المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: جامع الدين والحول - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ١١٦

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: جامع الدين والحول

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح: الموطأ -‌

‌ كتاب البيوع (13)

الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزيه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

‌باب: جامع الدين والحول

حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مطْلُ الغني ظلم، وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع)).

وحدثني عن مالك عن موسى بن ميسرة أنه سمع رجل يسأل سعيد بن المسيب، فقال: إني رجل أبيع بالدين فقال: سعيد لا تبع إلا ما آويت إلى رحلك.

قال مالك في الذي يشتري السلعة من الرجل على أن يوفيه تلك السلعة إلى أجل مسمى، إما لسوق يرجو نفاقها فيه، وإما لحاجة في ذلك الزمان الذي اشترط عليه، ثم يخلفه البائع عن ذلك الأجل، فيريد المشتري رد تلك السلعة على البائع إن ذلك ليس للمشتري، وإن البيع لازم له، وإن البائع لو جاء بتلك السلعة قبل محل الأجل لم يكره المشتري على أخذها.

قال مالك: في الذي يشتري الطعام فيكتاله ثم يأتيه من يشتريه منه، فيخبر الذي يأتيه أنه قد اكتاله لنفسه واستوفاه، فيريد المبتاع أن يصدقه ويأخذه بكيله، إنما بيع على هذه الصفة بنقد فلا بأس به، وما بيع على هذه الصفة إلى أجل فإنه مكروه حتى يكتاله المشتري الآخر لنفسه، وإنما كره الذي إلى أجل لأنه ذريعة إلى الربا، وتخوف أن يدار ذلك على هذا الوجه بغير كيل ولا وزن، فإن كان إلى أجل فهو مكروه، ولا اختلاف فيه عندنا.

قال مالك: لا ينبغي أن يشترى دين على رجل غائب ولا حاضر إلا بإقرار من الذي عليه الدين، ولا على ميت وإن علم الذي ترك الميت، وذلك أن اشترى ذلك غرر لا يدرى أيتم أم لا يتم؟ وتفسير ما كره من ذلك أنه إذا اشترى دين على غائب أو ميت أنه لا يدرى ما يلحق الميت من الدين الذي لم يُعلم به، فإن لحق الميت دين ذهب الثمن الذي أعطى المبتاع باطلاً.

ص: 1

قال مالك: وفي ذلك أيضاً عيب آخر أنه اشترى شيئاً ليس بمضمون له، وإن لم يتم ذهب ثمنه باطلاً، فهذا غرر لا يصلح.

قال مالك: وإنما فرق بين ألا يبيع الرجل إلا ما عنده، وأن يسلف الرجل في شيء ليس عنده أصله أن صاحبه العينة إنما يحمل ذهبه التي يريد أن يبتاع بها، فيقول: هذه عشرة دنانير، فما تريد أن اشتري لك بها، فكأنه يبيع عشرة دنانير نقداً بخمسة عشرة ديناراً إلى أجل، فلهذا كره ذلك، وإنما تلك الدُخْلَة والدُلْسَة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: جامع الدين والحول

الدين معروف، وهو البيع إلى أجل، والحول التحول والحوالة، فالتحول للدين من ذمة إلى أخرى، فالحول معناه الحوالة والتحول، كما في قوله -جل وعلا-:{خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [(108) سورة الكهف] يعني تحولاً، فالحول التحول والتحويل والحوالة للمال من ذمة إلى أخرى، كأن يكون لزيد على عمرو مال فيأتيه، فيأتي زيد إلى عمرو المدين، فيقول: إن لي مالاً على بكر، أحيلك بقدر ما تطلبه مني على بكر، فينظر في حال بكر إن كان غنياً فهو موضوع هذا الباب الذي فيه الأمر، وإن كان ليس بمليء مفلس، أو مماطل فمثل هذا لا يلزم قبول الحوالة في مثل هذه الصورة.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج" أبو الزناد اسمه؟ عبد الله بن ذكوان، والأعرج اسمه؟ عبد الرحمن بن هرمز "عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((مطْلُ الغني ظلم، وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع)) " مطْلُ: يعني منع القضاء، وترديد الدائن، ويجد هذا في أسواق المسلمين، إذا جاء الدائن قال: تأتي غداً والفلوس موجودة، فإذا جاء غداً قال: تأتي آخر النهار، وإذا جاء آخر النهار قال: بعد أسبوع وهكذا؛ لأن إخراج المال من اليد بالنسبة لمن أشرب قلبه حب المال صعب جداً، وتجده يعتذر بأعذار ليست صحيحة، فيجتمع عنده من المنكرات ما يجتمع، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه ظلم.

ص: 2

((مطل الغني)) القادر على الأداء، ومطْلُ: مصدر مضاف إلى الغني، وهل الغني الفاعل أو المفعول؟ فهل المصدر من باب إضافة المصدر إلى الفاعل أو إلى مفعوله؟ ((مطْلُ الغني)) يعني المذموم هنا والموصوف بالظلم هو كون الغني يمطل الدائن، فهو من إضافة المصدر إلى فاعله، وقال بعضهم: إنه من باب إضافة المصدر إلى المفعول، والمقصود بهذا أن الدائن هو الغني، فمطله وإن كان غني ظلم، شخص له على آخر ألف، وهذا الدائن يملك ملايين، ثم يأتي إلى هذا الشخص الذي هو مدين له بألف يقول له: غداً، بعد غد، بعد شهر، بعد سنة، وهو قادر، فمطله وتأخير حقه ظلم ولو كان غنياً، وإن كان فقيراً فمن باب أولى، وهذا توجيه قول من يقول: إنه من إضافة المصدر إلى المفعول، والحديث الآخر في الصحيحين وغيرهما، وجاء بنص ((لي الواجد ظلم)) هو بمعناه، فاللي هو المطل، والواجد هو الغني، والظلم الأصل فيه وضع الشيء في غير موضعه، هو ظالم ومتعدي على نفسه، أولاً، وعلى غيره ثانياً.

ص: 3

وجاء في بعض الروايات: ((يبيح عرضه وعقوبته)) فإذا وجد المال على واجد غني قادر على السداد، ثم تأخر في الدفع يوصف بأنه ظالم وحينئذٍ إذا كان ظالماً يجوز للمظلوم أن يقع في عرضه بقدر مظلمته {لَاّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء]((واتقِ دعوة المظلوم)) يجوز له أن يدعو عليه، لكن بقدر ما ظلمه، لا يزيد على ذلك، ويجهر بذلك، لكن بقدر مظلمته، وأهل العلم يقولون: إن له من عرضه أن يقول: مطلني فلان، بعض الناس إذا فتح له المجال في مثل هذه النصوص أخذ يتكلم فيه بحق وبغير حق، ويلصق فيه من التهم ما ليس فيه، ويدعو عليه آناء الليل وأطراف النهار، فأهل العلم يقررون أن له من عرضه أن يقول .. ، أن يصف الواقع، مطلني فلان، لكن هل لغيره أن يقول: فلان مماطل في المجالس يتحدث، وتكون فرصة، إذا كان أهل التجارات بجوار بعض، والعامة يقولون: عدو المرء من يعمل عمله، فإذا رأى أن جاره يماطل ويؤخر، فهل لهذا الجار أن يتحدث في المجالس أن يقول: فلان مماطل، أو أن هذه غيبة؟ الأصل أنها غيبة، هو مسلم، عرضه محترم، لكن إذا جاء من يستشيره، ويقول له: أنا أبيع على فلان ويؤخر، ولا أطلب منه الدفع مقدم، ولو قال له: إنه ترى عرف بترديد الدائنين، مع قدرته على السداد، يكون هذا من باب النصيحة، ولا يكون من باب الغيبة بقدر الحاجة.

((مطل الغني ظلم)) ومقتضى كونه ظلم أن يكون محرماً، فلا يجوز ترديد الدائن مع القدرة على الوفاء وعلى السداد،

طالب: أحسن الله إليك، الرواية:((يحل دمه وماله)) أو ((عقوبته)

عقوبته نعم، ((يحل عرضه وعقوبته)) فللولي أن يعزره حتى يستخرج منه المال، فهذا من عقوبته، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

يذكرون أيضاً من الآثار: ((لا غيبة لفاسق)).

طالب:. . . . . . . . .

لا، ليست على إطلاقها، لا، لا، أبداً، الفاسق محترم، محترم العرض، مسلم فهو محترم العرض، لكن إذا كان فسقه يخشى من تعديه إلى غيره فيحذر منه بقدر الحاجة، والمواضع التي يجوز فيها مثل هذا محددة عند أهل العلم، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 4

من الشراح من قال: إنها جنازة يهودي، نعم جنازة يهودي، لكن مقتضى السياق تدل على أنه مسلم؛ لأنه لو كان يهودياً ما كان السبب في دخوله النار ووجوب النار عليه مجرد ثناؤهم عليه بالشر، إنما وجوب النار له لكفره، -نسأل الله السلامة والعافية-.

((مطل الغني ظلم، وإذا اتبع أحدكم)) إذا أتبع يعني أحيل ((أحدكم على مليء فليتبع)) هكذا أكثر الروايات في التخفيف (اتبع) وفي بعضها ((إذا اتبع أحدكم على مليء)) أتبع الأصل فيه أنه يتعدى بنفسه، الأصل فيه أنه يتعدى بنفسه، وعُدي بـ (على) لأنه ضُمِّن معنى أحيل، ((وإذا أتبع أحدكم)) يعني أحيل أحدكم على مليء كغني لفظاً ومعنى ((فليتبع)).

إذا كان الدين على معسر، وردد الدائن باعتبار أنه لا يملك ما يسدد به هذا الدين، فلا يدخل في الحديث، لكن له شأن آخر، الآن المخاطب المدين، وإذا كان الحال بضد ما ذكر فيخاطب المدين وإلا الدائن؟ الدائن بمثل قوله -جل وعلا-:{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] فالخطاب الشرعي يتجه إلى الطرفين، والأصل أن صاحب الحق له المقالة، فيتجه الحق على من عليه الحق، ويخاطب بمثل هذا الحديث، فإن كان عاجزاً رجع الخطاب إلى الطرف الأول، فيلزمه الإنظار، وفي أسواق المسلمين من الصور الشيء الكثير من المخالفات والحيل، قد يكون المدين معسراً، ثم يقول للدائن: لا تنظرني، وشدد علي في الطالبة، بل قد يقول له: طالب بسجني، من أجل إيش؟ أن يسدد عنه، يستخرج صك إعسار، ثم يسدد عنه، ووجد ما هو شر من ذلك، وجد من يشهد لفلان أنه معسر، ثم يستخرج صكاً، أو أنه مدين لفلان بكذا بمبلغ كذا، ثم إذا استخرج الصك وسدد عنه اقتسما المبلغ، هذه الحيل موجودة، ولذلك القضاة يحتاطون لمثل هذا، فالاحتياط لجميع الأطراف موجود، ولا بد منه؛ لأن الناس تحايلوا.

ص: 5

((وإذا اتبع أحدكم على مليء)) كغني ومسر ((فليتبع)) يعني فليحتل، يقبل الحوالة، فليقبل الحوالة، اللام هنا لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وعلى هذا هل يلزم رضا المحيل؟ هل يلزم رضا المحيل؟ المدين الأول؟ يلزم رضاه؛ لأنه ما يلزم أن يحيل وهو يقول: دراهمي موجودة؛ لأن صاحب الدين غير متضرر، لكن لو ما كان عنده دراهم، وعنده أموال على فلان من الناس، أو على مجموعة من الناس، وأراد أن يحيل عليها، فالمأمور هنا في الحديث الدائن الأول عليه، أن يقبل الحوالة، وعلى هذا لا يلزم رضاه عند جمع من أهل العلم، بناء على أن الأمر هنا للوجوب وهو الأصل، وهو قول الحنابلة والظاهرية وأبو ثور وابن جرير وجمع من أهل العلم.

وهذا هو الأصل فيه، وأن اللام للوجوب، لكن ألا يتضرر ولو من وجه لا سيما مع غنى المدين الأول المحال ما يتضرر؟ لو قال مثلاً: أنا واجد، ومع ذلك أحيلك على فلان الغني أيضاً، يحتاج أيضاً إلى مشوار ثاني ومطالبة جديدة لفلان الثاني، فهل يلزم أن يقبل الحوالة مع أن المدين الأول واجد غني؟ يعني ((وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)) يعني عموم اللفظ يشمل؛ لأن (أحد) مفرد مضاف وهو أيضاً في سياق شرط يعم.

((إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)) فهل كل أحد يلزمه أن يتبع، ولو كان المدين الأول واجد؟

لزيد على عمرو مائة ألف، زيد عنده أرصده، وعنده شيكات جاهزة، وعنده دراهم في متجره أكثر من هذا المبلغ، فيقول: أنا لي على بكر مليون أحيلك عليه بمائة ألف وبكر مليء، هذه الصورة تدخل في الحديث وإلا ما تدخل؟ تدخل، ومن باب أولى إذا كان المدين الأول الذي هو عمرو يشق عليه الوفاء، أما لأن الأموال غير حاضرة، مع كون المحال عليه مليئاً، يعني يدخل من باب أولى.

((إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)) عرفنا أن القول الأول في المسألة أنه يلزم الإتباع من قبل المحال؛ لأن اللام لام الأمر، والأمر الأصل فيه الوجوب، لكن إذا كانت ذمة الأول المشغولة بالدين ابتداءً، وهو قادر على السداد، ويقول: أنا والله ما لي دعوة بفلان ولا علان، أنا خصمي أنت وعندك دراهم هات، في أحد يلزمه بأن يقبل الحوالة؟ عموم الحديث يشمل وإلا ما يشمل؟ يشمل.

ص: 6

ولذلك الجمهور على أن الأمر هنا للاستحباب، وليس على سبيل الوجوب، ولذا لا يلزم المحال أن يقبل الحوالة مع قدرة المدين على السداد، وبعضهم نقل الإجماع، لكن النقل فيه ما فيه لوجود المخالف، والنقل ليس بصحيح وهم؛ لأن المخالف موجود، طيب الجمهور ويش الصارف عندهم لهذا الأمر؟ أنهم قالوا: إن هذا من باب الإحسان، والإحسان ليس بواجب، الإحسان ليس بواجب، طيب من يذكر لنا ما يدل على أن الإحسان ليس بواجب؟ العلماء ما هم استدلوا على ضعف دلالة الإقتران بقول الله -جل وعلا-:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [(90) سورة النحل] وقالوا: إن العدل واجب اتفاقاً، والإحسان ليس بواجب اتفاقاً؟ نعم، فإذا كان هذا من باب الإحسان فليس بواجب، الأمر الثاني أنهم قالوا: هذا أمر بعد حظر، كيف أمر بعد حظر؟ ((فليتبع)) ما الحظر الذي ورد في هذا؟ نهى عن بيع الكالئ بالكالئ، الذي هو بيع الدين بالدين، كيف صارت الحوالة بيع دين بدين؟ أولاً: الحديث معروف الكلام فيه لأهل العلم، والحكم يكاد يكون متفق عليه، مسألة بيع الدين بالدين، لكن يبقى أنه كيف صار القبول الحوالة بيع دين بدين؟

طالب: قضى دينه بدينه ....

كون المال يداً بيد هذا ما هو بوارد، يعني في صورة الحوالة لا يمكن أن يكون المال يداً بيد؛ لأن الأصل أنها أموال في ذمم، وما دامت في ذمم فهو دين، والأمر بعد الحظر حكمه؟ نعم؟ نعم يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر، وما كان عليه هنا قبل الحظر؟ استحباب لأنه إحسان.

مسألة الأمر بعد الحظر مسألة كبيرة، ومنهم من يطلق أنه يكون للإباحة {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا} [(53) سورة الأحزاب]{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [(10) سورة الجمعة] نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

{فَاسْعَوْا} [(9) سورة الجمعة] لا، إذا قضيت الصلاة فانتشروا وابتغوا {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة] نعم؟

وين؟

اتفاق في الآية {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [(90) سورة النحل] هم يستدلون بهذه الآية على ضعف دلالة الاقتران؛ لأن العدل واجب اتفاقاً، والإحسان غير واجب اتفاقاً، على كل حال إن الله كتب الإحسان في كل شيء.

ص: 7

طالب:. . . . . . . . .

ومرتبة الإحسان فوق مرتبة الإيمان كذلك، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

على الحوالة، مقتضى كلامهم أن الحظر متقدم أن بيع الكالئ بالكالئ متقدم، والحوالة متأخرة، هذا مقتضى قول الجمهور؛ لأنه أمر بعد حظر، فمقتضى قولهم: إن النهي عن بيع الكالئ بالكالئ متقدم، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لكن وش المانع أن يكون هذا متقدم؟

ثم نهي عن بيع الكالئ بالكالئ، تدرون ما الذي يمنع أن يكون هذا الحديث متقدم؟ نعم؟

أنه لم يقل أحد من أهل العلم بنسخ هذا الحديث، يتفقون على أن الحديث مُحكم، وهذا كافي في مثل هذا الباب، وكلهم يستدلون به، لكن منهم من يستدل به على الاستحباب، ومنهم من يستدل به على الوجوب، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ما يكون مليء، المليء الذي إذا طلب منه المال دفع.

طالب:. . . . . . . . .

إذا توافرت الشروط بيع.

طالب: إذا أفلس ....

لكن هل يبرأ لمجرد الحوالة أو يبرأ إذا دفع المحال عليه؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، مقتضى الحديث والأمر أنه بمجرد ما يتبع ينتهي.

طالب:. . . . . . . . .

إذا كان وقت الحوالة مليء، ثم فرط في مطالبته، يعني إذا كان هناك وقت كافي للمطالبة، وأخذ المال منه وفرط فيه ما يرجع، هذا التفريط منه.

يقول: حديث نهي بيع الكالئ بالكالئ ضعيف جداً، وإنما هي من مسائل الإجماع كما نص عليها؟

ما أشرنا إلى هذا، قلنا: كلام أهل العلم في تضعيفه وواضح، لكن المعول في هذا على عمدة الاتفاق؛ لأنهم يتفقون على النهي عن بيع الدين بالدين، وهذا الاتفاق لا بد له من مستند، فهو المعول عليه في هذه المسألة، لكن أحياناً يكون الحديث مع ضعفه شعار لهذه المسألة؛ لأن الاتفاق الأصل الذي استند عليه الاتفاق غير معلوم لنا، ولا يبديه أهل الاتفاق، فيكون ما عندهم شعار إلا هذا الحديث، فكونهم يستدلون بهذا الحديث المؤيد بالإتفاق لا لذاته، وإنما لما يؤيده من مستند الاتفاق، أفضل من أن يقال: العمدة في هذا، أو المعارض لهذا، أو الصارف لهذا الاتفاق، فكونهم يصرفون بخبر أولى بكونهم يصرفون بقول.

ص: 8

قال: "وحدثني عن مالك عن موسى بن ميسرة أنه سمع رجل يسأل سعيد بن المسيب، فقال: إني رجل أبيع بالدين" يعني يبيع السلع بالآجل "فقال سعيد: لا تبع إلا ما آويت إلى رحلك" وهذا مسألة القبض، أمر لا بد منه، والحيازة لا سيما في الطعام أمر لا بد منه، والحيازة لغير الطعام، والنقل إلى الرحل مسألة خلافية، وتقدم الكلام فيها، وفيها كلام ابن عباس:"ولا إخال سائر السلع إلا كذلك" يعني مثل الطعام، وكلام سعيد يشمل الطعام وغير الطعام.

ص: 9

"قال مالك في الذي يشتري السلعة من الرجل على أن يوفيه تلك السلعة إلى أجل مسمى، إما لسوق يرجو نفاقها فيه" يشتري سلعة في وقت السلعة فيه موجودة، يشتري في هذه الأيام سلعة موجودة بكثرة في الأسواق، ثم يقول: اشتري منك هذه السلعة على أن تحضرها لي بعد ستة أشهر، يعني إذا قلت في الأسواق، ولذا قال:"لسوق يرجو نفاقها فيه" اشتراها الآن، وهي موجودة بكثرة في الأسواق، إذا قبضها وباعها في وقتها ما استفاد، لكن إذا أخرها إلى مدة بحيث يقل وجودها في الأسواق، هل مثل هذا يدخل في الاحتكار أو لا يدخل؟ يعني ما أحتاج الناس إليها، يعني أفترض شخص عنده ملابس شتوية وردته في الصيف، هل يلزم أن يبعها في وقتها؟ لا يلزم؛ لأن الناس ما احتاجوا إليها، فيؤجل بيعها إلى ما بعد انتهاء وقت الصيف ومجيء وقت الشتاء، فهذه السلعة .. ، خلنا نضرب المثال عندنا بالثياب، شخص اشترى من آخر ملابس صيفية، والآن الناس لا يحتاجونها، ولو عرضها ما جاءت بقيمة، ينتظر بها لمدة ثلاث أشهر، أو أربعة أشهر حتى يشتد الحر "لسوق يرجو نفاقها فيه، وإما لحاجة في ذلك الزمان الذي اشترط عليه" توقع أن المصنع الذي يصنع هذه الملابس يعتريه ما يعتريه، فيحتاج الناس إلى هذه السلعة في ذلك الوقت "ثم يخلفه البائع عن ذلك الأجل" جاء الأجل، اشترى ملابس صيفية، ونحن الآن في شهر محرم مثلاً، وقال له: إن تسلمني هذه الملابس بعد أربعة أشهر، جاء الأجل بعد أربعة أشهر "ثم يخلفه البائع عن ذلك الأجل" قال: ما عندي شيء "فيريد المشتري رد تلك السلعة على البائع" قال: أنا ما أقدر الآن أن أسلمك إياها، في شهر خمسة، أنا ما أستطيع، لكن أسلمك في شهر عشرة، في شهر عشرة انتهى الموسم، انتهى وقت النفاق، ما أقدر أسلمك إلا في ذلك الوقت، فيريد المشتري الذي يتحين السوق التي تنفق فيها هذه السلعة تروج "فيريد المشتري رد تلك السلعة على البائع" يقول: هونت خلاص ما أبيع، أنا أبيع في الوقت المعين، وأنت ما جبت لي "فيريد المشتري رد تلك السلعة على البائع أن ذلك ليس للمشتري" ليس للمشتري، لماذا؟ لأن البيع عقد لازم، لكن إذا اتفقا عليه؟ رد تلك السلعة وقبل البائع، الأمر لا يعدوهما "فيريد المشتري رد تلك السلعة

ص: 10

على البائع أن ذلك ليس للمشتري، وأن البيع لازم له، وإن البائع لو جاء بتلك السلعة قبل محل الأجل لم يكره المشتري على أخذها" قال: صحيح أنا بعت عليك في شهر محرم، واشترطت علي أن أسلمك في رجب مثلاً أو جماد، أنا الآن هي جاهزة عندي الآن من صفر خذها "لم يكره المشتري على أخذها" يقول: أنا ما عندي استعداد آخذ السلعة واستأجر لها مستودع وأحرسها، وأنا مشترط عليك، لم يكره على أخذها، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

الشرط الجزائي أقرب ما يكون تأصيله إلى العربون، فالذي يجيز العربون يجيزه، والذي لا يجيز العربون لا يجيزه، من أي وجه تشابها؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم كون أحد الأطراف متضرر، فيأخذ مقابل الضرر، هذا عند من يجيز، وعند الطرف الآخر، الذين لا يجيزون يقولون: أخذ مال الغير بدون مقابل، فهو من أكل أموال الناس بالباطل، اشتريت سيارة، ودفع لك ألف عربون، ما الذي يبيح لك الألف وهو رد سلعتك؟ السلعة ردت، فما الذي يبيح لك أخذ الألف والحديث على كل حال لا يعول عليه ضعيف؟ فالمسألة مسألة اعتبار المصالح، ودرء المفاسد، ولا شك أن أحد الطرفين في المسألتين متضرر، على كل حال المسألة مسألة النظر في المصالح، وإلا فالأصل أنه أخذ مال بدون مقابل، كونه أخذ مال بدون مقابل ظاهر، سعلتك ردت عليك، طيب الألف هذا في مقابل إيش؟ ما في مقابل إلا عند من يقول: إنه متضرر، فوت عليه الزبائن، وهذا فوت عليه الانتفاع بما اتفق عليه، هذه المدة فيأخذ مقابل هذا التفويت.

"قال مالك: في الذي يشتري الطعام فيكتاله، ثم يأتيه من يشتريه منه، فيخبر الذي يأتيه أنه قد اكتاله لنفسه واستوفاه، فيريد المبتاع أن يصدقه، ويأخذه بكيله: إنما بيع على هذه الصفة بنقد فلا بأس به" لماذا؟ لأنه يجوز أن يباع الطعام بالنقد جزافاً، لا يلزمه الكيل، يجوز أن يباع جزافاً، فلا يلزم الكيل، الإشكال حينما يباع الطعام بطعام مثله من جنسه، هنا لا بد من التأكد من المساواة، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لا بد أن ينقل.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 11

لا هو الآن يتكلم على قبول الكيل في مثل هذه الصورة "في الذي يشتري الطعام فيكتاله، ثم يأتيه من يشتريه منه فيخبر الذي يأتيه أنه قد اكتاله لنفسه، واستوفاه، فيريد المبتاع أن يصدقه ويأخذه بكيله، إنما بيع على هذه الصفة بنقد فلا بأس به، وما بيع على هذه الصفة إلى أجل فإنه مكروه" نقد لا بأس به، وإلى أجل مكروه، يجوز بيع الطعام بالدراهم إلى أجل وإلا ما يجوز؟ نعم يجوز بيعه إلى أجل، ما وجه المنع هنا؟ "وما بيع على هذه الصفة إلى أجل فإنه مكروه حتى يكتاله المشتري الآخر لنفسه، وإنما كره الذي إلى أجل؛ لأنه ذريعة إلى الربا" كيف ذريعة إلى الربا؟ متى يكون ذريعة إلى الربا؟

طالب:. . . . . . . . .

لا هو طعام بنقد، لكن بنقد، إنما بيع على هذه الصفة بنقد فلا بأس، أو بطعام آخر منقود؟ شوف تأمل:"إنما بيع على هذه الصفة بنقد فلا بأس به، وما بيع على هذه الصفة إلى أجل" فصار نقد في مقابل الأجل، لكن ما العوض؟ دراهم وإلا طعام آخر؟ يعني لو كان طعام بطعام يجوز إلى أجل؟ ما يجوز، ما هو العلة في هذا كون المسألة إلى الأجل، وكون العوض طعام، يعني نتصور المسألة في الطرفين فيما يباع به نسيئة، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لا هو الطعام لا يجوز إلا يداً بيد، مثلاً بمثل، إذا بيع بجنسه.

طالب:. . . . . . . . .

وين؟

طالب:. . . . . . . . .

لأنه يداً بيد، نقد.

طالب: لكن يا شيخ هو علل قال مخافة. . . . . . . . .

لا أنا أخشى أنه في الصورة الثانية كل الثمن نقد، يعني دراهم، في الصورة الأولى نُقد الثمن وانتهى الإشكال، لكن في الصورة الثانية إلى أجل، وفي أثناء الأجل قد يطلب إقالة، فيطلب طعام وما استوفاه كيلاً، الإقالة تجوز، لكن ما استوفاه كيلاً.

طالب: تخوفه إن رجع ذلك على. . . . . . . . .

ص: 12

ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ وإلا لو كان الثمن طعام بطعام، ما احتجنا إلى هذا الكلام، ما احتجنا إلى مثل هذا الكلام؛ لأنه لا يباع إلى أجل "إنما بيع على هذه الصفة بنقد فلا بأس به، وما بيع على هذه الصفة إلى أجل فإنه مكروه حتى يكتاله المشتري الآخر لنفسه" لأنه يضبط أموره، ليرد مثله سواء بسواء عند عدم إتمام البيع، يعني لو حصل إقالة فيما بعد "حتى يكتاله المشتري الآخر لنفسه، وإنما كره الذي إلى أجل لأنه ذريعة إلى الربا" متى يكون ذريعة؟ هل يكون ذريعة إذا سددت القيمة دراهم؟ ما يكون ذريعة، لكن يكون ذريعة حينما تطلب الإقالة، الإقالة فيدفع طعام، وهو ما كاله من الأصل، فيكون ذريعة إلى الربا.

"وتخوف أن يدار ذلك على هذا الوجه بغير كيل ولا وزن، فإن كان إلى أجل فهو مكروه، ولا اختلاف في ذلك عندنا" أظن التصوير ظاهر.

"قال مالك رحمه الله: لا ينبغي أن يشترى دين على رجل غائب ولا حاضر إلا بإقرار من الذي عليه الدين، ولا على ميت" كيف لا يشترى دين؟ ما صورة شراء الدين؟ "لا ينبغي أن يشترى على رجل غائب ولا حاضر إلا بإقرار من الذي عليه الدين" صورة المسألة؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

هذا الربا، لكن لو قال: عندي هذه السيارة قيمتها تسعون ألفاً، أعطيك السيارة، يعني بما يباع به نسيئة، لا بد أن يكون بما يباع به نسيئة، أما إذا كان لا يباع به نسيئة لا، لكن هل معنى هذا أنه لا بد من رضاي أنا، من رضا المدين؟

الإمام مالك قال: "لا ينبغي أن يشترى دين على رجل غائب ولا حاضر إلا بإقرار من الذي عليه الدين" هل المقصود رضاه أو اعترافه؟ نعم؟

ص: 13

"قال مالك: لا ينبغي أن يشترى دين على رجل غائب ولا حاضر" يعني حي، سواءً كان غائباً أو حاضراً "إلا بإقرار من الذي عليه الدين، ولا على ميت، وإن علم الذي ترك الميت" وإن علم هذا المشتري المال الذي تركه الميت، يعني أن له وفاء وسداد "وذلك أن اشتراء ذلك غرر لا يدرى أيتم أم لا يتم" كونه لا يقر الذي اشتري ما في ذمته، اشتري بما يباع به نسيئة، عند زيد لعمرو مبلغ من المال، أو عند الحكومة مثلاً مال لزيد من الناس، عندهم مليون ريال إيجار مثلاً، أو ثمن مبيع، فجاء استعجل هذا صاحب المال، وقال: بدلاً من أن أطالب الدولة، ويأخذ الإجراء تأخذ وقت طويل، وقد تكون البنود في بعض الأوقات لا تحتمل، فيتوقع أن المال بيتأخر، فيأتي إلى شخص يقول: أبيع عليك هذا الدين، إن كان دراهم لا يجوز بيعه بالدراهم؛ لأنه عين الربا، لكن يجوز أن يباع بما يباع به نسيئة، فهل يشترط رضا الحكومة في مثل هذا أو لا يشترط؟ ولو افترضنا أن هذا المال على شخص عادي، يشترط رضاه أو لا يشترط؟ أو المراد هنا بالإقرار مجرد الاعتراف، ولا يلزم منه الرضا سواء كان حاضراً أم غائباً؟ وكأن هذا هو الأقرب؛ لأنه إذا لم يعترف، يعني لننظر على ميت إذا كان حاضر وإلا غائب وما سأله، قال: عندي

، عند فلان لي مائة ألف، أعطني هذه السيارة التي تسوى ثمانين أحيلك عليه، احتمال أن يكون الذي في ذمته المائة ألف مجرد دعوة، يقول: لا، أبداً، أنا ما عندي مائة ألف، عندي له خمسين ألف، فلا بد من الاعتراف بالمبلغ الكامل.

ودليل هذا التفسير؟ قوله في الميت شوف: "ولا على ميت، وإن علم الذي ترك الميت" وإن كان يعرف أن هذا الميت عنده أموال، ومعلوم أن الدين مقدم على الإرث، فيسدد الدين قبل الإرث، لكن وما يدريك أنه مدين لآخرين بما لا يبقي لك من دينك شيء، نعم؟

ص: 14

يقول: "ولا على ميت، وإن علم الذي ترك الميت، وذلك أن اشتراء ذلك غرر" غرر، أنت تدري أن عنده أموال، لكن ما يدريك أن له غرماء آخرون؟ "لا يدرى أيتم أم لا يتم" قال:"وتفسير ما كُره من ذلك أنه إذا اشترى دين على غائب أو ميت أنه لا يدرى ما يلحق الميت من الدين" ما يدرى يمكن عنده ديون أخرى غير دينك "الذي لم يُعلم به، فإن لحق الميت دين ذهب الثمن الذي أعطى المبتاع باطلاً" قال: عندي على هذا الميت مائة ألف، أعطني هذه السيارة أحيلك عليها، والرجل غني له أموال، وله أملاك وضياع، فإذا كان له غرماء آخرون ذهب المال الذي دفع، ذهبت السيارة باطلاً، ولماذا استثنى؟ هنا قال: إلا بإقرار من الذي عليه الدين، وأما بالنسبة للميت ما يلزم إقراره، ولا يكفي إقراره؛ لأنه لا يمكن أن يقر ويعترف، هذا يمكن، لو كان غائب وإلا حاضر يمكن يعترف يبحث عنه حتى يعترف، لكن الميت متى يعترف؟ وهل يكفي اعتراف الأولاد؟ اعتراف الأولاد وما يدريهم أنه يحضر لهم أناس آخرون لهم عندهم صكوك في ديون عليه.

"قال مالك: وفي ذلك أيضاً عيب آخر أنه اشترى شيئاً ليس بمضمون له، وإن لم يتم ذهب ثمنه باطلاً، فهذا غرر لا يصلح" هنا مسألة: وهي مسألة الرجل إذا مات وعليه دين، وترك وفاء، وصاحب الدين تأخر بالمطالبة حتى قسمت التركة، هل يرجع على الورثة في مثل هذه الصورة أو لا يرجع؟

يقول: "وفي ذلك أيضاً عيب آخر أنه اشترى شيئاً ليس بمضمون له، وإن لم يتم ذلك ذهب ثمنه باطلاً، فهذا غرر لا يصلح" أما على القول بأن وقت المطالبة انتهى، وأنها له

، افترض أن المسألة في شخص تأخر حتى أكل الورثة جميع المال، يعني مدين هذا الشخص بمائة ألف ومات، وترك مليون، وقسم على الورثة تأخر الدائن، وقسم هذا المال على الورثة، وكل تصرف فيما وصل إليه، لا شك أن هذا غرر.

"قال مالك: وإنما فرق بين ألا يبيع الرجل إلا ما عنده، وأن يسلف الرجل في شيء ليس عنده أصله" يعني في السلم، يعني إذا بعت طعام في غير السلم ((لا تبع ما ليس عندك)) طعام أو غير طعام ((لا تبع ما ليس عندك)) حديث حكيم بن حزام، والسلم جائز بالإجماع تبيع ما ليس عندك، لكن لا بد من تحديد الأجل والثمن والكيل والوزن

إلى آخره.

ص: 15

يقول: "وإنما فرق بين ألا يبيع الرجل إلا ما عنده، وأن يسلف -يعني يسلم- الرجل في شيء ليس عنده أصله" على الخلاف في اشتراط كون صاحب السلم مالك للأصل أو غير مالك "أن صاحب العينة إنما يحمل ذهبه الذي يريد أن يبتاع بها، فيقول: هذه عشرة دنانير فما تريد أن اشتري لك بها؟ فكأنه يبيع عشرة دنانير نقداً بخمسة عشرة ديناراً إلى أجل، فلهذا كره هذا، وإنما تلك الدُخْلَة والدُلْسَة" إيش معنى هذا الكلام؟ نعم؟ الآن في مسألة السلم ليس الحديث عنها؛ لأنه يجوز وإن كان غير مالك للأصل، نأتي إلى ما يقابله، شخص يبيع ما ليس عنده، يقول: إن صاحب العينة الذي أخذ العين المال، وباع ما ليس عنده، إنما يحمل ذهبه الذي يريد أن يبتاع بها صاحب العين، أو صاحب المال "يحمل ذهبه الذي يريد أن يبتاع بها فيقول: هذه عشرة دنانير فما تريد أن يشتري لك بها؟ " يعني هل المراد بالعينة العينة المعروفة الواردة في حديث: ((إذا تبايعتم بالعينة))؟ الإمام مالك يوسع مسمى العينة، يتوسع في مفهوم المسمى، فما مراده بالعينة؟ الفقهاء يقول المحشي: فسروا العينة بأن يبيع الرجل متاعه إلى أجل، ثم يشتريه في المجلس بثمن حال ليسلم به من الربا، وقيل لهذا البيع: عينة لأن لمشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عيناً، أي نقداً حاضراً، أو لأن صاحب السلعة رجع إليه عين ماله، وذلك حرام إذا اشترط المشتري على البائع

إلى آخره.

هذه العينة الاصطلاحية المشهورة الآن، لكن ما هو مالك -رحمه الله تعالى- بصاحب العينة؟ هل المراد به الذي يعود إليه عين ماله، أو المراد به صاحب العين الذي هو صاحب المال؟ "أن صاحب العينة إنما يحمل ذهبه الذي يريد أن يبتاع بها فيقول: هذه عشرة دنانير فما تريد أن أشتري لك بها؟ فكأنه يبيع عشرة دنانير نقداً بخمسة عشر ديناراً إلى أجل، فلهذا كره هذا، وإنما تلك الدخلة والدلسة" يعني إنما دخل الخلل على هذه الصورة من الغرر والجهالة والتدليس في البيع، صورة المسألة، ما صورتها؟ إحنا عرفنا أن شخص معه عشرة دنانير جايبهن، صاحب العين، معه عشرة دنانير، ويريد أن يبتاع بها "إنما يحمل ذهبه الذي يريد أن يبتاع بها فيقول: هذه عشرة دنانير فما تريد أن أشتري لك بها؟ ".

ص: 16

الآن صاحب الدراهم العشرة هذه يريد أن يشتري للطرف الآخر طعام أو سلعة أخرى فكأنه يبيع عشرة دنانير نقداً بخمسة عشر ديناراً إلى أجل، يعني هذا الشخص معه عشرة دنانير يأتي إلى شخص يريد سلعة فيشتري له هذه السلعة بعشرة دنانير، فيقول له: هذه السلعة إلى أجل بخمسة عشر ديناراً واضح وإلا ما هو بواضح؟ وهذه صورة المرابحة بمجرد الوعد، أما بالعقد الذي قبل الشراء واضح أنه باع ما ليس عنده، وكأنه باع الدراهم بالدراهم، يعني هذه ظاهرة.

لكن المسألة في مجرد الوعد هل يدخل في كلام الإمام مالك؟ يعني هل مسألة التورق تدخل في العينة المحرمة أو لا تدخل؟ يعني شخص محتاج إلى عشرة دنانير فقال واحد: هذه عشرة دنانير معي، قال: أعطني إياها، قال: ما أعطيك إياها سلف قرض، ما أعطيك إياها، أنا لا بد أن أستفيد، قال: أعطني إياها عشرة أو بخمسة عشر دينار إلى أجل، نقول: هذا عين الربا، قال: إذاً أشتري لك سلعة بهذه العشرة، ماذا تريد أن أشتري لك؟ قال: تشتري لي كذا، بناء على أن مثل هذه السلعة التي أراد أن يشتريها له سلعة لا تكسد؛ لأن بعض السلع إذا اشتريت كسدت يبحث عمن يشتري ما يجد.

لا شك أن السلع تتفاوت في نفاقها، بعضها يدرج بسرعة، ولذلك الآن الناس متجه إلى الأسهم، يقول: أنت بيعها بلحظة ولا تخسر بينما السلعة الأخرى إذا عرضتها على من يسوم يمكن تنزل قيمتها، والمسألة كلها في مسألة التورق التي منها هذه الصورة لا تخلو من تحايل؛ لأن مقصود المشتري ليست السلعة، إنما مقصوده هذه الدراهم، وإنما أجازها عامة أهل العلم لمسيس الحاجة إليها، ولا فيه بديل على الربا إلا هي.

أحياناً قد لا تجد من يقرضك، لا تجد من يبيع لك بيع سلم، فما في حيلة إلى التوصل إلى الحاجة إلا بالتورق،

ص: 17

هذا قال: معي عشرة دنانير، قال شخص: أنا محتاج عشرة دنانير، قال: هذه عشرة، وجبنا الاحتمالات، وقال: أعطني إياهن، وأعطيك إياهن بعد سنة أردهن عليك، قال: لا يا أخي أنا أبى استفيد، قال: هاتهن وأفيدك أعطيك خمسة عشر دينار، قال: هذا عين الربا، لكن ماذا تريد أن أشتري لك من السلع؟ هذا إن اتفقوا على شيء، أو أبرموا عقد قبل أن يشتري صاحب العشرة دنانير السلعة هذا باع ما ليس عنده، ولا يلزم من هذا أن يكون العقد تام، حتى لو أخذ عليه عربون، أو أخذ عليه قيمة عقد أو مكاتبة، كل هذا فيه شيء من الإلزام، أما مجرد الوعد بحيث يكون الطرف الثاني في حل حتى يتم ملك الطرف الأول للسلعة ملك تام ومستقر هذا مجرد وعد ما له أثر في البيع.

وهنا قال: "فما تريد أن أشتري لك بها" قلنا: إنه إذا كان مجرد وعد هذا ما فيه إشكال، وهذا ليس بملزم، وللطرف الثاني أن يترك الصفقة، ولو في آخر لحظة، ما الذي يلزمه، ما دام العقد ما أبرم، لكن كأن الإمام مالك يلحق مثل هذه الصورة بالعينة، فكأنه يبيع عشرة دنانير نقداً بخمسة عشر ديناراً إلى أجل، يعني درهم بدرهمين بينهما حريرة هذه السلعة، عشرة بخمسة عشر بينهم هذه السلعة "فلهذا كره هذا، وإنما تلك الدخلة والدلسة" نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ولا ديانة، لا، لا؛ لأنه لو ألزمناه ديانة ألزمناه بشراء ما لا يملك، أو بيع ما لا يملك.

طالب: إخلاف الوعد.

إخلاف الوعد إذا لم يكن في ظنك أو في ذهنك عند إبرام الوعد إخلافه فلا حرج فيه، إذا حصل ما يمنع من إتمامه فلا شيء فيه، والله أعلم.

وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 18