الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ:
قال المصنف رحمه الله تعالى: (ومن الاصطلاحات المنطقية)(التَّنَاقُضُ).
وقد أَخذ في بيانه رحمه الله تعالى.
(من الاصطلاحات المنطقية المتعلِّقة بالقضايا) ولذلك يُعبِّر بعضهم: باب القضايا وأحكامِها، والمراد بأحكام القضايا بعد تقسيمها التقسيمات السابقة يبيِّن ما يتعلق بها.
ما يتعلق بها من الأحكام يُذكر في بابين: الباب الأول التناقض، والباب الثاني العكس المستوي.
ونحاول أن نأخذ إن شاء الله هذين البابين.
(ومن الاصطلاحات المنطقية)(التَّنَاقُضُ).
وقد أخذ -يعني: شرع- في بيانه رحمه الله تعالى فقال: (التَّنَاقُضُ: هُوَ اخْتِلَافُ قَضِيَّتَينِ بِالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا صَادِقَةً وَالْأُخْرَى كَاذِبَةً.
كَقَوْلِنَا زَيْدٌ كَاتِبٌ. زَيْدٌ لَيْسَ بِكَاتِبٍ).
(التَّنَاقُضُ) مأخوذٌ من النَّقْض، وهو الإزالة.
فالمناسبة بينه وبين المعنى الاصطلاحي ظاهرةٌ؛ إذ فيه إزالةٌ أيضاً، وقُدِّم على العكس لتوقُّفِ بعض أدلته عليه. كما سيأتي أن إثبات بعض العُكوس يتوقف على التناقض، فإذا توقف عليه حينئذٍ يلزم من ذلك أن نقدِّم التناقض على العكس.
إذاً: لماذا قُدِّم التناقض على العكس؟
نقول: لأنَّ توقُّف بعض أدلة العُكوس مبنيٌ على التناقض.
(ووجهُ الحاجة إليهما) كما ذكره ابن الحاجب -يعني: التناقض والعكس- (أنه لما كان الدليل قد يقوم على إبطالِ الشيء والمطلوبُ نقيضُه.
وقد يقوم على الشيء والمطلوب عكسُه، احتيج إلى تعريفهما.
فمن الأول -يعني: ما يقوم الدليل على إبطال الشيء والمطلوبُ نقيضُه- قولك في قياس الخَلْف: لو لم يكن هذا حيواناً لم يكن إنساناً، لكنه إنسان فهو حيوان. هذا المطلوب لم يقم الدليل ابتداءً عليه، بل على إبطال نقيضه بنفي لازمه، فلزِم صدقُه.
ومن الثاني ما ذكروه في الأشكال الثلاثة غير الأول مِن ردَّها للأول بالعكس).
ولذلك في باب المناظرة -وهذا يحتاجه المُناظِر-: أنه قد يُثبِت قولَه بإبطال نقيض قوله. يعني: لا يتعرض لقوله هو.
ولذلك يُنظر هذا كذلك في كتب الأصول، وفي كتب الفقه أحياناً: أنه إذا أراد أن يبطل قولاً لا يتعرض لقوله، وإنما يأتي لنقيضه فيبطله، فإذا أبطله حينئذٍ تعيَّن قولُه هو.
وكذلك الشأن في العكس.
حينئذٍ لا يبحث في قوله، وإنما ينظر في عكسه فيُثبتُه، فإذا أثبتَه حينئذٍ لزم منه صدق الأصل .. أن يلزم من صدق الأصل صدق العكس، وهذا يستفاد منه في باب المناظرة، وهذا كثيرٌ عند أربابها.
(واعلم أن أنواع التقابل أربعة) التقابل بين الأشياء هي أربعة.
(ودليل الحصرِ: أنَّ المتقابلين إن كانا وجوديين) ليس بين عدمي ووجودي، إنما وجوديان.
(فإن أمكن تعقُّل أحدِهما دون الآخر فضِدان) كالبياض والسواد متقابلان، وجوديان، أمكن تعقُّل البياض دون تعقُّل السواد والعكس، هذا يسمى بالضد فهما ضدان.
(وإلا فمتضايفان) يعني: لا يمكن تعقُّل أحدِهما إلا بتعقُّل الآخر، وهذا مر معنا أنه من باب التضايف (وإلا فمتضايفان كالأُبوة والبنوة.
وإن كان أحدُهما وجودياً والآخر عدمياً، فإن اعتُبر كونُ الموضوع مستعداً للاتصاف بالوجود بعدمٌ وملَكَة -كالعمى والبصر- وإلا فإيجابٌ وسلبٌ وهو التناقض).
إذاً: عندنا هنا في باب التناقض: تقابلٌ بين إيجابٍ وسلبٍ.
والمتقابِلات أربعة: وجود ووجود. وهو ما يسمى بالضدين.
ثم قال: (المتضايفين، ثَم الملَكَة والعدم) التي هي العمى والبصر مثلاً.
(ثم السلب والإيجاب، ولكن هذا الدليل) مشهور عند المناطقة.
(ولكن هذا الدليل - قال العطار-: مبنيٌ على أن المتقابلين لا يكونا عدميين) وإنما بين وجود ووجود أو وجود وعدم، وأما عدميين فلا.
(قال التفتَزاني: ولا دليل على ذلك، كيف وقد أطلق المتأخرون على أن نقيض العدمي قد يكون عدمياً. كامتناع ولا امتناع، والعمى ولا عمى بمعنى رَفْع العمى وسلبِه أعم من أن يكون باعتبار الاتصاف بالبصر أو باعتبار عدمِ القابلية) لكن هذا الذي ذكرناه أولاً هو المشهور عندهم: التقابل أربعة أشياء.
قال: (التَّنَاقُضُ: هُوَ) أي: حقيقتُه.
(اخْتِلَافُ الْقَضِيَّتَينِ) اختلاف هذا جنس شاملٌ للمعرَّف وغيرِه، وإضافتُه إلى القضيتين فصلٌ أخرج به -كما قال هنا- اختلاف قضيتين، اختلاف هذا جنس.
اختلاف قضيتين، اختلاف مفردين، اختلاف قضية ومفرد. دَخَلَت في الاختلاف؛ لأنه جنس فيشمل الجميع.
(أضافه إلى ما بعده فصار فصلاً فخرج به) كما قال الشارح هنا (خرج به اختلافُ مفرَدين يعني بالإيجاب والسلب نحو: زيد لا زيد، أو بغيرهما) بغير السلب والإيجاب (نحو: السماء والأرض) متقابلان .. متغايران.
(هذا هو المشهور بين المنطقِيِين) يعني: اختلاف قضيتين خرج به اختلاف مفردين.
حينئذٍ لا يقع التناقض بين المفردين وإنما التناقض وصفٌ للقضية، فيقع بين قضيتين لا يقع بين مفردين.
قال المحشي هنا: (هذا هو المشهور بين المنطقيين).
قال العطار: (اقتصروا على تعريف تناقض القضايا لأنه المقصود بالنظر، والمنتفع به في القياسات بناءً على أن التناقض يجري في غير القضايا كما يُفهِمه قولهم في عكس النقيض: هو تبديل كل واحدٍ من طرفي القضية بنقيض الآخر، والطرفان مفردان نحو: كل لا حيوان لا إنسان) هذا عكس ماذا؟ نقيض ماذا؟ كل حيوان إنسان، أو كل إنسان حيوان. كل لا حيوان لا إنسان.
إذاً: دخلت لا. دائماً النقيض تُدخِل حرف السلب على نفس اللفظ، لا تأتي بلفظ آخر. زيدٌ نقيضُه لا زيدٌ، وجود نقيضُه لا وُجود، موجود لا موجود، فوق لا فوق .. وهكذا.
فحينئذٍ نقول: هذا يسمى نقيضاً، ومر معنا كذلك في المعدولة أنه يدخل حرفُ السلب على الموضوع، وحينئذٍ يقول: لا جماد، لا حجر.
إذاً: قد يكون النقيض في المفردات، لكن لا يُذكر هنا؛ لأن المفردات ليست من أبحاث المناطقة إنما بحثهم يكون في القضايا فحسب، ولذلك قال هنا:(بناءً على أن التناقض يجري في غير القضايا كما يُفهِمه قولهم في عكس النقيض: هو تبديل كل واحدٍ من طرفي القيضة بنقيض الآخر، والطرفان مفردان نحو: كل لا حيوان لا إنسان، في عكس: كلُّ إنسانٍ حيوان).
الأصل كل إنسان حيوان، نقيضه: كل لا حيوان لا إنسان.
حصل التبديل بالتقديم والتأخير، والموضوع صار محمولاً والمحمول صار موضوعاً، مع إدخاله حرف السلب عليه صار نقيضاً. لا حيوان نقيضُه: حيوان، وحيوان نقيضه: لا حيوان، وإنسان نقيضُه: لا إنسان، ولا إنسان نقيضُه: إنسان. كما مر معنا زوج وليس بزوج.
(في عكس كل إنسان حيوان) هذا هو المشهور.
(وذهب السعد إلى أن التناقض لا يجري في المفردات) لا يقع، القول الأول: أنه يقع لكن لا يتعرضون له في باب التناقض لأنه ليس من مباحثهم في المفردات وإنما في القضايا.
(وذهب السعد إلى أن التناقض لا يجري في المفردات، بل هو مختصٌ بالقضايا، وأيَّد قولَه بأن المتناقضين هما المفهومان الممتنعان لذاتيهما، ولا تمانُع بين التصورات) وإنما التمانع يقع بين التصديقات، حينئذٍ زيد .. مفهوم زيد .. مفهوم لا زيدٌ. هذا ليس بينهما مُمانَعة؛ لأن الممانعة والمعارضة إنما تقع فيما يُحكم عليه، وهنا ليس عندنا حُكمٌ وإنما عندنا مفهومٌ فقط، والمفهوم لا يُمانِع المفهوم.
قال: (ولا تمانُع بين التصورات، وإنَّ مفهومي إنسان ولا إنسان، لا يتمانعان إلا إذا اعتُبر ثبوتُهما لشيءٍ، فلا يُتصور ورود سلبٍ وإيجابٍ إلا على نسبة).
إذا اعتُبر ثبوتُهما لشيء -إنسان لا إنسان- قلنا بحدِّ ذاته لا يكون تناقضاً على كلام السعد، إلا إذا اعتُبر ثبوتُه لشيء آخر، حينئذٍ نقول: الحيوان إنسان أو الإنسان حيوان. إذاً: حصل تصديق فخرج عن كونه مفرداً، فصار قضية فلا إشكال في كونه يقع التناقض بينهما.
إذاً: قوله: (اخْتِلَافُ قَضِيَّتَينِ) نص على القضيتين لأن بحثَ المنْطِقي في القضايا ولا بحث له في المفردات، سواءٌ قلنا بأن المفردين بينهم تعارُض –تناقض- أو لا، على القولين.
ولذلك قال: (خرج به اختلافُ مفردين، وخرج به اختلاف قضية ومفرد) نحو: زيدٌ وقام عمروٌ.
زيدٌ هذا مفرد، القضية: قام عمروٌ، اختلفا أو لا؟ اختلفا، هذا من قبيل التصور وهذا من قبيل التصديق، بينهما مخالَفة أو لا؟ بينهما مخالفة.
هل يسمى تناقض؟ الجواب: لا. لا يسمى تناقضاً.
(خرج به اختلاف مفردين، وخرج به اختلاف قضية ومفرد).
(بِالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ) الاختلاف بالإيجاب، جار ومجرور متعلق بقوله: اختلاف .. اختلافٌ بالإيجاب والسلب.
(خرج به الاختلاف بغير الإيجاب والسلب، كما لو اختلفت القضيتين بالاتصال والانفصال، بأن تكون إحدى القضيتين متصلة كـ: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، والأخرى منفصلة كالعدد إما زوج أو فرد) اختلفتا أو لا؟ اختلفتا، لكن لا بالسلب والإيجاب، إنما بالاتصال والانفصال. إحدى القضيتين متصلة والقضية الأخرى منفصلة، حينئذٍ وقع بينهما اختلاف لكن لا يسمى تناقضاً.
(وبالكلية والجزئية) كل إنسانٍ حيوان، وبعض الإنسان حيوان. اختلفتا، فحينئذٍ لا نقول بأن هذا الاختلاف يسمى تناقضاً في اصطلاح المناطقة.
(وبالعدول والتحصيل) كقولنا: زيدٌ لا حجَر. بِجَعل حرف السلب جزءاً من المحمول إذا اختلف مع مقابله لا يكون تناقضاً.
(وبالعدول والتحصيل، وبغير ذلك. كالاختلاف بالحملية والشرطية كزيدٌ كاتب، وإن كان زيدٌ أباً لعمروٍ فعمروٌ ابنٌ لزيد، وكأن تكون إحدى القضيتين محصورة والأخرى مهملة ككل إنسان حيوان والإنسان حيوان).
إذاً: هذه أنواع يقع التنازع والاختلاف بين القضيتين في الاتصال والانفصال، والكُلّيّة والجزئية، والعدول والتحصيل .. وغير ذلك، ما عدا السلب والإيجاب) حينئذٍ لا يسمى هذا تناقضاً مع وجود الاختلاف، وإنما يقع التناقض فيما إذا كان بينهما توافق بالشروط الآتية: اتحاد الموضوع والمحمول .. إلى آخره.
بالاختلاف في السلب والإيجاب.
إذاً: محطُّ النظر هو السلب والإيجاب، لكن قوله: بالإيجاب والسلب. هل لو أسقطَه من الحد يفسد الحد أو لا؟
قال السعد: قولُه: بالإيجاب والسلب تحقيقٌ لمفهوم التناقض؛ لأنه إنما يُطلق على هذا الاختلاف .. تحقيقٌ لمفهوم التناقض؛ لأن التناقض إنما يُطلق على هذا الاختلاف، التقابل بالسلب والإيجاب فقط، مع تحقق الوحدات الثمان الآتي ذكرها.
ولو تركه لم يقدح في التعريف .. لو تركه "ما ذكره في الإيجاب والسلب" قال: لم يقدح في التعريف، لماذا؟ لأن الاختلاف بغير الإيجاب والسلب من العدول، والتحصيل، والحصر، والإهمال .. وغير ذلك، ليس بحيث يقتضي لذاته صدق أحدِهما وكذِب الأخرى.
لأن الاختلاف في الكُلّيّة والجزئية قد تكون كلٌ منهما صادقتين، أو كاذبتين. والتناقض هنا لا، يلزم منه صدق إحداهما وكذب الأخرى، ولذلك قلنا فيما سبق في المقدمة: أن المناظِر وهو صاحب القول قد يُثبت قولَه بإبطال نقيض قوله؛ لأنهما متقابلان، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان.
يعني: لا يكون كلٌ منهما صادقاً، ولا يكون كلٌ منهما كاذباً.
إذاً: لا بد وأن يكون بين المتناقضتين أنَّ إحدى القضيتين صادقة والأخرى كاذبة، أما أن يصدقا معاً هذا ليس بتناقض، أو يكذبا معاً هذا ليس بتناقض، بل لا بد من صدق إحداهما وكذِب الأخرى.
إذاً: إذا قيل بالسلب والإيجاب، لا يحصل حقيقة التناقض وهو صدق إحدى القضيتين وكذب الأخرى، إلا مع وجود السلب والإيجاب. وأما ما عدا السلب والإيجاب من التحصيل والعدول، والكُلّيّة والجزئية، والحملية والشرطية .. هذه لا يقع بينها تنافي، بل قد تصدُقا وقد تكذِبا.
ولذلك قال: ولو ترَكَه لم يقدح في التعريف؛ لأن الاختلاف بغير الإيجاب والسلب من العدول، والتحصيل، والحصر، والإهمال .. وغير ذلك، ليس بحيث يقتضي لذاته "لا لأمرٍ خارجٍ عنه" صِدق أحدهما وكذِب الأخرى.
ولذلك قيَّد التعريف هنا بقوله: (بِحَيْثُ يَقْتَضِي الاختلاف لِذَاتِهِ) سيأتي الاحتراز عنه يعني: لا لأمرٍ خارجٍ عنه.
(أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا) أي: إحدى القضيتين.
(بِحَيْثُ يَقْتَضِي) هذه الحيثية هنا تقييد يعني: قيَّد الاختلاف (هُوَ اخْتِلَافُ قَضِيَّتَينِ) اختلاف.
(بِحَيْثُ يَقْتَضِي) هذا الاختلاف -اختلاف القضيتين-.
(لِذَاتِهِ) لا لخارجٍ عنه.
(أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا) أي: إحدى القضيتين.
(صَادِقَةً وَالْأَخْرَى) المقابلة لها (كاذِبَةً. كَقَوْلِنَا زَيْدٌ كَاتِبٌ. زَيْدٌ لَيْسَ بِكَاتِبٍ) اتحدا في الموضوع والمحمول، ثم إحداهما سالبة والأخرى موجبة. فإما أن تصدق الأولى وإما أن تصدق الثانية، وأما أن يصدقا: زيدٌ كاتبٌ بالقوة، زيدٌ ليس بكاتب بالقوة نقول: لا.
وإنما قد ينفكان نعم بالجهة زيدٌ كاتبٌ بالقوة، زيدٌ ليس بكاتبٍ بالفعل. صدقا؟ صدقا، لكن لم يتحدا، ولذلك للتحقق والتناقض شروط فيما يأتي ذِكرُها.
قال هنا: (فإنه صادقٌ بما ذُكر) أي: باختلاف القضيتين المذكورتين في مثال المصنف.
(وخرج بالحيثية المذكورة في قول المصنف: بحيث يقتضي الاختلاف) هذه الحيثية، خرج الاختلاف بالإيجاب والسلب لا بهذه الحيثية.
يعني: قد يكون ثم تقابل بالإيجاب والسلب، ثم هذا التقابل بين قضيتين بالإيجاب والسلب على مرتبتين: الأولى: أنه يقتضي هذا الاختلاف صِدق إحداهما وكذِب الأخرى. وهذا هو التناقض.
الثاني: قد يكون بينهما تقابل لكن قد يصدقا أو يكذبا. وحينئذٍ هذا خارجٌ عنه، ولذلك قال:(وخرج بالحيثية المذكورة في قوله: بِحَيْثُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا صَادِقَةً وَالْأَخْرَى كاذِبَةً) من هذه الحيثية (خرج الاختلافُ) -بالرفع، هذا فاعل خرج-.
(خرج الاختلاف بالإيجاب والسلب) لو وقفتَ إلى هنا ولم تراعي الحيثية، قلت: حصل اختلاف بالإيجاب والسلب، إذاً: تحقَّق التناقض لا، لا بد من الحيثية وهي:(بِحَيْثُ يَقْتَضِي .. ) إلى آخره.
(لا بهذه الحيثية. نحو اختلاف زيدٌ ساكن زيدٌ ليس بمتحرك) لأنهما ليستا متقابلتين.
ولذلك قال: (لأنهما صادقتان) زيدٌ ساكن صادقة، زيدٌ ليس بمتحرك هذه صادقة، مع أنهما تقابلا بالإيجاب والسلب .. الأولى موجبة والثانية سالبة، ومع ذلك ساكن وليس بمتحرك متقابلان يعني: بمعنى واحد، وإن كان بواسطة.
(لأنهما صادقتان أي: إن كانا ساكناً وإلا فكاذبتان.
وعلى كلٍ فليستا متناقضتين؛ لأن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان) وهنا يجتمعان.
(لأنهما صادقتان).
قال: (وبقوله: لذاته. خرج الاختلاف بالحيثية المذكورة لا لذاته بل لأمرٍ خارجٍ).
يعني: حصل تقابل بالإيجاب والسلب، وحصل كذلك صدق إحداهما وكذب الأخرى.
قال هنا: (وبقوله: لذاته. الاختلاف بالحيثية المذكورة لا لذاته. نحو: زيدٌ إنسان زيدٌ ليس بإنسان؛ إذ الاختلاف بين هاتين القضيتين لا يقتضي أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة لذاته، بل بواسطة).
يعني: تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة، لكن لا لذات الإيجاب والسلب مع اعتبار الحيثية المذكورة، وإنما باعتبار شيءٍ آخر .. بواسطة، إما قضية خارجة وإما لكون الأُولى في قوة كذا والثانية في قوة كذا. والمثال سيأتي.
زيدٌ إنسان، زيدٌ ليس بناطق.
قال: (إذْ الاختلاف بين هاتين القضيتين) هما مختلفتان الأُولى: مثبتة .. موجبة، والثانية سالبة (لا يقتضي أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة لذاته، بل بواسطة) يعني: بدليل (أنَّ الأولى -زيدٌ إنسان- في قوة: زيدٌ ناطق، وأن الثانية -زيدٌ ليس بناطق- في قوة: زيدٌ ليس بإنسان) إذاً: حصل بينهما أن إحداهما صادقة والأخرى كاذبة، لكن لا لتلك الحيثية وإنما لأمرٍ خارج.
(أي: بدليل أنك لو بدَّلت ناطق بكاتب مثلاً لم يقتض اختلافُهما كذب إحداهما).
إذاً: زيدٌ إنسان، زيدٌ ليس بناطق. زيدٌ إنسان في قوة زيدٌ ناطق.
زيدٌ ليس بناطق إذاً: كذَبت إحداهُما وصدَقت إحداهُما، هل هو لذات السلب والإيجاب؟ الجواب: لا، وإنما لأمرٍ خارج، وهو أن كل ناطقٍ إنسان.
زيدٌ إنسان، يعني: زيدٌ ناطق. زيدٌ ليس بناطق، كل ناطقٍ إنسان. هذه مقدمة خارجة عن الموجود معنا، حينئذٍ باعتبار هذه الواسطة الخارجة نقول: زيدٌ إنسان في قوة زيدٌ ناطقٌ، حينئذٍ تقابلا زيدٌ ناطق زيدٌ ليس بناطق فاختلفتا، كذَبت إحداهما وصدَقت الأخرى، لكن لا لذات القضيتين وإنما لقضية خارجةٍ عن المراد.
ولذلك قال: (لا يقتضي أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة لذاته، بل بواسطةِ أن الأولى -زيدٌ إنسان- في قوة: زيدٌ ناطق، وأن الثانية في قوة: زيدٌ ليس بإنسان فتقابَلَتَا).
قال هنا العطار: (قوله: لذته. احترز به عن القضيتين المقتضي لصدق أحدِهما وكذب الأخرى، لكن لا نظراً لذاته بل لأجل واسطة أو خصوص مادة).
يعني: لا لذات الكون السلبي أو الاختلاف وقع بالسلب والإيجاب، مع اتحاد الموضوع والمحمول فيما يأتي ذِكرُه من الوحدات الثمان.
حينئذٍ نقول: التقابل هنا قد يكون لذات القضيتين، ولذلك قال:(اخْتِلَافُ قَضِيَّتَينِ بِالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي) يعني: ذلك الاختلاف يقتضي بذاته لا بواسطة ولا لخصوص مادة، يقتضي ماذا؟ صِدق إحداهما وكذِب الأخرى.
طيب. قد يقع اختلاف بينهما سلباً وإيجاباً، وتصدُق إحداهما وتكذِب الأخرى، لكن لا لذات السلب والإيجاب، ولا لذات مادتي القضيتين، وإنما لأمرٍ خارج.
ولذلك قال: (احترازٌ عن اختلاف القضيتين المقتضِي لصِدق أحدِهما وكذب الأخرى) وُجد فيه حقيقةُ التناقض.
(لكن لا نظراً لذاته بل لأجل واسطة أو خصوص مادة.
فالأول -لأجل واسطة-: زيدٌ إنسان زيدٌ ليس بناطق، فإنه إنما اقتضى صدق أحدهما وكذب الأخرى بواسطة أن كل ناطقٍ إنسان) هذه قضية منفكة عن الموجود معنا.
(والثاني -يعني: خصوص المادة- كقولنا: كل إنسانٍ حيوان ولا شيء من الإنسان بحيوان) كل إنسان حيوان صادقة؟ صادقة، ولا شيء من الإنسان بحيوان؟ كاذبة.
إذاً: الأولى موجبة والثانية سالبة.
حينئذٍ هل نقول: هذا تناقُض؟ اختلفتا لكن لا ينطبق عليه حد التناقض.
(وقولنا: بعض الإنسان حيوان وبعض الإنسان ليس بحيوان، فإن أقسام الصدق والكذِب فيها إنما هو لخصوص المادة لا لذات الاختلاف بين الكلِّيتين والجزئيتين، فإن الكُلّيّتين قد يكذِبان).
"قد يكذِبان" ولذلك كل إنسان حيوان، لا شيء من الإنسان بحيوان. قد يكذبان.
(كقولنا: كل حيوان إنسان كاذبة، ولا شيء من الحيوان بإنسان كاذبة) إذاً: كذَبَتَا.
(والجزئيتان قد يصدقان كقولنا: بعض الحيوان إنسان صادقة، وبعض الحيوان ليس بإنسان صادقة. قاله السعد).
قال رحمه الله تعالى: (وَلَا يَتَحَقَّقُ ذلِكَ)(أي: التناقض في القضيتين المخصوصتين أو المحصورتين).
مخصوصتين يعني: شخصيتين .. التقابل بينهما: زيدٌ كاتب زيدٌ ليس بكاتب.
(المحصورتين) الكُلّيّة والجزئية يعني: عنا به الكُلّيّة .. المسوَّرة بسور كُلّي، أو المسوّرة بسور جزئي.
قال هنا: (اقتصر على المخصوصة والمحصورة ولم يَذكر المهملة).
ذَكَر المهملة أو لا؟ ذَكَرَها، كيف دخلتْ؟ لأنه أدرجها في المحصورة بناءً على أنها في قوة الجزئية، وحينئذٍ يراد بالمحصورة حقيقةً أو حُكماً.
إذاً: (وَلَا يَتَحَقَّقُ ذلِكَ) أي: التناقض في القضيتين المخصوصتين أو المحصورتين حقيقةً أو حكماً) يعني: مسوَّرة بسور كُلّي أو كُلّيّة أو إن شئت قل: جزئية، ثم المهملة دخلت كذلك؛ لأنها في قوة الجزئية.
(إِلَاّ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا) أي: القضيتين المختلفتين (في ثمان وحدات).
قال العطار: (ولا انحصار لها في الثمانية) يعني: ليست منحصرة.
(فإن الاختلاف المانع من التناقض قد يكون بغيرها من المتعلِّقات كالأحوال، والظروف، والمفعولات .. وغير ذلك.
فقول: زيدٌ كاتب أي: بالقلم العربي، زيدٌ ليس بكاتب أي: بالقلم الهندي).
زيدٌ كاتب، زيدٌ ليس بكاتب يعني: بالفعل .. زيدٌ كاتب بالفعل، زيدٌ ليس بكاتب بالفعل، كلٌ منهما صادقة، لكن يكون المنوي .. المقدَّر هناك .. المعتبَر: زيدٌ كاتبٌ يعني: بالقلم الهندي أو بالقلم العربي، وزيدٌ ليس بكاتب يعني: بقلم آخر مغاير للسابق.
إذاً: الاعتبار في كونِه كاتباً بكذا أو كاتباً بكذا، حينئذٍ نقول: هذا يجعل القضيتين صادقتين، ولا يكون من باب التناقض.
وهذا المثال أمرٌ زائد عن الثمان المذكورة، فحينئذٍ كيف تُحصَر في ثمان؟ هذا مرادُه.
(زيدٌ كاتب أي: بالقلم العربي، زيدٌ ليس بكاتب أي: بالقلم الهندي.
زيدٌ آكلٌ، زيدٌ ليس بآكل).
زيدٌ آكلٌ أي: الخبز، زيدٌ ليس بآكلٍ يعني: اللحم، وكل آكل بالفعل. لا تناقض.
قال: (وكثيراً ما يُنفى الشيء ويُثبَت باعتبارين ولا يحصُل تناقض.
والمحقِّق للتناقض هو اتحاد النسبة الحُكمية حتى يرد السلب والإيجاب، على شيءٍ واحد من جهة واحدة، فهم لم يُريدوا الحصرَ).
لكن لهم مغزى في عدِّها ثمانية، إذا قيل بأنه لم يريد الحصر، إذاً: لماذا يذكرونها؟ هذا لا بد؛ لئلا يهم موهمٌ بأن ثم ما يمكن اعتباره أنه من التناقض وليس بتناقض.
ولذلك قال هو أيضاً: (وفي الحاشية نقلاً عن بعضهم: أن القضيتين يجب أن يكونا متحدَتين من جميع الوجوه ولا يتغايران) لا بد من هذا، وإلا لا يُحكم بالتناقض. لا بد من الاتحاد من جميع الوجوه في المحكوم عليه، والمحكوم به، وفي متعلَّقات الموضوع، ومتعلقات المحمول ..
لا يكون ثَم اعتبار يَجعل ثم مغايرة بين قضيتين وإلا انفكت، وهذا ما يُعبِّر عنه بعضهم بانفكاك الجهة.
قال: (أن القضيتين يجب أن يكونا متحدتين من جميع الوجوه ولا يتغايران، إلا أنَّ في إحداهما سلباً وفي الأخرى إيجاباً، لكن) بعد هذا الاعتبار.
(كثيراً ما يُغفَل عن التغاير، ويُظنُّ في قضيتين أنهما متناقضتان ويُغلَط مثلاً.
قولنا: الخمر مسكر، مع قولنا: الخمر ليس بمسكر. يُظن أنهما متناقضتان، ويُغفل عن عدم الاتحاد بينهما بحسب القوة والفعل).
يعني: مسكرٌ بالقوة ليس مسكراً بالفعل، أو العكس. قدَّر هذا أو ذاك، حينئذٍ نوى الفعل والقوة.
(فظهر أنهم إنما شرَطوا الوحدات الثمانية وغيرَها لدفع اللبس والصون عن الخطأ في أخذ النقيض.
فمن ردَّها إلى ثلاثة أو إلى اثنين أو إلى وَحْدة النسبة الحُكمية فقد غفل عن فهم مقصوده).
يعني: هذا من باب التنصيص لئلا يقع الوهم وقد وقع؛ لأنه كثيراً ما يقع الحكم على القضيتين بأنهما متنافيتان يعني: بينهما تناقض، ولو تأمل المتأمل لوجد أنهما صادقتان مثلاً، حينئذٍ لمَ وقع هذا الخلل؟ لكونه قد غفل أنَّ التغاير قد يكون بالفعل وقد يكون بالقوة. فإذا كان كذلك فلا بد من التنصيص.
قال هنا: (ولا يتحقق ذلك إلا بعد اتفاقهما في ثمان وحدات) إذاً: الثمان هنا ليس له مفهوم، بل قد تزيد على ذلك وقد تنقص عن ذلك.
(في ثمان وحداتٍ).
قال: (فِي المَوْضُوعِ).
(إذ لو اختلفتا فيه نحو: زيدٌ) الموضوع يعني: أن يكون موضوع إحدى القضيتين بعينِه موضوع القضية الثانية، وإلا لو اختلفتا ما صار تناقض.
(فِي المَوْضُوعِ) بأن يكون موضوع إحداهما موضوع الأخرى بعينه.
(إذ لو اختلفتا فيه) في الموضوع (نحو: زيدٌ قائمٌ، بكرٌ ليس بقائم لم تتناقضا؛ لجواز صدقهما معاً أو كذبهما) لأن المحكوم عليه لم يتحد، من أين حصل التناقض؟ لا تناقض.
إذاً: لا بد من اتحاد الموضوع.
(فِي المَوْضُوعِ).
قال العطار: (أعم من أن يكون هذا الاتفاق في اللفظ والمعنى، أو بحسب المعنى فقط. وحينئذٍ فزيدٌ إنسان مناقِضٌ لزيدٍ ليس بشراً).
يعني: المترادف هنا له دورٌ أم لا؟ له دور كما هو، لا يُنظر إلى كون هذا اللفظ مغاير للفظ لا، اتحدا في المعنى؛ إذ المقصود المعاني.
فإذا قيل: الإنسان ناطق، البشر ناطق. فحينئذٍ الإنسان ناطق البشر ليس بناطق متناقضتان؟ متناقضتان، طيب. هذا بشر وهذا إنسان، نقول: عينُه. والاختلاف هنا لا أثر له البتة.
(أعم من أن يكون هذا الاتفاق في اللفظ والمعنى، أو بحسب المعنى فقط. وحينئذٍ فزيدٌ إنسان مناقضٌ لزيدٍ ليس بشراً، والإنسان ناطقٌ مناقض للبشر ليس بناطق. وكذا يقال في بقية الوحدات).
يعني: المراد مصدق اللفظ، قد يقع ترادف بين المحمولات أو بين الموضوعات، هذا الترادف لا يؤثر، تغايُر اللفظ فقط دون المعنى لا تأثير له، بل يحصل التناقض. وهذا يفيدك في مسائل شرعية.
قال: (وَالمَحْمُول) (بأن يكون محمول إحداهما عين محمول الأخرى.
إذ لو اختلفتا فيه) يعني: في المحمول (نحو: زيدٌ كاتب وزيدٌ ليس بشاعر لم تتناقضا؛ لاحتمال صدقهما وكذبهما).
(وَالزَّمَانِ)(بأن يكون زمان نسبة إحداهما عين زمان نسبة الأخرى؛ إذ لو اختلفتا فيه) في الزمان (نحو: زيدٌ نائمٌ زيدٌ ليس بنائم) زيدٌ نائم أي: ليلاً، زيدٌ ليس بنائم أي: نهاراً (لم تتناقضا) لا بد من اتحاد الزمن.
(وَالمَكانِ)(إذ لو اختلفتا في المكان بأن يكون مكان نسبة إحداهما هو مكان نسبة الأخرى؛ إذ لو اختلفتا فيه) في المكان (نحو: زيدٌ قائمٌ أي: في الدار، زيدٌ ليس بقائم أي: في السوق لم تتناقضا).
(وَالْإِضَافَة)(أي: النسبة المتوقفة على شيئين بأن يكون نسبة إحداهما عين نسبة الأخرى؛ إذ لو اختلفتا فيها نحو: زيدٌ أبٌ زيدٌ ليس بأب) زيدٌ أبٌ أي: لعمروٍ، زيدٌ ليس بأبٍ أي: لبكرٍ (لم تتناقضا).
(وَالْقُوَةِ وَالْفِعْلِ) يعني: في القوة والفعل لا يُعد بواحدٍ، وإنما يقال: في القوة. هذه وحدة، وفي الفعل هذه وحدة أخرى.
(في الْقُوَةِ)(أي: إمكان الشيء حال عدمِه، بأن يكون النسبة بالقوة فيهما، فإن كانت في إحداهما بالقوة وفي الأخرى بالفعل لم تتناقضا لذلك) للاختلاف، وقع الاختلاف.
فلا بد أن يكون كلٌ من قضيتين قد اتحدتا في القوة: زيدٌ كاتبٌ بالقوة، زيدٌ ليس بكاتبٍ بالقوة. حينئذٍ وقع التناقض، لو اختلفتا: زيدٌ كاتبٌ بالقوة، زيدٌ ليس بكاتب بالفعل ليس بينهما تناقض، لا بد من اتحاد في القوة معاً، وفي الفعل معاً.
الخمر مسكر بالفعل، الخمر ليس مسكر بالفعل. تناقضتا، لو كان إحداهما بالقوة والأخرى بالفعل انفكت الجهة.
(في الْقُوَةِ وَفي الْفِعْلِ)(المراد بالفعل أي: حصول الشيء بأن تكون النسبة بالفعل فيهما، فإن كانت في إحداهما بالقوة في الأخرى بالفعل نحو: الخمر في دنِّها مسكرةٌ بالقوة وليست الخمر في دنها مسكرةً بالفعل لم تتناقضا لذلك).
قال هنا: (وفي القوة والفعل؛ إذ لو اختلفتا فيهما -القوة والفعل- بأن تكون النسبة في إحداهما بالقوة وفي الأخرى بالفعل نحو: الخمر في الدن مسكرٌ أي: بالقوة، الخمر في الدن ليس بمسكرٍ) يعني: وعاء الخمر يسمى الدَّنّ.
(أي: بالفعل لم تتناقضا).
قال: (وَفي الجُزْءِ وَالْكُلِّ) كذلك جمَع بينهما، وهما وحدتان منفكتان.
(وَفي الجُزْءِ)(بأن يكون موضوع إحداهما بمعنى الجزء، وموضوع الأخرى كذلك، فإن كان موضوع إحداهما بمعنى الجزء وموضوع الأخرى بمعنى الكل لم تتناقضا لذلك).
(وَفي الْكُلِّ)(بأن يكون موضوع إحداهما بمعنى الكل، وموضوع الأخرى كذلك، فإن كان موضوع إحداهما بمعنى الكل وموضوع الأخرى بمعنى الجزء لم تتناقضا لذلك).
إذاً: لا بد الاتحاد في موضوع كلٌ منهما جزء وجزء، كل وكل.
وأما إذا اختلفتا بالكُلّيّة والجزئية هذا جزء وهذا كل، فحينئذٍ لا تناقض بينهما.
(وفي الجزء والكل إذا لو اختلفتا فيهما نحو: الزنجي أسود، الزنجي ليس بأسود.
الزنجي أسود أي: بعضُه، الزنجي ليس بأسود أي: كلِّه لم تتناقضا).
الزنجي أل هنا عهدية، فحينئذٍ تكون القضية مخصوصة في الموضعين .. مخصوصتين: الزنجي أسود، الزنجي ليس بأسود.
فحينئذٍ يُحمل على البعض والكُلّيَّة، متى يُحمل على البعض؟
لو كان الأول بعض والثاني بعض تناقضتا، وأما إذا كان إحداهما الزنجي ومرادٌ به الجزء يعني: البعضية، والثاني الزنجي ليس بأسود المراد به الكُلّيّة لم يحصل تناقض، لا بد من الاتحاد.
ولذلك جمعُه في القوة والفعل والجزء والكل. هذا موهِم أنهما يجتمعان معاً في الجزئية والكُلّيّة، وإنما القوة وحدةٌ منفصلة، لا بد الاتحاد بينهما. قوة قوة، وكذلك الفعل وحدة منفصلة عن القوة .. فِعلٌ فعل.
كذلك الجزء، كلٌ منهما جزء، كذلك الكل كلٌ منهما كل.
فحينئذٍ يحصل التناقض، وأما عند التنوع فهذا جزءٌ بعض، وهذا كلٌ. حينئذٍ لم تتناقضا.
ولذلك لو قيل: الزنجي أسود أل للعهد هنا يعني: ليست استغراقية فلا تكن كُلّيّة.
الزنجي أسود أي: بعضه، الزنجي ليس بأسود أي: كلِّه، لم تتناقضا.
قلنا هنا: بأنها عهدية لئلا يقال بأنهما مهملتان ولا تناقض بينهما، لو قيل: أل هنا استغراقية يعني: كل زنجي، فحينئذٍ صارت مهملة والمشهور أن المهملتين لا تناقض بينهما، ففراراً عن ذلك نقول: أل هنا عهدية.
قال: (وَفي الشَّرْطِ)(إذ لو اختلفتا فيه) في الشرط (نحو: الجسم مفرق للبصر أي: بشرط كونه أبيض، الجسم ليس بمفرقٍ للبصر أي: بشرط كونه أسود. لم تتناقضا).
يعني: أن يكون كل جملة مقرونة بشرطٍ، إما أن يكون الشرط منصوصاً عليه أو مفهوماً من خارج.
فإذا اختلفتا باعتبار توقفها على الشرط واختلف الشرط، حينئذٍ لا تناقض بينهما.
(إذ لو اختلفتا فيه) يعني: في الشرط، حينئذٍ (لم تتناقضا).
(نحو: الجسم مفرِقٌ للبصر) مفرقٌ للبصر أي: مُضعِفٌ له.
هكذا قيل في القاموس: وهو مفرق الجسم كمُحسِن قليلُ اللحم، أو سمين ضدٌ وتفرَّق تفرُّقاً ضدُّ تَجمَّع كافترقا.
إذاً: يُحمل على ماذا؟ مفرِقٌ للبصر يعني: مضعفٌ له. ولا نقول: مقلِّلٌ، ما يقال في البصر أنه قليل وإنما يقال: ضعيف.
هكذا قيل في بعض الحواشي أنَّ مُفرِق هنا بمعنى مُضعِف.
(الجسم مفرِقٌ للبصر. واعتُرض على هذا التمثيل ونحوه بأن القضيتين المهملتين لا تناقض بينهما كالجزئيتين؛ لصحة صدقِهما، وإن انتفت الوحدات الثمانية، أجيب بأن المراد بيان المادة -مادة المثال- مع مراعاة شرط الاختلاف في الكم).
يعني: نؤوله بما مر. بأن أل عهدية.
قال هنا: (ورد المتأخرون هذه الوحدات إلى وحدتي: الموضوع والمحمول).
الشرح هذا من ميزاته: أنه يقارن بين المتقدمين والمتأخرين كثيراً، هذه قد لا تجدها، يقارن بين المتقدمين والمتأخرين كثيراً وهذا يدل على ضبط الفن، وأن الكتاب هذا جيد.
ولذلك إذا أردت أن تستوعب كثيراً من المسائل، هنا كثير مر معنا المسائل التي وقع فيها نزاع بين المتقدمين والمتأخرين يعرِّج عليها ويبيِّن.
قال هنا: (ورد المتأخرون هذه الوحدات –الثمان- إلى وحدتي: الموضوع والمحمول) فقط، لماذا؟ ليس جهلاً أو تجاهلاً للبقية لا، وإنما من باب تقليل العدد، فأدخلوا بعضها في بعض فجعلوها محصورة في اثنين؛ لا أنه يُتخلى عنها لا، يشترطون الزمن والقوة والفعل والشرط والجزء والكل.
لكن قالوا: بعضها يدخل تحت بعض، فلا نحتاج إلى أن نقول ثمانية نقول: هما اثنان وبعضها يدخل تحت الموضوع، وبعضها يدخل تحت المحمول.
قال هنا: (ورد المتأخرون هذه الوحدات إلى وحدتي الموضوع والمحمول؛ لاستلزامهما البقية.
أي: لأن وحدة المحمول تستلزم وحدة الزمن، أو الزمان والمكان والقوة، أو الفعل والإضافة؛ لأن النوم ليلاً غير النوم نهاراً، والنوم في البيت غير النوم في المسجد، والمسكر بالقوة غير المسكر بالفعل، وأُبوَّة زيد غير أبوَّة عمرو.
واستلزام وحدة الموضوع وحدة الشرط والكل أو الجزء؛ لأن الجسم بشرط كونه أبيض غير الجسم بشرط كونه أسود، والكل غير الجزء.
وهذا المذهب -بردِّها إلى اثنين- هو الذي اختاره الفخر الرازي) كما نص على ذلك العطار.
(وقيل: الفخر ردها إلى ثلاثة) قيل: أن هذا المذهب المشهور مذهب الرازي، ورد الثمان إلى وحدتي الموضوع والمحمول.
(وقيل: ردها إلى ثلاث: وحدة الموضوع والمحمول وزاد الزمان.
وجعل وحدة الشرط والكل والجزء داخلتين في وحدة الموضوع.
وجعل وحدة المكان والقوة والفعل والإضافة داخلة في وحدة المحمول.
وأُلزم الفخر رجوع وحدة الزمان أيضاً إلى المحمول كالمكان؛ إذ هما متلازمان.
ولذا ردَّ كثيرٌ من المتأخرين الجميع إلى وحدة الطرفين).
لكن هذا باعتبار أنه قول آخر للفخر، وإلا المشهور هو الأول أنه ردهما إلى وحدتي الموضوع والمحمول.
قال السعد في شرح الشمسية فيما ردَّها إلى اثنتين -الموضوع والمحمول-: (وفيه نظر؛ إذ لا يصح على إطلاقه؛ لأنه إذا عُكست القضايا انعكس الأمر، وصارت وحدة الشرط والكل والجزاء راجعة لوحدة المحمول، والبواقي إلى وحدة الموضوع.
فالأَولى القول برجوع جميع هذه الوحدات إلى وحدتي الموضوع والمحمول من غير تخصيص، بل الأصوب) هذا الشاهد.
(بل الأصوب الاكتفاء بوحدة النسبة الحُكمية) هم يعلمون ذلك، أنها متداخلة، لكن ينصون عليها من باب إيضاح الموضَحات فقط؛ لأنه إذا قال: إلى وحدة النسبة الحُكمية، تَرجِع الثمان إلى وحدة النسبة الحكمية.
فلو قيل: أنه يُشترط التقابل هنا، أو اشتراط الاتفاق في وحدة النسبة الحكمية، حينئذٍ يغيب عن الذهن الجزء والكل، ويغيب عن الذهن القوة والفعل، والزمان، والمكان .. إلى آخره، وإذا غاب عن الذهن شيء حينئذٍ وقع الوهم والغلط، دفعاً لهذا الوهم والغلط نصّوا على أنها ثمانية، كلما قرأ أنها ثمانية واستحضرها حينئذٍ يستحضر ما آلت إليه.
قال هنا: (وردَّها بعضهم إلى وحدة واحدة وهي وحدة النسبة الحكمية) وهذا قلنا أن الذي صوّبه السعد.
(حتى يكون السلب وارداً على النسبة التي ورَد عليها الإيجاب؛ لأنه إذا اختلف شيءٌ من الثمان اختلفت النسبة) وإذا كان كذلك إذاً: المحطة يكون على النسبة، هي محطة البحث.
(ومتى لم تختلف النسبة لم يختلف شيءٌ من تلك الأمور بحُكم عكس النقيض).
يعني قال هنا: إذا اختلف شيءٌ من الثمان اختلفت النسبة، والعكس "عكس النقيض": متى لم تختلف النسبة لم تختلف الثمان.
(وكالموضوع والمحمول في الحملية المقدَّمُ والتالي في الشرطية، فيُشترط اتفاق الشرطيتين فيما ذُكِر) يعني: الثمانية المتقدِّمة .. الوحدات.
(لكن يُعبَّر بدلَ الموضوع والمحمول بالمقدَّم والتالي).
يعني: الاتحاد في الموضوع تقول: الاتحاد في المقدَّم، الاتحاد في المحمول تقول: الاتحاد في التالي .. وهكذا.
هذا كله يتعلق في تحقيق حقيقة التناقض (اخْتِلَافُ قَضِيَّتَينِ بِالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي) ذلك الاختلاف صدق إحداهما وكذب الأخرى، في الاتفاق بهذه الثمانية الأمور.
قال: (ثم بيّن ما يناقض كلاً من الموجبة والسالبة).
يعني: المصنف شرع في بيان ما يتعلق بالنقيض .. نقيض الموجبة الكُلّيّة كذا، ونقيض الموجبة الجزئية كذا. يعني: بدأ وشرع في ذلك.
قال العطار: (لا يخفى شمول الموجبة والسالبة للشخصية. ولم يذكرها في هذا البيان) يعني: فيما سيأتي، إنما ذكر المحصورات فقط التي هي الكُلِّيّات الموجَبة والسالبة، والجزئيات التي هي الموجبة والسالبة.
الكُلّيّتين والموجَبتين، لم يذكر الشخصية.
(لا يخفى شمول الموجبة والسالبة للشخصية مع كون قوله: ثم بيّن ما يناقض كلاً من الموجبة والسالبة) دخلت الشخصية؟ دخلت الشخصية، زيدٌ كاتب زيدٌ ليس بكاتب. دخلت، لكن ما ذكَرها، نسيَها؟ لا ما نسيها.
قال: (ولم يذكرها في هذا البيان فكان الأولى أن يقول: ثم بيّن تناقض المحصورات) ما دام أنه لم يذكر الشخصية.
(والجواب: أنه أراد الموجبة والسالبة من المحصورات) فقط ولم يرد الشخصية فلم تدخل.
(وقرينة الحمل على ذلك سبقُ بيان الموجبة والسالبة الشخصيتين.
ولذلك لم يذكرها هنا اكتفاءً بذكرها سابقاً في تمثيل التناقض بعد تعريفه بقوله: زيدٌ كاتب زيدٌ ليس بكاتب) يعني: زيدٌ كاتبٌ زيدٌ ليس بكاتب. ذكَره في المتن، هذا جاء بمثال لشخصيتين: سالبة وموجبة.
حينئذٍ أراد بمثالٍ يتحقق فيه التناقض، إذاً: يقع التناقض بين الشخصيتين، فاكتفى بذلك عن أن يُعيد مرة أخرى ويبيِّن أن الشخصيتين يكون فيها التناقض بكذا وكذا.
قال: (ولذلك لم يذكرها هنا اكتفاءً بذكرها سابقاً في تمثيل التناقض بعد تعريفه بقوله: زيدٌ كاتب زيدٌ ليس بكاتب. فإن هاتين شخصيتان متناقضتان.
ولما ذكر أنه لا يتحقق التناقض إلا بعد اتفاق القضيتين في الوحدات الثمان، عُلم أن هذا عامٌ في جميعها) يعني: شمِل الشخصية والمحصورات، الوحدات الثمان في الشخصية والمحصورات.
(وقد انفردت المحصورات بزيادة الاختلاف في الكم) على الكيف، الكيف المراد به السلب والإيجاب، والكم المراد به الكُلّيّة والجزئية.
إذاً: أراد أن يبيِّن ما يتعلق بالمحصورات زيادة على ما مر، كأنه قال: في المحصورات يُشترط الثمان كما يُشترط في الشخصية، لكن يُزاد في المحصورات الاختلاف في الكم، والشخصية ليس فيها كم، ولذلك اكتفى بذكرها سابقاً في المثال ولم يُعِدْها، وإنما خص البيان هنا بالمحصورات.
(وقد انفردت المحصورات بزيادة الاختلاف في الكم، وهو الكُلّيّة والجزئية، زيادة على الاختلاف في الكيف وهو الإيجاب والسلب، المذكور سابقاً لقوله: اختلاف قضيتين في الإيجاب والسلب، ومن ثَم خص البيان هنا بالمحصورات منبِّهاً على اعتبار أمرٍ زائدٍ فيها على المخصوصتين وهو الاختلاف في الكم.
والحاصل: أن الشخصية يكفي في نقيضها التبدُّل بالكيف سلباً وإيجاباً).
يعني: لو قيل: زيدٌ كاتب ما نقيضه؟ لا تقل كاتبٌ زيدٌ .. عكس، وإنما تقول: زيدٌ ليس بكاتب أو ليس زيدٌ كاتبٌ لا إشكال قدَّمت أو أخَّرت.
حينئذٍ النقيض يكون بالتبدُّل في السلب والإيجاب فقط، اختلافُ الكيف.
(وغيرُها) غير الشخصية (لا بد من التبدُّل فيه في الإيجاب والسلب كيف والكم أيضاً، وقد سبق أن المهملة في قوة الجزئية) فهي داخلةٌ في المحصورات.
وحينئذٍ لا بد من كُلّيّة نقيضها موجبة أو سالبة؛ لأنها في قوة الجزئية.
يعني: المهملة في قوة الجزئية إذاً: نقيضُها لا يكون كُلّياً، سالباً في الموجب موجَب في السالب.
قال رحمه الله تعالى: (ثم بيَّن ما يناقض كلاً من الموجبة والسالبة فقال)(فَنَقِيضُ المُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ إِنَمَا هِيَ السَّالِبَةُ الجُزْئِيَّةُ).
(إِنَمَا) هذا حَصْر (وجهُ الحصر: أن الإيجاب يناقض السلب لا غير، وأنَّ الكُلّيّة تُناقض الجزئية لا غير) لأنه محصور إما كُلّيّة وإما جزئية لا ثالث، وإذا كان كذلك فإذا ثبتت الكُلّيّة حينئذٍ نقيضُها الجزئية، وإذا ثبتت الجزئية نقيضُها الكُلّيّة.
يعني: السور الكلِّي أو الكُلّيّة نقيضُها يكون جزئياً، والجزئية يكون نقيضُها كلياً، والسلب واضح إيجاباً وسلباً. هذا زيادة.
حينئذٍ (المُوجَبَةِ) يقابلها السالبة.
(الْكُلِّيَّةِ) يقابلها الجزئية. ولذلك قال: (هِيَ السَّالِبَةُ الجُزْئِيَّةُ) واضح.
(كَقَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوانٌ) هذه موجبةٌ كُلّيّة.
(وَبَعْضُ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِحَيَوانٍ) هذه جزئية سالبة.
من أين أخذنا الجزئية؟ بعض، السالبة ليس بحيوان.
(وَنَقِيضُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ إِنَّمَا هِيَ المُوجَبَةُ).
السالبة يقابلها موجبة، الكُلّيّة يقابلها جزئية.
(وَنَقِيضُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ إِنَّمَا هِيَ المُوجَبَةُ)(الجزئية)
(كَقَوْلِنَا: لَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِحَيَوانٍ) هذه سالبة كُلّيّة.
(لَا شَيْءَ) هذا السوّر وهو نفيٌ سلبٌ (مِنَ الْإِنْسَانِ بِحَيَوانٍ).
(وَبَعْضُ الْإِنْسَانِ حَيَوانٌ) هذه موجَبة جزئية، نقيضُ السابقة.
قال: (لما يأتي في قوله) عِلَّة للحصرين المذكورين، والذي يأتي هو قوله:(لِأَنَّ الْكُلِّيَّتيْنِ) التعليل.
قال: (وَالمَحْصُورتَانِ)(وفي نسخة: المحصورات والمراد: المحصورتان).
(وَالمَحْصُورتَانِ)(وفي نسخة: المحصورات) ويُحمل الجمع على أقله؛ لأن المراد المحصورتان التقابل هنا.
(لَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ بَيْنَهُمَا) التناقض إنما يكون بين قضيتين، فإذا قيل: محصورات المراد به محصورتين.
(وَالمَحْصُورتَانِ)(هذا إجمالٌ للكلام السابق ذكَره توطئة للدليل المذكور بقوله: لِأَنَّ الْكُلِّيَّتيْنِ .. إلى آخره، وكان المناسب التعبير بالفاء لِعلمِه من سابقه) فالمحصورتان.
(وفي نسخة المحصورات) أي: بصيغة الجمع.
أي: الموجبة الكُلّيّة والجزئية والسالبة كذلك، وأما المهملة فهي في قوة الجزئية.
(والمراد المحصورتان) يعني: من الجمع.
أي: الكُلّيّة والجزئية مطلقاً، وهذا بيانٌ لإجمال ما سبق. كما قال هناك.
إذاً: (وَالمَحْصُورتَانِ لَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ بَيْنَهُمَا)(بعد اتفاقهما في الوحدات السابقة)(إِلَاّ بَعْدَ اخْتِلَافهِمَا فِي الْكَمِّيَّةِ) هذا الذي قلنا: زادَه على ما مر؛ لأنه مما اختصت به المحصورتان.
(لَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ بَيْنَهُمَا)(بين القضيتين المحصورتين بعد تحقق اتفاقهما) قضيتين في الوحدات الثمان السابقة .. الموضوع وما عُطف عليه.
(إِلَاّ بَعْدَ اخْتِلَافهِمَا فِي الْكَمِّيَّةِ) يعني: الكُلّيّة والجزئية.
وحينئذٍ يزاد يعني: من الشروط على ما سبق: إن كانتا محصورتين فلا بد من اختلاف الكُلّيّة والجزئية.
قال هنا: (قولُه: والمراد المحصورتان أي: الكُلّيّة والجزئية مطلقاً، ويحتمل أن يراد المحصورات الأربع: كُلّيّة موجَبة، وسالبة، والجزئية كذلك. وأما المهملة فهي في قوة الجزئية.
وهذا الكلام بيانٌ لإجمال ما سبق، وتتميمٌ له؛ لأنه تضمن شرطين زيادة على اشتراط الاتفاق في الوحدات الثمانية المذكورة السابقة، وهما الاختلاف في الإيجاب والسلب، وفي الكُلّيّة والجزئية.
ولما كان الأول منهما قد تقدم في حدِّ التناقض استغنى بذلك عن زيادة بيانٍ هنا.
وأما الثاني "الكُلّيّة والجزئية" فلما لم يتقدم ذِكرُه احتاج لبيانه هنا؛ لإقامة الدليل عليه.
وإنما قال الشارح: والمراد المحصورتان) يعني: أول المحصورات (لأن التناقض إنما يكون بين قضيتين منها فقط لا بين الأربع).
(وَالمَحْصُورتَانِ)(وفي نسخة المحصورات، والمراد: المحصورتان).
(لَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ بَيْنَهُمَا إِلَاّ بَعْدَ اخْتِلَافهِمَا فِي الْكَمِّيَّةِ)(أي: الكُلّيّة والجزئية، بأن تكون إحداهما مسوَّرة كُلّيّة والأخرى مسوَّرة جزئية، أو ما في حكمها) يعني: الجزئية (وهي المهملة).
قال: (لِأَنَّ الْكُلِّيَّتيْنِ قَدْ تَكْذِبَانِ) يعني: لماذا لا يكون نقيض الكلِّي كُلّي، لماذا عدَلنا .. أراد الدليل يعني: التعليل لماذا؟
لماذا لا نقول: الكُلّيّة الموجبة نقيضُ الكُلّيّة السالبة، لماذا نقول: جزئية، عدَلنا إلى تغيير السور؟ أراد أن يعلِّل.
قال: (لِأَنَّ الْكُلِّيَّتيْنِ قَدْ تَكْذِبَانِ.
كَقَوْلِنَا كُلُّ إِنْسَانٍ كَاتِبٌ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِكَاتِبٌ).
هذه كاذبتان على أن كاتب بالفعل (وَلَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِكَاتِبٌ) بالفعل، وكلٌ منهما كاذبة.
(كُلُّ إِنْسَانٍ كَاتِبٌ) بالفعل يعني، بعض الناس أمي لا يكتب.
(وَلَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِكَاتِبٌ) فحينئذٍ تكذِبان.
قال في الحاشية: (لأن الكليتين قد تكذبان والنقيضان لا يكذبان).
(كَقَوْلِنَا كُلُّ إِنْسَانٍ كَاتِبٌ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِكَاتِبٌ.
وَالجُزْئِيَّتَيْنِ قَدْ تَصْدُقانِ. كَقَوْلِنَا: بَعْضُ الْإِنْسَانِ كَاتِبٌ) بالفعل وهو كذلك.
(وَبَعْضُ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِكَاتِبٍ) بالفعل، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان.
وهذان المثالان للحمليتين.
إذاً: لماذا لا نعدل عن الموجبة الكُلّيّة إلى سالبة كُلّيّة؟ نقول: لأنهما قد تصدقان، وقد تكذبان.
وحينئذٍ انتفى شرط تحقق التناقض، وهو أنهما لا يجتمعان ولا يرتفعان، وهنا قد اجتمعا أو ارتفعا.
ولذلك قال هنا السعد - (لِأَنَّ الْكُلِّيَّتيْنِ) - قال السعد: (لا بد في القضيتين مع وحدة الموضوع والمحمول من الاختلاف بالكمية؛ لجواز صدق الجزئيتين -الجواز عقلاً وقد وقع- مع اتحاد الموضوع والمحمول، في كل مادة يكون الموضوع فيها أعم -يعني: من المحمول- كقولنا: بعض الحيوان إنسان) الحيوان موضوع، إنسان هذا محمول.
أيهما أعم؟ الحيوان وهو موضوع.
إذاً: يكون الموضوع فيه أعم يعني: من المحمول، قد تصدُق في هذا الضابط.
(وليس بعض الحيوان بإنسان) هي السابقة، لكنها سالبة، ليس بعض الحيوان بإنسان صدقت؟ ليس بعض الحيوان بإنسان بل هو فرسٌ مثلاً.
(فإن الموضوع متحدٌ فيهما بحسب ما يُعتبر في مفهوم القضية، أعني بعض الأفراد التي يصدق عليها الحيوان، والتعيين خارجٌ عن مفهوم القضية.
وكذب الكُلّيّتين في تلك المادة كقولنا: كل حيوانٍ إنسان ولا شيء من الحيوان بإنسان).
إذاً: التعليل أن كلاً منهما قد يصدُقان وقد يكذبان، هذا المراد.
قال: (والنقيضان لا يجتمعان).
قال: (هذا في المعنى من تتِمَّة قولِه: لِأَنَّ الْكُلِّيَّتيْنِ .. إلى آخره.
لأنه لو حصل بينهما تناقض لم يرتفعا وقد ارتفعا.
فكَذِبُهُما أي: ارتفاعهما دليل عدم تناقضهما، وكذلك الجزئيتان لو كان بينهما تناقض لم يجتمعا وقد اجتمعا في الصدق، فدل ذلك على عدم التناقض بينهما).
إذاً: لا يقع التناقض بين كُلّيّتين إحداهما سالبة وموجبة؛ لأنهما قد يصدقان وقد يكذبان، وكذلك لا يقع التناقض بين جزئيتين إحداهما سالبة والأخرى موجبة؛ لأنهما قد يصدقان وقد يكذبان.
وكلٌ منهما منافٍ لحقيقة التناقض؛ إذْ هما لا يجتمعان ولا يرتفعان.
هذا التعليل فيما مر.
قال: (وهذان المثالان للحمليتين، ومثال الشرطيتين) يعني: التناقض كما يقع في الحمليتين يقع كذلك في الشرطيتين.
قال هنا: (أي: اللتين بينهما تناقض) أطلق المصنف (ومثال الشرطيتين) ليس مطلقاً، إنما ما تحقق فيهما ما سبق. يعني: متناقضتين.
(أي: اللتين بينهما تناقض من المتصلتين الاتفاقيتين) أَخذاً من مثاله.
(ومثالهما في اللزوميتين المتصلتين قولنا مثلاً: كلما كانت الشمس طالعةً فالنهار موجود، ليس كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود) نقيضُها.
(ومثالُهما في المنفصلتين دائماً إما أن يكون العدد زوجاً أو فرداً، ليس دائماً إما أن يكون العدد زوجاً أو فرداً) متناقضتان.
(ثم إنَّ شرْط تناقض الشرطيتين: أن يتخالفا في الكيف والكم، ويتوافقا في الجنس أي: الاتصال والانفصال) يعني: المتصلة تُناقض المتصلة، والمنفصلة تناقض المنفصلة.
والنوع أي: اللزوم، والعناد الحقيقي، ومنعِ الجمع، ومنعِ الخلو، والاتفاق. لا بد أن يكون كلٌ منهما إما: حقيقية وحقيقية، أما حقيقية ومانعةُ جمعٍ فقط لا تناقُض بينهما.
لا بد من الاتحاد: اتفاقية اتفاقية، لزومية لزومية، متصلة متصلة، منفصلة منفصلة، مانعة جمعٍ وخلو مانعة جمعٍ وخلو، مانعة جمعٍ فقط مانعة جمعٍ فقط، مانعة خلوٍ فقط مانعة خلوٍ فقط .. لا بد من الاتحاد.
(ومثال الشرطيتين: كلما كان الإنسان كاتباً فالحمار ناهق، ليس كلما كان الإنسان كاتباً فالحمار ناهق) متقابلتان، أيهما نقيض الأخرى؟ كلما كان الإنسان كاتباً فالحمار ناهق. هذه متصلة أو لزومية أو اتفاقية؟ هذه اتفاقية.
ليس كلما كان الإنسان كاتباً فالحمار ناهق، ليس بينهما تلازم.
قال: (والمهملتان في قوة الجزئيتين).
لماذا قال: مهملتان؟ عندهم يقال المهملة في قوة الجزئية. قال: المهملتان.
لأن التناقض لا يتحقق إلا بقضيتين.
قال: (والمهملتان في قوة الجزئيتين).
المهملتان أي: الموجبة والسالبة في قوة الجزئية.
(أي: فكما لا يكون بينهما تناقض لا يكون بين المهملتين كذلك، كما مرت الإشارة إليه).
قال هنا: (والمهملتان في قوة الجزئيتين) يعني: لا يقع بينهما تناقض؛ لأنه ثبت عندنا كليتين لا يقع بينهما تناقض، جزئيتين لا يقع بينهما تناقض. إنما التناقض بين كُلّيّة وجزئية مع شرط السلب وما مضى.
جزئية وكُلِّيَّة، كُلّيّة وجزئية. أما جزئية وجزئية لا يقع بينهما تناقض.
إذاً: إذا وقع مهملتان متقابلتان لا يقع بينهما تناقض؛ لأنهما مثل تقابُل الجزئيتين.
(كما مرَّت الإشارة إليه) يعني: فيما مضى.
قال هنا: (والمهملتان في قوة الجزئيتين أي: الموجبة والسالبة، فنقيض المهملة كُلّيّةٌ سالبة، ونقيض المهملة السالبة كُلّيّةٌ موجبة) وهو كذلك صحيح؛ لأنه في قوة الجزئية، فنقيضها حينئذٍ -إذا كانت مهملة موجبة- نقيضها كُلّيّة سالبة، وإذا كانت سالبة مهملة حينئذٍ نقيضها موجبة كُلّيّة .. العكس بالعكس.
قال رحمه الله تعالى: (ومن الاصطلاحات المنطقية المتعلقة بأحكام القضايا)(الْعَكْسُ).
وكما مر معنا أن التناقض قدَّمه لأن بعض أدلة العكس مبني على التناقض، لا بد من تحقُّق التناقض عَكْس النقيض.
قال: (الْعَكْسُ)(وهو ثلاثة أقسام).
قال هنا: (احتِيج إليه للاستعانة به على تمييز صادق القضايا من كاذبها، ولأنه قد يعسر الاستدلال على صدق الشيء أو كذِبه، فيقام الدليل على صدق عكسه).
نعم. هذا من المهمات .. نعتني به، وهو أنه قد يكون عندك شيءٌ من القصور في إثبات دليل قولك أنت، فحينئذٍ تقيم الدليل على صدق العكس؛ لأنه إذا صدق العكس صدق أصلُه.
ولذلك قال هنا: (قد يعسُر الاستدلال على صدق الشيء أو كذِبه، فيقام الدليل على صدق عكسِه أو كذِبه).
فإذا تكلَّم متكلم وأردتَ أن تبطل قولَه، قد لا تتعرض إلى قوله، وإنما تتعرض إلى عكس قوله فتُبطل العكس، يستلزم بطلان الأصل.
والعكسُ بالعكس: أن تُثبت صدق عكس قولك، فحينئذٍ يثبُت قولك. هذا في باب المناظرات.
قال: (وأخَّرَه عن التناقض المحتاج إليه لذلك أيضاً، لأن التناقض أقوى منه في ذلك؛ لقوة دلالة صدق النقيض على كذِب نقيضه.
وبالعكس ضرورة استحالة اجتماع النقيضين وارتفاعِهما، بخلاف دلالة العكس فإنها من باب دلالة صدق الملزوم على صدق لازمه).
صدق الملزوم يعني: الأصل، صدَق لازمه يعني: العكس.
فإذا صدَق الأصل صدَق العكس، من غير عكس، ونفي اللازم على نفي ملزومه، نفي اللازم يعني: بطلان العكس، على نفي الملزوم الذي هو الأصل.
قال هنا: (الْعَكْسُ).
قال: (وهو ثلاثة أقسام).
قال العطار: (لم يكن عند القدماء إلا قسمان) القسمة ثنائية لا ثلاثية.
عكسُ المستوي وعكس النقيض .. المستوي وعكس النقيض فقط، أما الخلف هذا لم يكن.
(وعرَّفوا النقيض بالموافِق خاصة، وبيَّنه بطريق الخُلْفِ) أو الخَلْفِ.
(وبنَوا هذا الطريق على أن السالبة المعدولة تستلزم الموجَبة المحصَّلة، واعترض عليهم المتأخرون بأن السالبة المعدولة أعم من الموجبة المحصَّلة، وصِدق الأعم لا يستلزم صدق الأخص).
ولهذا عدلوا عنه إلى عكس النقيض المخالف لانضباطه وسلامته من الإيراد.
ثم منهم من اقتصر عليه كصاحب الشمسية وغيرِه، ومنهم من جمع بينهما تتميماً للفائدة كالسنوسي في مختصره والمصنف اقتصر على المستوي، وذكر الشارح القسمين تتميماً للفائدة.
لكن إذا أُطلق العكس أرادوا به المستوي .. في المنْطِق هنا إذا قيل: (الْعَكْسُ) هكذا أطلق المصنف، فأل هنا عهدية للعهد الذهني، المراد به العكس المستوي وهو الذي عرَّفه فقط.
ويُذكَر الطرفان الآخران من باب تتميم الفائدة.
قال: (الْعَكْسُ) قال: (وهو ثلاثة أقسام:
الأول: عكسُ النقيض الموافق) يعني: يسمى عكس النقيض الموافق، الموافق هذا نعت لعكس، ولذلك ترفعُه (عكسُ النقيضِ الموافقُ) ولذلك قال: نعتُ عكس يعني: ترفعُه.
عرَّفه قال: (وهو تبديل الطرف الأول من القضية بنقيض الثاني منها، وعكسُه مع بقاء الصدق والكيف) أي: السلب والإيجاب.
(وهو تبديل) استعمال العكس هنا بالمعنى المصدري (تبديل) الذي هو المعنى الحقيقي له، إلا أن المناسب لكون الكلام في الأحكام المتعلقة بالقضايا وأن ذلك من الاصطلاحات الجارية بينهم تفسيرُه بالقضية ذات التبديل.
يعني: العكس هو قضية ذات تبديل، وأما تبديل هذا المعنى المصدري. صحيح لا إشكال فيه، لكن الأنسب أن يقال: تفسيرُه بالقضية ذات التبديل لأن الأحكام هي القضايا.
(تبديلُ الطرف الأول) ما هو الطرف الأول؟ الموضوع أو المقدَّم.
(من القضية) الحملية أو الشرطية، ولذلك قال المحشي:(ذات الترتيب الطبيعي حملية كانت أو متصلة احترازاً عن المنفصلة) المنفصلات لا عُكُوس لها.
(فإنَّ عَكْسَها لا يؤثر في معناها وهو العناد، فليس في أحد طرفيها ما يقتضي كونَه مقدماً أو تالياً).
ولذلك بعضهم لا يسمي الأول مقدَّم والثاني تالي، وإنما يقول: هذا خاصٌ بغير المتصلة.
فقولك: العدد إما زوجٌ أو فردٌ، كقولك: العدد إما فردٌ أو زوجٌ. لا فرق بينهما.
(بخلاف الحملية والمتصلة، فإن رُتبةَ الموضوع والمقدَّم التقدُّم والاستدعاء) التقدُّم في الموضوع، والاستدعاء يعني: الاستلزام في المقدَّم.
(ورُتبة المحمول والتالي التأخُّر، وكونُه تابعاً فيؤثر عكسُهما في معناهما).
إذاً: تبديل الطرف الأول "المقدَّم أو التالي" من القضية الحملية أو الشرطية المتصلة.
يعني: احترازاً عن المنفصلة، فلا تتأتى هنا.
(بنقيض) عرَفنا النقيض، النقيض زِدْ "لا" أو حرف السلب على المفرد.
هنا عندنا مفردات، ولذلك قلنا هناك: اختلاف قضيتين احترازاً عن اختلاف مفردين، اختلفوا في المفردين هل بينهما تناقض أو لا؟
هنا يأتي هذا شاهدٌ لما قيل بأنه يكون ثَم تناقض بين المفردين، تقول: إنسان لا إنسان، حيوان لا حيوان .. إذاً: جئت بنقيضه، كيف نقول: النقيض لا يدخل المفردات، وإنما هو خاصٌ بالقضايا، ونأتي بالنقيض هنا. هذا محل إشكال.
فيلزم أن يقال: بأن النقيض قد يدخل المفردات، بل يدخل المفردات، ولكن باب التناقض خاص باختلاف القضيتين؛ لأنَّ بحث المنطقي يتعلق بالقضايا فقط ولا يتعلق بالمفردات.
لكن إذا وقع المفرد في ضمن القضية بأنه يؤتى بنقيضه، لا بد من التسليم بأن المفرد له نقيض. وهو كذلك.
قال هنا: (تبديل الطرف الأول من القضية بنقيض الثاني).
(بنقيض الثاني) هذا فصلٌ مخرجٌ عكس المستوي.
(بنقيض الثاني) يعني: المحمول أو التالي (منها) يعني: من القضية.
(وعكسُه) هذا فصلٌ مخرجٌ عكس النقيض المخالف، تعرِفه بشرحه فيما يأتي.
(مع بقاء الصدق والكيف) يعني: السلب والإيجاب، هذا المراد بالصدق والكيف.
الصدق أن تكون مطابقة، والكيف المراد به السلب والإيجاب.
يعني: ثلاثة أشياء: الصدق، والسلب، والإيجاب.
وعبَّر عن السلب والإيجاب بالكيف.
(نحوُ: كل إنسان حيوان) نقيضُها: كل ما ليس بحيوان ليس بإنسان. (تبديلُ الطرف الأول من القضية بنقيض الثاني منها، وعكسُه) ماذا صنع هنا؟ كل إنسان حيوان، بدَّل .. جاء بالمحمول محل الموضوع والموضوع محل المحمول، مع التبديل .. تغيير السلب والإيجاب.
يعني: يأتي بالسالب في الموجب والموجب في السالب.
فعندنا هنا: إنسان قال: لا إنسان، حيوان ليس بحيوان.
فقال: (كل ما ليس بحيوان ليس بإنسان) قارنه بالقضية السابقة: كل إنسانٍ حيوان.
جعَل الإنسان الذي هو موضوع جعَله محمولاً، قال: ليس بإنسان وهو نقيضُه.
وجاء بقوله: حيوان الذي هو محمول .. الأُولى .. الأصل، جعَله موضوعاً وهو منفي.
كل ما ليس بحيوان ليس بإنسان، فبدَّل هذه بهذه.
(هذه قضية موجبة معدولة الطرفين) مر معنا المعدولة.
(مشتملة على ثبوت أمرٍ عدمي لأمرٍ كذلك) عدَمي على عدمي، الحُكم هنا مسلَّطٌ عدميٌ على عدمي؛ لأن كلاً من المحمول والموضوع منفي.
(الثاني عكسُ النقيض) إذاً: عرَفنا الأول عكس النقيض الموافق.
(تبديل الطرفين مع تبديل الإيجاب والسلب، مع بقاء الصدق) كلٌ منهما صادقة.
الثاني: قال: (عكس النقيض المخالف، وهو تبديل الطرف الأول من القضية بنقيض الثاني، والثاني بعين الأول مع بقاء الصدق دون الكيف).
الصدق لازم، وأما الكيف فلا (كل إنسانٍ حيوان).
قال: (مع بقاء الصدق دون الكيف. كل إنسانٍ حيوان).
قال: لا شيء مما ليس حيواناً بإنسان. حصل التبديل يعني: أتى بالمحمول مكان الموضوع والعكس بالعكس، لكن جعَل الموضوع في الأُولى محمولاً في الثاني بعينه، وأتى بالمحمول جعَله موضوعاً مع تسليط النفي.
ولذلك قال: (تبديلُ الطرف الأول من القضية) الموضوع أو المقدَّم (بنقيض الثاني، والثاني بعين الأول) يعني: لا بنقيضه (مع بقاء الصِّدق) كلٌ منهما صادقة (دون الكيف نحو: كل إنسان حيوان لا شيء) كل هذا موجب، لا شيء هذا سالب.
(لا شيء مما ليس حيواناً بإنسانٍ).
قال العطار: (كلمةُ ليس جزءٌ من الموضوع به صار عدمياً، والسلب حاصل، والعكس في ذات الطرفين، وعليه اقتصر المصنف لأنه المستعمل في طُرق الإنتاجات).
(وسُمي هذا مخالفاً لتخالف طرفيه إيجاباً وسلباً، والذي قبْلَه موافقاً لتوافُقِه فيهما) كلاهما: لا حيوان لا إنسان، فتوافقا في النفي، هنا لا. تخالفا فالأول سالب إذا أَدْخلت عليه لا النافية، والثاني كما هو.
قال هنا: (لتخالف طرفيه إيجاباً وسلباً، والذي قبلَه موافقاً لتوافُقه فيهما).
قال: (الثالث) وهو المراد هنا، هذا ذكَره في المقدمة من باب التتميم فقط، وفيه بحوث، ولذلك أطنب فيه الشيخ الأمين في المقدمة.
قال هنا: (الثالث العكس المستوي) ويقال: المستقيم (لاستواء طرفيه واستقامتهما من تبديلهما بالنقيض) يعني: لا تبديل بالنقيض.
(العكس المستوي وهو المراد عند الإطلاق) وهو الذي يعنيه المناطقة في التبويب: باب العكس أي: العكس المستوي.
(وعليه اقتصر المصنف أي: لكونه مستعملاً في العلوم والإنتاجات غالباً، ولذلك لم يَذكُر غيرَه فقال)(الْعَكْسُ: وهُوَ) أي: العكس، العكسُ أي: المستوي نقيِّده بما مر.
(وهُوَ) أي: العكس، تعريفُه وحقيقتُه.
(أَنْ يُصَيَّرَ المَوْضُوعُ مَحْمُولاً، وَالمَحْمُولُ مَوَضُوعًا مَعَ بَقَاءِ السَّلْبِ، وَالْإِيجَابِ بِحَالِهِ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ بِحَالهِ).
فيه تبديل (أَنْ يُصَيَّرَ) بتشديد الياء مبنياً للمفعول (يُصَيَّرَ).
(لأن العكس كما يُطلق على القضية الحاصلة من التبديل كذلك يُطلق على نفس التبديل، ويجوز أن يُقرأ مبنياً للفاعل)"يُصَيِّرَ المَوْضُوعَ" بالنصب.
(يُصَيَّرَ المَوْضُوعُ) على أنه نائب فاعل.
(يُصَيِّرَ) بكسر الياء (يُصَيِّرَ) هو يعني: الفاعل.
(المَوْضُوعَ) مفعولٌ به.
وأما (أَنْ يَصِيرَ) هذا لا يصح؛ لأن الصيرورة ليست من معاني العكس، لا تقرأه (أَنْ يَصِيرَ المَوْضُوعَ مَحْمُولاً) لا يصير؛ لأنَّ الصيرورة ليست من معاني العكس، إما (أَنْ يُصَيَّرَ المَوْضُوعُ مَحْمُولاً) أو (أَنْ يُصَيِّرَ) بكسر الياء على أنه مبني للفاعل: يُصَيِّرَ هو.
قال: (أَنْ يُصَيَّرَ المَوْضُوعُ مَحْمُولاً، وَالمَحْمُولُ مَوَضُوعًا) وعليه نقيِّد: أن يصيَّر في الحملية. لم يقل الطرف الأول والطرف الثاني فيعمِّم، أو الأول والثاني، قال: موضوع ومحمول.
وما دام أنه نص على الموضوع والمحمول فحينئذٍ قيَّدناه بالحملية، وإلا الأصل أنه يأتي كذلك في المقدَّم والتالي، لكن هذا فيه قصورٌ في التعريف.
(أَنْ يُصَيَّرَ) أي: في الحملية.
(المَوْضُوعُ مَحْمُولاً، وَالمَحْمُولُ مَوَضُوعًا مَعَ بَقَاءِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ)(الواو بمعنى أو، والأخصر الكيف؛ لأنهم تتبعوا القضايا فلم يجدوها بعد التبديل ملازِمة للأصل في الصدق إلا وهي موافقةٌ له في الكيف).
إذاً: (مَعَ بَقَاءِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ) يعني: مع بقاء الكيف.
لماذا اشترطوا؟ لأنه بالتتبع وجدوا أنها كما هي لم تتبدل ولم تتغير.
(مَعَ بَقَاءِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ بِحَالِهِ)(بمعنى: أن الأصل إن كان موجَباً فيكون العكس موجباً، أو كان الأصل سالباً فسالباً) يعني: فالعكس يكون سالباً.
قال العطار: (قوله: بمعنى: أن الأصل. جوابٌ عما يقال: إنَّ عَكْس قولنا: كل إنسانٍ حيوان. بعض الحيوان إنسان) بدَّلتَ: الموضوع محمول والمحمول موضوع، مع بقاء الصدق؟ مع بقاء الصدق، مع بقاء الكيف؟ مع بقاء الكيف.
يعني: السلب والإيجاب لم يتغير.
(كل إنسان حيوان عكسُه: بعضُ الإنسان حيوان، ومفهوم الأصل: كل إنسانٍ حيوان. ثبوت الحيوانية لكل فردٍ من أفراد الإنسان.
ومفهوم العكس: ثبوت الإنسانية لبعض أفراد الحيوان) صادقة؟ صادقة.
(فالإيجاب في العكس غيرُه في الأصل، وإذا قلنا في عكس: لا شيء من الإنسان بحجر، لا شيء من الحجر بإنسان) كالسابق (فالسلب مختلِفٌ كذلك.
وحينئذٍ فالإيجاب والسلب الذي في الأصل ليس باقياً على حاله.
ومعنى هذا الجواب) يعني: مرادُه ماذا؟
قلنا في القاعدة السابقة: أن المحمول والموضوع، ما الذي يراد بالموضوع وما الذي يراد بالمحمول؟
الذي يُراد بالموضوع هو المصدَق "الأفراد"، والذي يُراد بالمحمول هو المفهوم "المعنى الذهني، الوحدة الذهنية، القدر المشترك".
لو بدَّلت فصار المحمول موضوعاً، انتقل من كونه محكوماً بمفهومه على كونه محكوماً على أفراده، والموضوع كذلك انعكس تغيَّر وتبدل من كونه محكوماً على أفراده فصار محكوماً به بمفهومه.
إذاً: حصل تغيير أو لا؟ حصل تغيير. هذا المراد هنا.
ولذلك قال: (ومعنى هذا الجواب: أن الإيجاب باقٍ في كلٍ من الأصل والعكس، وكذلك السلبُ، وإن كان قد اختلفا فيهما.
وأكثرُ القوم يعبِّرون بقولهم مع بقاء الكيف والصدق، وهي أولى مما هنا لأن لفظ (بِحَالِهِ) موهمة بقاء كلٍ من السلب والإيجاب على حالته الأُولى وليس كذلك).
فيه سلبٌ وفيه إيجاب، لكن هل يلزم أنه عينُ السلب وعين الإيجاب؟ الجواب: لا.
ومن هنا نقول دائماً: المبتدأ مرفوع والخبر مرفوع، زيدٌ مرفوع بالضمة وقائمٌ مرفوع بالضمة. هل الضمة هي عين الضمة؟ الجواب: لا. ليست هي عين الضمة؛ لأن الضمة هذه اقتضاها عاملُ الابتداء، وهذه ضمة اقتضاها المبتدأ. اختلف العاملان، واختلاف العاملين يدل على الاختلاف في المعنى.
إذاً: ضمَّة وضمة اشتركا في اللفظ وفي الأصل: كون كل منهما مرفوعاً، لكن فيه معنًى بين النوعين يختلف به معنَى أو جوهر الكلمة والكلمات.
هنا كذلك، فلو عبَّر بالكيف لكان أولى، أما التعبير بالسلب والإيجاب قد يقتضي أن السلب بعينه كما هو في الأصل هو باقٍ في العكس، وكذلك الإيجاب وليس كذلك. لا بد من التغيير.
(وليس كذلك، ولذلك احتاج الشارح للمعونة بقوله: (بمعناه).
إذاً: قولُه: (بِحَالِهِ) هذا فيه شيءٌ من الإشكال (مَعَ بَقَاءِ السَّلْبِ، وَالْإِيجَابِ بِحَالِهِ) هذا فيه شيءٌ من الإشكال.
ولذلك احتاج أن يقول: (بمعنى) أوَّله يعني، جاء بشيءٍ فيه تقريبٌ للمعنى.
(بمعنى أن الأصل: إن كان موجَباً فيكون العكس موجَباً، أو كان الأصل سالباً فسالباً، ولا يلزم من ذلك أن يكون عينَ الإيجاب وعينَ السلب، بل قد يقع فيه شيءٌ من الاختلاف).
قال: (فيكون العكس موجَباً، أو سالباً فسالباً؛ وذلك لأن العكس لازمٌ من لوازم الأصل، والموجَب قد يتخلَّف عن السلب، وبالعكس.
فإن قولنا: كل إنسانٍ ناطق لا يصدق العكسُ سالباً، بعض الناطق ليس بإنسان) يعني: يصدُق الأصل ولا يصدق العكس.
(ونحو قولنا: لا شيء من الإنسان بفرسٍ لا يصدُق العكس موجباً، بعض الفرس إنسان.
واللازم المنضبط هو الموافق في الكيف).
(ومع بقاء التصديق والتكذيب بحالِه) يعني: المطابقة للواقع، أو عدم المطابقة للواقع، لا بد أن تكون باقيةً بحالها.
(وعبَّر بعضهم بالصدق والكذب) والصَّدقُ والكذب قلنا: وصفان للكلام، والتصديق والتكذيب هذا مصدر يراد به السامع، هو الذي يصدِّق وهو الذي يكذِّب.
(وبعضهم بالصدق فقط) إذاً: ثلاث تعبيرات: مع بقاء التصديق والتكذيب بحاله دون تغيير، أو يُعبَّر ببقاء الصدق والكذب، أو نعبِّر ببقاء الصدق فقط ولا نذكر الكذب.
قال: (وهو الحق) يعني: التعبير بالصدق فقط .. وهو الحق.
كلها صحيحة، لكن تختلف باعتبارات فقط.
(وبعضهم بالصدق فقط وهو الحق.
وأُجيب عمن عبَّر بالصدق والكذب أو التصديق والتكذيب: بأن المعنى على التوزيع) من باب التأويل.
(يعني: بقاء الصدق من جانب الأصل، وبقاء التكذيب من جانب العكس.
بمعنى أن صِدق الأصل يستلزم صِدق العكس، وكذِب العكس يستلزم كذِب الأصل) هذه قاعدة في العكس هنا.
إذا صدَق الأصل صدَق عكسُه، وإذا كذَب كذب.
يعني: لا يلزم في العكس أن لا يُؤتى إلا من قضية صادقة لا، قد يؤتى من قضية كاذبة، لكن يكون مثله، الكذب يولِّد كذباً.
فإذا كان الأصل كذِباً حينئذٍ عكسه وهو فرعُه يكون كذباً .. إذا كان الأصل كاذباً تفرَّع عنه الكذِب.
ولذلك قال هنا: (أنَّ صدق الأصل يستلزم صدق العكس، وكذِب العكس يستلزم كذب الأصل) بالعكس يعني.
(ولا يلزم أن يكون بقاء الكذِب من جانب الأصل؛ لأن الأصل الكاذب قد يحصل معه العكسُ الصادق كقولنا: بعضُ الحيوان إنسان) هذا صادقٌ (في عكسِ كل حيوان إنسان) وهو كاذب.
(وأُشير بتقديم التصديق على التكذيب إلى أن التصديق من جانب الأصل، والتكذيب من جانب العكس؛ بناءً على أن الأصل مقدَّم على العكس، ليُشعِر بأنَّ الأصل ملزوم والعكس لازم).
إذاً: قولُه: (وهو الحق) راجعٌ إلى قوله: (الصدق) دون أن يُذكَر فيه التكذيب أو الكذِب.
قال: (لأن العكس لازمٌ للقضية، ولا يلزم من كذِب الملزوم كذِب اللازم).
(لا يلزم من كذب الملزوم) الذي هو الأصل (كذِبُ اللازم) الذي هو عكسُه.
(فإن قولنا: كل حيوانٍ إنسان كاذب) كل حيوان إنسان هذه كاذِب (مع صِدق عكسِه وهو: بعضُ الإنسان حيوان.
بخلاف صدق الملزوم –الأصل- يستحيلُ معه كذِب اللازم).
إذاً: (لا يلزم من كذِب الملزوم كذب اللازم) إذا كذَب الأصل قد يصدق العكس، لكن إذا صدق الملزوم الذي هو الأصل صدَق عكسُه، فالصدق يَلزم .. إذا صدَق الأصلُ صدَقَ الفرعُ، وفي الكذب لا يلزم.
ولذلك قال: (ولا يلزم من كذب الملزوم) الذي هو الأصل (كذِب اللازم) الذي هو عكسُه، لا تلازُم في الكذب.
قال هنا: (بخلاف صِدق الملزوم يستحيل معه كذِب اللازم).
إذاً: لا تلازم في الكذب، وثَم تلازم في الصدق. هكذا.
(وليس المراد بصدقهما في عبارة البعض صِدقُهُما في الواقع، بل أن يكون الأصل؛ بحيث لو فُرِض صِدقُه لزِم صدقُ العكس).
يعني: الصدق المراد به هنا معنًى أعم مما شاع وهو المطابقة، وإن كان الأصل حملُه على المطابقة، لكن أراد هنا أن يعمِّم من حيث الفرَضية والاعتبار، بمعنى أنه يُفرَض صدقُ الأصل فحينئذٍ يلزم منه صدقُ العكس .. وهكذا.
قال: (لو فُرض صدقه لزم صدق العكس) أي: فرضُ صِدقه.
(ومع هذا) أي: كون الحق الاقتصار على الصدق وتأويله بفرضِه (فالتعبير بالتصديق أولى منه بالصدق؛ لأن التصديق لا يقتضي وقوع الصدق، وأما الصدق فيقتضي وقوعه).
ما دام أننا عبَّرنا وأوّلنا على الفرضية فالتصديق لا يلزم منه الوقوع، حينئذٍ يكون أولى بالاعتبار.
(ومع هذا فالتعبير بالتصديق أولى).
قال العطار: (أي: ومع صحة هذا التأويل وهو أنه ليس المراد بالصدق في نفس الأمر، بل بفرض الصدق) ولا شك أن الفرض أعم.
(فعبارة المصنف أولى لعدم إيهامها خلافَ المراد، والاحتياج للتأويل المذكور فيها).
على كلٍ هو اختلافٌ في التعبير فحسب: الصدق فقط، أو التصديق فقط، أو التصديق والتكذيب، أو الصدق والكذب.
قال هنا: (لأن التصديق لا يقتضي وقوعَ الصدق؛ لأن المراد أنه متى فُرض صدق الأصل لزمه فرضُ صدقِ عكسِه، سواءٌ كانا صادقين في الواقع أم لا).
(وعبارتُه قاصرةٌ على الحملية) يعني: عكسُهما (لتعبيره بالموضوع والمحمول.
فلو قال: وهو أن يُصَيَّرَ الأول ثانياً والثاني أولاً لكان أولى؛ لتناوله الشرطيات).
(وهو) أي: العكس.
(أن يُصَيِّرَ الأول ثانياً، والثاني أولاً) والأول المراد به الطرف الأول الشامل للموضوع في الحملية والمقدَّم في الشرطية.
(والثاني) أي: الطرف الثاني، الصادق في المحمول في الحملية والتالي أو تالي الشرطية.
(لتناولِه الشرطيات) أي: تناوله حد العكس الشرطيات، دخل فيها المنفصلات والاتفاقيات؛ لأنه أطلق، وإن كان المشهور أن المنفصلات لا عُكوس لها.
ولذا قال العطار: (دخل فيها المنفصلات والاتفاقيات.
أما المنفصلات فصرَّح الرازي في شرح الشمسية بانعكاسها؛ لأن الحكم في نحو: إما أن يكو العدد زوجاً وإما أن يكون فرداً، بمعاندة الزوجية للفردية.
وفي عكسِه بمعاندة الفردية للزوجية) لكن ما الفائدة؟ ليس فيه فائدة.
ولذلك الجمهور على أنها لا انعكاس لها؛ لأنها لا فائدة فيها، وإلا يقولون بأنها تنعكس.
(وردَّه السعد بأن المراد: جُعل له تأثيرٌ في المعنى؛ لأن عامة مباحثهم بالنظر إلى المعقولات دون الملفوظات .. ) إلى آخر كلامه.
قال هنا: (واعلم أن العكس يُطلق كثيراً على القضية) أي: القضية المستعملة في العلوم الطبيعية، حينئذٍ لا عكس لها؛ إذ لا يقال في عكس الحيوان جنس: الجنس حيوان، فظهر أن أل في القضية عهدية.
إذاً: (اعلم أن العكس يُطلق كثيراً على القضية) يعني: القضية المستعملة في العلوم؛ احترازاً عن الطبيعية.
(يُطلق كثيراً على القضية الحاصلة بتبديل الموضوع بالمحمول، وعكسِه) أي: كما يُطلق على التصيير والتبديل الذي هو فعلُ الفاعل حقيقة، كما قلنا فيما سبق.
تُطلق ذاتُ قضيةٍ فيها تبديل، أو التبديل نفسُه .. يُطلق على فعل الفاعل التبديل، وعلى القضية نفسها.
قال هنا: (على القضية الحاصلة بتبديل الموضوع بالمحمول وعكسِه، وأن المراد بهما الموضوع والمحمول).
(بهما) ما هما؟
قال: (بتبديل الموضوع بالمحمول وعكسه، وأن المراد بهما) أي: الموضوع والمحمول (في الذكرِ. أعني وصْفَهما العنواني)
(وصفهما) أي: لفظهما.
(العُنْواني) بضمٍ فسكون أي: المنسوب لعنوان مصدر عنون إذا عبَّر يعني: من عنوَن الشيء بكذا عبَّر به عنه مثلاً.
فإذا قيل مثلاً: كل إنسانٍ حيوان، عندنا وصفٌ عُنواني هنا وهو لفظ إنسان. يعني: لفظ الموضوع يسمى وصفاً ويسمى عنواناً.
العنوان من أسماء الموضوع، ومن أوصاف الموضوع. حينئذٍ تقول: الموضوع والعنوان يعني: اللفظ، هذا المراد به.
(وأن المراد بهما في الذكر أعني وصفَهَما العنواني. فلا يرِدُ).
قال هنا: (إذا عبَّر بنسبة المتعلَّق بالفتح لمتعلِّق بالكسر أي: المُعنْوَن به عنه).
مثلاً: إذا قلنا: كل إنسان حيوان، فقد اجتمع فيه ثلاثة أشياء: ذات الموضوع وهو أفرادُه. كزيد وبكر وخالد، ووصف الموضوع أي: لفظُه المعبَّر به عن هذه الأفراد وهو إنسان، يسمى وصفاً ويسمى عنواناً ولفظاً، ويسمى موضوعاً بالذِّكر أيضاً، وعنواناً أيضاً، ووصفُ المحمول الذي هو الحيوان.
ولا شك أنك إذا عكسته إلى بعض الحيوان إنساناً فيُراد بالحيوان هنا الأفراد من الإنسان المفهوم. كما هو قاعدة الحمْل.
عكْسَ الأصل، فلم يبقيا على حالهما، لكن بقاؤهما على حالهما بالنسبة للوصف العنواني وهو المعنيُّ بقول الشارح:(الموضوعُ والمحمول في الذكر) في الذِّكر يعني: في اللفظ فقط.
عندما تقول: تبديل موضوعٍ بمحمول. هذا في اللفظ فقط، وإلا فالحقيقة تغيِّرت.
فالموضوع الذي كان موضوعاً في الأصل لم يكن محمولاً هناك بما كان عليه في الأصل؛ لأنه في الأصل يراد به أفرادُه وذاتُه، وأما إذا عُكس صار المراد به المفهوم والعكس بالعكس. إذاً: لم يبقيا على حالهما.
إذاً: كيف يُعبِّر تبديل الموضوع بالمحمول؟
نقول: المراد به الوصف العنواني.
(فلا يرِد السؤال) هذا تفريعٌ على قوله: (وأنَّ المراد بهما).
(فلا يرِد السؤال بأن العكس لا يُصيِّر ذاتَ الموضوع -يعني: أفرادَه- محمولاً، ووَصْفَ المحمول -يعني: مفهومَه- موضوعاً، بل موضوع العكس ذاتُ المحمول ومحمولُه وصفُ الموضوع) هذا على الحقيقة.
(فلا يرِد السؤال بأن العكس لا يصيِّر ذات الموضوع يعني: أفراده محمولاً) يعني: لا يُحكَم بالموضوع كما هو مراداً به في الأصل، الأفراد يؤتى به في العكس فيراد به الأفراد لا، ليس هذا المراد.
(ووصف المحمول موضوعاً يعني: مفهومه، بل موضوع العكس ذات المحمول) أي: أفراده، مع أنه كان المراد به المفهوم.
(ومحمولُه وصفُ الموضوعِ أي: مفهومُه) مع أنه كان المراد به الأفراد. حصل تعارضٌ بينهما.
قال هنا: (وَالمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ لَا تَنْعَكِسُ كُلِّيَّةً) (لئلا تنتقض بمادةٍ يكون المحمول فيها أعم من الموضوع.
(وَالمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ لَا تَنْعَكِسُ كُلِّيَّةً).
قال العطار: (أي: لا يطَّرِد ذلك، فلا يُنافي صدق عكسها في مادة ما؛ بضابط: بمادة يكون المحمول مساوياً للموضوع. ككل إنسان ناطق، عكسُه كل ناطقٍ إنسان) صدَق.
مع أنها كُلّيّة موجبة وانعكست، مع أنه يقول:(وَالمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ لَا تَنْعَكِسُ كُلِّيَّةً) يعني: ليس مطرداً.
(كل إنسانٍ ناطق فعكسُه وهو كل ناطقٍ إنسان صادقٌ، إلا أن ذلك لخصوص المادة، فإنه قد يتخلف في صورةٍ ما إذا كان الموضوع أعم.
ومعلوم أن قواعد القوم مبنيةٌ على الاطراد، فحيث تخلَّف الحُكم في مادة ما لم تُعتبر القاعدة) ليست بقاعدة عندهم.
قال هنا: (وَالمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ لَا تَنْعَكِسُ كُلِّيَّةً) أي: لا يطرد، وقد يتفق في بعض المواد كالمثال الذي ذكرناه.
(لئلا تنتقض بمادة) يعني: بصورة. المادة المراد بها الصورة كما نقول: العموم والخصوص الوجهي والمطلق يجتمعان في مادة ويفترقان في مادة. المراد به المثال (بمادة) يعني: بصورة.
(يكون المحمولُ فيها أعمَّ من الموضوع) كما ذكرنا سابقاً.
(لئلا تنتقض) قال العطار: أي لو صحَّحنا عكْسَها كُلّيّة دائماً انتقض هذا الحكم بهذه المادة.
(إذ يصدق قولنا: كل إنسانٍ حيوان، ولا يصدُق كل حيوان إنسان).
وثبتَ معنا أنَّ صِدق الملزوم يستلزم صدق اللازم. يعني: الأصل إذا أردتَ عكْسَه وكان صادقاً لا بد أن يكون العكس صادقاً.
أما العكس فلا، قد يكون الأصل كاذباً فالعكس يكون صادقاً، وهنا: كل إنسان حيوان. صادق؟ صادق، عكسُه كل حيوان إنسان. كاذب إذاً: لا يكون عكساً.
إذاً: الموجبة الكُلّيّة لا تنعكس كُلّيّة.
لو قال: بعض الحيوان إنسان صدَق.
(وإلا لَصدَق الأخصُّ على جميع أفراد الأعم وهو محال) الأخص الذي هو إنسان .. العكس، السابق قلنا كاذب .. كل حيوان إنسان هذا كاذب.
يعني: لو صححناه قلنا: صحيحاً صادقاً صدَق الأخص الذي هو إنسان أخص من حيوان، هنا المحمول أخص من الموضوع، حينئذٍ إذا كان المحمول أخص من الموضوع لصدَق الأخص على الأعم.
حينئذٍ كل أفرد الحيوان إنسان، هذا فاسد لا يصح.
(وإلا لصدَق الأخص على جميع أفراد الأعم وهو محال) فيكون الفرس إنسان، والبغل إنسان .. إلى آخره، وهذا محال.
قال هنا: (وإلا لصدَق الأخص. أي: وإلا يصدق بل صدَق للزم صدق الأعم .. ) إلى آخره.
(وهو محال؛ لأنه رفعٌ للعموم والخصوص).
قال هنا: (بَل تَنْعَكِسُ جُزْئِيَّةً) يعني: الموجبة الكُلّيّة تنعكس جزئية.
(لِأَنَّنَا إِذَا اقُلْنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ يَصْدُقُ بَعْضُ الحَيَوَانِ إِنْسَانٌ) صدَقَ بعض الحيوان إنسان.
قال: (فَإِنَّا نَجِدُ) هذا شروعٌ في مسألة وهي: إثباتُ الأدلة على صحة العُكوس، وهو أصعب شيءٍ في هذا الباب، لكن نُمِرُّها.
قال: (فَإِنَّا نَجِدُ)(هذا استدلالٌ على المدَّعى السابق من أنَّ الموجبة الكُلّيّة تنعكس موجبة جزئية) ما الدليل؟ عندهم ثلاثة أدلة.
(وهذا أحدُ طرقٍ ثلاثة) حينئذٍ يكون قوله: (فَإِنَّا) هذا شروعٌ في ذكر أدلة ثلاثة اعتبرها القوم في عكوس القضايا يعني: في صٍدقها. متى يعتبرها صادقاً.
الأول: دليل الافتراض.
الثاني: دليل العكس.
الثالث: دليل الخُلف، سيذكرها المصنف هنا: كُلّيّة موجبة تنعكس جزئية، ما الدليل؟
(فأشار بقوله: فَإِنَّا نَجِدُ شَيْئًا .. إلى آخره. إلى دليل الافتراض.
وهذا أحد طرقٍ ثلاثة للقوم في بيان عكوس القضايا ويسمى طريق الافتراض، وهو أخفاها، ولا يجري إلا في الموجبات والسوالب المركبة) يعني: دون البسيطة.
حاصله قال: (فَإِنَّا نَجِدُ) الموضوع (شَيْئًا مَوْصُوفًا بِالْإِنْسَانِ وَالحَيَوَانِ) وهو الحيوان الناطق (فَيَكُونُ بَعْضُ الحَيَوَانِ إِنْسَانًا).
قال هنا: (فَإِنَّا نَجِدُ) يعني: نفرِض ونقدِّر.
(الموضوع) في العكس.
(شَيْئًا) يعني: فرداً جزئياً معيّناً، ثم نحمِل عليه المحمول، ثم نحمل عليه مرة أخرى الموضوع. فيكون قضيتين، ثم تكون النتيجة.
قال: (فَإِنَّا نَجِدُ) الموضوع (شَيْئًا مَوْصُوفًا بِالْإِنْسَانِ) يعني: محمولاً عليه لفظُ إنسان.
(وَالحَيَوَانِ) أي: ومحمولاً عليه لفظ الحيوان، فيصير قضيتين.
فحينئذٍ تُركِّبهما هكذا: كل إنسانٍ حيوان، تقدِّر إنسان أنَّ المراد به فرد وهو زيد مثلاً، فتقول: زيدٌ وتحمل عليه الموضوع، زيدٌ إنسان.
ثم قضية أخرى: زيدٌ وتحمل عليه المحمول: زيدٌ إنسانٌ، زيدٌ حيوانٌ. وهذا يقول من الشكل الثالث .. زيدٌ إنسان زيدٌ حيوان، لماذا؟
لأن الحد الأوسط تكرر مرتين في الصغرى والكبرى، وهو موضوعٌ فيهما، وإذا وقع الحد الأوسط موضوعاً في القضيتين "في المقدمتين الصغرى والكبرى" يسمى الشكل الثالث.
(لأن الحد الأوسط موضوعٌ في مقدمتين، فيُرَد إلى الشكل الأول بعكس صُغراه فيصير هكذا: بعض الحيوان زيدٌ) وسيأتينا هذا في محله، لكن المراد هنا أنك إذا وصلتَ إلى الشكل الثالث ترُدُّه إلى الشكل الأول، كيف ترُدُّه؟
(بعكس صُغراه) يعني: تنظر إلى الصغرى فتأتي بعكسها.
(فيصير هكذا: بعض الحيوان زيدٌ وزيدٌ إنسان، فيُنتِج: بعض الحيوان إنسان وهو العكس المطلوب) وهذا يسمى في الاصطلاح كما ذكرنا: طريق الافتراض وهو مختصٌ بالموجبات والسوالب المركّبات.
إذاً: إذا نظرت إلى الأصل: كل إنسانٍ حيوان، فتفرض جزئياً هو فردٌ من أفراد الموضوع "إنسان"، ثم تحمل عليه إنسان، ثم تحمل عليه الحيوان، فصار قياساً من الشكل الثالث فترُده إلى الأول بعكس صغراه.
حينئذٍ يُنتج ما أنتجه هنا وهو: بعض الحيوان إنسان، يسمى دليل الافتراض لأنك افترضت، الموضوع هو ليس خاصاً بإنسان وإنما هو عام، فإذا افترضت جزئياً معيناً هذا صار من باب التقدير فقط.
قال: (فَيَكُونُ بَعْضُ الحَيَوَانِ إِنْسَانًا).
قال في الحاشية: (طريق الافتراض حاصلُه: أن يُفرض الموضوع فرداً معيّناً من مصدقَاتِه).
(أن يُفرض) يعني: يُقدَّر تقديراً في الذهن فقط.
(الموضوع فرداً معيّناً من مصدقاته) يعني: من أفراده.
(ويُحمل عليه المحمول) فيقال: زيدٌ حيوان، (ثم الموضوع) فيقال: زيدٌ إنسان.
(فينتظم منهما) صار مقدمتين .. قضيتين (قياسٌ منتِجٌ للعكس.
ففي مثال المصنف يُفرَض الموضوع وهو إنسان فرداً معيناً كزيد، ويُحمَل عليه حيوان، فنقول: زيدٌ حيوان، ونحمل عليه كذلك قضيةٌ أخرى إنساناً أيضاً ونقول: زيدٌ إنسان.
فيكون مجموعُهما قياساً من الشكل الثالث، ويُرَدُّ إلى الأول بعكس الصغرى) تقلبها يعني.
(فيصير بعض الحيوان زيدٌ وزيدٌ إنسان، فيُنتِج بعض الحيوان إنسان، وهو العكس المُدَّعِي ملازمتُه للأصل في الصدق).
قال: (ولأنه إذا صدق كل إنسانٍ حيوان لزم أن يصدُق بعض الحيوان إنسان، وإلا لصدَقَ نقيضُه).
هذا إشارة إلى دليل العكس، وهو الطريق الثاني.
في شرح عليِّش: (طريق العكس حاصلُه: أن يُعكَس نقيض العكس).
يعني: تنظر إلى الأصل فتأتي بنقيضه، ثم تأتي للنقيض فتعكسه. ثلاث قضايا هنا.
القضايا الأولى الأصل: كل إنسان حيوان.
فتأتي بنقيضه: لا شيء من الحيوان بإنسان.
ثم تأتي إلى عكس النقيض.
قال: (أن يُعكس نقيضُ العكس) يعني: الأصل.
(ويُقابَل عكسُ نقيض العكس بالأصل الصادق) يحصُل التقابل هنا.
يعني: الثالث تقابلُه بالأول.
(فإما أن يناقضَه أو ينافيه) إما أن تقع بينهما مناقضة أو منافاة.
(وعلى كلٍ فهو كاذبٌ، فمعكُوسه وملزومه وهو نقيض العكس كاذبٌ، فالعكس صادقٌ وهو المطلوب).
ومر معنا: أنك تبطل النقيض "نقيض القول" ليصح قولك؛ لأنهما متناقضان، فإذا أثبتَ بطلان النقيض صدق قولُك.
هنا يأتي بالنقيض ويأتي بعكس النقيض، فيبطلُه باعتبار مقابلته بالأصل، فإذا بطل حينئذٍ صدَق أصلُك.
قال هنا المثال: بأن يقال في الاستدلال على صدقه: بعض الحيوان إنسان، هذا العكس، عكسُ ماذا؟ كل إنسان حيوان.
لو كذب بعض الحيوان إنسان "الذي هو العكس" لصدق نقيضُه، وهو لا شيء من الحيوان بإنسان، ولو صدق هذا لصدق عكسه، وهو لا شيء من الإنسان بحيوان. وهذا منافٍ للأصل الصادق فهو كاذب.
فمعكُوسه كاذبٌ وهو نقيض الأصل، فعكس النقيض كاذبٌ والنقيضُ كاذب.
حينئذٍ إذا كذَب اللازم لا يلزم أن يكذب الملزوم، في الصدق نعم أما في الكذب لا .. في الصدق ثَم تلازم، وأما في الكذب فلا.
النقيضان بينهما شيءٌ من التلازم، فإذا أبطلتَ النقيض وعكْسَه، حينئذٍ رجع إلى الأصل فهو صادق.
قال هنا: (ولأنه إذا صدَق: كل إنسانٍ حيوان، لزم منه أن يصدُق بعض الحيوان إنسان) الذي هو عكسُه (لو لم يصدق هذا لصدق نقيضُه).
ولذلك قال: (وإلا لصدق نقيضُه، وهو لا شيء من الحيوان بإنسان، فتلزم المنافاة بين الإنسان والحيوان، فيصدق: ليس بعض الإنسان بحيوان. وقد كان الأصل: كل إنسان حيوان وهو صادق).
قال: (هذا خُلفٌ) أو (خَلْفٌ) يعني: باطل.
(هذا خُلْفٌ -بضم الخاء المعجمة وسكون اللام- أي: باطل. أو بفتح الخاء أي مرميٌ خلف الظهر لبطلانه).
قال: (أو يُضمُّ ذلك النقيض) هذا شروعٌ في الثالث: أو إشارة إلى دليل الخُلف وهو بضم الخاء، وحاصله: أن يُضم نقيض العكس كبرى إلى الأصل صغرى.
نقيض العكس وليس العكس، تأتي بالعكس وتأتي بنقيضه وتضمه .. تجعله كبرى للصغرى التي هي الأصل.
فيتكون منهما قياسٌ منتجٌ سلْبَ الشيء عن نفسه، وسلبُ الشيء عن نفسه هذا كاذب، الإنسان ليس بإنسان، الحيوان ليس بحيوان هذا كاذب.
(فيُنتج سلب الشيء عن نفسه وهو كاذبٌ، فالقياس كاذبٌ؛ لكَذِب إحدى مقدمتيه وهو نقيض العكس، فالعكس صادقٌ وهو المطلوب.
بأن يقال: لو كذَب بعض الحيوان إنسان) لو كذب لصدق نقيضُه، وهو لا شيء من الحيوان بإنسان.
تأمَّلْها (لو كذب بعض الحيوان إنسان) هو صادق، لو كذب لصدَق نقيضُه؛ لأنهما متناقضان، ما هو النقيض؟
(لا شيء من الحيوان بإنسان، فيُضم صغرى للأصل كبرى هكذا: لا شيء من الحيوان بإنسان، وكل إنسان حيوان. وهذا من شكل الرابع لوضْع الأوسط في صُغراه، وحملُه في كبراه، فيُرد إلى الشكل الأول بجعلِ الصغرى كبرى والكبرى صغرى هكذا: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحيوان بإنسان. فيُنتِج لا شيء من الإنسان بإنسان.
سُلِب الشيء عن نفسه، وهو كاذبٌ فالقياس كاذبٌ.
ولا خلَل في هيئته لإيجاب صُغراه وكُلِّيَّة كبراه ومقدمته الصغرى صادقة فكبراه كاذبة، وهو نقيض العكس فالعكس صادق وهو المطلوب).
قال: (أو يُضَم ذلك النقيضُ إلى الأصل؛ ليُنتج سلبَ الشيء عن نفسه) كما ذكرنا هكذا: كل إنسانٍ حيوان، ولا شيء من الحيوان بإنسان يُنتِج: لا شيء من الإنسان بإنسان وهو محال. فالقياس يكون باطلاً.
قال: (ومُحالية هذه النتيجة لخلل في مادة القياس أو صورتِه.
لا جائز أن يكون للصورة لتوفر شروط الإنتاج فتعيّن أن يكون من المادة، والصغرى وهي الأصل المعكوس مفروضة الصدق، فليكن من الكبرى فتكون باطلة، فيصدق نقيضها وهو العكس المطلوب).
قال: (وَالمُوجَبَةُ الجُزْئِيَّةُ أَيْضًا تَنْعَكِسُ) موجبةً (جُزْئِيَّةً بِهذِهِ الحُجَّةِ) السابقة.
قياس الافتراض هنا غير مُتأتي وإنما الثاني والثالث.
ولذلك قال: (الجنسية؛ لأن حُجج القوم هنا ثلاث): دليل الافتراض .. إلى آخره.
(فإن قيل: هذه الحجة منقوضة، لأنها لو صحّت لانعكس قولنا: بعض الإنسان زيدٌ إلى بعض زيد إنسان، مع أنه لم ينعكس إليه لكذِبه وصدق الأصل.
قلنا: ليس المراد بزيدٍ هنا معناه الجزئي؛ لأن الجزئي لا يقع محمولاً، بل المراد المفهوم الكلِّي وهو المسمى بزيدٍ إنسان).
قال: (وَالمُوجَبَةُ الجُزْئِيَّةُ أَيْضًا تَنْعَكِسُ) موجبةً (جُزْئِيَّةً بِهذِهِ الحُجَّةِ) يعني: السابقة.
(فعكسُ بعض الإنسان حيوان: بعضُ الحيوان إنسان) حصل تبديل؟ حصل تبديل.
عكسُ بعض الإنسان حيوان، هذا تقرير للدعوة تمهيداً للاستدلال عليه بطريق الافتراض. نعم يتأتى هنا.
بعض الإنسان حيوان .. بعض الحيوان إنسان، ما الدليل على أن الموجبة جزئية تنعكس موجبة جزئية؟
(لأنَّا نجد موصوفاً بالحيوان والإنسان) لأنَّا نجد يعني: نفترض.
(شيئاً) يعني: فرداً معيناً من أفراد الموضوع.
(موصوفاً بالحيوان) يعني: محمولاً عليه الحيوان.
(والإنسان) ومحمولاً عليه الإنسان.
تارة يُحمل عليه الإنسان وتارة يُحمل عليه الحيوان.
(فينتظم قضيتان تَركُّبُهما قياساً) هكذا (زيدٌ حيوان وزيدٌ إنسان. وهذا من الشكل الثالث ويرد إلى الأول بعكس الصغرى فيصير بعض الحيوان زيد، وزيدٌ إنسان فيُنتِج بعض الحيوان إنسان وهو العكس المطلوب).
يعني: يُطبَّق فيه ما طُبِّق في السابق، نأتي بفردٍ من أفراد الموضوع فيُحمل عليه الموضوع، ويُحمل عليه المحمول قضيتان والشكل الثالث، يُرد إلى الأول، ثم بعد ذلك تأتي بالنتيجة على ما مر.
قال: (فيكون بعض الحيوان إنساناً. وهو العكس المطلوب.
ولأنه) هذا إشارة إلى طريق العكس (إذا صدَق بعض الإنسان حيوان لزم أن يصدق بعض الحيوان إنسان، وإلا) يعني: وإلا يصدق ذلك (وإن لم يصدق بعض الحيوان إنسان لصدَق نقيضُه. وهو لا شيء من الحيوان بإنسان فيلزمُه) أي: النقيض المذكور يلزمُه ما ذُكر.
(لا شيء من الإنسان بحيوان؛ لأنه عكسُه، وقد كان الأصل بعض الإنسان حيوان. هذا خُلفٌ) يعني: باطل.
(أو يُضم هذا النقيض إلى الأصل ليُنتِج سلب شيء عن نفسه كما مر).
يعني: ثلاثة الطرق: الافتراض، والعكس، والخُلف تتأتى هنا، وهذه تحتاج إلى تفصيل من حيث ترتيب الكتاب فقط.
قال: (وَالسَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ تَنْعَكِسُ سَالِبَةً كُلِّيَّةً.
وَذلِكَ) أي: انعكاسها كُلّيّة (بَيِّنٌ بِنَفْسِهِ) يعني: ظاهر لا يحتاج إلى دليل.
(فإنه إذا صدَق) هو يقول: لا يحتاج إلى دليل وأتى بدليل، لماذا؟
قال: من باب التمرين للطالب المبتدئ.
قال رحمه الله تعالى: (فإنه إذا صدق قولُنا: هذا إشارة إلى دليل العكس، ولم يذكر دليل الافتراض لما سبق لك أنه إنما يجري في الموجبات والسوالب المركبة دون البسيطة) وهذه بسيطة لا يتأتى فيها دليل الافتراض.
قال: (فإنه إذا صَدق قولنا: لا شيء من الإنسان بحجر، صَدق عكسُه) لأنه يلزم من صِدقِ الملزوم صِدقُ اللازم.
(صدَق عكسه وهو قولنا: لا شيء من الحجر بإنسان، وإلا لصدَق نقيضُه وهو: بعض الحجر إنسان).
يعني: نستدل الآن على صحة قولنا بإبطال النقيض (وإلا لصدق نقيضُه أو بعض الحجر إنسان.
وينعكسُ) يعني: يلزمه صدقُ عكسِه (إلى قولنا: بعض الإنسان حجرٌ وهو كاذب) لأنه نقيض الأصل ولا يجتمعان، ولا يرتفعان.
(وقد كان الأصل: لا شيء من الحجر بإنسان).
قال: (صوابُه: لا شيء من الإنسان بحَجَر) هذا المقطع فيه ركاكة، فيه أخطاء في الأمثلة.
قال هنا: (وقد كان الأصل: لا شيء من الحجر بإنسان).
(صوابه: لا شيء من الإنسان بحجر) اختصرناه من الحاشية.
(هذا خُلفٌ أي: تناقضٌ. والأصل صادقٌ فنقيضُه كاذب.
فمعكوسُه كاذب فنقيضُه وهو العكس صادق وهو المطلوب).
قال: (أو يُضم) هذا إشارة إلى دليل الخُلف.
(أو يُضم هذا النقيض إلى الأصل ليُنتِج سلب شيء عن نفسه) كما مر معنا.
هكذا: بعض الإنسان حجر. صوابُه: بعض الحجر إنسان، غلط يعني، صوابه: بعض الحجر إنسان.
ولا شيء من الحجر بإنسان، صوابُه: ولا شيء من الإنسان بحجر.
(لينتج بعض الإنسان ليس بإنسان وهو محال) باطل.
(أي: ولا خلل إلا من نقيض العكس فهو كاذب والعكس صادق) وهو المطلوب.
لأن الخلل إما في الهيئة وإما في المادة كما سيأتي في آخر البحث يعني: في المنْطِق.
(وإنما قال: كُلّيّة ولم يقل: كنفسها؛ لأنه إنما تعرَّض للعكس بحسب الكم دون الجهة، والكلامُ عليه) يعني: على العكس.
(بحسَب الجهة طويل) يُطلب من المطولات.
قال هنا: (وإنما قال: كُلّيّة ولم يقل: كنفسها؛ لأنه إنما تعرَّض للعكس) معناه: أن الكُلّيّة والجزئية عبارة عن الكمية التي الكلام فيها.
ولذلك عبَّر بها بخلاف ما لو عبَّر بالنفس، فإنها ليست من الكمية.
والجهةُ وإن كانت لا تدخل في نفس القضية؛ لأنها صفة للنسبة لكنه ربما تُوهِّم شمول النفس لها فيقتضي أنه تعرَّض للعُكوس باعتبارها والواقع بخلافه.
إذاً مرادُه: لم يتعرض للعكوس باعتبار الجهات؛ لأن الكلام فيها طويل.
قال: (وَالٍسَّالِبَةُ الجُزْئِيَّةُ لَا عَكْسَ لَهَا).
السالبة الجزئية الذي عبَّر عنها: لاجتماع الخستين: الخسة الأولى وهي الجزئية، الثانية السلب. السلب يقابله الإيجاب والإيجاب أكمل، والجزئية يقابلها الكُلّيّة والكُلّيّة أكمل.
إذاً: اجتمع فيها النقصان .. الخستان: السلب والجزئية. هذه لا عكس لها.
(لُزُومًا) يعني: لا يلزم.
ولذلك قال: (وَالٍسَّالِبَةُ الجُزْئِيَّةُ لَا عَكْسَ لَهَا لُزُومًا) قال العطار: (هو محط النفي.
فلا ينافي أنها تنعكس في بعض المواد لكنه غير مطرد) فإذا لم يكن مطرداً فلا قاعدة.
(وإلا لانتقض بمادةٍ) يعني: العكس.
(وإلا) أي: بأن قلنا بانعكاس السالبة الجزئية.
(لانتقض بمادة يكون الموضوع فيها أعمَّ من المحمول، فيصدُق سلبُ الأخص عن بعض الأعم، ولا يصدُق سلبُ الأعم عن بعض الأخص) هذه قاعدة.
(لأن الأخص كلٌ، والأعم جزءه. فيلزم عليه وجود الكل بدون جزئه وهو محال).
قال: قوله: سلبُ الأخص عن بعض أفراد الأعم أي: الذي في الأصل، وسلبُ الأعم عن بعض الأخص أي: الذي في العكس.
(فَإِنَّهُ يَصْدُقُ) قولنا: (بَعْضُ الحَيَوَانِ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ، وَلَا يَصْدُقُ عَكْسُهُ)(بعض الإنسان ليس بحيوان) لا يصدُق؛ لصدْق نقيضِه وهو: كل إنسانٍ حيوان.
(لصدق نقيضه) أي: نقيض العكس الأخير: بعض الإنسان ليس بحيوان، وهو: كل إنسان حيوان.
(وإلا لوُجد الكل بدون الجزء وهو محال).
قال هنا: لأن الأخص كلٌ والأعم جزءه، فيلزم عليه وجود الكل بدون جزئه وهو محال).
(وقيَّد بقوله: لزوماً لأنه قد يصدُق العكس في بعض المواد أي: الأمثلة.
مثلاً: يصدُق بعض الإنسان ليس بحجر، ويصدُق عكسُه أيضاً وهو بعض الحجر ليس بإنسان) صدَق إذاً، إذاً: لا عكس.
لكن ليس مطرداً، ولمَّا لم يكن مطرداً حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو عدم التقعيد.
(ولما فرغ مما يتوقف عليه القياس من القضايا وما يعرِض لها من تناقضٍ وغيرِه) وهو العكس (أخذ في بيان القياس وهو المقصود الأهم؛ لأنه العُمدة في تحصيل المطالب التصديقية فقال: الْقِياسُ) والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!