الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن في الغراس والمزارعة
…
والشركات بينهم منازعة
وقد يتبين معنى قول المؤلف: فى بعضها الخلاف، وأما قوله "والفرق يرى" بمعنى يعلم أو يبصر فى كتب الفقه فيحتمل أن يعنى الفرق بين العقد اللازم والعقد الجائز وهو ما نقلناه فيما تقدم عن القرافى والمقرى.
ويحتمل أن يعنى الفرق بين العقد المتفق على جوازه والمختلف فيه.
[ص]
فصل
[ش]
عقد هذا ال
فصل لما اختلف في تقديم أحدهما على الآخر عند التعارض
كتعارض قياسين ومقصد، ولفظ وغالب، وأصل [وظاهر وأصل] وإنما ذكر تعارض قياسين هنا مع الجزم بتقديم الأقوى شبها، لأنه قد يختلف فى الأقوى ما هو فالتحق بالنمط الأول وإن كان/ 158 - ب خلافا فى حال.
[ص]
342 -
إن دار فرع بين أصلين وقد
…
تعذر الجمع يغلب الأسد
[ش]
فى طرة على هذا بخط المؤلف من القواعد: إن دار الفرع بين أصلين غلب أرجحهما إن تعذر الجمع وقد يختلف فى ذلك. انتهى.
ويعنى بالأسد الأكثر سدادا أى: استقامة، والمعنى أن الفرع إذا دار بين أصلين يغلب الأقوى شبهًا. قال بعضهم: كمن تيقن بالوضوء وشك فى الحدث فالأصل بقاء ما كان على ما كان.
وبهذا الأصل تمسك الجماعة.
وبالثانى تمسك حمديس. وذلك أنه قال: الأصل عمارة الذمة بعد التكليف ولا يبرأ إلا بيقين، والشك فى الشرط شك فى المشروط.
وقال القاضى أبو عبد الله المقرى: قاعدة: إذا اتص الفرع بأصل أجرى عليه إجماعا، فإن دار بين أصلين حمل على الأولى منهما، وقد يتلف فيه كالإرث من المكاتب، وما يجب بقتل أم الولد، وملك العامل أهو بالظهور، لأنه كالشريك لتساويهما فى زيادة الربح ونقصه، ولعدم تعلق حقه بالذمة، أو بالقسمة لأنه كالأجير، لاختصاص رب المال بغرم رأس المال، ولأن القراض معاوضة على عمل وقد تعمل الشائبتان، فإن من غلب
الشركة اعتبر شروط الزكاة فى حقهما ومن غلب الإجارة اعتبرها فى حق المالك فقط.
وابن القاسم أعملهما فقال: يراعى أمرهما وإن سقطت عن أحدهما سقطت عن العامل فى الربح انتهى.
ومثل لهذا أيضا بمن قتل عبدا هل عليه قيمته وإن زادت على دية الحر، أو ما لم تزد على دية الحر ومذهبنا الأول وله شبه بالحر وهو ظاهر والدابة والياقوتة ونحوهما فى المالية والتصرف بالملك فبأيهما يلحق.
[ص]
343 -
ومقصدان عارض اللفظ ففى
…
ذاك وقيل ذا كنذر حالف
[ش]
هل يقدم القصد أو اللفظ عند تعارضهما؟ اختلف فى ذلك/ 159 أوالصحيح تقديم القصد بمعنى أن القصد العرفى مقدم على مقتضى اللفظ لغة أو العكس على الآخر، كمن حلف لا يأكل لحما أو بيضا أو رءوسًا ففى حنثه بمثل لحم الحيتان وبيضها ورءوسها قولان، لابن القاسم وأشهب.
فابن القاسم بنى على تقديم اللفظ، وأشهب على تقديم القصد وكذلك لا آكل خبزا فأكل نحو الأطرية والهريسة والكعك.
وكذلك لا آكل عسلا فأكل عسل الرطب وكذلك لو حلف لا أدخل عليه بيتا هل يحنث بالمسجد، ومنه لو حلف لا أكلمه فسلم عليه فى الصلاة.
وعروض قول ابن القاسم وأشهب هنا بقولهما فيمن وكل رجلا يشترى له ثوبا فاشترى ما لا يليق بالآمر، فإن ابن القاسم قال: إنه غير لازم للآمر، ورأى أشهب لزومه له فراعى ابن القاسم العرف فى الوكالة دون الأيمان، وعكس أشهب.
وأجيب بأنه لا يلزم من اطراد العرف فى وجه أو فى مسألة اطراده فى مثل ذلك لجواز جريان العرف فى أحدهما دون الآخر، والقياس لا يجرى فى المسائل العرفية.
قال القاضى أبو عبد الله المقرى: قاعدة: اختلف المالكية فى المقدم من اللفظ والقصد عند تعارضهما، كصوم يوم يقدم فلان فقدم نهارا، قيل: يقضى، لأن المقصود صيام يوم شكرا، وقيل: لا وبابها الأيمان، والظهار كمن ظاهر قاصدا للطلاق ففى اللازم منهما قولان أما إن لم يقصد شيئا فعلى الخلاف فى لزوم اليمين باللفظ المجرد عن النية وهى قاعدة عامة انتهى.
وقوله: "كصوم" أى كنذر صوم، وفى طرة بخط المؤلف: وعليه من نذر صوم يوم قدوم فلان فقدم نهارا، هل يقضى لقصد الشكر أم لا؟ للفظ. انتهى.
ومثله لو نذر صوم شهر، فالقصد أنه يغلظ على نفسه، ولفظ الشهر يطلق على ثلاثين، وعلى تسعة وعشرين والأصل براءة الذمة فاقتضى القصد ثلاثين واللفظ تسعة وعشرين حملا على الأقل لما مر.
قوله: "ففى ذاك" أى تبع المقصد فوصل إشارته بالكاف لبعده، وذا أى /159 - ب اللفظ لقربه ونذر منون أى كنذر وحالف، وفى بعض النسخ بلفظ المصدر مناسبا لنذر.
[ص]
344 -
فى الأخذ بالغالب أو أصل إذا
…
تعارضا قولان لكن نبذا
345 -
إجماعا أصل عارض الذى شهد
…
وغالب فى الدين قال من رشد
[ش]
إذا تعارض الأصل والغالب هل يؤخذ بالأصل أو الغالب فيه قولان وعليه فى المذهب فروع ومسائل منها:
الخلاف بين مالك وابن حبيب فى دعوى المبتاع الجهل بالعيب الظاهر، فمالك قبل دعوى المبتاع بيمين، وابن حبيب والموثقون لم يقبلوها إذا كان العيب فى موضع ظاهر لا يخفى غالبا.
قال فى إيضاح المسالك: تنبيه: قال القرافى: هذا ليس على إطلاقه بل أجمعت الأمة على اعتبار الأصل وإلغاء الغالب فى دعوى الدين ونحوه، فإن القول قول المدعى عليه وإن كان الطالب أصلح الناس وأتقاهم لله، ومن الغالب عليه أن لا يدعى إلا ماله، فهذا الغالب ملغى إجماعا.
واتفق الناس على تقديم الغالب وإلغاء الأصل فى البينة إذا شهدت، فإن الغالب صدقها، والأصل براءة ذمة المشهود عليه، وألغى الأصل هاهنا بالإجماع عكس الأول، فليس الخلاف على الإطلاق انتهى.
وأجاب الإمام أبو عبد البقورى فى اختصار الفروق وترتيبها بقوله: إنما ألغى الغالب الذى هو صدق البر التقى لما قلناه: من أن القلوب بيد الله يقلبها كيف شاء فليس هذا الغالب بمعتبر أصلا كما قلنا فى الذى قبله وكلام الفقهاء فى الغالب الذى لا يطرقه مثل هذا كجلد قران ودباغ الغالب أنه للدباغ، وما قاله فى البينة إذا شهدت فإن الغالب صدقها ليس هذا من ترجيح الغالب على الأصل، بل من باب العمل بالخبر الذى لا يصح خلافه وهو قوله عليه السلام:"شاهداك أو يمينه" انتهى.
والذى قاله فى الذى قبله هو ما ذكرناه عنه فى قاعدة المدعى والمدعى/ 160 - أعليه من قوله: الظواهر التى ذكرناها جلية بينة غير خاف قبولها وما نقضت به من دعوى البر التقى على الفاسق لطروق الشك فى هذا الظاهر، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف شاء فيكون تقيا الزمن
الطويل ثم ينعكس: وبالعكس ومعرفة هذا من الأمر الخفى فألغى هذا الظاهر هنا ولم يعتبر بخلاف الظواهر التى ذكرناها لا يطرقها ما طرق هذا فاعتبرت وترتب الحكم عليها.
قال القاضى أبو عبد الله المقرى: قاعدة: اختلف المالكية فى المقدم من الأصل والغالب عند التمارض كسؤر ما عادته استعمال النجاسة إذا لم تر على أفواهها وقت شربها، وقد مر تحقيقه وتفريق المشهور بين الطعام والماء لمقاومة حرمته للغالب المتقدم عنده فيسلم الأصل كعمل الماضين فيما نسجه أهل الذمة وقد نبه فى المدونة على هذه الحرمة، فى سؤر الكلاب وإن كان البراذعى قد أسقطها حتى حمل كتابه ما ضعف التعليل به من التخصيص بالعادة، ومن هذا الأصل أن يتزوج حر أمة فيدعىى الغرور وتنكره، ففى المصدق منهما قولان وأشار بقوله- وقد مر تحقيقه- إلى قوله: قاعدة: ما يحصل على تقديرين أقرب وجودا مما يحصل على تقدير واحد، ثم أصعد كذلك فإن شربت الجلالة احتمل أن تكون لم تستعمل نجاسة إذ ذاك أو استعملها ثم ذهبت بالكلية أو لم تلاق الماء، وهذه تقتضى البقاء على الأصل ويحتمل أيضا أن تكون فيها وقت شربها ولاقت الماء، وهذا يقتضى النجاسة لكن الأول أقرب إلى الوجود وبه تبطل دعوى الغالب الذى هو مستند المشهور، فيبقى الأصل وهو الصحيح إلا على القول بانتقال النجاسة الحكمية.
قوله: "لكن نبذ إجماعا أصل عارض الذى شهد" هذا كالاستثناء من الخلاف الذى قبله أى لكن طرح بالإجماع أخذ عارض شهادة الذى شهد، أى طرح الأخذ بالأصل.
وإنما يتمسك بالشهادة والأصل براءة الذمة والغالب صدق الشاهدين وعلى/ 160 - ب ما شهدا به يعمل إجماعا.
قوله: "وغالب فى الدين" أى ونبذ غالب فى دعوى الدين، والغالب صدق الرجل الصالح والأصل براءة الذمة من الدين، وعلى الأصل يعمل إجماعا وإن كان مدعيه فاسقا.
قوله: "قال من رشد" يعنى الرشد فى الدين، أى من رشد فى الدين قال بغيته.
[ص]
246 -
فى الأصل والظاهر أيضا علما
…
مع تعارض كقبر قدما
[ش]
من القواعد إذا تعارض أصل وظاهر أيهما يقدم؟ عليهما ما ذكر، وهو القبر القديم أى البالى هل تجوز الصلاة فيه، بناء على الأصل، وهو بقاء ما كان، أو لا؟ بناء على الظاهر وهو وجود العظام فى القبر.
قال القاضى أبو عبد الله المقرى: قاعدة: إذا تعارض أصل وظاهر فللمالكية فى المقدم منهما قولان، كالمقبرة القديمة الأصل الطهارة، والظاهر اختلاط الأجزاء.
قوله: "علما" أى القولان وبه يتعلق فى الأصل.
[ص]
347 -
وغالبا قدم على ما ندرا
…
وهو شأن شرعنا فكثرا
348 -
لكن عليه نادر قد قدما
…
كالطين والنعل ونحو علما
349 -
ومنه نسج مسلم لا يحترز
…
من نجس وثوبه كمن نبز
350 -
بشرب أو ترك صلاة أو جهل
…
كثوب سوق وعن اللخمى نقل
351 -
فى ثوب من ذكر أنه نجس
…
كالنوم لكن خفف الذى لبس
352 -
فى الرأس قيل ما عدا من شربا
…
وغسل ما قد شك فيه صوبا
353 -
ونسج كافر وما قد صنعا
…
كفاسق من طعام وسعا
354 -
فيه كلبس صبية ونقلا
…
معافرى نجس وقبلا
355 -
إن استقل ولد بالغسل
…
وكمبرز ووضع الحمل
356 -
وشبه ما ذكر مما ارتكبا
…
من النوادر لمعنى أوجبا
[ش]
جل هذا الكلام مأخوذ من كلام القرافى، فى الفرق السابع والثلاثين والمائتين بين قاعدة ما اعتبر من الغالب [وبين ما ألغى من الغالب] / 161 - أ.
قال: اعلم أن الأصل اعتبار الغالب وتقديمه على النادر، وهو شأن الشريعة كما يقدم الغالب فى طهارة المياه، وعقود المسلمين، ويقصر فى السفر، ويفطر بناء على غالب الحال وهو المشقة، ويمنع من شهادة الأعداء والخصوم، لأن الغالب منهم الحيف، وهو كثير فى الشريعة لا يحصر كثرة، وقد يلغى الشارع الغالب رحمة بالعباد، وهذا قسمان:
قسم يعتبر فيه النادر،. وقسم يلغيان معا، وأنا أذكر من كل قسم مثلا ليتهذب بها الطالب ويتنبه إلى وقوعه فى الشريعة، فإنه لا يكاد يخطر ذلك بالبال، لا سيما تقديم النادر على الغالب.
ثم ذكر من القسم الأول عشرين مثالا ونذكر منها على كلام المؤلف ما يناسبه قوله: "وهو شأن شرعنا" يحتمل أن يقرأ هو بتخفيف الواو وهى اللغة الكثرى، فيكون الجزء مخبولا، ويحتمل أن تقرأ بتشديدها. وهى لغة همدان، فيكون الجزء مخبونا؟.
قوله: "نادر قد قدما" يصح رفع نادر، وقدم ماض للمجهول ونصبه وقدمن أمر فألفه بدل نون التوكيد الخفيفة وهما نسختان.
قوله: "كالطين والنعل ونحو علما" كأن هذا من التقديم النادر، لأن الغالب فى الطرق النجاسة، وكذا النعل المأمور يدلكها.
القرافى: الرابع: طين المطر الواقع فى الطرقات وممر الدواب والمشى بالأمدسة التي
يداس بها فى المراحيض، الغالب عليها وجود النجاسة، من حيث الجملة، وإن كنا لا نشاهد عينها والنادر سلامتها. ومع ذلك ألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر توسعة ورحمة بالعباد فتصلى به من غير غسل.
الخامس: النعال الغالب عليها مصادفة النجاسات، لا سيما نعل مشى بها سنة وجلس بها فى موضع قضاء حاجة الإنسان سنة أو نحوها والنادر سلامتها من النجاسة، ومع ذلك ألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر، فجاءت السنة بالصلاة بالنعال حتى قال بعضهم: إن خلع النعال فى الصلاة بدعة/ 161 - ب كل ذلك رحمة من الله، وتوسعة على العباد انتهى.
ويدخل فى قول المؤلف "ونحو علما" الرجل الحافية وفى بعض النسخ بدل هذا (وزاد القدما). وصدر البيت بعده على هذه النسخة (بعض) فهو فاعل زاد وأثره.
"ونسج مسلم" بخفض نسج عطفا على الطين، وعلى الأول ومنه نسج مسلم برفع نسج.
القرافى: الخامس عشر: الحفاة بغير نعل الغالب مصادفة النجاسة، ولو فى الطرقات ومواضع قضاء الحاجات، والنادر سلامتهم منها، ومع ذلك جوز الشرع صلاة الحافى كما جوز له الصلاة بنعله من غير غسل رجليه، وكان عمر رضى الله عنه يمشى حافيا، ولا يعيب ذلك فى صلاته، لأنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبى بنعليه، ومعلوم أن الحفاء أخف فى تحمل النجاسة من النعال وقدم الشرع حكم النادر على الغالب توسعة على العباد.
قوله: "ومنه نسج مسلم لا يحترز من نجس وثوبه كمن نبز بشرب أو ترك صلاة أو جهل كثوب سوق" أى ومن النادر المقدم على الغالب ما نسجه مسلم لا يتوقى النجس وما بعده.
القرافى: العاشر: ما ينسجه المسلمون المتقدم ذكرهم، الغالب عليه النجاسة- أى الذين لا يصلون ولا يستنجون بالماء ولا يتحرزون من النجاسة- قال: وأثبت الشرع حكم النادر، وألغى حكم الغالب، وجوز الصلاة فيه، لطفا بالعباد.
الحادى عشر: ما يصنعه أهل الكتاب الغالب نجاسته وهو أشدهما لكثرة النجاسة فألغى الشارع حكم هذا الغالب وأثبت حكم النادر فجوز الشرع الصلاة فيه تغليبا لحكم النادر على الغالب لطفا بالعباد.
الثانى عشر: ما يلبسه العوام الذين لا يصلون، ولا يتحرزون من النجاسات الغالب نجاسته فجوز الشرع الصلاة فيه تغليبا لحكم النادر على الغالب وتوسعة على العباد.
الثالث عشر: ما يلبسه الناس ويباع فى الأسواق ولا يعلم/ 162 - ألابسه كافر أو مسلم مخلط أو محترز، مع أن الغالب على أهل البلاد العوام والفسقة وتراك الصلاة ومن لا يحترز من النجاسات فالغالب نجاسة هذا الملبوس، والنادر سلامته فأثبت الشارع حكم النادر وألغى حكم الغالب لطفا بالعباد انتهى.
وثوبه، بالرفع عطفا على نسج مسلم أى وثوب مسلم لا يتحرز من نجس. وجهل، بفتح
الجيم معطوف على نبز، أى جهله مشتريه، بمعنى أنه جهل مشتريه نجاسته وطهارته [بأن لم يدر] حال لابسه، ولا مانع من ضم جيمه مبنيا للمجهول لكن بالفتح ضبطه المؤلف.
قوله: "وعن اللخمى نقل، فى ثوب من ذكر أنه نجس كالنوم لكن خفف الذى لبس فى الرأس" أنه نجس نائب عن فاعل نقل، وفاعل خفف عائد على اللخمى أى نقل عن اللخمى فى ثوب المسلم الذى لا يحترز من النجس، وثوب شارب خمر وتارك الصلاة والمجهول وثوب السوق أن ذلك كله نجس كثياب النوم.
البرزلى: وفى تبصرة اللخمى ثياب النوم وما لبس شارب الخمر ومن لا يصلى وما يحاذى الفرج ممن لا يحسن الاستبراء من العوام، وزاد بعض القرويين المتأخرين وما تحت الفرج مما يصيبه البلل عند الجلوس كل هذا نجس، وجل النساء غير مصل، ولباس رأس من لا يصلى أخف من غيره، وإن شك فى حال لابسه يغسل استحبابا. انتهى.
وقال الشيخ ابن عرفة: اللخمى: ملبوس النوم وشارب الخمر وقميص غير المصلى ولباس الوسط نجس لقلة محسنى الاستبراء، ولباس رأس غير المصلى أخف وأكثر النساء غير مصل، وما شك فى حال لابسه غسل احتياطا، ونجاسة الثوب الجديد عيب.
وفى التوضيح قال اللخمى: وأما ما يلبسه المسلم فإن علم أن بائعه ممن يصلى فلا بأس بالصلاة فيه، وإن كان ممن لا يصلى لا يصل به حتى يغسله، فإن لم يعلم بائعه فينظر إلى الأشبه ممن يلبس مثال ذلك، فإن شك فالاحتياط بالغسل أفضل انتهى.
ونص سند: على أن/ 162 - ب من اشترى من مسلم مجهول الحال محمول على
السلامة قال: وإن شك فيه نضح.
قوله: "قيل ما عدا من شربا" يعنى أن كلام اللخمى فى ثوب رأس غير المصلى مقيد بغير شارب الخمر، وأما شارب الخمر فثيابه كلها نجسة، واللخمى نفسه هو المقيد بهذا ونصه فى نقل أبى الحسن الصغير: وأما ما يستعمل فى الرأس من منديل أو عمامة فالأمر فيه أخف، لأن الغالب سلامته من النجاسة كان البائع له ممن يصلى أم لا؟ إلا أن يكون ممن يشرب الخمر فلا يصلى فى ذلك حتى يغسله. صح من التقييد.
وعلى هذا قلت: فلو قال المؤلف قال بالبناء للفاعل لكان أحسن، ولعل هذا التقييد مبنى على نجاسة عرق السكران.
قوله: "وغسل ما قد شك فيه [صوبا" أى صوب اللخمى غسل ما قد شك فيه"] للجهل بحال لابسه، وقد تقدم ذلك، فصوب بالبناء للمعلوم، وضبطه المؤلف أيضا بالبناء للمجهول وعليهما نصب غسل ورفعه.
قوله: "ونسج الكافر" هو معطوف على قوله: "نسج مسلم" فهو مما قدم فيه النادر على الغالب.
القرافى: السابع: ثياب الكفار التى ينسجونها بأيديهم لما يباشرونه عند قضاء حاجة الإنسان ومباشرتهم الخمر، والخنازير، ولحوم الميتات، وجميع أوانيهن نجسة لملابسة ذلك، ويباشرون النجس والعمل مع بلة أيديهم وعرقها حال العمل ويبلون تلك الأمتعة بالنشا، وغيره مما يقوى لهم الخيوط، ويعينهم على النسج، فالغالب نجاسة هذا القماش والنادر سلامته من النجاسة، وقد سئل مالك- رضى الله عنه- فقال ما أدركت أحدا يتحرز من الصلاة فى مثل هذا، فأثبت الشارع حكم النادر وألغى رحمة بالعباد.
قوله: "وما قد صنعا كفاسق من كطعام وسعا فيه" ما مبتدأ والخبر وسع فيه وفاعل صنع يعود على الكاف، ويحتمل أن يكون الكاف من كفاسق. وذكر البرزلى فى اغتفار ما خاطه الكفار/ 163 - أكما نسجوه قولين للشبيبى وابن عرفة.
الوانوفى: لا يصلى بما خاطه الذمى لنجاسة ريقه، ولو صلى بخيط ورمى فى جيبه لا يعيد كنسجهم.
البرزلى: لا بأس بالصلاة بما نسجوه أهل الذمة لا بما لبسوه.
ابن عبد الحكم: وكذلك ما لبسوه.
ابن رشد: يحمل على ما لم يغب عليه ولم يطل لبسه، واختلف فى صلاته بما لبسه فى كفره ولم يعاين به نجاسة وعن ابن العربى: تجوز بما نسجوه إذا كانت تؤكل ذبائحهم إجماعا وأما المجاسى فكذلك عندنا، وأما ذوو الصناعات منهم مثل من يقص الملف والخياط ونحوه، والصاغة فى الحلى والدراهم يمسها بيديه أو فمه فكان شيخنا الإمام ابن عرفة يفتى بغسل ما لبسوه، لأن الغالب عليهم عدم التحفظ من النجاسات ولا ضرورة تدعو اليهم للاستغناء عنهم بالمسلمين، وكان غيره يفتى باغتفار هذا قياسا على ما نسجوه، وأكل المائع من أطعمتهم وغير ذلك مما هو مباح، لا سيما إن كانت صنعتهم يفتقر إليهم فيها كالصواغين فى الأغلب، وكذلك كانوا يسئلون عن طبخ الخبز معهم فى الفرن الذى يخالطون المسلمين فيه والصواب الجواز فى ذلك كله.
وكذلك ما يحكى عن الشيخ الصالح ابن أيى محمد المرجانى أنه كان يتوقى الصلاة بجنب من يلبس الملف وعلل ذلك بما يذكر أن فيها شحم الخنزير، وهذا إغراق فى الورع، والحق اتباع السلف الصالح، ولم يأت عنهم التحفظ فى مثل هذا بل أتى عكسه فى مسألة النسج انتهى من اختصار سيدى أحمد حلولوه للنوازل المذكورة.
وفى شرح الأبى لصحيح مسلم: وما يحكى عن الشيخ تقى الدين: من أنه كان لا يلبس الملف وأنه إذا قبّل أحد يديه يغسلهما كان شيخنا يقول: إن هذا ورع، لأنه إنما يريد أن يخرج من عهدة التكليف بيقين، لأنه من الجائز أن يكون بيد من مسه أو بفى من قبل يده نجاسة لا سيما العوام ومن لا يتحفظ ولا يعرف أحكام الطهارة، وليس هذا وسوسة/ 163 - ب وإنما الوسوسة ما يتفق لبعض الناس من إكثار الماء فى الوضوء وإطالة التدليك، وكان الشيخ الولى الفقيه أبو محمد المرجانى لا يصلى بالملف لما يذكر أنهم يرطبونه بشحم الخنزير ويستدل على ذلك بأن الإبرة إذا مسكت فيه فإنها لا تصدى، ولو جعلت فى أرطب صوف أو غيره تصدت فما ذلك إلا لصحة ما يقال.
وكان الشيخ يقول: ترك الصلاة به إنما هو ورع، لأن ما يقال من ذلك لا يثبت بخبر مقبول، ولا بينة، وكان السطى وابن عبد السلام يصليان بالملف وأنا أصلي به في
الدار ويمنعني من الصلاة به فى الجامع خوف أن يأتم بى من يكره الصلاة فيه، قيل: وإن غسل بالماء الحار فإنه يطهر.
القرافى: الثامن: ما يصنعه أهل الكتاب من الأطعمة فى أوانيهم وبأيديهم الغالب نجاسته لما تقدم، والنادر طهارته، ومع ذلك أثبت الشارع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوز لطفا بالعباد. انتهى.
بعض الشيوخ: وهو أشد مما ينسجونه لكثرة الرطبات الأ (ئلة) للنجاسة.
قوله: "كلبس صبية" عياض أثناء كلامه على حديث أمامة: وفيه من الفقه أن ثياب الصبيان وأبدانهم على الطهارة حتى تتحقق النجاسة.
الأبى: حمل ثياب الصبيان على الطهارة إنما هو فى صبيان علمت أهاليهم بالتحفظ من النجاسة.
أعطيت للشيخ أبى الحسن المنتصر خيارة فجعلها فى جيبه، ومعه حفيد له، فجعل الصبى يقول: منجوسة منجوسة، وما ذلك إلا لما علم الصبى من تحفظ أهله من النجاسة حتى أنهم كانوا يغسلون الخيارة لما عسى أن يكون علق بها من زبل الأرض المستنبتة فيها.
القرافى: السادس: الغالب على ثياب الصبيان النجاسة لا سيما مع طول لبسهم/ 164 - أ
لها. والنادر سلامتها، وقد جاءت السنة بصلاته عليه السلام بإمامة يحملها فى الصلاة إلغاء لحكم الغالب، وإثباتا لحكم النادر لطفا بالعباد.
قوله: "ونقلا معافرى نجس وقبلا إن استقل ولد بالغسل".
المعافرى هو أبو بكر بن العربى، أى ونقل المعافرى عن أهل المذهب فى ثوب الصبى أنه نجس إن استقل الصبى بالغسل وقبل ذلك هو طاهر.
الشيخ ابن عرفة: ابن العربى ثوب الصبى عندهم نجس، والصواب إن استقل بغسل حدثه وقبله طاهر، لأن حاضنه ينظفه وهذا خلاف قول القرافى وفى نوازل البرزلى: ابن العربى: وثوب الصبى عندهم نجس قال: والصواب إن استقل بغسله فهو نجس وإن لم يستقل فهو طاهر، لأن حاضنه ينظفه دليله الرواية فى حمل الولد فى الصلاة وهو المذكور فى حمل أمامة.
أبو عمران: معناه أن الولد كان طاهرا أو لو لم يشغله فى الفريضة أجزأه.
قوله: "وكمبرز" أى ادعى على فاسق، والمبرز السابق فى الصلاح.
القرافى: السادس عشر: دعوى الصالح الولى التقى على الفاجر الشقى الغاضب الظالم، درهما الغالب صدقه، والنادر كذبه، ومع ذلك قدم الشرع حكم النادر وجعل القول قول الفاجر، لطفا بالعباد، بإسقاط الدعاوى عنهم، واندرج الصالح مع غيره سدا لباب الفساد والظلم بالدعاوى الكاذبة.
قوله: "ووضع الحمل" هو شامل لصورتين.
القرافى أثر قوله: وأنا أذكر منه- أى من تقديم النادر- عشرين مثالا، قال:
الأول: غالب الولد أن يوضع لتسعة أشهر فإذا جاء بعد عشر سنين من امرأة طلقها زوجها دار بين أن يكون من زنى وهو الغالب، وبين أن يكون تأخر فى بطن أمه وهو نادر بالنسبة إلى وقوع الزنى فى الوجود فألغى الشارع الغالب، وأثبت حكم النادر، وهو تأخر الحمل رحمة بالعباد لحصول الستر عليهم وصونا لأعراضهم عن الشك.
وزاد هذا بيانا فى الفرق الخامس والسبعين والمائة بين قاعدة الدائر بين النادر والغالب، يلحق بالغالب من جنسه/ 164 - ب وبين قاعدة ألحاق الأولاد بالأزواج إلى خمس سنين وقيل: الى أربع، وقيل: إلى سبع، فقال: لكن الله تعالى شرع لحوقه بالزوج لطفا بعباده وسترا عليهم وحفظا للأنساب وسدا لباب ثبوت الزنى، كما اشترط تعالى فى ثبوته أربعة مجتمعين سدا لبابه حتى يبعد ثبوته، وأمرنا أن لا نتعرض لتحمل الشهادة فيه، وإذا تحملناها أمرنا بأن لا نؤديها، وأن نبالغ الستر على الزانى ما استطعنا بخلاف جميع الحقوق كل ذلك شرع طلبها سترا على العباد ومنة عليهم، فهذا هو سبب استثناء هذه القاعدة من تلك القاعدة.
قال: الثانى: إذا تزوجت فجاءت بولد لستة أشهر جاز أن يكون من وطء قبل العقد وهو الغالب، أو من وطء بعده وهو نادر، فإن غالب الأجنة لا توضع إلا لتسعة أشهر، وإنما يوضع للستة سقطا فى الغالب، فألغى الشارع الغالب وأثبت حكم النادر وجعله من الوطء
بعد العقد لطفا بالعباد لحصول الستر وصونا للعرض.
قوله: "وشبه ما ذكر"- البيت- لمعنى يتعلق بارتكب، والمعنى الذى اقتضى تقديم حكم النادر فى تلك المواضع المتوسطة على العباد واللطف بهم، ويدخل تحت الشبه من كلام المؤلف باقى العشرين التى ذكر القرافى- رحمه الله تعالى- كعقد الجزية لتوقع إسلام بعضهم وهو نادر والغالب استمرارهم على الكفر وموتهم عليه.
وكالحصر والبسط التى قد اسودّت من طول ما لبست يمشى عليها الحفاة والصبيان ومن يصلى ومن لا يصلى، الغالب نجاستها والنادر سلامتها، ومع ذلك فقد جاءت السنة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى على حصير قد اسود من طول ما لبس بعد أن نضحه بماء والنضح لا يزيل نجاسة بل ينشرها.
وكالاشتغال بالعلم مأمور به مع أن غالب الناس الرياء وعدم الإخلاص والنادر الإخلاص، ومقتضى الغالب النهى عن/ 165 - أالاشتغال بالعلم لأنه وسيلة للرياء ووسيلة المعصية معصية، فلم يعتبره الشرع وأثبت حكم النادر.
وكالمتداعيين أحدهما كاذب قطعا والغالب أن أحدهما يعلم بكذبه، والنادر أن يكون قد وقع لكل منهما شبهة، وعلى التقدير الأول يكون تحليفه سعيا فى وقوع اليمين الفاجرة فكان حراما، غايته أن يعارضه أخذ الحق وإلجاؤه إليه وذلك إما مباح، وإما واجب، وإذا تعارض المحرم والواجب قدم المحرم، ومع ذلك ألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر لطفا بالعباد فى تخليص حقوقهم وكذلك القول فى اللعان الغالب أن أحدهما كاذب.
وكتعمير (المفقود) إلى سبعين سنة فإن الموت فى الشبان أكثر إذا لو كان الشبان يعيشون لصاروا شيوخا فيكثر الشيوخ لكنهم فى الوجود أقل، ومع ذلك فقد شرع صاحب الشرع التعمير إلغاء لحكم الغالب وإثباتا لحكم النادر لطفا بالعباد.
وكندب الشره للنكاح رجاء أن يخرج رجل صالح مسلم بين الزوجين والغالب الجهل بالله، واقدام على المعاصى، ومقتضى هذا الغالب أن ينهى عن النكاح لا سيما على مذهب من يكفر المقلد، ولكنه حكم بالنادر وغلب على الغالب ونظائر هذا كثيرة: فينبغى لمن قصد إثبات حكم النادر دون الغالب أن ينظر هل ذلك الغالب مما ألغاه الشرع أم لا؟ وحينئذ يعتمد عليه، وأما مطلق الغالب كيف كان فى جميع صوره فخلاف الإجماع، ومع هذا كله فالأصل اعتبار الغالب وإلغاء النادر، فالفرد المتردد بينهما على الغالب يحمل، لكن شرطه على ما ذكره الشهاب أن يكون ذلك الفرد من جنس الغالب وإلا فلا يحمل على الغالب، فالعام الذى لا قرينة على تخصيصه يحمل على عمومه وإن كان التخصيص فى العام أكثر حتى روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ما من عام إلا وقد تخصص إلا قوله تعالى:{والله بكل شئ عليم} .
وهذا لأنا لم نقض على عام بأنه مخصوص بمجرد كونه لفظا عاما بل لأجل اقترانه/ 165 - ب بالقرينة الصارفة عن العموم للتخصيص، وهذا اللفظ الوارد ابتداء ليس معه مخصص صارف عن العموم فهو حينئذ ليس من جنس ذلك الغالب فلو حملناه على الخصوص لحملناه على غير غالب فإنه لم يوجد لفظ عام حمل على الخصوص من حيث كونه كذلك ألبتة فضلا عن كونه غالبا بل هذا اللفظ قاعدة مستقلة بنفسها ليس فيها غالب ونادر بل شئ واحد وهو العموم مطلقا، فتأمل.
ولم يذكر المؤلف القسم الثانى من إلغاء الغالب وهو ما ألغى فيه الغالب والنادر معا وذكر الشهاب عنه عشرين مثالا أيضا:
الأول: شهادة الصبيان فى الأموال إذا كثر عددهم جدا الغالب صدقهم، والنادر كذبهم ولم يعتبر الشارع صدقهم، ولا قضى بكذبهم، بل أهملهم رحمة بالمدعى عليه بخلاف القتل
والجراح فقد قبلهم وجماعة.
الثانى: شهادة الجمع الكثير من جماعة المسوان فى أحكام الأبدان، الغالب صدقهن والنادر كذبهن، لا سيما مع العدالة، وقد ألغى صاحب الشرع صدقهن فلم يحكم بصدقهن لطفا من الله تعالى بالعباد.
الثالث: الجمع الكثير من الكفار من الأحبار والرهبان إذا شهدوا الغالب صدقهم والنادر كذبهم وقد ألغى الشارع صدقهم لطفا بالمدعى عليه ولم يحكم بكذبهم.
الرابع: الجمع الكثير من الفسقة الغالب صدقهم، والنادر كذبهم، ولم يحكم الشرع بكذبهم ولا صدقهم.
الخامس: شهادة ثلاث عدول فى الزنى، الغالب صدقهم والنادر كذبهم، ولم يحكم الشرع به سترا على المدعى عليه، ولم يحكم بكذبهم بل أقام الحد عليهم من حيث إنهم قذفة لا من حيث إنهم شهود.
السادس: شهادة العدل الواحد فى أحكام الأبدان الغالب صدقه، والنادر كذبه ولم يقض الشرع بصدقه لطفا بالمدعى عليه، وكذلك لم يكذبه.
السابع: حلف المدعى الطالب وهو من أهل الخير والصلاح، الغالب صدقه والنادر كذبه ولم يقض الشرع بصدقه/ 166 - أفيحكم له بيمينه بل لابد من البينة ولم يحكم بكذبه.
الثامن: رواية الجمع الكثير لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحبار والرهبان المتدينين المعتقدين تحريم الكذب فى دينهم الغالب صدقهم، والنادر كذبهم، ولم يعتبره الشرع لطفا بالعباد، وسدا لذريعة أن يدخل دينهم ما ليس منه.
التاسع: رواية الجمع الكثير من الفسقة بشرب الخمر وقتل النفس وهم رؤساء عظماء فى الوجود كالملوك والأمراء ونحوهم، الغالب عندنا اجتماعهم على الرواية الواحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والغالب صدقهم، فإن لهم وازعا طبيعيا يمنعهم الكذب معرة لا دينا، ومع ذلك لم تقبل روايتهم صونا للعباد عن أن يدخل فى دينهم ما ليس منه، بل جعل الضابط العدالة، ولا يحكم بكذب هؤلاء.
العاشر: رواية الجمع الكثير من المجاهيل للحديث النبوى الغالب صدقهم والنادر كذبهم
ولم يحكم بصدقهم ولا كذبهم.
الحادى عشر: أخذ السراق المتهمين بالسرقة بالتهم، وقرائن أحوالهم كما يفعله الأمير اليوم دون الإقرار الصحيح والبينات المعتبرة، الغالب مصادفتهم الصواب والنادر خطأهم، ومع ذلك ألغاه الشرع صونا للأعراض والأطراف عن القطع.
الثانى عشر: أخذ الحكام بقرائن الأحوال من المتكلم وكثرة الشكوى والبكاء مع كون الخصم مشهورا بالفساد والعناد، والغالب مصادفته للحق والنادر خطأه ومع ذلك منعه الشارع منه وحرمه ولا يضر الحاكم ضياع حق لا بينة عليه.
الثالث عشر: الغالب على من وجد بين فخذى امرأة وهو متحرك حركة الواطئ وطال القران فى ذلك أنه قد ولج، والنادر عدم ذلك فإذا شهدوا عليه بذلك لغى الشارع هذا الغالب ولم يحكم بوطئه ولا بعدم وطئه.
الرابع عشر: شهادة المبرز لولده الغالب صدقه، وقد ألغاه الشارع ألغى كذبه فلم يحكم بواحد منهما.
الخامس عشر: شهادة/ 166 - ب العدل المبرز لوالده الغالب صدقه ولم يحكم الشرع بصدقه ولا بكذبه بل ألغاهما.
السادس عشر: شهادة العدل المبرز على خصمه، الغالب صدقه وقد ألغى الشرع صدقه وكذبه.
السابع عشر: شهادة الحاكم على فعل نفسه إذا عزل وشهادة الإنسان لنفسه إذا وقعت من العدل المبرز فى العدالة، الغالب صدقه، وقد ألغى الشارع صدقه وكذبه.
الثامن عشر: حكمه لنفسه وهو من أهل العدل والتقوى، الغالب صدقه وأنه يحكم بالحق والنادر خلافه وقد ألغى الشارع ذلك الحكم وحكم ببطلانه.
التاسع عشر: القرء الواحد فى العدة الغالب منه براءة الرحم، والنادر شغله ولم
يحكم الشرع بواحد منهما حتى ينضاف إليه قرءان آخران.
العشرون: من غاب عن امرأته سنين ثم طلقها أو مات عنها الغالب براءة الرحم والنادر شغله، وقد ألغاهما صاحب الشرع وأوجب عليها استئناف العدة بعد الوفاة، والطلاق، لأن وقوع الحكم بغير سببه غير معتد به.
والمقصود من ذكر هذه الأمثلة من أجناس مختلفة أن يظهر لك أن إطلاق القول بترجيح الغالب على النادر مما لا ينبغى، بل ما يكون ذلك إلا بحث شديد ومعرفة الباحث بالمسائل الفقهية والدلائل الشرعية، واستقرائه لذلك كله فبعده يصح له أن يحكم بترجيح الغالب.
وأيضا فلا ينبغى أن يقال إذا تعارض الأصول والغالب فأيهما يرجح قولان؟ فقد ظهر أجناس كثيرة اتفق الناس فيها على تقديم الغالب على الأصل، كما فى أمر البينة فإن الغالب صدقها والأصل براءة الذمة والتنبيه على هذا اللفظ فى الإطلاق هو المراد المقصود من بيان هذا الفرق، وأكثر هذا لفظ القرافى وبعضه بالمعنى على سبيل الاختصار أيضا.
[ص]
فصل
[ش]
أى في القضاء والشهادة.
[ص]
357 -
المدعى عليه من يوافقه
…
عرف أو أصل بعضهم يحققه/ 167 - أ
358 -
بأنه أقرب خصمين سبب
…
والضد مدع كناظر طلب
[ش]
بدأ بقاعدة المدعى والمدعى عليه، لأن من ميز بينهما لم يلتبس عليه الحكم، كما قال بن المسيب.
قال أبو عمرو بن الحاجب: والمدعى من تجرد قوله عن مصدق، والمدّعى عليه من ترجح قوله بعهود، أو أصل، فلذلك كان مدعى رد الوديعة مقبولا
لائتمانه ومدعى حرية الأصل صغيرا كان أو كبيرا، ما لم يثبت عليه حوز الملك بخلاف مدعى العتق.
قال شهاب الدين القرافى: فى الفرق بين قاعدة المدعى والمدعى عليه: إذ هما يلتبسان لأنه ليس كل طالب مدعيا، ولا كل مطلوب مدعى عليه.
للأصحاب فيه عبارتان:
إحداهما: أن المدعى هو أبعد المتداعيين سببا، والمدعى عليه هو أقرب المتداعيين سببا.
والعبارة الثانية: وهى توضح الأولى المدعى من كان قوله على خلاف أصل أو عرف، والمدّعى عليه من كان قوله على وفق الأصل أو عرف.
وبيان ذلك بالمثال:
أن اليتيم إذا بلغ وطللب الوصى بماله فإنه مدعى عليه، والوصى المطلوب مدع، عليه البينة، لأن الله تعالى أمر الأوصياء بالإشهاد على اليتامى إذا دفعوا إليهم أموالهم، فلم يأتمنهم على الدفع بل على التصرف والإنفاق خاصة، وإذا لم يكونوا أمناء كان الأصل عدم الدفع، فهذا طالب واليمين عليه، لأنه مدعى عليه، والوصى مطلوب وهو مدع [وإنما قلنا اليمين عليه لقوله عليه السلام:"البينة على المدعى واليمين على من أنكر"] ونظائر هذا كثيرة فيكون الطالب فيها مدعى عليه ويعتمد أبدا الترجيح بالعوائد وظاهر الأحوال والقرائن، وعلى هذا إذا ادعى قزاز، ودباغ جلدا كان الدباغ مدعى عليه.
أو قاض وجندي رمحا [كان الجندي مدعى عليه] وهلة خذا مسألة الزوجين إذا اختلفا فى متاع البيت أن القول فول الرجل فيما يشبه قماش الرجل والقول قول المرأة فينا يشبه قماش النساء وقد تقدم هذا وخالفنا الشافعي.
وأما الأصل وحده/ 167 - ب من غير ظاهر الحال ولا عرف، كمن ادعى علي شخص دينًا أو غصبًا أو خيانة أو نحوهما فالأصل عدم هذه الأمور ويكون القول فى ذلك قول المطلوب مع يمينه، لن الأصل يعضده ويخالف الطالب وهذا مجمع عليه، وإنما الخلاف فيما قبله وظهر لك بهذا قول الأصحاب أن المدعى هو أضعف المتداعيين سببًا والمدعى عليه هو أقوى المتداعيين سببًا.
تنبيه: ما ذكرنا من ظاهر الحال ينتقض بما اجتمعنا عليه من أن الصالح البر التقي العظيم الشأن فى العلم والدين، مثل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب لو ادعى على أفسق الناس أو أرذلهم لا يصدق فيه، وعليه البينة وهو مدع، المطلوب مدعى عليه، وعكسه لو ادعى الطالح على الصالح كان الحكم كذلك، وبهذا يحتج الشافعي علينا وينقض علينا الحدود انتهى باختصار البقوري.
ونص الأصل: وكما أن هذه الصورة فهي نقض لقولنا المدعى من خالف قوله أصلًا أو عرفا، والمدعى عليه من وافق قوله أصلًا أو عرفا فإن العرف في هذه الصورة
[ش]
اهد، وكذلك الظاهر، وقد ألغيا جميعًا فكان ذلك أبطالًا للحدود المتقدمة ونقضا على المذهب فتأمل ذلك.
وأجاب الإمام أبو عبد الله البقوري عن أشكاله، بأن قال: الظواهر التي ذكرناها جلية بينة غير خاف قبولها، وما نقضت به من دعوى البر التقي على الفاسق لطروق الشك فى هذه الظواهر فإن القلوب بيد الله تعالى يقلبها كيف شاء، فيكون تقيا الزمن الطويل ثم ينعكس، وبالعكس ومعرفة هذا الأمر الخفى فألغى هذا الظاهر هنا ولم يعتبر بخلاف الظواهر التي ذكرناها لا يطرقها ما طرق هذا فاعتبرت وترتب الحكم عليهما. انتهى.
وقال القاضي أبو عبد الله المقري: قاعدة: المدعى أبعد المتداعيين سببا، وهو من كان على خلاف أصل أو عرف أو ظهار، والمدعى عليه أقربهما سببًا وهو من وافقت دعواه أحدهما وقد يتساويان كالمتبايعين/ 168 - أفالأصل كدعوى بقاء الملك، والعرف كدعوى الأشبه وهي مسموعة بعد الفوات اتفاقًا، ومع القيام قولان.
ابن بشير: وهما خلاف فى حال، فإن ادعى شبها وأبعد صاحبه فينبغي أن لا يختلف أن القول قول من ادعى الشبه، وإن ادعى الآخر ما يمكن ويتغابن الناس به لم يلتفت إلى الشبه، والظاهر.
أما ظاهر حال أو قرينة فقال: وبالجملة ما أفاد ظن الصدق، وليس كل طالب مدعيا ولا كل مطلوب مدعى عليه، فعلى هذه القاعدة تتخرج فروع الدعاوى قال ابن المسيب: من عرف المدعى من المدعى عليه لم يلتبس عليه الحكم انتهى وقال العلامة شهاب الدين بن حجر: واختلف الفقهاء فى تعريف المدعى والمدعى عليه [والمشهور فيه تعريفان:
الأول: المدعى من يخالف قوله الظاهر، والمدعى عليه] بخلافه.
الثانى: من إذا سكت تركه وسكوته، والمدعى عليه إذا سكت لم يترك، والأول
وأشهر والثاني أسلم.
وقد أورد على الأول أن المودع إذا ادعى الرد أو التلف، فإن دعواه يخالف الظاهر، ومع ذلك فالقول قوله، وقيل فى تعريفهما غير ذلك انتهى.
والثانى قد ذكره المازرى فى شرح التلقين عن بعضهم.
قوله: ((بعضهم يحققه بأنه أقرب خصمين سبب)) أى بعضهم يحقق المدعى عليه بما ذكر، وفسر المؤلف هذا البعض فى طرة بخطه بقوله: هو القرافى وغيره.
وفسره تلميذ له زعم أنه أخرج نسخته من مبيضه المؤلف وأنه سأله عن كل ما أشكل فيها وأنه لم يسبقه إلى كتبها أحد.
بقوله: نقله القرافى عن بعضهم. انتهى.
وقد رأىت أن القرافى نقله عن الأصحاب وقرره وسلمه فهو أحد القائلين به والبعض يصدق على الواحد والجماعة فصح كل من التفسرين.
ابن عبد السلام بعد أن ذكر أنه اختلفت عبارات الفقهاء فى تحديد كل واحد منهما قال: وتحويمهم على شيء واحد، وهو أن من أراد التمسك بالأصل فهو المدعى عليه، ومن أراد النقل/ 168 - ب عنه فهو المدعى، إلى غير ذلك من العبارات المؤدية إلى هذا المعنى، غير أنه يتعارض النظر فى كثير من المسائل من هو المتمسك بالأصل من الخصمين.
وأيضا فهنالك أمور [اختلف الفقهاء فى ترجيح أحد الخصمين على الآخر بسببها وأمور] اتفقوا على الترجيح بها، ويختلف النظر فى حصول ذلك المرجح فى صورة النزاع فهذه الوجوه وما أشبهها صعب علم القضاء ودق.
وقوله: ((والضد مدع)) أى المدعى هو الضد على كلا التعريفين.
ابن عبد السلام: فإن قلت: لا إشكال أن كل خصمين فلا بد أن يكون أحدهما مدعيا [والآخر مدعى عليه، أو يكون أحدهما مدعيًا] من وجه مدعى عليه من وجه وبالجملة إن معرفة المدعى تغني عن معرفة المدعى عليه، فلم عرف المؤلف كل واحد منهما وهلا اكتفى المدعى بتعريف أحدهما عن تعريف الآخر؟
قلت: قد قلنا الآن إنه ربما أشكل تمييز المدعى عليه فى صورة بعض الصور وقد تكون معرفة كل واحد منهما ظاهرة، وقد تكون معرفة أحدهما دون الآخر فإذا كان رسم كل واحد منهما معلومًا الفقيه، وعرضت عليه مسألة نظر فيما ينوب كل واحد من الخصمين، فإن انطبق رسم المدعى على كلام أحدهما [ورسم المدعى عليه على الآخر فذلك غاية البيان، وان انطبق رسم المدعى على كلام أحدهما] ولم ينطبق رسم المدعى على كلام الآخر، لم يضره ذلك، لن معرفة المدعى توجب معرفة المدعى عليه، وكذلك العكس، فلهذا احتاج إلى تعريف كل واحد منهما والله أعلم.
قوله: ((كناظر طلب)) أي ناظر على يتيم طلبه اليتيم بعد الرشد بالمال، فزعم الدفع فهو مدع، لأن الأصل الاستصحاب، لأن اليتيم لم يأتمنه، وقد مر ما فيه من الخلاف.
[ص]
359 -
طلب ما بذمة المعين
…
أو المعين كثوب بين
360 -
أو مترتب عليه ما ذكر
…
كمرأة ووارث اعتبر/ 169 أ
361 -
شرعا وإلا لا كعشر سمسمه
…
دعوى صحيحة وجهلا عدمه
362 -
ولم تكذب عادة وحققا
…
وفرض صح به تعلقا
[ش]
القرافى: فى الفرق الحادى والثلاثين والمائتين بين قاعدة الدعوى الصحيحة والدعوى الباطلة: فضابط الدعوى الصحيحة أنه طلب معين، أو ما فى ذمة معين، أو ما يترتب عليه أحدهما معتبر لا تكذيبا العادة شرعا:
فالأول: كدعوى أن السلعة اشتراها وغصبت منه.
والثانى: كالديون والسلم، ثم المعين الذي يدعى فى ذمته، قد يكون معينًا بالشخص كزيد أو بالصفة كدعوى الدية على العاقلة، والقتل على جماعة وأنهم اتلفوه له متمولا.
الثالث: كدعوى المرأة الطلاق، أو الردة على زوجها، فيترتب لها حوز نفسها وهى معينة، أو الوارث أنه مات مسلما أو كافرا فيترتب له الميراث المعين فهن مقاصد صحيحة.
وقولنا معتبر شرعا احترازا من دعوى عشر سمسمة فإن الحاكم [لا يسمع مثل هذه الدعوى] فإنه لا يترتب عليها نفع شرعى، ولهذه الدعوى أربعة شروط:
أن تكون معلومة، محققة، لا تكذبها العادة، يتعلق بها غرض صحيح.
وفى الجواهر: لو قال: لي عليه شئ لم تسمع دعواه، لأنها مجهولة، وكذلك أظن أن لى عليك ألفا أو لك علىّ ألف، وأظن أنى قبضتها لم يسمع لتعذر الحكم بالمجهول إذ ليس بعض أولى من بعض، ولا ينبغى للحاكم أن يدخل فى الخطر بمجرد الوهم من المدعى.
ثم قال بعد كلام: وقول أصحابنا: إن من شرطها أن تكون معلومة نظر فإن الإنسان لو وجد وثيقة فى تركة مورثه، أو أخبره عدل بحق له فالمنقول جواز الدعوى بمثل هذه والحلف بمجرده عندنا، وعندهم- يعنى الشافعية مع أن هذه الأسباب لا تفيد
إلا الظن [فإن العلم فى نفس الطلب وليس كذلك] وإن أرادوا التصريح بالظن يمنع الصحة والسكوت عنه لا يقدح، فهذا مانع إلا أن عدمه شرط.
وأيضا فما جاز الإقدام معه/ 169 - ب لا يكون التصريح به مانعا، كما لو شهدوا بالاستفاضة وبالسماع وبالظن فى الفلس (وحصر الورثة) وصرح بمستنده فى الشهادة.
وقال بعض الشافعية: يقدح تصريح الشاهد بمستنده فى ذلك، وليس له وجه فإنما جوزه الشرع لا يكون النطق به منكرا وهذا مقتضى القواعد.
ثم قال بعد كلام: المسألة الثانية فى بيان قولي: لا تكذبها العادة والدعاوى ثلاثة أقسام:
قسم: تصدقه العادة كدعوى القريب الوديعة.
وقسم: تكذبه العادة، كدعوى الحاضر الأجنبي ملك الدار فى يد زيد، وهو حاضر يراه يهدم ويبنى ويؤجر مع طول الزمان من غير وازع يزعه عن الطلب من رغبة أو رهبة فلا تسمع دعواه، لظهور كذبها، والسماع انما هو لرفع الصدق، فإذا تعين الكذب عادة امتنع رفع الصدق.
والقسم الثالث: لم تقض العادة بصدقها ولا كذبها كدعوى المعاملة ويشترط فيها الخلطة.
قوله: ((طلب ما بذمة المعين)).
القرافى: الذمة معنى شرعى مقدر في المكلف قابل للالتزام والإلزام وشرط ثبوته
انتفاء الحجر انتهى.
وقد مر تحقيق ذلك.
وطلب مبتدأ، والخبر دعوى صحيحة، والمعين من قوله:((أو المعين)) معطوف على ما بين نعت لثوب ومعناه كثوب ظاهر، وأشار بظهوره إلى تعيينه ومترتب هو ما ذكر، وما واقعه على المعين، أو غير المعين أى أو مترتب عليه أحدهما، ومعتبر من كلام القرافى مخفوض نعت لأحد الثلاثة السابقة وعبارة القرافى الآتية أبين.
قوله: ((كمرأة ووارث)) هما مثالان للمترتب عليه المعين، قوله:((إن اعتبر شرعا)) ضمير اعتبر عائد على ما، أى إن اعتبر المطلوب المدعى فيه شرعا وهذا الكلام مؤخر في التقدير عن قوله دعوى صحيح أى طلب ما تقدم دعوى صحيحة إن اعتبر شرعا، وعدم جهلا- إلى آخره-.
قوله: ((وإلا لا)) أى وان لا يعتبر شرعا فلا تصح الدعوى، فحذف الفاء من جواب الشرط للضرورة، كقول الشاعر:/ 170 - أ
من يفعل الحسنات الله يشكرها
…
..................
وقوله: ((وجهلا عدمه)) جهلا منصوب على شريطه التفسير والمفسر معطوفا على اعتبار أى وان اعتبر المدعى فيه شرعا وعدم جهلا عدمه، وطرر عليه المؤلف بخطه جملة حالية. انتهى.
وعليه فتقدر قد، أى وقد عدم جهلا، [ولم تكذب عادة، وهو معطوف على اعتبر وكذا قوله: ((وحققا)) أى مطلوب]، قوله:((وفرض صح به تعلقا)) يحتمل أن يكون رفع غرض بفعل محذوف يفسره ما بعده، وتكون الواو عاطفة على اعتبر ويحتمل أن يرتفع على الابتداء فتكون الواو للحال، والظاهر أن هذا الشرط يغني عن قوله إن اعتبر شرعا، لكونه أشمل، ويتبين بكلام القاضى أبى عبد الله المقرى قال:
قاعدة: لا يعتبر الشرع من المقاصد إلا ما تعلق به غرض صحيح من جلب مصلحة
أو درء مفسدة، ولذلك لا يسمع الحاكم الدعوى في الأشياء التافهة الحقيرة ولا يمكن المستأجر ونحوه من قلع ما لا قيمة له بعد القلع، ومقتضى هذه القاعدة أنه إذا عين صاعا من صبرة وباعه أنه لا تعين وإن قالت المالكية بتعينه ولا العين لذتها وان اختلفوا فيه.
وقال أيضا بعد: قاعدة: الدعوى الصحيحة طلب معين أو ما في ذمة معين أو ما يترتب نفع معتبر شرعا بحيث لا تكذبه العادة كدعوى المرأة الطلاق فيترتب لها حوز نفسها والوارث أنه مات مسلما أو كافرا فيترتب له الميراث.
[ص]
363 -
وكل ما ثبوته مقيد
…
بشاهدى عدل فإن تجرد
364 -
فلا يمين مطلقا
…
...................
[ش]
هذا كقول أبى عمرو بن الحاجب: وكل دعوى لا تثبت إلا بشاهدين فلا يمين بمجردها، ولا ترد كقتل العمد، والنكاح والعتق، والنسب والولاء والرجعة.
ابن عبد السلام: هذا ظاهر لأنه بتقدير أن ينكل المدعى عليه لا يتم الحكم عندنا بمجرد النكول بل لابد مع ذلك من يمين المدعى، وقد تقدم أن نكول المدعى عليه مع يمين المدعى/ 170 - ب إنما يجري فيه الشاهد واليمين.
قوله: ((فإن تجرد فلا يمين مطلقًا)) أى فإن تتجرد الدعوى التي لا تثبت إلا بشاهدين عن الشهادة فلا يمين، فتجرد على حذف إحدى التائين، ويحتمل أن يكون بضم التاء مبنيًا للمفعول فلا حذف، وضبطه المؤلف بهما، واحترز بشرط التجرد مما إذا اقترنت بشاهد واحد فإن اليمين تتوجه.
ابن الحاجب: ويطالب المشهود عليه بالشاهد في النكاح والطلاق والعتاق بأن يقر أو يحلف فإن امتنع فالأخيرة أن يحبس لهما لا أن يحكم بالشهادة.
وقال ابن القاسم: يحبس سنة. قال سحنون أبدا.
خليل: ومساواته الناكح لهذين خلاف المعروف، نعم حكى ابن الهندى في وثائقه: قولان بوجوب اليمين في النكاح كما يجب فى غيره، لأن النكاح أشبه بالبيوع، واستقرى أيضا مما لابن القاسم فى الموازية، ومما في الواضحة من التوضيح وأصله لابن عبد السلام، وشمل إطلاق المؤلف دعوى جرح العمد على القول بأنه لا يثبت إلا بشاهدين.
ابن عبد السلام: واختلف المذهب فى توجه دعوى الجرح من غير بيان سببه فقيل: يحلف المدعى عليه [وقيل: لا يحلف وإن بين المدعى لذلك سببا فقيل: يحلف المدعى عليه] وقيل: يضرب، فإن أبى أن يحلف على القول بذلك فقيل: يسجن، وقيل: إن طال سجنه أدب إلا أن يكون مبرزا. صح من شرحه.
ابن فرحون: وقاعدة المذهب في هذا- أي في تعلق اليمين بالدعوى- أن كل دعوى لو أقر بها المدعى عليه، لا تنفع المدعى بإقراره، فإنه إذا لم يقر وأنكر تعلقت على اليمين على الجملة، ما لم يخرج ذلك أصلا من قواعد الشرع، مثل أن يطلب المحكوم عليه القاضي باليمين أنه ما جار عليه، أو يطلب المشهود عليه يمين الشهود أنهم لم يكذبوا في شهادتهم فإن هذا لا يختلف في سقوط الدعوى، وكونها لا يلتفت إليها، لأنها تفسد قواعد الشرع في الأحكام ولا يشاء أحد أن يحط منزلة القاضي والشهود إلا/ 171 - أادعى مثل ذلك حتى يؤدى ذلك إلى الوقوف عن القضاء والشهادة، وأما تحليف القاضي للشهود فليس من هذا الباب وسيأتي ذكره في قسم السياسة.
مسألة: ويستثنى من هذه القاعدة أيضا دعوى المرأة على زوجها أنه طلقها
ودعوى العبد على سيده أنه أعتقه فإن عندنا لا تتعلق اليمين بهذه الدعوى مجردة لأجل أن ذلك لو فتح فيه الباب لم تشأ امرأة أن تستحلف زوجها كل يوم مرارا إلا وفعلت وكذا العبد مع سيده، إذ ادعى عليه العتق فسقطت هذه الدعوى مع كونها مفيدة لو أقر بها المدعى عليه، لأجل ما يتخوف من تكريرها مضارة حصول الأذى للأزواج والسادات انتهى.
وقاعدة المذهب التي ذكر أصلها للإمام المازرى ونقلها عنه صاحب التوضيح على قول ابن الحاجب: وكل دعوى لا تثبت إلا بشاهدين فلا يمين بمجردها.
[ص]
......... نعم تجب
…
إن نفى وما كان طلب
365 -
مستوفيا شروط ما تقدما
…
ومشبها كمن بسوق علما
[ش]
فاعل تجب عائد إلى اليمين، والقيد المنفى كون الدعوى لا تثبت إلا بشاهدين ويعنى بالشروط المتقدمة شروط الدعوى الصحيحة.
القرافى: في الفرق السابع والثلاثين والمائتين بين قاعدة من شرع إلزامه بالحلف وقاعدة من لا يلزمه الحلف: فالذى يلزمه الحلف كل من توجهت عليه دعوى صحيحة مشبهة، فقولنا صحيحة احترازا من المجهولة أو غيره المحررة، وما فات فيه شرط من الشروط المتقدمة فى هذه القاعدة، قولنا مشبهة احترازا من التي يكذبها العرف، وقد تقدم أن الدعوى ثلاثة أقسام، ما يكذبها العرف، وما يشهد لها وما لم يتعرض لتكذيبها ولا تصديقها.
فما شهد لها كدعوى سلعة معينة بيد رجل، أو دعوى غريب وديعة عند جاره، أو مسافر أنه أودع أحد رفقائه، وكالدعوى على الصباغ المنتصب أنه دفع إليه متاعا ليصبغه، أو على أهل السوق المنتصبين للبيع أنه اشترى من أحدهم، أو يوصى/ 171 - ب في مرض موته أن
له دينا عند رجل، فيشرع التحليف ها هنا بغير شرط وتتفق الأئمة فيها والتي شهد بأنها غير مشبهة وهى كدعوى دين ليس على من تقدم فلا يستحلف إلا بإثبات خلطة انتهى.
قوله: ((علما)) صلة من أي كمن علم بسوق.
[ص]
366 -
والحكم والثبوت شيء اتحد
…
وقيل غير ان نعم هذا أسد
367 -
وخصص الكل كما قد عمما
…
نهوض حجة ثبوت رسما
368 -
والحكم إنشاء كلام قررا؟؟؟ في النفس إلزاما ............
[ش]
القرافى: في الفرق الخامس والعشرين والمائتين بين قاعدة الحكم وقاعدة الثبوت: اختلف فيهما، هل هما بمعنى واحد أو الثبوت غير الحكم والعجب أن الثبوت يوجد في العبادات والمواطن التي لا حكم فيها بالضرورة إجماعا فيثبت هلال شوال وهلال رمضان وتثبت طهارة المياه ونجاستها، ويثبت عند الحاكم التحريم بين الزوجين بسبب الرضاع، والتحليل بسبب العقد، ومع ذلك لا يكون شيء من ذلك حكما، وإذا وجد الثبوت بدون الحكم كان أعم من الحكم والأعم من الشئ غيره بالضرورة، ثم الذى يفهم من الثبوت نهوض الحجة كالبينة وغيرها، السالمة عن المطاعن فمتى وجد شيء من ذلك يقال في عرف الاستعمال ثبت عند القضى ذلك، وعلى هذا التقدير يوجد الحكم بدون الثبوت أيضا كالحكم بالاجتهاد فيكون كل واحد منهما أعم من الآخر وأخص من وجه، ثم ثبوت الحجة مغاير للكلام النفسانى الإنشائى الذي هو الحكم، فيكونان غيرين بالضرورة ويكون الثبوت نهوض الحجة، والحكم إنشاء كلام في النفس هو إلزام والحكم ويترتب على هذا الثبوت، وهذا فرق آخر من جهة أن الثبوت يجب تقديمه على الحكم، ومن قال بأن
الثبوت هو الحكم لم يتحقق له ما معنى ما هو.
قوله: ((نعم هذا أسد)) أي القول بأنهما غير ان أسد من لقول الاتحاد.
قوله: ((وخصص/ 172 - أالكل كما قد عمما)) أي جعل كل واحد من الحكم والثبوت أخص من الآخر وأعم بمعنى أن بينهما عموما وخصوصا من وجه.
قوله: ((نهوض حجة ثبوت رسما)) أي الثبوت رسم، أي عرف بنهوض الحجة فانتصب نهوض بعد إسقاط الخافض.
قوله: ((والحكم إنشاء كلام قروا في النفس إلزاما)) نصب إلزاما على الحال من ضمير قرر، وهذا كقول القرافى: والحكم إنشاء كلام في النفس هو إلزام.
قال القاضي أبو عبد الله المقرى: قاعدة: الفتيا إخبار عن حكم الله تعالى فهو كالمترجم، والحكم إنشاء له، فهو كالنائب، فمن ثم لا تلزم الفتيا من لا يعتقدها كالإمام الشافعى يثبت الهلال بواحد ويبرح به، فلا يلزم المالكي الصوم بذلك ويلزمه الحكم مطلقا، ومن ثم قيل: الحكم هو الثبوت، فهما غيران مطلقا انتهى.
وقال ابن عبد السلام: ولا يكون قول القاضى ثبت عندى حكما منه، بمقتضى ما ثبت عنده فإن أعم منه، وإنما أوجب هذا البيان أن بعض من ينتهى إلى علم الأصول من أهل القيروان غلط فى ذلك، فألف الإمام المازرى جزءًا فى الرد عليه وجلب عليه نصوص المذهب والمسألة جلية لا تحتاج إلى بيان.
الشيخ ابن عرفة: وأنا أذكر لبابه مختصرا- أي لباب الجزء- فإنه تفريق بخطابات أدبية لا يحتاج لذكرها هنا.
قال: حدث سؤال أفتيت فيه وجميع من يستفتى بالمهدية بجواب واحد، وعلى أن ما خالفه باطل فاسد، فظن بعض من نشأ ممن ينسب للفقه أنه خفى شأنه وأخمله زمانه مكنونه وكشفه.
وهو: أن بعض القضاة أنفذ كتابا لقاض، ذكر فيه: وثبت لدى أن فلانا وفلانا اشتريا من فلان في عقد واحد كذا وكذا سهما بثمن سماه، ثم ذكر بعد ذكر هذا وما يتعلق به فسألنى الحامل لهذا الكتاب إنهاء جميع ذلك للقاضى ليفعل فيه موجبه، فاتفق رأى الجماعة الذين استرشدوا فيه/ 172 - ب على أنه لا يوجب نقل ملك البائع فتتعلق به الأحكام التابعة لنقل الملك من الشفعة وغيرها، وعن تعلق الشفعة وقع الكلام، والدليل أن هذا الكتاب لا يوجب على الشريك أخذا للشفعة أو تركها أنها لا تجب إلا بعد انتقال الملك، لأن بيع الخيار لا تجب فيه الشفعة ما لم يبت، والملك قد انتقل فيه على أحد القولين عندنا، والملك لا يثبت انتقاله إلا إذا اعترف بع المتعاقدان، أو حكم به عليهما عند الإنكار، وهذا الكتاب لم يذكر فيه اعتراف البائع بالبيع، ولا صرح من بعثه بأنه حكم بالبيع وقضى به، بل أورد لفظا محتملا للحكم ولما سواه، ولا تلزم القضايا والأحكام بلفظ فيه إشكال وإيهام، وهذا مما لا يختلف فيه أحد من ذوى الأفهام، واللفظ الذي أشرنا إليه بالاحتمال هو قول القاضى: وثبت عندى أن فلانا اشترى من فلان، وقوله: ثبت عندى لفظ يتردد بين ثبوت حكم وقضية، وبين استماع لما أثبته من بينة زكية دون إيقاع حكم، وأبرام قضية فإن تعسف متعسف ورأى أن الثبوت نص في القضايا والأحكام، قيل له: انما يتحاكم في هذا لأهل اللسان، وأرباب البيان، ووجدنا أهل اللسان يقولون ثبت عندنا موت الخليفة وخصب أرض كذا، وثبت عدنا ظلم فلان وعداوته إلى غير ذلك مما علموه بالخبر عنه وتلقوه بالقبول من أفواه العدول مما لا يصح أن ينتصب له الحكام وتطلب فيه القضايا والأحكام، وجملة الأمر أن المعنى بالثبوت لغة حصول الأمر وتحققه ولهذا حد بعض المتكلمين العلم بأنه إثبات المعلوم على ما هو به، وإن كان هذا الحد مرغوبا عندنا والروايات مسطورة بصحة ما قلناه.
قال أشهب: إذا كتب قاض إلى قاض بأمر مختلف فيه والمكتوب إليه لا يرى ذلك الرأى فإن كتب إليه أنه حكم بما في كتابه وأنفذه جاز ذلك، وأنفذه، هذا وإن لم يكن قطع فيه الحكم، وإنما كتب بما ثبت عنده للخصم فلا ينبغي له أن يعمل برأى الكاتب، ومثله لابن حبيب عن الأخوين.
وفي الموازية/ 173 - أيجب إنفاذ ما فى كتاب القاضى إن كان فيه إنى قضيت لفلان على فلان، وإن لم يكن في الكتاب الفراغ من الحكم فعلى المكتوب إليه أن يتم الحكم ولا يستأنفه.
ابن عرفة مسألة النزاع بين المازرى ومنازعه مبنية على تحقيق أمرين:
أحدهما: أن فاعل ثبت في كتاب القاضى لقاض آخر بلفظ ثبت كذا هل هى بمنزلة المقضى به عنده أم لا؟ والحق أنه مختلف فيه على قولين:
أحدهما: أنه ليس كالمقضى به وظاهر قول ابن رشد حيث قال فيما قدمناه عنه فى مسألة تسمية القاضى فى كتابه من شهد عنده ما نصه: لأن كتاب القاضى بما ثبت عنده على رجل في بلد المكتوب إليه ليس بحكم على غائب.
والثانى: أنه كالمقضى به وهو فهم ابن رشد المذهب. حيث قال: إن كتب بثبوت شهادة البينة فقط لم يأمر بإعادة شهادتهم، وإن كتب بتعديلهم أو بقبوله إياهم إلى آخر ..... كلامه المتقدم.
ولفظ لمازرى الذي نقلناه عنه من شرح التلقين نص فى أنه مختلف فيه بين العلماء.
ولم يصرح فيه عن المذهب بشئ، ونقل الشيخ عن أشهب: يقتضى أنه ليس كالمقضى به.
الأمر الثانى: هو أن مسمى اشترى هل يقتضى ثبوت ملك المشترى، مفعول اشترى وهو المشترى أم لا فالمازرى ومن ذكر أنه وافقه على فتواه من فقهاء (المهدية) يقول:
إنه لا يقتضي ملكه، وخصمه يقول: يقتضى ملكه ابن عرفة: وهذا هو مقتضى ألفاظ المدونة عندى، منها قولها- إلى آخره- وبفهم كلامه في المسألة تتحرر وينجلى تحقيقها.
[ص]
.......................
…
................... وقد تأثرا
369 -
به الذى تقاربت مداركه .... وباجتهاد تنجلى مسالكه
370 -
لاجل ما يصلح من دنيا وقد
…
اختص بالفتيا جميع ما ورد
371 -
من العبادات وما قد منعا
…
منها وأسباب شروط جمعا
372 -
وما للآخرة فيه اختلفا
…
ورسمها أخبار من قد عرفا
373 -
بأنه أهل بحكم شرعا
…
والحكم وهى في سواها اجتمعا
374 -
وربما شاركها فيما ذكر
…
من الزكاة أيضا إن له افتقر/173 ب
[ش]
القرافى: في الفرق الرابع والعشرين والمائتين بين قاعدة الفتوى وقاعدة الحكم: وينبنى على الفرق تمكين غيره من الحكم بغير ما قال فى الفتيا فى مواقع الخلاف بخلاف الحكم.
واعلم أن العبادات كلها على الإطلاق لا يدخلها الحكم البتة، بل الفتيا فقط فكل ما وجد فيها من الأخبار فهى فتيا فقط فليس للحاكم أن يحكم بأن هذه الصلاة صحيحة ولا باطلة، ولا أن هذا الماء دون القلتين فيكون نجسا فيحرم على المالكى بعد ذلك استعماله بل يقال فى ذلك إنما هو فتيا إن كانت مذهب السامع عمل بها، وإلا فله تركها والعمل بمذهبه، ويلحق بالعبادات أسبابها فإذا شهد بهلال رمضان شاهد واحد فأثبته حاكم شافعى، ونادى فى المدينة بالصوم، ولا يلزم ذلك المالكى، لأن ذلك فتوى وليس بحكم وكذلك إذا قال حاكم: قد ثبت عندى أن الدين يسقط الزكاة أو لا يسقطها، أو ملك النصاب من الحلى المتخذ لاستعمال مباح سبب وجود الزكاة [فيه، أو أنه لا يوجب
الزكاة] أو غير ذلك من أسباب الأضاحى والعقيقة، والكفارات، والنذور، ونحوها من العبادات المختلف فيها، أو فى أسبابها لا يلزم شئ من ذلم من لا يعتقده، بل يتبع مذهبه فى نفسه ولا يلزمه قول ذلك القائل لا فى عبادة ولا فى سببها، ولا شرطها لا مانعها.
وبهذا يظهر أن الإمام لو قال: لا تقيموا الجمعة إلا بإذنى لم يكن ذلك حكما وان كانت مسألة مختلف فيها، هل تفتقر الجمعة إلى إذن السلطان أم لا؟ وللناس أن يقيموها بغير إذن الإمام، إلا أن يكون ذلك صورة المشاقة، وخرق الولاية، وإظهار الفساد والمخالفة فممتنعة إقامتها بغير أمره، لأجل [ذلك لا ل] انه خلاف اتصل به حكم حاكم، وقد قاله بعض الفقهاء، وليس بصحيح، بل حكم الحاكم إنما يؤثر إذا أنشأ في مسألة اجتهاد تتقارب فيها المدارك، لأجل مصلحة دنيوية، فاشتراط قيد الإنشاء احتراز من/ 174 - أحكمه فى مواقع الإجماع فإن ذلك إخبار وتنفيذ محض، وفى مواقع الخلاف ينشئ حكما وهو إلزاما أحد القولين اللذين قيل بهما في المسألة ويكون إنشاؤه اخبارا خاصا عن الله تعالى فى تلك الصورة فى ذلك الباب، وجعل لله تعالى إنشاءه في مواطن الخلاف قضاء ورد من قبله في خصوص تلك الصورة، كما لو قضى فى امرأة علق طلاقها قبل الملك بوقوع الطلاق فتناول هذه الصورة الدليل الدال على عدم لزوم الطلاق عند الشافعى وحكم الحاكم بالنقض، ولزوم الطلاق نص خاص يختص بهذه المرأة المعينة، وهو نص من قبل الله تعالى، فإن الله تعالى جعل ذلك للحاكم رفعا للخصومات والمشاجرات، وهذا النص الوارد من هذا الحاكم أخص من ذلك الدليل [فتقدم عليه، لأن القاعدة الأصولية أنه إذا تعارض الخاص والعام] قدم الخاص على العام، فلذلك لا يرجع الشافعى يفتى بمقتضى دليله العام الشامل لجملة هذه القاعدة في هذه الصورة، منها لتناولها نص خاص مخرج لها عن مقتضى ذلك الدليل
العام، ويفتي الشافعي بالعام فيما عدا هذه الصورة من هذه القاعدة.
وكذلك لو حكم الشافعى باستمرار الزوجية بينهما خرجت هذه الصورة عن دليل المالكى وأفتى فيها بلزوم النكاح ودوامه، وفى غيرها بلزوم الطلاق، لأجل ما أنشأه الشافعى من الحكم تقديما للخاص على العام، فهذا هو معنى الإنشاء وقولى: فى مسألة اجتهادية احترازا من مواقع الإجماع، فإن الحكم هنالك ثابت بالإجماع فتعذر فيه الإنشاء لتعيينه وثبوته إجماعا.
وقولى: تتقارب مداركها احترازا من الخلاف الشاذ على المدرك الضعيف.
وقولنا: لأجل مصالح الدنيا احترازا من العبادات، والفتوى بتحريم السباع وطهارة الأوانى وغير ذلك مما يكون اختلاف المجتهدين فيه لا للدنيا بل للآخرة بخلاف المنازعة في العقود والرهون والأوقاف ونحوها إنما ذلك لمصالح الدنيا.
وبهذا/ 174 - ب يظهر أن الأحكام الشرعية قسمان:
منها: ما يقبل حكم الحاكم مع الفتيا فيجتمع الحكمان.
ومنها: ما لا يقبل إلا الفتيا، ويظهر لك بهذا أيضا تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا وقع هل هو من باب الفتوى، أو من باب القضاء، والإنشاء.
وأيضا يظهر أن أخبار الحاكم عن نصاب اختلف فيه أنه يوجب الزكاة فتوى.
وأما أخذه للزكاة فى مواطن الخلاف فحكم وفتوى من حيث إنه تنازع بين الفقراء والأغنياء فى المال الذى هو مصلحة دنيوية.
وكذلك إن تصرف السعاة والجباة فى الزكاة أحكام لا ينقضها وان كانت الفتيا عندنا على خلافها، ويصير حينئذ مذهبنا.
ويظهر بهذا التقرير سر قول الفقهاء: إن حكم الحاكم فى مسائل الاجتهاد لا ينقض وأنه يرجع على القاعدة الأصولية، وتصير هذه الصورة مستثناة من تلك الأدلة العامة كما المصراة والعرايا والمساقاة وغيرها من المستثنيات.
ويظهر بهذا ان التعزيزات من الحكام ليست أحكاما فتبقى الصورة قابلة لحكم جميع تلك الأقوال المنقولة فيها.
ثم قال بعد كلام: فظهر أيضا من هذه الفتاوى والمباحثات أن الفتوى والحكم كلاهما إخبار عن حكم الله تعالى، ويجب على السامع اعتقادهما، وكلاهما يلزم المكلف من حيث الجملة، لكن الفتوى إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة والحكم إجبار ومعناه الإنشاء والإلزام من قبل الله تعالى.
وبيان ذلك بالتمثيل:
إن المفتى مع الله تعالى كالمترجم مع القاضى ينقل ما وجده عن القاضى واستفادة عنه بإشارة أو عبارة أو فعل أو تقرير أو ترك.
والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم ينشئ الأحكام والإلزام بين الخصوم، وليس بناقل ذلك عن مستنيبه، قال له: أى شئ حكمت به على القواعد فقد جعلته حكمى فكلاهما موافق للقاضى ومطيع له وساع في تنفيذ مراده، غير أن أحدهما ينشئ والآخر ينقل نقلا محضا من غير اجتهاد له فى الإنشاء، كذلك المفتى والحاكم كلاهما مطيع لله تعالى/ 175 - أناقل لحكمه غير أن الحاكم منشئ والمفتى مخبر محض انتهى.
وقد اعترض الإمام أبو القاسم ابن النشاط كثيرا من كلامه في هذا الفرق، وقال لا أشد فسادا من كلامه فى هذا الفصل، فقال فى كلامه: لا يلزم ذلك المالكى لأن ذلك ليس بحكم، فيما قاله فى ذلك نظر، إذ لقائل أن يقول: وهو حكم يلزم جميع أهل ذلك البلد.
وقال في قوله: وكذلك إذا قال حاكم ثبت عندى أن الدين يسقط الزكاة- إلى قوله-: لا فى عبادة ولا فى سببها، ولا شرطها ولا ما معها، لقائل أن يقول: إنه يلزم غير ذلك الحاكم ممن يخالف مذهبه ما ينبنى هلى ذلك الثبوت، كما إذا ثبت عنده أن الدين لا يسقط الزكاة، وأراد أخذها ممن يخالف مذهبه مذهبه أنه لا يسوغ له الامتناعمن دفعها له وكذلك ما أشبه ذلك.
وكذلك على قوله: وقد قاله بعض الفقهاء، وليس هو صحيح كما قال ذلك الفقيه، لأنه حكم حاكم اتصل بأمر مختلف فيه فتعين الوقوف عند حكمه.
وقال على قوله: فاشتراط قيد الإنشاء احترازا من حكمه فى مواقع الإجماع فإن ذلك إخبار وتنفيذ محض ليس ما قاله من أنه اخبار، بصحيح، بل هو تنفيذ محض وهو الحكم بعينه إذ لا معنى للحكم إلا التنفيذ، وما يوضح ذلك أنه لو أن حاكما ثبت عنده بوجه الثبت أن لزيد عند عمرو مائة دينار فأمره أن يعطيه إياها أن ذلك الأمر لا يصح بوجه أن يكون إخبارا وهذا الموضع وما أشبهه من مواقع الإجماع فلا يصح، قوله إن مواقع الإجماع لا يدخلها الحكم بل الإخبار بوجه أصلا وقال على قوله أثر الكلام السابق: وفى مواقع الخلاف ينشئ حكما وهو إلزاما أحد القولين اللذين قيل بهما فى المسألة، إلزامه أحد القولين هو تنفيذ الحكم وإمضاؤه بعينه.
وقال على قوله: ويكون إنشاؤه إخبارا خاصا عن الله تعالى فى تلك الصورة فى ذلك الباب وكيف يكون إنشاء ويكون مع ذلك خبرا وقد تقدم له الفرق بين الإنشاء والخبر، هذا ما لا يصح بوجه.
وقال على قوله: وجعل الله إنشاؤه فى مواطن/ 175 - ب الخلاف نصا ورد من قبله فى خصوص تلك الصورة- إلى قوله- فهذا هو معنى الإنشاء، ولا كلام أشد فسادا من كلامه فى هذا الفصل وكيف يكون إنشاء الحاكم الحكم فى مواقع الخلاف نصا خاصا من قبل الله
تعالى، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فاخطأ فله أجر)) وكيف يصح الخطأ فيما فيه النص من قبل الله تعالى، هذا كلام بين الخطأ لا شك فيه، وما تخيل هو أو غيره لا يصح، ولا حاجة إليه وإنما تعين في القضية المعينة أحد القولين، أو الأقوال إذا اتصل به حكم الحاكم، لما فى ذلك من المصلحة فى نفوذ الحكم وثباته، ولما فيه من المفسدة لو لم ينفذ، لا لما قاله من أنه إنشاء من الحاكم موضوع كنص خاص من قبل الله تعالى وهو أعلم.
وقال على قوله: فإن (الحكم) هنالك ثابت بالإجماع فتعذر فيه الإنشاء لتعينه وثبوته إجماعا: هذا كلام ساقط أيضا، كما أن الحكم فى مواقع الإجماع ثابت بالإجماع فالحكم فى مواقع الخلاف ثابت بالخلاف فعلى القول بالتصويب كلاهما حق وحكم الله تعالى. وعلى القول بعدم التصويب أحدهما حق وحكم الله تعالى، ولكن ثبت العذر للمكلف فى ذلك، وما أوقعه فيما وقع فيه إلا الاشتراك الذى فى لفظ الحكم فإنه يقال الحكم [فى الطلاق المعلق على النكاح اللزوم للمقلد المالكى، ويقال الحكم] الذى حكم به الحاكم الفلانى على فلان معلق للطلاق لزوم الطلاق [والمراد بالحكم الأول لزوم الطلاق] لكل معلق للطلاق مالكى أو مقيد المالكى والمراد بالحكم الثانى لزوم الطلاق بإلزام الحاكم المحكوم عليه من مالكى أو غير مالكى والله تعالى أعلم.
[وقال على قوله: ويصبر حينئذ مذهبنا، لا يصير مذهبنا ولكنا لا ننقضها لمصلحة الأحكام].
وقال على قوله: وإنه يرجع إلى القاعدة الأصولية: لا رجوع للقاعدة الأصولية إن كان يعنى قاعدة الخاص والعام، ولكن يرجع إلى قاعدة فقهية وهى: أن الحكم إذا أنفد على مذهب ما لا ينقض لا يرد، وذلك لمصلحة الأحكام ورفع التشاجر والخصام.
وقال أيضا/ 176 - أعلى قوله: فظهر أيضا من هذه الفتاوى والمباحث أن الفتوى والحكم كلاهما إخبار عن حكم الله تعالى- إلى قوله- من قبل الله تعالى، قال:
كيف يكون الإخبار إنشاء، وقد فرق هو أول كتابه بينهما، وكيف يكون الحكم إلزاما من قبل الله تعالى وهو ممكن الخطأ على ما نص عليه النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى تقدم ذكره، هذا ما لا يصح.
وقال على قوله: وبيان ذلك بالتمثيل- إلى قوله- كنائب الحاكم ينشئ الأحكام والإلزام بين الخصوم، ما قاله صحيح وما مثل به كذلك، ان كان يريد بالإنشاء التنفيذ، والإمضاء لما كان قبل الحكم فتوى وإلا فلا. صح من إدرار الشروق على أنواء الفروق.
أبو عمرو بن الحاجب: ونقل الأملاك وفسخ العقود وشبهه واضح أنه حكم، وفتواه فى واقعة واضح أنه ليس بحكم [وتأثر مطاوع أثر] وفى مثل تقرير النكاح بلا ولى رفع إليه فأقره، قال ابن القاسم: حكم، وقال ابن الماجشون: ليس بحكم فلو قال: لا أجيزه ولم أفسخه ففتيا.
وقوله: ((وقد تأثرا به الذى تقاربت مداركه* وباجتهاد تنجلى مسالكه لأجل ما يصلح من دنيا)).
هذا كقول القرافي: حكم الحاكم إنما يؤثر إذا أنشأه فى مسألة اجتهاد تتقارب فيها المدارك لأجل مصلحة دنيوية.
[قوله: ((جمعا)) هو توكيد للعبادات وما عطف عليه].
قوله: ((وما للآخرة فيه اختلفا)) ومما اختلف فيه للآخرة لا للدنيا، وما هذه عطف على ورد أو على العبادات، ثم هو عطف عام على خاص، لأنه يشمل العبادات وغيرها، كتحريم السباع.
قوله: ((ورسمها أخبار من قد عرفا بأنه أهل بحكم شرعا)) أى ورسم الفتيا، وبأنه يتعلق بعرف أى عرف بأنه أهل الفتيا، وبحكم يتعلق بإخبار.
وفى المدونة: لا ينبغى لطالب العلم أن يفتى حتى يراه الناس أهلا للفتيا.
قال سحنون: الناس هنا العلماء.
وقال ابن هرمز: ويرى هو نفسه أهلا لذلك.
ابن عرفة: وقع هذا فى رسم الشجرة تطعم بطنين من جامع العتبية لابن هرمز فيما ذكه مالك وليس فيه ويرى هو نفسه أهلا لذلك.
قال/ 176 - ب ابن رشد: زاد فى هذه الحكاية فى كتاب الأقضية من المدونة ورأيت نفسك أهلا لذلك، وهى زيادة حسنة، لأنه أعرف بنفسه، وذلك أن يعلم من نفسه أنه كملت له آلات الاجتهاد، وذلك علمه بالقرآن وناسخه ومنسوخه ومفصله من مجمله وعامه من خاصه، وبالسنة مميزا بين صحيحها وسقيمها، عالما بأقوال العلماء وما اتفقوا عليه وما
اختلفوا فيه عالما بوجوه القياس ووضع الأدلة مواضعهما وعنده من علم اللسان ما يفهم به معانى الكلام.
وفى نوازل ابن رشد سئل عمن قرأ الكتب المستعملة مثل المدونة والعتبية دون رواية أو الكتب المتأخرة التى لا توجد فيها رواية هل يستفتى وإن أفتى، وقد قرأها دون رواية هل تجوز شهادته أم لا؟ فأجاب: من قرأ هذه الكتب وتفقه فيها على الشيوخ وفهم معناها وأصول مسائلها من الكتاب والسنة والإجماع- وذكرنا ما نقلناه عنه فى البيان- قال: هذا يجوز له أن يفتى فيما ينزل ولا نص فيه باجتهاده، قال: ومن لم يلحق هذه الدرجة لم يصح أن يستفتى فى المجتهدات التى لا نص فيها، ولا يجوز له أن يفتى برأيه فى شئ منها إلا أن يعلم برواية عن عالم فيقلد فيما يخبر به، وإن كان فيها اختلاف أخبر بالذى ترجح عنده إن كان ممن له، فهم ومعرفة بالترجيح.
ابن عرفة: هذا حال كثير ممن أدركنا وأخبرنا عنه أنهم كانوا يفتون ولا قراءة لهم فى العربية فضلا عما سواها من أصول الفقه.
وقال القرافى: ما حاصله، لمن حفظ روايات المذهب وعلم مطلقها ومقيدها وعامها وخاصها أن يفتى بمحفوظه منها، وما ليس محفوظا له منها لا يجوز له تخريجه على محفوظه منها إلا إن حصل علم أصول الفقه وكتاب القياس وأقسامه وترجيحاته وشرائطه وموانعه، وإلا حرم عليه التخريج.
قال: وكثير من الناس يقدمون على التخريج دون هذه الشرائط بل صار يفتى من (لم) يحط بالتقيدات ولا التخصيصات من منقول إمامه، وذلك لعب/ 177 - أوفسق، وشرط التخريج على قول إمامه أن يكون القول المخرج عليه ليس مخالفا لإجماع ولا نص ولا قياس جلى، لأن القياس ع
ليه حينئذ معصية، وقول إمامه ذلك غير معصية، لأنه باجتهاد وأخطأ فيه مجملا فلا يأثم وتحصيل حفظ القواعد الشرعية إنما هو بالمبالغة في
تحصيل مسائل الفقه بأصولها وأصول الفقه لا يفيد ذلك، ولذا هذا الكتاب المسمى بالقواعد.
ابن عرفة قوله: ليس مخالفا لنص ولا أجماع، أما الإجماع فمسلم، وأما النص فليس كذلك، لنص مالك في كتاب الجامع من العتبية وغيره على مخالفته نص الحديث الصحيح، إذا كان العمل يخالفه.
المازرى: ومن يفتى في هذا الزمان أقل حاله أن يكون مطلعا على روايات المذهب، وتأويل الأشياخ وتوجيههم ما اختلفت ظواهر بعضها مع بعض وتشبيههم مسائل بمسائل قد يسبق الفهم تباعدها إلى غير ذلك مما بسطه الأشياخ فهذا لعدم المجتهد يقتصر على نقله.
واختلف أصحاب الشافعى فى جواز إفتاء المفتى إذا كان مجتهدا فى مذهب إمام وبجوازه أخذ القفال وهو مبنى على جواز تقليد الميت، وفيه خلاف بين الأصوليين.
ابن عرفة: فى هذا الإجراء نظر والأقرب فهمه على أن جواز تقليد الميت يمنع إفتاء المجتهد الخاص ومنعه يجيزه خوف التعطيل. انتهى.
وقد ذكر ابن الحاجب فى إفتاء من ليس بمجتهد أربعة أقوال المختار منها عنده أنه إن كان متطلعا على مآخذ الأحكام أهلا للنظر كان جائزا وإلا فلا.
وقيل: إنما يجوز بمذهب المجتهد عند عدم المجتهد وأما مع وجوده فلا.
وقيل: يجوز مطلقا. واستغربهما معا الشارح العلامة الشيرازى.
وقال: ما ظفرت به فى شئ من الكتب قال: وكذا القول بالجواز مطلقا إنما جوز من جوز بشرط الاطلاع كما اختاره المصنف أو بشرط أن يثبت عنده مذهب ذلك المجتهد بنقل من يثق بقوله، وقيل: لا يجوز مطلقا، وهو مذهب أى الحسين بن الحاجب.
لنا وقوع ذلك وما ينكر وأنكر من غيره أى أنكر الإفتاء/ 177 - ب من غير من له الاطلاع على المآخذ وأهلية النظر، وليس الكلام فى نقل غير المجتهد إذا كان عدلا أنه قال مالك كذا، وقال الشافعى كذا، فإن هذا لا نزاع فى جوازه إنما النزاع فيما هو المتعارف من الإفتاء فى المذهب لا بطريق نقل كلام الإمام، بل بأن يقول مثلا مذهب مالك والشافعى فى هذه المسألة كذا.
قوله: ((والحكم وهى فى سواها اجتمعا)) أى والحكم والفتيا اجتمعا فى سوى العبادات وأسبابها وشروطها وموانعها، وما اختلف فيه للآخرة.
قوله: ((وربما شاركها فيما ذكر من الزكاة أيضا أن له افتقر)) منصوب شاركها يعود على الفتيا وضمير له يعود على الحكم، وجعل الزكاة مذكورة لدخولها فى العبادات أى وربما شارك الحكم الفتيا فى الزكاة إذا افتقر له، ويقع فى بعض النسخ عوض هذا البيت:
وفى الزكاة إذا بدا
…
من الغنى أو من الغير اعتدا
وهاذ أوضح، ثم هو إشارة إلى قول القرافي.
وأما أخذه للزكاة فى مواطن الخلاف- إلى قوله- ويظهر بهذا التقرير.
والغير أى غير الغنى أى إذا بدا من الغنى اعتداء على الفقير أو بالعكس يتنازعهما فى المال، وهذا بناء على قول المخطئة فالحاكم يأخذ الزكاة من الغنى إن صادف حكم الله فالغنى هو الذى اعتدى على الفقير فى منازعاته وامتناعه من ذفع الزكاة له، وان أخطأ ولم يصبه فالفقير هو الذى اعتدى على الغنى فى أخذه ماله من غير موجب، إلا أن هذا اعتداء بحسب ما فى الأمر وإلا فكل منهما معذور ولا إثم عليه فى التقديرين.
[ص]
375 -
وكل ما تعين الحق به
…
ولا يؤدى أخذه لعيبه
376 -
لفتنة أو لفساد سمعا
…
مما على ثبوته قد أجمعا
377 -
فليس يحتاج لحاكم بلا
…
أضداد ما ذكر كالذ نقلا
378 -
مما للاجتهاد والتحرير .. يحتاج كالإنفاق للتقدير/ 178 - أ
379 -
أو ما يؤدى لخيانة وما
…
إلى فساد العرض أو خوف الدما
[ش]
القرافى: فى الفرق الثالث والثلاثين (والمائتين) بين قاعدة ما يحتاج للدعوى، وبين قاعدة ما لا يحتاج إليها وتلخيص الفرق أن كل أمر مجمع على ثبوته وتعين الحق فيه ولا يؤدى أخذه لفتنة ولا تشاجر ولا فساد عضو أو عرض فيجوز أخذه من غير رفع للحاكم فمتى وجد المغصوب أو عين سلعته التى اشتراها أو ورثها، ولا يخاف من أخذها ضررا فله أخذها، وما يحتاج للحاكم خمسة أنواع:
النوع الأول: المختلف فيه هل هو ثابت أم لا، فلابد من الرفع فيه للحاكم فى بعض مسائله دون بعض كاستحقاق الغرماء لرد عتق المديان، وتبرعاته قبل الحجر عليه، فإن الشافعى لا يثبت لهم حقائق ذلك ومالك يثبته فيحتاج إلى قضاء الحاكم.
وقد لا يفتقر هذا النوع للحاكم كمن وهب له متاع في عقار أو غيره أو اشترى مبيعا على الصفة أو أسلم في حيوان أو نحو ذلك، فإن المستحق المعتقد لصحة هذه الأسباب يتناول هذه الأمور من غير حاكم وهو كثير، والمفتقر منه للحاكم قليل.
وفى الفرق بين ما يفتقر من هذا النوع وبين ما لا يفتقر عموم.
النوع الثانى: ما يحتاج للاجتهاد والتحرير، فإنه يفتقر للحاكم كتقويم الرقاق في إعتاق البعض على المعتق، وتقدير النفقات للزوجات والأرقاب، والطلاق على المولى بعدم الفيئة، فإن فيه تحرير عدم فيئه، والمعسر بالنفقة لأنه مختلف فيه فمنعه الحنفية. ولأنه يفتقر لتحرير إعساره وتقريره وما مقدار الإعسار الذى يطلق به فإنه مختلف فيه، فعند مالك- يرحمه الله- لا يطلق بالعجز عن أصل النفقة والكسوة اللتين يفرضان بل بالعجز عن الضرورى المقيم [للبنية] وإن كنا لا نفرضه ابتداء.
النوع الثالث: ما يؤدى أخذه للفتنة كالقصاص في النفس، والأعضاء يرفع ذلك للأئمة لئلا يقع بسبب تناوله تمانع وقتل فتنة أعظم من الأولى، وكذلك التعزيز، وفيه أيضا الحاجة للاجتهاد في مقداره بخلاف/ 178 - ب الحدود في الحدود.
النوع الرابع: ما يؤدى إلى فساد العرض وسوء العاقبة، كمن ظفر بالعين المغصوبة المشتراة، أو الموروثة، لكن يخاف من أخذها أن ينسب إلى السرقة فلا يأخذه بنفسه ويرفعه للحاكم دفعا لهذه المفسدة.
النوع الخامس: ما يؤدى إلى خيانة الأمانة إذا أودع عندك من لك عنده حق عجزت عن أخذه لعدم اعترافه وعدم البينة عليه، فهل لك جحده، وديعته إذا كانت قدر
حقك من جنسه أو من غير جنسه، منعه مالك لقوله عليه السلام:((أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)).
وأجازه الشافعى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند عتبة امراة أبى سفيان لما شكت إليه أنه بخيل لا يغطيها وولدها ما يكفيهم فقال لها عليه السلام: ((خذى لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف)).
ومنشأ الخلاف هل هذا القول منه عليه السلام فتيا، فيصح ما قاله الشافعى أو قضاء فيصح ما قاله مالك.
ومنهم من فصل بين ظفرك بجنس حقك فلك أخذه [وغير جنسه فليس لك أخذه] فهذا تلخيص الفرق بين هاتين القاعدتين انتهى.
قال القاضى أبو عبد الله المقرى: قاعدة: كل ما يفتقر إلى فحص وتلخيص وتختلف فيه الأحوال فلا يقع إلا بحكم حاكم ولا يكفى فيه وجود سببه وإلا كفى فطلاق المعسر يحتاج [إلى تحقق الإعسار، وتقدم الدين، ومن حلف ليضربن عبده ضربا مبرحا يحتاج] في العتق عليه إلا أن ذلك مما يباح أو يحرم، وهل جناية العبد مبيحة له أم لا؟ أما ان استغنى عن التخليص فإنه يكتفى بالسبب ليكون ذلك أقطع للخصومات.
قاعدة: كل ما فيه خلاف قوى فلا يقع إلا بالحكم كالإعتاق على الشريك
واختلفت الرواية عن مالك في كونه أو بالسراية، فإن ضعف الخلاف اكتفى بالسبب.
قوله: ((وكل ما تعين الحق به)) أي فيه. قوله: ((ولا يؤدى أخذه لعيبه)) أضاف العيب للمأخوذ لأن أخذه سبب عيب الأخذ/ 179 - أوالإضافة تسوغ بأدنى ملابسة ويحتمل- على بعد- أن يكون ضمير أخذه عائدًا إلى الأخذ، فإليه يرجع ضمير عيبه، ولا إشكال حينئذ.
قوله: ((الفتنة)) هون بدل من عيبه، أي ولا يؤدى أخذه لفتنة أو لفساد مسموع أي معتبر مقبول كفساد العرض أو العضو.
قوله: ((مما على ثبوته قد أجمعا)) أي حال كون هذا الذى تعين الحق به مما قد أجمع على ثبوت حكمه احترازا من المختلف فيه، قوله: فليس يحتاج لحاكم)) هو خبر (كل) وقرنه بإلغاء لشبهه بالشرط في العموم والإبهام كقولهم الذى يأتينى فله درهم.
قوله: ((بلى أضداد ما ذكر)) أي بل يحتاج له أضداد ما ذكر والأضداد خمسة مثل منها بما عدا الأول وهو مختلف فيه، لأنه لا يتحتم الرفع فيه للحاكم بل قد يستغنى عن الرفع في بعض مسائله كما مر.
قوله: ((مما للاجتهاد والتحرير [يحتاج)) أي كالذى نقل مما يحتاج للاجتهاد والتحرير] وهذا النوع الثانى من كلام القرافى.
قوله: ((أو يؤدى لخيانة)) هذا النوع الخامس. وما معطوف على ما من قوله: ((مما للاجتهاد)).
قوله: ((وما إلى فساد العرض)) أي وما يؤدى إلى فساد العرض وهذا النوع الرابع: قوله: ((أو خوف الدماء)) أتى ما يؤدى إلى خوف الدماء، وهذا النوع الثالث.
ابن الحاجب: ومن قدر على استرجاع عين حقه بيده آمنا من فتنة أنسبة إلى رذيلة جاز له، فأما في العقوبة فلابد من الحاكم، وأما من قدر على غيره فثالثهما: إن كان من جنسه جاز، وعليه الخلاف في إنكار من عليه شيء لمن أنكره غيره.
وقال في الوديعة: وإذا استودعه من ظلمه بمثلها، فثالثهما الكراهة، ورابعهما الاستحباب.
قال الباجى: والأظهر الإباحة لحديث هند.
[ص]
380 -
مستند الشهادة العلم نعم
…
مدركه عقل ونقل وتضم
381 -
ذوات حس لهما ومستدل
…
قد يكتفى بالظن والسمع نقل
382 -
عزل وجرح سفه وكفر
…
ثم نكاح ضدها وضر/ 179 ب
383 -
كهبة وصية وإنفاق
…
ولادة حرابة وإعتاق
384 -
خلع رضاع نسب وأسر
…
قسم قسامة ولوث يسر
385 -
اباق أو حمل وتفليس ولا
…
جرح نيابة وإقرار جلا
386 -
وقف وتنفيذ وموت وابتياع
…
تصرف إرث تصح بالسماع
[ش]
القرافى في الفرق السادس والعشرين والمائتين بين قاعدة ما يصح أن يكون مستندا في التحمل وبين قاعدة ما لا يصح أن يكون.
قال صاحب المقدمات: كل من علم شيئا بوجه من الوجوه الموجبة للعلم شهد به فلذلك صحت شهادة هذه الأمة لنوح عليه السلام ولغيره على أممهم بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وصحت شهادة خزيمة ولم يحضر شراء الفرس، ومدرك العلم أربعة العقل وإحدى الحواس الخمس والنقل المتواتر، والاستدلال فتجوز الشهادة بما علم بأحد هذه
الوجوه وشهادة خزيمة كانت بالنظر والاستدلال، ومثله شهادة أبي هريرة أن رجلا قاء خمرا فقال له عمر: تشهد أنه شربها قال: أشهد أنه قاءها، فقال عمر رضى الله عنه: ما هذا التعمق فلا وربك ما قاءها حتى شربها.
ومنها شهادة الطبيب يقدم العيب، والشهادة بالتواتر كالنسب وولاية القاضي وعزله، وضرر الزوجين، والأصل في الشهادة العلم واليقين لقوله تعالى:{إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} .
وقوله: {وما شهدنا إلا بما علمنا} .
وقوله عليه السلام: ((على مثل هذا فاشهد)) أي على مثل الشمس، فهذا ضابط ما يجوز التحمل في الشهادة به، وقد يجوز بالظن والسماع، صح من الفروق.
أبو إسحاق بن فرحون في التبصرة: ولا تصح لشاهد شهادة بشئ حتى يحصل له به العلم إذا لا تحصل الشهادة إلا بما علم وقطع بمعرفته، ولا بما يشك فيه، ولا بما يغلب على الظن معرفته. قال تعالى:{وما شهدنا إلا بما علمنا} وقد يلحق الظن الغالب باليقين للضرورة في مواضع يأتي ذكرها، كالشهادة في/ 180 - أالتفليس، وحصر الورثة، وما أشبه ذلك.
والعلم يدرك بأحد أربعة أشياء.
الأول: العقل بانفراده فإنه يدرك به بعض العلوم الضرورية مثل أن الاثنين أكثر
من الواحد به حالة نفسه من صحته وسقمه، وإيمانه وكفره، ويصح بذلك شهادته على نفسه وما أشبه ذلك.
الثانى: العقل مع الحواس الخمس، حاسة السمع وحاسة البصر، وحاسة الشم وحاسة الذوق، وحاسة اللمس، فيدرك بالعقل مع حاسة السمع الكلام وجميع الأصوات، ولذلك نجيز شهادة الأعمى على الأقوال، إذا كان المشهود عليه قد لازمه كثيرا حتى يتحقق الأعمى كلامه، ويقطع عليه وكذلك الاستعمال ويدرك بالعقل مع حاسة البصر جميع الأجسام والأعراض والمبصرات، ولذلك نجيز شهادة الأصم على الأفعال، ونجيز الشهادة على الخط.
ويدرك بالعقل مع حاسة الشم جميع الروائح المشمومات فيدرك بها حال المسكر فتراق الخمر ويحد شاربها بالشهادة على الرائحة.
ويدرك بالعقل مع حاسة الذوق جميع الطعوم المذوقات، ولذلك تجوز الشهادة فى اختلاف المتبايعين فى صفة المبيع كالزيت الحلو وعكسه، والعسل الشتوى والربيعى والسمن المتغير وغير ذلك مما يكثر ذكره.
ويدرك بالعقل مع حاسة اللمس جميع المملوسات على اختلاف أنواعها، ولذلك نجيز شهادة أهل المعرفة في المتبايعين فى صفة المبيع فى اللين والخشونة وما أشبه ذلك.
الثالث: حصول العلم العلم بالأخبار المتواترة فإنه يحصل به العلم بالبلدان النائية والقرون الماضية وظهور النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه إلى الإسلام، وقواعد الشرع ومعالم الدين، ولذلك تجوز الشهادة بما علم من جهة الأخبار الصحيحة فى باب الولاء والنسب والموت وولاية القاضى وعزله، وضرر الزوجين، وما أشبه ذلك.
قال ابن رشد: فالعلم المدرك من هذه الوجوه الثلاثة علم ضرورى يلزم النفس لزوما لا يمكنها/ 180 - ب الانفصال عنه ولا الشك فيه.
الرابع: العلم المدرك بالنظر والاستدلال فالشهادة بما علم من جهة النظر والاستدلال (جائزة) كما تجوز بما علم من جهة الضرورة، وذلك مثل ما روى أن أبا هريرة شهد أن
رجلا قاء خمرا فقال له عمر: أتشهد أنه شربها؟ فقال له: أشد أنه قاءها، فقال عمر: ما هذا التعمق فلا وربك ما قاءها حتى شربها.
ومن ذلك شهادة الحكماء فى قدم العيوب وحدوثها، وشهادة أهل المعرفة فى قدم الضرر وحدوثه، والشهادة فى معاقد القمط فى الحيطان وما أشه ذلك.
ومن هذا المعنى شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة لنبيين على أممهم بالبلاغ، وشهادة المؤمن بأن الله وحده لا شريك له، وأنه حى عالم قادر إلى غير ذلك، من الصفات التى هو عليها لعلمه بذلك من جهة النظر والاستدلال وهذا باب واسع وانتهى.
القرافى أثر الكلام السابق: قال صاحب القبس: ما اتسع أحد فى شهادة السماع اتساع المالكية فى مواطن كثيرة، الحاضر منها على الخاطر خمسة وعشرون موضعا.
الأحباس، الملك المتقادم، الولاء، النسب، الموت، الولاية، العزل، العدالة، الجرحة، منع سحنون ذلك فيها قال علماؤنا: وذلك إذا لم يدرك زمان المجروح والمعدل فإن أدرك فلابد من العلم. الإسلام، الكفر، الحمل، الولاية، الرشد، السفه، الصدقة، الهبة، البيع فى حالة التقادم، الرضاع، النكاح، الطلاق، الضرر، الوصاية، إباق العبد، الحرابة وزاد بعضهم البنوة، الإخوة.
وزاد العبدى الحرية، القسامة، فهذه مواطن رأى الأصحاب فيجوز تحمل الشهادة بالظن الغالب، هذا ما يتعلق بكلام المؤلف من كلام القرافي.
وزاد المؤلف على ما ذكره القرافى عن ابن العربى: الأسر، والملاء، والعدم، وهو مراد المؤلف بالتفليس، واللوث، والجرح، والإقرار، وتنفيذ الإيصاء والعتق، والتصرف، والنيابة والإرث، والخلع يتضمنه كلام ابن العربى لأنه داخل فى الطلاق/ 181 - أأما الثلاثة الأولى فزادها ابن هارون وأما اللوث فظاهر كلام المؤلف أنه مغاير للقسامة وليس كذلك بل من عبر بالقاسمة فمراده اللوث وعبر عنه بالقسامة، لأنها مسببة عنه، ولهذا يعبر بعضهم بالقسامة وبعضهم باللوث ولا يجمعون بينهما.
اللخمى: ومما تثبت به القسامة السماع المستفيض مثل لو أن رجلا عدا على رجل فى سوق علانية مثل سوق الأحد وشبهه من كثرة الناق فقطع كل من حضر عليه الشهادة قال: فرأى من أرضى من أهل العلم أن هذا إذا كثر هكذا وتظاهر أنه بمنزلة اللوث انتهى.
وأما العتق فقال الشيخ ابن عرفة الأكثر لم ينص عليه بعينه فيها وهو عندى لاكتفائهم بذكر الولاء عنه ثبت ثبت العتق ومهما ثبت العتق الولاء ومهما انتفى أحدهما انتفى الآخر، ومهما ثبت أحد المتساويين ثبت الآخر.
وقال المازرى: ضبط عبد الوهاب ما تجوز فيه شهادة السماع بما لا ينقل ولا ينتقل وقبله هو والباجى منه ثم قال المازرى: اختلف الناس فى العتق منهم من لم يثبته بها ومنهم من أثبته بها وهو الحق.
ونحوه قول ابن عبد السلام: منهم من ألحق العتق بما يثبت بالسماع، وأما التصرف فظاهر كلام المؤلف أنه مغاير للإنفاق والنيابة وأن كلا منهما مقصود الشهادة بالذات.
وفى الكافى: جائز أن يشهد أنه لم يزل يسمع أن فلانا كان فى ولاية فلان، يتولى النظر له والإنفاق عليه بإيصاء أبيه إليه وتقديم قاض عليه وإن لم يشهده أبوه ولا القاضى بالتقديم، ولكنه علم ذلك بالاستفاضة من العدول وغيرهم، ويصح بذلك تسفيهه إذا شهد معه غيره بمثل شهادته، وفيها بين أصحابنا اختلاف انتهى.
ونظمه الشيخ ابن عرفة فقال:
وقد زادنا الكافى سماع تصرف
…
وإنفاق ذى إيصاء أو ذى نيابة
[ش]
هادة ظن بالسماع مقالتى
…
لما عد متيطهم فى النهاية/ 181 ب
فوقف قديم مثله البيع والولا
…
وموت وارث والقضاء كالعدالة
وجرح وإنكاح وكفر وضده
…
ورشد وتسفيه وعزل ولاية
وإضرر زوج والرضاع وفى النسب
…
نفاس حكى اللخمى لوث قسامة
وإذا تأملت نص الكافى المتقدم ظهر لك أن مقصود الشهادة بالذات إنما هو تصحيح تقديم الحاكم، وإيصاء الأب وأن التصرف والإنفاق دليلان عليهما خلاف ظاهر كلام المؤلف، ونظم ابن عرفة، وأما الإرث فقد ذكره المتيطى.
ابن عرفة: المتيطى: قال ابن الهندى فى نسخته الكبرى: غمز بعض أهل عصرنا شهادة السماع على الضرر، واختار الشهادة على معرفة الضرر وقد غمز ابن القاسم هذا الذي اختاره، وكرهه وعلله من جهة القطع على أمر لا يعرف إلا بالاستفاضة والسماع، لأن الشهود لا يسكنون مع الزوجين وإنما هو عندهم بلاغ فترك الغامز العقل بما استحسن ابن القاسم وأجاز ما كرهه، ويجب إذا ثبتت المسألة رواية أن لا ترفع إلا برواية أثبت منها، وهذه المسألة من الثمانى عشرة التى تجوز شهادة السماع فيها. منها: الأحباس المتقادمة، والأشربة المتقادمة، والناكح والأنساب، والولاء، والميراث، والموت، وولاية القاضى، وعزلته، والعدالة والتجريح، والإسلام، والكفر بالله، والولادة، والرضاع، والترشيد، والتسفيه، وفى بعض هذا نزاع صح منه، وأما الجرح والإقرار فقد ذكرها الشيخ أبو عبد الله بن مرزوق.
وأما تنفيذ [الإيصاء ففى مفيد الحكام لابن هشام أفتى ابن زرب فى وصى قامت له بينة على تنفيذ] وصية أسندت إليه بالسماع من أهل العدل وغيرهم من الثقات أنها جائزة.
والمفهوم من الوصية المذكورة فى كلام المؤلف أنها الوصية بالمال.
قال شيخ شيوخنا أبو عبد الله محمد بن غازى: ولم أر من صرح بالوصايا بالمال وإنما ذكر ابن العربى والقرافى والغرناطى لفظ الوصية غير مفسر، فالظاهر أنهم قصدوا ما فى/ 182 - أالكافى من الإيصاء بالنظر، وبذلك فسر صاحب التوضيح الوصية فى لفظ ابن العربى بعنى فى تذييل النظم الذى أوله:
أيا سائلى عما ينفذ حكمه
…
ويثبت سمعا علم بأصله
وبعضهم ينسب الأصل لابن رشد والتذييل لولده.
وظاهر كلام صاحب القبس أنه لا يشترط التقادم إلا فى الملك والعدالة والجرحة والبيع وليس الأمر كذلك.
وظاهر مختصر ابن الحاجب وخليل اشتراطه فى مطلق السماع فحمل ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب على ظاهر إطلاقه.
وقال ابن هارون: ليس هذا على إطلاقه انما هو فى الملك والوقف، والصدقة والأشربة القديمة، والنكاح، والولاء، والنسب، لحيازة حميع ذلك يشترط فيه طول الزمان، وأما فى الموت فيشترط فيه تنائى البلدان تقادم الزمان.
ابن عرفة: مقتضى الروايات والأقوال أن شهادة السماع القاصرة عن شهادة البت فى القطع بالمشهود به، يشترط فيها كون المشهود بحيث لا يدرك بالقطع والبت به عادة وإن أمكن عادة البت به لم تجز فيه شهادة السماع، وهو مقتضى قول الباجى أما الموت فيشهد فيه على السماع فيما بعد من البلاد، وأما ما قرب أو ببلد الموت فإنما هى شهادة بالبت، وقد شاهدت شيخنا القاضى ابن عبد السلام، وقد طلب منه بتونس بعض أهلنا إثبات وفاة صهر له مات ببرقة قابلا من الحج فأذن له فأتاه بوثيقة بشهادة شهود على سماع لوفاته على ما يجب كتبه فى شهادة السماع وكان ذلك بعد مدة يتصور فيها بت العلم بوفاته والقطه بها وأظن أن ذلك كان منذ نحو من ثمانية أعوام، فرد ذلك ولم يقبله، لحوق الريبة فيها يبطلها. انتهى.
القاضى أبو عبد الله بن الحاج: صفة جواز شهادة السماع فى النكاح أن
تكون المرأة تحت حجاب الزوج فيحتاج إلى إثبات الزوجية بالسماع المستفيض، فيحكم له/ 182 - ب بالميراث فلو لم تكن المرأة فى عصمة لأحد بزوجية فأثبت رجل أنها زوجته تزوجها بالسماع لم يستوجب البناء عليها، بشهادة السماع لأن شهادة السماع إنما تنفع مع الحيازة للمرأة وهذا لم يجزها إليه. انتهى.
قلت: وهذا بناء على أنه لا يستخرج بشهادة السماع من يد حائز وهو المشهور ولم يحك المازرى غيره.
ابن زرقون وغيره عن محمد: لا تجوز شهادة السماع إلا لمن كان الشئ بيده ولا يستخرج بها من يد حائز.
ولابن حبيب عن الأخوين وابن القاسم ما يقتضى أنه يستخرج بها من اليد.
المازرى: لو كان المتنازع فيه عفوا من الأرض ليس بيد أحد لكان المذهب على قولين في تمكينها، امن قام فيها بشهادة سماع.
ومدرك بفتح الميم والراء مكان دركه أى العلم، ومراده بالعقل قوته، من ضرورته وبمستدل نظره، وهو اسم مصدر بمعنى الاستدلال ففتح داله وهو ما عدا العلوم الحسية، وبالنقل التواتر، فإنه يفيد العلم.
ابن الحاجب: وأما السماع المفيد للعلم فقال ابن القاسم: هو مرتفع عن شهادة السماع مثل أن نافعا مولى ابن عمر وأن عبد الرحمن بن القاسم [وإن لم يعلم لذلك أصلا قيل له: أيشهد أنك ابن القاسم] من لا يعرف أباك، ولا يعرف أنك ابنه إلا بالسماع؟ قال: نعم، يقطع بها ويثبت النسب.
ولم يجعل ابن الرشد القفصى هذين من التواتير بل جعلهما من الاستفاضة وبعدها التواتر فقسم شهادة السماع إلى ثلاثة أقسام تواتر ةاستفاضة وظن، فانظر لفظه فى تبصرة ابن فرحون وقد نص غير واحد أن المثالين المذكورين من التواتر المفيد للقطع واليقين.
قوله: ((قد يكتفى بالظن)) أى كالشهادة بالإعسار وحصر الورثة أو التعديل أو أنه لم يقدن فلى أثناء غيبته فى المشترط لها أنه غاب عنها أكثر من ستة أشهر مثلا فأمرها بيدها أو أنه غاب ولم يترك لزوجه نفقة، وكالشهادة فى الاستحقاق أنه ما باع ولا وهب ولا فوت بوجه، ونحو ذلك مما يتعذر فيه القطع أو/ 183 - أيتعسر ولهذا يستظهر فى هذا النوع باليمين وإن كانت للطالب بينة إلا فى استحقاق الأصول على المشهور فى ذلك.
ابن الحاجب: فإن شهد بإعساره حلف وأنظر.
خليل: هذه من المسائل التى يحلف فيها المدعى مع بينته كدعوى المرأة على زوجها الغائب النفقة، والقضاء على الغائب وضبطه كل بينة شهدت بظاهر فيستظهر بيمين الطالب على باطن الأمر صح من التوضيح.
وقول ابن الحاجب: لا يحلف مع كمال البينة إلا أن يدعى عليه طرو ما يبريه من إبراء أو بيع.
يعنى فى البينة تشهد بالقطع يؤخذ من لفظ الكمال فيكون كمالها باعتبار النصاب والقطع، ومن الشهادة شهادة السماع.
ابن عرفة: وشهادة السماع لقب لما يصرح الشاهد فيه بإسناد شهادته لسماع من
غير معين فتخرج شهادات البت، والنقل من مختصره.
أبو إسحاق ابن فرحون: الباب الأربعون فى القضاء بغلبة الظن:
واعلم أن الشرع لم يعتبر مطلق الظن فى غالب المسائل، وإنما يعتبر ظنونا مقيدة مستفادة من إمارات مخصوصة، وذلم فيما لا سبيل فيه إلى القطع كالشهادة ان المديان معسر فإنهم يشهدون على علمهم، وقد يكون الباطن بخلافه فاستظهر باليمين فى ذلك على المشهود له، فبقيام البينة على ذلك مع يمينه أستحق حكم العدم ويقطع عنه الطلب ما دام على تلك الحالة.
مسألة: وكانت الشهادة لامرأة غاب زوجها وتركها بغير نفقة، لأن الشهادة فيه على العلم دون البت فإذا قامت بذلك عند الحاكم وشهد لها الشهود استظهر عليها باليمين على صحة ما شهدت به الشهود لها، فبقلرفة اليمين للشهادة وجب لها الحكم بذلك.
مسألة: وكذلك الشهادة على الشئ المستحق، وفى هذا النوع خلاف وتفرقة بين أنواع المستحقات، وقد تقدم بيان ذلك فى القضاء بشاهدين ويمين القضاء.
مسألة: من ذلك الشهادة على عدة/ 183 - ب الورثة لابد أن يقولوا: لا نعلم له وارثا غيرهم فى سائر البلاد.
وكذلك شهادتهم فى الشئ المستحق، لابد أن يقولوا: لا نعلم أنه باع ولا وهب ولا تصدق ولا خرج من يده بوجه من وجوه انتقالات الأملاك، ولا يشهدون فى الاستحقاق ولا فى عدة الورثة على البت، فلو قالوا: لا وارث له غيرهم أصلا على البت، وقالوا: نشهد أن شيئه لم يبعه، ولا فوته كانت الشهادة زورا، كذا هو في المدونة.
وقال بعض أصحاب مالك إن الشهادة فى ذلك لا تكون إلا على البت وهو ابن الماجشون، وهذا مبسوط فى الفصل الثامن فيما يجب على القاضى التنبيه له فى أداء الشهادة.
مسألة: ومن ذلك لو شهد شاهدان أنهما رأيا رجلا خرج مستترا من دار فى حال رثة فاستنكرا ذلك، فدخل العدول من ساعتهم الدار فوجدوا قتيلا يسيل دمه وليس فى الدار أحد فهذه شهادة جائزة يقطع الحكم بها، وإن لم تكن على المعاينة.
قال ابن القاسم: وكذلك لو رأى العدول المتهم يجرد المقتول، وإن لم يروه حين أصابه فإن شهادتهم لوث تجب معها القسامة.
مسألة: ومن ذلك الشهادة على التعريف فإنها مستندة إلى غلبة الظن.
مسألة: قال ابن الحاجب: ويعتمد على القرائن المغلبة للظن فى التعديل والإعسار بالخبرة الباطنة وضرر الزوجين.
قال ابن عبد السلام: أجازوا للشاهد هنا أن يعتمد فيما يشهد به على الظن القوى القريب لليقين لأنه هو المقدور على تحصيله، فلو لم يحكم بمقتضاه لزم تعطيل الحكم فى التعديل والإعسار وأما ضرر الزوجين وإن كان يمكن حصول القطع به للشاهد، ولكنه فى غاية الندور والعسر، فيلزم تعطيل الحكم فيه أيضا ولعسر ذلك قال فى الرواية: ومن أين للشهود العلك بذلك. صح من التبصرة.
خليل: يعنى أنه يجوز للشاهد فى هذه الصورة أن يعتمد فيما يشهد به على الظن القوى، لأنه المقدور على تحصيله غالبا ولو اشترط العلم تعطلت الأحكام غالبا، وقد/ 184 - أتقدم الكلام على ما يعتمد عليه بالعدل فى التعديل، ويعتمد فى الإعسار على صبره على الجوع ونحوه مما لا يمكن إلا مع الفقر، وضرر الزوجين وان كان يمكن فيه القطع لكونه من
الجيران أو القرائب لكنه نادر.
ابن الحاجب: ولا يقبل إلا العارف بوجه التعديل، وهو أن يعرف عدالته بطول المحنة والمعاشرة، لا بالتسامع.
وقال سحنون: فى السفر والحضر، قال مالك: وإذا صحبه شهرا فلم يعلم إلا خيرا فلا يزكيه بهذا.
الإمام أبو عبد الله المقرى: قاعدة: تقدم المصلحة العامة على المفسدة النادرة ولا يترك لها فمن ثم أقيم مقام العلم بهن فمقتضى الدليل انتفاؤه {ولا تقف} {إن يتبعون} فالظن منتف ما لم يثبته العلم، فيكون هو المقفو المتبع، وإنما يثبته العلم بشرطين:
أحدهما: تعذره، أو تعسره.
والآخر: دعوى الضرورة، أو الحاجة إلى الظن إلا فى الفقيهات بخلاف مسائل التفصيل وكثير من مباحث الكلام، وقد رسمت لبعض ذلك قاعدة فقلت: لا تقدمن إلا بإذن ودليل، ولا عذر ما لم ينفع ما استطعت، فقد يضر، ثم انظر فلن يضرك جهل ما لم تكلف علمه، وأخاف عليك سوء عاقبة النجوم {وما أشهدتهم} {أشهدوا خلقهم} {قل الروح من أمر ربى} وما ذكر ابن فرحون من أن الشهادة على التعريف مستندة إلى غلبة الظن فهو قول ابن نافع وروايته.
والمشهور أنه لا يشترط فيمن عرف من الجميع بلوغ عدده ما يحصل العلم به، بل
ظاهره إن عرف منه اثنان أو واحد أنه لا يكتفى بالتعريف إلا إن يفيد اليقين واستظهر ابن عرفة الأول. فقال: وظاهر قول ابن رشد ولفظ السماع كفى فى ذلك، والأظهر تقييده بما يفيد العلم بكثرة أو قرائن أو الظن القوى.
وما ذكر أيضا من أنهم لا يشهدون على البت فى الاستحقاق ولا فى عدة الورثة على المشهور، خلافا لابن الماجشون، ففى شهادة المدونة ما ظاهرة ان شهادتهم على البت باطلة ففيها من تمام شهادتهم أن يقولوا/ 184 - ب وما عسلنا باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من وجوه الملك، وليس عليه أن يأتى ببينة تشهد على البت أنه ما باع ولا وهب، ولو شهدت البينة بذلك كانت زورا.
وبهذا الظاهر قال ابن القاسم. لأنه قال: وإن أبوا أن يقولوا: ما علموه باع ولا وهب ولا تصدق فشادتهم باطلة.
وظاهر ما فى كتاب العارية من المدونة أنه ليس بشرط.
قال: وإن شهدوا أن الدابة له ولم يقولوا لا أنه باع ولا وهب ولا تصدق حلف على البت كما ذكرنا، ويقضى له.
ابن عبد السلام: وقد أكثر الشيوخ هل الكلام فى المدونة متناقض أو لا؟ وهل تقبل شهادة هؤلاء الذين يقطعون بالملك مع إطلاقه عليها الزور، أو يفصل فيهم بين أن يكونوا من العلماء فلا تقبل أو يكونوا من عوام الناس فتقبل، وإلى هذا ذهب الشيخ أبو محمد وأبو عمران، والذى قاله الشيخ أبو إبراهيم وأبو الحسن: إن ما فى الشهادات شرط كمال.
أبو الحسن: إلا أن تكون الشهادة على ميت فذلك شرط صحة.
القرافى: فى الفرق السادس والعشرين والمائتين: اعلم أن قول العلماء إن الشهادة لا تجوز إلا بالعلم ليس على ظاهره، فإن ظاهره يقتضى أنه لا يجوز أن يؤدى الشهادة إلا ما هو
قاطع به وليس كذلك [بل حالة الأداء دائما عند الشاهد] الظن الضعيف فى كثير من الصور بل المراد بذلك أن يكون أصل المدرك علمًا فقط فإن شهد بقبض الدين جاز أن يكون الذى عليه قد دفعه فتجوز عليه بالاستصحاب الذى لا يفيد إلا الظن الضعيف، وكذلك الثمن فى المبيع مع احتمال دفعه ويشهد فى الملك الموروث لوارثه مع جواز بيعه بعد إن ورثه، ويشهد بالإجازة ولزوم الأجرة مع جواز الإقالة بعد ذلك بناء على الاستصحاب، والحاصل فى هذه الصورة وشبهها إنما هو الظن الضعيف، ولا يكاد يوجد ما بقى فيه العلم على حاله من ذلك الشهادة بالإقرار فإنه إخبار عن وقوع النطق فى الزمن الماضى/ 185 - أوذلك لا يرتفع.
ومن ذلك الوقف إذا حكم به حاكم، أما إذا لم يحكم به حاكم فإن الشهادة إنما فيها الظن فقط. فإذا شهد بأن هذه الدار وقف احتمل أن يكون حاكم حنفى حكم بنقيضه انتهى.
الإمام أبو القاسم بن الشاط: ما قاله أن الشاهد فى أكثر الشهادات لا يشهد إلا بالظن الضعيف غير صحيح وإنما يشهد بأن زيدا ورث الموضع الفلانى مثلا أو اشتراه جازما لا ظانا بذلك، واحتمال كونه باع الموضع لا تتعرض له شهادة الشاهد بالجزم لا فى نفيه ولا فى إثباته، ولكن تتعرض له بنفى العلم ببيعه أو خروجه عن ملكه على الجملة، فما توهم أنه مضمن الشهادة ليس كما توهم فهذا التنبيه غير صحيح والله تعالى أعلم انتهى.
ابن عرفة: فى شرط شهادة غير السماع بقطع الشاهد بالعلم بالمشهود فيه مطلقا وصحتها بالظن فيما يعسر العلم به عادة طريقان:
الأولى: للمقدمات: لا تصح شهادة بشئ إلا بعلمه والقطع بمعرفته لا بما يغلب على
الظن معرفته قال: والعلم يحصل بمجرد العقل فقط منه ضرورى كعلم الإنسان حال نفسه من صحته وسقمه، وإيمانه، وكفره، ويصح بذلك شهادته على نفسه، وبالعقل مع إحدى الحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس.
والثالث: الخبر المتواتر ومنه نظرى كشهادة خزيمة بن ثابت له رضي الله عنه أنه اشترى الفرس من الأعرابى ولم يحضر شراءه مستندا فى ذلك للدليل الظاهر والبرهان القاطع.
فإن قلت: جملة شهادة خزيمة على هذا الاعتبار وجعلها مثولا لأصل عام خلاف قول الأصوليين أنها خاصة لا يقاس عليها حسبما ذكرى الآمدى وابن الحاجب فى شروط الأصل فى القياس.
قلت: جعل الأصوليين كونها خاصة هو من حيث الحكم لها بشهادة شاهدين لا من حيث الحكم لها بأنها شهادة شرعية.
قال: وكذا الشهادة بما علم من الأخبار المتواترة جائزة الولاء والنسب والموت وولاية القاضى وعزله/ 185 - ب وضرر الزوجين وشبهه إذا حصل العلم بهذه الأمور والقطع بها.
الثانية: للمازرى قال فى قبول الشاهد بزوجية رجل امرأة برؤيته حوزه إياها حوز الأزواج زوجاتهم وإن لم يولد حين التزويج هذا نوع خارج عن شهادة السماع وإنما يطلب فيه الظن القوى المزاحم للعلم اليقينى بقرائن الأحوال كالشهادة بالنفقير فإن الشاهد يشهد له ولا يقطع على صحة ما شهد به بجواز أن يكون له مال أخفاه، لكن إذا بدت قرائن الفقر من الفقر والإعسار والصبر على مضض الجوع، وإدراك ذلك بالمخالطة صح التعويل عليه فى الشهادة بقرائن الأحوال وعلى هذه الطريقة قال ابن الحاجب تبعا لابن شاس: ويعتمد على القرائن
المغلبة للظن فى التعديل والإعسار وضرر الزوجين.
قلت: وهذا الظن الناشئ عن القرائن إنما هو كاف فى جزم الشاهد بما به يشهد على وجه البت، ولو صرح فى أداء شهادته بالظن لم تقبل إلا بما تقدم فى التعديل من قوله أراه عدلا، ولعله مراد ابن رشد فتتفق الطريقان.
قوله: ((والسمع)) يحتمل أن يخفض بالعطف على الظن عطف خاص على عام توطئة لذكر مواطن شهادة السماع، وهذا هو الموافق لقول ابن العربى السابق وقد يجوز بالظن والسماع، ونقل على هذه جملة حالية أى حال كونه منقولا عن أهل المذهب فى مواطن بينا بقوله: عزل- إلى آخره- فعزل مبتدأ، والخبر تصح بالسماع ويحتمل أن يكون عزل نائب عن فاعل والجملة مستأنفة أى نقل فى شهادة السماع عزل- إلى آخره- وتصح بالسماع على هذا تأكيد لما قبله ويحتمل أن يرفع مبتدأ ونقل خبره، وضبطه المؤلف بالوجهين، وجرح الأول بفتح الجيم وهو التجريح ضد العدالة، والأخير بالضم جرح الدم، وضمير ضدها عائد إلى الخمسة التى هى العزل والجرح والسفه والكقر والنكاح، وأضدادها هى: الولاية والعدالة والرشد والإيمان والطلاق بلا عوض لأنه ذكر/ 186 - أالخلع بعد ويدخل تحت قوله: ((كهبة)) الصدقة أى وكهبة والقسم بفتح القاف قسمة المال بين الشريكين وجلا: نعت لإقرار وهو بمعنى ظهر.
[ص]
387 -
واللفظ فى الأداء إنشاء بما
…
ضارع فى العقود ماض علما
388 -
كالعتق والطلاق واسم من فعل
…
زيد لدين وعلى العرف العمل
[ش]
القرافى: فى الفرق السابع والعشرين والمائتين بين قاعدة اللفظ الذى يصح أداء الشهادة به وبين قاعدة ما لا يصح أداؤها بع: اعلم أن أداء الشهادة لا يصح بالخبر ألبتة فلة قال الشاهد للحاكم: أنا أخبرك أيها القاضى بأن لزيد عند عمرو دينارا عن يقين منى وعلم بذلك لم تكن هذه شهادة بل هذا وعد من الشاهد للقاضى أنه سيخبره بذلك عن يقين، فلا يجوز اعتماد القاضى على هذا الوعد، ولو قال له: قد أخبرتك أيها القاضى بكذا، كان كذبا،
لأن مقتضاه تقدم الإخبار منه ولم يقع، والاعتماد على الكذب لا يجوز فالمستقبل وعد، والماضى كذب، وكذلك اسم الفاعل المقتضى للحال كقولك أنما مخبرك أيها القاضى بكذا فإنه إخبار عن اتصافه بالخبر للقاضى، وذلك لم يقع فى الحال وإنما وقع الإخبار عن هذا الخبر فظهر أن الخبر كيف تصرف لا يجوز للحاكم الاعتماد عليه، وكذلك إذا قال الحاكم للشاهد: بأى شئ تشهد؟ قال: حضرت عند فلان فسمعته يقر بكذا وأشهدنى على نفسه بكذا وشهدت بينهما بصدور البيع أو غير ذلك من العقود، ولا يكون هذا أداء شهادة، ولا يجوز للحاكم الاعتماد عليه بسبب أن هذا مخبر عن أمر تقدم فيحتمل أن يكون قد اطلع بعد ذلك على ما منع من الشهادة به من فسخ أو إقالة أو حدوث ريبة للشهادة تمنع الاداء فلا يجوز لأجل هذه الاحتمالات الاعتماد على شئ من ذلك إذا صدر من هذا الشاهد، فالخبر كيف تقلب لا يجوز الاعتماد عليه بل لابد من إنشاء الإخبار عن الواقعة المشهود/ 186 - ب بها، والإنشاء ليس بخبر ولذلك لا يحتمل التصديق والتكذيب وقد تقدم الفرق بين البابين، فإذا قال الشاهد: أشهد عندك أيها القاضى بكذا كان إنشاء، ولو قال: شهدت لم يكن إنشاء عكسه فى البيع، فلو قال: أبيعك لم يكن إنشاء للبيع بل إخبار لا ينعقد به البيع بل وعد بالبيع فى المستقبل، ولو قال: بعتك كان إنشاء للبيع، فالإنشاء فى الشهادة بالمضارع وفى العقود بالماضى وفى الطلاق والعتاق بالماضى، ولم الفاعل نحو أنت طالق، وأنت حر. ولم يقع الإنشاء فى البيع والشهادة باسم الفاعل فلو قال: أنا شاهد عندك بكذا، أو أنا بائعك بكذا لم يكن إنشاء وسبب الفرق بين هذه المواطن الوضع العرفى فما وضعه أهل العرف للإنشاء كان إنشاء وما لا فلا، فاتفق أنهم وضعوا للإنشاء الماضى فى العقود والمضارع فى الشهادة والماضى واسم الفاعل فى الطلاق والعتاق فلما كانت هذه الألفاظ موضوعة للإنشاء فى هذه الأبواب صح من الحاكم اعتماده على المضارع فى الشهادة لأنه موضوع له
[ص]
ريح فيه الاعتماد على الصريح هو الأصل ولا يجوز الاعتماد على غير الصريح لعدم تعين المراد منه فإن اتفق أن العوائد تغيرت وصار الماضى موضوعا لإنشاء الشهادة والمضارع لإنشاء العقوج جز للحاكم الاعتماد على ما صار موضوعا للإنشاء، ولا يجوز له الاعتماد على العرف فتلخص لك أن الفرق بين هذه الإلفاظ ناشئ من العوائد وتابع لها، وإنه ينقلب وينفسخ بتغيرها وانتقالها، فلا يبقى بعد ذلك خفاء فى الفرق بين قاعدة ما تؤدى به الشهادة وقاعدة ما لا يصح به أداء الشهادة انتهى.
وقد تعقب عليه الإمام أبو القاسم بن الشاط كثيرا من هذا الكلام فقال على الترجمة:
هذا الفرق ليس بجار على مذهب مالك رضي الله عنه فإنه لا يشترط معينات الالفاظ فى العقوج ولا فى غيرها/ 187 - أوإنما ذلك مذهب الشافعى.
وقال على قوله: اعلم أن الشهادة لا تصح بالخبر ألبتة. قد تقدم له فى أول فرق من الكتاب حكاية عن الإمام المازرى أن الرواية والشهادة خبران ولم ينكر ذلك ولا رده بل جرى فى مساق كلامه على قبول ذلك وصحته.
وقال على قوله: فلو قال الشاهد للقاضى أنا أخبرك أيها القاضى- إلى قوله-: ولم تكن هذه شهادة، ذلك لقرينه قوله أخبرك وبم يقل أشهد عندك.
وقال على قوله: بل هذا وعد من الشاهد للقاضى بأنه سيخبره بذلك عن يقين فلا يجوز اعتماد القاضى على هذا الوعد، ومن أين يتعين أنه وعد وأنه إنشاء إخبار فيكون شهادة إذ الشهادة خبر لا سيما إن كان هنالك قرينة تقتضى ذلك من حضور مطالب وشبه ذلك، فما قاله فى ذلك غير صحيح.
وقال على قوله: ولو قال: أخبرتك أيها القاضى بكذا كان كاذبا- إلى قوله: فالمستقبل وعد ولاماضى كذب، إن كان لم يكن تقدم منه إخبار فذلك كذب كما قال.
وقال على قوله: وكذلك اسم الفاعل المقتضى للحال كقولك: أنا مخبرك أيها القاضى بذلك فلأنه إخبار عن اتصافه بالخبر للقاضى وذلك لم يقع فى الحال إنما وقع الإخبار عن هذا الخبر، هذا كلام من لم يفهم مقتضى الكلام، ةكيف لا يكون من يقول للقاضى أنا مخبرك بأن لزيد عند عمرو دينارا [مخبرا للقاضى بأن لزيد عند عمرو دينارا] بل مخبره بأنه مخبره، وهل العبارة عن إخباره عن الخبر إلا تلك وأنا مخبرك بأنى مخبرك، لا أنا مخبرك بكذا، هذا كله تخليط لا يفوه به من يفهم شيئا من مضمنات الألفاظ، وقال على قوله فظهر أن الخبر كيف تصرف لا يجوز للحاكم الاعتماد عليه، لم يظهر ما قاله [إذا قال الحاكم] بوجه ولا حال.
وقال على قوله: وكذلك [إذا قال الحاكم] للشاهد بأى شئ تشهد؟ قال حضرت عند فلان- إلى قوله-: فالخبر كيف تقلب لا يجوز الاعتماد عليه إذا م يكن قول الشاهد حضرت عند فلان فسمعته يقر بكذا أو يشهدنى على نفسه بكذا بعد قول القاضى له: بأى شئ تشهد شهادة، فلا أدرى بأى لفظ يؤدى الشهادة، وما هذا إلا تخليط وسواس/ 187 - ب لا يصح منه شئ ألبتة.
وقال على قوله: بل لابد من إنشاء الإخبار عن الواقعة المشهود بها، يا للعجب وهل إنشاء الأخبار إلا الإخبار بعينه.
وقال على قوله: والإنشاء ليس بخبر إلى قوله- وقد تقدم الفرق بين البابين من هنا دخل الوهم عليه، وهو أنه أطلق لفظ الإنشاء على جميع الكلام، ومن جملته الخبر، وأطلق لفظ الإنشاء على قسيم الخبر، ثم تخيل أنه أطلقها بمعنى واحد فحكم بأن الإنشاء لا يدخله التصديق والتكذيب، وما قاله من أنه لا يدخله ذلك صحيح فى الإنشاء الذى هو قسيم الخبر.
وقال على قوله: فإذا قال الشاهد: أشهد عندك أيها القاضى بكذا كان إنشاء وما المانع من أن يكون وعد بأنه يشهد عنه، لا اعلم لذلك مانعا إلا التحكم بالفرق بين لفظ الخبر ولفظ الشهادة وهذا كله تخليط فاحش.
وقال على قوله: ولو قال: شهدت لم يكن إنشاء- إلى قوله- عكسه فى البيع لو قال أبيعك لم يكن إنشاء [- إلى قوله- ولو قال: أنا شاهج عندك بكذا أو أنا أبيعك بكذا لم يكن إنشاء] لقد كلف هذا الرجل نفسه شططا وألزمها مالا يلزمها كيف وهو مالكى والمالكية يجيزون العقوج بغير لفظ أصلا فضلا عن لفظ معين وإنما يحتاج إلى ذلك الشافعية حيث يشترطون معيِّنات الألفاظ.
وقال على قوله: وسبب الفرق بين هذه المواطن الوضع العرفى، ما قاله فى ذلك كله مبنى على مذهب الشافعى وهو مسلم وصحيح إلا قوله: إن أداء الشهادة بالإنشاء لا بالخبر، فإنه قد تقدم أن الشهادة خبر وهو الصحيح وقد تقدم التنبيه على الموضع الذى أدخل عليه الوهم والغلط انتهى.
وقد اعترض كلام القرافى أيضا الشيخ أبو إسحاق بن فرحون فى التبصرة محتجا بكلام شمس الدين بن قيم الجوزية وغيره فقال:
وهذا الذي ذكر القرافي هو مذهب الشافعية ولم أره لواحد من المالكية ونقل شمس الدين بن قيم الجوزية الحنبلي الدمشقي: أن مذهب مالك وأبى حنيفة وظاهر كلام أحمد بن حنبل: أنه لا/ 188 - أيشترط في صحة الشهادة لفظ شهد بل متى قال الشاهد: رأيت كذا وكذا أو سمعت ونحو ذلك كانت شهادة منه وليس في كتاب الله تعالى في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع واحد يدل علي اشتراط لفظ الشهادة، ولا ورد ذلك عن أحد من الصحابة، ولا في القياس والاستنباط ما يقتضى ذلك، بل الأدلة المتضافرة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأقوال العرب تنفى ذلك. قال الله تعالى:{قل هلم شهداءكم} الآية. ومعلوم أنه ليس المراد التلفظ بلفظ أشهد في هذا المحل، بل مجرد الإخبار بتحريمه وقال تعالي:{لكن الله يشهد} ولا يتوقف ذلك على أن يقول سبحانه أشهد وكذلك قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم} وقال الله تعالى: والله يشهد إنهم لكاذبون؟ وقال تعالى: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق} أي أخبر به وتكلم به عن علم. وقال تعالى: {وشهد شاهد من أهلها} الآية. وقال تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} والمقر على نفسه لا يقر أشهد، وسمي ذلك شهادة ولا تفتقر صحة الإسلام إلى أن يقول الداخل في الإسلام أشهد أن لا إله إلا الله، بل لو قال
لا إله إلا الله محمد رسول الله كفي وقال تعالى: {واجتنبوا قول الزور} .
[وقال عليه السلام: "عدلت شهادة الزور الإشراك بالله"] وقال عليه السلام: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله وقول الزور وشهادة الزور" فسمي قول الزور شهادة.
قال ابن عباس: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندى عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس".
ومعلوم أن عمر بن الخطاب لم يقل لابن عباس: أشهد عندك. ولكن أخبره فسمى ذلك شهادة فاشتراط لفظ الشهادة لا أصل له في الكتاب ولا في السنة ولا في عمل سلف الصالحين، انتهي ما ذكره ابن قيم الجوزية ونسبه إلى مذهب/ 188 - ب مالك.
تنبيه: ويؤيد ما نقله ابن قيم الجوزية عن مذهبنا ما ذكره ابن بطال في المقنع عن أصبغ قال: لقد حضرت ابن وهب ومن معه من الفقهاء عند القاضي العمري فكان كاتب القاضي يقرأ على القاضي شهادة الشاهد بمحضر الشاهد ثم يقول للشاهد أهذه شهادتك؟ فإذا قال: نعم قبل ذلك منه.
فقوله نعم ليس هو إنشاء للشهادة، وقد اكتفي به الشاهد.
وفي رسالة القضاء والأحكام فيما يتردد بين المتخاصمين عند الحكام قال: فإذا فرغ الكاتب من قراءة الحاضر الذي تقيد فيه الدعوي، والجواب، قال القاضي للمدعي: هذه دعواك؟ فإذا قال نعم. قال لكل واحد من الشهود: هكذا شهدت؟ فإذا قال: نعم. وقع القاضي بخطه في آخره شهد هؤلاء الشهود عندي وإن شاء كتب كذلك كانت الشهادة عندي، فجعل أداء الشهادة بلفظ نعم فقط.
وفي الوثائق المجموعة: إن شريحا كان يقول للشاهدين إنما يقضى على هذا المسلم أنتما وأنا متق بكما فاتقيا الله، أتشهدان أن الحق لهذا؟ فإذا قالا: نعم أجاز شهادتهما. وظاهر نصوص المذهب أن ما ذكره القرافي لا يشترط في أداء الشهادة وقبولها وهو منسوب إلى الشافعية فلعله نقله من كلامهم فكثيرا ما ينقل من عباراتهم إذا ظهر له أنها غير مخالفة لقواعد المذهب، وقد فعل ذلك في تصحيح الدعاوي، وله مثل ذلك كثير في باب السياسة من كتاب الذخيرة له نقله من الأحكام السلطانية للماوردي الشافعي ونصوص المذهب مخالفة لما ذكره وقد ذكرت ذلك في قسم السياسة الشرعية.
فصل: وللشافعية تفريق في الشهادة بالمصدر واسم المفعول، والشهادة بالصدور، فإذا قال الشهود: نشهد أن هذا وقف أو أن هذا مبيع من فلان أو أن هذه منكوحة فلان، فإن الحاكم يحكم بموجب شهادتهم ويكون ذلك متضمنًا / 189 - أللحكم بصحة الوقف ونحوه.
ول شهدوا بالصدور فقالوا مثلا: نشهد بصدور الوقف أو بصدور البيع لم يحكم بموجب شهادتهم لاحتمال تغير تلك العقود كما لو استحق الوقف أو صدرت الإقالة في البيع أو نحو ذلك.
قال الشيخ سراج الدين البلقيني في بعض تعاليقه، وهو الذي أشار إليه الشيخ
تقي الدين كما قدمناه عنه قبل هذا فينبغي تأمل ذلك انتهي.
وقد تبين من كلام هؤلاء الأئمة عدم جريان ما قاله القرافي على المذهب بل وعدم صحته في نفسه فكان اللائق بالمؤلف أن لا يعتمده في هذا ولا يغتر بكلامه فيه.
قوله: "واللفظ في الأداء إنشاء بمضارع، أي بما ضارع الاسم من الأفعال وهو المضارع، فاحترز بالإنشاء مران الخبر وبالمضارع مراني الماضي واسم الفاعل، وقد سبق بيان ذلك.
قوله: "في العقود ماض علما" أي اللفظ في العقود إنشاء بلفظ الماضي كبعت وطلقت، وأنكحت وأعتقت، ورضيت. قوله:"كالعتق والطلاق واسم من فعل زيد لزيد" التشبيه إشارة إلى أن اللفظ في العتق والطلاق يكون بالماضي، ويزاد لهما اسم الفاعل فيقعان به كما يقعان بالماضي.
قوله:"وعلى العرف العمل، يعنى أي ما تقدم من الفرق مبنى على العرف ولو تغير العرف لانقلب الحكم، وقد مر هذا من كلام القرافي.
واعلم أن ما ذكره القرافي وأشار إليه من أن صيغ العقود إنشاء هو الصحيح وقالت الحنفية: هو إخبار على أصل الوضع.
قال القرافي بعد أن ذكر ما اتفق على أنه إنشاء، وأما المختلف فيه هل هو إنشاء أو خبر فهي صيغ العقود نحو بعت واشتريت، وأنت حر، وامرأتي طالق ونحو ذلك.
قالت الحنفية: إنها إخبارات عن أصلها اللغوي. وقال غيرهم: إنها إنشاءات منقولة عن الخبر إليها احتج هؤلاء بأمور:
أحدها: أنها لو كانت أخبارًا لكانت كاذبة، لأنه لم يبع قبل ذلك الوقت ولم يطلق، والكذب لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست أخبار بل/ 189 - ب إنشاء لحصول لوازم الإنشاء فيها من استتباعها لمدلولاتها وغير ذلك من اللوازم.
وثانيها: أنها لو كانت أخبار لكانت إما كاذبة ولا عبرة بها، أو صادقة فتكون متوقفة
على تقدم أحكامها وحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم الدور أو يطلق امرأته ويعتق عبده، وهو ساكت وذلك خلاف الإجماع ثم استمر في الكلام إلى أن قال:
وسادسها: أن الإنشاء هو المتبادر في العرف إلى الفهم فوجب أن يكون منقولا إليه كسائر المنقولات.
والجواب: قالت الحنفية: أما الأول: فإنما يلزم أن يكون كذبا إن لو لم يقدر فيها صاحب الشرع تقدم مدلولاتها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديق المتكلم لكن الإضمار أولى من النقل لما تقرر في علم الأصول، ولأن جواز الأصل في الكلام مجمع عليه والنقل مختلف فيه والمجمع عليه أولى، ومنه كان المدلول مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل للإنشاء وبقيت إخبارات عن موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل في عدم النقل وأنتم خالفتموه ثم قال بعد أن ذكر الجواب عن الأمور الخمسة:
وأما الوجه السادس: فلا يتأتى الجواب عنه إلا بالمكابرة فإن المبادرة للإنشاء والعدول عن الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة ولا نجد في أنفسنا أن القائل لامرأته أنت طالق أنه يحسن تصديقه بما ذكروه من التقدير والبحث في هذا المقام يعتمد التناصف في الوجدان فمن لم ينصف يقل ما شاء.
وأما الأجوبة المتقدمة عن بقية الوجوه فمتجهة صحيحة، والسادس هو العمدة المحققة والله أعلم.
قال القاضي أبو عبد الله المقري: قاعدة: الأصل في صيغ العقود ونحوها الإخبار ثم غلب الإنشاء.
وقالت الحنفية: هي على أصلها، وقدر الشرع ثبوت متعلقها بعد النطق بها قبله بالزمن الفرد فيصدق المتكلم ويثبت الحكم، فقيل: الصرف بالقرينة أولى من التحكم، ولأن التقدير لا يفهم من العرف بخلاف القرينة والقاعدة أن مخالفة الأصل بالمعلوم أولى/ 190 - أمن مخالفته بالمجهول، ومقتضى ذلك الأصل أنه لو شهد شاهد أنه طلق بمكة في رمضان وآخر بمصر في صفر أن تحمل الثانية على الإخبار ما احتملته وهو مذهب المدونة إلا أنه عارضته قاعدة وهي أنه يجب حمل اللفظ على المعاني المتجددة والتأسيس حتى يدل دليل علي التأكيد، لان مقصود الوضع ومقتضاها عدم الضم في الأقوال كما في الأفعال لعدم وجود النصاب فإن قال: أنت طالق، وقلنا: بغلبة الإنشاء فما نوى، وإلا فواحدة، وإن قلنا بالبقاء علي الخير فهو نعت فرد للمرأة فواحدة أبدا، لأنه لا يحتمل العدد انتهي.
ولا شك أنها في اللغة إخبار وفي الشرع تستعمل إخبارا، وإنما النزاع فيها إذا قصد بها حدوث الحكم، والصحيح أنها إنشاء.
واحتج ابن الحاجب بصدق حد الإنشاء عليها وهو أنها لا تدل علي الحكم بنسبة خارجية فإن بعت لا يدل على بيع آخر غير الذي يقع به، وأيضا فلا يوجد فيه خاصية الإخبار وهو احتمال الصدق والكذب إذ لو حكم عليه بأحدهما كان خطأ قطعًا. وأيضا لو كان خبرا لكان ماضيا للاتفاق على أنه لم يرد عليه ما يغيره إلى غير الإنشاء، وعلى أنه ليس خبرا في معنى الحال. ولأنه لو كان مستقبلا لم يقع كما صرح به.
وأما انتفاء اللازم فلأنه لو كان ماضيا لم يقبل التعليق، لأنه توقيف أمر على أمر وإنما يتصور فيما لم يقع بعد لكنه يقبله إجماعًا.
وأيضا فإنا نقطع بالفرق بينه خبرا وإنشاء، ولذلك لو قال للرجعية طلقتك، سئل فإن أراد الإخبار لم يقع طلاق آخر، وإن أراد الإنشاء وقع بخلاف البائن فإنه لا يقع وإن أراد الإنشاء
لعدم قبول المحل له فلا يكون للسؤال فائدة.
وقد أجاب العضد عن هذه بما يدق ويفتقر إلى فضل تأمل.
وما أشار إليه المقري من تلفيق الشهادة في الأقوال كما في الصورة التي ذكر دون الأفعال يتبين بقوله بعد بالقرب.
قاعدة: مشهور مذهب مالك تلفيق الشهادة في الأقوال ونفيه في الأفعال، وفي القول والفعل قولان مشهوران/ 190 - ب فمن نظر إلى محصولها لفق، ومن نظر إلى اختلاف الأسباب ومر المواطن لم يلفق، ومن فرق رأى القول إقرارا فهي إخبارات ترجع إلى مقصود واحد والأفعال متباينة لا يتحد مقصودها ولا يجتمع منها فعل واحد فإن كان الأصل قولا وموجب الحكم بالطلاق فعلا كمن حلف أن لا يدخل دار عمرو بن العاص فشهد شاهد أنه دخلها في رمضان وآخر في ذي الحجة فالشهور التلفيق اعتبارا للطلاق انتهي.
ويزداد بيانا بكلام القرافي: في الفرق التاسع والستين والمائة بين قاعدة ضم الشهادة في الأقوال وقاعدة عدم الشهادة في الأفعال.
البقرى في اختصاره للفروق: القاعدة التاسعة عشرة في ضم الشهادات قال اللخمي: تضم الشهادتان في الأقوال والأفعال أو إحداهما قول والآخر فعل.
وقيل: لا تضمان مطلقًا. وقيل: تضمان في الأقوال فقط. وقيل: تضمان إذ كانتا على فعل فإن كانت إحداهما على قول والأخرى على فعل فلا، وهذه كلها لمالك رضي الله عنه. واعتمد الأصحاب في الفرق بين الأقوال والأفعال أن الأقوال يمكن تكررها ويكون الثاني خبرًا عن الأول والأفعال لا يمكن تكررها إلا مع التعدد، وهذا الفرق فيه بحث، وذلك أن الأصل في الاستعمال الإنشاء وتعديد المعاني، بتعدد الاستعمال حتى يدل دليل على التأكيد
ومقتضى هذه القاعدة ضم الأقوال والأفعال لكن عارض هذه القاعدة قاعدة أخرى، وهي:
أن أصل قولنا أنت طالق وأنت حر الخبر عن وقوع الطلاق والعتاق قبل زمن النطق وكذلك بعت واشتريت وسائر صيغ العقود وإنما ينصرف لاستجداد هذه المعاني بالقرائن، أو النقل العرفي فيحمل القول الثاني على الإخبار في المرة الثانية مجملا بقاعدة ترجيح الأصل الذي هو الخبر والحمل على الأصل أولى، ولذلك شبه الأصل بما لو أقر بمال في مجالس فإنه لا يتعدد عليه ما أقر به أما لو فرضنا كل واحد من الشاهدين صمم على الإنشاء/ 191 - أفيما سمعه كانت الأقوال كالأفعال وبالجملة من غلب عليه ملاحظة الإنشاء لم يضم في الأقوال ومتى لاحظ الإنشاء ولاحظ الخبر وأنه الأصل ضم في الأقوال، وأما الأفعال فيبين أنه لا يكون الثاني عن الأول ولا يمكن لأنه لا يصح أن يكون خبرا عنه فإن الخبر من خصائص الأقوال فصار مشهودا به آخر، وأما عدم الضم إذا كانت إحداهما قولًا والأخرى فعلًا، فإن الضم إنما يكون في جنس واحد وضم الشيء إلى جنسه أقرب من ضمه للي غير جنسه.
تفريغ: قال اللخمي: لو شهد أحد الشهود بالثلاث قبل أمس والثاني باثنتين أمس، والثالث بواحدة اليوم لزم الثلاث لأن ضم الثاني للأول يوجب اثنتين قبل سماع الثالث فلما سمع الثالث ضم لهما فلزمت الثلاث، وكذلك لو شهد الثاني بواحدة والآخر باثنتين، لأن الثاني مع الأول طلقتان فيضم لهما طلقة الآخر.
وكذلك لو شهد الأول باثنتين والثاني بثلاث والآخر بواحدة، هذا كله إذا علمت التاريخ، فإن جهلت فيحلف في لزوم الثلاث أو اثنتين، لأن الزائد عليهما من باب الطلاق بالشك.
وقال أبو حنيفة: إذا شهد أحدهما بطلقة والآخر بأكثر لم يحكم بشيء لعدم كمال الشهادة فلو شهد أحدهما ببائنة والآخر برجعية صحت الشهادتان، لأن الاختلاف ها هنا إنما هو في الصفة.
قال مالك في المدونة: إذا شهد أحدهما أنه قال في رمضان: إن فعلت كذا فامرأتي
طالق، وشهد الآخر أنه قال ذلك في صفر، وشهد عليه أو غيرهما بالفعل بعد صفر طلقت لاتفاقهما علي التعليق والمعلق عليه، كما لو اتفاقا علي المقر به وله، واختلفا في زمن الإقرار.
وإن شهدا في مجلس التعليق وشهد أحدهما أنه فعل يوم الجمعة الشرط، والآخر أنه فعله يوم السبت طلقت، لاتفاقهما على التعليق ووقوع الشرط، وكذلك لو نسبا قوله لمكانين، وهذا بناء على أن القول الثاني خبر لا إنشاء فلو صمم كل واحد من/ 191 - ب الشاهدين على الإنشاء لم يكن ضم.
قال الإمام أبو القاسم بن الشاط على قوله: واعتماد الأصحاب- إلى قوله- والحمل على الأصل أولى، ما قاله صحيح بناء على ما أصل إلا ما قاله من أن أصل قوله أنت طالق، وأنت حر، الخبر عن وقوع الطلاق والعتاق قبل زمان النطق، فإنه ليس بصحيح فإن الخبر باسم الفاعل المطلق لا يكون إلا للحال.
وقال على قوله: ولذلك شبه الأصحاب- إلى قوله- لا يتعدد عليه ما أقر به، إنما لم يتعدد عليه ما أقر به لاحتمال تكرار الإقرار بمال واحد مع أن الأصل براءة الذمة من الزائد، وكذلك ما نحن فيه من قوله عبدي فلان حر ثم كرر ذلك القول فإنه يحمل على أن الثاني خبر عن الأول بناء على ما أصله من أن الأصل الخبر فيكون حينئذ الشاهدان شهدا على شيء واحد، وهو إنشاء العتق في العبد الذي سمي.
ثم قال ابن الشاط معترضًا: لا اُدري ما الحامل علي تكلف تقدير كون القول الثاني خبرا عن الأول مع أنه لو تبين بقرينة مقاله أو بقرينة حاله أنه يريد بقوله الثاني تأكيد الإنشاء لعتق ذلك العبد لكملت شهادة الشاهدين بذلك العتق وكذلك لو بين بالقرائن أن القول الأول خبرًا على أنه كان عند عقد عتقه والقول الثاني أيضا كذلك لحصلت شهادة
الشاهدين على إقراره بعتقه (فلا) فرق إذا بين ما إذا كان القولان إنشاء أو كانا خبرًا أو كان أحدهما خبرًا والآخر إنشاء من حيث أن المقصود وهو وقوع عتقه إياه قد حصل على كل تقدير من تلك التقادير، نعم إذا تبين بالقرائن أو احتمل أن القول الثاني تأسيس إنشاء كالأول فها هنا لا يصح ضم الشهادتين المختلفتى التاريخ، لأنه لا يكون على عقد العتق إلا شاهد واحد وهو الأول، وأما الثاني فإنما شهد بما لا يصح عقد العتق به، لأن العتق لا ينعقد فيمن تقدم عتقه.
وقال على قوله: أما لو فرضنا كل واحد من الشاهدين صمم على الإنشاء فيما سمعه- إلى قوله- حرفًا حرفًا، لا أحسب/ 192 - أما بني عليه الفرق من كون القول الثاني خبرًا عن الأول صحيحا بل الذي ينبغي أن يكون أصلًا في هذه المسائل سواء كانت قولًا أو فعلًا أم كيف ما كانت أن ينظر إليها فإن قبلت الضم ضمت وإلا فلا ففي القول بمسألة الإقرار بمال كمن يقول في رمضان لفلان عندي دينار فسمعه شاهد، ثم يقول في شوال لفلان عندي دينار فسمعه آخر فلا شك أن هذا الموضع يقبل الضم، فتكمل الشهادة ويقضي عليه بالدينار، وفي الفعل كمن يشرب الخمر في شوال فيشاهده شاهد، ثم يشربها في ذي القعدة، فيشاهده آخر، فلا شك أن هذا الموضوع يقبل الضم، فإن الشاهدين هنا قد اجتمعا على مشاهدتهما إياه يشرب الخمر فتكمل الشهادة فيلزم الحد، أما القول الذي لا يقبل الضم فكما إذا قال: في رمضان عبدي فلان حر على قصد تأسيس الإنشاء لعتقه فشهد عليه بذلك شاهد ثم كرره ثانيًا على قصد تأسيس الإنشاء فشهد عليه بذلك شاهد وتعذر قبول الضم هنا من قبل أن العتق لا يتعدد. وأما الفعل الذي لا يقبل الضم فكما إذا شهد شاهد أنه شاهد زيدًا قتل عمرًا في شوال وشهد آخر أنه شاهد أنه قتله في ذي القعدة، وتعذر قبول الضم هنا من قبل أن القتل لا يتعدد وعلى ما تقرر تشكل المسألة التي نقل عن مالك- رحمه الله من أنه إذا شهد أحد الشاهدين أنه طلقها بمكة في رمضان وشهد الآخر
أنه طلقها بمصر في صفر طلقت من حيث إن المدة التي بين رمضان وصفر أكثر من مدة العدة فعلى تقدير قصد تأسيس الإنشاء فالقول الثاني لا يتقيد به طلاق، لأنها قد انحلت عصمته عنها قبل هذا التاريخ بمقتضى شهادة الأول، وعلى تقدير قصد الخبر فالقول الثاني يبعد اطلاع الشاهد على هذا القصد لاحتمال القول الثاني قصد تأسيس الإنشاء وقصد تأكيده، وقصد الخبر وترجيح قصد الخبر بأنه الأصل لا يخفي ضعفه والله تعالى أعلم.
وما قاله بعد حكاية أقوال لا كلام فيها، وما قاله من الحمل على الخبر فهو بناء على/ 192 - ب أصله. وما قاله فيما إذا شهد بالإنشاء صحيح، والله تعالى أعلم.
[ص]
389 -
والحد لا يلزم لكن إن شهد
…
غير به تمت وإلا فاعتمد
390 -
على اليمين وكذا جهل العدد
…
بينة أو نسب وقد ورد
391 -
الرد فيهما ...................................
[ش]
القرافي: قال ابن يونس لو شهدوا بالأرض ولم يحدوها، وشهد آخرون بالحد دون الملك.
قال مالك: تمت الشهادة وقضى بهم لحصول المقصود من المجموع.
قال ابن حبيب: إن شهدت بغصب الأرض ولم يحدوها قيل للمدعى حدد ما غصب منك واحلف عليه.
قال مالك: وإن شهدت بالحق وقالت لا تعرف عدده قيل: للمطلوب قر بالحق، واحلف عليه، فيعطيه ولا شيء عليه غيره، فإن جحد قيل للطالب، إن عرفته أحلف عليه وخذه.
فإن قال: لا أعرفه أو أعرفه ولا أحلف عليه سجن المطلوب حتى يقر بشيء ويحلف عليه، فإن لم يحلف أخذ المقر به وحبس حتى يحلف، وإن كان الحق في دار حيل بينه وبينها حتى يحلف ولا يحبس لأن الحق في شيء بعينه.
قال الباجي في المنتقى: وعن مالك ترد الشهادة بنسيان العدد وجهله لأنه نقص في الشهادة.
قال الباجي: نقصان بعض الشهادة يمنع من أداء ذلك البعض إلا في عقد البيع والنكاح، والهبة، والحبس والإقرار ونحوه مما لا يلزم الشاهد حفظه بل مراعاة الشهادة في آخره وكذلك جميع تسجيلات الحاكم لا يلزم حفظها عند الأداء لأنه يشهد بما علم من تقييد الشهادة انتهي.
وقال في النهج الفائق: الباب الرابع عشر في ذكر العقود التي ليس علي الشاهد قراءتها ولا حفظ ما فيها: اعلم أن الشاهد ليس عليه من قراءة العقود التي فيها المقالات إلا عقود الاسترعاءات، وأما ما اشهد عليه من عقود الإقرار، والمبايعات فليس عليه قراءتها ولا حفظ ما فيها وحسبه أن يتصفح منها عقود الإشهاد فيجوز له أن يؤدى شهادته على ما أشهد/ 193 - أفيه ولم يعرف ما في الكتاب ولا عدد المال.
وفي البيان قال ابن القاسم: يجوز أن تشهد بما في الكتاب وإن لم تحفظ ما فيه إذا قرئ عليك لأن حفظه متعذر إذا كنت من أهل اليقظة بما في الكتاب إذا قرى عليك، وهذا في الاسترعاء وأما ما أشهد به المتعاملان على أنفسهما فليس عليك أن تقرأه ولا يقرأ عليك وتكفيك أن تذكر أنهما أشهداك على ما في هذا الكتاب، ويستحسن للعالم القراءة لئلا يكون فيه فساد فيزيله.
وفي طرر الشيخ أبى إبراهيم: ومن أتى بوثيقة يشهد فيها فلينظر في آخرها فإن
كان فيه شهد عليهما بذلك من عرفها فهي وثيقة استرعاء فلا يشهد حتى ينظر جميعها ويعرف ما فيها، وإلا فلا يشهد، وإن وجد فيها شهد عليهما بذلك من أشهداء به على أنفسهما فليشهد وإن لم يعرف ما فيها لأنه إنما يشهد على ما قالاه.
وعن أبى زرب: إذا انعقدت الوثيقة على إشهاد المشهودين لهم بالابتباع والصدقات ونحو ذلك فلا ينبغي أن يؤخذ الشهود بحفظ ما في الوثيقة وحسبهم أن يقولوا: إن شهادتهم الواقعة فيها حق وأنهم يعرفون المشهدين لهم وإذا بنيت الوثيقة على معرفة الشهود كعقود الاسترعاء يشهد المسمون في هذا الكتاب من أشهد أنهم يعرفون كذا وكذا ورأى الحاكم ريبة توجب الاستنابة فينبغي له أن يقول لهم ما تشهدون به فإذا نصوا شهادتهم بألسنتهم على ما في الوثيقة نفذت وإلا ردها وليس في كل موضع ينبغي له أن يفعل هذا بكل الشهود وإنما ينبغي له أن يفعله بمن يخشى عليه الخديعة من الشهود، قال: وربما فعلته.
وفي الجزيرية: يجوز للشاهد أن يضع اسمه في وصية مطبوعة وإن لم يعرف ما فيها إذا كان المشهد عدلًا، وكشف له عن قوله شهد إلى التاريخ، وبه قال من التابعين سالم والحسن. وقاله إسماعيل القاضي، وأباه أبو قلابة مخافة أن يكون فيها جور.
الرعيني: هل للشاهد آن يضع شهادته في كتاب طبع الشهد عليه، فقيل: بجوازه
مطلقًا، وقيل: بقصره علي الوصية لذا كان الموصي/ 193 - ب عدلًا ويكون انتهاء الختم إلى موضع الإشهاد ليكون الشاهد على يقين من اتصال شهادته بالمشهود فيه ومن تقوية هذه الشهادة أن تستقر بنسخة منها مختومة عند الشاهد، فقد قال مالك: على أي شيء يشهدون لذا لم يكن عند كل واحد نسخة منها. انتهى ما في المنهج.
وفي مختصر ابن عرفة عن الباجي: أن ما أشهد فيه من العقود لا يلزمه تصفحه ولا قراءته ولا يتصفح منه إلا موضع التقييد قال: ولذا يشهد الحكام بالسجلات المطولة ولا تقرأ وإذا لم تلزمه قراءاته حين تقيد الشهادة فإن لا يلزمه ذلك حين الأداء أولى.
وعن ابن رشد قريبا من هذا قال بعد أن ذكر عنه خلافا في لزوم حفظ الشاهد لشهادة الاسترعاء وتيقنها حرفًا حرفًا: وأما ما أشهد عليه الشاهد من عقود البياعات والإقرارات فليس على الشاهد أن يقرأها ولا يحفظ ما فيها وحسبه أن يتصفح منها عقد الإشهاد، فيجوز له أن يؤدي شهادته على ما أشهد عليه وإن لم يعرف ما في الكتاب ولا عدد المال إذا عرف المشهدين له على أنفسهم.
ابن عرفة قوله مع الباجي وغيره: أنه يلزم الشاهد قراءة كل الوثيقة خلاف عمل محققي شيوخنا على لزوم قراءتها خوفا أن يكون في الوثيقة عقد فاسد أو مشروط فيه ما يفسده أو ما ظنه المشهد صحيحًا وهو غير تام كه بته لابنه الصغير دار سكناه ونحو ذلك، أو ما فيه تلبيس على حكام المسلمين.
قال بعض من لقيناه: إلا أن يعلم الشاهد بقرائن الأحوال أن ما يشهد به قد أبرمه والتزمه
فلا تلزم قراءتها، لأنه أمر قد وقع فيشهد به لينفذ فيه حكم الله بفسخه وأدب ملبسه. انتهى.
وإنما نقلت هذا ليتبين به ما نقله القرافي عن الباجي في المذهب مع ما فيه من زيادة الفائدة. قوله: "والحد لا يلزم لكن إن شهد غير به تمت، أي وتحديد المشهود عليه لا يلزم الشاهد ولا يكون شرطًا في صحة شهادته لكن إن شهد غير بالحد تمت الشهاد/ 194 - أ.
قوله: "وإلا فاعتمد على اليمين" أي وان لم يشهد الغير بالحد حدد المطلوب وحلف فإن نكل حدد الطالب وحلف، وكل هذا يشمله قول المؤلف فاعتمد على اليمين.
قوله: "وكذا جهل العدد بينة أو نسيت" ارتفع بينة على أنه فاعل المصدر وهو جهل أضيف بالمفعول وكمل بالفاعل ونسيت معطوف على جهل، والمعنى أن البينة إذا شهدت بحق وجهلت عدده، أو نسيت فكما إذا شهدت بالأرض ولم تحد فإن شهد الغير بالعدد تمت الشهادة وإلا فاليمين على ما سبق. قوله:"وقد ورد الرد فيهما" يعني رد الشهادة في الجهل والنسيان بمعنى أنه ورد عن مالك، وهذا إشارة إلى ما نقل الباجي عن مالك في نسيان العدد أو جهله، ويلزم مثله في نسيان الحد، أو جهله. والله تعالى أعلم.
[ص]
............... ورد مثبتًا
…
أو جامعًا نفيا له كما أتى
392 -
في حصر وارث وملك ولتزد
…
ألفاظ أخبار على الإنشاء اعتمد
[ش]
القرافي: في الفرق السابع والعشرين والمائتين: الشهادة قسمان تارة يكون مقصودها مجرد الإثبات فيقتصر عليه نحو أشهد أنه باع ونحوه، وتارة يكون المقصود الجمع بين النفي والإثبات وهو، الحصر فلا بد فيه من التصريح بهما في العبارة. وقال مالك في التهذيب: ولا يكفي أنه ابن للميت حتى يقولوا في حصر الورثة: لا نعلم له وارثًا غيره. وكذلك هذه الدار لأبيه أو جده حتى يقولوا: ولا نعلم خروجها عن ملكه إلى الموت حتى يحكم بالملك في الحال. فإن قالوا هذا وارث من ورثة آخرين أعطى هذا نصيبه وترك الباقي.
بيد المدعى عليه حتى يأتي مستحقه، لأن الأصل دوام يده، ولًان الغالب قد يقر له بها.
قال سحنون: وقد كان يقول غير هذا. وعن مالك ينزع عن المطلوب لتيقنها لغيره، فإن قالوا: لا نعرف عدد الورثة لم يقض لهذا بشيء لعدم تعينه ولا ينظر إلى تسمية الورثة وتبقي الدار بيد صاحب اليد حتى يثبت عنده/ 194 - ب الورثة لئلا يؤدي لنقض القسمة وتشويش الأحكام.
قوله: "ورد مثبتًا أو جامعًا نفيا له" أي ورد الشهادة في حال كونك مثبتًا أو جامعًا نفيا للإثبات.
قوله: "كما أتى في حصر وارث ملك" هما مثالان للجمع بين النفي والإثبات وأشار بالملك إلى الاستحقاق كما إذا شهدوا باستحقاق زيد دارا مثلا فيقولون هذه الدار لأبيه أو جده ولا نعلم خروجها عن ملكه إلى أن مات.
قوله: "ولترد ألفاظ إخبار على الإنشاء اعتمد، هذا زيادة بيان لقوله واللفظ في الأداء إنشاء. وقد مر ما يتعلق به من كلام القرافي، وبحث ابن الشاط معه رحمه الله عليهما.
فصل
[ص]
393 -
وبيع أم ولد ممنوع
…
إلا بست بيعها مسموع
394 -
رهن وتفليس قراض شركه
…
جناية كوطء من بتركه
[ش]
الأصل منع بيع أم الولد وأجيز بيعها في ست مسائل ستبين بعد.
أبو عمرو بن الحاجب في باب الرهن: ويمنع من الوطء فإن فعل فحملت فالولد ينسب مطلقًا، ثم إن كان غصبًا فكالعتق.
أي فيلزمه تعجيل الدين أو قيمة الأمة، إن كان أقل، إن كان مليًا وإن كان معسرًا بيعت الجارية بعد الوضع.
ابن يونس: وحلول الأجل، ولا يباع ولدها لأنه حر نسيب.
وإن كانت مخلاة تذهب وتجيء في حوائج المرتهن فوطئها الراهن بغير إذنه فالمشهور أن ينتقض الرهن، لأن كونها مخلاة كالإذن في الوطء، وقيل: كالغصب فتباع دون الولد، واختاره اللخمي، لأن الراهن في كلتا الحالتين ممنوع من الوطء.
[ص]
احب التوضيح: فائدة: تباع أم الولد هنا يعني في الرهن- وفي خمس مسائل.
الأولى: الأمة الجانية إذا وطئها السيد بعد علمه بالجناية وهو عديم فإنها تسلم للمجني عليه.
الثانية: الابن يطأ أمة من تركة أبيه وعلي الأب دين يغترق التركة والابن عديم وهو عالم بالدين حالة الوطء.
الثالثة: أمة المفلس إذا وقفت للبيع ووطئها وحملت.
الرابعة: أمة الشريكين يطأها أحدهما/ 195 - أوهو معسر.
الخامسة: إذا وطئ العامل أمة القراض فحملت وكان معسرًا ويمكن أن تجعل هذه المسائل فائدة من وجه آخر، بأن يقال: توجد أمة حامل بحر في ست مسائل.
فإن قلت: فهل يتصور عكس هذا بأن يكون العبد في بطن الحرة؟ قيل: نعم وذلك إذا وطئ العباد جارية له وحملت وأعتقها ولم يعلم السيد بعتقه لها حتى أعتقه، فإن عتق المعتق أمته ماض، وتكون حرة، والولد الذي في بطنها رقيق لأنه للسيد.
قال في الجلاب: فلو اعتقها بعد عتقه لم يعتق حتى تضع حملها انتهي.
وطرر بعض تلامذة المؤلف على قوله قراض، بقوله: وذلك إن العامل إذا وطئ أمة القراض فإنه إن كان مليا فإنه يؤدى ما ينوب صاحب المال منها، وإلا بيع ما ينوب صاحب المال.
وعلى قوله: "شركة" بقوله: مسألة الرسالة في قوله: و"الشريك في الأمة لا يطؤها".
قال شيخ شيوخنا الإمام أبو عبد الله محمد بن غازى رحمه الله: وقد أجاد بعض الأذكياء ممن لقيناه إذ نظم النظائر المذكورة في هذا المحل من التوضيح فقال رحمه الله تعالى:
تباع عند مالك أم الولد
…
للدين في ست مسائل تعد
وهي إن أحبل حال علمه
…
بمانع الوطء وحال عدمه
مفلس موقوفة للغرما
…
أو راهن مرهونة ليغرما
أو ابن مديان إماء التركة
…
أو الشريك أمة للشركة
أو عامل القراض فيما حركه
…
أو سيد جانية مستهلكه
في هذه ستة تحمل الأمة
…
حرًا ولا يدرأ عنها ملأمة
والعكس جاء في محل فرد
…
وهو حمل حرة بعبد
في العبد يغشى ماله من معتقه
…
وما دري السيد حتى أعتقه
فالأم حرة وملك السيد
…
يشمل ما في بطنها من ولد
قوله: "بيعها مسموع" أي منقول أو مقبول/ 195 - ب.
[ص]
395 -
تنجيز عتقي في التي قد منعا
…
من وطئها مولدها قد سمعا
[ش]
أي كل أم ولد يحرم علي مولدها وطئها ينجز عتقها على المشهور وهذا لأن
معظم ما بقي للسيد في الأمة إذا أولدها الاستمتاع، والخدمة تابعة له، وكذلك إنما يستخدمها الخدمة اليسيرة التي للزوج في الزوجة، ولا وجود للتابع حال عدم المتبوع، وذلك كمن ملك عمته أو خالته أو غيرهما ممن يحرم عليه ثم أولدها.
وكأب وطئ أمة ابنه بعد أن وطئها ابنه وقد استولدها أحدهما فتعتق على الابن إن كان قد استولدها قبل وطء والده والأب قد أتلفها عليه بوطئه، فيغرم قيمتها أم ولد، لأنا لو أعتقناها على الأب كنا ناقلين ولاء أم الولد عمن استولدها.
وإن كان الابن وطئها ولم تحمل منه ثم وطئها أبوه وأولدها غرم قيمتها أمة وعتقت عليه.
وفي كتاب أمهات الأولاد من المدونة: وإذا قومت على الأب أمة الابن وقد حملت منه وكان الابن قد وطئها عتقت على الأب إذا حرم عليه وطئها وبيعها إلى آخر المسألة.
وفي النكاح الثلاث منها: ومن وطء أمة له أو لولده ولم تحمل، وامرأته أم لها حرمت عليه، لأنه ممن لا حد عليه فيها، وهذا مما لا اختلاف فيه، فإن حملت منه الأمة عتقت عليه. وكذلك من ملك ذات محرم فوطئها فحملت منه فإنه لا يحد وتعتق عليه إذ حر عليه ما كان له فيها من المتعة انتهى.
وقوله: "وعتقت عليه" يريد إن بني بالأم، وعليه قيمتها للابن.
وفي التوضيح: وإذا حملت منه من هي محرمة عليه عتقت عليه.
وفي سماع عيسي لا تعتق عليه وتستخدم بالمعروف صح منه.
يعني من هي محرمة عليه بنسب لا بعتق أو صهر ورضاع بخلاف النسب الذي يوجب العتق فإن فيه الحد وحينئذ لا يثبت النسب إلا أن يثبت الحد بالإقرار.
الشيخ ابن عرفة: سمع عيسى بن القاسم: كل من وطئ امرأة بملك يمين ممن تحرم عليه بالرضاع من أم أو غيرها وكل من وطئ امرأة بملك يمين ممن تحرم عليه بالنسب ولا تعتق/ 196 - أعليه من عمة أو خالة أو بنت أخت فلا حد عليه في شيء من ذلك، وإن علم أنهن محرمات عليه، لأنه يجوز له بيعهن واستخدامهن إلا أن يحملن فيلحق به الولد ويعجل عتقهن ومن وطئ شيئا منهن عامدا عالما بحرمة ذلك عوقب نكالا وبيعت عليه.
وكل من وطئ امرأة بالملك ممن تحرم عليه بالنسب وتعتق عليه بالملك كالبنت والأم والأخت عالما عامدا حد، ولا يلحق به الولد. قال ابن القاسم: إلا أن يعذر بالجهالة فلا يحد ويلحق به الولد.
ابن رشد: هذه مسألة صحيحة على ما في المدونة وغيرها لا خلاف في شيء منها إلا في تعجيل عتق من حملت منه منهن، ومن الناس من قال: يستخدمهن ولا يعتقن عليه، وقع ذلك في رسم الفصاحة من سماع عيسي من كتاب الاستبراء.
قوله: "تنجيز عتق" مبتدأ، وبه يتعلق في التي والخبر قد سمع، أي قبل أو نقل، ومولدها نائب فاعل منع.
[ص]
396 -
وكل ولد تابع للًامات
…
وفي وصاياها وفي الجنات
397 -
ثلاثة لا يتبعون ..................................
[ش]
الأولاد يتبعون الأمهات إلا ثلاثة، نص على ذلك في كتاب الوصايا الثاني من المدونة، وكتاب الجنايات منها، فاثنان في الوصايا وهما:
ولد الموصى بعتقها بعد الوصية وقبل موت الموصى.
[وما ولد للموصى بعتقه من أمته قبل موت الموصي] أيضا.
وواحدة في الجنايات وهو: ما ولدته الأمة الجانية بعد الجناية وقبل أن يسلمها سيدها.
قال في الوصايا: الثاني: ومن أوصى لرجل برقبة جنانه أو بأمته، أو بعتقها، فأثمر الجنان عاما أو عامين، أو ولدت الأمة [وذلك كله قبل موت الموصى والثلث يحمل الجنان وما أثمر والأمة] وولدها فإن الولد والثمرة للورثة دون الموصى له.
وفي الوصايا أيضا: وما ولدت الموصى بعتقها قبل موت سيدها، فهم رقيق وما ولدت بعد موته فهم بمنزلتها يعتق أولادها معها في الثالث أو ما حمل منهم بغير/ 196 - ب قرعة.
وفي كتاب التدبير: وما ولدت الموصي بعتقها j ولد للموصي بعتقه من أمته قبل موت سيدهم فهم رقيق، وما ولد لهم بعد موته فبمنزلتهم.
وقال في كتاب الجنايات: وإذا ولدت الأمة بعد أن جنت لم يسلم ولدها معها إذ يوم الحكم يستحقها المجني عليه، وقد زايلها الولد قبله ولكن تسلم بمالها وهو قول أشهب في الولد.
قوله: "وكل ولد، مبتدأ. وقوله: "تابع للأمات" هو الخبر، وولد بضم الواو وسكون اللام بمعني ولد بفتحهما، وقيل: هو جمع له.
وفي التسهيل: وأمهات في الأم من الناس أكثر من أمات وغيرها بالعكس.
قوله: "وفي وصاياها رفي الجنات ثلاثة لا يتبعون" أي وفي وصايا المدونة يريد الثاني،
وفي جناية الجنايات منها وثلاثة، مبتدأ، ولا يتبعون نعت له، والخبر الجار والمجرور قبله، ويحتمل أن يكون الخبر لا يتبعون أي ثلاثة أولاد لا يتبعون أمهاتهم ذكر ذلك أو نص عليه في الوصايا، أو الجنايات منها.
[ص]
................. فاعتمد
…
في كشف شاهد بخمسة شهد
398 -
في ردة سرقة ومستحق
…
زنى ومولي فليؤد كالفلق
[ش]
أي يكشف الشاهد عن شهادته في خمسة، الردة والسرقة والاستحقاق والزنا والولاية فأما الزنا والسرقة والردة فكشف الشاهد عن شهادته فيها معروف في المذهب قال أبو عمرو بن الحاجب في باب الشهادات حيث تكلم على شهادة الزنا: وينبغي للحاكم أن يسألهم، وفي السرقة ما هي وكيف أخذها، ومن أين وإلى أين.
وقال سحنون: إن كانوا ممن يجهل.
وقال في الارتداد: وتفصل الشهادة فيه لاختلاف الناس في التفكير.
وأما الاستحقاق فيعنى به ما إذا شهد الشهود بالملك ولم يقولوا لا نعلمه باع ولا وهب، فإنه قد اختلف هل تصح شهادتهم أم لا؟
ففي كتاب العارية من المدونة: فإن لم يشهدوا/ 197 - أأنهم لا يعلمونه باع ولا وهب حلف أنه ما باع ولا وهب وقضى له به فأمضى شهادتهم، وإن لم يقولوا لا نعلمه باع ولا وهب.
وعن أشهب أن هذه الشهادة تمضى إن لم يوجد سبيل إلى سؤالهم، وأما إن حضروا فسئلوا فأبوا أن يقولوا: لا نعلمه باع ولا وهب فشهادتهم باطلة، ومثله لابن أبي زمنين.
قال في شهادات المقرى: إن هذه الشهادة إذا سقط منها ذلك لم تقبل إلا إذا لم يوجد سبيل إلى سؤالهم، وإن حضروا فسئلوا فأبوا أن يقولوا ذلك فشهادتهم باطلة.
قال ابن رشد: ولا بد من شهادة الشهود بالملك على البت بل ران على تلك لهم لا يعلمونه باع ولا وهب فهو من كمال الشهادة، ومما ينبغي للقاضي أن يوقف الشاهد على ذلك ويسأله عنه، فإن أبى أن يزيده في شهادته بطلت ولم يصح الحكم بها، وإن قصر القاضي عن توقيف الشهود وسؤالهم حتى ماتوا أو غابوا حكم بشهادتهم مع يمين الطالب، إذ لا يصح للشاهد أن يشهد إلا مع غلبة الظن أنه لم يع ولم يهب فهي محمولة على الصحة. انظر رسم سن من الاستحقاق.
وقد تقدم ما في شهادتهم على البت أنه ما باع ولا وهب هل تبطل الشهادة أو لا؟ وأما الولاية ويعنى بها التقديم على من ظهر منه سفه فأشار إلى قول ابن رشد: يستفسر الشهود من أين علموا السفه إذا كانوا عالمين بوجوه الشهادة وإن كانوا من أهل البله والغفلة فلا يقبلوا، ذكر ذلك في أحكام ابن حدير.
ومولى من كلام المؤلف يحتمل أن يكون بفتح الميم اسم مصدر، بمعنى الولاية ويحمل أن يكون بضم الميم اسم مفعول، ووجدت بخط الناظم ما يقتضى أنه مولى بفتح الميم من الولا ونصه: الكشف عن السرقة أن يسألوا عن الكيفية وعن إخراجها من الحرز، وعن الزنا عن صفته وعن الردة عن قول المكفر، وعن المستحق هل باعه أو لم يعلموا ببيعه، وعن المولى من أعتقه فإن لم يكشف الشهود في هذه بطلت شهادتهم/ 197 - ب وإن غابوا قبل السؤال حكم بشهادتهم، انتهى.
وفي نظائر أبى عمران: المسائل التي يكشف عنها الشهود:
الشهادة على الزنى والسرقة لابد أن يسئلوا عن السرقة كم هي وكيف أخرجت ويكشفوا إذا شهدوا بذلك هل علموا أنه ما باعها أو لم يعلموا، وإن شهدوا على معتق أنه مولى يسئلوا هل أعتقه هو أو أعتقه أبوه، فإن أبوا أن يبينوا ما قدمنا من الكشف، فشهادتهم ساقطة، وإن غابوا قبل السؤال حكم بشهادتهم إن كانوا من أهل العلم والانتباه وإلا لم يحكم بشهادتهم.
وفي تبصرة ابن فرحون حاكيا عن مقنع ابن بطال: فإذا شهدت البينة أن هذا مولى جد هذا ولم يحدوا المواريث فلا يحتاج ها هنا إلى أن الجد مات وورثه ابنه، وأن الأب مات وورثه هذا، ولكن لابد أن يشهدوا أنهم لا يعلمون للجد ولدا ذكرا غير أبيه. وإن أقام بينة بأنه أقعد الناس بجده اليوم وقد مات له مولى، وترك مالا فلا تنفعه الشهادة حتى يقول: أنه أقعد الناس يوم مات المولى.
وفيها أيضا: وإذا شهدت البينة أن فلانا افترى على فلان أو شتمه أو أذاه أو سفهه فلا يجوز ذلك حتى يكشفوا عن حقيقة ذلك إذ قد يظنون صحة ما قالوا وهو على خلاف ما ظنوا، وقاله أصبغ.
قال أصبغ: إلا أن تفاوت البينة ولا يقدر على إعادتهم فليعاقب المشهود عليه على أخف ما يلزم في ذلك.
مسألة: وكذلك الشهادة على الزنا واللواط يسألهم الحاكم ويستفسرهم كما يسألهم في السرقة، إلا أن يكون الشاهد مبرزا عالما بوجوه الشهادة، ولا يسألهم عما أكلوا في ذلك المجلس
ولا عن لباسهم ونحو ذلك، لأن ذلك من التنعيت.
وفي المجموعة قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: وإذا سأل الحاكم الشهود عن صفة الزنا فأبوا ولم يزيدوا على أن الشهادة عليه بالزنا فلترد شهادتهم وليحدوا.
قال ابن القاسم: لا يحد الشهود عليه إلا/ 198 - أبعد كشف الشهادة حتى يدل تفسيرهم أنه الزنا أو يقولوا: مثل المرود في المكحلة، فإن استراب القاضي من خبر العدول سأله عن غير هذه مما يرجعوا فيه بيانا من اختلاف شهادته.
فصل في الشهادة في السرقة: وإذا شهد الشهود في السرقة فلا تقبل شهادتهم مجملة ولا بد أن يسأل الحاكم الشاهدين عن السرقة ما هي؟ وكيف أخذها؟ ومن أين أخرجها [وإلى أين أخرجها] فإن غابا قبل أن يسألهما الحاكم لم يقطع السارق لاحتمال أن يكون ذلك دون النصاب، أو من غير حرز فإن قالا: إنهما مما يجب فيه القطع وغابا قبل أن يسألهما الحاكم لم يقطع إلا أن يكونا من أهل العلم ومذهبهما مذهب الحاكم.
فصل في نوع نما تقدم:
وفي وثائق الغرناطي: لا تقبل الشهادة مجملة في ترشيد أو تسفيه أو ملك أو غبن أو تجريح أو تعديل أو توليج، إلا من أهل العلم، وأما غيرهم فلا تقبل الشهادة منه إلا مفسرة، وكذلك في الكفر لاختلاف الناس في الألفاظ التي يكفر بها.
نوع منه: وإذا قال الشهود: نشهد على فلانة بنت فلان البكر المعنسة بكذا فإنه يحتاج أن يكون الشهود بذلك من أهل العلم بحد التعنيس، لأنه ليس كل الشهداء يعرفون ذلك.
ثم ذكر فصلا في الترشيد والتسفيه قال في آخره: وقد تقدم أن الشهادة في الترشيد
والسفه لا تقبل مجملة ولا بد أن تكون مفسرة انتهى.
وفي المنهج الفائق: وأما الأشياء التي لا تقبل فيها الشهادة مجملة فاعلم أن الشهادة المجملة لا تقبل في ملك ولا في غبن ولا في تعديل ولا في تجريح ولا في ترشيد ولا في تسفيه ولا في توليج، ولا في عدم، ولا في كفاءة، ولا في ضرر، ولا في إسلام، ولا في ردة ولا شهادة سماع ولا في طريق مشى ولا في ذكر أخ في وثائق الوراثة، إلا من أهل العلم وأما من غيرهم/ 198 - ب فلا تقبل إلا مفسرة.
تنبيه: قال ابن العطار: ولا تتم الشهادة في المولود بعد أبيه حتى يشهد الشهود أنه ولد بعده لأمد يلحق به فيه ويكون الشهود من أهل المعرفة بذلك [فإن لم يكونوا من أهل المعرفة لم يكن لهم بد من تحديد المدة التي ولد فيها بعد وفاة أبيه].
وقال ابن الفخار: لا بد لهم من تحديد المدة كانوا من أهل ذلك أم لم يكونوا لاختلاف الناس فيها.
قوله: "في ردة" وما عطف عليه بدل من خمسة بإعادة العامل، أي في كشف شاهد شهد في خمسة في ردة- إلى آخرها- ولا أدرى لم قرن اعتمد بالفاء إذ لا يتسبب عما قبله، ولعل الواو أليق.
قوله: "فليؤد" أي شهادته كالفلق، أي الفجر الصادق الذي لا شك فيه.
[ص]
399 -
ونسب واحد لن يجتمعا
…
إلا بزوجات ثلاث فاسمعا
400 -
مبتوتة خامسة ومحرم
…
وأمتين حرتين فاعلم
401 -
بشرط علم في جميع ما ذكر
…
ونفى تسويغ ببت فاذكر
[ش]
الحد والنسب لا يجتمعان إلا بخمس مسائل.
قال صاحب التوضيح علي قول ابن الحاجب في باب الغصب: ويحد الواطئ العالم
والولد رقيق، ولا نسب له.
قال: وهذا بشرط أن تقوم البينة قبل الوطئ [على أن الواطء أقر بعلمه أن الأمة مغصوبة أو تشهد الآن بينة بأنه أقر عندهم قبل الوطء] بعلمه وأما إن لم يكن إلا مجرد إقراره الآن بأنه وطئ عالمًا فقال أهل المذهب: يحد لأجل إقراره على نفسه بالزنى ويلحق به الولد لحق الله تعالى، وحق الولد في ثبوت النسب، وهى إحدى المسائل التي يجتمع فيها الحد وثبوت النسب.
ثانيها: أن يشتري أخته أو من يعتق عليه ويولدها، ثم يقر أنه وطئها عالمًا بذلك.
ثالثها: أن يتزوج امرأة ويولدها وهي ذات محرم منه إما من نسب أو صهر أو رضاع ثم يقر علي نفسه أنه تزوجها عالما بتحريمها.
رابعها: أن يتزوج امرأة ثم يولدها ثم يقر أنه كان طلقها ثلاثا وأنه تزوجها قبل زوج عالمًا بالتحريم.
خامسها: أن يتزوجها ويولدها ثم يقر أنه/ 199 - أله أربع نسوة غيرها وأنه تزوجها عالمًا بتحريمها.
وليس ذكر هذا على طريق الحصر بل الضابط فيه أن كل حد ثبت بالإقرار وسقط بالرجوع عنه فالنسب ثابت معه، وكل حد لازم لا يسقط بالرجوع عنه فالنسب معه غير ثابت انتهى.
وفي نوازل البرزلي وسئل ابن رشد عن الخمس مسائل التي يجتمع فيها الحد ولحوق النسب.
فأجاب عنها: بأنها الرجل يشترى الأمة فيولدها ثم يقر بحريتها وشرائها مع علمه بحريتها، أو يشترى الأمة، ويولدها ثم يقر بأنه اشتراها عالما بأنها ممن تعتق عليه، ووطنها عالما بذلك وبعدم حليتها، أو يتزوج المرأة ويقر أنه طلقها ثلاثا وعلم أنها لا تحل له إلا بعد زوج ووطئها وأولدها كذلك.
أو يشترى الأمة ويطأها وهو يعلم أنها لا تحل له، وكذا يتزوج المرأة ويطأها ويعلم أنها لا تحل له بنسل أو رضاع مع علمه بعدم حلية ذلك.
أو يتزوج المرأة ثم يقر أنها خامسة ويطأها وهو يعلم أنها لا تحل له. وإنما ثبت النسب في هذه المسائل لأن ظاهر الحكم يعطيه، ووجب الحد بما أقر به على نفسه مما يوجبه، ولا يسقط ما ثبت من نسب الولد بقوله. وكذلك كل ما في معنى هذه المسائل إذ لا حصر فيها، وإنما ذكرت لكونها أمهات مسائل يقاس عليها، وضابطه أن كل حد يجب بالإقرار ويسقط بالرجوع [فالنسب معه ثابت وكل ما لا يسقط من الحدود بالرجوع عنه] فلا يثبت النسب فيه انتهي.
وجواب ابن رشد هذا هو الذي نظم المؤلف لا ما في التوضيح لقوله: "وأمتين حرتين" لأن الأمة الأولى في كلام التوضيح ليست بحرة، والتحقيق هو ما في النوازل والتوضيح.
وذكر بعض أصحاب النظائر أنها أربع ثلاث منها من الخمس المذكورة.
فقال في باب نظائر مسائل تجتمع فيها الحدود والنسب وذلك أربع مسائل من ذلك: من تزوج أخته من الرضاعة، فولد معها أولادًا وهو/ 199 - ب عالم بتحريم ذلك أنه يحد ويلحق به الولد.
ومسألة: من تزوج أم امرأته بعد أن ماتت الابنة وهو عالم بتحريم ذلك، أنه يحد ويلحق به الولد.
ومسألة: من اشترى حرة وهو عالم بأنها حرة فوطئها فحملت منه، فإنه يحد ويلحقه الولد [وإذا لم يعلم في الأخت من الرضاعة وفي الأم بتحريم ذلك لكان لا حد عليه ويلحقه الولد].
ومسألة: من أمر لرجل أن يشترى له جارية من بلد من البلدان، فاشتراها له فأرسل إليه بجارية غير التي اشتراها له [فوطئها وهو عالم أنها ليست بجاريته التي اشتراها له فوطئها](أنه يحد ويلحقه الولد) وعليه قيمتها أمة، فاعلمه انتهى.
والثلاث الأولى داخلة في الاثنتين من الخمس، والرابعة داخلة في الضابط. قوله:"ونفي تسويغ ببت" نفي بالخفض عطفا على علم وبالجر للظرفية، والتسويغ في المبتوتة بأن يتزوجها بعد زوج على الشروط المعلومة.
فصل
[ص]
402 -
سكوت سيد الوري محمد
…
وقوله وفعاله الأبد
403 -
أو ما عليه قد أقر سنة
…
والمحدثات بدعة لكنه
404 -
تجنب إن شملها أدلته
…
كالكتب والضد بدت أمثلته
405 -
يندب ما دليله قد عمه
…
كمركب ولبسه الأئمة
406 -
وكتراوح وما قد شمله
…
دليل كره كهو كالمفضله
407 -
تخص بالنوع من التعبدات
…
وكالزيادة على المحددات
408 -
مما استحب ويباح ما شمل
…
دليله كمنخل مما نقل
409 -
حاصلها استنادها لما شهد
…
الشرع باعتباره فلتعتمد
410 -
عليه أو إلغائه عنه يصد
…
أو لم يكونا فإباحة وقد
411 -
قال تقي الدين قول عمرا
…
ذي بدعة نعمت وقول من يري
412 -
تقسيمها أي لغة وقوله
…
صلي عليه الله صح نقله
413 -
وكل بدعة ضلالة نعم
…
شرعا لما استناده قد انعدم/ 200 أ
414 -
وما دليل فرضه أو ندبه
…
باد فليس بدعة فانتبه
415 -
كجمع مصحف وكشكل ونقط
…
نقش كدرهم ثريا وبسط
416 -
مع مسمع وشبهها فقد
…
أحدثها السلف نعم ما ورد
[ش]
السنة لغة: الطريقة والعادة وهى في الاصطلاح مشتركة بين نوع من العبادات، ونوع من الأدلة. فالسنة في العبادات النافلة التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم أو فهم منه الدوام لو تكرر سببها كصلاة الكسوف وزاد بعضهم وأظهرها في جماعة وينبني عليه الخلاف في ركعتي الفجر.
والسنة من الأدلة، وهى المراد هنا: ما صدر عن النبي عن غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير بهذا عرفها بعض المحققين، وزاد المؤلف قيد الأبد، احترازا من المنسوخ، فإنه لا يستدل به. وقد أحال هذا الرسم في طرة على هذا المحل بخطه، على فروق القرافي، ولفظه: انظر القواعد والفروق انتهي.
ولم أقف عليه لكنى لم استوعبها مطالعة كما ينبغي. وزيد التقرير، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدًا على باطل لوجوب العصمة.
وبالتواتر استدل على طهارة فضلاته عليه السلام لإقراره شاربة بوله صلى الله عليه وسلم.
الإمام أبو عبد الله المقري: قاعدة: كل ما أمن تجدده مما لا يتوقف عليه حكم بتجدد فلا ينبغي التبعثر ولا التفريع عليه بل لا يجوز جعله مورد الظنون عندي، لأن الظن إنما يجوز اعتماده حيث يدل العلم عليه وتدعو الضرورة إليه وقد أكثر الشافعية من أحكام فضلات رسول الله عَ، وأنكحته وزواجه بما خرج من حيز الفضل إلى حيز الفضول، وفتنة اللسن أكبر من محنة الحصر، والمعلوم أنه كان يتوقى من نفسه ما أمر بتوقيه من غيره، ثم لم ينكر من شرب بوله بعد النزول لما غلبه من حسن قصده مع أمنه من اعتماد خلاف/ 200 - ب الحكم، ألا تري قوله للآخر (زادك الله حرصا ولا تعد) قوله:"سنة" خبر سكوت. قوله: "والمحدثات بدعة" هو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" فكل ما كان
في كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد عه أو عليه عمل الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان فهو دين الله تعالى يدان به، وما خالفه فهو بدعة وضلالة، وأنشد بعضهم:
وخير أمور الدين ما كان سنة
…
وشر الأمور المحدثات البدائع
قوله: "لكنه يجب إن شملها أدلة"[الأبيات الخمسة] هذا الكلام مأخوذ من كلام القرافي: في الفرق الثاني والخمسين والمائتين بين قاعدة ما يحرم من البدع وينهى عنه، وبين قاعدة ما لا ينهى عنه منها، قال رحمه الله:
اعلم أن الأصحاب فيما رأيت متفقون على إنكار البدع نص على ذلك ابن أبى زيد وغيره، والحق التفصيل، وأنها خمسة أقسام قسم واجب: وهو ما تناولته قواعد الوجوب وأدلته من الشرع، كتدوين القرآن والشرائع إذا خيف عليها الضياع فإن التبيلغ لمن بعدنا من القرون واجب إجماعا وإهمال ذلك حرام إجماعا، فمثل هذا النوع لا ينبغي أن يختلف في وجوبه.
والقسم الثاني: محرم وهو كل بدعة تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة كالمكوس [والمحدثات من المظالم] والمحدثات المنافية لقواعد الشريعة كتقديم الجهال على العلماء وتولية المناصب الشرعية لمن لا يصلح لها بطريق التوارث، وجعل المستند في ذلك كون المنصب كان لأبيه وهو في نفسه ليس بأهل.
القسم الثالث: من البدع مندوب إليه وهو ما تناولته قواعد الندب وأدلته كصلاة التراويح وإقامة صور الأئمة والقضاة وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم بسبب أن المقاصد والمصالح الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة/ 201 - أفي نفوس
[الناس وكان] الناس في زمن الصحابة رضوان الله عليهم معظم تعظيمهم إنما هو بالدين وسابق الهجرة حتى اختل النظام وذهب ذلك القرن وحدث قرن آخر لا يعظمون إلا بالصور فتعين تفخيم الصور كي تحصل المصالح، وكان عمر رضي الله عنه يأكل خبز الشعير والملح ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم لعلمه بأن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس ولم يحترموه، وتجاسروا عليه بالمحالفة فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى تحفظ النظام. وكذلك لما قدم الشام وجد معاوية بن أبى سفيان قد اتخذ الحجاب، واتخذ المراكب النفيسة، والثياب الهائلة العلية، وسلك ما سلكه الملوك، سأله عن ذلك فقال له: إنا بأرض نحن فيها محتاجون لهذا. فقال له: لا أمرك، ولا أنهاك.
ومعناه أنت أعلم بحالك هل أنت محتاج إلى هذا فيكون حسنًا أو غير محتاج إليه فلا يكون حسنًا فدل ذلك من عمر وغيره أن أحوال الأئمة وولاة الأمور تختلف باختلاف الأمصار والأعصار، والقرون والأحوال فلذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديما وإنما وجبت في بعض الأحوال.
القسم الرابع: بدع مكروهة، وهى ما تناولته، أدلة الكراهة من الشريعة وقواعدها كتخصيص الأيام الفاضلة أو غيرها بنوع من العبادة وكذلك في الصحيح خرجه مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بقيام". ومن
هذا الباب الزيادة في المندوبات المحددات كما ورد في التسبيح عقب الفريضة ثلاثة وثلاثين، فيفعل هو مائة، وورد صاع في زكاة الفطر، فيجعل عشرة آصع فإظهار الزيادة فيها، إظهار الاستظهار على الشراع وقلة أدب معه، بل شأن العظماء إذا حددوا شيئا وقف عنده وعدّ الخروج عنه قلة أدب، والزيادة في الواجب أو عليه أشد في المنع لأنه/ 201 - ب يؤدى إلى أن يعتقد أن الواجب هو الأصل والمزيد عليه، ولذلك نهى مالك رضي الله عنه عن إيصال ستة أيام من شوال لئلا يعتقد أنها من رمضان.
وخرج أبو داود: أن رجلًا دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الفرض وقام ليصلي ركعتين، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"اجلس حتى تفصل بين فرضاك ونفلك، فبهذا هلك من كان قبلنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصاب الله بك يا ابن الخطاب".
يريد عمر أن من قبلنا وصلوا النوافل بالفرائض واعتقدوا الجميع واجبا، وذلك تغيير للشرائع، وهو حرام إجماعًا.
القسم الخامس: البدع المباحة وهى ما تناولته أدلة الإباحة وقواعدها من الشريعة كاتخاذ المناخل للدقيق، ففي الآثار أن أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذ المناخل لأن تليين العيش وإصلاحه من المباحات فوسائله مباحة فالبدعة إذا عرضت تعرض علي قواعد الشرع وأدلته في شيء تناولها من الأدلة والقواعد ألحقت به من إيجاب أو تحريم أو غيرهما وان نظر إليها من حيث الجملة بالنظر إلى كونها بدعة مع قطع النظر عما يتقاضاها كرهت فن الخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع.
ولبعض السلف الصالح يسمى أبا العباس الأبياني من أهل الأندلس: ثلاث لو كتبن في ظفر لوسعهن، وفيهن خير الدنيا والآخرة، اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع من تورع لا يتسع انتهى.
وقال القاضي أبو عبد الله المقري: قاعدة: القرافي: الأصل في البدع الكراهة إلا أن تتناولها قاعدة غيرها من الأحكام من غير معارض يرد إلى الأصل فليلحق بالمتناول إن اتحد أو بأقوى المتناولين إن تعدد.
قوله: "لكنه" أي الأمر والشأن. قوله: "إن شملها أدلته" أي إن شمل المحدثات أدلة/ 202 - أالوجوب. قوله: كالكتب، هو مصدر بفتح الكاف، أي كتب القرآن، والشرائع، وفي طرة بخط المؤلف: أي ككتب الكتب. قوله: "والضد بدت أمثلته" أي ضد الواجب وهو الحرام ظهرت أمثلته.
قوله: "يندب ما دليله قد عمه" أي يندب ما دليل الندب قد شمله.
قوله: "كمركب ولبسة الأئمة" أي كمركب الأئمة ولبستهم، كانت الإمامة كبري أو صغري، وكركب منون لوقوع التنوين موقع نون مفاعلي وهي من وتد فلا تزحف ولولا هذا المانع لجاز الحذف لوجود الشرط.
قوله: "وما قد شمله دليل كره كهو، أي والذي قد شمله دليل الكره من المحدثات كالمكروه فما مبتدأ والخبر كهو. قوله: "كمفضلة تختص بالنوع من التعبدات" أي كالأيام أو الليالي المفضلة تختص بنوع من العبادة، كتخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بقيام، أو يقدر كالأزمنة المفضلة، وفي بعض النسخ (أدلة الكره كهو كالفاضلة) والتي كتبناها هي اللائقة لاشتمال هذه على سناد التأسيس، وكهو، في هذه بضم الهاء وسكون الواو وفي التي كتبانها بسكون الهاء.
قوله: "وكالزيادة على المحددات، أي مما استحب كما إذا علي التكبير والتحميد والتسبيح بأثر الصلاة واحترز بقوله مما استحب من الزيادة علي الواجب فإنه قد يحرم كزيادة ركعة أو أكثر في صلاة من الخمس، وقد يكره كصيام ستة من شوال.
قوله: "ويباح ما شمل دليلها كمنخل" أي رياح من المحدثات ما شمله دليل الإباحة كمنخل الدقيق، وأشار بقوله:"مما نقل" إلى الأثر المذكور أولا وهو:
أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذ المناخل، أي كمنخل كائن مما نقل من المحدثات.
قوله: "حاصله- إلى قوله- وقد" أصل هذا الكلام للشيخ ابن عرفة- رحمه الله تعالي- أي حاصل المحدثات أو البدع، قال في جواب له علي حكم الدعاء عقب الصلاة علي الهيئة المعهودة في هذه الأعصار: وأما البدع فقد/ 202 - ب تكلم الناس عليها متقدم ومتأخر، كالقرافي وعز الدين، وقسموها إلى أقسام، والحاصل استنادها إلى ما حكم الشرع بإلغائه واعتباره، وما ليس بواحد منهما ومجال النظر في جزيئات المسائل. هذا كلامه ومعناه ما قاله المؤلف أن المستند إلى ما شهد الشرع باعتباره يعتمد عليه لكونه واجبا أو مندوبا، والمستند إلى ما شهد الشرع بإلغائه يصد عنه لكونه حراما أو مكسروها وما ليس بواحد منهما يباح قوله:"وقال تقي الدين"- إلى آخره- هو تقي الدين ابن تيمية قال البرزلي أثناء كلامه علي حكم الدعاء عقب صلاة الفرض علي الهيئة الاجتماعية: قال تقي الدين بن التيمية في
قوله في الصحيح: قال عليه السلام في خطبته: "خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" قال: "البدعة ما لم يقم عليه دليل شرعي على أنه واجب أو مستحب سواء فعل على عهده أو لم يفعل، وبالعكس كإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وقتل الترك لما مفعولا بأمره لم يكن بدعة وإن لم يكن مفعولًا علي عهده. وكذا جمع القرآن في المصاحف والإجماع على قيام رمضان ومثل ذلك مما ثبت وجوبه أو استحبابه بدليل شرعي: وقال عمر في التراويح: "نعمت البدعة هذه" أي هذه بدعة في اللغة، لأن البدعة في اللغة ما فعل على غير مثال كما قال الله تعالى:{ما كنت بدعا من الرسل} وليست بدعة في الشريعة، فإن كل بدعة في الشريعة ضلالة كما أخبر به عليه السلام، ومن قال من العلماء البدعة تنقسم إلى حسن وغيره فتقسيمه في البدعة اللغوية، ومن قال كل بدعة ضلالة فمعنى كلامه البدعة الشرعية، ألا ترى أن علماء الصحابة والتابعين لهم أنكروا الأذان في غير الخمس صلوات كالعيدين وإن لم يكن فيه نهى خاص، وأنكروا استلام الركنين اليمانيين وإن لم يكن في ذلك نهي خاص وكذا الصلاة عقب السعي بين الصفا والمروة/ 203 - أقياسًا علي الطواف.
وكذا ما تركه الرسول مع قيام المقتضي كان تركه سنة وفعله بدعة مذمومة، ومعني ذلك لذا كان المقتضي التام موجودا في حياته كوجوده بعد كإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وما تركه لوجود المانع كالاجتماع في صلاة التراويح يدخل في ذلك فإن المقتضى التام عدم المانع.
قال البرزلي: هذا من هذا المعنى، لأنه عليه السلام ترك الجمع للتراويح، وقال:
(خفت أن يفترض عليكم) فلما توفي عليه السلام ذهب هذا المانع فأحدثه عمر، فذهاب المانع هو المقتضي، كذا الدعاء على هذه الكيفية الخاصة لم يرد عنه صريحا فلما توفي ذهب المانع وهو خوف أن يعد من حدود الصلاة كما اختاره شيخنا الإمام- رحمه الله وهو طرد العلة وعكسها، فمتى وجد المانع منع الحكم ومتى ما فقد ثبت الحكم، صح من نوازله.
وقال محيي الدين النووي حديث: "كل بدعة ضلالة" من العام الخصوص لأن البدعة خمس: واجبة: كترتيب الأدلة على طريقة المتكلمين للرد على الملحدة.
ومندوبة: كوضع التأليف وبناء المدارس والزوايا.
وحرام، ومكروهة وهما واضحتان.
ومباحة: كالتبسط في أنواع الأطعمة، ويشهد لذلك قول عمر- رضي الله عنه في تراويح رمضان:"نعمت البدعة هذه".
وقال في حديث: "من سن سنة حسنة" هذا الحديث مخصص لعموم حديث "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" فالمراد بالمحدثات التي هي بدع المحدثات الباطلة.
الأبي: ويدخل في حديث "من سن سنة حسنة، البدع المستحسنة كالتحضير والتأهب والتصبيح ووضع التآليف.
قوله: "عنه يصد" أي عما شهد الشرع بإلغائه يعرض. قوله: "قول عمر" أي ابن الخطاب رضي الله عنه. قوله: "ذي بدعة نعمت" أي التراويح بدعة نعمت بدعة، وهذا نقل بالمعنى، ولفظ عمر "نعمت البدعة هذه".
قوله: "وقول من يري تقسيمها" أي لغة، ضمير تقسيمها، يعود علي البدعة وهذا من كلام تقي الدين، وهو قوله: ومن قال من العلماء البدعة تنقسم إلى حسن وغيره فتقسيمه في البدعة/ 203 - ب اللغوية، وقول عمر مبتدأ، وقول منيري تقسيمها معطوف عليه والخبر أي لغة على ما تقدره، وإلا فلغة منصوب، وشاع في كلام المصنفين إدخال أي على خبر المبتدأ ليتعين للخبرية، أي قولهما محمول على البدعة لغة، أو معناه في البدعة لغة أو يكون المذكور خبر الثاني وحذف خبر الأول، أو بالعكس.
قوله: "وقوله صلى الله عليه وسلم صح نقله، وكل بدعة ضلالة، نعم شرعا لما استناده قد انعدم، هذا أيضا من كلام تقي الدين، وهو قوله: ومن قال كل بدعة ضلالة فمعني كلامه البدعة الشرعية.
ومعني كلام المؤلف، أن البدعة في قوله: "وكل بدعة ضلالة هي اسم لا انعدم إسناده في الشرع، أي لما ليس له في الشرع دليل على الجواز بل فيه ما يدل على التحريم أو الكراهة، وجملة صح نقله من كلام المؤلف معترضة بين المبتدأ والخبر والمبتدأ هو قوله والخبر لما، وجملة وكل بدعة ضلالة، محكية القول ونعم تصديق لهذه الجملة.
قوله: وما دليل فرضه أو ندبه باد فليس بدعة" هو من كلام تقي الدين أيضا.
وهو قوله: والبدعة ما لم يقم عليه دليل شرعي على أنه واجب أو مستحب- إلى قوله:- ومثل ذلك نما ثبت وجوبه أو استحبابه بدليل شرعي.
قوله: "فانتبه كجمع مصحف"- إلى آخره- هذه أمثلة لما دل على وجوبه أو ندبه دليل شرعي، إلا أن تقي الدين لم يمثل منها إلا بجمع المصحف، ولكن البواقي هي في معناه لشهادة الشرع لجنسها بالاعتبار، ويدخل في قوله:(كدرهم الدينار) وفي قوله:
وشبهها القناديل وكون المنبر أكثر من ثلاثة أدراج، وتحزيب القرآن والمحاريب ونحو ذلك، وكجمع يتعلق بانتبه.
وقد سئل البرزلى عن جعل الثريا والقناديل في المساجد، وكون المنبر أكثر من ثلاثة أدراج، هل هذا جائز، أو من السرف كما قال القائل، مع أنه درج على عدم إنكار ذلك سلف صالح مقتدى بهم علما وعملا. فأجاب بما حاصله: إن جعل الحصر والمنبر ومطلق الاستصباح حسن من باب ترفيع المساجد، وقد ورد ثواب جزيل في استصباحه، حكي الزمخشري في تفسير قوله عز وجل:{إنما يعمر مساجد الله} - الآية- عن أنس رضي الله عنه/ 204 - أ (من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوء) قال: والعمارة تتناول رم ما استهدم منها وقمها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر.
وورد الخبر أيضا في جعل منبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا ثبت في جنسه جاز ترفيعه، وأما كثرة المصابيح في رمضان، فقد طعن فيه بعض المغاربة بأنه بدعة، والصواب أيضا أنه من باب ترفيع المساجد والزمان كما قدمناه، وقد ذكر ذلك عز الدين، ولابن رشد في الشرح: أن من سرق ثرية من ثرياته المعلقة فيه المتشبثة به أو حصيرًا مسمرًا في حائط من حيطانه، أو
خيط إلى سواه من الحصر علي ما روي عن سحنون، فلا خلاف في وجوب القطع علي من سرق شيئا من ذلك تبلغ قيمته ما يجب فيه القطع.
وله أيضا في الشرح: قد قيل: إن معاوية بن أبى سفيان وهو أول من اتخذ المقاصر [في الجامع وأول من أقام على نفسه حريسًا وأول من اتخذ الخصيان في الإسلام] وأول من بلغ درجات المنبر خمسة عشر مرقاة.
قال البرزلي: وإنما ذكرت ذلك لأن بعض الجهلة كسر ما زاد على ثلاثة أدراج من منبر، فرددت عليه بأمور كثيرة، وأن المنبر ما هو إلا على قلة الناس وكثرتهم، مثل منبر القيروان وغيرها من سائر المنابر التي جرى عليها عمل المتقدمين والمتأخرين من سائر القرى والأمصار، ومعاوية من فضلاء الصحابة، وكاتب وحى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصهره، وسابقته في الجاهلية والإسلام، ومنزلته مشهورة معروفة، وقد أحدث السلف أشياء لم تكن في الزمن الأول كالجمع على المصحف، والنقط والشكل، وتحزيب القرآن والقراءة في المصحف في المسجد، أول من أحدثها الحجاج وتحصير المساجد في موضع التحصيب، وتعليق الثريات فيها للاستصباح بها، ونقش الدراهم والدنانير أول من أحدثها عبد الملك والناس متوافرون.
وقال البرزلي أيضا: الإجماع على أن من البدع ما هو حسن مثل قول عمر:
"نعمت البدعة هذه" وإخراج اليهود من جزيرة العرب فعله عمر ولم يقع في زمنه عليه السلام، وجمع الناس على المصحف كما فعله عمر ونقط/ 204 - ب المصحف وشكله
كما فعله أبو الأسود الدؤلي ونقش الدنانير ووالدراهم فعل في زمن ابن مروان، وتحزيب القرآن كما فعل في زمان الحجاج، ومحارب مساجد البلاد إلى غير ذلك، وتحصيله أن كل بدعة شهد الشرع باعتبار جنسها ولم تترتب عليها مخالفة لإصل الشريعة فهي [حسنة] وما لم يشهد به الشرع بإهدار ولا اعتبار فلينظر ما يترتب عليه من مصلحة فيعمل عليها، أو مفسدة فيلغيها، وقد نص على هذا التقسيم عز الدين وغيره.
وقال البرزلى أيضا بعد أشياء أنكرها عمر الرجراجي الوارد على تونس وحج ورجع إليها قال: واستقر بها الآن، فمن ذلك ما ذكر عنه من إنكار التسميع خلف الإمام. قال: وللعلماء في صحة الصلاة بالمسمع وصلاة المسمع ستة أقوال فمذهب الجمهور الجواز، بل أعراه ابن رشد من الخلاف في مسألة الرافع صوته بالذكر للإفهام لأنه من ضروريات الجامع.
وانكره حماس بن مروان، ورد عليه لقمان بن يونس بعدم إنكار علماء
الأمصار على أهل مكة ذلك، يريد وجريانه بينهم من غير نكير، والرجلان من أصحاب سحنون. وحكي المازري عن بعض شيوخه، أنه صلي بجامع مصر وفيه المسمعون من غير نكير في الجامع لابن شعبان وغيره من علماء مصر في زمانهم.
ونقل المازري عن بعض المتأخرين: إن أذن له الإمام جاز وإلا لم يجز وحكي القاضي في الإكمال: إن لم يتكلف رفع صوته صح وإلا فلا.
والقول الخامس: إن اكثر الناس في غير صلوات الفرض كالعدين والجنائز صح وإلا فلا.
والسادس: يضاف إلى هذا صلاة الجمعة قال واستدلوا على ذلك بحديث صلاة آبي بكر بصلاة النبي كه في صلاة الناس بأبي بكر متبعين له في أقواله وفعاله وبما وقع في المدونة من قوله: ولا بأس بالصلاة في دور محجورة بصلاة الإمام في غير الجمعة إذا رأوا عمل الإمام، والناس والعمل يطلق على القول والفعل.
واحتج عليه ابن رشد بأن عمر رضي الله عنه كان إذا قرأ بسورة فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يعلي صوته (لكي) يسمع/ 205 - أأصحاب حجر النبي صلى الله عليه وسلم.
وبالجملة فما عليه السلف والخلف من جواز هذا الفعل حجة بالغة على من خالفهم فكيف بمن فسقهم، أو بدعهم وضللهم فهذا مخالف للجماعة جدير بهذه
الأوصاف أو بعضها أو مكابر للبيان أو جاهل بالعلم لا عقل له.
قوله: "نقش كدرهم" هو بإضافة نقش إلى الكاف. قوله: "نعم ما ورد عن" أي عن السلف الصالح، نكت بهذا المدح على المنكر لبعض الأمثلة السابقة كالرجراجى.
[ص]
417 -
تنبيه اعلم في الدعا تردد
…
أثر الصلاة باجتماع يوجد
418 -
وقيل إن لها أضيف منعا
…
وحسنه إن لم يضف قد سمعا
[ش]
البرزلي: ومما أنكره أيضا- يعنى الرجراجي- الدعاء عقب الصلاة إما مطلقا وإما على هذه الصفة الخاصة التي الناس عليها اليوم، ثم ذكر البرزلي من حلية النووي أحاديث الدعاء دبر الصلوات من حيث الجملة، وهى كثيرة كحديث الترمذي قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الدعاء أسمع قال:"جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات" وفي الصحيحين قال: "كنت اعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير وفي مسلم] عن ثوبان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات، وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام".
قال الأوزاعي: يقول: "أستغفر الله أستغفر الله".
وفي الصحيحين أيضا كان إذا فرغ من الصلاة قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت".
وفي حديث معاذ: "لا تداع في كل صلاة آن تقول اللهم أعني علي ذكرك وشكرك
وحسن عبادتك".
وفي كتاب ابن السني عن انس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضي صلاته مسح جبهته بيده اليمنى ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الهام والحزن" وفيه من طريق أبي أمامة قال: / 205 - ب ما دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في دبر صلاة مكتوبة ولا في تطوع إلا سمعته يقول: "اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها، اللهم انعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا بهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت" وفيه من طريق أنس: كان إذا انصرف من الصلاة يقول: اللهم اجعل خير عمري آخره وخير عملي خواتمه، واجعل خير أيامي يوم لقائك".
وفيه أنه كان يقول في دبر الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر".
وفيه بإسناد ضعيف من طريق فضالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بما شاء".
وفي سنن ابن ماجه من طريق أم سلمة قالت: كان إذا صلى الصبح قال: "اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، وعملًا متقبلًا ورزقًا طيبًا".
وفيه من طريق صهيب كان يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر (يقول): "اللهم أحاول وبك أصاول، وبك أحول" وغير ذلك من الأذكار.
قال: والحاصل أن هذه أحاديث نص في تحصيل مطلق الدعاء عقب الصلوات وطريق التجميع والتأمين مأخوذ أصل شرعه من الحديث الآخر الذي ذكر أنه ضعيف، ومن التأمين بعد أم القرآن للمأموم فهو يقرب من النص في عين النازلة، لأنه إذا ثبت في الشرع في الصلاة التي هي محصورة الأركان والصفات فأحرى مع الإطلاق.
ثم قال: وأما إنكار الهيئة الخاصة فسئل عز الدين عن الدعاء عقب السلام هل يستحب للإمام في كل صلاة أم لا؟ فأجاب: كان عليه السلام يأتي بعد السلام بالأذكار المشروعة، ثم يستغفر ثلاثًا، ثم ينصرف، وروي أنه كان يقول:"رب قني عذابك يوم تبعث عبادك" والخير كله في إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد استحب الشافعي للإمام أن ينصرف عقب السلام.
البرزلي: وكلامه هو يحتمل آن يكون دليلا علي الجواز ويكون قول الشافعي ينصرف أي من موضع الإمامة لما قال أنه يأتي بالأذكار، أو أوقفه على ما ذكر خاصة قال: وسئل/ 206 - أعنه بعض متأخري التونسيين، ونصه: ما تقول في الدعاء دبر الصلوات والناس يؤمنون كما هي عادة الناس في البلاد هل هو سنة أو بدعة [مستحسنة فإن قلتم مستحسنة فمن استحسنها؟ وإن قلتم إنه بدعة] وكذا بسط الكفوف في الدعاء؟ فأجاب: الدعاء بعد الصلاة على الوجه الذي ذكرت بدعة، وكذا قول المؤذن عند ظهور الفجر: أصبح ولله الحمد، بدعة.
البرزلي: لم يجب عن سؤاله كله، لأنه لم يبين هل هي بدعة مستحسنة أو لا؟
ومن قال ذلك. قبل قال: ويأتي الكلام على حكم قول المؤذن في كتاب الأوائل أول من أحدث الدعاء بعد الصلاة واستحسنه الإمام المهدي ويحتمل أن يستند إلى قوله تعالى: {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} .
وحكى عنه أيضا أنه أول من أمر المؤذن أن يقول: أصبح ولله الحمد. وكان من تقدم قبله من أهل هذه البلاد يقولون: أصبح الصباح بالعافية، فما أقل رونقها قال: وسئل عن المسألة شيخنا الإمام المفتى رحمه الله، وذلك أن إماما ترك الدعاء إثر الصلاة بالهيئة الاجتماعية المعهودة في أكثر البلاد، يدعو الإمام ويؤمن الحاضرون، ويسمع المسمع إن كان وصار هذا الإمام إذا سلم من الصلاة قام إلى ناحية من نواحي المسجد، أو مضى لحاجته، وعد فعل الناس بدعة محدثة لا ينبغي أن تفعل بل من شاء أن يدعو حينئذ لنفسه بغير هيئة. الاجتماع، فأنكر عليه ذلك، فقال: هذا هو الصواب حسبما نص عليه العلماء فبلغت الشيخ الأستاذ أبا سعيد بن لب فأنكر ترك الدعاء إنكارا شديدا، ونسب ذلك الإمام إلى أنه من القائلين إن الدعاء لا ينفع ولا يفيد، ولم يبال إن قيد في ذلك تأليفا سماه (لسان الأذكار والدعوات مما شرع في أدبار الصلوات) ضمنه حججًا كثيرة على صحة ما الناس عليه، جملتها أن غاية ما يستند إليه المنكر أن التزام الدعاء على الوجه المعهود إن صح أنه إن لم
يكن من عمل السلف، فالترك ليس بموجب للحكم في المتروك إلا جواز الترك، وانتفاء الحرج فيه خاصة، وأما تحريم أو كراهة فلا، لا سيما فيما له أصل/ 206 - ب جلى كالدعاء، فإن صح أن السلف لم يعملوا به فقد عمل السلف بما لم يعمل به من قبلهم مما هو جائز كجمع المصحف ثم نقطه، وشكله، ثم نقط الآي، ثم الفواتح والخواتم، وتحزيب القرآن، والقراءة في المصحف في المسجد، وتسميع المؤذن تكبير الإمام، وتحصير المسجد عوض الحصيب، وتعليق الثريا، ونقش الدرهم والدنانير بكتاب الله، وقال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور وكذا يحدث لهم ترغيبا بقدر ما أحدثوا من الفتور، وجاء آفة العبادة الفترة، وفي القرآن:{وتعاونوا على البر والتقوى} .
ثم ذكر أن في تلك الهيئة فوائد مثل أن أكثر الناس لا يعرف ما يدعو به ويدعو بما لا يجوز وقد يلحن في الدعاء وقد لا يستنبط له وحده فإذا اجتمع عليه ارتفع المحذور، وأتى بأحاديث الدعاء بأثر الصلاة وتأول كلام السلف والعلماء في قيام الإمام من مجلسه أثر السلام فأشكل على الأمر في المسألة جدا فلكم الثواب في بيان الصواب في المسألة وقد وقعت بفاس أيضا هذه المسألة واختلف شيوخهم، وفي هذا السؤال أيضا السؤال عما تتميز به البدعة الحسنة من القبيحة.
البرزلي: أجاب شيخنا الإمام: حاصل هذه المسألة ما حكم الدعاء على هذه الهيئة المعهودة في هذه الأعصار عقب صلاة الفرض، وقد سألني عنها بعض الواردين علينا من مدينة سلا منذ نحو من عشرة أعوام.
والجواب: أن إيقاعه إن كان على نية أنه من سنن الصلاة أو فضائلها فهو غير جائز وإن كان مع السلامة من ذلك فهو باق على حكم أصل الدعاء، والدعاء عبادة شرعية فضلها من الشريعة معلوم عظمه، ولا أعرف فيها في المذهب نصا، إلا أنه وقع في العتبية في كتاب
الصلاة كراهة مالك الدعاء بعد الصلاة قائما فمفهومه عدم كراهته جالسًا.
وفي العتبية أيضًا كراهة مالك الدعاء عقب ختم القرآن ولكن الأظهر عندي جوازه وقد ورد بذلك أحاديث في المصنفات كسنن النسائي وغيره لا يخلو بعضها عن كون سنده صحيحا/ 207 - أوأما البدع فقد تكلم الناس عليها متقدم ومتأخر كالقرفي، وعز الدين، وقسموها إلى أقسام، والحاصل استنادها إلى ما شهد الشرع بإلغائه واعتباره وما ليس بواحد منهما، ومجال النظر في المسائل طويل، والله تعالى الموفق للصواب. انتهى.
وجواب ابن عرفة هذا هو مراد المؤلف بقوله: "قيل إن لها أضيف منعًا" البيت أي أضيف للصلاة على معنى أنه إن وقع على نية أنه من سنن الصلاة أو فضائلها وحاصل ما ذكر المؤلف ثلاثة أقوال: القول بإطلاق أنه بدعة مستحسنة، القول بإطلاق أنه بدعة قبيحة القول بالتفصيل وهو قول ابن عرفة رحمه الله تعالى.
وقال أبو عبد الله الأبي أثر كلامه على أحاديث الدعاء والذكر بعد الصلاة: وذكر عبد الحق إثر هذه الأحاديث أحاديث أماكن قبول الدعاء وأن منها الدعاء أثر الصلاة وذلك يدل على عدم كراهة الدعاء إثر الصلاة كفعل الأئمة والناس اليوم وكان الشيخ الصالح أبو الحسن المنتصر رحمه الله تعالى يدعو إثر الصلوات، وذكر لبعضهم أن في كراهته خلافا، وأنكره الشيخ وقال: لا أعرف فيه كراهة.
قلت: ذكرها القرافي عن مالك في آخر ورقة من القواعد، وعللها بما يقع بذلك في نفس الإمام من التعاظم انتهي.
ونص السؤال السلوى سأل أهل سلا الإمام أبا عبد الله بن عرفة عن إمام الصلاة إذا فرغ منها هل يدعو ويؤمن المأمومون أم لا؟ فإنه قد استمر ببلاد المغرب وفي بعض نواحيه كراهة هذه الصفة، فقد يصلى الإمام في بعض المواضع ولا يدعو فتشمئز قلوب المأمومين، فالغرض من سيدنا بيان الحكم في ذلك وإزالة الإشكال بما أمكن فأجاب: مضى عمل من يقتدي به في العلم [والدين من الأئمة] على الدعاء بأثر الذكر الوارد بأثر تمام الفريضة، وما سمعت من ينكره إلا جاهل غير مقتدى به، ورحم الله بعض الأندلسيين لما أنهى إليه ذلك آلفا جزء في الرد علي منكره وخرج عبد الرزاق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئلا أي الدعاء أسمع قال:"شطر الليل الآخر وأدبار المكتوبة" وصححه عبد الحق، وابن القطان.
وقد ذكر الإمام/ 207 - ب الراوية المحدث أبو الربيع في كتاب مصباح الظلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كانت له إلى الله حاجة فليسألها دبر صلاة مكتوبة" والله حسيب أقوام ظهر بعضهم ولا يعلم لهم شيخ ولا لديهم مبادئ العلم الذي يفهم به كلام العرب والكتاب والسنة يفتون في دين الله بغير نصوص السنة.
وأجاب كبير تلامذته وقاضي الجماعة بتونس أبو مهدي عيسي الغبريني: الصواب جواز الدعاء بعد الصلاة على الهيئة المعهودة إذا لم يعتقد كونه من سنن الصلاة أو فضائلها، أو واجباتها، وكذلك الأذكار بعدها على الهيئة المعهودة كقراءة أسماء الله الحسني ثم الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا ثم الترضي عن الصحابة رضي الله عنهم، وغير ذلك من الأذكار بلسان واحد انتهي.
الإمام أبو عبد الله بن مرزوق: تكلم بعض من أدركناه من أئمة المغرب في الدعاء المحدث عقب الصلوات في الجوامع والمساجد، وألحقوه بالبدع المحدثة، وألف بعضهم في ذلك، واحتج عليهم بعض من أجازه بما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي. فقال: "قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".
وبكلام عياض في هذا المحل، وإلى المنع منه مال الشيخان الإمامان الأوحدان أبو زيد وأبو موسي ابنا الإمام رضي الله عنهما وقطع الجامع بتلمسان مرة ثم غلب الإلف واستشنع الناس هذا القطع وعاد الأمر في ذلك إلى العادة.
الشيخ أبو إسحاق الشاطبي: بدعة التزام الدعاء بأثر الصلوات دائما على الهيئة الاجتماعية بلغت ببعض أصحابها إلى أن كان الترك لها موجبا للقتل عنده، حكى أبو الخطاب ابن خليل حكاية عن أبى عبد الله بن مجاهد العابد أن رجلا من عظماء الدولة وأهل الوجاهة فيها- كان موصوفا بشدة السطوة وبسط اليد - كان نزل في جوار ابن مجاهد/ 208 - أوصلي خلفه في مسجده الذي كان يوم فيه وكان لا يدعو في أخريات الصلوات تصميما في ذلك علي الذهب، يعني مذهب مالك لأنه مكروه في مذهبه، وكان ابن مجاهد محافظًا عليه فكره ذلك الرجل منه ترك الدعاء وأمره أن يدعو فأبى وبقي علي عادته في تركه في أعقاب الصلوات، فلما كان في بعض الليلي صلي ذلك الرجل العتمة في المسجد، فلما انقضت وخرج ذلك الرجل إلى داره قال لمن حضره من أهل المسجد: قد قلت لهذا الرجل يدعو بعد الصلوات فأبي فإذا كان غدوة غد أضرب رقبته بهذا السيف وأشار إلى سيف في يده، فخافوا على ابن مجاهد العابد من قوله لما علموا فرجعت الجماعة بجملتها إلى ابن مجاهد فخرج إليهم فقال: ما شأنكم؟ فقالوا: والله لقد خفنا عليك من هذا الرجل، وقد اشتد الآن غضبه عليك في تركك الدعاء، فقال لهم: لا أخرج عن عادتي فأخبروه بالقصة فقال لهم- وهو مبتسم-: انصرفوا ولا تخافوا، فهو الذي تضرب عنقه غدوة بذلك السيف بحول الله ودخل إلى داره، وانصرفت الجماعة ذعرا من قول ذلك الرجل فلما كان مع الصبح من الغد وصل إلى دار الرجل قوم من [صنفه من عبيد المحزن وحملوه حمل المغضوب عليه وتبعه قوم من] أهل المسجد ومن علم حال البارحة حتى وصلوا به إلى
دار الإمارة بباب جوهر، فن أشبيلية وهنالك أمر پضرب رقبته فضربت بسيفه ذلك، تحقيقًا للإجابة وإثباتًا للكرامة.
[ص]
419 -
وهل دعى الأذين ليلًا والندا
…
لها بغير لفظه وما بدا
420 -
من قوله أصبح والله حمد
…
مستحسنات لا نعم ذا فاعتمد
421 -
لشاهد الشرع بأن الجنسا
…
معتبر فطب بذاك نفسا
[ش]
الأذين المؤذن، والمعنى أنه اختلف في دعاء المؤذن بالليل وفي النداء للصلاة بغير لفظ الأذان كالتأهيب والتحضير وفي التصبيح، وهو قول المؤذن عند طلوع الفجر أصبح ولله الحمد، هل هي بدعة مستحسنة، فقيل/ 208 - ب لا، وقيل نعم، والثاني هو الصحيح وعليه الاعتماد.
والتأهيب: قول المؤذن تأهبوا للصلاة. والتحضير قوله: احضروا للصلاة أوحضرت الصلاة.
وقد ذكر الإمام البرزلي الخلاف في هذه الثلاثة، واختار أنها مستحسنة وإياه تبع المؤلف. والله أعلم.
البرزلي: ونما أنكره أيضا- عمر الرجراجي- الدعاء لصلوات الفرض بغير لفظ الأذان وقد جرى به عمل الناس في الحواضر والأقاليم.
وفي كتاب الجهاد من مسلم في حديث "ناد الصلاة جامعة" ما حفظ للنووي قال
يؤخذ منه الجواز بالإيذان بالصلاة وكذا قوله: "ألا صلوا في الرحال" في الليلة المطيرة.
وفي الأذكار له: من الصلوات غير الفرائض ما يستحب أن يقال فيه الصلاة جامعة مثل العيد والكسوف والاستسقاء، ومنها ما لا يستحب فيه كسنن الصلوات والنوافل المطلقة، ومنها ما اختلف فيه كصلاة التراويح والجنائز فظاهره مطلقا حيث كان وأحفظ لابن رشد إنما ذلك عند أبواب المساجد، لا داخلها.
البرزلي: والأمر محتمل، قال: ومن الدليل العام على جواز الدعاء للصلاة بغير الأذان غير ما تقدم، قوله عز وجل:{ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} لأنها نزلت في المؤذنين ونحوهم، وقال عليه السلام:"ما من داع يدعو إلى هدى إلا كان له أجره وأجر من عمل به" والدعاء إلى الصلاة هدى فتجب راجحيته إلى غير ذلك مما يطول بنا جلبه، قال: ومما سمعت عنه أيضا: أنه أنكر التأهيب يوم الجمعة، وأمر بقطعه وجعله حرامًا
وبدع فاعله، وسمعت عنه أكثر من هذا، وهذا لم يقل به أحد من علماء الأمة، بل الناس فيه علي مذهبين فمنهم من كرهه، لأنه لم يكن في زمنه عليه السلام ولا الخليفتين بعده.
ومنهم من استحبه وراعى فيه المعنى من الأذان قبل الفجر في صلاة الصبح للحرص على المبادرة بها أول الوقت.
ولما ورد من الرغبة في التبكير والتهجير بها ولم يكن في ذلك الزمن الأول لعدم المقتضى فلما كان زمن، عثمان رضي الله عنه ثبت المقتضى وهو كثرة الناس فأحدث الأذان الثاني [في الوضع والأول في الزمان ليجتمع الناس فيكون/ 209 - أالآذان الثاني] الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك بخلاف للسنة، فأحدثه بالزوراء بالسوق- وهي دار له- أمر المؤذن أن يعلو علي سطحها وينادي ليتأهب الناس للصلاة ويجتمعوا.
واختلف في هذا الذي أحدثه عثمان رضي الله عنه فمنهم من قال: إنه كان يقول قبل الزوال الصلاة حضرت رحمكم الله، لا الأذان المجموع المعهود ويكون قبل الزوال.
وروى عن ابن حبيب: أنه أجاز الأذان قبل الزوال يوم الجمعة، والذي قبله حكاه بعض شرح الرسالة عن عثمان رضي الله عنه، فهو نص في عين النازلة.
ثم قال البرزلى بعد كلام: والدليل على صحة ما ذهبنا إليه الثابت في الأمصار من الزمن الأول إلى هلم جرا ووضعه أصحاب علم الأوقات في آلاتهم ورسموه كما رسموا وقت الظهر والعصر، وكل ما يدل على الدعاء للصلاة مما قدمناه يدل على هذا، وقد رأيتهم بالقيروان يعملون ذلك على منارلها ثلاث مرات، الأول يقول فيه تأهبوا إلى الصلاة، والثاني أعزموا على الصلاة، والثالث: الصلاة حضرت وبعد يصعد الإمام على المنبر ويجعلون حينئذ من يطوف بالأسواق يحضر ويقيم الناس من حوانيتهم، والفقهاء فيها متوافرون وفهموا من الشريعة أن هذا خفيف إذ لم يرد ما يخالفه من السنة والأعمال بالنيات.
قال: ومما أنكره أيضا، لفظ التصبيح في الفجر، وقد بينا في هذا التقييد أن أول من اتخذه الإمام المهدي مستدلًا عليه، وهذا لا يخلو إما أن ينكر الهيئة الاجتماعية من الأذكار قبل الصبح مع ذكر الأصباح، أو إنما أنكر أصبح ولله الحمد فإن كان الثاني فقد تقدم أن بعض متأخري التونسيين قال: هو بدعة، كما قال هذا، وعندي أنها جائزة إذ لم يرد فيها من الشرع ما يمنعها، بل ورد ما يدل عليها منها: قوله في حديث: "إن بلالًا ينادي بليل وقوله في ابن أم مكتوم: "وكان أعمي لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت". أي قاربت الصباح أو دخلت فيه.
ووجه الأخذ منه: أن ابن أم مكتوم فقد حاسة البصر فلا يرى الفجر فيخبر ويعين له أنه دخل في الصباح، والنائم فقد حاسة البصر، بل والتعيين الذي يدرك به الأشياء فينادى/ 209 - ب من يوقظه، بذلك ومنه ما كان عليه السلام يقول:"اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنًا والشمس والقمر حسبانًا اقض عني الدين واغنني من الفقر، ومتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك" وقوله تعالى: {فالق الإصباح} الآية [فاستنباط منه المؤذن عند الفجر اللهم فالق الإصباح] بقدرته، ومجرى {الرياح بشرا بين يدي رحمته} ، {ويمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه} وقدرته، {إن الله بالناس لرءوف رحيم} إلى آخر ما يذكر الأدعية والآي، وهذا أحسن في التذكير ينبه الغافل والنائم ويهدى للخروج للجماعة، وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بالرجل يقول:"قم يا نائم" أو يحركه برجله.
وأما إن أنكر الهيئة المجموعة من الأذكار وغيرها، فقد حكى ابن سهل أنه حسن وإنما اختلف فقهاء الأندلس إذا كان يكثر من ذلك حتى يؤثر عند الجيران قله النوم هو من ضرر الأصوات التي تمنع إذا طلب ذلك الجران أم لا؟
والمعروف الذي أفتى به ابن عتاب والميلي وغيرهما جواز ذلك ولا ضرر فيه بل فيه التذكير.
قال الميلي: ما صنعه سليمان مأمور به من الدعاء وقراءة القرآن وتذكير الناس وتخويفهم قديم من فعل الصالحين والمسلمين الزهاد في أمصار المسلمين. وقد كان عروة ابن أذينة يقوم بالليل فيصيح في الطرق ويخوفهم ويحضهم بقول الله تعالى: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون} ثم يقبل علي صلاته فيصلي حتى يصبح إلى آخر ما ذكر.
وأجاب ابن عتاب ما احتسب على سليمان أنه يقوم في جوف الليل يؤذن على سقف المسجد ويبتهل في الدعاء ويتردد في ذلك فليس في هذا حسبة إلا في القيام على سطح المسجد لما يتوقع من فساد بالصعود عليه، وقد أذن الله أن ترفع والاحتساب على سليمان غير سائغ إذا ذاك ذكر الله وهو ينشرح إليه صدور أهل الإيمان وتطمئن إليه قلوبهم {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ومتى عهد من أذن بالأسحار وابتهل/ 210 - أ
بالدعاء والاستغفار أن يوقف مواقف الإقرار والإنكار، أما سمع قول الله عز وجل:{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} .
وقد حكي مالك: أن الناس في الزمن الأول كانوا عند خروجهم لأسفارهم يتواعدون لقيام القراء لقيامهم بالأسحار فيسمعون أصواتهم من كل منزل.
وقال أيضا على ما يفعله الناس اليوم من التحضير: أي قول المؤذن قد حضرت الصلاة قد أخذ استنباط هذا الحكم من حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم: "بأن ينادى الصلاة جامعة" مع غيره من سائر الأحاديث وعمومات الكتاب والسنة المقتضية لذلك مثل قوله تعالى: {وتعاونوا علي البر والتقوى} "والله في عاون العبد ما دام العبد في عون أخيه""وخياركم أنفعكم لأمتي" وقوله: "ما من داع يدعو إلى هداي إلا كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة" واحفظ في سنن أبى داود أنه عليه السلام كان إذا خرج إلى الصلاة فيمر برجل إلا قال له "قم، أو حركه برجله".
وقوله الصلاة حضرت يقصد به التثويب إلى الصلاة.
قال النووي: كما هو عندنا اليوم، وأخذه من حديث الصلاة جامعة، وقيل غير ذلك وقد بسطنا القول فيه في غير هذا، وإجماع هذا القطر مع قطر المشرق على جواز هذا دليل واضح على صحته، لأن الشرع شهد باعتبار جنسه لا إلغائه وقد قال الحاكم المحدث في مستدركه: ما جري عليه العمل من المتقدمين والمتأخرين من نقش الحجارة عند رءوس الموتى
دليل على أن ما ورد في ذلك، من النهى ليس عليه العمل. فكيف بهذا الذي لم يرد فيه وإنما فيه كراهة مالك له على أصله خشية أن يعتقد من أحكام الصلاة أو من سننها أو من فرائضها كالأذان كما كره صوم ست من شوال مع ورود الحديث الصحيح به، وكره التسمية في الوضوء على إحدى الروايات عنه، وقراءاته [يس] عند المريض لتسهيل الموت، وغير ذلك فإذا أسلم الإنسان من هذا الاعتقاد جاز مع ما دل عليه من الأحاديث والآثار وثبوته بالقياس على عكس العلة.
وأما قوله: إنه بدعة، وعموم القول في كونها ضلالة فهو خطأ بين/ 210 - ب إذ الإجماع علي أن من البدع ما هو حسن، وانظر تمام كلامه، وقد نقلنا بعضه فيما تقدم.
وقال الإمام أبو عبد الله الأبي عند كلامه على قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد، قال: ما ليس من أمره هو ما لم بسنة ولم يشهد الشرع [باعتباره فيتناول المنهيات، والبدع التي لم يشهد الشرع] باعتبارها وأما التي شهد الشرع باعتبار أصلها فهي جائزة وهى من أمره كالبدع المستحسنة كالاجتماع علي قيام رمضان، وكالتصبيح اليوم، والتحضير والتأهيب، فإن الشرع شهد باعتبار جنس مصلحتها، فإن الأذان شرع لمصلحة الإعلام بدخول الوقت، والإقامة شرعت للإعلام بالدخول في الصلاة، والتصبيح والتأهيب والتحضير من ذلك النوع لما ني الثلاثة من مصلحة الإعلام، بقرب حضور الصلاة ولا في التأهيب من الإعلام بقرب حضور الصلاة، ولما في التأهيب من الإعلام بأنه يوم الجمعة لمن ليس عنده شعور بذلك، ويشهد لذلك زيادة عثمان رضي الله عنه أذانا بالزوراء يوم
الجمعة على ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الخليفتين من بعده وإنما زاده لمصلحة المبالغة في الإعلام حين اكثر الناس انتهى.
قوله: "لها" أي للصلاة. قوله: "بغير لفظه" أي الأذان، قوله:"وما بدا من قوله أصبح والله حمد" أي والذي ظهر من قول الأذين أصبح وقد حمد الله بقوله ولله الحمد. قوله: "مستحسنات" خبر دعا وما عطف عليه، أي هذه الثلاثة مستحسنات أولا؟ قوله:"لا نعم" هو جواب السؤال، أي قيل لا، وقيل نعم وهو المحتار وإليه أشار بقوله:"ذا فاعتمد لشاهد الشرع بأن الجنس معتبر" أي هذا القول القريب اعتمده لشاهد الشرع لجنسه بالاعتبار كما سبق من كلام البرزلي، ثم أكد الأمر باعتباره بقوله:"فطب بذلك نفسًا" ولما بعد ذلك القول لما وقع بعده من الكلام أشار إليه بذلك، أو تعظيمًا له لمصلحته.
قال الإمام أبو عبد الله المقري وأبو الحسن الصغير: حدثني العلامة أبو محمد إبراهيم الأبلي: أنه سأله عن رواية في المهدي فقال: عالم سلطان. قال: فقلت له: قد وافقت الغرض فلا تزد/ 211 - أ.
[ص]
422 -
وفي تغير الصوم والبوق نقل
…
تردد ...................
[ش]
أي والبوق له أي للصوم، أو يقدر وبوقه على قول الكوفيين أن ال تقع بدلًا من الضمير.
البرزلى: ومنها ما وقع الإنكار فيه وهو النفير والبوق في شهر رمضان للإشفاع
والسحور، فقد سألت شيخنا الفقيه أبا القاسم الغبرينى- رحمه الله وهو في سقيفة داره وقد جعل ذلك قريبا من داره وأظنه لولادة نفاس، فقال لي: يا فقيه ما رأيته في جامع الزيتونة. فقلت له: جامع الزيتونة لا يكون حجة إلا إذا أقره العلماء وأباحوه، فسكت عني.
وسألت عنه شيخنا الإمام- رحمه الله فقال: وقع هذا في أيام قضاء ابن عبد السلام بعثت إليه قاضى القيروان بأنه قد أنكر النفير على المنار بعض من هنا وقال: هي معصية في أفضل الشهور وأفضل الأماكن وأدل قبلة اختطت بالمغرب وهو جامع القيروان، فكتب به القاضي لابن عبد السلام، فأجاب: إن عاد إلى مثل هذا فأدبه.
قلت له: الذي قال به هو الصواب إذ لم يجز البوقات في الأعراس إلا ابن كنانة وهذا ليس منهما، وأجابني بأن هذه البوقات لها لذة في النغمات وسماع الأصوات كما يقال إنها بالأندلس وأما هذه فهي أصوات مفزعة تفزع حتى الحمار قلت له: الحمار يفزع من كل ما لم يألف، فلم يكن من جوابه إلا هذه قوارع لا لذة فيها ولا يترتب عليها مفسدة إلا إيقاظ النائم للسحور على ما ورد فيه الفضل أو من قيام الليل أو نحو ذلك.
وتحصيله أنهم استعملوها وذلك دليل على جوازها، ونحو هذه المسائل التي فيها خلاف بالجواز والكراهة لا ينبغي أن ينتصب الرجل لخلاف الجماعة فيها لأن ذلك يقتضى كونه لأجل ظهوره.
وفي موضع آخر من نوازل البرزلي: وعلي ظني أني وقفت عليها- يعني البوقات في رمضان في الجوامع لابن الحاج المتأخر، وأنه أنكرها في جملة ما أنكر.
وفي موضع آخر من النوازل المذكورة: وسألت عنها- يعنى عن البوقات- شيخنا المفتي الغبريني واحتج علي بما/ 211 - ب وقع في جامع الزيتونة، فقلت له: ليست بحجة لأن الفقهاء لم يجيزوها إلا في الأعراس خاصة أجازها ابن كنانة. فسكت عنى وسألت عنها شيخنا الفقيه الإمام، فأجاب بالجواز وأن البوقات المذكورة في الأعراس غير هذه، فيها طرب يعلمها أهل الأندلس، وأما هذه فتنفر الحمر.
فقلت له: الحمار ينفر من كل ما لا يألف ولعل هذا منها.
وذكر ابن عبد السلام أمر بأدب المنكر لهذا إن عاد، ونزلت بالقيروان وفيها وقعت الفتيا انتهي.
فقلت: أصوب مما وقع بالقيروان وتونس ما عليه أهل فاس من كون البوقات على سطح قريب من لا على المنار نفسه لما فيه من تعظيم حرمات الله.
المنكر لنفير الصوم، وفي معناه البوق، بعض القرويين ممن عاصر ابن عبد السلام ونكرهما الفقيه الصالح سيدي عمر الرجراجي [والمجيز ابن عبد السلام، وابن عرفة، وأبو القاسم، واليه ميل البرزلي، والرجراجي] المذكور من كبار فقهاء فاس، ومن الصالحين عاصر البرزلي، وورد على تونس في سفره للحج وسكنها، وأنكر على أهلها أمورًا منها: ألفاظ في الخطبة، والصلاة حضرت أو جامعة والدعاء عقب الصلاة على الهيئة المعهودة، والتسميع خلف الإمام، والدعاء للصلوات الفرض بغير الأذان، والتأهيب يوم الجمعة، ولفظ التصبيح في الفجر والستر على جدران المسجد من داخل، وتأخير الصبح في الجامع الأعظم إلى وسط الوقت، وتخصيص صبح الجمعة بقراءة {ألم} السجدة، ودخول الصبيان فيه ولعبهم لا سيما في شهر رمضان، والنفير والبوق في شهر رمضان للإشفاع والسحور، وزيادة سيدنا في الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم، والصلاة على السجادات.
وورد على تونس أيضا قبله رجل يقال له الدكالي عاصر ابن عرفة واجتمع به البرزلي أيضا في الإسكندرية وبها كان قاطنا أنكر على أهل تونس لبس العمامة الفقهاء على المعهود بتونس وغيرها والتختم مطلقًا، ولبس الأحمر وأخذ المرتب على الإمامة والتدريس حتى ترك/ 212 - أالجماعة والجمعة لأجل ذلك.
وأجاب البرزلي عن ذلك كله بما هو مذكور في نوازله، وذكرنا هنا منه ما يناسب كلام المؤلف وحكى البرزلي الدكالي بقوله: ورد علينا في عشر التسعين والسبعمائة رجل يقال له الدكالي وكان شيخًا صالحًا مظهرًا للزهد في الدنيا والأكل من كد يمينه العلقة من القوت، واعتقده الناس لصلاحه، وكان مذهبه يغلب عليه مذهب الحديث، فأنكر أشياء منها: لبس العمامة إلى آخره.
ثم قال الرجراجي: ثم ورد علينا رحل اسمه عمر وأصله من المغرب وحج ورجع إلى تونس، واستقر بها الآن وهو ينسب إلى الزهد في الدنيا والتخلي عنها لكنه يتغذى من أيدي الناس بالقليل على ما سمعت عنه، ويذكر أن معه بعض طلب ولا أدري مذهبه محدث أو مالكي أو ظاهري واستقر بتونس وأنكر أشياء- إلى آخره-.
وحين ورد الشيخ ابن عرفة مصر ووجد الدكالي علي الطريقة المذكورة عنه من التشدد في الدين وتركه الجماعات والجمع لأخذ المرتب على ذلك، ذكر فيه أبياتا وهي:
أهل مصر ومنفي الدين شارككم
…
تنبهوا السؤال معظل نزلا
لزوم فسقكم أو فسق من زعمت
…
أقواله إنه بالحق ما عدلا
في تركه الجمع والجماعات خلفكم
…
وشرط إيجاب حكم الكل قد حصلا
إن كان حالكم التقوى فغيركم
…
قد باء بالفسق حقا عنه ما عدلا
وإن يكن عكسه فالأمر منعكس
…
فاحكم بحق وكن بالهدي معتدلا؟
فأجابه الإمام المحقق سراج الدين أبو حفص البلقني، وذكر أنه على البديهة:
ما كان من شيم الأخيار إن يسموا
…
بالفسق شيخا علي الخيرات قد جبلا
لا لا ولكن إذا ما أبصروا خللا
…
كسوه من حسن تأويلاتهم حللا
أليس قد قال في المنهاج صاحبه
…
يسوغ ذاك لمن قد يخشى زللا
وقال فيه أبو بكر إذا ثبتت
…
عدالة المرء فليترك وما عملا/ 212 ب
وقد روينا عن ابن القاسم العتقي
…
فيما اختصرنا كلاما أوضح السبلا
ما إن ترد شهادة لتاركها
…
إن كان بالعلم والتقوى قد احتفلا
كذا الفقيه أبو عمران سوغه
…
لمن تخيل خوفا واقتنا عملا
نعم وقد كان في الأعلين منزلة
…
من جانب الجمع والجمعات واعتزلا
كمالك غير مبد فيه معذرة
…
إلى الممات ولم يثلم وما عزلا
[هذا وإن الذى أبداه متضح
…
أخذ الأئمة أجرا منعه نقلا
وهب أنك راء حله نظرا
…
فما اجتهادك أولى بالصواب ولا]
.................... تأمل الذي عمل
[ص]
423 -
له من العلام والفنار
…
والشبه زن وقسمه بالمعيار
[ش]
أي تأمل ما عليه بقطر المغرب في هذه الأزمنة وما قاربها من جعل العلام في رأس صاري المنار عند دخول وقت الظهر والعصر والمغرب وجعل الفنار فيه عند دخول وقت العشاء
والصبح، ولعل المؤلف تردد في العلام والفنار لكونه لم يجد لمن قبله فيهما والظاهر أنهما من جنس ما شهد الشرع له بالاعتبار كالدعاء بغير لفظ الأذان، وقد قيل أحدثهما الفقيه السلطان أبو عنان- رحمه الله.
قلت: ويدل على الجواز في الفنار أن الصحابة رضوان الله عليهم تشاوروا بمحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل شرع الأذان فيما يجعل علما على الوقت فذكر بعضهم أن ينوروا نارًا، وذكر بعضهم أن يضربوا ناقوسًا، وقال آخرون: النار شعار اليهود والناقوس شعار النصارى، فإن اتخذنا أحدهما التبست أوقاتنا بأوقاتهم، فنزل شرع الأذان وبيان الدليل من هذا، أنهم عللوا الامتناع بالالتباس فيلزم من مقتضى عكس العلة الجواز حيث لا التباس. والله تعالى أعلم.
قوله: "والشبه زن وقسه بالمعيار" وهذا الشطر من تمام قوله: "تأمل وقس" توكيد لزن، والمعيار والمحك والمثاق مترادفة، والمعني/ 213 - أزن هذين وشبههما حتى تعلم بأي الجنسين تلحق هل بالبدع الحسنة أو القبيحة والله تعالى أعلم.
وطرر المؤلف بخطه زن بميزان الشرع وقسه بمعيار الشرع. انتهى.
أي فإن اتزن بميزانه وتقرر بمعياره فذلك من البدع الحسنة وإلا فمن القبيحة.
[ص]
424 -
وكل ما يخلص للتعبد
…
أو كان غالبا بنية بدي
425 -
إن كان ذا لبس وما تمحضا
…
أعني لمعقولية نحو القضاء
426 -
أو غلبت كنجس فلا افتقار
…
وفي سوي الشائبتين الاعتبار
427 -
ونفيه وكل ما مصلحته
…
تحصل بالفعل فتنفي نيته
428 -
وكل قربة بلا لبس ترد
…
كذكر افتقارها لها فقد
429 -
تمييز عادات بها أمر حتم
…
وفي العبادات تقرب علم
[ش]
قال القاضي أبو عبد الله المقري: قاعدة: كل ما تمحض للتعبد أو غلبت عليه شائبته فإنه يفتقر إلى النية كالصلاة والتيمم، وما تمحض للمعقولية أو غلبت عليه شائبته، فلا يفتقر كقضاء الدين، وغسل النجاسة عند الجمهور، فإن استوت الشائبتان فقيل: كالأول لحق العبادة، وقيل: كالثاني بحكم الأصل، وعليهما الطهارة، والزكاة، والكفارة وغيرهما.
قاعدة: كل ما كانت صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته، فإنه لا يفتقر إلى نية كغسل النجاسة.
قاعدة: القربات التي لا لبس فيها، كالذكر، والنية لا تفتقر إلى نية كغسل النجاسة.
قاعدة: النية في العبادات للتمييز والتقرب وفي غيرها للتمييز، كوصي أيتام لا ينصرف شراؤه لأحدهم إلا بالنية، ولا يترتب الثواب إلا على النية بخلاف براءة الذمة. أما ما يطلب الكف عنه فتر كه يخرج عن عهدته وان لم يقصده، ولا شعر به انتهي.
وعلى هذه القواعد الأربع اشتمل كلام المؤلف عدا قوله: أما ما يطلب الكف عنه- إلى آخره-.
وقال أيضا: قاعدة: الفعل إن اشتمل وجوده على مصلحة مع قطع النظر عن/ 213 - ب فاعله صحت فيه النيابة، ولم تشترط فيه النية، وإن لم يشتمل إلا مع النظر لم تصح واشترطت، فالنية وانتفاء الصحة على هذا متلازمان، وكذلك عدم وجوبها وصحة النيابة، فكل ما تصح فيه الاستنابة لا تشترط فيه النية، وكل ما تشترط فيه النية لا تصح فيه الاستنابة إلا أن يدل دليل على خلاف ذلك فمن ثم قال النعمان: لا نيابة في الحج، وقلنا إنها رخصة كالاستخلاف انتهى.
وفي الفرق الثامن عشر: إن ما يمكن أن ينوي ينقسم إلى مطلوب وغير مطلوب فغير مطلوب لا ينوي من حديث هو غير مطلوب، بل قد يقصد بالمباح التقوى على المطلوب كما يقصد بالنوم التقوى على قيام الليل فمن هذا الوجه تشرع نيته لا من حيث إنه مباح والمطلوب قسمان: نواه وأوامر، فالنواهي لا يحتاج فيها إلى النية شرعا بل يخرج الإنسان من عهدة المنهي عنه بمجرد تركه، وإن لم يشعر به فضلا عن القصد له لكنه إن نوى بتركها وجه الله تعالي حصل الثواب وكان التراث قربة.
وأما الأوامر فقسمان، أيضا: منها: ما تكون صور أفعالها كافية في تحصيل مصالحها فلا يحتاج إلى النية كدفع الديون ورد المغصوب ونفقات الزوجات والأقارب وعلف الدواب ونحو ذلك فهذا القسم مستغن عن النية شرعا، فمن دفع دينه غافلا عن قصد التقرب به أجزأ عنه، ولا يفتقر إلى إعادته مرة أخرى نعم إن قصد في هذه الصور كلها امتثال أمر الله تعالى فيها حصل له الثواب، وإلا فلا.
القسم الثاني: ما لا تكون صورته كافية في تحصيل مصلحته فهذا القسم هو المحتاج إلى النية كالعبادات، فإن الصلاة شرعت لتعظيم الرب تعالى وإجلاله، والتعظيم إنما يحصل بالقصد ألا ترى أنك لو صنعت ضيافة لإنسان فأكلها غيره من غير قصدك لكنت معظما للأول دون الثاني، بسبب قصدك، فما لا قصد فيه لا تعظيم فيه، فيلزم أن العبادات كلها يشترط فيها القصد لأنها إنما شرعت لتعظيم الله تعالى فهذا هو ضابط ما تمكن فيه النية وما لا تمكن وضابط ما يحتاج إلى/ 214 - أالنية وما لا يحتاج شرعًا.
ثم قال الشهاب بعد كلام: النية لا تحتاج إلى النية، قال جماعة من الفضلاء لئلا يلزم التسلسل، ولا حاجة إلى التعليل بالتسلسل بل النية من القاعدة المتقدمة لأن مصلحتها التمييز وهو حاصل بها سواء قصد ذلك أو لم يقصده، فاستغنت عن النية من الفروق. وسلم له الإمام أبو القاسم بن الشاط جميع ذلك، إلا ما ذكر من أن أداء (الدين) وشبهه لا يثاب عليه حتى ينوى التقرب إلى الله تعالى بأداء دينه. قال: فيه عندي نظر فإنه لا مانع أن يثاب في هذه الصورة، ويكفيه من النية كونه قصد أداء دينه والله تعالى أعلم.
قوله: "وكل ما يخلص للتعبد"- البيت- كل مبتدأ وخبره بدى، وبه يتعلق بنية أي كلما تخلص للتعبد وتمخض له فإنه يبتدأ بالنية. قوله:"إن كان ذا لبس" هو راجع إلى القسمين قبله، واحترز به مما ليس فيه كالذكر ونحوه وقد ذكره منطوقا بقوله:"وكل قربة"- البيت- وخبر كل جملة افتقارها لها فقد، وضمير لها عائد إلى نية.
قوله: "ومما تمحضا أعنى لمعقولية نحو القضاء أو غلبت كنجس فلا افتقار" ما موصول اسمي مبتدأ، وخبره فلا افتقار، ودخلت الفاء في خبر الموصول لشبهه الشرط بالشرط في العموم والإبهام، ويحتمل أن تكون شرطية، وأراد بالقضاء قضاء الدين.
قال القاضي أبو عبد الله المقري: قاعدة: إعمال الشائبتين أرجح من إلغاء أحدهما كالدليلين كإعمال مالك ومحمد شائبة المعقولية في الخبث في سقوط النية، والعبادة في تعيين الماء فهذا أولى من إلغاء النعمان شائبة العبادة وبعضهم شائبة المعقولية عندهم، وعندي أن إلغاء الراجح، لإعمال المرجوح، ولو في وجه تقديم للمرجوح المؤخر بإجماع،
فإذا ثبتت الراجحية سقطت المرجوحية بالكلية.
قوله: "وفي استواء الشائبتين الاعتبار ونفيه" المشهور هو الاعتبار تغليبا لشائبة العبادة أبو عمرو بن الحاجب- رحمه الله والإجماع علي وجوب النية في محض العبادات وعلي نفي الوجوب/ 214 - ب فيما تمحض لغيرها كالديون والودائع والغصوب واختلف فيما فيه شائبتان كالطهارة والزكاة، والمذهب افتقارها ويعنى بالطهارة الطهارة المائية دون التوابية فإنها محض تعبد.
[ص]
احب التوضيح، وحاصله أن الفعل أقسام قسم: تمحض للعبادة كالصلاة فالإجماع على وجوب النية.
الثاني: مقابله كإعطاء الدين ورد الودائع والغصوب، فالإجماع على أنه لا تجب فيه النية.
الثالث: ما اشتمل على الوجهين كالزكاة والطهارة، لأن الزكاة عقل معناها وهو رفق الفقراء وبقية الأصناف، لكن وكونهما إنما تجب في قدر مخصوصو [على وجه مخصوص] لا يعقل معناه، وكذلك الطهارة عقل معناها وهى النظافة لكن كونها في أعضاء مخصوصة علي وجه مخصوص لا يعقل معناه، واختلف في وجوب النية وانظر تمام كلامه.
قوله: "تمييز عادات"- البيت- هو معني قول المقري: النية في العبادات للتمييز والتقريب وفي غيرها للتمييز كوصي أيتام لا ينصرف شراؤه لأحدهم إلا بالنية ومراد المؤلف تمييز عبادات عن عادات وعبارته توهم العكس، فلو قال تمييز عن عادة بها حاتم لكان أبين.
[ص]
احب التوضيح: وحكمة إيجاب النية تمييز العبادات عن العادات لتمييز ما الله تعالى عما ليس له أو تمييز مراتب العبادات في أنفسها لتمييز مكافآت العابد على فعله
وتعظيم العبد لربه، فمثال الأول: الغسل يكون عبادة وتبردا، وحضور المساجد يكون للصلاة ويكون للفرجة، ويكون السجود لله وللصنم.
ومثال الثاني: الصلاة لانقسامها إلى فرض، والفرض إلى فرض على الأعيان وفرض على الكفاية وفرض منذور وفرض غير منذور.
[ص]
430 -
وفرض عين الذي تكررا
…
نفع به غير كفاية يري
431 -
في زر وجاهد قم بشرع واشهد
…
واقض وأم مر بعرف واردد
432 -
سلاما افت واحترف وادر أو صن
…
ميتا ورابط وفد وثق مؤتمن
433 -
والظن كاف في السقوط والسنن
…
عين كفاية علي ذلك السنن 215 أ
[ش]
القرافي: في الفرق الثالث عشر، بين قاعدتي فرضي الكفاية وفرض العين وضابط كل واحد منهما وتحقيقه بحيث لا يلتبس بغيره فنقول: الأفعال قسمان منها: ما تكرر مصلحته بتكرره [ومنها ما لا تتكرر مصلحته بتكرره].
فالقسم الأول: شرعه صاحب الشرع على الأعيان تكثيرا للمصلحة بتكرر ذلك الفعل كصلاة الظهر فإن مصلحتها الخضوع لله تعالى وتعظيمه ومناجاته والتذلل له والمثول بين يديه والتفهم لخطابه والتأدب بآدابه، وهذه المصالح تكثر كلما كررت الصلاة.
والقسم الثاني: كإنقاذ الغريق إذا شاله إنسان فالنازل بعد ذلك إلى البحر لا يحصل شيئا من المصلحة، فجعله صاحب الشرع على الكفاية نفيا للعبث في الأفعال، وكذلك كسوة العريان وإطعام الجيعان ونحوهما، فهذا هو ضابط القاعدتين وبه تعرفان ثم ذكر مسألتين:
الأولى: أن الكفاية والأعيان كما يتصوران في الواجبات يتصوران في المندوبات كالأذان والإقامة، والتسليم والتشميت، وما يفعل بالأموات من المندوبات، فهذه على الكفاية والذي
على الأعيان كالوتر والفجر وصيام الأيام الفاضلة، وصلاة العيدين، والطواف في غير النسك والصدقات.
المسألة الثانية: يكفي في سقوط المأمور على الكفاية ظن الفعل لا وقوعه تحقيقا فإذا غلب على ظن هذه الطائفة أن تلك فعلت سقط عن هذه، وإذا غلب على ظن تلك أن هذه فعلت سقط عن تلك، وإن غلب على ظن كل واحدة منهما فعل الأخرى سقط الفعل عنهما انتهي.
قال القاضي أبو عبد الله المقري: قاعدة كل واجب أو مندوب لا تتكرر مصلحته بتكرره فهو على الكفاية، وإلا فعلى الأعيان إلا لمعارض أرجح كصلاة الجنازة لأن المطلوب بها صورة الشفاعة، وقد حصلت، والإلحاح فيها مذموم عرفًا فيذم شرعًا، كما يأتي وأما المغفرة فأمر خفي لا يجوز أن يعتبر بنفسه، بل بمظنته على وجهها، وأيضا فإن من يقول بتكررها وهو الشافعي يوافق على أنها لا تقع نفلا بل فرضا وقد/ 215 - ب حصلت مصلحة الواجب بالصلاة الأولى إجماعًا.
قاعدة: يكفي في سقوط المأمور على الكفاية ظن الفعل، وإن لم يفعل ألبتة بخلاف الأعيان على الصحيح، وليس سقوطه بالغير [نيابة حتى يتعذر في الفعل البدني بل لتعذر حكمة الوجوب.
قوله: "غير] كفاية" أي غير الذي تكرر والنفع به فرض كفاية، ويجوز أن يكون الخبر يرى فينتصب كفاية، وقد ضبطه المؤلف بهما، ويضبط أيضا فرض الكفاية بأنه الذي تندفع الحاجة فيه بالبعض، كالقضاء وتحمل الشهادة، وشبه ذلك بخلاف فرض العين فمقابله، وسيزاد هذا بيانا بعد قوله:(يري في زروجاهد قم بشرع واشهد) - البنيتين-
أي يعلم فرض الكفاية أو يبصر في هذه المواضع، وقصد بهذا الكلام حصر فرض الكفاية بالعدد كما حصرها بالضابط.
الأول: زيارة الكعبة كل سنة فهي فرض كفاية فلا يجوز أن يترك الناس كلهم زيارتها في عام من الأعوام إلا من عذر لا يستطيعون معه الوصول إليها نعوذ بالله من ذلك.
الثاني: الجهاد هو واجب على الكفاية لأن مصلحته تحصل بالبعض ففرض على الإمام إغراء العدو في كل سنة مرة يخرج بها هو أو من يثق به، وفرض على الناس في أموالهم وأنفسهم الخروج المذكور، لا خروجهم كافة، والنافلة منه إخراج طائفة بعد أخرى وبعث السرايا وقت الغرة والفرصة.
الثالث: القيام بالعلوم الشرعية قال الله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ..} الآية، وعن الشافعي العلم قسمان فرض عين وفرض كفاية ففرض العين علمك بحالتك التي أنت فيها، وفرض الكفاية ما عدا ذلك ومثل هذا في الرسالة قال: وكذلك طلب العلم فريضة عامة يحملها من قام بها إلا ما يلزم الرجل في خاصة نفسه وانظر الفرق الثالث والتسعين.
القرافي- رحمه الله: العلم وضبط الشريعة وإن كان فرض كفاية غير أنه يتعين له طائفة من الناس، وهي من جاد حفظهم وراق فهمهم وحسنت سيرتهم وطابت سريرتهم فهؤلاء هم الذين يتعين/ 216 - أعليهم الاشتغال بالعلم فإن عديم الحفظ أو قليله أو سيء الفهم لا يصح لضبط الشريعة المحمدية، وكذلك من ساءت سريرته لا يحصل به الوثوق للعامة فلا تصح به مصلحة التقليد فتضيع أحوال الناس.
الرابع: تحمل الشهادة وكان فرضا لأنه لو تركه الناس كلهم أدى إلى اتلاف الحقوق وكان على الكفاية لأن الفرض يحصل بالبعض، وإذا كان على الكفاية فيتعين في حق من انفراد كما في سائر فروض الكفاية.
أبو عمرو بن الحاجب: والتحمل حيث يفتقر إليه فرض الكفاية، والأداء من نحو البر يدين إن كان اثنين فرض عين، ولا تحل إحالته على اليمين، فإن لم يجتز الحاكم باثنين فعلى الثالث ولا يلزم من أبعد.
الخامس: القضاء، وكان فرضا أنه لما كان الإنسان لا يستقل بأمور دنياه إذ لا يمكن أن يكون حراثًا طباخًا بزازًا إلى غير ذلك من الصنائع المفتقر إليها احتاج إلى غيره، ثم بالضرورة قد يحصل بينهما التشاجر والخصام لاختلاف الأغراض فاحتيج إلى من يفصل تلك الخصومات ويمنع بعضهم من غرضه وبهذا وجب إقامة الخلافة لكن نظر الخليفة، أعم إذا حد ما ينظر فيه القضاء، ولما كان هذا الفرض يحصل بواحد وجماعة كان فرض كفاية، لأن ذلك فرض الكفاية.
السادس: الإمامة الكبرى هي من فروض الكفاية إن قام بها البعض سقطت عن الباقين وإن لم يقم بها أحد خرج بتركها فريقان، أحدهما: أهل الحل والعقد.
والثاني: كل من يصلح للإمامة، وأما إمامة الصلاة فهي تابعة لصلاة الجماعة والمشهور أنها سنة مؤكدة وقيل فرض.
السابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الله تعالي: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} فالتغيير فرض كفاية إذا قام به في كل صقع من فيه غنا سقط الفرض عن الباقين، نعم إن نصب لذلك أحد تعين عليه كما يتعين الجهاد على من عينه الإمام.
الثامن: رد السلام فإنه فرض كفاية بمعنى أنه إن سلم على جماعة وقام بالرد
واحد منهم سقط عن الباقين وخالف أبو يوسف في قوله: لابد من رد/ 216 - ب جميعهم.
التاسع: الفتوى فهي فرض كفاية على المتأهلين لها إذا كان السؤال عن الأمر المهم المحتاج إلى بيانه فيجب الجواب كما يجب السؤال. قال تعالى: {فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وقال عز من قائل: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} الآية.
قال بعضهم تتعين على المفتى الفتيا بأربعة شروط كون السائل سأل عن واقعة دينية يخاف فواتها، وانفراد المستفتى، ومعرفته بالجواب الصحيح عن اجتهاد أو عن تقليد، ومتى انخرم أحدها فالجواب فرض كفاية.
العاشر: الحرف المهمة كالحراثة والتجارة ونحوهما. وقد نص غير واحد على أنها فرض كفاية.
الحادي عشر: الدرء بالدال المهملة ويعنى به والله أعلم دفع الضرر في النفس أو المال عمن لا يستحقه شرعا فهو فرض كفاية على من قدر عليه كدفع الصائل من إنسان أو بهيمة عن المصول عليه وكالتخليص من الغرق فهو فرض كفاية على من يحسن العوم، وكإعطاء الطعام للجوعان، والماء للعطشان، والخشب لتدعيم الجدار عند خوفني سقوطه ونحو ذلك.
الثاني عشر: القيام بمؤن الميت كالغسل والصلاة والدفن، ولا خلاف في وجوب الدفن، واختلف في الغسل والصلاة، والأصح عند ابن الحاجب الوجوب.
وفي الرسالة: والصلاة على موتى المسلمين فريضة يحملها من قام بها، وكذلك مواراتهم بالدفن، وغسلهم سنة واجبة.
الثالث عشر: [الرباط، قال في الرسالة: والبراط في ثغور المسلمين وسدها وحياطتها
واجب يحمله من قام به.
الرابع عشر: فداء أساري المسلمين، الشيخ ابن عرفة: وفداء أساري المسلمين فيه طرق الأكثر واجب.
الباجي: في وجوبه وكونه نفلا قول جمهور أصحاب مالك.
وقول أشهب في الفداء بخمر لا يدخل في نفل بمعصية ابن بشير سماه نفلا لوجوبه على الكفاية لا الأعيان إلا أن يتعين.
الخامس عشر: التوثيق وهو كتب الوثائق، وهو فرض كفاية لشدة الحاجة إليه وتندفع بالبعض كالحرف والصناعات المهمة، فإذا/ 217 - أأمكن كتاب فلا يجب الكتب: علي معين، ويتعين على الكاتب أن يكتب إذا لم يوجد كاتب سواه؟ قال الله تعالى {وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب} .
وفي بعض النسخ بدل البيتين اللذين كتبناهما.
بالشرع قم جاهد وزر واقض اشهد
…
بالعرف مرام سلاما اردد
ورابط افتى واحترف والميت من
…
واحضن ووثق وافد وادرأ تؤتمن
وهذه النسخة أحسن لما فيها من زيادة الحضانة، ويعنى بها حضانة اللقيط:
أبو عمرو ابن الحاجب: والتقاطه فرض كفاية.
خليل: لأن حفظ النفوس واجب وكان على الكفاية، لأن المقصود يحصل بواحد وذلك شأن فرض الكفاية.
[ابن الحاجب: وليس له رده بعد أخذه].
التوضيح: لأنه فرض كفاية] يتعين بالشروع فيه كالنافلة. وزاد بعضهم في فرض الكفاية عيادة المرضى وتمريضهم وحضور محتضرهم ونصيحة المسلم، وقد تدخل هذه في الدرء، وإطعام الجياع، وستر العورات، وهذان داخلان في الدرء بلا شك. وزاد أيضا حفظ القرآن سوى الفاتحة، وضيافة الوارد وزيد الأذان أيضا وإنما يأتي على قول.
قوله: "تؤتمن" هو جواب زور وما بعده، أي افعل هذه الأشياء تؤتمن أي تجعل أمينا.
وفي المنهج الفائق: واختلف في الكاتب أيضا، فقيل: واجب عليه أن يكتب وهو قول عطاء وغيره.
وقال الشعبي وعطاء أيضا: إذا لم يوجد كاتب سواه فواجب عليه أن يكتب.
وقال السدي: هو واجب مع الفراغ.
تنبيه: حيث قلنا پوجوب الكتب علي الكاتب فمذهب مالك والشافعي- رضي الله عنهما إنه على الكفاية كالجهاد والصلاة على الجنازة ودفنها وطلب العلم، وحفظ القرآن سوى الفاتحة، وتحمل الشهادة [والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والخلافة والأذان والقضاء وأداء الشهادة] إن كانوا جماعة أضعاف النصاب والفتوى، ودفع الضر عن
المسلمين والحرف المهمة، وعيادة المريض وتمريضهم، وحضور محتضريهم ورد السلام وتشميت العاطس/ 217 - ب وفك الأسير وإطعام الجياع وستر العورات وحضانة اللقيط وضيافة الوارد، ونصيحة المسلم. انتهى.
قوله: "والظن كاف في السقوط" أي ظن أن البعض قد فعل في الواجب علي الكفاية كاف في السقوط عن الظان وبراءته من ذلك الواجب بخلاف فرض العين، فإنه لا يبرأ غلا بيقين أنه فعل.
قال الجلال المحلى بعد أن ذكر القولين في كون فرض الكفاية على البعض وهو قول الفخر، أو على الكل وسقط بفعل البعض وهو قول الجمهور، ثم مداره على الظن فعلي قول البعض من ظن أن غيره لم يفعله وجب عليه ومن لا فلا، وعلي قول الكل من ظن أن غيره فعله سقط عنه، ومن لا فلا انتهى.
ومن هذا تعلم أن ما قاله المؤلف تبعا للقرافي، والمقري جار على قول الكل لا البعض الذي هو مختار تاج الدين بن السبكي وعليه يدل قوله تعالى:{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} .
قوله: "والسنن عين كفاية على ذلك السنن، السنن الأول بضم السين، جمع سنة، والسنن الثاني بفتح السين الطريق، والمعنى: أن السنة تنقسم إلى سنة عين وسنة كفاية على الطريق السابق في الفرض، وقد تقدم هذا من كلام القرافي- رحمه الله.
[ص]
434 -
درء المفاسد مقدم على
…
جلب المصالح فخذ ما نقلا
[ش]
درء المفاسد، أي دفعها مقدم على جلب المصالح دار الأمر بينهما.
قال صاحب إيضاح المسالك: ومن ثم كرهت الغسلة الثالثة إذا شك فيها وصوم يوم
عرفة إن شك فيه هل هو العيد أم لا؟ ورجح المكروه على المندوب كإعطاء فقير من القرابة لا تلزمه نفقته وليس في عياله من الزكاة، وكره (مالك) قراءة السجدة في الفريضة، لأنها تشوش على المأموم فكرهها للإمام ثم للمنفرد حسما للباب، والحق الجواز للحديث كالشافعي وكره الانفراد قيام رمضان لذا أفضى إلى تعطيل إظهاره أو تشويش خاطره/ 218 - أونهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم لئلا يعظم تعظيم أهل الكتاب للسبت، وأجازه مالك، قال الداودى: لم يبلغه الحديث وكره ترك العمل فيه لذلك، وكره إتباع رمضان بست من شوال، وإن صح فيه الخبر لتوقع ما وقع بعد طول الزمان من إيصال العجم الصيام والقيام وكل ما يصنع في رمضان إلى آخرها، واعتقاد جهلتهم أنها منه كذا ذكره الشيخ شهاب الدين عن زكي الدين بن عبد العظيم المحدث.
تنبيه: قال شهاب الدين- رحمه الله شاع عند عوام مصر أن الصبح ركعتان إلا في الجمعة فإنه ثلاث ركعات، لأجل أنهم يرون الإمام يواظب على قراءة السجدة يوم الجمعة ويسجد ويعتقدون أن تلك ركعة آخري واجبة، وسد هذه الذرائع متعين في الدين، وكان مالك- رحمه الله شديد المبالغة فيها انتهى.
قال بعض الشيوخ: ومضى عمل الشيوخ بالجامع الأعظم من تونس على قراءتها في صبح الجمعة- ولا أكثر من جماعته- وذلك لأمن التخليط حتى صار ترك قراءتها موجبًا للتخليط انتهى. كلام الإيضاح وجله من كلام القاضي أبي عبد الله المقري.
ويعني ببعض الشيوخ الإمام أبا عبد الله الأبي.
قال المقري: قاعدة: عناية الشرع بدرء المفاسد أشد من عنايته بجلب المصالح فإن لم يظهر رجحان الجلب قدم الدرء، فيترجح المكروه علي المندوب كإعطاء فقير من القرابة تلزمه نفقته وليس في عياله من الزكاة، وثالثهما ألا يباح وهى للمالكية، والحرام على الواجب كالإلقاء باليد إلى التهلكة في الحج بخلاف الشبهة.
قال الغزالي: أكثر العلماء على وجوب طاعة الأبوين في الشبهة دون الحرام وقد كره مالك قراءة السجدة في الفريضة، لأنها تشوش على المأموم فكرهها للإمام، ثم للمنفرد حسما للباب، والحق الجواز للحديث كالشافعي، كره الانفراد بقيام رمضان إذا أفضى إلى تعطيل إظهاره أو تشويش خاطره، ونهى الشرع عن انفراد يوم الجمعة بالصوم، لئلا يعظم تعظيم أهل الكتاب للسبت وأجازه مالك/ 218 - ب قال الداودي: لم يبلغه الحديث وقد كره ترك العمل فيه لذلك، وكره إتباع رمضان بست من شوال وان صح فيها الخبر لتوقع ما وقع بعد طول الزمان من إيصال العجم الصيام والقيام وكل ما يصنع في رمضان إلى آخرها، واعتقاد جهلتهم أنها منه، والمؤمن ينظر بنور الله.
وقال أيضا: قاعدة: مراعاة درء المفاسد أهم من مراعاة جلب المصالح إلا بمنفصل، ومن ثم منع محمد شركة المفاوضة وعلي مالك والنعمان بيان ترجيح مصلحتها، النكتة في هذا الباب أن المقصود الأول من الشركة أن يكون عملهما أفضل من عمل واحد منهما، وهذا إنما يوجد بأن لا يكون في صورتها غبن على أحدهما، ومن ثم منع
مالك شركة الوجوه مطلقًا، والأبدان في صنعتين أو موضعين، خلافا للنعمان فيهما، وأن تكون بحيث يكون عمل كل واحد منهما في مال صاحبه كعمله في مال نفسه، وهذا نما يكون مع الخلط فان دواعي النفوس لا تتحرك إلى تمييز مال الغير كما تتحرك إلى تمييز مال النفس فالتمييز يحل بهذا المقصود ومن ثم منع محمد شركة الأبدان لأن المنافع لا تختلط في شركة المفاوضة.
وقال أيضا: قاعدة درء المفسدة مشروط بأن لا يؤدى إلى مثلها أو أعظم إما وجوبا فباتفاق، وإما جوازا فقال النعمان: يجوز أن يعرض بنفسه في تغيير المنكر إعلاء لكلمة الحق المبذول فيها النفوس بالجهاد وهو نظر إلى ترجيح المصلحة فالقاعدة باتفاق.
قوله: "فخذ ما نقلا" أي من أول الكتاب إلى آخره.
435 -
هذا تمام المنهج المنتخب
…
جامعته من أمهات الكتب
436 -
لقطت منها دررا ثمينة
…
مما انتهى العالم المدينة
437 -
فالحمد لله على الإنعام
…
بالفضل والرحمة والختام
438 -
أحمده بأبلغ التحميد
…
شكرا علي كلمة التوحيد
439 -
إذ خير ما فاهت به الأفواه
…
إخلاص لا اله إلا الله/ 219 أ
440 -
سبحانه بالغ في الإنعام
…
إذ عمنا بنعمة الإسلام
441 -
وخصنا بالمصطفى محمد
…
إذ لم نكن لولا هداه نهتدي
442 -
ثم أصلي دائما علي الهدي
…
والآل والصحب ومن قد اهتدي
443 -
وأسأل الله به نيل المني
…
ويرحم الرحمن عبدا أمنا
أمهات الكتب أي الكتب التي هي أمهات يرجع إليها ويعتمد في فن الفقه عليها.
والدرر جمع درة وهي الجوهرة العظيمة، والثمينة، ذات الثمن الكثير، وعالم المدينة وهو إمامنا مالك بن أنس بن أبى عامر الأصبحي، وعليه حمل كثير من العلماء قوله صلى الله عليه وسلم:"يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة، وبالفضل يتعلق بالإنعام والختم ختم هذا الكتاب وإتمامه والتحميد المبالغة في الحمد مصدر حمد بالتشديد، ومنه سمى نبينا صلى الله عليه وسلم، لأنه يكثر حمد الناس له لكثرة خصال الحمد فيه صلى الله عليه وسلم، وفي جعل الإخلاص خير ما فاهت به الأفواه مبالغة فيه، كأنه قد نطق به وأدرك بحاسة السمع، وإلا فالإخلاص محله القلب، وفيه أيضا الإشارة إلى أن المعتبر الإخلاص وأن النطق بدونه لا عبرة به وعمنا بنعمة الإسلام: أي عمنا معشر المسلمين فيدخل من أسلم من الأم السابقة، أو عمنا معشر أمة محمد عليه السلام وهذا أحسن، لقوله: "وخصنا" معشر هذه الأمة من بين سائر الأم أو سائر المسلمين بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا في هذا الوجه إيهام التضاد وهو إثبات العموم والخصوص للشيء الواحد، والهدي، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، جعله نفس الهدي على سبيل المبالغة لكماله فيه صلى الله عليه وسلم، كما يقال: رجل عدل وفطن: "وأسأل الله به" أي متوسلا بالهدى الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يعود الضمير على الله فيكون سأل الله تعالى متوسلا إليه به عز وجل. وعبدًا أمنًا: أي قال آمين فالألف لإطلاق القافية/ 219 ب.
وهنا انقضى الشرح والحمد لله رب العالمين، وكان الفراغ من كتابة هذا الكتاب عشية يوم الأربعاء السابع من شهر صفر الخير من عام 1291 هـ إحدى وتسعين ومائتين وألف.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة الدائمة والتسليم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.