لأنا إذا قلنا على سبيل التعداد: "زيد عالم" بلا حركة إعرابية، لم يُفهم منه الربط ولا الإسناد، وإذا قلنا: زيدٌ عالمٌ بالرفع فُهم منه ذلك، فالرابطة هي الحركة الإعرابية لا غير.

لكن هذا في الأصل .. في لغة العرب، لكن لما جاء المناطقة زادوا فجاءوا بـ: هو وما عُطف عليه فيما سبق.

قال هنا: (والمراد بالجزء الأولِ: المحكومُ عليه وإن ذُكر آخراً).

(المراد) هذا مبتدأ.

(بالجزء الأول) هذا متعلِّقٌ به. أين الخبر؟

(المحكومُ عليه) إذاً تبحث عن المحكوم عليه سواء تقدم أو تأخر.

ولذلك قال: (وإن ذُكر آخراً) يعني: تأخر، والأصل فيه التقدم.

ولذلك قيل: إذا التبس عليك المبتدأ بالخبر أو ما عرفت المبتدأ ابحث عن المحكوم عليه، في الجملة الاسمية طبعاً وإلا يدخل الفاعل هنا.

(وإن ذُكر آخراً، وبالثاني) والمراد بالجزء الأولِ المحكومُ عليه الذي هو الموضوع.

(وبالثاني) يعني: بالجزء الثاني الذي هو المحمول (المحكومُ به).

ولذلك قلنا: هذه عبارات وإن اختلفت في سائر الفنون إلا أنه يؤتى بها في هذا الموضع.

يعني: يقوِّي بعضُها بعضاً أو يشرَح بعضها بعضاً، يلتبس الموضوع بالمحمول، إذاً: الموضوع هو المحكوم عليه، والمحمول هو المحكوم به.

يحصل التباس كذلك تقول: الموضوع هو المبتدأ أو الفاعل ونائبُه، والمحمول هو الخبر أو الفعل. سواء كان مغيَّر الصيغة أو معلوم، هكذا من باب التيسير.

(المحكومُ عليه أي: سواءٌ جاز تأخيرُه كالمبتدأ الذي لم يتضمن معنى الاستفهام نحو: قائمٌ زيدٌ) يعني: قلتَ مثلاً: المبتدأ دائماً يكون محكوماً عليه، هذا الأصل، لكن هذا يستثنى هذا من باب الخروج عن القاعدة.

قلت: أقائمٌ زيدٌ.

مُبْتَدَأ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ

وَأَوَّلٌ مُبْتَدَأ وَالْثَّانِي فَاعِلٌ

وَقِسْ وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ

إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ

اغْنَى فِي أَسَارٍ ذَانِ

وَقَدْ يَجُوْزُ نَحْوُ فَائِزٌ أولُو الرَّشَدْ

إذا قلتَ: أقائمٌ الزيدان. قائمٌ هذا مبتدأ، والزيدان هذا فاعلٌ سد مسد الخبر، قائمٌ هو المحمول هنا وهو مبتدأ، وقع إذاً المبتدأ محمولاً، والزيدان فاعل سد مسد الخبر وقع موضوعاً على الأصل.

ص: 21

لكن الشاهد هنا في: قائم.

إذاً: المبتدأ قد يكون محكوماً به، لكن هذا بضوابطه ليس كل مبتدأ، الأصل في المبتدأ هو ما خلَى عن الشروط هذا الأصل فيه، والكلام فيه الأصل، وأما هذا فهو نوعٌ خارجٌ. ولذلك قال:(وَقَدْ * يَجُوْزُ نَحْوُ فَائِزٌ أولُو الرَّشَدْ) يعني: وقع فيه نزاع، وإن كان هو مرجوح والصواب مذهب البصريين، لكن وقع فيه نزاع.

قال هنا: (المحكومُ عليه أي: سواءٌ جاز تأخيرُه كالمبتدأ الذي لم يتضمن معنى الاستفهام نحو: قائمٌ زيدٌ.

أو وجب كما في الفاعل .. ) إلى آخر كلامه.

قال هنا: (وبالثاني المحكوم به، وإن ذُكر أولاً نحو: عندي درهم) عندي هذا المحكوم به وهو المحمول، ذُكر أولاً.

إذاً: العبرة هنا بالتقدم والتأخير الطبيعي، هذا الأصل موافقٌ للطبع، فإن تقدّم كلٌ منهما أو تأخر فهو خلاف الأصل، وتقدُّمه أو تأخره لا ينفي الوصف الأصلي عنه، فالموضوع يبقى موضوعاً وإن تأخر، والمحمول يبقى محمولاً وإن تقدم. على الأصل.

قال: (وَالجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنَ الشَّرْطِيَّةِ يُسَمَّى مُقَدَّمًا)(لتقدُّمِه لفظاً أو حُكماً).

(لتقدُّمه لفظاً) إذا كان الشرط مقدماً على الجزاء.

(والثاني) الذي هو حُكماً (إذا كان مؤخراً؛ بناءً على ما ذهب إليه المبرِّد والكوفيون) أنه يجوز.

(والبصريون يمنعون تقدُّم الجزاء على الشرط فنحو: النهار موجودٌ إذا كانت الشمس طالعة) يمنعون هذا البصريون.

النهار موجودٌ إذا كانت الشمس طالعةً، طبعاً ما بعد "إذا" لا يعمل فيما قبله، حينئذٍ إذا كانت الشمس طالعةً هذا الشرط، أين جوابه؟ محذوف.

والنهار موجودٌ السابق هذا دليل الجواب، ليس هو عينه، بخلاف مذهب الكوفيين والمبرِّد على أنه المتقدم هو الجواب، فلا نحتاج إلى التقدير، والمناطقة على هذا؛ لأنهم ينظرون إلى المعنى، وإذا كان كذلك لا إشكال عندهم.

ولذلك قال هنا: (وَالجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنَ الشَّرْطِيَّةِ يُسَمَّى مُقَدَّمًا) (لتقدمه لفظاً أو حكماً.

فالأول) يعني: لفظاً.

(إذا كان الشرط مقدماً على الجزاء، والثاني: إذا كان مؤخَّراً بناءً على ما ذهب إليه المبرِّد والكوفيون.

والبصريون يمنعون تقدم الجزاء على الشرط، فنحو: النهار موجودٌ إذا كانت الشمس طالعة). الجزاء محذوف على مذهب البصريين فيقدَّر، ثَم دليلٌ يدل عليه.

والذي تقدم على الشرط -النهار موجود- دليلُه عندهم، وعلى هذا فهو مقدمٌ لفظاً دائماً، وهذا عند النحاة.

ومقصود المناطقة المعاني فلا حاجة إلى تقدير شيءٍ يتم المعنى بدونه.

إذاً: وافق المناطقة هنا ما عليه المبرِّد والكوفيون، هذا المراد: أن المتقدِّم يُعتبر هو الجواب، ولا نحتاج إلى تقدير.

لكن هذا ليس بحث المناطقة وإنما يُرجع إلى النحاة، على كلٍ المراد هنا ما ذُكر.

قال: (وَالثَّانِي تَاليًا)(لتلوِّه الأول أي: تبعِيَّتِه له).

قال هنا: (لتقدمه لفظاً وحكماً) فيه إشارة إلى جواز تقديم التالي على المقدَّم عند المنْطِقي. هذا طيب.

وإن امتنع عند البصري؛ لأن نظر المنْطِقي إلى المعنى والتقديم لا يُفسده، ونظر البصري إلى اللفظ .. -ما فيه مقابلة بين المناطقة والبصريين- والتقديم يبطل الصدارة عندهم، لكن هذا فن وهذا فن، وتناولوا المسألة فكانت مشترَكة.

ص: 22

ومثلُه نقول المقدَّم عند النحاة أهل الفن، إلا إذا جاءوا بشيءٍ مطابق لما عند النحاة فلا إشكال.

قال: (وَالثَّانِي تَاليًا) يعني: الجزء الثاني من الشرطية يسمى تالياً، لماذا؟

(لتلوِّه الأول أي: تبعيتِه له) يتبعه.

(والمراد بالأول: الطالبُ للصحبة وإن ذُكر آخراً، وبالثاني المطلوبُ لها وإن ذُكر أولاً كما مر نظيرُه في الحملية).

لكن بقي أن هذا هل يشمل المنفصلة، أم أنه خاصٌ بالمتصلة؟ المتصلة متفقٌ عليه: الأول مقدم والثاني تالي، لكن العدد إما زوجٌ أو فردٌ. هل الأول مقدم والثاني تالي؟ قيل به، وقيل: لا.

التقسيم هذا لا يشمل المنفصل؛ لأنا لا نحتاج، إذا كانت الشمس طالعةً فالنهار موجود. المقدّم يستلزم التالي، بينهما علاقة .. تلازم.

لكن ما بينهما تنافي ليس بينهما تلازم، فإذا قلت: العدد إما زوجٌ أو فردٌ. سمّيت الأول مقدَّماً أو تالياً، والثاني مقدماً أو تالياً لا يضُر، لا ينبني عليه شيء.

وإنما يتعين أن الأول مقدَّم والثاني تالي في الشرطية المتصلة وأما المنفصلة فلا.

قال رحمه الله تعالى: (وَالْقَضِيَّةُ)(بحسب إيقاع النسبة وانتزاعها)(إِمَّا مُوجَبَةٌ، وَإِمَّا سَالِبَةٌ).

أراد أن يقسِّم لنا القضية بحسب إيقاع النسبة وانتزاعها؛ يشير إلى أن هذا تقسيمٌ للقضية باعتبار ما يعرِض لها، وما سبق باعتبار ذاتها، وما بالذات أقوى فلذلك قدَّمه على ما هاهنا.

يعني: هذا تقسيم آخر، تنقسم القضية إلى موجبة وسالبة، لكن باعتبار الإيقاع والانتزاع .. باعتبار النسبة إيقاعها وانتزاعها.

(وَالْقَضِيَّةُ) يعني: الحملية.

(بحسب إيقاع النسبة) يعني: بالنظر إلى هذه الحيثية.

(إيقاع النسبة) أي: إدراك وقوع النسبة.

(وانتزاعها) أي: إدراك انتزاع النسبة.

قال هنا: (إيقاع) إدراك وقوع.

(النسبة) أي: الكلامية، أي موافقتُها للنسبة الواقعية.

(وانتزاعِها) أي: إدراكُ أن النسبة الكلامية ليست واقعة ولا موافقةً للنسبة الواقعية .. على ما مر في الكلام على التصديق.

(إِمَّا مُوجَبَةٌ: كَقَوْلِنَا زَيْدٌ كَاتِبٌ).

(مُوجَبَةٌ)(أي: مسمّاةٌ بهذا لوجوب النسبة فيها أي: ثبوتها) فالإيجاب بمعنى الثبوت، ولذلك تقول: الواجب بمعنى الثابت، والوجوب بمعنى الثبوت (مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ) أي: ما يُثبت من وسائل تؤدي إلى الرحمة.

(أي: مسمّاةٌ بهذا لوجوب النسبة فيها أي: ثبوتِها.

والمشهور فتح الجيم –موجَبَة- على معنى أن المتكلم أوجبَ النسبة أي: أثبتَها فيها).

(ويصح كسرها موجِبة) وإن لم يكن شائعاً، الاستعمال على الأول، لكن يجوز موجِبة.

(على معنى أن القضية أَوجَبَت أي: أثبتت النسبة إسناداً مجازياً).

قال: (إِمَّا مُوجَبَةٌ: كَقَوْلِنَا زَيْدٌ كَاتِبٌ) ليست سالبة.

(وَإِمَّا سَالِبَةٌ)(أي: مسمّاةٌ بهذا لاشتمالها على انتزاع النسبة أي: سلبِها عن الموضوع)(كَقَوْلِنَا زَيْدٌ لَيْسَ بِكاتِبٍ) نفيتَ الكتابةَ عن زيد.

قال: (والموجَبة) أراد أن يقسِّم الموجبة (إما محصّلةٌ أو معدُولة).

(والموجبة إما محصَّلةٌ وإما معدولة).

المحصَّلة قال: هي الوجودية. يعني: أن يكون كلٌ من الطرفين أمراً وجودياً.

ص: 23

زيدٌ كاتبٌ، زيدٌ هذا وجودي، وكاتبٌ هذا وجودي؛ لأن القسمة أربعة: وجودي على وجودي .. أثبتَّ أمراً وجودياً لأمرٍ وجودي، عدمياً لعدمي، عدمي لوجودي، بالعكس: وجودي لعدمي.

المحصَّلة أمرٌ وجودي لوجودي، الثلاثة الأنواع الأُخرى هي المعدولة.

قال: (والموجَبة إما محصَّلةٌ وهي الوجودية أي: التي حُكِم فيها بموجودٍ على موجود) المحمول يكون موجوداً لا عدمياً، والموضع يكون موجوداً لا عدمياً نحو: زيدٌ كاتب.

(أو) النوع الثاني للموجبة المقابل للمحصَّلة (أو معدولة وهي ما ليست كذلك) يعني: ليست كالوجودية في الحكم بوجودي على وجودي.

(بأن حُكم فيها) يعني: في المعدولة.

(بعدميٍ على عدمي) هذه صورة.

(أو عدمي على وجودي) هذه صورة ثانية.

(أو بوجودي على عدم) هذه صورة ثالثة، فالقسمة رباعية: وجودي على وجودي هذه تسمى محصَّلة، ما عداها -الأقسام الثلاثة- تسمى معدولة.

(وسُمّيت معدولة؛ لأن حرف السلب عُدل به عن مدلوله الأصلي) وهو السلبُ، مناسب سلبُ النسبة الحُكمية يعني: الأصل أداة السلب هو سلبُ النسبة.

إذا دخلتْ الآن عندما نقول: القضية إما موجَبة وإما سالبة.

الموجبة هذا وصفٌ للنسبة، والسالبة سلبٌ للنسبة. إذاً: لا للموضوع ولا للمحمول، وإنما للنسبة.

الوجودية المحصَّلة -وجودي على وجودي- على أصلها يعني: الثبوت، وهنا دخل حرف السلب: إما أن يكون دخل على الموضوع فقط، أو على المحمول فقط، أو عليهما معاً. حينئذٍ حصل عدْلٌ ((ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)) [الأنعام:1] يعني: انحراف، عدلٌ يعني: عدمُ وضع الشيء في موضعه.

فالأصل دخول حرف السلب على النسبة، وهنا لم يدخل على النسبة وإنما دخل على غيره، وهذا معنى العدول.

ولذلك قال: (سُمَّيت معدولة لأن حرف السلب عُدِل به عن أصل مدلوله) يعني: عن مدلول أصله، [إضافة ما كان صفةً وإقامةُ المصدر مقام الصفة، والأصل: مدلولِه الأصلي]. وهو السلب .. ليس السلب، هو لم يُعدَل عن السلب فيصير إثباتاً لا، إنما عُدل عن سلب النسبة.

ولذلك المناسب كما قال المحشي: سلبُ النسبة الحكمية، وإلا فما زال السلب موجوداً .. حرف السلب مستعمل في معناه، لكن عدَلْتَ به من دخوله على النسبة إلى دخوله إلى الموضوع أو المحمول أو هما معاً، فهو باقٍ على أصله.

فقوله: (عُدِل به عن أصل مدلوله وهو السلب) قد يظن الظان بأنه انتقل من السلب إلى شيءٍ آخر لا، وإنما عن سلب النسبة، إلا إذا قيل: بأن أل هنا للعهد الذهني.

(وجُعل حُكمُه -أي: حرفُ السلب- حُكمَ ما بعده. أي: سواءً كان محمولاً أو موضوعاً).

(حُكم ما بعده) لو قال: "حكم غيرِه" شمل الموضوع والمحمول أو لى، لكن (ما بعده) هذا فيه تقييد، وإن كان المحشِّي حاول أن يعمم.

(أي: سواءً كان محمولاً أو موضوعاً.

(والمراد مِن جعلِ حُكمِهِ حُكمَ ما بعده تركيبُه معهُ، وجعلُ مجموعِهما محمولاً أو موضوعاً).

حينئذٍ حرفُ السلب يدخل على الموضوع فيكون جزءاً من الموضوع، ويدخل على المحمول فيكون جزءاً من الموضوع، فتقول: الموضوع لا جماد، أو المحمول لا إنسان. حينئذٍ تُدخِل أل على الموضوع أو المحمول فيكون جزءاً منه فتركَّبَ منهما.

ص: 24

ولذلك قال: (جُعِل حكمه) يعني: حكم حرف السلب (حكمَ ما بعده) يعني: ما دخل عليه.

فإن دخل على الموضوع صار حرفُ السلب موضوعاً لأنه جزءٌ من اللفظ، وإذا دخل على المحمول صار حكمُه حكمَ المحمول.

قال هنا: (أصلُ أداة السلبِ سلبُ النسبة، وقد يُعدَل بها عنه، وتُجعل من الموضوع أو المحمول أو منهما، وتسمى القضية معدولةً لذلك موجبةً كانت أو سالبة.

والقضية التي لم يُجعل حرف السلب جزءاً من موضوعها ولا من محمولها تسمى محصَّلة موجَبة كانت أو سالبة).

إذاً: كلٌ من المحصَّلة أو المعدولة .. كلٌ منهما تكون سالبة أو موجَبة، وسيأتي الأمثلة فيما سيذكره الشارح.

قال هنا: (وجُعِل حكمُه حُكمَ ما بعدَه).

قال العطار: (أو لأن الأصل في التعبير عن الأطراف هو الأمور الثبوتية؛ لأن الوجود هو السابق، والسلبُ مضافٌ إليه) وهو كذلك؛ لأنه لا يُفهم السلب إلا بعد إدراك الثبوت.

(ففي التعبير عن طرف القضية بالسلب عُدولٌ عن الأصل.

وأما المحصَّلة فإنما سُمّيت بذلك لعدم اعتبار العدم فيها، والمراد بعدمية الأطراف هنا -عدمي على عدمي- أن يكون حرفُ السلب جزءاً من لفظه كما يُفهم من المقابل، لا أن يكون العدم معتبَراً في مفهومه، فنحو قولنا: لا شيءَ من المتحرك بساكن سالبةٌ محصَّلةُ الطرفين) ليست من المعدولة في شيء، مع أن الساكن هذا عدمي.

إذاً: ليس المراد هنا أن يكون مفهومه عدمي، وإنما يكون مقابل له.

قال: (لا أن يكون العدم معتبراً في مفهومه، فنحو: لا شيء من المتحرك بساكن سالبةٌ محصَّلة الطرفين، ليست من المعدولات في شيء، مع أن السكون عدم الحركة.

ومثل قولنا: زيدٌ لا معدومٌ) هذه تُعتبر معدوم، زيدٌ لا معدومٌ، أدخلنا حرف السلب على معدوم المحمول فصار جزءاً منه.

(لا معدوم) يعني: موجود، مع كون المفهوم -مفهوم اللفظ- يدل على أمر عدمي.

قال هنا: (فقيل في الموجَبة المعدولة موجَبةٌ، أي: مع اشتمالها على حرفِ أو حرفي نفي).

يعني تقول: لا إنسان هو لا جماد –مثلاً-، هذا ثابتة أو سالبة؟ هذه موجَبة؛ لأن الجزء هنا -حرفُ السلب- دخل على الموضوع، قيل: لا جماد أو لا إنسان، هو لا جماد. حرف السلب دخل على الموضوع فصار جزءاً منه، ودخل على المحمول فصار جزءاً منه.

وأما القضية فكما هي على أصلها، ولذلك قلتُ:"هو" للدلالة على أن الربط هنا ثابت، حينئذٍ تكون هذه موجَبة.

وإن كان حرف السلب داخلاً سواء كان واحداً أو متعدداً، ولذلك قال هنا:(أي: مع اشتمالها على حرفِ أو حرفي نفي).

إذا كان دخل على الموضوع فقط، أو على المحمول فقط، أو حرفي نفي إذا دخل عليهما معاً.

(ولم يقل فيها سالبة؛ لأن إيجابَ القضية وسلبَها إنما هو بالنظر لنسبتها. فإن لم يتسلط النفي عليها فهي موجَبة ولو كان طرفاها عدميين نحو: لا حيٌّ هو لا حيوان) لا حي يعني: غير متصف بالحياة، "هو لا حيوان" ليس بحيوان.

"لا حيٌّ هو لا حيوان" هذه موجبة أو سالبة؟ موجبة مع كونه اشتمل على حرفي سلب؛ لأن النفي لم يتسلط على النسبة، والحرف الأول دخل على الموضوع فصار جزءاً منه، ولذلك سُمِّيت معدولة.

(وإن تسلَّط النفي عليها فسالبةٌ، وإن كان طرفاها وجوديين نحو: ليس زيدٌ كاتباً).

ثُم قال: (ثُم المحصَّلة) الوجودية.

ص: 25

(إما محصَّلةٌ بطرفيها: الموضوع والمحمول، تصويرُه: بأن يكونا وجوديين) نحو: الإنسان حيوانٌ. كلٌ منهما وجودي.

(بأن يكونا وجوديين، أو محصَّلةٌ بالموضوع فقط) يعني: ومعدولات المحمول .. محصَّلة الموضوع فقط يعني: الموضوع باقٍ على ما هو عليه، لم يدخل عليه حرف السلب.

معدولة المحمول يعني: دخل عليه حرف السلب، بأن يكون الموضوع وجودياً والمحمول عدمياً نحو: الحيوان لا جماد. لو قلتَ: الحيوان هو لا جماد. لا إشكال.

الحيوان كما هو موضوع، لم يدخل عليه حرف السلب، فحينئذٍ هذه محصَّلة أو معدولة؟

باعتبار الموضوع .. الآن التجزئة باعتبار الموضوع والمحمول، هذه محصَّلة الموضوع ليست معدول؛ لأنه باقٍ على أصله، لم يدخل عليه حرف السلب "الحيوان لا جماد" هذه معدولة الموضوع.

ولذلك قال: (أو محصَّلةٌ بالموضوع فقط، ومعدولةٌ بالمحمول بأن يكون الموضوع وجودياً والمحمول عدمياً نحو: الحيوان لا جماد.

أو بالمحمول فقط) يعني: ومعدولةٌ بالموضوع محصَّلة بالمحمول فقط.

(ومعدولةٌ بالموضوع بأن كان الموضوع عدَمياً، والمحمول وجودياً نحو: لا جمادَ حيوانٌ) دخل حرف السلب على الموضوع، فحينئذٍ صار الموضوع معدولاً.

والثاني -الذي هو حيوان- كما هو على أصله.

قال: (والمعدولة كذلك) يعني: كالمحصَّلة (كذلك) أي: المحصَّلة (في انقسامها ثلاثة أقسام): محصَّلة الطرفين، محصَّلة الموضوع فقط، معدولة المحمول، محصَّلة المحمول، معدولة الموضوع.

الآن قال: (والمعدولة كذلك) يعني: ثلاثة أقسام.

(كذلك أي: مثل المحصَّلة في انقسامها ثلاثة أقسام:

معدولة الطرفين، ومعدولة الموضوع، ومعدولة المحمول فقط.

فالأقسام ستة: ثلاثة للمحصَّلة، وثلاثةٌ للمعدولة. وكلها إما موجَبة أو سالبة فالأقسام اثنا عشر، لكن يدخل بعضُها في بعضٍ فمحصَّلة المحمول فقط هي بعينها معدولة الموضوع فقط، ومحصَّلة الموضوع فقط هي عين معدولة المحمول فقط. فالأقسام السالمة من التكرار أربعة:

محصَّلة الطرفين ومعدولتُهما، ومحصَّلة المحمول معدولةُ الموضوع، ومحصَّلة الموضوع معدولة المحمول. وكلٌ إما موجبة أو سالبة فالأقسام ثمانية) وهي واضحة، إذا تأمَّلتَها وأفردتَّها لا إشكال فيها.

قال هنا: (فمحصَّلة الطرفين نحو: كل إنسان كاتب، حُكِم فيها بوجودي على وجودي.

ومعدولتُهما) أي: الطرفين -الموضوع والمحمول-. كل لا إنسان لا كاتب، هذه مثبتة.

كل لا إنسان، إنسان دخلتَ عليه "لا" إذاً: موضوع، صار جزءاً منه، إنسان صارت معدولة.

لا كاتب، كاتب محمول. دخلتْ عليه "لا" فصار جزءاً منها، إذاً: معدول الطرفين .. عُدل الموضوع وعُدل المحمول.

أي: هو لا كاتب، فتقدر الرابطة قبل لا الثانية لتكون موجبة، وقد حُكم فيها بعدمي على عدمي.

قال هنا: (ومحصَّلة الموضوع معدولة المحمول نحو: كلُّ إنسان هو لا كاتب).

كل إنسان هذه محصَّلة الموضوع، معدولة المحمول لا كاتب، وأتى هنا بالرابطة "هو" للدلالة على الإيجاب قال العطار: (صرَّح الشارح بالرابطة بخصوص هذا المثال ليحصُل الفرق بين المعدولة المحمولة والسالبة البسيطة.

لأنها إذا قُدِّرت سالبةً تؤخَّر أداةُ الربط عن السلب.

ص: 26

والحاصل: أنه إذا ذُكِرت الرابطة لا اشتباه، وعند حذفِها تصلح المادة أن تكون معدولة المحمول وسالبة؛ بحسب تقدير الرابط قبل السلب وبعده، وهما مختلفان في المفهوم .. ) إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.

قال هنا: (ومحصَّلةُ الموضوع معدولة المحمول نحو: كل إنسان هو لا كاتب؛ لأن كل إنسان وجودي، حُكِم عليه بأمرٍ عدَمي "لا كاتب".

ومحصَّلة المحمول المعدولة الموضوع نحو: كل لا حيوان جماد؛ لأن جماداً وجوديٌ حُكِم به على أمرٍ عدمي.

والسالبة أيضاً إما محصَّلة أو معدولة) يعني: التقسيم السابق كلُّه للموجبة، والتقسيم الآتي كالسابق لكنه يكون سالبة.

(والسالبة أيضاً أي: في الانقسام إلى الأقسام الأربعة.

وحينئذٍ تكون جميعُ الأقسام ثمانية على التفصيل الذي ذكره المحشي؛ لأن محصَّلة الطرفين قِسمٌ، ومعدولتهما قسمٌ آخر فهذان قسمان.

ومحصَّلة الموضوع معدولة المحمول، وبالعكس فالأقسام أربعة).

طرفان .. الأول دون الثاني، الثاني دون الأول.

(ومحصَّلة الموضوع معدولة المحمول، وبالعكس فالأقسام أربعة، وكلٌ منها إما موجبة أو سالبة.

وقد ذكر الشارح جميع الأقسام، ومن أخذ بالظاهر جعلَها اثني عشر قسماً وكأنه لم يتفطن لاندراج بعض الأقسام في بعض).

لا. هو قال: اثنا عشر، ثم قال: وترجع إلى ثمانية، لا إشكال.

هو الأصل أنها اثنا عشر، لكن دخل بعضُها في بعض والتنصيص عليه مهم، وحينئذٍ صارت أو آلت إلى الثمانية.

(والسالبة أيضاَ إما محصَّلة أو معدولة، وكلٌ منهما) المحصَّلة والمعدولة.

(إما بطرفيها، أو بالموضوع فقط، أو بالمحمول فقط.

فمحصَّلة الطرفين نحو: الإنسان ليس بكاتب) الإنسان مُثبَت غير منفي، كاتب مُثبت غير منفي، إذاً: هذه محصَّلة طرفين: الموضوع والمحمول.

(لأن طرفيها وجوديان، وقد سُلب فيها أمرٌ وجودي عن أمرٌ وجودي.

ومعدولتُهما -أي: الطرفين- كلُّ ما كان غير كاتبٍ ليس غير ساكن الأصابع).

كل ما كان غير كاتب ليس .. "ليس" هذه التي دخلت على النسبة.

"غير ساكن الأصابع" هذا المحمول، "غير" هذه أداة سلب. إذاً: كلٌ منهما مسلوب.

(لأنه سُلِب فيه أمرٌ عدمي عن أمر عدمي).

(سُلِب فيه أمرٌ عدمي) الذي هو: غيرُ ساكن الأصابع.

(عن أمر عدمي) هو غير كاتب.

"كل ما كان غير كاتبٍ" هذا الموضوع، "غير ساكن الأصابع" هذا المحمول.

إذاً: سُلِب عدمٌ عن عدم، و"ليس" هي أداة السلب للنسبة.

(لأنه سُلِب فيه أمرٌ عدمي عن أمر عدمي.

ومحصَّلة الموضوع المعدولةُ المحمول نحو: الإنسان ليس) هذا دخلت على النسبة (غيرَ كاتبٍ) غير كاتب محمول هذا منفي.

(فحرفُ السلب الثاني) الذي هو "غير" جزءٌ من المحمول، "ليس" هذه دخلت على مركَّب، صار كأنه كلمة واحدة وهي غير كاتبٍ.

فحينئذٍ "غير" جزء من المحمول مثل: أقومُ ونقوم صارت حرف المضارعة جزءاً من الفعل المضارع، (حرفُ السلب الثاني وهو غير جزءٌ من المحمول.

وبه صار المحمول عدمياً والأول) الذي هو ليس .. ليس غير.

(خارجٌ عن المحمول، وهو الدال على قطع النسبة بين الطرفين).

قال: (ومحصَّلةُ المحمول معدولةُ الموضوع).

(محصَّلة المحمول) يعني: غير منفي.

(معدولةُ الموضوع) يعني: منفي الموضوع.

ص: 27

(نحو: كلُّ ما ليس بحيوانٍ ليس بإنسان) أين الموضوع؟ ليس بحيوان، بإنسان هذا المحمول باقٍ على أصله، فقد حُكِم بنفي وجودي عن عدمي.

المحصَّلة هي التي لم يدخل حرف السلب على الموضوع ولا على المحمول، وإنما دخل على الأصل وهو النسبة.

والمعدولة عُدل بحرف السلب عن دخوله على النسبة فدخل على الموضوع، فصار جزءاً منه، ودخل على المحمول فصار جزءاً منه، وحينئذٍ تأتي القسمة المذكورة: إما أن يكون كلٌ منهما معدولاً .. طرفان، وإما أحدُهما: المحمول دون الموضوع أو الموضوع دون المحمول. والأمثلة ما ذُكِر، فهي واضحة بيِّنة.

قال الشارح هنا: (ومرادُهم عند الإطلاق بالمحصَّلة) إذا قيل: هذه محصَّلة ما المراد؟

قال: (ما لا عُدول فيها أصلاً) مع أنه فيما سبق فصَّل قال: (محصَّلة الموضوع معدولة المحمول، محصَّلة المحمول معدولة الموضوع) لكن هذا عند الفحص والتعليل.

لكن إذا أُطلقت عندهم فالمراد بالمحصَّلة محصَّلة الطرفين، وأما إذا كانت معدولة أحد الطرفين فهي معدولة.

فـ"لا إنسان جمادٌ" مثلاً، هذه تسمى معدولة لا نقول: محصَّلة المحمول معدولة الموضوع لا، وإنما نقول: محصَّلة. هذا الذي عناه الشارح هنا، وينتقده المحشي.

قال: (ومرادهم عند الإطلاق بالمحصَّلة: ما لا عدول فيها أصلاً) وهي محصَّلة الطرفين.

(وبالمعدولة) المراد بها عندهم إذا أُطلقت (ما فيها عدولٌ –مطلقاً-، سواء كانت بطرفيها -الموضوع والمحمول- أم بأحدهما دون الآخر) فتسمى معدولة.

هنا قال: (ومرادُهم عند الإطلاق بالمحصَّلة: ما لا عدول فيها.

رُدَّ بأن اصطلاحهم أن المحصَّلة إذا أُطلقت فالمراد بها محصَّلة المحمول، سواءٌ كان موضوعها محصَّلاً أو معدولاً، وأن المعدولة إذا أُطلقت انصرفت لمعدولة المحمول سواءٌ كان موضوعُها محصَّلاً أو معدولاً) وهذا مذهبٌ لبعضهم.

وحينئذٍ إذا أُطلقت المحصَّلة يُنظر لمذهب المصنف هل المراد بها الإطلاق السابق أو أراد به شيئاً آخر.

قال رحمه الله تعالى: (واعلم أن الموجبة محصَّلةً كانت أو معدولةً تقتضي وجود الموضوع بخلاف السالبة).

قال العطار: (قال الدواني في شرح التهذيب: معنى قولهم: صدق الموجبة يستلزم وجود الموضوع) هذا التعبير الذي عبَّر به السابق: أن الموجبة تقتضي وجود الموضوع.

قال: (معنى قولهم: صدقُ الموجبة يستلزم وجود الموضوع، أن صدقها يستلزم وجوده حال ثبوت المحمول له، أو اتحادُه معه في طرف ذلك الثبوت، إن ذهناً فذهناً وإن خارجاً فخارجاً، وإن وقتاً فوقتاً وإن دائماً فدائماً).

يعني: إن قُيِّد بقيد تبِع ذلك الثبوت القيد، وإن أُطلق صار مطلقاً دائماً، فإن قُيّد في الذهن صار في الذهن، وإن قيِّد في الخارج صار في الخارج. لكن لا بد من تلازم بينهما.

قال: (توضيحُه: أن الوجود إما خارجي أو ذهني.

والذهني: إما منظورٌ فيه لحالةِ الحُكم فقط، أو لحالة المحمول).

يعني: إما لحالة الحُكم فقط، أو لحالة المحمول.

(فالوجود الذهني المُعْتَبر حالة إيقاع الحُكم تشترك فيه الموجبة والسالبة) لأن السالبة لا يمكن إدراكُها إلا بإدراك الموجبة أولاً، ولذلك قلنا: الأعدام تُعرِف بملَكَاتها.

ص: 28

(وأما الوجود المنظور فيه لحالة المحمول، فإن كان المحمول ثابتاً في الذهن للموضوع على الدوام فالموضوع ثابتٌ في الذهن، وموجودٌ فيه على الدوام، وإن كان ساعة فساعة.

وهكذا إن كان ثابتاً له في الخارج دائماً أو ساعة كان موجوداً في الخارج دائماً أو ساعة. فالموضوع تابعٌ للمحمول.

فقولُه: الموجَبة تقتضي وجود الموضوع مخرَّجٌ على هذا النحو، فيكون انفرادُه عن السالبة بهذا الوجود).

يعني: الموجَبة تقتضي وجود الموضوع بخلاف السالبة فتقتضي عدم وجود الموضوع، هذا من الفوارق بين النوعين.

ولذلك قال: (بخلاف السالبة أي: فإنها لا تقتضي وجودَه؛ لأن سلب شيءٍ عن شيء يصدُق بعدم المسلوب عنه، بخلاف إثبات شيءٍ لشيء، فإن ما لا ثبوت له في نفسه لا يثبُت له غيرُه) وهو كذلك، إذا نُفي الشيء عن الشيء هو لا يثبت في نفسه، هو غير موجود، فكيف يثبت له شيءٌ آخر؟

(فإن ما لا ثبوت له في نفسه لا يثبُت له غيرُه، لكن تحقُّق مفهوم السالبة في الذهن يستلزم وجود موضوعِها فيه حالةَ الحُكم فقط.

والحاصل: أن انتفاء المحمول عن الموضوع لا يقتضي وجودَه، وإن كان ثبوتُه للموضوع يقتضي وجودَه) هذه قاعدة.

إن كان ثبوتاً اقتضى وجودَه، وإن كان انتفاءً لا يقتضي وجودَه.

(وأما الحُكم بالانتفاء والحُكم بالثبوت فلا فرق بينهما في اقتضاء الوجودي الذهني).

قال هنا: (وكل ذلك مبسوطٌ في المطوَّلات).

نقف على هذا، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 29