المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على - شرح المطلع على متن إيساغوجي - جـ ١٣

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ:

وقفنا عند قول المصنف رحمه الله تعالى: (ولما فرغ مما يتوقف عليه القياس من القضايا، وما يعرِض لها من تناقضٍ وغيره، أَخذَ في بيان القياس وهو المقصود) يعني: للمنطقي، وهو المقصود الأهم.

(وغيرِه) لا يُعنى به إلا القياس المستوي، وهو عامٌ مرادٌ به خاص.

(أخذ في بيان القياس وهو المقصود) أي: للمنطقي.

(الأهم) يعني: مقدَّمٌ على غيره.

(لأنَّ المقصود بالذات من العلوم المدونة الأحكامُ) هذا المقصود، التصورات هذه وسيلة وليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود هو التصديقات، التصديقات إنما هي الأحكام وهي التي تؤخذ من هذا الباب.

(لأنَّ المقصود بالذات من العلوم المدونة الأحكامُ التي إدراكُها يسمى تصديقاً، والمعاني التي إدراكُها يسمى تصوراً لا تُطلب في العلوم المدونة لذاتها، بل لكونها وسائط ووسائل للتصديقات، والإدراكات التصديقية أشرفُ منها) ولا شك هي العلوم.

(وأعلى) يعني: منها.

(وغرضُ المنطقي: بيان الطريق الموصل إلى المجهول التصوري، والطريق الموصل إلى المجهول التصديقي.

والقياس: هو الموصل إلى التصديق. فهو أشرف الطريقين وإنما لم يُقدَّم في الوضع لتقدُّم التصور عليه في الطبع؛ إذ الحكم على المجهول أو به محال).

حينئذٍ إذا قيل بأنه أشرف وأنه أعلى، لماذا لم يقدمه على التصور؟

نقول: لا يمكن، التصور جزءٌ، كل تصديقٍ يتضمن تصورات ومن غير عكس.

إذاً: لا بد أن يكون مقدَّماً عليه بالطبع، فيقدَّم عليه بالوضع؛ إذْ الحكمُ على المجهول غير المتصوَّر هذا محال.

كذلك الحكم بالمجهول أو على المجهول، به وعليه. نقول: هذا يُعتبر محالاً.

قال: (لأنه العمدة في تحصيل المطالب التصديقية لأنه القياس).

(العمدة) أي: المعوَّل عليه المُعتدُّ به دون الاستقراء والتمثيل، فقال رحمه الله تعالى:(الْقِياسُ) أي: هذا باب القياس. هذه ترجمة لهذا الباب وهو خاتمة هذه الأبواب؛ لأن المباحث خمسة كما مر، خاتمتُها الخامس هو القياس.

قال: (وهو لغة: تقدير شيءٍ على مثالِ آخر. بإضافة مثال إلى آخر) ليس على مثالٍ آخر، على مثالِ آخر بالإضافة: مضاف ومضاف إليه.

(بإضافة مثالِ إلى آخر: على مثالِ شيءٍ آخرَ، كتقدير الثوب على الآلة المسماة بالذراع، فإن الآلة المذكورة مثالٌ لما في الذهن المقدَّر.

فالذراع حقيقةً هو الذي في الذهن، والآلة المحسوسة مثال) كالميزان الذي يُقدَّر به الأشياء.

ولذلك سُمي كذلك القياس بالميزان.

قال المحشي هنا: (على مثالِ آخر أي: يعرِضه على مثال شيءٍ آخر، فمثال مضاف لآخر كتقدير الثوب بعرْضه على الآلة المسماة ذراعاً التي هي مثالٌ للذراع الحقيقي المستحضَر في الذهن).

(واصطلاحاً) أي: هنا عند المناطقة، ليس مطلقاً فيشمل القياس عند الأصوليين.

ص: 1

قال: (هُوَ قَوْلٌ مَلْفُوظٌ أَوْ مَعْقُولٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ أَقْوَالٍ مَتَى سُلِّمَتْ لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ) هذا تعريف القياس هنا.

(قَوْلٌ)، (مُؤَلَّفٌ مِنْ أَقْوَالٍ مَتَى سُلِّمَتْ لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ).

(قَوْلٌ) مر معنا المراد بالقول، وهذا جنس شمل القياس والقضية الواحدة مطلقاً.

وبعضهم خصَّه بالمركب التام، فإذا قيل أنه جنس كما قال المحشي هنا: شمل القياس والقضية الواحدة مطلقاً. حينئذٍ يكون تاماً.

ومر معنا أن القول قد يُفسَّر بالأقوال التامة والناقصة، وهما اصطلاحان والله أعلم أنه قد يُفسَّر في موضع بمعنى وفي موضع آخر بمعنى آخر، لكن المراد هنا التامة؛ لأنه سيأتي يقول:(قَوْلٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ أَقْوَالٍ) المراد بالأقوال هنا قضايا .. مقدمتين، وكل مقدمة هي قولٌ تام .. مركَّب تام.

إذاً: لا يتأتى هنا المركّب الناقص، ولذلك عيَّنه (أي: مركَّبٌ تامٌ جنسٌ شمِل القياس والقضية) يعني: القضية الواحدة.

قال: (قَوْلٌ مَلْفُوظٌ أَوْ مَعْقُولٌ) وحينئذٍ فسَّر القول بالملفوظ أو المعقول كما هو الشأن في القول الشارح، وكما هو الشأن في تعريف القضية: قولٌ يصح أن يقال لقائله صادقٌ فيه أو كاذب.

فالتعميم هنا لأن الأصل في حملِ هذه المصطلحات على المعقولات، ولكن لما كان اللفظ وسيلة في تأديتها حينئذٍ لا بد من مراعاة اللفظ، هل اللفظ مشترَك، أو أنه حقيقةٌ وفي بعضها مجازٌ، أو أنه متواطئ كما مر معنا؟ هذا محل خلاف، ولكن لا بد من التعميم خاصة في هذه المواضع (قَوْلٌ مَلْفُوظٌ أَوْ مَعْقُولٌ) وأو هنا للتنويع.

(قال بعضهم: القياس، والقضية، والقول) هذه ثلاثة ألفاظ، كذا قال العطار.

(القياس، والقضية، والقول. إما مشترَك لفظي أو حقيقةٌ ومجاز، إما في اللفظ أو في المعنى) كما قيل: حقيقةٌ في اللفظ مجازٌ في المعقول، المعنى المراد به المعقول، وقيل: بالعكس، وقيل: مشترَكٌ بينهما. هذه ثلاثة أقوال.

أما الاحتمال الرابع فلا مساغ له.

(وفي حاشية السيالكوتي على الخيالي: الحق أن إطلاق الدليل على الملفوظ مجازٌ، باعتبار دلالته على ما هو الدليل في الحقيقة أعني المعقول).

إطلاق الدليل، قد يُطلِق بعضهم الدليل يريد به القياس .. إطلاق القياس أو الدليل على المعقول حقيقة، وإطلاقُه على الملفوظ مجازٌ؛ لأن القاعدة في هذا الفن أنه يُبحث في المعقولات لا في الملفوظات.

قال: (الحق أن إطلاق الدليل على الملفوظ مجازٌ، باعتبار دلالته على ما هو الدليل في الحقيقة أعني المعقول.

وقال قبل ذلك: الأظهرُ أن يقال هذا في المؤلَّف أي: الشمولي للملفوظ والمعقول.

وأما القول فيختص بالمعقول) هذا على قول.

قال العطار: فعلى ما حققه السيالكوتي يظهر لك أنه لا وجه لتقديم الملفوظ على المعقول) كما صنع المصنف هنا قال: (مَلْفُوظٌ أَوْ مَعْقُولٌ).

(وقد يقال: التقديم لملاحظة أن الملفوظ دالٌ، فهو من هذه الحيثية سابق في الاعتبار).

إذاً: (قَوْلٌ مَلْفُوظٌ أَوْ مَعْقُولٌ) هذا تعميم؛ ليشمل القول اللفظ، ويشمل القول كذلك المعقول، وإن كان الأصل حقيقةً حملُ اللفظ على المعقول.

ص: 2

ثم هل هو مشترَك أو مجازٌ في الملفوظ أو متواطئ؟ هذا محل نزاع، والأمر فيه واسع.

قال: (مُؤَلَّفٌ) قيل: مستدرَك هذا (مُؤَلَّفٌ) لأنَّ: (قَوْلٌ) و (مُؤَلَّفٌ) بمعنًى واحد.

(قيل: مستدرَكٌ لأن المؤلَّف مرادفٌ للقول في اصطلاحهم، وإنما ذُكر في التعريف توطئة ليتعلق به قولُه: مِنْ أَقْوَالٍ).

حينئذٍ (مُؤَلَّفٌ) هذا هو بمعنى القول، ما الفرق بينهما؟ لا فرق بينهما، فالمؤلَّف هو المركَّب التام معقولاً أو ملفوظاً، وكذلك القول هو المركَّب التام معقولاً أو ملفوظاً.

إذاً: لماذا ذكر هذه اللفظة وهي مرادفة للقول؟ نقول: توطئة، بمعنى أنه يجعلُه متعلَّقاً لقوله:(مِنْ أَقْوَالٍ) تمهيد.

(مُؤَلَّفٌ إنما ذُكر ليتعلق به قوله: مِنْ أَقْوَالٍ، وإلا فقوله: قَوْلٌ مغنٍ عنه).

(مِنْ أَقْوَالٍ)(منْ هذه تبعيضية فلا يَحتاج لتأويل الأقوال بما فوق الواحد يعني: باثنين، وقد قيل: كل جمعٍ يُذكر في التعريف مرادٌ به ما فوق الواحد).

إذا قيل: (مِنْ أَقْوَالٍ) المراد به القولان فأكثر، والمراد بالقول هنا القضية والمقدِّمة .. مقدمتين فأكثر.

فحينئذٍ (مِنْ أَقْوَالٍ) ظاهرُه أنَّ أقل الجمع ثلاثة، حينئذٍ لا يتألف القياس إلا من ثلاث مقدِّمات، هل هذا مراد؟ الجواب: لا.

فحينئذٍ نقول: مِنْ تبعيضية أو نقول: في استخدام هذا الفن كثيراً ما يُطلق الجمع ويُراد به الإثنان، وحينئذٍ (مِنْ أَقْوَالٍ) يُفسَّر بالقولين.

(وقد قيل: كل جمعٍ يُذكر في التعريف مرادٌ به ما فوق الواحد.

والمراد بأقوال هنا القضايا صادقةً كانت أو كاذبة) يعني: لا يُشترط فيها الصدق، ولذلك أطلقها.

قال: (قولين فأكثر) فأكثر هذا أراد به أن الجمع هنا ما فوق الواحد.

(إشارة إلى أنه أراد بالجمع ما زاد على واحد، ضرورةَ صحةِ تأليف القياس من مقدمتين.

(مَتَى سُلِّمَتْ) يعني: هذه الأقوال.

(مَتَى سُلِّمَتْ) هذه الأقوال (لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ).

(مَتَى سُلِّمَتْ) يدخل فيه القياس الصادق والمقدِّمات.

(كقولنا: كل إنسان حيوان وكل حيوان جسم) كل إنسان جسم.

(والكاذب المقدِّمات كقول القائل: كل إنسانٍ فرس) هذه كاذبة (وكل فرسٍ صهَّال) هذه صادقة.

(لأن القياس من حيث هو قياس إنما يجب أن يؤخذ بحيث يشمل البرهاني والجدلي والخَطابي والسفسطائي، والشعري) فيعُم جميع الأدلة الآتية.

فيدخل فيه الشعر، ويدخل فيه الجدل وهو نوعٌ من أنواع الأدلة عندهم، وكذلك يدخل فيه البرهان، والخَطابة .. ونحوها، فلا بد من التعميم.

وبعضها مشتملٌ على قضايا كاذبة قطعاً كالسفسطة فيها قضايا كاذبة، يقول: هذا فرسٌ. ثم يبني عليه، نقول: القضية هذه الصغرى كاذبة.

إذاً: قوله: (مَتَى سُلِّمَتْ) فيه إشارة إلى أن القضايا هذه لا يُشترط فيها أن تكون صادقة. يعني: المقدمتان فأكثر قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة، فشمل حينئذٍ كل قياس. فيُنظر إليه من هذه الحيثية.

(مَتَى سُلِّمَتْ) أي: الأقوال (لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا).

قال هنا: (لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا أي: لزوماً ذهنياً.

ص: 3

بمعنى: أنه متى حصلت الأقوال في الذهن انتقل إلى القول الآخر) الذي هو النتيجة، تتصور القياس .. معلوم، العالم متغيِّر وكل متغير حادث العالم حادث، استحضِر هذا في ذهنك تفهم التعريف.

إذاً قوله: (مُؤَلَّفٌ مِنْ أَقْوَالٍ) من قولين فأكثر: العالم متغير وكل متغير حادث، العالم حادث إذاً: هذه نتيجة.

متى سُلِّم النظر في تلك المقدمتين -يعني: كلٌ منهما صادقة على فرض صدقها وقد تكون كاذبةً كما مر- حينئذٍ يلزم من هاتين المقدمتين قولٌ آخر، هذا القول الآخر يسمى نتيجة؛ إذ كل قياس لا بد له من نتائج.

حينئذٍ إذا نُظر في المقدمتين قد يُتوصَّل بالانتقال الآتي ذكرُه -وخاصة في باب الأشكال- يُتوصل بالنظر والتأمل والتفكر في هاتين المقدمتين لذات المقدمتين، دون واسطة خارجة عن المقدمتين.

ولذلك قال: (لِذَاتِهَا) أي: لذات المقدمتين؛ لأنه قد يأتي قياس المساوي .. أنه قد يستلزم النتيجة لكن بالنظر لمقدمة خارجة عن المقدمتين.

هذا نقول: نعم سُلِّمت القضايا ولزم منها قولٌ آخر وهو النتيجة، لكن لا لذات المقدمتين، حينئذٍ لا يكون داخلاً معنا.

ولذلك قال: (لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا)(أي: لزوماً ذهنياً. بمعنى أنه متى حصلَت الأقوال في الذهن) مع الارتباط كما سيأتي ليس هكذا، إنما لا بد من الموضوع يكون محمولاً، وفي الصغرى موضوعاً في الكبرى، الحد الأوسط يكون داخلاً، التكرار .. سيأتي بحثه.

(في الذهن انتقل إلى القول الآخر).

قال العطار هنا: (قوله: لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا. لا يخفى أن الاستلزام ظاهرٌ في القياس العقلي) هذا واضح.

كون الشيء يستلزم الشيء هذا في العقلي واضح، لكن لو كتبت هكذا في اللفظ: العالم متغيِّر وكل متغيِّر حادث. هل هذا اللفظ يستلزم النتيجة؟ اللفظ لا يستلزم شيئاً، إنما الذي يستلزم الذي يكون في الذهن، هذا واضح بيِّن.

إذاً: يختص حينئذٍ الاستلزام بالمعقول، ونحن قد أدخلنا الملفوظ فكيف يستلزم؟ بل يكاد يكون بحثُنا هنا في الملفوظات، والملفوظات دوال المعقول.

حينئذٍ كيف نقول بأن الاستلزام قد وقع واللفظ لا يستلزم شيئاً؟ وإذا كان كذلك فانحصر الاستلزام في الذهن.

قال العطار: (لا يخفى أن الاستلزام ظاهرٌ في القياس العقلي).

العالم متغيِّر وكل متغيِّر حادِث، هذا قياسٌ عقلي لفظي. كيف قياس عقلي لفظي؟

لفظي لأنك تنطق به وتكتبه، وقياس عقلي لأن مدلوله في الذهن .. رتَّبته في الذهن: العالم متغيِّر، أدركتَ الموضوع والمحمول، وكل متغير حادث أدركت الموضوع والمحمول، أدركت الترابط بينهما .. هذا كله في العقل.

حينئذٍ هذا قياسٌ عقلي؛ لأنه جاء بالنظر العقلي، وأما إذا تلفَّظت به صار قياساً لفظياً، والذي استلزم هو الذي في العقلي.

قال هنا: (لا يخفى أن الاستلزام ظاهرٌ في القياس العقلي، وأما اللفظي ففيه إشكال؛ لأن التلفظ بالدليل لا يستلزم المدلول.

وأفاد السيالكوتي أنَّ تلفظ الدليل يستلزم التعقُّل بالنسبة إلى العالِم بالوضع.

بمعنى: أن التلفظ آلةٌ لملاحظة ذلك المتعقَّل بالنسبة إلى العالِم) وهو ما يمر معنا دائماً: دال المعقول.

ص: 4

حينئذٍ التلفظ يستلزم التعقل، التعقل الذي هو التصور، فإذا حصل التصور حينئذٍ صار هذا اللفظ دليلاً على المعقول، فحينئذٍ المعقول إما ابتداءً وإما بواسطة اللفظ.

(وليس المقصود من التلفظ إلا إحضارُ ذلك المتعقَّل في الذهن، فالملحوظ المستلزَم هاهنا هو المعاني، إلا أنه في قالَب الألفاظ فيصدق عليه أنه مؤلَّفٌ يستلزم لذاته قولاً آخر، بمعنى أنه كلما تلفظ به العالِم بالوضع لزِمه العلم بالمطلوب الخبري .. ) إلى آخر كلامه.

إذاً: النظر في دلالة المقدمتين استلزاماً للنتيجة باعتبار اللفظ لا لذات اللفظ، بل بكونه متعقَّلاً في الذهن، حينئذٍ رجَع إلى المعقول، واللفظ والتلفظ يكون دالاً فقط، وإلا القياس في الأصل هو القياس العقلي.

قال هنا: (مَتَى سُلِّمَتْ لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ).

(لَزِمَ)(مراده اللزوم الذهني بمعنى: أن المقدمتين متى حصلتا في الذهن انتقل الذهن إلى النتيجة، سواءٌ كان اللزوم بيِّناً) ما هو اللزوم البيّن؟ الذي لا يحتاج إلى دليل.

(كما في الشكل الأول أو غير بيِّن) وهو الذي يحتاج إلى دليل (كما في بقية الأشكال.

ثم إن أُريد باللزوم عدم الانفكاك عقلاً كان التعريف جارياً على مذهب الحكماء والمعتزلة، وإن أُريد عدم الانفكاك في الجملة سواءٌ كان عقلياً أو عادياً صح على رأي الأشاعرة).

يعني: هل الدليل هنا يستلزم المدلول عقلاً أو ضرورة أو عادة؟ عادة، قد يتخلَّف.

قال هنا: (مَتَى سُلِّمَتْ لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ).

قال: (قَوْلٌ آخَرُ. فصلٌ مخرجٌ مجموع قولين -يعني: قضيتين- كجاء زيدٌ وذهب عمروٌ، فإنَّ مجموعَهما وإن استلزَم إحداهما استلزام الكل لجزئه لكن اللازم ليس مغايراً لكلٍ منهما، بل عينُ إحداهما.

وأيضاً ليس لكل واحدة منهما دَخَلٌ في استلزام الأخرى، وإلا لزِم أن الجزء يستلزم الكل).

يعني: ليس كلما ضُمَّت قضيتان قيل أنَّ كلاً منهما يستلزم الآخر. نقول: جاء زيدٌ وذهب عمروٌ ليس بينهما استلزام؛ لأن هذا الاستلزام لا بد أن يكون منطبقاً على القواعد الآتي ذكرُها في الأشكال ونحوها. يعني: لا بد من وجود الحد الأوسط، ولا بد من تَكراره، لا بد أن يكون من الأشكال الأربعة، لا بد أن يكون منتِجاً.

حينئذٍ يكون مستلزماً، وأما هكذا ضمُّ قضية إلى قضية ثم يقول: هذا قياس لا، ليس كل قضية تُضم مع أخرى نقول: هذا قياس، بل لا بد من استيفاء الشروط الآتي ذِكرُها.

قال: (مَتَى سُلِّمَتْ لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ)(أي: مغايرٌ لكلٍ منهما) يعني: عنى بكون هذا القول .. بكونه آخر يعني: مغايِر.

يعني: ليس هو عين المقدمة الصغرى وليس هو عين المقدمة الكبرى، بل لا بد أن تكون النتيجة مغايِرة.

ولو كانت من حيث المادة موجودة مذكورة يعني: من حيث الموضوع والمحمول: العالم متغيِّر وكل متغيِّر حادث العالم حادث، جملة: العالم حادث مبتدأ وخبر وموضوع ومحمول ليست موجودة، لكن كلمة "العالم" ملفوظٌ بها، وكذلك "حادث" ملفوظٌ بها.

إذاً: المراد (قَوْلٌ آخَرُ) هنا أنه مغايرٌ لكلٍ من المقدمتين، ولا يكون عين إحدى المقدمتين.

(قَوْلٌ آخَرُ)(أي: مغايرٌ لكلٍ منها) أي: الأقوال.

ص: 5

(بحيث لا يكون عينَ قضية منها، وإن كان مؤلفاً من حدودها، وحاصل معنى المغايرة هنا: أن لا يكون القولُ عينَ الصغرى ولا نفس الكبرى) عين ونفس بمعنى واحد.

قال هنا: (فالمؤلَّف من قولين. كقولنا: العالم متغيِّر وكل متغيِّر حادث، وهذا مؤلَّفٌ من قولين يلزم عنهما -عن القولين- قولٌ آخر وهو النتيجة) وهو العالم حادث.

(والمؤلَّف من أكثر من قولين) لأنه قال: من قولين فأكثر.

مُفادُه: أنَّ القياس قد يتألف من أكثر من مقدمتين، لكن بالتنصيص أنه لا يتألف من قضية واحدة، ولذلك قلنا: من أقوال خرج من قضية واحدة، ولذلك قولُه:(قَوْلٌ) شمل القياس -وهو جنس- شمل القياس والقضية الواحدة، من قولين أو من أقوال أخرج القضية الواحدة.

إذاً: القضية الواحدة لا تسمى قياساً، وإن استلزَمَتْ؟ وإن استلزمت؛ لأن الجملة الواحدة تستلزم نقيضها، وكذلك الأصل يستلزم عكْسَه. إذاً: فيه معنى الاستلزام لكنه لا يسمى قياساً؛ لأن القياس لا يكون من قضية واحدة، فلو كانت مستلزِمة لشيءٍ آخر إلا أنه لا يكون قياساً.

قال: (والمؤلَّف من أكثر من قولين كقولنا: النبَّاشُ) النبَّاش هذا السارق، لكنه سارق خاص يعني: يسرِق الأكفان.

(النبَّاش)(أي: لقبرِ الميت عَقِبَ دفنِه؛ لأَخذِ كفنِه).

(النبّاش آخِذٌ للمال) الكفن يعني، الكفن مال.

(النبّاش آخذٌ للمال خُفْية) هذه مقدمة.

(وكل آخذٍ للمال خفيةً سارق) هذه كبرى، والسابقة صغرى.

(وكل سارقٍ تُقطع يدُه) هذه ثلاث (فهذا مؤلَّفٌ من ثلاثة أقوال، يلزم عنها قولٌ آخر وهو: النبّاش تُقطعُ يدُه).

إذاً: هذا مثالٌ لقياس مؤلَّف من ثلاث مقدمات: الأُولى: النبَّاش آخذٌ للمال خفية.

الثانية: كل آخذٍ للمال خفية سارق.

وكل سارق تُقطع يدُه. فهذا مؤلفٌ من ثلاثة أقوال يلزم عنها قولٌ آخر: والنبّاش تُقطع يدُه، هذا يسمى قياساً مركباً.

والأول قال: يسمى قياساً بسيطاً والثاني: قياساً مركباً.

(يسمى قياساً بسيطاً، تسميتُه بذلك لمقابلة المركّب الذي هو من أكثر من مقدمتين -تقابل بسيط ومركَّب- وإلا فهو مركَّبٌ أيضاً) هو مركَّب .. مؤلَّف من قضيتين.

إذاً: التركيب موجود هنا وموجودٌ هنا، لكن لما كان في مقابلة ما زاد على قضيتين .. مقدِّمتين، فحينئذٍ سُمّي بسيطاً.

يعني: جاء على أصله، أقل ما يصدُق عليه أنه قياس مقدمتان، فسُمّي بسيطاً. إن زاد على ذلك فهو مركَّب لزيادته على الأصل.

(وإلا فهو مركَّبٌ أيضاً، لكنهم قصدوا المغايرة بينهما في التسمية رفعاً للالتباس.

وخصوا البساطة به لأن المقدمتين أقلُّ من الثلاثة فهو إلى البساطة أقرب، بل جاء على أصله.

أو أنه لما كان بحسب الظاهر مركباً من قياسين ناسَب أن يسمى مركَّباً في مقابلة البسيط المركَّب من مقدمتين.

ثم الحقُّ: أن القياس إنما يتركب من مقدمتين فقط) وأما هذه الثلاث المقدمات فهي قياسان متداخلان يعني: قياسان مؤلفان من قياسين بسيطين، حُذِفت فيه إحدى النتيجتين.

يعني: القياس الأول حُذفت نتيجتُه، فحينئذٍ جيء بكبرى جُعلت ضمناً مع صغرى النتيجة -القياس الأول- لكنها لم يُلفظ بها، بل هي محذوفة، فحينئذٍ جُعل قياس في ضمن قياس.

(ثم الحق: أن القياس إنما يتركب من مقدمتين فقط.

ص: 6

فقوله: النبّاش .. ) إلى آخره .. السابق.

(قياسان بسيطان، أُخذت نتيجة إحداهما وجُعِلت صغرى في الثاني، وهو قسمان:

ما ذُكرت فيه نتيجةُ كل قياس ويسمى موصول النتائج) يُنصُّ عليها، سيأتي.

(وما لم يُذكر فيه نتائج يسمى مطويَ النتائج ومفصولها) مطوي النتائج: طويت فيه النتيجة يعني: لم تُذكر بل حُذِفت.

إذاً: ليس عندنا قياس مركَّب من ثلاث مقدِّمات.

إن وُجد كالمثال المذكور نقول: هذان قياسان بسيطان، قد تُذكر نتيجة القياس الأول البسيط وقد تُحذف، إن ذُكِرت فحينئذٍ يسمى متصل النتائج، وإن حُذفت يسمى مطوي النتائج ومفصولها. هذا يسمى قياساً بسيطاً.

قال هنا: (والأول يسمى قياساً بسيطاً) ما هو الأول؟ المؤلَّف من قولين، المثال السابق: العالم متغيِّر وكل متغيِّر حادث العالم حادث، هذا يسمى قياساً بسيطاً.

قال: (والأول يسمى قياساً بسيطاً) أي: المؤلَّف من قولين.

(والثاني قياساً مركباً) الثاني الذي هو النبَّاش .. إلى آخره (مركباً؛ لتركُّبِه من قياسين).

أي: نتيجةُ أولهما صغرى للثاني ولم تُذكر في المثال المذكور؛ لكونها معلومة، والأصل هكذا: النبّاش آخذٌ للمال خفية، وكل آخذٍ للمال خُفية سارق، فالنباش سارق. نتيجة .. هذا قياس.

النبّاش سارق وكل سارق تُقطع يدُه، إذاً: النبّاش تُقطع يدُه.

إذاً: عندنا قياسان حُذفت النتيجة -نتيجة القياس الأول- وجيء بالكبرى مركبة معها وهي محذوفة مقدرة، والمحذوف للعلم به كالمذكور [وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ] لكن لا بد أن يكون المحذوف كالمذكور، فإذا كان كذلك فحينئذٍ نقول: هذا قياسٌ بسيط حُذفت نتيجتُه ورُكِّب مع نتيجته قياس آخر.

قال: (وكل سارقٍ تُقطع يدُه، وكون القياس مركباً فالنبّاش سارقٌ، وكل سارقٍ تُقطع يدُه.

وكون القياس مركَّباً من ثلاث قضايا أمرٌ ظاهري، وفي الحقيقة هما قياسان بسيطان).

قال: (فخرج عن أن يكون قياساً القولُ الواحد أي: عُرفاً. وإن تركب من قولين).

القول الواحد يعني: القضية الواحدة، فلا تكون قياساً.

(فخرج عن أن يكون قياساً القول الواحد أي: عُرفاً).

لماذا قال: عُرفاً؟ يعني: في الحقيقة العرفية؛ لأنه إذا قلت مثلاً: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، هذه قضية واحدة .. شرطية لزومية متصلة.

إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. كم جملة فيها؟ جملتان: الشمس طالعة، والنهار موجود.

لكن في العُرف جُعلت قضية واحدة، إذا قلت: كل إنسانٍ حيوان. هذه قضية واحدة لا شك فيها؛ لأنها حملية، وإذا قلت: إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، حينئذٍ نقول: هذا مؤلفٌ من قضيتين .. من جملتين.

لكن في العُرف عند المناطقة هي قضية واحدة، ولذلك تكون مقدَّماً ويأتي تالي .. إلى آخره.

قال: (القول الواحد أي: عُرفاً. وإن تركَّب من قولين بحسب الأصل نحوُ: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، ونحو: متى كان كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود) هذه قضية واحدة.

فمتى كان كلما كانت الشمس طالعة فالليل ليس بموجود، كل هذه قضايا واحدة، وإن كانت في الحقيقة مؤلفة من قضيتين .. مقدمتين، أو من جملتين، لكنها مقدِّمة واحدة.

ص: 7

قال: (فخرج عن أن يكون قياساً القولُ الواحد. وإن لزم عنه لذاته قولٌ آخر كعكسه المستوي) كما ذكرتُ سابقاً: أنه ليس كلما لزم عن المقدمة أو الجملة أو القضية قولٌ آخر صار قياساً لا، ولذلك القول الواحد قد يستلزم عكسَه المستوي، لكن لا يكون قياساً.

قال: (وإن لزم عنه لذاته قولٌ آخر نحو: كل إنسانٍ حيوان. فإنه يلزمه عكسُه المستوي وهو: بعض الحيوان إنسان، وعكسُ نقيضِه الموافق وهو: كل ما ليس بحيوان ليس بإنسان، وعكس نقيضه المخالِف وهو: لا شيء مما ليس بحيوان بإنسان).

إذاً: (فخرج عن أن يكون قياساً القولُ الواحد) يعني: القضية الواحدة (عُرفاً).

(وإن لزم عنه) عن القول الواحد.

(لذاته) لا لأمرٍ خارجٍ؛ لأنه موافق هنا، لو كان لأمرٍ خارج لا يرِد، ولكن لما كان لذاته لا بواسطة مقدِّمة خارجة حينئذٍ ورَد الإشكال.

قال: (وإن لزم عنه) يعني: الواو حالية هنا.

(وإن لزم عنه لذاته قولٌ آخر كعكسِه المستوي، وعكسُ نقيضه) ومر المثال.

لماذا؟

(لأنه لم يتألف من أقوال) لو قال: من قولين. لكان أحسن، ما دام أنه شرح فيما سبق (من أقوالٍ أي: قولين فأكثر) لو قال هنا: لأنه لم يتألف من قولين. لكان أحسن.

(لأنه لم يتألف عِلَّةٌ لقوله: خرج القولُ الواحد).

قال: (والاستقراءُ) أي: خرج القول الواحد .. وخرج الاستقراء والتمثيل، كلٌ منهما خرج وهو دليلٌ مستقل –الاستقراء-، وكذلك التمثيل المراد به القياس الفقهي: حملُ جزئيٍ على جزئي لعلةٍ، وهذا يسمى قياساً كذلك، والاستقراء يسمى قياساً كذلك، لكنه لا يدخل في هذا الحد، بل هو دليلٌ مستقل.

قال: (والاستقراء، والتمثيل) أراد به الاستقراء غير التام، وسيأتي تعريفُه في آخره.

والتمثيل أراد به القياس الفقهي.

قال: (والظاهر أن الاستقراء والتمثيل لا يخرجان عن القياس وإلا خرجت السفسطة والجدل والخَطابة والشعر لعدم إفادتها اليقين).

هو سيأتي ذكرُه الاستقراء، قلنا: المراد به هنا: الاستقراء غير التام.

الذي يفيد اليقين ما هو؟ الاستقراء التام، والقياس التمثيلي في الجملة عندهم لا يفيد اليقين .. ليس من اليقينيات.

وحينئذٍ سيُذكر له حدٌ خاصٌ في كل منهما، هل هو داخلٌ هنا؟ نقول: لا. ليس بداخل.

لكن هل معنى ذلك أنه لا يسمى قياساً؟ نقول: لا. ليس البحث هنا في كونه هل يسمى قياساً أو لا، لكنه هل هو القياس الذي هو حجة هنا ويُطلق القياس في باب المنْطِق الذي هو الطريق الموصل إلى التصديق المجهول؟ الجواب: لا.

إذاً: فرقٌ بين مسألتين:

هل القياس يُطلق على الاستقراء فيسمى قياس الاستقراء؟ نعم.

هل القياس يُطلق على التمثيل؟ هذا باتفاق؛ لأن الأصوليين هو الذي يُعنون له عندهم، هل يسمى قياساً للتمثيل؟ نعم يسمى قياساً للتمثيل.

لكن هل هو داخلٌ في هذا النوع من القياس؟ الجواب: لا. هذا الذي أراده هنا وسيأتي في آخر الكتاب ذكرُ النوعين.

(والاستقراء والتمثيل؛ لأنهما وإن تألَّفا من أقوالٍ، لكن لا يلزم عنهما -الاستقراء والتمثيل- شيءٌ آخر؛ لإمكان التخلُّف في مدلوليهما عنهما).

الاستقراء أراد به غير التام. إذاً: يمكن أن يتخلف، وسيأتي فيما يأتي.

ص: 8

إذاً: المراد هنا: أنه لا يلزم عنهما شيءٌ آخر: الاستقراء لا يستلزم شيئاً آخر، وقياس التمثيل لا يستلزم شيئاً آخر، هذا المراد هنا.

ولذلك قال: (لإمكان التخلُّفِ في مدلوليهما) يعني: مدلول الاستقراء والتمثيل (عنهما) يعني: ليس ثَم تلازم بينهما.

قال: (وما يلزم عنه قولٌ آخر لا لذاته).

(وما يلزم) أي: وخرج، هذا معطوفٌ على السابق .. على الأول:(خرج القول الواحد والاستقراء والتمثيل، وما يلزم عنه قولٌ آخر) لكن (لا لذاته) هذا عطفٌ على فاعل خرَج أيضاً.

(بل بواسطة مقدمة أجنبية) مقدِّمة أو خصوص مادة، قد يكون لخصوص المادة .. لذاتها -سيأتي مثاله-، وقد يكون لمقدمة أجنبية يعني: خارجة .. ليست مذكورة في القياس.

(وخرج أيضاً ما يلزم لخصوص المادة كما في قولنا: لا شيء من الإنسان بحجر، وكل حجرٍ جماد. فإنه يلزم منه: لا شيء من الإنسان بجماد) لكن لا من ذات المقدمتين وإنما من أمرٍ خارجي.

قال: بل بواسطة مقدمة أجنبية كما في قولنا: فلانٌ المريض يتحرك) هذه صغرى (فهو حيٌ) هنا حذَفَ الكبرى، يجوز حذفُ الصغرى أو الكبرى المعلومة .. المشهورة، فتأتي بمقدمة واحدة تذكُرُها وإذا كان ثَم قضية أو مقدمة مشهورة بينك وبين الخصم أو المستمع جاز لك حذفُها وتأتي بالنتيجة، لكنها تكون مقدرة.

(فلان المريض يتحرك. هذه صغرى، والكبرى محذوفة أي: وكل من يتحرك فهو حيٌ يُنتِج فلان المريض) هذا المخصوص "حيٌ" هذا يسمى قياساً.

هنا بواسطة أنَّ كل متحركٍ بالإرادة حيٌ، لكن هذا يرد عليه إشكال: أنه لا بواسطة مقدمة ليست مذكورة وإنما محذوفة ويجوز الحذف، فإخراج هذا النوع فيه إشكال؛ لأنه من المقرر أنه إذا تألف القياس من مقدمتين جاز حذفُ إحدى المقدمتين، بل يجوز حذف النتيجة أحياناً، ولذلك كثيراً ما يكتفي بعض الممثلين لبعض المسائل قال: العالم متغير كل متغير حادث فقط، ولا يأتي بالنتيجة لأنها معلومة، فيجوز حذفها، لكن ليس معناها أن هذا القياس لا يستلزم نتيجة.

وكذلك قد تأتي بالصغرى وتحذف الكبرى، أو تأتي بالكبرى وتحذف الصغرى، إذا كان كلٌ من المحذوف مشهوراً عند السامع فيجوز، حينئذٍ لا يكون طعناً في القياس، ولا يكون هذه القضية المحذوفة ليست أجنبية وإنما هي من أصل القياس، لكنه حذَفها للعلم بها.

قال هنا: (كل متحرِّك بالإرادة حيٌّ، وكما في قياس المساواة) قياس المساواة من مقدمة أجنبية خارجة عن القياس.

(وكما في قياس المساواة وهو) أي: قياس المساواة (ما يتركب من قولين) هذا جنس شمِل المعرَّف وغيرَه.

(يكون متعلِّقُ محمولِ أولهِّما موضوعَ الآخَر. كقولنا: أَلِف مساوٍ لباء، وباء مساوٍ لجيم) هل يستلزم ألف مساوٍ لجيم؟ نعم يستلزمه، لكن لا لذات المقدمتين، وإنما لمقدمة خارجة: مساوي المساوي مساوي .. مساوي لشيء ساواه زيدٌ ساواه.

لو قلت: هذا إيهاب ساوى محمد، ومحمد ساوى فؤاد. إذاً: إيهاب مساوٍ فؤاد. مساوي المساوي مساوي، هذه المقدمة خارجة يعني: معلومة من الذهن وليست من ذات القياس.

حينئذٍ لزم عن القولين قولاً آخر، لكن لا لذات المقدمتين وإنما لمقدمةٍ أجنبية خارجة عن القياس يعني: استعانة بشيءٍ منفصل.

ص: 9

ولذلك قال: (كقولنا: ألف مساوٍ لباء، وباء مساوٍ لجيم. فإنَّ هذين القولين يستلزمان ألفاً مساوياً لجيم) ألف مساوي لجيم ليس لباء؛ لأنه لم يقل ألف ساوى جيماً، وإنما قال: ألف ساوى باءً، هذه مقدِّمة.

ثم باء مساوٍ لجيم، ما العلاقة بين ألف وجيم؟ متساويان.

(فإنَّ هذين القولين يستلزمان ألفاً مساوٍ لجيم لا لذاتهما بل بواسطة مقدمة أجنبية).

يعني: ليست إحدى مقدمتي القياس بل هي أجنبية، هذا المراد بالأجنبية هنا.

(وهي) أي: هذه المقدمة الأجنبية (أنَّ مساوي المساوي لشيء مساوٍ له).

(لشيء) متعلِّق بقوله: (المساوي) المُحلى بأل .. المتأخر.

(مساوٍ له) أي: لذلك الشيء.

إذاً: هذا ما يسمى بقياس المساواة.

قال العطار: (سُمّي قياس مساواة لأن إنتاجَه يتوقف على مساواة ملزوم جيم، وملزوم ملزوم جيم في النسبة إلى جيم بالملزومية، ومن لم ينتبه لهذا قال: سُمِّي قياس مساواة باعتبار الفرد المُعْتَبر في المساواة، ثم إنه لا وسطَ في قياس المساواة) ليس عندنا وسط متكرر.

(فليس داخلاً حتى يخرج، لكنه لما لم يذكُر في التعريف قيْد تكرُّرِ الوسط احتِيج إلى إخراجه بقوله: بذاته) لا بد من تكرُّر الوسط كما سيأتي.

(والمقصود من إخراج هذه المذكورات عدمُ تسميتها قياساً منطقياً، لا عدمَ تسميتها قياساً مطلقاً؛ لأنها تسمى قياساً بالتقييد: بالتمثيل والاستقراء والمساواة) فخرجت هذه الثلاثة: قياس الاستقراء، قياس التمثيل، قياس المساواة. خرجت كلها من هذا الحد.

قال رحمه الله تعالى: (ولذلك لا يتحقق الاستلزام فيه).

(ولذلك) أي: كونُ إنتاجِه للمقدمة لا لذاته.

(لا يتحقق الاستلزام فيه) يعني: قياس المساواة.

(إلا حيثُ تصدق هذه المقدمة) يعني: الأجنبية، لا بد أن تكون صادقة، فلو كانت كاذبة ما يصح.

مباين المباين للشيء مباينٌ لذلك الشيء، هذه ليست صادقة هذه كاذبة.

قال: (إلا حيث تصدق هذه المقدمة الأجنبية) لا بد أن تكون صادقة.

(كما في قولنا: ألِفٌ ملزومٌ لباء، وباء ملزومٌ لجيم فألِف ملزومٌ لجيم؛ لأن ملزوم الملزوم ملزوم) هذه صادقة أو لا؟ صادقة .. ملزوم الملزوم ملزوم.

(فإن لم تصدق تلك المقدمة) يعني: الأجنبية.

(لم يحصل منه -قياس المساواة- شيءٌ) يعني: نتيجة صادقة.

(كما إذا قلنا: ألف مباينٌ لباء، وباء مباينٌ لجيم. لا يلزم منه أنَّ ألفاً مباينٌ لجيم).

المباينة يعني: المخالَفة .. إذا ألف باين باء وباء باين جيم، لا يلزم أنَّ ألفاً يباين جيماً.

قال: (فإن لم تصدق تلك المقدمة الأجنبية لم يحصل منه -قياس المساواة- شيءٌ –نتيجة- كما إذا قلنا: ألِف مباينٌ لباء، وباء مباينٌ لجيم. لا يلزم منه أنَّ ألفاً مباينٌ لجيم؛ لأنَّ مباين المباين لشيءٍ لا يلزم أن يكون مبايناً له أي: لذلك الشيء.

بل يجوز أن يكون أعم كالحيوان المبايِن للجماد المباين للإنسان).

الحيوان مباينٌ للجماد مخالِف، والجماد مباين للإنسان، الحيوان والإنسان الحيوان أعم من الإنسان.

(وأن يكون أخص كالإنسان المباين للجماد والجماد المباين للحيوان) إنسان وحيوان إنسان أخص.

إذاً: لا يلزم منه المباينة من كل وجه، وإلا الخصوصية والعموم هذا فيه شيءٌ من المباينة.

قال هنا: (لا يلزم أي: أن يكون مبايِناً له.

ص: 10

مثلاً: الإنسان مباين للفرس والفرس مباين للناطق، ولا يخفى أن الإنسان مساوٍ للناطق؛ لأن مباين المباين للشيء لا يلزم أن يكون مبايناً له.

وكذا إذا قلنا: ألِف نِصفُ باء وباء نصف جيم) ألِف نِصفُ باء يعني: اثنين نصف أربعة، وباء نصف جيم يعني: أربعة نصف ثمانية. هل يلزم أن ألف نصف جيم؟ لا. غلط.

ألف نصف باء يعني: اثنين نصف أربعة، وباء نصف جيم يعني: أربعة نصف ثمانية، اثنين نصف ثمانية؟ ما يصح، ما يتأتى. إذاً: ليست مطردة، إنما هي في المساوي فقط، أما التنصيف لا.

(لا يلزم منه أن ألفاً نصفُ جيم) اثنين نصف ثمانية لا يلزم.

(لأنَّ نصفَ نصفِ الشيء لا يكون نِصفاً له) يعني: لذلك الشيء.

(نصف نصف الشيء) نصف نصف الثمانية، (لا يكون نصفاً له) للثمانية.

(والمراد باللزوم) لزِم عنه (ما يعم البيِّن وغيره) كما مر معنا.

(فيتناول القياس الكامل) ما الذي يتناول هنا؟ يعني: حد القياس .. تعريف القياس. تفريعٌ على قوله: (المراد باللزوم ما يعم البيَّن وغيره).

(فيتناول) حينئذٍ تعريفُ القياس (القياسَ الكامل) وهو الشكل الأول.

أعظم ما يُعتمد هنا الشكل الأول، ولذلك إذا ضُبط انتهى الباب .. الشكل الأول ضروبُه وإنتاجُه وحقيقتُه انتهى الباب، هو المعوَّل.

ولذلك هو القياس الكامل عندهم من كل وجه، ولذلك الثاني والثالث يُردَّان إلى الأول.

قال: (الكامل) أي: المستقل باستلزام النتيجة، بحيث لا يحتاج إلى ردٍّ ولا استدلال. بل الثاني والثالث يُردَّان إليه.

قال العطار: (الكامل وهو ما يظهر عنه المطلوب من غير تغيير شيءٍ مما في القياس وهو الشكل الأول) يعني: في الشكل الثاني إذا جيء بالقياس لا بد أن يحصل فيه تغيير، أو عَكْس الصغرى مثلاً في الثاني ليرجع إلى الأول. إذاً: يتغير، والثالث يتغير أما هذا لا، والذي لا يتغير أكمل؛ لأنه يعتبر دليلاً على أنه مستقلٌ بذاته لا يفتقر إلى غيره، بخلاف الشكل الثاني يفتقر إلى الشكل الأول، والثالث يفتقر إلى الشكل .. إذاً: ليس لذاته، ليست به قوة مستقلة، وإنما لا بد من ردِّه إلى الشكل الأول فيتقوَّى ثم بعد ذلك يُنتِج.

ولذلك: (الكامل وهو ما يظهر عنه المطلوب من غير تغيير شيءٍ مما في القياس وهو الشكل الأول.

والقياس الاستثنائي غيرُ الكامل: ما يبيِّن لزوم النتيجة عنه بتغيير وضع الحدود كالشكل الثاني والثالث والرابع) هذا غير بيِّن وغير كامل.

(ثم القول اللازم يجب أن يكون مغايراً لكل واحدٍ من المقدمات، فإنه لو لم يُعتبر ذلك لزم أن يكون كلُّ قضيتين قياساً كيف كانتا لاستلزامهما أحدَهما) هذا قولٌ لبعضهم.

(وفيه: أن المتبادر من التعريف أن القول الآخر هو الباعث للتأليف فهو المترتب عِلمُه على علم المقدمتين) إذاً: لا بد من تلازم.

قال هنا: (فيتناول القياس الكامل وهو الشكل الأول، وغير الكامل وهو الاستثنائي والأشكال غير الشكل الأول، وهو باقي الأشكال.

وأشار بقوله: مَتَى سُلِّمَتْ -يعني: تلك الأقوال- إلى أن تلك الأقوال لا يلزم أن تكون مسلَّمة في نفسها) يعني: صادقة.

(بل أن تكون بحيث لو سُلِّمت أي: وإن كانت كاذبة) لكن نقدِّر ونفرض أنها صادقة، فنركِّب عليها القياس دخل في الحد.

ص: 11

لو قال: أقدِّر أن كل ناطقٍ ناهق .. لو قدَّر هكذا ورتَّب عليه قياس، يكون داخلاً في الحد؟ نعم. يكون داخلاً في الحد.

لو قال: (مَتَى سُلِّمَتْ) يعني: سلَّمها الخصم ولو من باب التنزُّل، فدخلت القضايا الكاذبة.

القضايا الكاذبة القياس يكون فاسداً، لكنه يدخل تحت الحد، وهذا كذلك يقال في القياس الفقهي هناك.

يعني: يكون القياس في ظنِّ المجتهد.

قال: (بقوله: مَتَى سُلِّمَتْ. إلى أن تلك الأقوال لا يلزم أن تكون مسلَّمة في نفسها) يعني: صادقة في نفسها مطابقةً للواقع.

(بل أن تكون بحيث لو سُلِّمت) أي: وإن كانت كاذبة.

(لزم عنها قولٌ آخر؛ ليدخل في التعريف القياس الذي مقدماتُه صادقةٌ -كما مر- والذي مقدماتُه كاذبة. كقولنا: كل إنسانٍ جماد، وكل جماد حمار.

فهذان قولان وإن كذَبا في أنفسهما إلا أنهما بحيث لو سُلِّما لزم عنهما أنَّ كل إنسان حمار؛ لأن لزوم الشيء للشيء كونُ الشيء بحيث لو وجِد وُجد لازمُه).

يعني: يدخل معنا القياس الكاذب، هذا مراده.

متى سُلِّمت تلك الأقوال بمعنى أنه لا يلزم أن تكون صادقة في نفسها مطابقة للواقع، بل متى ما اعتقد .. افترض ولو ذهناً عقلاً، ولو سفسطة أنها صادقة وبنا عليها لزِم عنه قولٌ آخر.

فحينئذٍ يكون هذا القياس بهذا النوع داخلاً في التعريف.

قال: (بل أن تكون بحيث لو سُلِّمت لزم عنها قولٌ آخر؛ ليدخل في التعريف القياس الذي مقدماتُه صادقة) وهذا هو الأصل.

(والذي مقدماتُه كاذبة) يعني: القياس الذي مقدماته كاذبة.

كل إنسان جماد كذِب، باتفاق هذا.

كل جماد حمار كذِب، كذِب في كذب كلُّه: المقدمة الصغرى والمقدمة الكبرى.

(فهذان قولان) المقدمتان (وإن كذبا في أنفسهما إلا أنهما بحيث لو سُلِّما) لو أراد أن يجعلهما قياس ويعتقد أن بينهما تلازم، وأَجرى قواعد الأشكال على هاتين المقدمتين (لزم عنهما أنَّ كل إنسان حمار) ولذلك كل إنسانٍ جماد وكل جماد حمار، الحد الأوسط جماد، هو محمولٌ في الصغرى موضوعٌ في الكبرى.

قال: (لزم عنهما أن كل إنسانٍ حمار؛ لأن لزوم الشيء للشيء) الشيء الأول لازم، والشيء الثاني ملزوم.

(كونُ الشيء) الملزوم (بحيث لو وُجِد) الشيء الملزوم (وُجد لازمه) كوجود الأربعة .. وجود الشيء الأربعة وُجد لازمُه الذي هو الزوجية، وحينئذٍ يلزم منه.

(وإن لم يوجدا في الواقع.

وإنما قال -المصنف في تعريف القياس-: مِنْ أَقْوَالٍ. ولم يقل من مقدمات؛ لئلا يلزم على قول مقدِّمات الدور) لئلا يلزم الدور.

(لأنهم عرَّفوا المقدمة بأنها ما جُعلت جزء قياس، فأخذوا القياس في تعريفها، فلو أُخذت هي أيضاً في تعريفه لزم الدور) ما هو العِلم؟ إدراكُ المعلوم، ما هو المعلوم؟ مشتقٌ من العلم.

اعرف أولاً العِلم ثم تعرف المعلوم، كيف نعرف العلم؟ هو إدراك المعلوم، وتبقى هكذا.

هذا كذلك: ما هي المقدِّمة؟ جزء قياس، قال هنا:(ما جُعلت جزء قياس) ما هو القياس؟ قولٌ مؤلَّف من مقدمين أو من مقدمات، ما هي المقدمة؟ ما جُعلت جزء القياس. هذا يسمى دوراً يعني: كلٌ منهما ينبني على الآخر لا يمكن عِلمُه، تبقى في دوامه.

ففراراً من الدور عبَّر بالأقوال.

قال: (لزِم الدور) أي: لتوقُّفش كلٍ منهما على الآخر بأخذِه في تعريفه.

ص: 12

(لأنهم عرَّفوا المقدِّمة بأنها ما جُعلت جزء قياس، فأخذوا القياس في تعريفها، فلو أُخذت هي أيضاً في تعريفه لزم الدور).

هذا ما يتعلق بتعريف القياس، الآن كله تعريف القياس هذا.

(قَوْلٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ أَقْوَالٍ مَتَى سُلِّمَتْ لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قَوْلٌ آخَرُ) يعني: مغاير لهما.

ثم قسَّم لك القياس إلى نوعين: اقتراني واستثنائي.

(وَهُوَ) أي: القياس.

(إِمَّا اقْتِرَانِيٌ، وَإِمَّا اسْتِثْنَائِيٌ) يعني: اقتراني نسبة إلى الاقتران، واستثنائي نسبة إلى الاستثناء، وهو سهلٌ إن شاء الله.

قال: (إِمَّا اقْتِرَانِيٌ).

(وهو) أي: القياس الاقتراني.

(الذي) أي: القياس.

قلنا: الذي إذا جاءت في التعريف لا بد من جعل المعرَّف أو المقسوم موصوفاً له، هو الذي يكون جنساً.

(وهو الذي) الذي صفة لموصوفٍ محذوف أي: القياس.

(الذي لم يُذكر فيه نتيجةٌ ولا نقيضُها بالفعل).

يعني: ليس المراد أنه ليس له نتيجة لا، له نتيجة، لكن النتيجة أحياناً بلفظِها موضوعِها ومحمولِها تكون منصوصةً في القياس نفسه، وأحياناً لا تكون منصوصة، وإنما تكون المادة موجودة يعني: موضوع النتيجة موجود في إحدى المقدمتين، ومحمول النتيجة موجودٌ في إحدى المقدمتين، لكن التأليف والتركيب هذا غير موجود.

"العالم متغير" هذه مقدمة صغرى، كل متغير حادث، ما هي النتيجة؟ العالم حادث.

هل عندنا في المقدمتين العالم حادث؟ ليس عندنا، كلمة العالم هي موضوع الصغرى "العالم متغير".

وكل متغير حادث، حادث الذي هو محمول النتيجة هو محمول الكبرى.

إذاً: هي موزعة، حينئذٍ وجودُها في المقدمتين بالقوة؛ لأنها مبعثرة فيه، وإذا وُجد الشيء مبعثراً في شيءٍ ما قيل: هو موجودٌ بالقوة لا موجوداً بالفعل.

قال هنا: (وهو الذي لم يُذكر فيه) يعني: في ضمن المقدمتين.

(نتيجةٌ ولا نقيضُ النتيجة، بالفعل) أي: هي مذكورة فيه بالقوة، لماذا؟ (لأن القياس مشتملٌ على مادتها) ما هي مادة النتيجة؟ الموضوع والمحمول.

من أين جئنا بموضوع النتيجة من خارج؟ لا. من ضمن القياس، من أين جئنا بمحمول النتيجة من خارجٍ؟ لا. من ضمن القياس.

فالعالَم متغير كلمتان موجودتان في المقدمتين: الكلمة الأولى .. موضوع النتيجة هو موضوع الصغرى، ومحمولُه هو محمول الكبرى.

إذاً نقول: هي موجودة في القياس في المقدمتين، لكنها بالقوة لا بالفعل.

قال هنا: (لأن القياس مشتملٌ على مادتها وهو الموضوع والمحمول.

ومادة الشيء: ما يكون الشيء به بالقوة كالخشب للسرير فإنه سريرٌ بالقوة).

لو أراد أن يصنع .. ليس كل خشب، لو أراد أن يصنع سريراً فوضع الخشب، حينئذٍ نقول: هذا سريرٌ بالقوة؛ لأنه مادة للسرير، بقيت الصورة فقط، تقول: هذا الخشب سريرٌ، كيف جاء السرير؟ تنام عليه مباشرة لا، لا بد أن يُصنع أولاً.

فحينئذٍ نقول: هو سريرٌ بالقوة.

قال هنا: (كالخشب للسرير فإنه سرير بالقوة، فإن انضم إلى ذلك التأليف المخصوص وهو الجزء الصوري حصل ذلك الشيء بالفعل، والمراد بالقوة الاستعداد للحصول بالفعل).

إذاً: الاقتراني ذُكرت .. هكذا بعبارة مخالفة لِما ذكره المصنف: (الاقتراني دل على النتيجة بالقوة لا بالفعل).

ص: 13

القياس الذي يدل على النتيجة بالقوة. يعني: بمادة نتيجة يسمى قياساً اقترانياً، ولا نحتاج أن نقول: بالفعل ولا نقيضها.

(وهو الذي لم يُذكر فيه نتيجة ولا نقيضها بالفعل).

قال: أي: بمادتها وهيئتها قيْدٌ لإدخال الاقتران في تعريفه، ولو حُذف لم يدخل فيه لِذكرِ نتيجته بالقوة؛ لاشتماله على مادتها.

كقولنا: كل جسمٍ مؤلَّف، وكل مؤلَّفٍ حادث، فكل جسم حادث.

هذه هي النتيجة: هل ذُكرت بعينها؟ لا، هل ذُكرت بنقيضها؟ لا، هل ذُكرت بمادتها؟ نعم، المادة يعني: الموضوع والمحمول ذُكِرا منفردين في ضمن الصغرى والكبرى. نقول: نعم وُجدا بالمادة. أي: بالقوة.

فحينئذٍ هذا القياس دل على النتيجة بالقوة لا بالفعل.

قال: (هذه النتيجة ولم تُذكر هي ولا نقيضُها في القياس بالفعل، نعم ذُكرت فيه بالقوة لاشتماله على مادتها).

إذاً: القياس الاقتراني ضابطُه: هو القياس الذي دل على نتيجةِ القياس بالقوة لا بالفعل، ونفسِّر القوة بأنه قد اشتمل على مادة النتيجة وهي الموضوع والمحمول، لا مضمومين وإنما مفترقان.

قال: (وسُمي اقترانياً لاقتران الحدود) المراد بالحدود: الأصغر والأوسط والأكبر، سيأتي بيانها، اقترنت فيه الحدود.

اقترنت بمعنى أنها اتصلت، كيف اتصلت؟ هنا إما أن يُفصَل بلكن أو لا، القياس الاستثنائي هو الذي يؤتى بلفظ لكن استثنائية هنا عندهم اصطلاح خاص.

حينئذٍ قال: (لاقتران الحدود فيه) يعني: في القياس.

(بلا استثناء) أي: عدم الفصل بينها بلفظ لكن، وهذا إنما يكون في قياس الاستثنائي.

ولذلك تَقرأ: كل جسمٍ مؤلَّف، كل مؤلَّف حادث، وكل جسم حادث. ليس عندنا لكن.

إذاً: لم يُفصَل بين هذه الحدود الثلاثة: الأصغر، والأكبر، والأوسط.

قال هنا: (المراد بها الأصغر والأوسط والأكبر.

سُمِّي ما تنحل إليه المقدمة من موضوعٍ ومحمولٍ أو مقدَّمٍ وتالٍ حداً؛ لأنه ظرفٌ للنسبة، وقيل: سُمي بذلك لأن جمْع المقدمتين فيه بحرف دالٍ على الجمع، واجتماع المقدمتين في التحقيق أعني كلمة الواو العاطفة، كما أنَّ جمْعها في مقابلة الحرف الاستثنائي).

المراد: أنه لم يأتي بحرف لكن، وحرف لكن هي استثنائية وهي التي تختص بالنوع الثاني، هذا النوع الأول.

قال: (وَإِمَّا اسْتِثْنَائِيٌ) نسبة إلى الاستثناء.

(وهو الذي ذُكر فيه نتيجةٌ أو نقيضُها بالفعل) متقابلان.

إذاً: كلٌ من القياس الاستثنائي والاقتراني دلا على النتيجة.

فالنتيجة تؤخذ من القياس نفسه .. من المقدمتين، لكن القياس الاقتراني بالقوة لا بالفعل، القياس الاستثنائي بالفعل. النتيجة إما هي بعينها ملفوظة أو نقيضها، هذا أو ذاك.

ولذلك قال: (وَإِمَّا اسْتِثْنَائِيٌ)(وهو الذي ذُكر فيه نتيجةٌ أو نقيضُها بالفعل).

يعني: أن النتيجة أو نقيضَها مذكورٌ بمادته وهيئته، وإن طرأ عليه ما أخرجه عن كونه قضية وعن احتمال الصدق والكذب) لأنه سيكون جزء قضية.

لأنَّ الشرطية المتصلة هذه مؤلفة من حمليتين: إذا كانت الشمسُ طالعةً فالنهار موجودٌ، كلٌ منهما قد يكون النتيجة هي الجزء الأول، وقد تكون النتيجة هي الجزء الثاني، لا يلزم أن تأتي بالشرطية كاملة لا، وإنما يُذكر فيها -كما سيأتي في الأمثلة- بعضُ المقدمة.

ص: 14

قال هنا: (وهو الذي ذُكر فيه نتيجةٌ أو نقيضها بالفعل. أي: بالمادة والصورة) يعني: بذاتها، بنفسها.

فسَّر ذلك -كونه بالفعل .. أو نقيضها بالفعل- فسَّره بماذا؟ بأن يكون طرفاها أو طرفا نقيضِها مذكورَين فيه يعني: في القياس بالفعل، بأن يكون طرفاها: الموضوع والمحمول، أو المقدَّم والتالي.

قال: (أي: موضوعها ومحمولها إن كانت حملية، ومقدمُها وتاليها إن كانت شرطية، فعبّر بالطرفين لشمولها) يشمل الشرطية كذلك (تصويرٌ لِذكرِها أو نقيضها بالفعل فيه).

(بأن يكون طرفاها) أي: طرفا النتيجة أو طرفا نقيضها.

(مذكورَين) يعني: طرفين (فيه) في القياس بالفعل (أي: المادة والصورة).

قال: (كقولنا) في الثاني، ما هو الثاني؟ ما يتعلق بالنقيض (إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجودٌ لكن) جاء بحرف الاستثناء، سُمِّي استثنائياً للكن هذه.

قل هنا: (إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجودٌ) هذه شرطية متصلة، كبرى مقدَّمها الشمس طالعة، وتاليها النهار موجود.

قال: (لكنَّ النهار ليس بموجود، فالشمس ليست بطالعة) هذه النتيجة، الشمس ليست بطالعة هذه نقيضة الشمس طالعة.

إذاً: ذُكرت النتيجة هنا بنقيضها لا بذاتها، وعرفنا النقيض أنه بالإيجاب والسلب: الشمس طالعة الشمس ليست طالعة. حينئذٍ نقول: الثاني هذا النتيجة نقيضُها مذكورٌ في القياس .. نقيضُ النتيجة مذكور في القياس، فالقياس دل على النتيجة بنقيضها بالفعل، ليست مبعثرة فتجمعُها وإنما بلفظها: الشمس طالعة الشمس ليست طالعة.

هنا قال: (فقد ذُكر في القياس نقيض النتيجة وهو مقدَّم الشرطية بالفعل).

(وفي الأول) ما هو؟ دون النقيض .. بذاتها .. بالفعل، إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجودٌ، لكن الشمس طالعةٌ فالنهار موجود.

النهار موجود هذه نتيجة، ذُكرت بعينها وهي التالي من قوله: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، وسيأتي الضابط هنا إذا أَثبتَ ورفعتَ .. إلى آخره فيما يتعلق في الاستثنائي.

(لكن الشمس طالعةٌ فالنهار موجود، فالنتيجة هي عين التالي) نفسُه ذاتُه.

(فهي مذكورةٌ في القياس بالفعل).

قال هنا: (ولا يُشكِل بما مر من أنه يُعتبر في القياس أن يكون القول اللازم وهي النتيجةُ مغايراً لكل من مقدماته).

وهنا ليس كذلك، قلنا: هناك متى سُلِّمت لزِم عنها لذاتها قولٌ آخر، وهنا في هذا النوع بعينها موجودة، يرِد إشكال؟ يرِد إشكال.

مر معنا في التعريف: متى سُلِّمت تلك الأقوال لزم عنها لذاتها قولٌ آخر، قلنا: مغايرٌ لكلٍ منهما: من المقدمتين، أو منها: من الأقوال.

وهنا عينُها بالفعل، فما الجواب؟

قال: (ولا يُشكل بما مر من أنه يُعتبر) بما مر يعني: بالسبب الذي تقدَّم في تعريف القياس.

(من أنه يُعتبر) يعني: يُشترَط، الاعتبار دائماً نفسره بالاشتراط هذا الأصل فيه.

(أنه يُعتبر في القياس) أي: يُشترط في تحقُّقه.

(أن يكون القول اللازم وهو النتيجة مغايراً لكلٍ من مقدماته.

وهنا في الاستثنائي ليس القول الذي هو النتيجة كذلك) يعني: ليس مغايراً لكلٍ من مقدمتيه؛ لأنا نقول: بل هو كذلك).

(بل هو) أي: القول الذي هو النتيجة.

(كذلك) أي: مغايرٌ لكلٍ من المقدمتين. لماذا؟

ص: 15

(لأنه ليس بواحدٍ منهما -من المقدمتين- وإنما هو جزء إحداهما) هو عين التالي أو عين المقدَّم، أو نقيض التالي أو نقيض المقدَّم).

ونحن قلنا: مغاير لكلٍ منهما. يعني: لا توجد بعينها، وإنما وُجدت جزء قضية، ما هي المقدمة إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود؟ هي كلها، هذه مقدمة واحدة، لكنها مؤلَّفة من مقدَّم وتالي.

فإذا كان القول الآخر هو جزءٌ من تلك، حينئذٍ لم يكن عين المقدمة وإنما كان جزءاً منها، يعني: وجدوا مخرجاً.

(لأنا نقول: بل هو كذلك. أي: معارِضٌ لكلٍ من المقدمتين أو مغايرٌ لكل من المقدمتين، ليس بواحدٍ منهما -من المقدمتين-، وإنما هو) أي: القول اللازم (جزءُ إحداهما).

(وإنما هو) أي: القول اللازم (جزء إحداهما) أي: المقدمتين؛ لأنه تالي الشرطية.

(إذْ المقدمة) يعني: الشرطية الكبرى (ليست قولَنا: النهار موجود) وإنما المقدمة، ما هي؟

إذا كانت الشمس طالعة في النهار موجود، والنتيجة النهار موجود) فحينئذٍ هي جزءٌ من المقدمة.

(بل استلزام طلوع الشمس له الحاصل: ذلك من المقدَّم والتالي)

بل استلزام. استلزام هذا ظاهرُه أن المقدمة هي الاستلزام وليس كذلك.

وجوابه أن الكلام على حذف مضاف أي: دال الاستلزام. وهو مجموع قولنا: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. هذه هي المقدمة، والنتيجة هي جزء من المقدمة.

حينئذٍ حصلت المغايرة؟ حصلت المغايرة.

(إذْ المقدمة) يعني: الشرطية الكبرى (ليست قولَنا: النهار موجود) فقط (بل استلزام طلوع الشمس) الذي هو المقدَّم.

(له) أي: النهار موجود الذي هو التالي.

(الحاصل ذلك من المقدَّم) يعني: الاستلزام والتالي، وسُمّي ذلك استثنائياً؛ لاشتماله على أداة الاستثناء أعني: لكن.

يعني: سُمِّي ذلك أي: المشتمل على النتيجة أو نقيضها بالفعل، سُمي استثنائياً لاشتماله على أداة الاستثناء أعني: لكن.

قال العطار: فإنها بمعنى إلا، في الاستثناء المنقطع، فعدَّه المناطقة الناظرون إلى المعنى حرف استثناء كما أنَّ إلا التي هي أداة استثناء حقيقةً بمعنى لكن.

إذاً: هي للاستدراك في الأصل، لكن يسمونها استثناءاً، ليست إلا، وإنما أرادوا به لكنَّ، وهذا مجرد اصطلاح عندهم.

أعني: لكن هذا الاصطلاح لأهل المنْطِق.

قال: (وَالمُكَرَّرُ بَيْنَ مُقَدِّمَتَيِ) يأتي بحثُه، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 16