المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على - شرح المطلع على متن إيساغوجي - جـ ٨

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ:

وقفنا عند قول المصنف رحمه الله تعالى: (ثم ثنَّى) يعني: المصنف.

أي: أتى به ثانياً بعد إتيانه بالذاتي أولاً، (بالعرضي) المراد به المنسوب لما عرض للذات .. خارجاً عنها.

وهذا اصطلاح أهل الميزان لا المنسوب للعرض المقابل للجوهر كما هو اصطلاح المتكلمين يعني: هذا قدرٌ مشترك بين فنين.

العرض عند المناطقة هو الخارج عن الذات، والعرض عند المتكلمين هو ما لا يقوم بذاته كاللون ونحوه. وحينئذٍ فرقٌ بين الاصطلاحين.

قال: (وَأَمَّا الْعَرَضِيَّ).

قال العطار: مقابل قوله: (أما) محذوفٌ أي: أما الذاتي فقد علمتَ تقسيمه .. إلى آخره.

ثم قال: (والعرضي نسبةٌ للعرَض بمعنى: ما يعرض للماهية من الأمور الخارجية عنها، المحمولة عليها) فإن العرض عند المتكلمين: ما قام بغيره.

فالأبيض عرضيٌ بالمعنى الأول -عند المناطقة- لا بالثاني؛ لأن العرَض نفس البياض لا الأبيض.

حينئذٍ الأبيض عرضٌ بالمعنى الأول لا بالثاني. يعني: عند المتكلمين الأبيض لا يسمى عرَضاً؛ لأن الأبيض معناه ذاتٌ متصفة بالبياض، البياض نفسُه هذا عرَضٌ عند المتكلمين، أبيض عند المناطقة هذا يسمى عرَضاً، فرقٌ بين الاصطلاحين، وحينئذٍ العرَضي عند المناطقة هو الخارج عن الذات، وأما عند المتكلمين فهو ما لا يقوم بنفسه بل ما قام بغيره.

قال هنا: (وَأَمَّا الْعَرَضِيُّ:

فَإِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ انْفِكَاكُهُ عَنِ المَاهِيَّةِ، وَهُوَ الْعَرَضُ الَّلَازِمُ).

(فَإِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ انْفِكَاكُهُ عَنِ المَاهِيَّةِ).

قال في الحاشية: (أي: من حيث وجودُها ذهناً، بمعنى أنها يمتنع إدراكها دون إدراكه).

وهذا كما علمنا أنه البحث في الكُلِّيّات، وإنما يكون الانفكاك وعدمُه في الذهن، هذا هو الأصل فيه؛ لأن البحث في الكُلِّيّات.

أي: من حيث وجودها ذهناً، بمعنى أنها يمتنع إدراكُها "أي: إدراك الذات" دون إدراكه يعني العرَض أو اللازم.

كفردية الثلاثة، لا تُدرِك الثلاثة إلا بإدراك أنها فرد، وكذلك زوجية الأربعة لا تدرك الأربعة إلا بأنها زوج وهكذا، ويسمى هذا لازمَ الذهنِ.

(أو من حيث الوجود الخارجي بمعنى أنها يمتنع وجودُها في الخارج منفكة عنه) وهذا باعتبار الأفراد لا باعتبار حقيقة الكلِّي.

(كسواد الغراب ويسمى لازم الوجود) أو من حيث هي بمعنى: أنه يمتنع وجودُها في الذهن أو الخارج هذا بناءً على التقسيم اللازم الذي مر معنا: لازم في الذهن فقط، لازم في الخارج فقط، لازم في الذهن والخارج.

يعني: كأنه أعاد ما سبق.

(أو من حيث هي بمعنى أنه يمتنع وجودُها في الذهن أو في الخارج منفكَّة عنه، بل أينما وُجِدت اتَّصَفَتْ به ككون زوايا المثلث الثلاثة مساوية للقائمتين، ويسمى هذا لازم الماهيّة).

ص: 1

إذاً: (فَإِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ انْفِكَاكُهُ عَنِ المَاهِيَّةِ) عن الحقيقة (وَهُوَ الْعَرَضُ الَّلَازِمُ) كالضاحك بالقوة بالنسبة إلى الإنسان.

الضاحك بالقوة يعني: احترازاً عن "بالفعل"؛ لأنه ينفك، ومر معنا أن الوصف من حيث هو وصف إما أن يكو بالفعل وإما أن يكون بالقوة، بالقوة يعني: بالإمكان، وبالفعل يعني بالإيجاد والحصول والثبوت بمعنى: واقعة، وأنت جالِسٌ الآن بالفعل، وقد تكون قائماً فنقول: أنت جالسٌ بالقوة يعني: عندك قابلية للاتصاف بهذا الوصف. هذا المراد بالفعل والقوة.

الضاحك بالقوة هذا لازم لكل إنسان لا ينفك عنه، لكن الضاحك بالفعل هذا مفارِق .. هذه خاصة مفارِقة، وهي التي لا يقع بها التمييز.

(كَالضَّاحِكِ بِالْقُوَّةِ) بالنسبة إلى الإنسان.

قال هنا: المراد بالضحك عند المناطقة انفعالٌ نفسي عند إدراك الأمور الغريبة.

وبعضهم فسَّره بالضحك المعروف: انبساط الوجه وانكشاف المقدم الأسنان.

(كَالضَّاحِكِ بِالْقُوَّةِ).

قال: (القوة إمكان الشيء حال عدمه) وهذا اصطلاح ٌعلمي.

(إمكان الشيء حال عدمه، ويقابلها الفعل وهو التحقق والحصول والثبوت، فإن كان الضحك بالقوة) يعني: إمكان وجودِه لكنه معدوم ويمكن أن يوجد.

الضحك بالفعل يعني: متحقق الحصول والثبوت.

(أو لا يمتنع) يعني: العرضي.

(فَإِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ) العرضي (انْفِكَاكُهُ عَنِ المَاهِيَّةِ).

(أو لا يمتنع انفكاكه عنها. وهو العرَض المفارق كالضاحك بالفعل بالنسبة إلى الإنسان).

أحدهما يمكن انفكاكه والآخر لا يمكن انفكاكه يعني: يمتنع انفكاكه.

ما الذي يمتنع انفكاكه؟ الضحك بالقوة، لا يمكن أن يوجد إنسان غير متصف بالضحك بالقوة، هو لازمٌ له.

وأما الضاحك بالفعل فهذا ينفك عنه يعني: يكون غير ضاحكٍ بالفعل.

قال: (وهو العرَض المفارق أي: الذي تُمكِن مفارقته وإن لم يفارق بالفعل.

كالفقر الدائم لمن لا يمكن غناه عادة، وكفراق الزبَّال محبوبَه السلطان، والفرق بين هذا وبين لازم الوجود كسواد الغراب: أنَّ هذا ممكن الزوال عادة، وذلك ليس ممكن الزوال عادة).

هذا أورده العطار وأبطله بشيءٍ لا يُحكَى فيُرجَع إليه.

قال: (وهو العرض المفارق) كالضاحك بالفعل بالنسبة إلى الإنسان، وكل واحدٍ منهما "الضمير يعود إلى الممتنع وغير الممتنع" إما أن يختصَّ بحقيقة واحدة وهو الخاصة كالضاحك بالقوة والفعل بالنسبة إلى الإنسان؛ لأنه بالقوة لازمٌ لماهية الإنسان مختصٌ بها، وبالفعل مفارقٌ لها مختصٌ بها. وهذا مذهب المتأخرين.

يعني: هنا دخلت الخاصة اللازمة والخاصة المفارقة .. على هذا المعنى دخلت الخاصة اللازمة والخاصة المفارقة.

قال: صريحٌ في أن أقسام العرضي أربعة، وإذا ضُمَّت للجنس والنوع والفصل بلغت سبعة، وهذا مخالِفٌ لما مر من أنها خمسة، هو قرر أن الكُلِّيّات خمسة، وأُجيب: بأنَّ تقسيم العرضي إلى لازم ومفارِق تقسيمٌ ثانوي كتقسيم الجنس والنوع والفصل.

كما نقول: الجنس عالٍ ومتوسط، ما زدنا أربعة وقلنا هي خمسة، هنا كذلك إذاً: لا اعتراض، كما نقول: الفصل قريب وبعيد، والنوع إضافي وحقيقي.

وحينئذٍ لا يُعترَض بهذا التعداد إلى أنه قد أخطأ أو قال خمسة ولم يوفِّ.

ص: 2

قال: (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أي: الممتنع وغير الممتنع.

(إِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ) فلا يتعداها أي: بأفرادها.

كما قال المحشِّي هنا: لأن الخاصة لا تلزم الماهيّة من حيث هي "يعني: ليست داخلة في الماهيّة" نوعيّة كانت كالضاحك، أو جنسية كالماشي والمتنفِّس.

المتنفِّس هذا ليس خاصاً بالإنسان كالماشي، الماشي ليس خاصاً بالإنسان سواءٌ كان بالفعل أو بالقوة، كذلك المتنفِّس ليس خاصاً بالإنسان، وحينئذٍ تكون جنسية.

نوعية كانت كالضاحك، هذه نوعية يعني: تصدُق على زيدٌ وعمرو وبكر.

أو جنسية كالماشي تصدُق على الإنسان وعلى الفرس وعلى البقر .. ونحوه.

والمتنفس كذلك.

إذاً: هي قد تكون نوعية وقد تكون جنسية.

قال هنا: (وَهُوَ الخَاصَّةُ).

يعني: أن يَختص بحقيقة واحدة (وَهُوَ الخَاصَّةُ) بأن يكون قاصراً عليها ولا يعرِض لغيرها، قدَّمها لتمييزها الماهيّة، وكونِها مادة للرسم. يعني: داخلةٌ في حد الرسم؛ لأن الرسم يتألف منها كما سيأتي، وهو نوعٌ من أنواع التعريفات.

(كَالضَّاحِكِ بِالْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ) بالنسبة إلى الإنسان.

(لأنه -أي: الضحك- بالقوة لازمٌ لماهية الإنسان) لأنه الضمير يعود إلى الضحك

(مختصٌ بها، وبالفعل مفارقٌ لها مختصٌ بها) سواءٌ هذا أو ذاك، سواءٌ كان بالفعل أو بالقوة، الضحك خاصةٌ لازمةٌ، لكن سُميت لازمة الأُولى لأنها لا تفارِق، والمفارِقة لأنها قد تفارِق، توجد في بعض الأحوال دون بعض.

(وهذا مذهب المتأخرين) أي: تقسيم الخاصة إلى لازمة ومفارقة.

(هذا) أي: المذكور السابق من تقسيم الخاص إلى لازمة ومفارقة.

مثال اللازمة: ضاحكٌ بالقوة، مثال المفارقة: ضاحكٌ بالفعل.

يعني: تأتي بالمفارق بالفعل، واللازم بالقوة. تأتي بالقسمة المذكورة.

(وهذا مذهب المتأخرين، وأما المتقدمون فشرطوا أن تكون الخاصة لازمةً غير مفارقة؛ لأنها التي يُعرَّف بها).

إذاً: على طريقة المتقدمين لا تكون الخاصة المفارقة مما يعتبر في الرسوم ولا في غيرها، لا تدخل في الرسم، وإنما شرطوا أن تكون الخاصة لازمة، وأما غير اللازمة –المفارِقة- لا تصلح بخلاف ما عليه المتأخرون.

(لأنها التي يُعرَّف بها).

قال هنا العطار: لأنها التي يُعرَّف بها لاشتراطهم التساوي بين المعرِّف والمعرَّف.

يعني: عند المتقدمين يُشترط المساواة بين المعرِّف والمعرَّف، والمتأخرون جروا على هذا، يعني: لا يكون التعريف أعم ولا يكون أخص، لو كان أعم دخل فيه ما ليس منه، ولو كان أخص لخرج عنه ما هو منه.

وحينئذٍ لا بد أن يكون ثم تساوٍ، هكذا علَّله العطار وإن كان هذا يقول به المتأخرون.

على كلٍ: هذا التفريق بين المتقدمين والمتأخرين.

قال العطار: (الخاصة قسمان: حقيقية ويقال لها: مطلَقَة أي: لم تُقيَّد بشيءٍ دون شيء، وذلك كالضحك للإنسان.

وإضافية ويقال لها: غير مطلَقَة وهي التي تكون بالنسبة إلى شيءٍ دون شيءٍ آخر. كالمشي بالنسبة إلى الإنسان حالةَ كونه مقابلاً لِلحَجَر) الإنسان إذا أُضيف إلى الحجَر فحينئذٍ صار ماشياً والحجر غيرَ ماشياً.

فالمشي خاصّةٌ له -هنا في هذا المثال- لا مُطلقاً، بل بالنظر إلى الحجَر، لكن ليس هو إحدى الكُلِّيّات الخمس. هذه غير المطلقة.

ص: 3

(وإحداها إنما هو الخاصة المطلقة).

إذاً: الخاصة إما مطلقة وإما مقيَّدة.

(إما) مطلقة يعني: باعتبار كلِّ ما يقابلها، الحجَر وغيرُه، (وإما مقيَّدة) يعني: باعتبار مثال واحد.

فحينئذٍ المشي باعتبار الإنسان مقابلةً بالحجر يُعتبر خاصةً، لكن ليس مطلقاً وإنما في هذا المثال -في مقابلة الحجر-، هذه خاصة غير مطلقة بل هي مقيَّدة.

حينئذٍ هذا النوع الثاني ليس هو إحدى الكُلِّيّات الخمس، وإنما الأول هو الذي يعتبر إحدى الكُلِّيّات الخمس.

إذاً: ليس كل ما سُمّي كُلّياً فهو من الكُلِّيّات الخمس، ليس كل ما كان كلياً هو من الكُلِّيّات الخمس.

ولذلك مر معنا في أول الكتاب: أن بحث المنْطِقي في البسملة، قلنا البسملة إما جزئي وإما معنى كُلّي، لكن الجزئي لا بحث للمنطقي فيه، والكلي لا مطلقاً، لا يبحث المناطقة في كل كُلّيٍ، وإنما كُلّيٍ خاص بالحدود التي يريدونها وهي الكُلِّيّات الخمس، الموصلة إلى مجهولٍ تصوُّري.

قال هنا: (وإحداها إنما هو الخاصة المطلقة، كذا في الحاشية) وهذا مسلَّمٌ به، لا إشكال فيه، لكنه اعترضه.

(فمُفادُها) يعني: ينبني عليه.

(أنها ليست داخلة في التعريف فصار التعريف غير جامع) كونها معتبرة أو غير معتبرة هذه مسألة، داخلة في التعريف أو غير داخلة في التعريف هذه مسألة أخرى.

أما اعتبار ما سبق على التفصيل السابق: الخاصة غير المطلقة، هذه ليست إحدى الكُلِّيّات الخمس، والخاصة المطلقة هي من الكُلِّيّات الخمس هذا لا إشكال فيه.

لكن هل التعريف شمِل غير المطلقة أو لا؟

يقول: (مفادُه) مفاد هذا التفصيل: أن الحد لا يصدق على غير المطلقة، وإنما هو خاصٌ بالمطلق؛ لأنه أراد أن يعرِّف الكلِّي الذي هو إحدى الكُلِّيّات الخمس.

فحينئذٍ لما قلنا: الكُلّيّة المقيّدة غير المطلقة، ليست من الكُلِّيّات الخمس. إذاً: التعريف لا يشملها.

نقول: (مفادُها أنها ليست داخلة في التعريف فصار التعريف غير جامع، والحق أنها من أفراد الخاصة المعرَّفة هنا) يعني: داخلةٌ في التعريف.

(ولذلك فالماشي من حيث إنه شاملٌ لحقائق مختلفة عن الإنسان وغيره عرَضٌ عام، ومن حيث إنه مختصٌ بحقيقة الحيوان خاصةٌ له).

يعني: الماشي له جهتان: (من حيث إنه شاملٌ لحقائق مختلفة عن الإنسان وغيرَه عرضٌ عام) باعتبار الأفراد التي تدخل تحته هذا عرَضٌ عام؛ لأنها حقائق مختلفة.

ومر معنا هناك "دون الحقيقة" أنه يمكن إخراج العرَض العام. يعني: الاتحاد في الحقيقة هذا يمكن إخراج به العرض العام لأنه يصدق على حقائق مختلفة وحقائق متفِقة، فزيدٌ وبكرٌ وعمرٌ وخالدٌ ماشون، إذاً: صدق على حقائق متفقة.

البغل والحمار وو .. إلى آخره والإنسان ماشون، صدق على حقائق مختلفة، وهناك صدق على حقائق متفقة. هذا العرض العام.

فحينئذٍ الماشي (من حيث إنه شاملٌ لحقائق مختلفة عن الإنسان وغيره عرضٌ عام) وهذا واضح.

(ومن حيث إنه مختصٌ بحقيقة الحيوان خاصةٌ له) صحيح؛ لأنه إذا قلت: الحيوان ماشٍ إذاً الجماد لا يمشي، وهذا واضح.

إذاً: قد يُنظَر في العرض العام باعتبارين: باعتبار أنه عرضٌ عام، وباعتبار أنه خاصةٌ له.

ص: 4

حينئذٍ على هذا التقرير يمكن إدخال الخاصة غير المطلقة وهي مقيَّدة في الحد، لكن باعتبار الإضافة لا مطلقاً.

قال: (وَتُرْسَمُ) يعني: الخاصة. يعني: تُعرَّف.

تُرسم الخاصة (بِأَنَّهَا) أي: الخاصة.

(كُلِّيَةٌ)(دخل فيها سائر الكُلِّيّات) قال فيما سبق: كلِّي، هنا قال: كُلّيّةٌ بالتاء لأنه مؤنث.

(دخل فيها سائر الكُلِّيّات)

(تُقَالُ) يعني: تُحمل.

(عَلَى مَا تَحْتَ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ) يعني: تقال على ما، "ما" هنا صادقةٌ على أفراد.

(تُحمل على ما) أي: أفراد.

(تَحْتَ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ)(من الأفراد) مِنْ هذه بيانية كما قال المحشّي هنا.

(منْ الأفراد) قال: بيانٌ لما. يعني: مِنْ بيانية هنا، ففسَّر بها ما.

إذاً: كأنه قال: تقال على أفرادٍ تحت حقيقة واحدة فقط.

قال: (قَوْلاً عَرَضِيًا).

(خرج به الجنس، والعرض العام؛ لأنهما يقالان) يُحمَلان (على حقائق).

وهنا على حقيقة واحدة، إذاً: ليس عندنا كثيرين، مر معنا في حد الجنس (مَقُولٌ عَلَى كَثِيرِينَ) إذاً: كثير هذا قيْد لا على واحد.

كذلك النوع: (مَقُولٌ عَلَى كَثِيرِينَ) هو قال: العرض الجنس، والعرض العام.

كذلك العرَض العام يُحمَل على كثيرين.

(لأنهما يقالان) أي: يُحمَلان (على حقائق).

(أي: ما تحتها من الأفراد، لكن في غير الجواب) يعني: في العرض العام.

(فلا ينافي ما تقدم أن العرض لا يقال في الجواب مطلقاً، وأفاد التعليل: أن خروجَهما بقوله: عَلَى مَا تَحْتَ حَقِيقَةٍ) وهو واضح.

(والنوعُ والفصلُ) والنوعُ بالرفع عطفٌ على قوله: الجنس خرج به "أي: بما سبق" الجنس والعرض العام.

قال: (والنوع والفصل) هذان خرجا.

(لأن قولهما) أي: حمْلَهُما.

(على ما تحتهما ذاتيٌ لا عرَضي) هذا النوع والفصل.

(لأن قولهما على ما تحتهما) من أفراد (ذاتيٌ لا عرضي).

إذاً: (كُلِّيَةٌ) هذا واضح أنها جنس.

(كُلِّيَةٌ تُقَالُ) أي: تُحمل.

(عَلَى مَا تَحْتَ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ) هنا ما ذكر الجواب، قدَّره في الشرح عُلَيِّش هنا: يقال أي: يُحمل أو تحمل في الجواب فصْلٌ مخرجٌ لعرض عام.

(تُقَالُ) أي: تُحمل في الجواب، لو قدَّرنا في الجواب أخرجنا بقولنا: المقدَّر هذا العرَض العام.

(عَلَى مَا) أي: جزئيات أو أفراد.

(تَحْتَ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ) فصلٌ مُخرِج للجنس.

حينئذٍ الجنس خرج بقوله: (فَقَطْ).

والعرض العام خرج بقوله: جواب المقدَّر. فصلٌ مخرج الجنس.

(قَوْلاً عَرَضِيًا) فصلٌ مخرجٌ النوع والفصل؛ لأن حملهما ذاتيٌ لا عرضي.

هذا إن قُيِّد قوله: بكونه في جواب. يعني: قُيِّد قوله: في جواب.

وإن لم يُقيَّد به فالعرَض خرج بقوله: (فَقَطْ) .. العرض العام خرج بقوله: (فَقَطْ).

إذاً: العرَض العام هو محل إشكال، خرج بماذا؟

إما أن تقول: بـ (فَقَطْ) كالجنس، وهذا ظاهر المتن؛ لأنه ما ذكر جواب، وإما أن تقدِّر له: يقال: في جواب.

إذا: ما لا يقال في جواب خرج وهو العرض العام.

قال: (لأن قولَه: على ما تحتهما أفاد أن خروجَها بقوله: قَوْلاً عَرَضِيًا).

قال: (ولا حاجة إلى قوله: فَقَطْ بعد: وَاحِدَةٍ).

ص: 5

(ولا حاجة لقوله: فَقَطْ) بُحِث فيه بأن الجنس والعرَض العام يُقالان عَلَى مَا تَحْتَ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، وعلى ما تحت حقائق نحو: زيدٌ وعمروٌ حيوان أو ماشيان، ونحو: الإنسان والفرس حيوان أو ماشيان. فأخرَجَهُما ماشيان فهما داخلان في قولِه: تُقالُ على ما تحت حصة واحدة، فأخرَهما بقوله: فقط.

فيكون حينئذٍ قوله: فقط هو الفصل بالحقيقة.

(ولا حاجة إلى قوله: فَقَطْ. بعد وَاحِدَةٍ) لأنه قال: (وَاحِدَةٍ) فدل على قوله: فقط، لكنه من باب التأكيد: لا غير فقط، فقط هو مدلول لا غير، ولا غير هو مدلول فقط. إذاً: لا حاجة لقوله: فقط؛ لأنه خرج بواحدة، لكنه قد يقال من باب التوكيد، لكن التوكيد لا يدخل في الحدود .. يكون من باب الحشو.

قال: (والخاصة قد تكون للجنس كاللون للجسم، وقد تكون للنوع كالضاحك للإنسان، وكلُّ خاصةٍ لنوعٍ خاصةٌ لجنسه ولا ينعكس).

(الخاصة) قال في الحاشية: قد تكون للجنس لما قدَّم المصنف أن الخاصة مختصّة بحقيقة واحدة "يعني: حقيقة الحيوان مثلاً" وكان ظاهرُه أنها لا تكون للجنس، أفاد الشارح أنها تكون له أيضاً، فهذا في قوة الاستدراك على كلام المتن برفع ما أوهمه ظاهرُه وبيان أن مراده بالحقيقة ما يشمل النوعية والجنسية.

لأنا قلنا الحقيقة لو المراد بها النوعية فقط، هذا يهِم؛ لأن المراد بالحقيقة تمام الماهيّة، المراد بالحقيقة أكثر ما يُستعمل مراداً به النوع.

فحينئذٍ (مَا تَحْتَ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ) قد يوهِم بأن الخاصة إنما تكون للنوع فقط لا للجنس. وليس مراداً.

ولذلك كشف الشارح أو دفَع هذا الوهَم: بأن ظاهر المتن إنما هو خاصٌ بأن الخاصة إنما تكون وصفاً للنوع فقط دون الجنس، هو الشارح بيَّن أن الخاصة قد تكون للجنس وقد تكون للنوع.

يعني: يأتي بعرَضٍ يختص به الجنس، أو يأتي بعرَضٍ يختص به النوع. هذا واردٌ وهذا وارد، لكن الحد في ظاهره أنه خاصٌ بالنوع.

ولذلك قال: (والخاصةُ قد تكون للجنس كاللون للجسم) المراد بالجسم هنا الجسم الكثيف فإنه المُلوَّن لا الشَّفَّاف، هكذا قال العطار: المراد بالجسم هنا الجسم الكثيف فإنه الملون لا الشفاف.

(وقد تكون للنوع كالضاحك للإنسان) الضاحك هذه خاصة للإنسان وهو نوعٌ تحته أفراد.

اللون تكون للجسم، هو الذي يقبل، أما غير الجسم فلا يقبل اللون.

إذاً: هذه الخاصة صارت خاصة لجنسٍ.

(وكل خاصة لنوعٍ خاصةٌ لجنسه) يستلزمه؛ لأن النوع داخلٌ تحت الجنس، فإذا اختص النوع بخاصة لزِم أن يكون الجنس كذلك.

(ولا ينعكس) أي: عكساً لغوياً بأن يقال: كل خاصة لجنسٍ خاصةٌ لنوعه لبطلانه؛ فإن المتنفِّس مثلاً خاصة للحيوان وليس خاصةً للإنسان.

كل ما كان خاصةً لنوعٍ فهو خاص لجنسه، وقد يقال بأن المصنف هنا لهذه القاعدة ما أشار للجنس.

ظاهر كلام المصنف قلنا: (مَا تَحْتَ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ) يعني: النوع.

إذاً: إذا كان كل خاصة لنوعٍ فهي خاصةٌ لجنسه، لا يحتاج التنصيص على أنه للجنس، قلنا فيما سبق: قال المصنف هناك: (وقد تكون للجنس) يعني: الخاصة (كاللون للجسم) لأن ظاهر تعبيره - (مَا تَحْتَ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ) - ظاهرُ تعبيره: أن الخاصة خاصةٌ بالنوع. فوَرَد عليه إيهام أن الجنس كذلك تكون له خاصة.

ص: 6

إذاً نجيب: بأن كل خاصة لنوعٍ تستلزم خاصةً للجنس من غير عكس.

إذاً: لا اعتراض على المصنف، ولذلك قال:(ولا ينعكس).

قال هنا: (فخاصة الإنسان كالضاحك خاصةٌ للحيوان، بمعنى: أنها لا تتجاوزه إلى غيره.

وخاصة الحيوان كالحياة ليست خاصة للإنسان، بل تتجاوزه إلى غيره من أنواع الحيوان)

قال: (وَإِمَّا أَنْ يَعُمَّ) ما هو الذي يعُمّ؟

فسَّره: (كلٌ من العرَض اللازم والمفارِق)(إِمَّا أَنْ يَعُمَّ) يعني: لا يختص بحقيقةٍ.

قال هنا: (وَأَمَّا الْعَرَضِيَّ:

فَإِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ انْفِكَاكُهُ عَنِ المَاهِيَّةِ).

(وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ)، (وَإِمَّا أَنْ يَعُمَّ) هذا مقابل لقوله:(إِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ).

(وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) يعني: المفارِق والملازِم.

(إِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الخَاصَّةُ)، (وَإِمَّا أَنْ يَعُمَّ) كلٌ من العرَض اللازِم والمفارِق.

(حَقَائِقَ فَوْقَ حَقِيْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهْوَ الْعَرَضُ الْعَامُّ.

كَالمُتَنَفِّسِ بِالْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ لْلإِنْسَانَ وَغَيْرِهِ مِنَ الحَيَوانَاتِ).

يعني: متنفِّس هذا عرَضٌ عام.

فحينئذٍ بالقوة أو بالفعل هل هو من خصائص الإنسان؟ الجواب: لا. بل هو شاملٌ لجميع الحيوان، هذا يسمى عرضاً عاماً.

إذاً: لا يختص بحقيقة دون حقيقة أخرى كما هو الشأن فيما مضى في الخاصة.

(وَإِمَّا أَنْ يَعُمَّ حَقَائِقَ فَوْقَ وَاحِدَةٍ).

قال هنا في الحاشية: ثم إن كانت الحقائق أجناساً كان عرَضاً عاماً للجنس؛ لتجاوزه إلى غيره كالسواد للحيوان وغيره.

وإن كانت أنواعاً فهو عرضٌ عامٌ للنوع لشموله غيره من أنواع جنسه، وخاصةٌ لجنسه باعتبار عدم تجاوزه إلى غيره كالآكل والشارب.

إذاً: مرادُه أنه هنا قد تكون متعلِّقاً بالجنس أو كذلك بالنوع، فليس خاصاً بالجنس دون النوع ولا العكس.

(وَإِمَّا أَنْ يَعُمَّ حَقَائِقَ فَوْقَ حَقِيْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهْوَ الْعَرَضُ الْعَامُّ.

كَالمُتَنَفِّسِ بِالْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ لْلإِنْسَانَ).

يعني: سواءٌ قلنا متنفِّس بالفعل أو قلنا متنفِّس بالقوة، فحينئذٍ ليس خاصاً بالإنسان.

(وَغَيْرِهِ) يعني: يشمل غيرَه (مِنَ الحَيَوانَاتِ) لماذا؟

لأنه بالقوة لازمٌ لماهيّات الحيوانات، بالقوة لازمٌ وهو خاصة ولا إشكال فيه.

وبالفعل مفارِقٌ لها، وعلى التقديرين هو غير مختصٍ بواحدة منها.

قال: (وَيُرسَمُ بِأَنَّهُ كُلِّىٌّ) ما هو الذي يُرسَم؟ العرَض العام.

(كُلِّىٌّ) دخَل فيه سائر الكُلِّيّات.

قال هنا: (حَقَائِقَ فَوْقَ أي: زائدةٍ على حقيقة واحدة وَهْوَ الْعَرَضُ الْعَامُّ.

كَالمُتَنَفِّسِ بِالْقُوَّةِ أي: أو الفعل بالنسبة للإنسان وغيرِه من أنواع الحيوان).

قال: (وَيُرسَمُ) يعني: يعرَّف.

(بِأَنَّهُ كُلِّىٌّ) دخل فيه سائر الكُلِّيّات.

(يُقَالُ) يعني: يُحمَل.

(عَلَى مَا) أفراد.

(تَحْتَ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ قَوْلاً عَرَضِيًا).

خرج به الجنس .. خرج بماذا؟ (قَوْلاً عَرَضِيًا) خرج به الجنس.

ولذلك قال هنا: (تَحْتَ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ. فصلٌ مخرج النوع والفصل والخاصة.

ص: 7

(قَوْلاً عَرَضِيًا. فصلٌ مخرجٌ الجنس).

إذاً: خرج به يعني: بقوله: (قَوْلاً عَرَضِيًا) لأن الجنس يُحمَل على حقائق مختلفة.

إذاً: شاركه هنا .. اشتركا العرَض العام والجنس في كون كلٍ منهما يُحمل على حقائق مختلفة، لكن الجنس يختص بالحقائق المختلفة، ولا يصدُق على المتفقة بخلاف العرض العام، فإنه يصدُق كذلك على الحقائق المتفقة مع صِدْقه على الحقائق المختلفة.

(خرج به الجنس لأن قوله: على ما تحته ذاتيٌ لا عرضيٌ).

(لأن قوله: على ما تحته) يقصد به الذاتي (لا عرضي)، ولو قال ما ذكرناه لكان أحسن.

(والنوعُ) بالرفع عطفٌ على الجنس: والنوعُ والفصلُ والخاصة. هذا خرَج بقوله: (حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ).

(لأنها لا تقال إلا على حقيقة واحدة).

قال هنا في الشرح: (يقال في غير الجواب على ما أي: جزئيات.

تَحْتَ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ. فصلٌ مخرجٌ النوع والفصل والخاصة.

قَوْلاً عَرَضِيًا. فصلٌ مخرجٌ الجنس).

إذاً: ثَم شَراكة بين الجنس والعرض العام، وثَم فرقٌ بينهما، لكنه -على التفصيل الذي ذكرناه سابقاً- لا يقع جواباً أصلاً، وحينئذٍ لا يكون جواباً لـ"ما هو"، ولا لـ"أيُّ شيءٍ هو" لا في ذاته ولا في عرَضه.

أيُّ شيءٍ هو في ذاته؟ أيُّ شيءٍ هو في عرَضه .. ما هو؟

حينئذٍ لا يقع جواباً لواحدٍ من هذه الأمور.

إذاً: بهذا الكلام انتهى ما يتعلق بالكُلِّيّات الخمس من حيثُ الضوابط العامة والتعاريف.

فائدتُها: أنك تحكم على اللفظ بعد أن تحكم عليه أنه كُلّي، متى تحكم عليه بأنه كُلّي؟ متى تقول: هذا اللفظ كُلّي أو جزئي؟ إذا أَفهم اشتراكاً.

تأتي للقاعدة السابقة إذاً: ما أفهم اشتراكاً كُلّيٌ، إذا تعقَّلَه الإنسان ولم يمنع الشرِكة فيه نقول: هذا كُلّي.

ثم بعد الحُكم عليه بكونه كُلّياً نأتي: هل هو جنس أم لا؟ فلا تأتي تُعبِّر عن اللفظ بأنه هل هو جنس أو نوع، دون أن تُثبت أنه كُلّي لا، أولاً: أثبت الأصل –العرش-، فحينئذٍ تقول: هو كُلّيٌ لأنه يصدُق على متعدد أو على أفرادٍ ويُحمل عليها حمل مواطئة. إذا أردت ما هو في الخارج، وإن أردتَ في الذهن تقول: يقبل الاشتراك.

ثم بعد ذلك: هل هو جنس؟ هل هو فصل؟ هل هو نوع؟ هل هو خاصة؟ .. إلى آخره، فيأتي التعريفات السابقة، فتحكم عليه أولاً: هل هو جزئي أم كُلّي، فإن حكَمت عليه بأنه جزئي استرحت، لا تقول: هذا جنس وهذا يحتمل، وتقع في إشكالات.

ثم بعد ذلك إذا أثبتَّ أنه كُلّي رجعت إلى هذه الضوابط: تُثبت أنه جنس أو فصل أو غيرها مما ذُكر؛ لأنه يأتي أن الحد التام لا يتألف إلا من جنس وفصل مثلاً، إذاً: لا بد أن تعرف ما هو الجنس؟ وما هو الفصل؟ وما فائدة الجنس؟ وعلى أي شيءٍ يصدُق الجنس؟ وإذا قيل: هذا جنس ما معناه؟ ولا إشكال فيه، هذا يُستعمل حتى في باب المعتَقد.

ولذلك المراد بالجنس: ما أفهم اشتراكاً.

حينئذٍ قول أهل السنة والجماعة في تعريف الإيمان: أنه قولٌ واعتقاد وعملُ الجوارح، ما المراد بعمل الجوارح؟ قالوا: الجنس، ما المراد بالجنس؟ أن ثَم قدراً مشتركاً بين أعمال الظاهر، بعضُها هل هو مبهم أو معيَّن؟ هذا محل نزاع، إن أثبتنا الخلاف هو الذي يكون داخلاً في حد الإيمان.

ص: 8

حينئذٍ بعض أعمال الجوارح داخلة قطعاً، ما هو المعيَّن هذا؟ معيَّن أو غير معيَّن؟ هو شائع في الأركان الخمسة مثلاً، فلا بد أن يوجد ممن يدعي الإيمان يوجد منه إما صلاة وإما صيام وإما زكاة وإما حج، بعضهم حصرها في هذه الأركان الخمسة "أركان الإسلام"{بُني الإسلام على خمس} وهذا واضح، أن غيرَها لا يُبنى عليها.

فحينئذٍ يأتي السؤال: ما هو هذا البعض؟

دل الدليل الخارجي على أن البعض محصورٌ في الصلاة؛ لأنه بإجماع الصحابة .. محلُ إجماع، الخلاف هذا خلافٌ حادَث لا يُلتفَت إليه، وإن كان أكثر أهل العلم المتأخرين على أن الصلاة فيها خلاف ويحكون .. إلى آخره قال مالك .. قال، مع تقديرنا لأهل العلم واحترامنا وكذا إلا أن هذا الخلاف خلافٌ حادِث.

لأنك لو طبَّقت ما ذكره الأصوليون، ومما يدَّعيه كثير من الفقهاء الذين لا يُكفِّرون تارك الصلاة لوجدنا أن ضابطة إجماع ظُهُورُه في تكفير تارك الصلاة أظهر من ظهوره في أشياء أخرى ادعوا فيها الإجماع، ولذلك عشرات بل مئات المسائل قال به ابن عمر ولا يُعرَف له مخالف فقط، وهنا عندنا عشرة بل أكثر، صحَّت الأسانيد على أنهم نصوا على أن من لم يصل فهو كافر. بهذا التعبير.

بل قال عمر رضي الله تعالى عنه فيما صح عنه حتى البخاري يصحِّح يقول: لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة .. لا حظ له في الإسلام.

قال بعضهم: لا حظ كامل، هذا كذب على عمر رضي الله تعالى عنه، هذا ليس باجتهاد هذا كذب، لماذا؟ لأن هذه التأويلات ومعرفة ما يُنزَّل عليه النفي تُعَامل بها نصوص الوحيين، ليس في كلام عمر ولا أبي بكر؛ لأنه يحتمل، ما نقول: لازم الحق حق ..

هو في ذاته حقٌ أم لا؟ هذا محل نزاع، هل هو حُجة أم لا؟

لكن هنا نُقل عن عمرو بن العاص، ونُقِل عن عبد الله بن عمرو وابن عمر ومعاذ وغيرهم، وحكى ابن حزم إجماع الصحابة على ذلك.

فحينئذٍ نقول: هذا الجنس يدل على بعض، وهذا البعض معيّن وقد أجمع عليه الصحابة فيتعيّن، حينئذٍ قولٌ باللسان، اعتقادٌ بالقلب أو عملٌ بالقلب مع الصلاة.

بعضهم يُنكر "هذا الشاهد هنا" يقول: الجنس هذا ما قال به الصحابة، نحن لم ندخله في التعريف، يعني: حرِّك ذهنك قليلاً، الأمور ما تحتاج إلى غباء.

نقول: نحن ما أدخلناه في التعريف، هل شرحُ الصلاةِ توقيفي؟ هل شرح الإيمان توقيفي؟ هل شرح أعمال ما يكون في الآخرة توقيفي؟ لا. ليس توقيفي.

عندنا أصول نذكرها كما هي، ثم إذا أردنا أن نعبِّر فنعبِّر بما يوافق الشرع، ثم التعبيرات الألفاظ هذه لا يُشترط فيها التوقيف، قلنا جنس، قلنا بعض مبهم، قلنا شيء غير معيَّن. هذا أو ذاك لا إشكال فيه.

فالوقوف مع هذه المسألة أنَّ السلف لم يعبِّروا بالجنس، ثم ماذا يقولون؟ يقولون: شرط كمال، نقول: السلف ما قالوا شرط كمال.

هذا يقول شرط كمال! من أين جئتم بالجنس هذا؟ هذا من الأمور الدخيلة من المتكلمين، ثم يقول: شرط كمال! من قال: شرط كمال؟ تقلِب عليهم الدليل.

إذاً: القول بأنه جنس تفهَم ما المراد به، أنه قدرٌ مشترك موجود في الأمور الحياتية .. الإنسان مع غيره، في أمور العلم، في الشرعيات. لا إشكال فيه.

ص: 9

ثم قدرٌ مشترك موجودٌ ولا يُنكره إلا إنسان مكابر، عبَّرت عنه بالجنس أو بغيره لا إشكال فيه، ولذلك نقول: إجماع الصحابة على أن أعمال الجوارح داخلةٌ في مسمى الإيمان، والقول بأنه شرط كمال هذا قول المرجئة "مرجئة الفقهاء" وإلا ماذا أنكر السلف على أبي حنيفة؟ أنكروا عليه هذا.

ولذلك أبو حنيفة يرى أن أعمال القلوب داخلة عنده، وإلا صاروا من المرجئة الغلاة، وبالأمس كان واحد يقول لي: الإيمان هو التصديق، هذا ليس صحيح، كيف الإيمان هو التصديق؟ هذا رأي الجهم.

على كلٍ يُنظر فيها بهذه الاعتبارات، يعني: استعمالها لا إشكال فيه ولو في الشرعيات، وإنما وقع في التعريف .. الشُّبهة هنا يقول لك: السلف ما قال: جنس.

طيب. السلف ما قال: صفات ذاتية، وصفات معنوية، وصفات منفكة، وصفات لازمة .. ما قالوا هذا الكلام.

وإنما نأتي بهذه التعبيرات من أجل إيصال الحق فقط، وحينئذٍ نقول: لا يُشترط أن نعبِّر بما عبّر به السلف في الشرح.

وأما في ضبط الحقائق والتعاريف هنا إجماعٌ على هذه الصيغة.

قال رحمه الله تعالى: (وإنما كانت هذه التعريفات) ..

لما انتهى مما يتعلَّق بقضية تعريفات، قال:(وإنما كانت هذه التعريفات رسوماً للكُلِّيّات؛ لجواز أن يكون لها ماهيّات وراء تلك المفهوم).

يعني: محل الخلاف هنا: لماذا قلت: (وَيُرسَمُ) لماذا لم تقل: يُحدُّ؟

لأن الحد يتعلق بالذاتيات، والرسم يتعلق بشيءٍ خارج عن الذاتيات .. بالأثر.

هل قولك: (يُرسَمُ) فراراً عن كون هذه الكُلِّيّات لا تُحد أم لا؟ هذا محل النزاع.

هل لها حدود أم لا؟

هو وافق كثير من المناطقة يقول: يرسم، ويرسم .. إلى آخره.

إذاً: ما قلت: يُحد، لو كان يُحد بالذاتيات بالجنس والفصل، إذاً: الذي مر معنا ليس جنس وفصل، لا يقال: هذا جنس وهذا فصلٌ؛ لأن هذا حقيقة الحد وإنما قال: يُرسم يعني: كلها خواص أو فصول.

هنا قال العطار: هذا شروعٌ في توجيه قول المصنف كغيره من المناطقة في تعريف الكُلِّيّات: وَيُرسَمُ بكذا، أو الاعتذار عن ذلك.

التوجيه أو الاعتذار، إن أخطأ نعتذر، على القاعدة عندهم لا يمكن أن تقول: هذا أخطأ، لا بد أن توجِّه، الأَولى كذا .. إلى آخره، هذا نمَط لهم.

قال: أو الاعتذار عن ذلك، وتزييف هذا الاعتذار، فليس الإتيان بقيل للتضعيف بل للنقل.

(قيل: وإنما كانت هذه التعريفات) هل قيل هنا للنقل عن غيره أم للتضعيف؟

يقول: لا. ليس للتضعيف، بل هي للنقل، أراد أن ينقل عن غيره فعبَّر بقيل.

لأن هذا الكلام شهيرٌ بينهم في هذا المقام، بعد أن يذكروا هذه التعريفات يأتون بهذه المسألة: هل هذه التعريفات حدود أو رسوم؟

حينئذٍ قوله: قيل ليس تضعيفاً، إنما هو لبيان شيءٍ اشتهر عند المناطقة.

قال الإمام في الملخَّص "هو الذي وصفه بالإمام" قال الإمام في الملخَّص: اختلفوا في أن هذه التعريفات حدودٌ أو رسوم؟

والمشهور أنها رسوم.

فإنهم يقولون: الجنس يُرسَم بكذا، والنوع بكذا، لكن الحق أنها حدود ..

هذا قول الإمام، إذا قيل الإمام المراد به: الرازي.

لكن الحق أنها حدود؛ إذ لا ماهيّة للجنس وراء هذا القدر.

ص: 10

ليس له ماهيّة إلا هذا المذكور، لو قلت: هذا تعبير ثُم ثَمَّ شيءٌ آخر وراء هذا التعريف لقيل: ثَم مفهوم وثَم حقيقة .. ماهيّة. فهل يصدق المفهوم على هذه الحقيقة؟ نعم.

لكن هو يقول: لا. ليس عندنا الجنس إلا هذا المذكور، فحينئذٍ صار حداً، لو كان هذا المفهوم والمذكور عندنا مقول ٌعلى كثيرين، هذا المفهوم شيءٌ آخر غير الماهيّة، فحينئذٍ صح أن يقال: بأن هذا رسم وليس بحقيقة، لكن هو عينه. وإذا كان كذلك فهو حدٌ لا رسم.

يقول: (اختلفوا في أن هذه التعاريف حدود أو رسوم، والمشهور أنها رسوم.

فإنهم يقولون: الجنس يُرسم بكذا، والنوع بكذا.

لكن الحق أنها حدود؛ إذ لا ماهيّة للجنس وراء هذا القدر، ضرورةَ أنا لا نعني بكون الحيوان جنساً إلا كونَه مقَولاً على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو).

هذا هو المراد: كونَه جنس، عندما تقول: الحيوان جنس ما المراد بالجنس؟

ليس عندنا حقيقة إلا كونُه مقولاً على كثيرين .. إلى آخر التعريف.

إذاً: صارت هذه الحقائق هي المعنِيَّة في التعاريف، فصار حداً لا رسماً، لو قلنا رسم لادَّعينا ثَم ماهيّة ونختلِف فيها، أين هذه الماهيّة، ما حقيقتها؟

إذاً: صارت هذه الألفاظ كالاسم مع المسمى، فهذه التعاريف كلها كالاسم إذاً: أين المسمى؟ هذا يحتاج إلى بحث، وهذا لا وجود له وإنما عينُ الجنس كونُه مقولاً على كذا.

ولذلك قال: (ضرورةَ أنا لا نعني بكون الحيوان جنساً إلا كونه مقولاً على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو. واعترَضه الكاتبي) اعترض كلام الإمام هنا.

(واعترضه الكاتبي بأنا لا نسلِّم أنه لا ماهيّة للجنس وراء هذا القدر) يعني: هذا مفهوم، وثَم ماهيّة.

(لِم لا يجوز أن تكون المقولية الموصوفة بالصفات المذكورة عارضةً لمفهومٍ وراءها وهو الجنس؟) أين هو؟ هذا جوازٌ عقلي فقط، أما في الوجود فلا وجود له، هذا تجويزٌ عقليٌ فقط.

(وأجيب -بما ذكره الشارح هنا-: بأن الكُلِّيّات أمورٌ اعتبارية حُصِّلت -أو حصلت لا إشكال فيه- ووضعت أسماؤها بإزائها، فليس لها معانٍ وراء تلك المفهومات) ليس لها معنًى إلا هذا المفهوم.

(على أن عدم العلم بالحد لا يوجب الرسمية).

يعني: هذا تسليمٌ آخر، إذا ما علمت الحد وما عرفت أن تحد الجنس ولا النوع. لا يلزم منه أن يكون المذكور رسمي؛ لأنك إذا ما علمت تقول: ما أدري ما الحدُّ، يلزم له حدٌ لكن لا أدري ما هو.

نرجع إلى كلام المصنف قال: (وإنما قيل).

قلنا: (قيل) ليس للتضعيف وإنما للنقل؛ لشهرة الكلام في هذا الموضع.

(قيل: وإنما كانت هذه التعريفات) أي المتقدمة: للجنس والنوع والفصل والخاص والعرَض العام.

(رسوماً للكُلِّيّات) أي: كما صرَّح به المصنف في قوله: في جميعها ويُرسم. في الحاشية.

(للكُلِّيّات) يعني: الخمس، تنازَع فيه التعريفات ورسوماً.

(لجواز أن يكون لها ماهيّات) ماهيّات فاعل يكون، "لها" للكُلِّيّات .. الضمير يعود للكُلِّيّات.

(أن يكون ماهيّات) يعني: حقائق.

(لها وراء تلك المفهومات) المعاني التي ذكرها المصنف، جائز أو لا؟ قال: يجوز.

إذاً: الذي معنا التعريفات السابقة قال: يُرسم. هذه مفاهيم .. مدلُولات.

ص: 11

مدلولات لأي شيء؟ لحقائق وراء ذلك المفهوم. فنحن لم نذكر تلك الحقيقة والماهية "حقيقة الجنس" وإنما ذكَرنا مفهوماً يدُلنا على الجنس، فرقٌ بين المسألتين.

قال: (لجواز) إذا قيل: لجواز المراد به العقلي فقط، دائماً "يجوز ولجواز" عند الأصوليين والمناطقة قولاً واحداً.

فإذا استُعمل في الخارج يكون عنده خلل في الاستعمال، وإلا إذا قيل: يجوز ولجواز المراد به الجواز العقلي، لا يلزم أن يكون في الخارج.

ولأن بحث الكُلِّيّات إنما هو في العقلي، هذا وجهٌ آخر.

(لجواز أن يكون لها ماهيّات)"لها" الكُلِّيّات، ماهيات أي: حقائق.

(وراء) أي: غيرَ.

(تلك المفهومات) أي: المعاني التي فُهِمت من التعريفات، التي ذكرها المصنف.

(وراء تلك المفهومات التي ذكرناها) يعني: في التعريفات.

(ملزوماتٌ مساوياتٌ لها).

(ملزومات) هذا نعت لماهِيّات.

(لها) أي: المفهومات.

(ملزومات لها دفَعَ بهما ما يقال إذا كان لها ماهيّات وراء تلك المفهومات، فتعريفُها بتلك المفهومات فاسدٌ وليس حداً ولا رسماً).

وإنما دُفِع لكونه قال: ذُكِر اللازم، وإذا ذُكِر اللازم وله ملزومٌ حينئذٍ لا يقال بأنه فاسد؛ إذ ذِكْرُ اللازم يستلزم الملزوم، هذا العكس .. هذا هو الأصل.

ذكرُ اللازم يستلزم الملزوم.

إذاً: ذكَرَ اللازم فهو يدل على الملزوم.

(لجواز أن يكون لها ماهيَّات وراء تلك المفهومات) التي ذكرناها (ملزوماتٌ) هذا نعت مفهومات.

(مساوياتٌ لها) لأي شيء؟ أي: المفهومات.

إذاً: (قيل: وإنما كانت هذه التعريفات) يعني: المتقدمة.

(رسوماً للكُلِّيّات الخمس لجواز أن يكون لها ماهيّات) يعني: حقائق.

(وراء) يعني: غيرَ.

(تلك المفهومات) يعني: المعاني التي ذكرناها في التعريفات.

(ملزومات) هذا نعتٌ لماهيّات.

(مساوياتٌ لها) للمفهومات.

قال هنا: (دَفَع بهما) يعني: ملزوماتٌ مساوياتٌ لها (دَفع بهما ما يقال) إذا كان لها ماهيّات وراء تلك المفهومات إذاً: لا يكون حداً ولا رسماً، يكون هذا فاسد.

ما العلاقة بين المفهوم والحقيقة؟ لا علاقة بينهما.

هو يقول: لتكون هذه المفهومات ملزومات، حينئذٍ ذكر اللازم ذِكرٌ للملزوم.

إذاً: ثَم علاقة كلٌ منهما يلزم الآخر، فإذا ذُكرت المفهومات كأنه ذَكَر تلك الحقائق، فلذلك قال:(دفع بهما ما يقال إذا كان لها ماهيّات غير تلك المفهومات فتعريفُها بتلك المفهومات فاسدٌ) لا يكون حداً ولا رسماً، لكنه قال: ملزوماتٌ مساوياتٌ لها.

فحيث لم تتحقق الماهيّات أطلق -يعني: المصنف- على تلك المفهومات الرسوم. هذا فاسد.

قال العلامة الرازي: وهذا بمَعْزلٍ.

"وهذا" أي: القيل.

"بمعزلٍ" أي: مكانٍ منعزل.

"عن التحقيق" على ما ذكره فيما سبق عن الإمام الرازي الذي ذكره العطار.

قال العلامة الرازي: وهذا بمعزلٍ عن التحقيق.

هناك قال: الإمام وهنا قال: العلّامة.

(لأن الكُلِّيّات) وهذا الجواب الصحيح (أمورٌ اعتبارية).

يعني: اعتبرها الذهن.

(حُصِّلت مفهوماتُها) يعني: ماهيّات تلك الماهيّات هي الكُلِّيّات، على ما ذكرها الشارح هنا.

(حُصِّلت) أي: اعتُبرت.

(مفهوماتها) أي: ماهيّاتٌ هي الكُلِّيّات.

إذا: لا فرق بين المفهوم والحقيقة هنا.

ص: 12

فالمفهوم: الذي اعتُبر في حد الجنس والنوع والخاصة هو عينُه الحقيقة، ليس عندنا مفهوم وعندنا حقيقة مغايرة، بل المفهوم هو عينُه، وإنما هي أمور اعتبارية اعتبرها المناطقة.

(أمورٌ اعتبارية حُصِّلت) يعني: اعتُبرت.

(مفهوماتُها) يعني: ماهيّاتٌ هي الكُلِّيّات -كما قال المحشّي هنا بإضافته للبيان- (ووضعت أسماؤها) الجنس والنوع .. إلى آخره (بإزائها) يعني: مقابل تلك المفهومات المحصَّلة.

(فليس لها) يعني: أسماء الكُلِّيّات.

(معان غيرُ تلك المفهومات، فتكون هي حدوداً) وهذا هو الصحيح أنها حدود، وإلا ليس عندنا ماهيّة إلا كونُها تقال على كثيرين.

قال هنا: (حُصِّلت مفهوماتُها).

قال العطار: يعني: أن الواضع حصَّل مفهوماتِها ثم وضَعَ الأسماء بإزائها.

على ما قيل في لفظ السماء وزيد .. إلى آخره، والمعنى واحد.

كما تقول: زيدٌ وضع لمسماه الذات المشخَّصة، هنا الجنس وضع لمسماه وهو مقُول على كثيرين لا فرق بينهما.

فلم يوضَع لشيءٍ ثُم ثَم شيءٌ آخر وراء ذلك وهو حقيقة لا، ليس هذا مراداً.

(فتكون هي حدوداً على أن عدم العِلم) هذا إشارة إلى اعتراضٍ آخر ..

إشارة إلى اعتراضٍ آخر هو: أن عدم العلم بأنها حدود لا ينتج الرسمية، وإنما يُنتج العلم بعدم الحدِّية.

(على أن عدم العلم بأنها حدٌ لا يوجب العلم بأنها رسوم، فكان المناسب ذكرُ التعريف الذي هو أعم).

يعني: يقول: ويُعرَّف بكذا، ولو قال: يُحدُّ لكان أدَق؛ لأن البحث هل هو حدٌ أو رسمٌ؟ والتعريف هذا يعُم الحد والرسم، فحينئذٍ رجعنا إلى البداية، فقوله:(فكان المناسب ذكرُ التعريف الذي هو أعم) هذا إذا أراد أن يسلَم من الاعتراض، فلا يُدرَى هل قوله: يُعرَّف بكذا هل هو حدٌ أو رسمٌ؟ لكن إذا صحَّحنا أنه حدٌ فالأصل أن يقال: يُحدُّ بكذا.

قال: (واعلم أن غرَض المنْطِقي) يعني: مقصودُه.

والمنطقي أي: بوضعِ علم المنْطِق وتدوينه.

(معرفةُ ما يوصِل إلى التصور) المجهول أو المعلوم؟ المجهول، لو قيَّده كان أجود.

(معرفةُ ما يوصل إلى التصور وهو: الْقَوْلُ الشَّارِحُ).

(ما يُوصل) يعني: الذي يوصلُ (إلى التصور وهو: الْقَوْلُ الشَّارِحُ).

(أو إلى التصديق) يعني: التصديق المجهول يعني: ما يوصل إلى التصديق المجهول (وهو الحُجة).

(ولكلٍ منهما) يعني: القول الشارح، والحجة.

(مقدَّمةٌ) أي: شيءٌ يتقدَّم عليه تمهيدٌ له، ومقدِّمة القول الشارح الكُلِّيّات الخمس، تسمى مبادئ .. تصورات.

ومقاصد التصورات هي المعرِّفات .. القول الشارح.

ومقدمة الحُجة القضايا، الحجة يعنُون به القياس، وبعضهم يقول: البرهان .. مقدمتُها القضايا.

ولذلك حُصِر فن المنْطِق في هذه الأبحاث الأربعة: باب الكُلِّيّات الخمس وما يتعلق بها من مقدماتها؛ لأنها مبادئ تصوُّرات، ثم يتلوها باب المعرِّفات لأنها مقاصد التصورات.

هذان بابان يتعلقان بالقسم الذي هو علم تصوُّر، ثم القسم الثاني علم تصديق له مبادئ وهي القضايا، وأنواعها وما يتعلق بها: التناقض والقياس .. إلى آخره.

ثم المقاصد "مقاصد التصديقات" وهي الحجة.

فهي أربعة أبواب؛ لأن العِلم محصورٌ في تصدِيق أو تصوُّر، وكلٌ منهما له مبادئ وله مقاصد.

ص: 13

قال هنا: (واعلم أن غرض المنْطِقي معرفةُ ما يوصل إلى التصور وهو: الْقَوْلُ الشَّارِحُ، أو إلى التصديق وهو الحُجة، ولكلٍ منهما مقدِّمة.

ولما فرغ من مقدمة الأول) يعني: القول الشارح الذي هو الكُلِّيّات الخمس.

(أخذ في بيانه) يعني: بيان القول الشارح.

فقال: (الْقَوْلُ الشَّارِحُ).

قوله: (مقدِّمة).

قال العطار: لفظ المقدِّمة يستعمله أرباب التدوين في مقدِّمة العلم ومقدِّمة الكتاب.

وإنما الذي شاع هنا أن يقال: مبادئ، هذا الشائع عند المناطقة، لا يُعبِّرون بالمقدمة، وإنما يقولون: مقدمة علم ومقدمة كتاب.

مقدمة العلم التي هي المبادئ العشرة، مقدمة كتاب الأمور الثمانية: أربع واجبة وأربع مستحبة.

وليس شيئاً من هذين المعنيين هنا. لا مقدِّمة الكتاب ولا العِلم.

إلا أن الشارح أطلق على كلٍ من هذين المعنيين لفظ مقدمة؛ لتحقق معنى التقدم فيهما، واستحقاقِهما له فإن الكُلِّيّات الخمس أجزاءٌ للقول الشارح، ولا شك أن الجزء مقدمٌ على الكل.

والجزء مقدمٌ على الكل طبعاً فقُدِّم وضعاً، وكذلك القضايا أجزاء الحجة، والجزء مقدمٌ على الكل طبعاً فقُدِّم وضعاً.

وغير الشارح يُعبِّر عن كلٍ منهما بالمبادئ؛ لكونهما في مقابلة المقاصد. وهو كذلك.

وليست هي مبادئ حقيقية؛ إذ مبادئ العلم خارجة عن العِلم وهي المسائل.

يعني: من باب الاصطلاح، المنازعة هنا في اصطلاحٍ وإلا أرادوا بالمبادئ ما يكون جزءاً منها، وإذا كان كذلك فلا اعتراض.

لكن هو يقول: مبادئ العلم المسائل الخارجة عنه وليست داخلة في العلم، فلو عبَّر بالمبادئ قد يوهم أنها ليست داخلة في علم التصور وليس الأمر كذلك، بل هي داخلة.

قال هنا: (وغير الشارح يعبّر عن كل منهما بالمبادئ؛ لكونهما في مقابلة المقاصد، وليست هي مبادئ حقيقية؛ إذ مبادئ العِلم خارجة عن العِلم وهي المسائل.

وكان الشارح استسهل إطلاق لفظ مقدِّمة عليها) يجوز اللفظان: مقدِّمة ومقدَّمة.

(لفظ مقدِّمة عليها عن إطلاق لفظ المبادئ لإيهامها خروجَهما عن العِلم).

هذا من باب الاعتذار فقط، وإلا الأصل أن يقول: مبادئ وهو أولى، ويراد به أنه جزءٌ من العِلم لا خارجٌ عن العلم.

وأما إذا قيل: مبادئ العلم -إنَّ مبادئ كل فنٍ عشرة- خارجةٌ عن العلم، هذا بقرينة السياق وبقرينة الكلام أنها سابقة عن العلم تُبيِّن معنى الحد والموضوع والفائدة والثمرة، فإذا أُطلق في أثناء الكتاب هنا -مبادئ- لا يُتصور أنها خارجةٌ كما أن الحد والموضوع خارجة، بل هي جزءٌ منها، فلا اعتراض على ما اشتَهر وشاع عند المناطقة.

قال: (الْقَوْلُ الشَّارِحُ).

وهذا نريد أن يكون الحديث متصلاً به، نقف على هذا والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 14